119 )عن عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيَّ قالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ : " وَهُوَ كُفْرٌ " يَعْنِي مَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ سَمِعْتُ الشَّرِيفَ الْقَاضِيَ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ الْهَاشِمِيَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ يَقُولُ : هَذِهِ أَسَامِي مُصَنَّفَاتِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، كِتَابُ الْأَسَامِي وَالْكُنَى ، ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ الضُّعَفَاءِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ الْمُدَلِّسِينَ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ أَوَّلِ مَنْ نَظَرَ فِي الرِّجَالِ وَفَحَصَ عَنْهُمْ جُزْءٌ ، كِتَابُ الطَّبَقَاتِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ مَنْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَرَهُ جُزْءٌ ، كِتَابُ عِلَلِ الْمُسْنَدِ ثَلَاثُونَ جُزْءًا ، كِتَابُ الْعِلَلِ لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءًا ، كِتَابُ عِلَلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا ، كِتَابُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَلَا يَسْقُطُ جُزْءَانِ ، كِتَابُ الْكُنَى خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ الْوَهْمِ وَالْخَطَأِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ مَنْ نَزَلَ مِنَ الصَّحَابَةِ سَائِرَ الْبُلْدَانِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ التَّارِيخِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ الْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ جُزْءَانِ ، كِتَابُ مَنْ حَدَّثَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ جُزْءَانِ ، كِتَابُ يَحْيَى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الرِّجَالِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ سُؤَالَاتِهِ يَحْيَى جُزْءَانِ ، كِتَابُ الثِّقَاتِ وَالْمُثَبَّتِينَ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ كِتَابُ الْأَسَامِي الشَّاذَّةِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ ، كِتَابُ مَنْ تَعَرَّفَ بِاسْمٍ دُونَ اسْمِ أَبِيهِ جُزْءَانِ ، كِتَابُ مَنْ يُعْرَفُ بِاللَّقَبِ جُزْءٌ ، وَكِتَابُ الْعِلَلِ الْمُتَفَرِّقَةِ ثَلَاثُونَ جُزْءًا ، وَكِتَابُ مَذَاهِبِ الْمُحَدِّثِينَ جُزْءَانِ قَالَ الْحَاكِمُ : إِنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى فَهْرَسَتِ مُصَنَّفَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَبَحُّرِهِ وَتَقَدُّمِهِ ، وَكَمَالِهِ"
(120 ) عن جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَزَّالٍ قالَ : " كُنْتُ مَعَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ بِالْمَدِينَةِ فَمَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى سَرِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَرَجُلٌ يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْهِ هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِبَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
(121 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى بُرَيْدَةَ بْنَ سُفْيَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي طَرِيقِ الرَّيِّ ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنْ بُرَيْدَةَ هَذَا ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ يُسَمُّونَ النَّبِيذَ خَمْرًا ، وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ رَأَى بُرَيْدَةَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ فِي طَرِيقِ الرَّيِّ ، فَقَالَ : رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ خَمْرًا "
(122 ) قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ أَقَلِّ الْمَهْرِ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : زَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ "
(123 ) وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : ثنا صَالِحُ بْنُ رُومَانَ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مِلْءِ الْكَفِّ مِنْ طَعَامٍ لَكَانَ ذَلِكَ صَدَاقًا "
(124 ) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرٍو نَصْرُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَلْحَظُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ ، قَالَ : فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا يَعْقُوبَ رَوَاهُ وَكِيعٌ خِلَافَ هَذَا ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : اسْكُتْ إِذَا حَدَّثَكَ أَبُو يَعْقُوبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَتَمَسَّكْ بِهِ "
( 125) أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ يَقُولُ : " كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ فَجَرَى ذِكْرُ الْمُسْكِرِ فَحَرَّمَهُ الْحِجَازِيُّونَ ، وَجَعَلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَحْتَجُّونَ فِي تَحْلِيلِهِ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةٍ ، عَنْ عَلِيٍّ فِي الرُّخْصَةِ فَقَالَ : الْحِجَازِيُّونَ : وَاللَّهِ مَا تَجِيئُونَ بِهِ عَنِ الْمُهَاجِرِينَ ، وَلَا عَنِ الْأَنْصَارِ ، وَلَا عَنْ أَبْنَائِهِمْ ، وَإِنَّمَا تَجِيئُونَ بِهِ عَنِ الْعُمْيَانِ ، وَالْعُورَانِ ، وَالْعُرْجَانِ ، وَالْعُمْشَانِ ، وَالْحُولَانِ "
(126) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : " أَقُولُ لَهُمْ : حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ ، فَيَقُولُونَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةٍ الْمَاصِّ بَظْرَ أُمِّهِ كَانَ يَشْتِمُ عُثْمَانَ "
(127 ) سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنَ نَصْرٍ يَقُولُ : " رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي الْمَنَامِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ ؟ قَالَ : غَفَرَ لِي ، قُلْتُ : فَمَا فَعَلَ بِحَدِيثِكَ ؟ قَالَ : كُتِبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ ، وَرُفِعَ فِي عِلِّيِّينَ "
(128 ) سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَنْصُورٍ الْقَاضِيَ يَقُولُ : سَمِعْتُ خَالِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيهِ وَأَصْحَابِهِ : " اذْهَبُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَاكْتُبُوا عَنْهُ "
(129) أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ الْمُسْتَمْلِي ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ : لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي , فَسُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ ، فَقَالَ : " سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُولُ : سَأَلْتُ الْأَعْرَابَ عَنْهُ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ لَيُغَطَّى عَلَى قَلْبِي ، قَالَ : وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ ، فَيَقُولُ : مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى ، فَقَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا ، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَبْصَارِهِمْ "
(130) أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى ، يَقُولُ : " أَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ اسْتِحْبَابًا لَا إِيجَابًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ , عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ , عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "
(131) أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : ثنا شَيْبَانُ , عَنْ يَحْيَى , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى : وَصَحَّفَ أَبُو نُعَيْمٍ فِيهِ , إِنَّمَا هُوَ : " حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ "
(132 ) سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبَ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُذَكِّرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ : " مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَدِيمِ هَذِهِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ "
(133 ) سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عَمْرِو بْنِ صَالِحٍ الْفَقِيهَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهَ يَقُولُ : " كَتَبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ :
الْمُسْلِمُونَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيتَ لَهُمْ وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِينَ تُفْتَقَدُ "
(134 ) حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُوحَسَّانَ مَهِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ : " اعْتَلَلْتُ بِنَيْسَابُورَ عِلَّةً خَفِيفَةً ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَادَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ لِي : أَفْطَرْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : خَشِيتُ أَنْ تَضْعَفَ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَةِ ، فَقُلْتُ : أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ : مِنْ أَيِّ الْمَرَضِ أُفْطِرُ ؟ قَالَ : وَمِنْ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ؟ , قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا عِنْدَ إِسْحَاقَ "
(135 ) سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ : " عِنْدَنَا خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ ، فَقِيلَ لَهُ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَذَكَرَ قِصَّةَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَقَوْلَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ "
(136 ) سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ : سَمِعْتُ زَنْجُوَيْهِ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ : " أَحْسَنُ حَدِيثِ الْكُوفِيِّينَ حَدِيثُ أَبِي الزَّعْرَاءِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ : يَقُومُ نَبِيُّكُمْ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ : " أَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ "
( 137 ) سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئَ الْفَقِيهَ الْوَاعِظَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ : " لَمَّا انْصَرَفَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى الرَّيِّ سَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ ، فَامْتَنَعَ ، وَقَالَ : أُحَدِّثُكُمْ بَعْدَ أَنْ حَضَرَ مَجْلِسِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ ، فَقَالُوا لَهُ : فَإِنَّ عِنْدَنَا غُلَامًا يَسْرُدُ كُلَّ مَا حَدَّثْتَ بِهِ مَجْلِسًا مَجْلِسًا ، قُمْ يَا أَبَا زُرْعَةَ ، فَقَامَ أَبُو زُرْعَةَ فَسَرَدَ كُلَّ مَا حَدَّثَ بِهِ قُتَيْبَةُ فَحَدَّثَهُمْ قُتَيْبَةُ "
(138 ) سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدُوَيْهِ الْوَرَّاقَ بِالرَّيِّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ السَّاوِيِّ وَرَّاقَ أَبِي زُرْعَةَ يَقُولُ : " حَضَرْتُ أَبَا زُرْعَةَ بِمَاشَهْرَانِ وَكَانَ فِي السَّوْقِ ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَذَكَرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " , فَاسْتَحْيُوا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ ، وَقَالُوا : تَعَالَوْا نَذْكُرُ الْحَدِيثُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ وَارَةَ : حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ وَالْبَاقُونَ سَكَتُوا ، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السَّوْقِ : ، ثنا بُنْدَارٌ ، قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ "
(139) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : " مَا رَأَيْتُ بَعْدَ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَحْفَظَ لِلْحَدِيثِ ، وَلَا أَعْلَمَ بِمَعَانِيهِ مِنْ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ "
(140 ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْوَزِيرِ التَّاجِرُ قَالَ : ثنا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَالَ : ثنا الْأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ , عَنْ أَنَسٍ قَالَ : : كَانَ ابْنُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رُبَّمَا : يُمَازِحُهُ إِذَا دَخَلَ فَدَخَلَ يَوْمًا فَمَازَحَهُ فَوَجَدَهُ حَزِينًا ، فَقَالَ : " مَا لِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَجَعَلَ يُنَادِيهِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ " قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : فِيهِ غَيْرُ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ : فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَازَحَ صَبِيًّا ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ لَعِبِ الصَّبِيِّ بِالطَّيْرِ ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَنَّى مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ صَيْدِ وَحْشِ الْمَدِينَةِ ، وَفِيهِ أَنَّهُ صَغَّرَ الطَّيْرَ وَهُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ "
( 141 ) سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارَ يَقُولُ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ ، وَحَدَّثَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيِّ بِحَدِيثٍ ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى ، ثُمَّ قَالَ : عِنْدِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيِّ قِمَطْرٌ ، وَلَيْسَ عِنْدِي عَنْ حُمَيْدٍ غَيْرُ هَذَا الطَّبَقِ ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى الصِّدْقِ قَالَ الْحَاكِمُ : زَادَنِي فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارِ ، قَالَ : فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، لَوْ قُلْتَ فِيمَا لَمْ تَسْمَعْ سَمِعْتُ لَمَا أَقْبَلَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَيْكَ "
(142 ) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الزَّاهِدُ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ : ثنا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ " قَالَ إِبْرَاهِيمْ : فِيهِ نَهْيٌ عَنِ الرِّيَاءِ ، وَلَهُ عِلَّةٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ح وَحَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ ، ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ قَالَ : ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ ، ح وَحَدَّثَنَا مُوسَى ، قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ هِشَامٍ , عَنْ فَاطِمَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ . قَالَ إِبْرَاهِيمُ : فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقَاوِيلَ عَنْ هِشَامٍ ، أَصْوَبُهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ : عَنْ هِشَامٍ , عَنْ فَاطِمَةَ ، عَنْ أَسْمَاءِ ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : عَنْ هِشَامٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَرَادَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ الثَّقَفِيُّ , سَمِعْتُ الْقَاضِيَ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ : " لَا نَعْلَمُ أَنَّ بَغْدَادَ أَخْرَجَتْ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيِّ فِي الْأَدَبِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ كِتَابًا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ "
(143 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ ، وَنَظَرَ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، فَقَالَ : " مرد كامل بوذ "
(144 ) أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : " إِنَّمَا كَانَتِ الْفُتْيَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَسَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ يَقُولُ : حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي تَرْكِ الْغُسْلِ مِنَ الْإِكْسَالِ ، وَقَوْلُهُ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ثَابِتٌ مُتَقَدِّمٌ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ " وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى " وَجَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ " ثُمَّ جَهَدَهَا " وَمِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ " ثُمَّ اجْتَهَدَ " وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى رَاجِعٌ إِلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ ، وَهُمَا لَا يَبْلُغَانِ ذَلِكَ مِنَ الْفِعْلِ ، وَإِلَّا قَدِ اجْتَهَدَ وَجَهَدَهَا "
(145) فَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : " الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ " كَانَتْ رُخْصَةً مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ أَمَرَنَا بِالِاغْتِسَالِ ، فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، وَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي حَازِمٍ ، فَإِنَّ مُبَشِّرَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ ، قَالَ : ثنا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي غَسَّانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَحَدَّثَنِي مَنْ أَرْضَى ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ حَدَّثَ "
((1/472)
146 ) سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : " شَهِدْتُ جَنَازَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَبَّانِيَّ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِئَتَيْنِ ، فَقَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ قَدِمَتْ دَابَّتُهُ ، فَأَخَذَ أَبُو عَمْرٍو الْخَفَّافَ بِلِجَامِهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِرِكَابِهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ الْجَارُودِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُسَوِّيَانِ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ، فَمَضَى وَلَمْ يُكَلِّمْ وَاحِدًا مِنْهُمْ "
(147 ) سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُقْرِئَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ : " لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيِّ مِنَ الْبُخْلِ فِي الْعِلْمِ مَا كَانَ - وَكَانَ يُعَلِّمُنِي - مَا خَرَجْتُ إِلَى مِصْرَ "
( 148 ) سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيَّ يَقُولُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ " فَقَالَ : الْبَذَاءُ خِلَافُ الْبَذَاذَةِ ، إِنَّمَا الْبَذَاءُ طُولُ اللِّسَانِ بِرَمْيِ الْفَوَاحِشِ وَالْبُهْتَانِ ، يُقَالُ فُلَانٌ بَذِيءُ اللِّسَانِ ، وَالْبَذَاذَةُ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّهَا مِنَ الْإِيمَانِ " هِيَ رَثَاثَةُ الثِّيَابِ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَفْرَشِ ، وَذَلِكَ تَوَاضُعٌ عَنْ رَفِيعِ الثِّيَابِ وَثَمِينِ الْمَلَابِسِ وَالْمُفْتَرَشِ ، وَهِيَ مَلَابِسُ أَهْلِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، يُقَالُ فُلَانٌ بَذُّ الْهَيْئَةِ رَثُّ الْمَلْبَسِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
(149 ) سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّاءَ الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيَّ وَحَدَّثَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ , عَنْ ضِمَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ , عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " تَهَادَوْا تَحَابُّوا " فَقَالَ : بِالتَّشْدِيدِ مِنَ الْحُبِّ ، وَأَمَّا بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْمُحَابَاةِ "
(150 ) سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ : " مَا رَأَيْنَا مِثْلَ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ ، وَلَا رَأَى عُثْمَانُ مِثْلَ نَفْسِهِ أَخَذَ الْأَدَبَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ ، وَالْفِقْهَ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيِّ ، وَالْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ رَحِمَهُ اللَّهُ "
(151 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ : ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ : ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ حَتَّى تَرَى إِبْهَامَاهُ قَرِيبًا مِنَ أُذُنَيْهِ قَالَ : وَسَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ يَقُولُ : قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ : فَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَزُهَيْرٍ وَهُشَيْمٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا صِفَةَ الرَّفْعِ كَيْفَ يَرْفَعُ ، وَإِلَى أَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعَوْدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِرَاءَتَهُ وَرُكُوعَهُ ، وَسُجُودَهُ ، وَتَسْلِيمَهُ كَيْفَ كَانَ ، فَهَذَا الَّذِي يَسْبِقُ الْقَلْبُ إِلَى صِحَّتِهِ عَنْ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، وَهُوَ تَابِعِيُّ بِمَكَّةَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْكُوفَةَ إِذَا هُوَ يَقُولُ : " رَفَعَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ لَا يَعُودُ " ، قَالَ سُفْيَانُ : " فَإِذَا هُمْ لَقَّنُوهُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ " ، وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ : " لَا يَصِحُّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ " ، وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يُضَعِّفُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ : وَلَوْ صَحَّ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّهُ عَادَ لِرَفْعِهِمَا كَانَ أَوْلَى الْحَدِيثَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ حَدِيثُ صَاحِبِ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِكَايَةِ إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْحِفْظِ ، وَالَّذِي قَالَ : لَمْ أَرَ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُ عَادَ وَلَمْ يَرَهُ "
(152 ) سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى يَقُولُ : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ : " كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ عِنْدَنَا إِمَامًا فَكَيْفَ بِخُرَاسَانَ ؟ "
(153) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الصَّيْدَلَانِيَّ ، جَارَ إِسْحَاقَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ يَقُولُ : " لَوْ صَلَحَ فِي زَمَانِنَا أَحَدٌ لِلْقَضَاءِ لَصَلُحَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ "
( 154 ) قَالَ : وثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى غَيْرَ مَرَّةٍ ، إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ : " سَلُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيَّ "
(155 ) سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ جَدِّيَ يَقُولُ : جَالَسْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيَّ أَرْبَعَ سِنِينَ ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ طُولَ تِلْكَ الْمُدَّةِ يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ الْعِلْمَ إِلَّا أَنِّي حَضَرْتُهُ يَوْمًا ، وَقِيلَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ : وَمَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ لَوْ وَعَظْتَهُ أَوْ زَبَرْتَهُ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : " أَنَا لَا أُفْسِدُ مُرُوَّتِي بِصَلَاحِهِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَضَائِلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيَّ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ ، فَإِنَّهُ إِمَامُ الْحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ ، وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي فِقْهِ الْحَدِيثِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُمْكِنُ ذِكْرُهُ ، وَمُصَنَّفَاتُهُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَشْهُورَةٌ ، وَلَعَلَّهَا تَزِيدُ عَلَى سِتِّ مِائَةِ جُزْءٍ عِنْدَنَا مِنَ الْمَسْمُوعَاتِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ جُزْءٍ "
(157 ) وَسَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ يَقُولُ : سَمِعْتُ مَأْمُونَ الْمِصْرِيَّ الْحَافِظَ ، يَقُولُ : " خَرَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى طَرَسُوسَ سَنَةً لِلْغَدَاءِ ، فَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ ، وَاجْتَمَعَ مِنَ الْحُفَّاظِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مِرْبَعٌ ، وَأَبُو الْأَذَانِ وَكُلَيْجَةُ وَغَيْرُهُمْ ، فَتَشَاوَرُوا مَنْ يُنْتَقَى لَهُمْ عَلَى الشُّيُوخِ ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ وَكَتَبُوا كُلُّهُمْ بِانْتِخَابِهِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَأَمَّا كَلَامُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى فِقْهِ الْحَدِيثِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ لَهُ تَحَيَّرَ فِي حُسْنِ كَلَامِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا الْكِتَابُ بِمَسْمُوعٍ عِنْدَنَا وَمَعَ مَا جَمَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ الْفَضَائِلِ رُزِقَ الشَّهَادَةُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ "
---------------
المبحث الثالث - مفهومُ فقه الحديث
فقه الحديث مركب إضافي، يتكون من محددين الأول الفقه، والثاني الحديث، ولما كان الثاني من المصطلحات المتداولة في جميع الكتب المتعلقة بعلوم الحديث و المصطلح(1)، فلن أتناولها بالشرح والبيان، وسوف أقتصر على مصطلح الفقه، ثم أعرج على صياغة تعريف خاص بالمركب.
أولا: مفهومُ الفقه، ومضمونه :
1-الفقه في اللغة: جاء في لسان العرب "الفقه العلم بالشيء والفهم له"(2)، وقال ابن القيم:"الفقه أخص من الفهم لأن الفقه فهمُ مراد المتكلم من كلامه"(3)، أما الراغب الأصفهاني فقد قال: "الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلم"(4).
2-الفقه في الاصطلاح: لقد كان الفقه في الصدر الأول يطلق على أحكام الدين كله، وذلك قبل أن تتمايز العلوم، حتى إذا وجدت ظاهرة الاختصاص أصبح الفقه "اصطلاحا علميا يطلق على الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بالعبادات والمعاملات الخاصة دون العقائد والوجدانيات"(5)، ثم صار فيما بعد عند إطلاقه يراد به معرفة الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية(6).
ثانيا: فقه الحديث في الاصطلاح
مما سبق تحريره تبين أن فقه الحديث يعني:" الفهم العميق للنص النبوي، بالنظر إلى طبيعة تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحال المتلقي عنه في سياقه الزماني، وإطاره المكاني ".
شرح التعريف:
-أعني بقولي: "الفهم العميق" احترازا من المجازفة حين النظر في النصِّ النبوي، بسب إغفال شروط النظر المعتبرة عند أهل العلم، وعلى الخصوص منهم علماء الأصول والمقاصد.
-وأما قولي: "بالنظر إلى طبيعة تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس في تصرفاته على طبيعة واحدة، بل هو إما يتصرف بطبيعته كمبلغ، وإما ليس كذلك؛ أي إن لم يكن مبلغا فهو على مقامات متنوعة فهو إما يتصرف بالجبلية والخصوصية البشرية، وإما إماما أو مفتيا أو قاضيا، ومعنى ما سبق يلخص فيما يلي:
1-أنه يتصرف بصفته مبلغا.
2-أنه يتصرف بغير صفة التبليغ، وهاهنا يكون على حالات:
أ- تصرفه بالصفة البشرية، والجبلية.
ب- تصرفه كإمام.
جـ-تصرفه كمفت.
د-تصرفه كقاض.
-أما قولي: "وحال المتلقي عنه في سياقه الزماني، وإطاره المكاني"، أقصد بذلك ربط الفهم بالنظر إلى حال المتلقي أو المتلقين في سياق الزمان و المكان، وذلك من حيث:
أ-النظر إلى وضعية المتلقي في الإسلام؛ أعني هل هو معتنق جديد للإسلام أم هو من أهل السبق من الرعيل الأول، حتى أن الله فرق بين من آمن قبل الفتح وبعد الفتح، فقال جل جلاله: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌا} [سورة الحديد:10 ] وقوله أيضا: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [سورة الفتح:18].
وفي صحيح البخارى (3007 ) عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ : « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِى الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِى مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ ، إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِى قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » . قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ »(7)..
ب-اعتبار ظروف المكان والزمان التي صدر فيها القول أو الفعل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ لا يُتصَوَرُ أن يصدر شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دون سابق مقدمات ولا سابق سبب، سوى ما كان ابتداء شرع، مع ما يمكن أن يرد على هذا التوضيح من اعتراض بحديث الرسول نفسه الذي رواه البخارى (7289 )عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَىْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ». فالملاحظ أن السائل كاد يكون سببا لفرض شرع.
المبحث الرابع-أهمية فقه الحديث وقواعده عند بعض العلماء
أولا- أهمية فقه (فهم) الحديث
يعتبر فهم نصوص الحديث المرحلة الأولى في التعامل الصحيح معه؛ ذلك أن الحديث هو المصدر الثاني لأحكام الشريعة، وهو المصدر أيضا لتصور الفعل الذي تعلق به الحكم، وهو مصدر الطريقة المتبعة في تنزيل هذا الفهم على المحل.
ومعلوم أيضا أن الاجتهاد في الفهم، يعتمد على تعامل العقل مع النصوص -جمعا ودراسة وتحليلا لمعرفة المراد الإلهي والنبوي والكشف عنه للتحقق به- والاستنباط منها لتنزيلها على المحال المتنوعة، وذلك بالاعتماد على أسس ترجع كلها إلى خصائص الوحي، يقول ابن القيم:" صحةُ الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبدٌ عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم، الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح و الفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الربِّ في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى"(8).
ثانيا: قواعدُ بعض العلماء في فقه الحديث
الاجتهاد في فهم الحديث لا يهدف إلى الوصول إلى أحكام الأفعال المشخصة الواقعة، ولكنه يهدف إلى استنباط أحكام عامة ومجردة، لأجناس الأفعال وليس للأفعال المتجسدة، وذلك بالاعتماد على قواعد الاستنباط المعتمدة ومنها:
1-تحري قوانين اللسان العربي في التعبير، إذ الحديث جاء بلسان عربي مبين، وقد وضع الأصوليون القواعد اللغوية التي تضبط هذا الأمر.
2-الاستفادة من السياق التاريخي للأحداث المواكبة لورود الحديث، وكذلك الظروف النفسية والاجتماعية والفكرية، وكل الواقع العربي الذي كان يحيط بالجماعة المسلمة في تلك الفترة.
3-مراعاة التكامل في الخطاب النبوي، وذلك أن الأحاديث النبوية تردُ بحسب ظروف ومناسبات مختلفة عايشها النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاصر أخرى، فهي في الدواوين لا تنتظم في الغالب جميعا وحصرا في موضع واحد، بل الخطاب النبوي يتناول المسألة الواحدة في مواضع عديدة، وفي أحاديث مختلفة وسياقات متغايرة، ومن ثم لا يمكن فهم ورود حديث في حادثة معينة إلا بربط طرق الحديث ببعضها البعض، والتعامل معها على أنها كلٌّ متكامل.
4-فهم الحديث وفق المعاني التي قصدها النبي - صلى الله عليه وسلم - من إيراده لهذا الحديث بهذا اللفظ المتضمن لحكم معين، أو فتوى، أو قضاء، أو تبليغ شرع، وذلك بتظافر المعرفة بأسباب الورود، والاعتماد على طرق كشف المقاصد.
5-الاستفادة بما توصل إليه العلم في العصر الحديث من معارف يقينية، وقوانين وسنن كونية ونفسية واجتماعية لفهم معنى الحديث النبوي، أما المعارف الظنية فإنه يمكن الاستئناس بها في الترجيح بين الاحتمالات المختلفة دون الاعتماد عليها.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أ- في اللغة أنظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة،2/36. الزبيدي،تاج العروس،1/612، ابن الجوزي،نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه و النظائر،ص:249.
ب- وفي الاصطلاح تباينت تعريفاتهم بين مدقق ومطلق يمكن مراجعتها في المصنفات الآتية:
- ابن تيميه، ص55 وَ60-61، ابن حجر، شرح نخبة الفكر، ص:3-4، هامش:05، التهانوي،قواعد في علوم الحديث،ص:24-26،مع التعليق الوارد في الهامش، عتر، نور الدين، منهج النقد في علوم الحديث، ص:27
(2) - ابن منظور، لسان العرب، 4/1119
(3) - ابن القيم، إعلام الموقعين، دار الجيل، بيروت، 2/264.
(4) - الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص:430 .
(5) - الدريني، أصول التشريع الإسلامي ومناهج الاجتهاد بالرأي،ص:9.
(6) - مصطفى سعيد الخن، دراسة تاريخية للفقه وأصوله، ص: 10.
(7) - العقاص : جمع عقيصة أو عقصة وهى الضفائر
(8) - إعلام الموقعين - (ج 1 / ص 87)(1/473)
الفصلُ الثاني
قضايا كثيرةٌ حول العمل بالسنة(1)
المبحث الأول
بيانُ أقسام ما دوِّنَ في علم الحديث
قال الإمام ولي الله الدهلوي في الحجة البالغة ما نصه(2):
" اعلم أن ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودون في كتب الحديث على قسمين:
أحدهما ما سبيله سبيل تبليغ الرسالة وفيه قوله تعالى {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر، منه علوم المعاد وعجائب الملكوت ، وهذا كله مستند إلى الوحي ،ومنه شرائع وضبط للعبادات والارتفاقات بوجوه الضبط المذكورة فيما سبق، وهذه بعضها مستند إلى الوحي وبعضها مستند إلى الاجتهاد، واجتهاده - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الوحي؛ لأن الله تعالى عصمه من أن يتقرر رأيه على الخطأ ، وليس يجب أن يكون اجتهاده استنباطا من المنصوص كما يظن بل أكثره أن يكون علَّمه الله تعالى مقاصد الشرع وقانون التشريع والتيسير والأحكام، فبين المقاصد المتلقاة بالوحي بذلك القانون، ومنه حكم مرسلة ومصالح مطلقة لم يوقتها ولم يبين حدودها ، كبيان الأخلاق الصالحة وأضدادها ومستندها غالبا الاجتهاد بمعنى أن الله تعالى علمه قوانين الارتفاقات فاستنبط منها حكمه وجعل فيها كلية، ومنه فضائل الأعمال ومناقب العمال، ورأى أن بعضها مستند إلى الوحي وبعضها إلى الاجتهاد وقد سبق بيان تلك القوانين، وهذا القسم هو الذي نقصد شرحه وبيان معانيه.
وثانيهما ما ليس من باب تبليغ الرسالة ،وفيه عن رَافِعَ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَدِمَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ « مَا تَصْنَعُونَ ». قَالُوا كُنَّا نَصْنَعُهُ قَالَ « لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا ». فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ - قَالَ - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ رَأْىٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ »(3).
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ « مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ ». فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِى الأُنْثَى فَيَلْقَحُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا أَظُنُّ يُغْنِى ذَلِكَ شَيْئًا ». قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ فَقَالَ « إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّى إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلاَ تُؤَاخِذُونِى بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّى لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ».(4)
فمنه الطب ومنه عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ ، وَكَانَتْ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ ، وَارْتَبِطُوا الْخَيْلَ ، وَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا وَأَعْجَازِهَا ، أَوْ قَالَ : وَأَكْفَالِهَا ، وَقَلِّدُوهَا وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ ، وَعَلَيْكُمْ بِكُلِّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ ، أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ "(5)ومستنده التجربة ، ومنه ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل العادة دون العبادة وبحسب الاتفاق دون القصد، ومنه ما ذكره كما كان يذكره قومه كحديث أم زرع(6)، وحديث خرافة(7)، وعَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَالُوا لَهُ : حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ ؟ كُنْتُ جَارَهُ " فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَكَتَبْتُهُ لَهُ ، فَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا ، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا ، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا ، فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " .(8)
ومنه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ ، وليس من الأمر اللازم لجميع الأمة وذلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش وتعيين الشعار، فعَنْ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ لِلرُّكْنِ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ ، وَلَوْلاَ أَنِّى رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ . فَاسْتَلَمَهُ ، ثُمَّ قَالَ فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ . ثُمَّ قَالَ شَىْءٌ صَنَعَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ .(9)
وقد حمل كثير من الأحكام ، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ , فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً فَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ.(10)ومنه حكم وقضاء خاص ،وإنما كان يتبع فيه البينات والايمان(11)، فعَنْ عَلِىٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا بَعَثْتَنِى أَكُونُ كَالسِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ أَمِ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ قَالَ : « الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاَ يَرَى الْغَائِبُ »(12).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 231) فما بعد
(2) - حجة الله البالغة - (ج 1 / ص 247)
(3) - صحيح مسلم( 6276 ) يأبر : يلقح نفضت : أسقطت ثمرها
(4) - صحيح مسلم (6275 ) أقول :لا يخدش بعصمة الأنبياء ، لأن المقصود بالعصمة هى فى تبليغ الوحى الإلهى لا الاجتهاد فيما لا وحى فيه وحتى هذا لا يقرون على خطء فيه
(5) - مسند أحمد( 19548) حسن
(6) - انظره في صحيح البخاري (5189)
(7) - انظره في مسند أحمد( 25986) حسن لغيره
(8) - الشمائل المحمدية (338 ) صحيح
(9) - صحيح البخارى (1605 )
(10) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 12 / ص 369) (33756) صحيح
(11) - كما في صحيح البخارى( 2680 )عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا » .
(12) - مسند أحمد (638) حسن
السكة : حديدة منقوشة تضرب عليها الدراهم يريد هل ألتزم بما أمرت به ؟(1/474)
المبحث الثاني
بيان كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال ولي الله الدهلوي في الحجة البالغة(1):
" واعلم أن تلقي الأمة منه الشرع على وجهين:
أحدهما تلقي الظاهر ، ولا بد أن يكون بنقلٍ إما متواترا أو غير متواتر، والمتواتر منه المتواتر لفظاً كالقرآن العظيم، وكنبذٍ يسيرةٍ من الأحاديث منها عَنْ جَرِيرٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِى الْبَدْرَ - فَقَالَ « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا » . ثُمَّ قَرَأَ ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) . قَالَ إِسْمَاعِيلُ افْعَلُوا لاَ تَفُوتَنَّكُمْ(2).
ومنه المتواتر معنى ، ككثير من أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والبيوع والنكاح والغزوات مما لم يختلف فيه فرقة من فرق الإسلام ، وغير المتواتر أعلى درجاته المستفيضُ وهو ما رواه ثلاثة من الصحابة فصاعدا ثم لم يزل يزيد الرواة إلى الطبقة الخامسة ، وهذا قسم كثير الوجود ،وعليه بناء رءوس الفقه ثم الخبر المقضي له بالصحة أو الحسن على ألسنة حفاظ المحدثين وكبرائهم، ثم أخبارٌ فيها كلام قبِلَها بعضٌ ولم يقبلها آخرون ، فما اعتضد منها بالشواهد أو قول أكثر أهل العلم أو العقل الصريح وجبَ إتباعه.
وثانيهما التلقي دلالةً، وهي أن يرى الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ويفعل فاستنبطوا من ذلك حكماً من الوجوبِ وغيره ، فأخبروا بذلك الحكم، فقالوا: الشيء الفلاني واجب وذلك الآخر جائز، ثم تلقَّى التابعون من الصحابة كذلك فدوَّن الطبقةُ الثالثة فتاواهم وقضاياهم وأحكموا الأمر، وأكابر هذا الوجه عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، لكن كان من سيرة عمر رضي الله عنه أنه كان يشاور الصحابة ويناظرهم حتى تنكشف الغمة ويأتيه الثلج، فصار غالبُ قضاياه وفتاواه متبعةٌ في مشارق الأرض ومغاربها، فعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"لَوْ أَنَّ عِلْمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ مِيزَانِ، وَوُضِعَ عَلْمُ أَهْلِ الأَرْضِ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ عِلْمُهُ بِعِلْمِهِمْ"، قَالَ وَكِيعُ: قَالَ الأَعْمَشُ: فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:"إِنِّي لأَحْسِبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ يَوْمَ ذَهَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ".(3)
وعَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ، قَالا: سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ: سَمِعَهُمَا يَقُولانِ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ , يَقُولُ:"إِنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلإِسْلامِ يُدْخَلُ فِي الإِسْلامِ، وَلا يُخْرَجُ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، انْثَلَمَ مِنَ الْحِصْنِ ثُلْمَةُ فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلا يَدْخُلُ فِيهِ، وَكَانَ إِذَا سَلَكَ طَرِيقًا، وَجَدْنَاهُ سَهْلا، فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ، كَانَ فَصْلَ مَا بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْدُمُ مِثْلَهُ حَتَّى أَمُوتَ أَمُوتَ".(4)
وكان علي رضي الله عنه لا يشاور غالبا ، وكان أغلب قضاياه بالكوفة فلم يحملها عنه إلا ناس ، وكان ابن مسعود رضي الله بالكوفة فلم يحمل عنه غالبا إلا أهل تلك الناحية ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما اجتهد بعد عصر الأولين فناقضهم في كثير من الأحكام واتبعه في ذلك أصحابه من أهل مكة ، ولم يأخذ بما تفرد به جمهورُ أهل الإسلام ، وأمَّا غيرُ هؤلاء الأربعة فكانوا يروون دلالة، ولكن ما كانوا يميزون الركن والشرط من الآداب والسنن، ولم يكن لهم قولٌ عند تعارض الأخبار وتقابل الدلائل إلا قليلاً كابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وأكابر هذا الوجه من التابعين بالمدينة الفقهاءُ السبعةُ لا سيما ابن المسيب بالمدينة وبمكة عطاء ابن أبي رباح ، وبالكوفة إبراهيم وشريح والشعبي، وبالبصرة الحسن، وفي كلٍّ من الطريقتين خللٌ إنما ينجبر بالأخرى ، ولا غنى لإحداهما عن صاحبتها ،أما الأولى فمن خللها ما يدخل في الرواية بالمعنى من التبديل ، ولا يؤمن من تغيير المعنى ، ومنه ما كان الأمر في واقعة خاصة فظنَّه الراوي حكما كليًّا ، ومنه ما أخرج فيه الكلام مخرجَ التأكيد ليعضوا عليه بالنواجذ، فظنَّ الراوي وجوبا أو حرمة ، وليس الأمر على ذلك فمن كان فقيهاً وحضر الواقعة استنبط من القرائن حقيقة الحال؛ كقول زيد رضي الله عنه في النهي عن المزارعة(5)وعن بيع الثمار قبل أن يبدوا صلاحها إن ذلك كان كالمشورة(6).
وأمَّا الثانية فيدخل فيها قياساتُ الصحابة والتابعين واستنباطهم من الكتاب والسنة وليس الاجتهاد مصيباً في جميع الأحوال، وربما كان لم يبلغ أحدهم الحديث أو بلغه بوجهٍ لا ينتهض بمثله الحجَّة فلم يعمل به، ثم ظهر جلية الحال على لسان صحابي آخر بعد ذلك كقول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في التيمم عن الجنابة(7)وكثيرا ما كان اتفاقُ رءوس الصحابة رضي الله عنهم على شيء من قبل دلالة العقل على ارتفاق، فعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ».(8)
وليس من أصول الشرع، فمن كان متبحرا في الأخبار وألفاظ الحديث يتيسر له التفصي عن مزالِّ الأقدام ،ولما كان الأمرُ كذلك وجبَ على الخائض في الفقه أن يكون متضلعاً من كلا المشربين ، ومتبحراً في كلا المذهبين، وكان أحسن شعائر الملة ما أجمعَ عليه جمهور الرواة وحملة العلم، وتطابق فيه الطريقتانِ جميعا، والله أعلمُ "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - حجة الله البالغة - (ج 1 / ص 253)
(2) - صحيح البخارى(554 ) ونظم المتناثر - (ج 1 / ص 238) (307 )
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 76) (8721 ) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 75) (8719 ) حسن لغيره
(5) - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّمَا أَتَاهُ رَجُلاَنِ - قَالَ مُسَدَّدٌ مِنَ الأَنْصَارِ ثُمَّ اتَّفَقَا - قَدِ اقْتَتَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ فَلاَ تُكْرُوا الْمَزَارِعَ ». زَادَ مُسَدَّدٌ فَسَمِعَ قَوْلَهُ « لاَ تُكْرُوا الْمَزَارِعَ ».سنن أبى داود (3392 ) حسن
(6) - ففي صحيح البخارى (2193 )عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ النَّاسُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ أَصَابَهُ مُرَاضٌ أَصَابَهُ قُشَامٌ - عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِى ذَلِكَ « فَإِمَّا لاَ فَلاَ يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ » . كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ . وَأَخْبَرَنِى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ .
الدمان : عاهة تصيب الثمرة القشام : عاهة تصيب الثمرة المراض : عاهة تصيب الثمرة
(7) - أي لا يغني عن الجنابة
(8) - سنن الترمذى (2891 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس(1/475)
المبحث الثالث
بيانُ أن السنَّة حجةٌ على جميع الأمة، وليس عملُ أحدٍ حجَّةً عليها
قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر ، وقال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) }[النجم/3، 4] ، وقال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب ، وقال تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء، قال العلماء : معناه إلى الكتاب والسنة، وقال تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء ، وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى، وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النور ، وقال تعالى: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34) سورة الأحزاب، والآياتُ في ذلك كثيرةٌ وقد ساقها مع عدة أحاديث في معناها الإمام النووي قدس الله سره في باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها من " رياض الصالحين " فارجع إليه(1)
وفي معرفة السنن والآثار ( 101 ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعُوا مَا قُلْتُ . قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَهَذَا مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اتِّبَاعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا أَخَذَ فِي الْبَيْعَةِ مِنَ النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ , وَقَدْ رَوَاهُ وَرَوَى مَا فِي مَعْنَاهُ فِيمَا قَصَدَ مِنْ إِرْشَادِ غَيْرِهِ بِمَا وَضَعَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ
وفي الفقيه والمتفقه (400 ) أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ يَقُولُ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ : " إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَدَعُوا مَا قُلْتُ " ( صحيح) فهذا مذهبه في اتباع السنَّة.
وفي المدخل للبيهقي (13 )أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا : ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ ، أَنْبَأَ الرَّبِيعُ قَالَ : أَنْبَأَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِذَا حَدَّثَ الثِّقَةُ عَنِ الثِّقَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَا يُتْرَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثٌ أَبَدًا إِلَّا حَدِيثٌ وُجِدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثٌ يُخَالِفُهُ . . . , ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْأَحَادِيثِ إِذَا اخْتَلَفَتْ مَعْنَى مَا مَضَى . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا مُخَالِفَ لَهُ عَنْهُ وَكَانَ يُرْوَى عَنْ مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثٌ يُوَافِقُهُ لَمْ يَزِدْهُ قُوَّةً وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ . وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُرْوَى عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثٌ يُخَالِفُهُ لَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى مَا خَالَفَهُ ، وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ ، وَلَوْ عَلِمَ مَنْ رَوَى عَنْهُ خِلَافَهُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّبَعَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ "
وفي المدخل للبيهقي (20)أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ الْجَدِيدَةِ : ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أَبْنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ عَنْهُمْ : " إِذَا تَفَرَّقُوا فِيهَا نَصِيرُ إِلَى مَا وَافَقَ الْكِتَابَ أَوِ السُّنَّةَ أَوِ الْإِجْمَاعَ ، أَوْ كَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ , وَإِذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمُ الْقَوْلَ لَا نَحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِيهِ لَهُ مُوَافَقَةً وَلَا خِلَافًا , صِرْتُ إِلَى اتِّبَاعِ قَوْلِ وَاحِدِهِمْ ، إِذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا شَيْئًا فِي مَعْنَاهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ أَوْ وُجِدَ مَعَهُ قِيَاسٌ " .
وفيه أيضاً (21 ) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَبْنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " مَا كَانَ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِرْنَا إِلَى أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ وَاحِدِهِمْ , ثُمَّ كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ : أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، " إِذَا صِرْنَا إِلَى التَّقْلِيدِ أَحَبَّ إِلَيْنَا وَذَلِكَ إِذَا لَمْ نَجِدْ دَلَالَةً فِي الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ عَلَى أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَنَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي مَعَهُ الدَّلَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَشْهُورٌ مَا يَلْزَمُ النَّاسَ , وَمَنْ لَزِمَ قَوْلُهُ النَّاسَ كَانَ أَشْهَرَ مِمَّنْ يُفْتِي الرَّجُلَ أَوِ النَّفْرَ ، وَقَدْ يَأْخُذُ بُفُتْيَاهُ وَيدَعُهَا وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ يُفْتُونَ الْخَاصَّةَ فِي بُيوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ , وَلَا يُعْنَى الْعَامَّةُ بِمَا قَالُوا عِنَايَتَهُمْ بِمَا قَالَ الْإِمَامُ , وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَئِمَّةَ يُنْتَدَبُونَ فَيُسْأَلُونَ عَنِ الْعِلْمِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا أَرَادُوا , وَأَنْ يَقُولُوا فِيهِ وَيَقُولُونَ ، فَيُخْبَرُونَ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ فَيَقْبَلُونَ مِنَ الْمُخْبِرِ وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَنْ يَرْجِعُوا لِتَقْوَاهُمُ اللَّهَ وَفَضْلِهِمْ فِي حَالَاتِهِمْ , فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنِ الْأَئِمَّةِ فَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الدِّينِ فِي مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ وَكَانَ اتِّبَاعُهُمْ أَوْلَى بِنَا مِنَ اتِّبَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ " قَالَ : وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ : الْأُولَى : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ , ثُمَّ الثَّانِيةُ : الْإِجْمَاعُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سَنَةٌ , وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْهُمْ , وَالرَّابِعَةُ : اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ عَنْهُمْ , وَالْخَامِسَةُ : الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ وَلَا يُصَارُ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ , وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ مِنْ أَعْلَى وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ , بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِمَا هُمْ أَهْلُهُ ، فَقَالَ : " وَهُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرِعٍ وَعَقْلٍ وَأَمْرٍ اسْتُدْرِكَ بِهِ عِلْمٌ وَاسْتُنْبِطَ بِهِ , وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَحْمَدُ وَأَوْلَى بِنَا مِنْ آرَائِنَا عِنْدَنَا لِأَنْفُسِنَا , وَ اللَّهُ أَعْلَمُ , وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِمَّنْ أَرْضِي أَوْ حُكِيَ لَنَا عَنْهُ بِبَلَدِنَا صَارُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ سَنَةً إِلَى قَوْلِهِمْ إِنِ اجْتَمِعُوا ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنْ تَفَرَّقُوا ، فَهَكَذَا نَقُولُ إِذَا اجْتَمَعُوا أَخَذْنَا بِاجْتِمَاعِهِمْ ، وَإِنْ قَالَ وَاحِدُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ , فَإِنِ اخْتَلَفُوا أَخَذْنَا بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَمْ نُخَرِّجْ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ كُلِّهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلَانِ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَظَرْتُ ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَشْبَهُ بِسُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذْتُ بِهِ , لِأَنَّ مَعَهُ شَيْئًا يَقْوَى بِمِثْلِهِ لَيْسَ مَعَ الَّذِي يُخَالِفُهُ مِثْلُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ دَلَالَةٌ بِمَا وَصَفْتُ كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَرْجَحُ عِنْدَنَا مِنْ أَحَدٍ ، لَوْ خَالَفَهُمْ غَيْرُ إِمَامٍ وَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَقَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَوْلِ دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سَنَةٍ كَانَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ ، أَوْ عُمَرَ ، أَوْ عُثْمَانَ ، أَوْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِمْ إِنْ خَالَفَهُمْ ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ أَهْلُ عِلْمٍ وَحُكَّامٌ ، ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ : فَإِنِ اخْتَلَفَ الْحُكَّامُ اسْتَدْلَلْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِي اخْتِلَافِهِمْ فَصِرْنَا إِلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَقَلَّ مَا يَخْلُو اخْتِلَافُهُمْ مِنْ دَلَائِلِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ , وَإِنِ اخْتَلَفَ الْمَفْتُونَ يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الْأَئِمَّةِ بِلَا دَلَالَةٍ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ نَظَرْنَا إِلَى الْأَكْثَرِ , فَإِنْ تَكَافَؤُوا نَظَرْنَا إِلَى أَحْسَنِ أَقَاوِيلِهِمْ مَخْرَجًا عِنْدَنَا ، وَإِنْ وَجَدْنَا لِلْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ اجْتِمَاعًا فِي شَيْءٍ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ تَبِعْنَاهُ ، وَكَانَ أَحَدَ طُرُقِ الْأَخْبَارِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ : كِتَابُ اللَّهِ , ثُمَّ سَنَةُ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - , ثُمَّ الْقَوْلُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ , ثُمَّ اجْتِمَاعُ الْفُقَهَاءِ , فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ لَمْ نَجِدْ فِيهَا وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْبَارِ فَلَيْسَ السَّبِيلُ فِي الْكَلَامِ فِي النَّازِلَةِ إِلَّا اجْتِهَادُ الرَّأْيِ"
وقال شمس الدين ابن القيم في أعلام الموقعين(2):
" وقال الأصم: أخبرنا الربيع بن سليمان لنعطينك جملة تغنيك إن شاء الله لا تدع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا أبدا إلا أن يأتي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافه فتعمل بما قلت لك في الأحاديث إذا اختلفت قال الأصم: وسمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوا ما قلت" وقال أبو محمد الجارودي: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: "إذا وجدتم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف قولي فخذوا بالسنة ودعوا قولي فإني أقول بها" وقال أحمد بن علي بن ماهان الرازي: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: "كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي".
وقال حرملة بن يحيى: قال الشافعي: "ما قلت وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال بخلاف قولي مما يصح فحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى لا تقلدوني" وقال الحاكم: سمعت الأصم يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: وروى حديثا فقال له رجل: تأخذ بها يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا صحيحا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب وأشار بيده إلى رءوسهم وقال الحميدي: سأل رجل الشافعي عن مسألة فأفتاه وقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا فقال الرجل: أتقول بهذا؟ قال: أرأيت في وسطي زنارا؟ أتراني خرجت من الكنيسة؟ أقول قال النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول لي أتقول بهذا؟ وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أقول به؟ وقال الحاكم: أنبأني أبو عمرون السماك مشافهة أن أبا سعيد الجصاص حدثهم قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول وسأله رجل عن مسألة فقال: روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا وكذا فقال له السائل: يا أبا عبد الله أتقول بهذا؟ فارتعد الشافعي واصفر وحال لونه وقال: ويحك أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فلم أقل به نعم على الرأس والعينين نعم على الرأس والعينين قال: وسمعت الشافعي يقول: "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قولي" وجعل يردد هذا الكلام.
وقال الربيع: قال الشافعي: لم أسمع أحد نسبته عامة أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لحكمه فإن الله لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه وإنه لا يلزم قول رجل قال إلا بكتاب الله وسنة رسوله وإن ما سواهما تبع لهما وإن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف فيه الفرض وواجب قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله وقال الشافعي: ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت خبر الواحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقا متباينا وتفرق عنهم ممن نسبته العامة إلى الفقه تفرقا أتى بعضهم فيه أكثر من التقليد أو التحقيق من النظر والغفلة والاستعجال بالرياسة وقال عبد الله بن أحمد قال أبي: قال لنا الشافعي: إذا صح لكم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقولوا لي حتى أذهب إليه.
وقال الإمام أحمد: كان أحسن أمر الشافعي عندي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله وقال الربيع: قال الشافعي: لا نترك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يدخله القياس ولا موضع للقياس لموقع السنة وقال الربيع: وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي أنه قضى في بروع بنت واشق أنكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر نسائها وقضى لها بالميراث فإن كان ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في قياس ولا في شيء إلا طاعة الله بالتسليم له وإن كان لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ولم أحفظه من وجه يثبت مثله هو مرة عن معقل بن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض أشجع لا يسمى.
وقال الربيع: سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود قلت له فما الحجة في ذلك فقال: أنبأنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قولنا قال الربيع: فقلت له: فإنا نقول يرفع في الابتداء ثم لا يعود قال الشافعي: أنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك قال الشافعي: وهو يعني مالكا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ثم خالفتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر فقلتم لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة وقد رويتم عنهما أنهما رفعاهما في الابتداء وعند الرفع من الركوع أفيجوز لعالم أن يترك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل ابن عمر لرأي نفسه أو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي ابن عمر ثم القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر يصيب فيه فيترك علي ابن عمر ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض أرأيت إذا جاز له أن يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرفع يديه في مرتين أو ثلاث وعن ابن عمر فيه اثنتين أنأخذ بواحدة ونترك واحدة؟ أيجوز لغيره ترك الذي أخذ به وأخذ الذي ترك؟ أو يجوز لغيره ترك ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقلت له فإن صاحبنا قال: فما معنى الرفع؟ قال: معناه تعظيم لله واتباع لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعنى الرفع في الأولى معنى الرفع الذي خالفتم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر معا ويروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر رجلا أو أربعة عشر رجلا وروى عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه ومن تركه فقد ترك السنة.
قلت: وهذا تصريح من الشافعي بأن تارك رفع اليدين عند الركوع والرفع منه تارك للسنة ونص أحمد على ذلك أيضا في إحدى الروايتين عنه.
وقال الربيع: سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام بما يبقى ريحه بعد الإحرام وبعد رمي الجمرة والحلاق وقبل الإفاضة فقال جائز وأحبه ولا أكرهه لثبوت السنة فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأخبار عن غير واحد من الصحابة فقلت: وما حجتك فيه؟ فذكر الأخبار فيه والآثار ثم قال: أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم قال: قال عمر: "من رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب" قال سالم: وقالت عائشة: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع.
قال الشافعي: وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون وأهل العلم فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة وغيرها وترك ذلك لغير شيء بل لرأي أنفسكم فالعلم إذا إليكم تأتون منه ما شئتم وتدعون ما شئتم.
وقال في الكتاب القديم رواية الزعفراني في مسألة بيع المدبر في جواب من قال له إن بعض أصحابك قد قال خلاف هذا قال الشافعي: فقلت له: من تبع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وافقته ومن خلط فتركها خالفته حتى صاحبي الذي لا أفارق الملازم الثابت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن بعد والذي أفارق من لم يقل بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن قرب.
__________
(1) - رياض الصالحين - (ج 1 / ص 126) 16- باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها
(2) - إعلام الموقعين - (ج 2 / ص 285)(1/476)
وقال في خطبة كتابه إبطال الاستحسان: الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله وكما ينبغي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله بعثه بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فهدى بكتابه ثم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم أنعم عليه وأقام الحجة على خلقه { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقال {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} وهى ورحمة وقال {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وفرض عليهم اتباع ما أنزل إليهم وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم فقال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} فأعلم أن معصيته في ترك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل لهم إلا اتباعه وكذلك قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} مع ما علم الله نبيه ثم فرض اتباع كتابه فقال {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} وقال {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} وأعلمهم أنه أكمل لهم دينهم فقال عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} إلى أن قال: ثم علمهم بما آتاهم من العلم فأمرهم بالاقتصار عليه وأن لا يقولوا غيره إلا ما علمهم فقال لنبيه {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} وقال لنبيه {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} وقال لنبيه {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ثم أنزل على نبيه أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعني والله أعلم ما تقدم من ذنبه قبل الوحي وما تأخر قبل أن يعصمه فلا يذنب فعلم ما يفعل به من رضاه عنه وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة وسيد الخلائق وقال لنبيه {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وجاءه - صلى الله عليه وسلم - رجل في امرأة رجل رماها بالزنا فقال له يرجع فأوحى الله إليه آية اللعان فلاعن بينهما وقال { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} وقال {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} الآية وقال لنبيه {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} فحجب عن نبيه علم الساعة وكان من عدا ملائكة الله المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد الله أقصر علما من ملائكته وأنبيائه والله عز وجل فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم من الأمر شيئا." اهـ
وكانَ الإمامُ مالكٌ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ: ما منْ أحدٍ إلا وهوَ مأخوذٌ منْ كلامهِ ومردودٌ عليهِ إلا رسول اللهُ - صلى الله عليه وسلم - (1).
وكانَ الشافعي رضي اللهُ عنه يقولُ: لا حجةَ في قولِ أحدٍ دونَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (2).
وقال الإمام أحمد لرجلٍ(3):" لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ , وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا ."- يعني - منَ الكتابِ والسنَّة ،لا ينبغي لأحدٍ أنْ يفتيَ إلا أنْ يعرفَ أقاويلَ العلماءِ في الفتاوَى الشرعيةِ ويعرفَ مذهَبهم، فإنْ سئلَ عنْ مسألةٍ يعلمُ أنَّ العلماءَ الذين يتخذُ مذهبَهم قدِ اتفقوا عليها فلا بأسَ بأنْ يقول َ : هذا جائزٌ وهذا لا يجوزُ، ويكون قولهُ على سبيلِ الحكايةِ ،وانْ كانتْ مسألةٌ قدِ اختلفوا فيها فلا بأسَ بأنْ يقولَ هذا جائز ٌفي قولِ فلانٍ وفي قولِ فلانٍ لا يجوزُ، وليس له أنْ يختارَ فيجيبَ بقولِ بعضهِم ما لم يعرفْ حجَّتَه .
وعن أبي يوسفَ وزفرَ وغيرهِما رحمهُم اللهُ أنهم قالوا(4): لا يحلُّ لأحدٍ أنْ يفتيَ بقولنا ما لم يعلمْ منْ أينَ قلنا .
وفي معرفة السنن والآثار : (1852 ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ : " غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ أَخَذْتَ بِحَدِيثِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ دُونَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " ؟ قِيلَ : " لِمَعْنَيَيْنِ ، مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ مَعْقُولًا فِيهِ أَنَّهُ عَدَلَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ ، وَأُخْرَى : أَنْ لَا يُصِيبَ الْمُشْرِكُونَ غِرَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : كَانَ صَحِيحَ الْإِسْنَادِ - يَعْنِي حَدِيثَ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ - وَوَجَدْنَاهُ أَشْبَهَ الْأَقَاوِيلِ بِالْقُرْآنِ إِذَا زَعَمْنَا أَنَّ عَلَى الْمَأْمُومِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا هُمَا عَلَى الْإِمَامِ ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ وَاحِدَةً مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ يَقْضِي وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ نَسِيًّا " وَوَجَدْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَلْزَمُ شَيْءٍ لِلنَّبِيِّ " - صلى الله عليه وسلم - فِي حُرُوبِهِ ، صَلَّى صَلَاةً تُشْبِهُ قَوْلَنَا ، وَلَمْ نَجِدْ صَلَاةً أَمْنَعَ لِغِرَّةِ الْعَدُوِّ مِنْ هَذِهِ " وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : وَقَالَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ بِقَرِيبٍ مِنْ مَعْنَاهُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقَالَ : فَهَلْ لِلْحَدِيثِ الَّذِي تَرَكْتُ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ مَا وَصَفْتُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى خِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا كَيْفَ تَيَسَّرَ لَهُمْ وَبِقَدْرِ حَالَاتِهِمْ وَحَالَاتِ الْعَدُوِّ ، وَإِذَا أَكْمَلُوا الْعَدَدَ فَاخْتَلَفَتْ صَلَاتُهُمْ ، وَكُلُّهَا مُجْزِيَةٌ عَنْهُمْ " قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا هُوَ الْأُولَى فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُتَابَعَةِ الْحَدِيثِ إِذَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَانَ لَهُ وَجْهُ اتِّبَاعٍ "
وفي معرفة السنن والآثار :( 4944 ) وَبِإِسْنَادِهِ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، كَانَ لَا يَرَى الرَّضَاعَةَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ تُحَرِّمُ شَيْئًا " . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : وَذَلِكَ كَانَ رَأْيَ رَبِيعَةَ وَرَأْيَ فُقَهَائِنَا ، وَأَنْكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اللِّقَاحِ وَاحِدٌ . قَالَ حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدًا يَشُكُّ فِي هَذَا إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ خِلَافَهُمْ ، فَمَا الْتَفَتُوا إِلَيْهِ ، وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ وَأَعْلَمُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْتُ لَهُ ، يَعْنِي لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ : أَتَجِدُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عِلْمِ الْخَاصَّةِ شَيْئًا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَامًّا ظَاهِرًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ مِنْ تَرْكِ تَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ ، فَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَتَرَكْتَهُ ، وَمَنْ يَحْتَجُّ لِقَوْلِهِ إِذْ كُنَّا نَجِدُ فِي الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَالدَّلَالَةِ عَلَى مَا يَقُولُ . وَهَذَا إِنَّمَا أَوْرَدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ فِي تَرْكِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ بِقَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَتَرْكِهِمْ مَا قَالَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ : أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ ، بِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ : " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ " . قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ قَوْلِي أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ إِذَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ إِلَى أَنْ أَدَعَهُ لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ "
وفي معرفة السنن والآثار (5285و5286) قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ , وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " , قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْعَدُوُّ الْمُرْتَدُّ أَيَكُونُ كَافِرًا أَوْ مُؤْمِنًا ؟ قَالَ : بَلْ كَافِرٌ . قُلْتُ : فَكَيْفَ وَرَّثْتَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكَافِرِينَ ؟ قَالَ : إِنَّمَا أَخَذْنَا بِهَذَا أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَ مُرْتَدًّا , وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَهُ , فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ سَمِعْتَ مِنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوا عَنْ عَلِيٍّ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ , وَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَ هَذَا غَلَطٌ , فَقَالَ : قَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ , وَإِنَّمَا قُلْنَا : خَطَأٌ بِالِاسْتِدْلَالِ وَذَلِكَ ظَنٌّ ، فَقُلْتُ لَهُ : رَوَى الثَّقَفِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - " قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ " وَقُلْتُ لَهُ : لَمْ يَذْكُرْ جَابِرًا الْحُفَّاظُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ , أَفَرَأَيْتَ إِنْ قُلْنَا : هَذَا ظَنٌّ , وَالثَّقَفِيُّ ثِقَةٌ , وَإِنْ ضَيَّعَ غَيْرَهُ أَوْ شَكَّ . قَالَ : إِذًا لَا يُنْصِفُ , قُلْتُ : وَكَذَلِكَ لَمْ تُنْصِفْ أَنْتَ , قَالَ الشَّافِعِيُّ : قُلْتُ لَهُ : أَلَيْسَ إِذَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مَعَهُ حُجَّةٌ ؟ قَالَ : بَلَى , قُلْتُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ " فَكَيْفَ خَالَفْتَهُ ؟ قَالَ : فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الرَّجُلَ الْكَافِرَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ , وَلَعَلَّ عَلِيًّا قَدْ عَلِمَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَعَارَضَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَدِيثِ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ , وَأَنَّ عَلِيًّا قَضَى بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , فَقُلْتُ : لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ وَلَا فِي قَوْلِهِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ أَنَّ زَوْجَ بَرْوَعَ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ فَحَفِظَ بِعَمَلِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ فَرِيضَةٍ . وَعَلِمَ هَؤُلَاءِ الْفَرِيضَةَ , ظَنَّهُ قَالَ : أَوِ الدُّخُولِ . قَالَ : لَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ مَعْقِلٍ , وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَرْوُوهُ , قُلْتُ : فَلِمَ لَا يَكُونُ مَا رَوَيْتَ عَنْ عَلِيٍّ , فِي الْمُرْتَدِّ هَكَذَا ؟ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ : فَهَلْ رَوَيْتَ فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ شَيْئًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُلْتُ : إِذَا أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ " وَكَانَ كَافِرًا فَفِي السُّنَّةِ كِفَايَةٌ فِي أَنَّ مَالَهُ مَالُ كَافِرٍ لَا وَارِثَ لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ في فَيْءٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُمَا عَنْ " مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ , فَقَالَا : لِبَيْتِ الْمَالِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَعْنِيَانِ أَنَّهُ فَيْءٌ . قَالَ : أَفَعَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَنِمَ مَالَ ابْنِ خَطَلٍ , قُلْتُ : وَلَا عَلِمْتَهُ وَرَّثَ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ , وَلَا عَلِمْتَ لَهُ مَالًا , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي أَنْ لَا مَعْنَى لِلتَّوَهُّمِ . قَالَ : فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِكَ أَنَّ رَجُلًا ارْتَدَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ , فَلَمْ يَعْرِضْ عُمَرُ لِمَالِهِ ، وَلَا عُثْمَانُ بَعْدَهُ , قُلْنَا : وَلَا نَعْرِفُ هَذَا ثَابِتًا عَنْ عُمَرَ , وَلَا عَنْ عُثْمَانَ , وَلَوْ كَانَ , كَانَ خِلَافَ قَوْلِكَ وَبِمَا قُلْنَا أَشْبَهُ ، أَنْتَ تَزْعُمَ أَنَّهُ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ مَالُهُ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْسِمَاهُ وَتَقُولُ : لَمْ يَعْرِضْ لَهُ وَقَدْ يَكُونُ بِيَدَيْ مَنْ وَثِقَ بِهِ , أَوْ يَكُونُ ضَمِنَهُ مَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَوْتُهُ , فَأَخَذَهُ فَيْئًا "
وروى البيهقي(5)عَنِ الشَّافِعِىِّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَمَا إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ قَالَ الشَّافِعِىُّ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَدْ رُوِّيتُمْ ذَلِكَ ، وَبِهِ نَقُولُ قِيَاسًا عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْوُضُوءِ مِمَّا خَرَجَ مِنْ دُبُرٍ أَوْ ذَكَرٍ أَوْ فَرْجٍ. قَالَ : وَلَوْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا عِنْدَنَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنَ الْقِيَاسِ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 244) (14796) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِىُّ قَالَ قَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَبِى هُوَ وَأُمِّى : أَنَّهُ قَضَى فِى بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَنُكِحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا فَقَضَى لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ. فَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ أَوْلَى الأُمُورِ بِنَا وَلاَ حُجَّةَ فِى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ كَثُرُوا وَلاَ فِى قِيَاسٍ وَلاَ شَىْءَ فِى قَوْلِهِ إِلاَّ طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَثْبُتُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ أَحْفَظْهُ بَعْدُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ. هُوَ مَرَّةً يُقَالُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لاَ يُسَمَّى : فَإِذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ فَلاَ مَهْرَ لَهَا وَلاَ مُتْعَةَ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 61) (18466) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ قَالَ الشَّافِعِىُّ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ بَعْضِ النَّاسِ مِثْلَمَا قُلْتُ مِنْ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا فِى بِلاَدِ الْعَدُوِّ وَلاَ يَخْرُجُوا بِشَىْءٍ مِنَ الطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ هَذَا يَثْبُتُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ حُجَّةَ لأَحَدٍ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَثْبُتُ لأَنَّ فِى رِجَالِهِ مَنْ يُجْهَلُ فَكَذَلِكَ فِى رِجَالِ مَنْ رُوِى عَنْهُ إِحْلاَلُهُ مَنْ يُجْهَلُ" قَالَ الشَّيْخُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالأَوَّلِ حَدِيثَ الْوَاقِدِىِّ وَأَرَادَ بِالثَّانِى مَا ذَكَرْنَا بَعْدَهُ.
وفي معرفة السنن والآثار (5809 ) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَالْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُ مَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : إِنِّي أَرْمِي فَأُصْمِي وَأُنْمِي ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : " كُلْ مِمَّا أَصْمَيْتَ ، وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا أَصْمَيْتَ : مَا قَتَلَتْهُ الْكِلَابُ وَأَنْتَ تَرَاهُ ، وَمَا أَنْمَيْتَ : مَا غَابَ عَنْكَ مَقْتَلُهُ ، ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ : وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي فِيهِ إِلَّا هَذَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ فَإِنِّي أَتَوَهَّمُهُ فَيَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يَقُومُ مَعَهُ رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْعُذْرَ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - "(5810) قَالَ أَحْمَدُ : أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فَـ : أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكش بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْرَّحِيلِ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ، وَمَيْمُونٌ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، إِنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ فَأُصْمِي وَأُنْمِي ، فَكَيْفَ تَرَى ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " كُلْ مَا أَصْمَيْتَ ، وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ " وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، وَأَبِي رَزِينٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ : " بَاتَ عَنْكَ لَيْلَةً ، وَلَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ هَامَةٌ أَعَانَتْكَ عَلَيْهِ ، لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ " وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : " اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَظِيمٌ ، لَعَلَّهُ أَعَانَكَ عَلَى شَيْءٍ ، انْبِذْهَا عَنْكَ " وَأَمَّا الَّذِي تَوَهَّمَهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَهُوَ مَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " فَإِنْ وَجَدْتَهُ بَعْدَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِكَ فَشِئْتَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ فَكُلْ " وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، أَنَّهُ قَالَ : أَحَدُنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ ، أَيَأْكُلُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ إِنْ شَاءَ " ، أَوْ قَالَ : " يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ " "
__________
(1) - قلت : لم أعثر عليه في مصدر من مصادر المالكية وهو موجود في لقاءات الباب المفتوح - (ج 66 / ص 6) وفتاوى يسألونك - (ج 2 / ص 207) وفتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 63 / ص 253) ومجموع فتاوى ومقالات ابن باز - (ج 1 / ص 223) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 3 / ص 52) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 846) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 2263) وفتاوى نور على الدرب - (ج 1 / ص 25) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 93) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 6 / ص 234) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 13 / ص 52) وسير أعلام النبلاء - (ج 8 / ص 93) وسير أعلام النبلاء - (ج 10 / ص 73) وسير أعلام النبلاء - (ج 3 / ص 372)
(2) - ذكر ه ابن حزم من قوله في المحلى في سبعة عشر موضعا انظر مثلا : المحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 1 / ص 477) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 2 / ص 742) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 3 / ص 492) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 4 / ص 688) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 5 / ص 635)
(3) - الفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 212) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 1 / ص 224) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4679) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 297) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 5 / ص 317) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 306) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 197)
(4) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 13 / ص 300) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 17 / ص 360) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 17 / ص 362) وتيسير التحرير - (ج 4 / ص 363) وفواتح الرحموت - (ج 2 / ص 364)
(5) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 348) (1700) صحيح(1/477)
وفي معرفة السنن والآثار (3439) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَأَبُو زَكَرِيَّا ، وَأَبُو سَعِيدٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ ، أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : الْبَيْضَاءُ ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ ؟ " ، قَالُوا : نَعَمْ ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ " .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسُهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ ، فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا نَسِيئَةً فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَلَعَلَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَرِهَهَا لِذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حُجَّةٌ، قَالَ : وَفِي حَدِيثِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَلَائِلُ مِنْهَا : أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عَنْ نُقْصَانِهِ ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا حَضَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُمُ عَنْهُ ، وَمِنْهَا : أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ فِي تَنْقِيصِ الرُّطَبِ ، فَلَمَّا كَانَ يَنْقُصُ لَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ ، وَقَدْ حَرَّمَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَكَذَلِكَ دَلَّتْ أَنْ لَا يَجُوزَ رُطَبٌ بِرُطَبٍ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ ، وَلَا نَعْرِفُ كَيْفَ يَكُونَانِ فِي الْمُتَعَقِّبِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ ، وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا حَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ ، أَنَّهُ قَالَ : الْبَيْضَاءُ هُوَ الرُّطَبُ مِنَ السُّلْتِ ، وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ مِنَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ، وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْغَرْبِيَّيْنِ فِي السُّلْتُ قَالَ : هُوَ حَبٌّ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ "
قال ابن عربي في فتوحاته المكية في فصل صلاة الكسوف(1):
"فإن أخطأ المجتهد فهو بمنزلة الكسوف الذي يكون في غيبة المكسوف فلا وزر عليه وهو مأجور ،وإن ظهر له النص وتركه لرأيه أو لقياسه الجليّ في زعمه فلا عذر له عند الله وهو مأثوم ، وهو الكسوف الظاهر الذي يكون له الأثر المقرّر عند علماء الأحكام بسير الكواكب ، وأكثر ما يكون هذا في الفقهاء المقلدين الذين قالوا لهم لا تلقدونا واتبعوا الحديث إذا وصل إليكم المعارض لما حكمنا به، فإنّ الحديث مذهبنا وإن كنا لا نحكم بشيء إلا بدليل يظهر لنا في نظرنا أنه دليل، وما يلزمنا غير ذلك لكن ما يلزمكم اتباعنا ،ولكن يلزمكم سؤالنا نوفي كل وقت في النازلة الواحدة قد يتغير الحكم عند المجتهد ، ولهذا كان يقول مالك إذا سئل في نازلة هل وقعت فإن قيل لا يقول لا أفتي، وإن قيل نعم أفتى في ذلك الوقت بما أعطاه دليله، فأبت المقلدة من الفقهاء في زماننا أن توفي حقيقة تقليدها لإمامها باتباعها الحديث الذي أمرها به إمامها وقلدته في الحكم مع وجود المعارض ، فعصت الله في قوله { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر، وعصت الرسول في قوله { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران ، فإنه ما قالها إلا عن أمر ربه سبحانه ،وعصت إمامها في قوله خذوا بالحديث إذا بلغكم واضربوا بكلامي الحائط ، فهؤلاء في كسوف دائم مسرمد عليهم إلى يوم القيامة، فلا هم مع الله ولا مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا مع إمامهم، فهم في براءة من الله ورسوله وإمامهم ، فلا حجة لهم عند الله ،فانظروا مع من يحشر هؤلاء "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الفتوحات المكية - (ج 2 / ص 107)(1/478)
المبحث الرابع
العملُ بالحديث بحسب ما بدا لصاحب الفهم المستقيم
قال علم الدين الفلاني في " إيقاط الهمم ": " قال بعض أهل التحقيق الواجب على من له أدنىي دراية بالكتاب وتفسيره والحديث وفنونه أن يتتبع كل التتبع ويميز الصحيح عن الضعيف والقويَّ عن غيره، فيتبع ويعملُ بما ثبتت صحته وكثرت رواته، وإن كان الذي قلَّده على خلافه، ولا يخفى أن الانتقال من مذهبٍ إلى مذهبٍ ما كان معلوماً في الصدر الأول ، وقد انتقل كبار العلماء من مذهبٍ إلى مذهب، وهكذا كان ما كان من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ينتقلون من قول إلى قول، والحاصلُ أن العمل بالحديث بحسب ما بدا لصاحب الفهم المستقيم من المصلحة الدينية هو المذهب عند الكل، وهذا الغمامُ الهمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى كان يفتي ويقول: هذا ما قدرنا عليه في العلم فمن وجد أوضح منه فهو أولى بالصواب (كذا في تنبيه المغترين)، وعنه أنه قال : " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعرف مأخذه من الكتاب والسنة أو إجماع الأمة أو القياس الجلي في المسألة " انتهى(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد- (ج 1 / ص 145) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 237)(1/479)
المبحثُ الخامس
لزومُ الإفتاء بلفظ النصِّ مهما أمكنَ
قال ابن القيم رحمه الله(1):
" ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النصِّ مهما أمكنه، فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام، فهو حكم مضمون له الصواب، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان، وقول الفقيه المعين ليس كذلك، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على مناهجهم يتحرون ذلك غاية التحري حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص واشتقوا لهم ألفاظاً غير ألفاظ النصوص، فأوجب ذلك هجر النصوص، ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان، فتولد من هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الألفاظ الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، فألفاظ النصوص عصمة وحجة، بريئة من الخطأ والتناقض، والتعقيد والاضطراب، ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كذلك وهَلمَّ جرَّا..، وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سئلوا عن مسألة يقولون قال الله كذا، قال رسول الله كذا، ولا يعدلون عن ذلك و ما وجدوا إليه سبيلاً قط فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور. انتهى. "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - في إعلام الموقعين "4/148" ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 31)(1/480)
المبحثُ السادس
لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصّ
قال ابن القيم رحمه الله(1):
" ومثاله أن يسأل عن رجل صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس هل يتم صلاته أم لا فيقول لا يتمها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ » .(2)
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّنْ مَاتَ عَلَيْهِ صِيَامٌ : هَلْ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ؟ فَيَقُولَ : لَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ »(3).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ ، هَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ ؟ فَيَقُولَ : لَيْسَ أَحَقَّ بِهِ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ ، فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ » .(4).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا ، هَلْ يُتِمُّ صَوْمَهُ ؟ فَيَقُولَ : لَا يُتِمُّ صَوْمَهُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « إِذَا نَسِىَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ »(5).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، هَلْ هُوَ حَرَامٌ ؟ فَيَقُولَ : لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « أَكْلُ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ ».(6)
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ الرَّجُلِ : هَلْ لَهُ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ غَرْزِ خَشَبَةٍ فِي جِدَارِهِ ؟ فَيَقُولَ : لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ :« لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِى جِدَارِهِ »(7)
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ : هَلْ تَجْزِي صَلَاةُ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ؟ فَيَقُولَ : تَجْزِيهِ صَلَاتُهُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « لا تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ يَعْنِى صُلْبَهُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ».(8).
أَوْ يُسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْعَطِيَّةِ : هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا يَصِحُّ ؟ وَهَلْ هُوَ جَوْرٌ [ أَمْ لَا ؟ ] فَيَقُولَ : يَصِحُّ ، وَلَيْسَ بِجَوْرٍ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : " إنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ " وَيَقُولُ : « أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَأُرَاهُ قَالَ : « لاَ تُشْهِدْنِى عَلَى جَوْرٍ » ..(9)
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ الْوَاهِبِ : هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ يَحِلُّ لَهُ [ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا أَوْ قَرَابَةً فَلَا يَرْجِعُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : { لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ }(10).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ شِرْكٌ فِي أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ : هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ قَبْلَ إعْلَامِ شَرِيكِهِ بِالْبَيْعِ وَعَرْضُهَا عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ إعْلَامِهِ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِى رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ رَضِىَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ ».(11).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ، فَيَقُولَ : نَعَمْ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : { لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ }(12).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ، فَهَلْ الزَّرْعُ لَهُ أَمْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ؟ فَيَقُولَ : الزَّرْعُ لَهُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « مَنْ زَرَعَ فِى أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَىْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ ».(13).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ : هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوِلَايَةِ بِالشَّرْطِ ؟ فَيَقُولَ : لَا يَصِحُّ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ».(14).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ : هَلْ يَحِلُّ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَجُوزُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ { قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ }(15).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى : هَلْ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ أَمْ لَا ؟ فَيَقُولُ : لَيْسَتْ الْعَصْرَ ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ : « حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا »(16)..
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ : هَلْ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ أَمْ لَا ؟ فَيَقُولَ : لَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ }(17)
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ : هَلْ يَجُوزُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فَيَقُولَ : لَا يَجُوزُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ فَقَالَ « مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ ».(18)
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ : هَلْ يُسْجَدُ فِي { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ }(19)، وَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } فَيَقُولَ : لَا يُسْجَدُ فِيهِمَا ، وَقَدْ سَجَدَ فِيهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (20).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ ، فَيَقُولَ : لَهُ دِيَتُهَا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لاَ دِيَةَ لَهُ ».(21).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ فَخَذَفَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ : هَلْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ ، وَتَلْزَمُهُ دِيَةُ عَيْنِهِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { لَوْ أَنَّ أَحَدًا اطَّلَعَ عَلَى نَاسٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ }(22).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً ، فَهَلْ لَهُ رَدُّهَا وَرَدُّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ مَعَهَا أَمْ لَا ؟ فَيَقُولَ : لَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهَا وَرَدُّ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ مَعَهَا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ ، وَلاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ ، وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ » .(23).
وَمِثْلُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ الزَّانِي الْبِكْرِ : هَلْ عَلَيْهِ مَعَ الْجَلْدِ تَغْرِيبٌ ؟ فَيَقُولَ : لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : { عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ }(24).
أَوْ يُسْأَلَ عَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ : هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ، وَلاَ فِى أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الإِبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ ، وَلاَ فِى أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ »(25)..
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهَا ، فَيَقُولَ : نِكَاحُهَا صَحِيحٌ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِىُّ مَنْ لاَ وَلِىَّ لَهُ »(26)..
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ : هَلْ يَسْتَحِقَّانِ اللَّعْنَةَ ؟ فَيَقُولَ : لَا يَسْتَحِقَّانِ اللَّعْنَةَ ، { وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ. }(27).
وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ »(28).
أَوْ يُسْأَلَ : هَلْ يَجُوزُ إكْمَالُ شَعْبَانِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَيْلَةَ الْإِغْمَاءِ ، فَيَقُولَ : لَا يَجُوزُ إكْمَالُهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً ، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ »(29).
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ الْمَبْتُوتَةِ : هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ وَسُكْنَى ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « لاَ نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى »(30).
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ الْإِمَامِ : هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَيْنِ ؟ فَيَقُولَ : يُكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَحَبُّ ، وَقَدْ رَوَى خَمْسَةَ عَشْرَ نَفْسًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ { كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ }(31).
أَوْ يُسْأَلَ عَمَّنْ رَفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ عَنْهُ : هَلْ صَلَاتُهُ مَكْرُوهَةٌ أَوْ [ هِيَ ] نَاقِصَةٌ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ تُكْرَهُ صَلَاتُهُ أَوْ هِيَ نَاقِصَةٌ ، وَرُبَّمَا غَلَا فَقَالَ : بَاطِلَةٌ ، وَقَدْ رَوَى بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ نَفْسًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ { كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ، عِنْدَ الِافْتِتَاحِ ، وَعِنْدَ الرُّكُوعِ ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ } بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ لَا مَطْعَنَ فِيهَا(32).
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ : هَلْ يَجْزِي فِيهِ الرَّشُّ [ أَمْ يَجِبُ الْغُسْلُ ] ؟ فَيَقُولَ : لَا يَجْزِي [ فِيهِ الرَّشُّ ] وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلاَمِ »(33). وَرَشُّهُ [ هُوَ ] بِنَفْسِهِ .
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ التَّيَمُّمِ : هَلْ يَكْفِي بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى الْكُوعَيْنِ ، فَيَقُولَ : لَا يَكْفِي وَلَا يُجْزِئُ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي نَصًّا صَحِيحًا لَا مَدْفَعَ لَهُ .(34)
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ أَعْتَقَ سِتَّةَ عَبِيدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ : هَلْ تَكْمُلُ الْحُرِّيَّةُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُهُ ؟ فَيَقُولَ : لَا تَكْمُلُ الْحُرِّيَّةُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ، { عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيدًا.(35)
__________
(1) - إعلام الموقعين - (ج 4 / ص 239)
(2) - صحيح البخارى(556 )
(3) - صحيح البخارى(1952 )
(4) - صحيح البخارى(2402 )
(5) - صحيح البخارى (1933 )
(6) - موطأ مالك (1065 ) صحيح
(7) - صحيح البخارى (2463 )
(8) - سنن الترمذى(266 ) قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَقَالَ الشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَصَلاَتُهُ فَاسِدَةٌ لِحَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ».
(9) - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضى الله عنهما - قَالَ سَأَلَتْ أُمِّى أَبِى بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِى مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِى فَقَالَتْ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَخَذَ بِيَدِى وَأَنَا غُلاَمٌ ، فَأَتَى بِىَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِى بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا ، قَالَ « أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَأُرَاهُ قَالَ « لاَ تُشْهِدْنِى عَلَى جَوْرٍ » . صحيح البخارى ( 2650 )
(10) - شرح معاني الآثار - (ج 5 / ص 50) صحيح
(11) - صحيح مسلم(4212 )
(12) - عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قُلْتُ لِعَلِىٍّ - رضى الله عنه هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مِنَ الْوَحْىِ إِلاَّ مَا فِى كِتَابِ اللَّهِ قَالَ وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلاً فِى الْقُرْآنِ ، وَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قُلْتُ وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الأَسِيرِ ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ . صحيح البخارى( 3047 )
(13) - سنن أبى داود ( 3405 ) صحيح
(14) - مسند أحمد (1777) صحيح
(15) - مسند أحمد( 2942) صحيح
(16) - سنن أبى داود ( 409 ) صحيح
(17) - ورد من طرق عديدة انظر تفسير الطبري عند الآية { وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} سورة التوبة
(18) - صحيح البخارى(473 )
(19) - عَنْ أَبِى رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ) فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ قَالَ سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِى الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ . صحيح البخارى(766 )
(20) - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) وَ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ ).سنن أبى داود(1409 ) صحيح
(21) - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَاتَلَ يَعْلَى ابْنُ مُنْيَةَ أَوِ ابْنُ أُمَيَّةَ رَجُلاً فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ - وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ثَنِيَّتَيْهِ - فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لاَ دِيَةَ لَهُ ».صحيح مسلم(4459 )
ثنية : إحدى الأسنان الأربع التى فى مقدم الفم اثنتان من فوق واثنتان من تحت
(22) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 570) (26759) صحيح
(23) - صحيح البخارى (2150 )
تصر : تجمع اللبن فى ضرعها عند إرادة البيع فتبدو أنها كثيرة اللبن
(24) - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ رضى الله عنهم أَنَّهُمَا قَالاَ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِى بِكِتَابِ اللَّهِ . فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ وَهْوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَائْذَنْ لِى . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قُلْ » . قَالَ إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ ، وَإِنِّى أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا » . قَالَ فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ . صحيح البخارى (2724 و 2725 )
(25) - صحيح البخارى(1484 )
(26) - سنن أبى داود (2085 ) صحيح
(27) - سنن ابن ماجه (2009) صحيح لغيره
(28) - سنن ابن ماجه (2011 ) صحيح لغيره
(29) - صحيح البخارى(1907 )
(30) - عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ وَاللَّهِ لأُعْلِمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا كَانَ لِى نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِى يُصْلِحُنِى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِى نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « لاَ نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى ».صحيح مسلم (3771)
(31) - وفي سنن الترمذى (296 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ وَأَبِى سَعِيدٍ وَعَمَّارٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَعَدِىِّ بْنِ عَمِيرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
(32) - انظر بعض هذه الروايات في سنن النسائى (886 )
(33) - سنن أبى داود(376 ) صحيح
(34) - عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ ، فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا ، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّى فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِى هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ . قُلْتُ وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا قَالَ نَعَمْ . فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ ، فَتَمَرَّغْتُ فِى الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا » . فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ وَزَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِى أَنَا وَأَنْتَ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا » . وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً "صحيح البخارى (347 )
(35) - صحيح مسلم (4425 )(1/481)
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ الْقُرْعَةِ : هَلْ هِيَ جَائِزَةٌ أَمْ بَاطِلَةٌ ؟ فَيَقُولَ : لَا ، بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ ، وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَدْ أَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (1)، وَأَمَرَ بِالْقُرْعَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ(2).
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ : هَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَمْ لَا [ صَلَاةَ ] لَهُ ؟ وَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ لَهُ صَلَاةٌ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ : { لَا صَلَاةَ لَهُ } وَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ .(3)
أَوْ يُسْأَلَ : هَلْ لِلرَّجُلِ رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ؟ فَيَقُولَ : نَعَمْ لَهُ رُخْصَةٌ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : { لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً }(4).
أَوْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ أَسَلَفَ رَجُلًا مَالَهُ وَبَاعَهُ سِلْعَةً : هَلْ يَحِلُّ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولَ نَعَمْ يَحِلُّ ذَلِكَ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ : « لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلاَ شَرْطَانِ فِى بَيْعٍ وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ».(5).
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ يَشْتَدُّ نَكِيرُهُمْ وَغَضَبُهُمْ عَلَى مَنْ عَارَضَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ اسْتِحْسَانٍ أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، وَيَهْجُرُونَ فَاعِلَ ذَلِكَ ، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَضْرِبُ لَهُ الْأَمْثَالَ ، وَلَا يُسَوِّغُونَ غَيْرَ الِانْقِيَادِ لَهُ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّلَقِّي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَلَا يَخْطُرُ بِقُلُوبِهِمْ التَّوَقُّفُ فِي قَبُولِهِ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ عَمَلٌ أَوْ قِيَاسٌ أَوْ يُوَافِقَ قَوْلَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، بَلْ كَانُوا عَامِلِينَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } وَأَمْثَالُهَا ، فَدُفِعْنَا إلَى زَمَانٍ إذَا قِيلَ لِأَحَدِهِمْ " ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا " يَقُولُ : مَنْ قَالَ بِهَذَا ؟ وَيَجْعَلُ هَذَا دَفْعًا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ ، أَوْ يَجْعَلُ جَهْلَهُ بِالْقَائِلِ [ بِهِ ] حُجَّةً لَهُ فِي مُخَالَفَتِهِ وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ ، وَلَوْ نَصَحَ نَفْسَهُ لَعَلِمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ عُذْرُهُ فِي جَهْلِهِ ؛ إذْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى مُخَالَفَةِ تِلْكَ السُّنَّةِ ، وَهَذَا سُوءُ ظَنٍّ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، إذْ يَنْسُبُهُمْ إلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مُخَالَفَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ عُذْرُهُ فِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ جَهْلُهُ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِمَنْ قَالَ بِالْحَدِيثِ ، فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى تَقْدِيمِ جَهْلِهِ عَلَى السُّنَّةِ ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَلَا يُعْرَفُ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ أَلْبَتَّةَ قَالَ : لَا نَعْمَلُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَعْرِفَ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، فَإِنْ جَهِلَ مَنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ مَنْ عَمِلَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ كَمَا يَقُولُ هَذَا الْقَائِلُ .اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . صحيح البخارى (2593 )
وفي صحيح البخارى (2686 ) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِى الشَّعْبِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِى أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِى أَعْلاَهَا ، فَكَانَ الَّذِى فِى أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِى أَعْلاَهَا ، فَتَأَذَّوْا بِهِ ، فَأَخَذَ فَأْسًا ، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِى ، وَلاَ بُدَّ لِى مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَ أَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ »
(2) - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا » . صحيح البخارى(2689 )
استهم : اقترع عليه التهجير : التبكير إلى الصلاة
(3) - وفي سنن الترمذى(230 )عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ قَالَ أَخَذَ زِيَادُ بْنُ أَبِى الْجَعْدِ بِيَدِى وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ فَقَامَ بِى عَلَى شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ مِنْ بَنِى أَسَدٍ فَقَالَ زِيَادٌ حَدَّثَنِى هَذَا الشَّيْخُ أَنَّ رَجُلاً صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىِّ بْنِ شَيْبَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ وَابِصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَلِّىَ الرَّجُلُ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَقَالُوا يُعِيدُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ.
وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىِّ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى حَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَيْضًا قَالُوا مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ يُعِيدُ. مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ وَابْنُ أَبِى لَيْلَى وَوَكِيعٌ. وَرَوَى حَدِيثَ حُصَيْنٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ. وَفِى حَدِيثِ حُصَيْنٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِلاَلاً قَدْ أَدْرَكَ وَابِصَةَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِى هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَصَحُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ حَدِيثُ حُصَيْنٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَصَحُّ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَذَا عِنْدِى أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ لأَنَّهُ قَدْ رُوِىَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ.
(4) - عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِى قَائِدٌ لاَ يُلاَئِمُنِى فَهَلْ لِى رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّىَ فِى بَيْتِى قَالَ « هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « لاَ أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً ». سنن أبى داود (552 ) صحيح
قال الحافظ في الفتح 2/126: وقد ذهب إلى كون صلاة الجماعة فرض عين: عطاء، والأوزاعي، وأحمد، وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور، وابن خزيمة، وابن المنذر، وبالغ داود ومن تبعه، فجعلها شرطاً في صحة الصلاة، وقال أحمد: إنها واجبة غير شرط. وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه، وقال به كثير من الحنفية والمالكية. والمشهور عند الياقين أنها سنة مؤكدة.
وقال الشوكاني: وأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التبي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم أو مشؤوم، وأما أنها فرض عين أو كفاية، أو شرط لصحة الصلاة، فلا.صحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 414)
(5) - سنن أبى داود(3506 ) صحيح(1/482)
المبحث السابع
ردُّ ما خالفَ النصَّ أو الإجماعَ
قال الإمام القرافي رحمه الله(1):
" كُلُّ شَيْءٍ أَفْتَى فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَخَرَجَتْ فُتْيَاهُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ ، لَا يَجُوزُ لِمُقَلِّدِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ ، وَهَذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا ، وَالْفُتْيَا بِغَيْرِ شَرْعٍ حَرَامٌ، فَالْفُتْيَا بِهَذَا الْحُكْمِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَ عَاصٍ بِهِ، بَلْ مُثَابًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ جَهْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ »(2).
فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ تَفَقُّدُ مَذَاهِبِهِمْ، فَكُلُّ مَا وَجَدُوهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفُتْيَا بِهِ، وَلَا يَعْرَى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا فِي مَذْهَبِهِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعَدَمَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ تَحْصِيلَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالتَّبَحُّرَ فِي الْفِقْهِ، فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ لَيْسَتْ مُسْتَوْعَبَةً فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ بَلْ لِلشَّرِيعَةِ قَوَاعِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْفُقَهَاءِ، لَا تُوجَدُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْلًا ، وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِثُ لِي عَلَى وَضْعِ هَذَا الْكِتَابِ لِأَضْبِطَ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِحَسَبِ طَاقَتِي ، وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ يَحْرُمُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْفَتْوَى ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ ، وَكَذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُتَوَقِّفِينَ فِي الْفُتْيَا تَوَقُّفًا شَدِيدًا ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، يُرِيدُ تَثْبُتُ أَهْلِيَّتُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ .
وَيَكُونُ هُوَ بِيَقِينٍ مُطَّلِعًا عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنَ الْإِنْسَانِ أَمْرٌ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّاسُ حَصَلَ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ ، وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا، لِأَنَّ التَّحَنُّكَ وَهُوَ اللِّثَامُ بِالْعَمَائِمِ تَحْتَ الْحَنَكِ شِعَارُ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَحَنُّكٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَأَكُّدِ التَّحْنِيكِ ، وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْفُتْيَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ انْخَرَقَ هَذَا السِّيَاجُ ، وَسَهُلَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ، فَتَحَدَّثُوا فِيهِ بِمَا يَصْلُحُ وَبِمَا لَا يَصْلُحُ ، وَعَسُرَ عَلَيْهِمْ اعْتِرَافُهُمْ بِجَهْلِهِمْ ، وَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: لَا يَدْرِي فَلَا جَرَمَ آلَ الْحَالُ لِلنَّاسِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْجُهَّالِ .
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَصِيرَ طَالِبُ الْعِلْمِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ مَعَ الدِّيَانَةِ الْوَازِعَةِ وَالْعَدَالَةِ الْمُتَمَكِّنَةِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَذْهَبِهِ نَقْلًا وَتَخْرِيجًا ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى مَا يَقُولُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ". اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 3 / ص 372) و الفروق مع هوامشه - (ج 2 / ص 197)
(2) - صحيح البخارى(7352 )(1/483)
المبحث الثامن
تشنيعُ المتقدمين على من يقول العمل على الفقه لا على الحديث(1)
قال العلامة الفلاني في إيقاظ الهمم(2): "وقال عبدالحق الدهلوي في شرح الصراط المستقيم: إن التحقيق في قولهم إن الصوفي لا مذهب له أنه يختار من روايات مذهبه الذي التزمه للعمل عليه ما يكون أحوط ويوافق حديثا صحيحا وإن لم يكن ظاهر روايات ذلك المذهب ومشهورها نقل عنه أنه قال في الشرح المذكور إذا وجد تابع المجتهد حديثا صحيحا مخالفا لمذهبه هل له أن يعمل به ويترك مذهبه؟ فيه اختلافٌ ، فعند المتقدمين له ذلك ، قالوا لأن المتبوع والمقتدى به هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سواه فهو تابع له ، فبعد أن علم وصح أنه قوله - صلى الله عليه وسلم - فالمتابعة لغيره غير معقولة ، وهذه طريقة المتقدمين انتهى
وفي الظهيرية : ومن فعل فعلا مجتهدا فيه أو قلد مجتهدا في فعل مجتهد فيه فلا عار ولا شناعة ولا إنكار عليه . انتهى(3)
وأما الذي لم يكن من أهل الاجتهاد فانتقل من قول إلى قول من غير دليل، لكن لما يرغب من عرض الدنيا وشهواتها فهو المذموم الآثم كذا في الحمادي، وأما ما يورد على الألسنة من أن العملَ على الفقه لا على الحديث فتفوهٌ لا معنًى له ، إذ من البين أن مبنى الفقه ليس إلا الكتاب والسنة ، وأما الإجماع والقياسُ فكل واحد منهما يرجع إلى كلٍّ من الكتاب والسنة ، فما معنى إثبات العمل على الفقه ونفي العمل بالحديث، فإن العمل بالفقه عينُ العمل بالحديث كما عرفت ، وغاية ما يمكن في توجيهه أن يقال أن ذلك حكمٌ مخصوصٌ بشخصٍ مخصوصٍ، وهو من ليس من أهل الخصوص، بل من العوام الذين هم كالهوام لا يفهمون معنى الحديث ومراده ، ولا يميزون بين صحيحه وضعيفه ومقدمه ومؤخره ومجمله ومفسره وموضوعه وغير ذلك من أقسامه ، بل كل ما يورد عليهم بعنوان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم يعتمدون عليه ويستندون إليه من غير تميز ومعرفة ، بأنَّ قائل ذلك من نحو المحدثين أم من غيرهم ، وعلى تقدير كونه من المحدثين أعدلٌ وثقةٌ أم لا ، وإن كان جيد الحفظ أو سيئه أو غير ذلك من فنونه، فإن ورد على العامي حديثٌ ويقال له أنه يعمل على الحديث، فربما يكون ذلك الحديث موضوعاً ،ويعمل عليه لعدم التميز وربما يكون ذلك الحديث ضعيفاً والحديث الصحيحُ على خلافه، فيعمل على ذلك الحديث الضعيف ويترك الحديث الصحيحَ ، وعلى هذا القياس في كل أحواله يغلطُ أو يخلطُ، فيقال لأمثاله : إنه يعمل بما جاء عن الفقيه لا يعملُ بمجرد سماع الحديث لعدم ضبطه، وأما من كان من أهل الخصوص وأهل الخبرة للحديث وفنونه فحاشا أن يقال له أنه يعملُ بما جاء عن فقيهٍ ، وإن كانت الأحاديثُ الواردة فيه على خلاف ذلك ،لأن العمل على الفقه لا على الحديث هذا ، ثم مع هذا لا يخفى ما في هذا اللفظ من سوء الأدب والشناعة والبشاعة،فإن التفوه بنفي العمل على الحديث على الإطلاق مما لا يصدر من عاقل فضلاً عن فاضل ،ولو قيل بالتوجيه الذي ذكرناه أن العمل بالفقه لا على الحديث لقال قائلٌ بعين ذلك التوجيه أن العمل على الفقه لا على الكتاب، فإن العاميَّ لا يفهم شيئا من الكتاب ولا يميز بين محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه ومفسره ومجمله وعامه وخاصه وغير ذلك من أقسامه، فصح أن يقال: إن العملَ على الفقه لا على الكتاب والحديث، وفسادهُ أظهر من أن يظهر، وشناعتُه أجلى من أن تستر، بل لا يليق بحال المسلم المميز أن يصدر عنه أمثال هذه الكلمات على مالا يخفى على ذوي الفطانةِ والدرايةِ، وإذا تحققتَ ما تلونا عليك عرفتَ أنه لو لم يكن نصٌّ من الإمام على المرامِ لكان من المتبعين على أتباعه من العلماء الكرام فضلا عن العوام أن يعملوا بما صحَّ عن سيد الأنام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ، ومن أنصف ولم يتعسف عرف أن هذا سبيلُ أهل التدين من السلف والخلف ،ومن عدل عن ذلك فهو هالك لوصف الجاهل المعاند المكابر، ولو كان عند الناس من الأكابرِ وأنشدوا في هذا المعنى شعرا
أهلُ الحديث همو أهلُ النبي وإنلم يصحبوا نفسَه أنفاسَه صحبوا
أماتنا الله سبحانه وتعالى على محبة المحدثين واتباعهم من الأئمة المجتهدين ، وحشرنا مع العلماء العاملين تحت لواء سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين انتهى
وقال الشعراني في مقدمة ميزانه: " أقول: الواجب على كل مقلِّدٍ من طريق الإنصاف أن لا يعملَ برخصهٍ قال بها إمامُ مذهبه إلا إن كان من أهلها، وأنه يجبُ عليه العمل بالعزيمة التي قال بها غيرُ إمامه حيث قدر عليها، لأن الحكم راجعٌ إلى كلام الشارع بالأصالة لا إلى كلام غيره، لا سيما إن كان دليلُ الغير أقوى خلافَ ما عليه بعضُ المقلدين، حتى إنه قال لي: لو وجدت حديثاً في البخاري ومسلم لم يأخذْ به إمامي لا أعملُ به ،وذلك جهلٌ منه بالشريعة ،وأول من يتبرأُ منه إمامه، وكان الواجب عليه حملَ إمامه على أنه لم يظفرْ بذلك الحديث أو لم يصحَّ عنده " انتهى
ـــــــــــــــ
__________
(1) -- انظر قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 241)
(2) - إيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 55)
(3) - عقد الجيد - (ج 1 / ص 26)(1/484)
المبحثُ التاسع
رد الإمام السندي الحنفي رحمه الله على من يقول: ليس لمثلنا أن يفهم الحديث
قال الفلاني(1): " والعجب من الذي يقول أمرُ الحديث عظيم وليس لمثلنا أن يفهم ، فكيف يعمل به ؟
وجوابه بعد أن فرضنا موافقة فهمه لفهم ذلك العالم الذي يعتدُّ بعلمه وفهمه بالإجماع أنه إن كان المقصودُ بهذا تعظيم الحديث وتوقيره فالحديث أعظم وأجل، لكن من جملة تعظيمه وتوقيره أنه يعملُ به ويستعملُ في مواده ،فإن ترك المقالات به إهانة له نعوذ بالله منه ،وقد حصل فهمه على الوجه الذي هو مناط التكليف حيث وافق فهم ذلك العالم، فتركُ العمل بذلك الفهم لا يناسب التعظيم والإجلال ، فمقتضى التعظيم والإجلال الأخذُ به لا بتركه ،وإن كان المقصودُ مجردَ الردِّ عن نفسه بعد ظهور الحق، فهذا لا يليق بشأن مسلمٍ، فإن الحقَّ أحقُّ بالاتباع، إذ لا يعلم ذلك الرجل أن الله عز وجل قد أقام برسوله - صلى الله عليه وسلم - الحجةَ على من هو أغبى منه من المشركين، الذين كانوا يعبدون الأحجار ،وقد قال تعالى فيهم: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف ، فهل أقام عليهم الحجة من غير فهم ؟!! أو فهموا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن فهمَ هؤلاءِ الأغبياء فكيف لا يفهم المؤمنُ مع تأييد الله تعالى له بنور الإيمان ،وبعد هذا فالقول بأنه لا يفهمُ قريبٌ من إنكار البديهيات ،وكثير ممن يعتذر بهذا الاعتذار يحضر دروس الحديث أو يدرس الحديث فلولا فهم أو أفهمَ كيف قرأ أو أقرأ ،فهل هذا إلا من باب مخالفة القولِ الفعلَ ،والاعتذارُ بأنَّ ذلك الفهم ليس مناطاً للتكليف باطلٌ، إذ ليس الكتاب والسنة إلا لذلك الفهم ،فلا يجوز الاستعمال بهما والبحث عنهما بالنظر إلى المعاني التي لا يعملُ بهما ،كيف وقد أنزل الله تعالى كتابه الشريف للعمل به وتعقل معانيه ثم أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالبيان للناس عموما فقال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) سورة يوسف ،وقال { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (44) سورة النحل ، فكيف يقال: إن كلامه - صلى الله عليه وسلم - الذي هو بيانٌ للناس غيرُ مفهوم لهم إلا لواحد منهم، بل في هذا الوقت ليس مفهوماً لأحد بناءا على زعمهم أنه لا مجتهد في الدنيا منذ كم سنين، ولعل أمثالَ هذه الكلمات صدرت من بعض من أراد أن لا ينكشفَ حقيقةُ رأيه للعوام ،بأنه مخالفٌ للكتاب والسنَّة،فتوصل إلى ذلك بأن جعل فهم الكتاب والسنة على الوجه الذي هو مناطٌ للأحكام مقصورٌ على أهل الاجتهاد ، ثم نفى عن الدنيا أهلَ الاجتهاد، ثم شاعت هذه الكلماتُ بينهم ،والله أعلمُ بحقيقة الأمر، ولعل بعضهم لما رأى أنه إن منع ذلك يمكنُ أن يميلَ بعضٌ إلى ترجيحٍ بعضِ المذاهب الموافقة لظاهر الكتاب والسنة فيأخذها زادَ على ذلك عدمُ جواز الانتقالِ من مذهبٍ إلى مذهبٍ، وعدمُ التلفيق ونحوه، لئلا يجدَ الناسُ إلى الترجيح سبيلاً ،حتى قال قائل منهم: إن العاميَّ إذا انتقل من مذهبه يصيرُ أفسقَ الفاسقين ،وإذا انتقل العالمُ يصيرُ مبتدعاً وضالًّا ، فبذلك لا يطمعُ أحدٌ في الترجيح، لما يرى أنه لا فائدة تترتب عليه، ومعلومٌ عند أهل البصائر أن مثال هذه المقالاتِ لا عينٌ منها في دين الله تعالى ولا أثرٌ ، بل كثيرٌ منها مخالفٌ للعقل والنقل ،ومع ذلك فترى كثيرا من أهل الفهم ينحرفون عن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،مع أنها فرض لازم لقوله تعالى " { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ } (64) سورة النساء، ونحوه ولا يلتفتون إلى كلامه الذي يرويه الثقات الأثبات عنه - صلى الله عليه وسلم - بأسانيدَ صحاحٍ ثابتةٍ إلى رواياتٍ من أصحابِ المذاهب المذكورة في كتب المذهبِ ،من غير إسنادٍ ، وكثيرٌ من أهل الكتاب يخالفون في نقل تلك الروايات أيضا لعدم الإسناد اعتمادا على هذه الكلمات الشائعةِ بينهم، فإذا رأوا أحدا يميلُ إلى ترجيح قول إمامٍ بالحديث والكتاب يعدُّونه ضالًّا مبتدعاً ، فانظر إلى أمثال هذه الحوادث فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا أقل أن يعرف الرجلُ أن هذه الكلمات الشائعة هل هي أقوالٌ للمجتهدين من علماء الدينِ، أو هي لبعض المقلِّدين غير المعتمدينَ، فإن كانت للمجتهدين فلا بدَّ أن يعرف أنها لمنْ ، ونحن نجزمُ بأن أمثالَ هذه الكلمات لا يمكن أن تكون من العقلاءِ فضلاً عن أهل الاجتهاد، وكيف يسوغُ لمسلمٍ أن يتفوه بكلام في دين الله تعالى من غير أن يقوم به حجَّةٌ وبرهانٌ من الله تعالى ، وإن كانتْ للمقلدين فكيفَ يجتمعُ الاعتماد عليها عندهم ،مع اعتقاد أن لا عبرةَ بفهم المقلِّدين أصلاً ، فانتقض أحدُ الأمرين بالآخر ، وأعجبُ من هذا أن كثيرا منهم يتوقفُ على أن العلماء مذهبهم هل جوزوا العملَ بالحديث أم لا ؟ فنظنَّ أنه لا يصحُّ العمل بالسنَّة إلا بقول عالمٍ بهِ ، فنقول : إن قول العلماء يحتاجُ في ثبوته وصحته وكونه يصلح للعمل بهِ إلى الكتابِ والسنَّة، حتى إن ما خالف الكتاب والسنَّةَ ولا يوافقُهما بردُّ أولا، ترى كتب الفقهاء يقولون في كل قول وحكم لقول الله عز وجل أو لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف يحتاج العملُ بالكتاب والسنَّة إلى قول العلماءِ، وهل هذا إلا شبهُ الدورِ الممنوعِ وقلبٌ للمعقولِ ونقضٌ للأصولِ ، وجعلُ الفروع أصلاً والأصلَ فرعاً ، فهذا الذي ذكرنا يفيد أن جواز العمل بالحديث لمن فرضنا له من أجل البديهيات ، ومع ذلك فالروايةُ والدرايةُ سوى هذا الذي ذكرنا متوافقاتٌ على ذلك ، فمن الرواية ما ذكر في الهداية بقوله لأن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينزل عن قول المفتي، وفي الكافي والحميدي أي لا يكون أدنى درجة من قول المفتي، وقول المفتي يصلحُ دليلاً شرعيًّا أي للعاميِّ، فقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى ، وهذا الذي ذكر في الهداية أنه مذهب محمد ذكر في محيط السرخسي وغيره أنه قول أبي حنيفة ومحمد ،فيلزم منه جواز العملُ للعاميِّ بالحديث عندهما مطلقاً من غير اشتراط أنه أخذ به من يعتدُّ بعلمه ،إذ يجوز للعامي الأخذ بقول المفتي بل يجبُ عليه كما قال في الفتح أن الحكم في حق العامي فتوى مفتيه، وفي البحر أن مذهب العامي فتوى مفتيه من تقيد بمذهب، فكيف لا يجوز أولا يجبُ عليه العملَ به إذا علم أنه أخذ به من يعتدُّ بعلمه ،لإجتماع الفتوى والحديث حينئذ في حقه.
وذكر في الخزانة عن الروضة الزندويسية سئل أبو حنيفة إذا قلت قولاً وكتابُ الله يخالفه قال اتركوا قولي لكتاب الله فقيل إذا كان خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وذكر في المثانة عن الروضة الزندويسية عن كل من أبي حنيفة ومحمد أنه قال : إذا قلت قولا يخالف كتاب الله وخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاتركوا قولي.
وذكر ابن الشحنة في نهاية النهاية أنه صح عن أبي حنيفة أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي ، ذكره الشيخ إبراهيم البيدي في رسالة له في منع الإشارة في التشهد ، وأما ما اشتهر عن الشافعي أنه قال: إذا صح الحديث على خلاف قولي فاضربوا قولي بالحائط أو نحوه ، فذلك معلوم مذكور في كتب أصحاب مذهبه ،وقد بنى أصحابه المذهب على طبق هذا الكلام ، فكلما أورد عليهم حديث ورأوا قول الشافعي مخالفاً له أخذوا به وتركوا قوله ،وجعلوا ذلك مذهبهم قال بعض أصحاب التحقيق في رسالة له في علم أصول الحديث في تحقيق الحديث الضعيف أنه يجوز عند العلماء التساهل في رواية الضعيف دون الموضوع بأن لم يبين ضعفه في المواعظ والقصص وفضائل الأعمال لا في صفات الله تعالى وأحكام الحرام والحلال، قيل كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه ، وأبو داود كان يأخذ مأخذه ويخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره ويرجحه على رأي الرجال.
وعن الشعبي ما حدثك هؤلاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخذ به وما قالوه برأيهم فالقه في الحش ، وقال : الرأي بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلتها ، وعن الشافعي مهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف ماقلت، فالقول ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قولي وجعل يردده .انتهى كلامه.
وفي الباب روايات يطولُ الكلام بذكرها، وقد جمع بعض أهل التحقيق في رسالته في بيان جواز العمل بالحديث للعامي رواياتُ أهل المذهبين ، ثم قال: والذي يظهر لي بعد التأمل في مأخذ المسألة روايةً ودرايةً أن العملَ بما هو دليل شرعيٌّ في ذاته إذا احتمل عروض عارض مانع من العمل به كالحديث الذي وصل إلى العامي إذا احتمل أن يكون منسوخا أو مخالفا للإجماع جائز إذا كان الاحتمال غير ناشئ عن دليل ،وأما إذا كان ناشئا عن دليل فمحل توقف ، ولو قيل : إن عدم جواز العمل حينئذ ما لم يفتش عن ذلك الاحتمال فله نوع قرب والله تعالى أعلم. انتهى.
قلت : وقد يضرُّ فيما إذا وافق العاميُّ مجتهداً في فهم الحديث ، وعلم أن المجتهدَ أخذ به كما هو المفروض فيما نحن فيه، كما تقدم تحقيقه ولا يخالفُ جواز العمل أو وجوبَه على العامي في صورة مفروضة ما ذكره ابن الحاجب في مختصر الأصول، أنه يجب على العامي تقليدُ مجتهدٍ لظهور أنه يحصل للعامي في الصورة في العمل بالحديث تقليد من أخذ بذلك الحديث أيضا ،على أنه في محل التأمل عند أصحابنا بناءا على ما ذكرنا أن كلام الله يفيدُ جوازَ الأخذِ به للعامي من غير اشتراطٍ ، فهذا تحقيقُ الكلام في الرواية على وجه الاختصارِ، وأما الدرايةُ فالنظرُ في الدليل يعطي الجواز مطلقاً فكيف مع ذلك الشرط ،وذلك لما تقرر أن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا كلهم مجتهدينَ على اصطلاح العلماء، فإن فيهم القرويَّ والبدويَّ ،ومن سمع منه - صلى الله عليه وسلم - حديثا واحدا وصحبه مرة، ولا شك ان من سمع منهم حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم كان يعملُ به حسبَ فهمه مجتهداً كان أولا، ولم يعرف أن غير المجتهد منهم كلِّفَ بالرجوع إلى المجتهد فيما سمعه من الحديث ،لا في زمانه - صلى الله عليه وسلم - ولا بعده في زمان الصحابة رضي الله عنهم ،وهذا تقرير منه - صلى الله عليه وسلم - بجوازِ العمل بالحديث لغير المجتهد، وإجماعٌ من الصحابة عليه، ولولا ذلك لأمر الخلفاءُ غير المجتهدِ منهم سيما أهل البوادي أن لا يعملوا بما بلغهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - مشافهة أو بواسطة حتى يعرضوا على المجتهدين منهم ، ولم يرد من هذا عينٌ ولا أثرٌ ، وهذا هو ظاهر قوله تعالى{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر ،ونحوه من الايات ، حيث لم يقيد بأن ذلك على فهم الفقهاء،ومن هنا عرفتَ أنه لا يتوقفُ العملُ بعد وصول الحديث الصحيح على معرفة عدم الناسخِ أو عدم الإجماعِ على خلافه، أو عدم المعارِض، بل ينبغي العملُ به إلى أن يظهرَ شيءٌ من الموانع ، فينظر ذلك ويكفي في العمل كونُ الأصل عدمَ هذه العوارض المانعة عن العمل ،وقد بنى الفقهاء على اعتبار الأصل في شيء أحكاماً كثيرة في الماء ونحوه لاتحصى على المتتبع لكتبهم.
ويقربُ من كلام السندي رحمه الله ما جاء في حواشي تنبيه الأفهام ولفظه: " لا ندري ما هو الباعث لبعض المتفقهة على إنكار الاجتهاد وتحريمه على غير أئمة المذاهب والمبالغة في التقليد إلى درجة حملت بعض المستشرقين الأوربيين على الظن بأن الفقهاء إنما هم يعتقدون في الأئمة منزلة التشريع لا منزلة الضبط والتحرير، وهذا وإن يكن سوء ظن أوجبه الفقهاء أنفسهم ، إلا أن الحقيقة ليست كما ظنه ذلك المستشرق معاذ الله ، لأن الشارع واحد والشرع كذلك والأئمة لم ينهوا أحداً عن العمل بالدليل والرجوع إلى الكتاب والسنة إذا تعارض القولُ والنصُّ، ومن كلام الإمام الشافعي بهذا الصدر: إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي(2)، وقال: إذا رأيتم كلامي يخالفُ الحديث فاعملوا بالحديث واضربوا بكلامي عرض الحائط ، ومن كلام الإمام الأعظم: لا ينبغي لمن لا يعرف دليلي أن يأخذ بكلامي، لهذا كان من جاء بعدهم من أصحابهم أو من يوازيهم في العلم من المرجحين يخالفون أئتهم في كثير من الأحكام التي لم يتقيدوا بقول إمامهم فيها لمَّا قام لهم الدليل على مخالفتها لظاهر النصِّ، وإنما بعض الفقهاء الذين يسترون جهلهم بالتقليد ينتحلون - لدعواهم التقيد بقول الإمام دون نص الكتاب أو السنة - أعذاراً لا يسلِّم لهم بها أحدٌ من ذوي العقل الراجح من أفاضل المسلمين وعلمائهم العاملين الذين هم على بصيرة من الدين ".(3)
وجاء في الحواشي المذكورة أيضاً ما نصه : " يعتذر بعضهم عن سدِّ باب الاجتهاد بسدِّ باب الخلاف وجمع شتات الأفكار المتأتي عن تعدد المذاهب ،والحالُ أن الاجتهاد على طريقة السلَّف لا يؤدي إلى هذا المحذور كما هو مشاهدٌ الآن عند الزيدية من أهالي جزيرة العرب - وهم الذين ينتسبون إلى زيد بن زين العابدين لا زيد بن الحسن المذكور في حواشي الدر - فإن دعوى الاجتهاد بين علمائهم شائعةٌ مستفيضةٌ وطريقهم فيه طريقة السلف ،أي أنهم يأتون بالحكم معززاً بالدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع ،وليس بعد إيراد الدليل مع الحكم أدنى طريق للخلاف أو الاختلاف اللهم إلا فيما لم يوجد بإزائه نصٌّ صريحٌ أو إجماعٌ من الصحابة أو التابعين، واحتيج فيه إلى الاستنباط من أصول الدين ، وليس في هذا من الخطر أو تشتت الأفكار، ولو جزءاً يسيراً مما في طريقة الترجيح والتخريج عند الفقهاء الآن على أصول أي مذهب من المذاهب الأربعة ،ويكفي ما في هذه الطريقة من تشتت الأفكار خلاف المخرجين والمرجحين في المسألة الواحدة خلافاً لا ينتهي إلى غاية يرتاح إليها ضمير مستفيد، لقذفهم بفكره في تيار تتلاطم أمواجه بين قولهم المتعمد والمعوَّلُ عليه كذا والصحيح كذا والأصح كذا والمفتى به كذا ، إلى غير ذلك من الخلاف العظيم في كل مسألة لم ينصَّ عليها الإمامُ نصاً صريحاً ، ولا يخفى ما في هذا من الافتئات على الدين مما لا يعَدُّ شيئاً في جانبه خلافُ الأئمة المجتهدين ، ومشؤهُ التقيد بالتقليد البحت وعدم الرجوع إلى الكتاب والسنة ،ولو عند تعذر وجود النصِّ، ومع هذا فإنهم يرون هذا الافتئات على الدين من الدين، ويوجبون على المؤمن العملَ بأقوالهم بلا حجة تقومُ لهم ولا له يوم الدين، مع أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز {هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} (15) سورة الكهف ، وفي هذا دليلٌ على فساد التقليد ،وأن لا بدَّ في الدين من حجَّةٍ ثابتةٍ، لهذا كان التقليدُ البحتُ لا يرضاه لنفسه إلا عاميٌّ أعمى، أو عالم لم يصل إلى مرتبة كبار الفضلاءِ المتقدمين والمتأخرين، الذين لم يرضوا لأنفسهم التقليدَ البحت كالإمام الغزالي وابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام السيوطي والشوكاني وغيرهم ممن اشتهر بالاجتهاد من أئمة المذاهب " انتهى بحروفه.(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - إيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 60)
(2) - قال الإمام النووي -رحمه الله- في المجموع 1/63-64:
فَصْلٌ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله - أَنَّهُ قَالَ : إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعُوا قَوْلِي , وَرُوِيَ عَنْهُ : إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَاتْرُكُوا قَوْلِي , أَوْ قَالَ : فَهُوَ مَذْهَبِي , وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ . وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ التَّثْوِيبِ وَاشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِمَا , مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ . وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا . وَمِمَّنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ , وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ , وَمِمَّنْ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَدِّثِينَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ , وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا إذَا رَأَوْا مَسْأَلَةً فِيهَا حَدِيثٌ , وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ عَمِلُوا بِالْحَدِيثِ , وَأَفْتَوْا بِهِ قَائِلِينَ : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مَا وَافَقَ الْحَدِيثَ , وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ إلَّا نَادِرًا , وَمِنْهُ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلٌ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَأَى حَدِيثًا صَحِيحًا قَالَ : هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَمِلَ بِظَاهِرِهِ , وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِفَتِهِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ , وَشَرْطُهُ : أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رحمه الله - لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ , وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُطَالَعَةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهَا وَنَحْوِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِهِ الْآخِذِينَ عَنْهُ وَمَا أَشْبَهَهَا . وَهَذَا شَرْطٌ صَعْبٌ قَلَّ مَنْ يَتَّصِفَ بِهِ , وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رحمه الله - تَرَكَ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ رَآهَا وَعَلِمَهَا , لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى طَعْنٍ فِيهَا أَوْ نَسْخِهَا أَوْ تَخْصِيصِهَا أَوْ تَأْوِيلِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو - رحمه الله - : لَيْسَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْهَيِّنِ , فَلَيْسَ كُلُّ فَقِيهٍ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْعَمَلِ بِمَا يَرَاهُ حُجَّةً مِنْ الْحَدِيثِ , وَفِيمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ مِنْ الشَّافِعِيِّينَ مَنْ عَمِلَ بِحَدِيثٍ تَرَكَهُ الشَّافِعِيُّ - رحمه الله - عَمْدًا , مَعَ عِلْمِهِ بِصِحَّتِهِ لِمَانِعٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَخَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ , كَأَبِي الْوَلِيدِ ( 1 ) مُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ مِمَّنْ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ , قَالَ : صَحَّ حَدِيثُ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } , فَأَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ , فَرَدَّا ذَلِكَ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ ; لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ تَرَكَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِصِحَّتِهِ , لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا عِنْدَهُ , وَبَيَّنَ الشَّافِعِيُّ نَسْخَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ , وَسَتَرَاهُ فِي ( كِتَابِ الصِّيَامِ ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْلَمُ سُنَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُودِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ . وَجَلَالَةُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَإِمَامَتُهُ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ , وَمَعْرِفَتِهِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو : فَمَنْ وَجَدَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ نَظَرَ إنْ كَمُلَتْ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ مُطْلَقًا , أَوْ فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَوْ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْعَمَلِ بِهِ . وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ وَشَقَّ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ بَحَثَ . فَلَمْ يَجِدْ لِمُخَالَفَتِهِ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا , فَلَهُ الْعَمَلُ بِهِ إنْ كَانَ عَمِلَ بِهِ إمَامٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ , وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ مَذْهَبِ إمَامِهِ هُنَا , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ مُتَعَيَّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وانظر آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ص67-68و91-95.
قلت: وقد شرح التقي السبكي، المتوفي سنة 756هـ قول الإمام الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، في رسالة تشرت ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 3/98-114، فراجعها لزاماً .(( وقد فصلت القول فيها في كتابي (( الخلاصة في بيان أسباب اختلاف الفقهاء ))
والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 60) والانصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي - (ج 1 / ص 53) والقول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني - (ج 1 / ص 25) والإبهاج في شرح المنهاج - (ج 5 / ص 320) وعقد الجيد - (ج 1 / ص 27)
(3) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 242)
(4) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 243)(1/485)
المبحث العاشر
ردُّ الإمام السندي رحمه الله أيضاً على من يقرأ كتب الحديث لا للعمل
قال العلامة الفلاني في إيقاظ الهمم(1): " وقال الشيخ محمد حياة أيضاً : لو تتبع الإنسان من النقول لوجد أكثر مما ذكر، ودلائل العمل على الخير أكثر من أن تذكر وأشهر من أن تشهر، لكن لبس إبليس على كثير من البشر فحسَّن لهم الأخذ بالرأي لا الأثر ، وأوهمهم أن هذا هو الأولى والأخير، فجعلهم بسبب ذلك محرومين عن العمل بحديث خير البشر صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهذه البليةُ من البلايا الكبر إنا لله وإنا لله راجعون.
ومن أعجب العجائب أنهم إذا بلغهم عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ما يخالفُ الصحيح من الخبر ولم يجدوا له محملاً جوزوا عدم بلوغ الحديث إليه ولم يثقل ذلك عليهم ،وهذا هو الصواب، وإذا بلغهم حديثٌ يخالف قول من يقلدونه اجتهدوا في تأويله القريب والبعيد، وسعوا في محامله النائية والدانية، وربما حرَّفوا الكلم عن مواضعه، وإذا قيل لهم عند عدم وجود المحامل المعتبرة لعلَّ من تقلدونه لم يبلغه الخبر أقاموا على القائل القيامة، وشنعوا عليه أشد الشناعة، وربما جعلوه من أهل البشاعة ،وثقل ذلك عليهم، فانظر أيها العاقل الى هؤلاء المساكين يجوزون عدم بلوغ الحديث في حقِّ أبي بكر الصديق الأكبر وإخوانه ، ولا يجوزون ذلك في أرباب المذاهبِ ، مع أن البون بين الفريقين كما بين السماء والأرض، وتراهم يقرأون كتب الحديث ويطالعونها ويدرسونها لا ليعملوا بها ؛ بل ليعلموا دلائل من قلدوه وتأويل ما خالف قوله ،ويبالغون في المحامل البعيدة، وإذا عجزوا عن المحمل قالوا : من قلدنا أعلم منا بالحديث ،أولا يعلمون أنهم يقيمون حجَّة الله تعالى عليهم بذلك ،ولا يستوي العالمُ والجاهل في ترك العمل بالحجَّة ، وإذا مرَّ عليهم حديثٌ يوافقُ قول من قلَّدوه انبسطوا ،وإذا مرَّ عليهم حديثٌ يخالف قوله، أو يوافقُ مذهب غيره ربما انقبضوا ، أولم يسمعوا قول الله : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
وكثيرٌ من هؤلاء الطائفة المتعصبة من يدَّعي عدم فهمِ الحديث إذا قيل له لم لا تعملُ بالحديث ، مع ادعائِه الفضيلةَ وتعليمهِ وتعلمهِ واستدلالِه لمنْ قلَّده ،وهذا من أغرب الغرائب ،ولو أذهبُ لأذكرَ لك ما فيهم من العجائبِ لطالَ الكلامُ ،وفي هذا المقدار كفايةٌ لمن نوَّر الله بصيرتَهُ ،وأرشده إلى الصواب انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي بطوله .
قلتُ : ولقد صدق الشيخُ رحمه الله وبذل النصيحة وأرشد والله الهادي
لقد أسمعتَ لو ناديت حيًّا 0000 ولكنْ لا حياةَ لمنْ تنادي
ـــــــــــــــ
__________
(1) - إيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 71) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 244)(1/486)
المبحث الحادي عشر
التحذيرُ من التعسُّف في ردِّ الأحاديث إلى المذاهب(1)
قال العلامة المحقق المقري في قواعده: " لا يجوز اتباع ظاهر نص الإمام مع مخالفته لأصول الشريعة عند حذاق الشيوخ، قال الباجي: لا أعلم قولاً أشد خلافاً على مالك من أهل الأندلس، لأن مالكاً لا يجوِّز تقليد الرواة عنه عند مخالفتهم الأصول وهم لا يعتمدون على ذلك" انتهى .وقال أيضاً قاعدة-: لا يجوز ردُّ الأحاديث إلى المذاهب على وجهٍ ينقصُ من بهجتها ويذهب بالثقة بظاهرها، فإن ذلك فسادٌ لها وحطٌّ من منزلتها ،لا أصلح الله المذاهب لفسادها ولا رفعها بخفض درجاتها ، فكلُّ كلام يؤخذ منه ويردُّ إلا ما صحَّ لنا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل لا يجوز الردُّ مطلقا ، لأن الواجب أن تردَّ المذاهبُ إليها كما قال الشافعي وغيره ،لا أن تردَّ هي إلى المذاهب، كما تسامح فيه بعض الحنفية خصوصاً والناسِ عموماً ، إذ ظاهرها حجَّةٌ على من خالفها حتى يأتي بما يقاومها، فنطلب الجمع مطلقاً ،ومن وجهٍ على وجهٍ لا يصير الحجة أجحية، ولا يخرجها عن طرق المخاطبات العامة التي انبنى عليها الشرع ،ولا يخل بطرق البلاغة والفصاحة التي جرت من صاحبه مجرى الطبع، فإن لم يوجد طلبَ التاريخ للنسخ، فإن لم يكن طلبَ الترجيح ولو بالأصل ، وإلا تساقطا في حكم المناظرة ،وسلم لكل ما عنده ،ووجب الوقف والتخيير في حكم الانتقال، وجاز الانتقال على الأصحِّ " ثم قال : قاعدةٌ- لا يجوزُ التعصب إلى المذاهب بالانتصاب للانتصار بوضع الحجاج وتقريبها على الطرق الجدلية مع اعتقاد الخطأ والمرجوحية عند المجيب ، كما يفعله أهلُ الخلاف إلا على وجه التدريب على نصب الأدلة، والتعليم لسلوك الطريق بعد بيان ما هو الحقُّ، فالحقُّ أعلى من أن يعلَى ، وأغلبُ من أن يغلبَ ، وذلك أن كل من يهتدي لنصب الأدلة وتقرير الحِجاج لا يرى الحقَّ أبداً في جهةِ رجلٍ قطعاً ، ثم إنا لا نرى منصفاً في الخلاف ينتصرُ لغير مذهبِ صاحبه ، مع علمنا برؤية الحقِّ في بعض آراء مخالفيه ، وهذا تعظيم للمقلدين بتحقير الدِّين وإيثارِ الهوى على الهدى ، ولم يتبع الحقُّ أهواءهم ، ولله درُّ عليٍّ رضي الله عنه، أيُّ بحرِ علمٍ ضمَّ جنباهُ، قال علي كرم الله وجهه لمن قال له: أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل، يا هذا إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله"(2)
وما أحسن قول أرسطولما خالف أستاذه أفلاطون" تخاصم الحق وأفلاطون وكلاهما صديق لي والحق أصدق منه" .
وقال الشيخ أحمد زروق في عمدة المريد الصادق ما نصه: " قال أبو إسحاق الشاطبي(3): " كل ما عمل به المتصوفة المعبرون في هذا الشأن - يعني كالجنيد وأمثاله - لا يخلو إما أن يكون مما ثبت له أصل في الشريعة فهم خلفاؤه ، كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلفاء بذلك، وإن لم يكن له أصل في الشريعة فلا أعمل عليه ، لأن السنَّة حجةٌ على جميع الأمة، وليس عملُ أحد من الأمة حجةً على السُّنة ،ولأن السُّنَّةَ معصومةٌ عن الخطأ وصاحبُها معصومٌ ، وسائرُ الأمة لم تثبت لهم العصمةُ إلا مع إجماعهم خاصة ، وإذا أجمعوا تضمنَ إجماعُهم دليلاً شرعيًّا ،والصوفيةُ والمجتهدون كغيرهم ممن لم يثبت لهم العصمةُ، ويجوز عليهم الخطأُ والنسيانُ والمعصيةُ كبيرُها وصغيرُها ،والبدعةُ محرمُها ومكروهُها ،ولذا قال العلماء: كلُّ كلامٍ منه مأخوذٌ ومنه متروكٌ إلا ما كانَ من كلامهِ عليه الصلاة والسلام، قال: وقد قرر ذلك القشيري رحمه الله تعالى أحسن تقرير، فقال(4): هل يكون الولي معصوماً؟ قيل: أما وجوباً، كما يقال في الأنبياء فلا. وأما أن يكون محفوظاً حتى لا يصرَّ على الذنوب إن حصلت هنات أو آفات أو زلات، فلا يمتنعُ ذلك في وصفهم.
ولقد قيل للجنيد: العارفُ يزني يا أبا القاسم؟ فاطرق ملياً، ثم رفع رأسه وقال: " وكان أمر الله قدراً مقدرواً " .
وقال: فهذا كلام منصف، فكما يجوزُ على غيرهم المعاصي بالابتداع وغير ذلك يجوز عليهم البدعُ ، فالواجبُ علينا أن نقف مع الاقتداء بمن يمتنع عليه الخطأ، ونقف عن الاقتداء بمن يجوز عليه إذا ظهر في الاقتداء به إشكال، بل يعرض ما جاء عن الأئمة على الكتاب والسنَّة فما قبلاه قبلناه ومالم يقبلاه تركناه وما عملنا به ، إذ قام لنا الدليل على اتباع الشارع ، ولم يقم لنا الدليلُ على اتباع أقوال الفقهاء والصوفية وأعمالهم إلا بعد عرضِها ،وبذلك رضي شيوخهم علينا ،وأن ما جاء به صاحب الوجد والذوقِ من العلومِ والأحوالِ والفهوم يعرضُ على الكتاب والسنَّة، فإن قبلاه صحَّ وإلا لم يصحَّ .
قال: ثم نقول ثانيا : إن نظرنا في رسومهم التي حددوها وأعمالهم التي امتازوا بها عن غيرهم بحسب تحسين الظنِّ والتماسِ أحسن المخارج ، ولم نعرف له مخرجاً فالواجبُ التوقفُ عن الاقتداء، وإن كانوا من جنسِ من يقتدَى بهم، لا ردًّا له ولا اعتراضاً عليه ؛ بل لأنا لم نفهم وجه رجوعِه إلى القواعد الشرعية كما فهمنا غيره.
ثم قال بعد كلام : فوجب بحسب الجريان على آرائهم في السلوك أن لا يعملَ بما رسموه مما فيه معارضةٌ بأدلةِ الشرع ، ونكون في ذلك متبعين لآثارهم مهتدين بأنوارهم، خلافاً لمن يعرض عن الأدلة ويجمد على تقليدهم فيه، فيما لا يصحُّ تقليدُهم على مذهبهم ، فالأدلةُ الشرعيةُ والأنظارُ الفقهيةُ والرسومُ الصوفيةُ تذمُّه وتردُّه وتحمدُ من تحرَّى واحتاطَ، وتوقف عند الاشتباه ، واستبرأَ لدينه وعرضه، وهو من مكنونِ العلمِ وبالله التوفيقُ اهـ .
وقال شمس الدين ابن القيم(5): " لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعيكم فيها مبطلاً لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم، فإن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويعترض بها على من خالف موجبه، فتقدمُ على كل قول اقتضى خلافها. لا أن أقوال المجتهدين تعارَضُ بها الأدلةُ وتبطلُ مقتضاها وتقدم عليها... "
وقال رحمه الله أيضاً(6): " الفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع والحكم المؤول الذي غايته ِأن يكون جائز الاتباع، أن الحكم المنزلَ هو الذي أنزله الله عز وجل على رسوله صلى اله عليه وسلم ، وحكم به بين عبادة ، وهو الحكْمُ الذي لا حكمَ له سواه ، وأما الحكمُ المؤول فهو أقوالُ المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها ولا يكفر ولا يفسق من خالفها ، فإن أصحابها لم يقولوا :هذا حكم الله ورسوله ، بل قالوا اجتهدنا برأينا ، فمن شاء قبله ومن شاء لم يقبله، ولم يلزموا به الأمة ،بل قال أبو حنيفة:هذا رأيي فمن جاءني بخير منه قبلناه ،ولو كان هو عين حكم الله لما ساغ لأبي يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه، وكذلك مالك استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في الموطأ فمنعه من ذلك ، وقال : قد تفرق أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم في البلاد ، وصار عند كل قوم علمٌ غير ما عند الآخرين، وهذا الشافعي ينهى أصحابه عن تقليده ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه ،وهذا الإمام أحمد ينكر على من كتب فتاواه ودونها ويقول : لا تقلدني ولا تقلد فلانا ولا فلانا وخذ من حيث أخذوا ، ولو علموا رضي الله عنهم أن أقوالهم يجبُ اتباعُها لحرموا على أصحابهم مخالفتهم، ولما ساغ لأصحابهم أن يفتوا بخلافهم في شيء ،ولما كان أحدهم يقول القول ثم يفتي بخلافه، فيروى عنه في المسألة القولان والثلاثة وأكثر من ذلك، فالرأي والاجتهاد أحسنُ أحواله أن يسوغَ اتباعُه ، والحكمُ المنزَّلُ لا يحلُّ لمسلم أن يخالفه ولا يخرج عنه ، وأمَّا الحكمُ المبدَّلُ وهو الحكمُ بغير ما أنزل اللهُ فلا يحلُّ.
وقال البخاري في جزء رفع الدين في الصلاة (43) أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ , حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ مَطَرٍ , عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ , عَنْ أَبِيهِ , : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ لَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ قَالَ الْبُخَارِيُّ : " وَقِصَّةُ , وَائِلٍ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَمْرِهِ , وَمَا أَعْطَاهُ مَعْرُوفٌ بِذِهَابِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ , وَلَوْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودِ , وَالْبَرَاءِ , وَجَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ لَكَانَ فِي عِلَلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا ثَبَتَ الشَّيْءُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رُؤُسَاءَنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهَذَا , وَلَيْسَ هَذَا بِمَأْخُوذٍ فَمَا يَزِيدُونَ الْحَدِيثَ إِلَّا تَعَلُّلًا بِرَأْيِهِمْ , وَلَقَدْ قَالَ وَكِيعٌ : مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ كَمَا جَاءَ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ , وَمَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ لِيُقَوِّيَ هَوَاهُ فَهُوَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْقِيَ رَأْيَهُ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ ثَبَتَ الْحَدِيثُ , وَلَا يَعْتَلُّ بِعِلَلٍ لَا تَصِحُّ لِيُقَوِّيَ هَوَاهُ وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لَمَّا جِئْتُ بِهِ " وَقَالَ قَالَ مَعْمَرٌ : أَهْلُ الْعِلْمِ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ أَعْلَمَ , وَهَؤُلَاءِ الْآخِرُ فَالْآخِرُ عِنْدَهُمْ أَعْلَمُ , وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ : مَا خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ ؟ فَقُلْتُ إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَكِيعٌ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ فَتَحَيَّرَ الْآخَرُ , وَهَذَا أَشْبَهُ مِنَ الَّذِينَ يَتَمَادُونَ فِي غَيِّهِمْ إِذَا لَمْ يُبْصِرُوا "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - إيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 89) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 245)
(2) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 1 / ص 52) و(ج 2 / ص 14) وشرح الكوكب المنير - (ج 3 / ص 104) والتحبير شرح التحرير - (ج 8 / ص 4112)
(3) - الاعتصام - (ج 1 / ص 217)
(4) - الرسالة القشيرية - (ج 1 / ص 159) وبستان العارفين - (ج 1 / ص 23)
(5) - موسوعة كتب ابن القيم - (ج 241 / ص 21-22) وجلاء الأنام في الصلاة على خير الأنام ص 269-270
(6) - الروح لابن القيم - (ج 1 / ص 126)(1/487)
المحبث الثاني عشر
الترهيبُ من عدم توقير الحديث ،وهجر من يعرض عنه
وفي سنن الدارمى : 40- باب تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثٌ فَلَمْ يُعَظِّمْهُ وَلَمْ يُوَقِّرْهُ
(445) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِى بُرْدَيْنِ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». فَقَالَ لَهُ فَتًى قَدْ سَمَّاهُ وَهُوَ فِى حُلَّةٍ لَهُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَهَكَذَا كَانَ يَمْشِى ذَلِكَ الْفَتَى الَّذِى خُسِفَ بِهِ؟ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ فَعَثَرَ عَثْرَةً كَادَ يَنْكَسِرُ مِنْهَا ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِلْمَنْخَرَيْنِ وَلِلْفَمِ (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) ( حسن)
يتجلجل : يتحرك مع جلبة فى حركته
( 446) عَنْ خِرَاشِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ فَتًى يَخْذِفُ ، فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ : لاَ تَخْذِفَ ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْخَذْفِ. فَغَفَلَ الْفَتَى وَظَنَّ أَنَّ الشَّيْخَ لاَ يَفْطِنُ لَهُ فَخَذَفَ ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : أُحَدِّثُكَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ الْخَذْفِ ثُمَّ تَخْذِفُ؟ وَاللَّهِ لاَ أَشْهَدُ لَكَ جَنَازَةً ، وَلاَ أَعُودُكَ فِى مَرَضٍ ، وَلاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. فَقُلْتُ لِصَاحِبٍ لِى يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرٌ : انْطَلِقْ إِلَى خِرَاشٍ فَاسْأَلْهُ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَحَدَّثَهُ.( صحيح لغيره)
تخذف : ترمى بالحصى
(447) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَذْفِ فَقَالَ :« إِنَّهَا لاَ تَصْطَادُ صَيْداً وَلاَ تَنْكِى عَدُوًّا ، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ ». فَرَفَعَ رَجُلٌ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعِيدٍ قَرَابَةٌ - شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ : هَذِهِ وَمَا تَكُونُ هَذِهِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ : أَلاَ أُرَانِى أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ تَهَاوَنُ بِهِ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. وصحيح البخارى ( 5479) ومسلم (5165 )
الخَذف : هو أن يأخذ الحصاة والنواة بين السبابتين ويرمى بها تنكى : تقتل
(448) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ : رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَخْذِفُ فَقَالَ : لاَ تَخْذِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْهَى عَنِ الْخَذْفِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ ، وَإِنَّهُ لاَ يُنْكَأُ بِهِ عَدُوٌّ وَلاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ. ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ : أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْهَى عَنْهُ ، ثُمَّ أَرَاكَ تَخْذِفُ؟ وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. ( صحيح)
(449) عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلاً بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَجُلٌ : قَالَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ قَالَ فُلاَنٌ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً.( حسن)
( 450) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا ». فَقَالَ فُلاَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إِذاً وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ فَشَتَمَهُ شَتِيمَةً لَمْ أَرَهُ شَتَمَهَا أَحَداً قَبْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ إِذاً وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا؟ ( صحيح)
(451) عَنْ أَبِى الْمُخَارِقِ قَالَ : ذَكَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ ، فَقَالَ فُلاَنٌ : مَا أَرَى بِهَذَا بَأْساً يَداً بِيَدٍ. فَقَالَ عُبَادَةُ : أَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ لاَ أَرَى بِهِ بَأْساً؟ وَاللَّهِ لاَ يُظِلُّنِى وَإِيَّاكَ سَقْفٌ أَبَداً. ( فيه جهالة)
(452)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ تَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلاً ». قَالَ : وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَافِلاً فَانْسَاقَ رَجُلاَنِ إِلَى أَهْلَيْهِمَا ، فَكِلاَهُمَا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً. إ( صحيح)
(453) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَزَلَ الْمُعَرَّسَ ، ثُمَّ قَالَ :« لاَ تَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلاً ». فَخَرَجَ رَجُلاَنِ مِمَّنْ سَمِعَ مَقَالَتَهُ فَطَرَقَا أَهْلَيْهِمَا ، فَوَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً. ( صحيح لغيره)
(454) أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يُوَدِّعُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، فَقَالَ لَهُ : لاَ تَبْرَحْ حَتَّى تُصَلِّىَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلاَّ مُنَافِقٌ إِلاَّ رَجُلٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَتُهُ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ ». فَقَالَ : إِنَّ أَصْحَابِى بِالْحَرَّةِ. قَالَ : فَخَرَجَ. قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ سَعِيدٌ يُولَعُ بِذِكْرِهِ حَتَّى أُخْبِرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَانْكَسَرَتْ فَخِذُهُ. ( صحيح )
وفي مسند أحمد ( 5047)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلٌ أَهْلَهُ أَنْ يَأْتُوا الْمَسَاجِدَ ». فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإِنَّا نَمْنَعُهُنَّ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ هَذَا. قَالَ فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى مَاتَ. ( صحيح)
قال الطيبي رحمه الله(1): "عجبتُ ممن يتسمَّى بالسنِّي إذا سمع من سنةِ رسول الله صلى اله عليه وسلم ،وله رأيٌ رجَّح رأيَهُ عليها ، وأيُّ فرقٍ بينه وبين المبتدع؟ أما سمعَ " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ "(2)وها هو ابن عمر وهو من أكابر الصحابة وفقهائها كيف غضب لله ورسوله وهجر فلذة كبده لتلك الهنة عبرة لأولي الألباب " اهـ .
وقال النووي(3): " فِيهِ : هِجْرَان أَهْل الْبِدَع وَالْفُسُوق وَمُنَابِذِي السُّنَّة مَعَ الْعِلْم . وَأَنَّهُ يَجُوز هِجْرَانه دَائِمًا ، وَالنَّهْي عَنْ الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظّ نَفْسه وَمَعَايِش الدُّنْيَا ، وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع وَنَحْوهمْ فَهِجْرَانهمْ دَائِمًا ، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُؤَيِّدهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ كَحَدِيثِ كَعْب بْن مَالِك وَغَيْره . "
قال السيوطي(4): " وما زالت الصحابة والتابعون فمن بعدهم يهجرون من خالف السنة ، أو من دخل عليهم من كلامه مفسدة وقد ألفت في ذلك كتابا سميته الزجر بالهجر ، لأني كثير الملازمة لهذه السنة "
وفي شرح موطأ محمد(5): " قوله: أخبره، أي أخبره أنا بالحديث، ويخبرني هو عن رأيه ويقول: ما أرى به بأساً، ولا رأْيَ بعد الكتاب والسُّنّة، وفيه زجر عظيم على مَنْ يردّ الحديث بالرأي أو يقابله به، ولقد عظُمت هذه البلّية في الأزمنة المتأخرة في الطوائف المقلّدة، إذا وصل إليهم حديث مخالف لمذهبهم ردّوه برأيهم وقابلوه برأي أئمتهم، فاللّه يهديهم ويصلحهم.
قوله: لا أساكنك، فيه جواز أن يهجر المرء من لم يسمع ولم يطعه وصدر منه أمر غير مشروع، لا للبُغْض والعناد والهوى بل لوجه اللّه خاصة، ويشهد له نصوص كثيرة، ذكرها السيوطي في رسالته "الزجر بالهجر".
وقال الشعراني(6): " سمعُ الإمام أحمدُ ابن أبي إسحاق السبيعي يقول : إلى متى حديث "اشتغلوا بالعلم" فقال له الإمام أحمد: " قم يا كافر لا تدخل علينا أنت بعد اليوم ،ثم إنه التفت إلى أصحابه وقال: ما قلت أبداً لأحدٍ من الناس لا تدخلْ داري غير هذا الفاسق" اهـ .
فانظر يا أخي كيف وقع من الإمام هذا الزجر العظيم لمن قال إلى متى حديث "اشتغلوا بالعلم" فكانوا رضي الله عنهم لا يتجرأ أحد منهم أن يخرج عن السنَّة قيدَ شبر، بل بلغنا أن مغنياً كان يغنِّي للخليفة، فقيل له : إن مالك بن أنس يقول بتحريم الغناء، فقال المغني: وهل لمالك وأمثاله أن يحرمَ في دين ابن عبد المطلب، والله يا أمير المؤمنين ما كان التحريمُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بوحي من ربِّه عزَّ وجلَّ ،وقد قال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} (105) سورة النساء، لم يقل: " بما رأيت يا محمد " فلو كان الدينُ بالرأي لكان رأيُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحتاج إلى وحيٍ، وكان الحقُّ تعالى أمرهُ أن يعمل به، بل عاتبَه الله تعالى حين حرَّمَ على نفسه ما حرَّم في قصة مارية وقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1) سورة التحريم اهـ(7)
وقال أيضاً(8): " كان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إياكم وآراءَ الرجال، ودخل عليه مرة رجلٌ من أهل الكوفة والحديثُ يقرأ عنده، فقال الرجل: دعونا من هذه الأحاديث ، فزجره الإمامُ أشد الزجر، وقال له: لولا السُّنَّةُ ما فهِم أحدٌ منا القرآنَ، ثم قال للرجل : ما تقولُ في لحم القردِ وأين دليله من القرآن؟ فأفحم الرجلُ فقال للإمام : فما تقول أنت فيه؟ فقال: ليس هو من بهيمة الأنعام، فانظر يا أخي إلى مناضلة الإمام عن السنَّة وزجرهِ من عرَّض له بترك النظر في أحاديثها، فكيف ينبغي لأحد أن ينسب الإمامَ إلى القول في دين اللهِ بالرأي الذي لا يشهدُ له ظاهر كتابٍ ولا سنَّةٍ ، وكان رضي الله عنه يقول : عليكم بآثار من سلف وإياكم ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول، فإن الأمر ينجلي حين ينجلي ، وأنتم على صراط مستقيم ، وكان يقول: إياكم والبدع والتبدع والتنطع، وعليكم بالأمر الأول العتيق، ودخل شخصٌ الكوفة بكتاب " دانيا " فكاد أبو حنيفة أن يقبله، وقال له: أكتابٌ ثمَّ غير القرآنِ والحديثِ؟ وقيل له مرة ما تقول فيما أحدثَه الناسُ من الكلام في العرض والجوهر والجسم؟ فقال: هذه مقالاتُ الفلاسفة، فعليكم بالآثارِ وطريقةِ السلَف، وإياكم وكلَّ محدَثٍ فإنه بدعةٌ ، وقيل له مرة: قد ترك الناسُ العملَ بالحديث وأقبلوا على سماعِه، فقال رضي الله عنه: نفسُ سماعِهم للحديث عملٌ به ، وكان يقول: لم تزل الناسُ في صلاحٍ ما دام فيهم من يطلبُ الحديثَ، فإذا طلبوا العلم بلا حديثٍ فسدوا، وكان رضي الله عنه يقول: قاتلَ اللهُ عمرو بن عبيد، فإنه فتحَ للناس بابَ الخوضِ في الكلامِ فيما لا يعنيهم، وكان يقولُ: لا ينبغي لأحدٍ أن يقولَ قولاً حتى يعلمَ أن شريعةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تقبلُهُ " انتهى ملخصاً(9)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 4 / ص 193)
(2) - الْأَرْبَعُونَ لِلْفَسَوِيِّ ( 8 ) و السُّنَّةُ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (14 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ " ( حسن )
(3) - شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 444) و فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 412)
(4) - تنوير الحوالك - (ج 1 / ص 213) و الديباج على مسلم - (ج 5 / ص 22)
(5) - موطأ محمد بشرح اللكنوي - (ج 3 / ص 94)
(6) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 248)
(7) - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً ، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلْتَقُلْ إِنِّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ . فَقَالَ « لاَ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ » . فَنَزَلَتْ ( يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) ، ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ) ، لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ ، ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ) لِقَوْلِهِ « بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً » . صحيح البخارى (6691 )
المغافير : جمع مغفور وهو صمغ حلو له رائحة كريهة
وفي مصنف ابن أبي شيبة (ج 5 / ص 228) (19420) عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : حرَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ وَلَدِهِ وَحَلَفَ : أن لاَ يَقْرَبُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} إلَى آخِرِ الآيَةِ فَقِيلَ لَهُ : أَمَّا الْحَرَامُ فَحَلاَلٌ وَأَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي حَلَفَت عَلَيْهَا فَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ لكم تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ فِي الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَت عَلَيْهَا. ( صحيح مرسل )
(8) - المستخرج على المستدرك - (ج 1 / ص 15)
(9) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 248) و المستخرج على المستدرك - (ج 1 / ص 15)(1/488)
المبحث الثالث عشر
مَا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ
ففي سنن الدارمى : 39- باب مَا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ .
(438) أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لِيُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَّا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ. ( صحيح)
(439) أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَا تَخَافُونَ أَنْ تُعَذَّبُوا أَوْ يُخْسَفَ بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ فُلاَنٌ. ( صحيح )
(440) عَنِ الأَوْزَاعِىِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إِنَّهُ لاَ رَأْىَ لأَحَدٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا رَأْىُ الأَئِمَّةِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ رَأْىَ لأَحَدٍ فِى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .( صحيح)
(441)عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَطَبَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيًّا ، وَلَمْ يُنْزِلْ بَعْدَ الْكِتَابِ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَاباً ، فَمَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَلاَلٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، أَلاَ وَإِنِّى لَسْتُ بِقَاضٍ وَلَكِنِّى مُنَفِّذٌ ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ وَلَكِنِّى مُتَّبِعٌ ، وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْكُمْ غَيْرَ أَنِّى أَثْقَلُكُمْ حِمْلاً ، أَلاَ وَإِنَّهُ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يُطَاعَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، أَلاَ هَلْ أَسْمَعْتُ؟ ( صحيح)
(442) عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ قَالَ : كَانَ طَاوُسٌ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسِ : اتْرُكْهُمَا. قَالَ : إِنَّمَا نُهِىَ عَنْهَا أَنْ تُتَّخَذَ سُلَّماً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنَّهُ قَدْ نُهِىَ عَنْ صَلاَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَلاَ أَدْرِى أَتُعَذَّبُ عَلَيْهَا أَمْ تُؤْجَرُ؟ لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) قَالَ سُفْيَانُ : تُتَّخَذَ سُلَّماً يَقُولُ يُصَلِّى بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ. (صحيح)
(443) عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ.
فَسَكَتَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَغَيَّرُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ ، أَمَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَمِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِى لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِى لاَتَّبَعَنِى ». ( حسن)
(444) حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى رَبَاحٍ - شَيْخٌ مِنْ آلِ عُمَرَ - قَالَ : رَأَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ رَجُلاً يُصَلِّى بَعْدَ الْعَصْرِ الرَّكْعَتَيْنِ يُكْثِرُ فَقَالَ لَهُ. فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَيُعَذِّبُنِى اللَّهُ عَلَى الصَّلاَةِ؟ قَالَ : لاَ وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ اللَّهُ بِخِلاَفِ السُّنَّةِ.
وفي الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ :
(277 ) أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أَخْبَرَنِي أَبُو حَنِيفَةَ بْنُ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , عَنِ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ عَامَ الْفَتْحِ : " مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ : إِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الْعَقْلَ , وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوَدُ " فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , أَتَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا الْحَارِثِ ؟ فَضَرَبَ صَدْرِي وَصَاحَ عَلَيَّ صِيَاحًا مُنْكَرًا , وَنَالَ مِنِّي , وَقَالَ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَتَقُولُ : تَأْخُذُ بِهِ ؟ وَذَلِكَ الْفَرْضُ عَلَيَّ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ , إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّاسِ فَهَدَاهُمْ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ , وَاخْتَارَ لَهُمْ مَا اخْتَارَ لَهُ عَلَى لِسَانِهِ , فَعَلَى الْخَلْقِ أَنْ يَتَّبِعُوهُ طَائِعِينَ أَوْ دَاخِرِينَ , لَا مَخْرَجَ لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : وَمَا سَكَتَ عَنِّي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ يَسْكُتَ
( 278 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ , مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : " الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَنِ نَجَاةٌ "
(279 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ , مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : " الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَنِ نَجَاةٌ , وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيعًا , فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا , وَذَهَابُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي ذَهَابِ الْعِلْمِ "
(280) عن الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ : " مَنْ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ "
(281 )عن مُحَمَّدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْآبِرِيُّ , قَالَ سَمِعْتُ الْإِمَامَ , مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا لَا أُحْصِي مِنْ مَرَّةٍ : " أَنَا عَبْدٌ لِأَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
وفي مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لِلْبَيْهَقِيِّ (3681 ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُمَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ، وَكَانَ مِنَ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ قَالَ : رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ ، وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَاضِرَيْنِ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِإِسْحَاقَ : يَا أَبَا يَعْقُوبَ ، تَعَالَ أُرِيكَ رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ مِثْلَهُ ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ : لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَجَاءَ بِهِ فَأَوْقَفَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إِلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ تَقَدَّمَ إِسْحَاقُ إِلَى مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ مَعَ خَاصَّتِهِ جَالِسٌ فَسَأَلَهُ عَنْ سُكْنَى بُيُوتِ مَكَّةَ ، أَرَادَ الْكِرَاءَ ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : عِنْدَنَا جَائِزٌ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلَ مِنْ دَارٍ ؟ " . فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : أَتَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ قَالَ : تَكَلَّمْ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، وَغَيْرُهُ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ . وَعَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ لَمْ يَكُونَا يَرَيَانِ ذَلِكَ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِبَعْضِ مَنْ عَرَفَهُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ بْنُ رَاهَوَيْهِ الْخُرَاسَانِيُّ ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ أَهْلُ خُرَاسَانَ أَنَّكَ فَقِيهُهُمْ قَالَ إِسْحَاقُ : هَكَذَا يَزْعُمُونَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُكَ فِي مَوْضِعِكَ ، فَكُنْتُ آمُرُ بِعَرْكِ أُذُنَيْهِ . أَنَا أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنْتَ تَقُولُ : عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ ، هَؤُلَاءِ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ ، وَهَلْ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُجَّةٌ ؟ فَذَكَرَ قِصَّةً إِلَى أَنْ قَالَ : فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ . فَنَسَبَ الدِّيَارَ إِلَى الْمَالِكِينَ أَوْ إِلَى غَيْرِ الْمَالِكِينَ ؟ قَالَ إِسْحَاقُ : إِلَى الْمَالِكِينَ "
(3682 ) فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ الْأَقَاوِيلِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " . نَسَبَ الدَّارَ إِلَى مَالِكٍ أَوْ إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ ؟ قَالَ إِسْحَاقُ : إِلَى مَالِكٍ . فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : وَقَدِ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَارَ الْحَجَّامِينَ فَأَسْكَنَهَا ، وَذَكَرَ لَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ : اقْرَأِ الْآيَةَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : اقْرَأْ أَوَّلَ الْآيَةِ . قَالَ : وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ . وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا تَزْعُمُ لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ نَنْشُدَ فِيهَا ضَالَّةً ، وَلَا نَتَّجِرَ فِيهَا الْبُدْنَ ، وَلَا نُنْثِرَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ ، وَلَكَنْ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةٌ . قَالَ : فَسَكَتَ إِسْحَاقُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ، فَسَكَتَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ" .
وقال ابن عبد البر(1): " عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ ، " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ : عَجَبًا مِنْ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعَةً ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ؟ فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي عَلَيْكَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ وَجْدَتْهَا ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُعَابُ "
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا : " إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ ، وَإِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَإِنَّ اللَّهَ سَيَحْفَظُ دِينَهُ " ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْدِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ "
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَئِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، قَالَ يَوْمًا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ " فَقُلْتُ أَنَا : أَمَّا أَنَا فَسَأَمْنَعُ أَهْلِي ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُسَرِّحْ أَهْلَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ : لَعَنَكَ اللَّهُ لَعَنَكَ اللَّهُ لَعَنَكَ اللَّهُ تَسْمَعُنِي أَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَلَّا يُمْنَعْنَ ، وَقَامَ مُغْضَبًا "
وعَنْ أَيُّوبَ ، قَالَ : قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : " أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تُرَجِعَنَّ فِي الْمُتْعَةِ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : سَلْ أُمُّكَ يَا عُرَيَّةُ ، فَقَالَ عُرْوَةُ : أَمَّا أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ فَلَمْ يَفْعَلَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَاللَّهِ مَا أَرَاكُمْ مُنْتَهِينَ حَتَّى يُعَذَّبَكُمُ اللَّهُ ، نُحَدِّثُكُمْ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتُحَدِّثُونَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو عُمَرَ : " يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ وَهُوَ فَسْخُ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ " وَلَيْسَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ رُخْصَةٌ ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ " .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عُرْوَةُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ ؟ قَالَ : يَقُولُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ : أَرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ ، أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقُولُونَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ " وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : " مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ ، أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيُخْبِرُنِي بِرَأْيِهِ ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا " وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ "
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " تَمَتَّعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَيَقُولُونَ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ "
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ : " إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ "
قَالَ سَالِمٌ : قَالَتْ عَائِشَةُ : " أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ " . قَالَ سَالِمٌ : فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ "
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَاسْتَوَى عَلَيْهِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ وَحَنَّتْ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ "
وعَنِ الْحَسَنِ ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْطُبُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ : " ابْنُوا لِي مِنْبَرًا " ، قَالَ : فَبَنَوْا لَهُ مِنْبَرًا وَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا عَتَبَتَيْنِ فَلَمَّا تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ ، قَالَ أَنَسٌ : سَمِعْتُ وَاللَّهِ الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ قَالَ : فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاحْتَضَنَهَا . قَالَ : فَقَالَ الْحَسَنُ : يَا عِبادَ اللَّهِ ، الْخَشَبُ يَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَوْقًا إِلَى لِقَائِهِ ، أَفَلَيْسَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَقَّ أَنْ يَشْتَاقُوا إِلَيْهِ ؟ " وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ هَذِهِ الْقِصَّةُ ، وَفِيهِ : فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَلَا تَعْجَبُونَ لِحَنِينِ الْخَشَبَةِ " فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهَا ، وَفَرَقُوا مِنْ حَنِينِهَا حَتَّى كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدُفِنَتْ تَحْتَ سَرِيرِهِ وَجُعِلَتْ فِي السَّعَفِ وَرُوِي عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، أَنَّهُ قَالَ : قَرَأْتُ فِي سَبْعِينَ كِتَابًا أَنَّ جَمِيعَ مَا أُعْطِيَ النَّاسُ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِطَاعِهَا مِنَ الْعَقْلِ فِي جَنْبِ عَقْلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمِ النَّبِيِّينَ لَا كَحَبَّةِ رَمْلٍ وَقَعَتْ مِنْ جَمِيعِ رَمْلِ الدُّنْيَا ، وَأَجِدُهُ مَكْتُوبًا أَرْجَحُهُمْ عَقْلًا وَأَفْضَلُهُمْ رَأْيًا ، قَالُوا : وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ مِنَ الْعَقْلِ مَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ جَمِيعِ أُمَّتِهِ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ اجْتِهَادًا بِبَدَنَهِ وَجَوَارِحِهِ ، وَلَمَا يُضْمِرُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي عَقْلِهِ وَنِيَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - وفي جامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان - (ج 2 / ص 377) (1246)(1/489)
المبحث الرابع عشر
ما يقوله من بلغه حديث كان يعتقد خلافه
قال الإمام النووي في " رياض الصالحين " 17- باب في وجوب الانقياد لحكم الله ،وما يقوله من دُعِيَ إِلَى ذلِكَ وأُمِرَ بمعروف أَوْ نُهِيَ عن منكر
قَالَ الله تَعَالَى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [ النساء : 65 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ النور : 51 ] .
عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : { للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ } الآية[ البقرة : 283 ] اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَأتَوا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : أيْ رسولَ الله ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاةَ والجِهَادَ والصِّيامَ والصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ وَلا نُطيقُها .قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الكتَابَينِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ )) فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا القومُ ، وَذَلَّتْ بِهَا ألْسنَتُهُمْ أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في إثرِهَا : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [ البقرة : 285 ] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى ، فَأنزَلَ الله - عز وجل - : { لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] قَالَ : نَعَمْ { رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } قَالَ : نَعَمْ { رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه } قَالَ : نَعَمْ { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } قَالَ : نَعَمْ . رواه مسلم (344 ).
وقال أيضاً في الأذكار(1): باب ما يقول من دعي إلى حكم الله تعالى
" ينبغي لمن قال له غيره : بيني وبينك كتاب الله أو سنة رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، أو أقوال علماء المسلمين ، أو نحو ذلك ، أو قال : اذهب معي إلى حاكم المسلمين ، أو المفتي لفصل الخصومة التي بيننا ، وما أشبه ذلك ، أن يقول : سمعنا وأطعنا ، أو سمعا وطاعة ، أو نعم وكرامة ، أو شبه ذلك ، قال الله تعالى : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (51) سورة النور.
وينبغي لمن خاصمه غيره أو نازعه في أمر فقال له : اتق الله تعالى ، أو خف الله تعالى أو راقب الله ، أو اعلم أن الله تعالى مطلع عليك ، أو اعلم أن ما تقوله يكتب عليك وتحاسب عليه ، أو قال له : قال الله تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} (30) سورة آل عمران ، أو { وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (281) سورة البقرة ،أو نحو ذلك من الآيات ، وما أشبه ذلك من الألفاظ ، أن يتأدب ويقول : سمعاً وطاعةً ، أو أسأل الله التوفيق لذلك أو أسأل الله الكريم لطفه ، ثم يتلطف في مخاطبة من قال له ذلك ، وليحذر كل الحذر من تساهله عند ذلك في عبارته ، فإن كثيراً من الناس يتكلمون عند ذلك بما لا يليق ، وربما تكلم بعضهم بما يكون كفراً ، وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبه : هذا الذي فعلته خلاف حديث رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) أو نحو ذلك ، أن لا يقول : لا ألتزم الحديثَ ، أو لا أعملُ بالحديث ، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة ، وإن كان الحديثُ متروكَ الظاهر لتخصيصٍ أو تأويلٍ أو نحو ذلك ، بل يقول عند ذلك : هذا الحديثُ مخصوصٌ أو متأولٌ أو متروكُ الظاهرِ بالإجماع ، وشبْهُ ذلك. اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الأذكار للنووي - (ج 1 / ص 314)(1/490)
المبحث الخامس عشر
ما روي عن السلف في الرجوع إلى السُّنَّةِ
ففي الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ :
(347 ) أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَابْنُ طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ , أَنَّ عُمَرَ , قَالَ : أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَأٌ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنِينِ شَيْئًا ؟ فَقَامَ حَمْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةَ , فَقَالَ : " كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي - يَعْنِي ضُرَّتَيْنِ - فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ , فَأَلْقَتْ جَنِينًا , فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِغُرَّةٍ " فَقَالَ : عُمَرُ : لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا , عَنْ عُمَرَ كَذَلِكَ أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , مِثْلَ حَدِيثِ سُفْيَانَ أَوْ نَحْوَ . أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَابْنِ طَاوُسٍ , مِثْلَ حَدِيثِ الْأَصَمِّ , عَنِ الرَّبِيعِ , سَوَاءً , وَقَالَ فِيهِ : فَقَالَ : عُمَرُ : لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا " قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَمَّا كَانَ يَقْضِي بِهِ لِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ , إِلَى أَنَّ خَالَفَ حُكْمَ نَفْسِهِ , وَأَخْبَرَ فِي الْجَنِينِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِهِ , وَقَالَ : إِنْ كِدْنَا أَنَّ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : يُخْبِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ السُّنَّةَ إِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً بِأَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ , فَلَا يَعْدُو الْجَنِينَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا , فَيَكُونُ فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ , أَوْ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ , فَلَمَّا أَخْبَرَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ سَلَّمَ لَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ إِلَّا اتِّبَاعَهُ فِيمَا مَضَى حُكْمُهُ بِخِلَافِهِ , فِيمَا كَانَ رَأَيًا مِنْهُ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ شَيْءٌ , وَتَرَكَ حُكْمَ نَفْسِهِ , وَكَذَلِكَ كَانَ فِي كُلِّ أَمْرِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - , وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ النَّاسَ أَنْ يَكُونُوا قُلْتُ : وَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ , وَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ , وَلَا خَالَفَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ "
(348) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , " قَضَى فِي الْإِبْهَامِ بِخَمْسَةَ عَشَرَةَ وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِعَشْرٍ , وَفِي الْوسْطَى بِعَشْرٍ , وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ بِتِسْعٍ , وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ "
(349 )عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , يَقُولُ : قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَصَابِعِ , فِي الْإِبْهَامِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ , وَفِي الْوسْطَى بِعَشْرَةٍ , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِتِسْعٍ وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ , حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ : " وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ " قَالَ سَعِيدٌ : فَصَارَتِ الْأَصَابِعُ إِلَى عَشْرٍ عَشْرٍ "
( 350) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَجْعَلُ فِي الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا نِصْفَ دِيَةِ الْكَفِّ , وَيَجْعَلُ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا عَشْرًا , وَفِي الْوسْطَى عَشْرًا , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا تِسْعًا , وَفِي الْآخِرَةِ سِتًّا , حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , فَوَجَدَ كِتَابًا كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ : " وَفِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ " فَصَيَّرَهَا عُثْمَانُ عَشْرًا عَشْرًا "
(351 ) قَالَ الشَّافِعِيُّ : " لَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عِنْدَ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - , قَضَى فِي الْيَدِ بِخَمْسِينَ وَكَانَتِ الْيَدُ خَمْسَةَ أَطْرَافٍ مُخْتَلِفَةَ الْحَالِ وَالْمَنَافِعِ نَزَّلَهَا مَنَازِلَهَا , فَحَكَمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَطْرَافِ بِقَدْرِهِ مِنْ دِيَةِ الْكَفِّ , وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى الْخَبَرِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَلَمَّا وُجِدَ كِتَابُ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ صَارُوا إِلَيْهِ قَالَ : وَلَمْ يَقْبَلُوا كِتَابَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - حَتَّى ثَبَتَ لَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَتَانِ : أَحَدُهُمَا : قَبُولُ الْخَبَرِ , وَالْآخَرُ : أَنْ يُقْبَلَ الْخَبَرُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُثَبِّتُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَمَلٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِمِثْلِ الْخَبَرِ الَّذِي قَبِلُوا , وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَضَى أَيْضًا عَمَلٌ مِنْ أَحَدً مِنَ الْأَئِمَّةِ , ثُمَّ وُجِدَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرٌ يُخَالِفُ عَمَلُهُ لَتُرِكَ عَمَلُهُ لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُثَبِّتُ بِنَفْسِهِ لَا بِعَمَلِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ " قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَمْ يَقُلِ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَمِلَ فِينَا عُمَرُ بِخِلَافِ هَذَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , وَلَمْ تَذْكُرُوا أَنْتُمْ أَنَّ عِنْدَكُمْ خِلَافَهُ وَلَا غَيْرُكُمْ , بَلْ صَارُوا إِلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَتَرْكِ كُلِّ عَمَلٍ خَالَفَهُ , وَلَوْ بَلَغَ عُمَرَ هَذَا صَارَ إِلَيْهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - كَمَا صَارَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَقْوَاهُ لِلَّهِ , وَتَأْدِيَتِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَعِلْمِهِ بِأَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرٌ , وَأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
ـــــــــــــــ(1/491)
المبحث السادس عشر
حقُّ الأدب فيما لم تدرك حقيقته من الأخبار النبوية(1)
قال التوربشتي " في حديث « إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ »(2).
" والحق الأدب دون الكلمات النبوية التي هي مخازن الأسرار الربوبية ومعادن الحكم الإلهية أن لا يتكلم في هذا الحديث وإخواته بشيء فإنه تعالى خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - بغرائب المعاني وكاشفه عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه باعُ الفهِم وبكلُّ عن إدراكه بصرُ العقلِ "(3)
وقال الشعراني في ميزانه: " روينا عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول: التسليم نصف الإيمان، قال له الربيع الجيزي : بل هو الإيمان كله يا أبا عبد الله، فقال: وهو كذلك ،وكان الإمام الشافعي يقول : من كمال إيمان العبد أن لا يبحث في الأصول ولا يقول فيها " لم ولا كيف " فقيل له وما هي الأصول؟ فقال : هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة اهـ
قال الشعراني: أي فنقول في كل ما جاءنا عن ربنا أو نبينا - صلى الله عليه وسلم - : آمنا بذلك على علم ربنا فيه " اهـ
قال القاسمي : أقول: رأيت بخط شيخنا العلامة المحقق الشيخ محمد الطندتائي الأزهري ثم الدمشقي على سؤال في فتاوى ابن حجر في الميت إذا ألحد في قبره هل يقعد ويسأل؟ أم يسأل هو راقد ؟ وهل تلبس الجثة الروح ؟ الخ ما نصه " اعلم أن السؤال عن هذه الأشياء من باب الاشتغال بما لا يعني، وقد ورد « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ »(4).
وإنما كان من الاشتغال بما لا يعني، لأن الله تعالى لم يكلفنا بمعرفة حقائق الأشياء وإنما كلفنا بتصديق نبيه في كل ما جاء به ، وبامتثال أمره واجتناب نهيه ، وإنما اشتغل بالبحث عن حقائق الأشياء هؤلاء الفلاسفة الذين سموا أنفسهم بالحكماء، لأنهم أنكروا المعاد الجسماني ، وقالوا بالحشر الروحاني ، وزعموا أن النعيم إنما هو بالعلم والعذاب إنما هو بالجهل ، وقد عمَّ هذا البلاد كثيراً من العلماء حتى اعتقدوا أن هذه الفلسفة هي الحكمة ، ورأوها أفضل ما يكتسبه الإنسان، وإن ما سواها من علوم الدين وآلاتها ليس فضيلة فلا حول ولا قوة إلا بالله " فالواجب تصديق الشارع في كل ما ثبت عنه وإن لم يفهم معناه ، فلا تضيعْ وقتك في الاشتغال بما لا يعنيك " اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 252)
(2) - صحيح مسلم(587 )
(3) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 2 / ص 316) و التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى - (ج 1 / ص 143)
(4) - سنن الترمذى(2487 ) صحيح لغيره(1/492)
المبحث السابع عشر
بيانُ إمرار السَّلَفِ الأحاديثَ على ظاهرها(1)
قال الشعراني في ميزانه: " كان الإمامُ الشافعيُّ يقول: الحديث على ظاهره، لكنه إذا احتمل عدة معان فأولاها ما وافقَ الظاهر " اهـ(2)
وقال أيضاً : " وقد كان السلفُ الصالحُ من الصحابة والتابعين يقدرون على القياس ولكنهم تركوا ذلك أدباً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن هنا قال سفيان الثوري : من الأدب إجراء الأحاديث التي خرجت مخرج الزجر والتنفير على ظاهرها من غير تأويل، فإنها إذا أولت خرجت عن مراد الشارع، كحديث « مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ».(3)وحديث " لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ "(4)وحديث « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ »(5).
فإن العالم إذا أولها بأن المراد " ليس منا " في تلك الخصلة فقط أي وهو منا في غيرها هان على الفاسق الوقوع فيها ، وقال مثل المخالفة في خصلة واحدة أمرٌ سهلٌ، فكان أدبُ السَّلف الصالح بعدم التأويل أولى بالاتباع للشارعِ، وإن كانت قواعد الشريعة قد تشهدُ أيضاً لذلك التأويل " اهـ.(6)
وهكذا مذهبُ السلف الصالح في الصفات،
قَالَ أَبُو عُمَرَابن عبد البر(7): " أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ لَا عَلَى الْمَجَازِ ؛ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً . وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ : الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا ؛ وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ - عِنْدَ مَنْ أَقَرَّ بِهَا - نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ وَالْحَقُّ مَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ والحمد لله، روى حرملة بن يحيى قال سمعت عبد الله بن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول: من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] وأشار بيده إلى عنقه ومثل قوله {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيئا من بدنه قطع ذلك منه، لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك: أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يضحى بأربع من الضحايا" وأشار البراء بيده كما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده ، قال البراء ويدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكره البراء أن يصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالا له وهو مخلوق فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء ؟ "(8)
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ " إبْطَالِ التَّأْوِيلِ "(9):
" لَا يَجُوزُ رَدُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَلَا التَّشَاغُلُ بِتَأْوِيلِهَا وَالْوَاجِبُ حَمْلُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّهَا صِفَاتُ اللَّهِ لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ سَائِرِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَا مِنْ الْخَلْقِ ؛ وَلَا يَعْتَقِدُ التَّشْبِيهَ فِيهَا ؛ لَكِنْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ . وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَاللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة والْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَالْأُسُودِ بْنِ سَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطبري وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ . وَفِي حِكَايَةِ أَلْفَاظِهِمْ طُولٌ .
إلَى أَنْ قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ التَّأْوِيلِ : أَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ حَمَلُوهَا عَلَى ظَاهِرِهَا ؛ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَأْوِيلِهَا وَلَا صَرَفُوهَا عَنْ ظَاهِرِهَا ؛ فَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ سَائِغًا لَكَانُوا أَسْبَقَ إلَيْهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ التَّشْبِيهِ وَرَفْعِ الشُّبْهَةِ . "
وقال الذهبي : قلت: المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدةً ما علمت أحداً سبقهم بها ، قالوا : هذه الصفات تمرُّ كلما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غيرُ مرادٍ ، فتفرع من هذا أن الظاهر يعينُ به أمران :
" أحدهما أنه لا تأو" قَرَاءَتُهَا تَفْسِيرُهَا " يعني أنها بينةٌ واضحةٌ في اللغة ، لا يبتغى بها مضايقَ التأويل والتحريف، وهذا هو مذهبُ السلف مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبهُ صفاتَ البشر بوجهٍ ، إذ الباري لا مثلَ لهُ، لا في ذاته ولا في صفاته .
" الثاني أن ظاهرَها هو الذي يتشكلُ في الخيال من الصفَةِ كما يتشكلُ في الذهنِ من وصفِ البشرِ، فهذا غيرُ مرادٍ ، فإن الله تعالى فردٌ صمدٌ ليسَ له نظيرٌ، وإن تعددتْ صفاتُه فإنها حقٌّ ، ولكنْ ما لها مثلٌ ولا نظيرٌ ، فمَنْ ذا الذي عاينَهُ ونعتَهُ لنا ؟ ومنْ ذا الذي يستطيعُ أن ينعتَ لنا كيفَ سمع كلامه؟ واللهِ إنا لعاجزونَ كالُّونَ حائرونَ باهتونَ في حدِّ الرُّوح التي فينا ، وكيفَ تعرجُ كلَّ ليلةٍ إذا توفاها بارئُها، وكيف يرسلُها ،وكيف تستقلُّ بعد الموت(10)، وكيف حياةُ الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله(11)وكيف حياةُ النبيين الآن(12)، وكيف شاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أخاه موسى يصلي في قبره قائماً(13)، ثم رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته(14)، وكيف ناظر موسى أباه آدم وحجه آدم بالقدر السابق(15)، وكذلك نعجز عن وصف هيئتنا في الجنَّة(16)ووصف الحور العين(17)، فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة(18)وذواتهم وكيفيتها(19)، وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني،(20)، فالله أعلى وأعظمَ له المثلُ الأعلى والكمالُ المطلقُ، ولا مثلَ له أصلاً آمنا باللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ " اهـ .(21)
و قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْب البغدادي(22): " أَمَّا الكَلاَمُ فِي الصِّفَات، فَإِنَّ مَا رُوِيَ مِنْهَا فِي السُّنَن الصِّحَاح، مَذْهَبُ السَّلَف إِثبَاتُهَا وَإِجرَاؤُهَا عَلَى ظوَاهرهَا، وَنَفْيُ الكَيْفِيَة وَالتَّشبيه عَنْهَا، وَقَدْ نَفَاهَا قَوْمٌ، فَأَبطلُوا مَا أَثبَتَهُ الله، وَحققهَا قَوْمٌ مِنَ المُثْبِتين، فَخَرَجُوا فِي ذَلِكَ إِلَى ضَرْب مِنَ التَّشبيه وَالتَّكييف، وَالقصدُ إِنَّمَا هُوَ سُلُوْك الطّرِيقَة المتوسطَة بَيْنَ الأَمرِيْن، وَدينُ الله تَعَالَى بَيْنَ الغَالِي فِيْهِ وَالمُقصِّر عَنْهُ.
وَالأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الكَلاَم فِي الصِّفَات فَرْعُ الكَلاَم فِي الذَّات، وَيُحتذَى فِي ذَلِكَ حَذْوُهُ وَمثَالُه، فَإِذَا كَانَ معلُوْماً أَن إِثْبَاتَ رَبِّ العَالِمِين إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ كَيْفِيَة، فَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ صِفَاته إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ تحديدٍ وَتَكييف.
فَإِذَا قُلْنَا:للهِ يَد وَسَمْع وَبصر، فَإِنَّمَا هِيَ صِفَاتٌ أَثبتهَا الله لِنَفْسِهِ، وَلاَ نَقُوْل:إِنَّ مَعْنَى اليَد القدرَة، وَلاَ إِنَّ مَعْنَى السَّمْع وَالبصر:العِلْم، وَلاَ نَقُوْل:إِنَّهَا جَوَارح.
وَلاَ نُشَبِّهُهَا بِالأَيدي وَالأَسْمَاع وَالأَبْصَار الَّتِي هِيَ جَوَارح وَأَدوَاتٌ لِلفعل، وَنَقُوْلُ:إِنَّمَا وَجب إِثبَاتُهَا لأَنَّ التَّوقيف وَردَ بِهَا، وَوجب نَفِيُ التَّشبيه عَنْهَا لِقَوْلِهِ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشُّوْرَى:11]{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد}[الإِخلاَص:4]."
قال الذهبي(23): كما قال مالك وغيره الإستواء معلوم، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك هذه الأشياء معلومة فلا نحتاج إلى بيان وتفسير لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا والله أعلم .
وقد كان الخطيب رحمه الله الدراقطني الثاني لم يكن ببغداد بعده مثله في معرفة هذا الشأن ،توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة"
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 253)
(2) - انظر المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 201) و فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 112)
(3) - صحيح مسلم (294 )
(4) - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ ، أَوْ تُكِهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ ، أَوْ سُحِرَ لَهُ وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً أَوْ قَالَ : مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - .مسند البزار(3578) ( حسن)
(5) - صحيح البخارى(1294)
(6) - قلت : لا بد من تاويلها إذا التبست على الناس
(7) - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (ج 7 / ص 145)
(8) - وانظر مجموع الفتاوى - (ج 3 / ص 221)
(9) - مجموع الفتاوى - (ج 5 / ص 89)
(10) - قال تعالى : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (42) سورة الزمر
(11) - قال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (169) سورة آل عمران
(12) - َعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ " . مسند البزار (6888) والصحيحة (621) و صحيح الجامع (2790) ( صحيح )
(13) - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَتَيْتُ - وَفِى رِوَايَةِ هَدَّابٍ مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى قَبْرِهِ ».صحيح مسلم (6306 )
(14) - عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رضى الله عنهما - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ « بَيْنَمَا أَنَا فِى الْحَطِيمِ - وَرُبَّمَا قَالَ فِى الْحِجْرِ - مُضْطَجِعًا ، إِذْ أَتَانِى آتٍ فَقَدَّ - قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ - مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِى مَا يَعْنِى بِهِ قَالَ مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِى ، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا ، فَغُسِلَ قَلْبِى ثُمَّ حُشِىَ ، ثُمَّ أُوتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ » . - فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ أَنَسٌ نَعَمْ ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ - « فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ فَفَتَحَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ ، فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَفَتَحَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ ، إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى ، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا . فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ، ثُمَّ قَالاَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَفُتِحَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ . قَالَ هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ، ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ ، ثُمَّ صَعِدَ بِى حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ ، فَاسْتَفْتَحَ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَفُتِحَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ بِى حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ ، فَاسْتَفْتَحَ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ . فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ صَعِدَ بِى حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ ، فَاسْتَفْتَحَ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى ، قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِى لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِى ، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِى . ثُمَّ صَعِدَ بِى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ . قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ . ثُمَّ رُفِعَتْ لِى سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ . فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ ، فَنَهَرَانِ فِى الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ . ثُمَّ رُفِعَ لِى الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ ، فَقَالَ هِىَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ . ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ . فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ ، وَإِنِّى وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ ، وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ . فَرَجَعْتُ ، فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّى عَشْرًا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى ، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ، وَإِنِّى قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ ، وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ . قَالَ سَأَلْتُ رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ - قَالَ - فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِى وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِى » . صحيح البخارى(3887 )69/5
(15) - عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِى أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ . فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ ، ثُمَّ تَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ » . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى » مَرَّتَيْنِ . صحيح البخارى (3409 )
(16) - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) . صحيح البخارى (3244) ومسلم (7310 )
(17) - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَّكِئُ فِى الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ثُمَّ تَأْتِيهُ امْرَأَتُهُ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِى خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا تُضِىءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ. قَالَ فَيَرُدُّ السَّلاَمَ وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ وَتَقُولُ أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ. وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْباً أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ مِنْ طُوبَى فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ وَإِنَّ عَلَيْهَا مِنَ التِّيجَانِ إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِىءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ». مسند أحمد(12034) و مجمع 10/419 ( حسن)
(18) - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أُذِنَ لِى أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ ».سنن أبى داود(4729 ) ( صحيح)
(19) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِبْرِيلَ فِى صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.مسند أحمد (3821) ( صحيح )
(20) - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ».صحيح مسلم (7687 )
المارج : لهب النار المختلط بسواها
(21) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 253)
(22) - سير أعلام النبلاء (18/284) و تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 31 / ص 105)
(23) - العلو للعلي الغفار[ ج 1 - صفحة 254 ](1/493)
المبحث الثامن عشر
قاعدةُ الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث
ففي عْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لِلْبَيْهَقِيِّ (712 ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبُو زَكَرِيَّا ، وَأَبُو بَكْرٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " أَسْفِرُوا بِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ ، أَوْ قَالَ : أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ " فَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ ، حَدِيثَ عَائِشَةَ ، بِأَنَّهُ : أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ فَأَوْلَى الْمُصَلِّينَ بِالْمُحَافَظَةِ : الْمُقَدِّمُ لِلصَّلَاةِ ، وَهُوَ أَيْضًا أَشْهُرُ رِجَالًا بِالثِّقَةِ ، وَأَحْفَظُ . وَمَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثَلَاثَةٌ ، كُلُّهُمْ يَرْوُونَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ : زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لَا يَأْمُرُ بِأَنْ تُصَلَّى صَلَاةٌ فِي وَقْتٍ يُصَلِّيهَا فِي غَيْرِهِ ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ حَدِيثَ : " أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ " . وَهُوَ لَا يُؤْثِرُ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ شَيْئًا ، وَالْعَفْوُ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنَيَيْنِ : عَفْوٌ عَنِ تَقْصِيرٍ ، أَوْ تَوْسِعَةٌ ، وَالتَّوْسِعَةُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي غَيْرِهَا إِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي وُسِّعَ فِي خِلَافِهِ يُرِيدُ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ قَالَ : وَقَدْ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا قُلْنَا ، وَسُئِلَ : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا " . وَهُوَ لَا يَدَعُ مَوْضِعَ الْفَضْلِ ، وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ إِلَّا بِهِ . قَالَ : وَالَّذِي لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ ، أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْلَى بِالْفَضْلِ لِمَا يَعْرِضُ لِلْآدَمِيِّينَ مِنَ الْأَشْغَالِ وَالنِّسْيَانِ وَالْعِلَلِ ، وَذَكَرَ تَقْدِيمَ صَلَاةِ الْفَجْرِ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ قَبْلَ هَذَا . قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ : لَهُ وَجْهٌ يُوَافِقُ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَلَا يُخَالِفُهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَمَّا حَضَّ النَّاسَ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ ، وَأَخْبَرَ بِالْفَضْلِ فِيهَا ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّاغِبِينَ مَنْ يُقَدِّمُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ الْآخِرِ ، فَقَالَ : " أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ الْآخَرُ مُعْتَرِضًا " وَحَكَى فِي الْقَدِيمِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ مِرَارًا ، فَكُلَّمَا بَانَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَ . وَأَنَّ أَبَا مُوسَى فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ ، فِيمَا بَلَغَنَا . فَلَا نَدْرِي لَعَلَّ النَّاسَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ شَبِيهًا بِفِعْلِهِمَا حِينَ أُخْبِرُوا بِالْفَضْلِ فِي الْوَقْتِ ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِيمَا نَرَى الْخُرُوجَ مِنَ الشَّكِّ ، حَتَّى يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي بَعْدَ الْيَقِينِ مِنَ الْفَجْرِ ، فَأَمَرَهُمْ بِالْإِسْفَارِ ، أَيْ بِالتَّبَيُّنِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ : وَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَحَادِيثِ , كَانَ أَوْلَى بِنَا أَنْ لَا نَنْسِبَهُ إِلَى الِاخْتِلَافِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا ، فَالْحُجَّةُ فِي تَرْكِنَا ، بِحَدِيثِنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا وَصَفْتُ مِنَ الدَّلَائِلِ مَعَهُ . قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَغْلِيسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْفَجْرِ ، ثُمَّ زَعَمَ أَنْ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْأَفْضَلِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُدَاوِمُ إِلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ فِيهَا مُغَلِّسِينَ لِيُطَوِّلُوا الْقِرَاءَةَ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا مُسْفِرِينَ . وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، إِنَّمَا خَرَجَ مِنْهَا مُغَلِّسًا ، قَبْلَ أَنْ شُرِعَ فِيهَا طُولُ الْقِرَاءَةِ . فَاسْتَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ بِفِعْلِهِمْ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْهَا مُغَلِّسِينَ كَمَا رُوِّينَا عَنْهُمْ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ : صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، وَلَوْ أَنَّ ابْنِيَ مِنِّي ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ لَمْ أَعْرِفْهُ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ . ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ : أَنَّ أَوَّلَ مَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَصَلَ إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ مِثْلَهَا ، غَيْرَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا وِتْرٌ ، وَصَلَاةُ الصُّبْحِ لِطُولِ قِرَاءَتِهَا . وَزَعَمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِطَالَةَ الْقِرَاءَةِ كَانَتَا مَعًا . وَظَاهَرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصُّبْحِ ، إِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ لِطُولِ قِرَاءَتِهَا الْمَشْرُوعِ فِيهَا قَبْلَهَا . ثُمَّ حَمَلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي التَّغْلِيسِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُشْرَعَ فِيهَا طُولُ الْقِرَاءَةِ . وَعَائِشَةُ قَدْ أَخْبَرَتْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ . وَغَيْرُهَا يَقُولُ : حِينَ فُرِضَتْ قَبْلَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ . وَعَلَى زَعْمِهِ شُرِعَ طُولُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا حِينَ زِيدَ فِي عَدَدِ غَيْرِهَا . وَعَائِشَةُ إِنَّمَا حَمَلَتْ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ ، وَهِيَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ ، وَكَذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ مَا هَاجَرَ بِسَنَتَيْنِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِحُكْمٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ؟ كَيْفَ وَقَدْ أَخْبَرَتْنَا عَنْ دَوَامِ فَعَلِهِ وَفِعْلِ النِّسَاءِ مَعَهُ . وَرُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ فِي حَدِيثٍ مُخَرَّجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : " كَانَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ، ثُمَّ صَلَّاهَا يَوْمًا فَأَسْفَرَ بِهَا ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ . وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ النَّسْخِ الَّذِي ادَّعَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَغَيْرِهَا فِي التَّغْلِيسِ ، وَالطَّرِيقُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ ، أَنْ تُحْمَلَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ تَغْلِيسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ بِالصُّبْحِ ، عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا هُوَ الْأَفْضَلُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ فِعْلِهِمْ . وَيُحْمَلُ حَدِيثُ رَافِعٍ عَلَى تَبْيِينِ الْفَجْرِ بِالْيَقِينِ ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهَا فِي الْغَيْمِ بِالِاجْتِهَادِ قَبْلَ التَّبْيِينِ ، وَحَدِيثُ مَنْ أَسْفَرَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . اهـ
وقال الشافعي(1):
" أخبرنا " ابن عيينة " عن " محمد بن العَجْلانِ " عن " عاصم بن عمر بن قَتَادَةَ " عن " محمود بن لَبِيد " عن " رافع بن خَدِيج " أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أسْفِرُوا بِالفَجْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ أعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَوْ : أَعْظَمُ لأُجُورِكُمْ "
أخبرنا " سفيان " عن " الزهري " عن " عروة " عن " عائشة " قالت : " كُنَّ النِّسَاءُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ يُصَلِّينَ مَعَ النَّبِيِّ الصُّبْحَ ثُمَّ يَنْصَرِفْنَ وَهُنَّ مُتَلَفِّعاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ مِنَ الغَلَسِ "
قال : وذكَرَ تَغْلِيسَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفجر " سهلُ بن سعد " وزيد بن ثابت " وغيرُهما مِن أصحاب رسول الله شبيهٌ بمعنى " عائشة "
قال " الشافعي " : قال لي قائل : نحن نرى أن نَسْفِرَ بالفجر اعتماداً على حديث " رافع بن خديج " ونزْعُمُ أن الفضْل في ذلك وأنت ترى أنْ جائِزًا لنا إذا اختلف الحديثان أنْ نأخذَ بأحدهما ونحن نَعُدُّ هذا مخالفاً لحديث " عائشة "
قال : فقلت له : إن كان مخالفاً لحديث " عائشة " فكان الذي يَلْزَمنا وإيَّاكَ أن نصير إلى حديث " عائشة " دونه لأن أصل ما نبْنِي نحن وأنتم عليه : أن الأحاديث إذا اختلَفَت لم نذهب إلى واحد منها دون غيره إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تَرَكْنا
قال : وما ذلك السبب ؟
قلت : أن يكون أحدُ الحديثين أشْبَهَ بكتاب الله فإذا أشبه كتابَ الله كانت فيه الحجةُ
قال : هكذا نقول
قلنا : فإن لم يكن فيه نصُّ كتاب كان أوْلاهما بِنا الأثبتُ منهما وذلك أن يكون مَن رواه أعرفَ إسنادا وأشهرَ بالعلم وأحفظَ له أو يكونَ رُوِيَ الحديثُ الذي ذهبنا إليه مِن وجهين أو أكثرَ والذي تركْنا مِن وجهٍ فيكونَُ الأكثر أولى بالحفظ مِن الأقل أو يكونَ الذي ذهبنا إليه أشبهَ بمعنى كتابِ الله أو أشبهَ بما سِواهما مِن سُنَنِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوْ أَوْلى بما يَعرف أهلُ العلم أو أصحَّ في القياس والذي عليه الأكثرُ مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال : وهكذا نَقول ويقول أهلُ العلم
قلت : فحديث " عائشة " أشبه بِكتاب الله لأن الله يقول : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ( 238 ) " [ البقرة ] فإذا حَلَّ الوقت فأَوْلَى المُصلِّين بالمحافظة المُقَدِّمُ الصلاةِ ، وهو أيضاً أشهرُ رجالاً بالثِّقة وأحْفَظُ ومع حديث " عائشة " : ثلاثةٌ كلُّهم يَرْوُونَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلَ معنى حديث " عائشة " : " زيدُ بن ثابت " و " سهل بن سعد "
وهذا أشبه بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن حديث " رافع بن خَدِيج "
قال : وأيُّ سننٍ ؟
قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أَوَّلُ الوَقْتِ رِضْوَانُ اللهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللهِ "
وهو لا يُؤْثِر على رضوان الله شيئاً والعفو لا يحتمل إلا معنيَيْنِ : عفْوٌ عن تقْصيرٍ أو توْسِعَةٌ والتوسعة تُشْبِه أن يكون الفضْل في غيرِها إذْ لم يُؤْمَرْ بترك ذلك الغير الذي وُسِّع في خلافها
قال : وما تريد بهذا ؟
قلت : إذْ لم نؤمر بترك الوقت الأول وكان جائزاً أنْ نُصَلِّيَ فيه وفي غيره قبْلَهُ فالفضْل في التَّقْديم والتأخيرُ تقصيرٌ مُوَسَّعٌ
وقد أبانَ رسولُ الله مثْلَ ما قلنا وسُئِلَ : أيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ فقال : " الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا "
وهو لا يدع موضع الفضل ولا يأمر الناس إلا به
وهو الذي لا يجهله عالم : أنَّ تقديمَ الصلاة في أول وقتها أولى بالفضل لِمَا يَعْرِضُ للآدمِيِّينَ مِن الأشغال والنِّسْيان والعِلَل ، وهذا أشبه بمعنى كتاب الله
قال : وأيْن هو من الكتاب ؟
قلت : قال الله : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ( 238 ) " [ البقرة ] ومَن قدَّمَ الصلاةَ في أوَّل وقْتِها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخَّرَها عَن أوَّل الوقت
وقد رأينا الناس فيما وجب عليهم وفيما تَطَوَّعُوا به يُؤْمَرُون بتعجيله إذا أمْكَن لِمَا يعرض للآدميين من الأشغال والنِّسْيان والعلل الذي لا تَجْهَلُه العُقول
وإن تقديم صلاة الفجر في أوَّل وقتها عن " أبي بكر " و " عمر " و " عثمان " و " علي بن أبي طالب " و " ابن مسعود " " وأبي موسى الأشْعَرِي " و " أنس بن مالك " وغَيْرِهم : مُثْبَتٌ
فقال : فإن " أبا بكر " و " عمر " و " عثمان " دخلوا في الصلاة مُغَلِّسِيَن وخرجوا منها مُسْفِرِينَ بإطالة القِراءة ؟
فقلت له : قد أطالوا القراءة وأوْجَزُوهَا والوقتُ في الدخول لا في الخروج مِن الصلاة وكلُّهم دخل مُغَلِّسًا وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها مُغَلِّسًا ، فخالفتَ الذي هو أولى بك أنْ تصير إليه مما ثَبَتَ عَنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخالفْتَهم فقلْتَ : يدخل الدَّاخل فيها مُسْفِرًا ويخرج مُسْفِرًا ويُوجِز القِراءة فخالفتهم في الدخول وما احْتَجَجْتَ بِهِ مِنْ طُولِ القراءة وفي الأحاديث عن بعضهم أنه خرجَ منها مُغلِّساً
قال : فقال : أفَتَعُدُّ خَبَرَ " رافع " يُخالِف خبَرَ " عائشة " ؟
فقلتُ له : لا
فقال : فبِأيِّ وجْهٍ يُوافقه ؟
فقلت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَضَّ الناسَ على تقديم الصلاة وأخبر بالفضل فيها : احتمل أن يكون من الرَّاغِبِين مَنْ يُقَدِّمها قبْل الفجر الآخِرِ فقال : " أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ " يعني : حتى يَتَبَيَّنَ الفَجْرُ الآخِر مُعْتَرِضًا
قال : أفيحتمل معنىً غيرَ ذلك ؟
قلت : نعم يحتمل ما قلتَ وما بَيْنَ ما قُلْنا وقلْتَ وكلَّ معنى يقع عليه اسم { الإسفار}
قال : فما جعَلَ معْناكم أوْلَى مِنْ معْنانا ؟
فقلت : بما وصفْتُ مِنَ التَّأويل وبأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " هُمَا فَجْرَانِ فَأَماَّ الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ فَلَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلاَ يُحَرِّمُهُ وَأَمَّا الفَجْرُ المُعْتَرِضُ فَيُحِلُّ الصَّلاَةَ وَيُحَرِّمُ الطَّعَامَ " يعني : على مَنْ أرادَ الصِّيام " اهـ .
وقال أيضاً(2): " وجه آخر من الاختلاف
قال " الشافعي " : قال لي قائل : قد اختُلِفَ في التَّشَهُّدِ فرَوَى " ابن مسعود " عن النبي : - صلى الله عليه وسلم - " أنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنَ القُرَآن " فقال في مُبْتَدَاهُ ثلاث كلماتٍ : " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " فَبِأيِّ التشهد أخَذْتَ ؟
فقلت : أخبرنا " مالك " عن " ابن شهاب " عن " عروة " عن " عبد الرحمن بن عبدٍ القارِيِّ " أنَّه سمع " عمر بن الخطاب " يقول على المنبر وهو يُعَلِّمُ الناس التشهُّدَ يقول : قولوا : " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "
قال " الشافعي " : فكان هذا الذي عَلَّمَنا مَنْ سبَقَنا بالعلم مِنْ فُقهائنا صِغاراً ثم سمعناه بإسنادٍ وسمعنا ما خالَفَه فلم نسمع إسناداً في التشهد يخالِفه ولا يُوافقه : أثْبَتَ عِندنا منه وإنْ كان غيرُه ثابِتًا فكان الذي نذهب إليه : أنَّ " عمر " لا يُعلِّم الناس على المنبر بيْن ظَهْرَانَيْ أصحاب رسول الله إلا على ما علَّمَهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
فلَمَّا انتهَى إلينا مِن حديث أصحابنا حديثٌ يُثْبِته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صِرْنا إليه وكان أوْلَى بِنا
قال : وما هو ؟
قلت : أخبرنا الثقة وهو " يحي بن حسَّان " عن " الليث بن سعد " عن " أبي الزبير المكي " عن " سعيد بن جبير " و " طاوس " عن " ابن عباس " أنَّه قال : " كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا القُرَآن فَكَانَ يَقُولُ : التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلاَمٌ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ "
قال " الشافعي " : فقال : فأنَّى تَرَى الروايةَ اختلفَتْ فيه عَن النبي ؟ فرَوَى " ابن مسعود " خِلافَ هذا ورَوَى " أبو موسى " خِلاف هذا و " جابِرٌ " خلاف هذا وكلُّها قد يُخالِف بعضُها بعْضاً في شيء مِنْ لفْظِه ثم علَّمَ " عمر " خلاف هذا كلِّه في بعض لفظه وكذلك تشهُّدُ عائشة وكذلك تشهد " ابن عمر " ليس فيها شيء إلا في لفظه شيء غيرُ ما في لفْظ صاحبِه وقد يزيدُ بعضُها الشيءَ على بَعْضٍ
فقلت له : الأمرُ في هذا بَيِّنٌ
قال : فأبِنْهُ لي
قلت : كلٌّ كلامٌ أريدَ به تعْظيمُ الله فعَلَّمَهُمْ رسولُ الله فلعلَّه جَعَلَ يعلِّمُه الرجلَ فيحفَظُهُ والآخرَ فيحفظه وما أُخذ حفظاً فأكثرُ ما يُحْترس فيه منه إحالةُ المعنى فلم تكن فيه زيادة ولا نقصٌ ولا اختلافُ شيء مِن كلامه يُحِيل المعنى فلا تَسَعُ إحالتُه ، فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز لِكل امرئٍ منهم كما حَفِظَ إذ كان لا معنى فيه يحيل شيئاً عن حكمه ولعل من اختلفت روايته واختلف تشهده إنما توسَّعوا فيه فقالوا على ما حفِظوا وعلى ما حَضَرَهُم وأُجِيزَ لهم
قال : أفَتَجِدُ شيئا يدلُّ على إجازة ما وصفْتَ ؟
فقلت : نعم
قال : وما هو ؟
قلت : أخبرنا " مالك " عن " ابن شهاب " عن " عروة " عن " عبد الرحمن بن عبدٍ القارِيِّ " قال : سمعت " عمر بن الخطاب " يقول : " سَمِعْتُ " هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ " يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأُهَا وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أعْجَلُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اقْرَأْ فَقَرَأَ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي : اقْرَأْ فَقَرَأْتُ فَقَالَ : هَكَذَا أُنْزِلَتْ إنَّ هَذَا القُرَآن أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ "
قال : فإذ كان الله لِرَأْفته بخلْقِه أنزل كتابَه على سبْعة أحْرف معرفةً منه بأنَّ الحفْظَ قدْ يَزِلُّ لِيُحِلَّ لهم قراءته وإنْ اختلف اللفظُ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالةُ معنى : كان ما سِوَى كتابِ الله أوْلَى أنْ يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُحِلْ معْناه ، وكل ما لم يكن فيه حُكْمٌ فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه ، وقد قال بعضُ التابعين : لَقِيتُ أُناساً مِن أصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا عليَّ في اللفظ فقلْتُ لبعضهم ذلك فقالَ : لا بأس ما لمْ يُحِيلُِ المعنى .
قال " الشافعي " : فقال : ما في التشهد إلا تعظيم الله وإنِّي لأرْجو أن يكون كلُّ هذا فيه واسِعاً وأن لا يكون الاختلافُ فيه إلاَّ مِن حيْثُ ذكرْتَ ومثلُ هذا - كما قلْتَ - يُمْكِن في صلاة الخوف فيكون إذا جاء بكمال الصلاة على أي الوجوه رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجْزَأَهُ إذ خالَفَ اللهُ بيْنها وبيْن ما سِواها مِن الصلوات ولكن كيْف صِرْتَ إلى اختيار حديث " ابن عباس " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد دون غيره ؟
قلتُ : لَمَّا رأيته واسعا وسمعتُه عن " ابن عباس " صحيحاً كان عندي أجمعَ وأكثرَ لفْظًا مِن غيْرِه فأخذْتُ به غيرَ مُعَنِّفٍ لِمَن أخذ بغيره مما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الرسالة ص -282-291
(2) - الرسالة للشافعي [ ص 268 ] فما بعد(1/494)
المبحث التاسع عشر
التحيُّلُ على إسقاطِ حُكْمٍ أو قلبِهِ
َ" النِّيَّةُ رُوحُ الْعَمَلِ وَلُبُّهُ وَقِوَامُهُ ، وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا يَصِحُّ بِصِحَّتِهَا وَيَفْسُدُ بِفَسَادِهَا ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ كَلِمَتَيْنِ كَفَتَا وَشَفَتَا وَتَحْتَهُمَا كُنُوزُ الْعِلْمِ وَهُمَا قَوْلُهُ : { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى }(1)فَبَيَّنَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَمَلَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَمَلٌ إلَّا بِنِيَّةٍ ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَامِلَ لَيْسَ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ وَهَذَا يَعُمُّ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْأَيْمَانَ وَالنُّذُورَ وَسَائِرَ الْعُقُودِ وَالْأَفْعَالِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَوَى بِالْبَيْعِ عَقْدَ الرِّبَا حَصَلَ لَهُ الرِّبَا ، وَلَا يَعْصِمُهُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةُ الْبَيْعِ ، وَأَنَّ مَنْ نَوَى بِعَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْلِيلَ كَانَ مُحَلَّلًا ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى ؛ فَالْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى مَعْلُومَةٌ بِالْوِجْدَانِ ، وَالثَّانِيَةُ مَعْلُومَةٌ بِالنَّصِّ ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا نَوَى بِالْعَصْرِ حُصُولَ الْخَمْرِ كَانَ لَهُ مَا نَوَاهُ ، وَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ ، وَإِذَا نَوَى بِالْفِعْلِ التَّحَيُّلَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ لَهُ مَا نَوَاهُ ؛ فَإِنَّهُ قَصَدَ الْمُحَرَّمَ وَفَعَلَ مَقْدُورَهُ فِي تَحْصِيلِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي التَّحَيُّلِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ إذَا جُعِلَ ذَرِيعَةً لَهُ ، لَا فِي عَقْلٍ وَلَا فِي شَرْعٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَهَى الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ عَمَّا يُؤْذِيهِ وَحَمَاهُ مِنْهُ فَتَحَيَّلَ عَلَى تَنَاوُلِهِ عُدَّ مُتَنَاوِلًا لِنَفْسِ مَا نَهَى عَنْهُ ، وَلِهَذَا مَسَخَ اللَّهُ الْيَهُودَ قِرَدَةً لَمَّا تَحَيَّلُوا عَلَى فِعْلِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ ، وَلَمْ يَعْصِمْهُمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ إظْهَارُ الْفِعْلِ الْمُبَاحِ لَمَّا تَوَسَّلُوا بِهِ إلَى ارْتِكَابِ مَحَارِمِهِ ، وَلِهَذَا عَاقَبَ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ بِأَنْ حَرَمَهُمْ ثِمَارَهَا لَمَّا تَوَسَّلُوا بِجُذَاذِهَا مُصْبِحِينَ إلَى إسْقَاطِ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ ، وَلِهَذَا لَعَنَ الْيَهُودَ لَمَّا أَكَلُوا ثَمَنَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَكْلَهُ ، وَلَمْ يَعْصِمْهُمْ التَّوَسُّلُ إلَى ذَلِكَ بِصُورَةِ الْبَيْعِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ إزَالَةُ اسْمِ الشُّحُومِ عَنْهَا بِإِذَابَتِهَا فَإِنَّهَا بَعْدَ الْإِذَابَةِ يُفَارِقُهَا الِاسْمُ وَتَنْتَقِلُ إلَى اسْمِ الْوَدَكِ ، فَلَمَّا تُحِيلُوا عَلَى اسْتِحْلَالِهَا بِإِزَالَةِ الِاسْمِ لَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ .(2)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا ، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ ، فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا » أخرجه البخاري(3).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : بَلَغَ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ ، أَنَّ فُلاَنًا يَبِيعُ الْخَمْرَ فَقَالَ : مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ ، أَلَمْ يَعْلَمْ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا ، فَبَاعُوهَا ، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا.أخرجه ابن أبي شيبة(4)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ(5): فِي هَذَا فِي الْحَدِيثِ بُطْلَانُ كُلِّ حِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا الْمُتَوَسِّلُ إلَى الْمُحَرَّمِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغَيُّرِ هَيْئَتِهِ وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ .
قَالَ شَيْخُ الإسلام ابن تيمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ أَرَادُوا الِاحْتِيَالَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُقَالُ فِي الظَّاهِرِ إنَّهُمْ انْتَفَعُوا بِالشَّحْمِ فَجَمَّلُوهُ وَقَصَدُوا بِذَلِكَ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الشَّحْمِ ، ثُمَّ انْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَكُونَ الِانْتِفَاعُ فِي الظَّاهِرِ بِعَيْنِ الْمُحَرَّمِ ، ثُمَّ مَعَ كَوْنِهِمْ احْتَالُوا بِحِيلَةٍ خَرَجُوا بِهَا فِي زَعْمِهِمْ مِنْ ظَاهِرِ التَّحْرِيمِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى هَذَا الِاسْتِحْلَالِ ، نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ ، وَأَنَّ حِكْمَةَ التَّحْرِيمِ لَا تَخْتَلِفُ سَوَاءٌ كَانَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا ، وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ ، فَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ الِانْتِفَاعَ بِشَيْءٍ حُرِّمَ الِاعْتِيَاضُ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ، وَأَمَّا مَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَالْخَمْرِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِمَنْفَعَةِ الظَّهْرِ الْمُبَاحَةِ لَا لِمَنْفَعَةِ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ - قَالَ - فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ فَقَالَ « لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ». ثَلاَثًا « إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَىْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ » رواه أبو داود(6).
يَعْنِي ثَمَنَهُ الْمُقَابِلَ لِمَنْفَعَةِ الْأَكْلِ ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَكَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَتِهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا .
إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ مُعَلَّقًا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَبِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ دُونَ مُرَاعَاةِ الْمَقْصُودِ لِلشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ وَمَعْنَاهُ وَكَيْفِيَّتِهِ لَمْ يَسْتَحِقُّوا اللَّعْنَةَ لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الشَّحْمَ خَرَجَ بِجَمْلِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَحْمًا ، وَصَارَ وَدَكًا ، كَمَا يَخْرُجُ الرِّبَا بِالِاحْتِيَالِ فِيهِ عَنْ لَفْظِ الرِّبَا إلَى أَنْ يَصِيرَ بَيْعًا عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مِائَةً بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَى سِلْعَةً بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِالثَّمَنِ الْحَالِّ ، وَلَا غَرَضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي السِّلْعَةِ بِوَجْهٍ مَا ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ فَقِيهُ الْأُمَّةِ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا حَرِيرَةٌ ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مِائَةٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا بِلَا حِيلَةٍ أَلْبَتَّةَ ، لَا فِي شَرْعٍ وَلَا فِي عَقْلٍ وَلَا عُرْفٍ ، بَلْ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا حَرَّمَ الرِّبَا بِعَيْنِهَا قَائِمَةٌ مَعَ الِاحْتِيَالِ أَوْ أَزْيَدُ مِنْهَا ، فَإِنَّهَا تَضَاعَفَتْ بِالِاحْتِيَالِ لَمْ تَذْهَبْ وَلَمْ تَنْقُصْ ؛ فَمِنَ الْمُسْتَحِيلِ عَلَى شَرِيعَةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ أَنْ يُحَرِّمَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَيَلْعَنَ فَاعِلَهُ وَيُؤْذِنَهُ بِحَرْبٍ مِنْهُ وَرَسُولِهِ وَيُوعِدَهُ أَشَدَّ الْوَعِيدِ ثُمَّ يُبِيحَ التَّحَيُّلَ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ مَعَ قِيَامِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَزِيَادَتِهَا بِتَعَبِ الِاحْتِيَالِ فِي مَعْصِيَةِ وَمُخَادَعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
هَذَا لَا يَأْتِي بِهِ شَرْعٌ ؛ فَإِنَّ الرِّبَا عَلَى الْأَرْضِ أَسْهَلُ وَأَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ الرِّبَا بِسُلَّمٍ طَوِيلٍ صَعْبِ التَّرَاقِي يَتَرَابَى الْمُتَرَابِيَانِ عَلَى رَأْسِهِ فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ ، أَيُّ مَفْسَدَةٍ مِنْ مَفَاسِدِ الرِّبَا زَالَتْ بِهَذَا الِاحْتِيَالِ وَالْخِدَاعِ ؟
فَهَلْ صَارَ هَذَا الذَّنْبُ الْعَظِيمُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ حَسَنَةً وَطَاعَةً بِالْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ ؟
وَيَا لِلَّهِ ، كَيْفَ قَلَبَ الْخِدَاعُ وَالِاحْتِيَالُ حَقِيقَتَهُ مِنْ الْخَبِيثِ إلَى الطَّيِّبِ وَمِنَ الْمَفْسَدَةِ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَجَعَلَهُ مَحْبُوبًا لِلرَّبِّ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ كَانَ مَسْخُوطًا لَهُ ؟
وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الِاحْتِيَالُ يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فَإِنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَكَانٍ وَمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ وَإِنَّهُ مِنْ أَقْوَى دَعَائِمِ الدِّينِ وَأَوْثَقِ عُرَاهُ وَأَجَلِّ أُصُولِهِ .
وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ ، كَيْفَ تَزُولُ مَفْسَدَةُ التَّحْلِيلِ الَّذِي أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَعْنِ فَاعِلِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِتَسْبِيقِ شَرْطِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى صُلْبِ الْعَقْدِ وَخَلَاءِ صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ لَفْظِهِ وَقَدْ وَقَعَ التَّوَاطُؤُ وَالتَّوَافُقُ عَلَيْهِ ؟
وَأَيُّ غَرَضٍ لِلشَّارِعِ ؟
وَأَيُّ حِكْمَةٍ فِي تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَسْبِيقِهِ حَتَّى تَزُولَ بِهِ اللَّعْنَةُ وَتَنْقَلِبَ بِهِ خَمْرَةُ هَذَا الْعَقْدِ خَلًّا ؟
وَهَلْ كَانَ عَقْدُ التَّحْلِيلِ مَسْخُوطًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لِحَقِيقَتِهِ وَمَعْنَاهُ ، أَمْ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ لَهُ وَحُصُولِ صُورَةِ نِكَاحِ الرَّغْبَةِ مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ حَقِيقَتِهِ، وَحُصُولِ حَقِيقَةِ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ ؟
وَهَكَذَا الْحِيَلُ الرِّبَوِيَّةُ ؛ فَإِنَّ الرِّبَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِصُورَتِهِ وَلَفْظِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ حَرَامًا لِحَقِيقَتِهِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ ؛ فَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ حَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ التَّحْرِيمُ فِي أَيِّ صُورَةٍ رُكِّبَتْ وَبِأَيِّ لَفْظٍ عَبَّرَ عَنْهَا ؛ فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الْأَسْمَاءِ وَصُوَرِ الْعُقُودِ ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا وَمَا عُقِدَتْ لَهُ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْيَهُودَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعَيْنِ الشَّحْمِ ، وَإِنَّمَا انْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ ، وَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى الصُّوَرَ وَالظَّوَاهِرَ وَالْأَلْفَاظَ دُونَ الْحَقَائِقِ وَالْمَقَاصِدِ أَنْ لَا يُحَرِّمَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا لُعِنُوا عَلَى اسْتِحْلَالِ الثَّمَنِ - وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ لَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ - عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ النَّظَرُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَقْصُودِ لَا إلَى مُجَرَّدِ الصُّورَةِ ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ : لَا تَقْرَبْ مَالَ الْيَتِيمِ ، فَيَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ عِوَضَهُ وَيَقُولُ : لَمْ أَقْرَبِ مَالَهُ ، وَكَمَنْ يَقُولُ لِرَجُلٍ : لَا تَشْرَبْ مِنْ هَذَا النَّهْرِ ، فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَيَشْرَبُ بِكَفَّيْهِ وَيَقُولُ : لَمْ أَشْرَبْ مِنْهُ ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ : لَا تَضْرِبْ زَيْدًا ، فَيَضْرِبُهُ فَوْقَ ثِيَابِهِ وَيَقُولُ : إنَّمَا ضَرَبْت ثِيَابَهُ ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ : لَا تَأْكُلْ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ ، فَيَشْتَرِي بِهِ سِلْعَةً وَلَا يُعَيِّنُهُ ثُمَّ يَنْقُدُهُ لِلْبَائِعِ وَيَقُولُ : لَمْ آكُلْ مَالَهُ إنَّمَا أَكَلْت مَا اشْتَرَيْته وَقَدْ مَلَكْت ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَوْ اسْتَعْمَلَهَا الطَّبِيبُ فِي مُعَالَجَةِ الْمَرْضَى لَزَادَ مَرَضُهُمْ ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهَا الْمَرِيضُ كَانَ مُرْتَكِبًا لِنَفْسِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ الطَّبِيبُ ، كَمَنْ يَقُولُ لَهُ الطَّبِيبُ : لَا تَأْكُلْ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي مَوَادِّ الْمَرَضِ ، فَيَدُقُّهُ وَيَعْمَلُ مِنْهُ هَرِيسَةً وَيَقُولُ : لَمْ آكُلْ اللَّحْمَ ، وَهَذَا الْمِثَالُ مُطَابِقٌ لِعَامَّةِ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ فِي الدِّينِ .
وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ ، أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ بَيْعِ مِائَةٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا صَرِيحًا وَبَيْنَ إدْخَالِ سِلْعَةٍ لَمْ تُقْصَدْ أَصْلًا بَلْ دُخُولُهَا كَخُرُوجِهَا ؟ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْعَاقِدُ عَنْ جِنْسِهَا وَلَا صِفَتِهَا وَلَا قِيمَتِهَا وَلَا عَيْبٍ فِيهَا وَلَا يُبَالِي بِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ خِرْقَةً مُقَطَّعَةً أَوْ أُذُنَ شَاةٍ أَوْ عُودًا مِنْ حَطَبٍ أَدْخَلُوهُ مُحَلِّلًا لِلرِّبَا ، وَلَمَّا تَفَطَّنَ الْمُحْتَالُونَ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً بِوَجْهٍ ، وَأَنَّ دُخُولَهَا كَخُرُوجِهَا - تَهَاوَنُوا بِهَا ، وَلَمْ يُبَالُوا بِكَوْنِهَا مِمَّا يُتَمَوَّلُ عَادَةً أَوْ لَا يُتَمَوَّلُ ، وَلَمْ يُبَالِ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ ، بَلْ لَمْ يُبَالِ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهَا مِمَّا يُبَاعُ أَوْ مِمَّا لَا يُبَاعُ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَنَارَةِ وَالْقَلْعَةِ ، وَكُلُّ هَذَا وَقَعَ مِنْ أَرْبَابِ الْحِيَلِ ، وَهَذَا لِمَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا غَرَضَ لَهُ فِي السِّلْعَةِ فَقَالُوا : أَيُّ سِلْعَةٍ اتَّفَقَ حُضُورُهَا حَصَلَ بِهَذَا التَّحْلِيلِ ، كَأَيِّ تَيْسٍ اتَّفَقَ فِي بَابِ مُحَلِّلِ النِّكَاحِ .
وَمَا مَثَلُ مَنْ وَقَفَ مَعَ الظَّوَاهِرِ وَالْأَلْفَاظِ وَلَمْ يُرَاعِ الْمَقَاصِدَ وَالْمَعَانِيَ إلَّا كَمَثَلِ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ : لَا تُسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ ، فَقَبَّلَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، أَوْ قِيلَ لَهُ : اذْهَبْ فَامْلَأْ هَذِهِ الْجَرَّةَ ، فَذَهَبَ فَمَلَأَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا عَلَى الْحَوْضِ وَقَالَ : لَمْ تَقُلْ ايتِنِي بِهَا ، وَكَمَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ : بِعْ هَذِهِ السِّلْعَةَ ، فَبَاعَهَا بِدِرْهَمٍ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَقَفَ مَعَ الظَّوَاهِرِ أَنْ يُصَحِّحَ هَذَا الْبَيْعَ وَيَلْزَمَ بِهِ الْمُوَكِّلُ ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى الْمَقَاصِدِ تَنَاقَضَ حَيْثُ أَلْقَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
وَكَمَنْ أَعْطَاهُ رَجُلٌ ثَوْبًا فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ لِمَا [ لَهُ ] فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ ، فَبَاعَهُ وَأَعْطَاهُ ثَمَنَهُ فَقَبِلَهُ ، وَكَمَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ هَذَا الشَّرَابَ ، فَجَعَلَهُ عَقِيدًا أَوْ ثَرَدَ فِيهِ خُبْزًا وَأَكَلَهُ ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَقَفَ مَعَ الظَّوَاهِرِ وَالْأَلْفَاظِ أَنْ لَا يَحُدَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْخَمْرِ ، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى أَنَّ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ يَتَنَاوَلُ الْمُحَرَّمَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ : « لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ». رَوَاهُ ابنُ ماجة(7).
وَفِي سنن النسائى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا »(8). وَفِي مسند أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ »(9).
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَذْهَبُ اللَّيَالِى وَالأَيَّامُ حَتَّى تَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ».(10)
وقال ابن القيم(11):
" وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نِصَابٌ فَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ ، قَالَ أَرْبَابُ الْحِيَلِ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ ، بَلْ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ الْعَامِلُ زَكَاتَهُ ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ مُحَرَّمَةٌ بَاطِلَةٌ ، وَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ فَرْضَ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَهُ وَأَوْعَدَ بِالْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ مَنْ ضَيَّعَهُ وَأَهْمَلَهُ ، فَلَوْ جَازَ إبْطَالُهُ بِالْحِيلَةِ الَّتِي هِيَ مَكْرٌ وَخِدَاعٌ لَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ وَالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِ فَائِدَةٌ .
وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا عَلَى مُعَاقَبَةِ الْعَبْدِ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ ، كَمَا حُرِمَ الْقَاتِلُ الْمِيرَاثَ ، وَوَرَّثَ الْمُطَلَّقَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ الْفَارُّ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ فِرَارُهُ وَلَا يُعَانُ عَلَى قَصْدِهِ الْبَاطِلِ فَيَتِمُّ مَقْصُودُهُ وَيَسْقُطُ مَقْصُودُ الرَّبِّ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْحِيَلِ إنَّمَا يُسَاعِدُ فِيهَا الْمُتَحَيِّلُ عَلَى بُلُوغِ غَرَضِهِ وَيُبْطِلُ غَرَضَ الشَّارِعِ .
وَكَذَلِكَ الْمُجَامِعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إذَا تَغَدَّى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوَّلًا ثُمَّ جَامَعَ ، قَالُوا : لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ إضْمَامَهُ إلَى إثْمِ الْجِمَاعِ إثْمَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُنَاسِبُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ ، بَلْ يُنَاسِبُ تَغْلِيظَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ عَلَى وَاطِئٍ اهْتَدَى لِجَرْعَةِ مَاءٍ أَوْ ابْتِلَاعِ لُبَابَةٍ أَوْ أَكْلِ زَبِيبَةٍ ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ ، هَلْ أَوْجَبَ الشَّارِعُ الْكَفَّارَةَ لِكَوْنِ الْوَطْءِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مُفْطِرٌ قَبْلَهُ أَوْ لِلْجِنَايَةِ عَلَى زَمَنِ الصَّوْمِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ ؟ أَفَتَرَى بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَبْلَهُ صَارَ الزَّمَانُ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ فَانْقَلَبَتْ كَرَاهَةُ الشَّارِعِ لَهُ مَحَبَّةً وَمَنْعُهُ إذْنًا ؟ هَذَا مِنْ الْمُحَالِ ، وَأَفْسَدَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْحِيلَةَ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الْجِمَاعِ قَطْعَ الصَّوْمِ ، فَإِذَا أَتَى بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَلْيُجَامِعْ آمِنًا مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ، وَلَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ الْبَاطِلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ عَلَى مُجَامِعٍ أَبَدًا ، وَإِبْطَالُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ رَأْسًا ؛ فَإِنَّ الْمُجَامِعَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الْجِمَاعِ قَبْلَ فِعْلِهِ ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْجِمَاعِ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ نِيَّتُهُ قَطْعَ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ الْفِعْلِ بِالنِّيَّةِ الْجَازِمَةِ لِلْإِفْطَارِ ، فَصَادَفَهُ الْجِمَاعُ وَهُوَ مُفْطِرٌ بِنِيَّةِ الْإِفْطَارِ السَّابِقَةِ عَلَى الْفِعْلِ ، فَلَمْ يَفْطُرْ بِهِ ، فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَتَضَمَّنَ الْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ مُنَاقَضَةَ الدِّينِ وَإِبْطَالَ الشَّرَائِعِ ؟ "
__________
(1) - صحيح البخارى( 1)
(2) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 3 / ص 306)
(3) - صحيح البخارى(3460 ) - جمل : أذاب
(4) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 6 / ص 444) (22035) صحيح
(5) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 3 / ص 308)
(6) - سنن أبى داود(3490 ) صحيح
(7) - سنن ابن ماجه (4156 ) حسن
(8) - سنن النسائى(5676 ) وابن ماجة (3510 ) وصحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 160) (6758 ) صحيح
(9) - مسند أحمد (23377) صحيح لغيره
(10) - سنن ابن ماجه (3509 ) حسن لغيره
(11) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 3 / ص 495)(1/495)
وقال أيضاً(1): " قَالَ الْمُبْطِلُونَ لِلْحِيَلِ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَ الْفَرَائِضَ وَحَرَّمَ الْمَحَارِمَ وَأَوْجَبَ الْحُقُوقَ رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ الْكَامِلَةَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَغِذَاءً لِحِفْظِ حَيَاتِهِمْ ، وَدَوَاءً لِدَفْعِ أَدْوَائِهِمْ ، وَظِلَّهُ الظَّلِيلَ الَّذِي مَنْ اسْتَظَلَّ بِهِ أَمِنَ مِنْ الْحَرُورِ ، وَحِصْنَهُ الْحَصِينَ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ نَجَا مِنْ الشُّرُورِ ، فَتَعَالَى شَارِعُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْفَائِقَةِ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا الْحِيَلَ الَّتِي تُسْقِطُ فَرَائِضَهُ ، وَتُحِلُّ مَحَارِمَهُ ، وَتُبْطِلُ حُقُوقَ عِبَادِهِ ، وَيَفْتَحُ لِلنَّاسِ أَبْوَابَ الِاحْتِيَالِ ، وَأَنْوَاعَ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ ، وَأَنْ يُبِيحَ التَّوَصُّلَ بِالْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ ، إلَى الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا مُضْغَةً لِأَفْوَاهِ الْمُحْتَالِينَ ، عُرْضَةً لِأَغْرَاضِ الْمُخَادِعِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَيُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ ، وَيَرْتَكِبُونَ الْعَبَثَ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ سِوَى ضِحْكَةِ الضَّاحِكِينَ وَسُخْرِيَةِ السَّاخِرِينَ .
فَيُخَادِعُونَ اللَّهَ كَمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ ، وَيَتَلَاعَبُونَ بِحُدُودِهِ كَتَلَاعُبِ الْمُجَّانِ ، فَيُحَرِّمُونَ الشَّيْءَ ثُمَّ يَسْتَحِلُّونَهُ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ ، وَيَسْلُكُونَ إلَيْهِ نَفْسَهُ طَرِيقًا تُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ لَا غَيْرُهُ ، وَيُسْقِطُونَ الْحُقُوقَ الَّتِي وَصَّى اللَّهُ بِحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا بِأَدْنَى شَيْءٍ ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصُّورَةِ أَوْ الِاسْمِ أَوْ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِمَا ، وَيَسْتَحِلُّونَ بِالْحِيَلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِمَّا يُحَرِّمُونَهُ وَيُسْقِطُونَ بِهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ وُجُوبًا مِمَّا يُوجِبُونَهُ .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَزَّهَ شَرِيعَتَهُ عَنْ هَذَا التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ ، وَجَعَلَهَا كَفِيلَةٍ وَافِيَةً بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَجَعَلَهَا مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ، وَنَصَبَهَا طَرِيقًا مُرْشِدًا لِمَنْ سَلَكَهُ إلَيْهِ ؛ فَهُوَ نُورُهُ الْمُبِينُ ، وَحِصْنُهُ الْحَصِينُ ، وَظِلُّهُ الظَّلِيلُ ، وَمِيزَانُهُ الَّذِي لَا يَعُولُ ، لَقَدْ تَعَرَّفَ بِهَا إلَى أَلِبَّاءِ عِبَادِهِ غَايَةَ التَّعَرُّفِ ، وَتَحَبَّبَ بِهَا إلَيْهِمْ غَايَةَ التَّحَبُّبِ ، فَأَنِسُوا بِهَا مِنْ حِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ ، وَتَمَّتْ بِهَا عَلَيْهِمْ مِنْهُ نِعَمُهُ السَّابِغَةُ ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الَّذِي فِي شَرْعِهِ أَعْظَمُ آيَةٍ تَدُلُّ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَتَوَحُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، الْمُسْتَحِقُّ لِنُعُوتِ الْجَلَالِ ، الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ، فَلَا يَدْخُلُ السُّوءُ فِي أَسْمَائِهِ وَلَا النَّقْصُ وَالْعَيْبُ فِي صِفَاتِهِ ، وَلَا الْعَبَثُ وَلَا الْجَوْرُ فِي أَفْعَالِهِ ، بَلْ هُوَ مُنَزَّهٌ فِي ذَاتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ عَمَّا يُضَادُّ كَمَالِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ .
تَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالَى جَدُّهُ ، وَبَهَرَتْ حِكْمَتُهُ ، وَتَمَّتْ نِعْمَتُهُ ، وَقَامَتْ عَلَى عِبَادِهِ حُجَّتُهُ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْعِهِ تَنَاقُضٌ وَاخْتِلَافٌ ، فَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بَلْ هِيَ شَرِيعَةٌ مُؤْتَلِفَةُ النِّظَامِ ، مُتَعَادِلَةُ الْأَقْسَامِ ، مُبَرَّأَةٌ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ ، مُطَهَّرَةٌ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ، مُؤَسَّسَةٌ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ ، وَالْمَصْلَحَةِ وَالرَّحْمَةِ ، قَوَاعِدُهَا وَمَبَانِيهَا ، إذَا حَرَّمَتْ فَسَادًا حَرَّمَتْ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ أَوْ نَظِيرَهُ ، وَإِذَا رَعَتْ صَلَاحًا رَعَتْ مَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ شِبْهَهُ ؛ فَهِيَ صِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا أَمْتَ فِيهِ وَلَا عِوَجَ ، وَمِلَّتُهُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ الَّتِي لَا ضِيقَ فِيهَا وَلَا حَرَجَ ، بَلْ هِيَ حَنِيفِيَّةُ التَّوْحِيدِ سَمْحَةُ الْعَمَلِ ، لَمْ تَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَيَقُولُ الْعَقْلُ لَوْ نَهَتْ عَنْهُ لَكَانَ أَوْفَقَ ، وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ الْحِجَا لَوْ أَبَاحَتْهُ لَكَانَ أَرْفَقِ ، بَلْ أَمَرَتْ بِكُلِّ صَلَاحٍ ، وَنَهَتْ عَنْ كُلِّ فَسَادٍ ، وَأَبَاحَتْ كُلِّ طَيِّبٍ ، وَحَرَّمَتْ كُلِّ خَبِيثٍ ، فَأَوَامِرُهَا غِذَاءٌ وَدَوَاءٌ ، وَنَوَاهِيهَا حِمْيَةٌ وَصِيَانَةٌ ، وَظَاهِرُهَا زِينَةٌ لِبَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا أَجْمَلُ مِنْ ظَاهِرِهَا ، شِعَارُهَا الصِّدْقُ ، وَقَوَامُهَا الْحَقُّ ، وَمِيزَانُهَا الْعَدْلُ ، وَحُكْمُهَا الْفَصْلُ ، لَا حَاجَةَ بِهَا أَلْبَتَّةَ إلَى أَنْ تُكَمَّلَ بِسِيَاسَةِ مَلِكٍ أَوْ رَأْيِ ذِي رَأْيٍ أَوْ قِيَاسِ فَقِيهٍ أَوْ ذَوْقِ ذِي رِيَاضَةٍ أَوْ مَنَامِ ذِي دِينٍ وَصَلَاحٍ ، بَلْ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ أَعْظَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ، وَمَنْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ فَلِاعْتِمَادِهِ وَتَعْوِيلِهِ عَلَيْهَا .
لَقَدْ أَكْمَلَهَا الَّذِي أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِشَرْعِهَا قَبْلَ سِيَاسَاتِ الْمُلُوكِ ، وَحِيلَ الْمُتَحَيِّلِينَ ، وَأَقْيِسَةِ الْقِيَاسِيِّينَ ، وَطَرَائِقِ الْخِلَافِيِّينَ ، وَأَيْنَ كَانَتْ هَذِهِ الْحِيَلُ وَالْأَقْيِسَةُ وَالْقَوَاعِدُ الْمُتَنَاقِضَةُ وَالطَّرَائِقُ الْقِدَدُ وَقْتَ نُزُولِ قَوْلِهِ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (3) سورة المائدة ؟ .
وَأَيْنَ كَانَتْ يَوْمَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : « قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ .. »(2). .
وَيَوْمَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - :{ مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ }(3)؟
وَأَيْنَ كَانَتْ عِنْدَ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا ، قَالَ : فَقَالَ : - صلى الله عليه وسلم - : " مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ ".(4)
وَعِنْدَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِسَلْمَانَ : لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ. قَالَ أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَأَنْ لاَ نَسْتَنْجِىَ بِالْيَمِينِ وَأَنْ لاَ يَسْتَنْجِىَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ يَسْتَنْجِىَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ.(5)
فَأَيْنَ عَلَّمَهُمْ الْحِيَلَ وَالْمُخَادَعَةَ وَالْمَكْرَ وَأَرْشَدَهُمْ إلَيْهِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ؟
كَلًّا وَاَللَّهِ ، بَلْ حَذَّرَهُمْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ ، وَأَوْعَدَهُمْ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْوَعِيدِ ، وَجَعَلَهُ مُنَافِيًا لِلْإِيمَانِ ، وَأَخْبَرَ عَنْ لَعْنَةِ الْيَهُودِ لِمَا ارْتَكَبُوهُ ، وَقَالَ لِأُمَّتِهِ : " لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ , فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ "(6)، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ ، وَسَدَّ الذَّرَائِعَ ، وَفَصَّلَ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ ، وَبَيَّنَ الْحُدُودَ ، وَقَسَّمَ شَرِيعَتَهُ إلَى حَلَالٍ بَيِّنٍ وَحَرَامٍ بَيِّنٍ ، وَبَرْزَخَ بَيْنَهُمَا ؛ فَأَبَاحَ الْأَوَّلَ ، وَحَرَّمَ الثَّانِي ، وَحَضَّ الْأُمَّةَ عَلَى اتِّقَاءِ الثَّالِثِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عُقُوبَةِ الْمُحْتَالِينَ عَلَى حِلِّ مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِسْقَاطِ مَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا النَّاسُ : لَقَدْ مُسِخَ الْيَهُودَ قِرَدَةً بِدُونِ هَذَا ، وَصَدَقَ وَاَللَّهِ لَآكِلُ حُوتٍ صِيدَ يَوْمَ السَّبْتِ أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقَلُّ جُرْمًا مِنْ آكِلِ الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالْحِيَلِ وَالْمُخَادَعَةِ ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ : عُجِّلَ لِأُولَئِكَ عُقُوبَةُ تِلْكَ الْأَكْلَةِ الْوَخِيمَةِ وَأُرْجِئَتْ عُقُوبَةُ هَؤُلَاءِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ : وَهَلْ أَصَابَ الطَّائِفَةَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَسْخُ إلَّا بِاحْتِيَالِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ بِأَنْ حَفَرُوا الْحَفَائِرَ عَلَى الْحِيتَانِ فِي يَوْمِ سَبْتِهِمْ فَمَنَعُوهَا الِانْتِشَارَ يَوْمَهَا إلَى الْأَحَدِ فَأَخَذُوهَا .
وَكَذَلِكَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي كَانَتْ تَأْخُذُ بِعُنُقِ الظَّالِمِ فَاحْتَالَ لَهَا صَاحِبُ الدُّرَّةِ إذْ صَيَّرَهَا فِي قَصَبَةٍ ثُمَّ دَفَعَ الْقَصَبَةَ إلَى خَصْمِهِ وَتَقَدَّمَ إلَى السِّلْسِلَةِ لِيَأْخُذَهَا فَرُفِعَتْ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ : فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَزْجَرَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُتَعَاطِينَ الْحِيَلَ عَلَى الْمَنَاهِي الشَّرْعِيَّةِ مِمَّنْ تَلَبَّسَ بِعِلْمِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ ؛ إذْ الْفَقِيهُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرِّبَوِيَّاتِ ، وَاسْتِعَارَةُ التَّيْسِ الْمَلْعُونِ لِتَحْلِيلِ الْمُطَلَّقَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَظَائِمِ وَالْمَصَائِبِ الْفَاضِحَاتِ ، الَّتِي لَوْ اعْتَمَدَهَا مَخْلُوقٌ مَعَ مَخْلُوقٍ لَكَانَ فِي نِهَايَةِ الْقُبْحِ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ؟
وَقَالَ : وَإِذَا وَازَنَ اللَّبِيبُ بَيْنَ حِيلَةِ أَصْحَابِ السَّبْتِ ، وَالْحِيَلِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَرْبَابُ الْحِيَلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ ظَهَرَ لَهُ التَّفَاوُتُ وَمَرَاتِبُ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْحِيَلِ ، فَإِذَا عَرَفَ قَدْرَ الشَّرْعِ ، وَعَظَمَةَ الشَّارِعِ وَحِكْمَتَهُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ شَرْعُهُ مِنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ الْحَالِ ، وَقَطَعَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَنَزَّهُ وَيَتَعَالَى أَنْ يُشَرِّعَ لِعِبَادِهِ نَقْضَ شَرْعِهِ وَحِكْمَتِهِ بِأَنْوَاعِ الْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ . اهـ
وقال في كتابه " إغائة اللهفان "(7):
" ومن مكايده التى كاد بها الإسلام وأهله: الحيل والمكر والخداع الذى يتضمن تحليل ما حرم الله، وإسقاط ما فرضه، ومضادته فى أمره ونهيه، وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه فإن الرأي رأيان: رأي يوافق النصوص وتشهد له بالصحة والاعتبار، وهو الذي اعتبره السلف، وعملوا به.
ورأي يخالف النصوص وتشهد له بالإبطال والإهدار، فهو الذي ذموه وأنكروه. وكذلك الحيل نوعان: نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه والتخلص من الحرام، وتخليص الحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه.
ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالماً، والظالم مظلوماً، والحق باطلاً والباطل حقاً، فهذا النوع الذى اتفق السلف على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض.
وقال الإمام أحمد رحمة الله: لا يجوز شئ من الحيل فى إبطال حق مسلم.
وقال الميمونى: قلت لأبي عبد الله: من حلف على يمين ثم احتال لإبطالها، فهل تجوز تلك الحيلة ؟ قال: نحن لا نرى الحيلة إلا بما يجوز. قلت: أليس حيلتنا فيها أن نتبع ما قالوا، وإذا وجدنا لهم قولا في شئ اتبعناه ؟ قال: بلى هكذا هو. قلت: أو ليس هذا منا نحن حيلة ؟ قال: نعم.
فبين الإمام أحمد أن من اتبع ما شرعه الله له وجاء عن السلف في معاني الأسماء التي علقت بها الأحكام ليس بمحتال الحيل المذمومة.. وإن سميت حيلة فليس الكلام فيها.
وغرض الإمام أحمد بهذا: الفرق بين سلوك الطريق المشروعة التي شرعت لحصول مقصود الشارع، وبين الطريق التي تسلك لإبطال مقصوده.
فهذا هو سر الفرق بين النوعين، وكلامنا الآن فى النوع الثانى.
قال شيخنا: فالدليل على تحريم هذا النوع وإبطاله من وجوه:
الوجه الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 8-9] ،وقال تعالى: {إِنَّ الُمْنَافِقِينَ يَخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهٌمْ} [النساء: 142].
وقال فى أهل العهد: { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ} [الأنفال: 62].
فأخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء المخادعين مخدوعون، وهم لا يشعرون أن الله تعالى خادع من خدعه، وأنه يكفي المخدوع شر من خدعه.
والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخادع. وهذا موافق لاشتقاق اللفظ في اللغة. فإنهم يقولون: طريق خيدع، إذا كان مخالفاً للقصد لا يشعر به ولا يفطن له، ويقال للسراب الخيدع، لأنه يغر من يراه، وضب خدَعِ، أي مراوغ. كما قالوا: أخدع من ضب، ومنه: "الحرب خدعة" وسوق خادعة، أي متلونة، وأصله: الإخفاء والستر. ومنه سميت الخزانة مخدعاً.
فلما كان القائل "آمنت" مظهراً لهذه الكلمة، غير مريد حقيقتها المرعية المطلوبة شرعاً، بل مريد لحكمها وثمرتها فقط مخادعاً، كان المتكلم بلفظ "بعت" و "اشتريت" و"طلقت" و"نكحت" و"خالعت" و"آجرت"، و"ساقيت" و"أوصيت" غير مريد لحقائقها الشرعية المطلوبة منها شرعاً، بل مريد لأمور أخرى غير ما شرعت له، أو ضد ما شرعت له مخادعاً. ذاك مخادع فى أصل الإيمان، وهذا مخادع فى أعماله وشرائعه.
قال شيخنا: وهذا ضرب من النفاق فى آيات الله تعالى وحدوده، كما أن الأول نفاق في أصل الدين.
يؤيد ذلك: ما رواه سعيد بن منصور عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ : إِنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا , فَقَالَ : " إِنَّ عَمَّكَ عَصَى اللَّهَ فَأَنْدَمَهُ اللَّهُ وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا " قَالَ : أَفَلَا يُحْلِلْهَا لَهُ رَجُلٌ ؟ فَقَالَ : " مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ ".(8)
وعن أنس بن مالك: أنه سئل عن العينة، يعنى بيع الحريرة ؟ فقال: إن الله تعالى لا يخدع، هذا ما حرم الله تعالى ورسوله. رواه أبو جعفر محمد بن سليمان الحافظ المعروف بمُطَين فى كتاب البيوع له.
وعن ابن عباس: أنه سئل عن العِينة، يعنى بيع الحريرة، فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله تعالى ورسوله، رواه الحافظ أبو محمد النخشى.(9)
فسمى الصحابة من أظهر عقد التبايع ومقصود به الربا خداعاً لله، وهم المرجوع إليهم فى هذا الشأن والمعوّل عليهم فى فهم القرآن. وقد تقدم عن عثمان، وعبد الله بن عمر، وغيرهما أنهما قالا فى المطلقة ثلاثا: لا يحلها إلا نكاح رغبة، لا نكاح دِلسة.
قال أهل اللغة: المدالسة: المخادعة.
وقال أيوب السختيانى فى المحتالين: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، فلو أتوا الأمر عياناً كان أهون علىّ.
وقال شريك بن عبد الله القاضى فى كتاب الحيل: هو كتاب المخادعة.
وكذلك المعاهدون إذا أظهروا للرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنهم يريدون سلمه، وهم يقصدون بذلك المكُر به من حيث لا يشعر. فيظهرون له أمانا ويبطنون له خلافه. كما أن المحلل والمرابي يظهران النكاح والبيع المقصودين، ومقصود هذا الطلاق بعد استفراش المرأة، ومقصود الآخر ما تواطآ عليه قبل إظهار العقد، من بيع الألف الحالة بالألف والمائتين إلى أجل، فمخالفة ما يدل عليه العقد شرعاً أو عرفاً خديعة. اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 3 / ص 434)
(2) - مسند أحمد (17606) صحيح
(3) - أخرجه عبد الرزاق (707) حسن لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 211) (1624) صحيح
(5) - سنن أبى داود (7 ) صحيح
(6) - إِبْطَالُ الْحِيَلِ لِابْنِ بَطَّةَ (56 ) وجود إسناده ابن كثير في تفسيره ( 2 / 257 ط الحلبي ) .
(7) - إغاثة اللهفان عن مصائد الشيطان ص -339- فما بعد وموسوعة كتب ابن القيم - (ج 66 / ص 346)
(8) - البيهقي في السنن ( 14020 ) صحيح
(9) - عون المعبود - (ج 7 / ص 453)(1/496)
المبحث العشرون
بيانُ أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع
قال ولي الله الدهلوي في " حجة الله البالغة "(1):
" اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن الفقهُ في زمانه الشريف مدونا ولم يكن البحث في الأحكام يومئذ مثل البحث من هؤلاء الفقهاء، حيث يبنون بأقصى جهدهم الأركان والشروط وآداب كل شيء ممتازا عن الآخر بدليله، ويفرضون الصور ويتكلمون على تلك الصور المفروضة ، ويحدون ما يقبل الحدَّ ويحصرون ما يقبل الحصرَ ، إلى غير ذلك من صنائعهم ، أمَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يتوضأُ فيرى الصحابة وضوءه فيأخذون به من غير أن يبين أن هذا ركنٌ وذلك أدبٌ وكان يصلِّي فيرون صلاته فيصلُّون كما رأوه يصلي(2)،وحج فرمق الناسُ حجَّه ففعلوا كما فعل(3)، فهذا كان غالب حاله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يبين أن فروض الوضوء ستة أو أربعة، ولم يفرض أنه يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالاة حتى يحكم عليه بالصحَّة أو الفساد إلا ما شاء الله ، وقلما كانوا يسألونه عن هذه الأشياء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَا رَأَيْتُ قَوْماً كَانُوا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا سَأَلُوهُ إِلاَّ عَنْ ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ ، كُلُّهُنَّ فِى الْقُرْآنِ مِنْهُنَّ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) قَالَ : مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ.(4)
وجَاءَ رَجُلٌ يَوْماً إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لاَ أَدْرِى مَا هُوَ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : لاَ تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ ، فَإِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ.(5)
عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ قَالَ الْقَاسِمُ : إِنَّكُمْ لَتَسْأَلُونَا عَنْ أَشْيَاءَ مَا كُنَّا نَسْأَلُ عَنْهَا ، وَتُنَقِّرُونَ عَنْ أَشْيَاءَ مَا كُنَّا نُنَقِّرُ عَنْهَا ، وَتَسْأَلُونَ عَنْ أَشْيَاءَ مَا أَدْرِى مَا هِىَ ، وَلَوْ عَلِمْنَاهَا مَا حَلَّ لَنَا أَنْ نَكْتُمَكُمُوهَا.(6)
عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : لَمَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرُ مِمَّنْ سَبَقَنِى مِنْهُمْ ، فَمَا رَأَيْتُ قَوْماً أَيْسَرَ سِيرَةً وَلاَ أَقَلَّ تَشْدِيداً مِنْهُمْ.(7)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى رَجَاءُ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ نُسَىٍّ الْكِنْدِىَّ وَسُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مَعَ قَوْمٍ لَيْسَ لَهَا وَلِىٌّ ، فَقَالَ : أَدْرَكْتُ أَقْوَاماً مَا كَانُوا يُشَدِّدُونَ تَشْدِيدَكُمْ وَلاَ يَسْأَلُونَ مَسَائِلَكُمْ.(8)أخرج هذه الآثار الدارمي.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه الناس في الوقائع فيفتيهم ، وترفع إليه القضايا فيقضي فيها ، ويرى الناسَ يفعلون معروفاً فيمدحه أو منكراً فينكر عليه، وكل ما أفتى به مستفتيا أو قضى به في قضية أو أنكره على فاعله كان في الاجتماعات، وكذلك كان الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إذا لم يكن لهما علم في المسألة يسألون الناس عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ : جَاءَتْ إِلَى أَبِى بَكْرٍ جَدَّةٌ أُمُّ أَبٍ أَوْ أُمُّ أُمٍّ فَقَالَتْ : إِنَّ ابْنَ ابْنِى أَوِ ابْنَ ابْنَتِى تُوُفِّىَ ، وَبَلَغَنِى أَنَّ لِى نَصِيباً فَمَا لِى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِيهَا شَيْئاً ، وَسَأَسْأَلُ النَّاسَ. فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ : أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِى الْجَدَّةِ شَيْئاً؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : أَنَا. قَالَ : مَاذَا؟ قَالَ : أَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُدُساً. قَالَ : أَيَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُكَ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : صَدَقَ. فَأَعْطَاهَا أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ ، فَجَاءَتْ إِلَى عُمَرَ مِثْلُهَا فَقَالَ : مَا أَدْرِى ، مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا شَيْئاً ، وَسَأَسْأَلُ النَّاسَ. فَحَدَّثُوهُ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَقَالَ عُمَرُ : أَيُّكُمَا خَلَتْ بِهِ فَلَهَا السُّدُسُ ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا .(9)
وقصة سؤال عمر الناس في الغرة ثم رجوعه إلى خبر مغيرة(10)، وسؤاله إياهم في الوباء ثم رجوعه إلى خبر عبد الرحمن بن عوف(11)، وكذا رجوعه في قصة المجوس إلى خبره(12)، وسرور عبد الله بن مسعود بخبر معقل بن يسار لما وافق رأيه(13)وقصة رجوع أبي موسى عن باب عمر وسؤاله عن الحديث وشهادة أبي سعيد له(14)، وأمثال ذلك كثيرة معلومة مروية في الصحيحين والسنن ، وبالجملة فهذه كانت عادتُه الكريمة - صلى الله عليه وسلم - ، فرأى كلُّ صحابيٍّ ما يسَّره الله له من عبادته وفتاواه وأقضيته فحفظها وعقلها وعرف لكلِّ شيءٍ وجها من قبل حفوفِ القرائنِ به، فحمل بعضَها على الإباحة وبعضَها على النسخ لأماراتٍ وقرائنَ كانت كافيةً عنده، ولم يكن العمدةُ عندهم إلا وجدانَ الاطمئنان والثلجِ من غير التفات إلى طرق الاستدلال، كما ترى الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم وتثلجُ صدورهم بالتصريح والتلويح والإيماء ، من حيث لا يشعرون، فانقضى عصرُه الكريم وهم على ذلك، ثم إنهم تفرقوا في البلاد وصارَ كلُّ واحدٍ مقتدى ناحية من النواحي ، فكثرت الوقائعُ ودارتِ المسائلُ، فاستفتوا فيها فأجاب كلُّ واحدٍ حسبما حفظه أو استنبط ، وإن لم يجد فيما حفظه أو استنبط ما يصلحُ للجواب اجتهدَ برأيه، وعرف العلَّة التي أدار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها الحكمَ في منصوصاته، فطردَ الحكمَ حيثما وجدها، لا يألوا جهدا في موافقة غرضه عليه الصلاة والسلام.
وَيَقَعُ الاِخْتِلاَفُ فِي هَذَا عَلَى ضُرُوبٍ(15):
الأَْوَّل : أَنَّ صَحَابِيًّا سَمِعَ حُكْمًا فِي قَضِيَّةٍ أَوْ فَتْوَى وَلَمْ يَسْمَعْهُ الآْخَرُ ، فَاجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ ، مِثَالُهُ ما رواه البيهقي عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : أُتِىَ عَبْدُ اللَّهِ فِى امْرَأَةٍ تُوُفِّىَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَتَرَدَّدُوا إِلَيْهِ وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَالَ : إِنِّى سَأَقُولُ بِرَأْيِى لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا لاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِى بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الأَشْجَعِيَّةِ بِمِثْلِ مَا قَضَيْتَ فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.(16)
ثَانِيهَا : أَنْ يُفْتِيَ الصَّحَابِيُّ وَيَظْهَرَ الْحَدِيثُ عَلَى خِلاَفِ مَا أَفْتَى بِهِ ، فَيَرْجِعَ عَنِ اجْتِهَادِهِ إِلَى الْحَدِيثِ ، فعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَنْ أَصْبَحَ جُنُباً فَلاَ صَوْمَ لَهُ. فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَ لَهَا إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُباً فَلاَ صَوْمَ لَهُ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجْنِبُ ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِى هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُجْنِبُ ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ. فَكَفَّ أَبُو هُرَيْرَةَ.(17).
ثَالِثُهَا : أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ لَكِنْ لاَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ غَالِبُ الظَّنِّ ، فعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَقَةً وَلاَ سُكْنَى ، قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ فَقَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لاَ نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَلاَ سُنةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ ، لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى.(18)
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا لِفَاطِمَةَ أَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ ، يَعْنِى فِى قَوْلِهَا لاَ سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةَ(19). ومثال آخر روى مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ ». فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ.قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.(20)
وعَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ ، فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا ، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّى فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِى هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ . قُلْتُ وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا قَالَ نَعَمْ . فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ ، فَتَمَرَّغْتُ فِى الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا » . فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ وَزَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِى أَنَا وَأَنْتَ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا » . وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً "(21).
رَابِعُهَا : أَنْ لاَ يَصِل الْحَدِيثُ إِلَيْهِ أَصْلاً ، مثاله ما أخرج مسلم عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ يَا عَجَبًا لاِبْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ أَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَلاَ أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِى ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ.(22)
مثال آخر عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ هِنْدًا لَوْ سَمِعَتْ بِهَذِهِ الْفُتْيَا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَتَبْكِي لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تُصَلِّي "(23)
الثَّانِي : مِنْ أَسْبَابِ الاِخْتِلاَفِ : أَنْ يَرَى النَّاسُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَل فِعْلاً ، فَحَمَلَهُ الْبَعْضُ عَلَى الْقُرْبَةِ ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الإِْبَاحَةِ .
مِثَالُهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الأُْصُول فِي قِصَّةِ التَّحْصِيبِ - أَيِ النُّزُول بِالأَْبْطُحِ عِنْدَ النَّفْرِ - نَزَل رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ(24): ذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَجَعَلاَهُ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ ، وَذَهَبَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الاِتِّفَاقِ ، وَلَيْسَ مِنَ السُّنَنِ .
__________
(1) - الإنصاف للدهلوي - (ج 1 / ص 15) وحجة الله البالغة - (ج 1 / ص 272)
(2) - عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَفِيقًا ، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ « ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا - وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ » . صحيح البخارى (631 )
(3) - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمِى عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ يَقُولُ لَنَا « خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّى لاَ أَدْرِى لَعَلِّى أَنْ لاَ أَحُجَّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ ». مسند أحمد (14793) صحيح
(4) - سنن الدارمى (127) صحيح
(5) - سنن الدارمى(123) حسن
(6) - سنن الدارمى (120) صحيح
(7) - سنن الدارمى (128) حسن
(8) - سنن الدارمى (129) صحيح
(9) - سنن الدارمى( 2995) فيه انقطاع وأصل القصة صحيح
(10) - عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فِى مِلاَصِ الْمَرْأَةِ قَالَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ ائْتِنِى بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ . قَالَ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . مسند أحمد (18705) صحيح
الغرة : العبد نفسه أو الأمة الملاص : إسقاط الولد
(11) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ، أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ. فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ( - صلى الله عليه وسلم - )، وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ. فَقَالَ عُمَرُ : ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي الأَنْصَارَ. فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ. فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ اثْنَانِ فَقَالُوا : نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ : إنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : أَفِرَاراً مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ، فَهَبَطَتْ وَادِياً لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا مُخْصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكَانَ غَائِباً فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْماً, سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يَقُولُ : « إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ ». قَالَ : فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ. موطأ مالك جديد ( 2633 ) صحيح
(12) - ففي صحيح البخاري(2923 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ
(13) - عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا , فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : لَهَا الصَّدَاقُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ , فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ : شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ مِثْلَ ذَلِكَ.مصنف ابن أبي شيبة (ج 4 / ص 300) (17393) صحيح
(14) - عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِىَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولاً فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى ، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ قِيلَ قَدْ رَجَعَ . فَدَعَاهُ . فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ . فَقَالَ تَأْتِينِى عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ . فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ ، فَسَأَلَهُمْ . فَقَالُوا لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلاَّ أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ . فَذَهَبَ بِأَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ . فَقَالَ عُمَرُ أَخَفِىَ عَلَىَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ . يَعْنِى الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ . صحيح البخارى(2062 ) الصفق : التبايع
(15) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 32 / ص 196)
(16) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 245) (14798) صحيح
(17) - مسند أحمد(27052) والسنن الكبرى للإمام النسائي(2974) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 226) (15148) صحيح
(18) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 62) (4250) صحيح
(19) - صحيح البخارى( 5323 و 5324 )
(20) - صحيح مسلم (846 ) تمعكت : تقلبت فى التراب
(21) - صحيح البخارى(347 )
(22) - صحيح مسلم( 773 )
(23) - صحيح مسلم( 503 )
(24) - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَمْ يَأْمُرْنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْزِلَهُ وَلَكِنْ ضَرَبْتُ قُبَّتَهُ فَنَزَلَهُ. قَالَ مُسَدَّدٌ وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ عُثْمَانُ يَعْنِى فِى الأَبْطَحِ.سنن أبى داود( 2011) صحيح وانظر ( فتح الباري 3 / 391 ) .(1/497)
ومثال آخرحول الرمل في الطواف ، فالرَّمَل سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ ، يُسَنُّ فِي الأَْشْوَاطِ الثَّلاَثَةِ الأُْولَى مِنْ كُل طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ، وَسُنِّيَّةُ الرَّمَل هَذِهِ خَاصَّةٌ بِالرِّجَال فَقَطْ دُونَ النِّسَاءِ(1).
وذهب ابن عباس إلى أنه إنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الارتفاق لعارض عرض وهو قول المشركين حطمهم حمى يثرب وليس بسنة ، ففي صحيح البخارى ( 1602 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ ، وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ . فَأَمَرَهُمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ "
الثَّالِثُ : السَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ : كَأَنْ يَنْقُل صَحَابِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ ، عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ مُسْتَنِدَيْنِ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِنَّا لَنَسْمَعُ ضَرْبَهَا بِالسِّوَاكِ تَسْتَنُّ - قَالَ - فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَعْتَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَجَبٍ قَالَ نَعَمْ. فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ أَىْ أُمَّتَاهُ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ وَمَا يَقُولُ قُلْتُ يَقُولُ اعْتَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَجَبٍ. فَقَالَتْ يَغْفِرُ اللَّهُ لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَعَمْرِى مَا اعْتَمَرَ فِى رَجَبٍ وَمَا اعْتَمَرَ مِنْ عُمْرَةٍ إِلاَّ وَإِنَّهُ لَمَعَهُ. قَالَ وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ فَمَا قَالَ لاَ وَلاَ نَعَمْ. سَكَتَ.(2).
ومن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حج فرآه الناس فذهب بعضهم إلى أنه كان متمتعا وبعضهم إلى أنه كان قارنا ، وبعضهم إلى أنه كان مفردا.
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ عَجِبْتُ لاِخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى إِهْلاَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَوْجَبَ. فَقَالَ إِنِّى لأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِى مَسْجِدِهِ بِذِى الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِى مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالاً فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا عَلاَ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلاَ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِى مُصَلاَّهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلاَ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ. قَالَ سَعِيدٌ فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَهَلَّ فِى مُصَلاَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ."(3)
الرَّابِعُ : اخْتِلاَفُ الضَّبْطِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ « أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ ».(4).
الْخَامِسُ : اخْتِلاَفُهُمْ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ ، وَمِنْ هَذَا : الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ ، فَقَال بَعْضُهُمْ : لِتَعْظِيمِ الْمَلاَئِكَةِ ، فَيَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ ، وَقَال قَائِل : لِهَوْل الْمَوْتِ ، فَيَعُمُّهُمَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقُمْنَا بِهِ . فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ . قَالَ « إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا »(5).
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَنِى جَابِرٌ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ مَرَّتْ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَحْمِلَ إِذَا هِىَ جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِىَ جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ. فَقَالَ « إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمْ جَنَازَةً فَقُومُوا »(6).
وعن عَمْرَو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا . فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ، أَىْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالاَ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ . فَقَالَ « أَلَيْسَتْ نَفْسًا »(7).
وعَنْ أَبِى مَعْمَرٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَلِىٍّ فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ فَقَامُوا لَهَا فَقَالَ عَلِىٌّ مَا هَذَا قَالُوا أَمْرُ أَبِى مُوسَى. فَقَالَ إِنَّمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِجَنَازَةِ يَهُودِيَّةٍ وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ.(8)
وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ كَانَ جَالِسًا فَمُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَامَ النَّاسُ حَتَّى جَاوَزَتِ الْجَنَازَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّمَا مُرَّ بِجَنَازَةِ يَهُودِىٍّ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى طَرِيقِهَا جَالِسًا فَكَرِهَ أَنْ تَعْلُوَ رَأْسَهُ جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ فَقَامَ.(9)
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ جَنَازَةً مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ فَقِيلَ إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِىٍّ. فَقَالَ « إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ »(10).
ومنها اختلافهم في الجمع بين المختلفين ، ومثاله نكاح المتعة(11)
وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَتْ مُبَاحًا فِي أَوَّل الإِْسْلاَمِ ثُمَّ حُرِّمَ(12)،فعَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِمَا وَكَانَ حَسَنٌ أَرْضَاهُمَا فِى أَنْفُسِنَا أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ(13).
ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ ،فعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ أَبَاهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحَ مَكَّةَ قَالَ فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ - ثَلاَثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ - فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِى وَلِى عَلَيْهِ فَضْلٌ فِى الْجَمَالِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدٌ فَبُرْدِى خَلَقٌ وَأَمَّا بُرْدُ ابْنِ عَمِّى فَبُرْدٌ جَدِيدٌ غَضٌّ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ أَوْ بِأَعْلاَهَا فَتَلَقَّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ فَقُلْنَا هَلْ لَكِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْكِ أَحَدُنَا قَالَتْ وَمَاذَا تَبْذُلاَنِ فَنَشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَهُ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ وَيَرَاهَا صَاحِبِى تَنْظُرُ إِلَى عِطْفِهَا فَقَالَ إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ وَبُرْدِى جَدِيدٌ غَضٌّ. فَتَقُولُ بُرْدُ هَذَا لاَ بَأْسَ بِهِ. ثَلاَثَ مِرَارٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(14)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى حُرْمَةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبُطْلاَنِ عَقْدِهِ ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاِسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَل سَبِيلَهُ ، وَلاَ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا "(15).
وعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُتْعَةِ قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ.(16)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ فَنَزَلْنَا بِثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ فَرَأَى نِسَاءً يَبْكِينَ فَقَالَ :« مَا هَذَا؟ ». قِيلَ : نِسَاءٌ تَمَتَّعَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ثُمَّ فَارَقُوهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« حَرَّمَ أَوْ هَدَمَ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيَراثُ »(17).
بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتْعَةَ تَرْتَفِعُ مِنْ غَيْرِ طَلاَقٍ وَلاَ فُرْقَةٍ وَلاَ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا ، مِمَّا دَل عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَلَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ فِيهَا زَوْجَةً لِلرَّجُل .
ولأدلة ٍ كثيرةٍ لا مجال لذكرها الآن ، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ لاِقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ ، بَل شُرِعَ لأَِغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ يُتَوَسَّل بِهِ إِلَيْهَا ، وَاقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْمُتْعَةِ لاَ يَقَعُ وَسِيلَةً إِلَى الْمَقَاصِدِ فَلاَ يُشْرَعُ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ .(18)
الْقَوْل الثَّانِي : حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَطَاءٌ وَطَاوُوسٌ ، وَبِهِ قَال ابْنُ جُرَيْجٍ ...
وقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : َقَدْ صَحَّ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ لِلْمُتْعَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، بِحَدِيثِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أنه غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتْحَ مَكَّةَ قَالَ فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ - ثَلاَثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ - فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِى وَلِى عَلَيْهِ فَضْلٌ فِى الْجَمَالِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدٌ فَبُرْدِى خَلَقٌ وَأَمَّا بُرْدُ ابْنِ عَمِّى فَبُرْدٌ جَدِيدٌ غَضٌّ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ أَوْ بِأَعْلاَهَا فَتَلَقَّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ فَقُلْنَا هَلْ لَكِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْكِ أَحَدُنَا قَالَتْ وَمَاذَا تَبْذُلاَنِ فَنَشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَهُ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ وَيَرَاهَا صَاحِبِى تَنْظُرُ إِلَى عِطْفِهَا فَقَالَ إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ وَبُرْدِى جَدِيدٌ غَضٌّ. فَتَقُولُ بُرْدُ هَذَا لاَ بَأْسَ بِهِ. ثَلاَثَ مِرَارٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . "(19).
وَمُخَالَفَةُ بَعْضٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي حُجِّيَّتِهِ وَلاَ قَائِمَةٍ لَنَا بِالْمَعْذِرَةِ عَنِ الْعَمَل بِهِ ، وَالْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ حَفِظُوا التَّحْرِيمَ وَعَمِلُوا بِهِ ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا وَلِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لَنَا فِى الْمُتْعَةِ ثَلاَثًا ثُمَّ حَرَّمَهَا وَاللَّهِ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا تَمَتَّعَ وَهُوَ مُحْصَنٌ إِلاَّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَنِى بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَحَلَّهَا بَعْدَ إِذْ حَرَّمَهَا.(20)
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَلَى يَدَىَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَأَبِتُّوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلاَّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ.(21)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : صَعِدَ عُمَرُ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَنْكِحُونَ هَذِهِ الْمُتْعَةَ ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَحْسَبُهُ قَالَ عَنْهَا : لاَ أُوتَى بِأَحَدٍ نَكَحَهَا إِلاَّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ.(22)
السَّادِسُ : اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَمِنْهُ : عَنْ أَبِى أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلاَ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا ». قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَالَ نَعَمْ.(23)
فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى عُمُومِ هَذَا الْحُكْمِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّى فِى الْمَسْجِدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلاَتِى انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ شِقِّى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ نَاسٌ إِذَا قَعَدْتَ لِلْحَاجَةِ تَكُونُ لَكَ فَلاَ تَقْعُدْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلاَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - وَلَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ.(24)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَهَى نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا.(25)
فَذَهَبَ قومٌ إِلَى أَنَّهُ نَسْخٌ لِلنَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَالُوا : إِنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحْرَاءِ ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَرَاحِيضِ فَلاَ بَأْسَ بِالاِسْتِقْبَال وَالاِسْتِدْبَارِ .
فعَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِىَ عَنْ هَذَا قَالَ بَلَى إِنَّمَا نُهِىَ عَنْ ذَلِكَ فِى الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَىْءٌ يَسْتُرُكَ فَلاَ بَأْسَ.(26)
وَبِالْجُمْلَةِ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَأَخَذَ التَّابِعُونَ الْعِلْمَ مِنْهُمْ ، فَأَقْبَل أَبْنَاءُ كُل قُطْرٍ عَلَى مَنْ نَزَل فِي قُطْرِهِمْ يَسْتَفْتُونَهُمْ ، وَيَرْوُونَ عَنْهُمْ ، وَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ ، وَلَمْ تَكُنِ الصَّحَابَةُ سَوَاءً فِيمَا يَعْلَمُونَ ، وَلَمْ يَكُنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْفَظُ كُل مَا يَحْفَظُهُ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَكُونُوا سَوَاءً فِي اسْتِعْمَال الرَّأْيِ فِيمَا لاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ فِي الأَْخْذِ بِأَخْبَارِ الآْحَادِ ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَتَوَسَّعُ فِي الرَّأْيِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ الْوَرَعُ وَالاِحْتِيَاطُ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ النُّصُوصِ وَالتَّمَسُّكِ بِالآْثَارِ .
__________
(1) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 23 / ص 149) والمسلك المتقسط للقاري شرح لباب المناسك للسندي طبع مصر ص 108 ، ومختصر خليل بشرحه منح الجليل للشيخ محمد عليش تصوير بيروت 1 / 484 ، ومغني المحتاج شرح المنهاج للشربيني الخطيب تصوير بيروت 1 / 487 ، والمغني لابن قدامة طبع دار المنار سنة 1367 هـ ج3 ص 374 - 376 .
(2) - صحيح مسلم (3095 )
(3) - سنن أبى داود (1772 ) حسن
(4) - صحيح مسلم( 2196 )
(5) - صحيح البخارى (1311 )
(6) - سنن أبى داود( 3176 ) صحيح
(7) - صحيح البخارى( 1312 )
(8) - سنن النسائى ( 1934 ) صحيح
(9) - سنن النسائى( 1938 ) وفيه انقطاع
(10) - سنن النسائى( 1941 ) صحيح
(11) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 41 / ص 333)
(12) - الْبَدَائِع 2 / 272 - 273 ، وَأَحْكَام الْقُرْآنِ لِلْجَصَّاصِ 2 / 151 ، وَالشَّرْح الصَّغِير 2 / 387 ، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 238 ، 239 ، وَفَتْح الْبَارِي 9 / 167 وَمَا بَعْدَهَا ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 96 ، وَالإِْنْصَاف 8 / 163 ، وَشَرْح صَحِيح مُسْلِم 9 / 153 وَمَا بَعْدَهَا
(13) - صحيح البخارى (5115 )
(14) - صحيح مسلم(3486 )
البَكرة : الفتية من الإبل والمراد أنها طويلة العنق فى اعتدال الخلق : البالى الدمامة : قبح الصورة العطف : الجانب العنطنطة : طويلة العنق مع حسن قوام
(15) - صحيح مسلم( 3488 )
(16) - المعجم الأوسط للطبراني (11413) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 207) (14566) صحيح لغيره
(17) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 207)(14562) حسن
(18) - الْبَدَائِع 2 / 272 - 273 ، وَالشَّرْح الصَّغِير 2 / 387 ، وَأَحْكَام الْقُرْآنِ لِلْجَصَّاصِ 2 / 164 - 155 ، وَفَتْح الْبَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِيّ 9 / 166 - 174 ، وَشَرْح مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ 9 / 153 - 162 ، وَالْحَاوِي للماوردي 11 / 449 - 458 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 142 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 5 / 96 - 98 .
(19) - صحيح مسلم ( 3486)
(20) - سنن ابن ماجه (2039 ) حسن
(21) - صحيح مسلم (3006 )
(22) - مسند البزار (135) صحيح
(23) - صحيح مسلم( 632 )
(24) - صحيح مسلم (634 )
(25) - سنن أبى داود (13 ) صحيح
(26) - سنن أبى داود (11 ) حسن(1/498)
وأخذ عنهم التابعون كذلك كلُّ واحد ما تيسر له فحفظ ما سمع من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومذاهب الصحابة وعقلها ، وجمع المختلف على ما تيسر له ورجَّح بعض الأقوال على بعضٍ ، واضمحلَّ في نظرهم بعضُ الأقوال وإن كان مأثورا عن كبار الصحابة، كالمذهب المأثور عن عمر وابن مسعود في تيمم الجنب اضمحل عندهم لما استفاض من الأحاديث عن عمار وعمران بن الحصين وغيرهما، فعند ذلك صار لكلِّ عالم من العلماء التابعين مذهبٌ على حيالِه فانتصبَ في كل بلد إمامٌ مثلُ سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله ابن عمر في المدينة، وبعدهما الزهري والقاضي يحيى بن سعيد وربيعة بن عبد الرحمن فيها ، وعطاء بن أبي رباح بمكة، وإبراهيم النخعي والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، وطاوس بن كيسان باليمن ، ومكحول بالشام، فأظمأ اللهُ أكباداً إلى علومهم فرغبوا فيها وأخذوا عنهم الحديث وفتاوى الصحابة وأقاويلهم ، ومذاهب هؤلاء العلماء وتحقيقاتهم من عند أنفسهم ، واستفتى منهم المستفتون ، ودارت المسائل بينهم ورفعت إليهم الأقضية، وكان سعيد بن المسيب وإبراهيم وأمثالهما جمعوا أبواب الفقه أجمعها ، وكان لهم في كلِّ باب أصولٌ تلقُّوها من السلف، وكان سعيد وأصحابه يذهبون إلى أن أهل الحرمين أثبتُ الناس في الفقه ، وأصلُ مذهبهم فتاوى عبد الله بن عمر وعائشة وابن عباس وقضايا قضاة المدينة، فجمعوا من ذلك ما يسَّره الله لهم، ثم نظروا فيها نظر اعتبار وتفتيش، فما كان منها مجمعاً عليه بين علماء المدينة فإنهم يأخذون عليه بنواجذهم، وما كان فيه اختلاف عندهم فإنهم يأخذون بأقواها وأرجحها ، إما بكثرة من ذهبَ إليه منهم أو لموافقته بقياسِ قويٍّ أو تخريجٍ صريحٍ من الكتاب والسنة أو نحو ذلك، وإذا لم يجدوا فيما حفظوا منهم جواب المسألة خرَّجوا من كلامهم وتتبعوا الإيماء والاقتضاء ، فحصل لهم مسائلَ كثيرةً في كلِّ بابٍ بابٍ ، وكان إبراهيمُ وأصحابه يرون أن عبد الله بن مسعود وأصحابه أثبتُ الناس في الفقه، عَنْ مَسْرُوقٍ : أَنَّهُ كَانَ يُشَرِّكُ ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ : هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ : لاَ وَلَكِنِّى رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يُشَرِّكُونَ فِى ابْنَتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ وَأُخْتَيْنِ.(1)
وقول أبي حنيفة رضي الله عنه للأوزاعي إبراهيم أفقه من سالم ولولا فضل الصحبة لقلت أن علقمة أفقه من عبد الله بن عمر وعبد الله هو عبد الله(2).
وأصل مذهبه فتاوى عبد الله بن مسعود وقضايا علي رضي الله عنهما وفتاواه وقضايا شريح وغيره من قضاة الكوفة، فجمع من ذلك ما يسره الله ثم صنع في آثارهم كما صنع أهل المدينة في آثار أهل المدينة، وخرَّج كما خرَّجوا فلخص له مسائل الفقه في كل بابٍ باب ،وكان سعيدُ بن المسيب لسانَ فقهاء المدينة، وكان أحفظَهم لقضايا عمر ولحديث أبي هريرة ، وإبراهيمَ لسانَ فقهاء الكوفة ، فإذا تكلما بشيء ولم ينسباه إلى أحد، فإنه في الأكثر منسوب إلى أحدٍ من السلَّف صريحا أو إيماءاً و نحو ذلك، فاجتمع عليهما فقهاء بلدهما وأخذوا عنهما وعقلوه وخرَّجوا عليه والله أعلم.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الدارمى (2952) صحيح
(2) - قلت : لم أجدها في مصدر حديثي ، وهي في فتح القدير - (ج 2 / ص 100) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 3 / ص 289)(1/499)
الباب الواحد والعشرون
بيانُ أسباب اختلاف مذاهب الفقهاء(1)
قال الإمام ولي الله الدهلوي في الحجة البالغة:
اعلم أن الله تعالى أنشأ بعد عصر التابعين نشئا من حملة العلم إنجازا لما وعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ".(2)
فأخذوا عمن اجتمعوا معه منهم صفة الوضوء والغسل والصلاة والحج والنكاح والبيوع وسائر ما يكثر وقوعه ، ورووا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمعوا قضايا قضاة البلدان وفتاوى مفتيها ، وسألوا عن المسائل واجتهدوا في ذلك كله، ثم صاروا كبراءَ قوم ووسِّد إليهم الأمرُ فنسجوا على منوال شيوخهم، ولم يألوا في تتبع الإيماآت والاقتضاآت فقضوا وأفتوا ورووا وعلموا ، وكان صنيع العلماء في هذه الطبقة متشابهاً ، وحاصلُ صنيعهم أن يتمسك بالمسنَد من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمرسلٍ جميعا، ويستدلُّ بأقوال الصحابة والتابعين علما منهم أنها إما أحاديث منقولة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتقروها فجعلوها موقوفة، فعَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ " فَقِيلَ لَهُ : أَمَا تَحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا ، قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ أَقُولُ قَالَ : عَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ عَلْقَمَةُ ، أَحَبُّ إِلَيَّ .(3)
وعن عَاصِمَ قَالَ : سَأَلْتُ الشَّعْبِىَّ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِيهِ فَقُلْتُ : إِنَّهُ يُرْفَعُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ : لاَ ، عَلَى مَنْ دُونَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيْنَا ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ كَانَ عَلَى مَنْ دُونَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - (4).
أو يكون استنباطاً منهم من المنصوص ، أو اجتهادا منهم بآرائهم ، وهم أحسنُ صنيعا في ذلك ممن يجيء بعدهم ، وأكثرُ إصابةً ، وأقدمُ زماناً ، وأوعَى علماً، فتعيَّنَ العملُ بها، إلا إذا اختلفوا وكان حديثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخالفُ قولُهم مخالفةً ظاهرةً، وأنه إذا اختلفتْ أحاديثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسألةٍ رجعوا إلى أقوال الصحابة، فإن قالوا بنسخ بعضها أو بصرفه عن ظاهره أو لم يصرحوا بذلك، ولكن اتفقوا على تركه وعدم القول بموجبه، فإنه كإبداء علَّةٍ فيه أو الحكم بنسخه أو تأويله اتبعوهم في كل ذلك ، وهو قول مالك في حديث ولوغ الكلب جاء هذا الحديث ولكن لا أدري ما حقيقته ، حكاه ابن الحاجب في مختصر الأصول يعني لم أر الفقهاء يعملون به ، وأنه إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعين في مسألة فالمختارُ عند كلِّ عالمٍ مذهبُ أهل بلده وشيوخه، لأنه أعرفُ بصحيح أقاويلهم من السقيم ، وأوعى للأصوال المناسبة لها، وقلبه أميل إلى فضلهم وتبحرهم، فمذهب عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وابن عباس وزيد بن ثابت وأصحابهم مثلُ سعيد بن المسيب، فإنه كان أحفظَهم لقضايا عمر وحديث أبي هريرة ، ومثل عروة وسالم وعكرمة وعطاء بن يسار وقاسم وعبيد الله بن عبد الله والزهري ويحيى بن سعيد وزيد بن أسلم وربيعة وأمثالهم أحقُّ بالأخذ من غيره عند أهل المدينة لما بينَه النبيُ - صلى الله عليه وسلم - في فضائلِ المدينة، ولأنها مأوى الفقهاءِ ، ومجمعُ العلماء في كل عصر ، ولذلك ترى مالكا يلازم محجتهم ، وقد اشتهر عن مالك أنه متمسك بإجماع أهل المدينة، وعقد البخاريُّ بابا في الأخذ بما اتفق عليه الحرمانِ.
ومذهب عبد الله بن مسعود وأصحابه وقضايا علي وشريح والشعبي وفتاوى إبراهيم أحق بالأخذ عند أهل الكوفة من غيره ، وهو قول علقمة حين مال مسروق إلى قول زيد بن ثابت في التشريك قال : هل أحد منهم أثبت من عبد الله ؟ فقال : لا ،ولكن رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون، فإن اتفق أهلُ البلد على شيء أخذوا عليه بالنواجذ، وهو الذي يقول في مثله مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا كذا وكذا ،وإن اختلفوا أخذوا بأقواها وأرجحها، إما لكثرة القائلين به أو لموافقته لقياس قويٍّ ،أو تخريج من الكتاب والسنَّة ، وهو الذي يقول في مثله مالك :هذا أحسن ما سمعت ، فإذا لم يجدوا فيما حفظوا منهم جواب المسألةِ خرَّجوا من كلامهم ، وتتبعوا الايماء والاقضاء، وألهموا في هذه الطبقة التدوينَ ، فدوَّن مالكٌ ومحمدُ بن عبد الرحمن بن أبي ذئب بالمدينة ، وابنُ جريج وابنُ عيينة بمكة ، والثوريُّ بالكوفة ، والربيعُ بن صبيح بالبصرة ، وكلُّهم مشوا على هذا النهج الذي ذكرته.
عن مُحَمَّدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ : " لَمَّا حَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ دَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَحَدَّثْتُهُ وَسَأَلَنِي فَأَجَبْتُهُ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ عَزَمْتُ أَنْ آمُرَ بِكُتُبِكَ هَذِهِ الَّتِي وَضَعْتَهَا - يَعْنِي الْمُوَطَّأَ - فَيُنْسَخُ نُسَخًا ثُمَّ أَبْعَثُ إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا نُسْخَةً وَآمُرُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا لَا يَتَعَدَّوْنَ إِلَى غَيْرِهِ , وَيَدَعُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الْمُحْدَثِ ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَصْلَ الْعِلْمِ رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعِلْمَهُمْ، قَالَ : فَقُلْتُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ سَبَقَتْ إِلَيْهِمْ أَقَاوِيلُ وَسَمِعُوا أَحَادِيثَ وَرَوَوْا رِوَايَاتٍ وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا سَبَقَ إِلَيْهِمْ وَعَمِلُوا بِهِ وَدَانُوا بِهِ مِنَ اخْتِلَافِ النَّاسِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرَهُمْ ، وَإِنَّ رَدَّهُمْ عَمَّا اعْتَقَدُوهُ شَدِيدٌ ، فَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ وَمَا اخْتَارَ كُلُّ أَهْلِ بَلَدٍ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَقَالَ : لَعَمْرِي لَوْ طَاوَعْتَنِي عَلَى ذَلِكَ لَأَمَرْتُ بِهِ" وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْإِنْصَافِ لِمَنْ فَهِمَ "(5)
وكان مالك رضي الله عنه أثبتهم في حديث المدنيين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوثقهم إسنادا وأعلمهم بقضايا عمر وأقاويل عبد الله بن عمر وعائشة وأصحابهم من الفقهاء السبعة ، وبه وبأمثاله قام علمُ الروايةِ والفتوى ، فلما وسِّدَ إليه الأمرُ حدَّث وأفتى وأفاد وأجاد ، وعليه انطبق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - « يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلاَ يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ ».على ما قاله ابن عيينة وعبد الرزاق.(6)
وناهيك بهما، فجمع أصحابُه رواياته ومختاراته ولخصوها وحرروها وشرحوها، وخرَّجوا عليها وتكلَّموا في أصولها ودلائلها ، وتفرقوا إلى المغرب ونواحي الأرض فنفع الله بهم كثيرا من خلقه، وإن شئت أن تعرف حقيقة ما قلناه من أصل مذهبه فانظر في كتاب الموطأ تجده كما ذكرنا .
وكان أبو حنيفة رضي الله عنه ألزمَهم بمذهب إبراهيم وأقرانه ، لا يجاوزه إلا ما شاء الله ، وكان عظيمَ الشأن في التخريج على مذهبه دقيقَ النظر في وجوه التخريجات، مقبلاً على الفروع أتمَّ إقبالٍ، وإن شئتَ أن تعلمَ حقيقةَ ما قلناه، فلخِّص أقوالَ إبراهيم من كتاب الآثارِ لمحمد رحمه الله ، وجامع عبد الرزاق، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة ثم قايسْه بمذهبِه تجدْه لا يفارقُ تلك المحجَّة إلا في مواضع يسيرة، وهو في تلك اليسيرةِ أيضاً لا يخرجُ عما ذهب إليه فقهاءُ الكوفةِ .
وكان أشهرَ أصحابه ذكرا أبو يوسف تولَّى قضاءَ القضاة أيام هارون الرشيد ، فكان سبباً لظهورِ مذهبه، والقضاء به في أقطارِ العراق وخراسانِ وما وراء النهرِ، وكان أحسنَهم تصنيفاً وألزمَهم درساَ محمدُ بنُ الحسن، فكان منْ خبره أنه تفقَّه على أبي حنيفة وأبي يوسف ثم خرج إلى المدينة فقرأ الموطأ على مالك، ثمَّ رجع إلى بلده فطبَّقَ مذهبَ أصحابهِ على الموطأ مسألةً مسألةً ، فإنْ وافقَ منها ، وإلا فإن رأى طائفة من الصحابة والتابعين ذاهبين إلى مذهب أصحابه فكذلك ، وإن وجدَ قياساً ضعيفاً أو تخريجاً ليِّناً يخالفُه حديثٌ صحيحٌ مما عملَ به الفقهاءُ أو يخالفُه عملُ أكثرِ العلماء تركَهُ إلى مذهبٍ من مذاهبِ السلف، مما يراه أرجحُ ما هناك، وهما أي أبو يوسف ومحمد لا يزالان على محجة إبراهيم ما أمكن لهما، كما كان أبو حنيفة رحمه الله يفعل ذلك ، وإنما كان اختلافُهم في أحد شيئينِ : إما أن يكون لشيخهما تخريجٌ على مذهب إبراهيم يزاحمانه فيه ، أو يكون هناك لإبراهيمَ ونظرائه أقوالٌ مختلفةٌ يخالفانِ شيخهما في ترجيحِ بعضهما على بعض، فصنَّف محمدٌ رحمه الله وجمعَ رأي هؤلاء الثلاثةِ، ونفع كثيرا من الناس فتوجَّه أصحابُ أبي حنيفة رضي الله عنه إلى تلك التصانيف تلخيصاً وتقريباً أو شرحاً أو تخريجاً أو تأسيساً أو استدلالاً ، ثم تفرقوا إلى خراسان وما وراء النهر فسميَ ذلك مذهبُ أبي حنيفة ،وإنما عدَّ مذهبُ أبي حنيفةَ مع مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى واحداً، مع أنهما مجتهدان مطلقانِ مخالفتهما غير قليلةٍ في الأصول والفروع، لتوافقِهم في هذا الأصل ، ولتدوين مذاهبهم جميعاً في المبسوطِ والجامعِ الكبيرِ.
ونشأ الشافعيُّ رضي الله عنه في أوائل ظهور المذهبين وترتيب أصولهما وفروعهما ، فنظر في صنيع الأوائل فوجدَ فيه أموراً، كبحتْ عنانَه عن الجريان في طريقهم وقد ذكرها في أوائل كتابه الأم :
(1)- منها أنه وجدهم يأخذون بالمرسلِ والمنقطعِ فيدخل فيهما الخللُ، فإنه إذا جمع طرق الحديث يظهرُ أنه كمْ من مرسلٍ لا أصلَ له ، وكم من مرسلٍ يخالفُ مسنداً، فقرر ألا يأخذَ بالمرسَل إلا عند وجود شروطٍ، وهي مذكورة في كتب الأصولِ .
(2)- ومنها أنه لم تكنْ قواعدُ الجمعِ بين المختلفات مضبوطةٌ عندهم ، فكان يتطرقُ بذلك خللٌ في مجتهداتِهم ، فوضع لها أصولاً، ودوَّنها في كتاب، وهذا أولُ تدوينٍ كان في أصول الفقه .
مثاله ما بلغنا أنه دخل على محمد بن الحسن وهو يطعنُ على أهل المدينة في قضائهم بالشاهدِ الواحدِ مع اليمينِ، ويقول: هذا زيادة على كتاب الله، فقال الشافعي: أثبَتَ عندك أنه لا تجوزُ الزيادةُ على كتاب اللهِ بخبرِ الواحدِ ؟
قال: نعم ، قال: فلم قلت: إن الوصية للوارث لا تجوز لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ألا لا وصية لوارث ، وقد قال الله تعالى { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (181) سورة البقرة، وأورد عليه أشياء من هذا القبيل فانقطع كلامُ محمد بن الحسن .
(3) ومنها أن بعض الأحاديث الصحيحة لم تبلغ علماء التابعين ممن وسِّد إليهم الفتوى فاجتهدوا بآرائهم أو اتبعوا العموميات أو اقتدوا بمن مضَى من الصحابة فأفتوا حسب ذلك ، ثم ظهرتْ بعد ذلك في الطبقة الثالثة فلم يعملوا بها ظنًّا منهم أنها تخالفُ عملَ أهلِ مدينتِهم وسنَّتِهم التي لا اختلاف لهم فيها، وذلك قادحٌ في الحديثِ أو علةٌ مسقطةٌ له،
أو لم تظهرْ في الثالثة وإنما ظهرتْ بعد ذلك عندما أمعنَ أهلُ الحديث في جمعِ طرقِ الحديثِ، ورحلوا إلى أقطارِ الأرض وبحثوا عن حملة العلم.
فكثيرٌ من الأحاديث لا يرويه من الصحابة إلا رجلٌ أو رجلانِ، ولا يرويه عنه أو عنهما إلا رجلٌ أو رجلانِ وهلم جرا، فخفيَ على أهل الفقهِ، وظهر في عصر الحفَّاظ الجامعينَ لطرق الحديث.
وكثيرٌ من الأحاديث رواهُ أهل البصرة مثلاً وسائرُ الأقطار في غفلةٍ عنه، فبيَّنَ الشافعيُّ رحمه الله تعالى أنَّ العلماءَ من الصحابة والتابعين لم يزلْ شأنُهم أنهم يطلبونَ الحديثَ في المسألة ، فإذا لم يجدوا تمسَّكوا بنوع آخر من الاستدلال، ثم إذا ظهر عليهمُ الحديثُ بعدُ رجعوا عن اجتهادهم إلى الحديثِ، فإذا كان الأمر على ذلك لا يكونُ عدمُ تمسُّكهم بالحديث قدحاً فيه، اللهم إلا إذا بيَّنوا العلَّة القادحةَ .
مثاله حديثُ القلَّتين، فإنه حديثٌ صحيحٌ روي بطرق كثيرةٍ معظمُها ترجعُ إلى نسخةِ الوليدِ، أو أبي الوليد بن كثيرٍ عن محمد بن جعفر بن الزبير ،أو محمد بن عباد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله وكلاهما عن ابن عمر ثم تشعبت الطرق بعد ذلك.
وهذان وإنْ كانا من الثقات لكنهما ليسا ممن وسِّدَ إليهم الفتوَى وعوَّل الناسُ عليهم، فلم يظهرِ الحديثُ في عصر سعيد بن المسيب، ولا في عصر الزهري ، ولم يمشِ عليه المالكيةُ، ولا الحنفيةُ ، فلم يعملوا به، وعمل به الشافعيُّ .(7)
وحديث خيار المجلس فإنه حديث صحيح(8)روي بطرق كثيرة، وعمل به ابن عمر وأبو هريرة من الصحابة، ولم يظهر على الفقهاء السبعة ومعاصريهم فلم يكونوا يقولون به فرأى مالك وأبو حنيفة أن هذه علةٌ قادحةٌ في الحديث، وعمل به الشافعيُّ
(4) ومنها أن أقوال الصحابة جمعت في عصر الشافعيِّ فتكثرت واختلفت وتشعبت، ورأى كثيراً منها يخالفُ الحديثَ الصحيحَ حيث لم يبلغهم ، ورأى السَّلفَ لم يزالوا يرجعون في مثل ذلك إلى الحديث، فتركَ التمسكَ بأقوالهم ما لم يتفقوا ، وقال : هم رجال ونحن رجال.
(5) ومنها أنه رأى قوماً من الفقهاء يخلُطون الرأيَ الذي لم يسوِّغه الشرعُ بالقياس الذي أثبته، فلا يميزون واحداً منهما من الآخر ،ويسمونه تارةً بالاستحسان ، وأعني بالرأي أن ينصبَ مظنِّةَ حرجٍ أو مصلحةٍ علةً لحكمٍ، وإنما القياسُ أن تخرجَ العلةُ من الحكم المنصوصِ، ويدارُ عليها الحكمُ ، فأبطلَ هذا النوعَ أتمَّ إبطالٍ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّع(9)، فإنه أراد أن يكون شارعاً حكاه ابن الحاجب في مختصر الأصول،مثاله رشدُ اليتيم أمرٌ خفيٌّ، فأقاموا مظِنَّة الرشدِ- وهو بلوغُ خمسٍ وعشرينَ سنةً -مقامهُ، وقالوا : إذا بلغَ اليتيمُ هذا العمرَ سلِّمَ إليه مالهُ، قالوا : هذا استحسانٌ، والقياسُ ألا يسلَّمَ إليهِ .
وبالجملةِ فلمَّا رأى الشافعيُّ في صنيع الأوائل مثلَ هذه الأمور أخذَ الفقهَ منَ الرأسِ، فأسسَ الأصولَ، وفرَّعَ الفروعَ، وصنَّف الكتبَ فأجادَ وأفادَ، واجتمعَ عليها الفقهاءُ، وتصرَّفوا فيها اختصاراَ وشرحاً واستدلالاً وتخريجاً ، ثمَّ تفرَّقوا في البلدانِ فكانَ هذا مذهبُ الشافعيِّ رحمَهُ اللهُ تعالَى " .(10)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - حجة الله البالغة - (ج 1 / ص 280)
(2) - عدي 1/152 و153 و3/904 وبداية 10/337 وعقيلي 1/9 و10 و4/256 وشرف 14و 52 و 53 و 55 و 56 حسن لغيره
(3) - سنن الدارمى (273) صحيح
المحاقلة : هى المزارعة على نصيب معلوم المزابنة : بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا
(4) - سنن الدارمى (272) حسن
(5) - جامع بيان العلم : (622 ) وابن سعد ( 6606 ) وفيه ضعف
(6) - سنن الترمذى (2896 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَدْ رُوِىَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ فِى هَذَا سُئِلَ مَنْ عَالِمُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ هُوَ الْعُمَرِىُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزَ الزَّاهِدُ. وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَالْعُمَرِىُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
(7) - ففي سنن الترمذى (67 )عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ فِى الْفَلاَةِ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ ». قَالَ عَبْدَةُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُلَّةُ هِىَ الْجِرَارُ وَالْقُلَّةُ الَّتِى يُسْتَقَى فِيهَا. قَالَ أَبُو عِيسَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَىْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَقَالُوا يَكُونُ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ. القلة : الجرة العظيمة،وانظر تخريجه وطرقه والحكم عليه مفصلا في البدر المنير - (ج 1 / ص 404)
(8) - عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا - أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا - فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » . البخاري رقم(2082)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ » . وَرُبَّمَا قَالَ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ . صحيح البخارى( 2109 )
(9) - الإحكام في أصول الأحكام - (ج 2 / ص 459) والمستصفى - (ج 1 / ص 432) وأنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 7 / ص 381) وكشف الأسرار - (ج 7 / ص 104) والبحر المحيط - (ج 7 / ص 364) والتقرير والتحبير - (ج 5 / ص 448)
(10) - انظر التفاصيل في كتابي (( الخلاصة في بيان أسباب اختلاف الفقهاء ))(1/500)
المبحث الثاني والعشرون
بيان الفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي(1)
اعلم أنه كان من العلماء في عصر سعيد بن المسيب وإبراهيم والزهري وفي عصر مالك وسفيان وبعد ذلك قومٌ يكرهون الخوضَ بالرأي، ويهابون الفتيا والاستنباط، إلا لضرورة ، لا يجدون منها بدا، وكان أكبرُ همِّهم روايةَ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ شَقِيقٍ قَالَ : سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شَىْءٍ فَقَالَ : إِنِّى لأَكْرَهُ أَنْ أُحِلَّ لَكَ شَيْئاً حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، أَوْ أُحَرِّمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ.(2)
وعن الصَّلْتَ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ : سَأَلْتُ طَاوُساً عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لِى : كَانَ هَذَا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ. قَالَ : آللَّهِ؟ قُلْتُ : آللَّهِ. قَالَ : إِنَّ أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَعْجَلُوا بِالْبَلاَءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَيُذْهَبَ بِكُمْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا ، وَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْجَلُوا بِالْبَلاَءِ قَبْلَ نُزُولِهِ لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إِذَا سُئِلَ سَدَّدَ ، وَإِذَا قَالَ وُفِّقَ.(3)
وروي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود في كراهة التكلم فيما لم ينزل ،وعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَهُ فِى الطَّوَافِ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ إِنَّكَ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ فَلاَ تُفْتِ إِلاَّ بِقُرْآنٍ نَاطِقٍ أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ.(4)
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرَةَ أَتَيْتُهُ أَنَا وَالْحَسَنُ ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ : أَنْتَ الْحَسَنُ؟ مَا كَانَ أَحَدٌ بِالْبَصْرَةِ أَحَبَّ إِلَىَّ لِقَاءً مِنْكَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُفْتِى بِرَأْيِكَ ، فَلاَ تُفْتِ بِرَأْيِكَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ.(5)
وعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : إِنَّ الْعَالِمَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ فَلْيَطْلُبْ لِنَفْسِهِ الْمَخْرَجَ.(6)
عَنْ دَاوُدَ قَالَ : سَأَلْتُ الشَّعْبِىَّ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ إِذَا سُئِلْتُمْ؟ قَالَ : عَلَى الْخَبِيرِ وَقَعْتَ ، كَانَ إِذَا سُئِلَ الرَّجُلُ قَالَ لِصَاحِبِهِ أَفْتِهِمْ ، فَلاَ يَزَالُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الأَوَّلِ.(7)
وعن مَالِكَ - هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ - قَالَ قَالَ لِىَ الشَّعْبِىُّ قَالَ : مَا حَدَّثُوكَ هَؤُلاَءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخُذْ بِهِ ، وَمَا قَالُوهُ بِرَأْيِهِمْ فَأَلْقِهِ فِى الْحُشِّ.(8)
فوقع شيوعُ تدوين الحديث والأثر في بلدان الإسلام، وكتابة الصحف والنسخ حتى قل من يكون من أهل الرواية إلا كان له تدوينٌ أو صحيفةٌ أو نسخةٌ من حاجتهم بموقع عظيم، فطاف من أدرك من عظمائهم ذلك الزمان بلادَ الحجاز والشام والعراق ومصر واليمن وخراسان، وجمعوا الكتب وتتبعوا النسخ، وأمعنوا في التفحص عن غريب الحديث ونوادر الأثر، فاجتمع باهتمام أولئك من الحديث والآثار ما لم يجتمع لأحدٍ قبلهم ، وتيسَّر لهم ما لم يتيسر لأحد قبلهم، وخلص إليهم من طرق الأحاديث شيءٌ كثير، حتى كان لكثير من الأحاديث عندهم مائةُ طريق فما فوقها، فكشفَ بعضَ الطرق ما استتر في بعضها الآخر ، وعرفوا محلَّ كلِّ حديث من الغرابة والاستفاضة، وأمكن لهم النظر في المتابعات والشواهد، وظهر عليهم أحاديثُ صحيحةٌ كثيرةٌ لم تظهرَ على أهل الفتوى من قبل، وقال أَحْمَدُ بن حنبلٍ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ : " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أَنْتَ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا ، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذْهِبَ إِلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : جَمِيعُ مَا حَدَّثَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ : حَدَّثَنِي الثِّقَةُ ، أَوْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، فَهُوَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَكِتَابُهُ الَّذِي صَنَّفَهُ بِبَغْدَادَ هُوَ أَعْدَلُ مِنْ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ بِمِصْرَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ هَاهُنَا يَسْأَلُ ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : اسْتَفَادَ مِنَّا الشَّافِعِيُّ مَا لَمْ نَسْتَفِدْ مِنْهُ "(9).
وذلك لأنه كم من حديث صحيح لا يرويه إلا أهل بلد خاصة كأفراد الشاميين والعراقيين أو أهل بيت خاصة، كنسخة بريد عن أبي بردة عن أبي موسى(10)، ونسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(11)، أو كان الصحابيُّ مقِلًّا خاملاً لم يحمل عنه إلا شرذمةٌ قليلونَ، فمثلُ هذه الأحاديث يغفلُ عنها عامةُ أهلِ الفتوى، واجتمعتْ عندهم آثارُ فقهاءِ كلِّ بلدٍ من الصحابة والتابعين ، وكانَ الرجلَ فيما قبلهم لا يتمكنُ إلا من جمعِ حديثِ بلدهِ وأصحابهِ، وكان مَنْ قبلهم يعتمدون في معرفة أسماءِ الرجالِ ومراتب عدالتِهم على ما يخلصُ إليهم من مشاهدة الحالِ، وتتبعِ القرائنَ ، وأمعنَ هذه الطبقةُ في هذا الفنِّ ، وجعلوه شيئاً مستقلًّا بالتدوين والبحث، وناظروا في الحكم بالصحَّةِ وغيرها ، فانكشفَ عليهم بهذا التدوين والمناظرة ما كان خفيًّا من حالِ الاتصاِ والانقطاعِ ، وكان سفيانُ ووكيعُ وأمثالهُما يجتهدونَ غاية الاجتهادِ فلا يتمكنون من الحديث المرفوع المتَّصلِ إلا منْ دون الألف حديثٍ، كما ذكره أبو داودَ السجستانيُّ في رسالته إلى أهل مكة ، وكان أهل هذه الطبقة يروونَ أربعينَ ألفَ حديثٍ، فما يقرب منها، بل صحَّ عن البخاري أنه اختصرَ صحيحه من ستمائةِ ألفِ حديثٍ، وعن أبي داودَ أنه اختصر سننه من خمسمائةِ ألفِ حديثٍ، وجعل أحمدُ مسندَه ميزاناً يعرَفُ به حديثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما وُجِدَ فيه ولو بطريقٍ واحدٍ من طرقِه فله أصلٌ، وإلا فلا أصلَ له(12)، وكان رؤوس هؤلاء عبدُ الرحمن بنُ مهديٍّ، ويحيى بنُ سعيدٍ القطانَ، ويزيدُ بنُ هارونَ، وعبدُ الرزاقِ ، وأبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ ، ومسددٌ وهنادُ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وإسحقُ بنُ راهويه، والفضلُ بنُ دكين، وعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيّ وأقرانُهم ، وهذه الطبقةُ هي الطرازُ الأولُ من طبقات المحدِّثين فرجعَ المحققونَ منهم بعد إحكام فنِّ الروايةِ ومعرفةِ مراتبِ الأحاديثِ إلى الفقهِ، فلم يكنْ عندهم من الرأيِ أن يجمعَ على تقليدِ رجلٍ ممنْ مضى ،مع ما يروون من الأحاديثِ والآثارِ المناقضةِ في كلِّ مذهبٍ من تلك المذاهبِ، فأخذوا يتتبعونَ أحاديثَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وآثارَ الصحابِ والتابعينَ والمجتهدينَ على قواعدَ أحكموها في نفوسِهم، وأنا أبيِّنُها لكَ في كلماتٍ يسيرةٍ ، كان عندهم إنه إذا وُجد في المسألة قرآنٌ ناطقٌ فلا يجوزُ التحوًّلُ منه إلى غيره ، وإذا كان القرآنُ محتمِلاً لوجوهٍ فالسُّنَّةُ قاضيةٌ عليه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله أخذوا بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواءٌ كانَ مستفيضاً دائراً بين الفقهاءِ، أو يكونُ مختصًّا بأهلِ بلدٍ أو أهلِ بيتٍ ،أو بطريق خاصةٍ، وسواءٌ عمِلَ به الصحابةُ والفقهاءُ أو لم يعملوا به، ومتَى كان في المسألةِ حديثٌ فلا يتبعُ فيها خلافُه أثراً من الآثارِ، ولا اجتهادَ أحدٍ منَ المجتهدينَ، وإذا أفرغوا جهدهم في تتبعِ الأحاديثِ ولم يجدوا في المسألة حديثاً أخذوا بأقوالِ جماعةٍ من الصحابةِ والتابعينَ، ولا يتقيدونَ بقومٍ دون قومٍ، ولا بلدٍ دون بلدٍ كما كانَ يفعلُ مَنْ قبلهم، فإنِ اتفقَ جمهورُ الخلفاءِ والفقهاءِ على شيءٍ فهو المتبعُ، وإن اختلفوا أخذوا بحديثِ أعلمِهم علماً، أو أورعهم ورعاً، أو أكثرهِم ضبطاً، أو ما اشتهرَ عنهم، فإن وجدوا شيئاً يستوي فيه قولانِ فهي مسألةٌ ذاتُ قولينِ، فإن عجزوا عن ذلك تأمَّلوا في عمومات الكتابِ والسنَّة وإيماآتِهما واقتضاآتِهما، وحملوا نظير المسألةِ عليها في الجوابِ إذا كانتا متقاربتين باديَ الرأيِ، لا يعتمدون في ذلك على قواعدَ منَ الأصولِ، ولكن على ما يخلُص إلى الفهِم ويثلِجُ به الصدرَ، كما أنه ليس ميزانُ التواتر عددَ الرواة ولا حالَهم ، ولكنِ اليقينُ الذي يعقبُه في قلوبِ الناسِ كما نبَّهنا على ذلك في بيان حال الصحابةِ، وكانتْ هذه الأصولُ مستخرجةً من صنيعِ الأوائلَ وتصريحاتِهم .
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ نَظَرَ فِى كِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِى بَيْنَهُمْ قَضَى بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى الْكِتَابِ وَعَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى ذَلِكَ الأَمْرِ سُنَّةً قَضَى بِهِ ، فَإِنْ أَعْيَاهُ خَرَجَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ : أَتَانِى كَذَا وَكَذَا فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِى ذَلِكَ بِقَضَاءٍ؟ فَرُبَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّفَرُ كُلُّهُمْ يَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ قَضَاءً ، فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى جَعَلَ فِينَا مَنْ يَحْفَظُ عَلَى نَبِيِّنَا. فَإِنْ أَعْيَاهُ أَنْ يَجِدَ فِيهِ سُنَّةً مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ رُءُوسَ النَّاسِ وَخِيَارَهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَإِنْ أَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَمْرٍ قَضَى بِهِ.(13)
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ قَضَى بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَعَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ خَرَجَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي ذَلِكَ بِقَضَاءٍ ؟ فَرُبَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّفَرُ يَذْكُرُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ قَضَاءً ، فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا دِينَنَا . أَوْ قَالَ : مَنْ يَحْفَظُ عَنْ نَبِيِّنَا "(14)
وعَنْ شُرَيْحٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَيْهِ : إِنْ جَاءَكَ شَىْءٌ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ وَلاَ تَلْتَفِتْكَ عَنْهُ الرِّجَالُ ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَانْظُرْ سُنَّةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاقْضِ بِهَا ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِى كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَانْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَخُذْ بِهِ ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِى كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَكَ فَاخْتَرْ أَىَّ الأَمْرَيْنِ شِئْتَ : إِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَكَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَتَقَدَّمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأَخَّرَ فَتَأَخَّرْ ، وَلاَ أَرَى التَّأَخُّرَ إِلاَّ خَيْراً لَكَ.(15)
وعَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ إِلَى شُرَيْحٍ : " إِذَا حَضَرَكَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَانْظُرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ , فَبِمَا قَضَى بِهِ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ , فَبِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَكَ , فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ , وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَامِرَنِيَ فَآمِرْنِي , وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَكَ إِيَّايَ إِلَّا خَيْرًا لَكَ , وَالسَّلَامُ "(16)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : أَكْثَرُوا عَلَى عَبْدِ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ لَسْنَا نَقْضِي ، وَلَسْنَا هُنَاكَ ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ قَدَّر َأَنْ بَلَغَنَا مِنَ الأَمْرِ مَا تَرَوْنَ ، فَمَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلِيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ ، فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ ، وَلَمْ يَقْضِ بِهِ نَبِيُّهُ ، فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ ، فَإِنْ أَتَاهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ ، وَلاَ قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلاَ قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ ، فَلْيَجْتَهِدْ بِرَأْيِهِ ، وَلاَ يَقُولُ : إنِّي أَخَافُ وَإِنِّي أَخَافُ ، فَإِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ ، فَدَعْ مَا يَرْبِيكَ إلَى مَا لاَ يَرْبِيكَ.(17)
وعَنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " إِذَا حَضَرَكَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَانْظُرْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ ، فَإِنْ عَيِيتَ فَمَا قَضَى بِهِ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ عَيِيتَ فَمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ ، فَإِنْ عَيِيتَ فَاؤُمَّ وَلَا تَأْلُ ، فَإِنْ عَيِيتَ فَأَقِرَّ ، وَلَا تَسْتَحِ "(18)
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ , قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ " إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ , فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَخْبَرَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ , وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَكَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْبَرَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اجْتَهَدَ فِيهِ رَأْيَهُ "(19)
وعن مُعْتَمِرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَا تَخَافُونَ أَنْ تُعَذَّبُوا أَوْ يُخْسَفَ بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ فُلاَنٌ.(20)
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلاً بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَجُلٌ : قَالَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ قَالَ فُلاَنٌ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً.(21)
عَنِ الأَوْزَاعِىِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إِنَّهُ لاَ رَأْىَ لأَحَدٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا رَأْىُ الأَئِمَّةِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ رَأْىَ لأَحَدٍ فِى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(22)
وعَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّى مَعَ الإِمَامِ فَقَالَ يَقُومُ عَنْ يَسَارِهِ. فَقُلْتُ حَدَّثَنِى سُمَيْعٌ الزَّيَّاتُ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ فَأَخَذَ بِهِ.(23)
وعَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ : جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ شَىْءٍ ، فَقَالَ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ : أَخْبِرْنِى أَنْتَ بِرَأْيِكَ. فَقَالَ : أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ أَخْبَرْتُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَسْأَلُنِى عَنْ رَأْيِى ، وَدِينِى عِنْدِى آثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَاللَّهِ لأَنْ أَتَغَنَّى أُغْنِيَّةً أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُخْبِرَكَ بِرَأْيِى "(24)أخرج هذه الآثار كلها الدارمي .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّدَ نَعْلَيْنِ وَأَشْعَرَ الْهَدْىَ فِى الشِّقِّ الأَيْمَنِ بِذِى الْحُلَيْفَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّمَ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ الإِشْعَارَ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِىِّ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ حِينَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ لاَ تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْىِ فِى هَذَا فَإِنَّ الإِشْعَارَ سُنَّةٌ وَقَوْلَهُمْ بِدْعَةٌ. قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِى الرَّأْىِ أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ. قَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِىَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ أَنَّهُ قَالَ الإِشْعَارُ مُثْلَةٌ. قَالَ فَرَأَيْتُ وَكِيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ ثُمَّ لاَ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا.(25)
وعن عبد الله بن عباس وعطاء ومجاهد ومالك بن أنس رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يقولون: ما من أحد إلا ومأخوذٌ من كلامه ومردودٌ عليه إلا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - .(26)
وبالجملة فلمَّا مهَّدوا الفقهَ على هذه القواعد فلم تكن مسألةٌ من المسائلَ التي تكلم فيها مَن قبلهم والتي وقعتْ في زمانهم إلا وجدوا فيها حديثاً مرفوعاً متصلاَ أو مرسلاَ أو موقوفاً صحيحاً أو حسناً أو صالحاً للاعتبار،أو وجدوا أثراً من آثارِ الشيخينِ أو سائر الخلفاءِ وقضاةِ الأمصارِ وفقهاءِ البلدان، أو استنباطاً من عمومٍ أو إيماءً أو اقتضاءً فيسَّر اللهُ لهم العملَ بالسنَّة على هذا الوجه، وكان أعظمَهم شأناً وأوسعَهم روايةً وأعرفَهم للحديثِ مرتبةً وأعمقَهم فقهاُ أحمدُ بنُ حنبلٍ، ثمَّ إسحقُ بنُ راهويه، وكان ترتيبُ الفقهِ على هذا الوجه يتوقفُ على جمعِ شيءٍ كثيرٍ منَ الأحاديثَ والآثارِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي : سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَلُ أَحْمَدَ : إذَا حَفِظَ الرَّجُلُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ يَكُونُ فَقِيهًا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَمِائَتَيْ أَلْفٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَثَلَاثَ مِائَةِ أَلْفٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَأَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفٍ ، قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا ، وَحَرَّكَ يَدَهُ .(27)
__________
(1) - الانصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي - (ج 1 / ص 15) وحجة الله البالغة - (ج 1 / ص 287)
(2) - سنن الدارمى( 148) صحيح
(3) - سنن الدارمى (155) فيه انقطاع
(4) - سنن الدارمى (166) صحيح
(5) - سنن الدارمى (165) صحيح
(6) - سنن الدارمى( 139) صحيح
(7) - سنن الدارمى (138) صحيح
(8) - سنن الدارمى (206) صحيح الحش : البستان
(9) - حلية الأولياء ( 13954 ) صحيح
(10) - كما في صحيح البخارى(92 ) عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا ، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ « سَلُونِى عَمَّا شِئْتُمْ » . قَالَ رَجُلٌ مَنْ أَبِى قَالَ « أَبُوكَ حُذَافَةُ » . فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ » . فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِى وَجْهِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
(11) - كما في سنن أبى داود (135)عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِى أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ « هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ ». (صحيح)
(12) - قلت : هذا على سبيل التغليب ، وإلا فهناك أحاديث ليست في المسند ، وهي صحيحة وموجودة في المسانيد الأخرى أو السنن الأخرى أو الصحاح . والعبرة بصحة السند ليس إلا .
(13) - سنن الدارمى (163) وفيه انقطاع
(14) - معجم الإسماعيلي ( 84 ) وفيه انقطاعٌ
(15) - سنن الدارمى (169) صحيح
(16) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ ( 527 ) صحيح لغيره
(17) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 7 / ص 241)( 23445و23446) صحيح
(18) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ ( 8830 ) صحيح لغيره
(19) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (534 ) صحيح
(20) - سنن الدارمى (439) صحيح
(21) - سنن الدارمى (449) صحيح
(22) - سنن الدارمى (440) صحيح
(23) - مسند أحمد(3418) صحيح
(24) - سنن الدارمى (109) وفيه انقطاع
(25) - سنن الترمذى (916 ) صحيح
أشعر : طعن فى أحد جانبى سنام البعير حتى يسيل دمها قلد : جعل فى عنق الهدى نعلين
(26) - الانصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي - (ج 1 / ص 22) وعقد الجيد - (ج 1 / ص 27)
(27) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 56)(2/1)
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي ، وَقَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُهُ : إذَا حَفِظَ الرَّجُلُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ يَكُونُ فَقِيهًا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَمِائَتَيْ أَلْفٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَأَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ ؟ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا ، وَحَرَّكَهَا ، قَالَ حَفِيدُهُ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : فَقُلْتُ لِجَدِّي : كَمْ كَانَ يَحْفَظُ أَحْمَدُ ؟ فَقَالَ أَجَابَ عَنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ .(1)ومراده الإفتاء على هذا الأصل.
ثم أنشأَ اللُه تعالى قرناً آخرَ فرأوا أصحابهم قد كفوهم مؤونةَ جمعِ الأحاديثِ وتمهيدَ الفقهِ على أصلهِم فتفرَّغوا لفنونٍ أخرَى كتمييزِ الحديثِ الصحيحِ المجمعِ عليهِ من كبراءِ أهل الحديثِ، كيزيدَ بنِ هارون ويحيى بنِ سعيد القطان وأحمدَ وإسحقَ وأضرابِهم ، وكجمعِ أحاديثَ الفقهِ التي بنَى عليها فقهاءُ الأمصارِ وعلماءُ البلدان مذاهبَهم ، وكالحكمِ على كلِّ حديثٍ بما يستحقُّه، وكالشاذةِ والفاذةِ منَ الأحاديثَ التي لم يرووها أو طرقها التي لم يخرج من جهتها الأوائل، مما فيهِ اتصالٌ أو علوُّ سندٍ أو روايةُ فقيهٍ عن فقيهٍ، أو حافظٌ عن حافظٍ أو نحو ذلك من المطالب العلمية ، وهؤلاءِ همُ البخاريُّ ومسلمٌ وأبو داودَ وعبدُ بنُ حميد والدارميُّ، وابنُ ماجةَ، وأبو يعلَى والترمذيُّ والنسائيُّ والدارقطنيُّ والحاكمُّ والبيهقيُّ والخطيبُّ والديلميُّ، وابنَ عبدِ البرِّ وأمثالُهم.
وكان أوسعَهم علماً عندي وأنفعَهم تصنيفاً وأشهرَهم ذكراً رجالٌ أربعةٌ متقاربونَ في العصرِ:
أولهُم أبو عبد اللهِ البخاريُّ، وكان غرضُه تجريدَ الأحاديثَ الصِّحاحِ المستفيضةِ المتصلةِ من غيرها ، واستنباطَ الفقهِ والسيرةِ والتفسيرِ منها، فصنَّفَ جامعَهُ الصحيحَ ووفَّى بما شرطَ ، وبلغنا أنَّ رجلاً من الصالحين رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منامه وهو يقول: مالكَ اشتغلتَ بفقهِ محمدِ بنِ إدريسَ وتركتَ كتابي؟ قال: يا رسول الله وما كتابك؟ قال : صحيحُ البخاري ، ولعمري إنه نالَ منَ الشهرةِ والقبولِ درجةً لا يرامُ فوقَها .(2)
وثانيهم مسلمُ النيسابوريُّ توخَّى تجريدَ الصِّحاحِ المجمعِ عليها بين المحدِّثين المتصلةِ المرفوعة مما يستنبطُ منه السنَّةُ ، وأراد تقريبها إلى الأذهانِ وتسهيلَ الاستنباطِ منها، فرتَّبَهُ ترتيباً جيداً، وجمعَ طرقَ كل حديثٍ في موضع واحد، ليتضحَ اختلافُ المتون وتشعبِ الأسانيد أصرحَ ما يكون، وجمع بين المختلفاتِ، فلم يدع لمن له معرفةٌ بلسان العرب عذراً في الإعراض عن السنَّة إلى غيرها .
وثالثُهم أبو داودَ السجستانيُّ، وكان همُّه جمعَ الأحاديث التي استدلَّ بها الفقهاءُ، ودارتْ فيهم، وبنَى عليها الأحكامَ علماءُ الأمصارِ، فصنَّف سننَه، وجمعَ فيها الصحيحَ والحسنَ والليِّنَ والصالحَ للعملِ، قال أبو داودَ: وما ذكرتُ في كتابي حديثاً أجمعَ الناسُ على تركه، وما كان منها ضعيفاً أصرحُ بضعفه، وما كان فيه علةٌ بينتها بوجهٍ يعرفُه الخائضُ في هذا الشأن ، وترجمَ على كلِّ حديثٍ بما قد استنبط منه عالمٌ ، وذهبَ إليه ذاهبٌ، ولذلك صرح الغزاليُّ وغيره بأن كتابه كافٍ للمجتهدِ.
ورابعُهم أبو عيسى الترمذيُّ، وكأنه استحسن طريقة الشيخين حيث بيَّنا وما أبهما، وطريقة أبي داود حيثُ جمعَ كلَّ ما ذهبَ إليه ذاهبٌ، فجمعَ كلتا الطريقتين وزادَ عليهما بيانُ مذاهبِ الصحابةِ والتابعينَ وفقهاءِ الأمصار، فجمع كتاباً جامعاً واختصرَ طرقَ الحديثِ اختصاراً لطيفاً، فذكر واحداً وأومأَ إلى ما عداهُ، وبيَّن أمر كلِّ حديثٍ من أنه صحيحٌ أو حسنٌ أو ضعيفٌ أو منكرٌ، وبيَّن وجهَ الضعفِ ليكونَ الطالبُ على بصيرةٍ من أمرهِ فيعرفَ ما يصلحُ للاعتبارِ مما دونَه، وذكر أنه مستفيضٌ أو غريبٌ، وذكر مذاهبَ الصحابةِ وفقهاءِ الأمصار، وسمَّى من يحتاجُ إلى التسميةِ، وكنَّى من يحتاجُ إلى التكنيةِ فلم يدع خفاءً لمنْ هو من رجالِ العلم ، ولذلك يقالُ: إنه كافٍ للمجتهدِ، مُغْنٍ للمقلِّدِ .
وكان بإزاء هؤلاء في عصر مالكَ وسفيانَ وبعدهم قومٌ لا يكرهونَ المسائل ، ولا يهابون الفُتيا، ويقولون على الفقهِ بناءُ الدِّين، فلا بدَّ من إشاعتِه، ويهابونَ روايةَ حديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،والرفعِ إليه، فعن عَاصِمَ قَالَ : سَأَلْتُ الشَّعْبِىَّ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِيهِ فَقُلْتُ : إِنَّهُ يُرْفَعُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ : لاَ ، عَلَى مَنْ دُونَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيْنَا ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ كَانَ عَلَى مَنْ دُونَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - (3)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ. فَقِيلَ لَهُ : أَمَا تَحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنِّى أَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ عَلْقَمَةُ أَحَبُّ إِلَىَّ.(4)
وعَنِ الشَّعْبِىِّ وَابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الأَيَّامِ تَرَبَّدَ وَجْهُهُ وَقَالَ : هَكَذَا أَوْ نَحْوَهُ هَكَذَا أَوْ نَحْوَهُ.(5)
وعَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَهْطاً مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى الْكُوفَةِ فَبَعَثَنِى مَعَهُمْ ، فَجَعَلَ يَمْشِى مَعَنَا حَتَّى أَتَى صِرَارَ - وَصِرَارُ مَاءٌ فِى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ - فَجَعَلَ يَنْفُضُ الْغُبَارَ عَنْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ الْكُوفَةَ فَتَأْتُونَ قَوْماً لَهُمْ أَزِيزٌ بِالْقُرْآنِ فَيَأْتُونَكُمْ ، فَيَقُولُونَ : قَدِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ قَدِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَيَأْتُونَكُمْ فَيَسْأَلُونَكُمْ عَنِ الْحَدِيثِ ، فَاعْلَمُوا أَنَّ أَسْبَغَ الْوُضُوءِ ثَلاَثٌ ، وَثِنْتَانِ تُجْزِيَانِ. ثُمَّ قَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ الْكُوفَةَ فَتَأْتُونَ قَوْماً لَهُمْ أَزِيزٌ بِالْقُرْآنِ ، فَيَقُولُونَ : قَدِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ قَدِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَيَأْتُونَكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ عَنِ الْحَدِيثِ فَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا شَرِيكُكُمْ فِيهِ. قَالَ قَرَظَةُ : وَإِنْ كُنْتُ لأَجْلِسُ فِى الْقَوْمِ فَيَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّى لَمِنْ أَحْفَظِهِمْ لَهُ ، فَإِذَا ذَكَرْتُ وَصِيَّةَ عُمَرَ سَكَتُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : مَعْنَاهُ عِنْدِى الْحَدِيثُ عَنْ أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ السُّنَنَ وَالْفَرَائِضَ.(6)
وعَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ قَالَ : كَانَ الشَّعْبِىُّ إِذَا جَاءَهُ شَىْءٌ اتَّقَى ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ : كَانَ الشَّعْبِىُّ فِى هَذَا أَحْسَنَ حَالاً عِنْدَ ابْنِ عَوْنٍ مِنْ إِبْرَاهِيمَ .(7)، أخرج هذه الآثار الدارميُّ .
فوقعَ تدوينُ الحديثِ والفقهِ والمسائلَ من حاجتهم بموقعٍ من وجهٍ آخرَ ، وذلك أنه لم يكن عندهم من الأحاديثَ والآثارِ ما يقدرون به على استنباط الفقهِ على الأصولِ التي اختارَها أهلُ الحديث، ولم تنشرحْ صدورُهم للنظر في أقوال علماء البلدانِ وجمعِها والبحث عنها ،واتَّهموا أنفسَهم في ذلك ، وكانوا اعتقدوا في أئمتهم أنهم في الدرجةِ العليا منَ التحقيق، وكانتْ قلوبُهم أميلَ شيءٍ إلى أصحابِهم، فعَنْ مَسْرُوقٍ : أَنَّهُ كَانَ يُشَرِّكُ ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ : هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ : لاَ وَلَكِنِّى رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يُشَرِّكُونَ فِى ابْنَتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ وَأُخْتَيْنِ.(8)
قال أبو حنيفة رحمه الله: كان حَمَّاد أفقه من الزُّهري، وكان إبراهيم أفقه من سَالم، وعلْقَمَة ليس بدون ابن عمر في الفقه، وإن كانت لابن عمر صحبة، وإن كان له فضل صحبة، فالأسود له فضلٌ كثير، وعبدُ الله عبدُ الله.(9)
تمهيد الفقه على قاعدة التخريج :
وكان عندهم من الفطانةِ والحدس وسرعةِ انتقال الذهنِ من شيء إلى شيءٍ ما يقدرون به على تخريج جواب المسائل على أقوال أصحابهم : « وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ »(10)، وقوله تعالى :{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون53 ] }
فمهدوا الفقهَ على قاعدة التخريج ، وذلك أن يحفظَ كلُّ أحدٍ كتابَ من هو لسانُ أصحابه وأعرفِهم بأقوالِ القوم وأصحِّهم نظرا في الترجيح ، فيتأملُ في كل مسألة وجه الحكم ، فكلَّما سئلَ عن شيء ، أو احتاج إلى شيء رأى فيما يحفظُه من تصريحات أصحابهِ ، فإن وجد الجواب فيها ، وإلا نظر إلى عموم كلامِهم ، فأجراهُ على هذه الصورة ، أو إشارةٍ ضمنيةٍ لكلام ، فاستنبط منها .
وربما كان لبعض الكلام إيماءً أو اقتضاءً يفهم المقصودَ ،وربما كان للمسألة المصرح بها نظيرٌ يحمَلُ عليها ، وربما نظروا في علة الحكم المصرَّح به بالتخريج أو بالسبر
والحذف ، فأداروا حكمَه على غير المصرَّح به .
وربما كان له كلامان لو اجتمعا على هيأة القياس الاقتراني أو الشرطيِّ أنتجا جواب المسألة .
وربما كان في كلامهم ما هو معلومٌ بالمثال والقسمة غيرُ معلومٍ بالحدِّ الجامعِ المانعِ ، فيرجعون إلى أهل اللسانِ ، ويتكلَّفون ، في تحصيل ذاتياتِه ، وترتيبِ حدٍّ جامعٍ مانعٍ له ، وضبطِ مبهَمِه وتمييزِ مشكلِه .
وربما كان كلامُهم محتملاً بوجهين ، فينظرون في ترجيحِ أحدِ المحتملين ، وربما يكون تقريبَ الدلائل خفيًّا ، فيبينون ذلك .
وربما استدلَّ بعضُ المخرجين من فعل أئمتهم وسكوتهم ونحو ذلك .
المجتهدون في المذهب :
فهذا هو التخريجُ ويقال له: القول المخرَّج لفلان كذا ، ويقال على مذهب فلان ، أو على أصل فلان ، أو على قول فلان جواب المسألة كذا وكذا ، ويقال لهؤلاء : المجتهدون في المذهب ، وعني هذا الاجتهاد على هذا الأصل، من قال: من حفظ المبسوطَ كان مجتهداً ، أي وإن لم يكن له علمٌ بروايةٍ أصلاً ، ولا بحديثٍ واحدٍ فوقعَ التخريجُ في كلِّ مذهبٍ ، وكثرَ ، فأيُّ مذهبٍ كان أصحابه مشهورين وممدٌّ إليهم القضاءُ والإفتاءُ ، واشتهرت تصانيفُهم في الناس ، ودرسوا درساً ظاهراً انتشرَ في أقطار الأرض ، ولم يزل ينتشرُ كلَّ حين ، وأيُّ مذهبٍ كان أصحابُه خاملين ، ولم يولَّوا القضاءَ والإفتاءَ ولم يرغب فيهم الناسُ اندرسَ بعدَ حين .
الأفضل الجمع بين التخريج على كلام الفقهاء وتتبع لفظ الحديث :
اعلم أن التخريج على كلام الفقهاء وتتبع لفظ الحديث لكلٍّ منهما أصلٌ أصيلٌ في الدين ، ولم يزل المحققون من العلماء في كل عصر يأخذون بهما ، فمنهم من يقلُّ من ذا ويكثرُ من ذاك . . . ، ومنهم من يكثرُ من ذا ويقلُّ من ذاك ، فلا ينبغي أن يهملَ أمرٌ واحدٌ منهما بالمرة كما يفعله عامة الفريقين ، وإنما الحقُّ البحتُ أن يطابق أحدهُما بالأخر ، وأن يجبرَ خللَ كلٍّ بالأخرَ ، فعَنِ الْحَسَنِ قَالَ : سُنَّتُكُمْ وَالَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ بَيْنَهُمَا بَيْنَ الْغَالِى وَالْجَافِى ، فَاصْبِرُوا عَلَيْهَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ كَانُوا أَقَلَّ النَّاسِ فِيمَا مَضَى ، وَهُمْ أَقَلُّ النَّاسِ فِيمَا بَقِىَ ، الَّذِينَ لَمْ يَذْهَبُوا مَعَ أَهْلِ الإِتْرَافِ فِى إِتْرَافِهِمْ ، وَلاَ مَعَ أَهْلِ الْبِدَعِ فِى بِدَعِهِمْ ، وَصَبَرُوا عَلَى سُنَّتِهِمْ حَتَّى لَقُوا رَبَّهُمْ ، فَكَذَلِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَكُونُوا.(11)
فمن كان من أهل الحديثِ ينبغي أن يعرضَ ما اختاره ، وذهب إليه على رأي المجتهدينَ من التابعين ، ومَن كان من أهل التخريج ينبغي له أن يجعلَ من السُّنَن ما يحترزُ به من مخالفةِ الصريحِ الصحيحِ، ومن القول برأيِه فيما فيه حديثٌ أو أثرٌ بقدر الطاقةِ .
ينبغي للمحدِّث أن لا يرد الحديثَ لأدنى شائبةٍ :
ولا ينبغي لمحدِّث أن يتعمق بالقواعد التي أحكمها أصحابُه ، وليست مما نصَّ عليه الشارعُ ، فيردَّ به حديثاً أو قياساً صحيحاً كردِّ ما فيه أدنى شائبة الإرسال والانقطاع كما فعله ابن حزم : ردَّ حديث تحريم المعازف لشائبة الانقطاع في رواية البخاري ، على أنه في نفسه متصلٌ صحيح(12)،
__________
(1) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 5 / ص 60)
(2) - قلت : لا تؤخذ الأحكام الشرعية من المنامات ، وفقه الإمام الشافعي ما هو إلا استنباط للأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والمصادر الأخرى ، فالاشتغالُ بالفقه الشافعي ، ليس فيه إعراضٌ عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنه الفهم الصحيح لها .
(3) - سنن الدارمى (272) صحيح
(4) - سنن الدارمى (273) صحيح
المحاقلة : هى المزارعة على نصيب معلوم المزابنة : بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا
(5) - سنن الدارمى(277) صحيح لغيره تربد : تغير لون وجهه
(6) - سنن الدارمى (286) صحيح الأزيز : خنين من الخوف وهو صوت البكاء
(7) - سنن الدارمى (135) صحيح
(8) - سنن الدارمى(2952) صحيح
(9) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 263) وفواتح الرحموت - (ج 2 / ص 205)
(10) - عَنْ عِمْرَانَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ « كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ » . صحيح البخارى(7551 )
إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَآل مَحْجُوب عَنْ الْمُكَلَّف فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِد فِي عَمَل مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا يَتْرُك وُكُولًا إِلَى مَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْره فَيُلَام عَلَى تَرْك الْمَأْمُور وَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَة .عون المعبود - (ج 10 / ص 226)
(11) - سنن الدارمى(222) حسن
(12) - ففي صحيح البخارى( 5590 ) وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ - الأَشْعَرِىُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِى سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِى الْفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا . فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » . الحِر : الفرج والمعنى يستحلون الزنا
وقال ابن حزم في المحلى(ج 7 / ص 494) : وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَصَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ - وَلا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ، وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ.
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 61) :
َأَمَّا دَعْوَى اِبْن حَزْم الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا فَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا اِبْن الصَّلَاح فِي " عُلُوم الْحَدِيث " فَقَالَ : التَّعْلِيق فِي أَحَادِيث مِنْ صَحِيح الْبُخَارِيّ قُطِعَ إِسْنَادهَا ، وَصُورَته صُورَة الِانْقِطَاع وَلَيْسَ حُكْمه وَلَا خَارِجًا - مَا وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ قَبِيل الصَّحِيح - إِلَى قَبِيل الضَّعِيف ، وَلَا اِلْتِفَات إِلَى أَبِي مُحَمَّد بْن حَزْم الظَّاهِرِيّ الْحَافِظ فِي رَدّ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي عَامِر وَأَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَام يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِير وَالْخَمْر وَالْمَعَازِف " الْحَدِيث مِنْ جِهَة أَنَّ الْبُخَارِيّ أَوْرَدَهُ قَائِلًا " قَالَ هِشَام بْن عَمَّار " وَسَاقَهُ بِإِسْنَادِهِ ، فَزَعَمَ اِبْن حَزْم أَنَّهُ مُنْقَطِع فِيمَا بَيْن الْبُخَارِيّ وَهِشَام وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنْ الِاحْتِجَاج بِهِ عَلَى تَحْرِيم الْمَعَازِف ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوه ، وَالْحَدِيث صَحِيح مَعْرُوف الِاتِّصَال بِشَرْطِ الصَّحِيح ، وَالْبُخَارِيّ قَدْ يَفْعَل مِثْل ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَدِيث فِي مَوْضِع آخَر مِنْ كِتَابه مُسْنَدًا مُتَّصِلًا ، وَقَدْ يَفْعَل ذَلِكَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي لَا يَصْحَبهَا خَلَل الِانْقِطَاع ا ه . وَلَفْظ اِبْن حَزْم فِي " الْمُحَلَّى " : وَلَمْ يَتَّصِل مَا بَيْن الْبُخَارِيّ وَصَدَقَة بْن خَالِد . وَحَكَى اِبْن الصَّلَاح فِي مَوْضِع آخَر أَنَّ الَّذِي يَقُول الْبُخَارِيّ فِيهِ قَالَ فُلَان وَيُسَمِّي شَيْخًا مِنْ شُيُوخه يَكُون مِنْ قَبِيل الْإِسْنَاد الْمُعَنْعَن ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْض الْحُفَّاظ أَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ فِيمَا يَتَحَمَّلهُ عَنْ شَيْخه مُذَاكَرَة ، وَعَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ فِيمَا يَرْوِيه مُنَاوَلَة . وَقَدْ تَعَقَّبَ شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل كَلَام اِبْن الصَّلَاح بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي الصَّحِيح عِدَّة أَحَادِيث يَرْوِيهَا الْبُخَارِيّ عَنْ بَعْض شُيُوخه قَائِلًا قَالَ فُلَان وَيُورِدهَا فِي مَوْضِع آخَر بِوَاسِطَةٍ بَيْنه وَبَيْن ذَلِكَ الشَّيْخ . قُلْت : الَّذِي يُورِدهُ الْبُخَارِيّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْحَاء : مِنْهَا مَا يُصَرِّح فِيهِ بِالسَّمَاعِ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخ بِعَيْنِهِ إِمَّا فِي نَفْس الصَّحِيح وَإِمَّا خَارِجه ، وَالسَّبَب فِي الْأَوَّل إِمَّا أَنْ يَكُون أَعَادَهُ فِي عِدَّة أَبْوَاب وَضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجه فَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى لَا يُعِيدهُ عَلَى صُورَة وَاحِدَة فِي مَكَانَيْنِ ، وَفِي الثَّانِي أَنْ لَا يَكُون عَلَى شَرْطه إِمَّا لِقُصُورٍ فِي بَعْض رُوَاته وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا ، وَمِنْهَا مَا يُورِدهُ بِوَاسِطَةٍ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخ وَالسَّبَب فِيهِ كَالْأَوَّلِ ، لَكِنَّهُ فِي غَالِب هَذَا لَا يَكُون مُكْثِرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخ ، وَمِنْهَا مَا لَا يُورِدهُ فِي مَكَان آخَر مِنْ الصَّحِيح مِثْل حَدِيث الْبَاب ، فَهَذَا مِمَّا كَانَ أَشْكَلَ أَمْره عَلَيَّ ، وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي الْآن أَنَّهُ لِقُصُورٍ فِي سِيَاقه ، وَهُوَ هُنَا تَرَدُّد هِشَام فِي اِسْم الصَّحَابِيّ ، وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامه مَا يُشِير إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ يَقُول : إِنَّ الْمَحْفُوظ أَنَّهُ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم عَنْ أَبِي مَالِك ، وَسَاقَهُ فِي " التَّارِيخ " مِنْ رِوَايَة مَالِك بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم كَذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّب إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا كَوْنه سَمِعَهُ مِنْ هِشَام بِلَا وَاسِطَة وَبِوَاسِطَةٍ فَلَا أَثَر لَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَجْزِم إِلَّا بِمَا يَصْلُح لِلْقَبُولِ ، وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ يَسُوقهُ مَسَاق الِاحْتِجَاج . وَأَمَّا قَوْل اِبْن الصَّلَاح أَنَّ الَّذِي يُورِدهُ بِصِيغَةِ " قَالَ " حُكْمه حُكْم الْإِسْنَاد الْمُعَنْعَن ، وَالْعَنْعَنَة مِنْ غَيْر الْمُدَلِّس مَحْمُولَة عَلَى الِاتِّصَال ، وَلَيْسَ الْبُخَارِيّ مُدَلِّسًا ، فَيَكُون مُتَّصِلًا ، فَهُوَ بَحْث وَافَقَهُ عَلَيْهِ اِبْن مَنْدَهْ وَالْتَزَمَهُ فَقَالَ : أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ " قَالَ " وَهُوَ تَدْلِيس ، وَتَعَقَّبَهُ شَيْخنَا بِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَصِف الْبُخَارِيّ بِالتَّدْلِيسِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ مُرَاد اِبْن مَنْدَهْ أَنَّ صُورَته صُورَة التَّدْلِيس لِأَنَّهُ يُورِدهُ بِالصِّيغَةِ الْمُحْتَمَلَة وَيُوجَد بَيْنه وَبَيْنه وَاسِطَة وَهَذَا هُوَ التَّدْلِيس بِعَيْنِهِ ، لَكِنْ الشَّأْن فِي تَسْلِيم أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَة مِنْ غَيْر الْمُدَلِّس لَهَا حُكْم الْعَنْعَنَة فَقَدْ قَالَ الْخَطِيب : وَهُوَ الْمَرْجُوع إِلَيْهِ فِي الْفَنّ أَنَّ " قَالَ " لَا تُحْمَل عَلَى السَّمَاع إِلَّا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَته أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي مَوْضِع السَّمَاع ، مِثْل حَجَّاج بْن مُحَمَّد الْأَعْوَر ، فَعَلَى هَذَا فَفَارَقَتْ الْعَنْعَنَة فَلَا تُعْطَى حُكْمهَا وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَثَرهَا مِنْ التَّدْلِيس وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَته أَنْ يُورِدهَا لِغَرَضٍ غَيْر التَّدْلِيس ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْد الْحُفَّاظ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْبُخَارِيّ مِنْ التَّعَالِيق كُلّهَا بِصِيغَةِ الْجَزْم يَكُون صَحِيحًا إِلَى مَنْ عَلَّقَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شُيُوخه ، لَكِنْ إِذَا وُجِدَ الْحَدِيث الْمُعَلَّق مِنْ رِوَايَة بَعْض الْحُفَّاظ مَوْصُولًا إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الصِّحَّة أَزَالَ الْإِشْكَال ، وَلِهَذَا عَنَيْت فِي اِبْتِدَاء الْأَمْر بِهَذَا النَّوْع وَصَنَّفَتْ كِتَاب " تَعْلِيق التَّعْلِيق " . وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ وَفِي كَلَامه عَلَى عُلُوم الْحَدِيث أَنَّ حَدِيث هِشَام بْن عَمَّار جَاءَ عَنْهُ مَوْصُولًا فِي " مُسْتَخْرَج الْإِسْمَاعِيلِيّ " قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا هِشَام بْن عَمَّار ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ فِي " مُسْنَد الشَّامِيِّينَ " فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن عَبْد الصَّمَد حَدَّثَنَا هِشَام بْن عَمَّار ، قَالَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن نَجْدَة حَدَّثَنَا بِشْر بْن بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن جَابِر بِسَنَدِهِ اِنْتَهَى . وَنُنَبِّه فِيهِ عَلَى مَوْضِعَيْنِ :
أَحَدهمَا : أَنَّ الطَّبَرَانِيّ أَخْرَجَ الْحَدِيث فِي مُعْجَمه الْكَبِير عَنْ مُوسَى بْن سَهْل الْجُوَيْنِيّ وَعَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الْفِرْيَابِيّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام ، وَالْمُعْجَم الْكَبِير أَشْهَر مِنْ مُسْنَد الشَّامِيِّينَ فَعَزْوه إِلَيْهِ أَوْلَى ، وَأَيْضًا فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي مُسْتَخْرَجه عَلَى الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة عَبْدَان بْن مُحَمَّد الْمَرْوَزِيِّ وَمِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْر الْبَاغَنْدِيّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام ، وَأَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه عَنْ الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه الْقَطَّان عَنْ هِشَام .
ثَانِيهمَا : قَوْله : إِنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَهُ يُوهِم أَنَّهُ عِنْد أَبِي دَاوُدَ بِاللَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاع وَهُوَ الْمَعَازِف ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمْ يَذْكُر فِيهِ الْخَمْر الَّذِي وَقَعَتْ تَرْجَمَة الْبُخَارِيّ لِأَجَلِهِ فَإِنَّ لَفْظه عِنْد أَبِي دَاوُدَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور إِلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد " حَدَّثَنَا عَطِيَّة بْن قَيْس سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم الْأَشْعَرِيّ يَقُول حَدَّثَنِي أَبُو عَامِر أَوْ أَبُو مَالِك الْأَشْعَرِيّ وَاَللَّه مَا كَذَبَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه يَقُول : لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَام يَسْتَحِلُّونَ الْحِر وَالْحَرِير وَالْخَمْر - وَذَكَرَ كَلَامًا قَالَ - يُمْسَخ مِنْهُمْ قِرَدَة وَخَنَازِير إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " نَعَمْ سَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيّ الْحَدِيث مِنْ هَذَا الْوَجْه مِنْ رِوَايَة دُحَيْم عَنْ بِشْر بْن بَكْر بِهَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ : " يَسْتَحِلُّونَ الْحِر وَالْحَرِير وَالْخَمْر وَالْمَعَازِف " الْحَدِيث . اهـ(2/2)
فإن مثله إنما يصارُ إليه عند التعارض ، وكقولهم : فلان أحفظُ لحديث فلان من غيره ، فيرجِّحون حديثه على حديث غيره لذلك ، وإن كان في الآخر ألفُ وجه من الرجحان .
وكان اهتمامُ جمهور الرواة عند الرواية بالمعنى برؤوسِ المعاني دون الاعتباراتِ التي يعرفها المتعمقون من أهل العربية ، فاستدلالهُم بنحو الفاء والواو وتقديم كلمة وتأخيرها ونحو ذلك من التعمق ، وكثيراً ما يعبِّرُ الراوي الآخر عن تلك القصة ، فيأتي مكان ذلك الحرف بحرف آخر ، والحقُّ أن كلَّ ما يأتي به الراوي فظاهرُه أنه كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ظهرَ حديثٌ آخرَ أو دليلٌ آخر وجبَ المصيرُ إليه .
ينبغي للمخرِّج أن لا يخرِّجَ قولاً لا يفيده نفسُ كلام أصحابه :
ولا ينبغي لمخرج أن يخرجَ قولاً لا يفيده نفسُ كلام أصحابه ، ولا يفهمُه منه أهلُ العرف والعلماء باللغة ، ويكون بناء على تخريج مناطٍ أو حملِ نظيرِ المسألةِ عليها مما يختلف فيه أهلُ الوجوه وتتعارضُ الآراء ، ولو أن أصحابه سئلوا عن تلك المسألة ربما يحملون النظيرَ على النظير المانعِ ، وربما ذكروا علةًّ غير ما خرَّجه هو وإنما جاز التخريجُ لأنه في الحقيقة من تقليدِ المجتهدِ ، ولا يتمُّ إلا فيما يفهمُ من كلامه .
رعايةُ الحديث أوجبُ :
ولا ينبغي أن يردَّ حديثاً أو أثراً تطابقَ عليه القومُ لقاعدة استخرجَها هو أو أصحابُه كردِّ حديث المصرَّاةِ(1)وكإسقاط سهم ذوي القربى ، فإن رعايةَ الحديثِ أوجبُ من رعاية تلك القاعدة المخرَّجة ، وإلى هذا المعنى أشار الشافعيُّ حيث قال(2):" مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَتَذْهَبُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَعْزُبُ عَنْهُ ، فَمَهْمَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ أَوْ أَصَّلْت مِنْ أَصْلٍ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خِلَافَ مَا قُلْت فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ قَوْلِي ، وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَتْهُ عَامَّةٌ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ اللَّهُ اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إلَّا اتِّبَاعَهُ ، وَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلُ رَجُلٍ قَالَ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَإِنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا ، وَإِنْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا فِي قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفَرْضُ ، وَوَاجِبٌ قَبُولُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ..اهـ
تتبعُ الكتاب والآثار لمعرفة الأحكام الشرعية :
ومنها أن تتبع الكتاب والآثار لمعرفة الأحكام الشرعية على مراتب :
أعلاها أن يحصلَ له من معرفة الأحكام بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل ما يتمكنُ به من جوابِ المستفتينَ في الوقائع غالباً بحيث يكونُ جوابُه أكثرَ مما يتوقف فيه ، وتخصُّ (أي هذه المعرفة) باسمِ الاجتهاد .
الإمعانُ في الروايات :
وهذا الاستعدادُ يحصل تارة بالإمعان في جمع الروايات وتتبع الشاذة والفاذة منها كما أشار إليه أحمدُ بن حنبل مع ما لا ينفكُّ منه العاقلُ العارفُ باللغة من معرفة مواقع الكلام ، وصاحبِ العلم بآثار السلف من طريق الجمع بين المختلفات وترتيب الاستدلالات ونحو ذلك ، وتارةً بإحكام طرق التخريج على مذهب شيخ من مشايخ الفقه مع معرفة جملة صالحةٍ من السنَن والآثار، بحيث يعلم أن قوله لا يخالفُ الإجماعَ .
معرفةُ القرآن والسنن تمكِّنُ من معرفة مسائل الفقه :
وهذه طريقةُ أصحاب التخريج وأوسطها من كلتا الطريقتين أن يحصلَ له من معرفة القرآن والسُّنن ما يتمكَّن به من معرفة رؤوس مسائل الفقه المجمَع عليها بأدلتِها التفصيلية ، ويحصل له غايةَ العلم ببعضِ المسائل الاجتهادية من أدلتها، وترجيح بعض الأقوالِ على بعضٍ ونقدِ التخريجات ومعرفة الجيد والزيف .
وقال الخطابي في مقدمة معالم السنن : " رأيتُ أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين أصحاب حديث وأثر ، وأهل فقه ونظر ، وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة ، لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل ، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع ، وكلُّ بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهارُ ، وكلُّ أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفرٌ وخرابٌ .
ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين والتقارب في المنزلتين وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه إخواناً متهاجرين ، وعلى سبيل الحقِّ بلزوم التناصر والتعاون غيرُ متظاهرين .
فأما هذه الطبقة الذين هم أهلُ الأثر والحديث فإنَ الأكثرين منهم إنمّا وكدُهم الروايات وجمعُ الطرق وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب، لا يراعون المتون ولا يتفهمون المعاني ولا يستنبطون سيرها ولا يستخرجون ركازها وفقهها، وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن وادعوا عليهم مخالفة السُّننِ ولا يعلمون أنهم عن مبلغ ما أوتوه من العلم قاصرونُ ،وبسوء القول فيهم آثمون .
وأمَّا الطبقة الأخرى وهم أهلُ الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرِّجون من الحديث إلاّ على أقلِّه ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه ، ولا يعرفون جيده من رديئه ولا يعبؤون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مواضعة بينهم في قبولِ الخبر الضعيفِ والحديثِ المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهرَ عندهم وتعاورتْه الألسنُ فيما بينهم، من غير ثبت فيه أو يقين علمٍ به ، فكان ذلك ضلةً من الرأي وغبناً فيه، وهؤلاء وفقنا اللّه وإياهم لو حكي لهم عن واحد من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قولٌ يقولُه باجتهاد من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة واستبرؤوا له العهدة . فتجدُ أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه إلاّ ما كان من رواية ابن القاسم والأشهب وضربائهم من تلاد أصحابه، فإذا وجدت روايةُ عبد اللّه بن عبد الحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلاً .
وترى أصحاب أبي حنيفة لا يقبلون من الرواية عنه إلاّ ما حكاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والعليةُ من أصحابه، والأجلَّةُ من تلامذته ، فإن جاءهم عن الحسن بن زياد اللؤلؤي وذويه رواية قولٍ بخلافه لم يقبلوه ولم يعتمدوه .
وكذلك تجدُ أصحاب الشافعي إنما يعولون في مذهبه على رواية المزني والربيع بن سليمان المرادي ، فإذا جاءت رواية حرملة والجيزي وأمثالهما لم يلتفتوا إليها ولم يعتدُّوا بها في أقاويله . وعلى هذا عادةُ كلِّ فرقة من العلماء في أحكام مذاهب أئمتهم وأستاذيهم .
فإذا كان هذا دأبهم وكانوا لا يقنعون في أمر هذه الفروع وروايتها عن هؤلاء الشيوخ إلاّ بالوثيقة والثبت، فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهمِّ والخطب الأعظم وأن يتواكلوا الرواية والنقل عن إمام الأئمة ورسول رب العزة ، الواجبِ حكمُه اللازمةِ طاعتُه ، الذي يجب علينا التسليمَ لحكمه والانقيادَ لأمره من حيث لا نجد في أنفسنا حرجاً مما قضاه ولا في صدورنا غلاً من شيء مما أبرمه وأمضاه
أرأيتم إذا كان للرجل أن يتساهل في أمر نفسه ويتسامح عن غرمائه في حقه فيأخذ منهم الزيف ويغضي لهم عن العيب، هل يجوز له أن يفعل ذلك في حقِّ غيره إذا كان نائباً عنه كولي الضعيف ووصي اليتيم ووكيل الغائب ؟ وهل يكون ذلك منه إذا فعله إلا خيانة للعهد وإخفاراً للذمة ؟ .
فهذا هو ذاك إمَّا عيان حسٍّ وإما عيان مثل ، ولكن أقواماً عساهم استوعروا طريق الحقِّ واستطالوا المدة في درك الحظِّ وأحبُّوا عجالة النيل فاختصروا طريق العلم واقتصروا على نتفٍ وحروفٍ منتزعة عن معاني أصولِ الفقهِ، سموها عللاً وجعلوها شعاراً لأنفسهم في الترسم برسم العلم ، واتخذوها جُنّة عند لقاء خصومهم ونصبوها دريئة للخوض والجدال، يتناظرون بها ويتلاطمون عليها ، وعند التصادر عنها قد حكم للغالبِ بالحذقِ والتبريزِ فهو الفقيهُ المذكور في عصره ، والرئيسُ المعظم في بلده ومصره ، هذا وقد دسّ لهم الشيطانُ حيلةً لطيفةً وبلغ منهم مكيدة بليغةً . فقال لهم : هذا الذي في أيديكم علمٌ قصير وبضاعةٌ مزجاة لا تفي بمبلغ الحاجة والكفاية، فاستعينوا عليه بالكلامِ وصِلوه بمقطعات منه ، واستظهروا بأصول المتكلِّمين يتسعُ لكم مذهبُ الخوض ومجالُ النظر ، فصدَّق عليهم ظنُّه وأطاعه كثيرٌ منهم واتبعوه إلاّ فريقاً من المؤمنين .
فيا للرجال والعقول أنّى يذهب بهم وأنّى يختدعهم الشيطانُ عن حظِّهم وموضع رشدِهم واللّه المستعان . اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - كما في صحيح البخارى (2151 ) ومسلم (3907 ) عن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا ، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِى حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ » .
المصراة : الشاة يجمع اللبن فى ضرعها عند إرادة البيع فتبدو أنها كثيرة اللبن
وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 73) :
وَمِمَّا قِيلَ إنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ ، قَالُوا : وَهُوَ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ مِنْ وُجُوهٍ : مِنْهَا أَنَّهُ تَضَمَّنَ رَدَّ الْبَيْعِ بِلَا عَيْبٍ وَلَا خَلْفَ فِي صِفَةٍ ، وَمِنْهَا أَنَّ { الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ } ؛ فَاللَّبَنُ الَّذِي يَحْدُثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَقَدْ ضَمَّنَهُ إيَّاهُ ، وَمِنْهَا أَنَّ اللَّبَنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَقَدْ ضَمَّنَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ مِثْلِهِ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ مِنْ التَّضْمِينِ بِالْمِثْلِ فَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ ، وَالتَّمْرُ لَا قِيمَةَ وَلَا مِثْلَ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَالَ الْمَضْمُونَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِقَدْرِهِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَقَدْ قُدِّرَ هَاهُنَا الضَّمَانُ بِصَاعٍ .
قَالَ أَنْصَارُ الْحَدِيثِ : كُلُّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ خَطَأٌ ، وَالْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا ، وَلَوْ خَالَفَهَا لَكَانَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ ، كَمَا أَنَّ غَيْرَهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ ، وَأُصُولُ الشَّرْعِ لَا يُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، كَمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَنْ يُضْرَبَ كِتَابُ اللَّهِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، بَلْ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا كُلِّهَا ، وَيُقَرُّ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى أَصْلِهِ وَمَوْضِعِهِ ؛ فَإِنَّهَا كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ شَرْعَهُ وَخَلْقَهُ ، وَمَا عَدَا هَذَا فَهُوَ الْخَطَأُ الصَّرِيحُ .
فَاسْمَعُوا الْآنَ هَدْمَ الْأُصُولِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يُعْتَرَضُ بِهَا عَلَى النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ : أَمَّا قَوْلُكُمْ : " إنَّهُ تَضَمَّنَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا فَوَاتِ صِفَةٍ " فَأَيْنَ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَلَقَّاةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْحِصَارِ الرَّدِّ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ؟ وَتَكْفِينَا هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ ، وَلَنْ تَجِدُوا إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْحَصْرِ سَبِيلًا ؛ ثُمَّ نَقُولُ : بَلْ أُصُولُ الشَّرِيعَةِ تُوجِبُ الرَّدَّ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْتُمْ ، وَهُوَ الرَّدُّ بِالتَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ ، فَإِنَّهُ هُوَ وَالْخُلْفُ فِي الصِّفَةِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، بَلْ الرَّدُّ بِالتَّدْلِيسِ أَوْلَى مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، فَإِنَّ الْبَائِعَ يُظْهِرُ صِفَةَ الْمَبِيعِ تَارَةً بِقَوْلِهِ وَتَارَةً بِفِعْلِهِ ، فَإِذَا أَظْهَرَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ فَبَانَ بِخِلَافِهَا كَانَ قَدْ غَشَّهُ وَدَلَّسَ عَلَيْهِ ، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالْفَسْخِ ، وَلَوْ لَمْ تَأْتِ الشَّرِيعَةُ بِذَلِكَ لَكَانَ هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُوجَبُ الْعَدْلِ ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا بَذَلَ مَالَهُ فِي الْمَبِيعِ بِنَاءً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُ الْبَائِعُ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِهَا لَمْ يَبْذُلْ لَهُ فِيهَا مَا بَذَلَ ، فَإِلْزَامُهُ لِلْمَبِيعِ مَعَ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ الَّذِي تَتَنَزَّهُ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ ، وَقَدْ أَثْبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْخِيَارَ لِلرُّكْبَانِ إذَا تُلُقُّوا وَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَهْبِطُوا السُّوقَ وَيَعْلَمُوا السِّعْرَ ، وَلَيْسَ هَاهُنَا عَيْبٌ وَلَا خُلْفٌ فِي صِفَةٍ ، وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ تَدْلِيسٍ وَغِشٍّ .
(2) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 427)(2/3)
المبحث الثالث والعشرون
بيانُ حال الناس في الصدر الأول وبعده(1)
قال الإمام أبو زيد الدبوسي رحمه الله تعالى في تقويم الأدلة:" كان الناسُ في الصدر الأول - أعني الصحابة والتابعين والصالحين يبنون أمورهم على الحجَّة فكانوا يأخذون بالكتاب ثم بالسنة ثم بأقوال من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصح بالحجة، فكان الرجلُ يأخذ بقول عمر في مسألة ثم يخالفه بقول علي في مسألة أخرى، وقد ظهر من أصحاب أبي حنيفة أنهم وافقوه مرة وخالفوه أخرى بحسب ما تتضح لهم الحجة ولم يكن المذهبُ في الشريعة عمرياُ ولا علوياً، بل النسبة كانت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكانوا قروناً أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخير فكانوا يرون الحجَّة، لا علماءهم ولا نفوسهم، فلما ذهبتِ التقوى عن عالِمة القرن الرابع وكسلوا عن طلب الحجَج جعلوا علماءَهم حجَّة واتبعوهم ، فصار بعضُهم حنفيًّا وبعضُهم مالكيًّا ، وبعضهم شافعيًّا ينصرون الحجةَ بالرجالِ، ويعتقدون الصحةَ بالميلادِ على ذلك المذهب، ثم كلُّ قرنٍ بعدهم اتبع عالمَه كيف ما أصابَه، بلا تمييز حتى تبدلتِ السنن بالبدعِ فضلَّ الحقُّ بين الهوى " انتهى
وقال العلامة الدهلوي(2):
" كان الناسُ غير مجمعين على التقليد الخالص :
اعلم أن الناس كانوا قبل المائة الرابعة غير مجمعين على التقليد الخالص لمذهب واحد بعينه ، قال أبو طالب المكي في قوت القلوب(3): إن الكتب والمجموعات محدثةٌ ، والقول بمقالات الناس ، والفتيا بمذهب الواحد من الناس ، واتخاذ قوله ، والحكاية لهمن كل شيء ، والتفقه على مذهبه - لم يكن الناس قديما على ذلك في القرنين الأول والثاني انتهى .
كان العامة من المسلمين يقلدون صاحب الشرع :
أقول: وبعد القرنين حدث فيهم شيء من التخريج غير أن أهل المائة الرابعة لم يكونوا مجتمعين على التقليد الخالص على مذهب واحد والتفقه له والحكاية لقوله كما يظهر من التتبع ، بل كان فيهم العلماءُ والعامة .
وكان من خير العامة أنهم كانوا في المسائل الإجماعية التي لا اختلاف فيها بين المسلمين وجمهور المجتهدين لا يقلِّدون إلا صاحبَ الشرع ، وكانوا يتعلمون صفة الوضوء والغسل والصلاة والزكاة ونحو ذلك من آبائهم أو معلمي بلدانهم ، فيمشون حسب ذلك ، وإذا وقعت لهم واقعةُ استفتوا فيها أي مفتٍ وجدوا من غير تعيين مذهب.
كان الخاصةُ من أهل الحديث يشتغلون به :
وكان من خبر الخاصة أنه كان أهل الحديث منهم يشتغلون بالحديث ، فيخلص إليهم من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة مالا يحتاجون معه إلى شيء آخر في المسألة من حديث مستفيض أو صحيح قد عمل به بعض الفقهاء ، ولا عذر لتارك العمل به ، أو أقوال متظاهرة لجمهور الصحابة والتابعين مما لا يحسن مخالفتها فإن لم يجد في المسألة ما يطمئنُ به قلبه لتعارض النقل وعدم وضوح الترجيح ونحو ذلك - رجع إلى كلام بعض من مضى من الفقهاء ، فإن وجد قولين اختار أوثقهما سواء كان من أهل المدينة أومن أهل الكوفة .
كان الخاصةُ من أهل التخريج يخرِّجون ما لا يجدونه مصرحاً :
وكان أهل التخريج منهم يخرِّجون فيما لا يجدونه مصرحا ، ويجتهدون في المذهب ، وكان هؤلاء ينسبون إلى مذهب أحدهم فيقال : فلان شافعي ، وفلان حنفي ، وكان صاحب الحديث أيضاً قد ينسب إلى أحد المذاهب لكثرة موافقته له ، كالنسائي ، والبيهقي ينسبان إلى الشافعي ، فكان لا يتولى القضاء ولا الإفتاء إلا مجتهدٌ ، ولا يسمَّى الفقيهُ إلا مجتهدا .
بعد القرن الرابع حدثتْ أمورٌ :
ثم بعد هذه القرون كان ناس آخرون ذهبوا يمينا وشمالا . وحدث فيهم أمور:
منها الجدلُ والخلافُ في علم الفقه وتفصيله - على ما ذكره الغزالي - أنه لما انقرض عهدُ الخلفاء الراشدين المهديين أفضت الخلافةُ إلى قوم تولوها بغير استحقاق ولا استقلالٍ بعلم الفتاوى والأحكام ، فاضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم .
وقد كان بقي من العلماء من هو مستمر على الطراز الأول وملازم صفو الدين ، فكانوا إذا طُلبوا هربوا ، وأعرضوا فرأى أهل تلك الأعصار عن العلماء وإقبال الأئمة عليهم مع إعراضهم ، فاشرأبوا بطلب العلم توصلا إلى نيل العزِّ ودرك الجاه ، فأصبح الفقهاءُ بعد أن كانوا مطلوبين طالبين ، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراضِ عن السلاطين أذلةً بالإقبال عليهم ، إلا من وفقه اللّه .
وقد كان من قبلهم قد صنف ناسٌ في علم الكلام وأكثروا القال والقيل والإيراد والجواب وتمهيد طريق الجدل ، فوقع ذلك منهم بموقع من قبل أن كان من الصدور والملوك من مالت نفسه إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما اللّه ، فتركَ الناسُ الكلام وفنون العلم ، وأقبلوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة رحمهما اللّه على الخصوص ، وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد بن حنبل وغيرهم ، وزعموا أن غرضهم استنباطُ دقائق الشرع وتقريرُ علل المذهب وتمهيدُ أصول الفتاوى ، وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ، ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات وهم مستمرون عليه إلى الآن لسنا ندري ما الذي قدَّر اللّه تعالى فيما بعدها من الأعصار . فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرات لا غير ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع إمام آخر من الأئمة أو إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضاً معهم، ولم يسكنوا عن التعلل بأن ما اشتغلوا به هو علمُ الدين وأن لا مطلبَ لهم سوى التقرب إلى رب العالمين انتهى حاصله .(4)
ومنها : أنهم اطمأنوا بالتقليد ، ودبَّ التقليدُ في صدورهم دبيبَ النمل وهم لا يشعرون ، وكان سببُ ذلك تزاحمَ الفقهاء وتجادلَهم فيما بينهم، فإنهم لما وقعت فيهم المزاحمة في الفتوى كان كلُّ من أفتى بشيء نوقض في فتواه ، وردَّ عليه ، فلم ينقطع الكلام إلا بمسير إلى تصريح رجل من المتقدمين في المسألة .
وأيضا جورُ القضاة، فإن القضاة لما جار أكثرهم ، ولم يكونوا أمناء لم يقبل منهم إلا ما لا يريبُ العامة فيه ، ويكون شيئاً قد قيل من قبل .
وأيضا جهلُ رؤوس الناس واستفتاء الناس من لا علم له بالحديث ولا بطريق التخريج كما ترى ذلك ظاهراً في أكثر المتأخرين ، وقد نبَّه عليه ابن الهمام وغيره ، وفي ذلك الوقت يسمى غير المجتهد فقيهاً .
ومنها : أن أقبل أكثرهم على التعمقاتِ في كل فنٍّ ، فمنهم من زعم أنه يؤسس علم أسماء الرجال ومعرفة مراتب الجرح والتعديل ، ثم خرج من ذلك إلى التاريخ قديمه وحديثه . . ، ومنهم من تفحص عن نوادر الأخبار وغرائبها وإن دخلت في حد الموضوع . . . ، ومنهم من كثر القيل والقال في أصول الفقه ، واستنبط كل لأصحابه قواعد جدلية ، فأورد ، فاستقصى ، وأجاب ، وتفصَّى ، وعرف ، وقسم ، فحور طول الكلام تارة وتارة أخرى اختصر ، ومنهم من ذهب إلى هذا بفرض الصور المستبعدة التي من حقها ألا يتعرض لها عاقل وبفحص العمومات والإيماءات من كلام المخرَّجين فمن دونهم مما لا يرتضي استماعه عالم ولا جاهل .
وفتنة هذا الجدل والخلاف والتعمق قريبة من الفتنة الأولى حين تشاجروا في الملك ، وانتصر كلُّ رجل لصاحبه ، فكما أعقبت تلك ملكاً عضوضاً ووقائع صماء عمياء ، فكذلك أعقبت هذه جهلاً واختلاطا وشكوكا ووهما ما لهما من أرجاء ، فنشأت بعدهم قرونٌ على التقليد الصرف لا يميزون الحقَّ من الباطل ولا الجدل عن الاستنباط . . . ، فالفقيهُ يومئذٍ : هو الثرثارُ المتشدق الذي حفظ أقوال الفقهاء قويها وضعيفها من غير تمييز،وسردها بشقشقة شدقيه . . . ، والمحدث : من عدَّ الأحاديث صحيحها وسقيمها وهذها كهذه الأسمار بقوة لحييه ، ولا أقول ذلك كليا مطردا فإن للّه طائفةً من عبادة لا يضرهم من خذلهم ، وهم حجة اللّه في أرضه ، وإن قلوا ، ولم يأت قرن بعد ذلك إلا وهو أكثر فتنة وأوفر تقليدا وأشد انتزاعا للأمانة من صدور الرجال حتى اطمأنوا بترك الخوض في أمر الدين وبأن يقولوا : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} (22) سورة الزخرف ، وإلى اللّه المشتكى وهو المستعان وبه الثقة وعليه التكلان . "
وقال ابن عربي في الفتوحات المكية(5): " الباب الثامن عشر وثلائمائة في معرفة منزل نسخ الشريعة المحمدية وغير المحمدية بالأعراض النفسية - عافانا الله وإياكم من ذلك ما نصه - بعد أبيات صدر بها هذا الباب :
" اعلم - وفقنا الله وإياك - أيها الولي الحميم والصفيُّ الكريم أنا روينا في هذا الباب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أصاب من عرضه فجاء إليه يستحله من ذلك فقاله له يا ابن عباس إنني قد نلت منك فاجعلني في حل من ذلك فقال أعوذ بالله أن أحل ما حرم الله إن الله قد حرم أعراض المسلمين فلا أحله، ولكن غفر الله لك، فانظر ما أعجب هذا التصريف وما أحسن العلم ، ومن هذا الباب حلفُ الإنسان على ما أبيح له فعله أن لا يفعله أو يفعله ففرض الله تحلة الأيمان وهو من باب الاستدراج والمكر الإلهي، إلا لمن عصمه الله بالتنبيه عليه فما ثم شارع إلا الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} (105) سورة النساء، ولم يقل له " بما رأيت " بل عاتبه سبحانه وتعالى لمَّا حرم على نفسه باليمين في قضية عائشة وحفصه فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1) سورة التحريم ، فكان هذا مما أرته نفسه، فهذا يدلك أن قوله تعالى (بما أراك الله) أنه ما يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه، فلو كان الدِّينُ بالرأي لكان رأيُ النبي أولى من رأي كلِّ ذي رأيٍ، فإذا كان هذا حالُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رأته نفسُه فكيف برأي من ليس بمعصومٍ، ومن الخطأُ أقربُ إليه من الإصابة ؟ .
فدلَّ أن الاجتهادَ الذي ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو في طلب الدليل على تعيينِ الحكم في المسألة الواقعةِ ،لا في تشريعِ حكمٍ في النازلةِ، فإن ذلك شرعٌ لم يأذنْ به الله ، ولقد أخبرني القاضي عبد الوهاب الأسدي الإسكندري بمكة المشرفة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال : رأيتُ رجلاً من الصالحين بعد موته في المنام فسألته ما رأيتَ؟ فذكر أشياء منها قال: ولقد رأيت كتباً موضوعةً، وكتباً مرفوعةً فسألت ما هذه الكتب المرفوعةُ؟ فقيل لي : هذه كتبُ الحديث، فقلت : وما هذه الكتبُ الموضوعة؟ فقيل لي : هذه كتبُ الرأي حتى يسأل عنها أصحابُها، فرأيت الأمر فيه شدةٌ .
اعلم - وفقنا الله وإياكَ - أنَّ الشريعةَ هي المحجَّةُ الواضحةُ البيضاءُ محجَّةُ السعداءِ وطريقُ السعادةِ، من مشَى عليها نجا ومن تركها هلك، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - ثُمَّ قَالَ - هَذِهِ سُبُلٌ - قَالَ يَزِيدُ - مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام.(6)" وأشار إلى تلك الخطوط التي خطَّها عن يمين الخط ويساره " فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ " وأشار إلى الخط المستقيم ، ولقد أخبرني بمدينة " سلا " - مدينة بالمغرب على شاطئ البحر المحيط يقال لها منقطع التراب ليس وراءها أرض - رجلٌ من الصالحين الأكابر من عامة الناس قال: رأيتُ في النوم محجةً بيضاءَ مستويةً عليها نورٌ سهلةٌ، ورأيتُ عن يمين تلك المحجَّة وشمالها خنادقَ وشعاباً وأوديةً كلَّها شوكٌ لا تسلَكُ لضيقها وتوعُّر مسالكِها ، وكثرةِ شوكِها، والظلمةُ التي فيها، ورأيت جميعَ الناس يخبطون فيها خبطَ عشواءَ، ويتركون المحجَّةَ البيضاءَ السهلةَ، وعلى المحجَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونفرٌ قليلٌ معه يسيرُ وهو ينظر إلى مَن خلفَه، وإذا في الجماعة متأخرٌ عنها لكنهُ عليها الشيخُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ قرقور المحدِّث كان سيداً فاضلاً في الحديث، اجتمعتُ بابنهِ فكان يفهمُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول له: نادِ في الناس بالرجوعِ إلى الطريقِ، فكان ابنُ قرقور يرفعُ صوته ويقول في ندائه: ولا من داعٍ ولا من متداعٍ " هلمُّوا إلى الطريق هلمُّوا " قال : فلا يجيبُه أحدٌ، ولا يرجع إلى الطريق أحدٌ .
" واعلمْ أنه لما غلبتِ الأهواءُ على النفوس، وطلبت العلماءُ المراتبَ عند الملوك تركوا المحجَّة البيضاءَ، وجنحوا إلى التأويلاتِ البعيدةِ لينفذوا أغراض الملوكِ فيما لهم فيه هوى نفس، ليستندوا في ذلك إلى أمرٍ شرعيٍّ مع كون الفقيهِ ربما لا يعتقدُ ذلك ويفتي به ، وقد رأينا منهم جماعةً على هذا من قضاتهم وفقهائهم، ولقد أخبرني الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاحِ الدين يوسفَ بنِ أيوبَ - وقد وقع بيني وبينه في مثل هذا كلام - فنادى بملوكٍ، وقال: جئني بالحرمدان(7)؟ فقلت: ما شأنُ الحرمدان؟ قال: أنت تنكرُ عليَّ ما يجري في بلدي ومملكتي من المنكراتِ والظلمِ وأنا واللهِ أعتقدُ مثلَ ما تعتقدُ أنتَ فيه من أن ذلك كلَّه منكرٌ، ولكن والله يا سيدي ما منه منكرٌ إلا بفتيا فقيهٍ وخطِّ يده عندي بجواز ذلك، فعليهم لعنةُ الله، ولقد أفتاني فقيهٌ هو فلانٌ - وعيَّن لي أفضلَ فقيهٍ عنده في بلده في الدِّين والتقشُّف - بأنه لا يجبُ عليَّ صومُ شهرِ رمضانَ هذا بعينه، بل الواجبُ عليَّ شهرٌ في السنَة، والاختيارُ لي فيه، أي شهرِ السَّنَة، قال السلطانُ: فلعنتُه في باطني ولم أظهرْ له ذلك - وهو فلانٌ فسمَّاه لي - رحم الله جمعيهم.
" فليعلم أنَّ الشيطان قد مكَّنه اللهُ من حضرة الخيال، وجعلَ له سلطاناً فيها ، فإذا رأى أن الفقيهَ يميلُ إلى هوًى يعرفُ أنه لا يرْضَى عند الله زيَّنَ له سوءُ عمله بتأويلٍ غريبٍ ، يمهِّدُ له فيه وجهاً يحسِّنُهُ في نظرهِ ويقولُ له : إنَّ الصدرَ الأولَ قد دانوا الله بالرأي، وقاسَ العلماءُ في الأحكام واستنبطوا العلل للأشياءَ فطردوها، وحكموا في المسكوتِ عنه بما حكموا به في المنصوصِ عليه للعلَّة الجامعة بينهما، والعلَّةُ من استنباطه، فإذا مهَّد له هذا السبيل جنحَ إلى نيل هواهُ وشهوتهِ بوجهٍ شرعيٍّ في زعمه، فلا يزالُ هكذا فعلُه في كلِّ مالَهُ أو لسلطانِه فيه هو نفسٌ، ويردُّ الأحاديث النبوية ويقول: لو أن هذا الحديثَ يكون صحيحاً ، وإن كان صحيحاً يقول: لو لم يكنْ له خبرٌ آخرُ يعارضه، وهو ناسخ له، لقال به الشافعيُّ إن كان هذا الفقيهُ شافعياً - أو قال به أبو حنيفة - إن كان الرجلُ حنفيًّا - وهكذا قولُ أتباعِ هؤلاء الأئمةِ كلِّهم ، ويرون أن الحديثَ والأخذ به مضلَّةٌ ، وأنَّ الواجبَ تقليدُ هؤلاءِ الأئمةِ وأمثالِهم فيما حكموا به، وإنْ عارضتْ أقوالُهمُ الأخبارَ النبويةَ، فالأولى الرجوعُ إلى أقاويلِهم وتركُ الأخذ بالأخبارِ والكتابِ والسنَّة ، فإنْ قلتَ لهم قد روينا عن الشافعيِّ رحمه الله أنه قال: إذا أتاكم الحديثُ يعارضُ قولي فاضربوا بقولي الحائط وخذوا بالحديث، فإنَّ مذهبي الحديثُ ، وقد روينا عن أبي حنيفة أنه قال لأصحابه: حرامٌ على كلِّ من أفتَى بكلامي ما لم يعرفْ دليلي ، وما روينا شيئاً من هذا عن أبي حنيفة إلا من طريق الحنفيننَ، ولا عن الشافعي إلا من طريق الشافعية ، وكذلك المالكية والحنابلة فإذا ضايقَهم في مجالِ الكلام هربوا وسكنوا ، وقد جرى لنا هذا معهم مراراً بالمغربِ وبالمشرقِ فما منهم أحدٌ على مذهبِ من يزعُمُ أنه على مذهبِه، فقد انتسختِ الشريعةُ بالأهواءِ، وإن كانتِ الأخبارُ الصِّحاحُ موجودةً مسطَّرةً في الكتب الصِّحاح، وكتبُ التواريخَ بالتجريح والتعديل موجودةٌ ، والأسانيدُ محفوظةٌ مصونةٌ من التغيير والتبديل، ولكنْ إذا تركَ العملُ بها واشتغل الناسُ بالرأيِ ودانوا أنفسَهم بفتاوى المتقدِّمين مع معارضةِ الأخبار الصِّحاحِ لها فلا فرقَ بين عدمِها ووجودِها إذا لم يبقَ لها حكمٌ عندهُم، وأيُّ نسخٍ أعظمُ من هذا ؟ .
وإذا قلتَ لأحدهم في ذلك شيئاً يقول لك: هذا هو المذهبُ، وهو واللهِ كاذبٌ، فإن صاحبَ المذهب قال له : إن عارضَ الخبر كلامي فخذْ بالحديث واترك كلامي في الحش، فإن مذهبي الحديثَ، فلو أنصفَ لكان على مذهب الشافعيِّ من تركِ كلام الشافعيِّ للحديثِ المعارضِ، فاللهُ يأخذُ بيدِ الجميعِ " انتهى
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 272)
(2) - الانصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي - (ج 1 / ص 30) وحجة الله البالغة - (ج 1 / ص 297)
(3) - قوت القلوب - (ج 1 / ص 225)
(4) - إحياء علوم الدين - (ج 1 / ص 45)
(5) - الفتوحات المكية - (ج 5 / ص 25)
(6) - مسند أحمد (4225) صحيح
(7) - الحرمدان اسم علم(2/4)
المبحث الرابع والعشرون
فيمنْ تفقَّه على مذهبٍ ثم اشتغلَ بالحديث فرأى في مذهبه ما يخالفُ الحديثَ كيفَ يعملُ ؟(1)
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية- رَحِمَهُ اللَّهُ - : عَنْ رَجُلٍ تَفَقَّهَ فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَتَبَصَّرَ فِيهِ وَاشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِالْحَدِيثِ فَرَأَى أَحَادِيثَ صَحِيحَةً لَا يَعْلَمُ لَهَا نَاسِخًا وَلَا مُخَصِّصًا وَلَا مُعَارِضًا ، وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ مُخَالِفٌ لَهَا : فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ ؟ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْأَحَادِيثِ وَيُخَالِفُ مَذْهَبَهُ ؟
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُوجِبْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ طَاعَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا يَقُولُ : أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْت اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ(2). وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ : كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ نَهَوْا النَّاسَ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هَذَا رَأْيِي وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رَأَيْت ؛ فَمَنْ جَاءَ بِرَأْيٍ خَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ، وَلِهَذَا لَمَّا اجْتَمَعَ أَفْضَلُ أَصْحَابِهِ أَبُو يُوسُفَ بِمَالِكِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الصَّاعِ ؛ وَصَدَقَةِ الْخَضْرَاوَاتِ ؛ وَمَسْأَلَةِ الْأَجْنَاسِ ؛ فَأَخْبَرَهُ مَالِكٌ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : رَجَعْت إلَى قَوْلِك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَلَوْ رَأَى صَاحِبِي مَا رَأَيْت لَرَجَعَ إلَى قَوْلِك كَمَا رَجَعْت . وَمَالِكٌ كَانَ يَقُولُ : إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ فَاعْرِضُوا قَوْلِي عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ . وَالشَّافِعِيُّ كَانَ يَقُولُ : إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ ، وَإِذَا رَأَيْت الْحُجَّةَ مَوْضُوعَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَهِيَ قَوْلِي . وَفِي مُخْتَصَرِ المزني لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ اخْتَصَرَهُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ مَذْهَبِهِ قَالَ : مَعَ إعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ . وَالْإِمَامُ أَحْمَد كَانَ يَقُولُ : لَا تُقَلِّدُونِي وَلَا تُقَلِّدُوا مَالِكًا وَلَا الشَّافِعِيَّ وَلَا الثَّوْرِيَّ وَتَعَلَّمُوا كَمَا تَعَلَّمْنَا . وَكَانَ يَقُولُ : مِنْ قِلَّةِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ، وَقَالَ : لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَالَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا مِنْ أَنْ يَغْلَطُوا . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ }(3)وَلَازِمُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا فَيَكُونُ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ فَرْضًا .
وَالتَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ : مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَدِلَّتِهَا السَّمْعِيَّةِ . فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَفَقِّهًا فِي الدِّينِ ، لَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ لَا كُلُّ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ التَّفَقُّهِ وَيَلْزَمُهُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ ؛ فَقِيلَ : يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ : يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقِيلَ : يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ؛ كَمَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ . وَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يَقْبَلُ التجزي وَالِانْقِسَامَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا فِي فَنٍّ أَوْ بَابٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ دُونَ فَنٍّ وَبَابٍ وَمَسْأَلَةٍ ،وَكُلُّ أَحَدٍ فَاجْتِهَادُهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ، فَمَنْ نَظَرَ فِي مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَرَأَى مَعَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نُصُوصًا لَمْ يَعْلَمْ لَهَا مُعَارِضًا بَعْدَ نَظَرِ مِثْلِهِ فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ :
إمَّا أَنْ يَتَّبِعَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْآخَرِ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ الْإِمَامَ الَّذِي اشْتَغَلَ عَلَى مَذْهَبِهِ ؛ وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةِ شَرْعِيَّةٍ بَلْ مُجَرَّدُ عَادَةٍ يُعَارِضُهَا عَادَةُ غَيْرِهِ وَاشْتِغَالٌ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ آخَرَ .
وَإِمَّا أَنْ يَتَّبِعَ الْقَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ فِي نَظَرِهِ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِإِمَامِ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ وَتَبْقَى النُّصُوصُ سَالِمَةً فِي حَقِّهِ عَنْ الْمُعَارِضِ بِالْعَمَلِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ .
وَإِنَّمَا تَنَزَّلْنَا هَذَا التَّنَزُّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : إنَّ نَظَرَ هَذَا قَاصِرٌ وَلَيْسَ اجْتِهَادُهُ قَائِمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِضَعْفِ آلَةِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ .
أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ التَّامِّ الَّذِي يَعْتَقِدُ مَعَهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ النَّصَّ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ النُّصُوصِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَكَانَ مَنْ أَكْبَرِ الْعُصَاةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ : قَدْ يَكُونُ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ حُجَّةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى هَذَا النَّصِّ وَأَنَا لَا أَعْلَمُهَا، فَهَذَا يُقَالُ لَهُ : قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا } (16) سورة التغابن، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « دَعُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ »(4).
وَاَلَّذِي تَسْتَطِيعُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ دَلَّكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَّبِعَ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ لَك فِيمَا بَعْدُ أَنَّ لِلنَّصِّ مُعَارِضًا رَاجِحًا كَانَ حُكْمُك فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ، وَانْتِقَالُ الْإِنْسَانِ مِنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِأَجْلِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ بِخِلَافِ إصْرَارِهِ عَلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ مَعَهُ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْقَوْلِ الَّذِي وَضَحَتْ حُجَّتُهُ أَوِ الِانْتِقَالُ عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمُجَرَّدِ عَادَةٍ وَاتِّبَاعِ هَوًى فَهَذَا مَذْمُومٌ .
وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ الْمُقَلَّدُ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَتَرَكَهُ - لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا - فَمِثْلُ هَذَا وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ النَّصِّ، فَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي " رَفْعِ الْمَلَامِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ " نَحْوَ عِشْرِينَ عُذْرًا لِلْأَئِمَّةِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُمْ يُعْذَرُونَ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْأَعْذَارِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَمَعْذُورُونَ فِي تَرْكِهَا لِهَذَا الْقَوْلِ . فَمَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ أَوْ أَنَّ رَاوِيَهُ مَجْهُولٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ وَيَكُونُ غَيْرُهُ قَدْ عَلِمَ صِحَّتَهُ وَثِقَةَ رَاوِيهِ : فَقَدْ زَالَ عُذْرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ هَذَا ، وَمَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يُخَالِفُهُ ؛ أَوِ الْقِيَاسِ ؛ أَوْ عَمَلٍ لِبَعْضِ الْأَمْصَارِ ؛ وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْآخَرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لَا يُخَالِفُهُ ؛ وَأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّوَاهِرِ ؛ وَمُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالْعَمَلِ : لَمْ يَكُنْ عُذْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ ؛ فَإِنَّ ظُهُورَ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَذْهَانِ وَخَفَاءَهَا عَنْهَا أَمْرٌ لَا يَنْضَبِطُ طَرَفَاهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّارِكُ لِلْحَدِيثِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا، الَّذِينَ يُقَالُ : إنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْحَدِيثَ إلَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مُعَارَضٌ بِرَاجِحِ ، وَقَدْ بَلَغَ مَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ لَمْ يَتْرُكُوهُ بَلْ عَمِلَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ؛ أَوْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُمْ ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدَحُ فِي هَذَا الْمُعَارِضِ لِلنَّصِّ .
وَإِذَا قِيلَ لِهَذَا الْمُسْتَهْدِي الْمُسْتَرْشِدِ : أَنْتَ أَعْلَمُ أَمِ الْإِمَامُ الْفُلَانِيُّ ؟ كَانَتْ هَذِهِ مُعَارَضَةً فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْفُلَانِيَّ قَدْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ هُوَ نَظِيرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَلَسْتُ أَعْلَمُ مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا ،وَلَكِنَّ نِسْبَةَ هَؤُلَاءِ إلَى الْأَئِمَّةِ كَنِسْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وأبي وَمُعَاذٍ وَنَحْوِهِمْ إلَى الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَكَمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ أَكْفَاءٌ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ يَكُونُ أَعْلَمَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ : فَكَذَلِكَ مَوَارِدُ النِّزَاعِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَسْأَلَةِ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَأَخَذُوا بِقَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَهُمَا كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ لَمَّا احْتَجَّ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ(5)، وَتَرَكُوا قَوْلَ عُمَرَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ وَأَخَذُوا بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ لِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ "(6).
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؟(7).
وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْهَا فَأَمَرَ بِهَا فَعَارَضُوا بِقَوْلِ عُمَرَ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ مَا يَقُولُونَهُ فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ : أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ أَمْرُ عُمَرَ ؟ مَعَ عِلْمِ النَّاسِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَوَجَبَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَبْقَى كُلُّ إمَامٍ فِي أَتْبَاعِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُمَّتِهِ، وَهَذَا تَبْدِيلٌ لِلدِّينِ يُشْبِهُ مَا عَابَ اللَّهُ بِهِ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِ : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (31) سورة التوبة ،وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ .اهـ
قلت : إذا لم يجد في مذهبه دليلاً قويا ، ووجد بعض الفقهاء قد عمل بهذا الحديث ، فله العمل بالحديث إن كان أهلاً لذلك ، وإن لم يكن أهلا فهو معذور في ترك العمل به ، ولا إثم عليه .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 210)
(2) - وفي الجامع لمعمر (1311 ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، قَالَ : خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ ، فَإِنْ ضَعُفْتُ فَقَوِّمُونِي ، وَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي ، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ ، الضَّعِيفُ فِيكُمُ الْقَوِيُّ عِنْدِي حَتَّى أُزِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمُ الضَّعِيفُ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالْفَقْرِ ، وَلَا ظَهَرَتْ - أَوْ قَالَ : شَاعَتِ - الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا عَمَّمَهُمُ الْبَلَاءُ ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ " قَالَ مَعْمَرٌ : وَأَخْبَرَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِي ( صحيح لغيره ) وانظر البداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 7 / ص 394)
(3) - صحيح البخارى(71)
(4) - صحيح البخارى(7288 ) 117/9
(5) - عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَوَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا ». وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ضَرْبَةً فَمَسَحَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى كَفَّيْهِ وَوَجْهِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.سنن النسائى(322 ) صحيح
(6) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ » ، يَعْنِى الْخِنْصَرَ وَالإِبْهَامَ . صحيح البخارى(6895 )
(7) - زاد المعاد (2/195)(2/5)
المبحث الخامس والعشرون
بيانُ معرفة الحقِّ بالدليل(1)
قال الإمام الرباني أبو العباس أحمد الشهير بزروق المغربي في كتابه " قواعد التصوف ":
" العلماءُ مصدَّقون فيما ينقلون، لأنه موكولٌ لأمانتهم مبحوثٌ معهم فيما يقولون، لأنه نيتجةُ عقولهم، والعصمةُ غيرُ ثابتة لهم، فلزم التبصُّرُ طلباً للحقِّ والتحقيق، لا اعتراضاً على القائلِ والناقلِ، ثم إنْ أتى المتأخِّرُ بما لم يسبقْ إليه فهو على رتبيه، ولا يلزمه القدحُ في المتقدِّم ولا إساءةُ الأدب معه؛ لأنَّ ما ثبت من عدالة المتقدَّم قاضٍ برجوعِه للحقِّ عند بيانهِ لو سمعَهُ " انتهى
وقال الأصفهاني في " أطباق الذهب في المقالة السابعة والثلاثين ": الحقُّ يتضحُ بالأدلة ، والشهورُ تشتهرُ بالأهلَّة، وشفاءُ الصدور يحصل بالبلَّة ، وطالبُ الحقِّ ضيفُ الله ، والدليلُ القاطعُ سيفُ الله ، به يفكُّ العلمُ وينشرُ، وبه يبقَرُ الحقُّ ويقشَرُ،ومثلُ العلوم والبرهانِ كمثلِ المصباح والأدهانِ، الحجَّةُ للأحكام كالعمادِ للخِيام، إعصارُ الظنِّ كدرٌ كعصارةِ الدنِّ، الزمِ اليقينَ تكنْ منَ المتقين، فشواظُ الوهمِ يشوي حمامةَ القلبِ شيًّا ، { وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (28) سورة النجم " انتهى
وفي كتاب قاموسُ الشريعة " : لا يصحُّ لامرئ إلا موافقة الحقِّ، ولا يلزمُ الناسُ طاعةَ أحدٍ لأجل أنه عالمٌ أو إمامُ مذهبٍ، وإنما يلزمُ الناسُ قبولَ الحقِّ ممن جاء به على الإطلاق، ونبذِ الباطلِ ممن جاء به بالاتفاق)
وفيه أيضاً " : كلُّ مسألةٍ لم يخلُ الصواب فيها من أحدِ القولينِ ففسدَ أحدُهما لقيامِ الدليل على فساده صحَّ أن الحقَّ في الآخرِ، قال الله تعالى: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (32) سورة يونس "
وفيه أيضاً " : والذي يحرِّمُ على العالم تصنييعُ الاجتهاد والسكوتُ بعد التبصرة والإفرادُ بعد القطع، حديثُ عبادة بن الصامت : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.(2)" انتهى
وقال الإمام مفتي مكة الشيخُ محمد عبد العظيمُ بنُ ملا فروخ في رسالته " القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد " في الفصل الأول(3)": اعلمْ أنه لم يكلف الله تعالى أحداً من عبادة أن يكون حنفياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنبلياً ، بلْ أوجبَ عليهم الإيمانَ بما بُعثَ به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والعملَ بشريعته ،غير أن العمل بها متوقفٌ على الوقوف عليها ، والوقوفُ عليها له طرقٌ فما كان منها مما يشتركُ فيه العامَّةُ وأهلُ النظر، كالعلم بفريضة الصلاة والزكاة والحج والصوم والوضوء إجمالاً، وكالعلم بحرمة الزنا والخمر واللواطة وقتل النفس ونحو ذلك مما علِمَ من الدِّين بالضرورة فذلكَ لا يتوقفُ فيه على اتباعِ مجتهدٍ، ومذهبٍ معيَّنٍ، بل كلُّ مسلمٍ عليه اعتقادُ ذلك يجبُ عليه، فمنْ كان في العصر الأول فلا يخفى وضوحُ ذلك في حقِّه، ومَن كان في الأعصارِ المتأخرةِ فلوصولِ ذلك إلى عمله ضرورةً من الإجماع والتواترِ، والآياتُ والسنَنُ -أي الأحاديثُ الشريفةُ المستفيضةُ- المصرحةُ بذلك في حقِّ مَن وصلتْ إليه .
وأمَّا مالا يتوصلُ إليه إلا بضربٍ من النظرِ والاستدلالِ، فمنْ كان قادراً عليه بتوفرِ آلاتهِ وجبَ عليه فعلَهَ؛ كالأئمةِ المجتهدينَ رضوانُ الله عليهم أجمعين، ومَنْ لم يكنْ له قدرةٌ عليه وجبَ عليه اتباعُ مَن أرشدَهُ إلى ما كلِّفَ به ممنْ هو من أهلِ النظر والاجتهادِ والعدالةِ، وسقطَ عن العاجزِ تكليفُه بالبحثِ والنظرِ لعجزهِ، بقوله تبارك وتعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } (286) سورة البقرة ، وقوله عز مِنْ قائلٍ: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل، وهي الأصلُ في اعتماد التقليدِ كما أشارَ إليه المحققُ الكمالُ بنُ الهمام في التحرير.
إذا علمتَ ذلك فاعلمْ أن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد بن محمد بن حنبل رحمة الله عليهم أجمعين كلٌّ كانَ من أهل الذكرِ الذين وجبَ سؤالُهم لمنْ لم يصلْ إلى درجة النظرِ والاستدلالِ، فإذا عملَ أحدُ من المقلِّدين في طهارته وصلاته أو شيء مما جرَى به التكليفُ بقولِ واحدٍ منهم مقلِّداً له فيهِ، أو صادفَ قولَه- ولو لم يعلمْ بهِ حينَ العملِ- فقلَّده فيهِ بعد انقضائهِ على ما ظهرَ لي في المسألة، كما يدلُّ عليهِ ما استشهدَ به في المسالةِ بعد هذا، فقد أدَّى ما عليه، وليس لأحدٍ ممن هو في درجته التقليدُ له، قلتُ بلْ و لا للمجتهدِ الإنكارُ عليه كما صُرِّحَ به ( في غير كتابٍ) عندنا من تصانيفِ الصدر الشهيد حسامُ الدين وغيره من كتب المذهبِ المعتبرةِ كالتجنيس والمزيد لشيخ الإسلام برهانُ الدين صاحبُ الهداية كما نقلته بخطي عنها في مظانه، إذا ثبتَ ذلك فليسَ لحنفيٍّ أو مالكيٍّ أو شافعيٍّ من المقلِّدين أن يمتنعَ منَ الاقتداءِ بالإمامِ المخالفِ لمذهبهِ، و ليس له أن يحتجَّ بأني لما قلدتُ الشافعيَّ أو أبا حنيفةَ مثلاً فقدْ وجبَ عليَّ الحكمُ ببطلانِ ما خالفَ اجتهادَه ، لأننا نقولُ : إنما أبيحَ التقليدُ بقدْر الضرورةِ ، وذلك يندفعُ بتقليدِكَ لهُ في عملكَ وكيفيتِه فقط، وإنْ شئتَ قلْ في كيفيةِ إيقاعِ ما كلِّفتَ به فقط، وأمَّا الحكمُ ببطلانِ مخالفِه فليس ذلكَ إليكَ، بلْ للكلام مجالٌ في تسويغِ ذلكَ للمجتهدِ الذي قلَّدتَهُ.
وأمَّا أنتَ ومَن هو في مرتبتِكَ منَ المقلِّدين فقولُ كلِّ مجتهدٍ عندهُ على حدٍّ سواءٍ، إذ ليس الترجيحُ بالدليلِ من وظائفِكَ، ولكنتَ في درجتِهم ، ووجبَ عليكَ الاجتهادُ وارتفعَ التقليدُ، ولكنْ لابدَّ للعملِ في تصحيحِه من مستنَدٍ، فأنتَ استندتَ إلى إمامِكَ، ونِعمَ الإمامُ ،وهذا الآخرُ استند إلى إمامٍ في فعلِه مثلَ إمامِك، أو أعلَى منهُ، فلا يمكنُكَ الحكمَ على عملِه بالبطلانِ البتَّةَ، فلستَ حينئذٍ في تخلفِكَ عن الاقتداءِ به إلا عاملاً بمحضِ التعصُّبِ، وقد نصَّ علماؤُنا وغيرُهم من أصحاب المذاهب على حُرمةِ التعصُّبِ وتصويبِ الصلابةِ في المذهبِ، ومعنى الصلابةِ- أي الثباتُ على ما ظهرَ للمجتهدِ من الدليلِ- وليس ذلكَ إلا للمجتهدِ نفسِه ،أو لمنْ هو منْ أهلِ النظرِ ممنْ أخذَ بقولِه ، والتعصُّبُ هو الميلُ مع الهوَى لأجلِ نصرةِ المذهبِ ومعاملةِ الإمامِ الآخرِ ومقلِّديه بما يحطُّ عنهم، وقد نصَّ في جواهر الفتاوَى وغيرِها من كتب أصحابِنا أنَّ الإمامَّ الشافعيَّ رحمه الله تعالى لم يكنْ له تعصُّبٌ على أئمتِنا رحمهم الله تعالى.
وقد كانَ الصحابةُ رضي الله عنهم يقتدي بعضُهم ببعضٍ ، وكذا التابعونَ لهم وفيهم المجتهدونَ، ولم ينقَلْ عن أحدٍ من السَّلَف رحمهم الله تعالى أنه كانَ لا يرَى الاقتداءَ بمنْ يخالفُ قولَه في بعضِ المسائل، ولو في خصوصِ الطهارةِ والصلاةِ؛ بل كانَ يقتدي بعضُهم ببعضٍ، وربما اعتقدَ بعضُهم ولايةَ بعضٍ ، حتى أنَّ الشافعيَّ رضي الله عنه بعثَ يطلبُ قميصَ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبل من بغدادَ يستشفي بهِ في مدةِ مرضِه بغسلهِ وشربِ مائهِ كما رأيتُه مثبتاً في مناقبِ أحمد رضي الله تعالى عنهم، يعامِلُ بعضُهم بعضاً كما يعلَمُ ذلك من سِيرهِم وأحوالِهم .
ولا يلتفتُ إلى ما قد تمسكَ به من لا معرفةَ عنده بأنَّ الاختلافَ بينهم لم يكن بينهم بهذه الصِّفة التي عليها المذاهبُ الآن، لأنا قد قررنا أن ذلك لا يمنعُ ، لأنِّ الكلَّ كانوا في طلب الحقِّ على حدٍّ متساوٍ ،واجتهادُ كلِّ واحدٍ منهم يحتملُ الخطأَ كغيره، بعد تسليمِ بلوغِهم درجةَ الاجتهادِ وإنْ تفاوتوا فيه. اهـ
وقال الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس "(4): اعلمْ أن المقلدَ على غير ثقةٍ فيما قلَّد فيه ، وفي التقليدِ إبطالُ منفعةِ العقلِ؛ لأنه إنما خلِقَ للتأملِ والتدبرِ . وقبيحٌ بمَنْ أعطيَ شمعةً يستضيءُ بها أنْ يُطفئَها ويمشي في الظُّلْمَةِ .
واعلمْ أنَّ عمومَ أصحابِ المذاهبِ يعظُمُ في قلوبهِم الشخصُ فيتبعونَ قولهُ منْ غيرِ تدبُّرٍ بما قالَ : وهذا عينُ الضلالِ، لأنَّ النظرَ ينبغي أنْ يكونَ إلى القولِ لا إلى القائلِ كما قالَ عليٌّ رضي الله عنه للحارثِ بن عبدالله الأعور بن حوطٍ، وقد قالَ لهُ: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطلٍ، فقال له: يا حارثُ إنه ملبوسٌ عليكَ، إنَّ الحقَّ لا يعرفُ بالرجالِ، " اعْرَفْ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ "(5)
وكان أحمدُ بنُ حنبلٍ يقول : مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ في اعتقادهِ رجلاً ، ولهذا أخذ أحمدُ بنُ حنبل بقول زيدٍ في الجدِّ وتركَ قولَ أبي بكرِ الصديقِ رضي الله عنه ، « فإنْ قالَ قائلٌ »: فالعوامُ لا يعرفونَ الدليلَ فكيفَ لا يقلِّدون؟
فالجوابُ : - إنَّ دليلَ الاعتقادِ ظاهرٌ على ما أشرنا إليه في ذكر الدهرية، ومثلُ ذلك لا يخفَى على عاقلٍ، وأمَّا الفروعُ فإنها لمَّا كثرتْ حوادثُها واعتاصَ على العاميِّ عرفانُها وقربَ لها أمرُ الخطأِ فيها كانَ أصلحَ ما يفعلُه العاميُّ التقليدُ فيها لمَنْ قدْ سبرَ ونظرَ إلا أنَّ اجتهادَ العاميِّ في اختيارِ مَنْ يقلِّدُهُ . اهـ
قلتُ : هذا يقالُ في حقِّ القادرِ على الاستنباطِ والفهمِ من النصوصِ، فإنه يجبُ عليه هجرُ التقليدِ، وفي تقليدهِ إبطالٌ لمنفعةِ عقلِه، أمَّا العاميُّ ومَنْ في حكمه فليسَ له طريقٌ إلا التقليدَ، وهو مأمورٌ بسؤالِ العلماءِ.
وقال ابن القيم(6): " فإذا جاءت هذه- أي النفس المطمئنة - بتجريد المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - جاءتْ تلكَ -أي الإمارةُ- بتحكيم آراءِ الرجال وأقوالهِم،فأتت بالشبهةِ المضلَّة بما يمنعُ من كمالِ المتابعةِ، وتقسم بالله ما مرادها إلا الإحسانُ والتوفيقُ واللهُ يعلم أنها كاذبةٌ، وما مرادُها إلا التفلتَ من سجنِ المتابعةِ إلى فضاءِ إرادتِها وحظوظِها وتريهِ - أي وترَى النفسُ الأمارةُ صاحبَها تجريدَ المتابعةِ للنبي صلى اله عليه وسلم وتقديمَ قولِه على الآراءِ في صورةٍ تنقصُ العلماءَ وإساءةِ الأدبِ عليهم المفضي إلى إساءةِ الظنِّ بهم، وأنهم قدْ فاتهُم الصوابُ، فكيف لنا قوةَ الردِّ عليهِم أو نحظَى بالصوابِ دونهم ، وتقاسِمُهم باللهِ إنْ أرادتْ إلا إحساناً وتوفيقاً، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} (63) سورة النساء . والفرقُ بينَ تجريدِ متابعةِ المعصومِ وإهدارِ أقوالِه وإلغائِها أنْ تجريدَ المتابعةِ أنْ لا تقدِّمَ على ما جاءَ بهِ قولَ أحدٍ ولا رأيَه كائناً مَن كانَ، بل تنظرُ في صحَّةِ الحديثِ أولاَ، فإذا صحَّ لكَ نظرتَ في معناهُ ثانيا ، فإذا تبينَ لك لم تعدلْ عنه ولو خالفكَ مَن بينَ المشرقِ المغربِ، ومعاذَ اللهِ أن تتفقَ الأمةُ على مخالفةِ ما جاء بهِ نبيُّها - صلى الله عليه وسلم - ، بل لا بدَّ أن يكونَ في الأمةِ مَن قالَ به ولو لمْ تعلمْهُ، فلا تجعلْ جهلكَ بالقائلِ به حجَّةً على اللهِ ورسولهِ ، بلِ اذهبْ إلى النصِّ ولا تضعُفْ، واعلمْ أنهُ قد قالَ به قائلٌ قطعاً ، ولكنْ لم يصلْ إليكَ هذا مع حفظِ مراتبِ العلماءِ وموالاتِهم واعتقادِ حرمتِهم وأمانتِهم واجتهادِهم في حفظِ الدِّينِ وضبطهِ، فهم دائرونَ بينَ الأجرِ والأجرينِ والمغفرةِ، ولكنْ لا يوجبُ هذا إهدارُ النصوصِ وتقديمُ قولِ الواحدِ منهم عليها بشبهةِ أنهُ أعلمُ بها منكَ، فإنْ كان كذلكَ فمَنْ ذهبَ إلى النصِّ أعلمُ به منكَ، فهلَّا وافقتَه إنْ كنتَ صادقاً ؟.
فمنْ عرضَ أقوالَ العلماءِ على النصوصِ ووزنَها بها وخالفَ منها ما خالفَ النصَّ لم يهدرْ أقوالَهم ، ولم يهضمْ جانبَهم، بلِ اقتدَى بهم ، فإنهم كلَّهم أمروا بذلكَ، فمتَّبِعُهم حقًّا مَنِ امتثلَ ما أوصوا به، لا مَن خالفَهم ، فخلافُهم في القول الذي جاء النصُّ بخلافِه أسهلُ من مخالفتِهم في القاعدةِ الكليةِ التي أَمروا ودعوا إليها من تقديمِ النصِّ على أقوالِهم، ومِنْ هنا يتبينُ الفرقُ بينَ تقليدِ العالِم في كلِّ ما قالَ وبينَ الاستعانةِ بفهمِِهِ والاستضاءَةِ بنورِ علمِه ، فالأولُ يأخذُ قولَه منْ غيرِ نظرٍ فيهِ، ولا طلبٍ لدليلِه منِ الكتابِ والسنَّةِ، بلْ يجعلُ ذلكَ كالحبلِ الذي يلقيهِ في عنقِه يقلِّدهُ بهِ، ولذلكَ سمِّيَ تقليداً بخلافِ ما استعانَ بفهمِه واستضاءِ بنورِ علمِه في الوصولِ إلى الرسولِ صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه يجعلُهم بمنزلةِ الدليلِ إلى الدليلِ الأولِ، فإذا وصلَ إليه استغنَى بدلالتِه عنِ الاستدلالِ بغيرهِ، فمَنِ استدلَّ بالنَّجمِ على القبلَةِ فإنهُ إذا شاهدَها لم يبقَ لاستدلالهِ بالنجمِ معنًى ،قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ .
ومن هذا يتبينُ الفرقُ بين الحُكمِ المنزَّلِ الواجبِ الاتباعِ والحكمِ المؤوَّلِ الذي غايتُه أنْ يكونَ جائزَ الاتباعِ، بأنَّ الأولَ هو الذي أنزلَ الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - متلوًّا أو غيرَ متلوٍّ إذا صحَّ ، وسلِمَ منَ المعارضَةِ، وهو حكمُه الذي ارتضاهُ لعبادهِ ولا حكمَ له سواهُ، وإنَّ الثاني أقوالُ المجتهدينَ المختلفَةِ التي لا يجبُ اتباعُها ولا يكفُرُ ولا يفسُقُ مَنْ خالفَها ، فإنَّ أصحابَها لم يقولوا هذا حكمُ الله ورسولِه قطعاً، وحاشاهُم عن قولِ ذلكَ، وقد صحَّ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - النهيُ عنهُ ، فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : « اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَ لاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلاَلٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِى يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ ».(7)
بلْ قالوا: اجتهدنا رأيَنا فمنْ شاءَ قبِلَه ومنْ شاءَ لم يقبلْهُ، ولم يلزمْ أحدٌ منهم بقولِ الأئمةِ، قالَ الإمامُ أبو حنيفةَ : هذا رأيي فمن جاء بخير منه قبلته انتهى.
ولو كان هو عنْ حكم اللهِ لما ساغَ لأبي يوسفَ ومحمدَ وغيرهِما مخالفتُه فيه، وكذلك قال مالكٌ لمَّا استشارَهُ هارونُ الرشيدُ في أنْ يحملَ الناسَ على ما في الموطأِ فمنعَهُ من ذلك، وَقَالَ لَهُ : قَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبِلَادِ ، وَصَارَ عِنْدَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ .
وهذا الشافعيُّ نهى أصحابه عن تقليدِه ويوصيهِم بتركِ قولِه إذا جاءَ الحديثُ بخلافِه،وَقَالَ أَبُو دَاوُد : قُلْت لِأَحْمَدَ : الْأَوْزَاعِيُّ هُوَ أَتْبَعُ مِنْ مَالِكٍ ؟ قَالَ : لَا تُقَلِّدْ دِينَك أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ ، مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ فَخُذْ بِهِ ، ثُمَّ التَّابِعِيُّ بَعْدَ الرَّجُلِ فِيهِ مُخَيَّرٌ .
وَقَدْ فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالِاتِّبَاعِ فَقَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعَتْهُ يَقُولُ : الِاتِّبَاعُ أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَنْ أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ هُوَ مِنْ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ ، وَقَالَ أَيْضًا : لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا .
وَقَالَ : مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ .
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ : قَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا .
وَقَدْ صَرَّحَ مَالِكٌ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَرَكَ قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِقَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَ إبْرَاهِيمَ أَوْ مِثْلِهِ ؟ .اهـ(8)
وقال الأمير عبد القادر الجزائري في مقدمة كتابه " ذكرى العاقل وتنبيه الغافل " في الباب الأول -تقديم في العلم والجهل :
اعلموا: أنه يلزم العاقلُ، أن ينظر في القول، ولا ينظر إلى قائله. فإن كان القولُ حقاً، قبله، سواءٌ كان قائلُه معروفاً بالحقِّ، أو الباطلِ، فإنَّ الذهبَ يُستخرجُ من التراب. والنرجسَ، منَ البصل، والترياقَ، منَ الحيَّاتِ ويجتنَى الوردُ، منَ الشوك، فالعاقلُ: يعرفُ الرجالِ بالحقِّ، ولا يعرفُ الحقَّ بالرجالِ. والكلمةُ من الحكمةِ، ضالَّةُ العاقلِ يأخذُها من عندِ كلِّ مَن وجدها عندهُ، سواءٌ كانَ حقيراً، أو جليلاً. وأقلُّ درجاتِ العالِم، أن يتميزَ عن العاميِّ بأمورٍ، منها:
أنه لا يعافُ العسلَ إذا وجدَه في محجمةِ الحجَّامِ، و يعرفُ أن الدمَ قذِرٌ، لا لكونِه في المحجَمةِ ولكنهُ قذرٌ في ذاتِه، فإذا عدمتْ هذه الصفةُ في العسلِ، فكونُه في ظرفِ الدمِ المستقذَرِ، لا يكسبُه تلك الصفةَ، ولا يوجبُ نفرهُ عنه. وهذا وهمٌ باطلٌ، غالبٌ على أكثر الناس. فمهما نُسِبَ كلامٌ إلى قائلٍ، حسُنَ اعتقادُهم فيه، قبلوهُ. وإنْ كان القولُ باطلاً. وإن نسِبَ القولُ، إلى من ساءَ فيه اعتقادُهم ردُّوه، وإنْ كان حقًّا ، ودائماً يعرفونَ الحقَّ بالرجالِ، ولا يعرفونَ الرجالَ بالحقِّ، وهذا غايةُ الجهلِ والخسرانِ.
فالمحتاجُ إلى الترياقِ إذا هربتْ نفسُه منه، حيثُ علِم أنهُ مستخَرجٌ من حيَّةٍ، جاهلٌ. فيلزمُ تنبيهُه على أن نفرتَه جهلٌ محضٌ. وهو سببُ حرمانِه من الفائدةِ، التي هيَ مطلوبةٌ.
فإنَّ العالِمَ، هو الذي يسهلُ عليه إدراكَ الفرقِ بين الصدقِ والكذبِ في الأقوال، وبينَ الحقِّ والباطلِ في الاعتقاداتِ، وبينَ الجميلِ والقبيحِ في الأفعالِ.
لا بأنْ يكون ملتبساً عليه الحقُّ بالباطلِ والكذبُ بالصدْقٍ، والجميلُ بالقبيحِ، ويصيرُ يتبعُ غيرَه، ويقلدُه فيما يعتقدُ وفيما يقولُ، فإنَّ هذه ما هي إلا صفاتُ الجهَّالِ.
والمتبوعون منَ الناس على قسمينِ: قسمٌ عالمٌ مسعِدٌ لنفسِه، ومسعِدٌ لغيره، وهو الذي عرفَ الحقَّ بالدليلِ، لا بالتقليدِ، ودعا الناسَ إلى معرفةِ الحقِّ بالدليلِ، لا بأنْ يقلدوهُ. وقسمٌ مهلكٌ لنفسِه، ومهلكٌ لغيرهِ، وهو الذي قلَّد آباءَه وأجدادَه، فيما يعتقدونَ ويستحسنونَ، وتركَ النظرَ بعقلِه، ودعا الناسَ لتقليدِه.
والأعمَى لا يصلُح أن يقودَ العميانِ، وإذا كان تقليدُ الرجالِ مذموماً، غيرَ مرضيٍّ في الاعتقاداتِ، فتقليدُ الكتبِ، أولى وأحرَى بالذمِّ، وأنَّ بهيمةً تقادُ، أفضلُ منْ مقلِّدٍ ينقادُ، وإنَّ أقوالَ العلماءِ والمتدينينَ، متضادةٌ، متخالفةٌ في الأكثرِ، واختيارُ واحدٍ منها، واتباعُهُ بلا دليلٍ، باطلٌ ؛ لأنه ترجيحٌ بلا مرجِّحٍ، فيكونَ معارضاً بمثلِهِ.
__________
(1) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 278)
(2) - صحيح مسلم (4874 )
(3) - القول السديد - (ج 1 / ص 37)
(4) - إرشاد النقاد - (ج 1 / ص 146) والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 19) وإيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 113) و تلبيس إبليس لابن الجوزي - (ج 1 / ص 32)
(5) - التحبير شرح التحرير - (ج 8 / ص 4112) وإيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 113)
(6) - إيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 113) والروح لابن القيم - (ج 1 / ص 108)
(7) - صحيح مسلم(4619 )
تخفر : تنقض العهد تغل : تسرق من الغنيمة قبل أن تقسم
(8) - إيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 114) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 305) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 279)(2/6)
وكلُّ إنسانٍ، من حيثُ هو إنسانٌ، فهو مستعدٌّ لإدراكِ الحقائقَ، على ما هي عليه، لأنَّ القلبَ، الذي هو محلُّ العلمِ، بالإضافةِ إلى حقائقَ الأشياءِ، كالمرآةِ بالإضافةِ إلى صورِ المتلوناتِ، تظهرُ فيها كلُّها على التعاقب، لكنَّ المرآةَ، قد لا تنكشفُ فيها الصورُ، لأسبابٍ، أحدُها: نقصانُ صورتِها، كجوهر الحديدِ، قبل أنْ يدوَّرَ ويشكَّلَ ويصقلَ، والثاني لخبثِه وصدئِه، وإنْ كان تامَّ الشكلِ، والثالثُ لكونِه غيرَ مقابلٍ للجهةِ، التي فيها الصورةُ، كما إذا كانتِ الصورةُ وراءَ المرآةِ، والرابعُ لحجابٍ مرسَلٍ بينَ المرآةِ والصورةِ، والخامسُ للجهلِ بالجهةِ التي فيها الصورةُ المطلوبةُ حتى يتعذرَ بسببهِ أن يحاذيَ به الصورةَ وجهتَها.
فكذلك القلبُ، مرآةٌ مستعدةٌ، لأن ينجليَ فيها صورُ المعلوماتِ كلِّها، وإنما خلتِ القلوبُ عن العلومِ، التي خلتْ عنها لهذه الأسبابِ الخمسةِ:
أولها: نقصانٌ في ذات القلب، كقلب الصبيِّ، فإنه لا تنجلي له المعلوماتُ لنقصانه، والثاني لكدراتِ الأشغالِ الدنيوية، والخبثِ الذي يتراكمُ على وجهِ القلبِ منها، فالإقبالُ على طلبِ كشفِ حقائقَ الأشياءِ والإعراضِ عن الأشياءِ الشاغلةِ القاطعةِ، هو الذي يجلو القلبَ، ويصفيَّه، والثالثُ: أن يكونَ معدولاً به عن جهةِ الحقيقةِ المطلوبةِ، والرابعُ الحجابُ، فإنَّ العقلَ المتجردَ للفكرِ، في حقيقةٍ من الحقائقِ، ربما لا تنكشفُ له، لكونهِ محجوباً باعتقادٍ سبقَ إلى القلب، وقتَ الصِّبا، طريقَ التقليد، والقبولُ بحسنِ الظنِّ، فإنَ ذلك يحولُ بين القلب والوصولِ إلى الحقِّ، ويمنعُ أن ينكشفَ في القلب، غيرَ ما تلقاهُ بالتقليدِ، وهذا حجابٌ عظيمٌ، حجبَ أكثرَ الخلقِ عن الوصولِ إلى الحقِّ ، لأنهم محجوبونَ باعتقاداتِ تقليديةٍ، رسختْ في نفوسهِم، وجمدتْ عليها قلوبُهم، والخامسُ الجهلُ بالجهةِ التي يقعُ فيها العثورُ على المطلوب.
فإنَّ الطالبَ لشيءٍ، ليسَ يمكنه أن يحصِّلَه، إلا بالتذكر للعلوم، التي تناسبُ مطلوبَه حتى إذا تذكَّرها، ورتَّبها في نفسهِ ترتيباً مخصوصاً، يعرفُه العلماءُ، فعند ذلك يكونُ قد صادفَ جهةَ المطلوبِ فتظهرُ حقيقةُ المطلوبِ لقلبِه، فإنَّ العلومَ المطلوبةَ، التي ليست فطريةً، لا تُصادُ إلا بشبكةِ العلوم الحاصلةِ.
بل كلُّ علمٍ لا يحصُلُ إلا عن علمينِ سابقينِ، يأتلفانِ، ويزدوجانِ، على وجه مخصوصٍ، فيحصل من ازدواجهِما علمٌ ثالثٌ على مثالِ حصول النتاجِ، من ازدواج الفحلِ والأنثَى، ثم كما أنَّ من أرادَ أن يستنتجَ فرساً، لم يمكنْه ذلكَ من حمارٍ وبعيرٍ، بلْ منْ أصلٍ مخصوصٍ، من الخيلِ، الذكرِ والأنثَى، وذلك إذا وقع بينهُما ازدواجٌ مخصوصٌ، فكذلكَ كلُّ علمٍ فله أصلانِ مخصوصانِ، وبينهما طريقٌ مخصوصٌ في الازدواجِ، يحصلُ من ازدواجهِما العلمُ المطلوبُ.
فالجهلُ بتلك الأصولِ وبكيفية الازدواجِ، هو المانعُ من العلمِ، ومثاله ما ذكرناه من الجهلِ بالجهةِ، التي الصورةُ فيها، بل مثاله:أن يريدَ الإنسانُ أن يرَى قفاهُ مثلاً بالمرآةِ، فإنه إذا رفع المرآةَ قبالةَ وجهِه، لم يكنْ حاذَى بها جهة القفا، فلا يظهرُ فيها القفا، وإنْ رفعَها وراءَ القفا وحاذاهُ كان قد عدلَ بالمرآةِ عن عينيهِ، فلا يرى المرآةَ، ولا صورةَ القفا فيها فيحتاجُ إلى مرآة أخرى، ينصبُها وراء القفا، وهذه المرآةُ، في مقابلتِها، بحيثُ يراها، ويراعي مناسبةً بين وضعِ المرآتين، حتى تنطبعَ صورةُ القفا في المرآةِ المحاذيةِ للقفا، ثم تنطبعُ صورةُ هذه المرآة، مع ما فيها من صورةِ القفا، في المرآة الأخرى التي في مقابلة العينِ، ثم تدركُ العينُ صورة القفا.
فكذلكَ في اصطيادِ العلوم، وطلبِ إدراكِ الأشياءَ، طرقٌ عجيبةٌ، فيها انحرافاتٌ عن المطلوبِ أعجبُ مما ذكرناه في المرآة، فهذه هي الأسبابُ المانعةُ للقلوب من معرفة الحقائقَ، وإلا فكلُّ قلبٍ، فهو بالفطرةِ الإلهيةِ، صالحٌ لإدراكِ الحقائقَ اهـ
ـــــــــــــــ(2/7)
المبحث السادس والعشرون
بيانُ أنَّ معرفة الشيءِ ببرهانهِ طريقةُ القرآنِ الكريمِ(1)
قال الأستاذ العلامة مفتى الديار المصرية الشيخ محمد عبده في المقالة أثرت عنه ما صورته " سعادة الناس في دنياهم وأخراهم بالكسب والعمل ، فإنَّ الله خلق الإنسان وأناط جميع مصالحه ومنافعِه بعمله وكسبِه، والذين حصَّلوا سعادتهم بدون عمل ولا سعيٍ همُ الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام وحدهم ، لا يشاركُهم في هذا أحدٌ من البشر مطلقاً، والكسبُ مهما تعددت وجوهُه فإنها ترجعُ إلى كسبِ العلمِ، لأنَّ أعمالَ الإنسان إنما تصدرُ عن إرادته ، وإرادتُه تنبعثُ عن آرائه، وآراؤُه هي نتائجُ علمه، فالعلمُ مصدرُ الأعمالِ كلِّها دنيويةَ وأخرويةَ، فكما لا يسعدُ الناسُ في الدنيا إلا بأعمالِهم كذلك لا يسعدونَ في الآخرةِ إلا بأعمالِهم ، وحيث كان للعلم هذا الشأنُ فلا شكَّ أن الخطأ فيه خطأٌ في طريقِ الَّسير إلى السعادة عائقٍ أو مانعٍ من الوصول إليها، فلا جرمَ أن الناس في أشد الحاجةِ إلى ما يحفظُ من هذا الخطأِ ويسيرُ بالعلم في طريقهِ القويمِ حتى يصلَ السائرُ إلى الغاية "
ثم قال: " اعتنى العلماءُ في كلِّ أمةٍ بضبطِ اللسانِ وحفظِه من الخطأِ في الكلام، ووضعوا لذلك علوماً كثيرةً، وما كان للسان هذا الشأنُ إلا لأنه مجليٌّ للفكرِ وترجمانٌ له ، وآلةٌ لإيصالِ معارفِه من ذهنٍ إلى آخرَ، فأجدرُ بهم أن تكونَ عنايتُهم بضبطِ الفكرأعظمُ، كما أن اللفظ مجليُّ الفكر هو غطاؤُه أيضاً ، فإن الإنسان لا يقدرُ على إخفاءِ أفكارهِ إلا بحجابِ الكلامِ الكاذبِ، حتى قال بعضهُم: إن اللفظَ لا يوجدُ إلا ليخفيَ الفكرَ ".
ثم كشف الأستاذُ النقابَ عن حقيقة الفكر الصحيحِ الذي ينتفعُ بالميزان ويكونُ مطلقاً يجري في مجراهُ الذي وضعه اللهُ تعالى عليه إلى أن يصلَ إلى غايتِه، أمَّا المقيَّدُ بالعادات فهو الذي لا شأنَ له، وكأنهُ لا وجود لهُ، وقد جاء الإسلامُ ليعتقَ الأفكارَ من رقِّها ويحلَّها من عقلِها، فترَى القرآنَ ناعياً على المقلِّدين ذاكراً لهم بأسوأ ما يذكرُ به المجرمُ، ولذلك بنيَ على اليقين ثم قال :" على طالب العلمِ أن يسترشدَ بم تقدمَّه سواءٌ كانوا أحياءً أم أمواتاً، ولكن عليه أن يستعملَ فكرهُ فيما يؤثرُ عنهم، فإن وجده صحيحاً أخذَ به ، وإن وجده فاسداً تركَهُ، وحينئذ يكون ممن قال اللهُ تعالى فيهم: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) [الزمر/17-19])، وإلا فهو كالحيوانِ، والكلامُ كاللحام له أو الزمامِ يمنعُ به عن كلِّ ما يريدُ صاحب الكلام منعُه عنه، وينقادُ إلى حيث يشاءُ المتكلِّمُ أن ينقادَ إليه من غير عقلٍ ولا فهمٍ " .
ثم ألمعَ إلى الأشياءَ التي تجعل الفكرَ صحيحاً مطلقاً فقال: " إنَّ الكلامَ عنه يحتاجُ إلى شرحٍ طويلٍ، ويمكن أن نقولَ فيه كلمةً جامعةً يرجع إليها كلُّ ما يقالُ وهي الشجاعةُ - الشجاعُ هو الذي لا يخافُ في الحقِّ لومةَ لائمٍ -فمتَى لاح له يصرِّحُ به ويجاهرُ بنصرتِه ، وإن خالفَ في ذلك الأولينَ والآخرينَ، ومنَ الناس من يلوحُ له نورُ الحقِّ فيبقَى متمسكاً بما عليه الناسُ، ويجتهدُ في إطفاءِ نورِ الفطرةِ، ولكنَّ ضميرَهُ لا يستريحُ فهو يوبِّخُه إذا خلا بنفسِه ولو في فراشِه لا يرجعُ عن الحقِّ أو يكتمُ الحقَّ لأجلِ الناس، إلا الذي لم يأخذ إلا بما قال الناسُ، ولا يمكنُ أن يأتي هذا من موقنٍ يعرفُ الحقَّ معرفةً صحيحةً ".
وبعد أن أفاضَ في الكلامِ على الشجاعةِ وبينَ احتياجَ الفكرِ والبصيرةِ في الدِّينِ إليها قال : " وهنا شيءٌ يحسبُه بعضُهم شجاعةً وما هو بشجاعةٍ وإنما هو وقاحةٌ، وذلك كالاستهزاءِ بالحقِّ وعدم المبالاةِ بالحقِّ، فترى صاحبَ هذه الخلَّةَ يخوضُ في الأئمةِ ويعرضُ بتنقيص أكابرِ العلماءِ غروراً وحماقةً، والسببُ في ذلك أنه ليس عنده من الصبرِ والاحتمالِ وقوةِ الفكرِ ما يسبرُ به أغوارَ كلامِهم ويمحِّصُ به حججَهم وبراهينَهم، ليقبلَ ما يقبلُ عن بيِّنةٍ ويتركَ ما يتركُ عن بيِّنَةٍ ، وهذا ولا شكَّ أجبنُ ممن تحمَّلَ ثقِلَ التقليدِ على ما فيه، وربما تنبعَ في عقلُه خواطرَ ترشدُه إلى البصيرةِ أو تلمعُ في ذهنهِ بوارقُ من الاستدلالِ لو مشَى في نورِها لاهتدى وخرجَ من الحيرةِ، وأما المستهزئُ فهو أقلُّ احتمالاً من المقلِّد، فإنَّ الهوى الذي يعرضُ لفكرةٍ إنما يأتيهِ من عدمِ صبرِه وثباتِه على الأمورِ وعدم التأملِ فيها ، والحاصلُ أن الفكرَ الصحيحَ يوجَدُ بالشجاعةِ، وهي ها هنا التي يسمِّيها بعضُ الكتاب العصريين " الشجاعةُ الأدبيةُ " وهي قسمانِ شجاعةٌ في رفعِ القيدِ الذي هو التقليدُ الأعمَى ، وشجاعةٌ في وضعِ القيدِ الذي هو الميزانُ الذي لا ينبغي أن يقرَّ رأيٌّ ولا فكرٌ إلا بعد ما يوزنُ به ويظهرُ رحجانُه، وبهذا يكونُ الإنسانُ عبداً للحقِّ وحدَه ، وهذه الطريقةُ طريقةُ معرفةِ الشيء بدليلِه وبرهانِه ما جاءتنا من علمِ المنطقِ وإنما هي طريقةُ القرآنِ الكريمِ الذي ما قررَ شيئاً إلا واستدلَّ عليه وأرشدَ متبعيهِ إلى الاستدلال وإنما المنطقُ آلةٌ لضبط الاستدلال كما أن النحوَ آلةٌ لضبط الألفاظِ في الإعرابِ والبناءِ " انتهى .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 281)(2/8)
المبحث السابع والعشرون
إجماعُ الأمَّة على جواز تقليد الأئمة الأربعة(1)
مما يناسبُ هذا المقام التنبيه على مسائل ضلت في بواديها الأفهامُ ،وزلت الأقدام ،÷وطغت الأقلام منها :
(1)- أنَّ هذه المذاهب الأربعة المدونة قد اجتمعتِ الأمةُ أو من يعتدُّ به منها على جواز تقليدها إلى بومنا هذا .
وفي ذلك من المصالح ما لا يخفى لا سيما في هذه الأيام التي قصرت فيها الهمم ،وأشربتِ النفوسُ الهوى، وأعجبَ كلُّ ذي رأي برأيه، فما ذهب إليه ابن حزم حيث قال(2): التقليدُ حرامٌ ولا يحلُّ لأحدٍ أن يأخذَ قولَ أحدٍ غيرَ قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا برهانِ لقوله تعالى {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (3) سورة الأعراف ، وقوله تعالى :{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (170) سورة البقرة ،وقال مادحاً من لم يقلد: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر ، وقال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء، فلم يبحِ اللهُ تعالى الردَّ عند التنازعِ إلى أحدٍ دون القرآنِ والسنَّةِ ،وحرَّم بذلك الردَّ عند التنازعِ إلى قولِ قائلٍ لأنهُ غيرُ القرآنِ والسنةِ، وقد صحَّ إجماعُ الصحابةِ كلِّهم أولِّهم عن آخرِهم وإجماعُ التابعين أولِّهم عن آخرهِم وإجماعُ تابعي التابعينَ إلى آخرهِم على الامتناعِ والمنعِ منْ أنْ يقصدَ منهم أحدٌ إلى قول إنسانٍ منهم أو ممنْ قبلهم فيأخذَهُ كلَّه ، فليعلمْ مَنْ أخذَ جميعَ أقوالِ أبي حنيفةَ أو جميعَ أقوالِ مالكَ أو جميعَ أقوال الشافعيِّ أو جميعَ أقوالِ أحمدَ رضيَ اللهُ عنهم ،ولم يتركْ قولَ من اتبع منهم أو من غيرهِم إلى قول غيرهِ، ولم يعتمدْ على ما جاءَ في القرآنِ والسُّنَّةِ غيرَ صارفٍ ذلكَ إلى قولِ إنسانٍ بعينهِ أنهُ قد خالفَ إجماع َالأمةٍ كلِّها منْ أولها إلى آخرِها بيقينٍ لا إشكالَ فيهِ، ولا يجدُ لنفسهِ سلفاً ولا إنساناً في جميع الأعصارِ المحمودةِ الثلاثةِ، فقد اتبعَ غيرَ سبيلِ المؤمنينِ ،فنعوذُ باللهِ منْ هذهِ المنزلةِ، وأيضاً فإنَّ هؤلاءِ الفقهاءَ كلَّهُم قدْ نهوا عنْ تقليدِ غيرهِم ،وقدْ خالفهُم مَنْ قلَّدهم، وأيضاً فما الذي جعلَ رجلاً منْ هؤلاءِ أو من غيرهِم أولى أنْ يقلَّد منْ عمرَ بن الخطابِ أو عليَّ بن أبي طالبٍ أو ابنِ مسعود أو ابنِ عمر َأو ابنِ عباسٍ أو عائشةَ أمِّ المؤمنين رضيَ اللهُ تعالى عنهُم، فلو ساغَ التقليدُ لكانَ كلُّ واحدٍ منْ هؤلاءِ أحقَّ بأنْ يتبعَ منْ غيرهِ انتهى .
إنما يتِمُّ(3)فيمنْ لهُ ضربٌ منَ الاجتهادِ ولو في مسألة واحدةٍ ، وفيمنْ ظهرَ عليه ظهوراً بيناً أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرَبكذا ونهَى عنْ كذا، وأنهُ ليسَ بمنسوخٍ، إمَّا بأنْ يتتبعَ الأحاديثَ وأقوالَ المخالفِ والموافقِ في المسألةِ، فلا يجدُ له نسخاً، أو بأنْ يرَى جمعاً غفيراً منَ المتبحرينَ في العلمِ يذهبونَ إليهِ ويرَى المخالفَ لهُ لا يحتجُّ الا بقياسٍ أو استنباطٍ أو نحوِ ذلكَ، فحينئذٍ لا سببَ لمخالفةِ حديثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا نفاقٌ خفيٌّ أو حمقٌ جليٌّ .
وهذا الذي أشارَ إليه الشيخُ عز الدينِ بنُ عبد السلام حيثُ قالَ(4):" وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْمُقَلِّدِينَ يَقِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى ضَعْفِ مَأْخَذِ إمَامِهِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ لِضَعْفِهِ مَدْفَعًا وَمَعَ هَذَا يُقَلِّدُهُ فِيهِ ، وَيَتْرُكُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ لِمَذْهَبِهِ جُمُودًا عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ ، بَلْ يَتَحَلَّلُ لِدَفْعِ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَيَتَأَوَّلُهُمَا بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ الْبَاطِلَةِ نِضَالًا عَنْ مُقَلِّدِهِ ، وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَجَالِسِ فَإِذَا ذُكِرَ لِأَحَدِهِمْ فِي خِلَافٍ مَا وَظَنَّ نَفْسَهُ عَلَيْهِ تَعَجَّبَ غَايَةَ التَّعَجُّبِ مِنْ اسْتِرْوَاحٍ إلَى دَلِيلٍ بَلْ لِمَا أَلِفَه مِنْ تَقْلِيدِ إمَامِهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْلَى مِنْ تَعَجُّبِهِ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ ، فَالْبَحْثُ مَعَ هَؤُلَاءِ ضَائِعٌ مُفْضٍ إلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ يُجْدِيهَا ، وَمَا رَأَيْت أَحَدًا رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ إذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فِي غَيْرِهِ بَلْ يَصِيرُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ وَبُعْدِهِ ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْبَحْثِ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمْ عَنْ تَمْشِيَةِ مَذْهَبِ إمَامِهِ قَالَ :لَعَلَّ إمَامِي وَقَفَ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَمْ أَهْتَدِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمِسْكِينُ أَنَّ هَذَا مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ وَيَفْضُلُ لِخَصْمِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ وَالْبُرْهَانِ اللَّائِحِ ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَنْ أَعْمَى التَّقْلِيدُ بَصَرَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى مِثْلِ مَا ذُكِرَ ، وَفَّقَنَا اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ أَيْنَ مَا كَانَ وَعَلَى لِسَانِ مَنْ ظَهَرَ ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ مُنَاظَرَةِ السَّلَفِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ وَمُسَارَعَتِهِمْ إلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ إذَا ظَهَرَ عَلَى لِسَانِ الْخَصْمِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا نَاظَرْت أَحَدًا إلَّا قُلْت اللَّهُمَّ أَجْرِ الْحَقَّ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعِي اتَّبَعَنِي وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتَّبَعْته ".
وقالَ الإمام أبو شامةَ: ينبغي لمنِ اشتغلَ بالفقهِ أنْ لا يقتصرَ على مذهبِ إمامٍ ويعتقدُ في كلِّ مسألةٍ صحةَ ما كانَ أقربَ إلى الكتابِ والسنَّةِ المحكَمةِ، وذلك سهلٌ عليهِ إذا كانَ أتقنَ العلومَ المتقدمةَ، وليجتنبِ التعصبَ والنظرَ في طرائقِ الخلافِ المتأخرةِ ،فإنها مضيعةٌ للزمانِ ولصفوهِ مكدرةً، فقد صحَّ عنِ الشافعيِّ أنه نهَى عنْ تقليدهِ وتقليدِ غيرهِ .
قال صاحبه المزني في أول مختصره :" اخْتَصَرَتْ هَذَا مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ ، وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ ، لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ ، مَعَ إعْلَامِيَّةِ نَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ ،لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطُ فِيهِ لِنَفْسِهِ "(5).
وفيمنْ يكونُ عاميًّا ويقلِّدُ رجلاً منَ الفقهاءِ بعينهِ يرَى أنْ يمتنعَ منْ مثلهِ الخطأُ ،وأنَّ ما قالهُ هو الصوابُ البتةُ، وأضمرَ في قلبهِ ألا يتركَ تقليدَه وإنْ ظهرَ الدليلُ على خلافهِ، وذلك ما رواهُ الترمذيُّ(6)عنْ عدي بن حاتم أنه قال : سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِى سُورَةِ بَرَاءَةَ يعني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (31) سورة التوبة ، قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ » .
وفيمنْ لا يجوزُ أنْ يستفتيَ الحنفيُّ مثلاً فقيهاً شافعيًّا وبالعكسِ، ولا يجوزُ أنْ يقتديَ الحنفيُّ بإمامٍ شافعيٍّ مثلاً، فإنَّ هذا قدْ خالفَ إجماعَ القرونِ الأولى، وناقضَ الصحابةَ والتابعينَ.
وليس محلُّه فيمنْ لا يدينُ إلا بقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولا يعتقدُ حلالاً إلا ما أحلَّهُ اللهُ ورسولهُ، ولا حراماً إلا ما حرَّمَهُ اللهُ ورسولهُ .
لكنْ لمَّا لم يكنْ لهُ علمٌ بما قالهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولا بطريقِ الجمعِ بينَ المختلفاتِ من كلامِه ولا بطريقِ الاستنباطِ منْ كلامِه اتَّبعَ عالماً راشداً على أنهُ مصيبٌ فيما يقولُ ويُفتي ظاهراً متبعَ سنَّةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنْ خالفَ ما يظنُّه أقلعَ منْ ساعتِه منْ غيرِ جدالٍ ولا إصرارٍ، فهذا كيفَ ينكرهُ أحدٌ ؟؟!!
مع أنَّ الاستفتاءَ والإفتاءَ لم يزلْ بينَ المسلمينَ منْ عهدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
ولا فرقَ بينَ أنْ يستفتيَ هذا دائماً أو أنْ يستفتيَ هذا حيناً، وذلك حيناً، بعدَ أنْ يكونَ مجمعاً على ما ذكرناهُ، كيف لا ولمْ نؤمنْ بفقيهٍ أيًّا كانَ أنهُ أوحَى اللهُ إليهِ الفقهِ، وفرضَ علينا طاعتَهُ وأنهُ معصومٌ، فإنِ اقتدينا بواحدٍ منهم فذلكَ لعلمِنا بأنهُ عالمٌ بكتابِ اللهِ وسنَّة ِرسولهِ ( - صلى الله عليه وسلم - )، فلا يخلو قولُه إمَّا أنْ يكونَ منْ صريحِ الكتابِ والسنةِ أو مستنبطاً منهُما بنحوٍ منِ الاستنباطِ، أو عرفَ بالقرائنَ أنَّ الحكمَ في صورةٍ ما منوطٌ بعلَّةِ كذا ،واطمأنَّ قلبُه بتلكَ المعرفةِ فقاسَ غيرَ المنصوصِ على المنصوصِ، فكأنهُ يقولُ: ظننتُ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ كلَّما وجدتَ هذهِ العلَّةَ فالحكمُ ثمَّةَ هكذا ، والمقيسُ مندرجٌ في هذا العمومِ، فهذا أيضا معزيٌّ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنْ في طريقهِ ظنونٌ، ولولا ذلك ما قلَّدَ مؤمنٌ مجتهداً، فإنْ بلغَنا حديثاً منْ رسولِ اللِه المعصومِ - صلى الله عليه وسلم - الذي فُرضَ علينا طاعتُه بسندٍ صالحٍ يدلُّ على خلافِ مذهبهِ، وتركنا حديثَهُ واتبعنا ذلكَ التخمينَ فمنْ أظلمُ منَّا ؟!! وما عذرُنا يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمينَ؟!
(2)- ومنها أنَّ تتبعَ الكتابُ والآثارُ لمعرفةِ الأحكامِ الشرعيةِ على مراتبَ:
أعلاها أنْ يحصلَ له منْ معرفةِ الأحكام ِ بالفعلِ أو بالقوةِ القريبةِ منَ الفعلِ ما يتمكنُ بهِ منْ جوابِ المستفتينَ في الوقائعَ غالباً، بحيثُ يكونُ جوابهُ أكثرَ مما يتوقفُ فيهِ وتخصُّ باسمِ الاجتهادِ .
وهذا الاستعدادُ يحصلُ تارةً بالإمعانِ في جمعِ الرواياتِ وتتبعِ الشاذةِ والفاذَّةِ(7)منها كما أشارَ إليهِ أحمدُ بنُ حنبلٍ معَ ما لا ينفكُّ منهُ العاقلُ العارفُ باللغةِ منْ معرفةِ مواقعِ الكلامِ وصاحبَ العلمَ بآثارِ السلف منْ طريقِ الجمعِ بينَ المختلفاتِ، وترتيب ِالاستدلالاتِ ونحو ذلك .
وتارةً بإحكامِ طرقِ التخريجِ على مذهبِ شيخٍ منْ مشايخِ الفقهِ مع معرفةِ جملةٍ صالحةٍ منَ السُّننِ والآثارِ بحيثُ يعلمُ أنَّ قولهُ لا يخالفُ الإجماعَ، وهذه طريقةُ أصحابِ التخريجِ .
وأوسطُها منْ كلتا الطريقتينِ أنْ يحصلَ له منْ معرفةِ القرآنِ والسُّننِ ما يتمكَّنُ بهِ منْ معرفةِ رؤوسِ مسائلِ الفقهِ المجمعِ عليها بأدلتِها التفصيليةِ، ويحصلُ له غايةَ العلمِ ببعضِ المسائل الاجتهاديةِ منْ أدلتِها ،وترجيحِ بعضِ الأقوال على بعضٍ، ونقدِ التخريجاتِ ومعرفةِ الجيدِ منَ الزيفِ، وإنْ لم يتكاملْ لهُ الأدواتُ كما يتكاملُ للمجتهدِ المطلَقِ فيجوزُ لمثلهِ أنْ يلفِّقَ منَ المذهبينِ إذا عرفَ دليلَهُما، وعلِمَ أنَّ قولَهُ مما لا ينفذُ فيهِ اجتهادُ المجتهدِ، ولا يقبلُ فيه قضاءُ القاضي ،ولا يجري فيه فتوَى المفتينَ أنْ يتركَ بعضَ التخريجاتِ التي سبق الناسُ إليها إذا عرفَ عدمَ صحَّتِها ، ولهذا لم يزلِ العلماءُ ممنْ لا يدَّعي الاجتهادَ المطلقَ يصنِّفونَ ويرتبونَ ويخرِّجونَ ويرجِّحونَ، وإذا كانَ الاجتهادُ يتجزأُ عندَ الجمهورِ والتخريجُ يتجزأُ، وإنما المقصودُ تحصيلُ الظنِّ وعليهِ مدارُ التكليفِ، فما الذي يستبعدُ منْ ذلك َ ؟.
وأمَّا دونَ ذلك منَ الناسِ فمذهبُه فيما يردُ عليه كثيراً ما أخذَهُ عنْ أصحابِه وآبائهِ وأهلِ بلدهِ منَ المذاهبِ المتبعةِ، وفي الوقائعَ النادرةٍ فتاوَى مفتيةٌ، وفي القضايا ما يحكُمُ القاضي .
وعلى هذا وجدنا محققي العلماءِ منْ كلِّ مذهبٍ قديماً وحديثاً، وهو الذي وصَّى به أئمةُ المذاهبِ أصحابَهُم، وفي اليواقيتِ والجواهرِ أنهُ روي عن أبي حنيفةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ(8): لا ينبغي لمنْ لم يعرفْ دليلي أنْ يفتيَ بكلامي، وكانَ رضيَ اللهُ عنه إذا أفتَى يقولُ: هذا رأيُ النعمانَ بنِ ثابتٍ يعني نفسَه وهو أحسنُ ما قدرِنا عليهِ فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصوابِ(9).
وكانَ الإمامُ مالكٌ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ: ما منْ أحدٍ إلا وهوَ مأخوذٌ منْ كلامهِ ومردودٌ عليهِ إلا رسول اللهُ - صلى الله عليه وسلم - (10).
وروى الحاكمُ والبيهقيُّ عنِ الشافعيِّ رضي اللهُ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ: إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي(11)، وفي روايةٍ : إذا رأيتُمْ كلامي يخالفُ الحديثَ فاعملوا بالحديثِ واضربوا بكلامي الحائطَ(12)، وقال يوماً للمزني: يا أبا إبراهيمُ لا تقلدني في كلِّ ما أقولُ وانظرْ في ذلكَ لنفسكَ فإنهُ دينٌ(13)، وكانَ رضي اللهُ عنه يقولُ: لا حجةَ في قولِ أحدٍ دونَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (14)،وإنْ كثُروا ولا في قياسٍ ولا في شيءٍ، وما ثَمَّ الا طاعةُ اللهِ ورسولهِ بالتسليمِ(15).
وكان الإمامُ أحمدُ رضي الله عنه يقولُ: ليسَ لأحدٍ معَ اللهِ ورسولهِ كلامٌ،(16)وقال أيضاً لرجلٍ(17):" لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ , وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا ."- يعني - منَ الكتابِ والسنَّة ،لا ينبغي لأحدٍ أنْ يفتيَ إلا أنْ يعرفَ أقاويلَ العلماءِ في الفتاوَى الشرعيةِ ويعرفَ مذهَبهم، فإنْ سئلَ عنْ مسألةٍ يعلمُ أنَّ العلماءَ الذين يتخذُ مذهبَهم قدِ اتفقوا عليها فلا بأسَ بأنْ يقول َ :هذا جائزٌ وهذا لا يجوزُ، ويكون قولهُ على سبيلِ الحكايةِ ،وانْ كانتْ مسألةٌ قدِ اختلفوا فيها فلا بأسَ بأنْ يقولَ هذا جائز ٌفي قولِ فلانٍ وفي قولِ فلانٍ لا يجوزُ، وليس له أنْ يختارَ فيجيبَ بقولِ بعضهِم ما لم يعرفْ حجَّتَه .
وعن أبي يوسفَ وزفرَ وغيرهِما رحمهُم اللهُ أنهم قالوا(18): لا يحلُّ لأحدٍ أنْ يفتيَ بقولنا ما لم يعلمْ منْ أينَ قلنا .
قيلَ لعصامَ بنِ يوسفَ رحمَه اللهُ إنكَ تكثرُ الخلافَ لأبي حنيفةَ رحمَه اللهُ، قالَ: لأنَّ أبا حنيفةَ رحمَه اللهُ أوتيَ منَ الفهمِ لِما لمْ نؤتَ فأدركَ بفهمِه ما لم ندركْ، ولا يسعُنا أنْ نفتيَ بقولِه ما لمْ نفهمْ
عن محمدِ بنِ الحسنِ أنهُ سئلَ متَى يحلُّ للرجلِ أنْ يفتيَ؟ قالَ: إنْ كانَ منْ أهل ِالاجتهادِ فلا يسعُه ،قيلَ : كيفَ يكونُ منْ أهلِ الاجتهادِ؟ قالَ : أنْ يعرفَ وجوهَ المسائلِ ويناظرَ أقرانَه إذا خالفوهُ، قيلَ أدنى الشروط للاجتهاد: حفظُ المبسوطِ(19).
وفي البحر الرائقِ(20)"قَالَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ سُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيْهِ مَا تَقُلْ رَحِمَك اللَّهُ وَقَعَتْ عِنْدَك كُتُبٌ أَرْبَعَةٌ كِتَابُ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ وَأَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ وَكِتَابُ الْمُجَرَّدِ وَكِتَابُ النَّوَادِرِ مِنْ جِهَةِ هِشَامٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُفْتِيَ مِنْهَا أَوْ لَا وَهَذِهِ الْكُتُبُ مَحْمُودَةٌ عِنْدَك فَقَالَ مَا صَحَّ عَنْ أَصْحَابِنَا فَذَلِكَ عِلْمٌ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ مَرَضِيٌّ بِهِ .
__________
(1) - حجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 98) فما بعدها إذ هو فصل من فصول كتابه النفيس هذا
(2) - الأحكام لابن حزم - (ج 2 / ص 234)
(3) - يعني يصح ذلك لمن ملك آلة الاجتهاد أو كان قادرا على معرفة الأدلة الشرعية من مصادرها الأصلية، وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق ، فلا يمكن أن يكون كلُّ الناس مجتهدين ، ولا أطباء ، ولا مهندسين ، وذلك لأن الله تعالى شاء أن يكونوا مختلفين في طاقاتهم وقدراتهم العقلية والمادية ، فكيف نوجب على الجميع الاجتهاد ؟!!
(4) - فتاوى الأزهر - (ج 1 / ص 2) وقواعد الأحكام في مصالح الأنام - (ج 2 / ص 277)
(5) - الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4679) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 297) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 305) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 197) و مجلة المنار - (ج 14 / ص 510)
(6) - برقم( 3378 ) ومصنف ابن أبي شيبة برقم( 34930) ومصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 13 / ص 245) برقم(34930 ) وتفسير ابن أبي حاتم برقم (10291 و10292 ) والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 10 / ص 116) برقم(20847) وهو صحيح لغيره
وانظر مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 98) ومجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 216) ومجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 289)
(7) - الفَاذَّةُ " أَي المُنْفَرِدَة في مَعنَاهَا وكَلِمَةٌ فَذَّةٌ تاج العروس - (ج 1 / ص 2413) وفي لسان العرب - (ج 3 / ص 502): الفَاذَّة أَي المنفردة في معناها والفذُّ الواحد وقد فذ الرجل عن أَصحابه إِذا شذَّ عنهم وبقي فرداً
(8) - الجامع الصغير - (ج 1 / ص 7) و فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 171) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 4646)
(9) - التقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 21) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 28) وفقه العبادات - حنفي - (ج 1 / ص 9) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 96) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 24)
(10) - قلت : لم أعثر عليه في مصدر من مصادر المالكية وهو موجود في لقاءات الباب المفتوح - (ج 66 / ص 6) وفتاوى يسألونك - (ج 2 / ص 207) وفتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 63 / ص 253) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 1 / ص 223) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 3 / ص 52) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 846) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 2263) وفتاوى نور على الدرب - (ج 1 / ص 25) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 93) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 6 / ص 234) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 13 / ص 52) وسير أعلام النبلاء - (ج 8 / ص 93) وسير أعلام النبلاء - (ج 10 / ص 73) وسير أعلام النبلاء - (ج 3 / ص 372)
(11) - فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 175) وفتاوى الرملي - (ج 6 / ص 277) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 3 / ص 340) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3630) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 5 / ص 170) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 5 / ص 202) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4443) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 1 / ص 35) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 1 / ص 220) وحاشية رد المحتار - (ج 1 / ص 72) وفتح القدير - (ج 12 / ص 166) ورد المحتار - (ج 1 / ص 166) ومواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل - (ج 3 / ص 204) والذخيرة في الفقه المالكي للقرافي - (ج 1 / ص 128) والمجموع - (ج 1 / ص 92) وشرح البهجة الوردية - (ج 5 / ص 156) وحاشيتا قليوبي - وعميرة - (ج 13 / ص 406) وتحفة المحتاج في شرح المنهاج - (ج 1 / ص 219) ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج - (ج 1 / ص 49) ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - (ج 1 / ص 127) وكتاب الإبهاج في شرح المنهاج - (ج 2 / ص 468) والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 5) وسير أعلام النبلاء - (ج 10 / ص 35)
قلت : وقد أخطأ كثير من الناس في فهم هذه القاعدة الذهبية التي اتفق عليها الفقهاء : بالرغم أنه قول صحيح ، ولكن ليس على إطلاقه. فلا بدَّ أنْ تتوفر فيه الشروطَ التي وضعها ذلك الإمامُ لقبولِ الأخبارِ ، وأنه غيرُ منسوخٍ عنده ، أو غيرُ معارضٍ لما هو أقوَى منه .وما منْ إمامٍ إلا وتركَ أحاديثَ صحيحةً لم يعملْ بها للأسبابِ التي أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، كترك الإمام مالك بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها في الموطأ لمخالفتها لعمل أهل المدينة مثلاً .أو تركِ بعض الفقهاءِ لحديثٍ صحيحٍ عمل َراويهِ بخلافِه ...
(12) - لم أجده بهذا اللفظ
(13) - لم أجده بها الفظ
(14) - ذكر ه ابن حزم من قوله في المحلى في سبعة عشر موضعا انظر مثلا : المحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 1 / ص 477) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 2 / ص 742) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 3 / ص 492) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 4 / ص 688) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 5 / ص 635)
(15) - لم أجده بهذا اللفظ
(16) - لم أجده بهذا اللفظ
(17) - الفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 212) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 1 / ص 224) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4679) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 297) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 5 / ص 317) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 306) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 197)
(18) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 13 / ص 300) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 17 / ص 360) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 17 / ص 362) وتيسير التحرير - (ج 4 / ص 363) وفواتح الرحموت - (ج 2 / ص 364)
(19) - انظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - (ج 12 / ص 57)
(20) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 1 / ص 286)(2/9)
وَأَمَّا الْفُتْيَا ، فَإِنِّي لَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِشَيْءٍ لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَسَائِلَ قَدْ اُشْتُهِرَتْ وَظَهَرَتْ وَانْجَلَتْ عَنْ أَصْحَابِنَا رَجَوْت أَنْ يَسَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي النَّوَازِلِ ".
وفيه أيضاً(1):لَوْ احْتَجَمَ أَوْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَكَلَ إنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا وَلَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ جَهْلٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ إذَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْطِئًا فِيمَا أَفْتَى وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :{ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ } وَلَمْ يَعْرِفْ النَّسْخَ وَلَا تَأْوِيلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ اكْتَحَلَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِالْفِطْرِ أَوْ بَلَغَهُ خَبَرٌ فِيهِ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَذْهَبٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ .
وفيه أيضاً في بابِ قضاءِ الفوائت(2): إِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ مُعَيَّنٌ فَمَذْهَبُهُ فَتْوَى مُفْتِيهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِنْ أَفْتَاهُ حَنَفِيٌّ أَعَادَ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَإِنْ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ فَلَا يُعِيدُهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ ،وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدًا وَصَادَفَ الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ أَجْزَأَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ .
قال ابن الصلاح من وجد من الشافعية حديثا يخالف مذهبه نظر وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ(3): إنْ كَانَ فِيهِ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا ، أَوْ فِي ذَلِكَ الْبَابِ ، أَوْ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ، كَانَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْعَمَلِ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ لَمْ تَكْتَمِلُ آلَتُهُ ، وَوَجَدَ فِي قَلْبِهِ حَزَازَةً مِنْ الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَجِدْ لَهُ مُعَارِضًا بَعْدَ الْبَحْثِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ إمَامٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَهُ التَّمَذْهُبُ بِهِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ قَوْلِ إمَامِهِ ، وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ إنَّمَا يَكُونُ هَذَا لِمَنْ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُطَالَعَةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهَا ، وَنَحْوِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ الْآخِذِينَ عَنْهُ ، وَهَذَا شَرْطٌ صَعْبٌ ، قَلَّ مَنْ يَتَّصِفُ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ : إنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ لِلِاسْتِنْبَاطِ ، لِمَعْرِفَتِهِ بِالْقَوَاعِدِ ، وَكَيْفِيَّةِ اسْتِثْمَارِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْمَنْقُولِ ، بِحَيْثُ عَرَفَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ اخْتِلَافٍ ، وَجَمَعَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا ، وَالْأَدِلَّةَ ، وَرُجْحَانَ الْعَمَلِ بِبَعْضِهَا ، فَهَذَا هُوَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْجُزْئِيِّ ، وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا قَامَ عِنْدَهُ عَلَى الدَّلِيلِ ، وَلَا يُسَوَّغُ لَهُ التَّقْلِيدُ" .
(3) - ومنها أنَّ أكثر صورِ الخلاف بين الفقهاءِ لا سيما في المسائل التي ظهرَ فيها أقوالُ الصحابةِ في الجانبينِ - كتكبيرات التشريقِ(4)وتكبيراتِ العيدينِ(5)ونكاحِ المحرم(6)وتشهدِ ابن عباسِ(7)وابن مسعودِ(8)والإخفاءِ بالبسملة(9)ِوبآمينَ(10)والإشفاعِ والإيتار في الإقامة(11)ونحو ذلك- إنما هو في ترجيحِ أحدِ القولينِ .
وكانَ السلفُ لا يختلفونَ في أصلِ المشروعيةِ، وإنما كانَ خلافهُم في أولى الأمرينِ، ونظيرهُ اختلافُ القراءِ في وجوهِ القراءاتِ(12)وقد عللوا كثيراً منْ هذا البابِ بأنَّ الصحابةَ مختلفونُ وأنهمُ جميعاً على الهدَى(13)،ولذلك لم يزلِ العلماءُ يجوِّزون فتاوَى المفتينَ في المسائلِ الاجتهاديةِ ويسلِّمون قضاءَ القضاةِ ، ويعملونَ في بعض الأحيانِ بخلافِ مذهبهِم ولا ترَى أئمةَ المذاهبِ في هذهِ المواضعَ إَّلا وهم يصحِّحونَ القولَ ويبينونَ الخلافَ يقولُ أحدهُم: هذا أحوطُ(14)وهذا هو المختارُ(15)وهذا أحبُّ إليَّ(16)، ويقولُ : ما بلغنا إلا ذلكَ، وهذا كثير ٌفي المبسوطِ وآثار محمدٍ رحمه الله وكلامِ الشافعيِّ رحمهُ اللهُ .ثمَّ خلَفَ منْ بعدهِم خلفٌ اختصروا كلامَ القومِ فتأوَّلوا الخلافَ، وثبتوا على مختارِ أئمتهِم ،والذي يروَى عنِ السلفِ منَ تأكيدِ الأخذِ بمذهبِ أصحابهِم ،وألا يخرجَ عنها بحالٍ، فإنَّ ذلكَ إمَّا لأمرٍ جبليٍّ فإنَّ كلَّ إنسانٍ يحبُّ ما هو مختارُ أصحابهِ وقومهِ حتَى في الزيِّ والمطاعمِ، أو لصولةٍ ناشئةٍ منْ ملاحظةِ الدليلِ ،أو لنحو ذلكَ منَ الأسبابِ فظنَّهُ البعضُ تعصباً دينيًّا حاشاهُم منْ ذلكَ .
وقد كانَ في الصحابةِ والتابعينَ ومنْ بعدهُم منْ يقرأُ البسملةَ، ومنهُم منْ لا يقرؤها(17)،ومنهم من يجهرُ بها ومنهم منْ لا يجهر ُبها ،وكان منهم مَنْ يقنتُ في الفجرِ ومنهم منْ لا يقنتُ في الفجرِ(18)،ومنهم منْ يتوضأُ منَ الحجامةِ والرعافِ والقيءِ ومنهم منْ لا يتوضأُ من ذلكَ(19)، ومنهم منْ يتوضأُ من مسِّ الذكَرِ ومسِّ النساءِ بشهوة ٍومنهم منْ لا يتوضأُ منْ ذلك(20)، ومنهم منْ يتوضأُ مما مستْهُ النارُ ومنهم منْ لا يتوضأُ منْ ذلكَ(21)، ومنهم منْ يتوضأُ منْ أكلِ لحمِ الإبلِ(22)ومنهم منْ لا يتوضأُ منْ ذلكَ .
وَمَعَ هَذَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ(23): مِثْلَ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَصَلَّى أَبُو يُوسُفَ خَلْفَ الرَّشِيدِ وَقَدْ احْتَجَمَ وَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ فَصَلَّى خَلْفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُعِدْ . وَكَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ فَقِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ . تُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ فَقَالَ : كَيْفَ لَا أُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ(24).
ورويَ أنَّ أبا يوسف ومحمد كانا يكبرانِ في العيدين تكبيرَ ابن عباسٍ لأنَّ هارونَ الرشيدَ كانَ يحبُّ تكبيرَ جدِّه(25).
وصلَّى الشافعيُّ رحمهُ اللهُ الصبحَ قريباً من~ مقبرةِ أبي حنيفة َرحمهُ اللهُ فلمْ يقنتْ تأدباً معهُ وقال أيضاً: رُبما انحدرنا إلى مذهبِ أهلِ العراقِ(26).
وقال مالكٌ رحمه الله للمنصورِ وهارونِ الرشيدِ ما ذكرنا عنهُ سابقاُ .
وفي البزازيةِ عن الإمامِ الثاني وهو أبو يوسفَ رحمهُ اللهُ أنه صلَّى يومَ الجمعةِ مغتسلاً منَ الحمامِ وصلَّى بالناسِ وتفرَّقوا ،ثمَّ أُخبرَ بوجودِ فأرةٍ ميتةٍ في بئرِ الحمامِ فقالَ : إذاً نأخذُ بقولِ إخواننا منْ أهلِ المدينةِ إذا بلغَ الماءُ قلَّتينِ لمْ يحملْ خبثاً(27).
وسئل الإمام الخجنديُّ رحمه الله عن رجلٍ شافعيِّ المذهبِ تركَ صلاةً سنةً أو سنتينِ ثم انتقلَ إلى مذهب أبي حنيفةَ رحمه اللهُ كيفُ يجبُ عليه القضاءُ أيقضيها على مذهبِ الشافعيِّ أو على مذهبِ أبي حنيفةَ؟ فقال : على أيِّ المذهبينِ قضَى بعد أنْ يعتقدَ جوازَها جازَ . انتهى(28)
وفي جامع الفتاوَى أنهُ إنْ قالَ حنفيٌّ إنْ تزوجتُ فلانةً فهيَ طالقٌ ثلاثاً، ثم استفتَى شافعيًّا فأجابَ أنها لا تطلقُ ويمينهُ باطلٌ فلا بأسَ باقتدائهِ بالشافعيِّ في هذه المسألةَ، لأنَّ كثيراً من الصحابةِ في جانبهِ(29).
قال محمدٌ رحمة في أماليه: لو أنَّ فقيهاً قال لامرأتهِ أنتِ طالقٌ البتةَ وهو ممنْ يراها ثلاثاً ثمَّ قضَى عليه قاضٍ بأنها رجعيةٌ وسِعهُ المقامُ معها، وكذا كلُّ فصلٍ مما يختلفُ فيهُ الفقهاءُ منْ تحريمٍ أو تحليلٍ أو إعتاقٍ أو أخذِ مالٍ أو غيرهِ ينبغي للفقيهِ المقضيِّ عليهِ الأخذَ بقضاءِ القاضي ويدعُ رأيهَ ويلزِمُ نفسَه ما ألزمَ القاضي ويأخذُ ما أعطاهُ(30).
قال محمدٌ رحمهُ اللهُ: وكذلكَ رجلٌ لا علمَ له ابتليَ ببليةٍ فسألَ عنها الفقهاءَ فأفتوهُ فيها بحلالِ أو بحرامٍ وقضَى عليه قاضي المسلمينَ بخلافِ ذلكَ وهيَ مما يختلفُ فيه الفقهاءُ فينبغي له أنْ يأخذَ بقضاءِ القاضي ويدعَ ما أفتاهُ الفقهاءُ .(31)انتهى
وقد أطنبنا الكلامَ في هذا المقامِ غايةَ الإطنابِ واللهُ وحدهُ أعلمُ بالصوابِ(32)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 6 / ص 271)
(2) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 4 / ص 387)
(3) - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد - الرقمية - (ج 1 / ص 63) والمسودة - الرقمية - (ج 1 / ص 536) وفتاوى ابن الصلاح - (ج 1 / ص 25) والمجموع - (ج 1 / ص 64) والبحر المحيط - (ج 8 / ص 222)
(4) - الفتاوى الهندية - (ج 3 / ص 185) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 3710) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 14672)
(5) - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 8083) و الفتاوى الهندية - (ج 4 / ص 124) والفتاوى الهندية - (ج 4 / ص 357) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5645) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 2 / ص 269)
(6) - موطأ مالك - (ج 2 / ص 430) برقم(5 ) وصحيح البخارى برقم(5114 ) وصحيح مسلم برقم(3512) وسنن النسائى برقم(3284 و3288 ) وشرح معاني الآثار - (ج 3 / ص 349)بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ ومشكل الآثار للطحاوي - (ج 12 / ص 499) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 83 / ص 10) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 9 / ص 71)
(7) - مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 286) ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 5 / ص 166) والفتاوى الكبرى - (ج 2 / ص 258) وفتاوى يسألونك - (ج 7 / ص 16) صفة التشهد في الصلاة وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 6087)
(8) - شرح معاني الآثار - (ج 1 / ص 456) ومشكل الآثار للطحاوي - (ج 8 / ص 294) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 69) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 285) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 286) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 480) ومجموع الفتاوى - (ج 27 / ص 398) والفتاوى الهندية - (ج 3 / ص 67) وفتاوى يسألونك - (ج 7 / ص 16-24) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1086) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3831) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 4179)
(9) - صحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 100) برقم(1797و 1798) مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 354) ومجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 198) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 264) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 269) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 344) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 366) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 369) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 371) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 423) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 8 / ص 415) والمنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 80 / ص 4) وفتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 10 / ص 3) و مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 11 / ص 71) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 5 / ص 373) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 2348) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5640) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 2 / ص 26)
(10) - سنن ابن ماجه برقم(900 ) وصحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 111) برقم( 1806 ) وصحيح ابن خزيمة برقم(546 ) وهو صحيح والأوسط لابن المنذر - (ج 4 / ص 280) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 8 / ص 473) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 7 / ص 93) و فتاوى الأزهر - (ج 8 / ص 462)
(11) - مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 70) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 254) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 10 / ص 249) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 3108)
(12) - مشكل الآثار للطحاوي - (ج 11 / ص 45) وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر برقم(967 ) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 3396) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 733) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6140)
(13) - ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين - (ج 1 / ص 100) برقم(80 ) ومجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 343) والفتاوى الهندية - (ج 24 / ص 355) وفتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 294) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 4560) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 794) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 6507) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 5258) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 3859) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 2178) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 12356)
(14) - انظر الفتاوى الهندية - (ج 3 / ص 468) والفتاوى الهندية - (ج 50 / ص 176) ولقاءات الباب المفتوح - (ج 50 / ص 11) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 10 / ص 268) و فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 5423) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 4799) وفتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 48 / ص 13) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1964) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 386) وشرح النيل وشفاء العليل - إباضية - (ج 6 / ص 329) وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء - (ج 2 / ص 83) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 6 / ص 56) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 34 / ص 255)
(15) - انظر على سبيل المثال : فتاوى الأزهر - (ج 5 / ص 486) والفتاوى الهندية - (ج 11 / ص 152) والفتاوى الهندية - (ج 16 / ص 84) وتنقيح الفتاوى الحامدية - (ج 7 / ص 291) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 6 / ص 387) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1329) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 1097) وفتاوى إسلامية - (ج 1 / ص 474) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5329) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5463) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7138) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7444) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 10) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 9 / ص 221) وطرح التثريب - (ج 2 / ص 144) والفقه على المذاهب الأربعة - (ج 1 / ص 595) والفقه على المذاهب الأربعة - (ج 2 / ص 52) والفقه الإسلامي وأصوله - (ج 2 / ص 151) والأحكام للآمدي - (ج 1 / ص 256) والأحكام للآمدي - (ج 2 / ص 26) والأحكام للآمدي - (ج 3 / ص 21) والأحكام للآمدي - (ج 3 / ص 202) والأحكام للآمدي - (ج 4 / ص 76) والمحصول - (ج 2 / ص 151) والمنخول - (ج 1 / ص 124) والمستصفى - (ج 2 / ص 181) وقواعد الأحكام في مصالح الأنام - (ج 1 / ص 306) وقواعد الأحكام في مصالح الأنام - (ج 2 / ص 323) وكشف الأسرار - (ج 3 / ص 358) والبحر المحيط - (ج 3 / ص 173) والبحر المحيط - (ج 4 / ص 340) والبحر المحيط - (ج 7 / ص 233) والتقرير والتحبير - (ج 2 / ص 379) والتقرير والتحبير - (ج 3 / ص 75) وشرح الكوكب المنير - (ج 1 / ص 145) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 3 / ص 215) وإرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم الاصول - (ج 2 / ص 60) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 235) وفواتح الرحموت - (ج 1 / ص 307) والبرهان في أصول الفقه - الرقمية - (ج 1 / ص 75)
(16) - انظر : فتاوى الأزهر - (ج 7 / ص 368) وفتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 106) وفتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 287) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 4366) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 4349) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 3367) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8761) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 7 / ص 420) والتشريع الجنائي في الإسلام - (ج 4 / ص 52) والروضة الندية - (ج 2 / ص 70) ومشكل الآثار - (ج 3 / ص 439) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8761) والتقرير والتحبير - (ج 3 / ص 340) وتيسير التحرير - (ج 2 / ص 331)
(17) - انظر مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 279) ومجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 374) وفتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 26) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2348) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5790) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 7 / ص 37) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 2 / ص 22) والفقه الإسلامي وأصوله - (ج 1 / ص 418) وتحفة المحتاج في شرح المنهاج - (ج 8 / ص 65) وحاشية البجيرمي على الخطيب - (ج 4 / ص 219) والفروع لابن مفلح - (ج 2 / ص 121)
(18) - سنن الترمذى برقم(403 ) ومصنف عبد الرزاق مشكل - (ج 2 / ص 453)برقم(4946-4980) ومصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 3 / ص 78) برقم(6943-7031) وتهذيب الآثار للطبري - (ج 6 / ص 67) برقم(2579-2747 ) وشرح معاني الآثار - (ج 1 / ص 414-426) وفتاوى الأزهر - (ج 9 / ص 5) و مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 572) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 267) ومجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 372) ومجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 374)
(19) - مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 375) وفتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 26) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 4133)
(20) - مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 524) ومجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 375) وفتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 298) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 4133) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5790) ومجموع رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية - (ج 44 / ص 10) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 41)
(21) - فتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 298) و من أصول الفقه على منهج أهل الحديث الرقمية - (ج 1 / ص 54) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(22) - مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 375) وفتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 27) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 4133) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5790)
(23) - الفتاوى الكبرى - (ج 3 / ص 62) وفتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 27) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 4133) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5790) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(24) - مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 375) و حجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(25) - يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 122) ويسألونك فتاوى - (ج 3 / ص 362) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(26) - يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 122) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(27) - فتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 298) و حجة الله البالغة 1/295-296 . وشرح معاني الآثار - (ج 1 / ص 2) فما بعدها والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 1 / ص 34) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 47) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 1 / ص 93) ورسم المفتي في حاشية ابن عابدين: 70/1 . وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - (ج 1 / ص 142) وفتح القدير - (ج 1 / ص 128) ورد المحتار - (ج 1 / ص 189) وكتاب الإبهاج في شرح المنهاج - (ج 2 / ص 47) والإحكام في أصول الأحكام - (ج 2 / ص 147) والتقرير والتحبير - (ج 6 / ص 238) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 6 / ص 43) وفواتح الرحموت - (ج 1 / ص 274) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد الرقمية - (ج 1 / ص 54) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي - (ج 2 / ص 94) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 69) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
قلت : والحديث صحيح
(28) - فتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 27) ويسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 122) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(29) - فتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 28) ويسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 122) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(30) - حجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101) و الفتاوى الهندية - (ج 24 / ص 324) وفتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 28) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 1 / ص 89)
(31) - حجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 101)
(32) - قلت : وكلامه الآنف الذكر نفيس ، ينبغي أن يكتب بماء الذهب(2/10)
المبحث الثامن والعشرون
بيان وجوب موالاة الأئمة المجتهدين وإعذارهم فيما أخطؤوا فيه
قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " في مقدمته:
" فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ(1)خُصُوصًا الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ(2)الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ،وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، إذْ كَلُّ أُمَّةٍ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَعُلَمَاؤُهَا شِرَارُهَا إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ عُلَمَاءَهُمْ خِيَارُهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ فِي أُمَّتِهِ والمحيون لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا(3). وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ(4)، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ(5).
وَجَمِيعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ :
أَحَدُهَا : عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَهُ .
وَالثَّانِي : عَدَمُ اعْتِقَادِهِ إرَادَةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ .
وَالثَّالِثُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ .
وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى أَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ .
السَّبَبُ الْأَوَّلُ : أَلَّا يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ .
وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمُوجَبِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَهُ وَقَدْ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِمُوجَبِ ظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ ؛ أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ ؛ أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ : فَقَدْ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ تَارَةً وَيُخَالِفُهُ أُخْرَى . وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُوجَدُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ ؛ فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ . وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ ؛ أَوْ يُفْتِي ؛ أَوْ يَقْضِي ؛ أَوْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ فَيَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ مَنْ يَكُونُ حَاضِرًا وَيُبَلِّغُهُ أُولَئِكَ أَوْ بَعْضُهُمْ لِمَنْ يُبَلِّغُونَهُ فَيَنْتَهِي عِلْمُ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَدْ يُحَدِّثُ أَوْ يُفْتِي أَوْ يَقْضِي أَوْ يَفْعَلُ شَيْئًا وَيَشْهَدُهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَيُبَلِّغُونَهُ لِمَنْ أَمْكَنَهُمْ فَيَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ،وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ أَوْ جَوْدَتِهِ . وَأَمَّا إحَاطَةُ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهَذَا لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ قَطُّ(6)وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ خُصُوصًا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا ، بَلْ كَانَ يَكُونُ مَعَهُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى إنَّهُ يَسْمَرُ عِنْدَهُ بِاللَّيْلِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ . وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرًا مَا يَقُولُ : دَخَلْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ(7)،ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمَّا سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ قَالَ : مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ اسْأَلْ النَّاسَ فَسَأَلَهُمْ فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلمة فَشَهِدَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهَا السُّدُسَ(8)، وَقَدْ بَلَّغَ هَذِهِ السُّنَّةَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَيْضًا(9)، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ ثُمَّ قَدْ اخْتَصُّوا بِعِلْمِ هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي قَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا . وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ سُنَّةَ الِاسْتِئْذَانِ(10)حَتَّى أَخْبَرَهُ بِهَا أَبُو مُوسَى وَاسْتَشْهَدَ بِالْأَنْصَارِ وَعُمَرُ أَعْلَمُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ . وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا بَلْ يَرَى أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ حَتَّى كَتَبَ إلَيْهِ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ - وَهُوَ أَمِيرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ الْبَوَادِي - يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا(11)فَتَرَكَ رَأْيَهُ لِذَلِكَ وَقَالَ : لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِخِلَافِهِ(12). وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ حُكْمَ الْمَجُوسِ فِي الْجِزْيَةِ حَتَّى أَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ(13). وَلَمَّا قَدِمَ سرغ وَبَلَغَهُ أَنَّ الطَّاعُونَ بِالشَّامِ اسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ الْأَنْصَارَ ثُمَّ مُسْلِمَةَ الْفَتْحِ فَأَشَارَ كُلٌّ عَلَيْهِ بِمَا رَأَى وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ بِسُنَّةٍ حَتَّى قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَأَخْبَرَهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الطَّاعُونِ وَأَنَّهُ قَالَ :« إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ »(14).
وَتَذَاكَرَ هُوَ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَمْرَ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيَبْنِي عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ(15).
__________
(1) - قال تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (55) سورة المائدة
(2) - أخرجه أبو داود في سننه برقم (3643 ) عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّى جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَدِيثٍ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ. قَالَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِى جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ » وهو حديث صحيح.
(3) - أخرج الطحاوي في مشكل الآثار برقم(3269 ) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ " وهو حسن لغيره
(4) - لقوله تعالى : {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر ولقوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب
(5) - مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 227)ومجموع الفتاوى - (ج 3 / ص 347) ومجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 259)ومجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 209) ومجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 211) ومجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 232) ومجموع الفتاوى - (ج 27 / ص 241) ومجموع الفتاوى - (ج 33 / ص 28) والفتاوى الكبرى - (ج 1 / ص 210) والفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 300) والفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 211) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 967) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 9967) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 49) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 49) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 4669) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 1051) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 175)
(6) - قلت : لأن الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في سائر الأمصار الإسلامية ، وحدثوا بها حسب حاجة الناس ، فصارت السنة النبوية موجودة في سائر أقطار الإسلام ، وكان جمع السنة في البداية يقتصر على القطر نفسه ، إلى أن صار يشمل أقطارا أخرى
(7) - ففي صحيح البخارى برقم(3677 ) ومسلم برقم ( 6338 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ إِنِّى لَوَاقِفٌ فِى قَوْمٍ ، فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ ، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِى قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِى ، يَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ ، إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ ، لأَنِّى كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا . فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ .
(8) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 4 / ص 277) برقم(6312) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 373) برقم(17441 ) وصحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 390) برقم(6031 ) وهو حسن
عثمان بن إسحاق بن خرشة، وهو القرشي العامري المدني، فقد ذكره المؤلف في "ثقاته" 7/190،وقال الدوري عن ابن معين: ثقة. وقال ابن عبد البر: هو معروف النسب، إلا أنه غير مشهور بالرواية، وقال الذهبي في "الميزان": شيخ ابن شهاب الزهري، لا يعرف، سمع قبيصة بن ذؤيب، وقد وثقوه.
(9) - سنن أبى داود - (ج 3 / ص 81) برقم(2898 ) سنن الترمذى برقم(2245 ) عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ ابْنِى مَاتَ فَمَا لِى فِى مِيرَاثِهِ قَالَ « لَكَ السُّدُسُ ». فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ « لَكَ سُدُسٌ آخَرُ ». فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ « إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ ». قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفيه انقطاع الحسن لم يسمع من عمران
(10) - ففي صحيح البخارى برقم(2062 ) ومسلم برمق(5757 ) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِىَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولاً فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى ، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ قِيلَ قَدْ رَجَعَ . فَدَعَاهُ . فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ . فَقَالَ تَأْتِينِى عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ . فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ ، فَسَأَلَهُمْ . فَقَالُوا لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلاَّ أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ . فَذَهَبَ بِأَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ . فَقَالَ عُمَرُ أَخَفِىَ عَلَىَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ . يَعْنِى الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ . الصفق : التبايع
(11) - ففي سنن الترمذى برقم( 1478 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا. حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلاَبِىُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَيْهِ « أَنْ وَرِّثِ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِىِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا » وهو حديث صحيح . قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.العاقلة : العصبة والأقارب من قبل الأب
(12) - ففي المستدرك للحاكم برقم(6460) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 491) برقم(3404)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : أُذَكِّرُ امْرَأً سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي الْجَنِينِ ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ ، فَخَرَجْتُ وَضَرَبْتُ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِعَمُودِ ظُلَّتِهَا فَقَتَلَتْهَا وَقَتَلَتْ مَا فِي بَطْنِهَا ، فَقَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا مَا قَضَيْنَا بِغَيْرِهِ - وهو حديث صحيح
(13) - موطأ مالك برقم(619 ) وعبد الرزاق برقم(10026) والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 9 / ص 189) برقم(19125) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِى كَيْفَ أَصْنَعُ فِى أَمْرِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ».
ومسند البزار 1-10 - (ج 2 / ص 94) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : سُنُّوا بِهِمْ سَنَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَلَمْ يَقُولُوا عَنْ جَدِّهِ ، وَجَدُّهُ علي بن الحسين ، والحديث مرسل ولا نعلم أَحَدًا ، قَالَ : عَنْ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ إِلاَّ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيّ عَنْ مَالِكٍ.
برقم( 1056) موصولا والناسخ والمنسوخ للنحاس - (ج 1 / ص 299) برقم( 245 ) موصولا من سفيان بن عيينة ، يقول عمرو بن دينار ، سمع بجالة ، يقول : « إن عمر لم يكن أخذ من المجوس الجزية حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر » فهذا إسناده متصل صحيح
قلت : فالحديث صحيح ولم يطلع المحقق على رواية ابن النحاس ، فضعفه لانقطاعه
ولكن غير آكلي طعامهم - ذبائحهم - ولا ناكحي نسائهم
(14) - أخرجه البخارى برقم(5729 ) ومسلم برقم(5915 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ . فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا . فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ . فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ . فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ . فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادَى عُمَرُ فِى النَّاسِ ، إِنِّى مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ » . قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ . العدوة : جانب الوادى
(15) - مسند أحمد برقم(1699) ومصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 2 / ص 186) رقم(4414)عن مُحَمَّدَ بْنِ إِسْحَاقَ قالَ:حَدَّثَنِى مَكْحُولٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَشَكَّ فِى صَلاَتِهِ فَإِنْ شَكَّ فِى الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهُمَا وَاحِدَةً وَإِنْ شَكَّ فِى الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلاَثِ فَلْيَجْعَلْهُمَا ثِنْتَيْنِ وَإِنْ شَكَّ فِى الثَّلاَثِ وَالأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلاَثاً ». حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِى الزِّيَادَةِ « ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يُسَلِّمْ ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ لِى حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ أَسْنَدَهُ لَكَ فَقُلْتُ لاَ. فَقَالَ لَكِنَّهُ حَدَّثَنِى أَنَّ كُرَيْباً مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الرَّجُلِ فِى صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَمْ نَقَصَ. قُلْتُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَدْرِى مَا سَمِعْتُ فِى ذَلِكَ شَيْئاً فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِى.
قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِى تَذَاكَرَانِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ذَكَرْنَا الرَّجُلَ يَشُكُّ فِى صَلاَتِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ هَذَا الْحَدِيثَ. وهو حسن لغيره(2/11)
وَكَانَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ فَهَاجَتْ رِيحٌ فَجَعَلَ يَقُولُ : مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنْ الرِّيحِ ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَبَلَغَنِي وَأَنَا فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَحَثَثْت رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْته فَحَدَّثْته بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ(1).
فَهَذِهِ مَوَاضِعُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا حَتَّى بَلَّغَهُ إيَّاهَا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ وَمَوَاضِعُ أُخَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا فِيهَا مِنْ السُّنَّةِ فَقَضَى فِيهَا أَوْ أَفْتَى فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِثْلَ مَا قَضَى فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَنَافِعِهَا(2)وَقَدْ كَانَ عِنْد أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُمَا دُونَهُ بِكَثِيرِ فِي الْعِلْمِ - عِلْمٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي : الْإِبْهَامَ وَالْخِنْصَرَ ،(3)فَبَلَغَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لمعاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إمَارَتِهِ فَقَضَى بِهَا(4)،وَلَمْ يَجِدْ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا فِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ .
وَكَذَلِكَ كَانَ يُنْهِي الْمُحْرِمَ عَنْ التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ؛ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ(5)هُوَ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ(6).
وَكَانَ يَأْمُرُ لَابِسَ الْخُفِّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَخْلَعَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ(7)وَلَمْ تَبْلُغْهُمْ أَحَادِيثُ التَّوْقِيتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ لَيْسَ مِثْلُهُمْ فِي الْعِلْمِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ صَحِيحَةٍ(8).
وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الْمَوْتِ حَتَّى حَدَّثَتْهُ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ مَالِكٍ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الخدري بِقَضِيَّتِهَا لَمَّا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا : اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَأَخَذَ بِهِ عُثْمَانُ(9).
وَأُهْدِيَ لَهُ مَرَّةً صَيْدٌ كَانَ قَدْ صِيدَ لِأَجْلِهِ فَهَمَّ بِأَكْلِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ لَحْمًا أُهْدِيَ لَهُ(10).
وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ؛ كُنْت إذَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْته فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْته وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّوْبَةِ الْمَشْهُورَ(11). وَأَفْتَى هُوَ(12)وَابْنُ عَبَّاسٍ(13)وَغَيْرُهُمَا(14)بِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سبيعة الأسلمية حَيْثُ أَفْتَاهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ حَمْلِهَا(15). وَأَفْتَى هُوَ وَزَيْدٌ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْمُفَوَّضَةَ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا(16)
__________
(1) - مسند أحمد برقم(7846)عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئاً فَبَلَغَنِى الَّذِى سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتَى حَتَّى أَدْرَكْتُهُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَأْتِى بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِى بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلاَ تَسُبُّوهَا وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا » صحيح .
وهذا مما فات المحقق ، فذكر رواية ابن ماجة ، ولا علاقة لها بقصة عمر أصلاً !!!
(2) - مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 9 / ص 366)برقم(26991) والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 8 / ص 93) برقم(16718) عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الآِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا نِصْفُ الْكَفِّ , وَفِي الْوُسْطَى بِعَشْرٍ فَرَائِضَ , وَاَلَّتِي تَلِيهَا بِتِسْعٍ فَرَائِضَ , وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ فَرَائِضَ. وهو صحيح
وانظر اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 4 / ص 62)[3415/1] عن سعيد بن المسيب قال: { كان عمر بن الخطاب يجعل في الإبهام والتي تليها نصف دية الكف، ويجعل في الإبهام خمسة عشر، وفي التي تليها عشرًا، وفي الوسطى عشرًا، وفي التي تليها تسعًا، وفي الأخرى ستًّا حتى كان عثمان بن عفان، فوجد كتابًا كتبه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم فيه: وفي الأصابع عشر عشر، فصيرها عثمان عشرًا عشرًا } . والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 10 / ص 321) برقم (2043 ) من طرق
وفي سنن البيهقى برقم(16720) عَنْ أَبِى غَطَفَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ : فِى الأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَتُفْتِى فِى الأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ وَقَدْ بَلَغَكَ عَنْ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى الأَصَابِعِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ. وهو حديث حسن
(3) - صحيح البخارى برقم(6895 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ » ، يَعْنِى الْخِنْصَرَ وَالإِبْهَامَ .
(4) - ففي مصنف ابن أبي شيبة (ج 9 / ص 190) (27532) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِيمَا أَقْبَلَ مِنَ الْفَمِ بِخَمْسِ فَرَائِضَ خَمْسٍ ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا ، قِيمَةُ كُلِّ فَرِيضَةٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، وَفِي الأَضْرَاسِ بَعِيرٌ بَعِيرٌ.
وَذَكَرَ يَحْيَى : أَنَّ مَا أَقْبَلَ مِنَ الْفَمِ ؛ الثَّنَايَا ، وَالرَّبَاعِيَاتُ ، وَالأَنْيَابُ.
قَالَ سَعِيدٌ : حتَّى إِذَا كَانَ مُعَاوِيَةُ فَأُصِيبَتْ أَضْرَاسُهُ ، قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ بِالأَضْرَاسِ مِنْ عُمَرَ ، فَقَضَى فِيهِ خَمْسَ فَرَائِضَ . قَالَ سَعِيدٌ : لَوْ أُصِيبَ الْفَمُ كُلُّهُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ لَنَقَصَتِ الدِّيَةُ ، وَلَوْ أُصِيبَ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ لَزَادَتِ الدِّيَةُ ، وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ.. وإسناده صحيح - ولم يذكره المحقق
(5) - ففي مسند الحميدى برقم(223و224) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَىْءٍ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ .
قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحُرْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ، وَلِحِلِّهِ بَعْدَ مَا رَمَى الْجَمْرَةَ وَقَبْلَ أَنْ يَزُورَ. قَالَ سَالِمٌ : وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ . وهو صحيح على شرطهما
(6) - أخرجه البخارى برقم(267 ) و مسلم برقم(2883 )عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا . ينضخ : تفوح منه رائحة الطيب
وفي رواية عند البخارى برقم(1539 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ .
وعند مسلم برقم(2899 ) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا لأَنْ أَطَّلِىَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَأَخْبَرْتُهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا لأَنْ أَطَّلِىَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ إِحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ فِى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
(7) - ففي مصنف ابن أبي شيبة برقم(1937)حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بَعَثَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِفَتْحِ دِمَشْقَ فَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَتَى خَرَجْتَ فَأَخْبَرَهُ ، وَقَالَ : لَمْ أَخْلَعْ لِي خُفًّا مُذْ خَرَجْتُ ، قَالَ عُمَرُ قَدْ أَحْسَنْتَ. وهو صحيح
وورد كذكل عدم التوقيت عن سعد والحسن وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة أخرج ذلك ابن أبي شيبة برقم( 1933-1936) وغالبها بأسانيد صحاح
(8) - قد ورد توقيت المسح على الخفين يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، ذكرهم الفقيه محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله في كتابه وعدَّه من الأحاديث المتواترة .نظم المتناثر - (ج 1 / ص 60) برقم(32 )
(9) - أخرجه مالك في الموطأ برقم(1250 )وأبو داود برقم(2302 ) عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ - وَهِىَ أُخْتُ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِى بَنِى خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِى طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى فِى بَنِى خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِى لَمْ يَتْرُكْنِى فِى مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلاَ نَفَقَةَ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَعَمْ ». قَالَتْ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِى الْحُجْرَةِ نَادَانِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَمَرَ بِى فَنُودِيتُ لَهُ فَقَالَ « كَيْفَ قُلْتِ ». فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِى ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِى فَقَالَ « امْكُثِى فِى بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ». قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا - قَالَتْ - فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَىَّ فَسَأَلَنِى عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ. وهو حديث صحيح أبق : هرب
(10) - أخرج ابن حزم في المحلى (ج 5 / ص 24) والمحلى بالآثار - (ج 1 / ص 2511) مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُصَادُ لَهُ الْوَحْشُ عَلَى الْمَنَازِلِ ثُمَّ يُذْبَحُ فَيَأْكُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ سَنَتَيْنِ مِنْ خِلافَتِهِ، ثُمَّ إنَّ الزُّبَيْرَ كَلَّمَهُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا يُصَادُ لَنَا وَمِنْ أَجْلِنَا لَوْ تَرَكْنَاهُ فَتَرَكَهُ. وإسناده صحيح
وهناك حديث في سنده انقطاع وهو في سنن الترمذى برقم(856 )عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلاَلٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ وَطَلْحَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ. وَالْمُطَّلِبُ لاَ نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ بَأْسًا إِذَا لَمْ يَصْطَدْهُ أَوْ لَمْ يُصْطَدْ مِنْ أَجْلِهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِىَ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَفْسَرُ وَالَعَمَلُ عَلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
(11) - أخرجه أحمد في مسنده برقم(57)عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِياًّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً نَفَعَنِى اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى مِنْهُ وَإِذَا حَدَّثَنِى غَيْرِى عَنْهُ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْباً فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثُمَّ تَلاَ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ). وهو صحيح
وفي مسند الحميدى برقم(1) عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ رضى الله عنه يَقُولُ : كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى مِنْهُ ، وَإِذَا حَدَّثَنِى غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ ، فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ ، فَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ » وهو صحيح .
وفي مسند الحميدى برقم(5)ِ عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ : كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِى اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ ، فَإِذَا حَدَّثَنِى غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ ، فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَنِى ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ». قَالَ مِسْعَرٌ :« ثُمَّ يُصَلِّى ». وَقَالَ سُفْيَانُ :« ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ، فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ » وهو صحيح .
(12) - أما حديث علي ففي مصنف ابن أبي شيبة برقم(17094) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ زَيْدٌ : قَدْ حَلَّتْ وَقَالَ عَلِيٌّ : أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَ زَيْدٌ : أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ يَئِيسًا قَالَ عَلِيُّ : فَآخِرُ الأَجَلَيْنِ قَالَ عُمَرُ : لَوْ وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا وَزَوْجُهَا عَلَى نَعْشِهِ لَمْ يَدْخُلْ حُفْرَتَهُ لَكَانَتْ قَدْ حَلَّتْ. وهو حديث صحيح
وفي ورواية أخرى عنده برقم(17098) عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ : وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ : آخِرُ الأَجَلَيْنِ. وهو حديث صحيح
وفي رواية أخرى عنده برقم(17099) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِِ ، عَنْ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَسْرُوقٌ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : آخِرُ الأَجَلَيْنِ. وهو صحيح
(13) - أخرجه البخارى برقم(4909 ) و مسلم برقم(3796 ) عَنْ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ أَفْتِنِى فِى امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الأَجَلَيْنِ . قُلْتُ أَنَا ( وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِى - يَعْنِى أَبَا سَلَمَةَ - فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلاَمَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهْىَ حُبْلَى ، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا .
وفي رواية مسلم برقم(3796 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَ عَبَّاسٍ اجْتَمَعَا عِنْدَ أَبِى هُرَيْرَةَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ الْمَرْأَةَ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِدَّتُهَا آخِرُ الأَجَلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ قَدْ حَلَّتْ. فَجَعَلاَ يَتَنَازَعَانِ ذَلِكَ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِى - يَعْنِى أَبَا سَلَمَةَ - فَبَعَثُوا كُرَيْبًا - مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ إِنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ وَإِنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ.
(14) - وأما ما ورد عن غيرهما فقد ورد عن ابن مسعود ففي
مصنف ابن أبي شيبة مرقم برقم(17095) عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَاَللَّهِ لَمَنْ شَاءَ لَقَاسَمْتُهُ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وإسناده صحيح
وورد عنه عكسه كما في مصنف ابن أبي شيبة برقم(17098) عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ : وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ : آخِرُ الأَجَلَيْنِ.
وبرقم (17105)عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيًّا وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ : تَتَرَبَّصُ أَبْعَدَ الأَجَلَيْنِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : نَقُولُ تَسْفِي نَفْسَهَا ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ : إنَّ فَرُّوخَ لاَ يَعْلَمُ. وهو صحيح
و ورد عن عبد بن الرحمن بن أبي ليلى ففيه برقم (17101) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ : فَقَالَ : آخِرُ الأَجَلَيْنِ قَالَ : فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ سُبَيْعَةَ قَالَ فَغَمَزَ إلَيَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ قَالَ : فَقُلْتُ : إنِّي لَجَرِيءٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ إنْ كَذَبْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ. وهو صحيح
(15) - أخرجه في موطأ مالك برقم(1248) عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِى مَنْ شِئْتِ » وهو صحيح .
(16) - ففي مصنف ابن أبي شيبة برقم(17108) عَنِ ابْنِ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَطَلَبُوا إلَى ابْنِ عُمَرَ الصَّدَاقَ فَقَالَ : لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ , فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَأَتَوْهُ فَقَالَ : لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ , تَرِثُ وَتَعْتَدُّ. وإسناده صحيح
وبرقم (17109) عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٍ فِي الَّذِي يُفْرَضُ إلَيْهِ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ قَالاَ : لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ. وهو صحيح
وبرقم(17110و17117) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : لَهَا الْمِيرَاثُ وَلاَ صَدَاقَ لَهَا. وهو صحيح
وبرقم( 17111) عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً بِالْمَدِينَةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَالُوا : لَهَا الْمِيرَاثُ وَلاَ مَهْرَ لَهَا وَقَالَ مَسْرُوقٌ : لاَ يَكُونُ مِيرَاثٌ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ مَهْرٌ. وهو صحيح(2/12)
وَلَمْ تَكُنْ بَلَغَتْهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بروع بِنْتِ وَاشِقٍ(1).
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ يَبْلُغُ الْمَنْقُولُ مِنْهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَدَدًا كَثِيرًا جِدًّا .
وَأَمَّا الْمَنْقُولُ مِنْهُ عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ ؛ فَإِنَّهُ أُلُوفٌ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَعْلَمَ الْأُمَّةِ وَأَفْقَهَهَا وَأَتْقَاهَا وَأَفْضَلَهَا فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْقَصُ ؛ فَخَفَاءُ بَعْضِ السُّنَّةِ عَلَيْهِ أَوْلَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ . فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ قَدْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ إمَامًا مُعَيَّنًا فَهُوَ مُخْطِئٌ خَطَأً فَاحِشًا قَبِيحًا .
وَلَا يَقُولَن قَائِلٌ : الْأَحَادِيثُ قَدْ دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ ؛ فَخَفَاؤُهَا وَالْحَالُ هَذِهِ بَعِيدٌ . لِأَنَّ هَذِهِ الدَّوَاوِينَ الْمَشْهُورَةَ فِي السُّنَنِ إنَّمَا جُمِعَتْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ ،وَمَعَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ انْحِصَارَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَوَاوِينَ مُعَيَّنَةٍ ،ثُمَّ لَوْ فُرِضَ انْحِصَارُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَيْسَ كُلُّ مَا فِي الْكُتُبِ يَعْلَمُهُ الْعَالِمُ وَلَا يَكَادُ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِأَحَدِ . بَلْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الدَّوَاوِينُ الْكَثِيرَةُ وَهُوَ لَا يُحِيطُ بِمَا فِيهَا ،بَلْ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ جَمْعِ هَذِهِ الدَّوَاوِينِ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِكَثِيرِ(2)؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا بَلَغَهُمْ وَصَحَّ عِنْدَهُمْ قَدْ لَا يَبْلُغُنَا إلَّا عَنْ مَجْهُولٍ ؛ أَوْ بِإِسْنَادِ مُنْقَطِعٍ ؛ أَوْ لَا يَبْلُغُنَا بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَتْ دَوَاوِينُهُمْ صُدُورَهُمْ الَّتِي تَحْوِي أَضْعَافَ مَا فِي الدَّوَاوِينِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ عَلِمَ الْقَضِيَّةَ(3).
وَلَا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا . لِأَنَّهُ إنْ اُشْتُرِطَ فِي الْمُجْتَهِدِ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِعْلُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ : فَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مُجْتَهِدٌ(4)، وَإِنَّمَا غَايَةُ الْعَالِمِ أَنْ يَعْلَمَ جُمْهُورَ ذَلِكَ وَمُعْظَمَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ التَّفْصِيلِ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَلِيلَ مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي يَبْلُغُهُ.
السَّبَبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ(5).
إمَّا لِأَنَّ مُحَدِّثَهُ أَوْ مُحَدِّثَ مُحَدِّثِهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ أَوْ مُتَّهَمٌ أَوْ سَيِّئُ الْحِفْظِ . وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مُسْنَدًا بَلْ مُنْقَطِعًا ؛ أَوْ لَمْ يَضْبُطْ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ لِغَيْرِهِ بِإِسْنَادِ مُتَّصِلٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَعْلَمُ مِنْ الْمَجْهُولِ عِنْدَهُ الثِّقَةَ أَوْ يَكُونُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أُولَئِكَ الْمَجْرُوحِينَ عِنْدَهُ ؛ أَوْ قَدْ اتَّصَلَ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الْمُنْقَطِعَةِ وَقَدْ ضَبَطَ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ ؛ أَوْ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ مِنْ الشَّوَاهِدِ وَالْمُتَابَعَاتِ مَا يُبَيِّنُ صِحَّتَهَا .
وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرٌ جِدًّا . وَهُوَ فِي التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَى الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ،فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَانَتْ قَدْ انْتَشَرَتْ وَاشْتَهَرَتْ لَكِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ، وَقَدْ بَلَغَتْ غَيْرَهُمْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ فَتَكُونُ حُجَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَنْ خَالَفَهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِهَذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيقُ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ فَيَقُولُ : قَوْلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بِكَذَا ؛ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَوْلِي(6).
السَّبَبُ الثَّالِثُ : اعْتِقَادُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ .
بِاجْتِهَادِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مَعَهُمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ .
وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ :
مِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا ؛ وَيَعْتَقِدُهُ الْآخَرُ ثِقَةً .
وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ عِلْمٌ وَاسِعٌ(7)؛ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْمُصِيبُ مَنْ يَعْتَقِدُ ضَعْفَهُ ؛ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ جَارِحٍ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ الْآخَرِ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ غَيْرُ جَارِحٍ ؛ إمَّا لِأَنَّ جِنْسَهُ غَيْرُ جَارِحٍ ؛ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجَرْحَ .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَلِلْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عُلُومِهِمْ(8).
وَمِنْهَا : أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمُحَدِّثَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ(9)وَغَيْرُهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ لِأَسْبَابِ تُوجِبُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٍ(10).
وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَدِّثِ حَالَانِ :
حَالُ اسْتِقَامَةٍ وَحَالُ اضْطِرَابٍ مِثْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ(11)أَوْ تَحْتَرِقَ كُتُبُهُ(12)،فَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ صَحِيحٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاضْطِرَابِ ضَعِيفٌ فَلَا يَدْرِي ذَلِكَ الْحَدِيثَ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ ؟ وَقَدْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ(13).
وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ قَدْ نَسِيَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ .
فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا بَعْدُ أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ تُوجِبُ تَرْكَ الْحَدِيثِ . وَيَرَى غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ(14). وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ(15).
وَمِنْهَا : أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ يَرَوْنَ أَلَّا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ عِرَاقِيٍّ أَوْ شَامِيٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ .
حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ : نَزِّلُوا أَحَادِيثَ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِمَنْزِلَةِ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ(16)، وَقِيلَ لِآخَرَ : سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ حُجَّةٌ ؟ قَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ فَلَا(17)،
__________
(1) - ففي سنن أبى داود برقم(2116 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِهِ فِى بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ. وهو صحيح
وفي رواية عنده برقم( 2118 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أُتِىَ فِى رَجُلٍ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ فَاخْتَلَفُوا إِلَيْهِ شَهْرًا أَوْ قَالَ مَرَّاتٍ قَالَ فَإِنِّى أَقُولُ فِيهَا إِنَّ لَهَا صَدَاقًا كَصَدَاقِ نِسَائِهَا لاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ وَإِنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّى وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ.
فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمُ الْجَرَّاحُ وَأَبُو سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَاهَا فِينَا فِى بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَإِنَّ زَوْجَهَا هِلاَلُ بْنُ مُرَّةَ الأَشْجَعِىُّ كَمَا قَضَيْتَ.
قَالَ فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وهو صحيح
(2) - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 6508) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 832)
(3) - قلت : وفي هذا ردٌّ على من يتسرع فينكر على الفقهاء حكما معينا لم يطلع على دليله أو أن دليله على حدِّ زعمه ضعيفٌ، دون أن يحيط علما بأدلتهم ، ككثير من فقهاء ومحدثي العصر مع الأسف !!!
(4) -يعني قد أحاط بالسنة النبوية كلها ، وهذا لم ولن يوجد حتى قيام الساعة
(5) - مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 239) ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 286) ومجموع رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية - (ج 31 / ص 5)
(6) - مثاله حديث في السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 111) برقم(16837) عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِىِّ عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : اجْمَعُوا فِى الْقَبَائِلِ الَّذِينَ حَضَرُوا رُبُعَ الدِّيَةِ وَثُلُثَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الدِّيَةِ وَالدِّيَةَ كَامِلَةً فَلِلأَوَّلِ الرُّبُعُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ يَلِيهِ وَالثَّانِى ثُلُثُ الدِّيَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ فَوْقَهُ وَالثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ فَوْقَهُ وَالرَّابِعِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَزَعَمَ حَنَشٌ أَنَّ بَعْضَ الْقَوْمِ كَرِهَ ذَلِكَ حَتَّى أَتَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَقُوهُ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَاحْتَبَى بُرْدَهُ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَقْضِى بَيْنَكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : إِنَّ عَلِيًّا قَضَى بَيْنَنَا فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَأَجَازَهُ. فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أُرْسِلَ آخِرُهُ. {ج} وَحَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ قَالَ الْبُخَارِىُّ : حَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمُ ابْنُ رَبِيعَةَ يَتَكَلَّمُونَ فِى حَدِيثِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ يَذْكُرُهُ عَنِ الْبُخَارِىِّ. {ق} وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِى الأَوَّلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِى وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ لأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ اثْنَيْنِ فَسَقَطَ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِفِعْلِ نَفْسِهِ وَوَجَبَ الثُّلُثَانِ وَفِى الثَّانِى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَفِى الثَّالِثِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِى وَالآخَرُ ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى وَفِى الرَّابِعِ جَمِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى وَالثَّالِثِ فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ تُرِكَ لَهُ الْقِيَاسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(7) - قلت : نصف السنة النبوية قائم على رجال مختلف فيهم ، فمنه من وثقه قوم ، ومنهم من ضعفه قوم ، والعلماء في الجرح والتعديل ثلاثة أصنافٍ :
متشددون في الجرح ، يجرحون الراوي لأدنى شبهة ويردون حديثه.
والنوع الثاني متساهلون في الجرح والتعديل .
والنوع الثالث معتدلون في الجرح والتعديل .
وعلى ضوء ذلك يختلف الحكم على الحديث ، فمن أخذ بقول المتشددين في الحديث ترك كثيرا من الأحاديث لعدم صحتها عنده ,
ومن أخذ بقول المتساهلين يكون قد صحح أو حسن أحاديث واحتج بها وهي لا تستحق ذلك على الصحيح
ومن أخذ بقول المعتدلين كان وسطا بين الطرفين ، وهم الغالبية العظمى من علماء الجرح والتعديل أمثال البخاري وأحمد وابن سعد والترمذي وأبو داود والنسائ وابن خزيمة وابن حبان و الدارقطني وابن عدي والمنذري والبيهقي والحافظ العراقي والحافظ ابن حجر العسقلا ني والسخاوي والشوكاني
(8) - انظر مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
(9) - يعني فيكون الحديث منقطعا، لأنه روى عمن لم يره أولم يلقه
(10) - وذلك للاختلاف في سنه مثلا كالاختلاف في سنة ولادته ، أو سنة موته ، وكذلك كون الراوي عنه مدلسا أم غير غير مدلس ، فإن كان الأول فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح فيه بالتحديث إذا كان يروي عن ثقات وغير ثقات ، وأما إذا كان لا يروي إلا عن ثقات فيقبل حديثه ، أو كان الذي يروي عنه من أهل بلده الذين لازمهم كثيرا أو عن شيوخه الكبار ، فروايته عن هؤلاء بالعنعنة لا تضر ، وتحمل روايته على السماع ..
وإذا لم يكن مدلسا فتقبل عنعنته مطلقا إذ أمكن اللقاء بينه وبين شيخه ، ومثل هذا كثير في الرواة
(11) - مثال على ذلك عطاء بن السائب ، وقد وثقه أكثر المحدثين ، ولكن قد اختلط قبل موته ، ومن ثم فقد اختلفوا في حديثه ،فمن روى عنه قبل الاختلاط فحديثه حديث الثقات يحتج به ، ومن روى بعد الاختلاط يتوقف فيه ، فإن كان له شاهد أو متابع قبلناه وإلا فلا .
وقد اختلفوا في رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب : قَالَ العقيلى : سمع حماد من عطاء بعد اختلاطه --
والصحيح أَنه سمع منه قبل الاختلاط وهومَا ذكره ابن الجارود فِى الضعفاء فقَالَ : حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عنه جيد --وقال يعقوب بن سفيان : هو ثقة حجة وما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة سماع هؤلاء قديم ---التهذيب للحافظ ابن حجر 7/206-207 وهومَا رجحه ابن حجر فِى الفتح وغيره والهيثمى وأحمد شاكر وهو الحق .
ملاحظة الذين رووا عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم : سفيان الثورى وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن سلمة ، حمادبن زيد ، أيوب وسفيان ابن عينيه --وحديثهم صحيح فهو ثقة اختلط بآخره ، وما رواه بعد الاختلاط يتوقف فيه
(12) - ومثاله عبد الله بن لهيعة المصري ، فقد احترقت كتبه بآخر عمره سنة 169 أو170 هـ ومات سنة 174 هـ فخلط بعدها
وقد اختلفوا فيه وخلاصة الأمر فيه ما قاله ابن عدي : وحديثه أحاديث حسان ، وما قد ضعفه السلف هو حسن الحديث يكتب حديثه ، وقد حدث عنه الثقات : الثوري وشعبة ومالك وعمرو ابن الحارث والليث ابن سعد
قلت : وقالوا رواية عبد الله بن وهب عنه وابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وقتيبة بن سعيد أعدل من غيرها عنه ، وينبغي أن يضاف لهؤلاء مارواه عنه أبو الأسود والحسن بن موسى وقد روى الإمام أحمد في مسنده أحاديث ابن لهيعة من طريق الحسن بن موسى وأبي الأسود غالباً .
راجع تهذيب الكمال[ ج 15 - ص 487 ] برقم(3513 ) م د ت ق
وتهذيب التهذيب[ ج 5 - ص 327 ] برقم(648 )
والجرح والتعديل[ ج 5 - ص 145 ]برقم(682 )
والكامل في الضعفاء[ ج 4 - ص 144 ] برقم(977 )
وتذكرة الحفاظ[ ج 1 - ص 237 ] برقم(224)
وتاريخ دمشق[ ج 32 - ص 136 ] برقم(3474)
(13) - ومثل سعيد بن أبى عروبة : مهران العدوى ، أبو النضر ، اليشكرى مولاهم ، البصرى -رواة التهذيبين - راو رقم 2365
الطبقة : 6 : من الذين عاصروا صغارالتابعين
الوفاة : 156 هـ و قيل 157 هـ
روى له : خ م د ت س ق ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )
رتبته عند ابن حجر : ثقة حافظ ، له تصانيف ، كثير التدليس ، و اختلط ، و كان من أثبت الناس فى قتادة
رتبته عند الذهبي : أحد الأعلام ، قال أحمد كان يحفظ لم يكن له كتاب ، و قال ابن معين هو من أثبتهم فى قتادة ، و قال أبو حاتم هو قبل أن يختلط ثقة
وقال ابن عدي في آخر ترجمته :
قال الشيخ وسعيد بن أبي عروبة من ثقات الناس وله أصناف كثيرة وقد حدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه وحدث بأصنافه عنه أرواهم عنه عبد الأعلى السامي والبعض منها شعيب بن إسحاق وعبدة بن سليمان وعبد الوهاب الخفاف وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه وثبتا عن كل من روى عنه إلا من جلس عنهم وهم الذين ذكرتهم ممن لم يسمع منهم وأثبت الناس عنه يزيد بن زريع وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد ونظراؤهم قبل اختلاطه وروى الأصناف كلها سعيد بن أبي عروبة عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف .الكامل في الضعفاء[ ج 3 - ص 396 ]
(14) - وفي سير أعلام النبلاء - (ج 5 / ص 422)برقم(186 ) وسير أعلام النبلاء - (ج 2 / ص 444)
حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ع)الْحَافِظُ الْحُجَّةُ الْمُعَمَّرُ أَبُو الْهُذَيْلِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ ابْنُ عَمِّ مَنْصُورٍ. وُلِدَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ.
رَوَى أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ: كَوَفِيٌّ ثِقَةٌ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ، سَكَنَ بَلَدَ الْمُبَارَكِ بِأَخْرَةَ، وَالْوَاسِطِيُّونَ أَرَوَى النَّاسِ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْتُ: لِأَبِي زُرْعَةَ، حُصَيْنٌ حُجَّةٌ ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ: وَفِي آخِرِ عُمْرِهِ سَاءَ حِفْظُهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: تَغَيَّرَ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: طَلَبْتُ الْحَدِيثَ وَحُصَيْنٌ حَيٌّ، كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ نَسِيَ. وَعَنْ يَزِيدَ قَالَ: اخْتَلَطَ حُصَيْنٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَخْتَلِطْ.
قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ الصِّحَاحِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَمِنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَمَا هُوَ بِدُونِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ، وَمِنَ الْعُقَيْلِيِّ، وَابْنِ عَدِيٍّ، كَيْفَ تَسَرَّعُوا إِلَى ذِكْرِ حُصَيْنٍ فِي كُتُبِ الْجَرْحِ.
(15) - انظر المسألة في البحر المحيط - (ج 5 / ص 379) مَسْأَلَةٌ [ إنْكَارُ الشَّيْخِ مَا حَدَّثَ بِهِ ] إذَا رَوَى ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ حَدِيثًا ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّيْخُ فَأَنْكَرَهُ ، ُ .
(16) - قلت : هذه المقولة باطلة ، ولا أساس لها من الصحة ، بل وجد في الكوفة والبصرة وبغداد فيما بعد آلاف المحدثين الثقات الأثبات ،فكيف يقال هذا الكلام الباطل بحقهم ؟؟!!!
(17) - قلت : هذا من أصح الأسانيد ، فكيف يقال هذا بحقه ، فقد أخرج البخاري حديثا بهذا السند في صحيح البخارى برقم(4886 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ..
بل هذا أصح أسانيد الكوفيين، وقد روى سائر أئمة الحديث بهذا السند أحاديث كثيرة ، وفي الكفاية : 1235 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ قَالَ : قَرَأْنَا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ الْقَاضِي , عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ الْبَلْخِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي , يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ , يَقُولُ : " مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ "
انظر قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 404) و الحد الفاصل - (ج 1 / ص 238) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 386) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 71)(2/13)
وَهَذَا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ ضَبَطُوا السُّنَّةَ فَلَمْ يَشِذَّ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِيهَا(1). وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ يَرَى أَلَّا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ الشَّامِيِّينَ(2).
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ التَّضْعِيفِ بِهَذَا، فَمَتَى كَانَ الْإِسْنَادُ جَيِّدًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً سَوَاءٌ كَانَ الْحَدِيثُ حِجَازِيًّا أَوْ عِرَاقِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو داود السجستاني كِتَابًا فِي مفاريد أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنْ السُّنَنِ يُبَيِّنُ مَا اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي لَا تُوجَدُ مُسْنَدَةً عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِثْلَ الْمَدِينَةِ ؛ وَمَكَّةَ ؛ وَالطَّائِفِ ؛ وَدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا . إلَى أَسْبَابٍ أُخَرَ غَيْرِ هَذِهِ .
السَّبَبُ الرَّابِعُ : اشْتِرَاطُهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ الْحَافِظِ شُرُوطًاً يُخَالِفُهُ فِيهَا غَيْرُهُ .
مِثْلَ اشْتِرَاطِ بَعْضِهِمْ عَرْضَ الْحَدِيثِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،(3)وَاشْتِرَاطِ بَعْضِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ فَقِيهًا(4)إذَا خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ(5)، وَاشْتِرَاطِ بَعْضِهِمْ انْتِشَارَ الْحَدِيثِ وَظُهُورَهُ إذَا كَانَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى(6)إلَى غَيْرِ ذَلِكَ(7)مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهِ(8).
وفي المستصفى للغزالي رحمه الله - (ج 1 / ص 342) مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَقْبُولٌ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا نَقَلَهُ الْعَدْلُ وَصِدْقُهُ فِيهِ مُمْكِنٌ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ ، فَمَسُّ الذَّكَرِ مَثَلًا نَقَلَهُ الْعَدْلُ وَصِدْقُهُ فِيهِ مُمْكِنٌ فَإِنَّا لَا نَقْطَعُ بِكَذِبِ نَاقِلِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِنَقْلِ مَا تُحِيلُ الْعَادَةُ فِيهِ أَنْ لَا يَسْتَفِيضَ كَقَتْلِ أَمِيرٍ فِي السُّوقِ وَعَزْلِ وَزِيرٍ وَهُجُومٍ فِي الْجَامِعِ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ كَخَسْفٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ انْقِضَاضِ كَوْكَبٍ عَظِيمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَجَائِبِ ، فَإِنَّ الدَّوَاعِيَ تَتَوَفَّرُ عَلَى إشَاعَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ وَيَسْتَحِيلُ انْكِتَامُهُ ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - تَعَبَّدَ بِإِشَاعَتِهِ وَاعْتَنَى بِإِلْقَائِهِ إلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ ، فَإِنَّ الدَّوَاعِيَ تَتَوَفَّرُ عَلَى إشَاعَتِهِ وَنَقْلِهِ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدِّينِ ، وَالْمُنْفَرِدُ بِرِوَايَةِ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ كَاذِبٌ قَطْعًا ، فَأَمَّا مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا نَقْطَعُ بِكَذِبِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : بِمَ تُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِرَارًا وَكَانَتْ الطَّهَارَةُ تَنْتَقِضُ بِهِ لَا يَحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَشِيعَ حُكْمَهُ وَيُنَاجِيَ بِهِ الْآحَادَ ؛ إذْ يُؤَدِّي إلَى إخْفَاءِ الشَّرْعِ وَإِلَى أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ الْعِبَادِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، فَتَجِبُ الْإِشَاعَةُ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ، وَكَذَلِكَ مَسُّ الذَّكَرِ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ فَكَيْفَ يَخْفَى حُكْمُهُ ؟ قُلْنَا : هَذَا يَبْطُلُ أَوَّلًا بِالْوَتْرِ وَحُكْمِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَهْقَهَةِ وَوُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَقَدْ أَثْبَتُوهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
فَإِنْ زَعَمُوا أَنْ لَيْسَ عُمُومُ الْبَلْوَى فِيهَا كَعُمُومِهَا فِي الْأَحْدَاثِ ، فَنَقُولُ : فَلَيْسَ عُمُومُ الْبَلْوَى فِي اللَّمْسِ وَالْمَسِّ كَعُمُومِهَا فِي خُرُوجِ الْأَحْدَاثِ ، فَقَدْ يَمْضِي عَلَى الْإِنْسَانِ مُدَّةٌ لَا يَلْمِسُ وَلَا يَمَسُّ الذَّكَرَ إلَّا فِي حَالَةِ الْحَدَثِ كَمَا لَا يَفْتَصِدُ وَلَا يَحْتَجِمُ إلَّا أَحْيَانًا فَلَا فَرْقَ
وَالْجَوَابُ الثَّانِي وَهُوَ التَّحْقِيقُ : أَنَّ الْفَصْدَ وَالْحِجَامَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَكِنَّهُ يَكْثُرُ ، فَكَيْفَ أُخْفِيَ حُكْمُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ ؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْأَكْثَرَ فَكَيْفَ وَكُلُّ ذَلِكَ إلَى الْآحَادِ ؟ وَلَا سَبَبَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - إشَاعَةَ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ ، بَلْ كَلَّفَهُ إشَاعَةَ الْبَعْضِ وَجَوَّزَ لَهُ رَدَّ الْخَلْقِ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْبَعْضِ ، كَمَا جَوَّزَ لَهُ رَدَّهُمْ إلَى الْقِيَاسِ فِي قَاعِدَةِ الرِّبَا ، وَكَانَ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : لَا تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ أَوْ الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ ، حَتَّى يُسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَنْ جُمْلَةِ مَا تَقْتَضِي مَصْلَحَةُ الْخَلْقِ أَنْ يَرُدُّوا فِيهِ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ صِدْقُ الرَّاوِي مُمْكِنًا فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ ، وَلَيْسَ عِلَّةُ الْإِشَاعَةِ عُمُومَ الْحَاجَةِ أَوْ نُدُورَهَا ، بَلْ عِلَّتُهُ التَّعَبُّدُ وَالتَّكْلِيفُ مِنْ اللَّهِ ، وَإِلَّا فَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَثِيرٌ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَكْثَرُ فِي كَوْنِهِ شَرْعًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الضَّابِطُ لِمَا تَعَبَّدَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ بِالْإِشَاعَةِ ؟ قُلْنَا : إنْ طَلَبْتُمْ ضَابِطًا لِجَوَازِهِ عَقْلًا فَلَا ضَابِطَ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ فِي تَكْلِيفِ رَسُولِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ وُقُوعَهُ فَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَإِذَا اسْتَقْرَيْنَا السَّمْعِيَّاتِ وَجَدْنَاهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ ، الْأَوَّلُ : الْقُرْآنُ ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عُنِيَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي إشَاعَتِهِ .
الثَّانِي : مَبَانِي الْإِسْلَامِ الْخَمْسُ ، كَكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَقَدْ أَشَاعَهُ إشَاعَةً اشْتَرَكَ فِي مَعْرِفَتِهِ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ .
الثَّالِثُ : أُصُولُ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً مِثْلُ أَصْلِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَدْ تَوَاتَرَ ، بَلْ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ ، فَإِنَّ هَذَا تَوَاتَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ إمَّا بِالتَّوَاتُرِ وَإِمَّا بِنَقْلِ الْآحَادِ فِي مَشْهَدِ الْجَمَاعَاتِ مَعَ سُكُوتِهِمْ ، وَالْحُجَّةُ تَقُومُ بِهِ ، وَلَكِنَّ الْعَوَامَّ لَمْ يُشَارِكُوا الْعُلَمَاءَ فِي الْعِلْمِ ، بَلْ فَرْضُ الْعَوَامّ فِيهِ الْقَبُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
الرَّابِعُ : تَفَاصِيلُ هَذِهِ الْأُصُولِ ، فَمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالْعِبَادَاتِ وَيَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْ اللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَالْقَيْءِ وَتَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ ، فَهَذَا الْجِنْسُ مِنْهُ مَا شَاعَ وَمِنْهُ مَا نَقَلَهُ الْآحَادُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ، فَمَا نَقَلَهُ الْآحَادُ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَلَا مَانِعَ ، فَإِنَّ مَا أَشَاعَهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ لَا يُتَعَبَّدَ فِيهِ بِالْإِشَاعَةِ ، وَمَا وَكَّلَهُ إلَى الْآحَادِ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتَعَبَّدَ فِيهِ بِالْإِشَاعَةِ ، لَكِنَّ وُقُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَبُّدَ وَقَعَ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ يُخَالِفُ أَمَرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ".
السَّبَبُ الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ لَكِنْ نَسِيَهُ .
وَهَذَا يَرِدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ ». فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ . قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أَذْكُرْهُ مَا عِشْتُ أَوْ مَا حَيِيتُ. قَالَ كَلاَّ وَاللَّهِ وَلكِنْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ(9).
فَهَذِهِ سُنَّةٌ شَهِدَهَا عُمَرُ ثُمَّ نَسِيَهَا حَتَّى أَفْتَى بِخِلَافِهَا وَذَكَّرَهُ عَمَّارُ فَلَمْ يَذْكُرْ وَهُوَ لَمْ يُكَذِّبْ عَمَّارًا بَلْ أَمَرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ "
شبهة حول هذا الحديث وردَّها :
قال الإمام النووي في شرح على مسلم - (ج 2 / ص 85):" مَعْنَاهُ قَالَ عُمَر لِعَمَّارٍ : اِتَّقِ اللَّه تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيه وَتُثْبِت . فَلَعَلَّك نَسِيت ، أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْك الْأَمْر . وَأَمَّا قَوْل عَمَّار إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ فَمَعْنَاهُ ، وَاَللَّه أَعْلَم ؛ إِنْ رَأَيْت الْمَصْلَحَة فِي إِمْسَاكِي عَنْ التَّحْدِيث بِهِ رَاجِحَة عَلَى مَصْلَحَة تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْت ، فَإِنَّ طَاعَتك وَاجِبَة عَلَيَّ فِي غَيْر الْمَعْصِيَة ، وَأَصْل تَبْلِيغ هَذِهِ السُّنَّة وَأَدَاء الْعِلْم قَدْ حَصَلَ ، فَإِذَا أَمْسَكَ بَعْد هَذَا لَا يَكُون دَاخِلًا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْم . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِر فِي النَّاس ، بَلْ لَا أُحَدِّث بِهِ إِلَّا نَادِرًا . وَاَللَّه أَعْلَم ." ا.هـ
أما القول إن عمر خالف بهذا المذهب ظاهر القرآن ، فالجواب أنه كان متأولاً في ذلك ، إذ كان يعتقد أن الجنب لا يدخل في المعنى المراد بقوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً) فكان يذهب إلى أن الملامسة ما دون الجماع ، وكان مجتهداً في ذلك ، ولم تبلغه الأحاديث الخاصة في ذلك السالمة من المعارضة ، مثل حديث أبي ذر. وفي ذلك كما يقول ابن كثير :" ما يدلك على أن أخبار الآحاد العدول من علم الخاصة قد يخفى على الجليل من العلماء منها الشيء) فليس فيما ذهب إليه عمر ما يحط من قدره ، طالما أنه قال على سبيل الاجتهاد ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » أخرجه البخاري برقم(7352 ) ومسلم برقم( 4584 )
قلت : وقد زعم الرافضة أن عمر رضي الله عنه قد خالف القرآن الكريم و أمر بغير شرع الله
فليس: للشيعة متمسك في هذا الأثر على أن عمر - رضي الله عنه - أمر بغير شرع الله - حاشاه من ذلك - وإذا كان هذا - أعني دعوى الأمر بغير شرع الله - لا يتصور في آحاد الصالحين من هذه الأمة، فكيف يتصور ذلك في الخليفة الراشد الذي أجمعت الأمة في وقته على صحة خلافته؟ ولكنه الهوى والتعصب يجعل من الأسود أبيض ومن الأبيض أسود!! نعوذ بالله من الهوى.
واعلم أنه ما من أحد من العلماء - إلا ما ندر - إلا وله من الأقوال والآراء ما يخالف فيه السنة، نظراً لأن السنة لا يمكن لأحد أن يحيط بها إحاطة تامة، بحيث لا يشذ عنه منها شيء، هذا لم يقع لكبار الصحابة - رضي الله عنهم - فضلاً عن غيرهم ممن أتى بعدهم، ومع ذلك فلم يقل أحد من العلماء: إن مخالفة عالم للسنة - بسبب خفائها عليه أو لعذر غيره - إن ذلك من تبديل شرع الله تعالى.
ولهذا لم يقل أحد من الأئمة إن علياً - رضي الله عنه - قد بدَّل الشريعة حينما قال: إن المتوفى عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين ، لمخالفة قوله هذا للسنة الصحيحة الصريحة في حديث سبيعة الأسلمية - رضي الله عنها - والتي أفتاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها انقضت عدتها بمجرد وضع حملها؟
بل أهل العلم يعتبرون هذا من جملة الاجتهادات التي يعذر فيها صاحبها، ولا يوافق على قوله، وتمثل هذه الطريقة تعامل أهل العلم المنصفين مع اجتهادات العلماء التي تبين خطؤها، سواء كان العالم من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أولى الناس بالتماس الأعذار - أو مع غيرهم.
وبخصوص حديث عمر هذا، فإن قول عمر - رضي الله عنه - له سبب - كما قال ابن عبد البر في "التمهيد (19/273): (وذلك أن عمر - رضي الله عنه - كان يذهب إلى أن الجنب لا يجزيه إلا الغسل بالماء، فلما أخبره عمار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بأن التيمم يكفيه، سكت عنه ولم ينهه، فلما لم ينهه علمنا أنه قد وقع بقلبه تصديق عمار - رضي الله عنه -، لأن عماراً - رضي الله عنه - قال له: إن شئت لم أذكره، ولو وقع في قلبه تكذيب عمار لنهاه، لما كان الله قد جعل في قلبه من تعظيم حرمات الله، ولا شيء أعظم من الصلاة، وغير متوهم عن عمر أن يسكت على صلاة تصلى عنده بغير طهارة، وهو الخليفة المسؤول عن العامة، وكان أتقى الناس لربه وأصلحهم لهم في دينهم في ذلك الوقت رضي الله عنه "انتهى كلام ابن عبد البر رحمه الله.
فتحصل من كلامه رضي الله عنه أمران:
الأول: أن عمر كان قد خفيت عليه السنة أو نسيها، وكان يظن أن الجنب لا يصلي حتى يغتسل بالماء، وأن التيمم لا يكفيه، حتى أخبره عمار - رضي الله عنه-.
الثاني: أن عمر - رضي الله عنه - قد رجع إلى السنة حينما أخبره عمار بها - كما وضح وجه ذلك ابن عبد البر، وهذا هو الظن بكل مسلم تتبين له السنة، فضلاً عن الصحابة - رضي الله عنهم -، فضلاً عن الخليفة الراشد الوقاف عند حدود الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
ولكن المشكلة في بعض الناس - الذي يفقد الإنصاف - حينما يتعامل مع الأخبار والقصص - وفي نفسه شيء على من يقرأ أخباره - فإنه حين يقرأ، إنما يقرأ لتتبع الأخطاء والزلات ونسيان الحسنات، فهو كما يقول شيخ الإسلام، كالذباب لا يقع إلا على الجرح، وهذا مخالف للمنهج القرآني الذي رسمه ربنا بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المائدة:8]، ويقول سبحانه: "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الأنعام:152].
__________
(1) - قلت : وهذا فيه نظر فكل إقليم فيه علماء أفذاذ ضبطوا السنة ونقَّوها مما علق بها ، وميزوا صحيحها من منخولها ، وهناك علماء آخرون لم يضبطوا ذلك ، فكيف يتهم أصحاب إقليم ما بهذه التهمة الموجودة عند الجميع بما فيهم الحجازيين ؟؟!!
(2) - قلت : هذا من التعصب المذموم للإقليم أو الشخص أو المذهب، فالحديث متى استوفى شروط الصحة وجب العمل به سواء رواه أهل الحجاز أو أهل الشام أو أهل العراق ، أو غيرها من بلدان المسلمين ، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في أمصار المسلمين فاتحين وبعدها يعلمون الناس أصول دينهم ، فما وصل لأهل هذا الإقليم لم يصل إلى غيرهم ، وحصر الأحاديث في إقليم واحد يدلُّ على جهل قائله ، فأكثر من ثمانين بالمائة من الصحابة لم يموتوا في مكة أو المدينة بل خارجهما ، بل حتى أصحاب الإقليم الواحد لم يحصوا أحاديث إقليمهم كلها ، ولا أقاويلهم كالإمام مالك رحمه الله ، الذي يقدِّم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد مثلا ، فقد رد عليه الشافعي وغيره ، وبينوا له أن المسائل التي يقول بها إنها عمل أهل المدينة أن بعض علماء أهل المدينة قد خالفوها فكيف بغيرهم من الأمصار الأخرى ؟ ! .
(3) - قلت : هذا الشرط ليس معتبراً ، فقد نجد كثيراً من الأحاديث الساقطة والواهية لو عرضت على الكتاب والسنة لما خالفتهما ، ككثير من الحكم والأمثال ، فهل نقبلها على أنها أحاديث صحيحة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ونعمل بموجبها ؟؟!!
فهذا لا يقول به أحد من أهل العلم
ولكن من حيث الجملة : لا يجوز أن يخالف الحديث أصول الدين العامة ، فهذا صحيح . وفي الموضوعات لابن الجوزي - (ج 1 / ص 106):فكل حديث رأيته يخالف المعقول ، أو يناقض الأصول ، فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره .
قلت :وكثيرا ما يقع الخلل في اعتباره مناقضا أم لا ؟ وقد رد المعتزلة ومن لف لفهم كثيرا من الأحاديث بحجة مناقضتها لعقولهم القاصرة ، كحديث السحر ، وقلع موسى عليه السلام لعين ملك الموت ، ونحو ذلك
(4) - انظر البحر المحيط للزركشي - (ج 5 / ص 367)[ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الرَّاوِي فَقِيهًا ] وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ سَوَاءٌ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ الْقِيَاسَ أَمْ لَا .
(5) - قلت : ومثاله حديث أخرجه موطأ مالك برقم(1367 ) و البخارى - برقم( 2111 )عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ » وهذا السند من أصح الأحاديث . ولم يعمل المالكية ولا الحنفية
وانظر شرحه مفصلا في طرح التثريب - (ج 6 / ص 394){ بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ } و الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7056) فما بعد وفتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 24 / ص 389) وأنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 6 / ص 339) فما بعد وشرح الكوكب المنير - (ج 2 / ص 446) وحجة الله البالغة - (ج 2 / ص 112) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 114)
(6) - مجموع الفتاوى - (ج 21 / ص 236) ومجموع الفتاوى - (ج 25 / ص 237) ومجموع الفتاوى - (ج 26 / ص 192) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 1 / ص 83) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 10 / ص 251) والفتاوى الهندية - (ج 3 / ص 101) وفتاوى يسألونك - (ج 4 / ص 119) فما بعدها وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 1200) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 4198) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 2352) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 11080-11083) وفتاوى الزحيلي - (ج 2 / ص 379) وأصول السرخسي - (ج 2 / ص 130) وأصول السرخسي - (ج 2 / ص 187) وأصول السرخسي - (ج 2 / ص 285) والأحكام للآمدي - (ج 2 / ص 113) والأحكام للآمدي - (ج 2 / ص 114) والمستصفى - (ج 1 / ص 343)
(7) - قلت ": ومثله حديث في صحيح البخارى برقم(931 ) ومسلم برقم(2057 ) عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ: « أَصَلَّيْتَ » . قَالَ : لاَ . قَالَ: « فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ » .
فقد ردَّ هذا الحديث الصحيح بعض الفقهاء ، وانظر شرحه مفصلا في طرح التثريب - (ج 4 / ص 73 فما بعدها)
(8) - قلت : ومثله حديث المصراة ، فقد أخرجه البخارى برقم(2151 ،2140 ، 2148 ، 2150 ، 2160 ، 2162 ، 2723 ، 2727 ، 5144 ، 5152 ) ومسلم برقم(3907 -3909) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا ، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِى حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ » . المصراة : الشاة يجمع اللبن فى ضرعها عند إرادة البيع فتبدو أنها كثيرة اللبن
فقد ردَّ العمل بهذا الحديث فريق من الفقهاء ، واحتجوا ببعض ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بحجة مخالفته للقياس ، انظر قول العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 73) فَصْلٌ : [ بَيَانُ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ ] .
(9) - صحيح مسلم برقم(846 ) وأحمد برقم( 19395) ومصنف عبد الرزاق - (ج 1 / ص 163) برقم(915) تمعكت : تقلبت فى التراب(2/14)
فنسأل الله العدل والإنصاف مع نفوسنا وإخواننا وخصومنا، ونقول: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر:10].(1).
وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : لَا يَزِيدُ رَجُلٌ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَنَاتِهِ إلَّا رَدَدْته . فَقَالَتْ امْرَأَةٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ تَحْرِمُنَا شَيْئًا أَعْطَانَا اللَّهُ إيَّاهُ ؟ ثُمَّ قَرَأَتْ : { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (20) سورة النساء، فَرَجَعَ عُمَرُ إلَى قَوْلِهَا وَقَدْ كَانَ حَافِظًا لِلْآيَةِ وَلَكِنْ نَسِيَهَا"
قلت : قد وردت من طرق مختلفة وجود إسنادها العلامة ابن كثير في تفسيره - (ج 2 / ص 243) وهذه خلاصتها من المقاصد الحسنة للسخاوي - (ج 1 / ص 431) برقم(814 ) وكشف الخفاء من المحدث - (ج 2 / ص 143) برقم(1958) حديث: كل أحد أعلم أو أفقه من عمر، قاله بعد أن خطب ناهياً عن المغالاة في صداق النساء، وأن لا يزن على أربعمائة درهم، وقالت له امرأة من قريش: أما سمعت اللَّه تعالى يقول {وآتيتم إحداهن قنطاراً}، وفي الكفاية (365 )عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ قَالَ : رَكِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ مَا إِكْثَارُكُمْ فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ , فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ , وَإِنَّمَا الصَّدَقَاتُ فِيمَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ الْإِكْثَارُ فِي ذَلِكَ تَقْوًى أَوْ مَكْرُمَةً لَمْ تَسْبِقُوهُمْ إِلَيْهَا , فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا زَادَ رَجُلٌ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ " قَالَ : ثُمَّ نَزَلَ فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ , فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَهَيْتَ النَّاسَ أَنْ يَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدُقَاتِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قَالَتْ : أَوَ مَا سَمِعْتَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : " وَأَنَّى ذَلِكَ ؟ " قَالَ : فَقَالَتْ : أَوَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ؟ قَالَ : فَقَالَ : " اللَّهُمَّ غَفْرًا , كُلُّ إِنْسَانٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ " , ثُمَّ رَجَعَ فَرَكِبَ الْمِنْبَرَ , ثُمَّ قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدُقَاتِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ , فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا أَحَبَّ وَطَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَلْيَفْعَلْ "، وسنده جيد قوي. ....
قلت : وأكثر أهل العلم على تضعيف هذه القصة ، ففي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (ج 6 / ص 347) برقم(. 1927 ) أما ما شاع على الألسنة من اعتراض المرأة على عمر وقولها : " نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) ؟ ! فقال عمر رضي الله عنه : كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا ثم رجع إلى المنبر فقال للناس : إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له " . فهو ضعيف منكر يرويه مجالد عن الشعبي عن عمر . أخرجه البيهقي ( 7 / 233 ) وقال : " هذا منقطع " . قلت : ومع انقطاعه ضعيف من أجل مجالد وهو ابن سعيد ليس بالقوي ثم هو منكر المتن فأن الآية لا تنافي توجيه عمر إلى ترك المغالاة في مهور النساء ولا مجال الأن لبيان ذلك فقد كتبت فيه مقالا نشر في مجلة التمدن الإسلامي منذ بضع سنين . ثم وجدت له طريقا أخرى عند عبد الرزاق في " المصنف " ( 6 / 180 / 10420 ) عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : فذكره نحوه مختصرا وزاد في الآية فقال : " قنطارا من ذهب " وقال : ولذلك هي في قراءة عبد الله . قلت : وإسناده ضعيف أيضا فيه علتان : الأولى : الانقطاع فإن أبا عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة لم يسمع من عمر كما قال ابن معين . الأخرى : سوء حفظ قيس بن الربيع .
وفي فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 10 / ص 133) قال : زيادة اعتراض المرأة على عمر بن الخطاب في الحديث لها طرق لا تخلو من مقال .
وقد نص أبو بكر بن العربي في (أحكام القرآن) على أن الرواية المشهورة عن عمر هي التي لم تتعرض لقضية المرأة .
وعلى فرض صحة القصة فهذا توجهها :
من خلال هذا العرض السريع لمجريات هذه الواقعة كما وردت في الطرق المختلفة يتضح أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فعل الواجب في هذه المسألة، حيث رجع إلى الحق لما بُيِّن له، ولم يمتنع من ذلك لمنصبه ومكانه بين الصحابة - رضي الله عنهم- لأنه كان يبحث عن الحق، وهو هنا لم يرجع إلى مجرد قول المرأة، لأنه لا حجة في قولها ولا في قول غيرها من الناس، وإنما رجع إلى الآية التي ذكرتها المرأة.
ثانياً: الواجب على الإنسان عموماً أن يكون باحثاً عن الحق متلمساً له في كل أحواله، وإذا قال شيئاً أو حكم بشيء ثم تبين له أن الحق بخلافه فإن الواجب عليه الرجوع إلى الحق ولا غضاضة في ذلك، وهو خير من التمادي في الباطل، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في كتابه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- "والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، وذلك بغض النظر عمّن أرشدك إليه سواء أكان امرأة أو رجلاً عالماً أو عامياً، صغيراً أو كبيراً، لأن الحكمة والحق ضالة المؤمن بغض النظر عن قائلها، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة -رضي الله عنه-: "صدقك وهو كذوب" يعني: إبليس لما ذكر لأبي هريرة - رضي الله عنه- فضل آية الكرسي، والحديث رواه البخاري (3275) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
ثالثاً: هذه القصة الواردة عن عمر - رضي الله عنه- تعد قاعدة من قواعد الإفتاء والاجتهاد، والعلماء متفقون على مضمونها، ولم يقل أحد من أهل العلم بأن الإنسان يجوز له البقاء على قوله مع تبين خطئه ومجانبته للصواب، لكن العالم إذا اجتهد في أي مسألة من المسائل وتبين له الحق فيها وجب عليه العمل بما ظهر له من الحق وإفتاء من سأله عن حسب ما يراه حقاً في المسألة، ولا يرجع عما توصل إليه لقول أي إنسان كائناً من كان، ولكن إذا تبين له دليل يخالف ما توصل إليه سواء أذكره هو أم ذكره غيره به وجب عليه العمل بما يقتضيه هذا الدليل.رابعاً: ينقسم الناس بحسب علمهم بالأدلة الشرعية إلى قسمين: علماء، وعامة؛ فالعلماء: هم أهل النظر في الأدلة الشرعية واستنباط ما اشتملت عليه من الأحكام، وهم الذين يجوز لهم مناقشة بعضهم البعض فيما ذهب إليه كل منهم في المسائل المختلف فيها، ولا يلزم أحد بما ذهب إليه غيره من العلماء، بل الواجب على كل منهم العمل بما أداه إليه اجتهاده.
أما العامة: فالواجب عليهم سؤال العلماء فيما يعرض لهم من أمور دينهم امتثالاً لقوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل:43]، وليس من شأن العامي رد فتاوى أهل العلم أو عدم الأخذ بها أو تخير ما شاء منها، لأنه إن فعل ذلك فإنه لا يفعله عن علم ومعرفة، وإنما منطلقه في ذلك الهوى والتشهي، كما أنه لا يجوز للعامي أن يترك الأخذ بفتاوى أهل العلم بحجة أنهم ربما يكونوا مخطئين، لأننا لو أجزنا له ذلك لبقي العامي بغير تكليف، لأن كثيراً من المسائل اجتهادية والعلماء مختلفون فيها واحتمال الخطأ قائم في حق كل فريق، وإنما الواجب على العامي أن يقلّد العلماء المشهود لهم بالعلم والتقوى، ولا يتجاوز أقوالهم إلا إذا تبين له خطؤها بدليل صحيح واضح، وإذا كان ليس من حق العامي رد كلام العلماء، فإن من حقه أن يسأل العالم عن دليل المسألة ومستندها الذي اعتمده العالم في فتواه، لأن العامي ليس متعبداً باتباع أشخاص العلماء، وإنما هو متعبد باتباع الأدلة التي يعرفها العلماء ويبينونها للعامة.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(2).
وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا ذَكَّرَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْجَمَلِ شَيْئًا عَهِدَهُ إلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَهُ حَتَّى انْصَرَفَ عَنْ الْقِتَالِ(3). وَهَذَا كَثِيرٌ فِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
السَّبَبُ السَّادِسُ : عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ
فتَارَةً لِكَوْنِ اللَّفْظِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ غَرِيبًا عِنْدَهُ مِثْلَ لَفْظِ الْمُزَابَنَةِ(4)وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ(5)وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ(6)وَالْغَرَرِ(7)؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي قَدْ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِهَا، وَكَالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ : « لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِى إِغْلاَقٍ »(8). فَإِنَّهُمْ قَدْ فَسَّرُوا الْإِغْلَاقَ بِالْإِكْرَاهِ ، وَمَنْ يُخَالِفُهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا التَّفْسِيرَ .
__________
(1) - وانظر للتوسع فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 46) رقم الفتوى 10064 مذهب عمر رضي الله عنه في التيمم تاريخ الفتوى : 09 جمادى الثانية 1422 وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 3 / ص 23) طعن الشيعة في عمر - رضي الله عنه -
(2) - وانظر فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 4 / ص 492)
(3) - المستدرك للحاكم برقم(5574) عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ ، قَالَ : شَهِدْتُ الزُّبَيْرَ خَرَجَ يُرِيدُ عَلِيًّا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَنْشُدُكَ اللَّهَ : هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : تُقَاتِلُهُ وَأَنْتَ لَهُ ظَالِمٌ ، فَقَالَ : لَمْ أَذْكُرْ ، ثُمَّ مَضَى الزُّبَيْرُ مُنْصَرِفًا " وهو حديث حسن لغيره - وضعفه عديدون
وانظر تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 49) وسير أعلام النبلاء - (ج 1 / ص 58)
قلت : ولم يكن قصد الزبير رضي الله عنه الخروج على علي رضي الله عنه ، بل المطالبة بإقامة الحد على قتلة عثمان رضي الله عنه الذي قتل مظلوما باتفاقهم ، والقتلة في جيش علي رضي الله عنه ، فلما ذكره بالحديث ترك القتال وقتل غيلة رضي الله عنه وأرضاه
(4) - أخرجه البخارى برقم(2171 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً ، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلاً .
ومسلم برقم(3958 )عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الزَّرْعُ بِالْقَمْحِ وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْقَمْحِ. قَالَ وَأَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « لاَ تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ وَلاَ تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ ».
(5) - أخرجه البخارى برقم(2381 ) ومسلم برقم(3991) عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - نَهَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُخَابَرَةِ ، وَالْمُحَاقَلَةِ ، وَعَنِ الْمُزَابَنَةِ ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا ، وَأَنْ لاَ تُبَاعَ إِلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ ، إِلاَّ الْعَرَايَا .
وزاد مسلم قَالَ عَطَاءٌ فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَالأَرْضُ الْبَيْضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَيُنْفِقُ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنَ الثَّمَرِ. وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِى النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً. وَالْمُحَاقَلَةُ فِى الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ يَبِيعُ الزَّرْعَ الْقَائِمَ بِالْحَبِّ كَيْلاً.
(6) - أخرجه البخارى برقم(2144 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ - رضى الله عنه - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ ، وَهْىَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ ، قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ ، أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ ، وَنَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ ، وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ .
وفي صحيح مسلم برقم(3878 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ نُهِىَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. أَمَّا الْمُلاَمَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ.
(7) -أخرجه مسلم برقم(3881 )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 296) برقم(2783 ) قال النووي رحمه الله :
أَمَّا بَيْع الْحَصَاة فَفِيهِ ثَلَاث تَأْوِيلَات :
أَحَدهَا أَنْ يَقُول : بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَاب مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاة الَّتِي أَرْمِيهَا . أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَرْض مِنْ هُنَا إِلَى مَا اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاة .
وَالثَّانِي أَنْ يَقُول : بِعْتُك عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِي بِهَذِهِ الْحَصَاة .
وَالثَّالِث أَنْ يَجْعَلَا نَفْس الرَّمْي بِالْحَصَاةِ بَيْعًا ، فَيَقُول : إِذَا رَمَيْت هَذَا الثَّوْب بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيع مِنْك بِكَذَا .
وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع ، وَلِهَذَا قَدَّمَهُ مُسْلِم وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْآبِق وَالْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَمَا لَا يَقْدِر عَلَى تَسْلِيمه وَمَا لَمْ يَتِمّ مِلْك الْبَائِع عَلَيْهِ وَبَيْع السَّمَك فِي الْمَاء الْكَثِير وَاللَّبَن فِي الضَّرْع وَبَيْع الْحَمْل فِي الْبَطْن وَبَيْع بَعْض الصُّبْرَة مُبْهَمًا وَبَيْع ثَوْب مِنْ أَثْوَاب وَشَاة مِنْ شِيَاه وَنَظَائِر ذَلِكَ ، وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة . وَقَدْ يَحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاة الْحَامِل وَاَلَّتِي فِي ضَرْعهَا لَبَن فَإِنَّهُ يَصِحّ لِلْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْأَسَاس تَابِع لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّار ، وَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِن رُؤْيَته . وَكَذَا الْقَوْل فِي حَمْل الشَّاة وَلَبَنهَا . وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز أَشْيَاء فِيهَا غَرَر حَقِير ، مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة بَيْع الْجُبَّة الْمَحْشُوَّة وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوهَا ، وَلَوْ بِيعَ حَشْوهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ . وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز إِجَارَة الدَّار وَالدَّابَّة وَالثَّوْب وَنَحْو ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُون تِسْعَة وَعِشْرِينَ . وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز دُخُول الْحَمَّام بِالْأُجْرَةِ مَعَ اِخْتِلَاف النَّاس فِي اِسْتِعْمَالهمْ الْمَاء وَفِي قَدْر مُكْثهمْ . وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز الشُّرْب مِنْ السِّقَاء بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَة قَدْر الْمَشْرُوب وَاخْتِلَاف عَادَة الشَّارِبِينَ وَعَكْس هَذَا . وَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَان بَيْع الْأَجِنَّة فِي الْبُطُون وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء .
قَالَ الْعُلَمَاء : مَدَار الْبُطْلَان بِسَبَبِ الْغَرَر . وَالصِّحَّة مَعَ وُجُوده عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُنَّ إِنْ دَعَتْ حَاجَة إِلَى اِرْتِكَاب الْغَرَر وَلَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز عَنْهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَكَانَ الْغَرَر حَقِيرًا جَازَ الْبَيْع وَإِلَّا فَلَا ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْض مَسَائِل الْبَاب مِنْ اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي صِحَّة الْبَيْع فِيهَا وَفَسَاده كَبَيْعِ الْعَيْن الْغَائِبَة مَبْنِيّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة ، فَبَعْضهمْ يَرَى أَنَّ الْغَرَر حَقِير فَيَجْعَلهُ كَالْمَعْدُومِ فَيَصِحّ الْبَيْع ، وَبَعْضهمْ يَرَاهُ لَيْسَ بِحَقِيرٍ فَيَبْطُل الْبَيْع وَاَللَّه أَعْلَم
وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْع الْمُلَامَسَة وَبَيْع الْمُنَابَذَة وَبَيْع حَبَل الْحَبَلَة وَبَيْع الْحَصَاة وَعَسْب الْفَحْل وَأَشْبَاههَا مِنْ الْبُيُوع الَّتِي جَاءَ فِيهَا نُصُوص خَاصَّة هِيَ دَاخِلَة فِي النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ ، وَنُهِيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مِنْ بِيَاعَات الْجَاهِلِيَّة الْمَشْهُورَة وَاَللَّه أَعْلَم .
(8) - سنن ابن ماجه برقم( 2124 ) وأبو داود( 2193) وابن أبي شيبة برقم(18034 ) وأحمد برقم(27115 ) والمستدرك برقم (2802و2803) والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 7 / ص 357) برقم( 15493 و15494 و20509) وسنن الدارقطنى برقم(4035 ) والمسند الجامع برقم( 16734) وإرواء الغليل - (ج 7 / ص 113) برقم( 2047 ) وحسنه عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِى إِغْلاَقٍ ». من طرق وهو حديث صحيح لغيره
وفي نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 6 / ص 230)
قَالَ أَبُو دَاوُد : أَظُنُّهُ الْغَضَبُ يَعْنِي الْإِغْلَاقَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ ؛ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ " ، وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ " : وَقَدْ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا بِالْغَضَبِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْإِكْرَاهَ ، وَالْغَضَبَ ، وَالْجُنُونَ ، وَكُلَّ أَمْرٍ انْغَلَقَ عَلَى صَاحِبِهِ عِلْمُهُ وَقَصْدُهُ ، مَأْخُوذٌ مِنْ غَلَقَ الْبَابَ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ : { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ ، وَالنِّسْيَانُ ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي " الصَّلَاةِ " بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ : رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " ، وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قلت : الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما ذكر العلماء:
الأول: غضب يزيل العقل، فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
الثاني: ما يكون في مباديه، بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول، وقصده فهذا يقع طلاقه.
الثالث: أن يستحكم الغضب ويشتد به فلا يزول عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال. قال ابن القيم: (وهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه). انظر: زاد المعاد(5/215)، وقال: (هذا موضع الخلاف، ومحل النظر، والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه). انظر: إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان(39)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- بقوله: (إن غيره الغضب ولم يزل عقله لم يقع الطلاق؛ لأنه ألجأه وحمله عليه فأوقعه، وهو يكرهه ليستريح منه فلم يبق له قصد صحيح فهو كالمكره، ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه). انظر: المبدع(7/252) الفروع(5/282)، الإنصاف(8/432)، ورجحه الشيخ العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى-، الفتاوى(21/373)لحديث المذكور وقد أفرد العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى- هذه المسألة بمصنف جمع فيه الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين، وذكر أن عدم الوقوع مقتضى القياس الصحيح والاعتبار وأصول الشريعة، وأجاب عن أدلة الموقعين، ومن قرأ ما كتبه اطمأن لقوله - رحمه الله تعالى-
وانظر فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 82) وفتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 182) وفتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 11 / ص 8) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2301) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 4439) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 6853) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 2780) ومجموع فتاوى ابن باز - (ج 19 / ص 118) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1790) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 2638) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10296) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10298) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 6 / ص 272) والروضة الندية - (ج 2 / ص 272) والسيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الرقمية - (ج 1 / ص 402) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 308) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 433) وتلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية - (ج 1 / ص 104) وفي فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 129)(2/15)
وَتَارَةً لِكَوْنِ مَعْنَاهُ فِي لُغَتِهِ وَعُرْفِهِ غَيْرَ مَعْنَاهُ فِي لُغَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَحْمِلُهُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ فِي لُغَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللُّغَةِ كَمَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ آثَارًا فِي الرُّخْصَةِ فِي النَّبِيذِ فَظَنُّوهُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرِ ؛ لِأَنَّهُ لُغَتُهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ مَا يُنْبَذُ لِتَحْلِيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ(1)؛ فَإِنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ . وَسَمِعُوا لَفْظَ الْخَمْرِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَاعْتَقَدُوهُ عَصِيرَ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ خَاصَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ(2)تُبَيِّنُ أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ(3).
وَتَارَةً لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرِكًا أَوْ مُجْمَلًا(4)؛ أَوْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ(5)؛ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْآخَرَ كَمَا حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ عَلَى الْحَبْلِ(6)، وَكَمَا حَمَلَ آخَرُونَ قَوْلَهُ : {يفَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (43) سورة النساء ، عَلَى الْيَدِ إلَى الْإِبِطِ(7).
وَتَارَةً لِكَوْنِ الدَّلَالَةِ مِنْ النَّصِّ خَفِيَّةً(8)؛ فَإِنَّ جِهَاتِ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ مُتَّسِعَةٌ جِدًّا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي إدْرَاكِهَا وَفَهْمِ وُجُوهِ الْكَلَامِ بِحَسَبِ مِنَحِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَمَوَاهِبِهِ ،ثُمَّ قَدْ يَعْرِفُهَا الرَّجُلُ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَلَا يَتَفَطَّنُ لِكَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى دَاخِلًا فِي ذَلِكَ الْعَامِّ ثُمَّ قَدْ يَتَفَطَّنُ لَهُ تَارَةً ثُمَّ يَنْسَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا لَا يُحِيطُ بِهِ إلَّا اللَّهُ وَقَدْ يَغْلَطُ الرَّجُلُ فَيَفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي بُعِثَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا.
السَّبَبُ السَّابِعُ : اعْتِقَادُهُ أَنْ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَعْرِفْ جِهَةَ الدَّلَالَةِ وَالثَّانِي عَرَفَ جِهَةَ الدَّلَالَةِ لَكِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ دَلَالَةً صَحِيحَةً بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْأُصُولِ مَا يَرُدُّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَوَابًا أَوْ خَطَأً(9)مِثْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ بِحُجَّةِ(10)وَأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةِ(11)وَأَنَّ الْعُمُومَ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ مَقْصُورٍ عَلَى سَبَبِهِ(12)أَوْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجَرَّدَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ(13)؛ أَوْ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ(14)أَوْ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ لَا عُمُومَ لَهُ(15)أَوْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَنْفِيَّةَ لَا تَنْفِي ذَوَاتِهَا وَلَا جَمِيعَ أَحْكَامِهَا(16)أَوْ أَنَّ الْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ(17)؛ فَلَا يَدَّعِي الْعُمُومَ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالْمَعَانِي(18)إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّسِعُ الْقَوْلُ فِيهِ، فَإِنَّ شَطْرَ أُصُولِ الْفِقْهِ تَدْخُلُ مَسَائِلُ الْخِلَافِ مِنْهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُصُولُ الْمُجَرَّدَةُ لَمْ تُحِطْ بِجَمِيعِ الدَّلَالَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَتُدْخِلْ فِيهِ أَفْرَادَ أَجْنَاسِ الدَّلَالَاتِ : هَلْ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَمْ لَا ؟ مِثْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الْمُعَيَّنَ مُجْمَلٌ بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا لَا دَلَالَةَ تُعَيِّنُ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
السَّبَبُ الثَّامِنُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ قَدْ عَارَضَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً
مِثْلَ مُعَارَضَةِ الْعَامِّ بِخَاصِّ(19)أَوْ الْمُطْلَقِ بِمُقَيَّدِ(20)أَوْ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِمَا يَنْفِي الْوُجُوبَ أَوْ الْحَقِيقَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَجَازِ إلَى أَنْوَاعِ الْمُعَارَضَاتِ(21). وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ أَيْضًا ؛ فَإِنَّ تَعَارُضَ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بَحْرٌ خِضَمٌّ(22).
السَّبَبُ التَّاسِعُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ ؛ أَوْ نَسْخِهِ ؛ أَوْ تَأْوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِالِاتِّفَاقِ.
مِثْلَ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ مِثْلَ إجْمَاعٍ وَهَذَا نَوْعَانِ :
__________
(1) - ففي صحيح مسلم برقم(3240 )عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِىِّ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَأَتَاهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ مَا لِى أَرَى بَنِى عَمِّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلاَ بُخْلٍ قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ « أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا ». فَلاَ نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 452) :
وَقَدْ اِتَّفَقَ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَشْرَب الْحَاجّ وَغَيْره مِنْ نَبِيذ سِقَايَة الْعَبَّاس لِهَذَا الْحَدِيث ، وَهَذَا النَّبِيذ مَاء مُحَلًّى بِزَبِيبٍ أَوْ غَيْره بِحَيْثُ يَطِيب طَعْمه ، وَلَا يَكُون مُسْكِرًا . فَأَمَّا إِذَا طَالَ زَمَنه وَصَارَ مُسْكِرًا فَهُوَ حَرَام .
وفيه برقم(5345 )عَنْ يَحْيَى الْبَهْرَانِىِّ قَالَ ذَكَرُوا النَّبِيذَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْتَبَذُ لَهُ فِى سِقَاءٍ - قَالَ شُعْبَةُ مِنْ لَيْلَةِ الاِثْنَيْنِ - فَيَشْرَبُهُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَاءِ إِلَى الْعَصْرِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَىْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ صَبَّهُ.
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 34)
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ ، وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر وَلَمْ يَغْلِ ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة ، وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه ، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره ، وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث
(2) - صحيح البخارى برقم(5580 )عَنْ أَنَسٍ قَالَ حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ وَمَا نَجِدُ - يَعْنِى بِالْمَدِينَةِ - خَمْرَ الأَعْنَابِ إِلاَّ قَلِيلاً ، وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ .
وفي صحيح البخارى برقم(5581)عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْىَ مِنْ خَمْسَةٍ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ .
وفي سنن أبى داود برقم(3679 ) عَنْ أَبِى حَرِيزٍ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ الْعَصِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنِّى أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ » وهو صحيح .
(3) - صحيح مسلم برقم(5336 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِى الآخِرَةِ ».
وفي سنن أبى داود برقم(3683 )عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ » وهو صحيح .
(4) - عرف علماء الأصول الكلام المجمل بأنه: ما احتمل معنيين أو أكثر دون رجحان أحدهما عند السامع، قال صاحب المراقي:
وذو وضوح محكم، والمجمل هو الذي المراد منه يجهل.
والمبين هو الكلام المجمل إذا بين وأصبح واضح المعنى، كما قال صاحب المراقي في تعريفه:
تصيير مشكل من الجلي....
والكلام البين هو الدال على المعنى دون احتمال أو مع احتمال مرجوح.
والمجمل أنواع منها: اللفظ المشترك وهو ما وضع لأكثر من معنى كالقرء للطهر والحيض، وكالعين للباصرة والجارية....
(5) - انظر الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6199و6201) وأصول السرخسي - (ج 1 / ص 170) والأحكام للآمدي - (ج 1 / ص 28) والمحصول - (ج 1 / ص 285) واللمع - (ج 1 / ص 58) والمستصفى - (ج 1 / ص 467) وتهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية - (ج 3 / ص 470) وكشف الأسرار - (ج 1 / ص 170) والبحر المحيط - (ج 2 / ص 318) والتقرير والتحبير - (ج 1 / ص 427) والأشباه والنظائر - (ج 1 / ص 113) وشرح الكوكب المنير - (ج 1 / ص 88) وشرح التلويح على التوضيح - (ج 1 / ص 52) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 2 / ص 377) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 2 / ص 486) وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - (ج 1 / ص 41) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 236) والتلخيص فى أصول الفقه / لإمام الحرمين - (ج 1 / ص 30)والتنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين - (ج 1 / ص 5) وغاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 39)
(6) - أخرج البخارى برقم (1916 ) ومسلم برقم(2585) عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِى ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِى اللَّيْلِ ، فَلاَ يَسْتَبِينُ لِى ، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ « إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ » . العقال : الحبل الذى يعقل به البعير
(7) - في تفسير الطبري - (ج 8 / ص 418) برقم(9669 ) حدثني أحمد بن عبد الرحمن البرقي قال، حدثني عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: التيمم إلى الآباط. (وهو صحيح )
وعلة من قال ذلك: أن الله أمر بمسح اليد في التيمم، كما أمر بمسح الوجه. وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه، فكذلك عليه جميع اليد، ومن طرف الكفّ إلى الإبط"يدٌ".
واعتلوا من الخبر بما: برقم(9670 ) حدثنا أبو كريب قال، حدثنا صيفي بن ربعي، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي اليقظان قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أضاء الصبح، فتغيَّظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد. فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة! نزل فيك رخصة! فضربنا بأيدينا: ضربة لوجوهنا، وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط.
(8) - الحكم الشرعي، وعليه فلا يثبت الحكم به إلا بإظهاره على أنه المجتهد، فعرفوه بأنه: (تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلة متحدة لا تدرك بمجرد اللغة).انظر بحوث في علم أصول الفقه - (ج 1 / ص 84-87) والمستصفى - (ج 1 / ص 251) وكشف الأسرار - (ج 3 / ص 479)
(9) - أي أنه لا يرى أن دلالة الحديث دلالة صحيحة، وأحياناً قد يتنازع الفقهاء في حديث، كصلاة ابن عباس - رضي الله عنه - إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يساره، قال: (فَأَخَذَ بِأُذُنِى فَأَدَارَنِى عَنْ يَمِينِهِ ) (البخاري برقم(6316)، فهل هذا يدل على أن المصافة إذا كان المأموم فرداً لازمة عن يمين الإمام، أم أنه يدل على أنها سنة؟ هنا الدلالة متنازع فيها بين الفقهاء، فالحنابلة يرون أنها لازمة، قالوا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أداره، فأحدث ذلك حركة في الصلاة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وحركةً لابن عباس، ونحو ذلك مما يدل على اللزوم، ولو كان هذا من باب المستحب لتركه حتى ينصرف من صلاته ثم يبين له ذلك الأمر، والجمهور يرون أن الحديث لا يدل على اللزوم، قالوا: لأنه لو كان يدل على اللزوم والصحة لما صح تكبير ابن عباس للإحرام؛ لأن ابن عباس كبر تكبيرة الإحرام وهو عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - . فأحياناً قد يكون الحديث واحداً ولكن هذا يأخذه من منزع، وهذا يأخذه من منزع آخر.شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام - (ج 1 / ص 43)
(10) - انظر البحر المحيط - (ج 4 / ص 214-219) الْبَحْثُ الثَّانِي فِي تَخْصِيصِ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ
(11) - انظر البحر المحيط - (ج 4 / ص 236) مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ ، سَوَاءٌ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ ..
(12) - يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ أَمْ لَا ؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عمومات الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَيَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ ،وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إنْ كَانَتْ أَمْرًا وَنَهْيًا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحِ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْضًا .). مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 339)
(13) - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 5134) رقم الفتوى 66156 بحث في القاعدة الأصولية الأمر للوجوب إلا أن تصرفه قرينة تاريخ الفتوى : 17 رجب 1426ووفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 15 / ص 436) أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - هل يفيد الوجوب ؟ وشرح الكوكب المنير - (ج 2 / ص 47) وإرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم الأصول - (ج 1 / ص 200) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 108) وتلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - (ج 1 / ص 82)
(14) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 11 / ص 151)
(15) - انظر.البحر المحيط - (ج 3 / ص 370) و أنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 6 / ص 18) والتقرير والتحبير - (ج 2 / ص 12) وشرح الكوكب المنير - (ج 3 / ص 155) وشرح التلويح على التوضيح - (ج 1 / ص 218) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 3 / ص 304) وإرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم الاصول - (ج 1 / ص 268) وتيسير التحرير - (ج 1 / ص 220) وفواتح الرحموت - (ج 1 / ص 241) وغاية الوصول في شرح لب الأصول (ج 1 / ص 60)
(16) - الأفعال المنفية بـ ( لا ) النافية للجنس هي لنفي الكمال عند الحنفية وأما الجمهور فإنها لنفي الحقيقة الشرعية عندهم فقوله ( لا نكاح إلا بولي ) هو لنفي الكمال عند الأحناف ولنفي الصحة عند الجمهور ولا شك أن الصحيح قول الجمهور فانظر كيف اختلفوا في هذا الفرع للاختلاف في القاعدة .كتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 6 / ص 65)
(17) - انظر المبسوط - (ج 34 / ص 30) والعناية شرح الهداية - (ج 5 / ص 183) وفتح القدير - (ج 11 / ص 87) والمجموع - (ج 14 / ص 179) والمحصول - (ج 2 / ص 382) والمستصفى - (ج 2 / ص 90) وكشف الأسرار - (ج 4 / ص 25)
(18) - انظر المسودة - الرقمية - (ج 1 / ص 90-97) والمجموع - (ج 9 / ص 394) والحاوي في فقه الشافعي - الماوردي - (ج 11 / ص 492)
(19) - مثل حديث البخارى برقم(1483 ) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِىَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ »
فهذا لفظ عام في كل ما أخرجت الأرض دون تحديد للنصاب
وقد عارضه نص خاص ففي صحيح البخارى برقم(1459 )عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ » .
وهذا الحديث قد خص عموم الذي قبله ، فبين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه إذا كان دون خمسة أوسق فلا زكاة فيه
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسالة فالأكثرون على التخصيص وأما الحنفية فلم يأخذوا به وبقوا على العموم
انظر شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 407) وفتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 56) وفتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 124) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5137) وسبل السلام - (ج 3 / ص 224) ونيل الأوطار - (ج 6 / ص 397) والمحلى (ج 3 / ص 523) وشرح معاني الآثار - (ج 2 / ص 459) والمبسوط - (ج 3 / ص 374) وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (ج 4 / ص 79) وبداية المجتهد ونهاية المقتصد - (ج 1 / ص 222) وكشف الأسرار - (ج 2 / ص 282)
(20) -انظر كتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 3 / ص 126) و كشف الأسرار - (ج 2 / ص 424) وكشف الأسرار - (ج 5 / ص 281) والتقرير والتحبير - (ج 2 / ص 291) وشرح الكوكب المنير - (ج 2 / ص 117) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 37) والموافقات في أصول الشريعة - (ج 2 / ص 253) وفواتح الرحموت - (ج 1 / ص 229) والتلخيص فى أصول الفقه / لإمام الحرمين - (ج 2 / ص 70) والأصول من علم الأصول - الرقمية - (ج 1 / ص 44) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد - الرقمية - (ج 1 / ص 130)
(21) - وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 8 / ص 488) : اعلم أن من أباح شيئاً من المحرمات من العلماء، فإنما ذلك لكونه لم يبلغه في ذلك نص، فاجتهد، أو استند إلى موجب ظاهر آية أو حديث، أو موجب قياس، أو موجب استصحاب، أو بلغه في ذلك نص لكنه لم يثبت عنده، لشيء مما قد يعرض للعالم من تضعيف الحديث، أو لعلة من جهالة أو انقطاع أو غير ذلك، وإن كان قد ثبت عند غيره، أو بلغه الحديث لكنه نسيه، أو لعدم معرفته بدلالة الحديث، أو اعتقد أن هذا النص لا دلالة فيه، أو اعتقد أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز من أنواع المعارضات، أو غير ذلك من الأعذار، مما ذكره أهل العلم لأهل العلم. فإذا جاء حديث صحيح، فيه تحليل، أو تحريم، أو حكم، فلا يجوز أن يعتقد أن التارك له من العلماء، الذين وصفنا أسباب تركهم، يعاقَب لكونه حلل الحرام، أو حرم الحلال، أو حكم بغير ما أنزل الله; وكذلك إن كان في الحديث وعيد على فعل، مِن لعنة، أو غضب، أو عذاب، أو براءة، أو ليس منا، ونحو ذلك، فلا يجوز أن يقول أحد: إن ذلك الذي أباح هذا من العلماء، أو فعله، داخل في هذا الوعيد; فهذه أسباب يعذر بها العلماء.
(22) - انظر الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 1 / ص 68) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 1024) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10483) والروضة الندية - (ج 1 / ص 357) والسيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الرقمية - (ج 1 / ص 121) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 4 / ص 451) والمستصفى - (ج 2 / ص 443) والموافقات في أصول الشريعة - (ج 1 / ص 223)(2/16)
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا الْمُعَارِضَ رَاجِحٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا . وَتَارَةً يُعَيِّنُ أَحَدَهَا بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ؛ أَوْ أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ . ثُمَّ قَدْ يَغْلَطُ فِي النَّسْخِ فَيَعْتَقِدُ الْمُتَأَخِّرَ مُتَقَدِّمًا وَقَدْ يَغْلَطُ فِي التَّأْوِيلِ بِأَنْ يَحْمِلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ أَوْ هُنَاكَ مَا يَدْفَعُهُ وَإِذَا عَارَضَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَقَدْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمُعَارِضُ دَالًّا وَقَدْ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ الْمُعَارِضُ فِي قُوَّةِ الْأَوَّلِ إسْنَادًا أَوْ مَتْنًا وَتَجِيءُ هُنَا الْأَسْبَابُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَغَيْرُهَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالْإِجْمَاعُ الْمُدَّعَى فِي الْغَالِبِ(1)إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ(2). وَقَدْ وَجَدْنَا مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ مَنْ صَارُوا إلَى الْقَوْلِ بِأَشْيَاءَ مُتَمَسَّكُهُمْ فِيهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْعَالِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ قَوْلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا ؛ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا خِلَافَهُ حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّقُ الْقَوْلَ فَيَقُولُ : إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَهُوَ أَحَقُّ مَا يَتْبَعُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ(3). وَقَبُولُهَا مَحْفُوظٌ عَنْ عَلِيٍّ(4)وَأَنَسٍ(5)وشريح(6)وَغَيْرِهِمْ،
وَيَقُولُ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ لَا يَرِثُ وَتَوْرِيثُهُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (7).
وَيَقُولُ آخَرُ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلَاةِ وَإِيجَابُهَا مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ(8)؛ وَذَلِكَ أَنَّ غَايَةَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ فِي بِلَادِهِ وَأَقْوَالَ جَمَاعَاتٍ غَيْرِهِمْ، كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ ،وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا ،وَمَا زَالَ يَقْرَعُ سَمْعَهُ خِلَافُهُ فَهَذَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَدِيثٍ يُخَالِفُ هَذَا ؛ لِخَوْفِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَالْإِجْمَاعُ أَعْظَمُ الْحُجَجِ .
وَهَذَا عُذْرُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَتْرُكُونَهُ وَبَعْضُهُمْ مَعْذُورٌ فِيهِ حَقِيقَةً ؛ وَبَعْضُهُمْ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِمَعْذُورِ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَسْبَابِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ
السَّبَبُ الْعَاشِرُ : مُعَارَضَتُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَوْ نَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ غَيْرُهُ أَوْ جِنْسُهُ مُعَارِضٌ ؛ أَوْ لَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَارِضًا رَاجِحًا .
كَمُعَارَضَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْكُوفِيِّينَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مِنْ الْعُمُومِ وَنَحْوُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ ، ثُمَّ قَدْ يَعْتَقِدُ مَا لَيْسَ بِظَاهِرِ ظَاهِرًا لِمَا فِي دَلَالَاتِ الْقَوْلِ مِنْ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ .
وَلِهَذَا رَدُّوا حَدِيثَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِين(9)ِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ يَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ ،وَلَوْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِلْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ . وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ(10)
__________
(1) - وفي مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 270) : وَتَنَازَعُوا فِي الْإِجْمَاعِ : هَلْ هُوَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ أَوْ ظَنِّيَّةٌ ؟ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَطْعِيَّهُ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيَّهُ ظَنِّيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ ذُكِرَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَذُكِرَ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ قَوْلُهُ : { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَنْ بَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ هُوَ أَهْدَى مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي نَشَأَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَهُ كَمَا قَالَ : { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } وَقَالَ : { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } وَقَالَ : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وَالْوَاجِبُ فِي الِاعْتِقَادِ أَنْ يَتَّبِعَ أَحْسَنَ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ قَوْلًا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَالِفَ لَهُ أَحْسَنُ مِنْهُ وَمَا خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ فِعْلَيْنِ وَأَحَدِهِمَا أَفْضَلُ فَهُوَ أَفَضْلُ وَإِنْ جَازَ لَهُ فِعْلُ الْمَفْضُولِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَيَكُونُ ذَاكَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ هَذَا ؛ وَهَذَا اتِّبَاعٌ لِلْأَحْسَنِ . وَإِذَا نَقَلَ عَالِمُ الْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ آخَرُ النِّزَاعَ : إمَّا نَقْلًا سُمِّيَ قَائِلُهُ ؛ وَإِمَّا نَقْلًا بِخِلَافٍ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَمَّ قَائِلُهُ فَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ نَقْلًا لِخِلَافٍ لَمْ يَثْبُتْ ؛ فَإِنَّهُ مُقَابِلٌ بِأَنْ يُقَالَ وَلَا يَثْبُتُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ بَلْ نَاقِلُ الْإِجْمَاعِ نَافٍ لِلْخِلَافِ وَهَذَا مُثْبِتٌ لَهُ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي . وَإِذَا قِيلَ : يَجُوزُ فِي نَاقِلِ النِّزَاعِ أَنْ يَكُونَ قَدْ غَلِطَ فِيمَا أَثْبَتَهُ مِنْ الْخِلَافِ : إمَّا لِضَعْفِ الْإِسْنَادِ ؛ أَوْ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ قِيلَ لَهُ : وَنَافِي النِّزَاعِ غَلَطُهُ أجوز ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ لَمْ تَبْلُغْهُ ؛ أَوْ بَلَغَتْهُ وَظَنَّ ضَعْفَ إسْنَادِهَا وَكَانَتْ صَحِيحَةً عِنْدَ غَيْرِهِ ؛ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الدَّلَالَةِ وَكَانَتْ دَالَّةً فَكُلُّ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُثْبِتِ مِنْ الْغَلَطِ يَجُوزُ عَلَى النَّافِي مَعَ زِيَادَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ . وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ عَامَّةُ الْخِلَافِ ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالِ عُلَمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ ؛ هَذِهِ دَعْوَى الْمَرِيسِيَّ وَالْأَصَمِّ ؛ وَلَكِنْ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ نِزَاعًا وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمَا يُفَسِّرُونَ مُرَادَهُمْ : بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ نِزَاعًا وَيَقُولُونَ هَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَدَّعِيه . فَتَبَيَّنَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ الَّذِي قُوبِلَ بِنَقْلِ نِزَاعٍ وَلَمْ يُثْبِتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ نَقْلُ مُثْبِتِ النِّزَاعِ عَلَى نَافِيهِ وَلَا نَافِيهِ عَلَى مُثْبِتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى النَّصِّ وَلَا يُقَدِّمَ النَّصَّ عَلَيْهِ بَلْ يَقِفُ لِعَدَمِ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُ ؛ فَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْمُثْبِتُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يُعَارِضْهُ إجْمَاعٌ يَعْمَلُ بِهِ وَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى مُثْبِتِ الْإِجْمَاعِ وَالنِّزَاعِ فَمَنْ عُرِفَ مِنْهُ كَثْرَةُ مَا يَدَّعِيه مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْأَمْرِ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ إثْبَاتُ إجْمَاعٍ عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ فِي نَقْلِ النِّزَاعِ أَنَّهُ لَا يَغْلَطُ إلَّا نَادِرًا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ كَثْرَةُ الْغَلَطِ . وَإِذَا تَضَافَرَ عَلَى نَقْلِ النِّزَاعِ اثْنَانِ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ النِّزَاعُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَضَافَرَ عَلَيْهِ عَدَدٌ لَمْ يُسْتَفَدْ بِذَلِكَ إلَّا عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِالنِّزَاعِ وَهَذَا لِمَنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ فِي جَمْعِ الثَّلَاثِ وَمَنْ نَفَى النِّزَاعَ مَعَ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ يَذْكُرُ نَقْلًا صَحِيحًا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَلَيْسَ مَعَ النَّافِي مَا يُبْطِلُهُ .
(2) - وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 35) : [ أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ] أَحَدُهَا : النُّصُوصُ ، فَإِذَا وَجَدَ النَّصَّ أَفْتَى بِمُوجَبِهِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَا خَالَفَهُ وَلَا مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى خِلَافِ عُمَرَ فِي الْمَبْتُوتَةِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، وَلَا إلَى خِلَافِهِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَلَا خِلَافِ فِي اسْتِدَامَةِ الْمُحْرِمِ الطِّيبَ الَّذِي تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ لِصِحَّةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ ، وَلَا خِلَافِهِ فِي مَنْعِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ مِنْ الْفَسْخِ إلَى التَّمَتُّعِ لِصِحَّةِ أَحَادِيثِ الْفَسْخِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْإِكْسَالِ لِصِحَّةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاغْتَسَلَا ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ؛ لِصِحَّةِ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الْمَانِعِ مِنْ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّرْفِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ بِخِلَافِهِ ، وَلَا إلَى قَوْلِهِ بِإِبَاحَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ كَذَلِكَ ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا ، وَلَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَمَلًا وَلَا رَأْيًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ وَلَا عَدَمَ عِلْمِهِ بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إجْمَاعًا وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ كَذَّبَ أَحْمَدُ مَنْ ادَّعَى هَذَا الْإِجْمَاعَ ، وَلَمْ يَسِغْ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصَّ فِي رِسَالَتِهِ الْجَدِيدَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ بِخِلَافٍ لَا يُقَال لَهُ إجْمَاعٌ ، وَلَفْظُهُ : مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ إجْمَاعًا .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : مَا يَدَّعِي فِيهِ الرَّجُلُ الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَذِبٌ ، مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، مَا يُدْرِيهِ ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ ؟ فَلْيَقُلْ : لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ ، هَذَا لَفْظُهُ وَنُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجَلُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا تَوَهُّمَ إجْمَاعٍ مَضْمُونُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ ، وَلَوْ سَاغَ لَتَعَطَّلَتْ النُّصُوصُ ، وَسَاغَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أَنْ يُقَدِّمَ جَهْلُهُ بِالْمُخَالِفِ عَلَى النُّصُوصِ ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ، لَا مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ فَصْلٌ .
(3) - قلت : اختلف أهل العلم في شهادة العبد وقد ورد عن الصحابة والتابعين أقوالا مختلفة في ذلك انظرها في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 7 / ص 249) برقم(20282و20294)
انظر الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 9 / ص 67) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 7 / ص 586) ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 229) ونيل الأوطار - (ج 13 / ص 377) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 8 / ص 583) والمبسوط - (ج 19 / ص 152) وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (ج 14 / ص 310) والمحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة - (ج 2 / ص 631) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير - (ج 17 / ص 276) وبداية المجتهد ونهاية المقتصد - (ج 1 / ص 771) والمهذب للشيرازي - (ج 5 / ص 451) و الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي - (ج 17 / ص 22) والإنصاف - (ج 17 / ص 352) والمغني - (ج 23 / ص 223) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 31) والبحر المحيط - (ج 6 / ص 178) والخلاف بين العلماء - الرقمية - (ج 1 / ص 24)
(4) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم(20285) عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : قَالَ شُرَيْحٌ : لاَ تُجِيزُ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ فَقَالَ : عَلِيٌّ : لاَ , كُنَّا نُجِيزُهَا ، قَالَ : فَكَانَ شُرَيْحٌ بَعْدُ يُجِيزُهَا إلاَ لِسَيِّدِهِ.وإسناده صحيح
(5) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم(20282) عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، قَالَ : سَأَلْتُُ أَنَسًا ، عَنْ شَهَادَةِ الْعَبِيدِ فَقَالَ : جَائِزَةٌ. وهو صحيح
(6) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم(20283) ، عَنْ عَامِرٍ ، أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ. وهو صحيح
وبرقم(20284) عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ ، قَالَ : شَهِدْتُ شُرَيْحًا شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدٌ عَلَى دَارٍ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ , فَقِيلَ : أَنَّهُ عَبْدٌ , فَقَالَ : كُلُّنَا عَبِيدٌ وَأُمُّنَا حَوَّاءُ ،وهو صحيح
(7) - انظر روضة الطالبين وعمدة المفتين - (ج 2 / ص 311) والشرح الكبير لابن قدامة - (ج 7 / ص 222) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 8 / ص 54) والمحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 8 / ص 286) وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (ج 5 / ص 355) والمغني - (ج 14 / ص 8) والمحصول - (ج 3 / ص 81) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 160) و الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7972)
(8) - انظر فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 2 / ص 190) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3608) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 2926) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 2 / ص 93) وشرح الكوكب المنير - (ج 2 / ص 57) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 9746)
(9) - سنن أبى داود برقم(3612 ) والترمذي برقم(1393) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وهو حديث متواتر
(10) - وفي الرسالة للشافعي - (ج 1 / ص 25) : باب : ما نزل عاماًّ دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص
قال الله - جل ثناؤه - : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ( 11 ) " [ النساء ] وقال : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ( 12 ) " [ النساء ]
فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمى في الحالات وكان عامَّ المخرج فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه إنما أريد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض وذلك أن يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحداً ولا يكون الوارث منهما قاتلاً ولا مملوكاً
وقال : " مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ "
فأبان النبي أن الوصايا مقتَصَرٌ بها على الثلث لا يُتَعدى ولأهل الميراث الثلثان وأبان أن الدَّين قبل الوصايا والميراث وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدَّين دينهم
ولولا دلالة السنة ثم إجماعُ الناس لم يكن ميراثٌ إلا بعد وصية أو دين ولم تعد الوصية أن تكون مُبَدَّاةً على الدين أو تكون والدين سواء وقال الله : " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ( 6 ) " [ المائدة ]
فقصد - جل ثناؤه - قصْدَ القدمين بالغسل كما قصد الوجه واليدين فكان ظاهر هذه الآية أنه لا يجزئ في القدمين إلا ما يجزئ في الوجه من الغسل أو الرأس من المسح وكان يحتمل أن يكون أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعضُ المتوضئين دون بعض
فلما مسح رسول الله على الخفين وأمر به من أدخل رجليه في الخفين وهو كامل الطهارة دلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعضُ المتوضئين دون بعض
وقال الله تبارك وتعالى :" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ ( 38 )" [ المائدة ]
وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن : " لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ " وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار فصاعداً
وقال الله : " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ " [ النور ]
وقال في الإماء : " فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ( 25 ) " [ النساء ]
فدل القُرَآن على أنه إنما أريد بجلد المائة : الأحرارُ دون الإماء . فلما رجم رسول الله الثيب من الزناة ولم يجلده : دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن المراد بجلد المائة من الزناة : الحُرَّان البِكْرَان وعلى أن المراد بالقطع في السرقة : من سرَق من حِرْز وبلغت سرقته ربع دينار دون غيرهما ممن لزمه اسم سرقة وزنا وقال الله : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [ ص 68 ] فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ( 41 ) " [ الأنفال ]فلما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني هاشم وبني المطلب سهم ذي القربى : دلت سنة رسول الله أن ذا القربى الذين جعل الله لهم سهماً من الخمس : بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم
وكل قريش ذو قرابة وبنو عبد شمس مساويةُ بني المطلب في القرابة هم مَعًا بنو أب وأم وإن انفرد بعض بني المطلب بولادة من بني هاشم دونَهم
فلما لم يكن السهم لمن انفرد بالولادة من بني المطلب دون من لم تصبه ولادة من بني هاشم منهم : دل ذلك على أنهم إنما أعطُوا خاصة دون غيرهم بقرابة جذم النسب مع كَيْنُونَتِهِمْ معًا مجتمعين في نصر النبي بالشِّعْب وقبله وبعده وما أراد الله - جل ثناؤه - بهم خاصًّا ولقد وَلَدَتْ بنو هاشم في قريش فما أعطي منهم أحد بولادتهم من الخمس شيئاً وبنو نوفل مُسَاوِيَتُهُمْ في جِذْمِ النسب وإن انفردوا بأنهم بنوا أم دونهم
قال الله : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ( 41 ) " [ الأنفال ]
فلما أعطى رسول الله السلَبَ القاتلَ في الإقبال : دلَّت سنة النبي على أن الغنيمة المَخْمُوسَة في كتاب الله غيرُ السلب إذْ كان السلب مَغْنُوماً في الإقبال دون الأسلاب المأخوذة في غير الإقبال وأن الأسلاب المأخوذة في غير الإقبال غنيمةٌ تُخمس مع ما سواها من الغنيمة بالسنة
ولولا الاستدلال بالسنة وحُكْمُنا بالظاهر: قطعنا من لزمه اسمُ سرقة وضربنا مائةً كلَّ مَنْ زَنَى حُراًّ ثيباً وأعطينا سهم ذي القربى كل من بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - قرابة ثم خلص ذلك إلى طوائف من العرب لأن له فيهم وَشَايِجَ أرحام وَخَمَسْنا السَّلَب لأنه من المَغْنم مع ما سواه من الغنيمة .(2/17)
وَلِأَحْمَدَ فِيهَا رِسَالَتُهُ الْمَشْهُورَةُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ الِاسْتِغْنَاءَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَنْ تَفْسِيرِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَوْرَدَ فِيهَا مِنْ الدَّلَائِلِ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ ذِكْرِهِ(1).
وقالَ أيضاً : إنَّ مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
إمَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكًا جَائِزًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ كَالتَّرْكِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ ؛ وَلَا قَصَّرَ فِي الطَّلَبِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى الْفُتْيَا أَوْ الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ ،فَهَذَا لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَعَرَّةِ التَّرْكِ شَيْءٌ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكًا غَيْرَ جَائِزٍ، فَهَذَا لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ قَدْ يَخَافُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَاصِرًا فِي دَرْكِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ : فَيَقُولُ مَعَ عَدَمِ أَسْبَابِ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا نَظَرٌ وَاجْتِهَادٌ أَوْ يُقَصِّرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَيَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّظَرُ نِهَايَتَهُ مَعَ كَوْنِهِ مُتَمَسِّكًا بِحُجَّةِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ عَادَةٌ أَوْ غَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ لِيَنْظُرَ فِيمَا يُعَارِضُ مَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُلْ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ الْحَدَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ قَدْ لَا يَنْضَبِطُ لِلْمُجْتَهِدِ . وَلِهَذَا كَانَ الْعُلَمَاءُ يَخَافُونَ مِثْلَ هَذَا خَشْيَةَ أَلَّا يَكُونَ الِاجْتِهَادُ الْمُعْتَبَرُ قَدْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَهَذِهِ ذُنُوبٌ(2)؛ لَكِنَّ لُحُوقَ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ بِصَاحِبِهِ إنَّمَا تُنَالُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ وَقَدْ يَمْحُوهَا الِاسْتِغْفَارُ وَالْإِحْسَانُ وَالْبَلَاءُ وَالشَّفَاعَةُ وَالرَّحْمَةُ ،وَلَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا مَنْ يَغْلِبُهُ الْهَوَى وَيَصْرَعُهُ حَتَّى يَنْصُرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ ،أَوْ مَنْ يَجْزِمُ بِصَوَابِ قَوْلٍ أَوْ خَطَئِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِدَلَائِلِ ذَلِكَ الْقَوْلِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ؛ فَإِنَّ هَذَيْنِ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :« الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِى النَّارِ فَأَمَّا الَّذِى فِى الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ »(3).
وَالْمَفْتُونُ كَذَلِكَ . لَكِنَّ لُحُوقَ الْوَعِيدِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا لَهُ مَوَانِعُ كَمَا بَيَّنَّاهُ ،فَلَوْ فُرِضَ وُقُوعُ بَعْضِ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْأَعْيَانِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَحْمُودِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ - مَعَ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ أَوْ غَيْرُ وَاقِعٍ - لَمْ يَعْدَمْ أَحَدُهُمْ أَحَدَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ ؛ وَلَوْ وَقَعَ لَمْ يَقْدَحْ فِي إمَامَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّا لَا نَعْتَقِدُ فِي الْقَوْمِ الْعِصْمَةَ بَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ وَنَرْجُو لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ ؛ لِمَا اخْتَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ ،وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُصِرِّينَ عَلَى ذَنْبٍ ،وَلَيْسُوا بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالْقَوْلُ فِيهِمْ كَذَلِكَ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْقَضَايَا وَالدِّمَاءِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ . ثُمَّ إنَّهُمْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ التَّارِكَ الْمَوْصُوفَ مَعْذُورٌ بَلْ مَأْجُورٌ لَا يَمْنَعُنَا أَنْ نَتَّبِعَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي لَا نَعْلَمُ لَهَا مُعَارِضًا يَدْفَعُهَا، وَأَنْ نَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى الْأُمَّةِ وَوُجُوبَ تَبْلِيغِهَا . وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ(4).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - حول الاستغناء بالقرآن عن السنة وعلاقة السنة بالقرآن
هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبول ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى).
الرد على الشبهة:
فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال.
ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.
ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:
أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..
وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أي أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..
ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذي هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..
المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..
وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - .. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم - صلى الله عليه وسلم - ، والعياذ بالله..
أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء.. فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:
إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ( النحل: 44. ). فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) ( آل عمران: 32.) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ( النساء: 59.) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ( النساء: 80.) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) ( آل عمران: 31.) {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} 10) سورة الفتح. تأسيًا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات.
فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.
أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون.. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين.. فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.
والذين يتصورون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.
(2) - انظر الموافقات في أصول الشريعة - (ج 3 / ص 111)
(3) - سنن أبى داود برقم(3575) وهو حديث صحيح.
(4) - انظر مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 9 / ص 145)(2/18)
المبحث التاسع والعشرون
أسبابُ ورود الحديث
يعدُّ موضوع (أسباب ورود الحديث) من الموضوعات المهمة في علوم الحديث الشريف المتعلقة بالمتن، وقد اعتنى المحدثون والفقهاءُ بهذا النوع من أنواع علوم الحديث، وحرصوا على إبرازه وضبطه لما له من أثر في فهم النصِّ، وضبط الاستنباط منه.
المطلب الأول - تعريفُه : هو ما ذكر الحديثُ بشأنه وقتَ وقوعه.
فقولنا (بشأنه) أي: لأجله وبسببه، وقد يكون هذا الأمر حادثة وقعت أو سؤالاً طرح، أو نحو ذلك.
وقولنا (وقت وقوعه) خرج به ما ذكِر في بعض الأحاديث من الأخبار عما وقع في الزمن الماضي، كقصص الأنبياء ونحوها.
وهو بهذا يتشابه إلى حد كبير مع (أسبابِ النزول) في علوم القرآن الكريم، قال السيوطي :"إن من أنواع علوم الحديث: معرفة أسبابه، كأسباب نزول القرآن"(1).
وقال الحسيني: "اعلم أن أسباب ورود الحديث كأسباب نزول القرآن"(2).
واعتناءُ العلماء بأسباب نزول القرآن، وأسباب ورود الحديث يجلِّي عنايةَ العلماء من السَّلف والخلَف بهذين المصدرين الأصليين: الكتاب والسنة.
المطلب الثاني: أقسامُ الحديث من حيثُ سببُ الورود
قال الحسيني: "الحديث الشريف في الورود على قسمين: ماله سببٌ قيل لأجله، وما لا سببٌ له"(3).
ومن هنا يتبين أنه يمكن تقسيم الأحاديث من حيث سبب الورود إلى قسمين:
1- أحاديث ابتدائيةٌ.
وهو ما ذكر دون ورود سبب يقتضيه، وأمثلةُ ذلك كثيرة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ »(4)..
2- أحاديث سببيةٌ.
وهو ما تقدَّمه سببٌ اقتضى وروده.
المطلب الثالث- فوائدُ معرفة أسباب ورود الحديث
العلمُ بأسباب ورود الحديث الشريف يفيد كثيراً للمشتغِل بالحديث والفقه معاً، ومن أبرز الفوائد المتحصِّلة من هذا النوع:
1- إدراكُ حكم التشريع، ومعرفةُ مقاصد الشريعة.
يعدُّ سبب الورود معرِّفاً بالظرف الذي لأجله ذكِر الحديثُ، وما احتفَّ به من الظروف والملابسات، وهذا يفيدُ كثيراً في مسألة الاجتهاد وتنزيلِ الأحكام على الوقائع والنوازل، ويعينُ في باب القياسِ وضمِّ النظير إلى نظيره.
2- فهمُ الحديث على الوجه الصحيح، وسلامةُ الاستنباط منه.
قال الواحديُّ عن أسباب النزول: " إذ هي أوفى ما يجبُ الوقوفُ عليها، وأولى ما تصرَف العنايةُ إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية، وقصد سبيلها دون الوقوف إلى قصتها وبيان نزولها"(5).
وقال ابن دقيق العيد: "بيانُ سبب النزول طريقٌ قويٌّ في فهم معاني القرآن"(6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وَمَعْرِفَةُ " سَبَبِ النُّزُولِ " يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُورِثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبِّبِ "(7).
والأمر لا يختلفُ كثيراً في أسباب ورود الحديث عنه في أسباب نزول القرآن، فالفقيهُ والمجتهدُ بحاجة ماسة إلى النظر في سبب ورود الحديث، حتى لا يحصل الخطأ في فهم النصِّ وتنزيله على غير محله(8)
ولعلي أضرب على ذلك مثالاً يوضح ذلك: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهم - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا ، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: « مَا هَذَا » . فَقَالُوا صَائِمٌ . فَقَالَ : « لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِى السَّفَرِ »(9).
وهذا مشكل مع ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صام في السفر؛ لكن هذا الإشكالَ ينزاحُ إذا عرف سببُ ورود الحديث، وهو رَأَى رَجُلاً قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ « مَا لَهُ ». قَالُوا رَجُلٌ صَائِمٌ. فَقَالَ الحديث.
فبمعرفةُ سبب ورود الحديث فهمُ الحديث على وجهه، وسلَّمُ الاستنباط منه، وأن الصيام في السفر لا يكونُ من البرِّ إذا بلغ بالمرء من الجهدِ والمشقَّة كحال ذلك الرجل.
3- تخصيصُ العام.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَا سُقِيَ سَيْحًا فَفِيهِ الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالْغُرْبِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ.(10)
فهذا الحديثُ ينصُّ على أن ماسقته السماء ففيه العشر ... وهذا يشمل القليل والكثير، ولكن جاء نصٌّ آخرُ يقيدهُ بخمسة أوسق فعَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإِبِلِ ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ » .(11)
4- تعيينُ المبهم.
ومن أمثلته عن حُمَيْدٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ الرُّبَيِّعَ - وَهْىَ ابْنَةُ النَّضْرِ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ ، فَأَبَوْا فَأَتَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ . فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ « يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ » . فَرَضِىَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ » . زَادَ الْفَزَارِىُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فَرَضِىَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ(12).
فقد بين هذا المبهم في سبب ورود الحديث، وذلك في قول أنس:....
المطلب الرابع- أمثلةٌ تطبيقيةٌ على أسباب ورود الحديث
1- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِى أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ « وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ ».(13).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُحَدِّثُ نَفْسِى بِالْحَدِيثِ لأَنَّ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ « ذَلِكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ ».(14)
2- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَقَلْتُ نَاقَتِى بِالْبَابِ ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ فَقَالَ « اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِى تَمِيمٍ » . قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا . مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ « اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ » . قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ قَالَ « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِى الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ » . فَنَادَى مُنَادٍ ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ . فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِىَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ ، فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ تَرَكْتُهَا .(15)
3- عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا ، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِى صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ »(16).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْعَتَمَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ فَقَالَ « خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ ». فَأَخَذْنَا مَقَاعِدَنَا فَقَالَ « إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِى صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ وَلَوْلاَ ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ لأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلاَةَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ».(17)
4- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ « يَا فُلاَنُ أَلاَ تُحْسِنُ صَلاَتَكَ أَلاَ يَنْظُرُ الْمُصَلِّى إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّى فَإِنَّمَا يُصَلِّى لِنَفْسِهِ إِنِّى وَاللَّهِ لأُبْصِرُ مَنْ وَرَائِى كَمَا أُبْصِرُ مَنْ بَيْنَ يَدَىَّ ».(18)
5- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِى الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبِأَبِى هُوَ وَأُمِّى مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِى وَلاَ ضَرَبَنِى وَلاَ شَتَمَنِى قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ».(19)
6- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابًّا - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - فَقَالُوا مَاتَ. قَالَ « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِى ». قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ - فَقَالَ « دُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِى عَلَيْهِمْ ».(20)
7- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً. فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِى الْحِجْرَ وَأَمَرَهُمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلاَءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.(21).
8- عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِى بِجِزْيَتِهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمِ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِىِّ ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ « أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ » . قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ »(22).
9- عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ - مِنْ آلِ ابْنِ الأَزْرَقِ - أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِى بُرْدَةَ - وَهُوَ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ».(23)
10- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِىَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلَحْمُ الْكِلاَبِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ ».(24)
11- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ » . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا .(25)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ».(26)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْمِطْهَرَةِ - قَالَ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ »(27). وهذا من تعدد أسباب الورود
12- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّى مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ « مَا شَأْنُكُمْ » . قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ . قَالَ « فَلاَ تَفْعَلُوا ، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا »(28).
13- عَنْ أَبِى قَتَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَىِ النَّاسِ - قَالَ - فَجَلَسْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ ». قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ. قَالَ « فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ »(29).
14- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - قَالَ احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى فِيهَا ، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُمْ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِى بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ ، إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ »(30).
15- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ « مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى ».(31)
وعنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا طَعَامٌ رَدِىءٌ فَقَالَ « بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ فَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ».(32)
16- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ »(33)
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ».(34)
سبب الحديث: عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَقِيتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَا جَابِرُ تَزَوَّجْتَ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « بِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ ». قُلْتُ ثَيِّبٌ. قَالَ « فَهَلاَّ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى أَخَوَاتٍ فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُنَّ. قَالَ « فَذَاكَ إِذًا. إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ».(35)
المطلب الخامس: المؤلفات فيه.
أشار إلى هذا النوع ابنُ دقيق العيد في شرح حديث(36): « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »(37)
والبلقيني في (محاسن الاصطلاح)، وقال في آخر كلامه: "والمرجو من الله سبحانه وتعالى الإعانة على مبسوط فيه بفضله وكرمه"(38).
ومن أشهر ما صنِّف في هذا النوع:
1- أسباب ورود الحديث، أو اللمع في أسباب الحديث، للحافظ السيوطي (911 هـ)، وهو مرتب على الأبواب، وطبع في جزء بتحقيق د. يحيى إسماعيل.
__________
(1) - أسباب ورود الحديث (ص: 107).
(2) - البيان والتعريف (1/32).
(3) - البيان والتعريف (1/32).
(4) - صحيح البخارى(8 ) ومسلم (120 )
(5) - أسباب النزول لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري(4).
(6) - نقل قوله صاحب الإتقان في علوم القرآن جلال الدين السيوطي (1/84).
(7) - مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 339)
(8) - تكلم الأصوليون على إعمال سبب الورود في الترجيح بين النصين المتعارضين ضمن مرجحات المتن، ينظر: ضوابط الترجيح عند وقوع التعارض لدى الأصوليين) (ص: 321).
(9) - أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (2668 ).
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 144) (10173) وهو صحيح لغيره
(11) - صحيح البخارى (1447 ) ومسلم (2310 )
(12) - صحيح البخارى (2703 ) ومسلم(4467 ) -الأرش : العوض
(13) - أخرجه البخاري (3190) و مسلم(357 )
(14) - مسند أحمد ( 9394) صحيح
(15) - صحيح البخارى(3191 )
(16) - صحيح البخارى(847 )
(17) - سنن أبى داود(422) صحيح
(18) - صحيح مسلم (985 )
(19) - صحيح مسلم (1227 )
(20) - صحيح مسلم (2259) - تقم : تجمع القمامة
(21) - صحيح مسلم (3118 )
جلدهم : قوتهم وصبرهم يرمل : الرمل إسراع المشى مع تقارب الخطا
(22) - صحيح البخارى(4015 ) ومسلم (7614 )
(23) - سنن أبى داود(83) صحيح
(24) - سنن أبى داود (66 ) صحيح - الحيض : الخرقة التى تستعمل فى دم الحيض
(25) - صحيح البخارى (60 ) ومسلم (595 ) -أرهق : أخر
(26) - صحيح مسلم (593 ) - تلوح : يبصر الناظر بها مكانا لم يصبه الماء
(27) صحيح البخارى (165 )
(28) - صحيح البخارى(635)
(29) - صحيح مسلم (1688 )
(30) - صحيح البخارى(6113 ) ومسلم (1861 ) - حصب : رمى بالحصى
(31) - صحيح مسلم (295 )
السماء : المطر الصبرة : الكومة المجموعة بلا كيل ولا وزن
(32) - مسند أحمد(5231) صحيح
(33) - صحيح البخارى (5090 ) ومسلم (3708 )
(34) - سنن الترمذى(1109 ) قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(35) - صحيح مسلم (3709)
(36) - إحكام الأحكام (1 /10).
(37) - صحيح البخارى(1 )
(38) - محاسن الاصطلاح (ص: 632)، وينظر: (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام) لابن الملقن (1/205).(2/19)
2- البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، لابن حمزة الحسيني الدمشقي (1120 هـ)، وهو مرتب على الحروف، وأوسع وأشمل، وطبع في ثلاثة مجلدات.
- - - - - - - - - - - - - -
أهمُّ المصادرو المراجع
1. تفسير الطبري (جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ) الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
6. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية= الشاملة 2
7. اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث الشاملة 2
8. عقيدة السلف أصحاب الحديث الشاملة 2
9. شروح الطحاوية الشاملة 2
10. الصارم المسلول ابن تيمية= الشاملة 2= دار ابن حزم - بيروت
11. مجمل اعتقاد أئمة السلف ابن تيمية الشاملة 2
12. رسالة القيرواني
13. منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم
14. المنتقى - شرح الموطأ للباجي الشاملة 2+ موقع الإسلام
15. موطأ مالك المكنز
16. صحيح البخارى المكنز
17. صحيح مسلم المكنز
18. سنن أبى داود المطنز
19. سنن الترمذى المكنز
20. سنن النسائى المكنز
21. سنن ابن ماجه الكننز
22. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2
23. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
24. مسند أحمد الكنز
25. مسند الشاشي جامع الحديث النبوي
26. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
27. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
28. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
29. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
30. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
31. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
32. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
33. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
34. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
35. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
37. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
38. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
39. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
40. علل الترمذي الشاملة 2
41. شرح علل الترمذي لابن رجب الشاملة 2
42. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
43. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
44. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
45. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
46. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. مسند السراج الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
52. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
53. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. مسند الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. شرح معاني الآثار الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي+ موقع الإسلام
56. مشكل الآثار للطحاوي ، مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. معرفة السنن والآثار للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. السنن الصغرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. موسوعة السنة النبوية - للمؤلف مخطوط
62. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
63. شرح السنة ـ للإمام البغوى متنا وشرحا مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
64. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
65. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
66. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
67. جامع الأصول لابن الأثير ت - عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
68. عمل اليوم والليلة للنسائي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
69. مصباح الزجاجة في زائد ابن ماجة البوصيري الشاملة 2
70. الترغيب والترهيب للمنري+ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
71. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
73. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
75. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
76. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
77. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
78. الأمثال للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
79. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
80. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
81. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
82. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
83. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
84. الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
87. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. السنة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
91. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. الفصل للوصل المدرج للخطيب الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
94. الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. الكنى والأسماء للدولابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. تالي تلخيص المتشابه للخطيب الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي الشاملة2
101. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
103. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. رفع الريبة للشوكاني ط السلفية
105. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
106. ندوة علوم الحديث علوم وآفاق الشاملة 2
107. ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي
108. الوسيط في أصول الحديث د- محمد محمد أبو شهبة
109. شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل - مصطفى بن إسماعيل -مكتبة ابن تيمية
110. فضائل القرآن للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
111. قرة العين في ضبط رجال الصحيحين + الشاملة 2
112. الإكمال لابن ماكولا الشاملة 2
113. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
114. القول المسدد في الذب عن مسند أحمد الشاملة 2
115. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
116. كشف الخفاء للعجلوني الشاملة 2
117. من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث للذهبي الشاملة 2
118. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
119. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
120. الدراية في تخريج أحأديث الهداية لابن حجر الشاملة 2
121. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
122. روضة المحدثين الشاملة 2
123. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
124. هدي الساري (مقدمة الفتح ) لابن حجر الشاملة 2
125. تغليق التعليق لابن حجر الشاملة 2 + المطبوع
126. ذيل القول المسدد الشاملة 2
127. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني الشاملة 2
128. الفتاوى الحديثية للحويني الشاملة 2
129. تنزيه الشريعة المرفوعة لابن عراق الشاملة 2
130. الموضوعات لابن الجوزي الشاملة 2
131. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
132. الحطة في ذكر الصحاح الستة الشاملة 2
133. تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي الشاملة 2
134. تراجعات العلامة الألباني في التصحيح والتضعيف الشاملة 2
135. تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد الشاملة 2
136. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
137. الضعفاء والمتروكين للنسائي الشاملة 2
138. الضُّعَفَاءُ الْكَبِيرِ لِلْعُقَيْلِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
139. العلل المتناهية لابن الجوزي الشاملة 2
140. تاريخ ابن معين رواية الدوري الشاملة 2
141. تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2
142. جرح الرواة وتعديلهم محمود عيدان أحمد الدليمي الشاملة 2
143. مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2
144. تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي الشاملة 2
145. قسم الحديث والمصطلح الشاملة 2
146. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
147. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
148. خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي + الشاملة 2
149. تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج + الشاملة 2
150. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
151. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
152. رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
153. مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
154. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
155. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
156. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
157. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
158. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
159. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
160. الجامع الصغير وزيادته الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
161. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
162. علل الدارقطني الشاملة 2
163. تاريخ جرجان للسهمي الشاملة 2
164. التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي الشاملة 2
165. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2
166. موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2
167. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
168. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
169. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني الشاملة 2
170. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
171. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
172. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
173. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
174. تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة الشاملة 2
175. الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
176. شرف أصحاب الحديث جامع الحديث النبوي = الشاملة 2
177. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
178. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
179. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
180. نتائج الأفكار لابن حجر
181. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
182. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
183. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2
184. شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم الشاملة 2
185. كشف المشكل من حديث الصحيحين الشاملة 2
186. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
187. التحفة الربانية شرح الأربعين النووية الشاملة 2
188. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
189. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
190. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
191. جواهر الإكليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
192. فتاوى الأزهر الشاملة 2
193. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
194. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
195. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
196. فتاوى السبكي الشاملة 2
197. فتاوى الرملي الشاملة 2
198. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
199. شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2
200. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
201. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
202. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
203. فتاوى يسألونك الشاملة 2
204. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
205. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
206. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
207. فتاوى الشبكة الإسلامية الشاملة 2
208. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي الشاملة 2
209. الفقه الإسلامي وأدلته الزحيلي الشاملة 2 + دار الفكر
210. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية الشاملة 2
211. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
212. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
213. الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان دار الفكر
214. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع افسلام
215. المحلى لابن حزم الشاملة 2
216. حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
217. تكملة حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
218. المبسوط للسخسي الشاملة 2 + موقع الإسلام
219. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الشاملة 2 + موقع الإسلام
220. فتح القدير لابن الهمام الشاملة 2 + موقع الإسلام
221. رد المحتار على الدر المختار الشاملة 2
222. الشرح الكبير للشيخ الدردير الشاملة 2 + موقع الإسلام
223. التاج والإكليل لمختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
224. مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
225. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
226. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
227. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
228. تحفة المحتاج في شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
229. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
230. الأم للشافعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
231. الرسالة للشافعي الشاملة 2
232. الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي الشاملة 2
233. الفروع لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
234. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الشاملة 2 + موقع الإسلام
235. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
236. منار السبيل شرح الدليل الشاملة 2
237. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
238. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
239. المحصول للرازي الشاملة 2
240. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
241. تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية الشاملة 2
242. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
243. كشف الأسرار للبزدوي الشاملة 2
244. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
245. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
246. التقرير والتحبير لابن أمير الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
247. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
248. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
249. الفصول في الأصول للرازي الشاملة 2 + موقع الإسلام
250. من أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية الشاملة 2
251. تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
252. حجة الله البالغة للدهلوي الشاملة 2
253. بحوث في علم أصول الفقه الشاملة 2 الكردي
254. القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني الشاملة 2
255. الموافقات للشاطبي الشاملة 2
256. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
257. التقرير والتحبير الشاملة 2 + موقع الإسلام
258. المسودة في أصول الفقه الشاملة 2
259. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
260. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
261. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
262. الأذكار للنووي الشاملة 2
263. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
264. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
265. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
266. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
267. رياض الصالحين للنووي -ت الألباني - الفحل
268. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
269. مدارج السالكين لابن القيم الشاملة 2
270. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
271. معرفة علوم الحديث للحاكم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
272. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث الشاملة 2
273. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2
274. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
275. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
276. المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل فاروق حمادة
277. الاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد الشاملة 2
278. توضيح الأفكار للصنعاني + الشاملة 2
279. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة
280. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - العتر + الشاملة 2
281. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
282. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
283. التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر الشاملة 2
284. تيسير مصطلح الحديث الطحان + الشاملة 2
285. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
286. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
287. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
288. الموقظة في علم مصطلح الحديث الذهبي + الشاملة 2
289. سؤالات الحاكم للدارقطني الشاملة 2
290. شرح الموقطة للذهبي الشاملة 2
291. رسالة في الجرح والتعديل للمنذري الشاملة 2
292. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
293. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
294. التذكرة في علوم الحديث لابن الملقن الشاملة 2
295. بحوث في المصطلح للفحل + الشاملة 2
296. التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للمعلمي اليماني = الشاملة 2
297. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2 + تحقيق أبو غدة
298. محاضرات في علوم الحديث + الشاملة 2
299. نظرات جديدة في علوم الحديث حمزة الميباري + الشاملة 2
300. علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد + الشاملة 2
301. المنهج الحديث في علوم الحديث للشيخ السماحي
302. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النووي + الشاملة 2
303. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
304. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
305. تذكرة السامع والمتكلم + الشاملة 2
306. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر + الشاملة 2
307. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
308. الثقات ابن حبان + الشاملة 2
309. المجروحين ابن حبان + الشاملة 2
310. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
311. التاريخ الأوسط للبخاري
312. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
313. تذكرة الحفاظ للذهبي + الشاملة 2
314. من له رواية في الكتب الستة للذهبي + الشاملة 2
315. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
316. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
317. طبقات الشافعية للسبكي + الشاملة 2
318. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
319. الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي + الشاملة 2
320. كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام ( للفحل)
321. معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2
322. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
323. ديوان الضعفاء للذهبي + الشاملة 2
324. الجامع في الجرح والتعديل + الشاملة 2
325. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
326. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة
327. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
328. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
329. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
330. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
331. معرفة الرواة المتكلم فيه بما لا يوجب الرد للذهبي الشاملة 2
332. خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى + الشاملة 2
333. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
334. المغني في الضعفاء للذهبي + الشاملة 2
335. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2
336. البداية والنهاية لابن كثير + الشاملة 2
337. الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف للمؤلف
338. تاريخ الإسلام للذهبي + الشاملة 2 ت التدمري
339. الفصل في الملل والنحل لابن حزم مكتبة الخانجي - القاهرة
340. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
341. الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع السخاوي الشاملة 2 = الوراق
342. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
343. معجم لسان المحدثين خلف الشاملة 2
344. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2(2/20)
345. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
346. المصباح المنير الفيومي + الشاملة 2
347. مختار الصحاح الرازي الشاملة 2
348. التعقب المتواني على الألباني للسكندري + الشاملة 2
349. خصائص المسند ت أحمد شاكر + الشاملة 2
350. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
351. الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب - للمؤلف
352. المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول لأبي محمد الألفي
353. الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
354. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني - الأردن
355. النقد البناء لحديث أسماء الشاملة 2
356. الْفَوَائِدِ الشَّهِيرُ بِالْغَيْلَانِيَّاتِ لِأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ الشاملة 2
357. رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل الحمش
358. شَذَرَاتٌ مِنَ الْمَنْهَجِ الْمَأْمُولِ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولْ / أبو محمد الألفي
359. الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
360. زاد المعاد لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
361. التقريب لمعالم منهج ابن حجر في تقريب التهذيب (محمد خلف سلامة )
362. تحرير التقريب مؤسسة الرسالة
363. أصول التخريج ودراسة الأسانيد"د- محمود الطحان
364. شرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - د. بدران بن محمد العياري
365. أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية
366. التخريج ودراسة الأسانيد - حاتم بن عارف الشريف
367. بحث مادة التخريج ودراسة الأسانيد - تلخيص أحمد محمد بوقرين
368. تحرير علوم الحديث الجديع - الشاملة 3
فِهرس المَوضُوعات
الباب الأول ... 7
تاريخ السنَّة ونشأتها ... 7
الفصل الأول ... 8
تاريخُ السنَّة النبويةِ ... 8
المقدمة ... 8
المبحثُ الأولُ ... 10
تعريفُ السُّنَّةِ ... 10
السُّنَّةُ اصطلاحًا ... 13
السنَّةُ في اصطلاح المحدِّثين: ... 13
السُّنَّةُ في اصطلاح الأصوليين: ... 14
السُّنَّةُ في اصطلاح الفقهاء: ... 15
شرحُ التعريف: ... 16
يقصد بأقواله - صلى الله عليه وسلم - : ... 16
ويقصَدُ بتقريراته - صلى الله عليه وسلم - : ... 17
ويقصد بصفاته - - صلى الله عليه وسلم - - الخَلقية: ... 19
ويقصد بصفاته الخُلُقية: ... 21
ويقصدُ بسائر أخباره : ... 23
قوله :" سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها". ... 28
التعريف ببعض المصطلحات الأخرى وعلاقتها بالسنَّة ... 31
أ معنى الحديث : ... 31
ب- معنى الخبر: ... 32
ج- معنى الأثر: ... 33
أهميَّةُ السُّنَّة ووجه الحاجة إليها ... 35
الأمر الأول:أن القرآن الكريم - وهو المصدر الأول في التشريع - لا يمكن أن يستغني عنها، ولا يستطيع أن يؤدي دوره كاملاً بدونها. ... 35
الصورة الأولى:أن في القرآن الكريم آياتٍ لا يمكن فهم المراد منها إلا بعد معرفة سبب نزولها، ولا طريق لمعرفة سبب النزول إلا السنَّة. ... 35
الصورة الثانية: أن في القرآن الكريم آيات مجملة، ولا سبيل إلى تفصيلها وبيان المراد منها إلا السنة . ... 37
الصورةُ الثالثة: أن في القرآن الكريم آيات عامة، مع أن المراد منها خاص، ولا سبيل إلى تخصيصها وبيان مراد الله منها سوى السنة النبوية. ... 39
الصورة الرابعة: إن في القرآن الكريم آياتٍ مطلقة مع أن المراد منها مقيَّد، ولا سبيل لتقييدها، وبيان وجه الحقِّ فيها غير السنَّة النبوية. ... 41
الصورة الخامسة: أن في القرآن الكريم آيات مشكلة مع غيرها أو مع سنن أخرى صحيحة أو مع العقل : ... 42
الصورة السادسة: أن في القرآن الكريم آيات منسوخة - أي: رفع حكمها - نسختها السنة المطهرة: ... 44
الأمر الثاني الذي يبرز دور السنة في التشريع وأهميتها: ... 46
شرفُ أهلِ الحديثِ ... 53
التعريفُ بتاريخ السنة ومناهج المحدثين ... 61
أولا : معنى تاريخ السنة : ... 61
ثانيا : معنى مناهج المحدثين. ... 61
مناهجُ المحدثين العامة والخاصة: ... 62
علاقة مناهج المحدثين بتاريخ السنة: ... 63
فوائد دراسة تاريخ السنة ومناهج المحدثين ... 63
أهم المصنفات في تاريخ السنة ومناهج المحدثين ... 65
أطوارُ تاريخ السنة ... 68
السنة في عصر النبوة: ... 68
أولا:عوامل صيانة السنة وحفظها: ... 68
عواملُ انتشار السنَّة وذيوعها ... 93
* العامل الأول: نشاطه - صلى الله عليه وسلم - ، وحده في تبليغ الدعوة ونشر الإسلام: ... 93
* العامل الثاني: طبيعةُ الإسلام، ونظامه الجديد: ... 93
* العامل الثالث: نشاطُ الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - رجالا ونساء في طلب العلم، وحفظه، وتبليغه. ... 93
* العامل الرابع: نشاطُ أمهات المؤمنين في حفظ السنَّة، وتبليغها ... 96
* العامل الخامس: ولاته وبعوثه إلى القبائل المسلمة لتبليغها الدعوة، وتعليمها إياها: ... 98
* العامل السادس: رسلُه وكتبُه إلى الملوك، والأمراء، ورؤساء القبائل المجاورين يدعوهم إلى الإسلام ... 100
* العامل السابع: غزوة الفتح الأعظم: ... 112
* العامل الثامن: حجَّةُ الوداع ... 125
العامل التاسع: الوفود بعد فتح مكة، وحجة الوداع: ... 130
ثالثا ... 141
تأسيس المنهج العلمي للرواية ... 141
أولا: تحريم الكذب. ... 141
ثانيا: رفض رواية الفاسق : ... 146
رابعا ... 149
التثبُّت من كلِّ قضيَّةٍ ... 149
خامسا ... 157
النهي عن التحديث بكل ما سمع الإنسان ... 157
الفصل الثاني ... 161
نشأتُ علم المصطلح وتطوره ... 161
• علم المصطلح في القرنين الثاني والثالث ... 162
• علم المصطلح بعد القرن الثالث ... 163
متى دوِّن هذا الفن وأشهر الكتب المؤلفة فيه ... 166
تعريفاتٌ أوليةٌ ... 181
البابُ الثاني ... 184
الخبرُ ... 184
الفصلُ الأول ... 185
تقسيمُ الخبر باعتبار وصوله إلينا ... 185
المْبحَثُ الأولُ ... 185
الخبرُ المتواتر ... 185
1-تعريفُه : ... 185
2-شروطُه: ... 185
رأي العلامة ابن حزم رحمه الله بعدد التواتر : ... 186
رأي الإمام الزركشي في الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدََ أَهْلِ الْحَدِيثِ ... 190
3- حُكمُه : ... 191
4-أقسامه: ... 191
5- وجودُه : ... 195
6- أشهر المصنفات فيه : ... 196
المبحث الثاني ... 198
خبرُ الآحادِ ... 198
المَشهور ... 200
المسْتَفِيضُ ... 201
المشهورُ غير الاصطلاحي ... 205
العَزيز ... 213
الغريبُ ... 215
الفصلُ الثاني ... 234
" الخبرُ المقبولُ " ... 234
المبحثُ الأول " أقسام المقبول " ... 234
الصَّحيحُ ... 235
قال العلامة القاسميُّ رحمه الله: ... 237
"بيانُ أنَّ خبرَ الواحدِ الثقةِ حجَّةٌ يلزمُ به العملُ ... 237
وقال ابن تيمية رحمه الله في بيان حجية السنة: ... 241
قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله : ... 248
تخصيص القول بأصح الأسانيد ... 262
أصح أسانيد البلدان ... 267
أصحُّ الأحاديث المُقيَّدة ... 272
8- ما هو أول مصَنَّف في الصحيح المجَرَّدِ ؟ ... 275
وأما صحيحُ البخاري: ... 284
وأما صحيح الإمام مسلم (204 - 261 هـ) ... 285
أيُّهما أصحُّ؟ : ... 290
هل استوعبا الصحيح أو التزماه ؟ ... 293
هل فاتهما شيء كثير أو قليل من الصحيح ؟ ... 295
د) أين نجد بقية الأحاديث الصحيحة التي فاتت البخاري ومسلماً ؟ ... 296
9- الكلام على مسْتَدْرَك الحاكم وصحيح ابن خزَيْمَةَ وصحيح ابن حِبّان : ... 298
10- المُسْتَخْرَجَات على الصحيحين : ... 307
ج) هل التزم أصحاب المستخرجات فيها موافقة الصحيحين في الألفاظ ؟ ... 310
د) هل يجوزُ أن ننقل منها حديثاً ونعزوه إليهما ؟ ... 311
هـ) فوائد المستخرجات على الصحيحين : ... 311
11- ما هو المحكوم بصحته مما رواه الشيخان ؟ ... 316
12- مراتبُ الصحيح: ... 325
13- شرط الشيخين: ... 334
14- معنى قولهم: " مُتَّفَقٌ عليه ": ... 336
15- هل يشترطُ في الصحيح أن يكون عزيزاً ؟ ... 336
الحديثُ الحَسَنُ ... 338
1- تعريفُه: ... 338
2) حكمُه : ... 343
3) مثالُه: ... 343
4- مراتبُه: ... 346
5- ضوابط لمعرفة الحديث الحسن ... 350
6- مرتبة قولهم: " حديث صحيح الإسناد " أو " حسن الإسناد " ... 360
7- معنى قول الترمذي وغيره " حديث حسن صحيح " ... 362
8- تقسيم البَغَويُّ أحاديثَ مصابيح السنة : ... 369
9- الكتبُ التي من مظانِّها الحسَنِ : ... 371
سننُ أبي داودَ: ... 374
سنن الدار قطني : ... 380
كتبُ الحديث الأخرى ... 384
تعريفُه: ... 396
الحَسَنُ لِغَيْره ... 399
تعريفُه: ... 399
مرتبتُه: ... 408
حكمُه: ... 408
مسائلُ هامَّةٌ حول خبرِ الآحادِ ... 409
أولا ... 409
حول قبول الخبر وردِّهِ ... 409
شَرْطُ الْفِعْلِ بِخَبَرِ الْآحَادِ ... 409
[ رَدُّ الْحَدِيثِ بِدَعْوَى مُخَالَفَتِهِ الْأُصُولَ ] ... 426
[ رَدُّ الْحَدِيثِ إذَا كَانَ أَحَدُ رَاوِيهِ وَاحِدًا ] ... 430
[ عَرْضُ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ ] ... 431
[ جُمْلَةُ الشُّبُهَاتِ الَّتِي رُدَّتْ بِهَا أَحَادِيثُ الْآحَادِ ] ... 434
الشروطُ التي ترجِعُ إلى لفظِ الخبر ... 435
أَحَدُهَا : أَنْ يَرْوِيَهُ بِلَفْظِهِ . ... 435
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَرْوِيَهُ بِغَيْرِ لَفْظِهِ . ... 436
[ الْمَذَاهِبُ فِي جَوَازِ حَذْفِ شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ ] ... 445
[ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ لَفْظٌ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ ] ... 450
[ الْجَزْمُ بِمَنْعِ حَذْفِ الصِّفَةِ مُشْكِلٌ ] ... 451
[ هَلْ يَجُوزُ إسْقَاطُ حَرْفِ الْعَطْفِ مِنْ الْآيَةِ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا ؟ ] ... 452
[ فِي الرَّجُلِ يَرْوِي خَبَرًا فَيَجْتَهِدُ فِيهِ ] ... 454
ثانيا ... 455
حُكْمُ الحديثِ الصحيحِ ... 455
ثالثا ... 456
هل خبرُ الآحاد يفيد القطع واليقين أم غلبة الظنِّ ؟ ... 456
الأول - ذهب أكثر العلماء إلى أن الاعتقاد لا يثبت إلا بدليلٍ يقينيٍّ قطعيٍّ ، وهو نصُّ القرآن أو الحديثِ المتواترِ .. ... 456
والقولُ الثاني أنه يفيد القطع واليقين ، بعكس القول الأول ... 474
الأدلةُ على أنَّ خبرَ الواحدِ العدلِ تفيدُ القطعَ واليقينَ ، ومناقشتُها ... 482
والمذهب الثالث- التفصيل في المسألة : ... 508
الخلاصةُ في هذه المسألة الجللِ ... 522
هل يحتجُّ بخبر الواحد في صفات الله تعالى ؟ ... 524
هل تثبتُ العقيدةُ بخبر الآحاد ؟؟ ... 525
المبْحَث الثَاني ... 526
ـ تقسيمُ الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به ـ ... 526
المُحْكَم ... 526
مُخْتَلِفُ الحديثِ ... 527
والمُختَلفُ قِسْمان: ... 528
أحدهُما يمكنُ الجمعُ بينهما بوجه صحيح ، فيتعيَّنُ ، ولا يُصَارُ إلى التَّعَارض, ولا النَّسخ ويجبُ العمل بهما . ... 528
والقسمُ الثَّاني: لا يُمكن بوجْهٍ, فإنْ عَلمنَا أحدهُمَا ناسخًا قدَّمناهُ, وإلاَّ عملنا بالرَّاجح, كالتَّرْجيح بصفَاتِ الرُّواة وكَثْرتهم في خمسين وجها. " ... 547
الأوَّل: التَّرجيح بحال الرَّاوي وذلك بوجُوه: ... 547
القِسْم الثَّاني: التَّرجيحُ بالتحمُّل, وذلك بوجوه: ... 549
القِسْم الثَّالث: التَّرجيح بكيفية الرِّواية, وذلك بوجُوه. ... 549
القسم الرَّابع: التَّرجيح بوقت الورود, وذلك بوجوه: ... 549
القِسْمُ الخامس: التَّرجيح بلفظِ الخبر, وذلك بوجوه : ... 550
القِسْمُ السَّادس: التَّرجيح بالحُكم, وذلك بوجوه: ... 551
القِسْمُ السَّابع: التَّرجيحُ بأمر خارجي: ... 551
فوائدُ هامة حول الترجيح ... 553
5 - ماذا يجبُ على من وجد حديثين متعارضين مقبولين ؟ ... 554
6- أهميتُه ومن يكمل له : ... 554
7- أشهر المصنفات فيه : ... 555
ناسِخُ الحَديثِ وَمَنسوخُه ... 564
1-تعريفُ النسخِ: ... 564
2- أهميته وصعوبته وأشهر المُبَرِّزين فيه : ... 564
3- بم يُعْرَفُ الناسخ من المنسوخ ؟ ... 565
4- أشهرُ المصنفات فيه : ... 576
5- حكمة النسخ: ... 577
الفصلُ الثالثُ ... 578
الخَبَرُ المَرْدوُد ... 578
الخبرُ المردودُ وأسباب ردِّه ... 578
تعريفُه: ... 578
أقسامُه وأسبابُّ ردِّه : ... 578
أولاً- تعريفُ الحديث الضعيف ... 579
ثانياً- أقسامُ الضعيف : ... 580
ب الضعيفُ ضعفاً شديداً وهو أنواع منها : ... 590
ج الموضوع : ... 593
ثالثا- أَوْهَى الأسانيد : ... 594
رابعاً- متى يقوَى الحديثُ الضعيفُ ؟ ... 602
خامسا- حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيفِ : ... 604
المذهبُ الأولُ: لا يعملُ به مطلقاً لا في الفضائلِ ولا في الأحكامِ ... 604
المذهبُ الثاني : يعملُ بالحديث الضعيف مطلقاً ... 606
المذهبُ الثالثُ : يعملُ به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك بشروط ... 607
الأدلةُ ومناقشتُها ... 610
أدلةُ المذهب الأول ومناقشتها ... 610
أدلةُ المذهب الثاني ومناقشتها ... 612
حكم الحديث ُالضعيفِ ... 626
إذا جرى عليه العمل،أو تلقته الأمة بالقبول ... 626
حكمُ الحديث الضعيف ... 637
إذا تلقته الأمة بالقبول،وعملوا به،وأجمعوا عليه ... 637
الردُّ على يزعم أن القدامى لم يفرِّقوا بين الحسن والضعيف ... 645
قال أستاذنا د- محمد عجاج الخطيب معلقاً على كلام الخطيب البغدادي: ... 645
1- قول الخطيب مفسرا قول أبي حاتم (شيخ ) وذلك بقوله: فقولهم ( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث ) ... 646
4- الردُّ على ابن القيم والخطيب حول ظنهما أن المقصود بالضعيف - عند المتقدمين- هو الحسَنُ عندَ المتأخرين . ... 661
5- مناقشة قول من نُسِبَ إليه المنع مطلقاً: ... 686
المذهبُ الثالثُ ... 692
الشروطُ التي قيَّد بها المتأخرون العمل بالحديث الضعيفِ ... 692
رأيُ الشيخِ ناصر الدين الألباني -رحمه الله ومناقشتُه : ... 696
الفوارقُ بين الحديث الضعيف والموضوع ... 709
سادساً - أمثلةٌ للحديث الضعيف الذي يجوزُ العملُ به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر: ... 714
المثالُ الأوَّلُ ... 714
إحياءُ ليلتي العيد ... 714
المثال الثاني ... 719
تلقينُ الميت ... 719
سابعاً- سببُ الأخذ بالحديث الضعيف : ... 728
ثامناً-كيفَ يروَى الحديثُ الضعيفُ ؟ ... 732
تاسعاً- الجوابُ عن روايةِ بعض كبار الأئمةِ عنِ الضعفاءِ : ... 733
عاشراً- مسائلُ تتعلقُ بالضعيف : ... 735
مصادرُ الحديثِ الضعيفِ : ... 741
مصادرُ الأحاديثِ الواهية والموضوعة ... 741
مصادرُ الحديثِ الصَّحيح والحسن ... 742
المبْحَثُ الثَاني ... 744
المردودُ بسببِ سَقْطٍ من الإسناد ... 744
المُعَلَّقُ ... 745
1-تعريفُه: ... 745
2- منْ صورِه : ... 745
3- مثالُه: ... 745
4- حكمُه : ... 746
5- حكْمُ المعلقاتِ في الصحيحين : ... 746
المُرْسَلُ ... 747
1-تعريفُه: ... 747
2- صورتُه : ... 747
3- مثالُه: ... 747
4- المُرْسَلُ عند الفقهاءِ والأصوليين : ... 748
5- حكمُه : ... 753
[ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ ] ... 758
رأيُ السادة الحنفية بالحديث المرسل ... 777
الخلاصةُ في الاحتجاج بالمرسل ... 789
6- مراسيلُ التابعين ... 795
الأحاديثُ المرسلة في صحيح مسلم ... 805
7- مرسَلُ الصحابيِّ: ... 809
8- حكمُ مرسَل الصحابي : ... 809
9- أشهرُ المصنفات فيه : ... 812
أ) المراسيل لأبي داود. ... 812
حكم نتر الذكر عند الفقهاء ... 816
ب) المراسيل لابن أبي حاتمالرازي : ... 817
ج) جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي ... 825
المُعْضَلُ ... 830
1- تعريفُه: ... 830
2- مثالُه: ... 830
وصل الأحاديث غير الموصولة في الموطأ ... 836
3- حكمُه: ... 838
4- اجتماعُه مع بعض صور المعلقَّ : ... 838
5- من مظانِّ المعضَل : ... 838
المُنقَطِعُ ... 840
1- تعريفُه: ... 840
2- شرحُ التعريف : ... 840
المنقطعُ عند المتأخرين من أهل الحديث : ... 840
4- مثالُه: ... 840
5- حكمُه : ... 842
6- الأحاديثُ المنقطعة في صحيح مسلم ... 843
المُدَلَّسُ ... 863
تعريفُ التدليس: ... 863
أقسامُ التدليس : ... 863
القسمُ الأولُ : تدليسُ الإسنادِ : ... 863
القسم الثاني :تدليسُ التسوية: ... 866
القسم الثالث- تدليسُ الشيوخ: ... 870
أمكنة التدليس وعدمه: ... 871
رأي الزركشي في التدليس : ... 872
6- حكمُ التدليس : ... 875
7- الأغراضُ الحاملة على التدليس : ... 876
8- أسباب ذم المدلَّس: ثلاثة هي ... 876
9- حكمُ رواية المدلِّس : ... 876
10- بم يعرف التدليس ؟ ... 877
11 - أشهر المصنفات في التدليس والمدلسين : ... 877
المُرْسَلُ الخَفِيُّ ... 878
1-تعريفُه: ... 878
2- مثالُه : ... 878
3-بما يعرفُ المرَسلُ الخفيُّ ؟ ... 881
4-حكمُه : ... 888
5-أشهر المصنفات فيه : ... 888
المعَنْعنُ والمؤَنَنُ ... 889
1-تمهيدٌ: ... 889
2-تعريفُ المعنعن : ... 889
3- مثالُه: ... 889
4- هل هو من المتصلِ أو المنقطع ؟ : ... 889
ترجيح مذهب البخاري وغيره ... 897
الحكمُ باتصال حديثٍ من خلال القرائنَ ... 901
5- تعريفُ المُؤنَّن : ... 903
6- حكم المُؤَنَّن : ... 903
7- تنبيهاتٌ : ... 907
المبحثُ الثالثِ ... 910
المردودُ بسببِ طعن في الراوي ... 910
1- المردودُ بالطعن في الراوي : ... 910
2- أسبابُ الطعن في الراوي : ... 910
ا)أما التي تتعلق بالطعن في العدالة فهي: ... 910
ب ) أما التي تتعلقُ بالطعنِ في الضبط فهي: ... 910
المَوضوعُ ... 911
1- تعريفُه: ... 911
2- رتبتُه : ... 911
3- حكمُ روايته : ... 911
4- طرقُ الوضاعين في صياغة الحديث : ... 911
5- كيف يُعْرَفُ الحديث الموضوع ؟ ... 913
رأي الزركشي في ذلك ... 934
6- دواعي الوضع وأصنافُ الوضاعين : ... 941
7- فوائد من حديث :مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ... 952
7- ... خطأ بعض المفسرين في ذكر الأحاديث الموضوعة : ... 956
8- ... هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ ... 957
9- ... تنبيهات حول الحديث الموضوع ... 958
11-مصادر المتون الموضوعة : ... 961
12- مسائل هامة حول الحديث الموضوع ... 962
المسألة الأولى : مصطلح ( حديث لا أصل له ) . ... 962
المسألة الثانية : الحديث الذي لا أصل له يكثر في أبواب الفضائل ، والترغيب والترهيب ، والقصص ، والتفسير ، والفتن والملاحم ، والسير والمغازي . ... 964
13-أشهر المصنفات فيه : ... 966
14- تنبيهات هامة حول الحديث الموضوع ... 1021
الأولى- التحذير من الأحاديث الواردة في فضل شهر رجب ... 1021
الثانية -تحذير الخطباء من رواية المنكرات والموضوعات ... 1025
الثالثة- بيانُ ضررِ الموضوعات على غير المحدثين وان الدواء لمعرفتها الرسوخ في الحديث . ... 1025
الرابعة - بيانُ أنَّ للقلب السليم إشرافا على معرفة الموضوع ... 1027
الخامسة - مفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تَكْذِبُوا عَلَىَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ » ... 1037
السادسة - بيان أنه ليس كل حديث في باب الترغيب تحدث به العامة ... 1039
السابعة - وجوبُ تمييز الحديث الصحيح من الموضوع لمن يطالع المؤلفات التي لم تميز بين صحيح الأحاديث وسقيمها ... 1042
الثامنة - لا عبرة بالأحاديث المنقولة في كتب الفقه والتصوف،ما لم يظهر سندها وإن كان مصنفُها جليلا : ... 1045
التاسعة - الردُّ على من يزعم تصحيح بعض الأحاديث بالكشف بأن مدار الصحة على السند ... 1046
المَتْروكُ ... 1049
1- تعريفُه: ... 1049
2- أسبابُ اتهام الراوي بالكذب أحدُ أمرين وهما: ... 1049
3- مثالُه: ... 1049
4- رتبتُه : ... 1052
المنكَرُ ... 1053
1- تعريفه: ... 1053
2-الفرقُ بينه وبين الشاذِّ : ... 1053
3- مثالُه: ... 1054
4- تنبيهات هامة : ... 1056
5- رتبتُه : ... 1064
6- مظنة وجوده : ... 1064
7- تفسير مصطلح ( المنكر ) في كلام المتقدمين : ... 1064
المَعْروفُ ... 1068
1- تعريفُه: ... 1068
2- مثالُه: ... 1068
المعلَّلُ ... 1069
1- تعريفُه: ... 1069
2- أهميته : ... 1069
3- تعريفُ العلة: ... 1070
4- الطريق إلى معرفة العلة : ... 1074
5-قد تطلق العلة على غير معناها الاصطلاحي: ... 1074
6- إلى أيِّ إسنادٍ يتطرقُ التعليلُ ؟ ... 1077
7- ما هو الطريق إلى معرفة المُعَلَّل ؟ ... 1077
8- أين تقع العلة ؟ ... 1077
9- هل العلة في الإسناد تقدح في المتن ؟ ... 1077
10- أنواع الحديث المعلل : ... 1083
11 - أشهر المصنفات فيه : ... 1089
المخالفةُ للِثقاتِ ... 1105
المدْرَجُ ... 1105
1- تعريفُه: ... 1106
2- أقسامُه: ... 1106
مدرجُ الإسناد. ... 1106
مدرجُ المتن : ... 1106
3- أمثلةٌ له : ... 1107
أ) مثال لوقوع الإدراج في أول الحديث : ... 1107
ب) مثال لوقوع الإدراج في وسط الحديث : ... 1110
3- دواعي الإدراج : ... 1129
4- كيف يُدْرَك الإدراج ؟ ... 1130
5- حكم الإدراج : ... 1133
6- أشهر المصنفات فيه : ... 1133
المَقلوبُ ... 1134
1- تعريفُه: ... 1134
2- أقسامُه: ... 1135
3- الأسبابُ الحاملة على القَلْب : ... 1148
4- حكمُ القلب : ... 1150
5- أشهرُ المصنفات فيه : ... 1151
المَزِيدُ في متَّصِل الأسانيد ... 1152
1- تعريفُه: ... 1152
2- أمثلة: ... 1152
3- الزيادة في هذا المثال : ... 1156
4- شروطُ ردِّ الزيادة: ... 1156
5- الاعتراضات الواردة على ادَّعاء وقوع الزيادة : ... 1156
6- أشهرُ المصنفات فيه : ... 1157
المضْطَّرِبُ ... 1158
1- تعريفُه: ... 1158
2- شرح التعريف : ... 1158
3- شروط تحقق الاضطراب: ... 1158
4- أقسامُه: ... 1161
5- مِمَّن يقع الاضطراب ؟ ... 1191
6- سبب ضعف المضطرب : ... 1191
7_ أشهر المصنفات فيه : ... 1191
التصحيفُ والتحريفُ ... 1192
1- تعريفُهما: ... 1192
2- أهميته ودقته : ... 1193
3- أقسامُ التصحيف: ... 1194
القسم الأول : التصحيف في الإسناد : ... 1194
القسم الثاني : التصحيفُ في الْمَتْن : ... 1195
القسم الثالث : تصحيف البصر : ... 1196
القسم الرابع : تصحيفُ السمع : ... 1197
القسم الخامس : تصحيفُ اللفظ ... 1197
القسم السادس : تصحيفُ المعنى دون اللفظ : ... 1198
4- تقسيم الحافظ ابن حجر : ... 1198
5- هل يقدحُ التصحيف بالراوي ؟ ... 1198
6- السبب في وقوع الراوي في التصحيف الكثير : ... 1198
7 - أشهر المصنفات فيه : ... 1199
الشاذُّ والمحفوظُ ... 1201
1- تعريفُ الشاذِّ: ... 1201
هل يشترط في الشاذ التنافي مع المخالفة ؟ ... 1205
2- حكم الشاذ عند الخليلي ... 1210
ما المراد بالتفرد عند الخليلي ؟ ... 1210
3-حكم الشاذ عند الحاكم ... 1212
تلخيص ابن الصلاح لموضوع الشاذ ... 1216
4- الفرق بين تعريف الإمام الشافعي للشاذ وتعريف الحاكم ... 1217
5- أين يقع الشذوذ ؟ ... 1219
المسألة الأولى : زيادات الثقات . ... 1226
المسألة الثانية : المزيد في متصل الأسانيد . ... 1227
6- المحفوظُ: ... 1229
7- حكم الشاذ والمحفوظ : ... 1229
8- خلاصة الكلام في الشاذ: ... 1229
الجهَالة بالرَّاوي ... 1231
1- تعريفُها: ... 1231
2-أسباب وقوع الجهالة: ... 1234
3- أمثلة: ... 1235
4- تعريف المجهول: ... 1237
5- أنواع المجهول: ... 1237
ا ) مجهول العَيْن : ... 1237
2 ) مجهول الحال: ( ويسمى المستور ) ... 1237
6-هل تقبل رواية المجهول ؟ ... 1238
7- ما ترتفع به الجهالة: ... 1246
أولا: ما ترتفع به جهالة العين: ... 1246
ثانيا: ما ترتفع به جهالة الحال: ... 1248
ثالثاً: ما ترتفع به جهالة المبهم: ... 1252
8- حكم رواية المجهول ... 1253
الاعتبار الأول - حكم رواية المجهول باعتبار نوع الجهالة المتعلقة به: ... 1253
1- جهالة العين: ... 1253
2- جهالة الظاهر والباطن: ... 1254
3- جهالة الباطن: ... 1255
4- جهالة الإبهام: ... 1257
المذهب الثاني:موقف العلماء من رواية المجهول بالنظر إلى طبقته . ... 1259
المذهب الثالث: حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنهم: ... 1260
3. حكم رواية المجهول إذا روى الإثبات عنه: ... 1261
8- جهالة الراوي سببٌّ لردِّ حديثه ... 1262
9- القول في رواية المستور ... 1267
10- أصولٌ في الراوي المجهول ... 1270
الأصل الأول : مجاهيل التابعين أرفع ممن بعدهم لندرة الكذب يومئذ . ... 1270
الأصل الثاني : المجهولات من النساء . ... 1271
الأصل الثالث : قول الراوي : ( حدثني الثقة ) أو : ( حدثني من لا أتهم ) ولا يسمِّي ذلك الشيخ ، فهل يعتدُّ بهذا التعديل ؟ ... 1272
الأصل الرابع : قول الناقد في الراوي : " لا أعرفه " . ... 1275
الأصل الخامس : توضيح طريقة أبي حاتم الرازي في الحكم بجهالة الراوي . ... 1277(2/21)
الأصل السادس : طريقة ابن القطان الفاسي في تجهيل الرواة . ... 1280
11- تحرير القول في الرواة المسكوت عنهم ... 1281
القول الفصل في الرواة المسكوت عنهم ... 1288
12- أشهرُ المصنفات في أسباب الجهالة : ... 1308
البِدْعَةُ ... 1309
1- تعريفها: ... 1309
2- أنواعها: ... 1311
القسم الأول: بدع يكفر بها صاحبها: ... 1311
القسم الثاني: بدعٌ يفسق بها صاحبها: ... 1311
3- حكمُ رواية المبتدع : ... 1312
مذاهب أهل العلم في ردِّ حديث أهل البدع أو قبوله : ... 1313
المذهب الأول : ترك حديثهم مطلقاً ، أي : البدعة جِرحة مسقطٌةٌ للعدالة . ... 1313
المذهب الثاني : التفريقُ بحسب شدة البدعة وخفتها في نفسها ، وبحسب الغلو فيها أو عدمه بالنسبة إلى صاحبها . ... 1315
المذهب الثالث : التفريقُ بين الداعي إلى بدعته ، وغير الداعي ، فيردُّ الأول ، ويقبلُ الثاني . ... 1316
المذهب الرابع : عدم اعتبار البدعة جرحاً مسقطاً لحديث الراوي ، لما تقوم عليه من التأويل ، وإنما العبرة بالحفظ والإتقان والصدق ، والسلامة من الفسق والكذب . ... 1326
5- أسماء من رمي ببدعة في الصححين ؟ ... 1337
سوءُ حفظ الراوي ... 1339
القسم الأول : الوهم والغلط بمقتضى الجبلَّة ... 1344
والوهم والغلط يقع بأسباب : ... 1345
أولها : المخالفة في الأسانيد . ... 1345
وثانيها : وصل المراسيل . ... 1346
وثالثها : رفع الموقوف . ... 1346
ورابعها : الجمع بين الرواة في سياق واحد وحمل حديث بعضهم على بعض . ... 1346
وخامسها : قبول التلقين . ... 1349
وسادسها : التصحيف إذا حدث من كتبه . ... 1352
القسم الثاني : ما يرجع من سوء الحفظ إلى تساهل الراوي ... 1354
المبحث الرابع : متى يترك حديث الراوي ؟ ... 1355
المبحث الخامس :درجات سوء الحفظ ... 1360
القسم الأول : اختلال الضبط بما لا يسقط به الراوي ... 1360
الصنف الثاني : من كان ضابطاً لكتابه ، غير ضابط إذا حدَّث من حفظه . ... 1364
الصنف الثالث : من تميز ضبطه في حال ، وسوء حفظه ولينه في حال . ... 1366
الصورة الأولى : أن يكون ضابطاً إلا في حديث بعض الشيوخ . ... 1366
الصورة الثانية : أن يكون متقناً فيما حدث به في بلد ، دون ما حدث به في غيره . ... 1368
الصورة الثالثة : أن يكون متقناً فيما حمله من حديث أهل بلده دون غيرهم . ... 1369
الصورة الرابعة : أن يكون ثقة مقبولاً في أحاديث الرقائق والمواعظ ، دون الأحكام . ... 1370
الصورة الخامسة : أن يكون متقناً في النقل لغير الحديث ، دون ذلك في الحديث. ... 1371
الصورة السادسة : ثقة في الأصل ، لكن اختلط وتغير حفظه بأخرة ، للكبر ، أو لعارض . ... 1372
حكم حديث المختلط : ... 1375
وجوب تحقيق تأثير الاختلاط في حديث الراوي الموصوف به : ... 1376
الراوي يختلط فلا يتميز صحيح حديثه من سقيمه : ... 1378
التخليط غير الاختلاط بأخرة : ... 1379
الصنف الرابع : من غلب عليه سوء الحفظ ، فغلب في حديثه احتمال خطئه ووهمه ، مع بقاء وصف الصدق له في الجملة . ... 1380
القسم الثاني : فساد الضبط إلى حد أن يكون الراوي متروك الحديث ... 1380
المبحث السادس : مسائل تتصل بالجرح بسوء الحفظ ... 1385
المسألة الأولى : الراوي قد يكون لين الحديث من جهة عدم ظهور إتقانه لقلة حديثه ، أو لمجيء حديثه على غير سياق روايات الثقات ، وإن لم يكن أتى بمنكر . ... 1386
المسألة الثانية : الإغراب عن الثقات . ... 1386
المسألة الثالثة : الإصرار على الخطأ . ... 1388
المسألة الرابعة : جرح الراوي مقارنة بغيره ، من الجرح النسبي ، ولا ينافي أصل الثقة ، إلا أن تكون المقارنة بين ضعيفين . ... 1389
الفصْلُ الرابعُ ... 1394
الخبرُ المُشْتَرَك بين المقبول والمردود ... 1394
المبْحَثُ الأولُ ... 1394
ـ تقسيم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِد إليه ـ ... 1394
الحديثُ القُدْسيُّ ... 1394
1- تعريفُه: ... 1394
2- مثالُه: ... 1395
3- الفرق بينه وبين القرآن : ... 1396
وبين الحديث القدسي والقرآن عدةُ فروق منها: ... 1397
4- عدد الأحاديث القدسية : ... 1400
5- صِيَغُ روايته : ... 1400
6- تنبيهان حول الحديث القدسي : ... 1415
7- أشهر المصنفات فيه : ... 1416
الحديثُ المَرْفُوعُ ... 1420
1- تعريفُه: ... 1420
2- شرحُ التعريف : ... 1420
3- أنواعُه: ... 1421
4- أمثلةٌ: ... 1421
5-مسائل هامة ... 1424
الحديثُ المَوْقوفُ ... 1448
1- تعريفُه: ... 1448
2- شرحُ التعريف : ... 1448
3- أمثلةٌ: ... 1448
4- استعمالٌ آخرُ له : ... 1449
5- اصطلاح فقهاء خراسان : ... 1450
6- هل يحتجُّ بالموقوف ؟ ... 1450
الحديثُ المَقْطوُعُ ... 1482
1- تعريفُه: ... 1482
2- شرحُ التعريف : ... 1482
3- أمثلة: ... 1482
4- حكمُ الاحتجاج به : ... 1483
5- مسائل حول الحديث المقطوع ... 1484
6- إطلاقه على المنقطع : ... 1488
7- من مَظِنَّات الموقوف والمقطوع : ... 1488
المبْحَثُ الثَاني ... 1495
أنواعٌ أخرى مشتركة بين المقبول والمردود ... 1495
المُسْنَدُ ... 1495
1- تعريفُه: ... 1495
2 - مثالُه: ... 1496
المُتَصِلُ ... 1497
1- تعريفُه: ... 1497
2- مثالُه: ... 1497
زيادات الثقات ... 1499
1- المراد بزيادات الثقات : ... 1499
2- العلة وعلاقتها بزيادة الثقة ... 1505
3- 'الشاذ' و'المنكر' وصلتهما بزيادة الثقة ... 1507
4- مسألة زيادة الثقة وتأصيلها عند ابن الصلاح ... 1515
5- أشهر من اعتنى بها : ... 1530
6- محل وقوع زيادات الثقات: ... 1531
7- حكم الزيادة في متن الحديث: ... 1531
9- حكم الزيادة في الإسناد : ... 1534
أولاً : وصل المرسل . ... 1535
ثانياً : رفع الموقوف . ... 1536
ثالثاً : الزيادة خلال الإسناد . ... 1539
الصورة الأولى : زيادة راوٍ خلال الإسناد في موضع عنعنة . ... 1539
الصورة الثانية : المزيد في متصل الأسانيد . ... 1540
والصورة الثالثة : زيادة ذكر التحديث والسماع بدل العنعنة . ... 1540
10- رأي الزركشي في زيادة الثقة: ... 1542
تَنْبِيهَاتٌ : ... 1545
الْأَوَّلُ : لِتَوْجِيهِ إمْكَانِ انْفِرَادِ الرَّاوِي بِالزِّيَادَةِ طُرُقٌ : ... 1545
الثَّانِي : قَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ رَافِعَةً لِلْإِشْكَالِ مُزِيلَةً لِلِاحْتِمَالِ ، وَقَدْ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى إرَادَةِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ، لَا عَلَى خُصُوصِيَّةِ الزِّيَادَةِ أَوْ ضِدِّهَا . ... 1549
12- تعارض الوصل والإرسال ... 1550
إذَا اخْتَلَفَ الثِّقَاتُ فِي حَدِيثٍ فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا ، وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا ، فَهَلْ الْحُكْمُ لِلْوَصْلِ أَوْ الْإِرْسَالِ ، أَوْ لِلْأَكْثَرِ ، أَوْ الْأَحْفَظِ ؟ ... 1550
13- الرَّاوِي يَرْوِي الْحَدِيثَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا ... 1551
14-مَنْ شَأْنُهُ إرْسَالُ الْأَخْبَارِ إذَا أَسْنَدَ خَبَرًا ، هَلْ يُقْبَلُ أَوْ يُرَدُّ ؟ ... 1551
15- إذَا تَعَارَضَ الْوَقْفُ وَالرَّفْعُ فما الحكم ُ؟ ... 1551
16- تنبيه ربما أطلق بعض العلماء عبارة : ( زيادة الثقة ) على ما يأتي به الصحابي من العلم في حديث يشاركه فيه صحابي آخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن هذا الآخر لا يذكر تلك الزيادة في حديثه . ... 1558
الاعْتِبارُ والمُتَابعُ والشاهِدُ ... 1561
1- تعريف كل منها: ... 1561
2- الاعتبار ليس قسيماً للتابع والشاهد : ... 1562
3- اصطلاح آخر للتابع والشاهد : ... 1562
4- المتابعة : ... 1562
5- أمثلة: ... 1563
البابُ الثالث ... 1566
صفة من تُقبل روايتهُ وما يتعلق بذلك من الجرح والتعديل ... 1566
الفصل الأول ... 1567
في الراوي وشروط قبوله ... 1567
1- مقدمة تمهيدية: ... 1567
2- شروط قبول الراوي: ... 1567
3- بم تثبت العدالة ؟ ... 1570
4- مذهب ابن عبد البَرِّ في ثبوت العدالة : ... 1572
5- كيف يُعْرَف ضبط الراوي ؟ ... 1573
6- هل يُقبل الجرح والتعديل من غير بيان ؟ ... 1574
7- هل يثبت الجرح والتعديل بواحد ؟ ... 1580
8- اجتماع الجرح والتعديل في راو واحد : ... 1581
9- إذا قال حدثني الثقة ونحوه لا يقبل قوله ... 1583
10- حكم رواية العَدْل عن شخص : ... 1586
11 - حكم رواية التائب من الفسق : ... 1588
11- حكم رواية من أخذ على التحديث أجراً : ... 1589
12- حكمُ رواية من عُرِفَ بالتساهل أو بقبول التلقين أو كثرة السهو. ... 1590
13- حكمُ رواية من حَدَّثَ ونَسِيَ : ... 1593
13) أشهر المصنفات فيه: ... 1598
الفصل الثاني ... 1599
علم الجرح والتعديل ... 1599
أولا- تعريف الجرح والتعديل ... 1599
تعريفُ الجرح: ... 1599
تعريف التعديل: ... 1599
ثانيا- أهمية علم الجرح والتعديل ... 1601
ثالثا- الجرح والتعديل من الدين ... 1604
رابعا- مشروعية الجرح، والتعديل: ... 1610
خامسا- متى تباح الغيبة ... 1624
سادسا- نشأةُ علم الجرح والتعديل ... 1626
سابعا- تأصيلُ الجرح والتعديل ... 1632
ثامنا -أنواع المصنفات في الجرح والتعديل ... 1636
وله أيضا المغني في الضعفاء والمتروكين له : ... 1660
- ديوان الضعفاء والمتروكين له : ... 1660
الأول ... 1665
"كتاب الثقات" للعجلي (261) ... 1665
كتاب الثقات" لابن حبان البُسْتِيّ المتوفى سنة 354 للهجرة. ... 1691
سكوت ابن حبان عن راو: ... 1703
هل ابن حبان كان من المتساهلين في التعديل ؟ ... 1703
أولا: صفة من يقبل منه الجرح والتعديل: ... 1732
ثانيا- تسمية من تكلم بالرجال ... 1739
الفصل الثالث ... 1745
مراتب الجرح والتعديل ... 1745
أولا - رأي الحافظ العراقي : ... 1745
ثانيا- مراتبها عند الإمام السيوطي : ... 1759
ثالثا- التقسيم المختار : ... 1765
1- ألفاظ التعديل ... 1765
2- ألفاظ التجريح ومراتبها: ... 1773
رابعا- أيُّ المراتب يُحتَجَُّ بهِا ؟ ... 1782
الفصل الرابع ... 1784
منهجُ الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه التقريب ، ومناقشته ... 1784
المطلب الأول ... 1784
نقل نص المقدمة ... 1784
المطلب الثاني ... 1788
أمثلة من كتاب التقريب ... 1788
الكلام على مراتب الرواة عند الحافظ ابن حجر ... 1792
المرتبة الأولى ... 1792
الصحابة رضي الله عنهم ... 1792
1 - تعريف الصحابي: ... 1792
أحدُها : وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في حالِ إسلامهِ . ... 1792
والقول الثاني : أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ . ... 1792
والقولُ الثالثُ : وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو سنتينِ ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ . ... 1792
والقولُ الرابعُ : أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ . ... 1792
والقولُ الخامسُ: أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً . ... 1792
والقول السادس : أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو مسلمٌ ، وإنْ لم يرَهُ . ... 1792
المرتبة الثانية ... 1799
من أُكد مدحه بأكثر من عبارة ... 1799
المرتبة الثالثة ... 1802
من أفرد بصفة تعديل كثقة .. ... 1802
المرتبة الرابعة ... 1806
من قال عنه صدوق أو ليس به بأس أو لا بأس به ... 1806
المرتبة الخامسة ... 1807
من قال فيه صدوق سيء الحفظ أو يهم أو يخطئ ... ... 1807
( الراوي المختلف فيه ) ... 1807
نماذج من هذه المرتبة: ... 1807
أسباب اختلاف العلماء في الجرح والتعديل ... 1810
أمثلة كثيرة عن أصحاب هذه المرتبة تبين حالهم ... 1814
القولُ فيمن رمي ببدعةٍ ... 1828
المذهب الأول : ترك حديثهم مطلقاً ، أي : البدعة جِرحة مسقطٌةٌ للعدالة . ... 1829
المذهب الثاني : التفريقُ بحسب شدة البدعة وخفتها في نفسها ، وبحسب الغلو فيها أو عدمه بالنسبة إلى صاحبها . ... 1829
المذهب الثالث : التفريقُ بين الداعي إلى بدعته ، وغير الداعي ، فيردُّ الأول ، ويقبلُ الثاني . ... 1829
المذهب الرابع : عدم اعتبار البدعة جرحاً مسقطاً لحديث الراوي ، لما تقوم عليه من التأويل ، وإنما العبرة بالحفظ والإتقان والصدق ، والسلامة من الفسق والكذب . ... 1829
ملاحظات على أقوال الحافظ ابن حجر على هذه المرتبة ... 1831
المرتبة السادسة ... 1835
من قال فيه مقبول عند المتابعة وإلا فلين ... 1835
القسم الثاني من المرتبة السادسة عند ابن حجر لين الحديث ... 1839
المرتبة السابعة ... 1842
من قال فيه مجهول الحال أو مستور ... 1842
ما ترتفع به جهالة العين: ... 1843
ثانيا: ما ترتفع به جهالة الحال: ... 1843
4- اعتباراتٌ هامةٌ في حكم رواية المجهول: ... 1844
الاعتبار الأول - حكم رواية المجهول باعتبار نوع الجهالة المتعلقة به: ... 1844
الاعتبار الثاني: موقف العلماء من رواية المجهول بالنظر إلى طبقته : ... 1846
الاعتبار الثالث: حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنهم:- ... 1846
المطلب الثاني ... 1848
من قال فيه مجهول الحال ... 1848
المطلب الثالث ... 1849
من قال فيه مستور ... 1849
القولُ الفصلُ في الرواة المسكوت عنهم ... 1853
المرتبة الثامنة ... 1873
من قال عنه ضعيف ... 1873
المرتبة التاسعة ... 1875
حكمُ من قال عنه مجهول ... 1875
المرتبة العاشرة ... 1877
من قال فيه متروك أو واهي أو ساقط الحديث ... 1877
المرتبة الحادية عشرة ... 1879
من اتهم بالكذب ... 1879
المرتبة الثانية عشرة ... 1880
من أطلق عليه اسم الكذب أو الوضع ... 1880
المبحث السابع ... 1882
الرواة الذين لم ينص صراحة على توثيقهم ... 1882
المبحث الثامن ... 1885
دفاع الحافظ ابن حجر عن كثير من الرواة ... 1885
الفصل الخامس ... 1888
تعارض الجرح والتعديل ... 1888
تمهيدُ ... 1888
الصورة الأولى : تعارض الرواية في الجرح والتعديل عن الناقد المعين . ... 1888
والصورة الثانية : تعارض الجرح والتعديل الصادرين من ناقدين أو أكثر . ... 1889
المبحث الأول ... 1890
مقدماتٌ ضروريةٌ لتحقيق القول في الراوي المختلف فيه ... 1890
المقدمة الأولى ... 1890
أهلية الناقد لقبول قوله ... 1890
المقدمة الثانية ... 1891
التحققُ من ثبوت الجرح أو التعديل عن الناقد المعين ... 1891
المقدمة الثالثة ... 1893
منع قبول صيغة الجرح أو التعديل التي لا تنسب إلى ناقد معين ... 1893
المقدمة الرابعة ... 1894
مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة ... 1894
المقدمة الخامسة ... 1898
اعتبارُ بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل ... 1898
المقدمة السادسة ... 1901
وجوبُ اعتبار مرتبة الناقد مقارنة بمخالفة ... 1901
الاعتبار الأول : قلة الكلام في النقلة وكثرته : ... 1901
الاعتبار الثاني : التشدد والاعتدال والتساهل : ... 1901
الاعتبار الثالث : النظر والإنشاء ، للمتقدمين ، والتحرير والترجيح ، للمتأخرين. ... 1903
الاعتبار الرابع : الناقد العارف في جرح وتعديل أهل بلده . ... 1903
المقدمة السابعة ... 1904
ملاحظة مذهب الناقد فيما يراه جرحاً ، ومذهبه فيه مرجوح ... 1904
المقدمة الثامنة ... 1906
التحقق من آخر قولي أو أقوال الناقد في الراوي ، إن كان قد اختلف عليه . ... 1906
المقدمة التاسعة ... 1907
مراعاة دلالة ألفاظ الجرح والتعديل ... 1907
المقدمة العاشرة ... 1908
التحقق من كون العبارة المعينة قيلت من قبل الناقد في ذلك الشخص المعين ... 1908
المقدمة الحادية عشرة ... 1910
التحقق من اللفظة المنقولة عن الناقد ... 1910
المقدمة الثانية عشرة ... 1911
التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد ... 1911
المقدمة الثالثة عشرة ... 1913
قد تطلق العبارة لا يرادُ ظاهرها ... 1913
المبحث الثاني : ... 1915
تحريرُ منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط ... 1915
الشرط الأول : أن يكون مفسراً ، ولو من ناقد واحد ... 1915
أولاً : أن الكلام في الراوي قد يكون بسبب منكرات جاءت من طريقه، ليس الحمل فيها عليه ، إنما على مجروح أو مجهول غيره في الإسناد فوقه أو دونه ... 1920
ثانياً : قد يكون الجرح من أجل الخطأ في حديث معين ، فيطلق الناقد العبارة في الراوي ، وليس الأمر كما قال ، بل الإنصاف أن يقيد الجرح بما أخطأ فيه خاصة ، ويحتج به فيما سوى ذلك . ... 1922
ثالثاً أن يكون الجرح عائداً إلى كون الراوي قد ضعف في شيخ معين ، أو في حال معين ، فهذا لا يصلح فيه قبول الجرح المطلق ، بل يرد من حديثه القدر الذي ضعف فيه ، ويحتج بما سواه من حديثه . ... 1923
الشرط الثاني : أن يكون جرحاً بما هو جارح ... 1924
الشرط الثالث : أن لا يكون الجرح مردوداً من ناقد آخر بحجة ... 1925
المبحث الثالث : ... 1929
تنبيهات حول تعارض الجرح والتعديل ... 1929
التنبيه الأول : ترك التعديل عند ظهور الجرح لا يقدح في شخص المعدل أو علمه . ... 1929
التنبيه الثاني : الجرح لمن استقرت عدالته وثبتت إمامته مردود . ... 1929
التنبيه الثالث : تقديم الجرح عند اجتماع الشروط لا يلزم منه السقوط بالراوي . ... 1929
التنبيه الرابع : جرى عند علماء هذا الفن أن الراوي إذا اتفق على توثيقه إماما الصناعة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، فإنه جاز بذلك القنطرة . ... 1930
التنبيه الخامس : الراوي يختلف فيه جرحاً وتعديلاً ، وهو قليل الحديث . ... 1931
الفصل السادس ... 1932
تفسير عبارات الجرح والتعديل ... 1932
المبحث الأول ... 1932
تفسير عبارات الجرح والتعديل ... 1932
1 - من هو ( الحجة ) ؟ ... 1932
2 _ قولهم : ( ثقة ) ، ويشبهها : ( متقن ) ، و ( ثبت ) . ... 1934
3 - قولهم : ( جيد الحديث ) . ... 1935
4 - قولهم : ( صدوق ) . ... 1936
5 _ قولهم : ( لا بأس به ) ، أو : ( ليس به بأس ) . ... 1938
6 - قولهم : ( حسن الحديث ) . ... 1942
7 _ قولهم : ( مقارب الحديث ) . ... 1945
8 - قوهم : ( وسط ) . ... 1947
9 _ قولهم : ( شيخ ) . ... 1948
10 - قولهم : ( محدِّث ) . ... 1954
11 - قولهم : ( صالحُ الحديث ) . ... 1954
13 _ قولهم : ( محله الصدق ) . ... 1958
14 _ قولهم : ( لين ) ، أو : ( لين الحديث ) . ... 1959
15 _ قولهم : ( ليس بالحافظ ) . ... 1960
16 _ قولهم : ( معروف ) . ... 1961
17 _ قولهم : ( يكتب حديثه ) . ... 1962
18 _ قولهم : ( يعتبر به ) . ... 1964
19 _ قولهم : ( لا يحتج به ) . ... 1965
20 _ قولهم : ( ليس بذاك ) . ... 1966
21 _ قولهم : ( ليس بالقوي ) . ... 1968
22 _ قولهم : ( إلى الضعف ما هو ) . ... 1970
23 - قولهم : ( تَعرف وتُنْكر ) . ... 1971
24 - قولهم : ( سيئ الحفظ ) . ... 1972
25 - قولهم : ( فيه نظر ) . ... 1973
26 _ قولهم : ( ضعيف ) أو : ( ضعيف الحديث ) . ... 1977
27 _ قولهم : ( مضطرب الحديث ) . ... 1978
28 - قولهم : ( يخالف الثقات ) . ... 1979
29 - قولهم : ( لا يتابع على حديثه ) . ... 1979
30 - قولهم : ( روى مناكير ) أو : ( روى أحاديث منكرة ) . ... 1981
31 - قولهم : ( منكر الحديث ) . ... 1983
32 - قولهم : ( روى أحاديث معضلةً ) أو : ( يروي المعضَلاتِ ) . ... 1989
33 - قولهم : ( أستخير الله فيه ) . ... 1990
34 - قولهم : ( ليس بشيء ) . ... 1994
35 - قولهم : ( لا شيء ) . ... 1997
36 - قولهم : ( لا يعتبر به ) . ... 1998
37 - قولهم : ( ليس بثقة ) . ... 1998
38 -قولهم : ( متروك الحديث ) . ... 2000
39 -قولهم : ( تركه فلان ) . ... 2001
40 - قولهم : ( لم يحدث عنه فلان ) . ... 2005
41 - قولهم : ( سكتوا عنه ) . ... 2006
42 - ومن عباراتهم في الجرح : قياس المجروح بالمجروح . ... 2008
البابُ الرابع ... 2011
الرواية وآدابها وكيفية ضبطها ... 2011
الفصلُ الأولُ ... 2012
كيفية ضبط الراوية وطرق تحملها ... 2012
المبحثُ الأولُ ... 2012
كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه ... 2012
1- تمهيدٌ: ... 2012
2- هل يُشْترَطُ لتحمل الحديث الإسلام والبلوغ ؟ ... 2013
3- متى يُسْتَحَبُّ الابتداءُ بسماع الأحاديث؟ ... 2013
المبحث الثاني ... 2020
طُرُقُ التَّحَمُّل وصِيَغْ الأداء ... 2020
1- السَّماعُ من لفظ الشيخ : ... 2020
2- القراءة على الشيخ : ... 2024
أحاديث قيلت بلفظ الشهادة : ... 2042
3- الإجازة: ... 2068
الأوَّل: أن يُجيز مُعينًا لمُعيَّن: ... 2068
الضَّرب الثَّاني: يُجيز مُعينا غيره ... 2072
الثَّالث: يُجيز غير مُعيَّن بوصْفِ العُموم ... 2073
الرَّابع إجَازة لمُعيَّن بمجهول من الكتب أو إجَازة بمعين من الكتب له أي لمجهول من النَّاس ... 2076
الخامس: الإجَازةُ للمعدوم: ... 2078
السَّادس: إجَازة ما لم يتحمَّله المُجيز بوجه من سماع أو إجازة ليرويهُ المُجَاز له إذا تحمَّله المُجيز ... 2081
السَّابع: إجَازة المُجَاز: ... 2082
4- المناولة: ... 2086
وهي ضربان: مقرونة بالإجازة, ومجردة عنها. ... 2087
5- الكتابة: ... 2099
المبحث الثالث ... 2110
كتابةُ الحديث وضبطه والتصنيف فيه ... 2110
1-حكم كتابة الحديث : ... 2110
2- سببُ الاختلاف في حكم كتابته : ... 2110
4- ماذا يجب على كاتب الحديث ؟ ... 2114
5- المقابلة وكيفيتها : ... 2116
6- اصطلاحات في كتابة ألفاظ الأداء وغيرها : ... 2117
7- الرحلة في طلب الحديث : ... 2117
8- أنواع التصنيف في الحديث : ... 2119
المبْحَثُ الرَابع ... 2124
صفة رواية الحديث ... 2124
1- المرادُ بهذه التسمية: ... 2124
2- هل تجوز رواية الراوي من كتابه إذا لم يحفظ ما فيه ؟ ... 2124
3- حكم رواية الضرير الذي لا يحفظ ما سمعه: ... 2126
4- حكم الراوية من نسخة غير مقابلة وليس فيها سماعه من شيخه ... 2126
5- إذَا وجَدَ الحافظ الحديث في كِتَابه خلاف ما في حِفْظه على أيهما يعتمد؟ ... 2127
6- رواية الحديث بالمعنى وشروطها ... 2127
السابع- هل تجوز رواية الحديث مختصرا ؟ ... 2135
الثامن- ينبغي للشَّيخ أن لا يروي حديثه بقراءة لحَّان أو مُصحِّف. ... 2139
التاسع- إذَا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر واتفقوا في المعنى دون اللفظ ... 2142
العاشر- ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه من رجال الإسناد أو صفته مُدرجًا ذلك, حيث اقتصر شيخه على بعضه إلاَّ أن يُميزه ... 2144
الحادي عشر- جرت العَادة بِحَذف قال ونحوه بين رِجَال الإسْنَاد خطًّا اختصارًا, وينبغي للقارىء اللفظ بها حال القراءة ... 2145
الثاني عشر - النُّسخ والأجزاء المُشتملة على أحاديث بإسناد واحد, كنسخة همَّام ابن مُنبِّه عن أبي هُرَيرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه. ... 2146
الثالث عشر - تقديم المتن على الإسناد. ... 2147
الرابع عشر - ذكر الإسْنَاد وبعض المَتْن ... 2149
الخامس عشر - هل يجوز تغيير قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , إلى: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ... 2150
السادس عشر - إذَا كَانَ في سَمَاعهِ بَعْض الوَهَنِ, فَعَليهِ بيانهُ حالَ الرِّوايةِ ... 2151
السابع عشر - شبهات حول الراوية بالمعنى وردها ... 2155
الثامن عشر - وجوب رواية الحديث اليوم بلفظه في معرض الاحتجاج ... 2160
غريبُ الحديث ... 2161
1- تعريفُه: ... 2161
2- أهميتُه وصعوبته: ... 2161
3- أجودُ تفسيره : ... 2161
4- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2163
ا) سبب التأليف في هذا الباب : ... 2163
ب) تطور التأليف فيه إلى عصر ابن الأثير ... 2165
ج) - ترجمة ابن الأثير ... 2172
د ) -مثال من كتاب النهاية لابن الأثير : ... 2173
هـ ) - ليس كل حديث في كتب الغريب صحيح ... 2174
الفصلُ الثاني ... 2179
الفصلُ الثاني ... 2179
آدابُ الرواية ... 2179
المبْحَثُ الأول ... 2179
آداب المحدث ... 2179
1- مقدمةٌ حول اهميته: ... 2179
2- أبرز ما ينبغي أن يتحلى به المحدث : ... 2180
3- ما يستحبُّ فعله إذا أراد حضور مجلس الإملاء : ... 2189
4- ما هي السِّنُّ التي ينبغي للمحدث أن يتصدى للتحديث فيها ؟ ... 2204
5- أشهر المصنفات فيه : ... 2207
المبْحَثُ الثَاني ... 2208
آدابُ طالب الحديث ... 2208
1-مقدِّمةٌ: ... 2208
2- أوَّلُ ما يجبُ على الطالبِ إخلاصُ النِّيَّةِ . ... 2208
3- الجد في طلب العلم ... 2208
4- ولْيَسْتَعْمِلِ الطالبُ ما سمعَ من الحديثِ في فضائلِ الأعمالِ ... 2211(2/22)
5- وليبَجِّلِ الطالبُ الشَّيخَ ... 2214
6- وليحذرِ الطالبُ أنْ يمنعَهُ التَّكَبُّرُ، أو الحياءُ عن طلبِ العلمِ ... 2219
7- ولتكنْ همةُ الطالبِ تحصيلَ الفائدةِ ... 2224
8- وليحذرِ الطالبُ أنْ تكونَ هِمَّتُهُ تكثيرَ الشيوخِ لمجرَّدِ اسمِ الكثرةِ وصيتِها ... 2225
9- وينبغي للطالبِ أنْ يسمعَ ، ويكتبَ ما وقعَ له من كتابٍ ، أو جُزءٍ على التَّمَامِ ، ولا يَنتخبْهُ . ... 2228
10- وإنْ قَصَّرَ الطالبُ عن معرفةِ الانتخابِ وجودتهِ فيستعين ببعض حفاظ وقته. ... 2231
11-لا يَنْبَغِي للطَّالبِ أنْ يقتصرَ على سماعِ الحديثِ ، وكَتْبِهِ دونَ معرفتِهِ وَفَهْمِهِ. ... 2231
12- ويَنْبَغِي للطالبِ أنْ يقدِّمَ قراءةَ كتابٍ في علومِ الحديثِ حِفْظاً ، أو تَفَهُّماً ، ليعرفَ مصطلحَ أهلِهِ . ... 2233
13- الاعتناء بكتب الحديث ةلا سيما الصحيحين دراية ورواية ... 2233
14- لِيَكُنْ تَحَفُّظُ الطالبِ للحديثِ على التَّدريجِ قليلاً قليلاً ، ولا يأخذُ نفسَهُ بما لا يطيقُهُ . ... 2238
15- وممَّا يعينُ على دوامِ الحفظِ المذاكرةُ . ... 2240
16- وممَّا جَرَتْ عادةُ أهلِ الحديثِ أنْ يخصُّوهُ بالجمعِ والتأليفِ ؛ الأبوابُ ، والشُّيُوخُ ، والتَّرَاجمُ ، والطُّرقُ : ... 2248
البابُ الخامس ... 2250
الإسنادُ ومَا يتعلقُ بهِ ... 2250
الفصلُ الأولُ ... 2251
لطائفُ الإسناد ... 2251
الإسنادُ العَالي والنَّازلٌ ... 2251
ـ 1 ـ ... 2251
1- تمهيدٌ: ... 2251
2- تعريفُه: ... 2252
3- أقسام العلو: ... 2253
القسمُ الأولُ : القربُ من رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، مِنْ حيثُ العددُ بإسنادٍ نظيفٍ غيرِ ضعيفٍ . ... 2253
والقسمُ الثاني من أقسامِ العلوِّ : القربُ إلى إمامٍ من أئِمَّةِ الحديثِ : ... 2255
والقسمُ الثالثُ : العلوُّ المقيَّدُ بالنسبةِ إلى روايةِ الصحيحينِ ، وبقيةِ الكتبِ السِّتَّةِ. ... 2255
هذا القسمُ الرابعُ من أقسامِ العُلوِّ ، وهو تَقدُّمُ وفاةِ الراوي عَنْ شيخٍ ، على وفاةِ راوٍ آخَرَ عنْ ذلكَ الشيخِ . ... 2259
هذا القسمُ الخامسُ من أقسامِ العلوِّ، وهو تقدُّمُ السماعِ من الشيخِ ... 2260
4- أقسامُ النزول: ... 2261
5- هل العلو أفضل أو النزول ؟ ... 2261
6- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2263
المسَلْسَلُ ... 2265
ـ 2 ـ ... 2265
1- تعريفُه: ... 2265
2- أنواعُه: ... 2265
الأول- المسلسَلُ بأحوال الرواة القولية : ... 2265
الثاني- المسلسَلُ بأحوال الرواة الفعلية: ... 2268
الثالث - المسلسل بأحوال الرواة القولية والفعلية معاً : ... 2271
الرابع- المسلسل بصفات الرواة القولية : ... 2272
الخامس- المسلسل بصفات الرواة الفعلية : ... 2275
3- فوئد التسلسل : ... 2277
3-لا ارتباط بين التسلسل والصحة: ... 2278
4- أشهر المصنفات فيه : ... 2278
روايةُ الأكابر عن الأصاغر ... 2279
ـ 3 ـ ... 2279
1- تعريفه: ... 2279
2- شرحُ التعريف : ... 2281
3- أقسامه : ... 2281
3- من فوائده : ... 2287
4- أشهر المصنفات فيه : ... 2288
روايةُ الآباء عن الأبناء ... 2289
ـ4 ـ ... 2289
1- تعريفُه: ... 2289
2- أمثلة: ... 2289
3- من فوائده : ... 2291
4- أشهر المصنفات فيه : ... 2291
روايةُ الأبناء عن الآباء ... 2292
ـ 5 ـ ... 2292
1- تعريفُه: ... 2292
2- أهمه: ... 2292
3- أنواعُه: ... 2292
4- من فوائده: ... 2296
المُدَبَجُ وروايةُ الأقْرانِ ... 2298
ـ 6 ـ ... 2298
1- تعريفُ الأقْرانِ: ... 2298
2- تعريفُ رواية الأقرانِ: ... 2298
3- تعريفُ المُدَبَّجِ : ... 2299
4- روايةُ الأقران قسمان : ... 2299
5- من فوائده : ... 2306
6- أشهر المصنفات فيه : ... 2307
السَّابقُ واللاحقُ ... 2308
ـ 7 ـ ... 2308
1- تعريفُه: ... 2308
2- أمثلة : ... 2308
3- ما هو المرجع لمعرفة شيوخ الراوي وتلاميذه ؟ ... 2314
4- من فوائده : ... 2316
5-أشهر المصنفات فيه : ... 2316
الفصلُ الثاني ... 2317
معرفة الرواة ... 2317
معرفة الصحابة رضي الله عنهم ... 2317
- 1 - ... 2318
1 - تعريف الصحابي: ... 2318
أحدُها : وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في حالِ إسلامهِ . ... 2318
والقول الثاني : أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ . ... 2325
والقولُ الثالثُ : وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو سنتينِ ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ . ... 2327
والقولُ الرابعُ : أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ . ... 2327
والقولُ الخامسُ: أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً . ... 2330
والقول السادس : أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو مسلمٌ ، وإنْ لم يرَهُ . ... 2330
2- بم تعرف صحبة الصحابي ؟ ... 2332
3- عدالة الصحابة رضي الله عنهم ... 2333
4- المكثرونَ منَ الصحابةِ عنِ النَّبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) : ... 2339
5- أكثرُ الصحابةِ فتوى ... 2340
6- في بيانِ العبادِلَةِ مِنَ الصحابةِ : ... 2342
7- في بيانِ مَنْ كانَ لهُ من الصحابةِ أتباعٌ يقولونَ برأيهِ ... 2343
8-عددُ الصحابةِ : ... 2345
9-طبقاتُ الصَّحابةِ : ... 2347
10- أفضلُ الصَّحابةِ : ... 2349
قلت : وأفضل الصحابيات نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 2353
11- أولُ الصَّحابة : ... 2355
12- آخرِ مَنْ ماتَ من الصحابةِ مطلقاً ومقيَّداً بالبلدانِ والنواحي ... 2357
13-أهميته وفائدته: ... 2363
14- الجيلُ القرآنيُّ الفريدُ ... 2363
15 - أشهر المصنفات في ترجم الصحابة : ... 2367
معرفةُ التابعين ... 2372
- 2 - ... 2372
1 - تعريف التابعي: ... 2372
2 - من فوائده : ... 2373
3 - طبقات التابعين: ... 2373
4- أفضلُ التابعينَ : ... 2374
5- أفضلُ التابعيات : ... 2375
6- الفقهاءُ السبْعَةُ مِنْ أهلِ المدينةِ ... 2379
7- المخضرَمونَ ... 2379
8- عدُّ بعضِ التابعينَ في أتباعِ التابعينَ ... 2381
9- عد بعض الصحابة في طبقة التابعين ... 2383
10-أشهر المصنفات فيه : ... 2383
معرفةُ الأخوةِ والأخواتِ ... 2385
- 3 - ... 2385
1- توطئة: ... 2385
2- من فوائدهِ : ... 2385
3- أمثلةٌ: ... 2385
4- أشهر المصنفات فيه : ... 2388
المُتَّفِقُ المفترقُ ... 2389
ـ 4 ـ ... 2389
1- تعريفُه: ... 2389
2- أقسامُه: ... 2389
3- أهميته وفائدته: ... 2397
4-متى يَحْسُنُ إيرادهُ ؟ ... 2398
5-أشهر المصنفات فيه : ... 2398
المُؤْتَلفُ والمُخْتَلفُ ... 2399
ـ 5 ـ ... 2399
1- تعريفُه: ... 2399
2- أقسامه : ... 2399
أحدُهما : على العمومِ من غيرِ تقييدٍ بتصنيفٍ ، ويُضبطُ بأنْ يُقالَ : ليسَ لهم فلانٌ إلاَّ كذا والباقونَ كذا . ... 2399
هذا هوَ القسمُ الثاني الذي ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ ، وهوَ المخصوصُ بما في " الموطأ " والصحيحينِ للبخاريِّ ومسلمٍ. ... 2405
3- أهميتُه وفائدته : ... 2440
4- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2440
المُتَشَابِهُ ... 2442
- 6 - ... 2442
1- تعريفُه: ... 2442
2- أمثلته: ... 2442
3المُشْتَبَهُ المَقْلُوبُ ... 2447
4- فائدته: ... 2448
5- أشهر المصنفات فيه: ... 2448
6- خلاصة هامة ... 2448
المُهْمَلُ ... 2450
ـ 7 ـ ... 2450
1- تعريفُه: ... 2450
2- متى يَضُرُّ الإهمالُ ؟ ... 2450
3- مثاله: ... 2450
4- الفرقُ بينه وبين المُبهم : ... 2451
5- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2451
معرفةُ المُبهمات ... 2452
ـ 8 ـ ... 2452
2- من فوائد بحثه : ... 2452
3- كيف يُعْرَف المُبهم ؟ ... 2452
4- أمثلةٌ عليه: ... 2452
5- تقسيم المبهم حسب شدته ... 2460
6- أشهر المصنفات فيه : ... 2462
معرفةُ الوُحْدان ... 2464
- 9 - ... 2464
1 - تعريفُه: ... 2464
2 - فائدتُه: ... 2464
3 - أمثلتُه: ... 2464
4 - هل أخرج الشيخان في صحيحيهما عن الوُحْدان ؟ ... 2467
5- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2468
معرفةُ من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة ... 2469
- 10 - ... 2469
1 - تعريفُه: ... 2469
2 - مثالُه: ... 2469
3 - من فوائده: ... 2473
4 -- أشهر المصنفات فيه : ... 2473
معرفةُ المفردات من الأسماء والكنى والألقاب ... 2474
- 11 - ... 2474
1 - المرادُ بالمفردات : ... 2474
2 -فائدةُ معرفته: ... 2474
3 - أمثلته: ... 2474
4 - أشهرُ المصنفات فيه : ... 2481
معرفةُ أسماء من اشتهروا بكناهم ... 2482
- 12 - ... 2482
1 - المرادُ بهذا البحث: ... 2482
2 - من فوائده : ... 2482
3 - طريقةُ التصنيف فيه: ... 2483
4 - أقسامُ أصحاب الكنى وأمثلتها : ... 2484
5 - أشهرُ المصنفات فيه : ... 2487
معرفةُ الألقابِ ... 2488
- 13 - ... 2488
1 - تعريفُه لغة: ... 2488
2 - المرادُ بهذا البحث: ... 2488
3- فائدتُه: ... 2488
4 - أقسامُه: ... 2488
5 - أمثلتُه : ... 2489
6 - أشهرُ المصنَّفات فيه : ... 2491
مَعْرفةُ المَنْسُوبين إلى غَيْرِ آبَائهم ... 2492
- 14 - ... 2492
1 - المرادُ بهذا البحث: ... 2492
2 - فائدتُه: ... 2492
3 - أقسامُه وأمثلتها: ... 2492
4 - أشهرُ المصنفات فيه : ... 2495
معرفةُ النَّسب التي على خلافِ ظاهرِها ... 2496
- 15 - ... 2496
1 - تمهيدٌ: ... 2496
2 - فائدةُ هذا البحث: ... 2496
3 - أمثلةٌ: ... 2496
4 - أشهرُ المصنَّفات في الأنساب : ... 2498
معرفةُ تواريخَ الرواةِ ... 2499
- 16 - ... 2499
1 - تعريفُه: ... 2499
2 - المرادُ به هنا: ... 2499
3 - أهميتُه وفائدته: ... 2499
15- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2535
مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ ... 2536
ـ 17 ـ ... 2536
1- تعريفُ الاختلاط: ... 2536
2- أنواعُ المُخْتَلَطين: ... 2536
3- حكمُ رواية المختلط : ... 2553
4- أهميتُه وفائدته: ... 2553
5- هل أخرجَ الشيخان في صحيحيهما عن ثقات أصابهم الاختلاط ؟ ... 2553
6- أشهرُ المصنَّفات فيه : ... 2553
معرفةُ طبقات العلماء والرواة ... 2555
ـ 18 ـ ... 2555
1- تعريفُ الطبقة: ... 2555
2- من فوائد معرفته : ... 2555
3- قد يَكُونان الرَّاويان من طَبَقة باعْتبار لمُشَابهته لها من وجه ومن طَبَقتين باعْتبار آخر لمُشَابهته لها من وجه آخر : ... 2555
4- ماذا ينبغي على الناظر فيه: ... 2555
5- أشهرُ المصنفات فيه: ... 2555
معرفةُ الموالي من الرواة والعلماء ... 2561
ـ 19 ـ ... 2561
1 - تعريفُ المولى: ... 2561
2 - أنواعُ الموالي: ... 2561
3- منْ فوائده : ... 2567
4- أشهرُ المصنَّفات فيه: ... 2567
معرفةُ الثقات والضعفاء من الرواة ... 2568
ـ 20 ـ ... 2568
1- تعريفُ الثقة والضعيف: ... 2568
2- أهميتُه وفائدته: ... 2568
3- أشهرُ المصنَّفات فيه وأنواعها : ... 2568
4- قواعد ووصايا هامة في هذا الموضوع ... 2586
معرفةُ أوطان الرواة وبلدانهم ... 2590
ـ 21 ـ ِ ... 2590
1- المرادُ بهذا البحث: ... 2590
2- من فوائده: ... 2590
3- إلى أي شيء يَنْتَسبُ كلٌّ من العرب والعجم ؟ ... 2590
4- كيف ينتسبُ من انتقل عن بلده ؟ ... 2590
5- كيف ينْتسبُ من كان من قريةٍ تابعةٍ لبلدة ؟ ... 2591
6- كم المدة التي إن أقامها الشخص في بلد نُسِبَ إليها ؟ ... 2591
7- أشهرُ المصنفات فيه : ... 2591
البابُ السادسُ ... 2592
بحوثٌ في فقه الحديث ومعانيه ... 2592
الفصلُ الأول ُ ... 2593
فقهُ الحديث ... 2593
المبحث الأولُ - تمهيدٌ ... 2593
المبحث الثاني - حثُّ السلف على تعلم فقه الحديث ... 2594
المبحث الثالث - مفهومُ فقه الحديث ... 2607
أولا: مفهومُ الفقه، ومضمونه : ... 2608
ثانيا: فقه الحديث في الاصطلاح ... 2608
المبحث الرابع-أهمية فقه الحديث وقواعده عند بعض العلماء ... 2610
أولا- أهمية فقه (فهم) الحديث ... 2610
ثانيا: قواعدُ بعض العلماء في فقه الحديث ... 2611
الفصلُ الثاني ... 2613
قضايا كثيرةٌ حول العمل بالسنة ... 2613
المبحث الأول ... 2613
بيانُ أقسام ما دوِّنَ في علم الحديث ... 2613
المبحث الثاني ... 2616
بيان كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 2616
المبحث الثالث ... 2620
بيانُ أن السنَّة حجةٌ على جميع الأمة، وليس عملُ أحدٍ حجَّةً عليها ... 2620
المبحث الرابع ... 2635
العملُ بالحديث بحسب ما بدا لصاحب الفهم المستقيم ... 2635
المبحثُ الخامس ... 2636
لزومُ الإفتاء بلفظ النصِّ مهما أمكنَ ... 2636
المبحثُ السادس ... 2637
لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصّ ... 2637
المبحث السابع ... 2646
ردُّ ما خالفَ النصَّ أو الإجماعَ ... 2646
المبحث الثامن ... 2648
تشنيعُ المتقدمين على من يقول العمل على الفقه لا على الحديث ... 2648
المبحثُ التاسع ... 2651
رد الإمام السندي الحنفي رحمه الله على من يقول: ليس لمثلنا أن يفهم الحديث ... 2651
المبحث العاشر ... 2659
ردُّ الإمام السندي رحمه الله أيضاً على من يقرأ كتب الحديث لا للعمل ... 2659
المبحث الحادي عشر ... 2661
التحذيرُ من التعسُّف في ردِّ الأحاديث إلى المذاهب ... 2661
المحبث الثاني عشر ... 2666
الترهيبُ من عدم توقير الحديث ،وهجر من يعرض عنه ... 2666
المبحث الثالث عشر ... 2671
مَا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ ... 2671
المبحث الرابع عشر ... 2677
ما يقوله من بلغه حديث كان يعتقد خلافه ... 2677
المبحث الخامس عشر ... 2679
ما روي عن السلف في الرجوع إلى السُّنَّةِ ... 2679
المبحث السادس عشر ... 2682
حقُّ الأدب فيما لم تدرك حقيقته من الأخبار النبوية ... 2682
المبحث السابع عشر ... 2684
بيانُ إمرار السَّلَفِ الأحاديثَ على ظاهرها ... 2684
المبحث الثامن عشر ... 2690
قاعدةُ الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث ... 2690
المبحث التاسع عشر ... 2698
التحيُّلُ على إسقاطِ حُكْمٍ أو قلبِهِ ... 2698
المبحث العشرون ... 2711
بيانُ أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع ... 2711
وَيَقَعُ الاِخْتِلاَفُ فِي هَذَا عَلَى ضُرُوبٍ : ... 2714
الباب الواحد والعشرون ... 2726
بيانُ أسباب اختلاف مذاهب الفقهاء ... 2726
المبحث الثاني والعشرون ... 2733
بيان الفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي ... 2733
تمهيد الفقه على قاعدة التخريج : ... 2744
المجتهدون في المذهب : ... 2745
الأفضل الجمع بين التخريج على كلام الفقهاء وتتبع لفظ الحديث : ... 2745
ينبغي للمحدِّث أن لا يرد الحديثَ لأدنى شائبةٍ : ... 2746
ينبغي للمخرِّج أن لا يخرِّجَ قولاً لا يفيده نفسُ كلام أصحابه : ... 2748
رعايةُ الحديث أوجبُ : ... 2748
تتبعُ الكتاب والآثار لمعرفة الأحكام الشرعية : ... 2750
الإمعانُ في الروايات : ... 2750
معرفةُ القرآن والسنن تمكِّنُ من معرفة مسائل الفقه : ... 2750
المبحث الثالث والعشرون ... 2753
بيانُ حال الناس في الصدر الأول وبعده ... 2753
" كان الناسُ غير مجمعين على التقليد الخالص : ... 2753
كان العامة من المسلمين يقلدون صاحب الشرع : ... 2753
كان الخاصةُ من أهل الحديث يشتغلون به : ... 2754
كان الخاصةُ من أهل التخريج يخرِّجون ما لا يجدونه مصرحاً : ... 2754
بعد القرن الرابع حدثتْ أمورٌ : ... 2754
المبحث الرابع والعشرون ... 2761
فيمنْ تفقَّه على مذهبٍ ثم اشتغلَ بالحديث فرأى في مذهبه ما يخالفُ الحديثَ كيفَ يعملُ ؟ ... 2761
المبحث الخامس والعشرون ... 2766
بيانُ معرفة الحقِّ بالدليل ... 2766
المبحث السادس والعشرون ... 2777
بيانُ أنَّ معرفة الشيءِ ببرهانهِ طريقةُ القرآنِ الكريمِ ... 2777
المبحث السابع والعشرون ... 2780
إجماعُ الأمَّة على جواز تقليد الأئمة الأربعة ... 2780
(1)- أنَّ هذه المذاهب الأربعة المدونة قد اجتمعتِ الأمةُ أو من يعتدُّ به منها على جواز تقليدها إلى بومنا هذا . ... 2780
(2)- ومنها أنَّ تتبعَ الكتابُ والآثارُ لمعرفةِ الأحكامِ الشرعيةِ على مراتبَ: ... 2784
(3) - ومنها أنَّ أكثر صورِ الخلاف بين الفقهاءِ لا سيما في المسائل التي ظهرَ فيها أقوالُ الصحابةِ في الجانبينِ - كتكبيرات التشريقِ وتكبيراتِ العيدينِ ونكاحِ المحرم وتشهدِ ابن عباسِ وابن مسعودِ والإخفاءِ بالبسملة ِوبآمينَ والإشفاعِ والإيتار في الإقامة ونحو ذلك- إنما هو في ترجيحِ أحدِ القولينِ . ... 2789
المبحث الثامن والعشرون ... 2796
بيان وجوب موالاة الأئمة المجتهدين وإعذارهم فيما أخطؤوا فيه ... 2796
السَّبَبُ الثَّامِنُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ قَدْ عَارَضَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً ... 2829
السَّبَبُ التَّاسِعُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ ؛ أَوْ نَسْخِهِ ؛ أَوْ تَأْوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِالِاتِّفَاقِ. ... 2831
السَّبَبُ الْعَاشِرُ : مُعَارَضَتُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَوْ نَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ غَيْرُهُ أَوْ جِنْسُهُ مُعَارِضٌ ؛ أَوْ لَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَارِضًا رَاجِحًا . ... 2834
المبحث التاسع والعشرون ... 2840
أسبابُ ورود الحديث ... 2840
المطلب الأول - تعريفُه : هو ما ذكر الحديثُ بشأنه وقتَ وقوعه. ... 2840
المطلب الثاني: أقسامُ الحديث من حيثُ سببُ الورود ... 2840
المطلب الثالث- فوائدُ معرفة أسباب ورود الحديث ... 2841
المطلب الرابع- أمثلةٌ تطبيقيةٌ على أسباب ورود الحديث ... 2843
المطلب الخامس: المؤلفات فيه. ... 2848
أهمُّ المصادرو المراجع ... 2849(2/23)