8- الوِجَادَة :(1)
الوجَادة وهي بكسر الواو مصدر لوجد, مولد غير مَسْموع من العرب.
قال المُعَافى بن زكريا النَّهرواني: فرَّع المولدون قولهم: وجادة, فيما أُخذ من العلم من صحيفة من غير سَمَاع, ولا إجَازة, ولا مُنَاولة من تفريق العرب بين مَصَادر وجد, للتَّمييز بين المَعَاني المُختلفة.
قال ابن الصَّلاح(2): يعني قولهم: وجدَ ضَالتهُ وجْدَانًا, ومَطْلوبهُ وجُودًا, وفي الغضبِ مَوْجِدَة, وفي الغنى وُجدًا, وفي الحبِّ وَجدًا.
وهي أن يقف على أحاديث بخطِّ راويها غير المُعَاصر له, أو المعاصر ولم يلقه, أو لقيه ولم يسمع منه, أو سمع منه ولكن لا يرويها أي: تلكَ الأحاديث الخاصة الواجد عنهُ بسماع ولا إجَازة.
فلهُ أن يَقُول: وجدتُ, أو قرأت بخطِّ فُلان, أو في كتابه بخطِّه, حدَّثنا فُلان, ويَسُوق الإسناد والمتن, أو قرأت بخطِّ فُلان عن فُلان, هذا الَّذي استقرَّ عليه العمل قديمًا وحديثا.
وفي «مسند» أحمد كثير من ذلك من رواية ابنه عنه بالوجَادة.
وهو من باب المنقطع, و لكن فيه شوب اتِّصال بقوله: وجدتُ بخطِّ فُلان, وقد تسهَّل بعضهم فأتى فيها بلفظ: عن فلان.
قال ابن الصَّلاح(3): وذلكَ تدليسٌ قبيح إذا كان بحيث يُوهم سَمَاعهُ منه.
وجَازف بعضهم, فأطلقَ فيها حدَّثنا, وأخبرنا, وأُنكرَ عليه ولم يُجوِّز ذلك أحد يعتمد عليه.
تنبيهاتٌ:
وقع في «صحيح» مُسلم أحاديث مَرْوية بالوجَادة, وانتُقدت بأنَّها من باب المقطُوع, كقوله في الفَضَائل صحيح مسلم (6445 ) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ « أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا ».اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ. قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِى قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى.(4).
وروى أيضًا (6438 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى ». قَالَتْ فَقُلْتُ وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ قَالَ « أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ». قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ..(5)
وفي صحيح مسلم (3544 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. قَالَتْ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِى أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِى صَوَاحِبِى فَصَرَخَتْ بِى فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِى مَا تُرِيدُ بِى فَأَخَذَتْ بِيَدِى فَأَوْقَفَتْنِى عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ هَهْ هَهْ. حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِى فَأَدْخَلَتْنِى بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِى إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِى وَأَصْلَحْنَنِى فَلَمْ يَرُعْنِى إِلاَّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِى إِلَيْهِ.(6)
وأجاب الرَّشيد العطَّار بأنَّه روى الأحاديث الثَّلاثة من طُرق أُخرى موصُولة إلى هِشَام, وإلى أبي أُسَامة.، وهو كما قال الرشيد العطار
قلت: وجواب آخر, وهو أنَّ الوجَادة المُنْقطعة أن يجد في كِتَاب شيخه, لا في كتابه عن شيخهِ فتأمَّل.
وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطِّه قال ذكر فُلان, أو قال فُلان, أخبرنا فُلان, وهذا منقطع لا شوب من الاتِّصال فيه.
وهذا كُله إذا وثق بأنَّه خطه, أو كتابه, وإلاَّ فليقل: بلغني عن فُلان, أو وجدت عنه, أو نحوه, أو قرأت في كتابه, أخبرني فُلان, أنَّه بخط فُلان, أو ظننت أنَّه بخط فُلان, أو ذكر كاتبه أنَّه فُلان, أو تصنيف فُلان, أو قيل بخط فلان أو قيل: إنَّه تصنيف فلان ونحو ذلك من العِبَارات المُفْصحة بالمستند.
وقد تُسْتعمل الوجَادة مع الإجَازة, فيُقَال: وجدتُ بخطِّ فُلان وأجازهُ لي.
وإذا نقل شيئا من تصنيف فلا يقل فيه: قال فُلان أو ذكر بصيغة الجَزْم إلاَّ إذا وثق بصحة النُّسخة بمقابلته على أصل مُصنِّفه أو مُقابلة ثقة بها, فإن لم يوجد هذا ولا نحوه, فليقُل: بلغني عن فُلان, أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه.
وتَسَامح أكثر النَّاس في هذه الأعْصَار بالجَزْم في ذلك من غير تحر وتثَبُّت فيُطالع أحدهم كتابًا منسوبًا إلى مُصنِّف مُعيَّن, وينقل منه عنه من غير أن يثقَ بصحَّة النُّسخة قائلاً: قال فُلان, أو ذكر فُلان كذا.
والصَّواب ما ذكرناهُ, فإن كان المُطَالع عالمًا فَطِنًا متقنًا بحيث لا يَخْفى عليه غالبًا السَّاقط, أو المُغيَّر, رجونا جواز الجزم له فيما يحكيه وإلى هذا اسْتروحَ كثيرٌ من المُصنِّفين في نقلهم من كُتب النَّاس.
وأمَّا العمل بالوجَادة, فنُقل عن مُعظم المُحدِّثين والفُقهاء المَالكيين وغيرهم, أنَّه لا يَجُوز, وعن الشَّافعي ونظَّار أصْحَابه جَوَازه, وقطع بعض المُحقِّقين الشَّافعيين بوجُوب العمل بها عند حُصُول الثِّقة به وهذا هو الصَّحيح الَّذي لا يتَّجه في هذه الأزْمَان غيره.
قال ابن الصَّلاح(7): فإنَّه لو توقَّف العمل فيها على الرِّواية لانسدَّ باب العمل بالمنقول لتعذُّر شُروطها.
قال البَلْقيني(8): واحتجَّ بعضهم للعمل بالوجَادة بحديث: أَنَسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِيمَانًا ؟ " . قَالُوا : الْمَلَائِكَةُ ، قَالَ : " الْمَلَائِكَةُ كَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ ؟ ! " . قَالُوا : النَّبِيُّونَ ، قَالَ : " النَّبِيُّونَ يُوحَى إِلَيْهِمْ ، فَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ ؟ ! " . قَالُوا : الصَّحَابَةُ ، قَالَ : " الصَّحَابَةُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ ؟ ! وَلَكِنَّ أَعْجَبَ النَّاسِ إِيمَانًا قَوَّمَ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ فَيَجِدُونَ كِتَابًا مِنَ الْوَحْيِ ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَتَّبِعُونَهُ ، فَهُمْ أَعْجَبُ النَّاسِ إِيمَانًا - أَوِ الْخَلْقِ إِيمَانًا - "(9). قال البَلْقينيُّ(10): وهذا استنباطٌ حسن.
قلتُ: المُحتج بذلك هو الحافظ عِمَاد الدِّين بن كثير, ذكر ذلك في أوائل «تفسيره» حيث قال(11): وَهَذَا الْحَدِيث فِيهِ دَلَالَة عَلَى الْعَمَل بِالْوِجَادَةِ الَّتِي اِخْتَلَفَ فِيهَا أَهْل الْحَدِيث كَمَا قَرَّرْته فِي أَوَّل شَرْح الْبُخَارِيّ لِأَنَّهُ مَدَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَعْظَم أَجْرًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة لَا مُطْلَقًا"
وعَنْ جُبَيْرٍ ، أَنَّهُ قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمُعَةَ الأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَمَعَنَا رَجَاءُ بن حَيْوَةَ يَوْمَئِذٍ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ خَرَجْنَا مَعَهُ لِنُشَيِّعَهُ ، فَلَمَّا أَرَدْنَا الانْصِرَافَ ، قَالَ : إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ جَائِزَةً وحَقًّا أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَا : هَاتِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَنَا مُعَاذُ بن جَبَلٍ عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ مِنَّا أَجْرًا آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ ؟ قَالَ : " مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ، قَوْمٌ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا ".(12)
وفي المستدرك للحاكم (6993) عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَدْرُونَ أَيُّ أَهْلِ الإِيمَانِ أَفْضَلُ إِيمَانًا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْمَلائِكَةُ ؟ قَالَ : هُمْ كَذَلِكَ ، وَيَحِقُّ ذَلِكَ لَهُمْ ، وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا ، بَلْ غَيْرُهُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَالأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ؟ قَالَ : هُمْ كَذَلِكَ ، وَيَحِقُّ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا ، بَلْ غَيْرُهُمْ ، قَالَ : قُلْنَا : فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَقْوَامٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ ، فَيُؤْمِنُونَ بِي ، وَلَمْ يَرَوْنِي ، وَيَجِدُونَ الْوَرَقَ الْمُعَلَّقَ ، فَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ ، فَهَؤُلاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ الإِيمَانِ إِيمَانًا " ( وفيه ضعف)
وقال الشيخ طاهر الجزائري(13): " وفي هذا الاستدلال نظر لأن تلك الصحف لم يأخذوا بها لمجرد الوجدان، بل لوصولها إليهم على وجه يوجب الإيقان "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 36) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 12) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 173) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 12) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 40) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 684) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 327)
(2) - علوم الحديث ص 200
(3) - علوم الحديث ص 201
(4) - قلت : هو متابع كما ترى : وهو موصول عند البخارى (1389 ) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ هِشَامٍ وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِى زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَتَعَذَّرُ فِى مَرَضِهِ « أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا » اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِى قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى ، وَدُفِنَ فِى بَيْتِى .
السحر : الرئة أى مات مستندا لصدرها
(5) - قلت : وهو متابع كما ترى : ووصله البخاري ( 5228 ) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى » . قَالَتْ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ « أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ » . قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ .
(6) - قلت : هو متابع كما ترى
الجميمة : تصغير الجمة وهى الشعر النازل على المنكبين
(7) - علوم الحديث ص 202
(8) - محاسن الاطلاع ص 295
(9) - البزار(7294) وشَرْحُ أُصُولِ الاعْتِقَادِ (1335 ) وهو حديث حسن
(10) - محاسن الاطلاع ص 295
(11) - تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 79)
(12) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 14)( 3460) حسن
(13) - توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 4 / ص 9)(1/388)
المبحث الثالث
كتابةُ الحديث وضبطه والتصنيف فيه(1)
1-حكم كتابة الحديث :
اختلف السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين في كتابة الحديث, فكرهها طائفةٌ منهم: ابن عُمر وابن مسعُود, وزيد بن ثابت, وأبو مُوسى, وأبو سعيد الخُدْري, وأبو هُريرة, وابن عبَّاس, وآخرُونَ.
وأباحها طائفة وفعلوها, منهم: عُمر وعلي, وابنه الحُسين, وابن عَمرو, وأنس, وجابر, وابن عبَّاس, وابن عُمر أيضًا, والحسن, وعطاء, وسعيد بن جُبير, وعُمر بن عبد العزيز.
وحكاهُ عياض(2)عن أكثر الصَّحابة والتَّابعين, منهم: أبو قِلاَبة وأبو المُليح, ومن مُلح قوله فيه: يعيبُون علينا أن نكتب العلم ونُدونه, وقد قال الله عزَّ وجل: { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52) سورة طه.
قال البَلْقيني(3): وفي المَسْألة مذهب ثالث, حكاهُ الرَّامهرمزي, وهو الكِتَابة, والمحو بعد الحفظ.
ثمَّ أجمعوا بعد ذلك على جَوَازها وزال الخلاف. ولولم يُدَوَّن الحديث في الكتب لضاع في الأعصار المتأخرة لاسيما في عصرنا.
قال ابن الصَّلاح(4): ولولا تدوينه في الكُتب لدرس في الأعْصُر الأخيرة.
2- سببُ الاختلاف في حكم كتابته :
وسبب الخلاف في حكم كتابته أنه وردت أحاديث متعارضة في الإباحة والنهي ، فمنها :
حديث النهي: ما رواه مسلم(5)عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَكْتُبُوا عَنِّى وَمَنْ كَتَبَ عَنِّى غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّى وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ».
حديث الإباحة : ما أخرجه الشيخان البخارى برقم (2434 ) ومسلم برقم (3371) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَامَ فِى النَّاسِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِى ، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِى ، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا ، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى ، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ » . فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلاَّ الإِذْخِرَ ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِلاَّ الإِذْخِرَ » . فَقَامَ أَبُو شَاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - فَقَالَ اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ » . قُلْتُ لِلأَوْزَاعِىِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِى سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . -يقيد : يقتص
وكما في سنن أبى داود برقم (3648 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِى قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ « اكْتُبْ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ ». وهو حديث صحيح
وفي صحيح البخارى برقم (113 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ :مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّى ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ"
وسنن الترمذى( 2878 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَجْلِسُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَسْمَعُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الْحَدِيثَ فَيُعْجِبُهُ وَلاَ يَحْفَظُهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ فَيُعْجِبُنِى وَلاَ أَحْفَظُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ ». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ لِلْخَطِّ. وَفِى الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَائِمِ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.( قلت : هو ضعيف الحديث)
وفي مصنف ابن أبي شيبة (ج 9 / ص 49) ( 26955) حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ عَمِّهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : قيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ.
26956- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ.
3- الجمعُ بين أحاديث الإباحة والنهي :
لقد جمع العلماء بين أحاديث النهي والإباحة على وجوه منها :
فالإذن لمن خيف نِسْيانهُ, والنَّهي لمن أمِنَ النِّسْيان ووثقَ بحفظه وخيفَ اتِّكاله على الخطِّ إذا كتب, فيكُون النَّهي مخصوصًا..
أو نهى عنه حين خيفَ اختلاطه بالقُرآن, وأذن فيه حين أمِنَ ذلك, فيكُون النَّهي منسوخًا..
وقيل: المُرَاد النَّهي عن كِتَابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة, لأنَّهم كانوا يسمعُون تأويل الآية, فربَّما كتبُوه معها, فنُهوا عن ذلك لخوف الاشْتَباه.
وقيل: النَّهي خاصٌّ بوقت نُزُول القُرآن, خشية الْتباسهِ, والأذن في غيرهِ.
وقال ابن قتيبة(6): " إن في هذا معنيين: أحدهما أن يكون من منسوخ السنة بالسنة، كأنه نهى في أول الأمر عن أن يكتب قوله، ثم رأى بعد ذلك لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ أن تكتب وتقيد. والمعنى الآخر: أن يكون خص بهذا عبد الله بن عمرو لأنه كان قارئا للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة أميين، لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي، فلما خشي عليهم الغلط فيما يكتبون نهاهم، ولما أمن على عبد الله بن عمرو ذلك أذن له"
وقال العباد(7): " والحاصل: أن كتابة العلم ثابتة، ولو لم تكن الكتابة حاصلة ما وصلت هذه الأحاديث الكثيرة وهذا السنن بالتناقل وأخذ أشخاص عن أشخاص، لكن بهذه الكتابة وبهذا التدوين نفع الله عز وجل بهذه الكتابة وحفظ الله سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتدوينها وكتابتها. ولهذا يقول ابن القيم : لو لم تحصل الكتابة لم يصل إلينا من العلم إلا الشيء اليسير، لكن الكتابة هي التي بها وصل إلينا ما وصل من هذه الأسفار وهذه المجلدات من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقوله: (فنهتني قريش) المقصود: رجال من قريش، والمقصود: المسلمون، وليس المقصود الكفار، فالذين نهوه هم مسلمون من الصحابة، لكنهم خشوا أن يكون هناك شيء يحصل وهو غير مقصود، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن كل ما يصدر منه - صلى الله عليه وسلم - حق، وأنه إن حصل منه شيء في حال الغضب فهو حق، ولا يصدر منه إلا حق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، سواء في حال الرضا أو في حال الغضب."(8)
ومن هنا يتبين بطلان قول من قال : إن السنة لم تدون في عصر الرسالة ، والحق أنها دونت لكن ليس بالصورة التي تمت فيما بعد في عصور التدوين ، غير أن من المجمع عليه أنها كانت محفوظة في الصدور ، وفي بعض الصحائف والسطور في عصر الصحابة ، وتلقاها عنهم التابعون ، ثم بدأ التدوين في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عن الجميع .
4- ماذا يجب على كاتب الحديث ؟
يُستحب ضبطُ المُشْكل في نفس الكِتَاب وكتبه أيضًا مَضْبوطًا واضحًا في الحاشية قِبَالته فإنَّ ذلك أبلغ, لأنَّ المضبُوط في نفس الأسْطر ربَّما داخلهُ نقط غيره وشكله مِمَّا فوقه أو تحته, لا سيمَا عند ضيقهَا ودقَّة الخط.
ويُشْكل المُشْكِل لاسيما أسماء الأعْلام ، لأن ، ها لا تُدْرَك بما قبلها ولا بما بعدها . وأن يكون خطه واضحاً على قواعد الخط المشهورة
ولا يَنْبغي أن يَصْطلح مع نفسهِ في كتابه برمز لا يعرفه النَّاس فيُوقع غيره في حيرة في فهم مُرَاده وإن فعل ذلك فليُبين في أوَّل الكتاب, أو آخره مراده.
وينبغي أن يعتني بضبط مُختلف الرِّوايات وتَمْييزها, فيجعل كِتَابه مَوْصولاً على رِوَاية واحدة ثمَّ ما كان في غيرها من زِيَادات ألْحقهَا في الحاشية.
أو نقص أعلم عليه, أو خِلاف كتبهُ, مُعينًا في كلِّ ذلك من رواه, بتمام اسمه, لا رامزًا له بحرف أو بحرفين من اسمه إلاَّ أن يُبين أوَّل الكتاب, أو آخره مراده بتلك الرموز.
واكتفَى كثيرونُ بالتمييز بحمرة, فالزِّيادة تُلحق بحمرة, والنقص يُحوَّق عليه بحمرة, مُبينًا اسم صاحبها أوَّل الكتاب أو آخره.
وينبغي أن يجعل بين كلِّ حديثين دائرة للفصل بينهما نقل ذلك عن جَمَاعات من المُتقدِّمين كأبي الزِّناد, وأحمد بن حنبل, وإبراهيم الحَرْبي, وابن جرير.
وينبغي أن يُحافظ على كتابة الصَّلاة والتَّسليم على رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كلَّما ذُكر ولا يَسْأم من تِكْراره فإنَّ ذلك من أكثر الفوائد الَّتي يتعجَّلها طالب الحديث.
ومن أغفلهُ حُرم حظًّا عظيمًا ودليله كما في مسند أحمد برقم (1762) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصِلِّ عَلَىَّ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ « فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ » - صلى الله عليه وسلم - كَثِيراً. وهو حديث صحيح
وفي صحيح ابن حبان (911) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً.(صحيح)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، إِذْ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرَ صَلاَةٍ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ.
ولا يتقيَّد فيه أي ما ذكر من كِتَابة الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بما في الأصل إن كان ناقصًا بل يكتبه ويتلفَّظ به عند القراءة مُطلقًا, لأنَّه دُعاء, لا كلام يرويه, وإن وقع في ذلك الإمام أحمد, مع أنَّه كان يُصلِّي نُطْقًا لا خطًّا, فقد خالفهُ غيره من الأئمة المُتقدِّمين, ومال إلى صنيع أحمد ابن دقيق العيد فقال: ينبغي أن يتبع الأصُول والرِّوايات, وإذا ذكر الصَّلاة لفظًا من غير أن تَكُون في الأصل, فينبغي أن تصحبها قرينة تدل على ذلك, كرفع رأسه عن النَّظر في الكتاب, وينوي بقلبه أنَّه هو المُصلِّي لا حاكٍ لها عن غيره.
وكذا ينبغي المُحافظة على الثَّناء على الله سُبحانه وتعالى, كعزَّ وجلَّ وسُبحانه وتَعَالى وشبههُ وإن لم يكن في الأصل.
وكذا التَّرضي, والترحُّم على الصَّحابة والعُلماء وسائر الأخيار.
ولا يستعمل عزَّ وجلَّ ونحوه في النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن كان عزيزًا جليلاً, ولا الصَّلاة والسَّلام في الصَّحابة استقلالاً, ويجوز تبعًا.
وإذَا جاءت الرِّوايةُ بشيء منهُ, كانت العِنَايةُ به أشدَّ, ويُكره الاقتصارُ على الصَّلاة أو التَّسليم, والرَّمزُ إليهمَا في الكِتَابة, بل يكتُبُهما بكمَالهما.
وإذا جاءت الرِّواية بشيء منهُ كانت العِنَايةُ به في الكتاب أشد وأكثر.
ويُكره الاقتصار على الصَّلاة, أو التسليم هنا وفي كلِّ موضع شرعت فيه الصَّلاة كما في «شرح مسلم» وغيره, لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (56) سورة الأحزاب، وإن وقع ذلك في خط الخطيب وغيره.
يَنْبغي أن يُجمع عند ذِكْره - صلى الله عليه وسلم - بين الصَّلاة عليه بلسانه وبنانه,
و يكره الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين, كمن يكتب صلعم بل يكتبهما بكمالهما ويقال: إنَّ أوَّل من رمزهما بصلعم قُطعت يده.
5- المقابلة وكيفيتها :
على الطالبِ مقابلةُ كتابهِ بكتابِ شيخهِ الذي يرويهِ عنه ؛ سماعاً ، أو إجازةً ، أو بأَصلِ أَصْلِ شيخِهِ المُقَاْبَلِ بهِ أصلُ شيخهِ ، أو بِفَرْعٍ مقابَلٍ بأصْلِ السماعِ ؛ المقابلةَ المشروطةَ . وقالَ القاضي عياضٌ : مقابلةُ النُّسْخةِ بأصلِ السَّماعِ متعيّنةٌ ، لابدَّ منها ، وقد قالَ عروةُ لابنِهِ هِشَامٍ: عَرَضْتَ كتابَكَ ؟ قالَ : لا. قالَ : لم تكتُبْ ؟ وقالَ الأوزاعيُّ ، ويحيى بنُ أبي كثيرٍ : مَثَلُ الذي يكتبُ ولا يعارِضُ مثلُ الذي يَدخلُ الخلاءَ ولا يَسْتَنْجِي . وعنِ الأخفشِ ، قالَ : إذا نُسِخَ الكتابُ ولم يُعَارَضْ ، ثُمَّ نُسِخَ ولم يُعَارَضْ ، خَرَجَ أَعْجَمِيَّاً .
ثُمَّ أفضلُ المعارضةِ أنْ يُعارِضَ كتابَهُ بنفسِهِ مع شيخِهِ بكتابِهِ في حالِ تحديثِهِ بهِ . وقالَ أبو الفضلِ الجاروديُّ : أصدقُ المعارضةِ مع نفسِكَ . والقولُ الأولُ أَوْلَى . وقالَ بعضُهم : لا تصحُّ مقابلتُهُ مع أحدٍ غيرِ نفسِهِ ، ولا يُقلِّدُ غيرَهُ ، حكاهُ القاضي عياضٌ عن بعضِ أهلِ التحقيقِ . قالَ ابنُ الصَّلاحِ : وهذا مذهبٌ متروكٌ .
اختلفوا في جوازِ روايةِ الراويِ من كتابه الذي لم يُعارَضْ ، فقالَ القاضي عياضٌ : لا يَحِلُّ للمسلمِ التقيِّ الروايةُ مما لم يُقابِلْ بأصلِ شيخِهِ، أو نسخةٍ تحقَّقَ ووَثِقَ بمقابلتِها بالأَصْلِ، وتكونُ مقابلتُه لذلك مَعَ الثقةِ المأمونِ على ما ينظرُ فيهِ.فإذا جاءَ حرفٌ مُشِكلٌ نظرَ معهَ حتى يحقِّقُوا ذلكَ. وذهبَ الأستاذُ أبو إسحاق الإسفرايينيُّ إلى الجوازِ، وسُئِلَ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ هل للرَجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ بما كَتَبَ عن الشيخِ ولم يُعارِضْ بأَصْلِه؟ قالَ : نَعَمْ. ولكنْ لابُدَّ أنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُعارِضْ. وإليهِ ذهبَ أبو بكرٍ البرقانيُّ، وأجازَهُ الخطيبُ بشرطِ أَنْ تكونَ سختُهُ نُقِلَتْ من الأَصلِ ، وأن يُبَيِّنَ عِنْدَ الروايةِ أَنَّهُ لَمْ يُعارضْ . قالَ ابنُ الصلاحِ: ولابُدَّ مِنْ شرطٍ ثالثٍ، وهو أَنْ يكونَ ناسخُ النُّسْخَةِ من الأَصْلِ غيرَ سَقِيْمِ النقلِ، بل صحيحَ النقلِ ، قليلَ السَّقَطِ ، ثُمَّ إِنَّهُ ينبغي أَنْ يُرَاعيَ في كتابِ شيخِهِ بالنسبةِ إلى مَنْ فَوْقَهُ مثلَ ما ذكرنا أَنَّهُ يراعيهِ من كتابِهِ ولا يكونَنَّ كَمنْ إذا رأى سماعَ شيخٍ لكتابٍ قرأهُ عليهِ مِنْ أيِّ نسخةٍ اتفقتْ . والتَّهَوُّرُ : الوقوعُ في الشيءِ بقلَّةِ مبالاةٍ ، قالَهُ الجوهريُّ .(9)
6- اصطلاحات في كتابة ألفاظ الأداء وغيرها :
غلب على كثير من كُتَّاب الحديث الاقتصار على الرمز في ألفاظ الأداء فمن ذلك أنهم يكتبون:
حدثنا : " ثنا " أو " نا " .
أخبرنا: " أنا " أو " أرنا ".
تحويل الإسناد إلى إسناد آخر : يرمزون له بـ " ح " وينطق القارئ بها هكذا " حا "
د) جرت العادة بحذف كلمة " قال " ونحوها بين رجال الإسناد خَطَّا ، وذلك لأجل الاختصار ، لكن ينبغي للقارئ التلفظ بها ، مثل " حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك " فينبغي على القارئ أن يقول" قال أخبرنا مالك" كما جرت العادة بحذف " أَنَّهُ " في أواخر الإسناد اختصارا .مثل " عن أبي هريرة قال " فينبغي للقارئ النطق بـ " أنه " فيقول " أنه قال " وذلك تصحيحاًَ للكلام من حيث الإعْراب .
7- الرحلة في طلب الحديث :
لقد اعتنى سلفنا بالحديث عناية ليس لها نظير ، وصرفوا في جمعه وضبطه من الاهتمام والجهد والوقت ما لا يكاد يصدقه العقل ، فبعد أن يجمع أحدهم الحديث من شيوخ بلده يرحل إلى بلاد وأقطار أخرى قريبة أو بعيدة ليأخذ الحديث من شيوخ تلك البلاد ، ويتجشم مشاق السفر وشظف العيش بنفس راضية ،وقد صنف الخطيب البغدادي كتاباً سماه " الرحلة في طلب الحديث " جمع فيه من أخبار الصحابة والتابعين فمن بعدهم في الرحلة في طلب الحديث ما يعجب الإنسان لسماعه ، فمن أحب سماع تلك الأخبار الشيقة فعليه بذلك الكتاب فإنه مُنَشَّط لطلاب العلم ، شاحذ لهممهم مُقَوِّ لعزائمهم ،ففي سنن أبى داود (4162 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَمَا إِنِّى لَمْ آتِكَ زَائِرًا وَلَكِنِّى سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ. قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا لِى أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الأَرْضِ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ. قَالَ فَمَا لِى لاَ أَرَى عَلَيْكَ حِذَاءً قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِىَ أَحْيَانًا.( وهو صحيح)
__________
(1) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 17) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 12) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 19) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 331) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 28) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 30) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 45) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 149) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 306) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 27) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 4 / ص 15) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 352).
(2) - الإلماع ص 147
(3) - محاسن الاطلاع ص 302
(4) - علوم الحديث ص 204
(5) - برقم (7702 )
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 389)
قَالَ الْقَاضِي : كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلَاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم ، فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ ، وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا ، وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَاف . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي ، فَقِيلَ : هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ ، وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ . وَتُحْمَل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ : " اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاه " وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات . وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ ، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلَا أَكْتُب ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث .
وَقِيلَ : إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة ، وَقِيلَ : إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِط ، فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة . وَاللَّهُ أَعْلَم .
(6) - تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 88) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 41)
(7) - شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد - (ج 19 / ص 261)
(8) - وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 4092) و فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 8122)
(9) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 154) وبحوث في المصطلح للفحل - (ج 1 / ص 46) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر (ج 1 / ص 233) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 39) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 342)(1/389)
وفي سنن الدارمى (581) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ : يَا فُلاَنُ هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ. فَقَالَ : وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ وَفِى النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ تَرَى ؟ فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِى الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِيهِ وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِى عَلَى بَابِهِ فَتَسْفِى الرِّيحُ عَلَى وَجْهِى التُّرَابَ فَيَخْرُجُ فَيَرَانِى فَيَقُولُ : يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ؟ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَىَّ فَآتِيَكَ؟ فَأَقُولُ : لاَ أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ. قَالَ : فَبَقِىَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِى وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَىَّ فَقَالَ : كَانَ هَذَا الْفَتَى أَعْقَلَ مِنِّى. (صحيح)
وقد استطاع الصحابة رضي الله عنهم أن يزرعوا هذا المبدأ الأصيل في نفوس تلاميذهم من التابعين فكانت الرحلة في طلب الحديث على أشدها وشاعت حتى أصبحت منهجا ثابتا في طلب العلم إذ هي تطبيق واقعي لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))(1)
وفي سنن الدارمى ( 574) عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ : إِنْ كُنْتُ لأَرْكَبُ إِلَى الْمِصْرِ مِنَ الأَمْصَارِ فِى الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ لأَسْمَعَهُ.( صحيح)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - :صحيح مسلم (7028 ) مطولا(1/390)
8- أنواع التصنيف في الحديث :
يجب على من يجد في نفسه المقدرة على التصنيف في الحديث ـ وغيره ـ أن يقوم بالتصنيف وذلك لجمع المتفرق ، وتوضيح المشكل ، وترتيب غير المرتب ، وفهرسة غير المفهرس مما يسهل على طلبة الحديث الاستفادة منه بأيسر طريق وأقرب وقت ، وليحذر إخراج كتابه قبل تهذيبه وتحريره وضبطه ، وليكن تصنيفه فيما يعم نفعه تكثر فائدته .
هذا وقد صنف العلماء الحديث على أشكال متنوعة، فمن أشهر أنواع التصنيف في الحديث ما يلي:
الجوامع: الجامع كل كتاب يجمع فيه مؤلفه جميع الأبواب من العقائد والعبادات والمعاملات والسير والمناقب والرقاق والفتن وأخبار يوم القيامة مثل " الجامع الصحيح للبخاري "
وهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم ضمَّنَ فيه البخاريُّ أصح الأحاديث ، ووفّى بشرطه وأحاديثه بالمكرر حوالي (7563) حديثا عدا الأحاديث المعلقة والتي ليست على شرطه ، وهو مرتب على الأبواب الفقهية ... وله طبعات كثيرة جداً ، وأهمها طبعة بولاق وماصور عنها ، ثم الطبعة السلفية ، والطبعة التي قام أستاذنا الدكتور مصطفى البغا بضبطها وشرح غريبها .. وأحاديثه كلها صحيحة ، ومن انتقد بعضها كالدارقطني وغيره لا يعني أنها ليست صحيحة ، ولكنها دون الشروط العالية التي اشترطها الإمام البخاري رحمه الله . وقد وفّى شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الرد على النقاد وبين أن القول فيها للبخاري في مقدمة فتح الباري (هدي الساري) ولا يُغرَّنَّكَ بعض المعاصرين ، الذين ضعفوا أحاديث في صحيح البخاري - بغير حق - فهؤلاء إمّا حاقدون على السنّة إجمالاً ، وإما جاهلون بشروطه ، وقد ناقشتهم وبينت خطأهم بشكل دقيق ، انظر مثلاً حديث : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ..) لذا فكل حديث موصول في صحيح البخاري فهو صحيح وعلى ذلك جمهور أهل العلم ، ولا يجوز لنا أن نعيد النظر في أسانيده مرة أخرى ، والا شككنا في السنة كلّها . وهذا الكتاب له شروح ومختصرات وتعليقات وحواشي كثيرة جداً ، أهمها فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ، وعمدة القاري للعيني ، وإرشاد الساري للقسطلاني ، وفيض الباري.(1)
المسانيد : المُسْنَد : كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حِدَة من غير النظر إلى الموضوع الذي يتعلق فيه الحديث : مثل " مسند الإمام أحمد بن حنبل "
وفيه حوالي (27634) حديثاً بالمكرر وفي طبعة المكنز (28464 ) حديثاً ، وقد جمع فيه معظم السنة القولية والفعلية ، وأكثر أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ضعفاً محتملاً ، ولا يخلو من أحاديث واهية ، ولكنها قليلة ، ونوزع في وجود الموضوع فيه وقد ذكر ابن الجوزي في الموضوعات عدداً من الأحاديث ووافقه الحافظ . العراقي عليها -وغالبها في الفضائل - ونازعهما الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه النفيس القول المسدد في الذب عن مسند أحمد . وقد قام بعض أهل العلم بترتيبه على الأبواب الفقهية كما في كتاب الكواكب الدراري والفتح الرباني للساعاتي ، وقد قام بتخريج أحاديثه وشرح غريبه وحذف الأحاديث المكررة . وأما المسند فقد قام العلامة أحمد محمود شاكر بتخريج أحايثه وتحقيقه إلا أن المنية اخترمته قبل إكماله ، وتخريجه دقيق ونفيس ، ويمكن الإعتماد عليه ، وحُقّ له ذلك ، وطبع أخيراً عدة طبعات مرقمة أهمها نشر المكتب الإسلامي ولا تخلو من أخطاء في الضبط ، وهي خالية من الشرح . ويحتاج المسند لتخريج وضبط وتحقيق لإكمال ما قام به المرحوم أحمد شاكر.(2)
السنن: وهي الكتب المصنفة على أبواب الفقه ، لتكون مصدراً للفقهاء في استنباط الأحكام ، وتختلف عن الجوامع بأنها لا يوجد فيها ما يتعلق بالعقائد والسير والمناقب وما إلى ذلك ، بل هي مقصورة على أبواب الفقه وأحاديث الأحكام ، مثل " سنن أبي داود "
وهو كتاب مرتب على الأبواب الفقهية ، ويركز على أحاديث الأحكام ، وفيه حوالي (5208) حديثاً بالمكرر ن وفي طبعة المكنز (5276 ) حديثاً ،وكل ماسكت عليه فهو مقبول عنده ، وما كان فيه نكارة شديدة ذكره ، وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، وقد وفّى بشرطه ، وقال : ماذكرت في كتابي حديثاً اجتمع الناس على تركه ، وقد كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب .. وذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه .. وكان يرى أن الحديث الضعيف خيرٌ من رأي الرجال ، والأحاديث الضعيفة في كتابه قليلة ، كالمنقطع ، ورواية سيء الحفظ ، والمجهول ، والمختلط .. وله شروح كثيرة منها معالم السنن للخطابي ، وعون المعبود وبذل المجهود وله طبعات كثيرة منها الطبعة التي حققها الأستاذ عزت عبيد دعاس ، والطبعة التي حققها محمدمحيى الدين عبد الحميد وغيرها ، وهو بحاجة لتخريج كامل لأحاديثه دون شطط ولا غلو.(3)
المعاجم : المُعْجم كل كتاب جمع فيه مؤلفه الحديث مرتباً على أسماء شيوخه على ترتيب حروف الهجاء غالباً ، مثل " المعاجم الثلاثة " الطبراني ، وهي المعجم الكبير والأوسط والصغير
أ - ... المعجم الصغير له :
وفيه حوالي (1198) حديثاً : فيها الصحيح والضعيف الواهي ، وله طبعتان : الأولى بغير تحقيق ، والثانية محققة (الروض الداني) وعليها تعليقات جيدة .
ب - ... المعجم الأوسط :
وهو أكبر من الأول وعدد أحاديثه (11544 ) من جامع الحديث النبوي وله طبعة بتحقيق الدكتور/ محمود الطحان وفيه الصحيح والحسن والضعيف والواهي ، ويحتاج لتخريج كامل أحاديثه .
ج - ... المعجم الكبير له :
فيه حوالي (30000) حديث لكنه بعضه مفقود إلى الآن، وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف والواهي والموضوع ، وهو من المصادر الضخمة في السنة وقد قام بتحقيقه الشيخ (حمدي السلفي) وعلق عليه تعليقات لا بأس بها ، ولكنه نحا منحى المتشددين . ويحتاج الكتاب لتخريج أحاديثه بشكل دقيق ومعتدل
العلل : كتب العلل هي الكتب المشتملة على الأحاديث المعلولة مع بيان عللها ، وذلك مثل " العلل لابن أبي حاتم(4)" و " العلل للدارقطني " .(5)
الأجزاء : الجزء كل كتاب صغير جُمِع فيه مرويات راو واحد من رواة الحديث ، أو جُمِع فيه ما يتعلق بموضوع واحد على سبيل الاستقصاء ، مثل " جزء رفع اليدين في الصلاة " للبخاري(6).
الأطراف : كل كتاب ذكر فيه مصنفه طرف كل حديث الذي يدل على بقيته ، ثم يذكر أسانيد كل متن من المتون إما مستوعباً أو مقيداًَ لها ببعض الكتب ، مثل " تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف " للمِزي .(7)
المُسْتَدَركات : المُسْتَدرك كل كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاتته على شرطه ، مثل " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبدالله الحاكم(8).
المُسْتَخَرجَات : المُسْتَخرج كل كتاب خَرَّج فيه مؤلفه أحاديث كتاب لغيره من المؤلفين بأسانيد لنفسه من غير طريق المؤلف الأول ، وربما اجتمع معه في شيخه أو من فوقه مثل " المستخرج على الصحيحين " لأبي نُعَيْم الأصبهاني .(9)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ( انظر الباعث الحثيث 25 و35 والحديث النبوي 362-380 وأصول الحديث 309-313 ، ومنهج النقد في علوم الحديث 233-235) ..
(2) - ( انظر الباعث ص 31 وأصول الحديث ص 328-330 والأجوبة ص 95-100 والحديث النبوي 406-410)
وقد قام أخيرا الشيخ شعيب الأرناؤوط بتحقيقه وتخريج أحاديثه بشكل دقيق ، ولكنه لا يخلو من تشدد ، حيث إن عمدته بالجرح كتاب تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله ، فلا بد من النظر في الأحاديث التي ضعفها
(3) - ( انظر الباعث ص 41 و42 وأصول الحديث 320-322 والأجوبة الفاضلة ص 67 و73) .
(4) - وله طبعات متعددة أهمها طبعة مشكلة وعدد أحاديثها (2840 ) حديثاً ويحتاج لتحقيق ومقارنة كلامه بكلام غيره من أئمة هذا الفن
(5) - وهو مطبوع في أحد عشر جزءاً وعدد الأسئلة فيه (2336 ) سؤالا مع الإجابة عليها ، ويحتاج لتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه
(6) - وله طبعات عديدة وأفضل نسخة هي نسخة موقع جامع الحديث وعدد أحاديثها (118) حديثاً ويحتاج لتحقيق وتخريج لأحاديثه
(7) - طبعة : المكتب الإسلامي ، والدار القيّمة الطبعة الثانية: 1403هـ ، 1983م وعدد أجزائها ثلاثة عشر وعدد أحاديثه (18389) حديثاً
وهو لأطراف الكتب الستة والموطأ وهو مرتب على الصحابة
(8) - له طبعات عدة الطبعة المشكلة عدد أحاديثها (8803 )حديثاً
وطبعة جامع الحديث وعدد أحاديثها(8956 )حديثاً وكلاهما خال من تعليقات الذهبي
وطبعة بتعليقات الذهبي وعدد أحاديثها (8803 ) حديثا كالأولى تماما
(9) - انظر كتابي (( المفصل في أصول التخريج ودراسة الأسانيد ))(1/391)
المبْحَثُ الرَابع
صفة رواية الحديث(1)
1- المرادُ بهذه التسمية:
المراد بهذا العنوان بيان الكيفية التي يًرْوَى بها الحديث والآداب التي ينبغي التحلي بها وما يتعلق بذلك ،وقد تقدم شيء من ذلك في المباحث السابقة ، وإليك ما بقي :
2- هل تجوز رواية الراوي من كتابه إذا لم يحفظ ما فيه ؟
قد شدَّد قوم في الرِّواية فأفرطوا أي: بالغُوا وتساهل فيها آخرون ففرَّطُوا أي قصَّروا.
فمن المُشدِّدين من قال: لا حُجَّة إلاَّ فيما رواه الرَّاوي من حفظهِ وتذكره, روي ذلك عن مالك, وأبي حنيفة, وأبي بكر الصَّيدلاني المروزي الشَّافعي.
فروى الخطيب من طريق ابن عبد الحكم, قال : قال أشهب « وسئل مالك أيؤخذ ممن لا يحفظ وهو ثقة صحيح أتؤخذ عنه الأحاديث فقال لا يؤخذ عنه أخاف أن يزاد في كتبه بالليل »(2).
وعن يونس بن عبد الأعلى ، ثنا أشهب ، قال : قلت لمالك ، « الرجل يخرج كتابه وهو ثقة فيقول هذا سماعي إلا أنه لا يحفظ قال لا يسمع منه قال يونس لأنه إن أدخل عليه لا يعرف »(3).
وعَنِ ابْنِ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ. مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ يُقَالُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.(4).
ولفظ مالك: لم يكُونوا يعرفون ما يُحدِّثون, وهذا مذهب شديد, وقد استقرَّ العمل على خِلافه, فلعلَّ الرُّواة في «الصَّحيحين» مِمَّن يُوصف بالحفظ لا يبلغون النِّصف.(5)
ومنهم من جوَّزها من كتابه, إلاَّ إذا خرج من يده بالإعارة, أو ضياع, أو غير ذلك, فلا يَجُوز حينئذ منه, لِجَواز تغييره, وهذا أيضًا تشديد.
وأمَّا المُتساهلون, فتقدَّم بيانُ جمل عنهم في النَّوع الرَّابع والعشرين في وجوه التحمل.
ومنهم قومٌ رووا من نُسخ غير مُقَابلة بأصُولهم, فجعلهم الحاكم مجروحين, قال: وهذا كثير تعاطاهُ قومٌ من أكابر العُلماء والصُّلحاء.
ومِمَّن نُسبَ إليه التَّساهل ابن لَهِيعة, كان الرَّجُل يأتيه بالكِتَاب فيقول: هذا من حديثك, فيُحدثه به مُقلدًا له.
قال النووي: وقد تقدَّم في آخر الرَّابعة من النَّوع الماضي, أنَّ النسخة الَّتي لم تُقابل تَجُوز الرِّواية منها بشروط, فيحتمل أنَّ الحاكم يُخالف فيه, ويُحتمل أنَّه أراد بما ذكره إذا لم تُوجد الشُّروط, والصَّواب ما عليه الجمهور, وهو التَّوسُّط بين الإفراط والتَّفريط, فخير الأمور الوسط, وما عداه شطط.
فإذا قام الرَّاوي في التحمُّل والمُقَابلة لكتابه بما تقدَّم من الشُّروط جازت الرِّواية منه أي: من الكتاب وإن غاب عنه إذا كان الغالب على الظَّن من أمره سلامته من التغيير والتبديل لا سيَّما إن كان مِمَّن لا يخفى عليه التَّغيير غالبًا لأنَّ الاعتماد في باب الرِّواية على غالب الظَّن.
3- حكم رواية الضرير الذي لا يحفظ ما سمعه:
الضَّرير إذا لم يحفظ ما سمعهُ فاستعان بثقة في ضبطه أي ضبط سماعه وحفظ كتابه عن التَّغيير واحتاط عند القِرَاءة عليه, بحيث يغلب على ظنِّه سلامته من التَّغيير, صحَّت روايته, وهو أولى بالمنع من مثله في البَصِير.
قال الخَطِيب: والبصير الأمِّي فيما ذُكر كالضَّرير وقد منع من روايتهما غير واحد من العُلماء.
4- حكم الراوية من نسخة غير مقابلة وليس فيها سماعه من شيخه
إذَا أراد الرِّواية من نُسخة ليس فيها سماعه, ولا هي مُقَابلة به كما هو الأولى في ذلك لكن سُمعت على شيخه الَّذي سمع هو عليه في نسخة خلافها أو فيها سماع شيخه على الشَّيخ الأعلى أو كُتبت عن شيخه, وسكنت نفسه إليها لم تَجُز له الرِّواية منها عند عَامة المُحدِّثين وقطع به ابن الصبَّاغ, لأنَّه قد يكون فيها رواية ليست في نسخة سماعه.
ورخَّص فيه أيُّوب السِّخْتياني, ومحمد بن بكر البُرْساني.
قال الخَطِيب(6): والَّذي يُوجبه النَّظر التَّفْصيل, وهو أنَّه متى عرف أنَّ هذه الأحاديث هي الَّتي سمعها من الشَّيْخ جاز له أن يرويها عنه إذا سكنت نفسه إلى صحَّتها وسلامتها وإلاَّ فلا.
قال ابن الصَّلاح(7): هذا إذا لم يكن له إجَازة عامة عن شيخه لمروياته, أو لهذا الكتاب, فإن كانت جَاز لهُ الرِّواية منها مُطْلقًا إذ ليسَ فيه أكثر من رواية تلك الزِّيادات بالإجَازة وله أن يقول: حدَّثنا وأخبرنا من غير بيان للإجازة, والأمر قريب يتسامح بمثله. وإن كان في النُّسْخة سماع شيخ شيخه, أو مَسْموعه على شيخ شيخه, فيحتاج أن تكون له إجَازة عامة من شيخه, و يكون لشيخه إجَازة ومثلها من شيخه.
5- إذَا وجَدَ الحافظ الحديث في كِتَابه خلاف ما في حِفْظه على أيهما يعتمد؟
إذَا وجَدَ الحافظ الحديث في كِتَابه خلاف ما في حِفْظه, فإن كان حفظَ منهُ رجعَ إليه, وإن كان حَفِظَ من فم الشَّيْخ اعتمدَ حفظه إن لم يَشك, وحَسُن أن يجمع بينهما في رِوَاية فيَقُول: حِفْظي كذا, وفي كِتَابي كذا هَكَذا فعل شُعبة وغيره.
وإن خَالفهُ غيره من الحُفَّاظ فيما يحفظ قال: حفظي كذا, وقال فيه غيري, أو فُلان كذا فعل ذلك الثَّوري وغيره.
وإذا وجدَ سَمَاعه في كتابه ولا يذكره, فعن أبي حنيفة, وبعض الشَّافعية لا يَجُوز له روايته حتَّى يتذكر.
ومذهب الشَّافعي وأكثر أصحابه, وأبي يوسف ومحمَّد بن الحسن جوازها.
وهو الصَّحيح لعمل العُلماء به سلفًا وخلفًا, وباب الرِّواية على التَّوسعة.
وشرطه أن يَكُون السَّماع بخطِّه, أو خطِّ من يثق به, والكِتَابُ مَصُونٌ بحيث يَغْلبُ على الظَّنِّ سلامته من التَّغيير وتَسْكُن إليه نفسه وإن لم يذكر أحاديثه حديثا حديثا فإن شكَّ فيه لم يَجُز له الاعتماد عليه, وكذا إن لم يكن الكتاب بخط ثقةٍ بلا خلاف.
وعبَّر النوويُّ في الرَّوضة والمِنْهاج كأصليهما عن الشَّرط بقوله: محفوظ عنده, فأشْعَر بعدم الاكتفاء بظنِّ سلامته من التَّغيير.
وتعقبه البَلْقِيني(8)في التَّصحيح, بإنَّ المُعتمد عند العُلماء قديمًا وحديثًا العمل بما يوجد من السَّماع والإجَازة مكتوبًا في الطِّباق الَّتي يغلبُ على الظَّن صحَّتها, وإن لم يتذكَّر السَّماع ولا الإجَازة, ولم تَكُن الطَّبقة محفُوظة عنده. انتهى.
وهذا هو المُوافق لمَا هنا, وقد مشى عليه صاحب «الحاوي الصَّغير» فقال: ويروى بخط محفوظ, ولم تَكُن الطَّبقة محفوظة عندهُ.
6- رواية الحديث بالمعنى وشروطها
إن لم يَكُن الرَّاوي عالمًا بالألفاظ ومدلولاتها ومَقَاصدها, خبيرًا بما يحيل مَعَانيها بصيرًا بمقادير التَّفاوت بينهما لم تَجُز له الرِّواية لما سمعه بالمعنى بلا خِلاف, بل يتعيَّن اللَّفظ الَّذي سمعهُ, فإن كانَ عالمًا بذلك, فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول: لا يَجُوز إلاَّ بلفظه.
وإليه ذهب ابن سيرين, وثعلب, وأبو بكر الرَّازي من الحنفية, ورُوي عن ابن عُمر.
وجوَّز بعضهم في غير حديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , ولم يجوِّز فيه , وقال جمهُور السَّلف والخَلَف من الطَّوائف منهم الأئمة الأربعة يَجُوز بالمعنى في جميعه إذا قطعَ بأداء المَعْنى لأنَّ ذلك هو الَّذي تَشْهد به أحوال الصَّحابة والسَّلف ويدلُّ عليه روايتهم القِصَّة الواحدة بألفاظ مُخْتلفة.
وقد ورد في المسألة حديث مرفوع, عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا لَهُ : بِآبَائِنَا [ أَنْتَ ] وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ ، فَلَا نَقْدِرُ أَنْ نُؤَدِّيَهُ كَمَا سَمِعْنَا . قَالَ : " إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا ، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلَالًا ، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى - فَلَا بَأْسَ "(9)
فذكر ذلك للحسن فقال: لولا هذا ما حدَّثنا.
واستدلَّ لذلك الشَّافعي(10)بحديث: « إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ »(11).. قال: فإذ كان الله لِرَأْفته بخلْقِه أنزل كتابَه على سبْعة أحْرف معرفةً منه بأنَّ الحفْظَ قدْ يَزِلُّ لِيُحِلَّ لهم قراءته وإنْ اختلف اللفظُ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالةُ معنى : كان ما سِوَى كتابِ الله أوْلَى أنْ يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُحِلْ معْناه وكل ما لم يكن فيه حُكْمٌ فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه ، وقد قال بعضُ التابعين : لَقِيتُ أُناساً مِن أصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا عليَّ في اللفظ فقلْتُ لبعضهم ذلك فقالَ : لا بأس ما لمْ يُحِيلُِ المعنى.اهـ
وروىالطبراني عَنْ مَكْحُولٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو الأَزْهَرِ ، عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ فَقُلْنَا : يَا أَبَا الأَسْقَعِ , حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ ، سَمِعْتَهُ مِنْ ، رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ فِيهِ وَهْمٌ وَلاَ تَزَيُّدٌ وَلاَ نِسْيَانٌ فَقَالَ : هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا ؟ فَقُلْنَا : نَعَمْ , وَمَا نَحْنُ لَهُ بِالْحَافِظِينَ جِدًّا , إِنَّا لَنَزِيدُ الْوَاوَ وَالأَلِفَ وَنَنْقُصُ قَالَ : هَذَا الْقُرْآنُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لاَ تَأْلُونَ حِفْظَهُ , وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَزِيدُونَ وَتَنْقُصُونَ , فَكَيْفَ بِأَحَادِيثَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَسَى أَنْ لاَ نَكُونَ سَمِعْنَاهَا مِنْهُ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً , حَسْبُكُمْ إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ عَلَى الْمَعْنَى..(12)
وعن جابر بن عبد الله قال: قال حُذيفة إنَّا قوم عرب نُردِّد الأحاديث, فنُقدِّم ونؤخِّر.(13)
وعن شعيب بن الحبحاب ، قال : دخلت على الحسن ، أنا وغيلان ، فقال : يا أبا سعيد الرجل ، يحدث بالحديث فيزيد فيه وينقص منه فقال : « إنما الكذب على من تعمده »(14)
وعَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِىُّ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِىُّ يَأْتُونَ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعَانِى وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ يُعِيدُونَ الْحَدِيثَ عَلَى حُرُوفِهِ..(15)
وقال يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأخِيْرِ فِي الحَدِيْثِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَجُوْزُ فِي القُرْآنِ، فَكَيْفَ بِهِ فِي الحَدِيْثِ؟
إِذَا أُصِيْبَ مَعْنَى الحَدِيْثِ، وَلَمْ يُحِلَّ بِهِ حَرَاماً، وَلَمْ يُحَرِّمْ بِهِ حَلاَلاً، فَلاَ بَأْسَ، وَذَلِكَ إِذَا أُصِيْبَ مَعْنَاهُ..(16)
وعن سُفْيان قال: كان عَمرو بن دينار يُحدث بالحديث على المَعْنى, وكان إبْرَاهيم بن مَيْسرة لا يُحدثه إلاَّ على ما سمعَ.(17)
و قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ : إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَعْنَى وَاسِعًا فَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ، قَالَ أَبُو عِيسَى (الترمذي): وَإِنَّمَا تَفَاضَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَالتَّثَبُّتِ عِنْدَ السَّمَاعِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الْخَطَإِ وَالْغَلَطِ كَبِيرُ أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَ حِفْظِهِمْ..(18)
وقال الحافظ ابن حجر(19): " وأَمَّا الراوية بالمعنى ؛ فالخِلافُ فيها شَهيرٌ ، والأكثرُ على الجَوازِ أَيضاً ، ومِن أَقوى حُججهِم الإِجماعُ على جوازِ شرحِ الشَّريعةِ للعَجَمِ بلسانِهِم للعارِفِ بهِ ، فإِذا جازَ الإِبدالُ بلُغةٍ أُخرى ؛ فجوازُهُ باللُّغةِ العربيَّةِ أَولى."(20)
وقال ابن الَعَربي في «أحكام القُرآن»(21): " وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَعْنَى نَقْلُ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ لَفْظِهِ إذَا أَدَّى مَعْنَاهُ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ؛ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ جَوَازُهُ ؛ قَالَ : لَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَنْقُلُهُ بِلَفْظِهِ ؛ حَسْبُكُمْ الْمَعْنَى .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ؛ وَأَذْكُرُ لَكُمْ فِيهِ فَصْلًا بَدِيعًا ؛ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَبْدِيلُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى ، وَإِنْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ؛ فَإِنَّا لَوْ جَوَّزْنَاهُ لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا كُنَّا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ ؛ إذْ كُلُّ أَحَدٍ إلَى زَمَانِنَا هَذَا قَدْ بَدَّلَ مَا نَقَلَ ، وَجَعَلَ الْحَرْفَ بَدَلَ الْحَرْفِ فِيمَا رَوَاهُ ؛ فَيَكُونُ خُرُوجًا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْجُمْلَةِ .
وَالصَّحَابَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ اجْتَمَعَ فِيهِمْ أَمْرَانِ عَظِيمَانِ : أَحَدُهُمَا : الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ ؛ إذْ جِبِلَّتُهُمْ عَرَبِيَّةٌ ، وَلُغَتُهُمْ سَلِيقَةٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ شَاهَدُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِعْلَهُ ، فَأَفَادَتْهُمْ الْمُشَاهَدَةُ عَقْلَ الْمَعْنَى جُمْلَةً ، وَاسْتِيفَاءَ الْمَقْصِدِ كُلِّهِ ؛ وَلَيْسَ مَنْ أَخْبَرَ كَمَنْ عَايَنَ .
أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَذَا ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَذَا ، وَلَا يَذْكُرُونَ لَفْظَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ خَبَرًا صَحِيحًا وَنَقْلًا لَازِمًا ؛ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِيبَ فِيهِ مُنْصِفٌ لِبَيَانِهِ .اهـ.
وقال القرطبي(22): " وقد اختلف العلماء في هذا المعنى؛ فحُكِيَ عن مالك والشافعيّ وأبي حنيفة وأصحابهم أنه يجوز للعالم بمواقع الخطاب البصير بآحاد كلماته نقل الحديث بالمعنى لكن بشرط المطابقة للمعنى بكماله؛ وهو قول الجمهور . ومنع ذلك جمعٌ كثير من العلماء منهم ابن سِيرين والقاسم بن محمد ورجاء بن حَيْوَة . وقال مجاهد : انْقُصْ من الحديث إن شئت ولا تزد فيه . وكان مالك بن أنس يشدّد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التاء والياء ونحو هذا . وعلى هذا جماعة من أئمة الحديث لا يرون إبدال اللفظ ولا تغييره حتى إنهم يسمعون ملحوناً ويعلمون ذلك ولا يغيّرونه . وروى أبو مِجْلَز عن قيس بن عُبَاد قال : قال عمر بن الخطاب : مَن سمع حديثاً فحدّث به كما سمع فقد سلم . وروي نحوه عن عبد اللَّه بن عمرو وزيد بن أرقم . وكذا الخلاف في التقديم والتأخير والزيادة والنقصان؛ فإن منهم من يعتدّ بالمعنى ولا يعتدّ باللفظ ، ومنهم من يشدّد في ذلك ولا يفارق اللفظ .
وذلك هو الأحوط في الدّين والأتقى والأولى؛ ولكن أكثر العلماء على خلافه . والقول بالجواز هو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ وذلك أن المعلوم من سيرة الصحابة رضي الله عنهم هو أنهم كانوا يروون الوقائع المتحدة بألفاظ مختلفة ، وما ذاك إلا أنهم كانوا يصرفون عنايتهم للمعاني ولم يلتزموا التكرار على الأحاديث ولا كتبها . وروي عن واثلة بن الأَسْقَع أنه قال : ليس كل ما أخبرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقلناه إليكم؛ حسبكم المعنى . وقال قتادة عن زُرارة بن أوْفَى : لقيت عدّة من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فاختلفوا عليّ في اللفظ واجتمعوا في المعنى . وكان النَّخَعِيّ والحسن والشعبيّ رحمهم الله يأتون بالحديث على المعاني . وقال الحسن : إذا أصبت المعنى أجزأك . وقال سفيان الثورِيّ رحمه الله : إذا قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدّقوني؛ إنما هو المعنى وقال وَكِيع رحمه الله : إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس . واتفق العلماء على جواز نقل الشرع للعجم بلسانهم وترجمته لهم؛ وذلك هو النقل بالمعنى . وقد فعل الله ذلك في كتابه فيما قص من أنباء ما قد سلف ، فقصّ قِصصاً ذكر في مواضع بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربيّ وهو مخالف لها في التقديم والتأخير ، والحذف والإلغاء ، والزيادة والنقصان . وإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فَلأن يجوز بالعربية أوْلى . احتج بهذا المعنى الحسن والشافعيّ ، وهو الصحيح في الباب .
فإن قيل : فقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : " نَضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها كما سمعها " وذكر الحديث . وما " ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر رجلاً أن يقول عند مضجعه في دعاء علمه : «آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيّك الذي أرسلت»؛ فقال الرجل : ورسولك الذي أرسلت؛ فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : «ونبيّك الذي أرسلت» " قالوا : أفلا ترى أنه لم يسوّغ لمن علمه الدعاء مخالفة اللفظ وقال : " فأدّاها كما سمعها " قيل لهم : أما قوله : " فأدّاها كما سمعها " فالمراد حكمها لا لفظها؛ لأن اللفظ غير معتدٍّ به . ويدلّك على أن المراد من الخطاب حكمه قوله : " فرُبّ حامِل فقه غير فقيه ورُبّ حامِل فقه إلى من هو أفقه منه " ثم إن هذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد؛ وإن أمكن أن يكون جميع الألفاظ قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أوقات مختلفة؛ لكن الأغلب أنه حديث واحد نقل بألفاظ مختلفة؛ وذلك أدلّ دليل على الجواز . وأما ردّه عليه السلام الرجلَ من قوله : «ورسولك إلى قوله ونبيك»؛ لأن لفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمدح؛ ولكل نعت من هذين النعتين موضع .
ألا ترى أن اسم الرسول يقع على الكافة ، واسم النبيّ لا يستحقه إلا الأنبياء عليهم السلام! وإنما فُضّل المرسلون من الأنبياء لأنهم جمعوا النبوّة والرسالة . فلما قال : «ونبيك» ، جاء بالنعت الأمدح ، ثم قيّده بالرسالة بقوله : «الذي أرسلت» . وأيضاً فإن نقله من قوله «ورسولك إلى قوله ونبيك» ليجمع بين النبوّة والرسالة . ومستقبح في الكلام أن تقول : هذا رسول فلان الذي أرسله ، وهذا قتيل زيد الذي قتله؛ لأنك تجتزىء بقولك : رسول فلان ، وقتيل فلان عن إعادة المرسل والقاتل؛ إذ كنت لا تفيد به إلا المعنى الأوّل . وإنما يحسن أن تقول : هذا رسول عبد اللَّه الذي أرسله إلى عمرو ، وهذا قتيل زيد الذي قتله بالأمس أو في وقعة كذا . والله وليّ التوفيق .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 44) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 18) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 14) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 86) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 1) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 31) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 28) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 356) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 51) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 164) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 316) ورسوم التحديث في علوم الحديث - (ج 1 / ص 125) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 40) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 369) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 222) .
(2) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي(697 )
(3) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي(696 )
(4) - صحيح مسلم (30)
(5) - قال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 269)
من اعتمد في روايته على ما في كتابه لا يعاب، بل هو وصف أكثر رواة الصحيح من بعد الصحابة وكبار التابعين، لأن الرواة الذين للصحيح على قسمين:
أ- قسم كانوا يعتمدون على حفظ حديثهم، فكان الواحد منهم يتعاهد حديثه ويكرر عليه فلا يزال مبينا له، وسهل ذلك عليهم قرب الإسناد وقلة ما عند الواحد منهم من المتون حتى كان من يحفظ منهم ألف حديث يشار إليه بالأصابع. ومن هنا دخل الوهم والغلط على بعضهم لما جبل عليه الإنسان من السهو النسيان.
ب- وقسم كانوا يكتبون ما يسمعونه ويحافظون عليه ولا يخرجونه من أيديهم ويحدثون منه.
وكان الوهم والغلط في حديثهم أقل من أهل القسم الأول إلا من تساهل منهم. كمن حدث من غير كتابه، أو أخرج كتابه من يده إلى غيره فزاد فيه ونقص وخفي عليه. فتكلم الأئمة فيمن وقع له ذلك منهم. وإذا تقرر هذا، فمن كان عدلا, لكنه لا يحفظ حديثه عن ظهر قلب، واعتمد على ما في كتابه فحدث منه، فقد فعل اللازم له وحديثه على هذه الصورة صحيح بلا خلاف، فكيف يكون هذا سببا لعدم الحكم بالصحة على ما يحدث به. هذا مردود. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(6) - الكفاية ص 377
(7) - علوم الحديث ص 225
(8) - محاسن الاطلاع ص 330
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 213) (6372 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(2972 و3740) والإصابة 2/73 و3/515 وعساكر 53/301 والنوادر 4/119 والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (606 ) وهو حديث ضعيف فيه جهالة ، ومن ذكره في الموضوعات فقد أخطأ
(10) - الرسالة للشافعي - (ج 1 / ص 107)
(11) - سنن أبى داود (1477 ) صحيح
(12) - مسند الشاميين(1510و3407) والمستدرك للحاكم (6421) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 431) (17594 و17624 ) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1099) والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (610) وهو صحيح موقوف
(13) - تاريخ دمشق - (ج 12 / ص 290)
(14) - العلم لزهير بن حرب(127 ) والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي(632 ) صحيح
(15) - سنن الترمذى(4360 ) صحيح
(16) - سير أعلام النبلاء (5/347)
(17) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي(619 ) صحيح
(18) - سنن الترمذى(4365 )
(19) - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 25) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 19)
(20) - لأن المقصود هو المعنى فإذا أدى المعنى فقد حصل المطلوب ولهذا يجوز ترجمة معاني الآيات والأحاديث للعجم بلغتهم ليعرفوا معاني الآيات والحديث .
(21) - أحكام القرآن لابن العربي - (ج 1 / ص 37-38)
(22) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 208) فما بعدها(1/392)
فإن قيل : إذا جاز للرّاوي الأوّل تغيير ألفاظ الرسول عليه السلام جاز للثاني تغيير ألفاظ الأوّل ، ويؤدّي ذلك إلى طمس الحديث بالكلية لدقة الفروق وخفائها . قيل له : الجواز مشروط بالمطابقة والمساواة كما ذكرنا؛ فإن عُدمت لم يجز . قال ابن العربيّ : الخلاف في هذه المسألة إنما يُتصوّر بالنظر إلى عصر الصحابة والتابعين لتساويهم في معرفة اللغة الجِبِلّية الذّوقية؛ وأما من بعدهم فلا نشك في أن ذلك لا يجوز؛ إذ الطباع قد تغيّرت ، والفهوم قد تباينت ، والعوائد قد اختلفت؛ وهذا هو الحق . والله أعلم .
قال بعض علمائنا : لقد تعاجم ابن العربيّ رحمه الله؛ فإن الجواز إذا كان مشروطاً بالمطابقة فلا فرق بين زمن الصحابة والتابعين وزمن غيرهم؛ ولهذا لم يفصّل أحد من الأصوليين ولا أهل الحديث هذا التفصيل . نعم ، لو قال : المطابقة في زمنه أبعد كان أقرب ، والله أعلم .اهـ
وقال المَاوردي(1): إن نسي اللَّفظ جَاز, لأنَّه تحمل اللَّفظ والمعنى, وعجزَ عن أداء أحدهما, فيلزمهُ أداء الآخر, لا سيَّما أنَّ تركه قد يكون كتمًا للأحكام, فإن لم ينسه لم يجز أن يُورده بغيره, لأنَّ في كلامه - صلى الله عليه وسلم - من الفَصَاحة ما ليسَ في غيره.
وقال القاضي عِياض(2): ينبغي سد باب الرِّواية بالمعنى, لئلا يتسلَّط من لا يحسن, مِمَّن يظن أنَّه يحسن, كما وقع للرواة كثيرًا قديما وحديثا, وعلى الجَوَاز الأولى إيراد الحديث بلفظه, دون التصرف فيه, ولا شكَّ في اشْتراط أن لا يَكُون مِمَّا تُعبِّد بلفظه, وقد صرَّح به هنا الزَّركشي, وإليه يرشد كلام العِرَاقي الآتي في إبْدَال الرَّسُول بالنَّبي, وعكسه.
وهذا الخلاف إنَّما يَجْري في غير المُصنَّفات, ولا يَجُوز تغيير شيء من مُصنَّف وإبْداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعًا, لأنَّ الرِّواية بالمعنى رخَّص فيها من رخَّص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الحرج, وذلك غير موجُود فيما اشْتملت عليه الكُتب, ولأنَّه إن ملكَ تغيير اللَّفظ, فليسَ يملك تغيير تصنيف غيره.
وينبغي للرَّاوي بالمعنى أن يَقُول عقيبه: أو كما قال, أو نحوه أو شبهه, أو ما أشبه هذا من الألفاظ وقد كان قومٌ من الصَّحَابة يفعلون ذلك, وهم أعلم النَّاس بمعاني الكلام خوفًا من الزَّلل لمعرفتهم بما في الرِّواية بالمعنى من الخطر.
وفي سنن ابن ماجه (24 )عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ مَا أَخْطَأَنِى ابْنُ مَسْعُودٍ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ إِلاَّ أَتَيْتُهُ فِيهِ قَالَ فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ لِشَىْءٍ قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ فَنَكَسَ. قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَهُوَ قَائِمٌ مُحَلَّلَةً أَزْرَارُ قَمِيصِهِ قَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ قَالَ أَوْ دُونَ ذَلِكَ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَبِيهًا بِذَلِكَ.( وهو حديث صحيح)
وفي سنن الدارمى( 277) عَنِ الشَّعْبِىِّ وَابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الأَيَّامِ تَرَبَّدَ وَجْهُهُ وَقَالَ : هَكَذَا أَوْ نَحْوَهُ هَكَذَا أَوْ نَحْوَهُ. ( وفيه انقطاع)
وفي سنن الدارمى(274) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : هَذَا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ شِبْهَهُ أَوْ شَكْلَهُ. ( وفيه انقطاع)
وفي المستدرك (6456) والبزار (6719) عَنِ ابْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : " كَانَ أَنَسٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " ( صحيح)
وفي مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ (2773) عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَانَ أَنَسٌ قَلِيلَ الْحَدِيثِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ قَالَ : أَوْ كَمَا قَالَ " ( صحيح )
وإذا اشتبهت على القَارىء لفظة, فحسن أن يقول بعد قراءتها: على الشَّك, أو كما قال, لتضمنه إجازة من الشَّيْخ وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان.
قال ابن الصَّلاح(3): ثمَّ لا يشترط إفراد ذلك في الإجازة كما تقدَّم قريبا.
قلت : هنا شروط كثيرة لرواية الحديث بالمعنى أوردها الزركشي في البحر المحيط وقد أوردتها في بحث حديث الآحاد فارجع إليها إن شئت .
إن العبرة في نصوص السنَّة ما تدلُّ عليه من الأحكام والشرائع ، فإن الأداء للحديث بمعناه عند مشقة الإتيان بلفظه ، محققٌ للغرض ، ما دام المعنى صحيحاً موافقاً لدلالة أصل لفظه .
نعم ، الرواية بالمعنى استعمالُ الراوي لاجتهاده في الألفاظ في سياقه الحديث ، وهذا قد يقع له فيه الغلط ، ولذا ، فإن من صور العلل الواردة على الأحاديث النبوية : التعليل بالخطأ بسبب الرواية بالمعنى .(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 45) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 9) و البحر المحيط - (ج 5 / ص 434)
(2) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 198) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 9) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 46)
(3) - علوم الحديث ص 227
(4) - انظر تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 182)(1/393)
السابع- هل تجوز رواية الحديث مختصرا ؟
اختلف العُلماء في رواية بعض الحديث الواحد دُون بعض وهو المُسمَّى باختصار الحديث فمنعهُ بعضهم مُطلقًا, بناء على مَنْع الرِّواية بالمعنى, ومنعهُ بعضهم مع تجويزها بالمعنى, إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا ، وإن رواه هو مَرَّة أُخرى, أو غيره على التَّمام جاز وجوَّزه بعضهم مُطْلقًا.
قيل: وينبغي تقييده بما إذا لم يكن المحذوف مُتعلقًا بالمأتي به تعلقاً يخلُّ بالمعنى حذفه, كالاستثناء, والشَّرط, والغاية, ونحو ذلك, والأمر كذلك.(1)
فقد حكى الصَّفي الهندي الاتِّفاق على المنع حينئذ.
والصَّحيحُ التَّفصيل وهو المنع من غير العالم وجَوَازه من العارف إذا كان ما تركه مُتميزًا عمَّا نقله غير مُتعلِّق بما رواه, بحيث لا يختلُّ البيان, ولا تختلف الدلالة فيما نقله بتركه, و على هذا يجوزُ ذلك سواء جَوَّزناها بالمعنى أم لا, سواء رواه قبلُ تامًّا أم لا، لأنَّ ذلك بمنزلة خَبَرين مُنفصلين.
وفي مسند ابن الجعد (1485 ) حدثني محمد قال : سمعت ابن عائشة يقول : قال ابن المبارك : « علمنا سفيان اختصار الحديث »(صحيح) .
هذا إن ارتفعت مَنْزلتهُ عن التُّهْمة, فأمَّا من رواه مرَّة تامًّا, فخاف إن رواه ثانيًا ناقصًا, أن يُتَّهم بزيادة فيما رواه أولاً, أو نسيان لغفلة, وقلة ضبط فيما رواه ثانيًا, فلا يجوز له النقصان ثانياً ولا ابتداء, إن تعين عليه أداء تمامه, لئلا يخرج بذلك باقيه عن حيِّز الاحتجاج به.
وأمَّا تَقْطيع المُصنِّف الحديث الواحد في الأبواب بحسب الاحتجاج به في المسائل, كل مسألة على حدة فهو إلى الجَوَاز أقرب ومن المنع أبعد.
وقد فعله الأئمة: مالك, والبُخَاري, وأبو داود, والنَّسائي, وغيرهم.(2)
وقال رشيد الدين العطار(3): " اختلف العلماء فيها فمنهم من أجاز تقطيع الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب إذا كان مشتملا على عدة أحكام كل حكم منها مستقل بنفسه غير مرتبط بغيره كحديث جابر الطويل في الحج ونحوه ومنهم من منع ذلك واختار إيراد الحديث كاملا كما سمعه والظاهر من مذهب مسلم رحمه الله إيراد الحديث بكامله من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه والله عز وجل أعلم . "
وقال الحافظ ابن حجر(4): " إن البخاري كان يرى جواز الرواية بالمعنى، وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره بخلاف مسلم والسبب في ذلك أمران:
أحدهما: أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته، فقد روينا عنه أنه قال: رب حديث سمعته بالشام فكتبته بمصر ورب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بخراسان. فكان لأجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه فلا يسوق ألفاظه برمتها بل بتصرف فيه ويسوقه بمعناه. ومسلم صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق.
الثاني: أن البخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه فاحتاج أن يقطع المتن الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه، لأنه لو ساقه في المواضع كلها برمّته لطال الكتاب.
ومسلم لم يعتمد ذلك، بل يسوق أحاديث الباب كلها سردا عاطفا بعضها على بعض في موضع واحد، ولو كان المتن مشتملا على عدة أحكام، فإنه يذكره في أمس المواضع وأكثرها دخلا فيه ويسوق المتون تامة محررة، "
وقال البَلْقِيني(5): يَجُوز حذف زِيَادة مَشْكوك فيها بلا خِلاف, وكان مالك يفعلهُ كثيرًا تورعًا, بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شكَّ في وصله.
قال: ومحل ذلك زيادة لا تعلُّق للمذكور بها, فإن تعلَّق ذكرها مع الشَّك, كحديث البخارى ( 2190 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِى بَيْعِ الْعَرَايَا فِى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ نَعَمْ .- يعني فلا يجوز الحذف عندئذ -
مثال على ذلك ما في صحيح البخارى( 447 ) عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِىٍّ انْطَلِقَا إِلَى أَبِى سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ . فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِى حَائِطٍ يُصْلِحُهُ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً ، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ ، فَرَآهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ « وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ »(6). قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ .
قال الحافظ ابن حجر(7): " وَلَفْظه " وَيْح عَمَّار تَقْتُلهُ الْفِئَة الْبَاغِيَة يَدْعُوهُمْ " الْحَدِيث ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة لَمْ يَذْكُرهَا الْحُمَيْدِيّ فِي الْجَمْع وَقَالَ : إِنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يَذْكُرهَا أَصْلًا ، وَكَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُود . قَالَ الْحُمَيْدِيّ : وَلَعَلَّهَا لَمْ تَقَع لِلْبُخَارِيِّ ، أَوْ وَقَعَتْ فَحَذَفَهَا عَمْدًا . قَالَ : وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبَرْقَانِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث . قُلْت : وَيَظْهَر لِي أَنَّ الْبُخَارِيّ حَذَفَهَا عَمْدًا وَذَلِكَ لِنُكْتَةٍ خَفِيَّة ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ اِعْتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع هَذِهِ الزِّيَادَة مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مُدْرَجَة ، وَالرِّوَايَة الَّتِي بَيَّنَتْ ذَلِكَ لَيْسَتْ عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْبَزَّار مِنْ طَرِيق دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي بِنَاء الْمَسْجِد وَحَمْلهُمْ لَبِنَة لَبِنَة وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو سَعِيد " فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي وَلَمْ أَسْمَعهُ مِنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : يَا اِبْن سُمَيَّة تَقْتُلُك الْفِئَة الْبَاغِيَة " ا هـ .
وَابْن سُمَيَّة هُوَ عَمَّار وَسُمَيَّة اِسْم أُمّه . وَهَذَا الْإِسْنَاد عَلَى شَرْط مُسْلِم ، وَقَدْ عَيَّنَ أَبُو سَعِيد مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ ، فَفِي مُسْلِم وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ " حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْر مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ ، فَذَكَرَهُ " فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيّ عَلَى الْقَدْر الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو سَعِيد مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - دُون غَيْره ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى دِقَّة فَهْمه وَتَبَحُّرِهِ فِي الِاطِّلَاع عَلَى عِلَل الْأَحَادِيث . وَفِي هَذَا الْحَدِيث زِيَادَة أَيْضًا لَمْ تَقَع فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ ، وَهِيَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَج مِنْ طَرِيق خَالِد الْوَاسِطِيّ عَنْ خَالِد الْحَذَّاء وَهِيَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " يَا عَمَّار أَلَا تَحْمِل كَمَا يَحْمِل أَصْحَابك ؟ قَالَ : إِنِّي أُرِيدَ مِنْ اللَّه الْأَجْر " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ زِيَادَة مَعْمَر فِيهِ أَيْضًا"
ويَجُوز في كِتَابة الأطْراف الاكتفاء ببعض الحديث مُطلقًا, وإن لم يفد.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ذكرت ذلك مفصلا عن البحر المحيط للزركشي في بحث حديث الآحاد
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 11)
(3) - غرر الفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 279)
(4) - النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 282)
(5) - محاسن الاطلاع ص 337
(6) - فَإِنْ قِيلَ كَانَ قَتْله بِصِفِّينَ وَهُوَ مَعَ عَلِيّ وَاَلَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَة وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة فَكَيْف يَجُوز عَلَيْهِمْ الدُّعَاء إِلَى النَّار ؟
فَالْجَوَاب أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّة ، وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا لَوْم عَلَيْهِمْ فِي اِتِّبَاع ظُنُونهمْ ، فَالْمُرَاد بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّة الدُّعَاء إِلَى سَبَبهَا وَهُوَ طَاعَة الْإِمَام ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّار يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَة عَلِيّ وَهُوَ الْإِمَام الْوَاجِب الطَّاعَة إِذْ ذَاكَ ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَاف ذَلِكَ لَكِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ . وَقَالَ اِبْن بَطَّالٍ تَبَعًا لِلْمُهَلَّبِ : إِنَّمَا يَصِحّ هَذَا فِي الْخَوَارِج الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيّ عَمَّارًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَمَاعَة ، وَلَا يَصِحّ فِي أَحَد مِنْ الصَّحَابَة . وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْكَلَام جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاح . وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْخَوَارِج إِنَّمَا خَرَجُوا عَلَى عَلِيّ بَعْد قَتْل عَمَّار بِلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم لِذَلِكَ ، فَإِنَّ اِبْتِدَاء أَمْر الْخَوَارِج كَانَ عَقِب التَّحْكِيم ، وَكَانَ التَّحْكِيم عَقِب اِنْتِهَاء الْقِتَال بِصِفِّينَ وَكَانَ قَتْل عَمَّار قَبْل ذَلِكَ قَطْعًا ، فَكَيْف يَبْعَثهُ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ بَعْد مَوْته .
ثَانِيهَا : أَنَّ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَمَّارًا إِنَّمَا هُمْ أَهْل الْكُوفَة بَعَثَهُ يَسْتَنْفِرُهُمْ عَلَى قِتَال عَائِشَة وَمَنْ مَعَهَا قَبْل وَقْعَة الْجَمَل ، وَكَانَ فِيهِمْ مِنْ الصَّحَابَة جَمَاعَة كَمَنْ كَانَ مَعَ مُعَاوِيَة وَأَفْضَل ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيح بِذَلِكَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الْفِتَن ، فَمَا فَرَّ مِنْهُ الْمُهَلَّب وَقَعَ فِي مِثْله مَعَ زِيَادَة إِطْلَاقه عَلَيْهِمْ تَسْمِيَة الْخَوَارِج وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ .
ثَالِثهَا : أَنَّهُ شَرَحَ عَلَى ظَاهِر مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة النَّاقِصَة ، وَيُمْكِن حَمْله عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِاَلَّذِينَ يَدْعُونَهُ إِلَى النَّار كُفَّار قُرَيْش كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْض الشُّرَّاح ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن السَّكَن وَكَرِيمَة وَغَيْرهمَا وَكَذَا ثَبَتَ فِي نُسْخَة الصَّغَانِيّ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ قَابَلَهَا عَلَى نُسْخَة الْفَرَبْرِيّ الَّتِي بِخَطِّهِ زِيَادَة تُوَضِّح الْمُرَاد وَتُفْصِح بِأَنَّ الضَّمِير يَعُود عَلَى قَتَلَتِهِ وَهُمْ أَهْل الشَّام وَلَفْظه " وَيْح عَمَّار تَقْتُلهُ الْفِئَة الْبَاغِيَة يَدْعُوهُمْ " الْحَدِيث ،فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 178)
(7) - فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 178)(1/394)
الثامن- ينبغي للشَّيخ أن لا يروي حديثه بقراءة لحَّان أو مُصحِّف.
قال الحافظ العراقي(1):
" وليحذرِ الشَّيْخُ أنْ يرويَ حديثَهُ بقراءةِ لَحَّانٍ أو مُصَحِّفٍ . فقد روينا عنْ الأصمعيِّ قالَ : إنَّ أخوفَ ما أخافُ على طالبِ العلمِ إذا لم يعرفِ النَّحْوَ أنْ يدخلَ في جملةِ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ كَذَبَ عليَّ فليتبوَّأْ مقعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))(2)، لأنَّهُ لم يكن يَلْحَنُ ، فمَهْمَا رويتَ عنهُ ولحنتَ فيه كذبتَ عليهِ .
وقد روينا نحوَ هذا عن حمَّادِ بنِ سلمةَ أنَّهُ قالَ لإِنْسَاْنٍ(3): إنْ لحنتَ في حَدِيْثِي فقدْ كذبتَ عليَّ، فإنِّي لا أَلْحَنُ .
وقدْ كانَ حمَّادٌ إمَامَاً في ذلكَ. وقدْ روينا أنَّ سيبويهِ شكاهُ إلى الخليلِ بنِ أحمدَ ، قالَ: سألتُهُ عن حديثِ هِشامِ بنِ عُرْوةَ عن أبيهِ في رجلٍ رَعُفَ ، فانتهرني ، وقالَ لي : أخطأتَ ، إنَّمَا هو رَعَفَ، أي : - بفتحِ العينِ -، فقالَ لهُ الخليلُ : صدقَ ، أَتَلْقَى بهذا الكلامِ أبا سلمةَ(4).
قالَ ابنُ الصلاحِ(5): (( فحقَّ على طالبِ الحديثِ أنْ يتعلمَ مِنَ النَّحْوِ واللُّغَةِ ما يتخلَّصُ بهِ عن شَيْنِ اللَّحْنِ ، والتحريفِ ، ومَعَرَّتِهمَا )) .
وروى الخطيبُ(6)عن شعبةَ قالَ : مَنْ طَلَبَ الحديثَ فلم يُبْصِرِ العربيةَ كمثل رَجُلٍ عليه بُرْنُسٌ(7)، وليسَ لهُ رأسٌ .
وروى الخطيبُ أيضاً عن حمَّادِ بنِ سلمةَ ، قالَ(8): مَثَلُ الذي يطلبُ الحديثَ ولا يعرفُ النحوَ ، مَثَلُ الحمَارِ عليهِ مِخْلاَةٌ لا شعيرَ فيها .
فبتعلُّمِ النَّحْوِ يسلمُ من اللَّحنِ . وأما السلامةُ من التصحيفِ فسبيلُها الأَخْذُ من أفواهِ أهلِ العلمِ، والضبطِ عنهم ، لا من بُطُونِ الكُتُبِ ، فقلَّمَا سَلِمَ منَ التصحيفِ مَنْ أخذَ العلمَ مِنَ الصُّحُفِ من غيرِ تدريبِ المشايخِ . اهـ
وقال العَبَّاسُ بنُ المُغِيْرَةِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى أَبِي، لِيعرضُوا عَلَيْهِ كِتَاباً، فَقَرَأَهُ لَهُم الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَكَانَ رَدِيْءَ اللِّسَانِ، يَلْحَنُ لحناً قبِيْحاً، فَقَالَ أَبِي: وَيْحَكَ يَا درَاوردِيّ، أَنْتَ كُنْتَ إِلَى إِصلاَحِ لِسَانِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.(9)
وإذا وقع في روايته لحن أو تحريف, فقد قال ابن سيرين و عبد الله بن سَخْبرة أبو مَعْمر, وأبو عُبيد القاسم بن سلاَّم فيما رواه البَيْهقي عنهما: يرويه على الخطأ كما سمعه.
قال ابن الصَّلاح(10): وهذا غُلو في اتِّباع اللَّفظ والمنع من الرِّواية بالمعنى.
والصَّواب قول الأكثرين منهم: ابن المُبَارك, والأوزاعي, والشَّعبي, والقاسم بن مُحمَّد, وعطاء, وهمَّام, والنَّضر بن شُميل: أنَّهُ يرويه على الصَّواب لا سيَّما في اللَّحن الَّذي لا يختلف المعنى به.
وأمَّا إصلاحه في الكتاب وتغيير ما وقع فيه فجَوَّزه بعضهم أيضًا.
والصَّواب تقريره في الأصل على حاله, مع التَّضبيب عليه وبيان الصَّواب في الحاشية كما تقدَّم, فإن ذلك أجمع للمصلحة, وأنفى للمَفْسدة, وقد يأتي من يظهر له وجه صحَّته, ولو فتح باب التَّغيير لجسر عليه من ليس بأهل.
ثمَّ الأوْلَى عند السَّماع أن يقرأه أولاً على الصَّواب, ثمَّ يقول وقع في روايتنا, أو عند شيخنا, أو من طريق فُلان كذا, وله أن يقرأ ما في الأصل أولاً ثمَّ يذكر الصَّواب وإنَّما كان الأوَّل أولى, كيلا يتقوَّل على رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل. وأحسن الإصلاح أن يكون بما جاء في رواية أخرى أو حديث آخر فإن ذكره أمن من التَّقول المذكُور.
وإن كان الإصلاح بزيادة السَّاقط من الأصل فإن لم يُغَاير معنى الأصل فهو على ما سبق، كذا عبَّر ابن الصَّلاح أيضًا.
وقال العِرَاقي(11): " إذا كانَ الساقطُ من الأَصلِ شيئاً يسيراً يُعْلَمُ أنَّهُ سقطَ في الكتابةِ ، وهو معروفٌ كلفظِ : ابنِ في النسبِ ، وكحرفٍ لا يختلفُ المعنى بهِ ، فلا بَأْسَ بإلحاقِهِ في الأصلِ من غيرِ تنبيهٍ على سقوطِهِ . وقد سألَ أبو داودَ أحمدَ بنَ حنبلٍ فقالَ(12): وجدْتُ في كتابي : (( حَجَّاجٌ عن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ )) ، يجوزُ لي أنْ أُصلحَهُ : (( ابنُ جريجٍ ؟ )) فقالَ : أرجو أنْ يكونَ هَذَا لا بأسَ بهِ . وقيلَ لمالكٍ(13): أرأيتَ حديثَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُزادُ فيهِ الواوُ والألفُ، والمعنى واحدٌ ؟ فقالَ : أرجو أنْ يكونَ خفيفاً . انتهى .
وإذا كانَ الساقطُ يُعلمُ أنَّهُ سقطَ من بعضِ مَنْ تأخَّرَ من رواةِ الحديثِ ، وأنَّ مَنْ فوقَهُ من الرواةِ أَتى بهِ ، فإنَّهُ يُزادُ في الأصلِ ، ويُؤتَى قبلَهُ بلفظِ : يعني ، كما فعلَ الخطيبُ إذ روى عن أبي عُمَرَ ابنِ مهديٍّ عن المحامليِّ بسنِدهِ إلى عُرْوَةَ عن عَمْرَة - يعني - عن عائشةَ قالَتْ : كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُدْنِي إليَّ رأسَهُ فأُرَجِّلُهُ . قالَ الخطيبُ: كانَ في أصلِ ابنِ مهديٍّ (( عن عَمْرَةَ ، قالَتْ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُدْنِي إِليَّ رأسَهُ ))(14). فأَلْحَقْنَا فيهِ ذكرَ ( عائشةَ ) ، إذ لم يكنْ منهُ بُدٌّ. وعَلِمْنا أنَّ المحامليَّ كذلكَ رواهُ ، وإنَّما سقطَ مِنْ كتابِ شيخِنا ، وقلنا فيهِ: (( يعني عن عائشةَ ))؛ لأنَّ ابنَ مهديٍّ لم يقلْ لنا ذلكَ. قالَ : وهكذا رأيتُ غيرَ واحدٍ من شيوخِنا يفعلُ في مثلِ هذا ، ثُمَّ روى عن وكيعٍ قالَ : (( أنا استعينُ في الحديثِ بـ: يعني )) ."
هذا إذا علم أنَّ شيخه رواه له على الخطأ, فأمَّا إن رواهُ في كِتَاب نفسهِ, وغلبَ على ظنِّه أنَّه أي: السقط من كِتَابه, لا من شيخه, فيتجه حينئذ إصلاحه في كِتَابه و في روايته عند تحديثه كما تقدَّم عن أبي داود.
كمَا إذا درس من كِتَابه بعض الإسناد أو المتن بتقطع, أو بَلَل, ونحوه فإنَّه يجُوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحَّته ووثق به بأن يكُون أخذه عن شيخه وهو ثقة وسكنت نفسه إلى أنَّ ذلك هو السَّاقط, كذا قال أهل التَّحقيق ومِمَّن فعله نُعيم بن حمَّاد.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 168)
(2) - صحيح البخارى(107) وهو حديث متواتر
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1095)
(4) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1082 )
(5) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 47)
(6) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1080 )
(7) - البرنس : كل ثوب رأسُه منه مُلْتَزق به
(8) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1081 )
(9) - الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - (ج 1 / ص 175) و سير أعلام النبلاء(8/368)
(10) - علوم الحديث ص 229
(11) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 169)
(12) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (784)
(13) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (780 )
(14) - سنن أبى داود(2469) صحيح(1/395)
التاسع- إذَا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر واتفقوا في المعنى دون اللفظ
إذا سَمِعَ الرَّاوي الحديثَ منْ شيخينِ فأكثرَ بلفظٍ مختلفٍ ، والمعنى واحدٌ جاز لَهُ أنْ يَرْوِيَهُ عن شَيْخَيْهِ ، أو شيوخِهِ معَ تسميةِ كُلٍّ ، ويسوقَ لفظَ روايةِ واحدٍ فقطْ عندَ مَنْ يجيزُ الروايةَ بالمعنى ، وهمُ الأكثرونَ بالشَّرْطِ المتقدِّمِ ، والأحسنُ الراجحُ أنْ يُبَيِّنَ لفظَ الروايةِ لِمَنْ هِيَ بقولهِ : وهذا لفظُ فلانٍ ، ونحوُ ذلكَ ، للخروجِ من الخلافِ . ثُمَّ هُوَ مخيرٌ بَيْنَ أنْ يُفْرِدَ فعلَ القولِ فيخصِّصَهُ بمَنْ لهُ اللَّفْظُ ، فيقولُ : أَخبرنا فلانٌ وفلانٌ ، واللَّفْظُ لهُ، قالَ : وبينَ أَنْ يأتَي بالفعلِ لهما فيقولُ : قالاَ أَخْبَرَنَا فلانٌ .
واستُحْسِنَ لمسلمٍ قولُهُ: (1564 ) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى خَالِدٍ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ - عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِى الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِى السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِى الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِى سُلْطَانِهِ وَلاَ يَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ». قَالَ الأَشَجُّ فِى رِوَايَتِهِ مَكَانَ سِلْمًا سِنًّا.. .
قالَ ابنُ الصلاحِ : (( فإعادتُهُ ثانياً ذِكْرَ أحدِهما خاصَّةً إِشعارٌ بأنَّ اللَّفْظَ المذكورَ لهُ )). قلتُ: ويحتملُ أنَّهُ أرادَ بإعادتِه بيانَ التصريحِ فيهِ بالتحديثِ ، وأنَّ الأشجَ لم يُصَرِّحْ في روايتهِ بالتحديثِ ، واللهُ أعلمُ .اهـ(1)
فإن لم يَخُص أحدهما بنسبة اللَّفظ إليه, بل أتى ببعض لفظ هذا وبعض لفظ الآخر فقال: أخبرنا فُلان وفُلان وتَقَاربا في اللَّفظ أو والمعنى واحد قالا: حدَّثنا فُلان, جَاز على جَوَاز الرِّواية بالمعنى دون ما إذا لم يُجوزها.
قال ابن الصَّلاح(2): وقول أبي داود (116 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو تَوْبَةَ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ أَبِى حَيَّةَ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - تَوَضَّأَ فَذَكَرَ وُضُوءَهُ كُلَّهُ ثَلاَثًا ثَلاَثًا - قَالَ - ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ طُهُورَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
يُحتمل أن يَكُون من قَبيل الأوَّل, فيَكُون اللَّفظ لمُسدَّد, ويُوافقه أبو تَوْبة في المَعْنى, ويُحْتمل أن يَكُون من قَبِيل الثَّاني, فلا يَكُون أورد لفظ أحدهما خاصة, بل رواهُ عنهما بالمَعْنَى.
وهذا الاحتمال يقرب من قول أبي داود وغيره : المعنى واحد. ففي سنن أبى داود(317 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ - الْمَعْنَى وَاحِدٌ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِى طَلَبِ قِلاَدَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَأَتَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ زَادَ ابْنُ نُفَيْلٍ فَقَالَ لَهَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَرْحَمُكِ اللَّهُ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ فِيهِ فَرَجًا.
فإن لم يقل أيضًا تقاربا ولا شبهه فلا بأس به أيضًا على جواز الرِّواية بالمعنى, وإن كان قد عيب به البُخَاري أو غيره.
وإذا سمع من جماعة كتابًا مُصنفًا, فقابل نُسخته بأصل بعضهم دون الباقي ثمَّ رواه عنهم كلهم وقال: اللفظ لفلان المُقابل بأصله فيُحتمل جَوَازه كالأوَّل, لأنَّ ما أورده قد سمعه بنصه مِمَّن يذكر أنَّه بلفظه و يحتمل منعه لأنَّه لا علم عنده بكيفية رِوَاية الآخرين, حتَّى يُخبر عنها بخلاف ما سبق, فإنَّه اطَّلع فيه على مُوافقة المَعْنى, قاله ابن الصَّلاح(3).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 170) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 17)
(2) - علوم الحديث ص 233
(3) - علوم الحديث ص 233(1/396)
العاشر- ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه من رجال الإسناد أو صفته مُدرجًا ذلك, حيث اقتصر شيخه على بعضه إلاَّ أن يُميزه
ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه من رجال الإسناد أو صفته مُدرجًا ذلك, حيث اقتصر شيخه على بعضه إلاَّ أن يُميزه فيقول مثلا: هو ابن فُلان الفلاني, أو يعني ابن فُلان, ونحوه فيجوز, فعل ذلك أحمد وغيره.
فإن ذكر شيخه نسب شيخه بتمامه في أوَّل حديث, ثمَّ اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه, أو بعض نسبه.
فقد حكى الخَطِيب(1)عن أكثر العُلَماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الحديث الأوَّل مستوفيا نسب شيخ شيخه.
و حُكي عن بعضهم أنَّ الأوْلَى فيه أيضًا أن يَقُول: يعني ابن فُلان.
و حُكي عن علي بن المَدِيني وغيره كشيخه أبي بكر الأصبهاني الحافظ أنَّه يقول: حدَّثني شَيْخي, أنَّ فُلان ابن فُلان حدَّثه. وحُكي عن بعضهم أنَّه يقول: أخبرنا فُلان, هو ابن فُلان. واستحبَّه أي: هذا الأخير الخَطيب لأنَّ لفظ: أنَّ, استعملهما قومٌ في الإجَازة كما تقدَّم.قال ابن الصَّلاح(2): وكله جائز, وأولاه أن يقول: هو ابن فُلان, أو يعني ابن فُلان, ثمَّ بعده قوله: أنَّ فُلان بن فُلان, ثمَّ بعده أن يذكره بكماله من غير فصل.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الكفاية ص 323
(2) - علوم الحديث ص 235(1/397)
الحادي عشر- جرت العَادة بِحَذف قال ونحوه بين رِجَال الإسْنَاد خطًّا اختصارًا, وينبغي للقارىء اللفظ بها حال القراءة
وإذا كانَ فيه: قُرىء على فُلان, أخبرك فُلان, أو قرىء على فُلان, حدَّثنا فُلان, فليَقُل القَارىء في الأوَّل: قيل له أخبرك فُلان, وفي الثَّاني: قال حدَّثنا فُلان.
قال ابن الصَّلاح(1): وقد جاء هذا مُصرَّحًا به خطًّا.
قلت: وينبغي أن يقال: في قرأت على فُلان, قلتُ لهُ أخبركَ فُلان.
وإذا تكرَّر لفظ قال, كقول البُخَاري (97 ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ - حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِىُّ حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ { يَطَؤُهَا } فَأَدَّبَهَا ، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا ، فَلَهُ أَجْرَانِ » . ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَىْءٍ ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ,اهـ فإنَّهم يحذفون أحدهما خطًّا وهي الأوْلَى فيما يظهر, فليلفظ بهما القَارىء جميعا.
ولو ترك القارىء قال في هذا كله فقد أخطأ, والظَّاهر صحَّة السماع لأنَّ حذف القول جائز اختصارًا, جاء به القرآن العظيم, وكذا قال ابن الصَّلاح أيضًا في فتاويه معبرًا بالأظهر(2).
قال العِرَاقي(3): وقدْ كانَ بعضُ مَنْ لقيتُهُ من أَئِمَّةِ العربيةِ يُنكِرُ اشتراطَ المحدِّثينَ للتلفِّظِ بـ: قالَ في أَثناءِ السَّنَدِ ، وهو العلاَّمةُ شهابُ الدينِ عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ العزيزِ ابنِ المرحِّلِ . وما أدري ما وجْهُ إنكارِهِ لذلكَ ! لأَنَّ الأَصلَ الفَصْلُ بين كلامَي المتكلمَيْنِ ، للتمييزِ بينهُما ، وحيثُ لم يُفْصَلْ فهو مُضْمَرٌ ، والإضْمَاْرُ خلافُ الأَصلِ.اهـ
قلت: وجه ذلك في غاية الظهور, لأنَّ أخبرنا وحدَّثنا بمعنى قال لنا, إذ حدَّث بمعنى قال, ونا بمعنى لنا, فقوله: حدَّثنا فُلان, حدَّثنا فُلان, معناهُ: قال لنا فُلان, قال لنا فُلان, وهذا واضح لا إشْكَال فيه.
ومِمَّا يُحذف في الخطِّ أيضًا لا في اللَّفظ, لفظ: أنَّه, كحديث البُخاري (152 )- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ الْخَلاَءَ ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ ، وَعَنَزَةً ، يَسْتَنْجِى بِالْمَاءِ . .
قال ابن حجر في «شرحه»(4): وَلَفْظَة " أَنَّهُ " تُحْذَف فِي الْخَطّ عُرْفًا ..
ـــــــــــــــ
__________
(1) - علوم الحديث ص 235 -236
(2) - ص 45-46
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 162)
(4) - فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 246)(1/398)
الثاني عشر - النُّسخ والأجزاء المُشتملة على أحاديث بإسناد واحد, كنسخة همَّام ابن مُنبِّه عن أبي هُرَيرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه.
منهم من يُجدِّد الإسْنَاد فيذكره أوَّل كلِّ حديث منها ، وهو أحوط وأكثر ما يُوجد في الأصول القديمة وأوجبه بعضهم.
ومنهم من يكتفي به في أوَّل حديث منها أو أول كلِّ مجلس من سماعها ويدرج الباقي عليه, قائلا في كلِّ حديث بعد الحديث الأوَّل: وبالإسْنَاد, أو وبه, وهو الأغلب الأكثر.
فمن سمع هكذا فأراد رِوَاية غير الأوَّل مُفْردًا عنه بإسْنَاد جاز له ذلك عند الأكثرين منهم: وكيع, وابن مَعِين, والإسماعيلي, لأنَّ المعطوف له حكم المعطوف عليه, وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكُور في أوَّله.
ومنعهُ الأستاذ أبو إسْحَاق الإسفراييني وغيره كبعض أهل الحديث رأوا ذلك تدليسًا.
فعَلَى هذا طريقه أن يُبين ويحكي ذلك, وهو على الأوَّل أحسن كَقوْل مُسْلم (559) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَخِى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »..
واطَّرد لمُسْلم ذلك وكذا فعله كثير من المُؤلفين.
وأمَّا البُخَاري فإنَّه لم يسلك قاعدة مُطَّردة, فتارة يذكر أوَّل حديث في النُّسْخة, ويعطف عليه الحديث الَّذي ساق الإسْنَاد لأجله, كقوله في الطهارة (238 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ » .
(239 ) وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ « لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِى لاَ يَجْرِى ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ » ..
فأشْكَلَ على قوم ذِكْره: « نحنُ الآخرُون السَّابقون ...» في هذا الباب, وليسَ مُرادهُ إلاَّ ما ذكرناهُ, وتارة يَقْتصر على الحديث الَّذي يُريده, وكأنَّه أراد بيان أنَّ كلا الأمْرين جَائز.
وأمَّا إعادة بعض من المُحدِّثين الإسْنَاد آخر الكتاب أو الجُزء فلا يرفع هذا الخِلاف الَّذي يمنع إفْرَاد كُلِّ حديث بذلك الإسْنَاد عند روايتها, لكونهِ لا يقع مُتَّصلا بواحد منها.
إلاَّ أنَّه يُفيد احْتياطًا و يتضمَّن إجَازة بالغة من أعْلَى أنْوَاعها
قُلت: ويُفيد سَمَاعه لمن لا يسمعه أولاً.
ـــــــــــــــ(1/399)
الثالث عشر - تقديم المتن على الإسناد.
إذا قدَّم الرَّاوي المتن على الإسْنَاد كقال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ثمَّ يذكر الإسناد بعده أو المتن وأخَّر الإسْنَاد من أعلى كروى نافع عن ابن عُمر عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كذا, ثمَّ يقول: أخبرنا به فُلان عن فُلان, حتَّى يتصل بما قدَّمه صحَّ وكان مُتَّصلاً.
فلو أراد من سمعهُ هكذا تَقْديم جميع الإسْنَاد بأن يبدأ به أولاً, ثمَّ يذكر المَتْن فجَوَّزه بعضهُم أي أهل الحديث من المُتقدمين.
قال النووي في «الإرْشَاد» : وهو الصَّحيح.
قال ابن الصَّلاح(1): وينبغي أن يكون فيه خلاف, كتقديم بعض المتن على بعض أي كالخلاف فيه.
فإن الخَطِيب حكى فيه المنع بناء على منع الرِّواية بالمعنى والجواز على جوازها.
قال البَلْقِيني(2): وهذا التخريج ممنوع, والفرق أن تقديم بعض الألفاظ على بعض يؤدي إلى الإخلال بالمقصود في العطف, وعود الضمير, ونحو ذلك, بخلاف تقديم السند كله أو بعضه, فلذلك جاز فيه ولم يتخرج على الخلاف. انتهى.
قلت: والمَسْألة المَبْني عليها أشار إليها النووي كابن الصَّلاح, ولم يُفرداها بالكلام عليها, وقد عقد الرامهرمزي لذلك بابًا, فحكى عن الحسن, والشَّعبي, وعبيدة, وإبراهيم, وأبي نَضْرة, الجَوَاز إذا لم يغير المعنى.
قال النووي(3): وينبغي القطع به إذا لم يكن للمُقدم ارتباطًا بالمؤخر.
فائدة:
قال الحافظ ابن حجر(4): تَقْديم الحديث على السَّند يقع لابن خُزَيمة, إذَا كان في السَّند من فيه مقال, فيَبْتدىء به, ثمَّ بعد الفَرَاغ يذكر السَّند.
قال: وقد صرَّح ابن خزيمة بأنَّ من رواهُ على غير ذلك الوجه لا يَكُون في حل منهُ, فحينئذ يَنْبغي أن يمنع هذا, ولو جَوزنا الرِّواية بالمعنى.
وقال العراقي(5): " إذا رَوَى الشيخُ حديثاً بإسنادٍ لهُ ، وذكرَ متنَ الحديثِ . ثُمَّ أتبعَهُ بإسنادٍ آخرَ ، وحذفَ متنَهُ ، وأحالَ به على المتنِ الأوَّلِ ، بقولِهِ : مِثْلُهُ ، أو نحوُهُ ، فهلْ لِمَنْ سمعَ منهُ ذلكَ أنْ يقتصرَ على السندِ الثاني ، ويسوقَ لفظَ حديثِ السندِ الأوَّلِ ؟ فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ :
أظهرُهَا منعُ ذلكَ، وهو قولُ شعبةَ. فروينا عنهُ أَنَّهُ قالَ : فلانٌ عن فلانٍ : مِثْلُهُ ، لا يُجْزِئُ . وروينا عنهُ أيضاً ، أنَّهُ قالَ : قولُ الراوي : نحوَهُ ، شكٌّ .
والثاني : جوازُ ذلكَ إذا عُرِفَ أنَّ الراوي لذلكَ ضابطٌ مُتَحَفِّظٌ ، يذهبُ إلى تمييزِ الألفاظِ وَعَدِّ الحروفِ ، فإنْ لم يُعْرَفْ ذلكَ منهُ ، لم يَجُزْ . حكاهُ الخطيبُ عن بعضِ أهلِ العلمِ . وروينا عن سفيانَ الثوريِّ قالَ : فلانٌ عن فلانٍ مِثْلهُ يُجْزِئُ ، وإذا قالَ: نحوَهُ، فهو حديثٌ .
والثالثُ : أنَّهُ يجوزُ في قولِهِ : مثلِهِ ، ولا يجوز في قولِهِ : نحوهِ . وهو قولُ يحيى بنِ معينٍ . وعليهِ يدلُّ كلامُ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ حيثُ يقولُ : لا يَحِلُّ لهُ أنْ يقولَ : مِثلَهُ إلاَّ بعدَ أنْ يَعْلَم أنَّهُما على لفظٍ واحدٍ، ويحلُّ أنْ يقول: نحوَهُ، إذا كانَ على مثلِ معانيهِ. قالَ الخطيبُ(6): (( وهذا على مذهبِ مَنْ لم يُجِزِ الروايةَ على المعنى ، وأمَّا على مذهبِ مَنْ أجازَها فلا فَرْقَ بينَ مثلِهِ ونحوِهِ )) . قالَ الخطيبُ: وكانَ غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ، إذا روى مثلَ هذا يوردُ الإسنادَ ، ويقولُ : مثلُ حديثٍ قبلَهُ ، متنُهُ كذا وكذا، ثم يسوقُهُ . قالَ : وكذلكَ إذا كانَ المحدِّثُ قدْ قالَ نحوَهُ. قالَ: (( وهذا الذي أَختارُهُ )) . " اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - علوم الحديث ص 237
(2) - محاسن الاطلاع ص 351
(3) - مقدمة شرح مسلم 1/37
(4) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 146)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 174)
(6) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 210)(1/400)
الرابع عشر - ذكر الإسْنَاد وبعض المَتْن
قال النووي(1): إذَا ذكر الإسْنَاد وبعض المَتْن, ثمَّ قال: وذكر الحديث ولم يتمه, أو قال: بِطُوله, أو الحديث, أو أضمر, أو ذكر فأراد السَّامع روايته عنه بكماله, فهو أولى بالمنع من مسألة مثله ونحوه السَّابقة.
لأنَّه إذا منع هناك, مع أنَّه قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر, فلأن يمنع هُنا, ولم يسق إلاَّ بعض الحديث من باب أوْلَى, وبذلك جزمَ قومٌ.
فمنعهُ الأستاذ أبو إسْحاق الإسْفرايني وأجازهُ الإسْماعيلي إذا عرف المُحدِّث والسَّامع مثل ذلك الحديث.
قال: والاحتياط أن يقتصر على المَذْكُور, ثمَّ يقول: قال, وذكر الحديث, وهو هكذا أو وتمامه كذا ويسوقه بكماله.
قال ابن الصلاح: " قلت " : وإذا جوَّزنا ذلك فالتحقيق أنه يكون بطريق الإجازة الأكيدة القوية.
وينبغي أن يُفصَّل، فيقال: إن كان قد سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره، فتجوز الرواية، وتكون الإشارة إلى شيء قد سلف بيانه وتحقق سماعه. والله أعلم(2)..
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 17)
(2) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 20)(1/401)
الخامس عشر - هل يجوز تغيير قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , إلى: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟(1)
قال الشَّيْخ ابن الصَّلاح(2): الظَّاهر أنَّهُ لا يَجُوز تغيير: قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , إلى: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عكسه, وإن جَازت الرِّواية بالمعنى.
وكان أحمد(3)إذا كانَ في الكِتَاب: عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , وقال المُحدِّث: رَسُول الله, ضرب وكتب رَسُول الله .
وعلَّل ابن الصَّلاح ذلك لاختلافه أي: اختلاف معنى النَّبي والرَّسُول, لأنَّ الرَّسول من أُوحي إليه للتبليغ, والنَّبي من أوحي إليه للعمل فقط.
قال النووي: والصَّواب والله أعلم جوازه لأنَّه وإن اختلف معناهُ في الأصل لا يَخْتلف به هُنَا معنى إذ المَقْصود نسبة القول لقائله, وذلك حاصل بكلا من المَوْضعين.
وهُو مَذْهب أحمد بن حنبل ، قال صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي يكون في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيجعل الإنسان قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أرجو أن لا يكون به بأس(4), وما تقدَّم عنه مَحْمُول على اسْتحباب اتِّباع اللَّفظ دون اللُّزوم ، وهو مذهب حمَّاد بن سَلَمة, والخَطِيب أيضاً.
وبعضهم استدلَّ للمنع بحديث البخارى (247 ) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ . فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ » . قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا بَلَغْتُ « اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ » . قُلْتُ وَرَسُولِكَ . قَالَ « لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ » ..
قال العِرَاقي(5): فليسَ فيهِ دليلٌ ؛ لأنَّ ألفاظَ الأذكارِ توقيفيَّةٌ ، وربَّمَا كانَ في اللَّفْظِ سِرٌّ لا يحصلُ بغيرِهِ ، ولعلَّهُ أرادَ أنْ يجمعَ بينَ اللَّفظينِ في موضعٍ واحدٍ . وقالَ النوويُّ : (( الصوابُ - واللهُ أعلمُ - جوازُهُ ؛ لأنَّهُ لا يختلفُ بهِ هُنَا مَعْنًى ))
وقال البَدْر بن جَمَاعة(6): لو قيل: يَجُوز تغيير النَّبي إلى الرَّسول, ولا يَجُوز عكسه لما بَعُد, لأنَّ في الرَّسول معنى زائدًا على النَّبي.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 17) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 26)
(2) - علوم الحديث ص 239
(3) - الكفاية ص 360
(4) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 240)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 175)
(6) - المنهل الروي ص 104(1/402)
السادس عشر - إذَا كَانَ في سَمَاعهِ بَعْض الوَهَنِ, فَعَليهِ بيانهُ حالَ الرِّوايةِ(1)
إذا كان في سماعه بعض الوهن أي: الضَّعف فعليه بيانه حال الرِّواية فإن في إغْفَاله نوعًا من التَّدْليس, وذلك كأن يسمع من غير أصل, أو يُحدِّث هو أو الشَّيْخ وقت القِرَاءة, أو حصلَ نَوْم, أو نسخ, أو سمع بقراءة مُصحِّف, أو لحَّان, أو كان التسميع بخطِّ من فيه نظر.
ومنه إذا حدَّثه من حفظه في المُذَاكرة لتساهلهم فيها فليقل: حدَّثنا مُذَاكرة ونحوه كما فعله الأئمة.
ومنع جَمَاعة منهم كابن مهدي, وابن المبارك, وأبي زُرْعة الحمل عنهم حال المذاكرة لتساهلهم فيها, ولأنَّ الحفظ خوَّان.
وامتنع جماعة من رواية ما يحفظونه إلاَّ من كُتبهم لذلك, منهم أحمد بن حنبل.
قال العراقي(2): " إذا كانَ الحديثُ عن رجلينِ : أحدُهما مجروحٌ ، كحديثٍ لأنَسٍ يرويهِ عنهُ مثلاً ثابتٌ البُنَانيُّ ، وأبانُ بن أبي عيَّاشٍ، ونحوُ ذلكَ، لا يحسنُ إسقاطُ المجروحِ - وهو أبانُ - والاقتصارُ على ثابتٍ لجوازِ أَنْ يكونَ فيه شيءٌ عن أبانَ لم يذكرْهُ ثابتٌ ؛ وحملُ لفظِ أحدِهما عَلَى الآخَرِ ، قالَ نحوَ ذلكَ أحمدُ ، والخطيبُ ، وقالَ ابنُ الصلاحِ(3): (( إنَّهُ لا يمتنعُ ذلكَ امتناعَ تحريمٍ ؛ لأنَّ الظاهرَ اتفاقُ الروايتينِ ، وما ذُكِرَ من الاحتمالِ نادرٌ بعيدٌ )) .
قالَ الخطيبُ(4): وكانَ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في مثلِ هذا رُبَّمَا أسقطَ المجروحَ من إلاسنَاْدِ ويذكرُ الثقةَ ، ثُمَّ يقولُ : (( وآخرُ )) كِنَايَةً عن المجروحِ . قالَ : وهذا القولُ لا فائدةَ فيهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ(5): (( وهكذا ينبغي ، إذا كانَ الحديثُ عن ثقتينِ أنْ لا يُسقِطَ أحدَهما منهُ ؛ لتطرقِ مثلِ الاحتمالِ المذكورِ إليهِ ، وإنْ كانَ محذورُ الإسقاطِ فيهِ أقلَّ ، ثُمَّ لا يمتنعُ ذلكَ )) . " اهـ
وقال البَلْقِيني(6): بل له فائدة تكثير الطُّرق.
وإذَا سمع بعض حديث من شيخ, وبعضه الآخر من شيخ آخر, فرَوَى جُملتهُ عنهما مُبينًا أنَّ بعضهُ عن أحدهما, وبعضه عن الآخر غير مُميز لمَا سمعهُ من كلِّ شيخ عن الآخر جَاز, ثمَّ يَصِير كل جزء منهُ, كأنَّه رواهُ عن أحدهما مُبهمًا, فلا يُحتج بشيء منه إن كان فيهما مجروح لأنَّه ما من جزء منهُ إلاَّ ويجوز أن يكون عن ذلك المَجْروح.
ويجب ذكرهما حينئذ جميعًا, مُبينا إن كان عن أحدهما بعضه, وعن الآخر بعضه ولا يَجُوز ذكرهما ساكتًا عن ذلك, ولا إسقاط أحدهما مَجْروحًا كان أو ثقة.
ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في البخارى(2661 ) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَأَفْهَمَنِى بَعْضَهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ ، قَالَ الزُّهْرِىُّ ، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِى طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ ، وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا ، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِى حَدَّثَنِى عَنْ عَائِشَةَ ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا... فذكر الحديث.
قال العِرَاقي(7): وقد اعْتَرضَ بأن البُخَاري أسقطَ بعض شُيوخه في مثل هذه الصُّورة, واقتصرَ على واحد, فقال في كتاب الرقاق من «صحيحه» صحيح البخارى(6452 ) حَدَّثَنِى أَبُو نُعَيْمٍ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ آللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِى عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِى مِنَ الْجُوعِ ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِى يَخْرُجُونَ مِنْهُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِى ، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِى عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِى ، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِى أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِى وَعَرَفَ ، مَا فِى نَفْسِى وَمَا فِى وَجْهِى ثُمَّ قَالَ « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الْحَقْ » . وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأَذِنَ لِى ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِى قَدَحٍ فَقَالَ « مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ » . قَالُوا أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ . قَالَ « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِى » . قَالَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا ، فَسَاءَنِى ذَلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِى أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا ، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِى فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِى مِنْ هَذَا اللَّبَنِ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بُدٌّ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا ، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ « يَا أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ « خُذْ فَأَعْطِهِمْ » . قَالَ فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوِىَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ » . قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « اقْعُدْ فَاشْرَبْ » . فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ . فَقَالَ « اشْرَبْ » . فَشَرِبْتُ ، فَمَا زَالَ يَقُولُ « اشْرَبْ » . حَتَّى قُلْتُ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا . قَالَ « فَأَرِنِى » . فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى ، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ "..
قال: والجَوَاب أنَّ المُمْتنع إنَّما هو إسْقَاط بَعْضهم, وإيراد كلِّ الحديث عن بعضهم, لأنَّه حينئذ يَكُون قد حدَّث عن المَذْكُور ببعض ما لم يَسْمعهُ منه, فأمَّا إذا بيَّن أنَّه لم يسمع منه إلاَّ بعض الحديث, كما فعل البُخَاري هُنَا فليس بممتنع.
وقد بيَّن البُخَاري في كتاب الاستئذان البعض الَّذي سمعه من أبي نُعيم فقال: (6246 ) حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَخْبَرَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ لَبَنًا فِى قَدَحٍ فَقَالَ « أَبَا هِرٍّ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَىَّ » . قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأُذِنَ لَهُمْ ، فَدَخَلُوا .. انتهى.
فهذا هو بعض حديث أبي نعيم الَّذي ذكره في الرقاق, وأمَّا بقية الحديث, فيحتمل أنَّ البُخَاري أخذه من كتاب أبي نعيم وجَادة, أو إجَازة, أو سمعهُ من شيخ آخر غير أبي نُعيم, إمَّا محمَّد بن مقاتل أو غيره, ولم يُبيِّن ذلك, بل اقتصر على اتِّصال بعض الحديث من غير بيان, ولكن ما من قطعة منه إلاَّ وهي مُحتملة, لأنَّها غير مُتَّصلة بالسَّماع إلاَّ القِطْعة الَّتي صرَّح في الاستئذان باتِّصالها.(8)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 27)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 176)
(3) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 52)
(4) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 367)
(5) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 52)
(6) - محاسن الاطلاع ص 357
(7) - التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 40)
(8) - وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 272) 5971 - قَوْله ( حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم بِنَحْوٍ مِنْ نِصْف هَذَا الْحَدِيث ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : يَسْتَلْزِم أَنْ يَكُون الْحَدِيث بِغَيْرِ إِسْنَاد يَعْنِي غَيْر مَوْصُول ؛ لِأَنَّ النِّصْف الْمَذْكُور مُبْهَم لَا يُدْرَى أَهُوَ الْأَوَّل أَوْ الثَّانِي . قُلْت : يَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُون قَدْر النِّصْف الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَبُو نُعَيْم مُلَفَّقًا مِنْ الْحَدِيث الْمَذْكُور ، وَاَلَّذِي يَتَبَادَر مِنْ الْإِطْلَاق أَنَّهُ النِّصْف الْأَوَّل ، وَقَدْ جَزَمَ مُغَلْطَاي وَبَعْض شُيُوخنَا ، أَنَّ الْقَدْر الْمَسْمُوع لَهُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي " بَاب إِذَا دُعِيَ الرَّجُل فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِن " مِنْ كِتَاب الِاسْتِئْذَان حَيْثُ قَالَ " حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا عُمَر بْن ذَرّ ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُقَاتِل أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن الْمُبَارَك أَنْبَأَنَا عُمَر بْن ذَرّ أَنْبَأَنَا مُجَاهِد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : دَخَلْت مَعَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَح فَقَالَ : أَبَا هِرّ اِلْحَقْ أَهْل الصُّفَّة فَادْعُهُمْ إِلَيَّ . قَالَ فَأَتَيْتهمْ فَدَعَوْتهمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا " قَالَ مُغَلْطَاي : فَهَذَا هُوَ الْقَدْر الَّذِي سَمِعَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ أَبِي نُعَيْم ، وَاعْتَرَضَهُ الْكَرْمَانِيُّ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا ثُلُث الْحَدِيث وَلَا رُبْعه فَضْلًا عَنْ نِصْفه . قُلْت : وَفِيهِ نَظَر مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ : أَحَدهمَا اِحْتِمَال أَنْ يَكُون هَذَا السِّيَاق لِابْنِ الْمُبَارَك فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّن كَوْنه لَفْظ أَبِي نُعَيْم ، ثَانِيهمَا أَنَّهُ مُنْتَزَع مِنْ أَثْنَاء الْحَدِيث فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْقِصَّة الْأُولَى الْمُتَعَلِّقَة بِأَبِي هُرَيْرَة وَلَا مَا فِي آخِره مِنْ حُصُول الْبَرَكَة فِي اللَّبَن إِلَخْ . نَعَمْ ، الْمُحَرَّر قَوْل شَيْخنَا فِي " النُّكَت عَلَى اِبْن الصَّلَاح " مَا نَصّه : الْقَدْر الْمَذْكُور فِي الِاسْتِئْذَان بَعْض الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي الرِّقَاق ، قُلْت : فَهُوَ مِمَّا حَدَّثَهُ بِهِ أَبُو نُعَيْم سَوَاء كَانَ بِلَفْظِهِ أَمْ بِمَعْنَاهُ ، وَأَمَّا بَاقِيه الَّذِي لَمْ يَسْمَعهُ مِنْهُ فَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إِنَّهُ يَصِير بِغَيْرِ إِسْنَاد فَيَعُود الْمَحْذُور ، كَذَا قَالَ . وَكَأَنَّ مُرَاده أَنَّهُ لَا يَكُون مُتَّصِلًا لِعَدَمِ تَصْرِيحه بِأَنَّ أَبَا نُعَيْم حَدَّثَهُ بِهِ ، لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ مَحْذُور بَلْ يَحْتَمِل كَمَا قَالَ شَيْخنَا أَنْ يَكُون الْبُخَارِيّ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي نُعَيْم بِطَرِيقِ الْوِجَادَة أَوْ الْإِجَازَة أَوْ حَمَلَهُ عَنْ شَيْخ آخَر غَيْر أَبِي نُعَيْم ، قُلْت : أَوْ سَمِعَ بَقِيَّة الْحَدِيث مِنْ شَيْخ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي نُعَيْم ، وَلِهَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ أَوْرَدْته فِي " تَعْلِيق التَّعْلِيق " فَأَخْرَجْته مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ أَبِي نُعَيْم تَامًّا وَمِنْ طَرِيقه أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي " السُّنَن الْكُبْرَى " عَنْ أَحْمَد بْن يَحْيَى الصُّوفِيّ عَنْ أَبِي نُعَيْم بِتَمَامِهِ ، وَاجْتَمَعَ لِي مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ عُمَر بْن ذَرّ شَيْخ أَبِي نُعَيْم أَيْضًا جَمَاعَة : مِنْهُمْ رَوْح بْن عُبَادَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْهُ وَعَلِيّ بْن مُسْهِر وَمِنْ طَرِيقه أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَيُونُس بْن بُكَيْر وَمِنْ طَرِيقه أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك وَالْبَيْهَقِيُّ . وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتهمْ مِنْ فَائِدَة زَائِدَة . ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ مُجِيبًا عَنْ الْمَحْذُور الَّذِي اِدَّعَاهُ مَا نَصّه : اِعْتَمَدَ الْبُخَارِيّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَطْعِمَة عَنْ يُوسُف بْن عِيسَى فَإِنَّهُ قَرِيب مِنْ نِصْف هَذَا الْحَدِيث . فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالنِّصْفِ هُنَا مَا لَمْ يَذْكُرهُ ثَمَّةَ فَيَصِير الْكُلّ مُسْنَدًا بَعْضه عَنْ يُوسُف وَبَعْضه عَنْ أَبِي نُعَيْم قُلْت : سَنَد طَرِيق يُوسُف مُغَايِر لِطَرِيقِ أَبِي نُعَيْم إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فَيَعُود الْمَحْذُور بِالنِّسْبَةِ إِلَى خُصُوص طَرِيق أَبِي نُعَيْم فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّل كِتَاب الْأَطْعِمَة " حَدَّثَنَا يُوسُف بْن عِيسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ أَصَابَنِي جَهْد " فَذَكَرَ سُؤَاله عَنْ الْآيَة وَذَكَرَ مُرُور رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِهِ ، وَفِيهِ " فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْله فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَن فَشَرِبْت مِنْهُ ثُمَّ قَالَ عُدْ " فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُر قِصَّة أَصْحَاب الصُّفَّة وَلَا مَا يَتَعَلَّق بِالْبَرَكَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَن ، وَزَادَ فِي آخِره مَا دَار بَيْن أَبِي هُرَيْرَة وَعُمَر وَنَدَم عُمَر عَلَى كَوْنه مَا اِسْتَتْبَعَهُ ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ الْمُغَايَرَة بَيْن الْحَدِيثَيْنِ فِي السَّنَدَيْنِ ، وَأَمَّا الْمَتْن فَفِي أَحَد الطَّرِيقَيْنِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَر لَكِنْ لَيْسَ فِي طَرِيق أَبِي حَازِم مِنْ الزِّيَادَة كَبِير أَمْر ، وَاَللَّه أَعْلَم .(1/403)
السابع عشر - شبهات حول الراوية بالمعنى وردها(1)
لا خلاف بين العلماء في أن الجاهل والمبتدئ ومن لم يمهر في العلم، ولا تقدم في معرفة تقديم الألفاظ وترتيب الجمل، وفهم المعاني يجب عليه ألا يروي ولا يحكي حديثا إلا على اللفظ الذي سمعه، وأنه حرام عليه التعبير بغير لفظه المسموع، إذ جميع ما يفعله من ذلك تحكم بالجهالة وتصرف على غير حقيقة في أصول الشريعة، وتقول على الله ورسوله.
قال المرجفون :" إذا جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه فذلك يقتضي سقوط الكلام الأول، لأن التعبير بالمعنى لا ينفك عن تفاوت، فإن توالت المتفاوتات كان التفاوت الأخير تفاوتا فاحشا بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة".
وهذا الطعن يعتمد أصحابه على إثارة الوساوس في النفوس، بطريق المغالطة والتغافل العنيد عن الشروط التي أحاطها العلماء حول صحة الحديث والرواية بالمعنى، وهي شروط تجعل الناظر في تصرف المحدثين يطمئن إلى أن النقل بالمعنى لم يفوِّت جوهرالحديث، وإنما وضع مفردات موضع مفردات أخرى في نفس المعنى.
ونوجز لك بيان ذلك من وجهين:
1- إن الرواية بالمعنى لم تجز إلا لعالم باللغة، لا يحيلُ المعاني عن وجهها، وهذا بالنسبة للصحابة متوفر، فهم أرباب الفصاحة وأبناء بجدة اللغة في ما أوتوا من قوة الحفظ، وما توفر من أسبابه التي ذكرنا منها طرفا، ثم من جاء بعدهم يعرض على الاختبار، ولم يقبل العلماء إلا من توفر فيه هذا الشرط.
2- هب أن الراوي بالمعنى قد أخطأ الفهم وروى الحديث على الخطأ. أفيذهب الخطأ على العلماء؟!. هذا مالا يمكن!! فإنهم يشترطون في الحديث الصحيح والحسن انتفاء الشذوذ والعلة منه، أي أن حديث الثقة لا يقبل حتى يعرض على روايات الثقات، ويتبين أنه موافق لها، سالم من القوادح الخفية.
وبذلك يجتنب ما قد يطرأ على الحديث نتيجة تناقله بين رجال السند، ولا يبقى لتوهم إخلال الراوي بالحديث أي صنع.
قلت : وزعم بعضهم أن رواية الأحاديث بالمعنى هل أدخلت ضرراً على الدين
والجواب :
إن الرواية هي أداء الحديث وتبليغه ، مسنداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيغة من صيغ الأداء ، وهي نوعان :
روايةٌ باللفظ الذي سمعه الراوي دون تغيير أو تبديل ، أو تقديم أو تأخير ، أو زيادة أو نقص ، وروايةٌ بالمعنى الذي اشتمل عليه اللفظ ، بدون التقيد بألفاظ الحديث المسموعة .
والأصل في الرواية أن تكون باللفظ المسموع منه - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا نسي الراوي اللفظ جازت الرواية بالمعنى على سبيل التخفيف والرخصة ، بضوابط معروفة يذكرها أهل العلم في هذا الباب .
ولكن يأبى المشكِّكون إلا أن يصطادوا في الماء العكر ، ويبحثوا عن أي مدخل للطعن في السنة والتشكيك فيها ، وكان المدخل في هذه المرة مسألة " رواية الحديث بالمعنى " ، حيث زعموا أن جميع الأحاديث قد رواها الرواة بالمعنى لا بالألفاظ المسموعة منه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن ذلك كان شأن الرواة في كل طبقة ، حيث يسمعون الأحاديث بألفاظ ثم يروونها بألفاظ أخرى ، وهكذا حتى انطمست معالم الألفاظ النبوية وتغيرت معانيها ، مما أدخل الضرر الكبير على الدين ، وأوجب إسقاط الثقة بهذه الأحاديث والتي تصرف الرواة في ألفاظها ، حتى غدت لا تمتُّ إلى الألفاظ النبوية بصلة .
وبذلك جعلوا رواية الأحاديث بالمعنى هو الأصل والقاعدة ، ومجيئها على اللفظ المسموع أمراً شاذاً نادراً ، وأنحوا باللوم والتشنيع على الذين اعتقدوا (( أن أحاديث الرسول التي يقرؤونها في الكتب ، أو يسمعونها ممن يتحدثون بها ، جاءت صحيحة المبنى محكمة التأليف ، وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطق بها النبي بلا تحريف ولا تبديل ، وأن الصحابة ومن جاء بعدهم ممن حملوا عنهم إلى زمن التدوين قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها ، وأدوها على وجهها كما تلقوها ، فلم ينلها تغير ولا اعتراها تبديل ، وأن الرواة للأحاديث كانوا صنفاً خاصاً في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة )) - كما فعل " محمود أبو رية " - في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " .
وقال بعد أن ذكر أنه أن لبث زمناً طويلاً يبحث وينقب حتى انتهى إلى حقائق عجيبة ، ونتائج خطيرة : (( ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث ( كلها ) - مما أسموه صحيحاً ، أو ما جعلوه حسناً- حديثٌ قد جاء على حقيقة لفظه ومحكم تركيبه . كما نطق به الرسول به . . . ، وقد يوجد بعض ألفاظ مفردة بقيت على حقيقتها في بعض الأحاديث القصيرة ، وذلك في الفلتة والندرة . .. .))
والقارئ لهذا الكلام إذا لم يكن من أهل العلم والمعرفة بالحديث النبوي ، يخيل إليه أن السنة لم يأت فيها حديث مروي بلفظه ، وأنه قد دخلها الكثير من التحريف والتغيير .
مع أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن رواية الحديث بلفظه المسموع منه - صلى الله عليه وسلم - هو الأصل الذي ينبغي لكل راوٍ وناقل أن يلتزمه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، بل قد أوجبه بعضهم ومنعوا الرواية بالمعنى مطلقاً ، وألزموا أنفسهم وغيرهم بأداء اللفظ كما سُمِع .
والذين أجازوا الرواية بالمعنى إنما أجازوها على أنها رُخْصة تقدر بقدرها ، إذا غاب اللفظ عن الذهن أو لم يتأكد منه ، لا على أنها أصل يتبع ويلتزم في الرواية
ومع ذلك فقد اشترطوا لجوازها شروطاً تضمن سلامة المعنى وعدم تحريفه ، فقالوا : نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ، ودقائق الألفاظ ، أما العالم بالألفاظ ، الخبير بمقاصدها ، العارف بما يحيل المعاني ويغيرها ، البصير بمقدار التفاوت بينها حيث يفرق بين المحتمل وغير المحتمل ، والظاهر والأظهر ، والعام والأعم ، فإنه يجوز له ذلك ، وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء والمحدثين .
وهذا التجويز منهم للرواية بالمعنى إنما هو في غير ما تضمنته بطون الكتب ، أما ما دُوِّن في الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ، ويثبت بدله لفظاً آخر بمعناه لأن الرواية بالمعنى إنما رُخِّص فيها لما في ضبط الألفاظ والمحافظة عليها من الحرج والمشقة ، وذلك غير موجود فيما تضمنته بطون الكتب ، ولأنه لا يملك تغيير تصنيف غيره - كما ذكر ذلك الإمام ابن الصلاح -
ومن الأحاديث ما لا يجوز روايته بالمعنى كالأحاديث التي يتعبد بلفظها مثل أحاديث الأذكار والأدعية والتشهد ونحوها ، وما كان من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ، والأحاديث التي تتعلق بالأمور التوقيفية كأسماء الله وصفاته وغير ذلك ، فليس كل الأحاديث إذاً يجوز روايته بالمعنى .
على أن الرواية بالمعنى إنما تكون غالباً في الكلمة والكلمتين والثلاث ، وقل أن تقع في جميع ألفاظ الحديث ، وربما ذكر الراوي عقب الحديث - إذا اضطر إلى الرواية بالمعنى ولم يتأكد من اللفظ - لفظاً يفيد التصون والاحتياط ، لعلمهم بما في الرواية بالمعنى من الخطورة ، كما ثبت عن ابن مسعود أنه قال يوماً : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاغرورقت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، ثم قال : (( أو مثله أو نحوه أو شبهه )) رواه ابن ماجة وغيره .
كما أنه من الظلم والتلبيس عند اتهام هؤلاء الرواة الثقات - من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم - بالتصرف في الألفاظ ، إغفال الخصائص الدينية ، والنفسية ، والخلقية ، التي كانوا يتمتعون بها ، والتي لم تتوفر لمن بعدهم بالقدر الذي توفر لهم ، مما عصمهم بإذن الله من التغيير والتبديل ، والتساهل في الرواية
فقد كانوا عرباً خلصاً ، أهل فصاحة وبلاغة ، وكانوا على علم بمواقع الخطاب ، ومحامل الكلام ، مع ما هم عليه من الديانة والورع والتقوى ، وهم يعلمون بأن الذي يروونه دين من عند الله تعالى ، يحرم فيه الكذب على الله وعلى رسوله ، وأن أي تزيد فيه أو تحريف يقود المرء إلى أن يتبوأ مقعداً في النار .
إضافة إلى ما حباهم الله به من حوافظ قوية ، وأذهان سيالة ، وقلوب عاقلة واعية ، والغفلة عن ذلك كله إنكار للحق الثابت ، والواقع الملموس .
وبذلك يظهر لك أخي القارئ أن أكثر الأحاديث قد وصلت إلينا بمحكم ألفاظها ، وأن بعضها قد روي بالمعنى مع الاحتياط البالغ من أي تغيير يخل بالمعنى الأصلي ، وما عسى أن يكون قد دخل نزراً من الأحاديث بسبب الرواية بالمعنى فهو شيء يسير تنبه له العلماء وبينوه .
فعُلِم أن الرواية بالمعنى لم تجن على الدين ، ولم تدخل على النصوص التحريف والتبديل ، كما زعم المستشرقون ومن لفَّ لفَّهم ، وأن الله الذي تكفل بحفظ كتابه ، قد تكفل بحفظ سنة نبيه من التحريف والتبديل ، وقيض لها في كل عصر من ينفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .(2)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 227)
(2) - انظر دفاع عن السنة د . محمد أبو شهبة والحديث والمحدثون محمد محمد أبو زهو وموقف المدرسة العقلية الأمين الصادق الأمين(1/404)
الثامن عشر - وجوب رواية الحديث اليوم بلفظه في معرض الاحتجاج
أمر هام يجدر التنبه إليه، والتيقظ له، وهو أن هذا الخلاف في الرواية بالمعنى إنما كان في عصور الرواية قبل تدوين الحديث، أما بعد تدوين الحديث في المصنفات والكتب فقد زال الخلاف ووجب اتباع اللفظ، لزوال الحاجة إلى قبول الرواية على المعنى، "وقد استقر القول في العصور الأخيرة على منع الرواية بالمعنى عملا. وإن أخذ بعض العلماء بالجواز نظرا"(1).
فلا يسوغ لأحد الآن رواية الحديث بالمعنى، إلا على سبيل التذكير بمعانيه في المجالس للوعظ ونحوه، فأما إيراده على سبيل الاحتجاج أو الرواية في المؤلفات فلا يجوز إلا باللفظ.
وقد غفل عن هذا بعض من تصدر للحديث من العصريين حيث عزا أحاديث كثيرة إلى مصادرها بغير لفظها، زاعما أنها "ليست قرآنا نتعبد بلفظه...!".
- - - - - - - - - - - - - -
غريبُ الحديث(2)
1- تعريفُه:
أ) لغة: الغريب في اللغة ، هو البعيد عن أقاربه ، والمراد به هنا الألفاظ التي خفي معناها ، قال صاحب القاموس : " غَرُبَ كَكَرُمَ ، غَمُضَ وخَفِىَ "(3)
ب) اصطلاحاً: هو ما وقعَ في مَتْن الحديث من لَفْظة غامضة, بعيدة من الفهم, لقلة استعمالها.
2- أهميتُه وصعوبته:
وهو فنٌّ مُهم يقبح جهله بأهل الحديث [والخوض فيه صعب حقيقٌ بالتَّحري, جديرٌ بالتَّوقي ، فليتحرَّ خائضه وليتَّق الله أن يُقدم على تفسير كلام نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بمُجرَّد الظُّنون ، وكان السَّلف يتثبتون فيه أشد تثبت ..
ولا ينبغي لمَنْ تَكَلَّمَ في غريبِ الحديثِ أنْ يخوضَ فيه رجماً بالظنِّ ، فقدْ روينا عن أحمدَ بنِ حنبلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن حرفٍ منهُ ، فقالَ : سَلُوا أصحابَ الغريبِ ، فإنيِّ أكرَهُ أن أتَكَلَّمَ في قولِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالظَّنِّ . وسُئِلَ الأصمعيُّ عن حديثِ : (( الجارُ أحقُّ بِسَقَبِهِ ))(4)، فقالَ : أنا لا أفَسِّرُ حديثَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنَّ العربَ تزعمُ أنَّ السَّقَبَ: اللَّزيقُ ..(5)
3- أجودُ تفسيره :
وأجود تفسيره ما جاء مفسَّراً في رواية أخرى، مثل حديث عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَتْ بِى بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ « صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ »(6).
وقد فَسَّر قولَهُ " عَلَى جَنْبٍ" حديثُ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُصَلِّى الْمَرِيضُ قَائِمًا إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَيْهِ مِمَّا يَلِى الْقِبْلَةَ »(7).
وكما في البخارى (1354 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ « تَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ » . فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ . فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ وَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ . فَقَالَ لَهُ « مَاذَا تَرَى » . قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ » ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا » . فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ . فَقَالَ « اخْسَأْ ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ » . فَقَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه - دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ »
فالدخ ههنا الدخان, وهو لغة فيه, حكاه الجوهري وغيره ، كما في سنن الترمذى (2415 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ وَهُوَ غُلاَمٌ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ ». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ». ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا يَأْتِيكَ ». قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا ». وَخَبَأَ لَهُ { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } [الدخان :10]. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ(8). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ». قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنْ يَكُ حَقًّا فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لاَ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ ». قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَعْنِى الدَّجَّالَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
4- أشهرُ المصنفات فيه :
ا) سبب التأليف في هذا الباب :
قال ابن الأثير(9): " وقد عَرفْت - أيّدك اللّه وإيّانا بلُطفه وتوفيقه - : أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب لسانا وأوضَحَهُمْ بيانا . وأعذَبَهم نُطقا وأسَدَّهم لفظا . وأبيَنَهم لَهجَة وأقومَهم حُجة . وأعرَفَهُم بمواقع الخطاب وأهدَاهم إلى طُرق الصواب . تأييداً إلهِياً ولُطفا سماويا . وعنايَةً رَبَّانية ورعايَةً رُوحانية حتى لقد قال له عليُّ بنُ أبي طالب كرم اللّه وجهه - وسَمِعَهُ يخاطبُ وَفْد بَني نَهْد - : يا رسول اللّه نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال [ أدَّبني رَبّي فأحْسَنَ تَأديبي وَرُبِّيتُ في بني سَعْد ](10). فكان - صلى الله عليه وسلم - يُخَاطب العرب على اختلاف شُعُوبهم وقبائلهم وتَبَاين بُطونهم وأفخاذهم وفصائِلِهم كلاًّ منهم بما يفهمون ويُحادثُهم بما يعلمون .
فكأنّ اللّه عزّ وجل قد أعْلَمه ما لم يكن يَعْلَمُه غيرُه من بني أبِيه وجمع فيه من المعارف ما تفرَّق ولم يوجد في قَاصِي العَرَب ودَانِيه . وكان أصحابُه رضي اللّه عنهم ومن يَفِدُ عليه من الْعَرَب يعرفون أكثرَ ما يقوله وما جَهِلوه سألوه عنه فيوضحه لهم .
واسْتمرَّ عصره - صلى الله عليه وسلم - إلى حين وفاته على هذا السَّنَن المستقيم . وجاء العصر الثاني - وهو عصر الصحابة - جاريا على هذا النَّمط سالكا هذا المَنهج . فكان اللسان العربي عندهم صحيحا مَحْرُوسا لا يَتَدَاخَلُهُ الخَلل ولا يَتَطرَّقُ إليه الزَّلَل إلى أن فُتحت الأمصار وخالطَ العربُ غيرَ جنسهم من الروم والفرس والحبش والنَّبَط وغيرهم من أنواع الأمم ، الذين فتح اللّه على المسلمين بلادَهم وأفاَءَ عليهم أموالَهم ورقابَهُم فاختلطتِ الفرق وامتزجت الألسُن وتداخَلتِ اللغاتُ ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بدّ لهم في الخطاب منه، وحفظوا من اللغة ماَلاَ غِنًى لهم في المحاوَرَةِ عنه وتركو ما عداه لعدم الحاجة اليه وأهمَلوه لقلّة الرَّغبة في الباعث عليه فصار بعد كونه من أهمّ المعارف مُطّرَحاً مهجوراً ، وبعد فَرْضِيَّتهِ اللازمة كأن لم يكن شيئا مذكورا . وتمادتِ الأيامُ والحالة هذه على ما فيها من التَّماسُك والثَّبَات واسْتَمرَّت على سَنَنٍ من الاستقامة والصلاح إلى أن انقرض عصرُ الصحابة والشأنُ قريب والقائمُ بواجب هذا الأمر لقلّته غريب .
وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلُّوا في الإتقان عددا واقْتَفَوْا هديَهُمْ وإن كانوا مَدُّوا في البيان يَدَا فما انقضى زمانُهم على إحسانهم إلاّ واللسانُ العربيُّ قد استحال أعجميا أو كَاد فلا ترى المُسْتَقِلَّ به والمحافِظَ عليه إلاّ الآحاد.
هذا والعصرُ ذلك العصرُ القديم والعَهدُ ذلك العهدُ الكريم فجهِلَ الناسُ من هذا المُهِمّ ما كان يلزمُهم معرفَتُه، وأخّروا منه ما كان يجب تَقْدِمَتُه واتخذوه وراءَهم ظِهْرِيًّا فصار نِسْياً منسياً، والمشتغل به عندهم بعيدا قصيّاً فلما أعضَلَ الدَّاءُ وعزَّ الدَّواءُ ألهمَ اللّه عز و جل جماعة من أولِي المعارف والنُّهَى وذوي البصائر والحِجَى أن صرفوا إلى هذا الشأن طَرَفاً مِن عنَايتهم وجانبا من رِعايَتهم فشَرَّعوا فيه للناس مواردا ومهَّدوا فيه لهم معاَهدا حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياَع وحفظا لهذا المهِم العزيز من الاختلال ."
ب) تطور التأليف فيه إلى عصر ابن الأثير
قال ابن الأثير رحمه الله(11): " إن أوّلَ من جَمعَ في هذا الفنّ شيئاَ وألَّف أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنّى التميمي فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابا صغيرا ذا أوراق معدودات ولم تكن قِلَّتُهُ لجهله بغيره من غريب الحديث، وإنما كان ذلك لأمرين : أحدهما أن كل مُبْتَدِئ لشىء لم يُسْبَق إليه وَمُبْتَدِعٍ لأمر لم يُتَقَدَّم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر وصغيرا ثم يكبر .
والثاني أنَّ الناسَ يومئذ كان فيهم بَقِيةٌ وعندهم معرفة فلم يكن الجهلُ قد عَمّ ولا الخطبُ قد طَمّ .
ثم جَمَع أبو الحسن النَّضْر بن شُميل المازنيّ بعده كتابا في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عُبيدة وشرح فيه وبَسَطَ على صغر حجمه ولُطفه .
ثم جمع عبدُ الملك بن قُرَيب الأصمعيّ - وكان في عصر أبي عُبيدة وتأخر عنه - كتابا أحسن فيه الصُّنْعَ وأجاد ونيَّف على كتابه وزاد، وكذلك محمد بن المُسْتَنير المعروف بِقُطْرُب وغيره من أئمة اللغة والفقه جمعوا أحاديث تَكَلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذواتِ عِدد ولم يَكَدْ أحدُهم ينفردُ عن غيره بكبير حديث لم يذكره الآخر .
واستَمَرَّتْ الحال إلى زمن أبي عُبيد القاسم بن سلاّم وذلك بعد المائتين فجمع كتابه المشهور َفي غريب الحديث والآثار الذي صار - وإن كان أخيراً - أوّلا لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة والمعاني اللطيفة والفوائد الجمَّة ، فصار هو القدوةَ في هذا الشأن فإنه أفْنى فيه عمره وأطاب به ذكره حتى لقد قال فيما يروى عنه : [ إني جَمَعْتُ كتابي هذا في أربعين سنة وهو كان خُلاصة عمري ] .
ولقد صدق رحمه اللّه فإنه احتاج إلى تَتَبُّع أحاديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على كَثْرتها - وآثار الصحابة والتابعين- على تَفَرُّقها وتعدُّدِها - حتى جمع منها ما احتاج إلى بيانه بطرق أسانيدها وحفظ رُوَاتها ، وهذا فن عزيز شريف لا يوفّقُ له إلا السعداء . وظنَّ رحمه اللّه - على كَثرة تعبه وطول نَصَبه - أنه قد أتى على معظم غريب الحديث وأكثرِ الآثار وما علم أن الشّوْطَ بَطِين ( أي بعيد ) والمنهل مَعِين .
وبقي على ذلك كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه ويعتمدون في غريب الحديث عليه إلى عصر أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتَيْبَة الدِّيَنوَرِي رحمه اللّه فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار حذا فيه حَذْوَ أبي عبيد ولم يُودعْه شيئا من الأحاديث المودعةِ في كتاب أبي عبيد إلا ما دَعَتْ إليه حاجةٌ من زيادة وبيان أو استدراك أو اعتراض، فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه . وقال في مقدِّمة كتابه : [ وقد كنتُ زمانا أرى أن كتاب أبي عبيد قد جمع تفسير غريب الحديث وأن النظر فيه مُسْتَغْنٍ به . ثم تَعَقبتُ ذلك بالنظر والتفتيش والمذاكرة فوجدت ما ترك نَحْوا مما ذكر فتتبَّعْتُ ما أغفل وفَسرتُه على نَحْو مما فَسَّر وأرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحدٍ فيه مقال ] . وقد كان في زمانه الإمام إبراهيم بن إسحاق الحَرْبيّ رحمه اللّه وجمع كتابه المشهور في غريب الحديث وهو كتاب كبير ذو مجلدات عِدَّةٍ جم .
ثمَّ صَنّف الناسُ -غيرُ من ذكَرنا- في هذا الفنِّ تصانيف كثيرة منهم شَمِرُ بن حَمْدَوَيه وأبو العباس أحمد بن يحي اللغوي المعروف بثعلب . وأبو العباس محمد بن يزيد الثُّمالي المعروف بالمبرَّد . وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري وأحمد بن الحسن الكنْدي . وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب . وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث .
ولم يَخْلُ زمانٌ وعصْرٌ ممن جمع في هذا الفن شيئا وانفرد فيه بتأليف واستبدَّ فيه بتصنيف .
واستمرَّتِ الحالُ إلى عهد الإمام أبي سليمان حمد بن محمد بن أحمد الخطَابي(12)الْبُسْتي رحمه اللّه وكان بعد الثلثمائة والستين وقبلها فألف كتابه المشهور في غريب الحديث سلك فيه نهج أبي عبيد وابن قُتَيْبة واقتفى هَدْيَهُما، وقال في مقدمة كتابه - بعد أن ذكر كتابَيْهما وأَثْنى عليهما - : [ وبقيت ْبعدهما صُبَابةٌ للقول فيها مُتَبَرَّض توليتُ جمعها وتفسيرها مُسْتَرْسلا بحسن هدايتهما وفضل إرشادهما بعد أن مضى عليّ زمان وأنا أحْسِب أنه لم يبقَ في هذا الباب لأحدٍ مُتكلَّم وأن الأوّلَ لم يترُكْ للآخر شيئا وأتّكلُ على قول ابن قُتَيْبَةَ في خطْبَةِ كتابه : إنه لم يبقَ لأحد في غريب الحديث مقال ],
وقال الخَطابي ايضا بعد أن ذكر جماعة من مُصَنفي الغريب وأثْنى عليهم : [ إلا أن هذه الكُتُبَ على كثرة عَدَدِها إذا حَصَلت كان مآلُها كالكتاب الواحد . إذ كانَ مصنفوها إنما سبيلهم فيها أن يتوالوْا على الحديث الواحد فَيَعْتَوِروه فيما بينهم ثم يتَبَارَوْا في تفسيره ويدخل بعضهم على بعض ولم يكن من شرط المسبوق أن يُفَرِّج للسابق عما أحْرَزَه ، وأن يقْتَضِب الكلام في شيء لم يُفَسَّرْ قبله على شاَكلة ابن قُتَيْبَة وصنيعه في كتابه الذي عَقَّبَ به كتاب أبي عبيد ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التي ذكرناها أن يكون شيئا منها على مِنْهاج كتاب أبي عبيد في بيان اللفظ وصحة المعنى وجَوْدَة الاستنباط وكثرة الفقه ، ولا أن يكون من جنس كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحُجة وذكر النظائر وتخليص المعاني، وإنما هي أو عامَتُها إذا تقسمت وقعت بين مُقَصِّر لا يورد في كتابه إلا أطْرَافاً وسَواقطَ من الحديث ثم لا يوفِّيها حقها من إشباع التفسير وإيضاح المعنى وبين مُطِيل يسرُدُ الأحاديث المشهورة التي لا يكاد يُشْكلُ منها شيء ثم يتكلفُ تفسيرها ويُطْنبُ فيها . وفي الكتابين غنى ومَنْدُوحَةٌ عن كلِّ كتاب ذكرناه قبلُ، إذ كانا قد أتَيَا على جماع ما تضمنتِ الأحاديث المودعة فيهما من تفسير وتأويل وزادا عليه فصارا أحقَّ به وأملك له ولعل الشيءَ بعد الشيء منها قد يَفُوتُهَما .
قال الخطابي : وأما كتابنا هذا فإني ذكرت فيه ما لم يرد في كتابيهما فصرفْتُ إلى جمعه عِنايتي ولم أزل أتتبع مظانّها وألتقط آحادها حتى اجتمع منها ما أحبُّ اللّه أن يُوَفِّقَ له واتسق الكتاب فصار كنحوٍ من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه
__________
(1) - انظر التنبيه على ذلك في علوم الحديث: 191 وشرح الألفية: 2: 5 والباعث الحثيث: 143 وغيرها.
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 60) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 293) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 82) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 502)
(3) - القاموس جـ 1 ـ ص 115
(4) - صحيح البخارى(2258 ) السقب : القرب والمجاورة
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 82) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 194)
(6) - صحيح البخارى برقم (1117 )
(7) - سنن الدارقطنى 2/43 برقم (1725 ) وفيه ضعف
(8) - ( وَهُوَ الدُّخُّ ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي الدُّخَانِ وَحَكَى صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ فِيهِ فَتْحَ الدَّالِ وَضَمَّهَا وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ ضَمُّهَا فَقَطْ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخِّ هُنَا الدُّخَانُ وَأَنَّهَا لُغَةٌ فِيهِ وَخَالَفَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ : لَا مَعْنَى لِلدُّخَانِ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُخَبَّأُ فِي كَفٍّ أَوْ كُمٍّ كَمَا قَالَ بَلْ الدُّخُّ بَيْتٌ مَوْجُودٌ بَيْنَ النَّخِيلِ وَالْبَسَاتِينِ ، قَالَ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَّأْت أَضْمَرْت لَك اِسْمَ الدُّخَانِ فَيَجُوزُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَضْمَرَ لَهُ آيَةَ الدُّخَانِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ : كَانَتْ سُورَةُ الدُّخَانِ مَكْتُوبَةً فِي يَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقِيلَ كَتَبَ الْآيَةَ فِي يَدِهِ . قَالَ الْقَاضِي : وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ مِنْ الْآيَةِ الَّتِي أَضْمَرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا لِهَذَا اللَّفْظِ النَّاقِصِ عَلَى عَادَةِ الْكُهَّانِ إِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَخْطَفُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الشِّهَابُ اِنْتَهَى . قَالَ صَاحِبُ اللُّمَعَاتِ : هَذَا إِمَّا لِكَوْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ كَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَسَمِعَهُ الشَّيْطَانُ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِ اِنْتَهَى تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 35)
(9) - النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 3)
(10) - أخرجه ابن السمعانى فى أدب الإملاء (ص1- طبعة العلمية) ، وابن الجوزى فى العلل (1/178 ، رقم 284) ، وقال : لا يصح ، وفيه مجهولون وضعفاء . والحديث ذكره السخاوى فى المقاصد (ص 39 ، رقم 45) وضعفه ، وكذا العجلونى (ص72 ، رقم 164) .
(11) - النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 3-4)
(12) - الخَطَّابِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، اللُّغَوِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَطَّابٍ البُسْتِيُّ، الخَطَّابِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ:سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَأَخَذَ الفِقْهَ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ عَنْ:أَبِي بَكْرٍ القَفَّالِ الشَّاشِي، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنُظَرَائِهِمَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَشُهْدَةُ بِنْتُ حسَّانٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ المَالِكِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، قَالَ: وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَان الشَّارحُ لِكتَاب أَبِي دَاوُدَ، فَإِذَا وَقَفَ مُنصفٌ عَلَى مُصَنَّفَاته، وَاطَّلع عَلَى بَدِيْع تَصَرُّفَاتِه فِي مُؤَلَّفَاته، تَحقَّق إِمَامتَهَ وَديَانتَه فِيمَا يُورِدُهُ وَأَمَانتَه، وَكَانَ قَدْ رحلَ فِي الحَدِيْثِ وَقرَاءةِ العُلوم، وَطوّف، ثُمَّ أَلَّف فِي فُنُوْنٍ مِنَ العِلْم، وَصَنَّفَ، وَفِي شُيُوْخه كَثْرَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي تَصَانِيْفِه، مِنْهَا(شَرْح السُّنَن)، الَّذِي عَوّلْنَا عَلَى الشّروع فِي إِملاَئِه وَإِلقَائِه، وَكِتَابه فِي غَرِيْب الحَدِيْثِ، ذَكر فِيْهِ مَا لَمْ يذكرْهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَلاَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كتَابَيْهِمَا، وَهُوَ كِتَابٌ مُمتع مُفِيْد، وَمُحصِّلُه بِنِيَّةٍ مُوَفَّقٌ سَعِيْدٌ، نَاوَلَنيه القَاضِي أَبُو المَحَاسِنِ بِالرَّيّ، وَشَيْخُه فِيْهِ عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيّ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يقع لِي مِنْ تَوَالِيفه سِوَى هذين الكتَابينِ مَنَاولَةً لاَ سَمَاعاً عِنْد اجتمَاعِي بِأَبِي المَحَاسِن، لِعَارضَةٍ قَدْ بَرَّحت بِي، وَبلغتْ مِنِّي، لولاَهَا لمَا تَوَانيتُ فِي سَمَاعهِمَا، وَقَدْ رَوَى لَنَا الرَّئِيْس أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيّ كِتَاب(العُزلَة)عَنْ أَبِي عَمْرٍو الرَّزْجَاهِي، عَنْهُ، وَأَنَا أَشكُّ هَلْ سَمِعتُه كَامِلاً أَوْ بَعْضه؟
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ، وَشُهْدَةُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ الرُّويَانِي، سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ البَلْخِيّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الخَطَّابِي، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بن الأَعْرَابِيِّ وَنَحْنُ نَسْمَعُ عَلَيْهِ هَذَا الكِتَاب - يَعْنِي:(سُنَن أَبِي دَاوُدَ) - يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ المُصْحَفُ الَّذِي فِيْهِ كِتَابُ اللهِ، ثُمَّ هَذَا الكِتَاب، لَمْ يَحْتَجْ مَعَهَا إِلَى شَيْءٍ مِنَ العِلْمِ بَتَّة.قَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّاب:تُوُفِّيَ الخَطَّابِي ببُسْتَ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.سير أعلام النبلاء (17/23-29) الطَّبقةُ الثَّانِيَةُ وَالعِشْرُونَ(1/405)
قال : وبلغني أن أبي عبيد مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث والأثر، والناس إذ ذاك متوافرون والروضة أُنُف والحوضُ ملآن . ثم قد غادر الكثيرَ منه لمن بعده . ثم سعى له أبو محمد سَعْيَ الجَواد فأسأر القَدر الذي جمعناه في كتابنا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذواتُ عددٍ لم أتيسر لتفسيرها تركتها ليفتحها اللّه على من يشاء من عباده ولكل وقت قوم ولكل نشئٍ علم . قال اللّه تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (21) سورة الحجر.
قلتُ : لقد أحسنَ الخطابي رحمة اللّه عليه وأنصف ، عرفَ الحق فقاله وتحرَّى الصدق فنطق به، فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمَّهاتِ الكتب وهي الدائرة في أيدي الناس والتي يُعَوِّلُ عليها علماء الأمصار ، إلا أنها وغيرها من الكتب المصنفة التي ذكرتاها أو لم نذكرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتَّباً ومُقفَّى يرجعُ الإنسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي ، وهو -على طوله وعسر ترتيبه- لا يوجد الحديث فيه إلا بعد تعبٍ وعناء، ولاخفاء لما في ذلك من المشقة والنَّصَب مع كون الحديث المطلوب لا يُعرف في أيّ واحد من الكتب هو، فيحتاج طالبُ غريب حديث إلى اعتبار جميع الكتب أو أكثرِها حتى يجد غرضه من بعضها . فلما كان زمنُ أبي عبيد أحمد بن محمد الهَروي صاحب الإمام أبي منصور الأزْهَرِي اللغوي وكان في زمن الخطابي وبعده وفي طبقته صنَّف كتابه المشهور السئر في الجمع بين غريبي القرآن العزيز والحديث ورتبه مقفى على حروف المعجم على وضع لم يُسْبَقْ في غريب القرآن والحديث إليه . فاستخرَجَ الكلمات اللغويةَ الغريبة من أماكنها وأثبتها في حروفها وذكر معانيها إذ كان الغرضُ والمقصد من هذا التصنيف معرفةَ الكلمة الغريبة لغةً وإعراباً ومعنًى لا معرفةَ مُتُون الأحاديث والأحاديث والآثار وَطُرق أسانيدها وأسماء رُوَاتها، فإن ذلك علم مستقبل بنفسه مشهور بين أهله .
ثم إنه جمع فيه من غريب الحديث ما في كتاب أبي عُبيد وابن قتيبةَ وغيرهما ممن تَقَدَّمه عصرهُ من مُصَنِّفي الغريب مع ما أضاف إليه مما تتبعه من كلمات لم تكن في واحد من الكتب المصنَّفة قَبله ، فجاء كتابهُ جامعا في الحُسن بين الإحاطة والوضع . فإذا أراد الإنسانُ كلمةً غريبةً وجَدَها في حرفها بغير تَعب إلا أنه جاء الحديث مُفَرَّقاً في حروف كلماته حيث كان هو المقصودَ والغرضَ ، فانتشر كتابهُ بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار، وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار . وما زال الناس بعده يَقْتَفُون هَدْيَه ويَتْبَعُون أَثَره ويَشكُرون له سَعَيه ويَسْتَدرِكُون ماَ فَاتَه من غريب الحديث والآثار ويجمعون فيه مجاميعَ . والأيامُ تَنْقَضِى والأعمارُ تَفْنَى ولا تنقضى إلا عن تصنيفٍ في هذا الفن إلى عهد الإِمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخُوارَزمي رحمه اللَّه فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث وسماه [ الفائق ](1).
ولقد صادف هذا الاسمُ مُسَمَّى وكشف من غريب الحديث كل مُعَمَّى ورتَّبه على وضعٍ اخْتارَه مُقَفَّى على حروف المعجم ، ولكن في العُثُور على طلب الحديث منه كُلْفَةً ومشقة وإن كانت دون غيره من مُتَقدم الكتب ؛لأنه جَمعَ في التَقْفِيةِ بين إيراد الحديث مَسْرُوداً جميعه أو أكثره أو أقله، ثم شَرَحَ ما فيه من غريب فيجيء شرحُ كل كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف واحد من حروف المعجم فترِدُ الكلمة في غير حرفها ، وإذا تَطَلَّبها الإِنسان تَعِب حتى يَجدها فكان كتابُ الهروي أقرب مُتَنَاولا وأسهل مأخذاً،وإن كانت كلماته متفرقة في حروفها وكان النفع به أتمَّ والفائدة منه أعمَّ .
فلما كان زمنُ الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني ، وكان إماما في عصره حافظا متقنا تُشدُّ إليه الرحال وتُناط به من الطلبة الآمال، قد صنف كتابا جمع فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث ينُاسبهُ قَدْراً وفائدة ويُماَثلهِ حجمْاً وعائدة، وسلك في وضعه مَسْلَكه وذهب فيه مَذهَبه ورتَّبَه كما رتّبَه ثم قال : [ واعلم أنه سيبقى بعد كتابي أشياء لم تقع لي ولا وقفتُ عليها لأن كلام العرب لا ينحصر ] . ولقد صدق رحمه اللَّه فإن الذي فَاتَه من الغريب كثيرٌ ومات سنة إحدى وثمانين وخمسمائة .
وكان في زماننا أيضا معاصرُ أبي موسى الإمامُ أبو الفرج عبدُ الرحمن بن علي ابن الجوْزِي البغدادي رحمه اللَّه كان مُتَفنّناً في علومه مُتَنَوِّعا في معارفه فاضلا لكنه كان يَغْلِبُ عليه الوعظ . وقد صَنَّفَ كتابا في غريب الحديث خاصَّة نَهَج فيه طريق الهَرَوي في كتابه وسلك فيه محَجَّته مجردا من غريب القرآن .
وهذا لفظه في مقدمته بعد أن ذكر مُصَنَّفي الغريب : قال : [ فَقَوِيت الظُّنون أنه لم يَبْقَ شيء وإذاً قد فاتَهُمْ أشْياء فرأيت أن أبذلَ الوُسع في جمع غريب حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتابعيهم وأرجو ألاّ يَشذَّ عني مهِمّ من ذلك وأن يُغْنِيَ كتابي عن جميع ما صُنّف في ذلك ] . هذا قوله .
ولقد تتبعت كتابه فرأيتُه مخْتَصراً من كتاب الهروي مُنْتَزَعا من أبوابه شيئاً فشيئاً ووَضعاً فوَضْعاً ، ولم يزد عليه إلا الكلمة الشّاذّةَ واللفظَة الفاذّة . ولقد قايَسْتُ مازاد في كتابه على ما أخَذَه من كتاب الهروي فلم يكن إلا جزءاً يسيرا من أجزاءٍ كثيرة .
وأما أبو موسى الأصفهاني رحمه اللّه فإنه لم يذكر قي كتابه مما ذكره الهروي إلا كلمة اضطر إلى ذكرها إما لخَلل فيها أو زيادة في شرحها أو وَجْهٍ آخرَ في معناه ، ومع ذلك فإن كتابَهُ يُضَاهي كتاب الهروي كما سبق لأن وضعَ كتابه استدراكُ ما فات الهَروي .
ولما وقفت على كتابه الذي جعله مُكمّلا لكتاب الهروي ومُتَمِمّا وهو في غاية من الحسن والكمال، وكان الإنسان إذا أراد كلمة غريبة يَحْتَاجُ إلى أن يَتَطلّبها في أحد الكتابين فإن وجدها فيه وإلا طَلَبها من الكتاب الآخر وهما كتابان كبيران ذَوَا مجلدات عٍدَّة ، ولا خفاء بما في ذلك من الكلفة فرأيتُ أن أجمع ما فيهما من غريب الحديث مُجرَّدا من غريب القرآن ، وأضِيف كل كلمة إلى أختها في بابها تسهيلا لكُلْفة الطلب ، وتمادت بي الأيام في ذلك أُقدِّم رجلا وأُؤخِّر أخرى إلى أن قَوٍيت العزيمة ،وخلَصت النية وتحقّقت، في إظهار ما في القوة إلى الفعل، ويسَّر اللّه الأمر وسهَّله وسنّاه، ووفق إليه، فحينئذ أمْعَنْتُ النظر وأَنْعَمْتُ الفِكر في اعتبار الكتابين والجمع بين ألفاظهما وإضافة كل منهما إلى نظيره في بابه فَوَجَدْتُهما - على كثرة ما أُدع فيهما من غريب الحديث والأثر - قد فَاتَهُما الكثير الوافرُ فإني في بادِئ الأمر وأوَّل النظر مرّ بِذكري كلماتٌ غريبة من غرائب أحاديث الكتب الصّحاح كالبخاري ومسلم - وكفاك بهما شُهْرَةً في كتب الحديث - لم يَرِدْ شيء منهما في هذين الكتابين فحيث عرفتُ ذلك تنبهتُ لاعتبار غير هذين الكتابين من كتب الحديث المدَوَّنة المصنفة في أول الزمان وأوسطه وآخره . فتتبعتها واسْتَقْرَيْتُ ما حَضَرَني منها واسْتَقْصَيْتُ مُطالَعتها من المَسَانيد والمجاميع وكتب السُّنَن والغرائبِ قديمها وحديثها وكتب اللغة على اختلافها فرأيتُ فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيرا ، فَصَدَفْتُ حينئذ عن الاقتصار على الجمع بين كتابَيْهما وأضفت ما عَثَرتُ عليه ووَجدتُه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها وأمثالها .
وما أحْسَنَ ما قال الخطّابي وأبو موسى رحمة اللّه عليهما في مُقَدّمَتَيْ كتابَيْهما وأنا أقول أيضا مُقْتَدياً بهما : كم يكونُ قد فَاتَنِي من الكلمات الغريبة التي تشتملُ عليها أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وأصحابِه وتابِعيهم رضي اللّه عنهم جَعَلَها اللّه سبحانه ذَخِيرة لغيري يُظْهِرُها على يده ليُذْكر بها .
ولقد صَدَق القائل الثَّاني : كم ترك الأوَّل للآخر، فحيث حقق اللّه سبحانه النية في ذلك سَلَكْتُ طريقة الكتابين في التَّرتيب الذي اشتملا عليه والوَضْع الذي حَوياه من التَّقْفِيَةِ على حروف المعجم بالتزام الحرف الأوّل والثَّاني من كلِّ كلمة وإتْبَاعِهما بالحرف الثالث منهما على سِياق الحروف ، إلا أنّي وجدتُ في الحديث كلماتٍ كثيرةً في أوائلها حروف زائدة قد بُنِيتِ الكلمةُ عليها حتى صارت كأنها من نفسها وكان يَلْتَبِسُ مَوْضِعها الأصْلي على طالبها ، لا سِيَّما وأكْثَرُ طَلَبةِ غريب الحديث لا يَكادُون يَفْرِقُون بين الأصلي والزائد، فرأيتُ أن أثبتَهما في باب الحرف الذي هو في أوّلها وإن لم يكن أصليّاً ونَبَّهتُ عند ذكره على زيادته لئَلاَّ يَرَاها أحد في غير بابها فيظنّ أني وضعتُها فيه للجهل بها فلا أُنْسَبُ إلى ذلك ، ولا أكون قد عَرَّضتُ الواقف عليها لِلغيِبَة وسوء الظن، ومع هذا فإن المُصِيبَ بالقول والفِعْل قليلٌ؛ بل عَدِيمٌ .
ومَن الذي يأمَن الغلطَ والسهوَ والزَّلل ؟ نسأل اللّه العصمةَ والتوفيق .
وأنا أسأل مَن وَقَف على كتابي هذا وَرَأى خطأ أو خللا أن يُصْلِحه ، ويُنَبّه عليه ويُوضّحَه ، ويُشيرَ إليه حائزا بذلك مني شكرا جميلا ، ومن اللّه تعالى أجراً جزيلاً. اهـ
ج) - ترجمة ابن الأثير(2)
هو الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، مَجْدُ الدِّينِ أَبُو السَّعَادَاتِ الشَّيْبَانِيُّ الْجَزَرِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ، وَهُوَ أَخُو الْوَزِيرِ الْأَفْضَلِ ضِيَاءِ الدِّينِ نَصْرِ اللَّهِ، وَأَخُو الْحَافِظِ عِزِّ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْكَامِلِ فِي التَّارِيخِ. وُلِدَ أَبُو السَّعَادَاتِ الْمُبَارَكُ فِي أَحَدِ الرَّبِيعَيْنِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وَأَتْقَنَ عُلُومَهُ وَحَرَزَ عُلُومًا جَمَّةً، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَوْصِلِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ كُتُبًا مُفِيدَةً، مِنْهَا جَامِعُ الْأُصُولِ السِّتَّةِ; الْمُوَطَّأُ وَالصَّحِيحَانِ وَسُنَنُ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ مَاجَهْ فِيهِ، وَلَهُ كِتَابُ النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ شَرَحُ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، وَالتَّفْسِيرُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي فُنُونٍ شَتَّى.
وَكَانَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مُعَظَّمًا عِنْدَ مُلُوكِ الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا آلَ الْمُلْكُ إِلَى نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ شَاهِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَمْلُوكَهُ لُؤْلُؤًا يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْزِرَهُ فَأَبَى، فَرَكِبَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَيْضًا، وَقَالَ لَهُ: قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي، وَاشْتَهَرْتُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ، وَلَا يَصْلُحُ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مِنَ الْعَسْفِ وَالظُّلْمِ، وَلَا يَلِيقُ بِي ذَلِكَ. فَأَعْفَاهُ.
قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: كُنْتُ أَقْرَأُ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الدَّهَّانِ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي بِصَنْعَةِ الشِّعْرِ، فَكُنْتُ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ، فَقُلْتُ: ضَعْ لِي مِثَالًا أَعْمَلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ:
حبُّ العلا مدمناً إنْ فاتكَ الظفرُ فقلتُ أنا: وخدّ خد الثرى والليلُ معتكرُ
فَالْعِزُّ فِي صَهَوَاتِ الْخَيْلِ مَرْكَبُهُ وَالْمَجْدُ يُنْتِجْهُ الْإِسْرَاءُ وَالسَّهَرُ
فَقَالَ: أَحْسَنْتَ. ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، فَأَتْمَمْتُ عَلَيْهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ بَيْتًا. كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَلْخِ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ تَرْجَمَهُ أَخُوهُ فِي الْكَامِلِ، فَقَالَ: كَانَ عَالِمًا فِي عِدَّةِ عُلُومٍ; مِنْهَا الْفِقْهُ وَعِلْمُ الْأُصُولِ وَالنَّحْوُ وَالْحَدِيثُ وَاللُّغَةُ، وَلَهُ تَصَانِيفُ مَشْهُورَةٌ فِي التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْحِسَابِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ رَسَائِلُ مُدَوَّنَةٌ، وَكَانَ مُفْلِقًا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ، ذَا دِينٍ مَتِينٍ وَلُزُومِ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، فَلَقَدْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنَ الزَّمَانِ.
د ) -مثال من كتاب النهاية لابن الأثير :
{ أبَبَ } ( في حديث أنَس ) أَنَّ عُمَرَ ، قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ : {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا الأَبُّ ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ : إنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ يَا عُمَرُ.](3). الأَبُّ : المرْعى المُتَهيّئُ للرَعْيِ والقطع : وقيل الأبُّ منَ المرْعَى للدوَّاب كالفاكهة للإنسان . ومنه حديث قُسِّ بن سَاعِدَة : فجعل يرتع أبًّا وَأَصِيدُ ضَبًّا(4)
{ أَبَدَ } [ ه ] قال رافع بن خَدِيجٍ : أَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَىْءٌ ، فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا »(5).
اَلأَواَبِدُ جمع آبِدةٍ وهي التي قد تَأبَّدَتْ أي تَوَحَّشَتْ ونَفَرَتْ من الإنس . وقد أبَدَتْ تَأبِدُ وتَأْبُدُ .
ومنه حديث أم زَرْع [ فَأَرَاحَ عَلَيَّ من كُلّ سَائِمَةٍ زَوْجَيْنِ ومن كل آبِدة اثنتين ](6)تريد أنواعا من ضروب الوحش . ومنه قولهم : جاء بآبِدةٍ : أي بأمر عظيم يُنْفَر منه ويُسْتَوْحَشُ . وفي حديث الحج [ قال له سُرَاقَةُ بن مالك : أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « بَلْ هِىَ لِلأَبَدِ](7)وفي رواية [أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِى الأُخْرَى وَقَالَ « دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِى الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لاَ بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ ».](8)وفي أخرى [أَمُتْعَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ فَقَالَ « لاَ بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ ».](9)والأبَدُ : الدَّهْرُ ، أي هي لآخر الدهر.
هـ ) - ليس كل حديث في كتب الغريب صحيح
يوجد في كتب الغريب ،كلها، أحاديث صحيحة وأحاديث حسنة ، وأحاديث ضغيفة ، وأحاديث منكرة ، بل وأحاديث باطلة ، وأحاديث مشتهرة على الألسنة ، فيجب الانتباه لذلك ، فنحن لا نأخذ منها حديثاً إلا إذا كان مسندا ، وسنده مقبول ، أما مجرد وجود وجوده فيها فلا يدلُّ على صحته ،و إنما يؤخذ الحديث من كتب الحديث مباشرة ليس إلا ، والغريب من كتب الغريب .
أمثلة من أول كتاب ابن الأثير :
( س ) وفي حديث أسماءَ بنت عُمَيْسٍ [ قيل لعلي : ألا تَتَزَوّجُ ابنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ما لي صفراء ولا بيضاء ولست بمأبُور في ديني فَيُوَرّي بها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عني إني لأوَّلُ من أَسْلَم ](10)
قلت : وكلمة بمأبور لا أصل لها في الحديث ، والحديث مختلق ، وهذا نصه
__________
(1) - ( طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بالقاهرة 1366 ه - 1947 م )
(2) - البداية والنهاية لابن كثير(ج/ص: 13/66) وسير أعلام النبلاء (21/489-492)
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 512) (30729) صحيح
(4) - دلائل النبوة للبيهقي(424)
(5) - صحيح البخارى(5509 )
(6) - لم أجده بهذا اللفظ وهو في السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 19) (9093) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 10) (18791 و18794 ) بلفظ (وَأَعْطَانِي نَعَمًا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ زَوْجًا )
(7) - سنن أبى داود (1789 ) صحيح
(8) - مسلم (3009) و وفي سنن أبى داود (1907 ) هَكَذَا مَرَّتَيْنِ « لاَ بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ لاَ بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ »
(9) - سنن ابن ماجه(3094 ) صحيح
(10) - ابن الأثير 1/9(1/406)
كما في المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 264) (18455 ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ يَحْيَى بن الْعَلاءِ، عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بن خَالِدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بن سَبْرَةَ بن الْمُسَيَّبِ بن نَجِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ تُذْكَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلا يَذْكُرُهَا أَحَدٌ إِلا صَدَّ عَنْهُ حَتَّى يَئِسُوا مِنْهَا، فَلَقِيَ سَعْدُ بن مُعَاذٍ عَلِيًّا، فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا رَى أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْبِسُهَا إِلا عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَلِمَ تَرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، مَا أَنَا بِصَاحِبِ دُنْيَا يُلْتَمَسُ مَا عِنْدِي، وَقَدْ عَلِمَ مَا لِي صَفْرَاءُ وَلا بَيْضَاءُ، وَمَا أَنَا بِالْكَافِرِ الَّذِي يُتَرَفَّقُ بِهَا عَنْ دِينِهِ، يَعْنِي يَتَأَلَّفُهُ بِهَا، إِنِّي لأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَتُفُرِجَنَّهَا عَنِّي، فَإِنَّ لِي فِي ذَلِكَ فَرَجًا، قَالَ: أَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُولُ: جِئْتُ خَاطِبًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَاطِمَةَ بنتَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ وَهُوَ ثَقِيلٌ حَصِرٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كَأَنَّ لَكَ حَاجَةً يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: أَجَلْ جِئْتُكَ خَاطِبًا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى وَرَسُولِهِ فَاطِمَةَ بنتَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَرْحَبًا، كَلِمَةً ضَعِيفَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى سَعْدِ بن مُعَاذٍ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ رَحَّبَ بِي كَلِمَةً ضَعِيفَةً، فَقَالَ سَعْدٌ: أَنْكَحَكَ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لا خُلْفَ الآنَ، وَلا كَذِبَ عِنْدَهُ، وَأَعْزَمُ عَلَيْكَ لَتَأْتِيَنَّهُ غَدًا، فَلَتَقُولَنَّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَتَى تُبْنِينِي؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنَ الأُولَى، أَوَّلا أَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! حَاجَتِي، قَالَ: قُلْ كَمَا أَمَرْتُكَ، فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَتَى تُبْنِينِي؟ فَقَالَ: اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا بِلالا، فَقَالَ: يَا بِلالُ، إِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ ابْنَتِي ابْنَ عَمِّي، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ سُنَّةِ أُمَّتِي الطَّعَامُ عِنْدَ النِّكَاحِ، فَائْتِ الْمَغْنَمَ فَخُذْ شَاةً وَأَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ، وَاجْعَلْ لِي قَصْعَةً لِعَلِيٍّ أَجْمَعُ عَلَيْهَا الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَإِذَا فَرَغْتُ فَآذِنِّي بِهَا، فَانْطَلَقَ فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ، ثُمَّ أَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَأْسِهَا، وَقَالَ: أَدْخِلِ النَّاسَ عَلَيَّ زِقَّةً زِقَّةً وَلا تُغَادِرُونَ زِقَّةً إِلَى غَيْرِهَايَعْنِي إِذَا فَرَغَتْ زِقَّةٌ، فَلا تَعُودَنَّ ثَانِيَةً، فَجَعَلَ النَّاسُ يَرُدُّونَ كُلَّمَا فَرَغَتْ زِقَّةٌ وَرَدَتْ أُخْرَى حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ، ثُمَّ عَمَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَا فَضَلَ مِنْهَا فَتَفَلَ فِيهَا وَبَارَكَ، وَقَالَ: يَا بِلالُ احْمِلْهَا إِلَى أُمَّهَاتِكَ، وَقُلْ لَهُنَّ: كُلْنَ وَأَطْعِمْنَ مَنْ غَشِيَكُنَّ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي زَوَّجْتُ بنتِي ابْنَ عَمِّي، وَقَدْ عَلِمْتُنَّ مَنْزِلَتِهَا مِنِّي وَأَنَا دَافِعُهَا إِلَيْهِ، فَدُونَكُنَّ ابْنَتَكُنَّ، فَقُمْنَ النِّسَاءُ فَغَلَّفْنَهَا مِنْ طِيبِهِنَّ، وَأَلْبَسْنَهَا مِنْ ثِيَابِهِنَّ، وَحَلَّيْنَهَا مِنْ حُلِيِّهِنَّ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ النِّسَاءُ ذَهَبْنَ وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَتَرٌ وَتَخَلَّفَتْ أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رِسْلِكِ مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الَّتِي أَحْرُسُ ابْنَتَكَ، إِنَّ الْفَتَاةَ لَيْلَةَ تُبْنَى بِهَا لا بُدَّ لَهَا مِنِ امْرَأَةٍ تَكُونُ قُرَيْبَةً مِنْهَا، إِنْ عَرَضَتْ لَهَا حَاجَةٌ، أَوْ أَرَادَتْ شَيْئًا أَفْضَتْ بِذَلِكَ إِلَيْهَا، قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُ إِلَهِي أَنْ يَحْرُسَكِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكِ، وَمِنْ خَلْفِكِ، وَعَنْ يَمِينِكِ، وَعَنْ شِمَالِكِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ صَرَخَ بِفَاطِمَةَ فَأَقْبَلَتْ، فَلَمَّا رَأَتْ عَلِيًّا جَالِسًا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَصِرَتْ وَبَكَتْ، فَأَشْفَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكُونَ بُكَاؤُهَا ؛ لأَنَّ عَلِيًّا لا مَالَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَا يُبْكِيكِ؟ فَمَا أَلَوْتُكِ فِي نَفْسِي وَقَدْ أَصَبْتُ لَكِ خَيْرَ أَهْلِي وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَعِيدًا فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لِمَنِ الصَّالِحِينَ، فَلانَ مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَسْمَاءُ ائْتِينِي بِالْمِخْضَبِ فَامْلَئِيهِ مَاءً، فَأَتَتْ أَسْمَاءُ بِالْمِخْضَبِ فَمَلأَتْهُ فَمَجَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ وَمَسَحَ فِيهِ وَجْهَهُ وَقَدَمَيْهِ، ثُمَّ دَعَا فَاطِمَةَ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهَا وَكَفَا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا، ثُمَّ رَشَّ جِلْدَهُ وَجِلْدَهَا، ثُمَّ الْتَزَمَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمَا، اللَّهُمَّ كَمَا أَذْهَبْتَ عَنِّي الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَنِي فَطَهِّرْهُمَا، ثُمَّ دَعَا بِمِخْضَبٍ آخَرَ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَصَنَعَ بِهِ كَمَا صَنَعَ بِهَا ثُمَّ دَعَا لَهُ كَمَا دَعَا لَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: قُومَا إِلَى بَيْتِكُمَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا وَبَارَكَ فِي سَيْرِكُمَا وَأَصْلَحَ بَالَكُمَا، ثُمَّ قَامَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِمَا بَابَهُ بِيَدِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ أَنَّهَا رَمَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو لَهُمَا خَاصَّةً لا يُشْرِكُهُمَا فِي دُعَائِهِ أَحَدًا حَتَّى تَوَارَى فِي حُجْرَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - .اهـ
قلت : يحيى بن العلاء متهم بوضع الحديث ، وقد تفرد به ، ففي التقريب 7618 - يحيى بن العلاء البجلي أبو عمرو أو أبو سلمة الرازي رمي بالوضع من الثامنة مات قرب الستين د ق
-------------
وفي الحديث إِنَّ البِطِّيخ يَقْطِعُ : الإِبْرِدَة ...(1)
قال ابن الجوزي : لا يصح في فضائل البطيخ شيء إلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكله .(2)
يعني لا أصل له
-----------
{ أَبْرَزَ } ( ه ) فيه [ ومنه ما يَخْرُجُ كالذهب الإبْرِيز ] أي الخالصِ وهو الإبْرِيزِيُّ أيضا والهمزة والياء زائدتان(3)
قلت : هو في المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 182) (7598 ) وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُجَرِّبُ أَحَدُكَمْ بِالْبَلاءِ كَمَا يُجَرِّبُ أَحَدُكُمْ ذَهَبَهُ بِالنَّارِ، فَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، فَذَلِكَ الَّذِي حَمَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الشُّبُهَاتِ، وَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ كَالذَّهَبَةِ دُونَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي شَكَّ بَعْضَ الشَّكِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الأَسْوَدِ، فَذَلِكَ الَّذِي قَدِ افْتُتِنَ".
وفيه عفير بن معدان وهو مترو ك وفي الكاشف 3828 - عفير بن معدان المؤذن عن عطاء بن يزيد وعطاء بن أبي رباح وعدة وعنه الوليد بن مسلم وأبو اليمان وخلق ضعفوه ت ق(4)
-------------------
{ أبَسَ } ( س ) في حديث جُبَيْر بن مُطْعِم قال : [ جاء رجل إلى قُريش من فتح خَيْبَر فقال : إنّ أهل خيبر أسَرُوا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ويريدون أن يُرْسِلوا به إلى قومه ليقتلوه فجعل المشركون يُؤَبِّسون به العباسَ ] أي يُعَيّرُبَه . وقيل يخوّفونه . وقيل يُرْغِمونه . وقيل يُغْضبُوبه ويحملونه على إغْلاظ القول له . يقال : أبَسْتُه أبْساً وأبَّسْتُه تَأْبيساً(5)
قلت : حديث جبير هذا لا أصل له ، بل لم أجد لكلمة يُؤَبِّسون أصلاً في كتب الحديث
وغير ذلك كثير .
- - - - - - - - - - - - - -
الفصلُ الثاني
آدابُ الرواية
المبحث الأول: آداب المحدث.
المبحث الثاني: آداب طالب الحديث.
المبْحَثُ الأول
آداب المحدث(6)
1- مقدمةٌ حول اهميته:
علم الحديث شريف وكيف لا وهو الوصلة إلى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , والباحث عن تصحيح أقْوَاله, وأفْعَاله, والذَّب عن أن يُنسب إليه ما لم يقلهُ, وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (71) سورة الإسراء ، ليس لأهل الحديث مَنْقبة أشْرف من ذلك, لأنَّه لا إمام لهم غيره - صلى الله عليه وسلم - , ولأنَّ سائر العلُوم الشَّرْعية مُحتاجة إليه, أمَّا الفقه فواضح, وأمَّا التَّفسير فلأنَّ أولى ما فُسِّر به كلام الله تعالى ما ثبتَ عن نَبيِّه - صلى الله عليه وسلم - , وأصحابه رضي الله عنهم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّوْيَةَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ القَبْرِ، فَعَلَيْهِ بِالأَثَرِ، وَمَنْ أَرَادَ عِلْمَ الخُبْزِ، فَعَلَيْهِ بِالرَّأْيِ.(7).
من حُرمه, حُرم خيرًا عظيمًا, ومن رُزقهُ نالَ فَضْلاً جَزِيلاً، ويكفيه أنَّه يدخل في دَعْوتهِ - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ».(8).
قال سُفيان بن عُيينة(9): ليسَ من أهل الحديث أحد, إلاَّ وفي وجهه نضرة لهذا الحديث.
وقال ابن عربي(10): " وللوراثة حظ من الرسالة ولهذا قيل في معاذ وغيره رسول رسول الله وما فاز بهذه الرتبة ويحشر يوم القيامة مع الرسل إلا المحدثون ؛ الذين يروون الأحاديث بالأسانيد المتصلة بالرسول عليه الصلاة والسلام في كل أمة فلهم حظٌّ في الرسالة وهم نقلة الوحي ،وهم ورثة الأنبياء في التبليغ ،والفقهاء إذا لم يكن لهم نصيبٌ في رواية الحديث فليست لهم هذه الدرجة ولا يحشرون مع الرسل، بل يحشرون في عامة الناس ولا ينطلق اسم العلماء إلا على أهل الحديث، وهم الأئمة على الحقيقة ،وكذلك الزهاد والعباد وأهل الآخرة ومن لم يكن من أهل الحديث منهم ، ومن كان حكمه حكم الفقهاء لا يتميزون في الوراثة ولا يحشرون مع الرسل، بل يحشرون مع عموم الناس ويتميزون عنهم بأعمالهم الصالحة لا غير، كما أن الفقهاء أهل الاجتهاد يتميزون بعلمهم عن العامة .. اهـ
2- أبرز ما ينبغي أن يتحلى به المحدث :
أ)- تصحيح النية وإخْلاصها وتَطْهير قلبه من أعراض الدُّنيا وأدْنَاسها, كحبِّ الرِّياسة ونحوها .
والإخلاص روح الأعمال، ولبها، أمر به جميع الأنبياء، وبعثوا بالدعوة إليه، كما قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة. وعالم الحديث ينبغي أن يكون أبعد الناس عن الرياء وحبِّ الدنيا، ليفوز بنفحات النبوة من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ففي صحيح ابن حبان(408)(11)أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا الأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ، فقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلاَ ، قُلْتُ لَهُ : أَنْشُدُكَ بِحَقِّي لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ.فقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْعَلُ ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلاً ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فقَالَ : لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ ، فقَالَ : أَفْعَلُ ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ ، وَاشْتَدَّ بِهِ طَوِيلاً ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فقَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ. فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ ، وَرَجُلٌ ، يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْقَارِئِ : أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ : كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلاَنٌ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ , وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْيُ ، قَالَ : فُلاَنٌ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقَالُ لَهُ : فِي مَاذَا قُتِلْتَ ؟ فَيَقُولُ : أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلاَنٌ جَرِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُكْبَتِي ، فقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ : فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْوَلِيدُ وَحَدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فقَالَ مُعَاوِيَةُ : قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلاَءِ مِثْلُ هَذَا ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ ، وَقُلْنَا : قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ ، وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ ، فقَالَ : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ، وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ، وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود : ].(12)
ب) التحلي بالفضائل(13):
فإن علوم الشريعة علوم شريفة تناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وتقتضي استقامة الأمر والسلوك. وعلمُ الحديث من أولى هذه العلوم بذلك، فجدير بالمحدث أن يفوق غيره في ذلك كما كان سلفه من علماء الحديث. ليكون جديرا بالنسب، كما قال القائل:
أهلُ الحديث هم آل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
ج)- أن يكون أكبر همه نشر الحديث، والتبليغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتغياً جزيل الأجر.
وقدْ أمرَ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) بالتبليغِ عنهُ ، ففي صحيح البخارى(3461 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » .
وفي البخارى (67 )عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ - أَوْ بِزِمَامِهِ - قَالَ « أَىُّ يَوْمٍ هَذَا » . فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ . قَالَ « أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ».
قُلْنَا بَلَى . قَالَ « فَأَىُّ شَهْرٍ هَذَا » . فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ « أَلَيْسَ بِذِى الْحِجَّةِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا . لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ » .
وفي سنن الدارمى(552) عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ يَغْلِبُونَا عَلَى ثَلاَثٍ : أَنْ نَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَنُعَلِّمَ النَّاسَ السُّنَنَ.( وفيه مبهم )
__________
(1) - نفسه و تاج العروس - (ج 1 / ص 1885) ولسان العرب - (ج 3 / ص 82)
(2) - الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 77)
(3) - النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 11) ولسان العرب - (ج 5 / ص 309)
(4) - وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - (ج 10 / ص 769) (4995 ) (وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته عفير هذا ؛ وهو ضعيف جداً )
(5) - النهاية في غريب الأثر - (ج 1 / ص 12) وتاج العروس - (ج 1 / ص 3834) ولسان العرب - (ج 6 / ص 3)
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 52) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 20) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 17) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 200) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 30) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 35)
(7) - شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي(153) وسير أعلام النبلاء (11/7) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 4 / ص 181)
(8) - سنن الترمذى (2870) وسنن ابن ماجه(235و236) و مسند أحمد (17193) صحيح
(9) - شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي(22) والمستخرج على المستدرك - (ج 1 / ص 13)
(10) - الفتوحات المكية - (ج 4 / ص 500) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 11)
قلت : وخلط بعد هذا الكلام فقال : ((ومن كان من الصالحين ممن كان له حديث مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كشفه وصحبه في عالم الكشف والشهود وأخذ عنه حشر معه يوم القيامة وكان من الصحابة الذين صحبوه في أشرف موطن وعلى أسنى حالة ومن لم يكن له هذا الكشف فليس منهم ولا يلحق بهذه الدرجة صاحب النوم ولا يسمى صاحباً ولو رآه في كل منام حتى يراه وهو مستيقظ كشفاً يخاطبه ويأخذ عنه ويصحح له من الأحاديث ما وقع فيه الطعن من جهة طريقها )) !!!!!
(11) - وسنن الترمذي (2557 ) وصحيح الجامع ( 1713) وك 1/418 وهو صحيح
(12) - قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَلْفَاظُ الْوَعِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ كُلُّهَا مَقْرُونَةٌ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ : إِلاَّ أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ عَلَى مُرْتَكِبِ تِلْكَ الْخِصَالِ بِالْعَفْوِ وَغُفْرَانِ تِلْكَ الْخِصَالِ ، دُونَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَعْدِ مَقْرُونَةٌ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ : إِلاَّ أَنْ يَرْتَكِبَ عَامِلُهَا مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ، حَتَّى يُعَاقَبَ ، إِنْ لَمْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ ، ثُمَّ يُعْطَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الَّذِي وُعِدَ بِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
(13) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 194)(1/407)
وعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كَانَ عُرْوَةُ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ عَلَى حَدِيثِهِ..(1)
وقالَ سفيانُ الثوريُّ : تَعَلَّمُوا هذا العلمَ فإذا عَلِمْتُمُوْهُ فَتَحَفَّظُوْهُ ، فإذا حَفِظْتُمُوْهُ فاعْمَلُوا بهِ ، فإذا عَمِلْتُمْ بهِ فانْشُرُوْهُ(2).
د) ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، لِسِنِّه أو عِلْمِه.
ويَنْبَغِي أيضاً أنْ لا يُحَدِّثَ بحضرةِ مَنْ هو أحقُّ بالتحديثِ وأولى بهِ منهُ ، فقدْ كانَ إبراهيمُ النَّخَعيُّ إذا اجتمعَ معَ الشّعبيِّ لم يتكلمْ إبراهيمُ بشيءٍ(3). وزادَ بعضُهُم على هذا بأَنْ كَرِهَ الروايةَ ببلدٍ وفيه مَنْ هو أَولى منه لسنِّه، أو غيرِ ذلكَ، وقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ(4): سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: الَّذِي يُحَدِّثُ بِبَلَدٍ بِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْدِيثِ مِنْهُ، أَحْمَقُ، وَإِذَا رَأَيتَنِي أُحَدِّثُ بِبَلَدٍ فِيْهَا مِثْلُ أَبِي مُسْهِرٍ، فَيَنْبَغِي لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ. ُ.(5)
وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ ( يعني ابن عمار ) غَيْرَ حَدِيْثٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِ، وَحَسْبُكَ قَوْلُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ مَعَ جَلاَلتِهِ: إِذَا حَدَّثْتُ بِبَلَدٍ فِيْهِ مِثْلُ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، يَجِبُ لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ.(6)
وهذا من أخلاق العلماء الكملة، إذ يحذرون التقدم على من هو أولى منهم لكبر السن، أو فضل في العلم.
قال في «الاقتراح»(7): يَنْبغي أن يَكُون هذا عند الاسْتواء فيما عدا الصِّفة المُرجَّحة, أمَّا مع التفاوت بأن يكُون الأعلى إسْنَادا عاميًا, والأنزل عارف ضابط, فقد يتوقف في الإرشاد إليه, لأنَّه قد يَكُون في الرِّواية عنه ما يوجب خللاً.
قلتُ(8): الصَّواب إطلاق أنَّ التَّحديث بحضرة الأوْلَى ليس بمكروه, ولا خِلاف الأولى, فقد استنبط العُلماء من حديث البخارى (2695 و 2696 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ رضى الله عنهما قَالاَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ . فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ . فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ ، فَقَالُوا لِى عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ . فَفَدَيْتُ ابْنِى مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ ، فَقَالُوا إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ - لِرَجُلٍ - فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا » . فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا .
قال الحافظ ابن حجر(9): " وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَة كَانُوا يُفْتُونَ فِي عَهْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي بَلَده ، وَقَدْ عَقَدَ مُحَمَّد بْن سَعْد فِي الطَّبَقَات بَابًا لِذَلِكَ وَأَخْرَجَ بِأَسَانِيد فِيهَا الْوَاقِدِيّ أَنَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيًّا وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَأَبِي بْن كَعْب وَمَعَاذ بْن جَبَل وَزَيْد بْن ثَابِت . ."
وروى البَيْهقي في «المدخل»(10)عن ابن عباس ، أنه قال لسعيد بن جبير : حدث ، قال : أحدث وأنت شاهد ؟ ، قال : أوليسَ من نعمةِ الله عليكَ وأنتَ تحدثُ وأنا شاهدٌ ؟ فإنْ أخطأتَ علمتُكَ ".
وإذا كانَ جَمَاعة مُشْتركون في سماع, فالإسماع منهم فرضُ كفاية, ولو طُلب من أحدهم فامتنع لم يأثم, فإن انْحَصرَ فيه أثِمَ.(11)
قلت: وكلُّ فروض الكفاية إذا لم يقم بها أحدٌ أثم الجميع ، ومن ثمَّ فمنْ تعينت عليه وجب عليه أداؤها، ولا يحلُّ له التقاعس أو الترك دون عذرٍ شرعيٍّ معتبرٍ .
هـ) أن يرشد من سأله عن شيء من الحديث ـ وهو يعلم أنه موجود عند غيره ـ إلى ذلك الغير.
ويَنْبغي له إذَا طُلب منهُ, ما يعلمه عند أرجح منهُ أن يُرشد إليه, لحديث مسلم(205 ) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ :« لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ »..
قال النووي(12): "وَأَمَّا نَصِيحَة عَامَّة الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مَنْ عَدَا وُلَاة الْأَمْر فَإِرْشَادهمْ لِمَصَالِحِهِمْ فِي آخِرَتهمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَكَفّ الْأَذَى عَنْهُمْ فَيُعَلِّمهُمْ مَا يَجْهَلُونَهُ مِنْ دِينهمْ ، وَيُعِينهُمْ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْل ، وَسِتْر عَوْرَاتهمْ ، وَسَدّ خَلَّاتهمْ ، وَدَفْع الْمَضَارّ عَنْهُمْ ، وَجَلْب الْمَنَافِع لَهُمْ ، وَأَمْرهمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيهمْ عَنْ الْمُنْكَر بِرِفْقٍ وَإِخْلَاصٍ ، وَالشَّفَقَة عَلَيْهِمْ ، وَتَوْقِير كَبِيرهمْ ، وَرَحْمَة صَغِيرهمْ ، وَتَخَوُّلهمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة ، وَتَرْك غِشِّهِمْ وَحَسَدِهِمْ ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْر ، وَيَكْرَه لَهُمْ مَا يَكْرَه لِنَفْسِهِ مِنْ الْمَكْرُوه ، وَالذَّبّ عَنْ أَمْوَالهمْ وَأَعْرَاضهمْ ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالهمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْل ، وَحَثّهمْ عَلَى التَّخَلُّق بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْوَاع النَّصِيحَة ، وَتَنْشِيط هَمِّهِمْ إِلَى الطَّاعَات . وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَف رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ مَنْ تَبْلُغ بِهِ النَّصِيحَة إِلَى الْإِضْرَار بِدُنْيَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَم ."
و) ألا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية ، فانه يُرجَى له صحتها .
قال العراقي(13): " هَبْ أنَّ الطالبَ لم يُخْلِصْ نِيّتَهُ فلا تمتنِعْ من تحديثِهِ ، بلْ عُمَّ كُلَّ طالبِ علمٍ . وروينا عن الثوريِّ أنَّهُ قالَ : ما كانَ في الناسِ أفضلُ مِنْ طلبةِ الحديثِ، فقالَ لهُ ابنُ مهديٍّ: يطلبونَهُ بغيرِ نِيَّةٍ ، فقالَ : طلبهُم إيَّاهُ نِيَّةٌ. وروينا عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ ومَعْمَرٍ بنِ راشدٍ أنَّهُما قالاَ : طلبنَا الحديثَ وما لنا فيه نيَّةٌ ، ثُمَّ رزقَ اللهُ عزَّ وجلَّ النِّيَّةَ بَعْدُ ،(14)وروينا عن مَعْمَرٍ أيضاً ، قالَ(15): إنَّ الرجلَ ليطلبُ العلمَ لغيرِ الله فيأبَى عليهُ العلمُ حتى يكونَ للهِ عزَّ وجلَّ . قالَ الخطيبُ(16): (( والذي نستحبُّهُ أنْ يَرْوِيَ الْمُحَدِّثُ لكلِّ أحدٍ سأَلهُ التحديثَ ، ولا يمنعُ أحداً من الطلبةِ )) . "
س) - الاشتغال بالتصنيف والانتاج العلمي(17):
لمن توفرت فيه الأهلية لذلك، فإنه يفتح له من مغاليق العلم، ويوسع أمامه من مجاله ما لم يكن بحسبانه، كما أن كل عصر له شأن خاص يحتاج إلى تجديد في الأسلوب وفي الموضوعات والأفكار، بحسب ما يتطلبه حال الناس من الناحية الفكرية والأخلاقية والعلمية...وقد حجر واسعا من قال: "ما ترك الأول للآخر". ومن تأمل ومارس قال: كم ترك الأول للآخر!.
وينبغي لمن يتصدى للتصنيف:
أن يخلط في عمله فائدة جديدة، إما باشتغال مصنفه على ابتكار فكرة أو نظرية جديدة، توصل إليها باجتهاده، أو حسن ترتيب وتنسيق. أو حل لمشكل وإيضاح لغامض، أو تجديد أسلوب يقدم به المادة العلمية في ثوب يناسب عصره. كذلك ينبغي له أن لا يتعرض للتصنيف فيما لا يحسن من الفنون، اغترارا بعدم اكتشاف الناس لأمره، أو طلبا للسمعة بكثرة المؤلفات وتنوعها، ومن فعل ذلك تقع له السقطات، وتكثر منه الهنات.
وحسن التصنيف أمنية عظيمة، وموهبة إلهية، نرجو الله أن يتفضل بها علينا، ويجعل عملنا في ذلك خالصا لوجهه الكريم، مقبولا عنده، نافعا لعباده.
ش)- وينبغي أن يُمْسك عن التَّحديث إذا خَشِيَ التَّخليط بهرمٍ, أو خَرَفٍ, أو عمى, ويختلف ذلك باختلاف النَّاس وضبطهُ ابن خلاَّد بالثَّمانين, قال: والتَّسبيح والذِّكر وتِلاوة القُرْآن أولى به.
وهذا موضوع طريف جدا، يدلُّ على انتظام الأمور في ظل الحضارة الإسلامية، إذ سبق العلماء إلى تحديد ما تسميه قوانين الموظفين "سن التقاعد".
وبالنظر لما امتن الله به المحدثين من طول العمر فقد جعلوا سنَّ التقاعد هو الثمانين، لأن الغالب على من بلغ هذا السنَّ اختلالُ الجسم والذكر، وضعف الحال، وتغير الفهم. وإلا فإنه ينبغي للعالم الإمساك عن التحديث وعن عقد دروس العلم متى خاف التخليط ولو كان دون هذه السن(18).
قالَ القاضي عياضٌ : (( الحدُّ في تركِ الشيخِ التحديثَ التَّغيُّرُ ، وخوفُ الخَرَفِ )) ، وكذا قالَ ابنُ الصلاحِ : (( هو السِّنُّ الذي يُخْشَى عليهِ فيهِ مِنَ الْهَرَمِ والخَرَفِ ، وَيُخَافُ عليهِ فيهِ أَنْ يُخَلِّطَ ، ويرويَ ما ليسَ من حديثِهِ . قالَ : والناسُ في بلوغِ هذا السِّنِّ يتفاوتونَ بِحَسَبِ اختلافِ أحوالهِمِ )) . وروينا عن أبي محمدِ بنِ خَلاَّدٍ ، قالَ(19): فإذا تناهَى العُمْرُ بالمحدِّثِ فأعْجبُ إليَّ أنْ يُمْسِكَ في الثمانينَ ؛ فإنَّهُ حَدُّ الْهَرَمِ . قالَ والتسبيحُ ، والذِّكْرُ ، وتلاوةُ القرآنِ ؛ أَوْلَى بأبناءِ الثمانينَ فإنْ كانَ عقلُه ثابتاً، ورأيُهُ مُجْتَمعاً ، يَعْرِفُ حديثَهُ ، ويقومُ بهِ ، وتحرَّى أنْ يُحدِّثَ احتساباً ، رَجَوْتُ له خيراً ؛ كالحضرميِّ وموسى وعَبْدَانَ . قالَ : ولم أرَ بفَهْمِ أبي خَلِيْفَةَ وضَبْطِهِ بأساً معَ سِنِّهِ . انتهى كلامُهُ .
وقد حَدَّثَ جَمَاعةٌ من الصَّحابةِ فمَنْ بعدَهُم بعدَ مجاوزةِ الثمانينَ. فمِنَ الصحابةَ : أنسُ بنُ مالكٍ ، وعبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى ، وسَهْلُ بنُ سَعْدٍ ، في آخَرِينَ .
ومن التَّابِعِيْنَ : شُرَيْحٌ القَاضِي ، ومجاهدٌ ، والشعبيُّ ، في آخرينَ .
ومِنْ اتباعِهِم : مالكُ بنُ أنسٍ ، واللَّيْثُ بنُ سعدٍ ، وسفيانُ بنُ عُيينةَ ، في آخَرِين منهم . وممَّنْ بعدَهُم ، وقدْ ذَكَرَ القاضي عياضٌ أنَّ مالكَاً قالَ : (( إنَّمَا يَخْرِّفُّ الكذَّابُونَ )) وقد حَدَّثَ جماعةٌ بعدَ أنْ جاوزوا المائةَ :
فمِنَ الصحابةِ : حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ ، ومِنَ التابعينَ : شَرِيْكُ بنُ عبدِ اللهِ النَّمرِيُّ ، ومِمَّنْ بعدَهم : الحسنُ بنُ عَرَفَةَ ، وأبو القاسمِ عبدُ اللهِ بنُ محمّدٍ البغويُّ ، وأبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ عَلَيٍّ الْهُجَيْمِيُّ ، حَدَّثَ وهو ابنُ مائةٍ وثلاثِ سنينَ ، والقاضي أبو الطَّيِّبِ طاهرُ بنُ عبدِ اللهِ الطَّبَرِيُّ ، والحافظُ أبو الطاهرِ أحمدُ بنُ محمّدٍ السِّلَفيُّ ، وغَيْرُهُم ؛ ولم يتغيرْ أحدٌ منهم . وقَرَأَ القَارِئُ يومَاً على الْهُجَيْمِيِّ بعدَ أنْ جاوزَ المائَةَ ، وأرادَ اختبارَهُ بذلكَ .
كالكَلْبِ يَحْمِي جِلْدَهُ برَوْقِهِ إنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
فقالَ لَهُ الْهُجَيْمِيُّ : قُلِ الثَّوْرَ يا ثَوْرُ ! فإنَّ الكلبَ لا روقَ لَهُ ، فَفَرِحَ الناسُ بصحَّةِ عَقلهِ وجودةِ حسِّهِ . قالَ الجوهريُّ : (( والرَّوْقُ: القَرْنُ )).
قالَ الْقَاضِي عياضٌ : (( وإنما كرهَ مَنْ كرهَ لإصحابِ الثمانينَ التحديثَ ؛ لأنَّ الغالبَ على مَنْ يَبْلُغُ هذا السِّنَّ اختلالُ الجسْمِ ، والذِّكْرِ، وضَعْفِ الحالِ ، وتغَيُّرِ الفَهْمِ ، وحلولِ الخَرَفِ؛ مخافةَ أنْ يبدأَ به التغيرُ والاختلالُ ، فلا يفطنُ له إلاَّ بعدَ أنْ جازتْ عليهِ أشياءُ ))(20)
ص) - مراعاة الأهلية للتحديث:
معنى مراعاة الأهلية أن لا يجلس للتحديث إلا إذا كان أهلا لذلك، سواء كان في سن مبكرة أو متأخرة.
وقد أنشد بعض البغداديين:
إن الحداثة لا تقصر بالفتى المرزوق ذهنا
لكن تذكي قلبه فيفوق أكبر منه سنا وضابط ذلك ما قاله ابن الصلاح: "إنه متى احتيج إلى ما عنده استحبَّ له التصدي لروايته ونشره في أي سنٍّ كان"(21).
فإذا ما توفر فيه ذلك فليحرص على إفادة علم الحديث ونشره ما وسعه ذلك.
3- ما يستحبُّ فعله إذا أراد حضور مجلس الإملاء(22):
يُستحب لهُ إذَا أرادَ حُضور مجلس التَّحديث أن يتطهَّر بغسل ووضوء ويتطيَّب ويتبخَّر, ويستاك, كما ذكره ابن السَّمعاني ،ويُسرِّح لحيتهُ ويَجْلس في صَدْر مَجْلسهِ مُتمكنًا في جُلوسهِ بوقَار وهَيْبة, و عن مالكٍ (رضيَ اللهُ عنهُ)، أنَّهُ كانَ إذا أرادَ أنْ يُحَدِّثَ توضّأَ، وجلسَ على صَدْرِ فراشِهِ ، وسَرَّحَ لِحْيَتَهُ ، وتمكَّنَ في جلوسِهِ بوَقَارٍ وهَيْبَةٍ ، وحَدَّثَ ، فقيلَ لهُ في ذلكَ ، فقالَ أُحبُّ أَنْ أعظِّمَ حديثَ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ولا أُحَدِّثَ إلاَّ على طهارةٍ مُتَمَكِّناً ، وكانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحدِّثَ في الطريقِ ، أو وهوَ قائمٌ ،أو يستعجلَ وقالَ(23):أُحِبُّ أَنْ أتَفَهَّمَ ما أُحَدِّثُ بهِ عنْ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - )
ورويَ عنهُ أَيضاً(24)أنَّهُ كانَ يغتسلُ لذلكَ ويتبخَّرُ ويتطَيَّبُ ، فإنْ رفعَ أحدٌ صوتَهُ في مجلسِهِ زَبَرَهُ ، وقالَ: قالَ اللهُ تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة الحجرات، فَمَنْ رَفَعَ صوتَهُ عِندَ حديثِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) . فكأَنَّمَا رفعَ صوتَهُ فوقَ صوتِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) .
وعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تُقْرَأَ الأَحَادِيْثُ الَّتِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ..(25)
وعن ضِرَار بن مُرَّة قال: كانوا يَكْرهون أن يُحدِّثوا على غير طُهْر.(26)
وقال ابن وهب ، حدثني مالك ، أن رجلا جاء إلى سعيد بن المسيب ، وهو مريض فسأله عن حديث ، وهو مضطجع فجلس فحدثه فقال له الرجل : وددت أنك لم تتعن فقال له : إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع"(27)
وقال بشر بن الحارث سأل رجل ابن المبارك عن حديث ، وهو يمشي ، فقال : « ليس هذا من تَوقير العِلْم » قال بشر : فاستحسنته جدا.(28)
وعن مَالك قال(29): « إن مجالسَ العلم تحتضنُ بالخشوع والسكينة والوقار ».
" ويَنْبَغِي للشَّيْخِ أنْ لا يقومَ لأحدٍ في حالِ التَّحْدِيْث ِ. وكذلكَ قارئُ الحديثِ ، فقدْ بَلَغَنَا عن محمّدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ الفقيهِ ، وهو أبو زيدٍ المروزيُّ ، أنَّهُ قالَ : القارئُ لحديثِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) إذا قامَ لأَحَدٍ فإنَّهُ تُكْتَبُ عليهِ خطيئةٌ(30).
ويُسْتَحَبُّ لهُ أنْ يُقْبِلَ على مَنْ يحدِّثُهُم ، فقد روينا عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ ، قالَ : مِنَ السُّنَّةِ إذا حَدَّثَ القومَ أنْ يُقْبِلَ عليهم جميعاً، ولا يخص أحدا دون أحد .(31)
وروينا عنهُ قالَ : كانوا يُحِبُّونَ إذا حَدَّثَ الرجلُ أنْ لا يُقْبِلَ على الرجلِ الواحدِ ، ولكِنْ ليعمَّهُمْ .(32)
ويُستحبُّ أنْ يُرَتِّلَ الحديثَ ، ولا يَسْرُدَهُ سَرْدَاً يمنعُ السامعَ من إدراكِ بعضِهِ . ففي الصَّحِيْحَيْنِ البخارى(3568 ) معلقا ومسلم (6554 )عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِى يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يُسْمِعُنِى ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِىَ سُبْحَتِى ، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ . .
وعند الترمذى (4000 ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ويُستحبُّ لهُ أنْ يَفْتَتِحَ مجلسَهُ ويختِمَهُ بتحميدِ اللهِ تَعَالَى وصلاةٍ وسَلاَمٍ عَلَى النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، ودعاءٍ يَليقُ بالحالِ . قالَ ابنُ الصلاحِ(33): (( ومِنْ أَبْلَغِ ما يفتَتِحَهُ بهِ أنْ يقولَ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، أكملُ الحمدِ عَلَى كُلِّ حالٍ ، والصلاةُ والسلامُ الأَتمَّانِ عَلَى سَيِّدِ المُرْسِليْنَ، كُلَّما ذكرَهُ الذاكرونَ، وكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذكرِهِ الغافلونَ ، اللِّهُمَّ صلِّ عليهِ ، وعلى آلهِ ، وسائرِ النبيِّينَ ، وآلِ كُلٍّ وسائرِ الصالحِيْنَ ، نهايةَ ما ينبغي أنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلوَنَ )) اهـ
وقال العراقي أيضاً(34): " واستحسَنُوا افتتاحَ مجلِسِ الإملاءِ بقراءةِ قارئٍ لشيءٍ من القرآنِ العظيمِ، وقالَ الخطيبُ : سورةً من القرآنِ . ثُمَّ رَوَى بإسنادِهِ إِلَى أبي نَضْرَةَ ، قالَ(35): كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) إذا اجتمعوا تذاكروا العلمَ وقرؤوا سورةً.
فإذا فَرَغَ القارئُ استنصَتَ الْمُسْتَمْلِي أهلَ المجلِسِ ، حيثُ احْتِيْجَ للاستنصاتِ . ففي الصحيحينِ البخارى(121 ) ومسلم (232 ) عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ « اسْتَنْصِتِ النَّاسَ » فَقَالَ: « لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ » ..
فإذا أنْصَتَ الناسُ بَسْمَلَ الْمُسْتَمْلِي وحَمِدَ اللهَ تَعَالَى ، وصَلَّى عَلَى النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الشيخِ الْمُحَدِّثِ قائلاً لهُ : مَنْ ذكرتَ ؟ أي : مِنَ الشيوخِ ، أو ما ذكرتَ ؟ أي : مِنَ الأحاديثِ رحمكَ اللهُ ، أو غَفَرَ اللهُ لكَ ، ودَعَا لَهُ . وقد روينا عَنْ يحيى بنِ أكثمَ ، قالَ(36): نِلْتُ القضاءَ وقضاءَ القضاةِ والوزارةَ ، وكذا ، وكذا ، ما سُرِرْتُ بشيءٍ مثلَ قولِ الْمُسْتَمْلِي : مَنْ ذكرتَ رحمكَ اللهُ .
قالَ الخطيبُ(37): وإذا انتهى الْمُسْتَمْلِي في الإسنادِ إلى ذكر النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) استُحِبَّ لَهُ الصلاةُ عليهِ رافعاً صوتَهُ بذلكَ ، وهكذا يفعلُ في كُلِّ حديثٍ عادَ فيه ذكرُ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ).
قالَ(38): وإذا انتهى إلى ذِكْرِ بعضِ الصحابةِ ، قالَ : رِضْوانُ اللهِ عليهمْ ، أو رَضِيَ اللهُ عنهُ . انتهى.
وكذلكَ الترضّي والتَّرَحُّمُ عن الأئِمَّةِ، فقد رَوَى الخطيبُ أنَّ الربيعَ بنَ سليمانَ قالَ القارئُ يوماً(39): حَدَّثَكُم الشَّافِعيُّ ، فغلط القارئُ فلَمْ يَقُلْ : (رضيَ اللهُ عنهُ) ، فقالَ الربيعُ: ولا حرفَ حتى يُقالَ : (رضيَ اللهُ عنهُ) .اهـ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 9 / ص 46)(26945) صحيح
(2) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (786)
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (708 )
(4) - سير أعلام النبلاء (10/231)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 179)
(6) - سير أعلام النبلاء(11/432)
(7) - ص 271
(8) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 33)
(9) - فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 254)
(10) - المدخل إلى السنن الكبرى(520 ) بلفظه وفي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1838 ) عن ابن عباس : « قال كان يقول : يا سعيد اخرج بنا إلى النخل ويقول : يا سعيد حدث قلت : أحدث وأنت شاهد ؟ قال : إن أخطأت فتحت عليك » وهو صحيح
(11) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 34)
(12) - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 144)
(13) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 178)
(14) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (777)
(15) - مصنف عبد الرزاق (20476) وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر(859)
(16) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (777)
(17) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - (ج 1 / ص 196)
(18) - انظر المحدث الفاصل: 354. والالماع: 204-209.
(19) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1933)
(20) - انظر فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 177) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 32) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 178)
(21) - علوم الحديث 213. وقد حدد الرامهرمزي في المحدث الفاصل ق43آ الأهلية بسن الخمسين وناقشه في ذلك القاضي عياض نقاشا قيما في الإلماع: 200-204 فانظرها.
(22) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 17) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 207) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 34)
(23) - المدخل إلى السنن الكبرى(569)
(24) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 53)
(25) - المدخل إلى السنن الكبرى (572 ) و سير أعلام النبلاء [(5/274)
(26) - المدخل إلى السنن الكبرى(571 )
(27) - المدخل إلى السنن الكبرى (570 ) وفيه انقطاع
(28) - المدخل إلى السنن الكبرى(573 )
(29) - المدخل إلى السنن الكبرى(574)
(30) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 53) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 388) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 179)
(31) - مسند ابن الجعد(475 ) صحيح
(32) - الأدب المفرد للبخاري (1347 ) صحيح
(33) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 53)
(34) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 180)
(35) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1217)
(36) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1225)
(37) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (ج 4 / ص 19) وأدب الإملاء والاستملاء - (ج 1 / ص 78)
(38) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1319) وأدب الإملاء والاستملاء - (ج 1 / ص 79)
(39) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي( 1328)(1/408)
و يُستحبُّ للمُحدِّثِ العارفِ أنْ يعقِدَ مجلساً لإملاءِ الحديثِ ، فإنَّهُ مِن أعلى مراتبِ الإسماعِ ، والتحمُّلِ . فإنْ كَثُرَ الجمعُ فليتخذْ مستمْلِياً يُبَلِّغُ عنهُ . فَقَدْ فعلَ ذلكَ مالكٌ ، وشعبةُ ، ووكيعٌ ، وأبو عاصمٍ ، ويزيدُ بنُ هارونَ ، في عددٍ كثيرٍ من الحفَّاظِ ، والمحدِّثينَ .
ففي سنن أبى داود(1958 ) عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَامِرٍ الْمُزَنِىِّ حَدَّثَنِى رَافِعُ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِىُّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِىٌّ - رضى الله عنه - يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَاعِدٍ وَقَائِمٍ.( وهو صحيح).
وفي صحيح البخارى(87 ) عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَنِ الْوَفْدُ - أَوْ مَنِ الْقَوْمُ » . قَالُوا رَبِيعَةُ . فَقَالَ « مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَوْ بِالْوَفْدِ - غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى » . قَالُوا إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ ، وَلاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِى شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا ، نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ . فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ . قَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ ، وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ » . وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ . قَالَ شُعْبَةُ رُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ ، وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ . قَالَ « احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ »(1)..
فإنْ تكاثرَ الجمعُ بحيثُ لا يكفي بِمُسْتَمْلٍ واحدٍ اتخذَ مُسْتَمْلِيَيْنِ فأكْثَرَ. فَقَدْ َقَالَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الخُتُّلِي: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيّ، أَملَى عَلَيْنَا فِي رَحْبَة غَسَّان، وَكَانَ فِي مَجْلِسه سَبْعَةُ مُسْتَمْلِين، يُبَلِّغ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُم صَاحِبَه الَّذِي يليه، وَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ قيَاماً، ثُمَّ مُسِحَتِ الرَّحْبَة، وَحُسِبَ مَن حَضَرَه بِمِحْبَرَة، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ أَلف مِحبرَة، سِوَى النَّظَّارَة..(2)
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: كَانَ مَجْلِسُهُ ( يعني عاصمِ بنِ عليٍّ ) يُحزَرُ بِبَغْدَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ يَسْتَملِي عَلَيْهِ: هَارُوْنَ الدِّيْكَ، وَهَارُوْنَ مُكْحُلَةَ.(3)
وقَالَ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْنَا مِنْ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، فَوَجَّهَ المُعْتَصِمُ مَنْ يَحزِرُ مَجْلِسَهُ فِي رَحْبَةِ النَّخْلِ الَّتِي فِي جَامِعِ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ، وَيَنتَشِرُ النَّاسُ، حَتَّى إِنِّيْ سَمِعتُهُ يَوْماً يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَيُسْتَعَادُ، فَأَعَادَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَالنَّاسُ لاَ يَسْمَعُوْنَ، وَكَانَ هَارُوْنُ المُسْتَملِي يَرْكَبُ نَخْلَةً مُعْوَجَّةً يَسْتَملِي عَلَيْهَا، فَبَلَغَ المُعْتَصِمَ كَثْرَةُ الخَلْقِ، فَأَمَرَ بِحَزْرِهِم، فَوَجَّهَ بِقطَاعِي الغَنَمِ، فَحَزِرُوا المَجْلِسَ عِشْرِيْنَ وَمائَةَ أَلْفٍ.(4)
وليكنِ الْمُسْتَمْلِي مُحَصِّلاً مُتَيَقِّظاً فَهِمَاً ، لا كمُسْتَمْلِي يزيدَ بنِ هارونَ حيثُ سُئِلَ يزيدُ عن حديثٍ فقالَ: حَدَّثَنا بهِ عدَّةٌ، فصاحَ الْمُسْتَمْلِي: يا أبا خالدٍ عِدَّةُ ابنُ مَنْ؟ فقالَ لهُ : عِدَّةُ ابنُ فَقَدْتُكَ !(5)
وليكنِ الْمُسْتَمْلِي على مَوْضِعٍ مُرتفعٍ مِنْ كُرسيٍّ ، أو نحوهِ وإلاَّ فقائماً على قدميهِ ، ليكونَ أبلغَ للسامعَينَ ، وعلى الْمُسْتَمْلِي أنْ يتبعَ لفظَ المُمْلي فَيُؤَدِّيَهُ على وجهِهِ مِنْ غيرِ تغييرٍ ، وقالَ الخطيبُ : (( يُسْتَحَبُّ لهُ أنْ لا يُخَالفَ لَفْظَهُ )) . وقالَ ابنُ الصلاحِ : عليهِ ذلكَ كما تقدَّمَ . وفائدتُهُ إبلاغُ مَنْ لم يبلغْهُ لفظُ المُملي ، وإفهامُ مَنْ بلغَهُ على بُعْدٍ ، ولم يتفهمْهُ . فيتوصَّلُ بصوت الْمُسْتَمْلِي إلى تفهُّمِهِ وتحقُّقِهِ . وقد تقدَّمَ الكلامُ فَيمَنْ لم يسمعْ إلاَّ لفظَ الْمُسْتَمْلِي ، هلْ لهُ أنْ يَرويهُ عن الْمُملي ، أو ليسَ لهُ إلاَّ أنْ يَرْوِيَهُ عَنِ الْمُسْتَمْلِي عنهُ ؟!(6)
ويَحْسُن بالمُحدِّث الثَّناء على شَيْخه حال الرِّواية عنهُ بما هو أهله, كمَا فعلهُ جَمَاعات من السَّلف ، كما في صحيح مسلم (2450 ) عَنْ أَبِى مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى الْحَبِيبُ الأَمِينُ أَمَّا هُوَ فَحَبِيبٌ إِلَىَّ وَأَمَّا هُوَ عِنْدِى فَأَمِينٌ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ » وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ». فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ».
قَالَ فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلاَمَ نُبَايِعُكَ قَالَ « عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.
وكما في مسند أحمد(26797) عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى الصِّدِّيقِةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ الْمُبَرَّأَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمْ أُكَذِّبْهَا. ( صحيح )
وفي تهذيب الآثار للطبري(2180 ) عن مجاهد ، قال : ما رأيت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس ، إلا أن يقول رجل : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ولقد مات يوم مات وهو حبر الأمة(7)» ( صحيح)
وفي تهذيب الآثار للطبري (2179 ) عن الفرزدق بن جواس الخمامي ، قال : قدم علينا عكرمة جرجان ، فقلنا لشهر بن حوشب : « ألا نأتيه ؟ فقال : بلى إيتوه ، فإنها لم تكن أمة إلا قد كان لها حبر ، وإن مولى هذا عبد الله بن عباس ، كان حبر هذه الأمة »
وفي صحيح البخارى (6736 ) حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو قَيْسٍ سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِى . فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِى مُوسَى فَقَالَ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، أَقْضِى فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَمَا بَقِىَ فَلِلأُخْتِ » . فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لاَ تَسْأَلُونِى مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ .
وفي صحيح ابن حبان( 6321)أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، بِطَرَسُوسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، - وَكَانَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مَسْرُوقًا ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبُوكَ : أَنَّ الشَّجَرَةَ أَنْذَرَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ. (صحيح)
وكقولِ ابن عُيَيْنةَ :« نَا أوثَقُ الناسِ : أيوبُ »(8)
. وكقولِ شُعبةَ : حَدَّثَني سَيِّدُ الفقهاءِ : أيوبُ .(9)
وقال يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: سُفْيَانُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ(10).
وقال الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ بَالُوَيْه، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مَنْ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ؛ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ.(11)
وفي سير أعلام النبلاء (12/195) 70 - مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ بنِ سَالِمِ بنِ يَزِيْدَ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمْ ،الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّبَّانِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمُ، الخُرَاسَانِيُّ، الطُّوْسِيُّ.... قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: كَانَ مِنَ الأَبدَالِ المُتَتَبِّعِينَ لِلآثَارِ.
وقال العراقي : وحَدَّثَني الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ يوماً عن الرَّضِيِّ الطَّبَرِيِّ، فقالَ: حَدَّثَنَا الإمامُ أبو إسحاقَ الطَّبريُّ، وهو أجلُّ شيخٍ لقيتُهُ(12).
قال الخطيب : الجمعُ بينَ اسمِ الشَّيْخِ وكنيتِهِ أبلغُ في إعظامِهِ . ثُمَّ قالَ : إنَّهُ يقتصرُ في الروايةِ على اسمِ مَنْ لا يشكِلُ كأَيوبَ ويونُسَ ومالكٍ والليثِ ، ونحوِهِم . وهكذا مَنْ كانَ مشهورًا بنسبهِ إلى أبيهِ ، أو قبيلتِهِ . قدِ اكُتِفيَ في كثيرٍ من الرُّواةِ بذِكْرِ ما اشتُهِرَ بهِ ، وإنْ لم يُسَمَّ كابنِ عونٍ ، وابنِ جُرَيْجٍ ، وابنِ لَهِيْعَةَ ، وابنِ عُيَيْنَةَ ، ونحوِهِم ، وكالشعبيِّ ، والنَّخَعيِّ ، والزُّهْريِّ ، والثَّوْريِّ ، والأوزاعيِّ ، والشَّافعيِّ ، ونحوِهم.(13)
ولا بأس بذكر من يروي عنه بلقب كغُنْدر أو وصف كالأعْمَش أو حِرْفة كالحنَّاط أو أُم كابن عُلية, وإن كره ذلك, إذا عُرف بها وقصدَ تعريفه لا عيبه.
قالَ الخطيبُ(14): غَلَبتْ ألقابُ جماعةٍ من أَهلِ العلمِ ، [ على أَسْمَائِهِم ] فاقتصرَ الناسُ على ذكرِ ألقابهِم في الروايةِ عنهمُ ، منهم : غُنْدَرٌ محمّدُ بنُ جعفرٍ ، ولوينٌ مُحَمَّدُ بنُ سليمانَ المصيصيُّ ، ومشكدانةُ عبدُ الله بنُ عمرَ الكوفيُّ ، وعارمٌ محمّدُ بنُ الفضلِ السدوسيُّ ، وسَعْدويهِ سعيدُ بنُ سُليمانَ الواسطيُّ ، وصاعقةُ محمّدُ ابنُ عبدِ الرحيمِ البغداديُّ ، وَمُطَيَّنٌ محمّدُ بنُ عبدِ اللهِ الحضرميُّ ، ونِفْطَوَيْهِ إبراهيمُ بنُ محمّدِ بنِ عرفةَ النحويُّ .
وقالَ: (( لم يختلفِ العلماءُ في أنَّهُ يجوزُ ذكرُ الشَّيخِ وتعريفُهُ بصفتِهِ التي ليستْ نقصًا في خِلْقَتِهِ، كالطُّوْلِ والقِصَرِ ، والزُّرْقَةِ ، والشُّقْرَةِ ، والْحُمْرَةِ ، والصُّفْرَةِ ، قالَ: وكذلكَ يجوزُ وصفُهُ بالعَرَجِ ، والقِصَرِ، والعَمَى ، والعَوَرِ ، والعَمَشِ ، والحَوَلِ ، والإْقَعْادِ ، والشَّلَلِ ، كعِمْرَانَ القَصِيْرِ ، وأبي معاويةَ الضَّريرِ، وهارونَ بنِ موسى الأعْوَرِ ، وسُليمانَ الأعْمَشِ ، وعبدِ الرحمنِ بنِ هُرْمُزٍ الأعرجِ ، وعاصمٍ الأحولِ ، وأبي مَعْمَرٍ الْمُقْعَدِ ، ومنصورٍ الأشَلِّ وجماعةٍ )) .
وسُئِلَ ابنُ المباركِ عن فلانٍ القصيرِ ، وفلانٍ الأعْرَجِ ، وفلانٍ الأصْفَرِ ، وحُميدٍ الطويلِ ، قالَ(15): إذا أرادَ صِفَتَهُ ولم يُرِدْ عَيْبَهُ فلا بأْسَ .
قالَ الخطيبُ : وإذا كانَ معروفاً باسمِ أُمِّهِ ، وهو الغالبُ عليهِ ، جازَ نسَبتُهُ إليهِ ، مثلُ : ابنِ بُحَيْنَةَ ، وابنِ أمِّ مكتومٍ ، ويعلى بنِ مُنْيَةَ ، والحارثِ بنِ البَرْصَاءِ ، وغيرِهِم مِنَ الصَّحَابةِ، ومَنْ بعدَهُم كمنصورِ بنِ صَفِيَّةَ ، وإسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ . واستثنى ابنُ الصلاحِ من الجوازِ ما يكرهُهُ المُلَقَّبُ ، فقالَ : إلاَّ ما يكرهُهُ مِنْ ذلكَ ، كما في إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ ، المعروفِ بابنِ عُلَيَّةَ ، وهيَ أُمُّهُ ، وقيلَ : أُمُّ أمِّهِ . روينا عن يحيى بنِ مَعِينٍ أنَّهُ كانَ يقولُ : حَدَّثَنَا إسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ ، فنَهَاهُ أَحمدُ بنُ حنبلٍ ، وقالَ : قُلْ : إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ ، فإنَّهُ بلغني أنَّهُ كانَ يكرَهُ أنْ يُنْسَبَ إلى أُمِّهِ ، فقالَ : قد قبلْنَا منكَ يا مُعَلِّمَ الخيرِ .(16)انتهى .
ولم يستثنِ الخطيبُ ذلكَ من الجوازِ ، بَلْ: روى هذهِ الحكايةَ ، والظاهرُ أنَّ ما قالَهُ أحمدُ هو على طريقِ الأدبِ ، لا اللُّزُوْمِ .اهـ
قالَ الخطيبُ : يُستحبُّ للراوي ألاّ يقتصرَ في إملائِهِ على الروايةِ عن شيخٍ واحدٍ من شيوخِهِ ، بل يروي عن جماعتهِم ، ويقدِّمُ مَنْ علا إسنادُهُ منهمْ . زادَ ابنُ الصَّلاحِ : أوِ يقدِّمُ الأوْلى من وجهٍ آخرَ ، قالَ : ويتَّقِي ما يمليهِ وَيتَحَرَّى المستفادَ منهُ . قالَ الخطيبُ : ومِنْ أنفعِ ما يُمْلي الأحاديثُ الفقهيَّةُ . قالَ : (( وَيُسْتَحَبُّ أيضاً إملاءُ أحاديثِ الترغيبِ )) ، قالَ: وإذا روى حديثًا فيهِ كلامٌ غريبٌ فَسَّرَهُ ، أو معنى غامضٌ بَيَّنَهُ وأظَهرَهُ . ثُمَّ رَوَى عن ابنِ مهديٍّ قالَ : لو استقبلتُ مِنْ أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ، لكتبتُ بجنبِ كُلِّ حديثٍ تفسيرَهُ . قالَ الخطيبُ : ويُستحبُّ للراوي أنْ يُنَبِّهَ على فضلِ ما يَرويهِ ، ويُبَيِّنَ المعاني التي لا يعرفُها إلاَّ الحفَّاظُ من أمثالِهِ وذويهِ فإنْ كانَ الحديثُ عالياً عُلُوَاً متفاوتاً ، وصفَهُ بذلكَ ، وهكذا إذا كانَ راويه غايةً في الثقةِ والعدالةِ . قالَ : ويُستحبُّ إنْ روى حديثاً معلولاً أنْ يُبَيِّنَ عِلَّتَهُ : وإذا كانَ في الإسنادِ اسمٌ يُشاكِلُ غَيْرَهُ في الصورةِ ، استحبَبْتُ لهُ أنْ يذكرَ صورةَ إعجامِهِ . ثُمَّ ذَكَرَ التنبيهَ على تاريخِ السَّماعِ القديمِ ، وكونَهَ انفردَ عَنْ شيخهِ بهِ وكونَ الحديثِ لا يوجدُ إلاَّ عِنْدَهُ . قالَ الخطيبُ : ويكونُ إملاؤُهُ عن كَلِّ شيخٍ حديثاً واحداً فإنَّهُ أعمُّ للفائدةِ ، وأكثرُ للمَنْفَعَةِ قالَ : ويعتمدُ ما علا سنَدُهُ وقَصُرَ مَتْنُهُ . وروينا عن عليِّ بنِ حُجْرٍ أنَّهُ كانَ يقولُ :
وَظِيْفَتُنَا مِائَةٌ لِلْغَرِيْـ بِ في كُلِّ يَوْمٍ سِوَى مَا يُعَادُ
شَرِيْكِيَّةٌ أَوْ هُشَيْمِيَّةٌ أَحَادِيْثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ
وقالَ الخطيبُ(17): وينبغي أنْ يعتمدَ في إملائِهِ الروايةَ عن ثقاتِ شيوخِهِ ، ولا يروي عن كَذَّابٍ ، ولا مُتَظَاهِرٍ ببدعةٍ ، ولا معروفٍ بالفسقِ ، قالَ : (( وليتجنَّبْ في أماليهِ روايةَ ما لا تحتمِلُهُ عقولُ العوامِ لما لا يؤمَنُ عليهِمِ فيه مِنْ دخولِ الخطأ والأَوهامِ ، أنْ يُشَبهُوا اللهَ تعالى بخلقِهِ ، ويُلْحِقُوا بهِ ما يستحيلُ في وصفِهِ ، وذلكَ نحوُ أحاديثِ الصفاتِ التي ظاهِرُها يقتضي التشبيهَ ، والتجسيمَ ، وإثباتَ الجوارحِ والأعضاءِ للأزليِّ القديمِ ؛ وإنْ كانَتِ الأحاديثُ صحاحاً ولها في التَّأويلِ طرقٌ ووُجوهٌ، إلاَّ أنَّ مِنْ حقِّها ألاَّ تُرْوَى إلاَّ لأَهْلِها خَوْفاً مِنْ أنْ يَضِلَّ بِهَا مَنْ جَهِلَ معانِيها ، فيحمِلَهَا على ظاهرِها ، أو يستنكرَها فَيَرُدَّهَا ، ويُكذِّبَ رواتَها ، وَنَقَلَتَهَا ، ثُمَّ روى حديثَ أبي هُريرةَ مرفوعاً: « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ »(18)..
وقولَ عليٍّ : "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟(19).
و قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:"إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَيَسْمَعُهُ مَنْ لا يَبْلُغُ عَقْلُهُ فَهْمَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِتْنَةً".(20)
قالَ الخطيبُ(21): ومِمَّا رأى العلماءُ أنَّ الصُّدُوفَ عن روايتهِ للعوامِّ أوْلَى : أحاديثُ الرُّخَصِ ، كحديثِ الرُّخصةِ في النبيذِ ، ثُمَّ ذَكَرَ كراهيةَ روايةِ أحاديثِ بني إسرائيلَ المأثورةِ عن أهلِ الكتابِ ، وما نُقِلَ عَنْ أهلِ الكتابِ .
ثُمَّ روى عَنْ الشافعيِّ أنَّ معنى حديثِ : حَدِّثُوا عن بني إسرائيلَ ولا حَرَجَ . أي لا بأْسَ أنْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ ما سمعتُمْ وإنِ استحالَ أنْ يكونَ في هذهِ الأُمةِ ، مثلُ ما رُويَ أنَّ ثيابَهُمْ تطولُ، والنارُ التي تنزلُ من السماءِ فتأكلُ القربانَ . انتهى.
وقالَ بعضُ العلماءِ : إنَّ قولَه : (( ولا حرجَ )) في مَوْضِعِ الحالِ ، أي : حَدِّثُوا عَنْهُمْ حيثُ لا حرجَ في التحديثِ عنْهُم ، كما حُفِظَ عن رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مِنْ أَخبارِهم.
قلت : ففي صحيح البخارى (3461 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »
وقال ابن كثير عن أخبارهم(22): " فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم. وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه تعودُ إلى أمرٍ دينيّ. ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلافٌ بسبب ذلك. "
وقال الحافظ ابن حجر(23):
__________
(1) - الحنتم : جرار مدهونة خضر تسرع الشدة فيها لأجل دهنها الدباء : القرع كانوا ينتبذون فيه الإذخر : نبت طيب الرائحة المزفت : الإناء المطلى بالزفت المقير : ما طلى بالقار وهو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها النقير : أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينتبذ فيه
(2) - سير أعلام النبلاء (13/424) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 240) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 5 / ص 249) إِسنَادهَا صَحِيْح،
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1167) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 4 / ص 208) و سير أعلام النبلاء (9/263)
(4) - سير أعلام النبلاء (9/263)
قُلْتُ: كَانَ عَاصِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- مِمَّنْ ذَبَّ عَنِ الدِّيْنِ فِي المِحْنَةِ، فَرَوَى الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سُوَيْدٍ الطَّحَّانَ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اللَّيْثِ، وَجَمَاعَةٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضْرَبُ، فَجَعَلَ عَاصِمٌ يَقُوْلُ: أَلاَ رَجُلٌ يَقُوْمُ مَعِي، فَنَأْتِيَ هَذَا الرَّجُلَ، فَنُكَلِّمَهُ؟
قَالَ: فَمَا يُجِيْبُهُ أَحَدٌ،ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ: أَنَا أَقُومُ مَعَكَ يَا أَبَا الحُسَيْنِ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! خُفِّي،فَقَالَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ: يَا أَبَا الحُسَيْنِ! أَبْلُغُ إِلَى بَنَاتِي، فَأُوْصِيْهِم، فَظَنَنَّا أَنَّهُ ذَهَبَ يَتَكَفَّنُ، وَيَتَحَنَّطُ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: إِنِّيْ ذَهَبْتُ إِلَيْهِنَّ، فَبَكِيْنَ. قَالَ: وَجَاءَ كِتَابُ ابْنَتَيْ عَاصِمٍ مِنْ وَاسِطَ: يَا أَبَانَا! إِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَضَرَبَهُ عَلَى أَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَاتَّقِ اللهَ، وَلاَ تُجِبْهُ، فَوَاللهِ لأَنْ يَأْتِيَنَا نَعِيُّكَ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يَأْتِيَنَا أَنَّكَ أَجَبْتَ. سير أعلام النبلاء (9/264)
(5) - تصحيفات المحدثين - (ج 1 / ص 38) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 53) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 37)
(6) - قال العراقي : " وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي فليس يستفيد بذلك جواز روايته إلى آخره بانه حكى في النوع الرابع: والعشرين في جواز الرواية بذلك قولين واستبعد الجواز والصواب كما تقدم أنه إن كان المملي سمع لفظ المستملي فحكم المستملي حكم القارئ على الشيخ فيجوز لسامع المستملي أن يرويه عن المملي لكن لا يجوز أن يقول سمعت ولا أخبرني فلان إملاء إنما يجوز ذلك لمن سمع لفظ المملي ويجوز أن يقول أخبرنا فلان ويطلق ذلك على الصحيح." الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 394)
(7) - الحبر : العالم المتبحر في العلم
(8) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1259)
(9) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1260 ) وهو صحيح
(10) - سير أعلام النبلاء (7/238) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1262 )
(11) - سير أعلام النبلاء(12/196)
(12) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 180)
(13) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 180)
(14) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 180) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (ج 3 / ص 419) فما بعد
(15) - شعب الإيمان للبيهقي(6529 ) صحيح
(16) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1248)
(17) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 181)
(18) - صحيح مسلم (7 و8)
(19) - صحيح البخارى(127 )
(20) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 86) (8759 ) صحيح
(21) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 201) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 397) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 181)
(22) - - تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 31)
(23) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 261)(1/409)
" قَوْله : ( وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَا حَرَج ) أَيْ لَا ضِيق عَلَيْكُمْ فِي الْحَدِيث عَنْهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - الزَّجْر عَنْ الْأَخْذ عَنْهُمْ وَالنَّظَر فِي كُتُبهمْ ثُمَّ حَصَلَ التَّوَسُّع فِي ذَلِكَ ، وَكَأَنَّ النَّهْي وَقَعَ قَبْل اِسْتِقْرَار الْأَحْكَام الْإِسْلَامِيَّة وَالْقَوَاعِد الدِّينِيَّة خَشْيَة الْفِتْنَة ، ثُمَّ لَمَّا زَالَ الْمَحْذُور وَقَعَ الْإِذْن فِي ذَلِكَ لِمَا فِي سَمَاع الْأَخْبَار الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَانهمْ مِنْ الِاعْتِبَار ، وَقِيلَ : مَعْنَى قَوْله " لَا حَرَج " : لَا تَضِيق صُدُوركُمْ بِمَا تَسْمَعُونَهُ عَنْهُمْ مِنْ الْأَعَاجِيب فَإِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُمْ كَثِيرًا ، وَقِيلَ : لَا حَرَج فِي أَنَّ لَا تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ لِأَنَّ قَوْله أَوَّلًا : " حَدِّثُوا " صِيغَة أَمْر تَقْتَضِي الْوُجُوب فَأَشَارَ إِلَى عَدَم الْوُجُوب وَأَنَّ الْأَمْر فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ : " وَلَا حَرَج " أَيْ فِي تَرْك التَّحْدِيث عَنْهُمْ . وَقِيلَ : الْمُرَاد رَفْع الْحَرَج عَنْ حَاكِي ذَلِكَ لِمَا فِي أَخْبَارهمْ مِنْ الْأَلْفَاظ الشَّنِيعَة نَحْو قَوْلهمْ ( اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلَا ) وَقَوْلهمْ : ( اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا ) وَقِيلَ : الْمُرَاد بِبَنِي إِسْرَائِيل أَوْلَاد إِسْرَائِيل نَفْسه وَهُمْ أَوْلَاد يَعْقُوب ، وَالْمُرَاد حَدِّثُوا عَنْهُمْ بِقِصَّتِهِمْ مَعَ أَخِيهِمْ يُوسُف ، وَهَذَا أَبْعَد الْأَوْجُه . وَقَالَ مَالِك الْمُرَاد جَوَاز التَّحَدُّث عَنْهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْر حَسَن ، أَمَّا مَا عُلِمَ كَذِبه فَلَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى حَدِّثُوا عَنْهُمْ بِمِثْلِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآن وَالْحَدِيث الصَّحِيح . وَقِيلَ : الْمُرَاد جَوَاز التَّحَدُّث عَنْهُمْ بِأَيِّ صُورَة وَقَعَتْ مِنْ اِنْقِطَاع أَوْ بَلَاغ لِتَعَذُّرِ الِاتِّصَال فِي التَّحَدُّث عَنْهُمْ ، بِخِلَافِ الْأَحْكَام الْإِسْلَامِيَّة فَإِنَّ الْأَصْل فِي التَّحَدُّث بِهَا الِاتِّصَال ، وَلَا يَتَعَذَّر ذَلِكَ لِقُرْبِ الْعَهْد . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُجِيز التَّحَدُّث بِالْكَذِبِ ، فَالْمَعْنَى حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا لَا تَعْلَمُونَ كَذِبه ، وَأَمَّا مَا تُجَوِّزُونَهُ فَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ فِي التَّحَدُّث بِهِ عَنْهُمْ وَهُوَ نَظِير قَوْله : " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الْكِتَاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ " وَلَمْ يَرِدْ الْإِذْن وَلَا الْمَنْع مِنْ التَّحَدُّث بِمَا يُقْطَع بِصِدْقِهِ . "اهـ
وقالَ الخطيبُ: وعن صحابَتهِ ، وعن العلماءِ ، فإنَّ روايَتهُ تجوزُ .
(( وَلْيَتَجَنَّبْ ما شَجَرَ بينَ الصَّحابةِ ))(1)، فعَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا ، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا ، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا.(2)
وجرتْ عادةُ غيرِ واحدٍ مِنَ الأَئَمَّةِ أنْ يختِم مجالسَ الإملاءِ بشيءٍ من الحكاياتِ والنوادرِ والإنشاداتِ بأسانيدِها . قالَ ابنُ الصلاحِ : وذلكَ حَسَنٌ . وقدْ بَوَّبَ لهُ الخطيبُ في " الجامعِ " ، واستَدَلَّ لهُ بما رَوَى بإسنادِهِ إلى عليٍّ (رضيَ اللهُ عنهُ) قالَ : رَوِّحُوا القُلُوبَ ، وابْتَغُوا لها طُرَفَ الحِكْمَةِ ، فإنها تمل كما تمل الأبدان.(3)
وعَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ ، قَالَ : رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِ الذِّكْرَ.(4)
وعن ابن شهاب ، أنه كان يقول : « روحوا القلوب ساعة وساعة »(5)
وعن الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ كانَ يقولُ لأصحابهِ : هاتُوا من أَشْعَارِكُم ، هاتُوا من حديثِكُمُ ، فإنَّ الأُذُنَ مَجَّةٌ والقلبُ حَمِضٌ .(6)
وعن سليمان بن حرب ، قال : كنا عند حماد بن زيد يحدثنا بأحاديث كثيرة ثم قال لنا : « خذوا في أبراز الجنة، فحدثنا بالحكايات »(7)
وعَن عِكْرِمَةَ ، قَالَ : كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْنُ مُنْطَلِقُونَ إلَى عَرَفَاتٍ ، فَكُنْت أُنْشِدُهُ الشِّعْرَ ، وَيَفْتَحُهُ عَلَيَّ.(8)
وعَن مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : خَرَجْت مَعَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إلَى الْكُوفَةِ ، فَكَانَ لاَ يَأْتِي عَلَيْهِ يَوْمٌ إلاَّ أَنْشَدَنَا فِيهِ الشِّعْرَ.(9)
وعَن كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ ، قَالَ : كَانَ أخِرُ مَجْلِسٍ جَلَسْنَا فِيهِ مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَجْلِسًا تَنَاشَدْنَا فِيهِ الشِّعْرَ.(10)
قالَ الخطيبُ(11): وِإنْ لم يكنِ الراوي من أهلِ المعرفةِ بالحديثِ ، وعِلَلِهِ ، واختلافِ وجوهِهِ ، وطرقِهِ ، وغيْرِ ذلكَ من أنواعِ علومِهِ ، فينبغي لهُ أنْ يَستعينَ ببعضِ حُفَّاظِ وقتهِ في تخريجِ الأحاديثِ التي يُريدُ إملاءَ ها قبلَ يومِ مجلسِهِ . فقدْ كانَ جماعةٌ من شيوخِنَا يفعلونَ ذلكَ منهم: أبو الحسينِ بنُ بِشْرَانَ والقاضي أبو عمرَ الهاشميُّ ، وأبو القاسمِ السَّرَّاجُ ، وغيرُهم .
قالَ ابنُ الصلاحِ(12): (( وإذا نَجِزَ الإملاءُ فلا غنًى عن مقابلتِهِ ، وإتقانِهِ ، وإصلاحِ ما فسدَ منهُ بزيغِ القلمِ ، وطُغيانِهِ )) .
هكذا قالَ ابنُ الصلاح هنا ، أنَّهُ لا غنًى عن مقابلةِ الإملاءِ ، وقد تقدَّمَ في كلامِهِ التَّرْخِيصُ في الروايةِ من الأصلِ غيرِ المُقَابلِ بشروطٍ ثلاثةٍ ، ولم يذكرْ ذلكَ هنا ، فيحتملُ أنْ يُحملَ هذا على مَا تقدَّمَ ، ويُحتملُ أنْ يُفَرِّقَ بينَ النُّسَخِ مِنْ أصْلِ السَّمَاعِ ، والنسخِ مِنْ إملاءِ الشَّيْخِ حِفظاً ؛ لأنَّ الحِفْظَ يخونُ. ولكنَّ المقابلَةَ للإملاءِ، إنَّما هيَ مَعَ الشَّيْخِ أيضاً مِنْ حفظِهِ، لا على أُصُولِهِ، وليسَ في كلامِ الخطيبِ هنا اشتراطُ مقابَلةِ الإملاءِ ، وإنما تَرْجَمَ عليهِ بقولهِ : المعارضةُ بالمجلسِ المكتوبِ وإِتقانهِ ، وإصلاحِ ما أفسدَ منهُ زيغُ القلمِ ، وطغيانُهُ ، وعَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ ، قَالَ : كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَانَ يَشْتَدُّ نَفَسَهُ ويَعْرَقُ عَرَقًا شَدِيدًا مِثْلَ الْجُمَانِ ، ثُمَّ يُسَرَّى عَنْهُ ، فَأَكْتُبُ وَهُوَ يُمْلِي عَلَيَّ ، فَمَا أَفْرَغُ حَتَّى يَثْقُلَ ، فَإِذَا فَرَغْتُ ، قَالَ : اقْرَأْ ، فَأَقْرَأَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ سَقْطٌ أَقَامَهُ(13). اهـ
ويَنْبغي أن لا يُملي في الأسْبُوع إلاَّ يومًا واحدًا, لحديث البخارى(6411 ) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِى شَقِيقٌ قَالَ كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ اللَّهِ إِذْ جَاءَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْنَا أَلاَ تَجْلِسُ قَالَ لاَ وَلَكِنْ أَدْخُلُ فَأُخْرِجُ إِلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ ، وَإِلاَّ جِئْتُ أَنَا ،فَجَلَسْتُ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَمَا إِنِّى أَخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُنِى مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِى الأَيَّامِ ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا .
وفي صحيح مسلم (7305) عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عَبْدِ اللَّهِ نَنْتَظِرُهُ فَمَرَّ بِنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِىُّ فَقُلْنَا أَعْلِمْهُ بِمَكَانِنَا . فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ إِنِّى أُخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ فَمَا يَمْنَعُنِى أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ إِلاَّ كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِى الأَيَّامِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.
وفي رواية (7307 ) عَنْ شَقِيقٍ أَبِى وَائِلٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ وَلَوَدِدْنَا أَنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ مَا يَمْنَعُنِى أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إِلاَّ كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِى الأَيَّامِ كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.(14)
وفي صحيح البخارى(6337 ) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِى الْقَوْمَ وَهُمْ فِى حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ(15)، فَإِنِّى عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ . يَعْنِى لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ .
وعن ابن أبي مليكة ، أن عبيد بن عمير ، دخل على عائشة فقالت : « من هذا ؟ » ، فقال : عبيد بن عمير ، فقالت : « عمير بن قتادة ؟ » ، فقال : نعم ، قالت : « ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك ؟ » ، قال : بلى يا أم المؤمنين ، قالت : « فإياك وإهلاك الناس وتقنيطهم »(16)
وعن ابن أبي مليكة ، أن عبيد بن عمير ، دخل على عائشة فقالت : من هذا ؟ فقالوا : عبيد بن عمير فقالت : أعمير بن قتادة ؟ قالوا : نعم قالت : « ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك قال : بلى قالت : فإياك وإملال الناس وتقنيطهم »(17)
4- ما هي السِّنُّ التي ينبغي للمحدث أن يتصدى للتحديث فيها ؟(18)
الأداء لا زمن له معين بل حسب الحاجة فإذا رأى الحاجة أدى وإذا لم ير حاجة وهناك من يؤدي عنه فالحمد لله ، فيؤدي عند الحاجة إليه فإذا كان في مكان قد أدى عنه غيره فلا يجب عليه ولكن إذا أدى زيادة فهو من باب الفضل والخير ومن باب التعاون على الخير .
قال العراقي : " قالَ الخطيبُ في كتابِ " الجامع "(19): فإن احتيجَ إليهِ في روايةِ الحديثِ قبل أنْ يعلوا سنُّهُ فيجبُ عليهِ أَنْ يُحدِّثَ ، ولا يمتنعَ ؛ لأنَّ نشرَ العلمِ عندَ الحاجةِ إليهِ لازمٌ ، والممتنعُ مِن ذلكَ عاصٍ آثمٌ .
وقالَ ابنُ الصلاحِ(20): والذي نقولُهُ أنهُ متى احتيجَ إِلَى ما عندَهُ استحبَّ لَهُ التَّصَدِّي لروايتهِ ، ونشرِهِ في أيِّ سنٍّ كانَ .
وروينا عن أبي محمدَ بنِ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابهِ " المحدِّث الفاصل "(21)، قالَ : الَّذِي يصحُّ عندي من طريقِ الأَثرِ والنَّظَرِ في الحدِّ الَّذِي إذا بَلَغَهُ الناقلُ حَسُنَ بهِ أنْ يُحدِّثَ ؛ هو أنْ يستوفيَ الخمسيْنَ؛لأنَّها انتهاءُ الكهولةِ،وفيها مجتمعُ الأَشُدِّ. قالَ: (( وليسَ بمستَنْكَرٍ أنْ يُحَدِّثَ عندَ استيفاءِ الأربعينَ؛ لأَنَّهَا حَدُّ الاستواءِ ، ومنتهى الكمَالِ، نُبِّيءَ رَسولُ اللهِ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو ابنُ أربعينَ ، وفي الأربعينَ تتناهى عزيمةُ الإنسانِ وقَّوتُهُ ويتوفرُ عقلُهُ ويجودُ رأيُهُ )) .
وتعقَّبَهُ القاضي عياضٌ في كتابِ " الإلماع " ، فقالَ : واستحسانُهُ هذا لا تقومُ لهُ حُجَّةٌ بما قالَ، وكمْ مِنَ السلفِ المتقدِّمِيْنَ ، ومَنْ بعدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ مَنْ لم ينتِهِ إلى هذا السنِّ، ولا استوفى هذا العمرَ ، وماتَ قبلَهُ ، وقد نَشَرَ مِنَ العلمِ ، والحديثِ ما لا يُحصَى .
فهذا عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ تُوُفِّيَ ولم يُكْمِلِ الأربعينَ ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ لم يبلغِ الخَمْسِيْنَ . وكذلكَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ . وهذا مالكُ بنُ أنسٍ قد جلسَ للناسِ ابنَ نَيَّفٍ وعشرينَ سنةً ، وقيلَ : ابنُ سبعَ عشرةَ سنةً ، والناسُ متوافرونَ، وشيوخُهُ أحياءٌ : ربيعةُ وابنُ شهابٍ وابنُ هُرْمُزٍ ونافعٌ ومحمدُ بنُ الْمُنْكَدِرِ ، وغيرُهم .
وقد سمعَ منهُ ابنُ شهابٍ حديثَ الفُرَيْعةِ . ثُمَّ قالَ : وكذلكَ محمدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ قد أُخِذَ عنهُ العلمُ في سنِّ الحداثةِ وانتصبَ لذلكَ في آخرينَ من الأئِمَّةِ المتقدِّمِيْنَ والمتأخِّرِيْنَ . انتهى كلامُ القاضي عياضٍ .
وقد روينا عن محمدِ بنِ بشارٍ بُنْدَارٍ ، أنَّهُ حَدَّثَ وهو ابنُ ثماني عشرةَ سنةً . وروينا عن أبي بكرٍ الأعْيَنِ ، قالَ : كتَبْنَا عن محمّدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ على بابِ محمدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ،وما في وَجْهِهِ من شَعْرَةٍ.
وروينا عن الخطيبِ قال(22)َ: وقد حَدَّثْتُ أنَا وَلِيَ عشرونَ سنةً،كَتَبَ عَنِّي شيخُنا أبو القاسمِ الأزهريُّ أشياءَ في سنةِ اثنتي عَشْرَةَ وأربعمائةٍ.انتهى.
وقد حَدَّثَ شيخُنُا الحافظُ أبو العباسِ أحمدُ بنُ مُظَفَّرٍ ، وسنُّهُ ثماني عَشْرَةَ سنةً ، سمعَ منهُ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ وستمائةٍ ، وحَدَّثَ عنهُ في "مُعْجَمِهِ" بحديثٍ من " الأفرادِ " للدَّارقطنيِّ ، وقالَ عقِبَهُ : أملاهُ عليَّ ابنُ مُظَفَّرٍ ، وهو أمردُ .
وقد حدَّثَ شيخُنا أبو الثناءِ محمودُ بنُ خليفةَ المنبجيُّ ولهُ عشرونَ سنةً ، سمعَ منهُ شيخُنا العلاَّمةُ شيخُ الإسلامِ تقيُّ الدينِ السُّبْكيُّ أحاديثَ من " فضائلِ القرآنِ " ، لأبي عُبيدٍ .
قلتُ : وقدْ سَمِعَ مِنِّي صاحبُنا العلاَّمَةُ أبو محمودٍ محمدُ بنُ إبراهيمَ المقدسيُّ ، وَلِيَ عشرونَ سنةً ، سنةَ خمسٍ وأربعينَ ، وقد سَمِعَ على شيخِنَا الحافظِ عمادِ الدِّيْنِ بنِ كثيرٍ حديثاً من " أماليِّ ابنِ سمعونَ " ، ولم أُكْمِل يومَئِذٍ ثلاثينَ سنةً ، سنةَ أربعٍ وخمسينَ بدمشقَ . وهذا ونحوُهُ من روايةِ الأكابرِ عنِ الأَصاغرِ .
وقد حملَ ابنُ الصَّلاحِ كلامَ ابنِ خَلاَّدٍ على مَحْمِلٍ صَحيحٍ ، فقالَ : ما ذكرَهُ ابنُ خَلاَّدٍ غيرُ مُسْتَنْكَرٍ ، وهو محمولٌ على أنَّهُ قالَهُ فيمَنْ يَتَصَدَّى للتَّحْدِيْثِ ابتداءً من نفسِهِ من غيرِ بَرَاعَةٍ في العِلْمِ تعجَّلَتْ له قبلَ السنِّ الذي ذَكَرَهُ . فهذا إِنما ينبغي له ذلكَ بعدَ استيفاءِ السنِّ المذكورِ ، فَإنَّهُ مِظنَّةُ الاحتياجِ إلى ما عندَهُ .
قالَ : (( وأَمَّا الذينَ ذكرَهُم عياضٌ ممَّنْ حَدَّثَ قبلَ ذلكَ ، فالظاهرُ أَنَّ ذلكَ لبراعةٍ منهم في العلمِ تقَدَّمَتْ ، ظهرَ لهمُ معها الاحتياجُ إليهم فحدَّثوا قبلَ ذلكَ ، أوْ لأنَّهمَ سُئِلُوا ذلكَ ، إمَّا بصريحِ السؤالِ ، وإمَّا بقرينةِ الحالِ )) انتهى كلامُهُ(23)
5- أشهر المصنفات فيه :
أ) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي.
ب) " جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله " لابن عبد البر. ، وكلاهما مطبوع ، ومنتشر بين طلبة العلم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1368) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20)
وفي العزلة للخطابي - (ج 1 / ص 54) : قال أبو سليمان أما ما شجر بين الصحابة من الأمور وحدث في زمانهم من اختلاف الآراء فإنه باب كلما قل التسرع فيه والبحث عنه كان أولى بنا وأسلم لنا ، ومما يجب علينا أن نعتقد في أمرهم أنهم كانوا أئمة علماء قد اجتهدوا في طلب الحق وتحروا وجهته وتوخوا قصده فالمصيب منهم مأجور والمخطئ معذور وقد تعلق كل منهم بحجة وفزع إلى عذر والمقايسة عليهم والمباحثة عنهم اقتحام فيما لا يعنينا . والله تعالى يغفر لنا ولهم برحمته . وليس التهاجر منهم والتصارم بأكثر من التقاتل في الحروب والتواجه بالسيوف ولا أعجب من التباهل فيما شجر بينهم من الاختلاف والتنازع في التأويل وكل منهم في ذلك مأجور على قدر اجتهاده في طلب الحق وحسن نيته والله يغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ونسأله أن لا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنه رءوف رحيم .اهـ
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 116) (1411) وصحيح الجامع (545) وهو صحيح لغيره
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1400 ) وفيه انقطاع
(4) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 475) (36263) صحيح
(5) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر(483 ) صحيح
(6) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (478 -481) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1403)
(7) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1409)
(8) -ة مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 513)( 26559) صحيح
(9) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 513)( 26560) صحيح
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 513)( 26561) صحيح
(11) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(1271)
(12) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 391) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 181)
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 58) (4755) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1417) وهو حديث حسن
(14) - يتخول : يتعاهد السآمة : الملل والضجر
(15) - قَالَ الْغَزَالِيّ : الْمَكْرُوه مِنْ السَّجْع هُوَ الْمُتَكَلَّف لِأَنَّهُ لَا يُلَائِم الضَّرَاعَة وَالذِّلَّة ، وَإِلَّا فَفِي الْأَدْعِيَة الْمَأْثُورَة كَلِمَات مُتَوَازِيَة لَكِنَّهَا غَيْر مُتَكَلَّفَة ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ : وَإِنَّمَا كَرِهَهُ - صلى الله عليه وسلم - لِمُشَاكَلَتِهِ كَلَام الْكَهَنَة كَمَا فِي قِصَّة الْمَرْأَة مِنْ هُذَيْل .فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 107)
(16) - جامع معمر بن راشد(1170 ) صحيح
(17) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1392 ) صحيح
(18) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 32) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 50) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 781) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 37) وقفو الأثر - (ج 2 / ص 207)
(19) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (722)
(20) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 52)
(21) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(721) والمحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي(237 )
(22) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (728)
(23) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 178)(1/410)
المبْحَثُ الثَاني
آدابُ طالب الحديث(1)
1-مقدِّمةٌ:
المراد بآداب طالب الحديث ، ما ينبغي أن يتصف به الطالب من الآداب العالية والأخلاق الكريمة التي تناسب شرف العلم الذي يطلبه ،وهو حديث رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، فمن هذه الآداب ما يشترك فيها مع المحدث ، ومنها ما ينفرد بها عنه .
2- أوَّلُ ما يجبُ على الطالبِ إخلاصُ النِّيَّةِ .
وجوب تصحيح النية والإخلاص لله تعالى في طلبه ،الحذر من أن تكون الغاية من طلبه التوصل إلى أغراض الدنيا ،، فقد أخرج أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا.(2).
وروينا عن حمادِ بنِ سلمةَ قالَ(3): من طلبَ الحديثَ لغيرِ اللهِ مُكِرَ بهِ .
قالَ الخطيبُ(4): إِذَا عَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى لِامْرِئٍ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَحَضَرَتْهُ نِيَّةٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَسْأَلَةَ لِلَّهِ أَنْ يُوَفِّقَهُ فِيهِ وَيُعِينَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُبَادِرَ إِلَى السَّمَاعِ ، وَيَحْرِصَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا تَأْخِيرٍ.
وفي " صحيحِ مسلمٍ(5)" مِنْ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، فَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ ".
3- الجد في طلب العلم
ولْيَجُدَّ الطالبُ في طلبهِ، فقد روينا عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، قالَ(6): " مِيرَاثُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ مِيرَاثِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالنَّفْسُ الصَّالِحَةُ خَيْرٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَلَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ" .
وروينا عن الشافعيِّ قالَ(7): " لَا يَطْلُبُ هَذَا الْعِلْمَ مَنْ يَطْلُبُهُ بِالتَّمَلُّكِ وَغِنَى النَّفْسِ فَيَفْلَحُ ، وَلَكِنْ مَنْ طَلَبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ ، وَضِيقِ الْعَيْشِ ، وَخَدَمَةِ الْعِلْمِ أَفْلَحَ " قَالَ السَّاجِيُّ : وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَوْ حُدِّثْتُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ : الثُّلُثُ الْأَوَّلُ يَكْتُبُ ، وَالثَّانِي يُصَلِّي ، وَالْأَخِيرُ يَنَامُ ".
قالَ الخطيبُ(8): ويعمدُ إلى أسْنَدِ شيوخ مِصرِهِ ، وأقدمِهِمْ سماعًا فيديمُ الاختلاَف إليهِ ، ويواصلُ العكوفَ عليهِ ، فيقدّمُ السماعَ منهُ ، وإِنْ تكاَفأَتْ أسانيدُ جماعةٍ من الشيوخِ في العُلُوِّ ، وأرادَ أنْ يَقْتصرَ على السماعِ من بعضِهم ، فينبغي أنْ يتخيَّرَ المشهورَ منهم بطلبِ الحديثِ ، المشارَ إليهِ بالإتقانِ لهُ ، والمعرفةِ بهِ . وإذا تساوَوْا في الإسنادِ والمعرفةِ فمَنْ كانَ مِنْ الأشرافِ وذوي الأَنسابِ ، فهو أَوْلَى أن يُسْمَعَ منهُ. اهـ
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1692 ) أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ ، قَالَ : قَالَ لَنَا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الْحَافِظُ : " وَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْحَدِيثِ وَمَنْ عُنِيَ بِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِكَتْبِ حَدِيثِ بَلَدِهِ وَمَعْرِفَةِ أَهْلِهِ مِنْهُمْ وَتَفَهُّمِهِ وَضَبْطِهِ حَتَّى يَعْلَمَ صَحِيحَهَا وَسَقِيمَهَا وَيَعْرِفَ أَهْلَ التَّحْدِيثِ بِهَا وَأَحْوَالِهِمْ مَعْرِفَةً تَامَّةً إِذَا كَانَ فِي بَلَدِهِ عِلْمٌ وَعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ثُمَّ يَشْتَغِلُ بَعْدُ بِحَدِيثِ الْبُلْدَانِ ، وَالرِّحْلَةِ فِيهِ " وَإِذَا عَزَمَ الطَّالِبُ عَلَى الرِّحْلَةِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ فِي بَلَدِهِ مِنَ الرُّوَاةِ أَحَدًا إِلَّا وَيُكْتَبُ عَنْهُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَإِنْ قَلَّتْ اهـ.
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1494 )أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ الْقُمِّيُّ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْكَاتِبُ ، نا ابْنُ دُرَيْدٍ ، نا أَبُو عُثْمَانَ الْأُشْنَانْدَانِيُّ ، عَنِ التُّوزِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ ، يَقُولُ : " مَنْ شَعَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ الْمُهِمِّ أَضَرَّ بِالْمُهِمِّ " وَالْغَرَائِبُ الَّتِي كَرِهَ الْعُلَمَاءُ الِاشْتِغَالَ بِهَا وَقَطْعَ الْأَوْقَاتِ فِي طَلَبِهَا إِنَّمَا هِيَ مَا حَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِبُطُولِهِ لِكَوْنِ رِوَاتُهُ مِمَّنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ أَوْ يَدَّعِي السَّمَاعَ فَأَمَّا مَا اسْتُغْرِبَ لِتَفَرُّدِ رَاوِيهِ بِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ فَذَلِكَ يَلْزَمُ كَتْبُهُ وَيَجِبُ سَمَاعُهُ وَحَفِظُهُ.اهـ
وقالَ الخطيبُ : بَابُ الرِّحْلَةِ فِي الْحَدِيثِ إِلَى الْبِلَادِ النَّائِيَةِ لِلِقَاءِ الْحُفَّاظِ بِهَا وَتَحْصِيلِ الْأَسَانِيدِ الْعَالِيَةِ ،الْمَقْصُودُ فِي الرِّحْلَةِ فِي الْحَدِيثِ أَمْرَانِ :
أَحَدُهُمَا تَحْصِيلُ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَقِدَمِ السَّمَاعِ ،
وَالثَّانِي لِقَاءُ الْحُفَّاظِ وَالْمُذَاكَرَةُ لَهُمْ وَالِاسْتِفَادَةُ عَنْهُمْ . فَإِذَا كَانَ الْأَمْرَانِ مَوْجُودَيْنِ فِي بَلَدِ الطَّالِبِ وَمَعْدُومَيْنِ فِي غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرِّحْلَةِ ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فِي الْبَلَدِ أَوْلَى اهـ
فإذا كانا موجوْدَينِ في بلدِ الطالبِ، وفي غيرِهِ إلاَّ أنَّ ما في كُلِّ واحدٍ مِنَ البلدينِ يختصُّ بهِ ، أي : مِنَ العوالي والحفَّاظِ ؛ فالمستحبُّ للطالبِ الرحلةُ لجمعِ الفائدتَيْنِ من عُلُوِّ الإسناْدَينِ، وعلمِ الطائفَتْينِ. لكن بعدَ تحصيلِهِ حديثَ بلدِهِ وتمهُّرِهِ في المعرفةِ بهِ. قالَ: وإذا عزمَ الطالبُ على الرحلةِ، فينبغي لهُ ألاَّ يتركَ في بلدِهِ من الرواةِ أحداً إلاَّ ويكتبَ عنهُ ما تيسَّرَ من الأحاديثِ ، وإنْ قَلَّتْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ بَعْضَ ، أَصْحَابِنَا يَقُولُ : " ضَيِّعْ وَرَقَةً وَلَا تُضَيِّعَنَّ شَيْخًا ".
وفي الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (11 ) أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِيُ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ ، أَنْبَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ طَلَبَ الْعِلْمَ تَرَى لَهُ أَنْ يَلْزَمَ رَجُلًا عِنْدَهُ عِلْمٌ ، فَيَكْتُبُ عَنْهُ أَوْ تَرَى أَنْ يَرْحَلَ إِلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا الْعِلْمُ فَيَسْمَعُ مِنْهُمْ ؟ ، قَالَ : يَرْحَلُ يَكْتُبُ عَنِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِينَ ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ يُشَامُّ النَّاسَ يَسْمَعُ مِنْهُمْ .
وفي مَعْرِفَةُ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ (14 )أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ , ثنا أَبِي ، ثنا جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : " أَرْبَعَةٌ لَا تُؤْنِسُ مِنْهُمْ رُشْدًا : حَارِسَ الدَّرْبِ ، وَمُنَادِي الْقَاضِي ، وَابْنُ الْمُحَدِّثِ ، وَرَجُلٌ يَكْتُبُ فِي بَلَدِهِ ، وَلَا يَرْحَلُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ ".
وفي شَرَفُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (115) أَخْبَرَنَا رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ ، بِوَاسِطٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ ، بِمَرْوَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ ، يَقُولُ : قَالَ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِرِحْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ "
قالَ ابنُ الصلاحِ(9): ولا يَحْمِلَنَّهُ الحِرْصُ والشَّرَهُ على التَّسَاهُلِ في السَّمَاع والتَّحَمُّل ، والإخلالِ بما عليهِ في ذلكَ .
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1751 )حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، نا مَذْكُورُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ ، يَقُولُ : وَسَمِعَ قَوْمًا ، يَقُولُونَ : نَسَخْنَا كُتُبَ فُلَانٍ وَنَسَخْنَا كُتُبَ فُلَانٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " تَرَى هَذَا الضَّرْبَ مِنَ النَّاسِ لَا يُفْلِحُونَ ، كُنَّا نَأْتِي هَذَا فَنَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا وَنَسْمَعُ مِنْ هَذَا مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا ، فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ فَأَقَمْنَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ لَكَتَبْنَا بِهَا فَمَا كَتَبْنَا إِلَّا قَدْرَ خَمْسَةِ آلَافِ حَدِيثٍ وَمَا رَضِينَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِالْإِمْلَاءِ إِلَّا شَرِيكٌ فَإِنَّهُ أَبَى عَلَيْنَا " وَلِيَعْلَمِ الطَّالِبُ أَنَّ شَهْوَةَ السَّمَاعِ لَا تَنْتَهِي وَالنَّهْمَةَ مِنَ الطَّلَبِ لَا تَنْقَضِي وَالْعِلْمُ كَالْبِحَارِ الْمُتَعَذِّرِ كَيْلُهَا وَالْمَعَادِنِ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ نَيْلُهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي الْغُرْبَةِ إِلَّا بِمَا يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهِ الرِّحْلَةَ ".
4- ولْيَسْتَعْمِلِ الطالبُ ما سمعَ من الحديثِ في فضائلِ الأعمالِ
فقد روينا عَنْ عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَنْفِي عَنِّي حُجَّةَ الْجَهْلِ ؟ قَالَ : " الْعِلْمُ " ، قَالَ : فَمَا يَنْفِي عَنِّي حُجَّةَ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : " الْعَمَلُ ".(10)
وفي جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (816 ) وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، قَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ : " يَا أَيُّوبُ ، " إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ لَكَ عِلْمًا فَأَحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ أَنْ تُحَدِّثَ بِهِ " وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : " كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا : عَلِمْتَ فَاعْمَلْ " وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، قَالَ : " تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ " وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَنْفِي عَنِّي حُجَّةَ الْجَهْلِ ؟ قَالَ : " الْعِلْمُ " قَالَ : فَمَا يَنْفِي عَنِّي حُجَّةَ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : " الْعَمَلُ " وَقَالَ الْحَسَنُ : " إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلَانِ : رَجُلٌ نَظَرَ إِلَى مَالِهِ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ سَعِدَ بِهِ وَشَقِيِّ هُوَ بِهِ ، وَرَجُلٌ نَظَرَ إِلَى عِلْمِهِ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ سَعِدَ بِهِ وَشَقِيَّ هُوَ بِهِ " وَرُوِّينَا عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : " كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ بِهِ وَكُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى طَلَبِهِ بِالصَّوْمِ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ يَقُولُ : " كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ بِهِ وَكُنَّا نَسْتَعِينُ فِي طَلَبِهِ بِالصَّوْمِ "
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (181 ) أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ ، قَالُوا : أنا أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْمُخَرِّمِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : كُنَّا بِبَابِ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَقُلْنَا : يَا أَبَا نَصْرٍ ، حَدِّثْنَا ، فَقَالَ : " أَتُؤَدُّونَ زَكَاةَ الْحَدِيثِ ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا نَصْرٍ ، وَلِلْحَدِيثِ زَكَاةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ فَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ تَسْبِيحٍ اسْتَعْمَلْتُمُوهُ "
182 حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ ، نا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، نا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ، قَالَ : سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ ، يَقُولُ : " يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ ، أَدُّوا زَكَاةَ هَذَا الْحَدِيثِ ، قَالُوا : يَا أَبَا نَصْرٍ ، كَيْفَ نُؤَدِّي زَكَاتَهُ ؟ قَالَ : " اعْمَلُوا مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ حَدِيثٍ بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ "
183 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، أنا يُوسُفُ الصَّفَّارُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الْأَحْمَرَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ قَيْسٍ الْمُلَائِيَّ ، يَقُولُ : " إِذَا بَلَغَكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَاعْمَلْ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ "
184 أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَمْدَانَ الْهَمَذَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ مَنِيعٍ ، يَقُولُ : أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ ، فَقُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يَكْتُبُ لِي إِلَيْهِ ، فَكَتَبَ : وَهَذَا رَجُلٌ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَكَ وَلُزُومِي لَوْ كَتَبْتَ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ " قَالَ : " صَاحِبُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا مَنْ يَسْتَعْمِلُ الْحَدِيثَ ".
185 وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخُتُّلِيِّ ، قَالَ : نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَلَّالُ ، نا الْمَرُّوذِيُّ ، قَالَ : قَالَ لِي أَحْمَدُ : " مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ ، حَتَّى مَرَّ بِي الْحَدِيثُ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِينَارًا " ، فَأَعْطَيْتُ الْحَجَّامَ دِينَارًا حَتَّى احْتَجَمْتُ"
186 أنا أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ يَقُولُ : كَانَ وَالِدِي أَبُو جَعْفَرٍ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ مَعَ أَبِي عُثْمَانَ يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ، وَرُبَّمَا أَقَامَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي حَتَّى يُصَلِّيَ مَعَهُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، فَإِذَا أَبْطَأَ عَلَيْنَا خَرَجْتُ إِلَى مَسْجِدِ أَبِي عُثْمَانَ فَخَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِيَ إِلَى مَسْجِدِ أَبِي عُثْمَانَ ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ ، فَصَلَّى بِنَا ثُمَّ دَخَلَ دَارَهُ ، وَرَجَعْتُ مَعَ أَبِي إِلَى الْبَيْتِ ، فَقُلْتُ لِأَبِي : يَا أَبَةَ ، أَبُو عُثْمَانَ قَدْ أَحْرَمَ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَلَكِنَّهُ هُوَ ذَا يَسْمَعُ مِنِّي الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ الَّذِي خَرَّجْتُهَ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ ، فَإِذَا سَمِعَ بِسُنَّةٍ لَمْ يَكُنِ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا مَضَى أَحَبَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ ، وَإِنَّهُ سَمِعَ فِيَ جُمْلَةِ مَا قُرِئَ عَلَيَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي إِزَارِ وَرِدَاءٍ فَأَحَبَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَ تِلْكَ السُّنَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ "
187 سَمِعْتُ أَبَا الْفَتْحِ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نُجَيْدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الزَّاهِدُ يَقُولُ : " مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا "
وروينا عن وكيعٍ ، قالَ(11): إذا أردتَ أنْ تحفظَ الحديثَ فاعملْ بهِ .
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1798 ) فَقَدْ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْمُقْرِئُ ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَمْعَانَ الرَّزَّازُ ، نا هَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ ، نا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، نا وَكِيعٌ ، قَالَ : كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ يَقُولُ : " كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ بِهِ " وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : " كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى طَلَبِهِ بِالصَّوْمِ " كَذَا كَانَ فِي أَصْلِ شَيْخِنَا ابْنِ بُكَيْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالصَّوَابُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ
1799 أَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، نا وَكِيعٌ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ ، قَالَ : " كُنَّا نَسْتَعِينُ بِالْحَدِيثِ عَلَى حِفْظِهِ بِالْعَمَلِ " وَيُطَيِّبُ كَسْبَهُ وَيُصْلِحُ غِذَاءَهُ وَيُقِلُّ طَعَامَهُ.
5- وليبَجِّلِ الطالبُ الشَّيخَ
وفي سنن الدارمي (430) أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، قَالَ : " كُنَّا نَهَابُ إِبْرَاهِيمَ هَيْبَةَ الْأَمِيرِ ".
وفي الجامع للخطيب (295) أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّوَّاقُ ، نا عِيسَى بْنُ حَامِدٍ الرُّخَّجِيُّ ، نا هَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الطُّفَاوِيُّ ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، قَالَ : " كَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ إِلَى الْحَسَنِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ ، هَيْبَةً لَهُ "
296 أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، نا أَبِي ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيُّ ، قَالَ : " مَا كَانَ إِنْسَانٌ يَجْتَرِئُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ كَمَا يُسْتَأْذَنُ الْأَمِيرُ "
297 أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ ، نا جَدِّي ، نا حَرْمَلَةُ ، أنا ابْنُ وَهْبٍ ، أنا سُفْيَانُ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقُولُ : " جَالَسْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سِتَّ سِنِينَ تُحَاكُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ ، لَا أَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى حَدِيثٍ إِلَّا أَنِّي أَقُولُ : قَالُوا الْيَوْمَ كَذَا وَقَالُوا الْيَوْمَ كَذَا ، فَيَتَكَلَّمُ "
298 أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ ، نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ ، نا ابْنُ الْغَلَابِيُّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ الْخَيَّاطِ يَمْدَحُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ :
يَدَعُ الْجَوَابَ فَلَا يُرَاجِعُ هَيْبَةً وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الْأَذْقَانِ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 54) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 21) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 18) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 201) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 205) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 43) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 37) و وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 182) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 32)
(2) - سنن أبى داود برقم (3666 ) صحيح
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (19 )
(4) - شَاءَ اللَّهُ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (ج 1 / ص 103)
(5) - صحيح مسلم (6945 )
(6) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (414)
(7) - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي(82)
(8) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ ( 98 )
(9) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 55)
(10) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(29) وهو ضعيف
(11) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 183)(1/411)
نُورُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ التُّقَى فَهُوَ الْمُهِيبُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ "
299 أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْكَاتِبُ ، حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ قَفَرْجَلٍ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّدِيمُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ ، نا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَوْنٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ ، فَمَرَّ بِنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فِي مَوْكِبِهِ ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ يُدْعَى إِمَامًا ، بَعْدَ قَتْلِ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ ، فَمَا جَسَرَ أَحَدٌ أَنْ يَلْتَفِتَ فَيَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُومَ هَيْبَةً لِابْنِ عَوْنٍ "
300 أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ ، نا أَبُو بَكْرٍ الصُّولِيُّ ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَزَّازُ ، نا إِسْحَاقُ الشَّهِيدِيُّ ، قَالَ : " كُنْتُ أَرَى يَحْيَى الْقَطَّانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلِ مَنَارَةِ مَسْجِدِهِ فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، وَالشَّاذَكُونِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ ؛ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَدِيثِ ، وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى أَرْجُلِهِمْ إِلَى أَنْ تَحِينَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ، لَا يَقُولُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ اجْلِسْ ، وَلَا يَجْلِسُونَ هَيْبَةً وَإِعْظَامًا "
وقال الخطيب في الجامع : 291 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْتَمْلِي ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ ، يَقُولُ : " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَوْقَرَ لِلْمُحَدِّثِينَ مِنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينِ " وَإِذَا خَاطَبَ الطَّالِبُ الْمُحَدِّثَ عَظَّمَهُ فِي خِطَابِهِ بِنِسْبَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى الْعِلْمِ ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَيُّهَا الْعَالِمُ ، أَوْ أَيُّهَا الْحَافِظُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (409 )أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ فِي جَامِعِ الْبَصْرَةِ ، نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الدَّقَّاقُ ، بِالْأَهْوَازِ ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، نا رَجَاءُ بْنُ سَلَمَةَ ، نا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ ، قَالَ : " مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، يَأْتُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَوْا ، وَيَزُورُونَ مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ ، وَيُمَلُّونَ بِالْمُجَالَسَةِ ، وَيُبْرَمُونَ بِطُولِ الْمُسَاءَلَةِ "
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَالْإِضْجَارُ يُغَيِّرُ الْأَفْهَامِ ، وَيُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ ، وَيُحِيلُ الطِّبَاعَ "
410 وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ ، أنا دَعْلَجٌ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، نا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنِي أَخِي ، عَنْ هُشَيْمٍ ، قَالَ : " كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى سَاءَ خُلُقُهُ "
411 وَ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ : عَنْ دَعْلَجٍ ، قَالَ أنا الْأَبَّارُ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ، يَعْنِي ابْنَ مُوسَى ، يَقُولُ : " كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُنَا يَوْمًا بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَرٍّ ، وَكَانَ ثَمَّ أَهْلُ الْبَاتُوجَةِ ، فَجَعَلُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ : الْأَعْمَشُ عَمَّنْ ؟ فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَفْهَمُونَ قَالَ : " الْأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْلِيسَ ، مِنَ الضَّجَرِ "
412 أنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبْهَرِيُّ ، نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْرِئِ ، نا مُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَنَدِيُّ ، نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، فَكُنْتُ قَدْ أَوْعَيْتُ مَا عِنْدَهُ ، فَإِذَا خَرَجَ قُلْتُ لَهُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : بِشَرٍّ مَا رَأَيْتُ وَجْهَكَ "
413 قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ الْخَطِيبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، قَالَ " رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ قَالَ : " بِشَرٍّ مَا رَأَيْتُ وَجْهَكَ ، فَإِنَّكَ مُبْرِمٌ "
414 وأنا أَبُو نُعَيْمٍ ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ ، نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ أَحَادِيثَ وَطَوَّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى : " مَا أَرَاكَ إِلَّا خَيْرًا مِنِّي ، وَلَكِنَّكَ ثَقِيلٌ "
415 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، نا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى ، نا عَفَّانُ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : " يَا أَبَا بِسْطَامٍ ، يَا أَبَا بِسْطَامٍ ، فَقَالَ : " لَا أُحَدِّثُ الْيَوْمَ مَنْ قَالَ : يَا أَبَا بِسْطَامٍ "
416 نا أَبُو حَازِمٍ الْعَبْدَوِيُّ ، إِمْلَاءً ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، نا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ ، وَقَدْ أَلَحَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَضَجِرَ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُؤْجَرُ ، فَقَالَ : " الْأَجْرُ كَثِيرٌ ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحْدَهُ " وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَحْتَسِبُونَ فِي بَذْلِ الْحَدِيثِ ، وَيَتَأَلَّفُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَاءَ عَنْهُمْ كَرَاهَةُ الرِّوَايَةِ عِنْدَمَا رَأَوْا مِنْ قِلَّةِ رِعَةِ الطَّلَبَةِ ، وَإِبْرَامِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَاطِّرَاحِهِمْ حِكَمَ الْأَدَبِ"
وقال الخطيب في الجامع : كَرَاهَةُ إِمْلَالِ الشُّيُوخِ إِذَا أَجَابَ الْمُحَدِّثُ الطَّالِبَ إِلَى مَسْأَلَتِهِ وَحَدَّثَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْعَفْوَ وَلَا يُضْجِرَهُ
398 أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ السُّوذَرْجَانِيُّ ، بِأَصْبَهَانَ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ ، نا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ، يَقُولُ : " كُنْتُ آخُذُ الْعَفْوَ فِي الْحَدِيثِ "
399 أنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبْهَرِيُّ ، نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ بِأَصْبَهَانَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَوَّادًا ، يَقُولُ : " سَأَلَتْ مَالِكًا عَنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ ، فَلَمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَامِسِ ، قَالَ : يَا هَذَا ، مَا هَذَا بِإِنْصَافٍ "
400 أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلُ ، نا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّوْطِيُّ ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّدِيمُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، قَالَ : نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى بْنِ بِنْتِ السُّدِّيِّ ، قَالَ : " دَخَلْنَا إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَنَحْنُ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَحَدَّثَنَا بِسَبْعَةِ أَحَادِيثَ ، فَاسْتَزَدْنَاهُ ، فَقَالَ : " مَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ فَلْيَنْصَرِفْ ، فَانْصَرَفَتْ جَمَاعَةٌ ، وَبَقِيَتْ جَمَاعَةٌ أَنَا فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ حَيَاءٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَانْصَرَفَتْ جَمَاعَةٌ ، وَبَقِيَتْ جَمَاعَةٌ أَنَا فِيهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ فَلْيَنْصَرِفْ ، فَانْصَرَفَتْ جَمَاعَةٌ ، وَبَقِيَتْ جَمَاعَةٌ أَنَا فِيهِمْ ، فَقَالَ : يَا غِلْمَانُ افْقأْهُمْ فَإِنَّهُ لَا بُقْيَا عَلَى قَوْمٍ لَا دِينَ لَهُمْ ، وَلَا حَيَاءَ ، وَلَا مُرُوءَةَ "
401 أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّاهِدُ ، نا أَبُو رَوْقٍ الْهِزَّانِيُّ ، أنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ هُوَ الرِّيَاشِيُّ نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ الْأَحْوَلُ ، نا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَنْ حَدِيثٍ ، وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ ، فَقَالَ : " إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتَنِيَ مَا لَمْ أُطِقْ سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقٍ "
402 أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، نا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَدَوِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الرَّبِيعِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، يَقُولُ :
" قَدْ كُنْتُ حَذَّرْتُكَ آلَ الْمُصْطَلِقِ ، وَقُلْتُ : يَا هَذَا أَطِعْنِي وَانْطَلِقْ ،
إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتَنِي مَا لَمْ أَطِقْ سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقٍ "
403 أنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ ، قَالَ : أَنْشَدَنَا أَبُو مُزَاحِمٍ الْخَاقَانِيُّ لِنَفْسِهِ :
لَمْ أَكْرَهِ الْعُلَمَاءَ فِيمَا نِلْتُهُ فَاسْتَعْمِلَنَّ مَعِيَ الَّذِي اسْتَعْمَلْتُهُ
أَوْ لَا فَلَا تَتَعَنَّ فِي قَصْدِي لِمَا قَبْلِي فَقَدْ أَعْذَرْتُ فِيمَا قُلْتُهُ "
404 حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْإِدْرِيسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ عَدِيٍّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ سُفْيَانَ ، يَقُولُ : " سَأَلَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ الزِّيَادَةَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ :
لَكُمْ مِائَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَعُدُّهَا حَدِيثًا حَدِيثًا لَسْتُ زَائِدَكُمْ حَرْفَا
وَمَا طَالَ فِيهَا مِنْ حَدِيثٍ فَإِنَّنِي طَالِبٌ مِنْكُمْ عَلَى قَدْرِهِ صَرْفَا
فَإِنْ أَقْنَعْتُكُمْ فَاسْمَعُوهَا سَرِيحَةً وَإِلَّا فَجِيئُوا مَنْ يُحَدِّثُكُمْ أَلْفَا "
405 أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ سُفْيَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ حُجْرٍ ، يَقُولُ :
وَظِيفَتُنَا مِائَةٌ لِلْغَرِيبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِوَى مَا يُعَادُ
شَرِيكِيَّةٌ أَوْ هُشَيْمِيَّةٌ أَحَادِيثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ "
قالَ ابنُ الصلاحِ(1): (( يُخْشَى على فاعلِ ذلكَ أنْ يُحْرَمَ الانتفاعَ )) .
قلتُ(2): وقد جَرَّبْتُ ذلكَ ، فإنَّ شيخَنا أبا العباسِ أحمدَ بنَ عبدِ الرحمنِ الْمردَاويَّ ، كانَ كَبِرَ وعَجَزَ عن الإسماعِ حتى كُنَّا نتألَّفُهُ على قراءةِ الشيءِ اليسيرِ، فقرأَ عليهِ بعضُ أصحابنِا فيما بلغني"العُمْدةَ" بإجازتِهِ من ابنِ عبدِ الدائمِ وأطالَ عليهِ فأضْجَرَهُ فكانَ يقولُ لهُ الشيخُ : لا أحْيَاكَ اللهُ أنْ تروِيَها عنِّي ، أو نحوَ ذلكَ ، فماتَ الطالبُ بعدَ قليلٍ ، ولم ينتفعْ بما سَمِعَهُ عليهِ .
6- وليحذرِ الطالبُ أنْ يمنعَهُ التَّكَبُّرُ، أو الحياءُ عن طلبِ العلمِ
ففي الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ(1003 ) وأنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ , نا سَلْمُ الْخَوَّاصُ , أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ : " لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ جَبَّارٌ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ وَلَا مُسْتَحْيٍ " ( صحيح ) وعلقه البخاري
وفي صحيح مسلم (776 )عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ « تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ». فَقَالَتْ أَسْمَاءُ وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِى ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ « تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ - أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ - ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ.(3)
وليتجنَّبِ الطالبُ أنْ يظفرَ بشيخٍ ، أو بسماعٍ لشيخٍ فيكتمَهُ لينفردَ بهِ عن أضرابهِ ، فذلكَ لؤمٌ مِنْ فَاعلهِ ، على أنَّهُ قد روينا فِعْلَ ذلكَ عن جماعةٍ من الأئِمَّةِ المتقدِّمينَ ، كشعبةَ وسفيانَ الثوريِّ ، وهُشيمٍ ، واللَّيثِ ، وابنِ جُرْيَجٍ ، وسفيانَ بنِ عُيينةَ ، وابنِ لَهِيْعَةَ ، وعبدِ الرَّزَّاقِ ، فاللهُ أعلمُ بمقاصدِهِم في ذلكَ .
وفي الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ 477 أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ ، أبنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ جَشَمْرَدَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الدَّارِمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مَالِكًا ، يَقُولُ : مِنْ بَرَكَةِ الْحَدِيثِ إِفَادَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا"
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ بَابُ التَّرْغِيبِ فِي إِعَارَةِ كُتُبِ السَّمَاعِ وَذَمِّ مَنْ سَلَكَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَ الْبُخْلِ وَالِامْتِنَاعِ
476 أنا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ بِأَصْبَهَانَ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، نا حُسَيْنُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَكِيعًا ، يَقُولُ : " أَوَّلُ بَرَكَةِ الْحَدِيثِ إِعَارَةُ الْكُتُبِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ كِتَابٌ مَسْمُوعٌ مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ الْأَحْيَاءِ ، فَطُلِبَ مِنْهُ لِيُسْمَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنَ إِعَارَتِهِ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْبِرِّ وَاكْتِسَابِ الْمَثُوبَةِ وَالْأَجْرِ ، وَهَكَذَا إِذَا كَانَ فِي كِتَابِهِ سَمَاعٌ لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ مِنْ شَيْخٍ قَدْ مَاتَ فَابْتَغَى الطَّالِبُ نَسْخَهُ ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِعَارَتُهُ إِيَّاهُ ، وَكُرِهَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ "
477 أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، نا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : " مَنْ بَخِلَ بِالْحَدِيثِ ، وَكَسَرَ عَلَى النَّاسِ سَمَاعَهُمْ لَمْ يُفْلِحْ "
478 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانٍ الْوَرَّاقُ ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، نا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يَقُولُ : " مَنْ بَخِلَ بِعِلْمِهِ ابْتُلِيَ بِثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ يَنْسَاهُ وَلَا يَحْفَظُ ، وَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَإِمَّا أَنْ تَذْهَبَ كُتُبُهُ "
479 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْرَقُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشُ ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ : " أَتَى أَبَا الْعَتَاهِيَةِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ فَقَالَ لَهُ : أَعِرْنِي دَفْتَرَ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : إِنِّي أَكْرَهُ ذَاكَ ، فَقَالَ لَهُ : أَمَا عَلِمْتُ أَنَّ الْمَكَارِمَ مُوَصَّلَةٌ بِالْمَكَارِهِ ؟ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الدَّفْتَرَ "
480 أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبُ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ التُّسْتَرِيُّ ، نا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ، قَالَ : " ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْكُوفَةِ سَمَاعًا مَنَعَهُ إِيَّاهُ ، فَتَحَاكَمَا إِلَى حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، وَكَانَ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ فَقَالَ حَفْصٌ : " لِصَاحِبِ الْكِتَابِ : أَخْرِجْ إِلَيْنَا كُتُبَكَ ، فَمَا كَانَ مِنْ سَمَاعِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَطِّ يَدِكَ أَلْزَمْنَاكَ ، وَمَا كَانَ بِخَطِّهِ أَعْفَيْنَاكَ مِنْهُ " ، فَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ : مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : مِنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ عَنْ هَذَا ، فَقَالَ : لَا يَجِيءُ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ خَطَّ صَاحِبِ الْكِتَابِ دَالٌّ عَلَى رِضَاهُ بِاسْتِمَاعِ صَاحِبِهِ مَعَهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : لَيْسَ بِشَيْءٍ "
481 حُدِّثْتُ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْجَرَّاحِيُّ ، قَالَ : أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ : " رَأَيْتُ رَجُلًا قَدَّمَ رَجُلًا إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ سَمَاعًا فِي الْحَدِيثِ فِي كِتَابِهِ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَبَى أَنْ يُعِيرَهُ ، فَسَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَصَدَّقَهُ فَقَالَ : فِي كِتَابِي سَمَاعٌ وَلَسْتُ أُعِيرُهُ ، فَأَطْرَقَ إِسْمَاعِيلُ مَلِيًّا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : عَافَاكَ اللَّهُ ، إِنْ كَانَ سَمَاعُهُ فِي كِتَابِكَ بِخَطِّكَ ، فَيَلْزَمُكَ أَنْ تُعِيرَهُ ، وَإِنْ كَانَ سَمَاعُهُ فِي كِتَابِكَ بِخَطِّ غَيْرِكَ فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ : سَمَاعُهُ فِي كِتَابِي بِخَطِّي وَلَكِنَّهُ يُبْطِئُ بِرَدِّهِ عَلَيَّ ، فَقَالَ : أَخُوكَ فِي الدِّينِ أُحِبُّ أَنْ تُعِيرَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ ، فَقَالَ : " إِذَا أَعَارَكَ شَيْئًا فَلَا تُبْطِئْ بِهِ "
482 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْقِرْمِيسِينِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ ، بِجَرْجَرَايَا ، نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ شَاذَانَ الْوَاسِطِيُّ ، نا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ : " يَا يُونُسُ إِيَّاكَ وَغُلُولَ الْكُتُبِ قَالَ : قُلْتُ : وَمَا غُلُولُ الْكُتُبِ ؟ قَالَ : " حَبْسُهَا عَلَى أَصْحَابِهَا "
483 أنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النِّعَالِيُّ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الذَّارِعُ ، نا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، نا أَبُو زَيْدٍ ، نا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، عَنْ ضَمْرَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : " إِيَّاكَ وَغُلُولَ الْكُتُبِ ، قُلْتُ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : حَبْسُهَا "
484 أنا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ ، نا ابْنُ قُتَيْبَةَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ ، نا قُتَيْبَةُ بْنُ بَسَّامٍ ، نا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَجَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَا : " سَرِقَةُ صُحُفِ الْعِلْمِ مِثْلُ سَرِقَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ "
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 55)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 183)
(3) - السدرة : شجرة النبق الفرصة : قطعة من قطن أو صوف(1/412)
485 أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ الْبَزَّازُ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ ، إِمْلَاءً ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ ، يَقُولُ ، وأنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّاهِدُ بِالْبَصْرَةِ ، نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ ، نا الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّبَرِيُّ ، قَالَ ، قَالَ الْفُضَيْلُ : " لَيْسَ مِنْ فِعَالِ أَهْلِ الْوَرَعِ ، وَلَا مِنْ فِعَالِ الْحُكَمَاءِ أَنْ تَأْخُذَ سَمَاعَ رَجُلٍ فَتَحْبِسَهُ عَنْهُ ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ مَخْلَدٍ
486 أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُفْيَانَ الْمُعَلِّمُ ، نا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى بِالْمَوْصِلِ ، نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ مَرْدَوَيْهِ الصَّائِغُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ ، يَقُولُ : " لَيْسَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْوَرَعِ ، وَلَا مِنْ فِعَالِ الْعُلَمَاءِ أَنْ تَأْخُذَ سَمَاعَ رَجُلٍ وَكِتَابَهُ فَتَحْبِسَهُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ "
487 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، نا ابْنُ خَلَّادٍ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْعَسْكَرِيُّ ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : " كَانَ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ إِذَا اسْتُعْدِيَ عِنْدَهُ أَنَّ فُلَانًا حَبَسَ عَنْ فُلَانٍ سَمَاعَهُ ، تَقَدَّمَ إِلَى صَاحِبِ الرُّبُعِ فَحَبَسَهُ ، وَكَانَ يَبْعَثُ بِخَاتَمِهِ إِلَيْهِ ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ "
وقال الخطيب في الجامع : "1458 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ ، أنا الْخَطِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّرَسُوسِيُّ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الْبَزَّازُ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عِيسَى بْنِ نُوحٍ ، يَقُولُ : وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأُذُنِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ ، يَقُولُ : " قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ خَرَجْتُ فِي وَقْتٍ حَارٍّ فَإِذَا أَنَا بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مُقَنِّعُ رَأْسَهُ قَدْ دَخَلَ دَرْبًا فَتَبِعْتُهُ فَلَمَّا أَنْ أَمْعَنَ فِي الدَّرْبِ الْتَفَتَ قَالَ : وَ تَنَحَّيْتُ فَلَمْ يَرَنِي قَالَ : فَأَتَى بَابًا فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَقَعَ عَلَى شَيْخٍ قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ عَنْهُ وَكَتَبْتُ مَعَهُ فَلَمَّا قُمْنَا قَالَ لِي : يَا إِسْمَاعِيلُ اذْهَبِ الْآنَ فَلَا تَدَعْ حَائِكًا فِي الْكُوفَةِ إِلَّا أَفَدْتَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ خَلَّادٍ وَهُوَ أَتَمُّ، وَفِي حَدِيثِ الطَّرَسُوسِيُّ قَالَ : " فَذَهَبْتُ فَمَا لَقِيتُ أَحَدًا إِلَّا أَفَدْتُهُ "
وَالَّذِي نَسْتَحِبُّهُ إِفَادَةَ الْحَدِيثِ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَالدَّلَالَةَ عَلَى الشُّيُوخِ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى رِوَايَاتِهِمْ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي ذَلِكَ النُّصْحُ لِلطَّالِبِ وَالْحِفْظُ لِلْمَطْلُوبِ مَعَ مَا يُكْتَسَبُ بِهِ مِنْ جَزِيلِ الْأَجْرِ وَجَمِيلِ الذِّكْرِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "
وقال الخطيب في الجامع 1459 أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ الْأَبَّارُ ، نا عَامِرُ بْنُ سَيَّارٍ الْحَلَبِيُّ ، نا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ حَبِيبٍ ، وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ التُّوزِيُّ ، نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ ، نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ التُّوزِيُّ ، بِسُرَّ مَنْ رَأَى نا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ، نا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ حَبِيبٍ الْكَلَاعِيُّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا إِخْوَانِي " وَفِي حَدِيثِ الْأَبَّارِ : " يَا مَعْشَرَ إِخْوَانِي تَنَاصَحُوا فِي الْعِلْمِ وَلَا يَكْتُمْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَإِنَّ خِيَانَةَ الرَّجُلِ فِي عِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ " . زَادَ إِسْحَاقُ " وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكُمْ عَنْهُ "
1460 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازُ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلُ ، قَالَا : أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْخَرَقِيُّ ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ ، نا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ هِرَاسَةَ ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَفَعَهُ قَالَ : " إِخْوَانِي تَنَاصَحُوا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ خِيَانَةَ الرَّجُلِ فِي الْعِلْمِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِي الْمَالِ "
1461 أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُحْتَسِبُ ، نا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ، نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، نا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَنَحْنُ شَبَابٌ عَلَى بَابِهِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ تَعَجَّلُوا بَرَكَةَ هَذَا الْعِلْمِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ لَا تَبْلُغُونُ مَا تُؤَمَّلُونَ مِنْهُ لِيُفِدْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا "
وهذا يدلُّ على أنَّ ما رُوِيَ عنهُ وعمَّنْ تقدَّمَ ذكرُهُ مِنَ الأئِمَّةِ ممَّا يخالفُ ذلكَ محمولٌ على كَتْمِهِ عمَّنْ لَمْ يَرَوْهُ أهلاً ، أو على مَنْ لَمْ يَقْبلِ الصوابَ إذا أُرْشِدَ إليهِ ، أو نحوِ ذلكَ .
وقال الخطيب في الجامع 1477 حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيِّ ، نا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ ، أنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ ، يَقُولُ : " إِنَّ مِنْ شُكْرِ الْعِلْمِ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ الرَّجُلِ فَتُذَاكِرُهُ بِشَيْءٍ لَا تَعْرِفُهُ فَيَذْكُرُ لَكَ الْحَرْفَ عِنْدَ ذَلِكَ فَتَذْكُرُ ذَلِكَ الْحَرْفَ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَتَقُولُ : مَا كَانَ عِنْدِي فِي هَذَا شَيْءٌ حَتَّى سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ شَكَرْتَ الْعِلْمَ وَلَا تُوهِمْهُمْ أَنَّكَ قُلْتَ هَذَا مِنْ نَفْسِكِ " وَمَنْ أَدَّاهُ لِجَهْلِهِ فَرَطُ التِّيهِ وَالْإِعْجَابِ إِلَى الْمُحَامَاةِ عَنِ الْخَطَأِ وَالْمُمَارَاةِ فِي الصَّوَابِ فَهُوَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ مَذْمُومٌ مَأْثُومٌ وَمُحْتَجِزُ الْفَائِدَةِ عَنْهُ غَيْرُ مُؤَنَّبٍ وَلَا مَلُومٍ.
1478 أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ ، قَالَا : أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَمَّامٍ الْكُوفِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْيَزْدِيُّ النَّحْوِيُّ ، نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ مَعْمَرَ بْنَ الْمُثَنَّى يَقُولُ : قَالَ لِي الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ : " لَا تَرُدَّنَ عَلَى مُعْجَبٍ خَطَأً فَيَسْتَفِيدَ مِنْكَ عِلْمًا وَيَتَّخِذَكَ بِهِ عَدُوًّا " قَالَ الرِّيَاشِيُّ فَذَكَرْتُهُ لِلْجَاحِظِ فَقَالَ لِي : " سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا وَاحِدٌ فَرْدٌ وَيَتِيمٌ فَذٌّ ".
7- ولتكنْ همةُ الطالبِ تحصيلَ الفائدةِ
سواءٌ وقعتْ له بعلوٍّ أمْ بِنُزولٍ ولا يأَنَفْ أنْ يكتبَ عمَّنْ هو دونَه ما يستفيدُهُ .
وقال الخطيب في الجامع 1672 وأنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذِي الْهَمَذَانِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا قَالَ : نا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ ، بِهَمَذَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئَ ، بِمَكَّةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ جَدِّي ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، يَقُولُ : " لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَأْخُذَ عَمَّنْ فَوْقَهُ وَعَمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ " .
1665 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئُ ، نا أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ ، بِنَيْسَابُورَ نا أَبُو بَكْرٍ الصُّوفِيُّ خَشْنَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَكِيعًا ، يَقُولُ : " لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَسْمَعَ مِمَّنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ وَمِمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَمِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ "
1666 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الدِّينَوَرِيُّ ، بِمَكَّةَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُقَيْرَةَ ، نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ، نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَكِيعًا ، يَقُولُ : " لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ وَعَمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ "
1678 أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ أنا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ ، نا أَبِي ، نا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَكْتُبُ عَمَّنْ دُونَهُ مِثْلِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَمْ تَكْتُبُ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَعَلَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي فِيهَا نَجَاتِي لَمْ تَقَعْ إِلَيَّ " .
8- وليحذرِ الطالبُ أنْ تكونَ هِمَّتُهُ تكثيرَ الشيوخِ لمجرَّدِ اسمِ الكثرةِ وصيتِها
قالَ ابنُ الصلاحِ(1): وليسَ بموفَّقٍ مَنْ ضَيَّعَ شيئاً من وقتهِ في ذلكَ .
قال الخطيب في الجامع 1751 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، نا مَذْكُورُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ ، يَقُولُ : وَسَمِعَ قَوْمًا ، يَقُولُونَ : نَسَخْنَا كُتُبَ فُلَانٍ وَنَسَخْنَا كُتُبَ فُلَانٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " تَرَى هَذَا الضَّرْبَ مِنَ النَّاسِ لَا يُفْلِحُونَ ، كُنَّا نَأْتِي هَذَا فَنَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا وَنَسْمَعُ مِنْ هَذَا مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا ، فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ فَأَقَمْنَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ لَكَتَبْنَا بِهَا فَمَا كَتَبْنَا إِلَّا قَدْرَ خَمْسَةِ آلَافِ حَدِيثٍ وَمَا رَضِينَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِالْإِمْلَاءِ إِلَّا شَرِيكٌ فَإِنَّهُ أَبَى عَلَيْنَا " وَلِيَعْلَمِ الطَّالِبُ أَنَّ شَهْوَةَ السَّمَاعِ لَا تَنْتَهِي وَالنَّهْمَةَ مِنَ الطَّلَبِ لَا تَنْقَضِي وَالْعِلْمُ كَالْبِحَارِ الْمُتَعَذِّرِ كَيْلُهَا وَالْمَعَادِنِ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ نَيْلُهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي الْغُرْبَةِ إِلَّا بِمَا يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهِ الرِّحْلَةَ ".
وفي المحدث الفاصل 688 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، ثنا مَذْكُورُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُولُ وَسَمِعَ قَوْمًا يَقُولُونَ : نَسَخْنَا كُتُبَ فُلَانٍ ، وَنَسَخْنَا كُتُبَ فُلَانٍ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " تَرَى هَذَا الضَّرْبَ مِنَ النَّاسِ لَا يُفْلِحُونَ ، كُنَّا نَأْتِي هَذَا فَنَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا ، وَنَسْمَعُ مِنْ هَذَا مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا ، فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ ، فَأَقَمْنَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ لَكَتَبْنَا بِهَا ، فَمَا كَتَبْنَا إِلَّا قَدْرَ خَمْسِينَ أَلْفِ حَدِيثٍ ، وَمَا رَضِينَا مِنْ أَحَدٍ بِالْإِمْلَاءِ إِلَّا شَرِيكًا فَإِنَّهُ أَبَى عَلَيْنَا ، وَمَا رَأَيْنَا بِالْكُوفَةِ لَحْنًا مَجُوزًا "
وقال الخطيب في الجامع 1680 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، أنا ابْنُ خَلَّادٍ ، قَالَ : نا الْحَضْرَمِيُّ يَعْنِي مُطَيَّنًا ، نا الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ الْكَرَابِيسِيُّ ، قَالَ : " قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ : يَا أَبَا خَالِدٍ هَذِهِ الْمَشْيَخَةُ الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ تُحَدِّثُ عَنْهُمْ ؟ قَالَ : " أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَكْتُبُونَ عَنْ كُلٍّ فَإِذَا وَقَعَتِ الْمُنَاظَرَةُ خَصَّلُوا "
1681 أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ ، نا أَبُو سَعْدٍ الْإِدْرِيسِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ الْبَلْخِيَّ ، بِسَمْرَقَنْدَ يَقُولُ : سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَزِيدَ ، بِقِزْوِينَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : " إِذَا كَتَبْتَ فَقَمِّشْ وَإِذَا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ "
1682 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، أنا الْمُظَفَّرُ بْنُ يَحْيَى الشَّرَابِيُّ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْشَدِيُّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الطَّلْحِيِّ ، قَالَ : ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ : " كُنْتُ أَنَا وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَشَرِيكٌ نَتَمَاشَى بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْكُوفَةِ فَرَأَيْنَا شَيْخًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ حَسَنُ السَّمْتِ فَظَنَنَا أَنَّ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ النَّاسَ وَكَانَ سُفْيَانُ أَطْلَبَنَا لِلْحَدِيثِ وَأَشَدَّ بَحْثًا عَنْهُ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا هَذَا عِنْدَكَ شَيْءٌ مِنَ الْحَدِيثِ ؟ فَقَالَ : أَمَّا حَدِيثٌ فَلَا وَلَكِنْ عِنْدِي عَتِيقُ سِنِينَ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ خِمَارٌ ".
قالَ ابنُ الصلاحِ(2): (( وليسَ من ذلكَ قولُ أبي حاتِمٍ الرازيِّ: إذا كتبتَ فَقَمِّشْ ، وإذا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ )) .
والتَّقْمِيْشُ والقَمْشُ أيضاً : جمعُ الشيءِ من هاهُنا وهاهُنا . وَلَمْ يُبَيِّنِ ابنُ الصلاحِ ما المرادُ بذلكَ ، وكأنَّهُ أرادَ : اكْتُبِ الفائدةَ ممَّنْ سمعتَها ولا تُؤخِّرْ ذلكَ حَتَّى تنظرَ فيمَنْ حدَّثكَ ، أهُوَ أهلٌ أنْ يُؤخَذَ عَنْهُ أم لا ؟ فربَّما فاتَ ذلكَ بموتِ الشيخِ أو سفرِهِ ، أو سفرِكَ . فإذا كانَ وقتُ الروايةِ عنهُ ، أو وقتُ العملِ بذِلكَ ، فَفَتِّشْ حينئذٍ .
ويَحْتَمِلُ : أنَّ مرادَ أبي حاتمٍ استيعابُ الكتابِ المسموعِ ، وتركُ انتخابهِ ، أوْ استيعابُ ما عندَ الشيخِ وقتَ التحمُّلِ، ويكونُ النظرُ فيهِ حالةَ الروايةِ . وقدْ يكونُ قَصْدُ المحدِّثِ تكثيرَ طُرُقِ الحديثِ، وجَمْعَ أطرافِهِ ، فيكثرُ لذلكَ شيوخُه ولا بأْسَ بذلكَ .
وفي الجامع للخطيب 1650 أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ النِّعَالِيِّ حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيُّ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : " لَوْ لَمْ نَكْتُبِ الْحَدِيثَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا مَا عَقَلْنَاهُ "
1651 أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْبَرْمَكِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ الْمُعَافَى ، قَالَ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ، يَقُولُ : " الْحَدِيثُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ تَفْهَمْهُ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا "
1652 قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، قَالَ : " الْبَابُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ
1653 أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مَرْدَوَيْهِ الْفَسَوِيُّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ : أَنْشَدَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ الْعَلَّامَةُ لِنَفْسِهِ :
قَدْ قُلْتَ فَالْقَوْلُ مَعْرُوفٌ بِقَائِلِهِ وَلَيْسَ عَالِمُ أَمْرٍ مِثْلَ جَاهِلِهِ
إِذَا أَتَى خَبَرُ تُفْرَى الشُّكُوكُ بِهِ وَلَمْ يَبِنْ لَكَ فَانْظُرْ طُرْقَ نَاقِلِهِ
لَا تَنْظُرِ السَّيْفَ وَانْظُرْ أَثَرَ مَضْرِبِهِ مَا جَوْهَرُ السَّيْفِ إِلَّا كَفُّ حَامِلِهِ "
. وقد وُصِفَ بالإكثارِ من الشيوخِ سفيانُ الثوريُّ ، وأبو داودَ الطيالسيُّ ، ويونسُ بنُ محمّدٍ المؤدِّبُّ ، ومحمّدُ بنُ يونسَ الكُدَيميُّ ، وأبو عبدِ الله ابنُ مَنْدَه ، والقاسمُ بنُ داودَ البغداديُّ.
وفي الجامع للخطيب 1683 أنا أَبُو الْفَرَجِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيرِيُّ ، أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، قَالَ : قَرَأْتُ فِي أَصْلِ كِتَابِ جَدِّي أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاهِينَ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِشْدِينَ قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ : " أَدْرَكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مِائَةً وَشَبِيهًا بِثَلَاثِينَ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَحْصَيْنَا لَهُ شَبِيهًا بِسِتِّمِائَةِ شَيْخٍ ، وَرَوَى عَنِ الثَّوْرِيِّ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا "
1684 أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، نا مُحَمَّدٌ جَعْفَرُ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ ، قَالَ : " أَدْرَكْتُ أَلْفَ شَيْخٍ كَتَبْتُ عَنْهُمْ "
1685 نا عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبِي : " لَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ : سَأَلْتَ عَنْ أَسْمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ بِهَا لِأَسْمَعَ مِنْهُمْ ؟ فَكَتَبَ لِي أَسْمَاءَ أَرْبَعِمِائَةِ شَيْخٍ "
1686 وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ ، قَالَ : هَذَا كِتَابُ جَدِّي أَبِي الْفَضْلِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ : فَقَرَأْتُ فِيهِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ النَّيْسَابُورِيُّ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ الْمَنْبِجِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ دِهْقَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبَ ، يَقُولُ : " كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ ، شَيْخٍ وَشَيْخٍ وَسِتِّينَ امْرَأَةً "
1687 أنا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبُخَارِيُّ نا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّاهِدُ الْبُخَارِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَنْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْكُدَيْمِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُونُسَ وَهُوَ يَقُولُ : " كَتَبْتُ بِالْبَصْرَةِ عَنْ أَلْفٍ وَمِائَةٍ وَسِتَّةِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا "
1688 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ السُّوذَرْجَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَنْدَهٍ ، يَقُولُ : " كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ لَمْ أَرَ فِيهِمْ أَيْقَنَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ وَلَا أَحْفَظَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ "
1689 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئُ النَّقَّاشُ نا الْقَاسِمُ بْنُ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " كَتَبْتُ عَنْ سِتَّةِ آلَافِ شَيْخٍ "
9- وينبغي للطالبِ أنْ يسمعَ ، ويكتبَ ما وقعَ له من كتابٍ ، أو جُزءٍ على التَّمَامِ ، ولا يَنتخبْهُ .
فربمَّا احتاجَ بعدَ ذلكَ إلى روايةِ شيءٍ منهُ لَمْ يَكنْ فيما انتخبَهُ مِنْهُ ، فيندمُ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 55)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 55)(1/413)
وقال الخطيب في كتابه بَابُ الْقَوْلِ فِي انْتِقَاءِ الْحَدِيثِ وَانْتِخَابِهِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ كَتْبِهِ عَلَى الْوَجْهِ وَاسْتِيعَابِهِ
1479 كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ يَذْكُرُ أَنَّ أَبَا الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيَّ أَخْبَرَهُمْ قَالَ : نا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو النَّصْرِيُّ ، نا أَبُو مُسْهِرٍ ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : " يَجْلِسُ إِلَى الْعَالِمِ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ يَكْتُبُ كُلَّ مَا يَسْمَعُ ، وَرَجُلٌ لَا يَكْتُبُ وَيَسْمَعُ فَذَلِكَ يُقَالُ لَهُ : جَلِيسُ الْعَالِمِ ، وَرَجُلٌ يَنْتَقِي وَهُوَ خَيْرُهُمْ "
1480 أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضَالَةَ النَّيْسَابُورِيُّ ، بِالرَّيِّ أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدِيُّ أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ، نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : " يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ يَسْمَعُ وَلَا يَكْتُبُ وَلَا يَحْفَظُ فَذَاكَ لَا شَيْءَ ، وَرَجُلٌ يَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعَهُ فَذَلِكَ الْحَاطِبُ ، وَرَجُلٌ يَسْمَعُ الْعِلْمَ فَيَتَخَيَّرُهُ وَيَكْتُبُ فَذَاكَ الْعَالِمُ " إِذَا كَانَ الْمُحَدِّثُ مُكْثِرًا وَفِي الرِّوَايَةِ مُتَعَسِّرًا فَيَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يَنْتَقِيَ حَدِيثَهُ وَيَنْتَخِبَهُ فَيَكْتُبُ عَنْهُ مَا لَا يَجِدُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ وَيَتَجَنَّبُ الْمُعَادَ مِنْ رِوَايَاتِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْوَارِدِينَ مِنَ الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمْ طُولَ الْإِقَامَةِ وَ الثَّوَاءِ . وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ لِلطَّالِبِ مُعَادٌ حَدِيثِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَمَا يُشَارِكُ فِي رِوَايَتِهِ مِمَّا يَتَفَرَّدُ بِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتُبَ حَدِيثَهُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ دُونَ الِانْتِقَاءِ وَالِانْتِخَابِ"
1481 أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ حُبَيْشٌ ، نا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ ، نا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ ، يَقُولُ : " مَا انْتَخَبْتُ عَلَى عَالِمٍ قَطُّ إِلَّا نَدِمْتُ "
1482 أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمُخَرِّمِيُّ ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حِبَّانَ ، قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَعْنِي يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ : " دَفَعَ إِلَيَّ ابْنُ وَهْبٍ كِتَابَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ خَمْسَمِائَةِ أَوْ سِتَّمِائَةِ حَدِيثٍ فَانْتَقَيْتُ مِنْهَا شِرَارَهَا وَرَدَدُّتُ عَلَيْهِ الْكِتَابَيْنِ ، قُلْتُ لِأَبِي زَكَرِيَّا : لِمَ أَخَذْتَ شِرَارَهَا ؟ قَدْ كُنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ إِنْسَانٍ قَبْلَهُ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لِي بِهَا يَوْمَئِذٍ مَعْرِفَةٌ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَنْ لَمْ تَعْلُ فِي الْمَعْرِفَةِ دَرَجَتُهُ وَلَا كَمُلَتْ لِانْتِخَابِ الْحَدِيثِ آلَتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِبَعْضِ حُفَّاظِ وَقْتِهِ عَلَى انْتِقَاءِ مَا لَهُ غَرَضٌ فِي سَمَاعِهِ وَكَتْبِهِ
1483 أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرْوَرُّوذِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مَأْمُونًا الْمِصْرِيَّ الْحَافِظَ ، يَقُولُ : " خَرَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ النَّسَوِيَّ إِلَى طَرَسُوسَ سَنَةً لِلْفِدَاءِ وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ وَاجْتَمَعَ مِنَ الْحُفَّاظِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مُرَبَّعٌ وَأَبُو الْآذَانِ وَمَشْيَخَةٌ غَيْرُهُمْ فَتَشَاوَرُوا مَنْ يَنْتَقِي لَهُمْ عَلَى الشُّيُوخِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيِّ وَكَتَبُوا كُلُّهُمْ بِانْتِخَابِهِ "
1484 أنا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى الْمَوْصِلِيَّ ، يَقُولُ : " مَا سَمِعْنَا بِذِكْرِ أَحَدٍ فِي الْحِفْظِ إِلَّا كَانَ اسْمُهُ أَكْثَرَ مِنْ رُؤْيَتِهِ إِلَّا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فَإِنَّ مُشَاهَدَتَهُ كَانَ أَعْظَمُ مِنَ اسْمِهِ وَكَانَ قَدْ جَمَعَ حَفِظَ الْأَبْوَابِ وَالشُّيُوخِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَتَبْنَا بِانْتِخَابِهِ بِوَاسِطَ سِتَّةَ آلَافٍ "
1485 وأنا أَبُو سَعْدٍ ، قَالَ : قَالَ لَنَا ابْنُ عَدِيٍّ : " أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أُرْمَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ مِنْ حُفَّاظِ النَّاسِ وَمِنَ الْمُقَدَّمَيْنِ فِيهِ وَفِي الِانْتِخَابِ وَكَثْرَةِ مَا اسْتَفَادَ النَّاسُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا يُفِيدُهُمْ عَنْ غَيْرِهِ "
1486 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا : " عُبَيْدٌ الْعِجْلُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَانَ مَوْصُوفًا بِحُسْنِ الِانْتِخَابِ يَكْتُبُ الْحُفَّاظُ بِانْتِقَائِهِ "
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَكَانَ يَنْتَقِي عَلَى الشُّيُوخِ بِبَغْدَادَ ، مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ وَأَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ ، فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ لَمْ نُدْرِكْهُمْ وَقَدْ لَقِينَا مَنْ حَدَّثَنَا عَنْهُمْ وَكَانَ فِيهِمْ جَمَاعَةٌ يَسْتَفِيدُ الطَّلَبَةُ بِانْتِقَائِهِمْ وَيُكْتَبُ النَّاسُ بِانْتِخَابِهِمْ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْجِعَابِيِّ وَعُمَرَ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ الْمُظَفَّرِ وَأَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمْ
1487 سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا يَقُولُ : كَانَ يُقَالُ : " إِنَّ انْتِقَاءَ عُمَرَ الْبَصْرِيِّ يَصْلُحُ لِيَهُودِيٍّ قَدْ أَسْلَمَ " وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مُعْظَمُ انْتِخَابِهِ الْأَحَادِيثَ الْمَشْهُورَةَ وَالرِّوَايَاتِ الْمَعْرُوفَةَ خِلَافُ مَا يَتَخَيَّرُهُ أَكْثَرُ النُّقَّادِ مِنْ كُتُبِ الْغَرَائِبِ وَالْأَفْرَادِ . وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فَكَانَ انْتِخَابُهُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوْعَيْنِ مِنَ الصِّحَاحِ وَالْمَشَاهِيرِ وَالْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْفَائِدَةِ وَأَكْثَرُ لِلْمَنْفَعَةِ وَسَنُبَيِّنُ وَجْهَ الْفَائِدَةِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَلَى التَّفْصِيلِ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "
10- وإنْ قَصَّرَ الطالبُ عن معرفةِ الانتخابِ وجودتهِ فيستعين ببعض حفاظ وقته.
قالَ الخطيبُ : "ينبغي أنْ يستعينَ ببعضِ حُفَّاظِ وقتِهِ على انتقاءِ ما لَهُ غرضٌ في سماعِهِ وكتْبِهِ " .
ثُمَّ ذكرَ من المعروفينَ بحسنِ الانتقاءِ أبا زُرْعَةَ الرازيَّ ، وأبا عبدِ الرحمنِ النسائيَّ ، وإبراهيمَ بنَ أُورمةَ الأصبهانيَّ ، وعُبَيْداً العِجْلَ ، وأبا بكرٍ الْجِعَابِيَّ ، وعمرَ البصريَّ ، ومحمَّدَ بن الْمُظَفَّرِ ، والدَّارقطنيَّ ، وأبا الفتحِ ابنَ أبي الفوارسِ ، وأبا القاسمِ هبةَ اللهِ بنَ الحسنِ الطبريَّ اللالكائيَّ .
وجرتْ به عادةُ الحفَّاظِ من تعليمهِم في أصلِ الشيخِ على ما انتخبوهُ . وفائدتُهُ لأجلِ المعارضَةِ أو ليُمْسِكَ الشيخُ أصلَهُ ، أو لاحتمالِ ذهابِ الفرعِ ، فينقلَ من الأصلِ ، أو يحدّثَ من الأصلِ بذلكَ المعلَّمِ عليهِ .
واختياراتُهُم لصورةِ العلامةِ مختلفةٌ، ولا حرجَ في ذلكَ ، فكانَ الدَّارقطنيُّ يعلِّمُ بخطٍّ عريضٍ ، بالْحُمْرَةِ في الحاشيةِ اليُسرى ، وكانَ اللالكائيُّ يُعلِّمُ على أوَّلِ إسنادِ الحديثِ بخطٍّ صغيرٍ ، بالْحُمْرَةِ . وهذا الذي استقرَّ عليهِ عَمَلُ أكثرِ المتأخِّرِينَ وكانَ أبو الفضلِ عليُّ بنُ الحسنِ الفَلَكِيُّ يُعلِّمُ بصورةِ همزتينِ بحبرٍ في الحاشيةِ اليُمنى. وكان أبو الحسنِ عليُّ بنُ أحمدَ النُّعَيْميُّ يُعَلِّمُ صاداً ممدودةً بِحِبْرٍ في الحاشيةِ اليُمنى ، أيضاً . وكان أبو محمّدٍ الخلاّلُ يُعَلِّمُ طاءً ممدودةً كذلكَ . وكانَ محمَّدُ بنُ طلحةَ النِّعَاليُّ يُعَلِّمُ بحاءينِ إحداهُما إلى جَنْبِ الأخْرَى كذلكَ .(1)
11-لا يَنْبَغِي للطَّالبِ أنْ يقتصرَ على سماعِ الحديثِ ، وكَتْبِهِ دونَ معرفتِهِ وَفَهْمِهِ.
وفي الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ 138 حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْحَرَّانِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيلِ يَقُولُ : " الرِّيَاسَةُ فِي الْحَدِيثِ بِلَا دِرَايَةِ رِيَاسَةٌ نَذِلَةٌ ".
وفي الجامع للخطيب 1560 فَكَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْحَرَّانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيلَ ، يَقُولُ : " الرِّئَاسَةُ فِي الْحَدِيثِ بِلَا دِرَايَةٍ رِئَاسَةٌ نَذِلَةٌ "
وَالرِّئَاسَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو عَاصِمٍ إِنَّمَا هِيَ اجْتِمَاعُ الطَّلَبَةِ عَلَى الرَّاوِي لِلسَّمَاعِ مِنْهُ عِنْدَ عُلُوِّ سِنِّهِ وَانْصِرَامِ عُمْرُهُ وَرُبَّمَا عَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ بُلُوغِ تِلْكَ الْأُمْنِيَةِ فَتَكُونُ أَعْظَمُ لِحَسْرَتِهِ وَأَشَدُّ لِمُصِيبَتِهِ .
1561 أنا رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى السَّمَّاكَ بِالرَّيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَوَيْهِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ السَّاجِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ شَبِيبٍ ، يَقُولُ : " أَقَمْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِصَنْعَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمَّا أَرَدْتُ الرُّجُوعَ إِلَى نَيْسَابُورَ دَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَنْزِلِهِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ : كَيْفَ أَصْبَحَ الشَّيْخُ ؟ فَقَالَ : بِخَيْرٍ مُنْذُ لَمْ أَرَ وَجْهَكَ ثُمَّ قَالَ : لَعَنِ اللَّهُ صَنْعَةً لَا تُرَوَّجُ إِلَّا بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً " وَإِذَا تَمَيَّزَ الطَّالِبُ بِفَهْمِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَتِهِ تَعَجَّلَ بَرَكَةَ ذَلِكَ فِي شَبِيبَتِهِ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَاوَمِ السَّمَاعِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ وَالْمُطَالَبَةِ لَهُ وَالنَّظَرِ فِيهِ وَالْمُذَاكَرَةِ بِهِ وَصَرْفِ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَسَنُرَتِّبُ ذَلِكَ تَرْتَيبًا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "
قالَ الخطيبُ: هيَ اجتماعُ الطلبةِ على الرَّاوي للسماعِ عندَ عُلُوِّ سِنِّهِ ، قالَ : فإذا تَمَيَّزَ الطالبُ بَفَهْمِ الحديثِ ، ومعرفتِهِ ، تَعَجَّلَ بَرَكَةَ ذلكَ في شبيبتِهِ . قالَ : ولو لَمْ يَكُنْ في الاقتصارِ على سماعِ الحديثِ ، وتخليدِهِ الصُّحُفَ ، دونَ التَّمْييزِ بمعرفةِ صحيحِهِ من فاسدِهِ والوقوفِ على اختلافِ وجوهِهِ ، والتصرفِ في أنواعِ عُلومِهِ ، إلاَّ تَلْقِيبُ المعتزلةِ القدريةِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطريقةِ بالْحَشَوِيَّةِ ؛ لوجبَ على الطالبِ الأَنَفَةُ لنفسِهِ، ودَفْعُ ذلكَ عنهُ ، وعن أبناءِ جِنْسِهِ. وروينا عن فارسِ بنِ الحسينِ لنفسِهِ :
يا طَاْلبَ العلمِ الذِّي ذَهَبَتْ بمُدَّتِهِ الرِّوَاْيَهْ
كُنْ فيْ الِّرَوْايَةِ ذَاْ العِنَا يَةِ ، بِالرِّوَاْيَةِ ، وَالدِّرَاْيَهْ
وَارْوِ الْقَلِيْلَ وَرَاْعِهِ فَالْعِلْمُ لَيْسَ لَهُ نِهَاْيَهْ
12- ويَنْبَغِي للطالبِ أنْ يقدِّمَ قراءةَ كتابٍ في علومِ الحديثِ حِفْظاً ، أو تَفَهُّماً ، ليعرفَ مصطلحَ أهلِهِ .
قالَ ابنُ الصلاحِ(2): (( ثمَّ إنَّ هذا الكتابَ مدخلٌ إلى هذا الشأْنِ ، مُفْصِحٌ عنْ أُصُولِهِ ، وفروعِهِ ، شارحٌ لمصطلحاتِ أهلِهِ ، ومقاصدِهمْ ، وَمُهْمَّاتِهِمُ التي ينقصُ المحدِّثُ بالجهلِ بها نقصاً فاحِشاً، فهو- إنْ شاءَ اللهُ تعالى- جديرٌ بأنْ تُقَدّمَ العنايةُ بهِ )) .
وقد جمع كثير من العلماء نكتا عليه تتضمن إما تقييد مطلق أو إيضاح مغلق أو غير ذلك من فائدة مهمة فينبغي للمعنيين بهذا الأمر الوقوف عليها وتوجيه النظر إليها(3)
13- الاعتناء بكتب الحديث ةلا سيما الصحيحين دراية ورواية
قالَ الخطيبُ: بَابُ الْقَوْلِ فِي كَتْبِ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَعُمُومِهِ وَذِكْرِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ لِأَصْنَافِ عُلُومِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ الطَّالِبُ شِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى السَّمَاعِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَيْهِ وَالْمُلَازَمَةِ لِلشُّيُوخِ
1562 فَقَدْ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ إِدْرِيسَ نا شُعَيْبُ بْنُ بَكَّارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدِيَّ ، يَقُولُ : " قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْبَصْرَةَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ لَهُ : حَدِّثْنِي حَدِيثَ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ حَمَّادٌ : حَدَّثَنِي أَبُو الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ الْحَدِيثَ قَالَ : فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْحَدِيثِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا سُفْيَانُ . قَالَ ابْنُ سَعِيدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : الثَّوْرِيُّ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيَّ ثُمَّ تَسْأَلُ عَنِ الْحَدِيثِ ؟ قَالَ : خَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ الْحَدِيثَ مِنْكَ "
1563 وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي التَّنُوخِيُّ ، بِدِمَشْقَ أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ التَّمِيمِيُّ ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَذْرَعِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَضِرِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرِ بْنَ نُفَيْلٍ ، يَقُولُ : " قَدِمَ عَلَيْنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَسَأَلَنِي يَحْيَى وَهُوَ يُعَانِقُنِي قَالَ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ قَرَأْتَ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ : أَدْنَى وَقْتِ الْحَائِضِ يَوْمٌ فَقَالَ لَهُ : أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ : لَوْ جَلَسْتَ قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ "
1564 أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، أنا الْحَاكِمُ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيُّ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَبْدِيُّ نا جَدِّي ، نا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ ، نا حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ ، قَالَ : " كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ : تَعَجَّبْنَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : مِنَ الْغُرَابِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَأَمَّا الْغُرَابُ فَسُرْعَةُ بُكُورِهِ وَسُرْعَةُ إِيَابِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَالْمَعْرِفَةُ تَنْفَعُ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ إِذَا احْتَقَرَ شَيْئًا لَمْ يَدَعْهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَصْلِهِ ، وَأَمَّا السِّنَّوْرُ فَإِنَّهُ يُوَاظِبُ عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يَبْرَحُ حَتَّى يَأْخُذَهُ ، فَمَنْ طَلَبَ حَاجَةً فَلْيَطْلُبْهَا طَلَبَ الْهِرِّ " وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ مَحْبَرَتُهُ وَصُحُفُهُ لِئَلَّا يَعْرِضَ لَهُ مَنْ يُحَدِّثُهُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَى كَتْبِهِ "
1565 أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْمَرِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ ، نا سَلَمَةُ بْنُ عَبَايَةَ ، نا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : " الْجَائِي إِلَى الْعَالِمِ بِلَا أَلْوَاحٍ كَالْجَائِي إِلَى الْحَرْبِ بِلَا سِلَاحٍ"
1566 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ، نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، نا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَخِي ، قَالَ : " كُنْتُ أَطُوفُ أَنَا وَ ابْنُ شِهَابٍ وَمَعَ ابْنِ شِهَابٍ الْأَلْوَاحَ وَالصُّحُفَ قَالَ : " فَكُنَّا نَضْحَكُ بِهِ "
1567 كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ يَذْكُرُ أَنَّ أَبَا أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَكِّيٍّ الْجُرْجَانِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خِرَاشٍ ، يَقُولُ : قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : " حُكْمُ مَنْ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ أَنْ لَا يُفَارِقَ مَحْبَرَتَهُ وَمَقْلَمَتَهُ وَأَنْ لَا يُحَقِّرَ شَيْئًا يَسْمَعُهُ فَيَكْتُبُهُ "
1568 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ ، نا الْحُسَيْنُ بْنُ فَهْمٍ ، نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَابِدُ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ : " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى مَجْلِسِ مُحَدِّثٍ بِلَا مَحْبَرَةٍ فَقَدْ تَوِيَ الْمَسْأَلَةَ "
1569 أنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخُو الْخَلَّالِ أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُقْرِئُ الْبَغْدَادِيُّ بِجُرْجَانَ نا ابْنُ شَنَبُوذَ ، نا ابْنُ مَسْرُوقٍ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : " إِذَا رَأَيْتَ صَاحِبَ حَدِيثٍ بِلَا مَحْبَرَةٍ فَهُوَ مِثْلُ النَّجَّارِ بِلَا فَأْسٍ "
1570 حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، نا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْمِلِّيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَوْفٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ حَيْوَةَ ، يَقُولُ : قَالَ بَقِيَّةُ : " رُبَّمَا سَمِعَ مِنِّي ابْنُ ثَوْبَانَ الْحَدِيثَ وَنَحْنُ فِي قَرْيَةٍ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَكْتُبُهُ فَيَكْتُبُهُ فِي وَرَقِ اللَّوْزِ أَوْ فِي خَزَفَةٍ "
1571 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى الرَّازِيُّ ، نا أَبُو عَامِرٍ عَمْرُو بْنُ تَمِيمٍ الطَّبَرِيُّ نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ : " وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ حَدِيثَ سُفْيَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ : يَا أَبَا نُعَيْمٍ قَدْ فَنِيَ الْبَيَاضُ فَتَغَافَلَ فَكَرَّرَ عَلَيْهِ ثَانِيًا ، قَالَ : " اذْهَبْ فَاكْتُبْ فِي أُذُنِ بَطَّةٍ يَا صَيَّادَ الْبَرَاغِيثِ " وَيَبْتَدِئُ بِسَمَاعِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالْأُصُولِ الْجَامِعَةِ لِلسُّنَنِ "
1572 فَقَدْ أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْإِمَامُ بِأَصْبَهَانَ نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقَصَّارُ نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، نا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ، قَالَ : " عَجِبْتُ لِمَنْ تَرَكَ الْأُصُولَ وَطَلَبَ الْفُصُولَ " وَأَحَقُّهَا بِالتَّقْدِيمِ كِتَابُ الْجَامِعِ وَالْمُسْنَدِ الصَّحِيحَانِ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ "
1573 حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ الْمُفَسِّرَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الرَّيْحَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَسَايَنَ الْبُخَارِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ ، يَقُولُ : " صَنَّفْتُ كِتَابِي " الصِّحَاحُ " بِسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً خَرَّجْتُهُ مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَجَعَلْتُهُ حُجَّةً فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 185)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 57)
(3) - توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 55)(1/414)
1574 حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ السُّوذَرْجَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَةْ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيَّ ، يَقُولُ : " مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ " وَمِمَّا يَتْلُو الصَّحِيحَيْنِ سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيِّ وَأَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ وَكِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ إِخْرَاجَ مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ كُتُبُ الْمَسَانِيدِ الْكِبَارِ مِثْلُ مُسْنَدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبِي الْحَسَنِ عُثْمَانَ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ النَّسَائِيِّ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْكَشِّيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِيِّ . وَمِنَ الطَّبَقَةِ الَّتِي بَعْدَ هَؤُلَاءِ مَا يُوجَدُ مِنْ مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ السَّدُوسِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الرَّازِيِّ وَمُسْنَدِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيِّ وَأَبِي يَعْلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيِّ ثُمَّ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْأَحْكَامِ الْجَامِعَةِ لِلْمَسَانِيدِ وَغَيْرِ الْمَسَانِيدِ مِثْلُ كُتُبِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمْ . وَأَمَّا مُوَطَّأُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي هَذَا النَّوْعِ وَيَجِبُ أَنْ يُبْتَدَأَ بِذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ لِغَيْرِهِ"
1575 حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ ، أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ السَّهْمِيِّ بِخَطِّهِ : حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ قَالَ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ : " مَا كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَنْفَعُ مِنْ مُوَطَّأِ مَالِكٍ " ثُمَّ الْكُتُبُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ فَمِنْهَا كِتَابُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْحَافِظِ النَّيْسَابُورِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيِّ ، وَكِتَابِ التَّمْيِيزِ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيِّ ثُمَّ تَوَارِيخُ الْمُحَدِّثِينَ وَكَلَامُهُمْ فِي أَحْوَالِ الرُّوَاةِ مِثْلُ كِتَابِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْهُ عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ وَكِتَابِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلَابِيُّ وَكِتَابِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْهُ الْحُسَيْنُ بْنُ حِبَّانَ الْبَغْدَادِيُّ وَتَارِيخُ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ الْعُصْفُرِيِّ وَأَبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيِّ وَيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْفَسَوِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ النَّسَائِيِّ وَأَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ وَحَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ . وَكِتَابُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ وَيُرْبِي عَلَى هَذِهِ الْكُتُبِ كُلِّهَا تَارِيخُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ "
1576 حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ اللَّخْمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ الْهَاشِمِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سَعِيدٍ ، يَقُولُ : " لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ كِتَابِ تَارِيخِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ " فَإِذَا أَحْرَزَ صَدْرًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالسَّمَاعِ وَالْكَتْبِ لِلْفَوَائِدِ الْمَنْثُورَةِ غَيْرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَجْمُوعَةِ وَيَعْمَدُ لِاسْتِيعَابِهَا دُونَ انْتِخَابِهَا "
1577 فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ ، فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا وَحَدَّثَنِيهِ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ ، عَنْهُ أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : " مَا جَاءَ مِنْ مُنْتَقِي يَعْنِي مُنْتَقِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ قَطُّ "
1578 وأنا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ ، نا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَوْثَرَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : " صَاحِبُ الِانْتِخَابِ يَنْدَمُ وَصَاحِبُ الْمَشْجِ لَا يَنْدَمُ "
1579 أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُجَهِّزُ ، قَالَ : نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ ، بِهَا ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ حَبِيبٍ ، نا الْحَسَنُ بْنُ جَرِيرٍ الصُّورِيُّ ، قَالَ : قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : " الَّذِي يَنْتَخِبُ الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَأْخُذُ النُّخَالَةَ وَيَدَعُ الدَّقِيقَ "
1580 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَتَرِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ ، يَقُولُ : " سَمِعْنَا مُصَنَّفَاتِ وَكِيعٍ ، وَأَخْرَجَ الزِّيَادَاتِ ، بَعْدُ فَخَرَجْنَا إِلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلْنَا نَتَتَبَّعُ تِلْكَ الزِّيَادَاتِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَكْتُبُ عَلَى الْوَجْهِ لِئَلَّا يَسْقُطَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ "
قالَ ابنُ الصلاحِ(1): (( ضبطاً لِمُشْكِلِهَا ، وفَهْماً لخفيِّ معانيها . قالَ : ولا يُخْدَعَنَّ عن كتابِ " السننِ الكبيرِ " للبيهقيِّ ، فإنَّا لا نعلمُ مِثْلَهُ في بابِهِ . ثُمَّ لسائرِ ما تَمَسُّ حاجةُ صاحبِ الحديثِ إليهِ من كُتُبِ المسانيدِ ، ك" مسندِ أحَمدَ " ، ومن كتبِ الجوامعِ المصنَّفَةِ في الأحكامِ . و " موطأُ مالكٍ " هو المقدَّمُ منها )) .
وقالَ ابنُ الصلاحِ(2): (( إنَّ مِنْ أجودِ العِلَلِ ، كتابَ أحمدَ ، والدَّارقطنيِّ ، ومن أفضلِ التواريخِ ، " تاريخَ البخاريِّ الكبيرَ " ، وكتابَ ابنِ أبي حاتِمٍ . ثُمَّ قالَ : ومِنْ كُتُبِ الضبطِ لمُشْكِلِ الأسماءِ ، قالَ : ومِنْ أكملِهَا كتابُ الإكمالِ ، لأبي نصرِ بنِ
ماكولا )) .
14- لِيَكُنْ تَحَفُّظُ الطالبِ للحديثِ على التَّدريجِ قليلاً قليلاً ، ولا يأخذُ نفسَهُ بما لا يطيقُهُ .
ففي صحيح البخارى(5861 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَحْتَجِرُ(3)حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّى ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ »(4).
وقال الخطيب في الجامع 448 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا دَعْلَجٌ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، نا يَعْقُوبُ بْنُ الدَّوْرَقِيِّ ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، قَالَ ، قَالَ سُفْيَانُ : " كُنْتُ آتِي الْأَعْمَشَ وَمَنْصُورًا ، فَأَسْمَعُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ ، خَمْسَةً ثُمَّ أَنْصَرِفُ ، كَرَاهَةَ أَنْ تَكْثُرَ وَتَفْلِتَ ".
449 أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ ، نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، نا جَعْفَرُ بْنُ هَاشِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ ، يَقُولُ : " كُنْتُ آتِي قَتَادَةَ فَأَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثَيْنِ ، فَيُحَدِّثُنِي ثُمَّ يَقُولُ : أَزِيدُكَ ؟ فَأَقُولُ : لَا حَتَّى أَحْفَظَهُمَا وَأُتْقِنَهُمَا "
450 حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ ، نا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ الْحَارِثِيُّ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الطُّوسِيُّ ، بِمَكَّةَ ، قَالَ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مَعْمَرًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ، يَقُولُ : " مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ جُمْلَةً فَاتَهُ جُمْلَةً ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ الْعِلْمُ حَدِيثٌ وَحَدِيثَانِ"
451 أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ السُّوذَرْجَانِيُّ ، بِأَصْبَهَانَ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ ، نا الْمُفَضَّلُ الْجَنَدِيُّ ، نا أَبُو حُمَةَ ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَعْمَرًا ، يَقُولُ : " مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ جُمْلَةً ذَهَبَ مِنْهُ جُمْلَةً ، إِنَّمَا كُنَّا نَطْلُبُ حَدِيثًا وَحَدِيثَيْنِ"
452 أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِيمَا الْمُجَبِّرُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السَّكَنِ ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، يَقُولُ لِابْنِ وَهْبٍ : كَيْفَ سَمِعْتَ يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ، يَقُولُ : " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ إِنْ أَخَذْتَهُ بِالْمُكَابَرَةِ لَهُ غَلَبَكَ ، وَلَكِنْ خُذْهُ مَعَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي أَخْذًا رَفِيقًا تَظْفَرْ بِهِ " وَإِذَا كَانَ فِي حِفْظِ بَعْضِ الطَّلَبَةِ إِبْطَاءٌ قَدَّمُوا مَنْ عَرَفُوهُ بِسُرْعَةِ الْحِفْظِ وَجَوْدَتِهِ ، حَتَّى يَحْفَظَ لَهُمْ عَنِ الرَّاوِي ، ثُمَّ يُعِيدُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُتْقِنُوا حِفْظَهُ عَنْهُ "
453 أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ ، أنا دَعْلَجٌ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، نا عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ، قَالَ : " كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَصْحَابُهُ إِذَا قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَدَّمُوا أَبَا الزُّبَيْرِ يَتَحَفَّظُ لَهُمْ " .
454 أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْبَزَّازُ ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ الصَّلْتِ ، نا جَدِّي ، نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، نا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، قَالَ : " كَانَ عَطَاءٌ يُقَدِّمُنِي إِلَى جَابِرٍ أَحْفَظُ لَهُمُ الْحَدِيثَ " وَإِنْ كَتَبَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ ، وَذَاكَرَ بِهِ الْبَاقِينَ حَتَّى يَحْفَظُوهُ جَمِيعًا ، لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ "
455 أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ ، نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، نا الْحُمَيْدِيُّ ، نا سُفْيَانُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ، يَقُولُ : أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ، يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ : " تُبَايعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " قَالَ سُفْيَانُ : كُنَّا عِنْدَ الزُّهْرِيِّ ، فَلَمَّا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَشَارَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ احْفَظْهُ فَكَتَبْتُهُ ، فَلَمَّا قَامَ أَخْبَرْتُ بِهِ أَبَا بَكْرٍ " .
15- وممَّا يعينُ على دوامِ الحفظِ المذاكرةُ .
وفي سنن الدارمى :51- باب مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ
607- أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْجُرَيْرِىِّ وَأَبِى مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ : تَذَاكَرُوا ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُهَيِّجُ الْحَدِيثَ. إتحاف 5698
608- أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ : تَذَاكَرُوا ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُهَيِّجُ الْحَدِيثَ. إتحاف 5698
609- أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : تَذَاكَرُوا الْحَدِيثَ ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُهَيِّجُ الْحَدِيثَ. إتحاف 5698
612- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِى طَاوُسٌ : اذْهَبْ بِنَا نُجَالِسِ النَّاسَ. ...
613- أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّىُّ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِى الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تَذَاكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ لاَ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ الْقُرْآنِ مَجْمُوعٌ مَحْفُوظٌ ، وَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَذَاكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ ، وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ حَدَّثْتُ أَمْسِ فَلاَ أُحَدِّثُ الْيَوْمَ ، بَلْ حَدِّثْ أَمْسِ وَلْتُحَدِّثِ الْيَوْمَ وَلْتُحَدِّثْ غَداً. إتحاف 7407
614- أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مِنْدَلُ بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ أَبِى الْمُغِيرَةَ قَالَ حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رُدُّوا الْحَدِيثَ وَاسْتَذْكِرُوهُ ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ تَذْكُرُوهُ ذَهَبَ ، وَلاَ يَقُولَنَّ رَجُلٌ لِحَدِيثٍ قَدْ حَدَّثَهُ قَدْ حَدَّثْتُهُ مَرَّةً ، فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ سَمِعَهُ يَزْدَادُ بِهِ عِلْماً وَيَسْمَعُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ. إتحاف 7407
615- أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ : تَذَاكَرُوا ، فَإِنَّ إِحْيَاءَ الْحَدِيثِ مُذَاكَرَتُهُ.
616- أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالاَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : تَذَاكَرُوا الْحَدِيثَ ، فَإِنَّ ذِكْرَهُ حَيَاتُهُ.
617- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يُحَدِّثُ الأَعْرَابَ.
618- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ : كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ يَجْمَعُ صِبْيَانَ الْكُتَّابِ يُحَدِّثُهُمْ يَتَحَفَّظُ بِذَاكَ.
619- أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِىِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدِّثْ حَدِيثَكَ مَنْ يَشْتَهِيهِ وَمَنْ لاَ يَشْتَهِيهِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَكَ كَأَنَّهُ إِمَامٌ تَقْرَؤُهُ.
620- أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمْ مِنَّا حَدِيثاً فَتَذَاكَرُوهُ بَيْنَكُمْ. إتحاف 8160
621- أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ قَالَ : كُنَّا نَأْتِى الْحَسَنَ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا بَيْنَنَا.
622- أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حُنَيْنِ بْنِ أَبِى حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَرْوِىَ حَدِيثاً فَلْيُرَدِّدْهُ ثَلاَثاً. إتحاف 10514
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ -الْمُذَاكَرَةُ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَتْرَابِ
1843 أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، نا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الْحُمَيْدِيَّ ، نا سُفْيَانُ ، نا عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ ، قَالَ : " رَأَيْتُ أَبَا يَحْيَى الْأَعْرَجَ وَكَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ اجْتَمَعَ هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَتَذَاكَرَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ "
1844 وأنا مُحَمَّدٌ ، نا عَبْدُ اللَّهِ ، نا يَعْقُوبُ ، نا قَبِيصَةُ ، نا سُفْيَانُ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ ، يَقُولُ : " الْتَقَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ فَتَذَاكَرَا الْحَدِيثَ فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِلْآخَرِ : يَرْحَمُكُ اللَّهُ فَرُبَّ حَدِيثٍ أَحْيَيْتَهُ فِي صَدْرِي كَانَ قَدْ مَاتَ "
1845 أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ ، فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ أنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ ، أنا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ، نا أَبُو مُسْهِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، يُعَاتِبُ أَصْحَابَ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ : " مَالَكُمْ لَا تَجْتَمِعُونَ مَالَكُمْ لَا تَتَذَاكَرُونَ ؟ "
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 56)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 56)
(3) - يحتجر : يتخذه كالحجرة لنفسه دون غيره
(4) - قَالَ الْعُلَمَاء : الْمَلَل وَالسَّآمَة بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَف فِي حَقّنَا مُحَال فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى ، فَيَجِب تَأْوِيل الْحَدِيث . قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : مَعْنَاهُ لَا يُعَامِلكُمْ مُعَامَلَة الْمَالِّ فَيَقْطَع عَنْكُمْ ثَوَابه وَجَزَاءَهُ ، وَبَسَطَ فَضْله وَرَحْمَته حَتَّى تَقْطَعُوا عَمَلكُمْ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَمَلّ إِذَا مَلَلْتُمْ ، وَقَالَهُ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره ، وَأَنْشَدُوا فِيهِ شِعْرًا . قَالُوا : وَمِثَاله قَوْلهمْ فِي الْبَلِيغ : فُلَان لَا يَنْقَطِع حَتَّى يَقْطَع خُصُومه . مَعْنَاهُ : لَا يَنْقَطِع إِذَا اِنْقَطَعَ خُصُومه ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ يَنْقَطِع إِذَا اِنْقَطَعَ خُصُومه لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْل عَلَى غَيْره ، وَفِي هَذَا الْحَدِيث كَمَال شَفَقَته - صلى الله عليه وسلم - وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يُصْلِحهُمْ وَهُوَ مَا يُمْكِنهُمْ الدَّوَام عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّة وَلَا ضَرَر فَتَكُون النَّفْس أَنْشَطَ وَالْقَلْب مُنْشَرِحًا فَتَتِمّ الْعِبَادَة ، بِخِلَافِ مَنْ تَعَاطَى مِنْ الْأَعْمَال مَا يَشُقّ فَإِنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَتْرُكهُ أَوْ بَعْضه أَوْ يَفْعَلهُ بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ اِنْشِرَاح الْقَلْب ، فَيَفُوتهُ خَيْر عَظِيم ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مَنْ اِعْتَادَ عِبَادَة ثُمَّ أَفْرَطَ فَقَالَ تَعَالَى : { وَرَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا } وَقَدْ نَدِمَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عَلَى تَرْكه قَبُول رُخْصَة رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي تَخْفِيف الْعِبَادَة وَمُجَانَبَة التَّشْدِيد .
وَفِيهِ : الْحَثّ عَلَى الْمُدَاوَمَة عَلَى الْعَمَل وَأَنَّ قَلِيله الدَّائِم خَيْر مِنْ كَثِير يَنْقَطِع ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَلِيل الدَّائِم خَيْرًا مِنْ الْكَثِير الْمُنْقَطِع ؛ لِأَنَّ بِدَوَامِ الْقَلِيل تَدُوم الطَّاعَة وَالذِّكْر وَالْمُرَاقَبَة وَالنِّيَّة وَالْإِخْلَاص وَالْإِقْبَال عَلَى الْخَالِق سُبْحَانه تَعَالَى ، وَيُثْمِر الْقَلِيل الدَّائِم بِحَيْثُ يَزِيد عَلَى الْكَثِير الْمُنْقَطِع أَضْعَافًا كَثِيرَة .شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 133)(1/415)
1846 أنا رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ ، نا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّاهِدُ بِالرَّيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْحُسَيْنِ النَّحْوِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ثَعْلَبًا قَالَ : قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ : " ذَاكِرْ بِعِلْمِكَ تَذْكُرُ مَا عِنْدَكَ وَتَسْتَفِدْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ "
1846 أنا رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ ، نا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّاهِدُ بِالرَّيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْحُسَيْنِ النَّحْوِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ثَعْلَبًا قَالَ : قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ : " ذَاكِرْ بِعِلْمِكَ تَذْكُرُ مَا عِنْدَكَ وَتَسْتَفِدْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ "
1847 أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ ، نا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِي قَالَ : قَالَ الْأَنْصَارِيُّ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكَرَابِيسِ قَالَ : " كَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَجِيءُ وَنَحْنُ عِنْدَ أَيُّوبَ فِي السُّوقِ مُتَقَنِّعًا فَإِذَا تَرَاءَى لَهُ مِنْ بَعِيدٍ مِمَّا يَلِي الْحَذَّائِينَ أَخَذَ نَعْلَيْهِ فَانْتَعَلَ وَقَامَ إِلَيْهِ وَيَذْهَبَانِ فَيُصَلِّيَانِ فِي بَعْضِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ ، ثُمَّ يَجْلِسَانِ فَيَتَذَاكَرَانِ الْحَدِيثَ "
1848 أنا أَبُو الْفَتْحِ مَنْصُورُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أَحْمَدَ الزُّهْرِيُّ الْخَطِيبُ بِالدِّينَوَرِ أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْجَارُودِ ، قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : " سِتَّةٌ كَادَتْ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ : يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيعٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ عَلِيٌّ : مِنْ شِدَّةِ شَهْوَتِهِمْ لَهُ "
1849 قَالَ عَلِيٌّ : " تَذَاكَرَ وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيْلَةً فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَذَانَ الصُّبْحِ "
1850 حَدَّثَنِي أَبُو النَّجِيبِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْأُرْمَوِيُّ ، مُذَاكَرَةً قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْمُقْرِئَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ فَارِسٍ اللُّغَوِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ ابْنَ الْعَمِيدِ يَقُولُ : " مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ فِيَ الدُّنْيَا حَلَاوَةً أَلَذَّ مِنَ الرِّئَاسَةِ وَالْوَزَارَةِ الَّتِي أَنَا فِيهَا حَتَّى شَاهَدْتُ مُذَاكَرَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْجِعَابِيِّ بِحَضْرَتِي فَكَانَ الطَّبَرَانِيُّ يَغْلِبُ الْجِعَابِيَّ بِكَثْرَةِ حِفْظِهِ وَكَانَ الْجِعَابِيُّ يَغْلِبُ الطَّبَرَانِيَّ بِفِطْنَتِهِ وَذَكَاءِ أَهْلِ بَغْدَادَ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهَا وَلَا يَكَادُ أَحَدُهُمَا يَغْلِبُ صَاحِبَهُ فَقَالَ الْجِعَابِيُّ : عِنْدِي حَدِيثٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عِنْدِي فَقَالَ : هَاتِهِ فَقَالَ : نَا أَبُو خَلِيفَةَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ وَحَدَّثَ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ وَمِنِّي سَمِعَ أَبُو خَلِيفَةَ فَاسْمَعْ مِنِّي حَتَّى يَعْلُوَ إِسْنَادُكَ فَإِنَّكَ تَرْوِي عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنِّي فَخَجَلَ الْجِعَابِيُّ وَغَلَبَهُ الطَّبَرَانِيُّ ، قَالَ ابْنُ الْعَمِيدِ : فَوَدِدْتُ فِي مَكَانِي أَنَّ الْوَزَارَةَ وَالرِّئَاسَةَ لَيْتَهَا لَمْ تَكُنْ لِي وَكُنْتُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَفَرَحْتُ مِثْلَ الْفَرَحِ الَّذِي فَرِحَ بِهِ الطَّبَرَانِيُّ لِأَجَلِ الْحَدِيثِ أَوْ كَمَا قَالَ "
1851 وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِالْحَدِيثِ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمُلْحَمِيُّ إِمْلَاءً ، نا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ اللَّخْمِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : لَمَّا تُوفِّيَ أَبُو طَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ إِلَى الطَّائِفِ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَأَتَى ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَنْ تَكِلَنِي إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي إِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ غَضْبَانًا فَلَا أُبَالِي غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ " ذَكَرَ لِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ الْهَمَذَانِيُّ أَنَّ شَيْخَنَا أَبَا نُعَيْمٍ حَدَّثَهُمْ بِهِ ، عَنِ الْمُلْحَمِيِّ ، هَكَذَا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : وَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ اللَّخْمِيُّ الطَّبَرَانِيُّ "
1852 أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ : " مَنْ أَكْثَرَ مُذَاكَرَةَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَنْسَ مَا عَلِمَ وَاسْتَفَادَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "
أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نِيخَابٍ الطِّيبِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ ، نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، قَالَ : قَالَ أَبِي : كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ قَالَ : الْيَوْمُ يَوْمُ غَنَمِي فَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ قَالَ : الْيَوْمُ يَوْمُ مُذَاكَرَتِي فَيُذَاكِرُهُ وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُونَهُ عَلَّمَهُ وَلَمْ يَزْهُ عَلَيْهِ ، قَالَ : حَتَّى صَارَ هَذَا الزَّمَانُ فَصَارَ الرَّجُلُ يَعِيبُ مَنْ فَوْقَهُ ابْتِغَاءَ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَرَى النَّاسُ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ لَمْ يُذَاكِرْهُ فَهَلَكَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ "
1854 أنا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهَ الضَّرِيرَ ، بِالرَّيِّ يَقُولُ : سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ يَحْيَى الْخُوَارِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ، يَقُولُ : " كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فِي الْمَسْجِدِ فِي لَيْلَةٍ شِتْوِيَّةٍ بَارِدَةٍ فَقُمْنَا لِنَخْرُجَ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ذَاكَرَنِي بِحَدِيثٍ أَوْ ذَاكَرْتُهُ بِحَدِيثٍ ، فَمَا زَالَ يُذَاكِرُنِي وَأُذَاكِرُهُ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَأَذَّنَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ "
1855 أنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ ، أنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى يَعْنِي السَّاجِيَّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نا ابْنُ عَرْعَرَةَ ، قَالَ : " كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعِنْدَهُ بُلْبُلٌ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيٌّ فَأَقْبَلَ ابْنُ الشَّاذَكُونِيِّ فَسَمِعَ عَلِيًّا ، يَقُولُ لِيَحْيَى الْقَطَّانِ : طَارِقٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ؟ فَقَالَ يَحْيَى : يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا فَقَالَ الشَّاذَكُونِيُّ : يَسْأَلُكَ عَمَّا لَا تَدْرِي وَتَكَلَّفُ لَنَا مَا لَا تُحْسِنُ إِنَّمَا تُكْتَبُ عَلَيْكَ ذُنُوبُكَ . حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ خَمْسُمِائَةٍ وَحَدِيثُ طَارِقٍ مِائَتَانِ ، عِنْدَكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِائَةٌ وَعَنْ طَارِقٍ عَشَرَةٌ ، فَأَقْبَلَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَقُلْنَا : هَذَا ذُلٌّ فَقَالَ يَحْيَى : " دَعُوهُ فَإِنْ كَلَّمْتُمُوهُ لَمْ آمَنْ أَنْ يَقْذِفَنَا بِأَعْظَمَ مِنْ هَذَا "
1856 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ نَصْرٍ الْمُخَرِّمِيَّ ، حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ ، يَقُولُ : " قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَعُنِيتُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَجَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ لَقِيتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ : هَاتِ يَا عَلِيُّ مَا عِنْدَكَ فَقُلْتُ : مَا أَحَدٌ يُفِيدُنِي عَنِ الْأَعْمَشِ شَيْئًا قَالَ : فَغَضِبَ فَقَالَ : هَذَا كَلَامُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ يَضْبُطُ الْعِلْمَ وَمَنْ يُحِيطُ بِهِ مِثْلُكَ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا أَمَعَكَ شَيْءٌ تَكْتُبُ فِيهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : اكْتُبْ قُلْتُ ذَاكِرْنِي فَلَعَلَّهُ عِنْدِي قَالَ : اكْتُبْ لَسْتُ أُمْلِي عَلَيْكَ إِلَّا مَا لَيْسَ عِنْدَكَ قَالَ : فَأَمْلَى عَلَيَّ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا لَمْ أَسْمَعْ مِنْهَا حَدِيثًا ثُمَّ قَالَ : لَا تَعُدْ قُلْتُ : لَا أَعُودُ قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ سَنَةٍ جَاءَ سُلَيْمَانُ إِلَى الْبَابِ فَقَالَ : أَمْضِ بِنَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى أَفْضَحَهُ الْيَوْمَ فِي الْمَنَاسِكِ قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ سُلَيْمَانُ مِنْ أَعْلَمِ أَصْحَابِنَا بِالْحَجِّ قَالَ : فَذَهَبْنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا وَجَلَسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ : هَاتَا مَا عِنْدَكُمَا وَأَظُنُّكَ يَا سُلَيْمَانُ صَاحِبَ الْخُطْبَةِ قَالَ : نَعَمْ مَا أَحَدٌ يُفِيدُنَا فِي الْحَجِّ شَيْئًا فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا سُلَيْمَانُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَضَى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَوَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ ؟ فَانْدَفَعَ سُلَيْمَانُ فَرَوَى : يَتَفَرَّقَانِ حَيْثُ اجْتَمَعَا وَيَجْتَمِعَانِ حَيْثُ تَفَرَّقَا قَالَ : ارْوِ وَمَتَى يَجْتَمِعَانِ ؟ وَمَتَى يَفْتَرِقَانِ ؟ قَالَ : فَسَكَتَ سُلَيْمَانُ فَقَالَ : اكْتُبْ وَأَقْبَلَ يُلْقِي عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ وَيُمْلِي عَلَيْهِ حَتَّى كَتَبْنَا ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ يَرْوِي الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثَيْنِ وَيَقُولُ : سَأَلْتُ مَالِكًا وَسَأَلْتُ سُفْيَانَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ : فَلَمَّا قُمْتُ قَالَ : لَا تَعُدْ ثَانِيًا يَقُولُ مِثْلَ مَا قُلْتُ فَقُمْنَا وَخَرَجْنَا قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيَّ سُلَيْمَانُ فَقَالَ : إِيشْ خَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ صُلْبِ مَهْدِيٍّ هَذَا كَأَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا مَعَهُمْ سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُفْيَانَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ "
1863 حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ التَّمَّارُ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو نَصْرٍ الْمَالِكِيُّ ، قَدِمَ عَلَيْنَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْبُخَارِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُورٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ ، يَقُولُ : " صَنَّفْتُ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ جُزْءًا " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " مَنْ نَظَرَ فِي الدَّفَاتِرِ فَلَمْ يُفْلِحْ فَلَا أَفْلَحَ هُوَ أَبَدًا " قَلَّ مَا يَتَمَهَّرُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَيَقِفُ عَلَى غَوَامِضِهِ وَيَسْتَثِيرُ الْخَفِيَّ مِنْ فَوَائِدِهِ إِلَّا مَنْ جَمَعَ مُتَفَرِّقَهُ وَأَلَّفَ مُتَشَتِّتَهُ وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ وَاشْتَغَلَ بِتَصْنِيفِ أَبْوَابِهِ وَتَرْتِيبِ أَصْنَافِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مِمَّا يُقَوِّي النَّفْسَ وَيُثَبِّتُ الْحِفْظَ وَيُذَكِّي الْقَلْبَ وَيَشْحَذُ الطَّبْعَ وَيَبْسُطُ اللِّسَانَ وَيُجِيدُ الْبَيَانَ وَيَكْشِفُ الْمُشْتَبِهَ وَيُوَضِّحُ الْمُلْتَبِسَ وَيُكْسَبُ أَيْضًا جَمِيلَ الذِّكْرِ وَتَخْلِيدَهُ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
يَمُوتُ قَوْمٌ فَيُحْيِي الْعِلْمُ ذِكْرَهُمُ وَالْجَهْلُ يُلْحِقُ أَمْوَاتًا بِأَمْوَاتِ "
1870 أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الدَّارِمِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ سَعِيدٍ الدَّارِمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مَخْلَدٍ ، يَقُولُ : قَالَ أَبُو عُمَارَةَ يَعْنِي رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ : " مَنَعَنِي التَّصْنِيفُ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ " قَالَ الْخَطِيبُ : يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّغَ الْمُصَنَّفُ لِلتَّصْنِيفِ قَلْبَهُ وَيَجْمَعَ لَهُ هَمَّهُ وَيَصْرِفَ إِلَيْهِ شُغُلَهُ وَيَقْطَعَ بِهِ وَقْتَهُ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ : مَنْ أَرَادَ الْفَائِدَةَ فَلْيَكْسَرْ قَلَمَ النَّسْخِ وَلْيَأْخُذْ قَلَمَ التَّخْرِيجِ"
1871 وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّرِّيُّ ، قَالَ : " رَأَيْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْغَنِيِّ بْنَ سَعِيدٍ الْحَافِظَ فِي الْمَنَامِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَرِّجْ وَصَنِّفْ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ هَذَا أَنَا تَرَانِي قَدْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ ثُمَّ انْتَبَهْتُ " وَلَا يَضَعُ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا مِنْ تَصَانِيفِهِ إِلَّا بَعْدَ تَهْذِيبِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَإِعَادَةِ تَدَبُّرِهِ وَتَكْرِيرِهِ "
ثمَّ إنَّ للعلماءِ في تصنيفِ الحديثِ ، وجمعهِ ، طريقتينِ .
إحداهُما : تصنيفُهُ على الأبوابِ على أحكامِ الفقهِ وغيرِها ، كالكتبِ الستةِ ، والموطَّأ ، وبقيةِ المصنفاتِ .
والثانيةُ : تصنيفُهُ على مسانيدِ الصحابةِ ، كُلُّ مُسْنَدٍ على حدَةٍ ، كما تقدَّمَ .
وروينا عن الدارقطنيِّ ، قالَ : أوَّلُ مَنْ صنَّفَ مُسنداً وَتَتَبَّعَهُ نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ . قالَ الخطيبُ(1): (( وقد صنَّفَ أسدُ بنُ موسى مُسْنَداً ، وكانَ أكبرَ مِنْ نُعَيمٍ سِناً ، وأقدمَ سماعاً ، فيحتملُ أنْ يكونَ نُعَيمٌ سبقَهُ في حداثتِهِ )) .
قالَ الخطيبُ(2): (( فإنْ شاءَ رتَّبَ أسماءَ الصحابةِ على حروفِ الْمُعْجَمِ ، وإنْ شاءَ على القبائلِ ، فيبدأُ ببني هاشمٍ ثُمَّ الأقربِ فالأقربِ إلى رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في النَّسَبِ . وإنْ شاءَ على قَدَرِ سَوَابقِ الصَّحَابةِ في الإسلامِ . قالَ : وهذهِ الطريقةُ أحبُّ إلينا. فيبدأُ بالعَشَرةِ ، ثُمَّ بالمقدَّمينَ مِنْ أهلِ بَدْرٍ ، ويَتْلُوهُم أهلُ الْحُدَيْبِيَّةِ ، ثُمَّ مَنْ أسلمَ وهاجرَ بينَ الْحُدَيْبِيَّةِ والفتحِ، ثُمَّ مَنْ أسلمَ يومَ الفتحِ ، ثُمَّ الأصاغرِ الأسنانِ، كالسائبِ بنِ يزيدَ ، وأبي الطُّفَيْلِ.
قالَ ابنُ الصلاحِ: (( ثُمَّ بالنساءِ، قالَ: وهذا أحسنُ ، والأوَّلُ أسهلُ )). قالَ الخطيبُ(3): (( يُسْتحبُّ أنْ يصنِّفَ الْمُسْنَدَ مُعَلَّلاً ، فإنَّ معرفةَ العللِ أجلُّ أنواعِ الحديثِ )). وروينا عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ ، قالَ : لإِنْ أَعْرفَ عِلَّةَ حديثٍ هو عندي ، أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أكتبَ عشرينَ حديثاً ليسَ عندي . وقد جمعَ يعقوبُ بنُ شيبةَ مُسْنَداً مُعَلَّلاً . قالَ الأزهريُّ : ولم يُصَنِّفْ يعقوبُ المسندَ كُلَّهُ . قالَ : وسمعْتُ الشيوخَ يقولونَ : لم يُتَمَّمْ مسندٌ معلَّلٌ قَطُّ. قالَ : وقِيْلَ لي : إنَّ نسخةً بمسندِ أبي هُريرةَ شُوهِدَتْ بمصرَ ، فكانتْ مائتي جزءٍ ، قالَ : ولَزِمَهُ على ما خرَّجَ من المسندِ عشرةُ آلافِ دينارٍ . قالَ الخطيبُ : (( والذي ظهرَ ليعقوبَ مسندُ العشرةِ وابنِ مسعودٍ، وعمَّارٍ، وعتبةَ بنِ غزوانَ، والعبَّاسِ، وبعضِ الموالي. هَذَا الذي رأينا من مُسْندِهِ ))(4)
16- وممَّا جَرَتْ عادةُ أهلِ الحديثِ أنْ يخصُّوهُ بالجمعِ والتأليفِ ؛ الأبوابُ ، والشُّيُوخُ ، والتَّرَاجمُ ، والطُّرقُ :
فأمَّا جمعُ الأبوابِ ، فَهُوَ إفرادُ بابٍ واحدٍ بالتَّصنيفِ ، ككتابِ " رفعِ اليدينِ " ، وبابِ " القراءةِ خلفَ الإمامِ " ، أفردَهُما البخاريُّ بالتصنيفِ . وبابِ " التصديقِ بالنظرِ للهِ تعالى " أفردَهُ الآجُرِّيُّ . وبابِ " النِّيَّةِ " ، أفردَهُ ابنُ أبي الدنيا . وبابِ " القضاءِ باليمينِ مع الشاهدِ " ، أفردَهُ الدَّارقطنيُّ . وبابِ " القنوتِ " أفردَهُ ابنُ مَنْدَه . وبابِ " البسملةِ " ، أفردَهُ ابنُ عبدِ البرِّ . وغيرِهِ وغيرِ ذلكَ . وأمَّا جمعُ الشيوخِ ، فهو جمعُ حديثِ شيوخٍ مخصوصينَ ، كُلِّ واحدٍ منهم على انفرادِهِ ، كجمعِ " حديثِ الأعمشِ " للإسماعيليِّ ، وحديثِ " الفُضَيلِ بنِ عياضٍ " للنسائيِّ ، وحديثِ " محمدِ بنِ جُحَادةَ " للطَّبرانيِّ ، وغيرِ ذلكَ ، وقد ذكرَ الخطيبُ ممَّنْ يُجْمَعُ حديثُهُ : إسماعيلَ بنَ أبي خالدٍ، وأيوبَ بنَ أبي تميمةَ، وبيانَ بنَ بشرٍ، والحسنَ بنَ صَالحِ بنِ حيٍّ، وحمَّادَ بنَ زيدٍ وداودَ بنَ أبي هندٍ، وربيعةَ بنَ أبي عبدِ الرحمنِ، وزائدةَ، وزهيراً، وزيادَ بنَ سعدٍ، وسفيانَ الثوريَّ ، وسفيانَ بنَ عُيينةَ ، وسُليمانَ بنَ إسحاقَ الشيبانيَّ ، وسليمانَ بنَ طَرْخَانَ ، وسليمانَ بنَ مِهْرَانَ الأعمشَ، وشُعبةَ، وصفوانَ بنَ سُلَيمٍ، وطلحةَ بنَ مُصَرِّفٍ ، وعبدَ اللهِ ابنَ عَوْنٍ. وعبدَ الرحمنِ بنَ عمرٍو الأوزاعيَّ ، وعبيدَ اللهِ بنَ عمرَ العُمَريَّ ، وأبا حَصينٍ عثمانَ بنَ عاصمٍ الكوفيَّ ، وعمرَو بنَ دينارٍ المكيَّ ، ومالكَ بنَ أَنَسٍ، ومحمَّدَ بنَ جُحَادةَ ، ومحمدَ بنَ سُوقَةَ، ومحمدَ بنَ مسلمِ بنِ شهابٍ، ومحمدَ بنَ واسعٍ، ومِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ ، ومَطَرَ بنَ طَهْمانَ ، وهِشامَ بنَ سعدٍ ، ويحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ ، ويونسَ بنَ عُبَيدِ البصريَّ . وروينا عن عثمانَ ابنِ سعيدٍ الدارميَّ ، قالَ : يقالَ : مَنْ لم يَجمعْ حديثَ هؤلاءِ الخمسةِ ، فهو مُفْلِسٌ في الحديثِ : سُفيانُ ، وشُعبةُ ، ومالكٌ ، وحمَّادُ بنُ زيدٍ ، وابنُ عُيينةَ ، وهم أصولُ الدينِ .
وأمَّا جمعُ التراجمِ فهو جمعُ ما جاءَ بترجمةٍ واحدةٍ من الحديثِ، كمالكٍ، عن نافعٍ ، عن ابنِ عمرَ، وسُهَيلِ بنِ أبي صالحِ ، عن أبيهِ ، عن أبي هريرةَ ، وهشامِ بنِ عُروةَ ، عن أبيه ، عن عائشةَ ، وأيوبَ ، عن ابنِ سِيرينَ ، عن أبي هُريرةَ ، ونحوِ ذلكَ . وأمَّا جمعُ الطرقِ ، فهو جمعُ طرقِ حديثٍ واحدٍ ، كطرقِ حديثِ " قبضِ العلمِ " للطُّوسيِّ ، وطرقِ حديثِ " مَنْ كذبَ عليَّ متعمداً " للطبرانيِّ ، وطرقِ حديثِ " طلبُ العلمِ فريضةٌ ". ونحوِ ذلكَ. وقد أدخلَ الخطيبُ هذا القسمَ في جمعِ الأبوابِ ،وأفردَهُ ابنُ الصلاحِ بالذِّكْرِ ، وهو واضحٌ؛ لأنَّ هَذَا جمعُ طرقِ حديثٍ واحدٍ، وذلكَ جمعُ بابٍ وفيهِ أحاديثُ مختلفةٌ ، واللهُ أعلمُ .وكَرِهُوا الجمعَ والتأليفَ لمنْ هو قاصرٌ عن جودَةِ التأليفِ . روينا عن عليِّ بنِ المدينيِّ ، قالَ : إذا رأيتَ المحدِّثَ أوَّلَ ما يكتبُ الحديثَ يجمعُ حديثَ " الغُسْلِ " ، وحديثَ " مَنْ كذبَ عليَّ " ، فاكتبْ على قَفَاهُ : لا يُفْلِحُ . وكذلكَ كَرِهُوا إخراجَ التصنيفِ إلى الناسِ قبلَ تهذيبِهِ ، وتحريرِهِ ، وإعادةِ النَّظَرِ فيهِ ، وتكريرِهِ ."
- - - - - - - - - - - - - -
البابُ الخامس
الإسنادُ ومَا يتعلقُ بهِ
وفيه فصلان :
الفصلُ الأولُ-لطائفُ الإسناد
الفصلُ الثاني ... -معرفة الرواة
الفصلُ الأولُ
لطائفُ الإسناد(5)
الإسناد العالي والنازل.
المسلسل.
رواية الأكابر عن الأصاغر .
رواية الآباء عن الأبناء .
رواية الأبناء عن الآباء .
المُدَبجَّ ورواية الأقْران.
السابق واللاحِق.
الإسنادُ العَالي والنَّازلٌ(6)
ـ 1 ـ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 55) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 185)
(2) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (ج 5 / ص 180)
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (ج 5 / ص 188)
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 185)
(5) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 32) وندوة علوم الحديث علوم وآفاق - (ج 12 / ص 4) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 195) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 35)
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 57) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 21) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 18) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 33) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 419) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 99)(1/416)
1- تمهيدٌ:
الإسناد خَصيصة فاضلة لهذه الأمة ،وليست لغيرها من الأمم السابقة ،وهو سنة بالغة مؤكدة، فعلى المسلم أن يعتمد عليه في نقل الحديث والأخبار، قال ابن المبارك : " الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ.(1)" وقال الثوري(2): " الْإِسْنَادُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلَاحٌ ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُقَاتِلُ "
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ
116 أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْيَزْدِيُّ بِأَصْبَهَانَ ، نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ ، نا يَعْرُبُ بْنُ خَيْرَانَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَسْلَمَ الطُّوسِيَّ ، يَقُولُ : " قُرْبُ الْإِسْنَادِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
117 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْإِدْرِيسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ ، يَقُولُ : نا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ حَوْثَرَةَ الْجُرْجَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ رَجَاءٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ، يَقُولُ : " طَلَبُ إِسْنَادِ الْعُلُوِّ مِنَ السُّنَّةِ "
118 حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيِّ ، قَالَ : أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْخَلَّالُ ، نا حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكِرْمَانِيُّ ، قَالَ : سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الرَّجُلِ يَطْلُبُ الْإِسْنَادَ الْعَالِيَ ، قَالَ : " طَلَبُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ سَلَفَ ، لِأَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ كَانُوا يَرْحَلُونَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْ عُمَرَ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ "
119 أنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ ، بِأَصْبَهَانَ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئُ ، نا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ الدِّمَشْقِيُّ ، إِمَامُ بَابِ الْجَابِيَةِ ، نا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : " الْحَدِيثُ بِنُزُولٍ كَالْقُرْحَةِ فِي الْوَجْهِ "
120 حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ الْإِدْرِيسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ عَدِيٍّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ بَكْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيَّ ، يَقُولُ : " النُّزُولُ شُؤْمٌ " ...
121 أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضَالَةَ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ ، بِالرِّيِّ ، أنا طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدَّلُ ، بِنَيْسَابُورَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْحَافِظُ يَقُولُ : " اسْتَأْذَنَ أَبُو عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِي مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الْخُرُوجَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَمْرٍو ، انْزِلْ دَرَجَةً ، وَاكْتُبْ مَا شِئْتَ ، قَالَ : فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، النُّزُولُ شُؤْمٌ "
، ولذلك استحبت الرحلة في طلب الحديث ، ولقد رحل غير واحد من الصحابة في طلب علو الإسناد ، منهم أبو أيوب وجابر رضي الله عنهما .
2- تعريفُه:
أ) لغة : العالي اسم فاعل من " العُلُوّ " ضد النزول ، النازل اسم فاعل من " النزول ".
ب) اصطلاحاً:
1- الإسناد العالي: هو الذي قَلَّ عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يَردُ به ذلك الحديث بعدد أكثر.
2- الإسناد النازل: هو الذي كثر عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يَرِدُ به ذلك الحديث بعدد أقل.
3- أقسام العلو:
العلوُّ في الإسنادِ على خمسةِ أقسامٍ ، كما قَسَّمَهُ أبو الفضلِ محمدُ بنُ طاهرٍ في جزءٍ لَهُ ، أفردَهُ لذلكَ ، وتبعَهُ ابنُ الصَّلاحِ على كونِها خمسةَ أقسامٍ ، وإنِ اختلفَ كلامُهُمَا في مَاهِيَّةِ بعضِ الأقسامِ ، كما سيأتي .
القسمُ الأولُ : القربُ من رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، مِنْ حيثُ العددُ بإسنادٍ نظيفٍ غيرِ ضعيفٍ .
فأمَّا إذا كانَ قربُ الإسنادِ مع ضعفِ بعضِ الرواةِ ، فلا التفاتَ إلى هذا العلوِّ ، لا سِيَّمَا إنْ كانَ فيهِ بعضُ الكذَّابينَ المتأخِّرِينَ ممَّنْ ادَّعَى سماعاً من الصحابةِ ، كإبراهيمَ بنِ هُدْبَةَ ، ودينارِ بنِ عبدِ اللهِ ، وخراشٍ ، ونُعَيمِ بنِ سالمٍ ، ويَعْلَى بنِ الأشْدَقِ وأبي الدنيا الأشجِّ ، ونحوِهم .
وقال الحاكم في معرفة علوم الحديث 15 سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَاعِظَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيَّ يَقُولُ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ , ثنا شُعْبَةُ قَالَ : سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : " قُلْتُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ يَتَّخِذُ نَعْلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْعَالِيَةِ مِنَ الْأَسَانِيدِ فَلَيْسَ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ عَوَامُ النَّاسِ يَعُدُّونَ الْأَسَانِيدَ فَمَا وَجَدُوا مِنْهَا أَقْرَبَ عَدَدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَهَّمْنَهُ أَعْلَى , وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ ، ثَنَا الْخَضِرُ بْنُ أَبَانَ الْهَاشِمِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو هُدْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هُدْبَةَ , ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : وَهَذِهِ نُسْخَةٌ عِنْدَنَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ , وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي ، بِبَغْدَادَ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ , ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : وَهَذِهِ أَيْضًا نُسْخَةٌ كَبِيرَةٌ , وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْوَاسِطِيُّ , ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّوِيلُ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : وَهَذِهِ نُسْخَةٌ . وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي الدُّنْيَا وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالُوا : إِنَّ أَبَا الدُّنْيَا خَدَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَسَتْهُ بَغْلَتُهُ وَإِنَّهُ كَانَ يُسْتَسْقَى بِهِ بِالْمَغْرِبِ ، وَلَقَدْ حَضَرْتُ مَجْلِسَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيَّ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ شَيْخٌ أَسْوَدُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ، فَقَالَ لَنَا : أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ قُلْنَا : لَا ، قَالَ : هَذَا يُنْسَبُ إِلَى أَبِي الدُّنْيَا الْمَغْرِبِيِّ ، مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آبَاءَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ وَأَشْبَاهَهَا كَخِرَاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَثِيرِ بْنِ سُلَيْمٍ ، وَيَغْنَمَ بْنِ سَالِمِ بْنِ قَنْبَرٍ مِمَّا لَا يُفْرَحُ بِهَا ، وَلَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَقَلَّ مَا يُوجَدُ فِي مَسَانِيدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْهُمْ ، وَأَقْرَبُ مَا يَصِحُّ لِأَقْرَانِنَا مِنَ الْأَسَانِيدِ بِعَدَدِ الرِّجَالِ مَا حَدَّثُونَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَيْبَانَ الرَّمْلِيِّ قَالَ : ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَنَسٍ ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ , عَنْ جَرِيرٍ فَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ لِابْنِ عُيَيْنَةَ صَحِيحَةٌ وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرِيبَةٌ , وَكَذَلِكَ حَدَّثُونَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِنَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ , عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَنَسٍ ، وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ : وَالْعَالِي مِنَ الْأَسَانِيدِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْفَهْمِ لَا بِعَدِّ الرِّجَالِ غَيْرُ هَذَا ، فَرُبَّ إِسْنَادٍ يَزِيدُ عَدَدُهُ عَلَى السَّبْعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ . "
قالَ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ في " الميزانِ "(3): (( متى رأيتَ المحدِّثَ يفرحُ بعوالي أبي هُدْبَةَ ، ويَعْلَى بنِ الأشْدَقِ ، وموسى الطويلِ ، وأبي الدنيا ، وهذا الضربِ ، فاعلمْ أنَّهُ عَامِيٌّ بعدُ )) .
وهذا القسمُ الأوَّلُ هوَ أفضلُ أنواعِ العُلُوِّ ، وأجلُّها ، وأعْلَى ما يقعُ للشيوخِ في هذا الزمانِ من الأحاديثَ الصِّحَاحِ المتصلةِ بالسَّمَاعِ ؛ ما هُوَ تُساعيُّ الإسنادِ ، ولا يقعُ ذلكَ في هذهِ الأزمانِ إلاَّ مِنَ " الغَيْلانياتِ " ، و" جُزْءِ الأنصاريِّ " ، و" جُزْءِ الغِطْريفِ " فقطْ . أو ما هوَ مأخوذٌ مِنْهَا . ولا يقعُ لأَمثالنِا من الصحيحِ المتصلِ بالسماعِ ، إلاَّ عُشاريُّ الإسنادِ ، وَقَدْ يقعُ لنا التساعيُّ الصحيحُ ، وَلَكِنْ بإجازةٍ في الطريقِ ،واللهُ أعلمُ .
وقولُ الذهبيِّ في " تأريخ الإسلامِ " في ترجمةِ ابنِ البخاريِّ(4): وهو آخرُ مَنْ كانَ في الدنيا بينَهُ وبينَ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، ثمانيةُ رجالٍ ثقاتٍ ، فإنَّهُ يريدُ معَ اتصالِ السماعِ . أمَّا مَعَ الإجازةِ فقدْ تأخّرَ بعدَهُ جماعةٌ ، واللهُ أعلمُ .
والقسمُ الثاني من أقسامِ العلوِّ : القربُ إلى إمامٍ من أئِمَّةِ الحديثِ :
كالأعمشِ وهشيمٍ ، وابنِ جريجٍ ، والأوزاعيِّ ، ومالكٍ ، وسفيانَ ، وشعبةَ ، وزُهيرٍ، وحمَّادَ بنِ زيدٍ، وإسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ ، وغيرِهمِ من أئِمَّةِ الحديثِ .
وكلامُ الحاكمِ يشيرُ إلى ترجيحِ هذا القسمِ على غيرِهِ ، وأنَّهُ المقصودُ من العلُوِّ ، وإنما يوصفُ بالعلوِّ إذا صحَّ الإسنادُ إلى ذلكَ الإمامِ بالعددِ اليسيرِ، كما صرَّحَ بهِ الحاكمُ ، وهو كذلكَ ، كما مَرَّ في القسمِ الأوَّلِ .
وأعلى ما يقعُ اليومَ للشيوخِ بيَنهمُ وبينَ هؤلاءِ الأئِمَّةِ مِنْ حيثُ العددُ معَ صحةِ السَّنَدِ ، واتِّصَالِهِ بالسَّماعِ أَنَّ بينَهمُ وبينَ الأعمشِ وهشيمٍ ، وابنِ جُرَيْجٍ ، والأوزاعيِّ ، ثمانيةً . وبينَهمُ وبينَ مالكٍ والثوريِّ ، وشعبةَ ، وزهيرٍ ، وحمَّادِ بنِ سلمةَ ، سبعةٌ ، وبينَهم وبينَ ابنِ عُلَيَّةَ ستةٌ . وقدْ سَاوينا الشُّيُوخَ بالنسبةِ إلى هشيمٍ ، فبيننا وبينَهُ سبعةٌ بالسَّمَاعِ الصَّحيحِ المتصلِ .
والقسمُ الثالثُ : العلوُّ المقيَّدُ بالنسبةِ إلى روايةِ الصحيحينِ ، وبقيةِ الكتبِ السِّتَّةِ.
وسَمَّاهُ ابنُ دقيقِ العيدِ : علوَّ التنزيلِ ، ولم يذكرِ ابنُ طاهرٍ هذا القسمَ ، وجعلَ القسمَ الثالثَ : علوَّ تَقدُّمِ السَّمَاعِ ، وجمعَ بينَهُ وبينَ قسمِ تقدُّمِ الوفاةِ ، فجعلهُمَا قسماً واحداً ، كما سيأتي ولكنَّ هذا القسمَ يؤخذُ من كلامِ ابنِ طاهرٍ في آخرِ الجزءِ المذكورِ ، وإنْ لم يذكرْهُ في الأقسامِ . وليسَ هذا علوّاً مطلقاً في جميعِ هذا القسمِ ، وإنّما هو بالنسبةِ لهذهِ الكتبِ ، إذ الراوي لَوْ رَوَى الحديثَ من طريقِ كتابٍ مِنَ السِّتَّةِ يقعُ أنزلَ مِمَّا لو رواهُ من غيرِ طريقِهَا ، وقد يكونُ عالياً مطلقاً أيضاً ، مثالُهُ : حديثٌ رواهُ الترمذيُّ سنن الترمذى(1838 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ وَجُبَّةُ صُوفٍ وَكُمَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ وَكَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ.(5)
رواهُ الترمذيُّ عن عليٍّ بنِ حُجْرٍ عن خَلَفِ بنِ خَليفةَ . فلو رويناهُ من طريقِ الترمذيِّ وقعَ بينَنَا وبينَ خَلَفٍ تسعةٌ ، فإذا رويناهُ من " جزءِ ابنِ عرفَةَ " ، وقعَ بيننا وبينَه سبعةٌ بعلوِّ درجتينِ . فهذا معَ كونهِ علواً بالنسبةِ ، فهو أيضاً علوٌّ مطلقٌ ، ولا يقعُ اليومَ لأحدٍ هذا الحديثُ أعلى من هذا ، وكلُّ واحدٍ منْ شَيْخِنا فَمن بَعْدَهُ إلى خَلَفٍ هو آخرُ مَنْ رواه عن شيخِهِ بالسَّماعِ من الجزءِ المذكورِ ، وقولُ ابنِ الصلاحِ : (( إنَّ هذا النوعَ من العلوِّ ، عُلوٌّ تابعٌ لنزولٍ )) محمولٌ عَلَى الغالبِ ، وإلاَّ فهذا الحديثُ المذكورُ عالٍ للترمذيِّ ، وعالٍ لنا ، وليسَ هُوَ عالياً بالنسبةِ فقطْ . وهذا النوعُ هُوَ الَّذِي يقعُ فِيْهِ الموافقاتُ ، والإبدالُ ، والمساواةُ ، والمصافحاتُ ، عَلَى ما سيأتي بيانُها .
والموافقةُ:أنْ يرويَ الراوي حديثاً في أحدِ الكُتبِ السِّتَّةِ بإسنادٍ لنفسِهِ، مِنْ غيرِ طرِيقِهَا، بحيثُ يجتمعُ مع أحدِ الستةِ في شيخِهِ معَ علوِّ هذا الطريقِ الذي رواهُ منه على ما لو رواهُ من طريقِ أحدِ الكتبِ الستةِ.مثالهُ: حديثٌ رواهُ البخاريُّ صحيح البخارى (2703) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى حُمَيْدٌ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ الرُّبَيِّعَ - وَهْىَ ابْنَةُ النَّضْرِ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ ، فَأَبَوْا فَأَتَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ . فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ « يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ » . فَرَضِىَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ » . زَادَ الْفَزَارِىُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فَرَضِىَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ .
فإذا رويناهُ من" جزءِ الأنصاريِّ " يقعُ موافقةً للبخاريِّ في شيخِهِ مع علوِّ درجةٍ .
وأمَّا البَدَلُ : فهو أنْ يوافِقَهُ في شيخِ شيخِهِ مع العلوِّ أيضاً.
مثالُهُ : حديثُ ابنِ مسعودٍ الذي رواهُ الترمذيُّ ، وتقدَّمَ في شرحِ الأبياتِ التي قبلَ هذهِ فهذا يطلقونَ عليهِ : البَدَلَ ، وقدْ يُسمُّونَهُ موافقةً مقيَّدةً ، فيقالُ : هو موافقةٌ في شيخِ شيخِ الترمذيِّ مثلاً .
وإنْ يكنْ قدْ وافَقَهُ في شيخِ شيخهِ فسَمَّاهُ موافقةً في شيخِ الشيخِ ، وأمَّا تقييدُ الموافقةِ والبدلِ بصورةِ العلوِّ فكذا ذكرَهُ ابنُ الصَّلاحِ ، أنَّهُ لا يطلقُ عليهِ ذلكَ إلاَّ مَعَ العلوِّ ، فإنَّهُ قالَ : ولوْ لَمْ يكنْ ذلكَ عالياً فهوَ أيضاً موافقةٌ وبدلٌ ، لكنْ لا يُطلقُ عليهِ اسمُ الموافقةِ والبدلِ ، لعدمِ الالتفاتِ إليهِ .
قلتُ : وفي كلامِ غيرِهِ من المخَرِّجِيْنَ إطلاقُ اسمِ الموافقةِ والبدلِ ؛ مع عدمِ العلوِّ ، فإنْ علا قالَوا : موافقةً عاليةً ، أوْ بدلاً عالياً ، كذا رأيتُهُ في كلامِ الشيخِ جمالِ الدينِ الظاهريِّ ، وغيرِهِ ، ورأيتُ في كلامِ الظاهريِّ ، والذهبيِّ : فوافقناهُ بنزولٍ . فسمَّياهُ معَ النُّزُولِ موافقةً ، ولكنْ مقيَّدةً بالنُّزُولِ ، كما قَيَّدَهَا غيُرهُما بالعلوِّ .
ففي صحيح مسلم(3374 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَمَّا الْقَعْنَبِىُّ فَقَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَمَّا قُتَيْبَةُ فَقَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَقَالَ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قُلْتُ لِمَالِكٍ أَحَدَّثَكَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ « اقْتُلُوهُ ». فَقَالَ مَالِكٌ نَعَمْ.
وفي تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 12 / ص 215) أخبرني محمود العقيلي ، عن الدمياطي ،عن أسد اللخمي ،عن نعمة بن سالم ، عن قاسم بن إبراهيم ، عن عبد الكريم بن الحسن التككي ، عن علي بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم الحوفي ، عن محمد بن علي الأدفوي ، عن أبي جعفر بن النحاس ، عن النسائي ، عن قتيبة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه المغفر" .رواه مسلم ، عن قتيبة ، فوافقناه بنزول أربع درجات .
وأمَّا المُسَاوَاةُ : فهو أنْ يكونَ بينَ الراوي وبينَ الصحابيِّ ، أوْ مَنْ قَبْلَ الصحابيِّ إلى شيخِ أحدِ السِّتَّةِ كما بَيْنَ أحدِ الأئمةِ السِّتَّةِ وبينَ ذلكَ الصَّحابيِّ أو مَنْ قَبْلَهُ على ما ذكرَ . أو يكونُ بينَهُ وبينَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، كما بينَ أحدِ الأئمةِ الستةِ وَبيْنَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) من العددِ . وهذا كُلُّهُ كانَ يوجدُ قديماً، وأمَّا اليومُ فلا توجدُ المساواةُ إلاَّ بأنْ يكونَ عَدُّ ما بينَ الراوي الآنَ، وبينَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ،كَعَدِّ ما بينَ أحدِ الأئِمَّةِ السِّتَّةِ ، وبينَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، ومثالُ المساواةِ لشيوخِنَا، حديثُ النهي عن نكاحِ الْمُتْعَةِ ، أخبرنا به محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ عبدِ العزيزِ ، قالَ : أخبرنا عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ المنعمِ الحرَّانيُّ ، قالَ : أنبأنا أسعدُ بنُ سعيدٍ بنِ رَوْحٍ ، وعَفِيفةُ بنتُ أحمدَ الفَارفانيةُ، واللَّفظُ لها، قالاَ : أخبَرَتْنَا فاطمةُ بنتُ عبدِ اللهِ الْجُوْزدانيِّةُ ، قالَتْ: أخبرنا أبو بكرِ بنُ رِيْذَةَ ، قالَ : أخبرنا سُليمانُ بنُ أحمدَ الطبرانيُّ 6398 - حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، ح، وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بن سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بني عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا، فَقَالَتْ: مَا تُعْطِينَا؟ فَقُلْتُ: رِدَائِي. وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي، وَكُنْتُ أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيَّ أَعْجَبْتُهَا، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُكَ يَكْفِينِي، فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ اللاتِي يَتَمَتَّعُ بِهِنَّ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا". وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ يَحْيَى بن بُكَيْرٍ. ٍ.هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجه مسلمٌ والنسائيُّ ، 3485 - وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ أَنَّهُ قَالَ أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُتْعَةِ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى عَامِرٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا فَقَالَتْ مَا تُعْطِى فَقُلْتُ رِدَائِى. وَقَالَ صَاحِبِى رِدَائِى. وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِى أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِى وَ كُنْتُ أَشَبَّ مِنْهُ فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِى أَعْجَبَهَا وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَىَّ أَعْجَبْتُهَا ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ وَرِدَاؤُكَ يَكْفِينِى. فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِى يَتَمَتَّعُ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا ».. فوقعَ بدلاً لهما عالياً.
ووَرَدَ حديثُ النَّهْي عن نكاحِ الْمُتْعَةِ من حديثِ جماعةٍ من الصحابةِ منهم : عليُّ بنُ أبي طالبٍ وهو مُتَّفَقٌ عليهِ من حديثهِ من طريقِ مالكٍ . وقد رواهُ النسائيُّ في جمعهِ "لحديثِ مالكٍ" عن زكريا بنِ يحيى خيَّاطِ السُّنَّةِ ، عنِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ الهرويِّ ، عن سعيدِ بنِ محبوبٍ، عن عَبْثَرَ بنِ القاسمِ، عن سفيانَ الثوريِّ، عن مالكٍ ، عن ابنِ شهابٍ، عن عبدِ اللهِ ، والحسنِ ابنَي محمّدِ ابنِ عليٍّ ، عن أبيهِمَا ، عن عليٍّ . فباعتبارِ هذا العددِ كأنَّ شيخَنا سَاوَى فيهِ النسائيَّ،وكأَنِّي لَقيْتُ النسائيَّ وصافحْتُهُ بهِ،وللهِ الحمدُ(6).
__________
(1) - صحيح مسلم (32 )
(2) - شرف أصحاب الحديث (75 )
(3) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 252) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 62) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 188)
(4) - تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 13 / ص 348)
(5) - قلت وهو واه
(6) - انظر المسند الجامع - (ج 13 / ص 495) (10143)(1/417)
وأمَّا المصافحةُ : فهوَ أنْ يعلوَ طريقَ أحدِ الكتبِ الستةِ عن المساواةِ بدرجةٍ، فيكونُ الراوي كأنَّهُ سمعَ الحديثَ من البخاريِّ ، أو مسلمٍ مثلاً. أي : وحيثُ رجَّحَ أحدٌ من الأئِمَّةِ السِّتَّةِ براوٍ واحدٍ على الراوي الذي وقعَ لهُ ذلكَ الحديثُ ، سَمَّوْهُ مصافحةً ، بمعنى : أنَّ الراوي كأَنَّهُ لقيَ أحدَ الأئِمَّةِ السِّتَّةِ ، وصافحَهُ بذلكَ الحديثِ . ومثَّلْتُ بالكتبِ السِّتَّةِ ؛ لأنَّ الغالبَ عَلَى المخرِّجينَ استعمالُ ذلكَ بالنسبةِ إليهم فقطْ . وقدِ استعملَهُ الظاهريُّ وغيرُهُ بالنسبةِ إِلَى مسندِ أحمدَ، ولا مُشَاحَّةَ في ذلكَ. وَقَدْ وقعَ لنا غيرُ ما حديثٍ مصافحةً ، فمِنْ ذَلِكَ : الحديثُ المتقدِّمُ مثالاً للمساواةِ، فإنَّهُ مساواةٌ لشيوخِنا،مصافحةً لنا،كَمَا تقدَّمَ،واللهُ أعلمُ.
هذا القسمُ الرابعُ من أقسامِ العُلوِّ ، وهو تَقدُّمُ وفاةِ الراوي عَنْ شيخٍ ، على وفاةِ راوٍ آخَرَ عنْ ذلكَ الشيخِ .
مثالُهُ : مَنْ سمعَ " سننَ أبي داودَ " على الزكيِّ عبدِ العظيمِ ، أعلى مِمَّنْ سمعَهُ على النجيبِ الحرَّانيِّ .
ومَنْ سمعَهُ على النجيبِ ، أعلى ممَّنْ سمعَهُ على ابنِ خطيبِ المزَّةِ ، والفخرِ بنِ البخاريِّ؛ وإِنِ اشتركَ الأَربعَةُ في روايةِ الكتابِ عن شيخٍ واحدٍ ، وهو: ابنُ طَبَرْزَذ ؛ لتَقَدُّمِ وفاةِ الزكيِّ على النجيبِ ، وتَقَدُّمِ وفاةِ النجيبِ على مَنْ بَعْدَهُ .
روينا عن أبي يعلى الخليليِّ ، قال(1)َ: (( قد يكونُ الإسنادُ يعلُو على غيرِهِ بتقدُّمِ مَوْتِ راويهِ ، وإنْ كانا متساوِيَيْنِ في العدَدِ )) .
وهذا كُلُّهُ بنسبةِ شيخٍ إلى شيخٍ . أمَّا علوُّ الإسنادِ بتقدُّمِ موتِ الشيخِ ، لا معَ التفاتِ لأمْرٍ آخرَ ، أو شيخٍ آخرَ ، فمَتى يُوصفُ بالعلوِّ ؟
روينا عَنْ ابنِ جَوْصَا ، قالَ : إسنادُ خمسينَ سنةً من موتِ الشيخِ ؛ إسنادُ عُلُوٍّ . وروينا عَنْ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدَه ، قالَ : إذا مرَّ عَلَى الإسنادِ ثلاثونَ سنةً ، فَهُوَ عالٍ .
وأَمَّا كلامُ ابنِ مَنْدَه ، فيحتملُ أنَّهُ أرادَ من حينِ السماعِ ، وهو بعيدٌ ؛ لأنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ َشيخُهُ إلى الآن حيّاً ، والظاهرُ أنَّهُ أرادَ إذا مضى على إسنادِ كتابٍ ، أو حديثٍ ، ثلاثونَ سنةً ، وهوَ في تِلْكَ المدَّةِ لا يقعُ أعلى من ذلكَ ، كسماعِ كتابِ البخاريِّ في سنةِ ستينَ وسبعمائةٍ مثلاً على أصحابِ أصحابِ ابنِ الزَّبيديِّ ، فإنَّهُ مضتْ عليهِ ثلاثونَ سنةً مِنْ موتِ مَنْ كانَ آخرَ مَنْ يرويه عالياً ، وهو الحجَّارُ .
هذا القسمُ الخامسُ من أقسامِ العلوِّ، وهو تقدُّمُ السماعِ من الشيخِ
فمَنْ تقدَّمَ سماعُهُ من شيخٍ كانَ أعلى ممَّنْ سمعَ من ذلكَ الشيخِ نفسِهِ بعدَهُ.روينا عن محمدِ بنِ طاهرٍ، قالَ: من العُلُوِّ تقدُّمُ السَّماعِ . ولكنْ جعلَ ابنُ طاهرٍ ، وتبعهُ ابنُ دقيقِ العيدِ ، هذا القسمَ ، والذي قبلَهُ ، قسماً واحداً ، وقالَ ابنُ الصلاحِ(2): (( إنَّ كثيراً من هذا يدخلُ في النوعِ المذكورِ قبلَهُ ، وفيهِ ما لا يدخلُ مثلُ أنْ يسمعَ شخصانِ مِن شيخٍ واحدٍ ، وسماعُ أحدِهما من ستينَ سنةً مثلاً ، وسماعُ الآخرِ من أربعينَ سنةً )) ، قلتُ : وأهلُ الحديثِ مُجْمِعُوْنَ على أفضليةِ المتَقَدِّمِ في حَقِّ مَنِ اختلَطَ شيخُهُ ، أو خَرِفَ لِهَرَمٍ ، أو مَرَضٍ ، وهو واضحٌ .
أمَّا مَنْ لَمْ يحصلْ لهُ ذلكَ فربَّما كانَ السماعُ المتأخِّرُ أرجحَ ، بأنْ يكونَ تحديثُهُ الأولُ قبلَ أنْ يبلغَ درجةَ الإتقانِ ، والضبطِ ، ثُمَّ كانَ الشيخُ متصفاً بذلكَ في حالةِ سماعِ الراوي المتأخِّرِ السماعِ ، فلهذا مزيةٌ ، وفضلٌ على السماعِ المتقدِّمِ ، وهو أرفعُ وأعلى ، لكنَّهُ علوٌّ معنويٌّ على ما سيأتي .
فهذهِ أقسامُ العلوِّ ولَمَّا جمعَ ابنُ طاهرٍ ، وابنُ دقيقِ العيدِ ، بين قسمي تقدُّمِ السماعِ، وتقدُّمِ الوفاةِ ، وجعلاهما قسماً واحداً ، زادا بدلَ الساقطِ : العلوَّ إلى صاحِبَي الصحيحينِ ومصنِّفي الكُتبِ المشهورةِ.وجعلَ ابنُ طاهرٍ هذا قسمينِ:أحدُهُما:العلوُّ إلى البخاريِّ ومسلمٍ ،وأبي داودَ وأبي حاتِمٍ،وأبي زرعةَ.والآخرُ:العلوُّ إلى كتبٍ مصنَّفَةٍ لأقْوَامٍ،كابنِ أبي الدنيا،والخطَّابيِّ،وأشباهِهِما ، قالَ:ابنُ طاهرٍ: واعلمْ أنَّ كلَّ حديثٍ عَزَّ على المحدِّثِ ، ولَمْ يجدْهُ عالياً ولابُدَّ لهُ مِنْ إيرادِهِ في تصنيفٍ،أو احتجاجٍ بِهِ ؛ فمنْ أيِّ وجهٍ أوردَهُ ، فهو عالٍ لعزَّتِهِ ، ثُمَّ مَثَّلَ ذلكَ بأَنَّ البخاريَّ روى عن أماثلِ أصحابِ مالكٍ ، ثُمَّ روَىَ حديثاً لأبي إسحاقَ الفَزَاريِّ عن مالكٍ ، لمعنى فيه فكانَ فيهِ بينَهُ وبينَ مالكٍ ثلاثةُ رجالٍ ، واللهُ أعلمُ .
4- أقسامُ النزول(3):
وأمّا أقسامُ النزولِ ، فهي خمسةٌ أيضاً . فإنَّ كُلَّ قسمٍ من أقسامِ العلوِّ ضدَّهُ قسمٌ مِن أقسامِ النزولِ ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ . وقالَ الحاكمُ في " علومِ الحديثِ "(4): (( لَعَلَّ قائلاً يقولُ: النزولُ ضدُّ العلوِّ، فمَنْ عَرَفَ العلوَّ، فقدْ عَرَفَ ضِدَّهُ . قالَ الحاكمُ: وليسَ كذلكَ ، فإنَّ للنزولِ مراتبَ لا يعرفُها إلاَّ أهلُ الصنعةِ )) ، قالَ ابنُ الصلاحِ(5): (( هذا ليسَ نفياً لكونِ النزولِ ضدَّ العلوِّ عَلَى الوجهِ الَّذِي ذكرتُهُ ، بَلْ نفياً لكونهِ يُعرفُ بمعرفةِ العلوِّ . قالَ : وذلكَ يليقُ بِمَا ذكرَهُ هُوَ في معرفةِ العلوِّ ، فإنَّهُ قَصَّرَ في بيانِهِ وتفصيلِهِ ، وليسَ كذلكَ ما ذكرناهُ فإنَّهُ مفصَّلٌ تفصيلاً مبيّناً مُفْهِماً لمراتبِ النزولِ )) .
5- هل العلو أفضل أو النزول ؟
ثُمَّ إنَّ النزولَ حيثُ ذَمَّهُ مَنْ ذَمَّهُ ، كقولِ عليِّ بنِ المدينيِّ ، وأبي عمرٍو المستمليِّ ، فيما رويناهُ عنهما : النزولُ شُؤْمٌ(6). وكقولِ ابنِ معينٍ فيما رويناهُ عنهُ : الحديثُ بنزولٍ كالقُرْحَةِ في الوجهِ(7)، فهو محمولٌ على ما إذا لم يكنْ مع النزولِ ما يجبرُهُ ، كزيادَةِ الثقةِ في رجالِهِ على العالي ، أو كونِهِم أحفظَ ، أو أفقهَ ، أو كونِهِ متَّصِلاً بالسماعِ وفي العالي حضورٌ ، أو إجازةٌ ، أو مناولةٌ ، أو تساهلُ بعضِ رواتهِ في الحملِ ، ونحوُ ذلكَ ؛ فإنَّ العدولَ حينئذٍ إلى النزولِ ليسَ بمذمومٍ ، ولا مفضولٍ .
وقد روينا عن وكيعٍ قالَ(8): الأعمشُ أحبُّ اليكم عنْ أبي وائلٍ عَنْ عبدِ اللهِ ؟ أو سفيانُ ، عن منصورٍ عن إبراهيمَ ، عن علقمةَ ، عن عبدِ اللهِ ؟ فقلنا : الأعمشُ عن أبي وائلٍ أقربُ . فقالَ : الأعمشُ شيخٌ، وأبو وائلٍ شيخٌ ، وسفيانُ ، عن منصورٍ ، عن إبراهيمَ ، عنْ علقمةَ فقيهٌ، عن فقيهٍ ، عن فقيهٍ ، عن فقيهٍ .
وروينا عن ابنِ المباركِ قالَ(9): ليسَ جَوْدةُ الحديثِ قربَ الإسنادِ ، بلْ جَوْدةُ الحديثِ صحةُ الرجالِ.
وروينا عن السِّلفيِّ قالَ(10): الأصلُ الأخذُ عن العلماءِ فنزولُهُم أَوْلَى من العُلُوِّ عن الجهلةِ على مذهبِ المحقِّقِينَ من النَقَلَةِ ، والنازلُ حينئذٍ هو العالي في المعنى عندَ النظرِ والتحقيقِ، كما روينا عَنْ نِظامِ الْمُلْكِ قالَ(11): عندي أنَّ الحديثَ العالي : ما صحَّ عن رسولِ اللهِ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وإنْ بلغَتْ رواتُهُ مائةً . وكما روينا عن السِّلَفيِّ من نظمهِ(12):
لَيْسَ حُسْنُ الحَدِيْثِ قربَ رِجَالٍعِنْدَ أَربَابِ علمِهِ النَّقَّادِ
بَلْ عُلُوُّ الحَدِيْثِ عِنْد أُولِي الإِتْقَانِ وَالحِفْظِ صِحَّةُ الإِسْنَادِ
فَإِذَا مَا تَجَمَّعَا فِي حَدِيْثٍفَاغتَنِمْهُ فَذاكَ أَقْصَى المُرَادِ
قالَ ابنُ الصلاحِ(13): (( هذا ليسَ منْ قَبيلِ العلوِّ المتعارفِ إطلاقُهُ بينَ أهلِ الحديثِ ، وإنَّما هو عُلُوٌّ مِنْ حيثُ المعنى فحسبُ )).
قال السخاوي(14): " وقد فصل شيخنا تفصيلاً حسناً، وهو أن النظر إن كان للمسند فشيوخ وإن كان للمتن فالفقهاء وإذا رجح وكيع الإِسناد الثاني مع نزوله بدرجتين لما امتاز به رواته من الفقه المنضم لمعرفة الحديث على الإِسناد الأول مع كونه صحيحاً، فكيف بغيره مما لا يصح (والصحة) بلا شك مع النزول هي (العلو) المعنوي (عند النظر) والتحقيق، والعالي عند فقد الضبط والإِتقان علو صوري، فكيف عند فقد التوثيق! وإليه أشار السلفي حيث قال: الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من علو الجهلة على مذهب المحققين من النقلة. والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق. "
قلت : وشذ بعضهم فزعم أن النزول أفضل من العلو؛ "لأنه يجب على الراوي أن يجتهد في متن الحديث وتأويله، وفي الناقل وتعديله، وكلما زاد الاجتهاد زاد صاحبه ثوابا"(15).
وهذا مذهب ضعيف، ضعيف الحجة، وما أحسن قول الحافظ العراقي2: "هذا بمثابة من يقصد المسجد لصلاة الجماعة، فيسلك طريقا بعيدة لتكثر الخطأ، وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود!!".(16)
لكن المحدثين استثنوا من تفضيل العلو ما إذا كان مع النزول ما يجبره ويجعل له مزية على الإسناد العالي، كأن يوجد في النازل زيادة يرويها ثقة، أو يكون رجال الإسناد النازل أحفظ أو أفقه ، كما مرَّ قبل قليل ٍ ..(17)
6- أشهرُ المصنفات فيه :
لا توجد مصنفات خاصة في الأسانيد العالية أو النازلة بشكل عام ، لكن أفرد العلماء بالتصنيف أجزاء أطلقوا عليها اسم " الثُلاثيات " ويعنون بها الأحاديث التي فيها بين المصنِّف وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشخاص فقط ، وفي ذلك إشارة إلى اهتمام العلماء بالأسانيد العوالي ، فمن تلك الثلاثيات .
ثلاثيات البخاري، لابن حجر.
ثلاثيات أحمد بن حنبل ، للسَّفَّاريني .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - (ج 1 / ص 13)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 58)
(3) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 631) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 430) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 190) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 26)
(4) - معرفة علوم الحديث للحاكم - (ج 1 / ص 20)
(5) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59)
(6) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (120)
(7) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(119 )
(8) - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي (120) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 1 / ص 166)
(9) - أدب الإملاء والاستملاء - (ج 1 / ص 71) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 1 / ص 166)
(10) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 268) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 71)
(11) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 269)
(12) - سير أعلام النبلاء (21/37) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 9 / ص 60)
(13) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59)
(14) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 267)
(15) - كذا نقل عنهم الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص26.
(16) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 363)
(17) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 71)
قال وكيع لأصْحَابه: الأعمش أحب إليكُم عن وائل عن عبد الله, أم سُفيان عن منصُور عن إبْرَاهيم عن عَلْقمة عن عبد الله ؟ فقالوا: الأعمش عن أبي وائل أقرب. فقال: الأعمش شيخ, وأبو وائل شيخ, وسُفيان عن منصور عن إبْرَاهيم عن علقمة, فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه.
قال ابن المُبَارك: ليسَ جَوْدة الحديث قُربُ الإسْنَاد, بل جَوْدة الحديث صحَّة الرِّجَال.(1/418)
المسَلْسَلُ(1)
ـ 2 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم مفعول من " السَّلْسَلَة " وهي اتصال الشيء بالشيء، ومنه سِلْسِلَة الحديد، وكأنه سمي بذلك لشبهه بالسِّلْسِلة من ناحية الاتصال والتماثل بين الأجزاء.
ب) اصطلاحاً: هو ما تواردَ رجالُ إسنادِهِ واحداً فواحداً على حالةٍ واحدةٍ أوْ صفةٍ واحدةٍ سواءٌ كانتِ الصفةُ للرواةِ،أو للإسنادِ. وسواءٌ كانَ ما وقعَ منهُ في الإسنادِ في صيغِ الأداءِ، أو متَعَلّقاً بزمنِ الروايةِ ، أو بالمكانِ . وسواءٌ أكانتْ أحوالُ الرواةِ ، أو صفاتُهم أقوالاً ، أمْ أفعالاً ؟
2- أنواعُه:
وله أنواع كثيرة بحسب تعدد أحوال الرواة وصفاتهم وأحوال الرواية.
أما أحوال الرواة، فهي إما أقوال أو أفعال، أو أقوال وأفعال معا، وكذا القول في صفاتهم أيضا..
الأول- المسلسَلُ بأحوال الرواة القولية :
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ « يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ الصُّنَابِحِىَّ وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِىُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. "(2)
فقد تسلسل بقول كل من رواته " وأنا أحبك ، فَقُلْ ، كما في شعب الإيمان للبيهقي برقم (4238 ) أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السمسار ، أخبرنا أحمد بن سلمان النجاد الفقيه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي ، حدثني عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا أبو عبدة الحكم بن عبدة ، حدثني حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن الصنابحي ، عن معاذ ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إني أحبك ، فقل : اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك » . وقال الصنابحي : قال لي : معاذ : إني أحبك ، فقل هذا الدعاء . قال أبو عبد الرحمن : قال لي الصنابحي : وأنا أحبك فقل . قال عقبة : قال لي أبو عبد الرحمن : وأنا أحبك ، فقل ، قال : حيوة : قال : لي عقبة : وأنا أحبك ، فقل . قال أبو عبدة : قال لي حيوة : وأنا أحبك ، فقل . قال : عمرو : قال لي أبو عبدة : وأنا أحبك ، فقل . قال عبد الله : قال لي الحسن : وأنا أحبك ، فقل . قال أبو بكر بن أبي الدنيا : وأنا أحبكم ، فقولوا . قال لنا أبو بكر النجاد : وأنا أحبكم ، فقولوا ، قال لنا عبد الرحمن : وأنا أحبكم فقولوا ، قال الشيخ أحمد : وأنا أحبكم فقولوا ، قال زاهر : وأنا أحبكم فقولوا "
مثال آخر ، كما في تهذيب الآثار للطبري (347 ) حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن محمد بن مهاجر ، حدثني الزبيدي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أنها قالت : يا ويح لبيد حيث يقول :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
قالت عائشة : فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
قال عروة : رحم الله عائشة ، فكيف لو أدركت زماننا هذا ؟
ثم قال الزهري : رحم الله عروة ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
ثم قال الزبيدي : رحم الله الزهري ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
قال محمد : وأنا أقول : رحم الله الزبيدي ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
قال أبو حميد : قال عثمان : ونحن نقول : رحم الله محمدا ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
قال أبو جعفر : قال لنا أبو حميد : رحم الله عثمان ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
قال أبو جعفر : رحم الله أحمد بن المغيرة ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
قال الشيخ : رحم الله أبا جعفر ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟
، حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، مثله
وهو في الزهد الكبير للبيهقي (225 ) أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور ، ثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتحدثون مخافة وملامة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب قال : ثم تقول عائشة هذا : كيف لو أدرك لبيد من نحن بين ظهرانيه ؟
قال : ويقول الزهري : كيف لو أدركت عائشة من نحن بين ظهرانيه ؟
وقال معمر : كيف لو أدرك الزهري من نحن بين ظهرانيه ؟
قال عبد الرزاق كان معمر يحدث عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ثم كان بعد يقول الزهري عن عائشة
قلت : وهو إسناد صحيح لا غبار عليه
وقال الذهبي سير أعلام النبلاء (2/197) هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهَا أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيْدٍ:
ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ
فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ لَبِيْداً، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ عُرْوَةُ: رَحِمَ اللهُ أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ زَمَانَنَا هَذَا.
قَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللهُ أَبِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ كَاتِبُهُ: سَمِعْنَاهُ مُسَلْسَلاً بِهَذَا القَوْلِ بِإِسْنَادٍ مُقَارِبٍ.
قلت : وقد خفيت هذه الأسانيد على أستاذنا العتر - حفظه الله 0 فعزاه لمصدر بعيد ، وهو في مصادر أقرب .
الثاني- المسلسَلُ بأحوال الرواة الفعلية:
مثل حديث أبي هريرة قال: " شَبَّكَ بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - وقال: " خلق الله الأرض يوم السبت " كما في معرفة علوم الحديث للحاكم(50 ) شبك بيدي أحمد بن الحسين المقرئ ، وقال : شبك بيدي أبو عمر عبد العزيز بن عمر بن الحسن بن بكر بن الشرود الصنعاني ، وقال : شبك بيدي أبي ، وقال : شبك بيدي أبي ، وقال : شبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى ، وقال إبراهيم : شبك بيدي صفوان بن سليم ، وقال صفوان : شبك بيدي أيوب بن خالد الأنصاري ، وقال أيوب : شبك بيدي عبد الله بن رافع ، وقال عبد الله : شبك بيدي أبو هريرة ، وقال أبو هريرة : شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : « خلق الله الأرض يوم السبت ، والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين ، والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، والدواب يوم الخميس وآدم يوم الجمعة »
فقد تسلسل بتشبيك كل من رواته بيد من رواه عنه
قلت : وهذا الحديث المسلسل معلول بعدة بعدة علل ولا يصح بحال ففي الأسماء والصفات للبيهقي(781 ) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ، فقال : « خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الإثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها من الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل » . هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه عن سريج بن يونس وغيره ، عن حجاج بن محمد . وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ لمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ . وزعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد ، وإبراهيم غير محتج به . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي ببخارى ، ثنا أبو عبد الله محمد بن نصر ، حدثني محمد بن يحيى ، قال : سألت علي بن المديني عن حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : « خلق الله التربة يوم السبت » . فقال علي : هذا حديث مدني ؛ رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي . قال علي : وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى وقال لي : شبك بيدي أيوب بن خالد وقال لي : شبك بيدي عبد الله بن رافع ، وقال لي شبك بيدي أبو هريرة رضي الله عنه وقال لي : شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - وقال لي : « خلق الله الأرض يوم السبت » . فذكر الحديث بنحوه . قال علي بن المديني : وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى . قلت : وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد ، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف ، وروي عن بكر بن الشرود ، عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم ، عن أيوب بن خالد ، وإسناده ضعيف والله أعلم.
وهو في صحيح مسلم (7231 ) حَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِى فَقَالَ « خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِى آخِرِ الْخَلْقِ وَفِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ».
وقال ابن كثير في تفسيره 1/99وتفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 215) :
وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ غَرَائِب صَحِيح مُسْلِم وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيْر وَاحِد مِنْ الْحُفَّاظ وَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَام كَعْب وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ كَلَام كَعْب الْأَحْبَار وَإِنَّمَا اِشْتَبَهَ عَلَى بَعْض الرُّوَاة فَجَعَلُوهُ مَرْفُوعًا وَقَدْ حَرَّرَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ
وفي البداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 1 / ص 16) :
وقد تكلم في هذا الحديث على ابن المديني، والبخاري، والبيهقي، وغيرهم من الحفاظ.
قال البخاري في (التاريخ): وقال بعضهم عن كعب، وهو أصح يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة، وتلقاه من كعب الأحبار، فإنهما كان يصطحبان ويتجالسان للحديث، فهذا يحدثه عن صحفه، وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب، عن صحفه، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأكد رفعه بقوله: ((أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي)).
ثم في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك: أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض، وما فيها في سبعة أيام.
وهذا خلاف القرآن لأن الأرض خلقت في أربعة أيام
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 256): وَكَذَلِكَ رَوَى مُسْلِمٌ { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } وَنَازَعَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ كَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَبَيَّنُوا أَنَّ هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .وَالْحُجَّةُ مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَأَنَّ آخِرَ مَا خَلَقَهُ هُوَ آدَمَ وَكَانَ خَلْقُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَقَدْ رُوِيَ إسْنَادٌ أَصَحُّ مِنْ هَذَا أَنَّ أَوَّلَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ
وفي مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 235): وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي قَوْلِهِ : { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ قَدَحَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَعْبٍ وَقَدْ ذَكَرَ تَعْلِيلَهُ البيهقي أَيْضًا وَبَيَّنُوا أَنَّهُ غَلَطٌ لَيْسَ مِمَّا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرَ الْحُذَّاقُ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجَهُ إيَّاهُ كَمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ إخْرَاجَ أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ
وفي مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 73) وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَفِيهِ أَلْفَاظٌ عُرِفَ أَنَّهَا غَلَطٌ كَمَا فِيهِ : { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } وَقَدْ بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ وَأَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ
وقال القاسمي في الفضل المبين432: هذا الحديث طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما ... وقد ثبت بالتواتر أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد، وهكذا عند أهل الكتاب، وعَلى ذلك تدل أسماء الأيام، وهذا المنقول الثابت في أحاديث وآثار آخر، ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهو خلاف ما أخبر به القرآن.
الثالث - المسلسل بأحوال الرواة القولية والفعلية معاً :
كالحديثِ الذي أخبرنا بهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ سماعاً عليهِ بدمشقَ في الرحلةِ الأولى ، قالَ : أخبرنا والدِي ، ويحيى بنُ عليِّ بنِ محمدٍ القلانسيُّ قالاَ : أخبرنا عليُّ بنُ محمدِ ابنِ أبي الحسنِ ، قالَ : حَدَّثَنَا يحيى بنُ محمودٍ الثقفيُّ ، قالَ : حَدَّثَنَا إسماعيلُ بنُ محمدِ بنِ الفضلِ ، قالَ : حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ عليِّ بنِ خَلَفٍ ، قالَ : حَدَّثَنَا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ ، قالَ : حَدَّثَنَا الزبيرُ بنُ عبدِ الواحدِ ، قالَ : حَدَّثَنَا يوسفُ ابنُ عبدِ الأحدِ الشافعيُّ ، قالَ : حَدَّثَنَا سليمانُ بنُ شعيبٍ الكَيْسانيُّ ، قالَ : حَدَّثَنَا سعيدٌ الأَدَمُ ، قالَ : حَدَّثَنَا شِهابُ بنُ خِرَاشٍ ، قالَ: سمعتُ يزيدَ الرَّقَاشِيَّ يُحَدِّثُ عن أنسِ بنِ مالكٍ ، قالَ : قالَ رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) : (( لا يَجِدُ العبدُ حلاوةَ الإيمانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ )) قالَ : وقبضَ رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) على لحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وقَبَضَ أنسٌ على لحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ يزيدُ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقدرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ شهابٌ بلحيتِهِ ، فقالَ : آمنتُ بالقدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ سعيدٌ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ سليمانُ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ يوسفُ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ الحاكمُ: وأخذَ الزبيرُ بلحيتِهِ ، وقالَ: آمنتُ بالقدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ الحاكمُ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ ابنُ خَلَفٍ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ إسماعيلُ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ يحيى الثقفيُّ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ عليُّ بنُ محمدٍ بلحيتِهِ وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، قالَ : وأخذَ كُلٌّ مِنْ يحيى بنِ القلانسيِّ وإسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ ، وأخذَ شيخُنا أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بلحيتِهِ ، وقالَ : آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ . .(3)
الرابع- المسلسل بصفات الرواة القولية :
مثل الحديث المسلسل بقراءة سورة الصَّفِّ كما في سنن الترمذى برقم (3624 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَىَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ سَلاَمٍ. قَالَ يَحْيَى فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِىُّ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ كَثِيرٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى وَقَدْ خُولِفَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ فِى إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ أَوْ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ. وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.
وفي المستدرك للحاكم 2384ـ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُرْدٍ الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَا : لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ ، عَمِلْنَاهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَكَذَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِمَكَّةَ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ هَكَذَا ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ كَثِيرٍ هَكَذَا ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُقْبَةَ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو الْوَلِيدِ هَكَذَا ، قَالَ الْحَاكِمُ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ هَكَذَا ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : السُّورَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، مِنْ أَوَّلِ الإِسْنَادِ إِلَى آخِرِهِ
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 61) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 22) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 86) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 299) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 84) و معرفة علوم الحديث للحاكم - (ج 1 / ص 52) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 84) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 39) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 33) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 228) والموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 7) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 456) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 155) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 29) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 369) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 104) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 28) وعلم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 28) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 108) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 354)
(2) - سنن أبى داود برقم (1524 ) وهو صحيح
(3) - قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 85) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 196)
قلت : وهو في معرفة علوم الحديث للحاكم برقم (47 ) بنفس الإسناد ،ولا يصح هذا الحديث بهذا الشكل ، إلا جملة " وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ , وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ"(1/419)
2385ـ أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ ، قَالَ : كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَا : لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمَا عَلَى تَرْكِهِ رِوَايَةُ الْهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ ، بِخِلافِ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ
2386ـ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا جَدِّي ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْهِقْلُ بْنُ زِيَادَةَ ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ ، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَا : لَوْ عَلِمْنَا أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَهَذَا لاَ يُقَالُ حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، فَإِنَّ الْهِقْلَ بْنَ زِيَادٍ وَإِنْ كَانَ مَحِلَّهُ الإِيقَانُ وَالثَّبْتُ فَإِنَّهُ شَكَّ فِي إِسْنَادِهِ ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ إِسْنَادِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيَّ أَحْفَظُ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ ، رَوَاهُ بِزِيَادَةِ أَلْفَاظٍ فِيهِ بِالإِسْنَادِ الأَوَّلِ
2387ـ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ، قَالَ : اجْتَمَعْنَا فَتَذَاكَرْنَا أَيُّكُمْ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَسْأَلُهُ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ ثُمَّ تَفَرَّقْنَا ، وَهِبْنَا أَنْ يَأْتِيَهُ أَحَدٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَمَعَنَا ، فَجَعَلَ يُومِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا : سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ إِلَى آخِرِهَا ، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، قَالَ مَحْبُوبٌ : وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، يَعْنِي : سُورَةَ الصَّفِ
سير أعلام النبلاء (2/424) أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنِ حَمُّوْيَةَ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَذَاكَرْنَا، فَقُلْنَا: لَو نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؛ لَعَمِلْنَا.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمِ، يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُوْلُوْنَ مَا لاَ تَفْعَلُوْنَ...} [الصَّفُّ: 1-2] حَتَّى خَتَمَهَا.
قَالَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى خَتَمَهَا.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّارِمِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عِيْسَى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّاوُوْدِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو الوَقْتِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ. قُلْتُ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا شُيُوْخُنَا. اهـ
قلت : فالحديث صحيح
وقد قال العراقي : " وأحوالُ الرواةِ القوليَّةُ ، وصفاتهُم القوليةُ ، متقاربةٌ بل متماثلةٌ.(1)
الخامس- المسلسل بصفات الرواة الفعلية :
ومثالُ التسلسلِ بصفاتِ الرواةِ الفعليَّةِ ، كالحديثِ المسلسلِ بالفقهاءِ ، كما في صحيح البخارى( 2109 ) حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ » ، فقد تسلسلَ لنا بروايةِ الفقهاءِ .
وكالحديثِ المسلسلِ بروايةِ الحفَّاظِ ، ونحوِ ذلكَ .
ومثالُ التسلسلِ بصفاتِ الإسنادِ والروايةِ ، كقولِ كُلٍّ من رواتِهِ : سمعتُ فلاناً ، فاتَّحدَ لفظُ الأَدَاءِ في جميعِ الرواة فصارَ مسلسلاً بذلكَ ، وكذلكَ قولُ جميعِهِمُ حدَّثَنا ، أو قولُهَم : أخبرنا ، وقولهُمُ : شهدتُ على فلانٍ ، قالَ : شهدتُ على فلانٍ ، ونحوُ ذلكَ .
وجعلَ الحاكمُ من أنواعِهِ أنْ تكونَ ألفاظُ الأداءِ في جميعِ الرواةِ دالةٌ على الاتصالِ ، وإنِ اختلفَتْ ، فقالَ بعضُهم : سمعتُ ، وبعضُهم : أخبرنا ، وبعضُهم : حَدَّثَنَا ، ولَم يُدْخِلِ الأكثرونَ في المسلسلاتِ إلاَّ ما اتفقتْ فيهِ صيغُ الأداءِ بلفظٍ واحدٍ ، ومثالُ التسلسلِ في وقتِ الروايةِ حديثُ ابنِ عباسٍ، قالَ: شهدتُ رسولَ اللهِ( - صلى الله عليه وسلم - ) في يومِ عيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى ، ... الحديث(2). فقد تسلسلَ لنا بروايةِ كُلِّ واحدٍ من الرواةِ له في يومِ عيدٍ، وكحديثِ تسلسُلِ قَصِّ الأظفارِ بيومِ الخميسِ ، ونحوِ ذلكَ . ومثالُ التسلسلِ بالمكانِ ، كالحديثِ المسلسلِ بإجابةِ الدعاءِ في الْمُلْتَزمِ . وأنواعُ التسلسلِ كثيرةٌ .
وقد ذكرَهُ الحاكمُ في علومِهِ ثَمَانيةَ أنواعٍ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : والذي ذكرَهُ فيها إنَّمَا هو صُوَرٌ ، وأمثلةٌ ثَمَانيةٌ ، ولا انحصارَ لذلكَ في ثَمَانيةٍ. قلتُ : لم يقل الحاكمُ إنَّهُ يَنْحَصِرُ في ثَمَانيةِ أنواعٍ ، كما فهمَهُ ابنُ الصلاحِ، وإنَّمَا قالَ بعدَ ذِكْرِهِ الثَّمَانيةَ(3): (( فهذه أنواعُ المسلسَلِ من الأسانيدِ المتصلةِ التي لا يشوبُهَا تدليسٌ وآثارُ السماعِ بينَ الراويينِ ظاهرةٌ )). انتهى.
فالحاكمُ إِنَّمَا ذَكَرَ من أنواعِ المُسَلْسَلِ ما يدلُّ على الاتصالِ .
فالأولُ : المسلسلُ بـ: سَمِعْتُ .(4)
والثاني : المسلسلُ بقولِهِم : قُمْ فصبَّ عليَّ حتى أريَك وضوءَ فلانٍ .(5)
والثالثُ : المسلسلُ بمطلقِ ما يدلُّ على الاتصالِ من (( سمعتُ )) أو (( أخبرَنا )) أو (( حَدَّثَنَا )) ، وإنِ اختلفَتْ ألفاظُ الرواةِ.(6)
والرابعُ : المسلسلُ بقولِهِم : فإنْ قيلَ لفلانٍ : مَنْ أَمَرَكَ بهذا ؟ قالَ: يقولُ : أمرني فلانٌ .(7)
والخامسُ : المسلسلُ بالأخذِ باللحيةِ ، وقولِهِم : آمنتُ بالقَدَرِ ، الحديث ، وقد تقدَّمَ(8).
والسادسُ : المسلسلُ بقولِهِم : وعدَّهُنَّ في يدي .(9)
والسابعُ : المسلسلُ بقولِهِم : شهدْتُ على فلانٍ .(10)
والثامنُ : المسلسلُ بالتشبيكِ باليدِ مع أَنَّ من أمثلتِهِ ما يدلُّ على الاتصالِ(11)، ولم يذكرْهُ ، كالمسلسلِ بقولِهِم : أطعَمَنا وسقانا . والمسلسلِ بقولِهِم : أضافَنَا بالأسودَيْنِ ، التمرِ والماءِ . والمسلسلِ بقولِهِم : أخذَ فلانٌ بيدي . والمسلسلِ بالمصافَحةِ . والمسلسلِ بقصِّ الأظفارِ يومَ الخميسِ ، ونحوِ ذلكَ . قالَ ابنُ الصلاحِ(12): (( وخيرُها ما كانَ فيه دلالةٌ على اتِّصَالِ السَّماعِ وعدمِ التدليسِ، قالَ : ومن فضيلةِ التسلسلِ اشتمالُه على مزيدِ الضَّبْطِ من الرواةِ. قالَ : وقلَّما تَسْلَمُ المسلسلاتُ من ضَعْفٍ ، أعني : في وصفِ التسلسُلِ لا في أصلِ المتنِ )) .
ومن المسلسلِ ما هو ناقصُ التسلسُلِ بقطعِ السِلسِلةِ في وَسَطِهِ ، أو أوَّلِهِ ، أو آخرِهِ ، كحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو المسلسلِ بالأَوَّلِيَّةِ ، فإِنَّهُ إنَّمَا يصحُّ التسلسلُ فيهِ إلى سفيانَ بنِ عُيينةَ ، وانقطعَ التسلسلُ بالأَوَّلِيَّةِ في سماعِ سفيانَ من عمرٍو ، وفي سماعِ عمرٍو من أبي قَابُوسَ ، وفي سماعِ أبي قابوسَ من عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو ، وفي سماعِ عبدِ اللهِ من النبيِّ( - صلى الله عليه وسلم - ) . وقد وقعَ لنا - بإسنادٍ متصلٍ - التسلسلُ إلى آخرِهِ ، ولا يصحُّ ذلكَ ، واللهُ أعلمُ .(13)
3- فوئد التسلسل(14):
والتسلسل يفيد اتصال حلقات الإسناد مع ما اقترن بها من صفة خاصة أو حالة خاصة، وذلك يقوي معنى الاتصال في الحديث، لذلك قال الحاكم(15). "فإنه نوع من السماع الظاهر الذي لا غبار عليه".
وقال ابن الصلاح(16): "وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع، وعدم التدليس، ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة
3-لا ارتباط بين التسلسل والصحة:
لكن المسلسلات على الرغم من عذوبة وقعها لم تسلم رواية التسلسل فيها من ضعف، وإن صح أصل الحديث.
وقد ينقطع تسلسله في وسطه أو أوله, أو آخره كمسلسل أوَّل حديث سمعته وهو حديث عبد الله بن عَمرو: «الرَّاحمُون يَرْحمهم الرَّحمن ...». فإنَّه انْتَهَى فيه التَّسلسل إلى سُفيان بن عُيينة, وانقطع في سماع سُفيان من عَمرو بن دينار, وانقطع في سَمَاع عَمرو من أبي قَابُوس, وفي سَمَاع أبي قابُوس من عبد الله بن عَمرو, وفي سماع عبد الله من النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ما هو الصَّحيح فيه]. وقد رواهُ بعضهم كامل السلسلة, فوهم فيه.(17)
ومن أصح مسلسل يروى في الدنيا المسلسل بقراءة سورة الصف، وقد مرَّ .
فقَلَّمَا يسلم المسلسل من خلل في التسلسل، أو ضعف، وإن كان أصل الحديث صحيحاً من غير طريق التسلسل.(18)
4- أشهر المصنفات فيه :
وقد جمع العلماء الأحاديث المسلسلة في مصنفات، :
ا) -منها كتاب للسخاوي فيه مائة حديث،.
ب)- المُسَلْسَلات الكبرى للسيوطي ، وقد اشتملت على / 85/ حديثاً .
ج) -وجمعها العلامة المحدث محمد عبد الباقي الأيوبي "المتوفى سنة 1364" في كتاب سماه "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة" فبلغ /212/ حديثا، هو أوسع ما وقفنا عليه.
وهذا لم يستوف المسلسل بصفات الرواة، ولا سيما المسلسل بالحفاظ، ولو استوفاها لكانت أكثر من ذلك بكثير.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 300) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 85) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 196)
(2) - قلت : لم أجده مسلسلا إلا هذه الرواية في صحيح البخارى ( 98 )حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - - أَوْ قَالَ عَطَاءٌ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ، فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ ، وَبِلاَلٌ يَأْخُذُ فِى طَرَفِ ثَوْبِهِ . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -
(3) - معرفة علوم الحديث للحاكم - (ج 1 / ص 60)
(4) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 43 )
(5) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 44 )
(6) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 45 )
(7) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 46 )
(8) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 47 )
(9) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 48 )
(10) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 49 )
(11) - معرفة علوم الحديث للحاكم( 50 )
(12) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 457)
(13) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 302) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 197) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 29)
(14) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر (ج 1 / ص 356)
(15) - في المعرفة: 29.
(16) - في علوم الحديث: 249. وانظر المناهل المسلسلة: 3.
(17) - وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 85)
(18) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 357)(1/420)
روايةُ الأكابر عن الأصاغر(1)
ـ 3 ـ
1- تعريفه:(2)
أ) لغة : الأكابر جمع " أَكَبْرَ " والأصاغر جمع " أَصْغَر " والمعنى : رواية الكبار عن الصغار .
ب) اصطلاحاً: رواية الشخص عمن هو دونه في السن والطبقة أو في العلم والحفظ.
والأصل فيه رِوَاية النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الدَّاري حديث الجَسَّاسة, وهو في مسلم برقم (7573 ) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِىُّ شَعْبُ هَمْدَانَ أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ فَقَالَ حَدِّثِينِى حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ فَقَالَتْ لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَهَا أَجَلْ حَدِّثِينِى. فَقَالَتْ نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ فَأُصِيبَ فِى أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَطَبَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَوْلاَهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَحَبَّنِى فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ ». فَلَمَّا كَلَّمَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ أَمْرِى بِيَدِكَ فَأَنْكِحْنِى مَنْ شِئْتَ فَقَالَ « انْتَقِلِى إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ ». وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ فَقُلْتُ سَأَفْعَلُ فَقَالَ « لاَ تَفْعَلِى إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ وَلَكِنِ انْتَقِلِى إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ». - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فِهْرٍ فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِى هِىَ مِنْهُ - فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِى سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنَادِى الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ « لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ ». ثُمَّ قَالَ « أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ « إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِى حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِى الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقَالُوا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَتْ أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً - قَالَ - فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ قُلْنَا وَيْلَكَ مَا أَنْتَ قَالَ قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِى فَأَخْبِرُونِى مَا أَنْتُمْ قَالُوا نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقُلْنَا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ.قُلْنَا وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَتِ اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً فَقَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ قُلْنَا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ. قَالَ أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ قَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ هَلْ فِيهَا مَاءٌ قَالُوا هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ قَالُوا قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ قَالَ لَهُمْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّى إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَىَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِى عَنْهَا وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ « هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ ». يَعْنِى الْمَدِينَةَ « أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ». فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ « فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ.قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(3)
2- شرحُ التعريف :
أي أن يروي الراوي عن شخص هو أصغر منه سناً وأدنى طبقة، والدُّنُوُّ في الطبقة كراوية الصحابة عن التابعين ونحو ذلك. أو يروي عمن هو أقل منه علماً وحفظاً ، كرواية عالم حافظ عن شيخ ولو كان ذاك الشيخ كبيراً في السن ، هذا وينبغي التنبه إلى أن الكِبَر في السن أو القِدَم في الطبقة وحده ، أي بدون المساواة في العلم عمن يروي عنه لا يكفي لأن يُسَمَّى رواية أكابر عن أصاغر ، والأمثلة التالية توضح ذلك .
3- أقسامه :
إنَّ روايةَ الأكابرِ عنِ الأصاغرِ على أقسامٍ منها :
أنْ يكونَ الراوي أقدمَ طبقةً وأكبرَ سنّاً منَ المرويِّ عنهُ ،كروايةِ الزُّهْرِيِّ، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ ، عنْ مالكِ بنِ أنسٍ .كما في سنن النسائى (3380 ) أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالُوا أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَالْحَسَنَ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ أَخْبَرَاهُ أَنَّ أَبَاهُمَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِىٍّ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ رضى الله عنه قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْ كِتَابِهِ.( وهو إسناد صحيح كالشمس)
قلت : يظهر أن هذه من رواية يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ ، عنْ مالكِ بنِ أنسٍ ،
وقد صرح باسمه في السنن الكبرى للإمام النسائي( 5524) أخبرنا عمرو بن علي ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار قالوا أنبأنا عبد الوهاب هو الثقفي ، قال : سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول أخبرني مالك بن أنس أن بن شهاب أخبره أن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي أخبراه أن أباهما محمد بن علي أخبرهما أن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن متعة النساء .
وفي سنن الترمذى برقم (1906 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِىٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ زَمَنَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.( وهو صحيح )
فعبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفى أبو محمد البصرى يروي عن يحيى بن سعيد الأنصارى ، وليس القطان .
وعنه روى شيوخ النسائي الثلاثة عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى .
ومنها : أنْ يكونَ الراوي أكبرَ قدراً منَ المرويِّ عنهُ لعلمهِ وحفظهِ ، كروايةِ مالكٍ ، وابنِ أبي ذِئْبٍ عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ ، وأشباهِهِ ، وروايةِ أحمدَ ، وإسحاقَ عن عُبيدِ اللهِ بنِ موسى العبسيِّ .
فمالك إمام حافظ ، وعبدالله بن دينار شيخ راو فقط ، وإن كان أكبر سناً من مالك
كما في موطأ مالك برقم (108 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ « تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ ».وهو صحيح
وفي السنن الكبرى للإمام النسائي( 8180 )ـأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل عن المقدام بن شريح ، عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن ستة نفر فقال المشركون اطرد هؤلاء عنك فإنهم وإنهم قال وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت أسماءهما قال فوقع يعني في نفسه ما شاء الله وحدث به نفسه فأنزل الله عز وجل ?ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه? إلى ?الظالمين? .
وفيها (9408) ـأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل عن إسماعيل بن سميع عن مالك بن عمير عن صعصعة بن صوحان قال قلت لعلي انهنا عما نهاك عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال نهاني عن الدباء والحنتم وحلقة الذهب ولبس الحرير والقسي والميثرة الحمراء .
ومثل : رواية البَرْقاني عن الخطيب ،لأن البرقاني أكبر سناًِ من الخطيب ، وأعظم قدراً منه لأنه شيخه ومعلمه وأعلم منه .
وفي سير أعلام النبلاء (18/275) : قَالَ الخَطِيْبُ فِي(تَارِيْخِهِ):كُنْتُ أُذَاكِرُ أَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِي بِالأَحَادِيْث، فِيكتُبُهَا عَنِّي، وَيُضمنهَا جُمُوْعَه، وَحَدَّثَ عَنِّي وَأَنَا أَسْمَعُ وَفِي غَيبتِي، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخُوَارَزْمِي سَنَة عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، حَدَّثَنَا الأَصَمّ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
ومنها : أنْ يكونَ الراوي أكبرَ منَ الوجهينِ معاً ،كروايةِ عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ ، عن محمدِ بنِ عليٍّ الصُّوَرِيِّ ، وكروايةِ أبي بكرٍ الخطيبِ ، عنْ أبي نصرِ ابنِ ماكولا ، ونحوِ ذلكَ .
ومنْ هذا النوعِ ، وهوَ روايةُ الأكابرِ عنِ الأصاغرِ ، روايةُ الصحابةِ عنِ التابعينَ ، كروايةِ العبادلةِ الأربعةِ ، وأبي هريرةَ ، ومعاويةَ بنَ أبي سفيانَ وأنسِ بنِ مالكٍ ،عنْ كعبِ الأحبارِ بعض ما كان يحدث به من أخبار السابقين، كما في مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 245)29905- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن كَعْبٍ قَالَ : أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ : مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبحَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِاسْمِكَ وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِاسْمِكَ وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ عذابك وَشَرِّ عِبَادِكَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ خَيْرِ مَا تُسْأَلُ وَمِنْ خَيْرِ مَا تُعْطِي وَمِنْ خَيْرِ مَا تُبْدِي وَمِنْ خَيْرِ مَا تُخْفِي : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ بِاسْمِكَ وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا تَجَلَّى بِهِ النَّهَارُ ، لَمْ تُطِفْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ، وَلا لِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ ، وَإِذَا قَالَهُنَّ إذَا أَمْسَى كَمِثْلِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ : مِنْ شَرِّ مَا دَجَا بِهِ اللَّيْلُ. ) وإسناده صحيح)
وكما في صحيح البخارى(7361 )عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ .
وكما في المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 449) برقم (163 ) حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بن يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي هِلالٍ، عَنْ هِلالِ بن أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سَلامٍ، قَالَ:"إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يُجَازِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو، وَيَصْفَحُ، وَيَتَجَاوَزُ، وَلَنْ أَقْبِضَكَ حَتَّى أُقِيمَ الْمِلَّةَ الْمُعْوَجَّةَ، بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، يَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا". قَالَ عَطَاءُ بن يَسَارٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الأَحْبَارِ، يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلامٍ. (( وهذا الحديث حسن)
وكروايةِ التابعينَ عن أتباعِ التابعينَ ، كما تقدَّمَ من روايةِ الزهريِّ ، ويحيى بنِ سعيدٍ عنْ مالكٍ، ومثَّلَ ابنُ الصلاحِ أيضاً بعَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ ، فقالَ : (( لمْ يكنْ منَ التابعينَ ، وروى عنهُ أكثرُ من عشرينَ نفساً منَ التابعينَ )) .
هكذا قالَ : إنَّهُ ليسَ منَ التابعينَ ، وتبعَ في ذلكَ أبا بكرٍ النقاشَ ، فإنَّهُ قالَ : لَمْ يكنْ منَ التابعينَ ، وقدْ روى عنهُ عشرونَ رجلاً منَ التابعينَ، وحكاهُ عبدُ الغنيِّ ابنُ سعيدٍ ، وأقرَّهُ على كونهِ ليسَ منَ التابعينَ ، ثمَّ قالَ : جمعتُهم ووجدتُ زيادةً على العشرينَ ، ثمَّ عدَّهم فبلغَ بهم تسعةً وثلاثينَ رجلاً .
قلتُ : وعمرُو بنُ شعيبٍ - وإنْ عدَّهُ غيرُ واحدٍ في أتباعِ التابعينَ - فهوَ منَ التابعينَ، فقدْ سَمِعَ مِنْ زينبَ بنتِ أبي سلمةَ، والرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ ولهما صحبةٌ ، وقدْ حكى المِزِّيُّ كلامَ عبدِ الغنيِّ ، فجعلهُ عنِ الدارقطنيِّ ، قالَ : وكانَ الدارقطنيُّ قدْ وافقَهُ على أنَّهُ ليسَ منَ التابعينَ ، وليسَ كذلكَ . انتهى .
قلت : ففي المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 19) 20174 - حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بن شُعَيْبٍ شُعَيْبٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بنتِ أَبِي سَلَمَةَ، فَحَدَّثَتْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَفَاطِمَةَ، فَجَعَلَ الْحَسَنَ مِنْ شِقٍّ، وَالْحُسَيْنَ مِنْ شِقٍّ، وَفَاطِمَةَ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ:رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَأَنَا وَأُمُّ سَلَمَةَ جَالِسَتَيْنِ، فَبَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ:مَا يُبْكِيكِ؟فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَصَصْتَ هَؤُلاءِ وَتَرَكْتَنِي وابْنَتِي، فَقَالَ:أَنْتِ وَابْنَتُكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بن يَحْيَى بن الرَّبِيعِ بن أَبِي رَاشِدٍ، ثنا عَمْرُو بن عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بنتُ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ الَّلعَّابِينَ كَانُوا يَلْعَبُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ( قلت : والصواب أنه حديث حسن)
وفي اللسان 189 - مطلب بن شعيب مروزي سكن مصر وحدث عن سعيد بن أبي مريم وأبي صالح كاتب الليث قال بن عدي لم أر له حديثا منكرا سوا هذا حدثناه عصمة البخاري ثنا مطلب بن شعيب ثنا أبو صالح ثنا الليث عن يونس عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه انتهى
وبقية كلامه وسائر أحاديثه عن أبي صالح مستقيمة ، وقد أكثر الطبراني عن مطلب هذا وهو صدوق .
قال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر مطلب بن شعيب بن حبان بن سنان بن رستم يكنى أبا محمد كان أبوه من أهل مرو وولد بمصر ويقال أنه من موالي الأزد حدث عن أبي صالح كاتب الليث وغيره توفي يوم الأحد النصف من المحرم سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكان ثقة في الحديث .
وفي سير أعلام النبلاء(5/165) : وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ - وَلَهُمَا صُحْبَةٌ -.
وقولُ ابنِ الصلاحِ(4): (( روى عنهُ أكثرُ من عشرينَ منَ التابعينَ جمعَهم عبدُ الغنيِّ )) ، ليسَ بجيدٍ ، فإنَّهُ قدْ بلغَ بهمْ تسعةً وثلاثينَ رجلاً ، كما تقدَّمَ. قلتُ: وقدْ جمعتُهم في جزءٍ فبلغتُ بهمْ فوقَ الخمسينَ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : وقرأتُ بخطِّ الحافظِ أبي محمدٍ الطَّبَسيِّ : أنَّه روى عنهُ نيفٌ وسبعونَ رجلاً منَ التابعينَ ، واللهُ أعلمُ .
__________
(1) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 134) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 228) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 155) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 102)
(2) - الهاء عائده لهذا النوع من علوم الحديث .
(3) - أرفأ : قرَّب السفينة من الشط الصلت : المجرد من غمده اغتلم : هاج واضطربت أمواجه فرقنا : خشينا الأهلب : غليظ الشعر كثيره
(4) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 536) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 63)(1/421)
ومن رواية الأكابر عن الأصاغر نوع طريف هو رواية صحابي عن تابعي عن صحابي، وإن كان نادرا(1)مثل حديث السائب بن يزيد الصحابي عن عبد الرحمن بن عبد القاري التابعي عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم (1779 ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ قَالاَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ».
3- من فوائده :
ا) -ومنْ فائدةِ معرفةِ روايةِ الأكابرِ عنِ الأصاغرِ تَنْزَيلُ أهلِ العلمِ منازلهم ، وقدْ روى أبو داودَ في سننه ( 4844 ) عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِى شَبِيبٍ أَنَّ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِى ذَلِكَ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ.(2)
وقد ذكر فيه فيه علتان : الانقطاع ، وتدليس حبيب بن أبي ثابت :
فأما تدليس حبيب فقد صرح بالتحديث في الزهد لابن أبي عاصم (88 ) أخبرنا أبو هشام الرفاعي ، أخبرنا ابن يمان ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا حبيب بن أبي ثابت ، حدثني ميمون بن أبي شبيب ، عن عائشة ، قالت : « أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم » فزالت شبهة تدليسه
وأما عن العلة الثانية فقد قَالَ أَبُو دَاوُد مَيْمُون بن أبي شبيبَ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ 0وقال الشيخ ابن الصلاح وفيما قاله أبو داود نظر فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك، فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه، وهيهات ذلك انتهى .
قال النووي وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى عون المعبود 13/132
قلت : وقد روي موصولا عن معاذ مكارم الأخلاق للخرائطي(41 ) حدثنا الترقفي ، حدثنا عبد الله بن غالب ، حدثنا بكر بن سليمان أبو معاذ ، عن أبي سليمان الفلسطيني ، عن عبادة بن نسي ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أنزل الناس منازلهم من الخير والشر ، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة »
وهناك متابع لميمون في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (804 ) أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا الحسن بن إسحاق العطار ، نا أحمد بن أسد ، كوفي قرابة مالك بن مغول نا يحيى بن اليمان ، عن سفيان ، عن أسامة بن زيد ، عن عمر بن مخراق ، عن عائشة ، قالت : « أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم »
فالحديث حسن لغيره على الأقل ، ولا حجة لمن ضعفه سوى قلَّة بحثه واطلاعه على طرقه وأسانيده .
ب) ألا يُتَوَهَّم أنَّ المروِي عنه أفضل وأكبر من الراوي لكونه الأغلب.
ج) إلا يُظَنَّ أن في السند انقلاباً ، لأن العادة جرت برواية الأصاغر عن الأكابر .
4- أشهر المصنفات فيه :
أ) كتاب " ما رواه الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء " للحافظ أبي يعقوب إسحق بن إبراهيم الورَّاق المتوفى سنة 403هـ.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - وقد جمع الحافظ العراقي من هذا نحو عشرين حديثا في شرح الألفية. وانظر توضيح الأفكار والتعليق عليه لفضيلة الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد: 2: 474.و3 ج1: ص208. وقارن بالباحث الحثيث: 196.
(2) - أخرجه د(4844 ) وبداية 8/9 والإتحاف 6/265 والنوادر 1/410 وأخبار قزوين 3/354 علي وهب (10999) وع (4826) وزهد حم (91) وحل 4/379 ومعجم الصحابة (972) معاذ وموضح 2/396 معاذ وذكره مسلم في مقدمة صحيحه دون سند المقدمة 6 وهو حديث حسن لغيره(1/422)
روايةُ الآباء عن الأبناء(1)
ـ4 ـ
1- تعريفُه:
أن يوجد في سند الحديث أَبٌ يروي الحديث عن ابنه .
2- أمثلة:
روى وائلُ بنُ داودَ عنِ ابنِهِ بكرِ بنِ وائلٍ ثمانيةَ أحاديثَ ، منها كما في سنن أبى داود(3746 )(2)حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ. ( وهو صحيح)
وفي مسند الحميدى (302) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا :« يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِى اللَّهَ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَلَمَّ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ :« إِنْ كُنْتِ بِذَنْبٍ أَلْمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِى اللَّهَ ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ النَّدَمُ وَالاِسْتِغْفَارُ ». وَأَكْثَرُ ذَلِكَ يَقُولُ عَلَى الأَوَّلِ.( صحيح على شرطهما)
ومنها: ما رواهُ الخطيبُ منْ طريقِ ابنِ عُيَيْنَةَ عنْ وائلِ بنِ داودَ عنِ ابنِهِ بكرٍ ، عنِ الزُّهريِّ ، عنْ سعيدِ بنِ المسيبِ ، عنْ أبي هريرةَ ، قالَ : قالَ رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) : (( أَخِّرُوا الأَحمالَ فإنَّ اليدَ معلَّقةٌ ، والرِّجلَ مُوثقةٌ ))(3). قالَ الخطيبُ : لا يُروى عنِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) فيما نعلمُهُ إلاَّ من جهةِ بكرٍ وأبيهِ .(4)
وكذلكَ روى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عنِ ابنِهِ مُعْتَمِرٍ حديثينِ ، وقدْ روى الخطيبُ من روايةِ معتمرِ بنِ سليمانَ التَّيميِّ ، قالَ: حَدَّثَنِي أبي، قالَ: حدَّثَتْنِي أنتَ عَنِّي، عنْ أيوبَ ، عنِ الحسنِ ، قالَ : وَيْحٌ : كلمةُ رحمةٍ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : (( وهذا ظريفٌ يجمَعُ أنواعاً ))(5).
وروى أنسُ بنُ مالكٍ عنِ ابنِهِ غيرَ مسمَّى حديثاً ، وروى زكريا بنُ أبي زائدةَ عنِ ابنِهِ حديثاً . وروى يونسُ بنُ أبي إسحاقَ ، عنِ ابنِهِ إسرائيلَ حديثاً ، وروى أبو بكرِ بنُ عياشٍ عنِ ابنِهِ إبراهيمَ حديثاً . وروى شجاعُ بنُ الوليدِ ، عن ابنِهِ أبي هشامٍ الوليدِ حديثاً . وروى عمرُ بنُ يونسَ اليماميُّ ، عن ابنهِ حديثاً . وروى سعيدُ بنُ الحكمِ المصريُّ ، عنِ ابنِهِ محمدٍ حديثاً . وروى إسحاقُ بنُ البهلولِ ، عنِ ابنِهِ يعقوبَ حديثينِ . وروى كثيرُ بنُ يعقوبَ البصريُّ ، عنِ ابنِهِ يحيى حديثاً. وروى يحيى بنُ جعفرِ بنِ أعينَ، عنِ ابنِهِ الحسينِ حديثينِ، وروى عليُّ بنُ حربٍ الطائيُّ عنِ ابنِهِ الحسنِ حديثاً. وروى محمدُ بنُ يحيى الذُّهْليُّ ، عنِ ابنِهِ يحيى حديثاً . وروى أبو داودَ السجستانيُّ ، عنِ ابنِهِ أبي بكرٍ عبدِ اللهِ حديثينِ. وروى عليُّ بنُ الحسنِ بنِ أبي عيسى الدَّرَابجِرْديُّ ، عنِ ابنِهِ الحسنِ حديثاً . وروى الحسنُ بنُ سفيانَ ، عنِ ابنِهِ أبي بكرٍ حديثينِ . وروى أحمدُ بنُ شاهينَ ، عنِ ابنِهِ محمدٍ حديثاً . وروى أبو بكرٍ بنُ أبي عاصمٍ عنِ ابنِهِ عبدِ الرحمنِ حديثاً . وروى عمرُ بنُ محمدٍ السمرقَنْديُّ ، عنِ ابنِهِ محمدٍ حديثاً . وروى محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ الصَّفَّارُ ، عنِ ابنهِ أبي بكرٍ أبياتاً قالها . وروى أبو الشيخِ ابنُ حيَّانَ ، عنِ ابنِهِ عبدِ الرزاقِ حكايةً . وروى الحافظُ أبو سعدِ بنُ السمعانيِّ ، عنِ ابنِهِ عبدِ الرحيمِ في ذيلِ " تاريخِ بغدادَ ". وروى قاضي القضاةِ بدرُ الدينِ بنُ جماعةَ ، عنِ ابنِهِ قاضي القضاةِ عزِّ الدينِ حكايةً عجيبةً .
قالَ ابنُ الصلاحِ : وأكثرُ ما رويناهُ لأبٍ عنِ ابنِهِ ، ما روينا في كتابِ الخطيبِ عنِ أبي عمرَ حفصِ بنِ عمرَ الدوريِّ المقرئ عنِ ابنِهِ أبي جعفرٍ محمدٍ: ستةَ عشرَ حديثاً، أو نحو ذلكَ .
3- من فوائده :
ألا يُظَنَّ أن في السند انقلاباً أو خطأ ، لأن الأصل أن يروي الابن عن أبيه ، وهذا النوع مع النوع الذي قبله يدل على تواضع العلماء ، وأخْذِهِمُ العلم من أي شخص ، وإن كان دونهم في القَدْر والسٍّنِّ .
4- أشهر المصنفات فيه :
كتاب " رواية الآباء عن الأبناء " للخطيب البغدادي .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 69) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 143) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 46) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 34) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 558) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 68) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 244) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 396) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 67) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 58) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 158)
(2) - برقم (3746 ) وهو صحيح السويق : طعام يتخذ من دقيق الحنطة والشعير
(3) - أخرجه البزار كما فى مجمع الزوائد (3/216) ، والطبرانى فى الأوسط (4/387 رقم 4508) قال الهيثمى : (3/216) : فيه قيس بن الربيع ، وثقه شعبة والثورى وفيه كلام و السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 122) (11997و11998) . وأخرجه أيضًا : أبو يعلى (10/234 رقم 5852) ومعجم ابن الأعرابي (1959 ) . قلت : هو حديث حسن
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 231)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 231) ، قلت : ولم أجد ه من طريق ثابث ، وهو في مساوئ الأخلاق للخرائطي (809 ) حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح أبو بكر الوزان ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ويحك » ، فجزعت، فقال : « يا حميراء ، لا تجزعي من الويح ، فإن الويح كلمة رحمة ، ولكن اجزعي من الويل » ولكن يوجد فيه عبد الوهاب بن الضحاك متروك ورواية إسماعيل بن عياش عم المدنيين فيها ضعف(1/423)
روايةُ الأبناء عن الآباء(1)
ـ 5 ـ
1- تعريفُه:
أن يوجد في سند الحديث ابْنٌ يروي الحديث عن أبيه فقط ، أو عن أبيه عن جده .
2- أهمه:
وأهم هذا النوع ما لم يُسَمَّ فيه الأبُ أو الجَدُ ، لأنه يحتاج إلى البحث لمعرفة اسمه
3- أنواعُه:
هو نوعان.
أ) أن تكونَ الروايةُ عن أبيهِ فقطْ دونَ جدِّهِ ( أي بدون الرواية عن الجَد ) وهو كثير.
مثاله : ما رواه البخارى(2)حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً » . قَالَ لاَ بَلْ بَيْعٌ . فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً .
فمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ يروي عَنْ أَبِيهِ وهو كثير
وكروايةِ أبي العُشَراءِ الدارميِّ، عنْ أبيهِ، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ عندَ أصحابِ السننِ الأربعةِ ، فإنَّ أباهُ لمْ يسمَّ في طرقِ الحديثِ، واختُلِفَ في اسمِ أبي العشراءِ ، واسمِ أبيهِ على أقوالٍ(3):
أحدُها : وهو الأشهرُ ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ : إنَّهُ أسامةُ بنُ مالكِ بنِ قِهْطمٍ وهو - بكسرِ القافِ -، فيما نقلهُ ابنُ الصلاحِ من خطِّ البيهقيِّ وغيرِهِ وقيلَ : قِحْطَمٌ - بالحاءِ المهملةِ - موضعَ الهاءِ .
والثاني: أنَّ اسمَهُ عُطاردُ بنُ بَرزٍ ، بتقديمِ الراءِ على الزاي، واختُلِفَ في الراءِ ، هلْ هيَ ساكنةٌ أو مفتوحةٌ ؟ وقيلَ : اسمُ أبيهِ بَلزٍ باللامِ مكانَ الراءِ .
والثالثِ : اسمهُ يسارُ بنُ بلزِ بنِ مسعودٍ .
ب) القسمُ الثاني مِنْ روايةِ الأبناءِ : أنْ يزيدَ فيهِ بعدَ ذكرِ الأبِ أباً آخرَ فيكونَ جَدّاً للأوَّلِ ، أو يزيدَ جَدّاً للأبِ .
فمثالُ زيادةِ الأبِ : روايةُ بهزِ بنِ حكيمٍ ، عنْ أبيهِ ، عنْ جدِّهِ ، عنِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) فحكيمُ: هوَ ابنُ معاويةَ بنِ حَيْدةَ القُشَيريُّ . فالصحابيُّ : هوَ معاويةُ ، وهوَ جدُّ بهزٍ
ومثالُ زيادةِ الجدِّ: روايةُ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ، وشُعَيبٌ هو ابنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، فالصحابيُّ:هوَ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو،وهوَ جدُّ شعيبٍ.
كما في مسند أحمد برقم (149) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يُقَادُ وَالِدٌ مِنْ وَلَدٍ ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَرِثُ الْمَالَ مَنْ يَرِثُ الْوَلاَءَ ». وهو حديث حسن وقد روى له بهذا السند حوالي ( 178) حديثاً
وكما في مسند أحمد برقم (26759) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُحْرِمُ وَحِينَ يَحِلُّ.فقد روى له ثلاثة أحاديث بهذا السند .
ولعمرِو بنِ شعيبٍ عنْ أبيهِ عن جدِّهِ نسخةٌ كبيرةٌ قدِ اختُلِفَ في الاحتجاجِ بها على أقوالٍ(4):
أحدُها : أنَّها حجةٌ مطلقاً إذا صحَّ السندُ إليهِ ، قالَ البخاريُّ : رأيتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ ، وعليَّ بنَ المدينيِّ ، وإسحاقَ بنَ راهويهِ ، وأبا عبيدٍ ، وعامةَ أصحابنا ، يحتجونَ بحديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ، عنْ أبيهِ ، عنْ جدِّهِ ما تركهُ أحدٌ منَ المسلمينَ. قالَ البخاريُّ(5): (( فَمَنِ النَّاسُ بعدهم ؟ )) زادَ في روايةٍ: والحميديُّ . وقالَ مرةً: اجتمعَ عليٌّ ويحيى ابنُ معينٍ وأحمدُ ، وأبو خَيثمةَ ، وشيوخٌ منْ أهلِ العلمِ ، فتذاكروا حديثَ عمرِو بنِ شعيبٍ فثبَّتوهُ . وذكروا أنَّهُ حجةٌ . ورُويَ عنْ أحمدَ ويحيى بنِ معينٍ ، وعليِّ بنِ المدينيِّ ، خلافُ ما نَقَلَهُ البخاريُّ عنهم ، مما يقتضي تضعيفَ روايتِهِ عن أبيهِ عن جدِّهِ ، وقالَ أحمدُ ابنُ سعيدٍ الدارميُّ : (( احتجَّ أصحابنا بحديثهِ )) ، قالَ ابنُ الصلاحِ(6): (( احتجَّ أكثرُ أهلِ الحديثِ بحديثهِ حملاً لمطلقِ الجدِّ على الصحابيِّ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو دونَ ابنِهِ محمدٍ والدِ شعيبٍ ، لما ظهرَ لهمْ منْ إطلاقِهِ ذلكَ )) .
والقولُ الثاني : تركُ الاحتجاجِ بها ، وهوَ قولُ أبي داودَ فيما رواهُ أبو عُبيدٍ الآجريُّ عنهُ قالَ : قيلَ لهُ عمرُو بنُ شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ حجةٌ عندكَ ؟ قالَ : لا ، ولا نصفَ حجَّةٍ ، وروى عباسٌ الدوريُّ عن يحيى بنِ معينٍ ، قالَ : (( روايتُهُ عن أبيهِ عن جدِّهِ كتابٌ )) فمنْ ههنا جاءَ ضعفهُ ، وقالَ ابنُ عديٍّ : (( إنَّ روايتهُ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ مرسلةٌ ؛ لأنَّ جدَّهُ محمداً لا صحبةَ لهُ )) . وقالَ ابنُ حبانَ في " الضعفاءِ " بعدَ ذكرِهِ لعمرٍو : إنَّهُ ثقةٌ إذا روى عنِ الثقاتِ غيرِ أبيهِ ، وإذا روى عن أبيهِ عن جدِّهِ ، فإنَّ شعيباً لَمْ يلقَ عبدَ اللهِ فيكونُ منقطعَاً ، وإنْ أرادَ جدَّهُ الأدنى محمداً ، فهوَ لا صحبةَ لهُ فيكونُ مرسلاً . قلتُ : قدْ صحَّ سماعُ شعيبٍ من عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو ، كما صرَّحَ بهِ البخاريُّ في " التاريخِ " وأحمدُ ، وكما رواهُ الدارقطنيُّ ، والبيهقيُّ في "السنن" بإسنادٍ صحيحٍ .
والقولُ الثالثُ : التفرقةُ بينَ أنْ يفصحَ بِجَدِّهِ أنَّهُ عبدُ اللهِ أو لا . وهوَ قولُ الدارقطنيُّ حيثُ قالَ : لعمرِو بنِ شعيبٍ ثلاثةُ أجدادٍ الأدنى منهم : محمدٌ ، والأوسطُ عبدُ اللهِ ، والأعلى عمرٌو. وقدْ سمعَ -يعني: شعيباً- من محمدٍ ، ومحمدٌ لمْ يدركِ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وسمعَ من جدهِ عبدِ اللهِ ، فإذا بيَّنهُ وكشفهُ فهوَ صحيحٌ حينئذٍ ، ولم يتركْ حديثهُ أحدٌ منَ الأئمةِ ، ولمْ يسمعْ من جدِّهِ عمرٌو )) . انتهى ، فإذا قالَ عن جدهِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو فهوَ صحيحٌ حينئذٍ ، وكذلكَ إذا قالَ عن جدهِ ، قالَ : سمعتُ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ونحوَ ذلكَ ممَّا يدلُّ على أنَّ مرادَهُ عبدُ اللهِ لا محمدٌ . وفي السننِ عِدَّةُ أحاديثَ كذلكَ .
والقولُ الرابعُ : التفرقةُ بينَ أنْ يستوعبَ ذكرَ آبائهِ بالروايةِ ، أو يقتصرَ على
أبيهِ عن جدِّهِ ، فإنْ صرَّحَ بهمْ كلِّهِم ، فهوَ حجةٌ ، وإلاَّ فلا ، وهوَ رأيُ أبي حاتمِ بنِ حبَّانَ البُستيِّ ، وروى في " صحيحهِ " لهُ حديثاً واحداً ، صحيح ابن حبان (485) أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ فِي مَجْلِسٍ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا ، قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : أَحْسَنُكُمْ أَخْلاَقًا..اهـ
قالَ الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ في كتابِ " الوَشِي المُعَلَّمِ " فيما قرأتُهُ عليهِ ببيتِ المقدسِ ما جاءَ فيهِ التصريحُ بروايةِ محمدٍ عن أبيهِ في السندِ ، فهوَ شاذٌّ نادرٌ ، قالَ: وذكرَ بعضُهم أنَّ محمداً ماتَ في حياةِ أبيهِ، وأنَّ أباهُ كَفَلَ شعيباً، وربَّاهُ ثمَّ قالَ شيخُنا: ولَمْ يذكرْ أحدٌ منَ المتقدمينَ محمداً في كتابِهِ ، ولا ترجمَ لهُ.
قلتُ : قدْ ترجمَ لهُ ابن يونسَ في " تاريخِ مصرَ "، وابنُ حبانَ في " الثقاتِ "، قالَ ابنُ يونسَ: روى عن أبيهِ، وروى عنهُ حكيمُ بنُ الحارثِ الفهميُّ في أخبارِ سعيدِ بنِ عفيرٍ، وابنهُ شعيبُ بنُ محمدٍ. والقولُ الأولُ أصحُّ.
قلت : الصواب القول الأول إذا كان الراوي عن عمرو ثقة
4- من فوائده:
أ) البحث لمعرفة اسم الأب أو الجَد إذا لم يُصَرَّحْ باسمه.
ب) بيان المراد من الجَدَّ ، هل هو جَدَّ الابن أو جد الأب .
5- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) رواية الأبناء عن آبائهم ، لأبي نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي .
ب) جزء من روى عن أبيه عن جده ، لابن أبي خَيْثَمَةَ .
ج) كتاب الوَشْيُ المعلم في من روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، للحافظ العلائي .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 70) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 28) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 436) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 150) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 35) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 563) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 232) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 399) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 68) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 159)
(2) - برقم ( 2216 )
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 232)
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 232)
(5) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 22 / ص 69) ووذكره البخاري في " الضعفاء الصغير " الترجمة 261، وقال الذهبي في " الميزان " بعد أن ساق للبخاري هذا القول في ترجمته: ومع هذا القول فما احتج به البخاري في جامعه (3 / الترجمة 6383).
وفي سير أعلام النبلاء (5/167) : وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَنِ البُخَارِيِّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ، وَعَلِيّاً، وَإِسْحَاقَ، وَأَبَا عُبَيْدٍ، وَعَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّوْنَ بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُم؟
قُلْتُ: أَسْتَبْعِدُ صُدُوْرَ هَذِهِ الأَلْفَاظِ مِنَ البُخَارِيِّ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ أَبُو عِيْسَى وَهِمَ. وَإِلاَّ فَالبُخَارِيُّ لاَ يُعَرِّجُ عَلَى عَمْرٍو، أَفَتَرَاهُ يَقُوْلُ: فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُم، ثُمَّ لاَ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْلاً وَلاَ مُتَابَعَةً؟
بَلَى، احْتَجَّ بِهِ: أَرْبَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْن حِبَّانَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَالحَاكِمُ.
وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ إِذَا شَاؤُوا، احْتَجُّوا بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَإِذَا شَاؤُوا، تَرَكُوْهُ.
قال بشار: لكن هذا القول ثابت عن البخاري في غير ما رواه الترمذي ويبقى الحق مع الامام الذهبي في استعجابه !
وقال في الميزان 3/268: " قد أجبنا عن روايته عن أبيه عن جده بأنها ليست بمرسلة ولا منقطعة، أما كونها وجادة أو بعضها سماع وبعضها وجادة، فهذا محل نظر، ولسنا نقول: إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح، بل هو من قبيل الحسن".
وفي تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 2 / ص 382)
وكان ثقةً صدوقاً، كثير العلم، حسن الحديث. قال يحيى بن معين: عمرو بن شعيب عندنا واهٍ. وقال معتمر بن سليمان، عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان قتادة، وعمرو بن شعيب، لا يغيب عليهما شيء، يأخذان عن كل أحدٍ، وكان ينزل الطائف. قال الأوزاعي: ما رأيت قرشياً أكمل من عمرو بن شعيب.
ووثقه يحيى بن معين، وابن راهويه، وصالح جزرة. وقال الترمذي قال البخاري: رأيت أحمد وابن المديني، وإسحاق، يحتجون بحديث عمرو ابن شعيب، فمن الناس بعدهم. وقال إسحاق بن راهويه :إذا كان الراوي عن عمرو ثقة، فهو كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر.
قال الدارقطني وغيره: قد ثبت سماع عمرو من أبيه، وسماع أبيه من جده عبد الله بن عمرو. وقال أبو زكريا النووي: الصحيح المختار الاحتجاج به. وقال صالح بن محمد: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه صحيفة ورثوها. وقال بعض العلماء: ينبغي أن تكون تلك الصحيفة أصح من كل شيءٍ، لأنها مما كتبه عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والكتابة أضبط من حفظ الرجال. وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أهل الحديث إذا شاؤوا احتجوا بعمرو بن شعيب، وإذا شاؤوا تركوه.
قلت: يعني يقولون: حديثه من صحيفة موروثة، فقد يخرجون هذا القول في معرض التضعيف. وقال أبو عبيد الآجري: سئل أبو داود عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده أحجة - قال: لا، ولا نصف حجة. قلت: لا أعلم لمن ضعفه مستنداً طائلاً أكثر من أن عن أبيه عن جده يحتمل أن يكون الضمير في قوله: عن جده، عائداً إلى جده الأقرب، وهو محمد، فيكون الخبر مرسلاً، ويحتمل أن يكون جده الأعلى، وهذا لا شيء، لأن في بعض الأوقات يأتي مبيناً، فيقول عن جده عبد الله بن عمرو، ثم إنا لا نعرف لأبيه شعيب، عن جده محمد رواية صريحة أصلاً، وأحسب محمداً مات في حياة عبد الله بن عمرو والده، وخلف ولده شعيباً، فنشأ في حجر جده، وأخذ عنه العلم، فأما أخذه عن جده عبد الله، فمتيقنٌ، وكذا أخذ ولده عمرو عنه فثابت. توفي بالطائف سنة ثماني عشرة ومائة . اهـ
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 70)(1/424)
المُدَبَجُ وروايةُ الأقْرانِ(1)
ـ 6 ـ
1- تعريفُ الأقْرانِ:
أ) لغة: الأقران جمع " قَرِين " بمعنى المَصَاحِب، كما في القاموس(2)
ب) اصطلاحاً: هم الرواة المتقاربون في السن والإسناد ، فيشتركون في أكثر مشايخهم ؛ وقيل إنَّ بعض العلماء اكتفى في إطلاق هذه التسمية بالتقارب في الإسناد .(3)
2- تعريفُ رواية الأقرانِ(4):
القرينانِ: مَنِ استويا في الإسنادِ والسِّنِّ غالباً، والمرادُ بالاستواءِ في ذلكَ على المقاربةِ، كما قالَ الحاكمُ : (( إنما القرينانِ إذا تقاربَ سنُّهما وإسنادهما )).
أن يروي أحد القرينين عن الآخر .
قالَ ابنُ الصلاحِ : (( وربما اكتفى الحاكمُ بالتقاربِ في الإسنادِ ، وإنْ لمْ يوجدِ التقاربُ في السنِّ )) .
مثل : رواية سليمان التَّيْمي عن مِسِعَر بن كِدَام ، فهما قرينان ، لكن لا نعلم لمِسْعَرٍ رواية عن التَّيْمي
3- تعريفُ المُدَبَّجِ(5):
أ) لغة: اسم مفعول من " التَّدْبِيْج " بمعنى التزيين والتدبيج مشتق من دِيْباجَتي الوجه أي الخدين ، وكأن المُدَبَّج سُميَ بذلك لتساوي الراوي والمروي عنه ، كما يتساوي الخُدّان .
ب) اصطلاحاً: إذا روى أحد قرينَين ولنفرضْه زيداً عن الآخر منهما ولنفرضه عمراً وُصفت تلك الرواية بأنها رواية أقران ؛ فإذا عاد الثاني وهو عمرو فروى رواية أخرى عن الأول وهو زيد(6)فهنا يقال : تدبَّج زيد مع عمرو؛ وهذا هو النوع المُدَبَّجُ .
وأول من سماه بذلك هو الإمام الدارقطني ، ولم يقيده بكونهما قرينين ، بل ظاهر كلامه أن كل اثنين روى كل واحد منهما عن الآخر يقال لهما : تدبج فلان مع فلان ؛ وإن كان أحدهما أكبر من صاحبه .(7)
4- روايةُ الأقران قسمان :
إنَّ روايةَ الأقرانِ تنقسمُ إلى قسمينِ :
أحدُهما : ما يسمونهُ المُدَبَّجُ ، وذلكَ : أنْ يرويَ كلُّ واحدٍ منَ القرينينِ عن الآخرِ
ومثالُهُ في الصحابةِ: روايةُ أبي هريرةَ عنْ عائشةَ، وروايةُ عائشةَ عنهُ، كما في صحيح مسلم برقم (1118 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ».
وفي التابعينَ : روايةُ الزهريِّ عن أبي الزبيرِ ، وروايةُ أبي الزبيرِ عنهُ ، كما في مسند البزار(230) عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : أَخْرِجُوا الْيَهُودَ " ( وهو صحيح)
وفي جُزْءُ مَا رَوَاهُ الزُّبَيْرُ عَنْ غَيْرِ جَابِرٍ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ 36 حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِلْيَاسَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ السَّقَطِيُّ ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ ، وَالْحَرَمِ "
وكذلك رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز ، ورواية عمر بن عبد العزيز عن الزهري.
كما في سنن النسائى برقم (172 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ». ( وهو صحيح لكنه منسوخ )
وفي مُسْنَدُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِلْبَاغَنْدِيِّ 74 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ زُهَيْرٍ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا ، وَإِنَّ خُلُقَ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ "
وفي شعب الإيمان 7455 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ ، نا بَقِيَّةُ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ ، وَإِنَّ خُلُقَ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ " كَذَا رُوِيَ عَنْ بَقِيَّةَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى ، وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى ، عَنِ الزُّهْرِيِّ دُونَ ذِكْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيهِ ، أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ ، نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، فَذَكَرَهُ ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ ، نا عَلِيُّ بْنُ زُهَيْرٍ ( قلت : وأصل الحديث صحيح لغيره )
وفي أتباعِ التابعينَ : روايةُ مالكٍ عَنِ الأوزاعيِّ ، وروايةُ الأوزاعيِّ عنهُ،
كما في صحيح ابن حبان( 547) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى : يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا رَوَى مَالِكٌ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ إِلاَّ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَرَوَى الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.
كما في مسند أبي عوانة( 5229 ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو هُبَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالا: حَدَّثَنَا سَلامَةُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ السِّمْطِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ "
وفي كتاب مَا رَوَاهُ الْأَكَابِرُ عَنْ مَالِكٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ 18 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَنَسٍ الْقَرْبِيطِيُّ ، ثنا أَبُو هُبَيْرَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، ثنا أَبُو كُلْثُمٍ سَلَامَةُ بْنُ بِشْرٍ ، ثنا يَزِيدُ بْنُ السِّمْطِ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ مَالِكٍ يَعْنِي ابْنَ أَنَسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ " (صحيح)
وفي طَبَقَاتُ الْمُحَدِّثِينَ بِأَصْبَهَانَ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ 1184 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ , ثنا الْفَضْلُ , قَالَ : مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ : أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ فَقَالَ : " أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ مِنْ هَا هُنَا حَيْثُ تَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " ( صحيح)
وفي أتباعِ الأتباعِ: روايةُ أحمدَ عنْ عليِّ بنِ المدينيِّ ، وروايةُ ابنِ المدينيِّ عنهُ. وتمثيلُ الحاكمِ هذا بأحمدَ وعبدِ الرزاقِ ليسَ بجيدٍ .
كما في مسند أحمد(15262) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ رُبَيِّعَةَ السُّلَمِىُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا جَابِرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ لَهُ تَمَنَّ عَلَىَّ. فَقَالَ ُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى.فَقَالَ ِنِّى قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ ». ( حسن)
وكما في سنن الترمذى( 556 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ هُوَ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى أَنْ يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ عَجَّلَ الْعَصْرَ إِلَى الظُّهْرِ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلاَّهَا مَعَ الْمَغْرِبِ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَالصَّحِيحُ عَنْ أُسَامَةَ. وَرَوَى عَلِىُّ بْنُ الْمَدِينِىِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ قُتَيْبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ.
557 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمَدِينِىِّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِى حَدِيثَ مُعَاذٍ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ غَيْرَهُ. وَحَدِيثُ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثُ مُعَاذٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. رَوَاهُ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ الْمَكِّىِّ. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِىُّ.
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقُولاَنِ لاَ بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِى السَّفَرِ فِى وَقْتِ إِحْدَاهُمَا.
قلت : ونصها كما في سير أعلام النبلاء(13/457) حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَة، حَدَّثَنَا اللَّيْث، عَنْ يَزِيْد بن أَبِي حَبِيْب، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ فِي غَزْوَة تَبُوْك، فَكَانَ يُؤخّر الظّهر حَتَّى يدخل وَقت العصر، فيجمع بينهُمَا.
والقسمُ الثاني من روايةِ الأقرانِ : ما ليسَ بمدبجٍ ، وهو أنْ يرويَ أحدُ القرينينِ عنِ الآخرِ ، ولا يروي الآخرُ عنهُ فيما يعلمُ .
ومثالهُ روايةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عنْ مِسْعَرٍ ،. كما في معرفة علوم الحديث 457 حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّفَّارِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مِسْعَرٍ , عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ فِي شَأْنِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ، اللَّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنِّي ، اللَّهُمَّ اعْفُ عَنِّي ، فَإِنَّكَ عَفُوٌّ غَفُورٌ " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : أَخْبَرَنِي عَمِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ "(8)قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مِسْعَرٌ ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، قَرِينَانِ إِلَّا أَنِّي لَا أَحْفَظُ لِمَسْعَرٍ عَنْهُ رِوَايَةً .
قال القاري(9): " على أن غيره توقف في كون التيمي من أقران مِسْعر، بل هو أكبر منه كما صرح به المُزَني وغيره. نعم روى كلٌ من الثوري ومالك بن مِغْول عن مِسْعَر وهم أقران."
وقال العراقي(10): " فالمثال الذي مثل به لا يصح لأن مسعرا روى أيضا عن التيمي كما ذكره الدارقطني في كتابه المدبج ثم روى عن رواية الحكم بن مروان ثنا مسعر عن أبي المعتمر وهو سليمان التيمي عن امرأة يقال لها أم خداش قالت: رأيت علي بن أبي طالب " رَأَيْتُ عَلِيًّا يَصْطَبِغُ بَخَلِّ خَمْرٍ" ، وهذا المثال: أحد أمثلة أربعة مثل بها الحاكم لغير المدبج. "
قلت : ولم أجد رواية الدارقطني هذه في كتب السنة ، والذي وجدته في طبقات ابن سعد 10489 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أُمِّ خِدَاشٍ ، قَالَتْ : " رَأَيْتُ عَلِيًّا يَصْطَبِغُ بَخَلِّ خَمْرٍ "(11)
وفي معرفة علوم الحديث 458 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ , عَنْ زَائِدَةَ , عَنْ زُهَيْرٍ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا"(12)قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَرِينَانِ إِلَّا أَنِّي لَا أَحْفَظُ لِزُهَيْرٍ عَنْهُ رِوَايَةً "
وفي معرفة علوم الحديث 459 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ(13)" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ ، وَإِنْ كَانَ أَسْنَدَ وَأَقْدَمَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، فَإِنَّهُمَا فِي أَكْثَرِ الْأَسَانِيدِ قَرِينَانِ ، وَلَا أَحْفَظُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ رِوَايَةً.
قلت : وفي كلامه نظر ، فقد روى عنه إبراهيم وروايته عنه في صحيح مسلم ( 6679 ) - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِى وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ قَالَ بَلَى. فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ - قَالَ - اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِىَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّىَ ». وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.
وفي معرفة علوم الحديث 460 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى الْفَارِسِيُّ بِشِيرَازٍ ، وَكَانَ مِنَ الْمُعَمِّرِينَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ ، فَقَالَ : " طُبِعَ كَافِرًا(14)" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ ، وَرَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ قَرِينَانِ ، وَلَا أَحْفَظُ لِرَقَبَةَ عَنْهُ رِوَايَةً ، فَقَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِثَالًا لِمَعْرِفَةِ الْأَقْرَانِ وَأَنَّهُ غَيْرُ الْأَكَابِرِ عَلَى الْأَصَاغِرِ "
قال العراقي(15): " وفيه نظر أيضا فقد روى رقبة عن سليمان كما ذكره الدارقطني في كتاب المدبج ثم روى له من رواية أبي عوانة عن رقبة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " حَبَّذَا الْمُتَخَلِّلُونَ مِنْ أُمَّتِي " .
والحديث رواه الطبراني في المعجم الأوسط فجعله من رواية رقبة عن أنس من غير ذكر "سليمان التيمي".(16)
فلم يصح من هذه الأمثلة إلا الثاني فقط فأين الأمثال الكثيرة؟!
وقدْ يجتمعُ جماعةٌ منَ الأقرانِ في حديثٍ واحدٍ، كحديثٍ رواهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ عن أبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ، عن يحيى بنِ مَعِينٍ ، عن عليِّ بنِ المدينيِّ ، عن عبيدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ ، عنْ أبيهِ ، عن شعبةَ ، عن أبي بكرِ بنِ حفصٍ ، عن أبي سلمةَ ، عن عائشةَ قالتْ : (( كُنَّ أزواجُ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يأخذنَ من شعورِهِنَّ حتَّى يكونَ كالوفرةِ )) . وأحمدُ والأربعةُ فوقَهُ خمستُهم أقرانٌ ، كما قالَ الخطيبُ .
__________
(1) - معرفة علوم الحديث للحاكم - (ج 1 / ص 489) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 137) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 35) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 634) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 541) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 394) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 43) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 63) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 154) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 229)
(2) - جـ4 ـ ص 260 .
(3) - معجم لسان المحدثين - (ج 2 / ص 50)
(4) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 419) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 46) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 633)
(5) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 137)
(6) - أي على عكس الرواية الأولى، فصار الشيخ في تلك تلميذاً في هذه، والتلميذُ شيخاً.
(7) - معجم لسان المحدثين - (ج 2 / ص 88)
(8) - انظر الروايات في المسند الجامع - (ج 13 / ص 670) (10251) والحديث صحيح
(9) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 634)
(10) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 544)
(11) - قلت : ولا يصح هذا الخبر علي رضي الله عنه ، لأن أم خداش مجهولة ، لا تعرف
(12) - قلت : رواه مسلم (4750 ) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ - يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ - عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِىِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
(13) - قلت : ورد من طرق متعددة صحيحة
(14) - أخرجه مسلم ( 6937 )
(15) الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 545)
(16) - قلت : ولا يصح هذا السند ،وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصٍ الْأَنْصَارِيُّ ، لَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ . وأما الحديث فقد روي من طرق عديدة وهو حسن(1/425)
ومن أطرف الأمثلة ما ورد في معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي( 47 ) حدثني أحمد بن جشمرد ، حدثني حميد بن الربيع ، حدثني أحمد بن حنبل ، حدثني علي بن المديني ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثني معاذ بن معاذ ، حدثنا شعبة ، عن أبي بكر بن حفص ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : « كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن كأنه وفرة »(1)قال حميد : فلقيت عليا ، فقلت : حدثني أحمد عنك بكذا . قال : نعم ، كنا في جنازة معاذ ، وعبد الرحمن آخذ بيدي ، فقال : ألا أحدثك حديثا ما طر في أذنيك مثله ؟ حدثني صاحب السرير - يعني معاذا - بهذا
وفي مسند أبي عوانة ( 661 ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْذُهُنَّ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى يَكُونَ كَالْوَفْرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ حُمَيْدٍ الْخَزَّازِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ بِنَحْوِهِ.
وفي سير أعلام النبلاء (18/571) أَخْبَرَنِي أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ زكِي الحَافِظ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِق الأُمَوِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي التَّائِب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا السِّلَفِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ العِجْلِيُّ الحَافِظ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَهْدِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ العَبْدَوِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ مَطَر، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ الهِسِنْجَانِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ صَاحِبُ أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، حَدَّثَنَا عُبيدُ الله بنُ مُعَاذ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْص، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ أَزْوَاجُ رَسُوْل اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤُوْسِهِنَّ حَتَّى تَكُوْنَ كَالوَفْرَةِ.
5- من فوائده :
أ) ألا يظن الزيادة في الإسناد ، لأن الأصل أن يروي التلميذ عن شيخه ، فإذا روى عن قرينه ريما ظن من لم يدرس هذا النوع أن ذكر القرين المروي عنه زيادة من الناسخ .
ب) ألا يظن إبدال " عن " بـ " الواو ". أي ألا يتوهم السامع أو القارئ لهذا الإسناد أن أصل الرواية : حدثنا فلان و فلان ، فأخطأ فقال ، حدثنا فلان عن فلان.
6- أشهر المصنفات فيه :
أ) المدبج ، للدارقطني .
ب) رواية الأقران ، لأبي الشيخ الأصبهاني .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الوفرة : من الشعر ما كان إلى الأذنين ، ولا يجاوزهما(1/426)
السَّابقُ واللاحقُ(1)
ـ 7 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة: السابق اسم فاعل من " السَّبْق " بمعنى المتقدم، واللاحق اسم فاعل من " اللَّحَاق " بمعنى المتأخر، والمراد بذلك الراوي المتقدم موتاً، والراوي المتأخر موتاً.
ب) اصطلاحاً: أنْ يشتركَ راويانِ في الروايةِ عنْ شخصٍ واحدٍ ، وأحدُ الراوِيَيْنِ متقدِّمٌ ، والآخرُ متأخِّرٌ ، بحيثُ يكونُ بينَ وفاتيهما أمدٌ بعيدٌ .
2- أمثلة :
( كالجُعْفِيِّ والخَفَّافِ ) أيْ : كما تقدمتْ وفاةُ محمدِ بنِ إسماعيلَ الجعفيِّ البخاريِّ على وفاةِ أبي الحسينِ أحمدَ بنِ محمدٍ الخفافِ النيسابوريِّ ، بهذا المقدارِ ، وهوَ مائةٌ وسبعٌ وثلاثونَ سنةً. وقدِ اشتركا في الروايةِ عنْ أبي العباسِ محمدِ بنِ إسحاقَ السَّرَّاجِ، فروى عنهُ البخاريُّ في "تاريخهِ" وآخرُ مَنْ روى عنِ السَّرَّاجِ الخفَّافُ ، وتوفيَ البخاريُّ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ ومائتينِ ، وتوفيَ الخفافُ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ وثلاثمائةٍ .
ففي تاريخ بغداد [ ج1 - ص 248 ] برقم (73 ) محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله أبو العباس السراج مولى ثقيف وهو أخو إبراهيم وإسماعيل ابني إسحاق من أهل نيسابور سمع قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه والحسن بن عيسى الماسرجسي وعمرو بن زرارة ومحمد بن أبان البلخي ومحمد بن عمرو زنيجا ومحمد بن بكار بن الريان ومحمد بن حميد الرازي وهناد بن السرى ومحمد بن أبي عمرو العدني وخلقا كثيرا من أهل خراسان وبغداد والكوفة والبصرة والحجاز روى عنه محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وأبو حاتم الرازي وورد السراج بغداد قديما وحديثا وأقام بها دهرا طويلا ثم رجع إلى نيسابور واستقر بها إلى حين وفاته وكان قد حدث ببغداد شيئا يسيرا فسمع منه بها وروى عنه من أهلها أبو بكر بن أبي الدنيا ومحمد بن مخلد العطار ومحمد بن العباس بن نجيح وأبو عمرو بن السماك وحديثه عند الخراسانيين منتشر وكان من المكثرين الثقات الصادقين الأثبات عني بالحديث وصنف كتبا كثيرة وهي معروفة مشهورة..
وفي تاريخ البخاري مدقق - (ج 2 / ص 57) وقال أبو العباس يعني السراج حدثنا محمد أبو يحيى قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا همام عن إسحاق عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة وكان رفاعة ومالك أخوين من أهل بدر
قال العراقي(2): " ومن أمثلةِ ذلكَ في زمانِنَا : أنَّ الفخرَ بنَ البخاريِّ سمعَ منهُ الزكيُّ عبدُ العظيمِ المنذريُّ ، وروى عنهُ جماعةٌ موجودونَ بدمشقَ في هذهِ السنةِ ، وهي سنةُ إحدى وسبعينَ وسبعمائةٍ ، منهم: عمرُ بنُ الحسنِ بنِ مَزيدٍ المزيُّ ، ونجمُ الدينِ ابنُ النجمِ، وصلاحُ الدينِ إمامُ مدرسةِ الشيخِ أبي عمرَ، وقدْ توفيَ الزكيُّ عبدُ العظيمِ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ وستمائةٍ . "
قلت : ومن أمثلة ذلك أيضاً :
كما في سنن أبى داود (1041 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِى أَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ - يَعْنِى الْحَذَّاءَ - عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ.
وكما في مسند أبي عوانة (1523 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ.
وفي صحيح ابن حبان(2670) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عُمَرَ الْخَطَّابِيُّ بِالْبَصْرَةِ ، أَبُو سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوَابٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ تَفَرَّدَ بِهِ الأَنْصَارِيُّ ، مَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ ، عَنْ خَالِدٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَخَالِدٌ تِلْمِيذُهُ.(3)
ومحمد بن سيرين مات سنة ( 110 ) ، وبقي بعده شيخه في هذا الحديث خالد الحذاء إلى أن مات سنة ( 141 )، فكان ممن أدركه وحدث عنه : عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ومات سنة ( 204 ).
وفي مسند أحمد (23109) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخَفَّافُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ »(4).
فهذان روايان اتفقا في التحديث عن خالد الحذاء ، وبين وفاتيهما ( 94 ) سنة .
قلت : وقد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في السير كثيرا من هذه النكت ، حيث إنه بعدما يترجم للراوي يقول بعد أن يذكر من روى عنه وآخر من روى عنه كذا.
وهذه أمثلة من كتابه المذكور :
مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ مَوْلاَهُم (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ العَادلُ، نَائِبُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ لأَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ سَنَوَاتٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ كَثِيْراً، وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَه بِمُدَّةٍ - وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ القَدَّاحُ، وَسُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ البَصْرِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَرَوْحُ بنُ صَلاَحِ بنِ سيَابَةَ المَوْصِلِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَطَلْقُ بنُ السَّمْحِ، وَبَكْرُ بنُ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: القَاسِمُ بنُ هَانِئ بنِ نَافِعٍ العَدَوِيُّ الضَّرِيْرُ.
وَمَا ظَفِرَ الخَطِيْبُ فِي (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ)، بِغَيْرِ سَعْدِ بنِ يَزِيْدَ الفَرَّاءِ، شَيخٍ لِلْحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ، تُوُفِّيَ مَعَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.(5)
وقال في ترجمة زُهَيْر بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجِ بنِ الرُّحَيْلِ الجُعْفِيُّ (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، أَبُو خَيْثَمَةَ الجُعْفِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ، وَهُوَ أَخُو حُدَيْجٍ، وَالرُّحَيْلِ.
كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، صَاحِبَ حِفْظٍ وَإِتقَانٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَزَائِدَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالحَسَنُ الأَشْيَبُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ، وَخَلْقٌ، مِنْ آخِرِهِم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ - شَيْخُ أَبِي عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيِّ -.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ): آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ زُهَيْرٍ: عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَرَّانِيُّ، شَيْخٌ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.(6)
وقال في ترجمة : إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ (ع) ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ.الإِمَامُ، الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ): حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ -يَعْنِي: شَيْخَهُ- وَالحُسَيْنُ بنُ سَيَّارٍ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، مَاتَ ابْنُ سَيَّارٍ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.(7)
وفي ترجمة : مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مُرَّةَ، وَنُسِبَ إِلَى تَيْمٍ؛ لِنُزُولِهِ فِيْهِم هُوَ وَأَبُوْهُ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ، وَمَاتَ: بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَفِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ) لِلْخَطِيْبِ: أَنَّ مُعْتَمِراً رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ سِتٌّ وَتِسعُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.(8)
وفي ترجمة قُتَيْبَةُ أَبُو رَجَاءَ بنُ سَعِيْدِ بنِ جَمِيْلٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمْ (ع)
هُوَ: شَيْخُ الإِسْلاَمِ، المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الجَوَّالُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو رَجَاءَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ جَمِيْلِ بنِ طَرِيْفٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَلْخِيُّ، البَغْلاَنِيُّ ...
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الوَاعِظُ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُوْنَ عَاماً.
وَأَمَّا الخَطِيْبُ، فَقَالَ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَحِقِ): حَدَّثَ عَنْهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.(9)
وفي ترجمة : غَيْثُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ أَبُو الفَرَجِ الأَرْمَنَازِيُّ المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو الفَرَجِ الأَرْمَنَازِي، ثُمَّ الصُّوْرِيّ، خطيبُ صُوْر وَمُحَدِّثُهَا.
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَلِيَّ بن عُبَيْد اللهِ الهَاشِمِيّ، وَبِدِمَشْقَ أَبَا نَصْرٍ بن طَلاَّب، وَطَائِفَة، وَبِتِنِّيس مِنْ رَمَضَانَ بن عَلِيٍّ، وَبِمِصر، وَالثَّغْرِ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَسَوَّد(تَارِيخاً)لصُوْر، وَكَانَ ثِقَةً، حسنَ الخطّ.
رَوَى عَنْهُ:شَيْخُهُ؛الخَطِيْبُ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَذَلِكَ مِنْ نَمط(السَّابِق وَاللاَّحِق)، فَبَيْنَ الحَافِظَيْن فِي المَوْت مائَة سَنَةٍ وَثَمَانُ سِنِيْنَ.
مَاتَ غَيْثٌ: بِدِمَشْقَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.(10)
وقال في ترجمة : السِّلَفِيُّ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ ،هُوَ: الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، المُفْتِي، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، شَرَف المُعَمِّرِيْنَ، أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيّ، الجَرْوَانِيّ.
آخرهُم مَوْتاً: رَاوِي المُسَلْسَلِ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ السَّفَاقُسِيّ.
فَبين ابْن طَاهِر وَبَيْنَ السَّفَاقُسِيّ فِي الوَفَاة مائَة وَسَبْع وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً، وَذَا مَا لَمْ يَتّفق مِثْلُه لأَحدٍ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ).(11)
والمقصود هنا أن تتفطن لورود مثل هذه الصورة ولا تستبعد وقوع مثل هذا الفارق في الزمن بين تلميذين لراو معين ، أحدهما في واقع الأمر أعلى من طبقة الآخر بطبقتين ، والجميع من الثقات والأسانيد إليهم صحيحة .(12)
3- ما هو المرجع لمعرفة شيوخ الراوي وتلاميذه ؟
الطريق للوقوف على ذكر أسماء شيوخ الراوي أو تلاميذه هو الرجوع إلى الكتب الجوامع في تراجم الرجال .
ومن أكثرها عناية بذلك " تهذيب الكمال " للمزي ، فإنه يجتهد أن يستوعب شيوخ الراوي وتلاميذه ، ممن وقعت له رواية من أولئك الشيوخ والتلاميذ عند الأئمة الستة أو غيرهم ، إلا أن يكون الراوي روى عن الكثير جداً من الشيوخ مثل : ( أحمد بن حنبل ) ، أو روى عنه الكثير من التلاميذ كـ(أبي هريرة ) فلا يأتي على استيعابهم .
فهو علي التحقيق أنفعُ مرجع وأوثقه للتحقق من وقوع رواية المترجم عن شيخ ما ، أو رواية عنه من تلميذ ما .
ومثل هذا البحث لا يفيدك فيه مجرد الرجوع إلى المختصرات في رواة الحديث ، مثل كتاب " تقريب التهذيب " لابن حجر .
إذا كان إسنادك الذي تبحث عن رواته مخرجاً في الكتب الستة أو بعض مصنفات الأئمة الستة الأخرى التي جعلها المزي من شرطه في كتابه ، كـ" السنن الكبرى " للنسائي ، و " الأدب المفرد " للبخاري ، و " الشمائل " للترمذي ، وغيرها مما ذكره في مقدمة " التهذيب " ، فهذا الإسناد ستجد في ترجمة كل راوٍ من رواته ذكر جميع شيوخه في نفس تلك الكتب ، وجميع تلاميذه فيها كذلك ، فيفسر لك المزي اسم الشيخ أو التلميذ بما يزيل الشبهة عنه .
وقد رتب ذلك ترتيباً علمياً ، فبدأ في كل ترجمة بذكر الشيوخ ، فإذا ذكر التلاميذ ، مرتبين على حروف المعجم : الأسماء ، فالكنى ، فالنساء .
ويرمز بعد اسم الشيخ أو التلميذ برمز من روى له من الأئمة الستة .
نعم ؛ أنبهك إلى انضباط تلك الرموز غالباً لا دائماً .
ويزيد في أسماء الشيوخ والتلاميذ ما وقف عليه خارج الكتب التي على شرطه كذلك .
وهذا مثال بترجمة منه :
( محمد بن أبي حفصة ، واسمه ميسرة ، أبو سلمة البصري .
روى عن : علي بن زيد بن جُدعان ، وعمرو بن دينار ، وقتادة بن دعامة ، ومحمد بن زياد الجمحي ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( خ م مد س ) ، وأبي جمرة الضبعيِّ .
روى عنه : إبراهيم بن طهمان ( س ) ، وإسماعيل بن حمَّاد بن أبي حنيفة ، وحمَّاد بن زيد ( مد ) ، ورَوْحُ بن عبادة ( م ) ، وسعدان بن يحيى اللَّخمي ( خ ) ، وسفيان الثوري ، وعبد الله بن المبارك ( خ م ) ، ومعاذُ بن معاذٍ، وأبو إسحاق الفزاري ، وأبو إسماعيل المؤدبُ ، وأبو معاوية الضرير )(13).
تلاحظ كيف جاءت الأسماء مرتبة ، ولا يكاد منها اسم إلا ويقع مثله في الأسانيد بعلامة تنبىء عن أمره بوضوح ، فيأتيك في الأسانيد : ابن جدعان ، وعمرو ، وقتادة ، وابن شهاب ، أو الزهري ، وأبو جمرة ، وهكذا في التلاميذ ، فلو أنك نظرت في الإسناد فلم تجد فيه اسماً أيسر للوقوف عليه من ( محمد بن أبي حفصة ) وعدت إلى ترجمته هذه لكفتك كثيراً من الجهد للتعرف على شيخه وتلميذه.
ومن فائدة معرفة الشيوخ والتلاميذ كشف ما يقع من الغلط والتصحيف في أسماء الرواة ، فعندك ههنا في شيوخ ( ابن أبي حفصة ) : ( أبو جمرة الضبعيُّ ) ، ويأتي في بعض الأسانيد غير منسوب ، ويتصحف إلى ( أبي حمزة ) بالحاء المهملة أوله والزاي ، فيشتبه مع بعض من هو في طبقته ممن يكنى بهذا ويأتي مهملاً من النسبة ، فحين ترى في شيوخ الراوي : ( روى عن أبي جمرة الضبعي ) فإنه لا يبقى مجال للشك مع هذا التمييز .
ورأيت في الترجمة الرمز واقعاً بعد أسماء بعض الشيوخ والتلاميذ ، لا بعد جميعها ، فأما الشيوخ فلم يقع في الكتب الستة وما يتبعها على شرط " تهذيب الكمال " لابن أبي حفصة عنهم رواية إلا عن الزهري فقط ، فله سبعة مواضع في الكتب المشار إليها ، موضعان عند البخاري في " صحيحه "( خ ) أحدهما من رواية عبد الله بن المبارك ، والثاني من رواية سعدان بن يحيى عن ابن أبي حفصة ، وعند مسلم في " صحيحه " ( م ) ثلاثة مواضع أحدهما من رواية ابن المبارك واثنان من رواية رَوْح بن عبادة عن ابن أبي حفصة ، ومواضع عند أبي داود السجستاني في كتاب " المراسيل " ( مد ) من رواية حماد بن زيد عن ابن أبي حفصة(14)، ومواضع عند النسائي في " السنن الكبرى "( س ) من رواية إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي حفصة(15)، وهو كل ماله عندهم من الأسانيد .
وجميع من بقي من شيوخه وتلاميذه تجد الرواية عنهم في غير الكتب الستة وتوابعها من كتب الأئمة الستة ، لكن استحضر أن الأمر في مثلهم أن المزي لم يقصد استيعابهم كما قصد إلى استيعاب رواة ما كان من الكتب على شرطه .
ولا تجد كـ" تهذيب الكمال " كتاباً ينفعك في هذا ، إلا ما صار إليه الناس اليوم من جمع المعلومات عن طريق أجهزة الحاسب الآلي وهو أهم تطور علمي في عصرنا على الاطلاق، وعمل الدراسات في تمييز الرواة ، فإنهم إذا أتقنوها وأحسنوها فقد كفوا هما عظيماً .
ويبقى تمييز الشيوخ والتلاميذ للراوي الذي لم يترجم في " تهذيب الكمال " عن طريق الجوامع التي ألفت في تراجم الرواة ، والتي أهمها : " تاريخ " البخاري و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم ، ومن جرى على الترجمة على طريقتهما من الكتب اللاحقة ، ككتب الثقات والضعفاء ، أو كتب تراجم لمؤلفات مخصوصة كـ" تعجيل المنفعة " لابن حجر ، أو غير ذلك .
4- من فوائده :
أ)- تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب .
ب)- دفع ظن الغلط في تلاميذ الراوي ، فإنك ربما تسأل : كيف اتفق فلان وفلان في الرواية عن ذلك الشيخ ، وبين وفاتيهما زمان بعيد
5-أشهر المصنفات فيه :
كتاب السابق واللاحق، للخطيب البغدادي. وذكر فيه أحاديث غير صحيحة في هذا الباب ، وراة متهمين .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 28) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 442) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 152) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 36) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 47) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 645) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 35) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 571) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 152) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 402) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 127) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 104) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 157)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 235)
(3) - وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 247) : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاَلتِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيق أَشْعَثَ بْن عَبْد اَلْمَلِك " عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ خَالِد اَلْحَذَّاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي اَلْمُهَلَّب عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن أَنَّ اَلنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ " قَالَ اَلتِّرْمِذِيّ : حَسَن غَرِيب ، وَقَالَ اَلْحَاكِم : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ اَلشَّيْخَيْنِ ، وَقَالَ ابْن حِبَّانَ : مَا رَوَى اِبْنُ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ غَيْر هَذَا اَلْحَدِيثِ اِنْتَهَى . وَهُوَ مِنْ رِوَايَة اَلْأَكَابِرِ عَنْ اَلْأَصَاغِر . وَضَعَّفَهُ اَلْبَيْهَقِيّ وَابْن عَبْد اَلْبَرّ وَغَيْرهمَا وَوَهَّمُوا رِوَايَة أَشْعَث لِمُخَالَفَتِهِ غَيْره مِنْ اَلْحُفَّاظِ عَنْ اِبْنِ سِيرِينَ ، فَإِنَّ اَلْمَحْفُوظَ عَنْ اِبْنِ سِيرِينَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْر اَلتَّشَهُّد . وَرَوَى اَلسَّرَّاج مِنْ طَرِيق سَلَمَة بْن عَلْقَمَة أَيْضًا فِي هَذِهِ اَلْقِصَّةِ " قُلْت لِابْنِ سِيرِينَ : فَالتَّشَهُّد ؟ قَالَ : لَمْ أَسْمَعْ فِي اَلتَّشَهُّدِ شَيْئًا " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب تَشْبِيك اَلْأَصَابِعِ " مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ عَوْنٍ عَنْ اِبْنِ سِيرِينَ قَالَ : " نُبِّئْت أَنَّ عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ : ثُمَّ سَلَّمَ " وَكَذَا اَلْمَحْفُوظ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْر اَلتَّشَهُّد كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم ، فَصَارَتْ زِيَادَة أَشْعَث شَاذَّة ، وَلِهَذَا قَالَ اِبْن اَلْمُنْذِر : لَا أَحْسَبُ اَلتَّشَهُّد فِي سُجُودِ اَلسَّهْوِ يَثْبُتُ . لَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي اَلتَّشَهُّدِ فِي سُجُودِ اَلسَّهْوِ عَنْ اِبْن مَسْعُود عِنْد أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ ، وَعَنْ اَلْمُغِيرَةِ عِنْد اَلْبَيْهَقِيّ وَفِي إِسْنَادِهِمَا ضَعْف ، فَقَدْ يُقَالُ إِنَّ اَلْأَحَادِيثَ اَلثَّلَاثَةَ فِي اَلتَّشَهُّدِ بِاجْتِمَاعِهَا تَرْتَقِي إِلَى دَرَجَةِ اَلْحَسَنِ ، قَالَ اَلْعَلَائِيّ : وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود مِنْ قَوْلِهِ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة . اهـ
(4) - صحيح - الخرفة : أى اجتناء ثمر الجنة
(5) - سير أعلام النبلاء (7/412) 153
(6) - السير . (8/181-182)26
(7) - سير أعلام النبلاء(8/307)81
(8) - سير أعلام النبلاء(8/478) 123
(9) - سير أعلام النبلاء (11/19) 8
(10) - سير أعلام النبلاء (19/389)
(11) - سير أعلام النبلاء (21/6) 1
(12) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 59)
(13) - تهذيب الكمال ( 25 / 85 -86 ) .
(14) - المراسيل ( رقم : 123 ) .
(15) - السنن الكبرى ( رقم : 5787 ) ووقع فيه نسبة ( ابن أبي حفصة ) إلى اسم أبيه ( محمد بن ميسرة )(1/427)
الفصلُ الثاني
معرفة الرواة
1- معرفة الصحابة
2- معرفة التابعين.
3- معرفة الأخوة والأخوات
4- المتفق والمفترق .
5- المؤتلف والمختلف.
6- المتشابه.
7- المهمل.
8- معرفة المبهمات.
9- معرفة الوُحدان .
10- معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة.
11- معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب .
12- معرفة أسماء من اشتهروا بكناهم .
13- معرفة الألقاب.
14- معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم .
15- معرفة النسب التي علي خلاف ظاهرها.
16- معرفة تواريخ الرواة.
17- معرفة من خلط من الثقات .
18- معرفة طبقات العلماء والرواة.
19- معرفة الموالي من الرواة والعلماء .
20- معرفة الثقات والضعفاء من الرواة .
21- معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.
معرفة الصحابة رضي الله عنهم(1)
- 1 -
الصحابة رضوان الله عليهم هم خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نشر الدعوة وحمل أعبائها، ومن ثم لم يقع خلاف "بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوكد علم الخاصة، وأرفع علم الخبر، وبه ساد أهل السير(2)
1 - تعريف الصحابي:
أ ) لغة: الصحابة لغة مصدر بمعنى " الصحبة " ومنه " الصحابي " و " الصاحب ويجمع على أصحاب وصَحْب ، وكثر استعمال " الصحابة " بمعنى "الأصحاب" . وأصل الصحبة في اللغة يطلق على مجرد الصحبة، دون اشتراط استمرارها طويلا، وعلى ذلك درج المحدثون.
ب) اصطلاحاً: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلماً ومات على الإسلام ، ولو تخللت ذلك ردة على الأصح .
قال العراقي(3): " وقد اخْتُلِفَ في حدِّ الصحابيِّ مَنْ هو ؟ على أقوالٍ :
أحدُها : وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في حالِ إسلامهِ .
هكذا أطلقهُ كثيرٌ من أهلِ الحديثِ ومرادُهُم بذلكَ مَعَ زوالِ المانعِ منَ الرؤيةِ ، كالعمى ، وإلاَّ فمَنْ صحبَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ولم يرَهُ لعارضٍ بنظرهِ كابن أُمِّ مكتومٍ ونحوهِ معدودٌ في الصحابةِ بلا خلافٍ . قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ(4): مَنْ صحبَهُ سنةً ، أو شهراً ، أو يوماً ، أو ساعةً ، أو رآهُ؛ فهو من الصحابةِ . وقالَ البخاريُّ في صحيحهِ(5): مَنْ صَحِبَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، أو رآهُ من المسلمينَ فهوَ من أصحابهِ .
وفي دخولِ الأعمى الذي جاءَ إلى النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مسلماً ، ولم يصحبْهُ ، ولم يجالسْهُ ؛ في عبارةِ البخاريِّ نظَرٌ .
فالعبارةُ السالمةُ مِنَ الاعتراضِ أنْ يقالَ : الصحابيُّ مَنْ لقيَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مسلماً ثمَّ ماتَ على الإسلامِ ؛ ليخرجَ مَنِ ارتدَّ وماتَ كافراً ، كابنِ خَطَلٍ ، وربيعةَ بنِ أميةَ ، ومِقْيَسِ بنِ صُبَابَةَ ، ونحوهم . وفي دخولِ مَنْ لقيهُ مسلماً ثمَّ ارتدَّ ثمَّ أسلمَ بعدَ وفاةِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الصحابة نظرٌ كبيرٌ ، فإنَّ الرِّدَّةَ مُحبِطةٌ للعملِ عندَ أبي حنيفةَ ، ونصَّ عليهِ الشافعيُّ في " الأمِّ " ، وإنْ كانَ الرافعيُّ قدْ حكى عنهُ : أنَّها إنَّما تُحْبَطُ بشرطِ اتصالها بالموتِ ، وحينئذٍ فالظاهرُ أنَّها محبطةٌ للصُّحْبَةِ المتقدمةِ ، كقُرَّةَ بنِ هُبَيْرةَ ، وكالأشعثِ بنِ قيسٍ .
قال تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة
وقال القرطبي في تفسيرها :
قَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّ مَنْ اِرْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْإِسْلَام لَمْ يَحْبَط عَمَله وَلَا حَجّه الَّذِي فَرَغَ مِنْهُ , بَلْ إِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّة فَحِينَئِذٍ تَحْبَط أَعْمَاله .
وَقَالَ مَالِك : تَحْبَط بِنَفْسِ الرِّدَّة , وَيَظْهَر الْخِلَاف فِي الْمُسْلِم إِذَا حَجَّ ثُمَّ اِرْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ , فَقَالَ مَالِك : يَلْزَمهُ الْحَجّ ; لِأَنَّ الْأَوَّل قَدْ حَبِطَ بِالرِّدَّةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا إِعَادَة عَلَيْهِ ; لِأَنَّ عَمَله بَاقٍ .
وَاسْتَظْهَرَ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ " [ الزُّمَر : 65 ] .
قَالُوا : وَهُوَ خِطَاب لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُرَاد أُمَّته ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام يَسْتَحِيل مِنْهُ الرِّدَّة شَرْعًا .
وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : بَلْ هُوَ خِطَاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى طَرِيق التَّغْلِيظ عَلَى الْأُمَّة , وَبَيَان أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَرَف مَنْزِلَته لَوْ أَشْرَكَ لَحَبِطَ عَمَله , فَكَيْف أَنْتُمْ ! لَكِنَّهُ لَا يُشْرِك لِفَضْلِ مَرْتَبَته , كَمَا قَالَ : " يَا نِسَاء النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ " [ الْأَحْزَاب : 30 ] وَذَلِكَ لِشَرَفِ مَنْزِلَتهنَّ , وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّر إِتْيَان مِنْهُنَّ صِيَانَة لِزَوْجِهِنَّ الْمُكَرَّم الْمُعَظَّم , اِبْن الْعَرَبِيّ .
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه الْمُوَافَاة شَرْطًا هَاهُنَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ عَلَيْهَا الْخُلُود فِي النَّار جَزَاء , فَمَنْ وَافَى عَلَى الْكُفْر خَلَّدَهُ اللَّه فِي النَّار بِهَذِهِ الْآيَة , وَمَنْ أَشْرَكَ حَبِطَ عَمَله بِالْآيَةِ الْأُخْرَى , فَهُمَا آيَتَانِ مُفِيدَتَانِ لِمَعْنَيَيْنِ , وَحُكْمَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ .
وَمَا خُوطِبَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ لِأُمَّتِهِ حَتَّى يَثْبُت اِخْتِصَاصه , وَمَا وَرَدَ فِي أَزْوَاجه فَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِيهِنَّ لِيُبَيِّن أَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ لَكَانَ هَتْكَانِ أَحَدهمَا لِحُرْمَةِ الدِّين , وَالثَّانِي لِحُرْمَةِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - , وَلِكُلِّ هَتْك حُرْمَة عِقَاب , وَيَنْزِل ذَلِكَ مَنْزِلَة مَنْ عَصَى فِي الشَّهْر الْحَرَام أَوْ فِي الْبَلَد الْحَرَام أَوْ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام , يُضَاعَف عَلَيْهِ الْعَذَاب بِعَدَدِ مَا هَتَكَ مِنْ الْحُرُمَات .وَاَللَّه أَعْلَم .
أما مَنْ رَجَعَ إلى الإسلامِ في حياتِهِ ،كعبدِ اللهِ بنِ أبي سَرْحٍ، فلا مانعَ من دخولِهِ في الصُّحبةِ بدخولهِ الثاني في الإسلامِ ، واللهُ أعلمُ .
والمرادُ برؤية النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، رؤيتُهُ في حالِ حياتِهِ ، وإلاَّ فلو رآهُ بعدَ موتِهِ قبلَ الدفنِ ، أو بعدهُ ، فليسَ بصحابيٍّ على المشهورِ ، بلْ إنْ كانَ عاصَرَهُ ففيهِ الخلافُ الآتي ذِكْرُهُ . وإنْ كانَ وُلِدَ بعدَ موتِهِ فليستْ لهُ صحبةٌ بلا خلافٍ .
واحترزتُ بقولي : ( مسلماً ) عمَّا لو رآهُ وهوَ كافرٌ ثم أسلمَ بعدَ وفاتِهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، فإنهُ ليسَ بصحابيٍّ على المشهورِ ، كرسولِ قيصرَ ، وقدْ خَرَّجَهُ أحمدُ في " المسندِ(6)" ، وكعبدِ اللهِ بنِ صَيَّادٍ ، إنْ لَمْ يكنْ هو الدَّجالُ. وقد عدَّهُ في الصحابةِ ، كذلكَ أبو بكرِ بنُ فتحونَ في ذيلِهِ على " الاستيعابِ ". وحُكيَ: أنَّ الطبريَّ، وغيرهُ ترجمَ بهِ هكذا.
وفي الإصابة 6614 - عبد الله بن صائد وهو الذي يقال له ابن صياد ذكره بن شاهين والباوردي وابن السكن وأبو موسى في الذيل ، قال ابن شاهين : كان أبوه من اليهود ولا يدري من أي قبيلة هو وهو الذي يقال أنه الدجال !!
ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعور مختونا ( قلت : (علي) وهذا لا يصح).
ومن ولده عمارة بن عبد الله بن صياد وكان من خيار المسلمين من أصحاب سعيد بن المسيب روى عنه مالك وغيره ،ولم يزد أبو موسى على هذا .
وأما بن السكن فقال في آخر العبادلة ذكر الدجال رأيت في كتاب بعض أصحابنا كأنه يعنى الباوردي في أسماء من ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ومنهم عبد الله بن صياد.
وأورد بن الأثير في ترجمته الذي في سنن الترمذى (2415 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ وَهُوَ غُلاَمٌ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ ». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ». ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا يَأْتِيكَ ». قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا ». وَخَبَأَ لَهُ (يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ». قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنْ يَكُ حَقًّا فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لاَ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ ». قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَعْنِى الدَّجَّالَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفي صحيح البخارى ( 3033 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ ، فَحُدِّثَ بِهِ فِى نَخْلٍ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّخْلَ ، طَفِقَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ ، وَابْنُ صَيَّادٍ فِى قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا صَافِ ، هَذَا مُحَمَّدٌ ، فَوَثَبَ ابْنُ صَيَّادٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ » .
وفي صحيح البخارى( 7355 )عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ قُلْتُ تَحْلِفُ بِاللَّهِ . قَالَ إِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - .
وفي صحيح مسلم( 7534 ) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ - قَالَ - فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ - قَالَ - وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِى. فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ - قَالَ - فَفَعَلَ - قَالَ - فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ. مَا بِى إِلاَّ أَنِّى أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ - أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلاً فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِىَ النَّاسُ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِىَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا خَفِىَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ كَافِرٌ ». وَأَنَا مُسْلِمٌ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ عَقِيمٌ لاَ يُولَدُ لَهُ ». وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِى بِالْمَدِينَةِ أَوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ ». وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ.
ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الآنَ. قَالَ قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ.
وفي مسند أحمد ( 12068) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ أَقْبَلْنَا فِى جَيْشٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ هَذَا الْمَشْرِقِ. قَالَ فَكَانَ فِى الْجَيْشِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَيَّادٍ وَكَانَ لاَ يُسَايِرُهُ أَحَدٌ وَلاَ يُرَافِقُهُ وَلاَ يُؤَاكِلُهُ وَلاَ يُشَارِبُهُ وَيُسَمُّونَهُ الدَّجَّالَ فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ نَازِلٌ فِى مَنْزِلٍ لِى إِذْ رَآنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَيَّادٍ جَالِساً فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا يَصْنَعُ النَّاسُ لاَ يُسَايِرُنِى أَحَدٌ وَلاَ يُرَافِقُنِى أَحَدٌ وَلاَ يُشَارِبُنِى أَحَدٌ وَلاَ يُؤَاكِلُنِى أَحَدٌ وَيَدْعُونِى الدَّجَّالَ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنْتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الدَّجَّالَ لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ ». وَإِنِّى وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ الدَّجَّالَ لاَ يُولَدُ لَهُ ». وَقَدْ وُلِدَ لِى فَوَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ مِمَّا يَصْنَعُ بِى هَؤُلاَءِ النَّاسُ أَنْ آخُذَ حَبْلاً فَأَخْلُوَ فَأَجْعَلَهُ فِى عُنُقِى فَأَخْتَنِقَ فَأَسْتَرِيحَ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّاسِ وَاللَّهِ مِا أَنَا بِالدَّجَّالِ وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَوْ شِئْتَ لأَخْبَرْتُكَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ أُمِّهِ وَاسْمِ الْقَرْيَةِ الَّتِى يَخْرُجُ مِنْهَا. (وهو صحيح)
وإن كان قوله سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرفع ولم يثبت أنه أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل في حد الصحابي.
وقد أمعنت القول في ذلك في كتاب الفتن من فتح الباري شرح البخاري
وفي صحيح مسلم( 7543 ) عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَقِىَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِى بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ قَوْلاً أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا فَقَالَتْ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا ».
وفي الجملة لا معنى لذكر ابن صياد في الصحابة ، لأنه إن كان الدجال فليس بصحابي قطعا لأنه يموت كافرا ، وإن كان غيره فهو حال لقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مسلما ، لكنه 'إن كان مات على الإسلام يكون كما قال ابن فتحون على شرط كتاب الاستيعاب اهـ مع تعديلات كثيرة
قلت : قطعاً ليس هو الدجال ، لأن الدجال لن المدينة ، وقد بين ذلك ابن صائد نفسه .
وقولهم : مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، هلْ المرادُ رآهُ في حالِ نبوَّتِهِ ، أو أعمُّ مِنْ ذلكَ ؟ حتَّى يدخلَ مَنْ رآهُ قبلَ النبوةِ ، وماتَ قبلَ النبوةِ على دينِ الحنيفية كزيدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ . فقد قالَ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) : " إنَّهُ يُبْعَثُ أمَّةً وحدَهُ ". وقد ذكرَهُ في الصحابةِ أبو عبدِ اللهِ بنُ منده .
ففي مسند البزار( 1331) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ مُرْدِفِي فِي يَوْمٍ حَارٍّ مِنْ أَيَّامِ مَكَّةَ ، وَمَعَنَا شَاةٌ قَدْ ذَبَحْنَاهَا وَأَصْلَحْنَاهَا ، فَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَةٍ ، فَلَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، فَحَيَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا زَيْدُ ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو ، مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ ، قَالَ : وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِ تِرَةٍ لِي فِيهِمْ ، وَلَكِنْ خَرَجْتُ أَطْلُبُ هَذَا الدِّينَ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَى أَحْبَارِ خَيْبَرَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ ، وَيُشْرِكُونَ بِهِ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَى أَحْبَارِ الشَّامِ ، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ إِلاَّ شَيْخٌ بِالْجَزِيرَةِ ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي ، قَالَ : إِنَّ جَمِيعَ مَنْ رَأَيْتَ فِي ضَلالٍ ، فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللهِ ، مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْقَرَظِ ، قَالَ : إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهْرَ بِبَلَدِكَ ، قَدْ بُعِثَ نَبِيُّ قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ ، فَلَمْ أُحِسُّ بِشَيْءٍ بَعْدُ يَا مُحَمَّدُ.
قَالَ : فَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْصَابِ ، قَالَ : مَا كُنْتُ لآكُلَ شَيْئًا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ وَتَفَرَّقَا قَالَ : زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ : فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ وَأَنَا مَعَهُ ، فَطَافَ بِهِ وَكَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ صَنَمَانِ ، أَحَدُهُمَا مِنْ نُحَاسِ ، يُقَالُ لأَحَدِهِمَا : يَسَافٌ ، وَلِلآخَرِ نَائِلَةٌ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهِمَا ، فَقَالَ : النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ تَمْسَحْهُمَا فَإِنَّهُمَا رِجْسٌ ، قَالَ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لأَمْسَحَنَّهُمَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَقُولُ : فَمَسَحْتُهُمَا ، فَقَالَ : يَا زَيْدُ أَلَمْ تُنْهَهُ ؟ قَالَ : وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. ( قلت : وهو حديث حسن)
وكذلكَ لو رآهُ قبلَ النبوَّةِ ثمَّ غابَ عنهُ ، وعاشَ إلى بعدِ زمنِ البعثةِ ، وأسلمَ ثمَّ ماتَ ، ولمْ يرهُ . ولمْ أرَ مَنْ تَعرَّضَ لذلكَ ، ويدلُّ على أنَّ المرادَ : مَنْ رآهُ بَعْدَ نبوَّتِهِ أنَّهم ترجموا في الصحابةِ لمنْ وُلِدَ للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) بعدَ النبوةِ ، كإبراهيمَ ، وعبد اللهِ ، ولم يترجموا لمنْ ولِدَ قبلَ النبوةِ وماتَ قبلها كالقاسمِ . وكذلكَ أيضاً ما المرادُ بقولهم : مَنْ رآهُ ؟ هلِ المرادُ رؤيتُهُ لهُ معَ تمييزهِ ، وعقلهِ ؟ حتى لا يدخلَ الأطفالُ الذينَ حَنَّكَهُمْ ولمْ يروهُ بعدَ التمييزِ ، ولا مَنْ رآهُ وهو لا يعقلُ ، أو المرادُ أعمُّ مِنْ ذلكَ ؟
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 64) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 24) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 330) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 103) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 36) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 485) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 63) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 204) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 381) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 136) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 49) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 106) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 426) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 116)
(2) - الاستيعاب في أسماء الأصحاب: 1: 8.
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 204)
(4) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (109)
(5) - صحيح البخارى 1 - باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . ( 29 ) وَمَنْ صَحِبَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ .
(6) - مسند أحمد ( 17148و17149) وحديثه حسن(1/428)
ويدلُّ على اعتبارِ التمييزِ معَ الرؤيةِ ما قالَهُ شيخُنا الحافظُ أبو سعيدٍ بنُ العلائي في كتابِ " المراسيل " في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ : حنَّكهُ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ودعا لهُ(1). ولا صحبةَ لهُ بلْ ولا رؤيةَ أيضاً ، وحديثهُ مرسلٌ قطعاً .
قلت : وفي التقريب 3265 - عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي أبو محمد المدني أمير البصرة له رؤية ولأبيه وجده صحبة قال بن عبد البر أجمعوا على ثقته مات سنة تسع وسبعين ويقال سنة أربع وثمانين ع
وكذلكَ قالَ في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ الأنصاريِّ(2): حنَّكهُ ودعا لهُ ، ولا تُعرفُ لهُ رؤيةٌ ، بلْ هوَ تابِعيُّ وحديثُهُ مرسلٌ .(3)
والقول الثاني : أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ .
حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ ، عنِ الأصوليينَ ، وقالَ : إنَّ اسمَ الصحابيِّ يقعُ على ذلكَ مِنْ حيثُ اللغةُ والظاهرُ ، قال : وأصحابُ الحديثِ يطلِقونَ اسمَ الصحبةِ على كلِّ مَنْ روى عنهُ حديثاً ، أو كلمةً ، ويتوسَّعُونَ حتَّى يَعدُّونَ مَنْ رآهُ رؤيةً مِنَ الصحابةِ ، قال : وهذا لِشَرَفِ منزلةِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، أَعطوا كلَّ مَنْ رآهُ حكمَ الصحبةِ .
هكذا حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ عن الأصوليينَ، وهوَ قولٌ لبعضهمْ ، حكاهُ الآمديُّ وابنُ الحاجبِ ، وغيرُهما . وبه جزمَ ابنُ الصبَّاغِ في " العدَّةِ " فقالَ : الصحابيُّ هوَ الذي لقِيَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وأقامَ عندَهُ ، واتَّبَعَهُ ، فأمَّا مَنْ وَفِدَ عليهِ وانصرفَ عنهُ منْ غيرِ مصاحبةٍ ، ومتابعةٍ ، فلا ينصرفُ إليهِ هذا الاسمُ . وقالَ القاضي أبو بكرِ بنُ الطيبِ الباقلانيُّ : لا خلافَ بينَ أهلِ اللغةِ أنَّ الصحابيَّ مشتقٌ منَ الصحبةِ ، وأنَّهُ ليسَ بمشتقٍ مِن قدرٍ منها مخصوصٍ ، بلْ هوَ جارٍ على كلِّ مَنْ صَحِبَ غيرَهُ قليلاً كانَ ، أو كثيراً ، يقالُ : صحِبْتُ فلاناً حولاً ودهراً وسنةً وشهراً ويوماً وساعةً ، قالَ : وذلكَ يوجبُ في حكمِ اللغةِ إجراءها على مَنْ صحِبَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ساعةً مِن نهارٍ . هذا هوَ الأصلُ في اشتقاقِ الاسمِ . ومعَ ذلكَ فقد تقررَ للأئمةِ عرفٌ في أنَّهُمْ لا يستعملونَ هذهِ التسميةَ إلاَّ فيمَنْ كَثُرَتْ صحبتُهُ ، واتَّصَلَ لقاؤُهُ . ولا يُجْرُونَ ذلكَ على مَنْ لقِيَ المرءَ ساعةً ،
ومشى معهُ خُطًى وسمعَ منهُ حديثاً . فوجبَ لذلكَ ألاَّ يجريَ هذا الاسمُ في عرفِ الاستعمالِ إلا على مَنْ هذهِ حالهُ .
وقالَ الآمديُّ : الأشبهُ أنَّ الصحابيَّ مَنْ رآهُ وحكاهُ عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ ، وأكثرِ أصحابنا ، واختارهُ ابنُ الحاجبِ أيضاً ؛ لأنَّ الصحبةَ تعمُّ القليلَ والكثيرَ ، نَعَم .. في كلامِ أبي زُرْعَةَ الرازيِّ ، وأبي داودَ ما يقتضي : أنَّ الصحبةَ أخصُّ منَ الرؤيةِ ، فإنهما قالا في طارقِ بنِ شهابٍ : لهُ رؤيةٌ ، وليستْ لهُ صحبةٌ(4). وكذلك ما رويناه عن عاصمٍ الأحولِ قال : قدْ رأى عبدُ اللهِ بنُ سَرْجِسَ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) غيرَ أنَّهُ لم تكنْ لهُ صحبةٌ(5)، ويدلُّ على ذلكَ أيضاً ما رواهُ محمدُ بنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " عن عليِّ بنِ محمدٍ عن شعبةَ ، عن موسى السيلانيِّ ، قال : أتيتُ أنسَ بنَ مالكٍ ، فقلتُ : أنتَ آخرُ مَنْ بقيَ من أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ؟ قالَ : قدْ بقيَ قومٌ مِنَ الأعرابِ ، فأمَّا مِنْ أصحابهِ فأنا آخرُ مَنْ بقيَ انتهى(6).
قال ابنُ الصلاحِ(7): إسنادُهُ جيِّدٌ حدَّثَ بهِ مسلمٌ بحضرةِ أبي زُرْعَةَ .
والجوابُ عن ذلكَ : أنَّهُ أرادَ إثباتَ صحبةٍ خاصةٍ ليستْ لتلكَ الأعرابِ، وكذا أرادَ أبو زُرْعَةَ وأبو داودَ نفيَ الصحبةِ الخاصةِ دونَ العامةِ .
وليسَ هو الثبتُ الذي عليهِ العملُ عندَ أهلِ الحديثِ والأصولِ .
والقولُ الثالثُ : وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو سنتينِ ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ .
قالَ ابنُ الصلاحِ(8): " وكأنَّ المرادَ بهذا إنْ صحَّ عنهُ راجعٌ إلى المحكيِّ عنِ الأصوليينَ ؛ ولكنْ في عبارتِهِ ضيقٌ يوجبُ ألاَّ يُعَدَّ مِنَ الصحابةِ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ البَجَليُّ ومَنْ شارَكَهُ في فَقْدِ ظاهرِ ما اشترَطَهُ فيهم ، ممَّنْ لا نعلمُ خلافاً في عدِّهِ من الصحابةِ ".
قلتُ : ولا يصحُّ هذا عن ابن المسيِّبِ . ففي الإسنادِ إليهِ محمدُ بنُ عمرَ الواقديُّ ضعيفٌ في الحديثِ .
والقولُ الرابعُ : أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ .
حكاهُ الآمديُّ عن عمرِو بنِ يحيى ، فقال(9): ذهبَ إلى أنَّ هذا الاسم إنَّما يسمى بهِ مَنْ طالتْ صحبتُهُ للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وأخذَ عنهُ العلمَ . وحكاهُ ابنُ الحاجبِ أيضاً قولاً ، ولم يعزهُ لعمرِو بنِ يحيى ؛ ولكنْ أبدلَ الروايةَ بالأخذِ عنهُ ، وبينهما فرقٌ .
وعمرٌو هذا الظاهِرُ أنَّهُ الجاحظُ ، فقدْ ذكرَ الشيخُ أبو إسحاقَ في "اللمع": أنّ أباهُ اسمُهُ يحيى ، وذلكَ وهمٌ ، وإنَّما هو عمرُو بنُ بحرٍ أبو عثمانَ الجاحظُ من أئمةِ المعتزلةِ ، قالَ فيهِ ثعلبٌ: إنَّهُ غيرُ ثقةٍ ، ولا مأمونٍ(10)،ولم أرَ هذا القولَ لغيرِ عمرٍو هذا. وكأنَّ ابنَ الحاجبِ أخذَ هذا القولَ مِن كلامِ الآمديِّ، ولذلكَ أسقطتُهُ منَ الخلافِ في حدِّ الصحابيِّ تبعاً لابنِ الصلاحِ .
والقولُ الخامسُ: أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً .
حكاهُ الواقديُّ عن أهلِ العلمِ فقالَ: رأيتُ أهلَ العلمِ يقولونَ : كلُّ مَنْ رأى رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وقدْ أدركَ الحلمَ ، فأسلمَ ، وعقلَ أمرَ الدينِ ورضيهُ فهوَ عندنا ممَّنْ صحبَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ولوْ ساعةً من نهارٍ ، انتهى . والتقييدُ بالبلوغِ شاذٌّ .
والقول السادس : أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو مسلمٌ ، وإنْ لم يرَهُ .
وهو قولُ يحيى بنِ عثمانَ بنِ صالحٍ المصريِّ فإنَّهُ قال : وممَّنْ دُفِنَ ، أي : بمصرَ من أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ممَّن أدركهُ ولمْ يسمعْ منهُ أبو تميمٍ الجيشانيُّ ، واسمهُ عبدُ اللهِ بنُ مالكٍ(11)انتهى.
وإنَّما هاجرَ أبو تميمٍ إلى المدينةِ في خلافَةِ عمرَ باتفاقِ أهلِ السِّيَرِ. وممَّنْ حكى هذا القولَ منَ الأصوليينَ القرافيُّ في " شرح التنقيح " وكذلكَ إن كانَ صغيراً محكوماً بإسلامهِ تبعاً لأحدِ أبويهِ ، وعلى هذا عملَ ابنُ عبدِ البرِّ في " الاستيعاب " وابنُ منده في " معرفةِ الصحابةِ " ، وقدْ بيَّنَ ابنُ عبدِ البرِّ في ترجمةِ الأحنفِ بنِ قيسٍ : أنَّ ذلكَ شرطُهُ .
وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في مقدمةِ كتابهِ : وبهذا كلِّهِ يستكملُ القَرْنُ الذي أشارَ إليهِ رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) على ما قالهُ عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى صاحبُ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ). يريدُ بذلِكَ تفسيرَ القَرْنِ .
قلتُ : وإنَّما هوَ قولُ زُرَارةَ بنِ أوفى من التابعينَ : القَرْنُ مائةٌ وعشرونَ سنةً ، وهكذا رواهُ هوَ قبلَ ذلكَ بأربعِ ورقاتٍ، كلُّ ذلكَ في مقدمةِ " الاستيعابِ ". وقد اختلفَ أهلُ اللغةِ في مُدَّةِ القَرْنِ ، فقالَ الجوهريُّ : هوَ ثمانونَ سنةً ، قالَ: ويقالُ ثلاثونَ . وحكى صاحبُ "المحكمِ" فيهِ ستةَ أقوالٍ : قيلَ : عشرُ سنينَ ، وقيلَ : عشرونَ ، وقيلَ : ثلاثونَ ، وقيلَ : ستونَ ، وقيلَ : سبعونَ ، وقيلَ : أربعونَ ، قالَ : وهوَ مقدارُ أهلِ التوسطِ في أعمارِ أهلِ الزمانِ ، فالقرنُ في كلِّ قومٍ على مقدارِ أعمارهم .
فعلى هذا يكونُ ما بينَ الستينَ والسبعينَ ، كما رواهُ الترمذيُّ (3896 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَعْمَارُ أُمَّتِى مَا بَيْنَ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. .
وأما ابتداءُ قرنِهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) فالظاهرُ أنَّهُ من حينِ البعثةِ ، أو من حينِ فُشُوِّ الإسلامِ . فعلى قولِ زرارةَ بنِ أوفى قد استوعبَ القرنُ جميعَ مَن رآهُ ، وقد روى ابنُ مَنْدَهْ في " الصحابةِ " من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ مرفوعاً : " القرنُ مائةُ سنةٍ " .
__________
(1) - انظر ترجمته في الإصابة (6173 )
(2) - وفي سير أعلام النبلاء (3/484) 105 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَلْحَةَ زَيْدِ بنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ ابْنِ الأَسْوَدِ بنِ حَرَامٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخُو أَنَسِ بنِ مَالِكٍ لأُمِّهِ.
وُلِدَ: فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَنَّكَهُ.وَهُوَ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ لَيْلَةَ مَاتَ وَلَدُهَا، فَكَتَمَتْ أَبَا طَلْحَةَ مَوْتَهُ، حَتَّى تَعَشَّى، وَتَصَنَّعَتْ لَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - حَتَّى أَتَاهَا، وَحَمَلَتْ بِهَذَا.فَأَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ غَادِياً عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ: (أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ بَارَكَ اللهُ لَكُم فِي لَيْلَتِكُم).وَيُقَالُ: ذَاكَ الصَّبِيُّ المَيِّتُ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ صَاحِبُ النُّغَيْرِ.فَنَشَأَ عَبْدُ اللهِ، وَقَرَأَ العِلْمَ، وَجَاءهُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ قَرَؤُوا القُرْآنَ، وَرَوَى أَكْثَرُهُم العِلْمَ، مِنْهُم: إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ - شَيْخُ مَالِكٍ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ هَذَانِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَسُلَيْمَانُ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُم.
وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ أَخِيْهِ؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.وَمَاتَ: قَبْلَ أَنَسٍ بِمُدَّةٍ لَيْسَتْ بِكَثِيْرَةٍ.رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.
(3) - انظر ترجمته في الإصابة (6183 )
" قلت " : أما عبد الله بن أبي طلحة فلما ولد ذهب به أخوه لأُمه أنس بن مالك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحنكه وبرك عليه، وسماه " عبد الله " ، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة، لمجرد الرؤيا ولقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد عند الشجرة وقت الإحرام بحجة الوداع، فلم يدرك من حياته - صلى الله عليه وسلم - إلا نحواً من مائة يوم ولم يذكروا أنه أحضر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه، فعبد الله ابن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر والله أعلم.الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 26)
(4) - وفي التقريب 3000 - طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي قال أبو داود رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ع
(5) - وفي التقريب 3345 - عبد الله بن سرجس بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة م 4
(6) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 3 / ص 376) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 10 / ص 190)
(7) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 64) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 484)
(8) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 64) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 484) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 52)
(9) - الإحكام في أصول الأحكام - (ج 1 / ص 336) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 167) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 3 / ص 24)
(10) - وفي سير أعلام النبلاء (11/527) فما بعدها - 149 - الجَاحِظُ أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ بَحْرٍ العَلاَّمَةُ، المُتَبَحِّرُ، ذُوْ الفُنُوْنَ، أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ بَحْرِ بنِ مَحْبُوْبٍ البَصْرِيُّ، المُعْتَزِلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. أَخَذَ عَنِ: النَّظَّامِ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي يُوْسُفَ القَاضِي، وثُمَامَةَ بنِ أَشْرَسَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو العَيْنَاءِ، وَيَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ - ابْنُ أُخْتِهِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ -.
قَالَ ثَعلَبُ: مَا هُوَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ يَمُوْتُ: كَانَ جَدُّهُ جَمَّالاً أَسْوَدَ.
وَعَنِ الجَاحِظِ: نَسِيْتُ كُنْيَتِي ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى عَرَّفَنِي أَهْلِي.
قُلْتُ: كَانَ مَاجِناً، قَلِيْلَ الدِّيْنِ، لَهُ نَوَادِرُ.
قَالَ المُبَرِّدُ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَنْتَ؟
قَالَ: كَيْفَ مَنْ نِصْفُه مَفْلُوجٌ، وَنِصْفُهُ الآخَرُ مُنَقْرَسٌ؟ لَوْ طَارَ عَلَيْه ذُبَابٌ لآلَمَهُ، وَالآفَةُ فِي هَذَا أَنِّي جُزتُ التِّسْعِيْنَ.
وَقِيْلَ: طَلَبَه المُتَوَكِّلُ، فَقَالَ: وَمَا يَصْنَعُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِشقٍّ مَائِلٍ، وَلُعَابٍ سَائِلٍ؟!!
قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ الصُّوْلِيُّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَتَصَانِيْفُه كَثِيْرَةٌ جِدّاً.
قِيْلَ: لَمْ يَقَعْ بِيَدِهِ كِتَابٌ قَطُّ إِلاَّ اسْتَوفَى قِرَاءتَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَكتَرِي دَكَاكِيْنَ الكُتْبِيِّيْنَ، وَيَبِيتُ فِيْهَا لِلْمُطَالَعَةِ، وَكَانَ بَاقِعَةً فِي قُوَّةِ الحِفْظِ. وَقِيْلَ: كَانَ الجَاحِظُ يَنُوْبُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ الصُّوْلِيِّ مُدَّةً فِي دِيْوَانِ الرَّسَائِلِ.
وَقَالَ فِي مَرَضِهِ لِلطَّبِيْبِ: اصْطَلَحَتِ الأَضْدَادُ عَلَى جَسَدِي، إِنْ أَكَلْتُ بَارِداً، أُخِذَ بِرِجْلِي، وَإِنْ أَكَلْتُ حَارّاً، أُخِذَ بِرَأْسِي.
وَمِنْ كَلاَمِ الجَاحِظِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ: المَنْفَعَةُ تُوْجِبُ المَحَبَّةَ، وَالمَضَرَّةُ تُوْجِبُ البِغْضَةَ، وَالمُضَادَّةُ عَدَاوَةٌ، وَالأَمَانَةُ طُمَأْنِيْنَةٌ، وَخِلاَفُ الهَوَى يُوْجِبُ الاسْتِثْقَالَ، وَمُتَابَعَتُهُ تُوْجِبُ الأُلْفَةَ.
العَدْلُ يُوْجِبُ اجْتِمَاعَ القُلُوْبِ، وَالجَوْرُ يُوْجِبُ الفُرْقَةَ.
حُسْنُ الخُلْقِ أُنْسٌ، وَالانْقِبَاضُ وَحْشَةٌ، التَّكَبُّرُ مَقْتٌ، وَالتَّوَاضُعُ مِقَةٌ، الجُوْدُ يُوْجِبُ الحَمْدَ، وَالبُخْلُ يُوْجِبُ الذَّمَّ، التَّوَانِي يُوْجِبُ الحَسْرَةَ، وَالحَزْمُ يُوْجِبُ السُّرُوْرَ، وَالتَّغْرِيْرُ نَدَامَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ إِفْرَاطٌ وَتَقْصِيْرٌ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نَتَائِجُهَا إِذَا أُقِيْمَتْ حُدُوْدُهَا.
فَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِي الجُوْدِ تَبْذِيْرٌ، وَالإِفْرَاطَ فِي التَّوَاضُعِ مَذَلَّةٌ، وَالإِفْرَاطَ فِي الغَدْرِ يَدْعُو إِلَى أَنْ لاَ تَثِقَ بِأَحَدٍ، وَالإِفْرَاطَ فِي المُؤَانَسَةِ يَجْلِبُ خُلَطَاءَ السُّوْءِ. وَلَهُ: وَمَا كَانَ حَقِّي - وَأَنَا وَاضِعٌ هَذَيْنِ الكِتَابَيْنِ فِي خَلْقِ القُرْآنِ، وَهُوَ المَعْنَى الَّذِي يُكَثِّرُهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ وَيَعِزُّهُ، وَفِي فَضْلِ مَا بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَعَبْدِ شَمْسٍ وَمَخْزُوْمٍ - إِلاَّ أَنْ أَقْعُدَ فَوْقَ السِّمَاكَينِ، بَلْ فَوْقَ العَيُّوقِ، أَوْ أَتَّجِرَ فِي الكِبْرِيْتِ الأَحْمَرِ، وَأَقُوْدَ العَنْقَاءَ بِزِمَامٍ إِلَى المَلِكِ الأَكْبَرِ.
وَلَهُ: كِتَابُ (الحَيَوَانِ) سَبْعُ مُجَلَدَاتٍ، وَأَضَافَ إِلَيْهِ كِتَابَ (النِّسَاءِ)، وَهُوَ فَرْقٌ مَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَكِتَابُ (البِغَالِ)، وَقَدْ أُضِيْفَ إِلَيْهِ كِتَابٌ، سَمَّوْهُ كِتَابُ (الجِمَالِ) لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ الجَاحِظِ، وَلاَ يُقَارِبُهُ.
قَالَ رَجُلٌ لِلْجَاحِظِ: أَلَكَ بِالبَصْرَةِ ضَيْعَةٌ؟
قَالَ: فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: إِنَّمَا إِنَاءٌ وَجَارِيَةٌ وَمَنْ يَخْدمُهَا، وَحِمَارٌ، وَخَادِمٌ، أَهدَيتُ كِتَابَ (الحَيَوَانِ) إِلَى ابْنِ الزَّيَّاتِ، فَأَعطَانِي أَلفَي دِيْنَارٍ، وَأَهدَيتُ إِلَى فُلاَنٍ...، فَذَكَرَ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ.
يَعْنِي: أَنَّهُ فِي خَيْرٍ وَثَروَةٍ.
قَالَ يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ: سَمِعْتُ خَالِي يَقُوْلُ: أَملَيْتُ عَلَى إِنْسَانٍ مَرَّةً: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، فَاسْتَمْلَى: أَخْبَرَنَا بِشْرٌ، وَكَتَبَ: أَخْبَرَنَا زَيْدٌ.
قُلْتُ: يَظْهَرُ مِنْ شَمَائِلِ الجَاحِظِ أَنَّهُ يَخْتَلِقُ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، قَالَ: أَنَا وَالجَاحِظُ وَضْعَنَا حَدِيْث فَدَكٍ، فَأَدخَلنَاهُ عَلَى الشُّيُوْخِ بِبَغْدَادَ، فَقَلَبُوهُ إِلاَّ ابْنَ شَيْبَةَ العَلَوِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لاَ يُشبِه آخِرُ هَذَا الحَدِيْث أَوَّلَه. ثُمَّ قَالَ الصَّفَّارُ: كَانَ أَبُو العَيْنَاءِ يُحَدِّثُ بِهَذَا بَعْدَ مَا تَابَ.
قِيْلِ لِلْجَاحِظِ: كَيْفَ حَالُكَ؟
قَالَ: يَتَكَلَّمُ الوَزِيْرُ بِرَأْيِي، وَصِلاَتُ الخَلِيْفَةِ مُتَوَاتِرَةٌ إِلَيَّ، وَآكُلُ مِنَ الطَّيْرِ أَسْمَنَهَا، وَأَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ أَلْيَنَهَا، وَأَنَا صَابِرٌ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِالفَرَجِ.
قِيْلَ: بَلِ الفَرَجُ مَا أَنْتَ فِيْهِ.
قَالَ: بَلْ أُحِبُّ أَنْ أَلِيَ الخِلاَفَةَ، وَيَخْتَلِفَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ -يَعْنِي: الوَزِيْر-.
وَهُوَ القَائِلُ:
سَقَامُ الحِرْصِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَدَاءُ الجَهْلِ لَيْسَ لَهُ طَبِيْبُ
وَقَالَ: أَهدَيتُ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ كِتَابَ (الحَيَوَانِ)، فَأَعطَانِي خَمْسَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
وَأَهْدَيْتُ كِتَابَ (البَيَان وَالتبيين) إِلَى أَحْمَدَ بن أَبِي دُوَادَ، فَأَعطَانِي كَذَلِكَ.
وَأَهْدَيْتُ كِتَابَ (الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ) إِلَى إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْلِيِّ، فَأَعطَانِي مِثْلَهَا، فَرَجَعتُ إِلَى البَصْرَةِ، وَمَعِيَ ضَيعَةٌ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَحدِيْدٍ، وَلاَ إِلَى تَسمِيدٍ. (11/530)
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ حَدِيْثاً وَاحِداً.
وَتَصَانِيْفُ الجَاحِظِ كَثِيْرَةٌ جِدّاً: مِنْهَا (الرَّدُّ عَلَى أَصْحَابِ الإِلهَامِ)، وَ(الرَّدُّ علَى المُشَبِّهَةِ)، وَ(الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى)، (الطُّفَيْلِيَّةُ)، (فَضَائِلُ التُّرْكِ)، (الرَّدُّ عَلَى اليَهُوْدِ)، (الوَعِيْدُ)، (الحُجَّةُ وَالنُّبُوَّةُ)، (المُعَلِّمِيْنَ)، (البُلْدَانُ)، (حَانُوْتُ عَطَّارٍ)، (ذَمُّ الزَّنَى)، وَأَشْيَاءُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ أَحْمَدَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ الطُّيُوْرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْرِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ بِصُوْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَتَيتُ الجَاحِظَ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَاطَّلَعَ عَلَيَّ مِنْ كُوَّةٍ فِي دَارِه، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
فَقَالَ: أَوَ مَا عَلِمتَ أَنِّي لاَ أَقُوْلُ بِالحَشْوِيَّةِ؟
فَقُلْتُ: إِنِّي ابْنُ أَبِي دَاوُدَ.
فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ وَبِأَبِيكَ، ادْخُلْ.
فَلَمَّا دَخَلْتُ، قَالَ لِي: مَا تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: تُحَدِّثَنِي بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ.
فَقَالَ: اكتُبْ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى طِنْفِسَةٍ.
فَقُلْتُ: زِدْنِي حَدِيْثاً آخَرَ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي دَاوُدَ أَنْ يَكذِبَ.
قُلْتُ: كَفَانَا الجَاحِظُ المَؤُونَةَ، فَمَا رَوَى مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ النَّزْرَ اليَسِيْرَ، وَلاَ هُوَ بِمُتَّهَمٍ فِي الحَدِيْثِ، بَلَى فِي النَّفْسِ مِنْ حِكَايَاتِهِ وَلَهْجَتِهِ، فَرُبَّمَا جَازَفَ، وَتَلَطُّخُهُ بِغَيْرِ بِدْعَةٍ أَمْرٌ وَاضِحٌ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ عَلاَّمَةٌ، صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَأَدَبٍ بَاهِرٍ، وَذَكَاءٍ بَيِّنٍ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -.
وانظر تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 4 / ص 431) ت 344
(11) - انظر الإصابة (9642 ) وفي الثقات للعجلي 2104 - أبو تميم الجيشاني مصرى تابعي ثقة(1/429)
وقال الحافظ ابن حجر(1): " وَالْقَرْن أَهْل زَمَان وَاحِد مُتَقَارِب اِشْتَرَكُوا فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور الْمَقْصُودَة ، وَيُقَال إِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِمَا إِذَا اِجْتَمَعُوا فِي زَمَن نَبِيّ أَوْ رَئِيس يَجْمَعهُمْ عَلَى مِلَّة أَوْ مَذْهَب أَوْ عَمَل ، وَيُطْلَق الْقَرْن عَلَى مُدَّة مِنْ الزَّمَان ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدهَا مِنْ عَشَرَة أَعْوَام إِلَى مِائَة وَعِشْرِينَ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالسَّبْعِينَ وَلَا بِمِائَةٍ وَعَشَرَة ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ قَائِل . وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيّ بَيْن الثَّلَاثِينَ وَالثَّمَانِينَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر عِنْد مُسْلِم مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقَرْن مِائَة وَهُوَ الْمَشْهُور ، وَقَالَ صَاحِب الْمَطَالِع : الْقَرْن أُمَّة هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَد ، وَثَبَتَتْ الْمِائَة فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر وَهِيَ مَا عِنْد أَكْثَر أَهْل الْعِرَاق ، وَلَمْ يَذْكُر صَاحِب " الْمُحْكَم " الْخَمْسِينَ وَذَكَرَ مِنْ عَشْر إِلَى سَبْعِينَ ثُمَّ قَالَ : هَذَا هُوَ الْقَدْر الْمُتَوَسِّط مِنْ أَعْمَار أَهْل كُلّ زَمَن ، وَهَذَا أَعْدَل الْأَقْوَال وَبِهِ صَرَّحَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَقَالَ : إِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ الْأَقْرَان ، وَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل عَلَيْهِ الْمُخْتَلَف مِنْ الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة مِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْقَرْن أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا ، أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ دُون ذَلِكَ فَلَا يَلْتَئِم عَلَى هَذَا الْقَوْل وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ
2- بم تعرف صحبة الصحابي ؟
تعرف الصحبة بما يلي :
إمَّا بالتواترِ ، كأبي بكرٍ ، وعمرَ ، وبقيةِ العشرةِ في خَلْقٍ منهم ،
وإمَّا بالاستفاضةِ والشهرةِ القاصرةِ عنِ التواترِ ، كعُكَاشَةَ بنِ مِحْصنٍ ، وضِمَامِ بنِ ثعلبةَ ، وغيرِهما .
وإمَّا بإخبارِ بعضِ الصحابةِ عنهُ أَنَّهُ صحابيٌّ ، كحُمَمَةَ بنِ أبي حُمَمَةَ الدَّوسِيِّ ، الذي ماتَ بأصبهانَ مبطوناً ، فشهدَ لهُ أبو موسى الأشعريُّ أنَّهُ سمِعَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وحكمَ لهُ بالشهادةِ ذكرَ ذلكَ أبو نُعَيْمٍ في "تاريخِ أصبهان"(2).
وروينا قصتَهُ في مسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ ، ومعجمِ الطبرانيِّ . على أنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ أبو موسى إنَّما أرادَ بذلكَ شهادةَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) لِمَنْ قتلهُ بطنُهُ وفي عمومِهِم حممةٌ ، لا أنَّهُ سمَّاهُ باسمِهِ ، واللهُ أعلمُ(3).
وإمَّا بإخبارهِ عنْ نفسهِ أَنَّهُ صحابيٌّ بعدَ ثُبوتِ عدالتِهِ قبلَ إخبارهِ بذلكَ . هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ تَبَعَاً للخطيبِ ، فإنهُ قالَ في " الكفايةِ "(4): وقد يُحكمُ بأنَّهُ صحابيٌّ إذا كانَ ثقةً أميناً مقبولَ القولِ ، إذا قالَ صحبتُ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وكَثُرَ لقائي لهُ، فيحكم بأنَّهُ صحابيٌّ في الظاهرِ ، لموضعِ عدالَتِهِ ، وقبولِ خبرِهِ ، وإنْ لمْ يقطعْ بذلكَ كمَا يعملُ بروايتِهِ . هكذا ذكرهُ في آخرِ كلامِ القاضي أبي بكرٍ، والظاهرُ أنَّ هذا كلامُ القاضي.
قلت : ولا بدَّ من تقييدِ ما أطلِقَ منْ ذلكَ بأنْ يكونَ ادِّعاؤهُ لذلكَ يقتضيهِ الظاهرُ . أما لو ادَّعاهُ بعدَ مضيِّ مائةِ سنةٍ من حينِ وفاتهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، فإنهُ لا يُقبلُ وإنْ كانتْ قدْ ثبَتَتْ عدالتُهُ قبلَ ذلكَ ، لقولهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الحديثِ الصحيحِ : « أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ »(5).، يريدُ انخرامَ ذلكَ القرنِ . قالَ: ذلكَ في سنةِ وفاتِهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهذا واضحٌ جليٌّ . وقد اشترطَ الأصوليونَ في قبولِ ذلكَ منهُ أن يكونَ قدْ عُرِفَتْ معاصرَتُهُ للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، قالَ الآمديُّ(6): فلوْ قالَ مَنْ عاصرَهُ أنا صحابيٌّ معَ إسلامهِ ، وعدالتِهِ ، فالظاهرُ صدقُهُ ، وحكاهما ابنُ الحاجبِ احتمالينِ من غيرِ ترجيحٍ ، قالَ : ويحتملُ أن لا يُصَدَّقَ لكونهِ متَّهماً بدعوى رتبةٍ يثبتها لنفسِهِ .(7)
3- عدالة الصحابة رضي الله عنهم
لقد اختص الله الصحابة رضي الله عنهم بخصيصة ليست لطبقة من الناس غير طبقتهم، وهي أنهم لا يسأل عن عدالة أحد منهم، فهم جميعهم عدول ثبتت عدالتهم بأقوى ما تثبت به عدالة أحد، فقد ثبتت بالكتاب، والسنة، وبالإجماع، والمعقول.
قال الخطيب في الكفاية(8):
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْدِيلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلصَّحَابَةِ , وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُمْ , وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَنْ دُونَهُمْ كُلُّ حَدِيثٍ اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , لَمْ يَلْزَمِ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رِجَالِهِ , وَيَجِبُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ , سِوَى الصَّحَابِيِّ الَّذِي رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , لِأَنَّ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ ثَابِتَةٌ مَعْلُومَةٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ لَهُمْ وَإِخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَتِهِمْ , وَاخْتِيَارِهِ لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (110) سورة آل عمران
قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها :
َقِيلَ : إِنَّمَا صَارَتْ أُمَّة مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - خَيْر أُمَّة لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَكْثَر , وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فِيهِمْ أَفْشَى .
فَقِيلَ : هَذَا لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ; كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : ( خَيْر النَّاس قَرْنِي ) أَيْ الَّذِينَ بُعِثْت فِيهِمْ .
بُعِثْت فِيهِمْ .
وَإِذَا ثَبَتَ بِنَصِّ التَّنْزِيل أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة خَيْر الْأُمَم ; فَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّة مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حَصِين عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : ( خَيْر النَّاس قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) .
الْحَدِيث وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة أَفْضَل مِمَّنْ بَعْدهمْ , وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُعْظَم الْعُلَمَاء , وَإِنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَآهُ وَلَوْ مَرَّة فِي عُمْره أَفْضَل مِمَّنْ يَأْتِي بَعْده , وَإِنَّ فَضِيلَة الصُّحْبَة لَا يَعْدِلهَا عَمَل .
وَذَهَبَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون فِيمَنْ يَأْتِي بَعْد الصَّحَابَة أَفْضَل مِمَّنْ كَانَ فِي جُمْلَة الصَّحَابَة , وَإِنَّ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( خَيْر النَّاس قَرْنِي ) لَيْسَ عَلَى عُمُومه بِدَلِيلِ مَا يَجْمَع الْقَرْن مِنْ الْفَاضِل وَالْمَفْضُول .
وَقَدْ جَمَعَ قَرْنه جَمَاعَة مِنْ الْمُنَافِقِينَ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِيمَانِ وَأَهْل الْكَبَائِر الَّذِينَ أَقَامَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَعْضهمْ الْحُدُود , وَقَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي السَّارِق وَالشَّارِب وَالزَّانِي .
وَقَالَ مُوَاجَهَة لِمَنْ هُوَ فِي قَرْنه : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ) .
وَقَالَ لِخَالِدِ بْن الْوَلِيد فِي عَمَّار : ( لَا تَسُبّ مَنْ هُوَ خَيْر مِنْك ) وَرَوَى أَبُو أُمَامَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : ( طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي وَطُوبَى سَبْع مَرَّات لِمَنْ لَمْ يَرَنِي وَآمَنَ بِي ) .
وَفِي مُسْنَد أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر .
قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ أَيّ الْخَلْق أَفْضَل إِيمَانًا ) قُلْنَا الْمَلَائِكَة .
قَالَ : ( وَحُقّ لَهُمْ بَلْ غَيْرهمْ ) قُلْنَا الْأَنْبِيَاء .
قَالَ : ( وَحُقّ لَهُمْ بَلْ غَيْرهمْ ) ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : ( أَفْضَل الْخَلْق إِيمَانًا قَوْم فِي أَصْلَاب الرِّجَال يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي يَجِدُونَ وَرَقًا فَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهَا فَهُمْ أَفْضَل الْخَلْق إِيمَانًا ) .
وَرَوَى صَالِح بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي جُمْعَة قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه , هَلْ أَحَد خَيْر مِنَّا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ قَوْم يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدكُمْ فَيَجِدُونَ كِتَابًا بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهِ وَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي ) .
وَقَالَ أَبُو عُمَر : وَأَبُو جُمْعَة لَهُ صُحْبَة وَاسْمه حَبِيب بْن سِبَاع , وَصَالِح بْن جُبَيْر مِنْ ثِقَات التَّابِعِينَ .
وَرَوَى أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ أَمَامكُمْ أَيَّامًا الصَّابِرُ فِيهَا عَلَى دِينه كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْر لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْر خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَل مِثْله عَمَله ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , مِنْهُمْ ؟ قَالَ : ( بَلْ مِنْكُمْ ) .
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذِهِ اللَّفْظَة " بَلْ مِنْكُمْ " قَدْ سَكَتَ عَنْهَا بَعْض الْمُحَدِّثِينَ فَلَمْ يَذْكُرهَا
وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي تَأْوِيل قَوْله : " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " قَالَ : مَنْ فَعَلَ مِثْل فِعْلكُمْ كَانَ مِثْلكُمْ .
وَلَا تَعَارُض بَيْنَ الْأَحَادِيث ; لِأَنَّ الْأَوَّل عَلَى الْخُصُوص , وَاَللَّه الْمُوَفِّق .
وَقَدْ قِيلَ فِي تَوْجِيه أَحَادِيث هَذَا الْبَاب : إِنَّ قَرْنه إِنَّمَا فُضِّلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاء فِي إِيمَانهمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّار وَصَبْرهمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكهمْ بِدِينِهِمْ , وَإِنَّ أَوَاخِر هَذِهِ الْأُمَّة إِذَا أَقَامُوا الدِّين وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى طَاعَة رَبّهمْ فِي حِينِ ظُهُور الشَّرّ وَالْفِسْق وَالْهَرْج وَالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِر كَانُوا عِنْد ذَلِكَ أَيْضًا غُرَبَاء , وَزَكَتْ أَعْمَالهمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت كَمَا زَكَتْ أَعْمَال أَوَائِلهمْ , وَمِمَّا يَشْهَد لِهَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) .
وَيَشْهَد لَهُ أَيْضًا حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة , وَيَشْهَد لَهُ أَيْضًا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( أُمَّتِي كَالْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّله خَيْر أَمْ آخِره ) .
ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ , وَرَوَاهُ هِشَام بْن عُبَيْد اللَّه الرَّازِيّ عَنْ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : ( مَثَل أُمَّتِي مَثَل الْمَطَر لَا يُدْرَى أَوَّله خَيْر أَمْ آخِره ) .
ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي مُسْنَد حَدِيث مَالِك .
قَالَ أَبُو عُمَر : هِشَام بْن عُبَيْد اللَّه ثِقَة لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَة كَتَبَ إِلَى سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَنْ اُكْتُبْ إِلَيَّ بِسِيرَةِ عُمَر بْن الْخَطَّاب لِأَعْمَل بِهَا ; فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَالِم : إِنْ عَمِلْت بِسِيرَةِ عُمَر ; فَأَنْتَ أَفْضَل مِنْ عُمَر لِأَنَّ زَمَانك لَيْسَ كَزَمَانِ عُمَر , وَلَا رِجَالك كَرِجَالِ عُمَر .
قَالَ : وَكَتَبَ إِلَى فُقَهَاء زَمَانه , فَكُلّهمْ كَتَبَ إِلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْل سَالِم .
وَقَدْ عَارَضَ بَعْض الْجِلَّة مِنْ الْعُلَمَاء قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( خَيْر النَّاس قَرْنِي ) بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( خَيْر النَّاس مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَشَرّ النَّاس مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ )
قَالَ أَبُو عُمَر : فَهَذِهِ الْأَحَادِيث تَقْتَضِي مَعَ تَوَاتُر طُرُقهَا وَحُسْنهَا التَّسْوِيَة بَيْنَ أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة وَآخِرهَا .
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْره مِنْ الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالِح فِي الزَّمَان الْفَاسِد الَّذِي يُرْفَع فِيهِ مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالدِّين , وَيَكْثُر فِيهِ الْفِسْق وَالْهَرْج , وَيَذِلّ الْمُؤْمِن وَيَعِزّ الْفَاجِر وَيَعُود الدِّين غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا وَيَكُون الْقَائِم فِيهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْر , فَيَسْتَوِي حِينَئِذٍ أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة بِآخِرِهَا فِي فَضْل الْعَمَل إِلَّا أَهْل بَدْر وَالْحُدَيْبِيَة , وَمَنْ تَدَبَّرَ آثَار هَذَا الْبَاب بَانَ لَهُ الصَّوَاب , وَاَللَّه يُؤْتِي فَضْله مَنْ يَشَاء .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } (143) سورة البقرة, وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَالْمُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ , وَقِيلَ : وَهُوَ وَارِدٌ فِي الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } (18) سورة الفتح .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (100) سورة التوبة ,
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11) ِفي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (12) سورة الواقعة ,
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (9) سورة الحشر, فِي آيَاتٍ يَكْثُرُ إِيرَادُهَا وَيَطُولُ تَعْدَادُهَا .
وأمَّا السُّنَّة فَوَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّحَابَةَ مِثْلَ ذَلِكَ , وَأَطْنَبَ فِي تَعْظِيمِهِمْ , وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ , فَمِنَ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى "
منها قولهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الحديثِ المتفقِ على صحتهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ »(9).
وفي صحيح البخاري (2652 ) ومسلم (6635 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِىءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ » .
ومما ورد في إثبات عدالة مجهول الصحابة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ ، قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي رَمَضَانَ ، فَقَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " يَا بِلَالُ ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا "(10)
وفي صحيح البخارى (5104 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لَكِنِّى لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا . فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لِى إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا . وَهْىَ كَاذِبَةٌ فَأَعْرَضَ ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، قُلْتُ إِنَّهَا كَاذِبَةٌ . قَالَ « كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا ، دَعْهَا عَنْكَ » وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَحْكِى أَيُّوبَ .
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 445) و وانظر غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر - (ج 4 / ص 385)
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (2113)
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 13) (34489) وأحمد(20187 ) وشعب الإيمان للبيهقي (4144 ) والطيالسي( 507 ) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 243) كلهم عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيَّ ؛ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُقَالَ لَهُ : حُمَمَةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , خَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ غَازِيًا فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ حُمَمَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَك , فَإِنْ كَانَ حُمَمَةُ صَادِقًا فَاعْزِمْ لَهُ بِصِدْقِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَاعْزِمْ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَرِهَ , اللَّهُمَّ لاَ تَرُدُّ حُمَمَةَ مِنْ سَفَرِهِ هَذَا ، قَالَ : فَأَخَذَهُ الْمَوْتُ , فَمَاتَ بِأَصْبَهَانَ ، قَالَ : فَقَامَ أَبُو مُوسَى ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , أَلاَ إِنَّا وَاللهِ مَا سَمِعْنَا فِيمَا سَمِعْنَا مِنْ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا بَلَغَ عِلْمُنَا إِلاَّ أَنَّ حُمَمَةَ شَهِيدٌ. 0 وهو حديث حسن)
(4) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 51)
(5) - صحيح البخارى ( 116 ) وصحيح مسلم (6642 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِى آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ ». قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَهَلَ النَّاسُ فِى مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ. أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ.
ينخرم : ينقطع وينقضى وهل : ذهب وهمه إلى غير الصواب وقيل غلط ونسى
(6) - الإحكام في أصول الأحكام - (ج 1 / ص 337)
(7) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 207)
(8) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 45)
(9) - صحيح البخارى (3673 ) ومسلم (6651 ) النَّصيف : النصف
(10) - سنن أبى داود( 2342) وسنن الترمذى (694) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 68) (9560) ومسند أحمد (198) وهو حديث حسن(1/430)
ثم قال : وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَتَّسِعُ , وَكُلُّهَا مُطَابِقَةٌ لِمَا وَرَدَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ , وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الصَّحَابَةِ , وَالْقَطْعَ عَلَى تَعْدِيلِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ , فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمُ الْمُطَّلِعِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ إِلَى تَعْدِيلِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لَهُمْ , فَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى أَحَدِهِمْ ارْتِكَابُ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا قَصْدَ الْمَعْصِيَةِ , وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ , فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ عَدَالَتِهِ , وَقَدْ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ , وَرَفَعَ أَقْدَارَهُمْ عَنْهُ , عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَأَوْجَبَتِ الْحَالُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا , مِنَ الْهِجْرَةِ , وَالْجِهَادِ , وَالنُّصْرَةِ , وَبَذْلِ الْمُهَجِ وَالْأَمْوَالِ , وَقَتْلِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ , وَالْمُنَاصَحَةِ فِي الدِّينِ , وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ - الْقَطْعَ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَالِاعْتِقَادَ لِنَزَاهَتِهِمْ , وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُعَدَّلِينَ وَالْمُزَكَّيْنَ الَّذِينَ يَجِيؤُنَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَبَدَ الْآبِدِينَ .
هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ , وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى أَنَّ حَالَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ مَرْضِيَّةً إِلَى وَقْتِ الْحُرُوبِ الَّتِي ظَهَرَتْ بَيْنَهُمْ , وَسَفْكِ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ , فَصَارَ أَهْلُ تِلْكَ الْحُرُوبِ سَاقِطِي الْعَدَالَةِ , وَلَمَّا اخْتَلَطُوا بِأَهْلِ النَّزَاهَةِ وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْ أُمُورِ الرُّوَاةِ مِنْهُمْ , وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُتَحَقِّقِينَ بِالْعِلْمِ مَنْ يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ جُرْمًا لَا يَحْتَمِلُ نَوْعًا مِنَ التَّأْوِيلِ وَضَرْبًا مِنَ الِاجْتِهَادِ , فَهُمْ بِمَثَابَةِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي تَأْوِيلِ الْأَحْكَامِ , لِإِشْكَالِ الْأَمْرِ وَالْتِبَاسِهِ , وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَالِ الْعَدَالَةِ وَالرِّضَا , إِذْ لَمْ يَثْبُتْ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ .
وبهذا ثبتت عدالة الصحابة بالأدلة القطعية النقلية والعقلية، مما لا يدع للشك أو التردد مجالا في ثبوت هذه الخصوصية الفاضلة لأحد منهم رضي الله عنهم.
لذلك شدد العلماء النكير على من يقدح في هؤلاء الكرام، لما أنه شأن المارقين، والحائدين عن سواء الطريق، ورحم اله إمام الحديث أَبَا زُرْعَةَ حيث يَقُولُ : " إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَنَا حَقٌّ , وَالْقُرْآنَ حَقٌّ , وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ , وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ "
قال العراقي(1): والذي عليهِ الجمهورُ كما قالَ الآمديُّ وابنُ الحاجبِ : إنَّهم عدولٌ كلُّهم مطلقاً . وقالَ الآمديُّ : إنَّهُ المختارُ ، وحكى ابنُ عبدِ البرِّ في " الاستيعابِ " إجماعَ أهلِ الحقِّ منَ المسلمينَ ، وهمْ أهلُ السنَّةِ والجماعةِ على أنَّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ .
وقال السخاوي(2): "(وهم) رضي الله عنهم باتفاق أهل السنة (عدول) كلهم مطلقاً، كبيرهم وصغيرهم، لابس الفتنة، أم لا، وجوباً لحسن الظن، ونظراً، إلى ما تمهد لهم من المآثر من امتثال أوامره بعده - صلى الله عليه وسلم - ، وفتحهم الأقاليم وتبليغهم عنه الكتاب والسنة وهدايتهم الناس، ومواظبتهم على الصلاة والزكاة وأنواع القربات، مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الحميدة التي لم يكن في أمة من الأمم المتقدمة " .(3)
4- المكثرونَ منَ الصحابةِ عنِ النَّبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - )(4):
وهم ستةٌ : أنسُ بنُ مالكٍ ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرَ ، وعائشةُ الصِّدِّيقَةُ بنتُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ ، وعبدُ اللهِ بنُ عباسٍ - وهو البحر - ، وجابرُ بنُ عبدِ اللهِ ، وأبو هريرةَ ، وأكثرُ السِّتَّةِ حديثاً أبو هريرةَ ، قالَ ذلكَ أحمدُ بنُ حنبلٍ وغيرهُ .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ : عَلَيْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أنا وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَفُلَانٌ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللَّهَ ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا فَسَكَتْنَا فَقَالَ : " عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ " قَالَ زَيْدٌ : فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لَا يُنْسَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " آمِينَ " ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ عِلْمًا لَا يُنْسَى ، فَقَالَ : " سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ "(5)
والذي يدلُّ عليهِ كلامُ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ : أنَّ أكثرهم أبو هريرةَ، روى خمسةَ آلافِ حديثٍ وثلاثمائةٍ وأربعةً وسبعينَ حديثاً ، ثمَّ ابنُ عمرَ ، روى ألفي حديثٍ وستمائةٍ وثلاثينَ ، ثمَّ أنسٌ ، روى ألفينِ ومائتينِ وستةً وثمانينَ ، ثمَّ عائشةُ روتْ أَلْفَيْنِ ومائتينِ وعشرةَ ، ثمَّ ابنُ عباسٍ ، روى ألفاً وستمائةٍ وستينَ حديثاً ، ثمَّ جابرٌ ، روى ألفاً وخمسمائةٍ وأربعينَ حديثاً . وليسَ في الصحابةِ مَنْ يزيدُ حديثهُ على ألفٍ إلاَّ هؤلاءِ ، وأبو سعيدٍ الخدريُّ ، فإنَّهُ روى ألفاً ومائةً وسبعينَ حديثاً .
5- أكثرُ الصحابةِ فتوى(6)
الذينَ انتهى إليهمُ العلمُ من أكابِرِ الصحابةِ ، وقد ذكرَ ذلكَ مسروقٌ والشَّعبيُّ ، فقال مسروقٌ : وجدتُ علمَ أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) انتهى إلى ستةٍ : عمرَ وعليٍّ وأُبَيٍّ وزيدٍ وأبي الدرداءِ، وعبدِ اللهِ ابنِ مسعودٍ ثمَّ انتهى علمُ هؤلاءِ السِّتَّةِ إلى اثنينِ : عليٍّ وعبدِ اللهِ .
ثمَّ انتهى للأَخيرينِ ، وهما عليٌّ ، وعبدُ اللهِ ، وقد روى مُطَرِّفٌ عنِ الشعبيِّ عنْ مسروقٍ نحوَهُ إلاَّ أنَّهُ ذكرَ أبا موسَى الأشعريَّ بدلَ أبي الدرداءِ ، قلتُ : زيدُ بنُ ثابتٍ ، وأبو موسى الأشعريُّ ، كلاهما تأخرتْ وفاتُهُ بعدَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وبعدَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، بلا خلافٍ، فقول مسروقٍ: إنَّ علمَ الستةِ انتهى لعبدِ اللهِ وعليٍّ ، فيهِ نظرٌ من هذا الوجهِ ، ولهذا عزوتُ هذهِ المقالةَ لمسروقٍ، ولم أطلقْها لتكونَ العُهْدَةُ عليهِ . ويصحُّ أنْ يقالَ : انتهى علمهم إليهما لكونهما ضمَّا علمَهم إلى علمِهما ، وإنْ تأخرتْ وفاةُ زيدٍ ، وأبي موسى عنْ عليٍّ ، وابنِ مسعودٍ، واللهُ أعلمُ.
وفي الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ ( 110 ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ، أبنا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ ، ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، ثنا الشَّيْبَانِيٌّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : كَانَ الْعِلْمُ يُؤْخَذُ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَكَانَ عُمَرُ , وَعَبْدُ اللَّهِ , وَزَيْدٌ , يُشْبِهُ عِلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا , وَكَانَ يَقْتَبِسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ , وَكَانَ عَلِيٌّ , وَالْأَشْعَرِيُّ , وَأُبَيٌّ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , يُشْبِهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , وَكَانَ يَقْتَبِسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ , قُلْتُ : وَكَانَ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : كَانَ أَحَدَ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ "
وقال ابن حزم(7): أكثر الصَّحَابة فتوَى مُطلقًا سبعة: عُمر, وعلي, وابن مسعود, وابن عُمر, وابن عبَّاس, وزيد بن ثابت, وعائشة.
قال: ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد من هؤلاء مُجلَّد ضخم.
قال: ويليهم عشرُون: أبو بَكْر, وعُثمان, وأبو مُوسى, ومُعَاذ, وسعد بن أبي وقَّاص, وأبو هُريرة, وأنس, وعبد الله بن عَمرو بن العَاص, وسَلْمان, وجابر, وأبو سعيد, وطلحة, والزُّبير, وعبد الرَّحمن بن عوف, وعِمْران بن حُصين, وأبو بَكْرة, وعُبَادة بن الصَّامت, ومُعَاوية, وابن الزُّبَير, وأم سلمة.
قال: ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد منهم جُزء صغير.
قال: وفي الصَّحابة نحو من مئة وعشرين نفسًا يقلون في الفتيا جدًّا, لا يُروى عن الواحد منهم إلاَّ المسألة والمسألتان والثلاث, كأُبي بن كعب, وأبي الدَّرداء, وأبي طَلْحة, والمِقْداد, وسرد البَاقين. اهـ
6- في بيانِ العبادِلَةِ مِنَ الصحابةِ(8):
قيلَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ(9): مَنْ العبادِلَةُ ؟ فقالَ: عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ ، وعبدُ الله بنُ عمرَ ، وعبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرٍو ، قيلَ لهُ : فأينَ ابنُ مسعودٍ ؟ قالَ : لا ، ليسَ منَ العبادلةِ ، قالَ البيهقيُّ : وهذا لأنَّهُ تقدَّمَ موتُهُ ، وهؤلاءِ عاشوا حتَّى احتيجَ إلى علمِهِم فإذا اجتمعوا على شيءٍ قيلَ : هذا قولُ العبادلةِِ .
وما ذُكِرَ مِنْ أنَّ العبادلةَ همْ هؤلاءِ الأربعةُ ، هُوَ المشهورُ بَيْنَ أهلِ الحديثِ وغيرِهِم. واقتصرَ صاحبُ " الصحاحِ " عَلَى ثلاثةٍ ، وأسقطَ ابنَ الزبيرِ. وأما ما حكاهُ النوويُّ في " التهذيبِ " : أنَّ الجوهريَّ ذكرَ فيهم ابنَ مسعودٍ ، وأسقطَ ابنَ العاصِ ؛ فوهمٌ ، نَعَمْ .. وقعَ في كلامِ الزمخشريِّ في " المفصلِ " أنَّ العبادلةَ : ابنَ مسعودٍ ، وابنَ عمرَ ، وابنَ عباسٍ وكذا قالَ الرافعيُّ في " الشرحِ الكبيرِ " في الدياتِ ، وغلطا في ذلكَ منْ حيثُ الاصطلاحُ ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ويلتحقُ بابنِ مسعودٍ في ذلكَ سائرُ العبادلةِ المسَمَّيْنَ بعبدِ اللهِ من الصحابةِ ، وهمْ نحوُ مائتينِ وعشرينَ نفساً . أي : فلا يُسمَّونَ العبادلةَ اصطلاحاً ، ولا مَنْ أشبهَ ابنَ مسعودٍ في التسميةِ بعبدِ اللهِ .
وقولُ ابنِ الصلاحِ : أنَّهم نحوُ مائتينِ وعشرينَ كأنَّهُ أخذهُ منَ " الاستيعابِ " لابنِ عبدِ البرِّ ، فإنَّهُ عدَّ ممَّنْ اسمُهُ عبدُ اللهِ مائتينِ وثلاثينَ ، ومنهم مَنْ كرَّرَهُ للاختلافِ في اسمِ أبيهِ أو في اسمهِ هو ، ومنهم مَنْ لم يصحِّحْ له صحبةً ، ومنهم مَنْ لمْ يروِ وإنَّما ذكرهُ لمعاصرتِهِ على قاعِدَتِهِ ؛ وذلكَ فوقَ العشرةِ فبقيَ نحوُ مائتينِ وعشرينَ ، كما ذكرَ ، ولكنْ قد ذكرَ الحافظُ أبو بكرِ بنُ فتحونَ فيما ذَيَّلَهُ على " الاستيعابِ " مائةً وأربعةً وستينَ رجلاً زيادةً على ذلكَ ، وفيهم أيضاً مَنْ عاصرهُ ولمْ يرهُ ، ومَنْ كررهُ للاختلافِ في اسمهِ أيضاً ، واسمِ أبيهِ ، ومَنْ لمْ تصحَّ صحبتُهُ ، ولكنْ يجتمعُ من المجموعِ نحوُ ثلاثمائةِ رجلٍ .
7- في بيانِ مَنْ كانَ لهُ من الصحابةِ أتباعٌ يقولونَ برأيهِ
وفي الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (115 ) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أبنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ ، أبنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيَّ يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ لَهُ أَصْحَابٌ يَقُومُونَ بِقَوْلِهِ فِي الْفِقْهِ , إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَصْحَابًا يَقُومُونَ بِقَوْلِهِ , وَيُفْتُونَ النَّاسَ , فَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ , الَّذِينَ يُقْرِئُونَ النَّاسَ بِقِرَاءَتِهِ , وَيُفْتُونَهُمْ بِقَوْلِهِ , وَيَذْهَبُونَ مَذْهَبَهُ : عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ , وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ , وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ , وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ , وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ , وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ , سِتَّةٌ هَؤُلَاءِ عَدَّهُمْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , قَالَ : وَكَانَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِأَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَذْهَبِهِمْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيَّ , إِلَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَذْهَبُ مَذْهَبَ مَسْرُوقٍ , يَأْخُذُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَعَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ , وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ , أَعْلَمَ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِمَذْهَبِ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ هَذَيْنِ , وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِمْ , وَطَرِيقَتِهِمْ بَعْدَ هَذَيْنِ . قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , الَّذِينَ يَذْهَبُونَ مَذْهَبَهُ فِي الْفِقْهِ , وَيَقُومُونَ بِقَوْلِهِ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ : كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَقِيَهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَلْقَهُ , كَانَ مِمَّنْ لَقِيَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ : قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ , وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَكَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ لِقَاؤُهُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَسَالِمٌ , وَالْقَاسِمُ . قَالَ : وَكَانَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَمَذْهَبِهِمُ : ابْنُ شِهَابٍ , وَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , وَأَبُو الزِّنَادِ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ , ثُمَّ كَانَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ , مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ . قَالَ عَلِيٌّ : وَكَمَا أَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ عَبَّاسٍ سِتَّةٌ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِقَوْلِهِ , وَيُفْتُونَ بِهِ وَيَذْهَبُونَ مَذْهَبَهُ : سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ , وَطَاوُسٌ , وَمُجَاهِدٌ , وَعَطَاءٌ , وَعِكْرِمَةُ وَرَوَاهُ عَلِيٌّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَؤُلَاءِ وَطَرِيقَتِهِمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَكَانَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِمْ بَعْدَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْ "
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ :
1894 أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ، قَالَ : قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَّاءِ وأنا حَاضِرٌ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ : " لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ لَهُ أَصْحَابٌ يَقُومُونَ بِقَوْلِهِ فِي الْفِقْهِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَصْحَابٌ يَقُومُونَ بِقَوْلِهِ وَيَفْتُونَ النَّاسَ "
1895 أنا مَنْصُورُ بْنُ رَبِيعَةَ الزُّهْرِيُّ ، خَطِيبُ الدِّينَوَرِ بِهَا ، أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْجَارُودِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ ، يَقُولُ : " انْتَهَى عِلْمُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِمَّنْ أُخِذَ عَنْهُمْ وَرُوِيَ عَنْهُمُ الْعِلْمُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سِتَّةٌ : عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَمَسْرُوقٌ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ قَالَ عَلِيٌّ : وَانْتَهَى عِلْمُ هَؤُلَاءِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَانْتَهَى عِلْمُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَعْمَشِ ثُمَّ انْتَهَى عِلْمُ هَؤُلَاءِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْإِسْنَادِ وَيُعْجِبُهُ قَالَ عَلِيٌّ : وَأَخَذَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُ رَأْيَهُ وَيَقْتَدِي بِهِ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ عَلِيٌّ : ثُمَّ صَارَ عِلْمُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ وَبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَأَبِي الزِّنَادِ ثُمَّ صَارَ عِلْمُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْإِسْنَادِ وَيُعْجِبُهُ فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَصَارَ عِلْمُهُ إِلَى سِتَّةٍ نَفَرٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَطَاوُسٍ وَصَارَ عِلْمُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ إِلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ عَلِيٌّ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُعْجِبُهُ هَذَا الْإِسْنَادُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ "
و قال مسروقٌ : وجدتُ علمَ أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) انتهى إلى ستةٍ : عمرَ وعليٍّ وأُبَيٍّ وزيدٍ وأبي الدرداءِ، وعبدِ اللهِ ابنِ مسعودٍ ثمَّ انتهى علمُ هؤلاءِ السِّتَّةِ إلى اثنينِ : عليٍّ وعبدِ اللهِ .
وقد روى مُطَرِّفٌ عنِ الشعبيِّ عنْ مسروقٍ نحوَهُ إلاَّ أنَّهُ ذكرَ أبا موسَى الأشعريَّ بدلَ أبي الدرداءِ ، قلتُ : زيدُ بنُ ثابتٍ ، وأبو موسى الأشعريُّ ، كلاهما تأخرتْ وفاتُهُ بعدَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وبعدَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، بلا خلافٍ، فقول مسروقٍ: إنَّ علمَ الستةِ انتهى لعبدِ اللهِ وعليٍّ ، فيهِ نظرٌ من هذا الوجهِ ، ولهذا عزوتُ هذهِ المقالةَ لمسروقٍ، ولم أطلقْها لتكونَ العُهْدَةُ عليهِ . ويصحُّ أنْ يقالَ : انتهى علمهم إليهما لكونهما ضمَّا علمَهم إلى علمِهما ، وإنْ تأخرتْ وفاةُ زيدٍ ، وأبي موسى عنْ عليٍّ ، وابنِ مسعودٍ، واللهُ أعلمُ.
وقالَ الشعبيُّ : كانَ العلمُ يؤخذُ عنْ ستَّةٍ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وكانَ عمرُ وعبدُ اللهِ وزيدٌ يُشْبِهُ [ عِلْمُ ] بعضِهم بعضاً ، وكانَ يقتبسُ بعضُهُم من بعضٍ وكانَ عليٌّ والأشعريُّ وأُبَيٌّ يشبهُ علمُ بعضِهم بعضاً ، وكانَ يقتبسُ بعضُهم من بعضٍ .(10)
8-عددُ الصحابةِ(11):
حصرُ الصحابةِ رضي الله عنهم بالعدِّ والإحصاءِ متعذرٌ لتفرقِهِم في البلدانِ والبوادي وقد روى البخاريُّ في " صحيحهِ " أنَّ كعبَ بنَ مالكٍ قالَ في قصةِ تخلفِهِ عن غزوةِ تبوكَ : " وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - "(12)؛ ولكنْ قدْ جاءَ ضبطُهم في بعضِ مشاهدهِ كتبوكَ ، وحجَّةِ الوداعِ .
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ :
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 208)
(2) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 351)
(3) - وانظر إن شئت أيضا كتاب السنة للدكتور مصطفى السباعي: 305- 353 وكتاب الأضواء الكاشفة، والمنهج الحديث قسم التاريخ
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 209)
(5) - المستدرك للحاكم (6158) والسنن الكبرى للإمام النسائي (5840) وسير أعلام النبلاء (2/601و616) وهو حسن لغيره
(6) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 21) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 111) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 36)
(7) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 112)
(8) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 210)
(9) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 499)
(10) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 212)
(11) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 213)
(12) - صحيح البخارى ( 4418) وصحيح مسلم ( 7192 )(1/431)
1902 أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ ، نا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ ، نا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، قَالَ : " أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جِبْرِيلُ أَوْ قَالَ : مَلَكٌ فَقَالَ : كَيْفَ أَهْلُ بَدْرٍ فِيكُمْ ؟ قَالَ : هُمْ عِنْدَنَا أَفْضَلُ النَّاسِ قَالَ : كَذَلِكَ شُهَدَاءُ بَدْرٍ عِنْدَنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ " وَيَتْلُوهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ "
1903 أنا أَبُو سَهْلٍ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيُّ أنا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، نا قُتَيْبَةُ ، نا اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " ثُمَّ مَنْ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ مَنْ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ الْأَصَاغِرُ الْأَسْنَانُ الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ أَطْفَالٌ كَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ وَأَبِي شَيْبَةَ السُّوَائِيِّ وَنَحْوِهِمْ "
1904 أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيرِيُّ ، نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمَذَانِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ " وَسُئِلَ عَنْ عِدَّةِ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : وَمَنْ يَضْبُطُ هَذَا ؟ شَهِدَ مَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الْوَدَاعِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا وَشَهِدَ مَعَهُ تَبُوكَ سَبْعُونَ أَلْفًا "
1905 حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ ، نا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ ، نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَامِعٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا زُرْعَةَ أَلَيْسَ يُقَالُ : حَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ ؟ قَالَ : " وَمَنْ قَالَ ذَا ؟ قَلْقَلَ اللَّهُ أَنْيَابَهُ هَذَا قَوْلُ الزَّنَادِقَةِ ، وَمَنْ يُحْصِي حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مِائَةِ أَلْفِ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَلْفًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : يَا أَبَا زُرْعَةَ هَؤُلَاءِ أَيْنَ كَانُوا وَسَمَعُوا مِنْهُ ؟ قَالَ : أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ بَيْنَهُمَا وَالْأَعْرَابُ وَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كُلٌّ رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ يَعْرِفُهُ "
وعن مقدارِ هذينِ العددينِ المذكورينِ ، وهما سبعونَ ألفاً ، وأربعونَ ألفاً، مع زيادةِ أربعةِ آلافٍ، فذلكَ مائةُ ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً، كما تقدَّمَ بيانُهُ. اهـ
9-طبقاتُ الصَّحابةِ(1):
وفي مَعْرِفَةُ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ :
النَّوْعُ السَّابِعُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ ، فَأَوَّلُهُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِ التَّوَارِيخِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُهُمْ إِسْلَامًا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي بُلُوغِهِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجَمَاعَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ ؟ قَالَ : " حُرٌّ وَعَبْدٌ " ، وَإِذَا مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ , وَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَالطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَصْحَابُ دَارِ النَّدْوَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ حَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَبَايَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَالطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، يُقَالُ فُلَانٌ عَقَبِيُّ ، وَفُلَانٌ عَقَبِيُّ ، وَالطَّبَقَةُ الْخَامِسَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَالطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ أَوَّلُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ وَصَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِقُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ ، وَيُبْنَى الْمَسْجِدَ ، وَالطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ أَهْلُ بَدْرٍ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ فِيهِمْ : " لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " وَالطَّبَقَةُ الثَّامِنَةُ الْمُهَاجِرَةُ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَيْنَ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ ، وَالطَّبَقَةُ التَّاسِعَةُ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَنِ الْعُمْرَةِ وَصَالَحَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ ، وَكَانَتِ الشَّجَرَةُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْبِئْرِ ثُمَّ إِنَّ الشَّجَرَةَ فُقِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ تُوجَدْ ، وَقَالُوا : إِنَّ السُّيُولَ ذَهَبَتْ بِهَا ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : سَمِعْتُ أَبِي ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يَقُولُ : " قَدْ طَلَبْنَاهَا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ نَجِدْهَا " ، فَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ عَوَامُّ الْحَجِيجِ أَنَّهَا شَجَرَةٌ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ ، فَإِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ ، وَالطَّبَقَةُ الْعَاشِرَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرَةِ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ ، وَفِيهِمْ كَثْرَةٌ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا غَنِمَ خَيْبَرَ قَصَدُوهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مُهَاجِرِينَ ، فَكَانَ يُعْطِيهِمْ ، وَالطَّبَقَةُ الْحَادِي عَشْرَةَ فَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ طَائِعًا ، وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّقَى السَّيْفَ ، ثُمَّ تَغَيَّرَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَضْمَرُوا وَاعْتَقَدُوا ، ثُمَّ الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ صِبْيَانِ وَأَطْفَالٌ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهَا وَعِدَادِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ ، فَإِنَّهُمَا قَدِمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَا لَهُمَا وَلِجَمَاعَةٍ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِمْ ، وَمِنْهُمْ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ , وَأَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُمَا رَأَيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ ، وَقَدْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَإِنَّمَا هُوَ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " . قَالَ الْحَاكِمُ : هَذَا بَابٌ لَوِ اسْتَقْصَيْتَ فِيهِ بِأَسَانِيدَ وَرِوَايَاتٍ لَصَارَ كِتَابًا عَلَى حِدَةٍ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ عَنْهُمْ تَفَرَّقُوا وَسَكَنُوا بِلَادًا شَاسِعَةً ، فَمَاتُوا فِي أَمَاكِنَ شَتَّى ، وَهَذَا الْبَابُ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنِ الْعُلُومِ غَيْرَ أَنِّي دَلَّلْتُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ عَلَى مَا حَضَرَنِي فِي الْوَقْتِ ، وَمَنْ تَبَحَّرَ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ حَافِظٌ كَامِلُ الْحِفْظِ ، فَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنْ مَشَايِخِنَا يَرْوُونَ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ عَنْ تَابِعِيٍّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَهَّمُونَهُ صَحَابِيًّا وَرُبَّمَا رَوَوُا الْمُسْنَدَ ، عَنْ صَحَابِيٍّ فيَتَوَهَّمُونَهُ تَابِعِيًّا " .
وقال العراقي(2):
" الصحابةُ على طبقاتٍ باعتبارِ سبقِهِم إلى الإسلامِ أو الهجرةِ أو شهودِ المشاهدِ الفاضلةِ ، وقدِ اختلفَ كلامُ مَنِ اعتنى بذكرِ طبقاتهم في عدِّها ، فقسَّمَهمُ الحاكِمُ في " علومِ الحديثِ " إلى اثنتي عشرةَ طبقةً .
فالطبقةُ الأولى : قومٌ أسلموا بمكةَ ، كالخلفاءِ الأربعةِ .
والثانيةُ : أصحابُ دارِ الندوةِ .
والثالثةُ : مُهَاجِرَةُ الحَبَشَةِ .
والرابعةُ : أصحابُ العَقَبةِ الأُولى .
والخامسةُ : أصحابُ العَقَبةِ الثانيةِ ، وأكثرُهم مِنَ الأَنصارِ .
والسادسةُ : أولُ المهاجرينَ الذينَ وصلوا إليهِ بِقُبَاءَ قبلَ أنْ يدخلَ المدينةَ .
والسابعةُ : أهلُ بدرٍ .
والثامنةُ : الذينَ هاجروا بينَ بدرٍ والحُدَيْبِيَةِ .
والتاسعةُ : أهلُ بيعةِ الرِّضْوَانِ .
والعاشرةُ : مَنْ هاجرَ بينَ الحديبيةِ وفتحِ مكةَ ، كخالدِ بن الوليدِ ، وعمرِو بنِ العاصِ ، وأبي هريرةَ . قلتُ : لا يصحُّ التمثيلُ بأبي هريرةَ، فإنَّهُ هاجرَ قبلَ الحديبيةِ عقبَ خَيْبَرَ ، بل في أواخرِها .
والحاديةَ عشرةَ : مُسْلِمَةُ الفَتْحِ .
والثانيةَ عشرةَ : صِبْيَانٌ وأطفالٌ رأَوْا رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يومَ الفتحِ ، وفي حجةِ الوداعِ ، وغيرهما كالسَّائبِ بنِ يزيدَ ، وعبدِ اللهِ بنِ ثعلبةَ ابنِ أبي صُعَيْرٍ ، وأبي الطُّفَيْلِ ، وأبي جُحَيْفَةَ .
قالَ ابنُ الصلاحِ(3): " ومنهمْ مَنْ زادَ على ذلكَ " . انتهى ، وأما ابنُ سعدٍ ، فجعلهُمْ خمسَ طبقاتٍ فقطْ .
10- أفضلُ الصَّحابةِ(4):
أجمعَ أهلُ السنَّةِ على أنَّ أفضلَ الصحابةِ بعدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاقِ : أبو بكرٍ ، ثمَّ عمرُ ، وممَّنْ حكى إجماعَهم على ذلِكَ : أبو العباسِ القُرْطُبيُّ ، فقالَ: ولمْ يختلفْ في ذلكَ أحدٌ منْ أئمةِ السَّلَفِ ولا الخَلَفِ ، قال : ولا مبالاةَ بأقوالِ أهلِ التشيعِ ، ولا أهلِ البِدَعِ . انتهى .
وقدْ حكى الشافعيُّ وغيرهُ إجماعَ الصحابةِ والتابعينَ على ذلكَ . قالَ البيهقيُّ في كتابِ " الاعتقادِ ": 356 وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : مَا اخْتَلَفَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَنِ اخْتَلَفَ مِنْهُمْ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَنَحْنُ لَا نُخَطِّئُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا فَعَلُوا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَهَا فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ ، وَرُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتبَاعِهِمْ نَحْوَ هَذَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ". انتهى .
وروينا عنْ جريرِ بنِ عبدِ الحميدِ ، أنَّهُ سألَ يحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ عن ذلكَ قالَ : مَنْ أدركتُ منَ الصحابةِ والتابعينَ لم يختلفوا في أبي بكرٍ وعمرَ وفضلهما إنَّما كانَ الاختلافُ في عليٍّ وعثمانَ .
وحكى المازريُّ عنْ أهلِ السنةِ تفضيلَ أبي بكرٍ ، وعنْ الخَطَّابِيَّةِ تفضيلَ عمرَ بنِ الخطابِ، وعنِ الشيعةِ تفضيلَ عليٍّ ، وعن الراونديةِ تفضيلَ العباسِ ، وعنْ بعضهمُ الإمساكَ عنِ التفضيلِ . وحكاهُ الخطَّابيُّ أيضاً في " المعالمِ " ، وحكى أيضاً عن بعضِ مشايخهِ أنَّهُ كانَ يقولُ : أبو بكرٍ خيرٌ وعليٌّ أفضلُ. وهذا تهافتٌ منَ القولِ. وحكى القاضي عياضٌ: أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ ، وطائفةً ذهبوا إلى أنَّ مَنْ تُوفِّيَ منَ الصحابةِ في حياةِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) أفضلُ ممنْ بقي بعدَهُ كما في صحيح البخارى(1343 ) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ « أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ » . فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِى اللَّحْدِ وَقَالَ « أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
قالَ النوويُّ(5): وهذا الإطلاقُ غيرُ مرضيٍّ ، ولا مقبولٍ . انتهى .
وهو أيضاً مردودٌ بما تقدَّمَ من حكايةِ إجماعِ الصحابةِ والتابعينَ على أفضليةِ أبي بكرٍ وعمرَ على سائرِ الصحابةِ .
واختَلَفَ أهلُ السنةِ في الأفضلِ بعدَ عمرَ ، فذهبَ الأكثرونَ كما حكاهُ الخطابيُّ وغيرُهُ إلى تفضيلِ عثمانَ على عليٍّ وأنَّ ترتيبهم في الأفضليةِ كترتيبهم في الخلافةِ ، وإليهِ ذهبَ الشافعيُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ ، كما رواهُ البيهقيُّ في كتابِ " الاعتقاد " عنهما ، وهو المشهورُ عندَ مالكٍ ، وسفيانَ الثوريِّ وكافَّةِ أئمةِ الحديثِ والفقهاءِ ، وكثيرٍ منَ المتكلمينَ كما قالَ القاضي عياضٌ ، وإليهِ ذهبَ أبو الحسنِ الأشعريُّ والقاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ ؛ ولكنهما اختلفا في أنَّ التفضيلَ بينَ الصحابةِ ، هلْ هوَ على سبيلِ القطعِ ، أوْ الظنِّ ؟ فالذيْ مالَ إليهِ الأشعريُّ : أنَّهُ قطعيٌّ ، وعليهِ يدلُّ قولُ مالكٍ الآتي نَقْلُهُ مِنَ " المدوَّنةِ "، والذي مالَ إليهِ القاضي أبو بكرٍ، واختارهُ إمامُ الحرمينِ في " الارشادِ " : أنَّهُ ظنيٌّ ، وبهِ جزمَ صاحبُ " المُفْهِمِ " .
وذهبَ أهلُ الكوفةِ - كما قالَ الخطابيُّ - إلى تفضيلِ عليٍّ على عثمانَ ، وروى بإسنادهِ إلى سفيانَ الثوريِّ أنَّهُ حكاهُ عن أهلِ السنَّةِ من أهلِ الكوفةِ . وحكى عن أهلِ السنَّةِ من أهلِ البصرةِ أفضليةَ عثمانَ ، فقيلَ : فما تقولُ ؟ فقالَ : أنا رجلٌ كوفيٌّ ، ثمَّ قالَ : وقدْ ثَبتَ عنْ سفيانَ في آخرِ قوليهِ ، تقديمُ عثمانَ .
وممَّنْ ذهبَ إلى تقديمِ عليٍّ على عثمانَ : أبو بكرٍ بنُ خزيمةَ ، وقدْ جاءَ عنْ مالكٍ التوقفُ بينَ عثمانَ وعليٍّ ، كما حكاهُ المازريُّ عن " المدوَّنةِ " أنَّ مالكاً سُئِلَ : أيُّ الناسِ أفضلُ بعدَ نبيهم ؟ فقالَ : أبو بكرٍ ، ثمَّ قالَ : أَوَفي ذلكَ شكٌّ ؟ قيلَ لهُ : فعليٌّ وعثمانُ ؟ قالَ : ما أدركتُ أحداً ممَّن أقتدِي بهِ يفضلُ أحدَهما على صاحبِهِ ، ونرَى الكفَّ عن ذلكَ ، وفي روايةٍ في " المدوَّنةِ " حكاها القاضي عياضٌ: أفضلهم أبو بكرٍ ، ثمَّ عمرُ ، وحكى القاضي عياضٌ قولاً: أنَّ مالكاً رجعَ عن الوقفِ إلى القولِ الأولِ . قالَ القرطبيُّ : وهوَ الأصحُّ إنْ شاءَ اللهُ .
و قالَ القاضي عياضٌ : ويحتملُ أنْ يكونَ كفُّهُ وكفُّ من اقتدى بهِ لما كانَ شجرَ بينهم في ذلكَ منَ الاختلافِ والتعصبِ. انتهى .
وقد مالَ إلى التوقفِ بينهما إمامُ الحرمينِ ، فقالَ : الغالبُ على الظنِّ أنَّ أبا بكرٍ أفضلُ ، ثمَّ عمرَ . وتتعارضُ الظنونُ في عثمانَ وعليٍّ . انتهى .
والذي استقرَّ عليهِ مذهبُ أهلِ السنَّةِ تقديمُ عثمانَ ، لما روى البخاريُّ في صحيحه ( 3697 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: كُنَّا فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَعْدِلُ بِأَبِى بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ .
وفي سنن أبى داود ( 4630 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَىٌّ أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ رضى الله عنهم أَجْمَعِينَ..
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : جَاءَنِي رَجُلٌ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ ، فَأَمَرَنِي فِي كَلاَمِهِ أَنْ أَعِيبَ عَلَى عُثْمَانَ ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْقُصُ كَلاَمُهُ فِي سَرِيحٍ ، فَقُلْتُ : يَا هَذَا إِنَّا كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ : أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ، وَيَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلاَ يُنْكِرْهُ جَوَابًا ، مَا نَعْلَمُ عُثْمَانَ جَاءَ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَلاَ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حِلِّهَا ، وَلَكِنَّهُ هَذَا الْمَالُ ، إِنْ أَعْطَاكُمُوهُ رَضِيتُمْ ، وَإِنْ أَعْطَى قُرَيْشًا سَخَطْتُمْ ، إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا كَفَارِسَ ، وَالرُّومِ ، لاَ يَتْرُكُونَ لَهُمْ أَمِيرًا إِلاَّ قَتَلُوهُ ، قَالَ : فَفَاضَتْ عَيْنُهُ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الدُّمُوعِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.(6)
و عَنِ الزُّهْرِيِّ ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، قَالَ : جَاءَنِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَكَلَّمَنِي فَإِذَا هُوَ يَأْمُرُنِي فِي كَلاَمِهِ بِأَنْ أَعْتِبَ عَلَى عُثْمَانَ ، وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا طَوِيلًا ، وَهُوَ امْرُؤٌ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ ، فَلَمْ يَكَدْ يَقْضِي كَلاَمَهُ سَرِيعًا ، فَلَمَّا قَضَى كَلاَمَهُ ، قُلْتُ لَهُ : إِنَّا قَدْ كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ : أَفْضَلُ أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثُمَّ عُثْمَانُ ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ عُثْمَانَ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلاَ جَاءَ مِنَ الْكَبَائِرِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ هُوَ بِالْمَالِ إِنْ أَعْطَاكُمُوهُ رَضِيتُمْ ، وَإِنْ أَعْطَى أُولِي قَرَابَتِهِ سَخِطْتُمْ ، إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا كَفَارِسَ وَالرُّومِ ، لاَ يَتْرُكُونَ لَهُمْ أَمِيرًا إِلاَّ قَتَلُوهُ ، ثُمَّ فَاضَتْ عَيْنَاهُ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الدُّمُوعِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَلاَ لاَ نُرِيدُ ذَلِكَ.(7)
وأما ترتيبُ مَنْ بعدَهم في الأفضليةِ ، فقالَ الإمامُ أبو منصورٍ عبدُ القاهرِ التميميُّ البغداديُّ : أصحابنا مجمعونَ على أنَّ أفضلهم : الخلفاءُ الأربعةُ ، ثمَّ الستةُ الباقونَ إلى تمامِ العشرةِ ، ثمَّ البدريونَ ، ثمَّ أصحابُ أحدٍ ، ثمَّ أهلُ بيعةِ الرضوانِ بالحديبيةِ .
وقولي: (فأُحُدٌ فالبيعةُ المرضيهْ)، هوَ على حذفِ المضافِ، أيْ: فأهلُ أحدٍ فأهلُ البيعةِ.
قالَ ابنُ الصلاحِ(8): وفي نصِّ القرآنِ تفضيلُ السابقينَ الأولينَ منَ المهاجرينَ والأنصارِ ، وهم الذينَ صلُّوا إلى القبلتينِ في قولِ سعيدِ بنِ المسيبِ وطائفةٍ ، منهمْ : محمدُ بنُ الحنفيةِ ، ومحمدُ بنُ سيرينَ ، وقتادةُ ، وفي قولِ الشعبيِّ : همُ الذينَ شَهِدوا بيعةَ الرضوانِ . وهذا معنى قولي: (فقِيْلَ: هم) وعن محمدِ بنِ كعبٍ القرظيِّ وعطاءِ بنِ يسار : أهلُ بدرٍ ، قالَ ابنُ الصلاحِ: روى ذلكَ عنهما ابنُ عبدِ البرِّ فيما وجدناهُ عنهُ .
قلتُ : لمْ يوصلِ ابنُ عبدِ البرِّ إسنادَهُ بذلكَ ، وإنَّما ذكرَ ذلكَ عنْ سُنيدٍ وساقَ سَنَدَ سُنيدٍ فقطْ عن شيخٍ لهُ لمْ يُسَمَّ ، عن موسى بنِ عُبيدةَ ، وضعَّفَهُ الجمهورُ وقدْ روى سُنيدٌ أيضاً قولَ ابنِ المسيِّبِ ، وابنِ سيرينَ ، والشعبيِّ بأسانيدَ صحيحةٍ ، وكذلكَ روى ذلكَ عنهم عبدُ بنُ حُميدٍ في " تفسيرهِ " بأسانيدَ صحيحةٍ ، وكذلكَ رواهُ عن قتادةَ عبدُ الرزاقِ في " تفسيرهِ " ، ومن طريقِهِ عبدُ بنُ حُميدٍ .
وفي المسألةِ قولٌ رابعٌ رواهُ سُنيدٌ أيضاً بإسنادٍ صحيحٍ إلى الحسنِ ، قالَ : فرقُ ما بينَهم فتحُ مكةَ . اهـ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 66) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 501) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 214)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 214)
(3) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 66)
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 215)
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 115)
(6) - مسند الشاميين(1764) حسن
(7) - مسند الشاميين (3155) صحيح لغيره
(8) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 66)(1/432)
وفي سنن الترمذى(4159) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِى أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِى أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ وَالْمَشْهُورُ حَدِيثُ أَبِى قِلاَبَةَ.
قلت : وأفضل الصحابيات نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -
واختلف في التَّفضيل بين فاطمة وعائشة, على ثلاثة أقوال: ثالثها الوقف, والأصح تفضيل فاطمة لحديث البخارى ( 3714 -)عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّى ، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِى » .
وقد صحَّحه السُّبكي في «الحلبيات» وبالغ في تصحيحه.
وفي صحيح مسلم (6467 ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا فَقَالَ « مَرْحَبًا بِابْنَتِى ». ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ مَا كُنْتُ أُفْشِى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ. قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِى عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَا حَدَّثْتِنِى مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ أَمَّا حِينَ سَارَّنِى فِى الْمَرَّةِ الأُولَى فَأَخْبَرَنِى « أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ وَإِنِّى لاَ أُرَى الأَجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ». قَالَتْ فَبَكَيْتُ بُكَائِى الَّذِى رَأَيْتِ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِى سَارَّنِى الثَّانِيَةَ فَقَالَ « يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَىْ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ». قَالَتْ فَضَحِكْتُ ضَحِكِى الَّذِى رَأَيْتِ.
وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 256)(18439) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بن مَرْوَانَ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:إِنَّ مَلَكًا مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ زَارَنِي، فَاسْتَأْذَنَ اللَّهَ فِي زِيَارَتِي فَبَشَّرَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أُمَّتِي.( حسن)
وفي زوائد مسند الحارث (990) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَرْيَمُ خَيْرُ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَفَاطِمَةُ خَيْرُ نِسَاءِ عَالَمِهَا " ( صحيح مرسل )
وأفضل أزْوَاجه - صلى الله عليه وسلم - خديجة وعائشة.
وفي التَّفضيل بينهما أوجه حكاها المُصنِّف في الرَّوضة, ثالثها الوقف.
ففي صحيح البخارى(3815 ) عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ » .
وفي صحيح البخارى (3411 )عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ » .
وفي صحيح مسلم (6431 )عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّى لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ « أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ ». قَالَتْ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ».
وفي مسند أحمد (25606) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ - قَالَتْ - فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْراً مِنْهَا. قَالَ « مَا أَبْدَلَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ وَرَزَقَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِى أَوْلاَدَ النِّسَاءِ ». (صحيح لغيره)
واختار السُّبكي في الحلبيات تفضيل خديجة, ثمَّ عائشة, ثمَّ حفصة, ثمَّ الباقيات سواء.
11- أولُ الصَّحابة(1):
أمَّا أوَّلُ الصحابةِ إسلاماً فقدْ اختلفَ فيهِ السلفُ على أقوالٍ :
أحدُها : أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ ، وهوَ قولُ ابنِ عباسٍ ، وحسَّانَ بنِ ثابتٍ والشعبيِّ والنخعيِّ في جماعةٍ آخرينَ ، ويدلُّ لهُ ما رواهُ مسلمٌ في " صحيحهِ ( 1967) عَنْ أَبِى أُمَامَةَ - قَالَ عِكْرِمَةُ وَلَقِىَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ وَصَحِبَ أَنَسًا إِلَى الشَّامِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَضْلاً وَخَيْرًا - عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِىُّ كُنْتُ وَأَنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَىْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِى فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْتَ قَالَ « أَنَا نَبِىٌّ ». فَقُلْتُ وَمَا نَبِىٌّ قَالَ « أَرْسَلَنِى اللَّهُ ». فَقُلْتُ وَبِأَىِّ شَىْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ « أَرْسَلَنِى بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَىْءٌ ». قُلْتُ لَهُ فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ « حُرٌّ وَعَبْدٌ ». قَالَ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ. فَقُلْتُ إِنِّى مُتَّبِعُكَ. قَالَ « إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا أَلاَ تَرَى حَالِى وَحَالَ النَّاسِ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِى قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِى ».
وروى الحاكمُ في " المستدركِ " منْ روايةِ مجالدِ بنِ سعيدٍ، قالَ: سُئِلَ الشعبيُّ: مَنْ أولُ مَنْ أسلمَ؟ فقالَ: أَمَا سمعتَ قولَ حسانَ(2):
إذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوَاً مِنْ أَخِي ثِقَةٍ 0000 فاذْكُرْ أخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلاَ
خَيْرُ البَرِيَّةِ أتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا 0000000 بَعْدَ النَّبيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلاَ
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ المَحْمُوْدَ مَشْهَدُهُ 000وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلاَ
والقولُ الثاني : أولهم إسلاماً عليٌّ ، روي ذلكَ عن زيدٍ بنِ أرقمَ ، وأبي ذَرٍّ ، والمقدادِ بنِ الأسودِ ، وأبي أيوبَ ، وأنسِ بنِ مالكٍ ، ويعلى بنِ مُرَّةَ ، وعفيفِ الكنديِّ ، وخزيمةَ بنِ ثابتٍ ، وسلمانَ الفارسيِّ ، وخَبَّابِ بنِ الأَرَتِ ، وجابرِ بنِ عبدِ اللهِ ، وأبي سعيدٍ الخدريِّ . وأنشدَ المَرْزُبَانيُّ لخزيمةَ بنِ ثابتٍ في عليٍّ رضي اللهُ عنهما :
أَلَيْسَ أوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِهِم وأعْلَمَ النَّاسِ بالفَرقَانِ والسُّنَنِ ؟
وروى الحاكمُ في " المستدركِ " من روايةِ مسلمٍ الملائيِّ ، قالَ(3): نُبِّئَ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يومَ الاثنينِ ، وأسلمَ عليٌّ يومَ الثلاثاءِ .
وقالَ الحاكمُ في " علومِ الحديثِ " : لا أعلمُ خلافاً بَيْنَ أصحابِ التواريخِ : أنَّ علياً أوَّلُهم إسلاماً قالَ : وإنَّما اختلفوا في بلوغهِ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : واسْتُنْكِرَ هَذَا منَ الحاكمِ .
ثمَّ قالَ الحاكمُ بعدَ حكايتِهِ لهذا الإجماعِ : والصحيحُ عندَ الجماعةِ : أنَّ أبا بكرٍ الصديقَ أولُ مَنْ أسلمَ منَ الرجالِ البالغينَ لحديثِ عمرِو بن عبسةَ .
والقولُ الثالثُ : أنَّ أولَهم إسلاماً زيدُ بنُ حارثةَ ذكرَهُ مَعْمَرٌ عنِ الزهريِّ.
والقولُ الرابعُ : أنَّ أوَّلَهُم إسلاماً أُمُّ المؤمنينَ خديجةُ بنتُ خويلدٍ ، رُويَ ذلكَ عنِ ابنِ عباسٍ، والزهريِّ أيضاً، وهوَ قولُ قتادةَ ومحمدِ بنِ إسحاقَ في آخرينَ ، وقالَ النوويُّ(4): " إنَّهُ الصوابُ عندَ جماعةٍ منَ المُحَقِّقِيْنَ " . وادَّعى الثعلبيُّ المفسِّرُ اتفاقَ العلماءِ على ذلكَ ، وأنَّ اختلافهم إنَّما هو في أولِ مَنْ أسلمَ بعدها .
وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ(5):" تفقوا على أنَّ خديجةَ أوَّلُ مَنْ آمَنَ ، ثمَّ عليٌّ بعدَها ".
وجُمِعَ بينَ الاختلافِ في ذلكَ بالنسبةِ إلى أبي بكرٍ وعليٍّ ، بأنَّ الصحيحَ : أنَّ أبا بكرٍ أولُ مَنْ أظهرَ إسلامَهُ ، ثمَّ رُوِيَ عن محمدِ بنِ كعبٍ القرظيِّ : أنَّ عليّاً أخفى إسلامَهُ من أبي طالبٍ ، وأظهرَ أبو بكرٍ إسلامَهُ ؛ ولذلكَ شُبِّهَ عَلَى الناسِ .
وقالَ ابنُ الصلاحِ(6): " والأورعُ أنْ يقالَ : أوَّلُ مَنْ أسلَمَ منَ الرجالِ الأحرارِ أبو بكرٍ ، ومنَ الصِّبْيَانِ أوِ الأحداثِ عليٌّ ، ومنَ النساءِ خديجةُ، ومنَ الموالي زيدٌ، ومنَ العبيدِ بلالٌ، واللهُ أعلمُ ".
وقالَ ابنُ إسحاقَ : أوَّلُ مَنْ آمنَ خديجةُ، ثمَّ عليُّ بنُ أبي طالبٍ ، قالَ: وكانَ أولُ ذَكَرٍ آمنَ برسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهوَ ابنُ عشرِ سنينَ، ثمَّ زيدُ بنُ حارثةَ، فكانَ أولَ ذَكَرٍ أسلَمَ بعدَ عليٍّ ثمَّ أبو بكرٍ فأظهرَ إسلامَهُ ودعا إلى اللهِ فأسلمَ بدعائهِ: عثمانُ بنُ عفانَ ، والزبيرُ بنُ العوامِ ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ ، وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ ، وطلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ ، فكانَ هؤلاءِ النفرُ الثمانيةُ الذينَ سبقوا الناسَ بالإسلامِ " . وذكرَ عمرُ بنُ شَبَّةَ : أن خالدَ بنَ سعيدِ بنِ العاصِ ، أسلمَ قبلَ عليٍّ .
12- آخرِ مَنْ ماتَ من الصحابةِ مطلقاً ومقيَّداً بالبلدانِ والنواحي(7)
فأمَّا آخرهم موتاً على الإطلاقِ : فأبو الطُّفيلِ عامرُ بنُ واثلةَ الليثيُّ ماتَ سنةَ مائةٍ منَ الهجرةِ ، كذا جزمَ بهِ ابنُ الصلاحِ ، وكذا رواهُ الحاكمُ في " المستدركِ " عن شَبَابٍ العُصْفُريِّ ، وهوَ خليفةُ بنُ خياطٍ ، وكذا رويناهُ في " صحيح مسلم (217 ) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَرَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : نَعَمْ ، " كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ " قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ : مَاتَ أَبُو الطُّفَيْلِ سَنَةَ مِائَةٍ وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وكذا قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: إنَّ وفاتَهُ سنةُ مِائةٍ . وقالَ خليفةُ بنُ خياطٍ في غيرِ روايةِ الحاكمِ: إنَّهُ تأخَّرَ بعدَ المائةِ ، وقيلَ: توفّيَ سنةَ اثنتينِ ومائةٍ ، قالهُ مصعبُ بنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ ، وجزمَ ابنُ حبانَ وابنُ قانعٍ ، وأبو زكريا ابنُ منده : أنَّهُ توفيَ سنةَ سبعٍ ومائةٍ .
وقدْ روى وهبُ بنُ جريرِ بنِ حازمٍ عن أبيهِ ، قالَ: كنتُ بمكةَ سنةَ عشرٍ ومائةٍ ، فرأيتُ جنازةً فسألتُ عنها ، فقالوا : هذا أبو الطفيلِ ، وهذا هو الذي صحَّحَهُ الذهبيُّ في الوفياتِ : أنَّهُ في سنةِ عشرٍ ومائةٍ .(8)
وأمَّا كونُهُ آخرَ الصحابةِ موتاً فجزمَ بهِ مسلمٌ ، ومصعبُ بنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ ، وأبو زكريا بنُ منده ، وأبو الحجاجِ المِزِّيُّ وغيرُهم ، وروينا في " صحيح مسلم(6218 ) عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِى. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ فَكَيْفَ رَأَيْتَهُ قَالَ كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا.
فتبينَ أنَّهُ آخرهم موتاً على الإطلاقِ ، وماتَ بمكةَ ، فهو آخرُ مَنْ ماتَ بها منَ الصحابةِ كما جزمَ بهِ ابنُ حبانَ ، وأبو زكريا بنُ منده ، وكذا ذكرَ عليُّ بنُ المدينيِّ : أنَّهُ ماتَ بمكةَ .
وأما آخرُ مَنْ ماتَ مقيَّداً بالنواحي ، فاختلفوا في آخرِ مَنْ ماتَ بالمدينةِ الشريفةِ على أقوالٍ :
فقيلَ : السائبُ بنُ يزيدَ ، قاله أبو بكرٍ بنُ أبي داودَ واختُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ ، فقيلَ: سنةُ ثمانينَ ، وقيلَ: ستٍّ وثمانينَ ، وقيلَ: ثمانٍ وثمانينَ ، وقيلَ : إحدى وتسعينَ ، قاله الجعدُ بنُ عبدِ الرحمنِ ، والفلاَّسُ ، وبه جزمَ ابنُ حبَّانَ ، واخْتُلِفَ أيضاً في مولدهِ ، فقيلَ : في السنةِ الثانيةِ منَ الهجرةِ ، وقيلَ : في الثالثةِ .
والقولِ الثاني : : أنَّ آخرَهم موتاً بالمدينةِ: سَهْلُ بنُ سعدٍ الأنصاريُّ ، قاله عليُّ بنُ المدينيِّ ، والواقديُّ ، وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحِزَاميُّ ، ومحمدُ بنُ سعدٍ ، وابنُ حبَّانَ ، وابنُ قانعٍ ، وأبو زكريا بنُ منده ، وادَّعى ابنُ سعدٍ نفيَ الخلافِ فيهِ ، فقالَ : ليسَ بيننا في ذلكَ اختلافٌ ، وقدْ أطلقَ أبو حازمٍ أنَّهُ آخرُ الصحابةِ موتاً ، وكأنَّهُ أخذهُ مِنْ قولِ سهلٍ ، حيثُ سَمِعَهُ يقول : لو متُّ لم تسمعوا أحداً يقولُ : قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، والظاهرُ أنَّهُ أرادَ أهلَ المدينةِ إذ لم يكنْ بقيَ بالمدينةِ غيرهُ.وقدِ اختُلِفَ في سنةِ وفاتهِ أيضاً، فقيلَ : سنةُ ثمانٍ وثمانينَ ، قالهُ أبو نُعَيمٍ والبخاريُّ والترمذيُّ ، وقيلَ : سنةُ إحدى وتسعينَ قالهُ الواقديُّ ، والمدائنيُّ ، ويحيى بنُ بُكيرٍ ، وابنُ نميرٍ ، وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحِزَاميُّ ورجَّحهُ ابنُ زَبْرٍ ، وابنُ حبَّانَ . وقدِ اختُلِفَ في وفاتهِ أيضاً بالمدينةِ فالجمهورُ على أنَّهُ ماتَ بها ، وقالَ قتادةُ : بمصرَ ، وقالَ أبو بكرِ ابنُ أبي داودَ : بالإسكندريةِ ، ولهذا جُعِلَ السائبُ آخرَ مَنْ ماتَ بالمدينةِ كما تقدَّم.والقولُ الثالثُ : إنَّ آخرهم موتاً بها جابرُ بنُ عبدِ اللهِ ، رواهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ عن قتادةَ ، وبهِ صدَّر ابنُ الصلاحِ كلامَهُ، فاقتضى ترجيحهُ عندهُ، وكذا قالهُ أبو نعيمٍ وهو قولٌ ضعيفٌ ؛ لأنَّ السائبَ ماتَ بالمدينةِ عندهُ بلا خلافٍ ، وقدْ تأخَّرَ بعدهُ ، وقدِ اختُلِفَ أيضاً في مكانِ وفاةِ جابرٍ ، فالجمهورُ عَلَى أنَّهُ ماتَ بالمدينةِ ، وقيلَ : بقُبَاءَ . وقيلَ : بمكةَ ، قالهُ أبو بكرِ ابنُ أبي داودَ.
واخْتُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ ، فقيلَ: سنةُ اثنتينِ وسبعينَ ، وقيلَ : ثلاثٌ ، وقيلَ: أربعٌ ، وقيلَ : سبعٌ ، وقيلَ : ثمانٍ ، وهو المشهورُ ، وقيلَ : سنةُ تسعٍ وسبعينَ .
قلتُ : هكذا اقتصر ابنُ الصلاحِ على ثلاثةِ أقوالٍ في آخرِ مَنْ ماتَ بالمدينةِ ، وقد تأخرَ بعدَ الثلاثةِ المذكورين بالمدينةِ محمودُ بنُ الربيعِ الذي عَقَلَ مجَّةَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في وجههِ ، وهوَ ابنُ خمسِ سنينَ(9)، وتوفيَ سنةَ تسعٍ وتسعينَ ، بتقديم التاءِ فيهما ، فهوَ إذاً آخرُ الصحابةِ موتاً بالمدينةِ . وتأخرَ أيضاً بعدَ الثلاثةِ محمودُ بنُ لبيدٍ الأشهليُّ ، ماتَ بالمدينةِ سنةَ ستٍّ وتسعينَ أو خمسٍ وتسعينَ ، وقدْ قالَ البخاريُّ : إنَّ لهُ صحبةً ، وكذا قالَ ابنُ حبَّانَ وإنْ كانَ مسلمٌ وجماعةٌ عدَّوهُ في التابعينَ .
وأمَّا آخرُ مَنْ ماتَ بمكةَ منهم ، فقيلَ : جابرُ بنُ عبدِ اللهِ ، قالهُ ابنُ أبي داودَ . والمشهور وفاتهُ بالمدينةِ كما تقدَّمَ ، وقيلَ : آخرهم موتاً بها عبدُ اللهِ بنُ عمر بن الخطابِ ، قاله قتادةُ وأبو الشيخِ ابنُ حيَّانَ في " تاريخهِ " ، وبهِ صدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ .
وقدِ اختُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ ، فقيلَ : سنةُ ثلاثٍ وسبعينَ ، وقيلَ : أربعٌ ، ورجَّحهُ ابنُ زَبْرٍ . وممَّن جزمَ أنَّهُ ماتَ بمكةَ ، ودُفِنَ بفخٍّ ، ابنهُ سالمُ بنُ عبدِ اللهِ، وابنُ حبَّانَ ، وابنُ زَبْرٍ ، وغيرُ واحدٍ ، وكذلكَ مصعبُ بنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ ؛ ولكنهُ قالَ دُفِنَ بذِي طَوًى ، وإنَّما يكونُ جابرٌ أو ابنُ عمرَ آخرَ مَنْ ماتَ بمكةَ إنْ لمْ يكنْ أبو الطفيلِ ماتَ بِهَا، كَمَا قدْ قيلَ، والصحيحُ: أنَّ أبا الطفيلِ ماتَ بمكةَ، كَمَا قالَهُ عليُّ بنُ المدينيِّ وابنُ حبَّانَ وغيرُهما.
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالبصرةِ : أنسُ بنُ مالكٍ ، قالهُ قتادةُ ، وأبو هلالٍ ، والفلاَّسُ ، وابنُ المدينيِّ وابنُ سعدٍ ، وأبو زكريا بنُ منده ، وغيرهم ، واختلفَ في وقتِ وفاتهِ ، فقيلَ : سنةُ ثلاثٍ وتسعينَ ، وقيلَ : سنةُ اثنتينِ ، وقيلَ : إحدى ، وقيلَ : سنةُ تسعينَ ، قالَ ابنُ عبدِ البرِّ : وما أعلَمُ أحداً ماتَ بعدَهُ ممَّنْ رأى رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) إلاَّ أبا الطفيلِ .
قلتُ : قدْ ماتَ بعدَهُ محمودُ بنُ الربيعِ بلا خلافٍ في سنةِ تسعٍ وتسعينَ ، كما تقدَّمَ ، وقدْ رآهُ وعقلَ عنهُ وحدَّثَ عنهُ، كما في "صحيح البخاريِّ" ، واللهُ أعلمُ.
وكذا تأخرَ بعدَهُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ المازنيُّ في قولِ عبدِ الصمدِ بنِ سعيدٍ ، كما سيأتي .
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالكوفةِ : عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى ، قالهُ قتادةُ والفلاَّسُ وابنُ حبانَ وابنُ زَبْرٍ وابنُ عبدِ البرِّ ، وأبو زكريا بنُ منده . وذكر ابنُ المدينيِّ : أنَّ آخرَهُم موتاً بالكوفةِ : أبو جُحَيفةَ ، والأولُ أصحُّ ، فإنَّ أبا جُحَيْفةَ توفيَ سنةَ ثلاثٍ وثمانينَ ، وقيلَ : أربعٍ وسبعينَ ، وبقيَ ابنُ أبي أوفى بعدَهُ إلى سنةِ ستٍّ وثمانينَ ، وقيلَ : سبعٍ ، وقيلَ : ثمانٍ ، نعم .. بقي النظرُ في ابنِ أبي أوفى ، وعمرِو بنِ حُريثٍ ، فإنَّهُ أيضاً ماتَ بالكوفةِ ، فإنْ كانَ عمرُو بنُ حريثٍ توفيَ في سنةِ خمسٍ وثمانينَ ، فقد تأخَّرَ ابنُ أبي أوفى بعدَهُ ، وإنْ كانَ توفيَ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ ، كما رواهُ الخطيبُ في " المتفقِ والمفترقِ " ، عن محمدِ بنِ الحسنِ الزعفرانيِّ ؛ فيكونُ عمرُو بنُ حريثٍ آخرَهم موتاً بها ، واللهُ أعلمُ. وابنُ أبي أوفى آخرُ مَنْ بقيَ ممَّنْ شَهِدَ بيعةَ الرضوانِ .
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالشامِ: عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ المازنيُّ، قالهُ الأحوصُ بنُ حكيمٍ ، وابنُ المدينيِّ ، وابنُ حبَّانَ ، وابنُ قانعٍ، وابنُ عبدِ البرِّ ، والمزيُّ ، والذهبيُّ. واختُلِفَ في وفاتهِ ، فقيلَ: سنةُ ثمانٍ وثمانينَ وهو المشهورُ، وقيلَ: سنةُ ستٍّ وتسعينَ ، قالهُ عبدُ الصمدِ بنُ سعيدٍ ، وبهِ جزمَ أبو عبدِ اللهِ بنُ منده ، وأبو زكريا بنُ منده ، وقالَ : إنَّهُ صلَّى للقبلتينِ .
فعلى هذا هوَ آخرُ مَنْ بقيَ ممَّنْ صلَّى للقبلتينِ .
وقيلَ : إنَّ آخرَ مَنْ ماتَ بالشامِ منهم : أبو أُمامَةَ صُدَيُّ بنُ عَجْلانَ الباهليُّ ، رويَ ذلكَ عنِ الحسنِ البصريِّ وابنِ عيينةَ ، وبهِ جزمَ أبو عبدِ اللهِ ابنُ منده ، والصحيحُ الأولُ ، فقدْ قالَ البخاريُّ في " التاريخِ الكبيرِ " قالَ عليٌّ: سمعتُ سفيانَ ، قلتُ لأحوصَ : كانَ أبو أمامةَ آخرَ مَنْ ماتَ عندكم منْ أصحابِ النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) ؟ قالَ : كانَ بعدَهُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ ، قدْ رأيتُهُ .
واخْتُلِفَ في سنةِ وفاةِ أبي أمامةَ ، فقيل : سنةُ ستٍّ وثمانينَ ، وقيلَ: إحدى وثمانينَ
وقال أبو زكريا بنُ منده ، في جزءٍ جَمَعَهُ في آخرِ مَنْ ماتَ منَ الصحابة فيما رويناهُ عنهُ : آخرُ مَنْ ماتَ بدمشقَ منهم : واثلةُ بنُ الأسقعِ الليثيُّ ، وكذا قاله قتادةُ ؛ ولكنْ قدِ اخْتُلِفَ في مكانِ وفاتهِ، فقالَ قتادةُ ودُحَيْمٌ، وأبو زكريا بنُ منده: ماتَ بدمشقَ، وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ : ماتَ ببيتِ المقدسِ . وقالَ ابنُ قانعٍ : بحمصَ . واخْتُلِفَ أيضاً في سنةِ وفاتِهِ ، فقيلَ : سنةُ خمسٍ وثمانينَ . وقيلَ : ثلاثٍ . وقيلَ : سنةُ ستٍّ وثمانينَ .
وآخرُ مَنْ ماتَ بحمصَ منهم : عبدُ اللهِ بنُ بسرٍ المازنيُّ ، قالهُ قتادةُ ، وأبو زكريا بنُ منده .
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 216)
(2) - المستدرك للحاكم (4414) وهو حسن
(3) - المستدرك للحاكم ( 4587) وهو حسن
(4) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 21)
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 120)
(6) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 502)
(7) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 218)
(8) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (4635 ) وسير أعلام النبلاء (3/470)
(9) - صحيح البخارى(77 ) عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْتُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِى وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ .(1/433)
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالجزيرةِ: العُرْسُ بنُ عَميرةَ الكِندِيُّ، قالهُ أبو زكرياْ بنُ منده.
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بفلسطينَ : أبو أُبيٍّ عبدُ اللهِ بنُ أمِّ حَرَامٍ ، قالهُ أبو زكريا بنُ منده ، وهو ابنُ امرأةِ عبادةَ بنِ الصامتِ . واختُلِفَ في اسمهِ ، فقالَ ابنُ سعدٍ ، وخليفةُ ، وابنُ عبدِ البرِّ : هوَ عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ قيسٍ وقيلَ : عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ ، وقيلَ : بنُ كعبٍ ، وقدِ اختلِفَ أيضاً في مكانِ وفاتهِ . فقيلَ : إنَّهُ ماتَ بدمشقَ . وذكرَ ابنُ سُميعٍ : أنَّهُ توفيَ ببيتِ المقدسِ ، قلتُ : فإنْ كانَ توفيَ بدمشقَ ، فآخرُ مَنْ ماتَ بفلسطينَ قيسُ بنُ سعدِ بنِ عبادةَ ، فقد ذكرَ أبو الشيخِ في " تاريخهِ " عن بعضِ ولدِ سعدٍ : أنَّ قيسَ بنَ سعدٍ توفيَ بفلسطينَ سنةَ خمسٍ وثمانينَ في ولايةِ عبدِ الملكِ ؛ لكنَّ المشهورَ أنَّهُ توفيَ في المدينةِ في آخرِ خلافةِ معاويةَ، قاله الهيثمُ بنُ عديٍّ ، والواقديُّ ، وخليفةُ ابنُ خياطٍ ، وغيرهم .
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بمصرَ: عبدُ اللهِ بنُ الحارثِ بنُ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ ، قاله سفيانُ بنُ عيينةَ ، وعليُّ بنُ المدينيِّ ، وأبو زكريا بنُ منده . واختُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ ، فالمشهورُ : سنةُ ستٍّ وثمانينَ ، وقيلَ : سنةُ خمسٍ ، وقيلَ : سبعٍ ، وقيلَ : ثمانٍ ، وقيل : تسعٍ . وذكرَ الطحاويُّ أنَّهُ ماتَ بسَفْطِ القدورِ ، وهي التي تُعرفُ اليومَ بسفطِ أبي ترابٍ ، وقدْ قيلَ: إنَّهُ ماتَ باليمامةِ ، حكاهُ أبو عبدِ اللهِ بنُ منده ، وقالَ أيضاً : إنَّهُ شهدَ بدراً ، فعلى هذا هوَ آخرُ البدريينَ موتاً ، ولا يصحُّ شهودُهُ بدراً ، واللهُ أعلمُ .
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم باليمامةِ : الهِرْمَاسُ بنُ زيادٍ الباهليُّ، قالهُ أبو زكريا ابنُ منده، وذُكِرَ عن عِكْرِمَةَ بنِ عمارٍ ، قالَ : لقيتُ الهرماسَ بنَ زيادٍ سنةَ اثنتينِ ومائةٍ .
وآخرُهم موتاً بِبَرْقَةَ : رُوَيفعُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ ، وقالَ أبو زكريا ابنُ منده : إنَّهُ توفيَ بإفريقيةَ ، وإنَّهُ آخرُ مَنْ ماتَ بها منَ الصحابةِ ، وقالَ أحمدُ بنُ البَرْقيِّ : توفيَ بِبَرْقةَ ، وصحَّحهُ المِزِّيُّ ، وقالَ ابنُ الصلاحِ : " إنَّهُ لا يصحُّ وفاتُهُ بإفريقيةَ " ، وكذا ذكرَ ابنُ يونسَ : أنَّهُ توفيَ ببرقةَ ، وهوَ أميرٌ عليها لِمَسْلَمةَ بنِ مُخَلَّدٍ سنةَ ثلاثٍ وخمسينَ ، فإنَّ قبْرَهُ معروفٌ ببرقةَ إلى اليومِ ، ووقعَ في " تهذيبِ الكمالِ " نقلاً عنِ ابنِ يونسَ : أنَّ وفاتهُ في سنةِ ستٍّ وخمسينَ . وفي مكانِ وفاتِهِ قولٌ آخرُ لمْ يحكهِ ابنُ منده ، ولا ابنُ الصلاحِ ، وهوَ أنَّهُ ماتَ بِأَنْطَابُلُسَ ، قالهُ الليثُ بنُ سعدٍ . وقيلَ : إنَّهُ ماتَ بالشامِ .
وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالباديةِ : سَلَمَةُ بنُ الأكوعِ ، قالهُ أبو زكريا بنُ منده ، والصحيحُ أنَهُ ماتَ بالمدينةِ ، قالهُ ابنُهُ إياسُ بنُ سلمةَ ، ويحيى بنُ بكيرٍ ، وأبو عبدِ اللهِ بنُ منده . ورجَّحهُ ابنُ الصلاحِ .
واخْتُلِفَ أيضاً في سنةِ وفاتِهِ ، فالصحيحُ : أنَّهُ توفيَ سنةَ أربعٍ وسبعينَ ، وقيلَ : سنةُ أربعٍ وستينَ .
وهذا آخرُ ما ذكرهُ ابنُ الصلاحِ من أواخرِ مَنْ ماتَ منَ الصحابةِ مقيَّداً بالأماكنِ ، وبقيَ عليهِ مما ذكرهُ أبو زكريا بنُ منده أنَّ آخرَ مَنْ ماتَ بِخُرَاسانَ منهم : بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ، وأنَّ آخرَ مَنْ ماتَ منهمْ بالرُّخَّجِ منهم: العدَّاءُ بنُ خالدِ بنُ هَوْذَةَ ، والرُّخَّجُ : من أعمالِ سجستانَ .
وممَّا لمْ يذكرْهُ ابنُ الصلاحِ، ولا ابنُ منده أيضاً: أنَّ آخرَ مَنْ ماتَ منهم بأصبهانَ : النابغةُ الجعديُّ ، وقد ذكرَ وفاتَهُ بأصبهانَ أبو الشيخِ في " طبقاتِ الأصبهانيينَ " ، وأبو نُعَيمٍ في " تاريخِ أصبهانَ " .
وآخرُ منْ ماتَ منهم بالطائفِ : عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ .
---------------------
13-أهميته وفائدته:
ومعرفة الصحابة لها فوائد مهمة في الدين والعلم. منها:
1- أنهم هداةُ البشرية بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهم أمثلة تطبيق الدين، سيرتهم تملأ القلوب يقينا، وتحث الهمم على الجهاد والعمل، وتلهب الحماس في النفوس.
2- معرفة الحديث المرسل وتمييزه عن المنقطع والموصول، فإذا لم نعرف الناقل للحديث أهو صحابي أو ليس بصحابي لا يمكن لنا ذلك.
14- الجيلُ القرآنيُّ الفريدُ
لقد خرَّجت هذه الدعوة جيلاً من الناس - جيل الصحابة رضوان الله عليهم - جيلاً مميزًا في تاريخ الإسلام كله وفى تاريخ البشرية جميعه . ثم لم تعد تخرج هذا الطراز مرة أخرى .. نعم وُجد أفراد من ذلك الطراز على مدار التاريخ . ولكن لم يحدث قط أن تجمَّع مثل ذلك العدد الضخم ، في مكان واحد ، كما وقع في الفترة الأولى من حياة هذه الدعوة .
هذه ظاهرة واضحة واقعة ، ذات مدلول ينبغي الوقوف أمامه طويلاً ، لعلنا نهتدي إلى سرِّه .
إن قرآن هذه الدعوة بين أيدينا ، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه العملي ، وسيرته الكريمة ، كلها بين أيدينا كذلك ، كما كانت بين أيدي ذلك الجبل الأول ، الذي لم يتكرر في التاريخ .. ولم يغب إلا شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل هذا هو السر ؟
لو كان وجود شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتميًّا لقيام هذه الدعوة ، وإيتائها ثمراتها ، ما جعلها الله دعوة للناس كافة ، وما جعلها آخر رسالة ، وما وكَّل إليها أمر الناس في هذه الأرض ، إلى آخر الزمان ..
ولكن الله - سبحانه - تكفل بحفظ الذِّكْر ، و علم أن هذه الدعوة يمكن أن تقوم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمكن أن تؤتي ثمارها . فاختاره إلى جواره بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الرسالة ، وأبقى هذا الدِّين من بعده إلى آخر الزمان .. وإذن فإن غيبة شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تفسر تلك الظاهرة ولا تعللها .
فلنبحث إذن وراء سبب آخر . لننظر في النبع الذي كان يستقي منه هذا الجيل الأول ، فلعل شيئاً قد تغير فيه . ولننظر في المنهج الذي تخرجوا عليه ، فلعل شيئاً قد تغير فيه كذلك .
كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن . القرآن وحده . فما كان حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه إلا أثرًا من آثار ذلك النبع ، فعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِى بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم..(1).
كان القرآن وحده إذن هو النبع الذي يستقون منه ، ويتكيفون به ، ويتخرجون عليه ، ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة ، ولا ثقافة ، ولا علم ، ولا مؤلفات ، ولا دراسات .. كلا !
فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوروبا تعيش عليه ، أو على امتداده . وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها ، وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم . وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك . وحضارات أخرى قاصية ودانية : حضارة الهند وحضارة الصين إلخ . وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها ، كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة .. فلم يكن إذن عن فقر في الحضارات العالمية والثقافات العالمية يقصر ذلك الجيل على كتاب الله وحده .. في فترة تكونه .. وإنما كان ذلك عن " تصميم " مرسوم ، ونهج مقصود .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا فَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ أَوْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِى »أخرجه أحمد(2)
وإذن فقد كان هناك قصد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقصر النبع الذي يستقي منه ذلك الجيل .. في فترة التكون الأولى .. على كتاب الله وحده ، لتخلص نفوسهم له وحده . ويستقيم عودهم على منهجه وحده . ومن ثم غضب أن رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستقي من نبع آخر .
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد صنع جيل خالص القلب . خالص العقل . خالص التصور . خالص الشعور . خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي ، الذي يتضمنه القرآن الكريم .
ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده . فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد .. ثم ما الذي حدث ، اختلطت الينابيع . ! صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم ، وأساطير الفرس وتصوراتهم ، وإسرائيليات اليهود ولاهوت النصارى ، وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات . واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم ، وعلم الكلام ، كما اختلط بالفقه والأصول أيضًا . وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل ، فلم يتكرر ذلك الجيل أبدًا
وما من شك أن اختلاط النبع الأول كان عاملاً أساسيًّا من عوامل ذلك الاختلاف البيِّن بين الأجيال كلها وذلك الجيل المميز الفريد .
هناك عامل أساسي آخر غير اختلاف طبيعة النبع . ذلك هو اختلاف منهج التلقي عما كان عليه في ذلك الجيل الفريد ..
إنهم - في الجيل الأول - لم يكونوا يقرءون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع ، ولا بقصد التذوق والمتاع . لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة ، ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جعبته . إنما كان يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها ، وشأن الحياة التي يحياها هو وجماعته ، يتلقى ذلك الأمر ليعمل به فور سماعه ، كما يتلقى الجندي في الميدان " الأمر اليومي " ليعمل به فور تلقيه ! ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة ، لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه ، فكان يكتفي بعشر آيات حتى يحفظها ويعمل بها كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
هذا الشعور .. شعور التلقي للتنفيذ .. كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتاع وآفاقًا من المعرفة ، لم تكن لتفتح عليهم لو أنهم قصدوا إليه بشعور البحث والدراسة والاطلاع ، وكان ييسر لهم العمل ، ويخفف عنهم ثقل التكاليف ، ويخلط القرآن بذواتهم ، ويحوله في نفوسهم وفي حياتهم إلى منهج واقعي ، وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف ، إنما تتحول آثارًا وأحداثًا تحوِّل خط سير الحياة .
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح : روح المعرفة المنشئة للعمل . إنه لم يجيء ليكون كتاب متاع عقلي ، ولا كتاب أدب وفن ، ولا كتاب قصة وتاريخ - وإن كان هذا كله من محتوياته - إنما جاء ليكون منهاح حياة . منهاجًا إلهيًّا خالصًا . وكان الله سبحانه يأخذهم بهذا المنهج مفرقًا ، يتلو بعضه بعضًا :{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [ الإسراء : 106 ]
لم ينزل هذا القرآن جملة ، إنما نزل وفق الحاجات المتجددة ، ووفق النمو المطَّرِد في الأفكار والتصورات ، والنمو المُطَّرِد في المجتمع والحياة ، ووفق المشكلات العملية التي تواجهها الجماعة المسلمة في حياتها الواقعية . وكانت الآية أو الآيات تنزل في الحالة الخاصة والحادثة المعينة تحدث الناس عما في نفوسهم ، وتصوِّر لهم ما هم فيه من الأمر ، وترسم لهم منهج العمل في الموقف ، وتصحح لهم أخطاء الشعور والسلوك ، وتربطهم في هذا كله بالله ربهم ، وتعرِّفُه لهم بصفاته المؤثرة في الكون ، فيحسون حينئذ أنهم يعيشون مع الملأ الأعلى ، تحت عين الله ، في رحاب القدرة . ومن ثم يتكيفون في واقع حياتهم ، وفق ذلك المنهج الإلهي القويم .
إن منهج التلقي للتنفيذ والعمل هو الذي صنع الجيل الأول . ومنهج التلقي للدراسة والمتاع هو الذي خرَّج الأجيال التي تليه . وما من شك أن هذا العامل الثاني كان عاملاً أساسيًا كذلك في اختلاف الأجيال كلها عن ذلك الجيل المميز الفريد .( المعالم)
15 - أشهر المصنفات في ترجم الصحابة(3):
يقول أبو عمر يوسف بن عبد البر(4): "وما أظن أهل دين من الأديان إلا وعلماؤهم معتنون بمعرفة أصحاب أنبيائهم لأنهم الواسطة بين النبي وبين أمته" اهـ.
ولا ريب أن المسلمين كانوا أعظم الأمم عناية بمعرفة أصحاب نبيهم، وها هي ذي المؤلفات في الصحابة تتجاوز العشرات من الكتب، نعرفك بأهمها، وهي أربعة مؤلفات قيمة أخرجتها المطابع:
1- "الاستيعاب في أسماء الأصحاب" للإمام الحافظ المحدث الفقيه أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري المتوفى سنة 463هـ
ابْنُ عَبْدِ البَرِّ أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّمَرِيُّ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، حَافظُ المَغْرِبِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَرِّ بنِ عَاصِمٍ النَّمَرِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، المَالِكِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ الفَائِقَة.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَة فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ.
وَطَلَبَ العِلْم بَعْد التِّسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَأَدْرَكَ الكِبَار، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَعلاَ سندُه، وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطلبَةُ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَوثَّق وَضَعَّف، وَسَارَتْ بتَصَانِيْفه الرُّكبَانُ، وَخَضَعَ لعلمه عُلَمَاء الزَّمَان.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ:أَبُو عُمَرَ فَقِيْهٌ حَافظٌ مُكْثِرٌ، عَالِم بِالقِرَاءات وَبَالخلاَف، وَبعلُوْم الحَدِيْث وَالرِّجَال، قَدِيْمُ السَّمَاع، يَمِيْل فِي الفِقْه إِلَى أَقْوَال الشَّافِعِيّ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ:لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِبلدنَا فِي الحَدِيْثِ مِثْلَ قَاسِم بن مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَد بن خَالِدٍ الجَبَّاب.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ عبد البر بدونهمَا، وَلاَ متخلفاً عَنْهُمَا، وَكَانَ مِنَ النَّمِرِ بن قَاسِط، طلب وَتَقدَّم، وَلَزِمَ أَبَا عُمَر أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الفَقِيْه، وَلَزِمَ أَبَا الوَلِيْدِ بن الفَرَضِي، وَدَأَب فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَافْتَنَّ بِهِ، وَبَرَعَ برَاعَة فَاقَ بِهَا مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ رِجَال الأَنْدَلُس، وَكَانَ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي علم الأَثر وَبَصَرِهِ بِالفِقْه وَالمَعَانِي لَهُ بسطَةٌ كَبِيْرَةٌ فِي علم النسب وَالأَخْبَار، جلاَ عَنْ وَطَنه، فَكَانَ فِي الغَرْب مُدَّةً، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى شَرْقِ الأَنْدَلُس، فَسَكَنَ دَانِية، وَبَلَنْسِية، وَشَاطِبَة، وَبِهَا تُوُفِّيَ.
قُلْتُ: كَانَ إِمَاماً ديِّناً، ثِقَة، مُتْقِناً، علاَمَة، مُتَبَحِّراً، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاع، وَكَانَ أَوَّلاً أَثرِياً ظَاهِرِياً فِيْمَا قِيْلَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مَالِكيّاً مَعَ مَيْلٍ بَيِّنٍ إِلَى فَقه الشَّافِعِيّ فِي مَسَائِل، وَلاَ يُنكر لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ بلغَ رُتْبَة الأَئِمَّة المُجْتَهِدين، وَمَنْ نَظَرَ فِي مُصَنَّفَاتِهِ، بانَ لَهُ مَنْزِلَتُهُ مِنْ سعَة العِلْم، وَقُوَّة الفَهم، وَسَيَلاَن الذّهن، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذ مِنْ قَوْله وَيُتْركُ إِلاَّ رَسُوْل اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِن إِذَا أَخْطَأَ إِمَامٌ فِي اجْتِهَادِهِ، لاَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ ننسَى مَحَاسِنهُ، وَنُغطِي معَارِفه، بَلْ نستغفرُ لَهُ، وَنَعْتَذِرُ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة:سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ البَاجِي يَقُوْلُ:لَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مِثْل أَبِي عُمَرَ بنِ عَبْدِ البر فِي الحَدِيْثِ، وَهُوَ أَحْفَظُ أَهْلِ المَغْرِب.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ:أَلَّف أَبُو عُمَرَ فِي(المُوَطَّأِ)كتباً مُفِيْدَة مِنْهَا:كِتَاب(التّمهيد لمَا فِي المُوَطَّأِ مِنَ المَعَانِي وَالأَسَانِيْد) فَرتَّبَهُ عَلَى أَسْمَاء شُيُوْخ مَالِك، عَلَى حروف المُعْجَم، وَهُوَ كِتَابٌ لَمْ يَتَقَدَّمه أَحَدٌ إِلَى مِثْلِهِ، وَهُوَ سَبْعُوْنَ جُزْءاً.
قُلْتُ:هِيَ أَجزَاء ضَخْمَة جِدّاً.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:لاَ أَعْلَمُ فِي الكَلاَم عَلَى فِقه الحَدِيْث مِثْلَه فَكَيْفَ أَحْسَن مِنْهُ؟
ثُمَّ صَنَعَ كِتَاب(الاسْتذكَار لمَذْهَب عُلَمَاء الأَمصَار فِيمَا تَضَمَّنَهُ المُوَطَّأ مِنْ معَانِي الرَّأْي وَالآثَار) شرح فِيْهِ(المُوَطَّأ)عَلَى وَجهه، وَجَمَعَ كِتَاباً جَلِيْلاً مُفِيْداً وَهُوَ(الاسْتيعَاب فِي أَسْمَاء الصَّحَابَة)، وَلَهُ كِتَاب(جَامِع بيَان العِلْم وَفضله، وَمَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَته وَحمله) وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ تَوَالِيفه.
وَكَانَ مُوَفَّقاً فِي التَأْلِيف، مُعَاناً عَلَيْهِ، وَنَفَع الله بتوَالِيفه، وَكَانَ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي علم الأَثر وَبَصَرِهِ بِالفِقْه وَمعَانِي الحَدِيْث لَهُ بَسْطَةٌ كَبِيْرَة فِي علم النسب وَالخَبَر.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ المُقْرِئ:مَاتَ أَبُو عُمَرَ لَيْلَة الجُمُعَة سلخ ربيع الآخر، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَاسْتكمل خَمْساً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَيَّام - رَحِمَهُ اللهُ - .
قُلْتُ:كَانَ حَافظَ المَغْرِب فِي زَمَانِهِ.
قُلْتُ:وَكَانَ فِي أُصُوْل الدّيَانَة عَلَى مَذْهَب السَّلَف، لَمْ يَدْخُلْ فِي علم الكَلاَم، بَلْ قفَا آثَارَ مَشَايِخه رَحِمَهُمُ الله. اهـ(5).
قصد فيه إلى جمع ما تفرق في كتب الصحابة المدونة من قبله ذكر منها في مقدمته خمسة عشر مرجعا، وأشار إلى مراجع أخرى كثيرة لم يذكرها(6)، واقتصر في جمعه "ذلك على النكت التي هي البغية من المعرفة بهم". فلذلك سمَّى كتابه "الاستيعاب" ورتبه على حروف المعجم.
لكن انتقد عليه أنه فاته جمع من الصحابة كثير، فإن غاية ما جمعه يبلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة.
وأنه كما قال ابن الصلاح شانه بذكر ما شجر بين الصحابة، وحكاياته فيه عن الأخباريين لا المحدثين. والمحدثون لا يرتاحون إلى هؤلاء الأخباريين، لأن الغالب عليهم الإكثار والتخليط فيما يروونه.
2- كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة"، للإمام المحدث الحافظ عز الدين علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير المتوفى سنة 630هـ.
جمع في كتابه هذا بين الكتب التي هي غاية ما انتهى إليه الجمع في الصحابة حتى عهده، فاجتمع له من الصحابة /7500/ . وعني بترتيبه على الأحرف ترتيبا أدق من كتاب الاستيعاب(7)، فجاء كتابا عظيما حافلا. قال الحافظ ابن حجر(8): "إلا أنه تبع من قبله، فخلط من ليس صحابيا بهم، وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم".
3- كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" للإمام الحافظ البحر الحجة أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ.
وهو أشمل وأوسع كتاب في تمييز الصحابة عن غيرهم ، وقد قسمه لأربع طبقات:
الأولى : فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه ، أو عن غيره سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان ، وقد زاد فيها كل من وقف على صحبته ، ورمز لها في نهاية الترجمة بـ (ز) .
والثانية : ذكر فيها صغار الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات قبل بلوغهم سن التمييز أو التحمل .
الثالثة : المخضرمون الذين أسلموا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لم يروه.
الرابعة : فيمن ذكر في الكتب السابقة على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك الغلط ، ولم يسبق لهذا القسم .
وذكر أثناء التراجم بعضاً من الأحاديث للراوي وقد تبلغ ألفي حديث فبعضها بين درجته ، وبعضها ذكره دون سند وسكت عليه فهذا إما صحيح أو حسن ، وأخرى ذكر سندها وسكت عليها في كثير من الأحيان فهذه أحاديث غالبها معلّ وبعضها مقبول . والكتاب له طبعات متعددة وهو بحاجة لتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه .
4- كتاب "حياة الصحابة" للعلامة الداعية المحدث الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي -الهندي المتوفى سنة 1383 هـ تغمده الله برحمته.
وهو كتاب بديع جدا في هذا الفن، تناول فيه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رضي الله عنهم من حيث كونهم أمثلة عليا في تطبيق هذا الدين، ومن حيث كونهم قدوة تحتذى في العلم والعمل والتقى والورع، فجمع فيه أخبارهم مرتبة على الأبواب لا الأسماء. مثل: "باب تحمل الشدائد في الله"، "باب الهجرة"، "باب الجهاد" وهكذا...والكتاب بهذا عدة هامة، وسلاح ماض للداعية لا يستغنى عنه
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (25338) صحيح
(2) - برقم(15006) وهو حديث حسن
(3) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 126)
(4) - الاستيعاب: 1: 8-9.
(5) - سير أعلام النبلاء(18/153-163) 85
(6) - الاستيعاب: 1: 9-10
(7) - انظر تقدمة أسد الغابة 305.
(8) - الإصابة: ج1ص4.(1/434)
معرفةُ التابعين(1)
- 2 -
1 - تعريف التابعي:
أ) لغة: التابعون جمع تابعي أو تابع، والتابع اسم فاعل من "تبعه" بمعنى مشَى خلفه.
ب) اصطلاحاً: اخْتُلِفَ في حدِّ التابعيِّ ، فقالَ الحاكمُ وغيرهُ : إنَّ التابعيَّ مَنْ لقيَ واحداً منَ الصحابةِ فأكثرَ.
وقدْ ذكرَ مسلمٌ وابنُ حِبَّانَ: سليمانَ بنَ مِهْرَانَ الأعمشَ في طبقة التابعينَ وقالَ ابنُ حبانَ(2): " أخرجناهُ في هذهِ الطبقةِ ؛ لأنَّ لهُ لقياً وحفظاً. رأى أنسَ بنَ مالكٍ ، وإنْ لَمْ يصحَّ لهُ سماعُ المسندِ عن أنسٍ " انتهى .
وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ : " لمْ يسمعْ من أنسٍ ، وإنما رآهُ رؤيةً بمكةَ يصلِّي " وليسَ لهُ روايةٌ في شيءٍ من الكتبِ الستةِ عن أحدٍ منَ الصحابةِ إلاَّ عن عبدِ اللهِ ابنِ أبي أوفى في " سننِ ابنِ ماجه " فقطْ .
وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ : " إنَّه لمْ يسمعْ منهُ " وقالَ الترمذيُّ : " إنَّهُ لمْ يسمعْ من أحدٍ منَ الصحابةِ " ، وعدَّهُ أيضاً في التابعينَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ. وعدَّ فيهم يحيى بنَ أبي كثيرٍ ؛ لكونهِ لَقِيَ أنساً . وعدَّ فيهم موسى بنَ أبي عائشةَ ؛ لكونِهِ لقيَ عَمْرَو بنَ حُريثٍ . وعدَّ فيهم جريرَ بنَ حازمٍ لكونهِ رأى أنساً ، وهذا مصيرٌ منهم إلى أنَّ التابعيَّ : مَنْ رأى الصحابيَّ.
ولكنَّ ابنَ حبَّانَ يشترطُ أن يكونَ رآهُ في سنِّ مَنْ يحفظُ عنهُ ، فإنْ كانَ صغيراً لمْ يحفظْ عنهُ فلا عبرةَ برؤيتِهِ ، كخلفِ بنِ خليفةَ ، فإنَّهُ عدَّهُ في أتباعِ التابعينَ ، وإنْ كانَ رأى عمرَو بنَ حريثٍ ؛ لكونهِ كانَ صغيراً .(3)
وقالَ الخطيبُ : " التابعيُّ مَنْ صَحِبَ الصحابيَّ " ، والأولُ أصحُّ ، ورجَّحهُ ابنُ الصلاحِ فقالَ(4): " والاكتفاءُ في هَذَا بمجردِ اللقاءِ والرؤيةِ أقربُ منهُ في الصحابةِ نظراً إِلَى مقتضى اللفظينِ فيهما " وقالَ النوويُّ في " التقريبِ والتيسيرِ ": " إنَّهُ الأظهرُ " . انتهى .
وَقَدْ عدَّ الخطيبُ منصورَ بنَ المعتمرِ منَ التابعينَ ، ولمْ يسمعْ من أحدٍ منَ الصحابةِ. وقولُ الخطيبِ لهُ منَ الصحابةِ ابنُ أبي أوفى ، يريد في الرؤيةِ لا في السماعِ والصحبةِ . وَلَمْ أرَ مَنْ ذكرهُ في طبقةِ التابعينَ .
وقالَ النوويُّ في " شرحِ مُسْلِم " : " إنَّهُ ليسَ بتابعيٍّ ؛ ولكنَّهُ من أتباعِ التابعينَ " ، وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « طُوبَى لِمَنْ رَآنِى وَآمَنَ بِى وَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِى وَلَمْ يَرَنِى سَبْعَ مِرَارٍ »(5).، فاكتفى فيهما بمجردِ الرؤيةِ
2 - من فوائده :
تمييزُ المرسل من المتصل .
3 - طبقات التابعين:
إنَّ التابعينَ طِباقٌ ، فجعلهم مسلمٌ في كتابِ " الطبقاتِ " ثلاثَ طبقاتٍ . وكذا فعلَ ابنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " ، وربَّما بلغَ بهم أربعَ طبقاتٍ . وقالَ الحاكمُ في " علومِ الحديثِ " : هم خمسَ عشرةَ طبقةً ، آخرهم مَنْ لقيَ أنسَ بنَ مالكٍ من أهلِ البصرةِ ، ومَنْ لقيَ عبدَ اللهِ ابنَ أبي أوفى من أهلِ الكوفةِ ومَنْ لقيَ السائبَ بنَ يزيدَ من أهلِ المدينةِ " وعدَّ الحاكمُ منهم ثلاثَ طبقاتٍ فقطْ ..
فالطبقةُ الأولى منَ التابعينَ مَنْ روى عنِ العشرةِ بالسماعِ منهم ، وليسَ في التابعينَ أحدٌ سمعَ منهم إلاَّ قيسَ بنَ أبي حازمٍ. ذكرهُ عبدُ الرحمنِ بنُ يوسفَ ابنُ خِرَاشٍ . وقالَ أبو عُبيدٍ الآجُريُّ عن أبي داودَ : روى عن تسعةٍ منَ العشرةِ ، ولمْ يروِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ " .
وأمَّا قولُ الحاكمِ في النوعِ السابعِ من " علومِ الحديثِ " : وقدْ أدركَ سعيدُ بنُ المسيبِ أبا بكرٍ ، وعمرَ ، وعثمانَ ، وعليَّاً ، وطلحةَ ، والزبيرَ إلى آخرِ العشرةِ . قالَ : " وليسَ في جماعةِ التابعينَ مَنْ أدركهم وسمعَ منهم غيرُ سعيدٍ ، وقيسِ بنِ أبي حازمٍ " . انتهى ، فهو غلطٌ صريحٌ ، وكذا قولهُ في النوعِ الرابعَ عشر : " فمنَ الطبقةِ الأولى قومٌ لحقوا العشرةَ منهم سعيدُ بنُ المسيِّبِ ، وقيسُ بنُ أبي حازمٍ، وأبو عثمانَ النَّهْديُّ ، وقيسُ بنُ عُبَادٍ ، وأبو سَاسَانَ حُضَيْنُ بنُ المنذرِ، وأبو وائلٍ ، وأبو رَجَاءٍ العُطَارِديُّ " . انتهى .
وقد أُنكِرَ ذلكَ على الحاكمِ ؛ لأنَّ سعيدَ بنَ المسيبِ إنما وُلِدَ في خلافةِ عمرَ ، بلا خلافٍ ، فكيفَ يسمعُ مِنْ أبي بكرٍ ؟ والصحيحُ أيضاً : أنَّهُ لَمْ يسمعْ منْ عمرَ ، قالهُ يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ ويحيى بنُ معينٍ وأبو حاتمٍ الرازيُّ ، نَعَمْ ... ، أثبتَ أحمدُ بنُ حنبلٍ سماعهُ منهُ . وبالجملةِ فلمْ يسمعْ من أكثرِ العشرةِ ، بلْ قالَ بعضُهُمْ فيما حكاهُ ابنُ الصلاحِ : أنَّهُ لا يصحُّ له روايةٌ عن أحدٍ منَ العشرةِ إلاَّ سعدَ بنَ أبي وقاصٍ .
4- أفضلُ التابعينَ :
اختلفوا في أفضلِ التابعينَ ، فقالَ عثمانُ الحارثيُّ : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يقولُ(6): أفضلُ التابعينَ سعيدُ بنُ المسيبِ ، فقيلَ لهُ: فعلقمةُ والأسودُ ، فقالَ : سعيدُ وعلقمةُ والأسودُ " .
وقالَ عليُّ ابنُ المدينيِّ: هوَ عندي أجلُّ التابعينَ ، وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ: " ليسَ في التابعينَ أنبلُ من ابنِ المسيِّبِ " . وقالَ ابنُ حبَّانَ: " هو سيِّدُ التابعينَ " ووردَ عنْ أحمدَ أيضاً أنَّهُ قالَ: أفضلُ التابعينَ قيسُ بنُ أبي حازمٍ وأبو عثمانَ النَّهْديُّ ، ومسروقٌ ، هؤلاءِ كانوا فاضلينَ ومِنْ عِلْيةِ التابعينَ . وعنهُ أيضاً قالَ : لا أعلمُ في التابعينَ مثلَ أبي عثمانَ وقيسٍ.
وقالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ خَفِيْفٍ الشيرازيُّ : اختَلَفَ الناسُ في أفضلِ التابعينَ ، فأهلُ المدينةِ يقولونَ : سعيدُ بنُ المسيِّبِ ، وأهلُ البصرةِ يقولونَ : الحسنُ البصريُّ ، وأهلُ الكوفةِ يقولونَ : أويسٌ القرنيُّ . واستحسنهُ ابنُ الصلاحِ .
قلتُ : الصحيحُ ، بلِ الصوابُ ما ذهبَ إليهِ أهلُ الكوفةِ ، لما روى مسلمٌ في " صحيحهِ (6655 ) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ».. فهذا الحديثُ قاطعٌ للنِزاعِ .
وأمَّا تفضيلُ أحمدَ لابنِ المسيِّبِ وغيرِهِ فلعلَّهُ لمْ يبلغْهُ هذا الحديثُ ، أوْ لَمْ يصحَّ عنهُ ، أو أرادَ بالأفضليةِ : الأفضليةَ في العلمِ لا الخيريةِ ، وقدْ تقدَّمَ في " معرفةِ الصحابةِ " أنَّ الخطابيَّ نقلَ عن بعضِ شيوخهِ أنَّهُ : كانَ يُفرِّقُ بينَ الأفضليةِ والخيريةِ ، واللهُ أعلمُ .
وقال البَلْقِيني(7): الأحسن أن يُقال: الأفضل من حيث الزُّهْد والورع: أُويس, ومن حيث حفظ الخبر والأثر: سعيد.
وقال أحمد: ليس أحد أكثر فتوى في التَّابعين من الحسن, وعطاء, كان عطاء مفتي مَكَّة, والحسن مُفتي البَصْرة.(8)
5- أفضلُ التابعيات :
روى أبو بكرِ بنُ أبي داودَ بإسنادِهِ إلى إيَّاسِ بنِ معاويةَ قالَ : ما أدركتُ أحداً أُفَضِّلُهُ على حفصةَ ، يعني : بنتَ سيرينَ ، فقيلَ لهُ : الحسنُ وابنُ سيرينَ ، فقالَ أما أنا فلا أفضِّلُ عليها أحداً . وقالَ أبو بكرِ ابنُ أبي داودَ : سيدتا التابعينَ من النساءِ حَفْصَةُ بنتُ سيرينَ ، وعَمْرَةُ بنتُ عبدِ الرحمنِ ، وثالثتُهما وليستْ كهما: أُمُّ الدرداءِ ، يريدُ الصُّغرى ، واسمها هُجَيْمَةُ ، ويقالُ : جُهَيْمَةُ . فأمَّا أُمُّ الدرداءِ الكُبْرى ، فهيَ صحابيةٌ واسمها خَيْرَةٌ .
قلت : وهذه ترجمة كل واحدة منهنَّ :
حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ أُمُّ الهُذَيْلِ الفَقِيْهَةُ (ع) الأَنْصَارِيَّةُ.
رَوَتْ عَنْ: أُمِّ عَطِيَّةَ، وَأُمِّ الرَّائِحِ، وَمَوْلاَهَا؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي العَالِيَةِ، رَوَى عَنْهَا: أَخُوْهَا؛ مُحَمَّدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ.
رُوِيَ عَنْ: إِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَداً أُفَضِّلُهُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ: قَرَأَتِ القُرْآنَ وَهِيَ بِنْتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَتْ سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَذَكَرُوا لَهُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَمَا أُفَضِّلُ عَلَيْهَا أَحَداً.
وَقَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: مَكَثَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً لاَ تَخْرُجُ مِنْ مُصَلاَّهَا إِلاَّ لِقَائِلَةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ، قُلْتُ: تُوُفِّيَتْ بَعْدَ المائَةِ.(9)
عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّةُ (ع)
ابْنِ زُرَارَةَ بنِ عُدُسٍ الأَنْصَارِيَّةُ، النَّجَّارِيَّةُ، المَدَنِيَّةُ، الفَقِيْهَةُ، تَرْيِبَةُ عَائِشَةَ وَتِلْمِيْذَتُهَا.
قِيْلَ: لأَبِيْهَا صُحْبَةٌ، وَجَدُّهَا سَعْدٌ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ أَخُو النَّقِيْبِ الكَبِيْرِ أَسْعَدِ بنِ زُرَارَةَ.
حَدَّثَتْ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَأُخْتِهَا؛ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ.
حَدَّثَ عَنْهَا: وَلَدُهَا؛ أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنَاهُ؛ حَارِثَةُ وَمَالِكٌ، وَابْنُ أُخْتِهَا؛ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَتْ عَالِمَةً، فَقِيْهَةً، حُجَّةً، كَثِيْرَةَ العِلْمِ.
رَوَى: أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ قَالَ لِي: يَا غُلاَمُ، أَرَاكَ تَحْرِصُ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ، أَفَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى وِعَائِهِ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: عَلَيْكَ بِعَمْرَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ.
قَالَ: فَأَتَيْتُهَا، فَوَجَدْتُهَا بَحْراً لاَ يُنْزَفُ.
قُلْتُ: اخْتَلَفُوا فِي وَفَاتِهَا، فَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ، وَحَدِيْثُهَا كَثِيْرٌ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ.(10)
مُعَاذَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ أُمُّ الصَّهْبَاءِ العَدَوِيَّةُ (ع)
السِّيدَةُ، العَالِمَةُ، أُمُّ الصَّهْبَاءِ العَدَوِيَّةُ، البَصْرِيَّةُ، العَابِدَةُ، زَوْجَةُ السَّيِّدِ القُدْوَةِ: صِلَةَ بنِ أَشْيَمَ.
رَوَتْ عَنْ: عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَائِشَةَ، وَهِشَامِ بنِ عَامِرٍ.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَيَزِيْدُ الرِّشْكُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَعُمَرُ بنُ ذَرٍّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَحَدِيْثُهَا مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الصِّحَاحِ، وَثَّقَهَا: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
بَلَغَنَا: أَنَّهَا كَانَتْ تُحْيِي اللَّيْلَ عِبَادَةً، وَتَقُوْلُ: عَجِبْتُ لِعَيْنٍ تَنَامُ، وَقَدْ عَلِمَتْ طُوْلَ الرُّقَادِ فِي ظُلَمِ القُبُوْرِ.
وَلَمَّا اسْتُشْهِدَ زَوْجُهَا صِلَةُ وَابْنُهَا فِي بَعْضِ الحُرُوْبِ، اجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَتْ:
مَرْحَباً بِكُنَّ إِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِلْهَنَاءِ، وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَارْجِعْنَ.
وَكَانَتْ تَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ البَقَاءَ إِلاَّ لأَتَقَرَّبَ إِلَى رَبِّي بِالوَسَائِلِ، لَعَلَّهُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَابْنِهِ فِي الجَنَّةِ.
أَرَخَّ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَفَاتَهَا: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ.(11)
أُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى هُجَيْمَةُ الحِمْيَرِيَّةُ (ع)
الدِّمَشْقِيَّةُ، السَّيِّدَةُ، العَالِمَةُ، الفَقِيْهَةُ، هُجَيْمَةُ، وَقِيْلَ: جُهَيْمَةُ، الأَوْصَابِيَّةُ، الحِمْيَرِيَّةُ، الدِّمَشْقِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى.
رَوَتْ عِلْماً جَمّاً عَنْ: زَوْجِهَا؛ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَنْ: سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَكَعْبِ بنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَرَضَتِ القُرْآنَ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَالَ عُمُرُهَا، وَاشَتَهَرَتْ بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ وَالزُّهْدِ.
حَدَّثَ عَنْهَا: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، ومَكْحُوْلٌ، وَعَطَاءٌ الكَيْخَارَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ، وَزَيْدُ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ حَيَّانَ المُرِّيُّ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ: أُمُّ الدَّرْدَاءِ هِيَ هُجَيْمَةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الوَصَّابِيَّةُ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ الكُبْرَى هِيَ خَيْرَةُ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ، لَهَا صُحْبَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، اسْمُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ الفَقِيْهَةُ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ: هُجَيْمَةُ بِنْتُ حَيٍّ الأَوْصَابِيَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ جَابِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: كَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ يَتِيْمَةً فِي حِجْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، تَخْتَلِفُ مَعَهُ فِي بُرْنُسٍ، تُصَلِّي فِي صُفُوْفِ الرِّجَالِ، وَتَجْلِسُ فِي حِلَقِ القُرَّاءِ، تَعَلَّمُ القُرْآنَ، حَتَّى قَالَ لَهَا أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْماً: الْحَقِي بِصُفُوْفِ النِّسَاءِ.
عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّهَا قَالَتْ لأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ المَوْتِ: إِنَّكَ خَطَبْتَنِي إِلَى أَبَوَيَّ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْكَحُوْكَ، وَأَنَا أَخْطِبُكَ إِلَى نَفْسِكَ فِي الآخِرَةِ ، قَالَ: فَلاَ تَنْكِحِيْنَ بَعْدِي.
فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي كَانَ، فَقَالَ: عَلَيْكِ بِالصِّيَامِ.
وَرُوِيَتْ مِنْ وَجْهٍ عَنْ لُقْمَانَ بنِ عَامِرٍ، وَزَادَ: وَكَانَ لَهَا جَمَالٌ وَحُسْنٌ.
وَرَوَى: مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: لاَ تَسْأَلِي أَحَداً شَيْئاً.
فَقُلْتُ: إِنِ احْتَجْتُ؟
قَالَ: تَتَبَّعِي الحَصَّادِيْنَ، فَانْظُرِي مَا يَسْقُطُ مِنْهُم، فَخُذِيْهِ، فَاخْبُطِيْهِ، ثُمَّ اطْحَنِيْهِ، وَكُلِيْهِ.
قَالَ مَكْحُوْلٌ: كَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ فَقِيْهَةً.
وَعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَنَذْكُرَ اللهَ عِنْدَهَا.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ: كُنَّ النِّسَاءُ يَتَعَبَّدْنَ مَعَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَإِذَا ضَعُفْنَ عَنِ القِيَامِ، تَعَلَّقْنَ بِالحِبَالِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَيَّانَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُوْلُ: إِنَّ أَحَدُهُمْ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ لاَ يُمْطِرُ عَلَيْهِ ذَهَباً وَلاَ دَرَاهِمَ، وَإِنَّمَا يَرْزُقُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ أُعْطِيَ شَيْئاً، فَلْيَقْبَلْ، فَإِنْ كَانَ غَنِيّاً، فَلْيَضَعْهُ فِي ذِي الحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيْراً، فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ جَالِساً فِي صَخْرَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ مَعَهُ جَالِسَةٌ، حَتَّى إِذَا نُوْدِيَ لِلْمَغْرِبِ، قَامَ، وَقَامَتْ تَتَوَكَّأُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا المَسْجِدَ، فَتَجْلِسُ مَعَ النِّسَاءِ، وَيَمْضِي عَبْدُ المَلِكِ إِلَى المَقَامِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ كَثِيْراً مَا يَجْلِسُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ بِدِمَشْقَ.
وَعَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَجَّتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.(12)
6- الفقهاءُ السبْعَةُ مِنْ أهلِ المدينةِ
منَ المعدودينَ في أكابرِ التابعينَ ، الفقهاءُ السبْعَةُ مِنْ أهلِ المدينةِ ، وهمْ : خارجةُ بنُ زيدِ بنِ ثابتٍ، والقاسمُ بنُ محمدِ بنِ أبي بكرٍ، وعروةُ بنُ الزبيرِ، وسليمانُ بنُ يسارٍ ، وعبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ ، وسعيدُ بنُ المسيِّبِ وأبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ ، فهؤلاءِ همُ الفقهاءُ السبعةُ عندَ أكثر علماءِ الحجازِ كما قالَ الحاكمُ ، وجعلَ ابنُ المباركِ : سالمَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ مكانَ أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ ، فقالَ : كانَ فقهاءُ أهلِ المدينةِ الذينَ يصدرونَ عن آرائهم سبعةً ، فذكرهمْ . وذكرَهمْ أبو الزِّنادِ ، فجعلَ أبا بكرِ بنَ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ مكانَ أبي سلمةَ ، أو سالِمٍ ، فروى ابنهُ عبدُ الرحمنِ عنهُ ، قالَ : أدركتُ منْ فقهائنا الذينَ يُنْتَهى إلى قولِهم فذكرَهمْ ، وقالَ : همْ أهلُ فقهٍ وصلاحٍ وفضلٍ .
وقدْ بلغَ بهم يحيى بنُ سعيدٍ: اثني عشرَ فنقصَ وزادَ ، فروى عليُّ بنُ المدينيِّ عنهُ ، قالَ : فقهاءُ أهلِ المدينةِ اثنا عشرَ : سعيدُ بنُ المسيبِ ، وأبو سلمةَ والقاسمُ بنُ محمدٍ ، وسالمٌ وحمزةُ وزيدٌ وعبيدُ اللهِ وبلالٌ بنو عبدِ اللهِ بنِ عمرَ ، وأبانُ بنُ عثمانَ بنِ عفَّانَ ، وقَبِيْصةُ بنُ ذُؤَيبٍ وخارجةُ وإسماعيلُ ابنا زيدِ بنِ ثابتٍ .
7- المخضرَمونَ(13)
المخضرَمونَ منَ التابعينَ - بفتحِ الراءِ - وهمُ الذينَ أدركوا الجاهليةَ وحياةَ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وليستْ لهم صُحبةٌ ، ولَمْ يشترطْ بعضُ أهلِ اللغةِ نفيَ الصُّحبةِ، قالَ صاحبُ " المحكم ": " رَجُلٌ مُخَضْرَمٌ إذَا كَانَ نِصْفُ عُمُرِهِ في الجَاهِلِيَّةِ ، ونِصْفُهُ في الإسلامِ " . فمقتضى هذا : أنَّ حكيمَ بنَ حزامٍ ، ونحوَهُ مخضرمٌ ، وليسَ كذلكَ منْ حيثُ الاصطلاحُ ؛ وذلكَ لأنَّهُ مترَدِّدٌ بينَ طبقتينِ لا يُدْرى مِنْ أيتهما هوَ ، فهذا هوَ مدلولُ الخَضْرَمَةِ ، قالَ صاحبا " المحكمِ " و " الصحاحِ ": " لحمٌ مخضرمٌ ، لا يُدْرَى مِنْ ذَكَرٍ هوَ أو [من] أنثى ". انتهى ، فكذلكَ المخضرمونَ مترددونَ بينَ الصحابةِ للمعاصرةِ وبينَ التابعينَ، لعدمِ الرؤيةِ، وفي كلامِ ابنِ حبَّانَ في " صحيحهِ " موافقةٌ لكلامِ صاحبِ " المحكمِ "، فإنَّهُ قالَ(14): " أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ كَانَ مِنَ الْمُخَضْرَمِينَ ، وَالرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِي الْكُفْرِ سِتُّونَ سَنَةً ، وَفِي الإِسْلاَمِ سِتُّونَ سَنَةً ، يُدْعَى مَخَضْرَمِيًّا. " ؛ فكأنَّهُ أرادَ ممَّنْ ليستْ لهُ صحبةٌ .
وحكى الحاكمُ عنْ بعضِ مشايخهِ أنَّ اشتقاقَ ذلكَ من أنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يُخضرِمونَ آذانَ الإبلِ ، أيْ : يقطعونها ؛ لتكونَ علامةً لإسلامهم إنْ أُغِيْرَ عليها أو حُورِبوا. انتهى
فعلى هذا يحتملُ أنْ يكونَ المخضرِمُ - بكسر الراءِ -كما حكاهُ فيهِ بعضُ أهلِ اللغةِ ؛ لأنَّهم خضرموا آذانَ الإبلِ، ويحتملُ أنْ يكونَ -بالفتحِ- وأنَّهُ اقْتُطِعَ عنِ الصحابةِ وإنْ عاصرَ لعدمِ الرؤيةِ ، واللهُ أعلمُ.
وذكرَ أبو موسى المدينيُّ في " الصحابةِ " نحوَ ما حكاهُ الحاكمُ عن بعضِ شيوخهِ ، فقالَ فيهِ : فسُمُّوا مخضرمينَ ، قالَ : وأهلُ الحديثِ يفتحونَ الراءَ ، وأَغْرَبَ ابنُ خَلِّكانَ ، فقالَ : قدْ سُمِعَ : محضرِمٌ - بالحاء المهملة وكسرِ الراءِ أيضاً .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 67) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 26) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 21) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 395) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 126) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 44) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 36) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 519) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 66) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 389) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 222) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 31) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 58) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 116)
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 126) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 222)
(3) - "قال أبو حاتم رضى الله عنه: لم يدخل خلف بن خليفة في التابعين وإن كان له رؤية من الصحابة لانه رأى عمرو بن حريث وهو صبي صغير ولم يحفظ عنه شيئا فإن قال قائل فلم أدخلت الأعمش في التابعين وإنما له رؤية دون رواية كما لخلف بن خليفة سواء ؟ يقال له : إن الاعمش رأى أنسا بواسط يخطب والأعمش بالغ يعقل وحفظ منه خطبته ورآه بمكة يصلي عند المقام وحفظ عنه أحرفا حكاها ، فليس حكم البالغ إذا رأى وحفظ كحكم غير البالغ إذا رأى ولم يحفظ " ثقات ابن حبان - (ج 6 / ص 270)
(4) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 67)
(5) - مسند أحمد(22793) حسن لغيره
(6) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 11 / ص 73)
(7) - محاسن الاطلاع ص 456
(8) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 531)
(9) - سير أعلام النبلاء (4/507)198
(10) - سير أعلام النبلاء (4/508)199
(11) - سير أعلام النبلاء (4/509) 200
(12) - سير أعلام النبلاء (4/277-379)100
(13) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 26) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 198) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 129) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 32)
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 4 / ص 341)(1/435)
وقدْ عدَّهم مسلمُ بنُ الحجاجِ فبلغَ بهم عشرينَ ، وهم : أبو عَمْرٍو سعدُ بنُ إياسٍ الشيبانيُّ ، وسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ ، وشُرَيْحُ بنُ هانئ ، ويُسَيْرُ بنُ عمرِو بنِ جابرٍ ، وعمرُو بنُ ميمونٍ الأوديُّ، والأسودُ بنُ يزيدَ النخعيُّ ، والأسودُ بنُ هلالٍ المُحَاربيُّ، والمعرورُ بنُ سُوَيدٍ ، وعَبْدُ خَيْرِ بنُ يزيدَ الخَيْوَانيُّ ، وشُبَيْلُ بنُ عوفٍ الأحمسيُّ ، ومسعودُ بنُ خِرَاشٍ أخو رِبْعِي ، ومالكُ بنُ عُميرٍ ، وأبو عثمانَ النهديُّ ، وأبو رجاءٍ العُطَارِديُّ ، وغُنَيْمُ بنُ قَيْسٍ، وأبو رافعٍ الصائغُ، وأبو الحَلالِ العتكيُّ واسمهُ ربيعةُ بنُ زُرَارةَ، وخالدُ بنُ عُمَيْرٍ العَدَويُّ ، وثُمَامَةُ بنُ حَزْنٍ القُشَيْرِيُّ، وجُبَيْرُ بنُ نُفَيرٍ الحَضْرَميُّ ، وممَّنْ لمْ يذكرْهُ مسلمٌ : أبو مسلمٍ الخَوْلانيُّ ، والأحنفُ بنُ قيسٍ ، وعبدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ ، وعمرُو بنُ عبدِ اللهِ بنِ الأصمِّ ، وأبو أميةَ الشَّعْبَانيُّ .
ومنهم من لم يذكره: الأجْدَع بن مالك الهمداني والد مسروق, وأبو رهم أحزاب بن أسيد السَّمعي, وأرطاة بن سُهية, وهي أُمه, وأبوه زفر بن عبد الله الغَطَفاني المُزني, وأرطاة المُزني, جد عبد الله بن عوف, وأرطاة بن كعب الفَزَاري, في خلائق آخرين ذكرهم شيخ الإسلام ابن حجر في كتاب «الإصابة»(1).
8- عدُّ بعضِ التابعينَ في أتباعِ التابعينَ
قدْ يَعدُّ مَنْ صنَّفَ في الطبقاتِ بعضَ التابعينَ في أتباعِ التابعينَ ؛ لكونِ الغالبِ عليهِ والشائعِ عنهُ روايتهُ عنِ التابعينَ ، وحملهُ عنهم كأبي الزّنادِ عبد اللهِ بنِ ذَكْوانَ .
قالَ خليفةُ بنُ خيَّاطٍ : طبقةٌ عدَدُهم عندَ الناسِ في أتباع التابعينَ ، وقد لقوا الصحابةَ، منهم: أبو الزِّنادِ ، وقد لقيَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ ، وأنسَ بنَ مالكٍ ، وأبا أُمامةَ بنَ سَهْلِ بنِ حُنَيْفِ ، وقالَ الحاكمُ نحوَهُ ، وزادَ أنَّهُ أُدخِلَ على جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أيضاً . وقالَ العِجْليُّ : تابعيٌّ ثقةٌ سَمِعَ من أنسِ بنِ مالكٍ ، وذكرهُ مسلمٌ في الطبقةِ الثالثةِ منَ التابعينَ ، وكذا ذكرهُ ابنُ حبَّانَ في طبقةِ التابعينَ .
ومثَّلَ الحاكمُ أيضاً بموسى بنِ عقبةَ ، فقالَ: وقدْ أدركَ أنسَ بنَ مالكٍ ، وأمَّ خالدِ بنتَ خالدِ بنِ سعيدِ بنِ العاصِ . وقالَ ابنُ حبَّانَ : إنَّهُ أدركَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ ، وسهلَ بنَ سعدٍ .
وقدْ عدَّ بعضُهم في التابعينَ مَنْ هوَ منْ أتباعِ التابعينَ ، وذلكَ صنيعٌ فاسدٌ وخطأٌ ممَّنْ صنعَهُ . قالَ الحاكمُ : طبقةٌ تُعَدُّ في التابعينَ ، ولَمْ يصحَّ سماعُ أحدٍ منهم منَ الصحابةِ ، منهم : إبراهيمُ بنُ سويدٍ النَّخَعِيُّ ، ولَمْ يدركْ أحداً منَ الصحابةِ ، قالَ : وليسَ هذا بإبراهيمَ بنِ يزيدَ النَّخَعِيِّ الفقيهِ ، وبُكَيرُ بنُ أبي السَّمِيطِ ،لَمْ يصحَّ لهُ عن أنسٍ روايةٌ ، إنما أسقطَ قتادةَ من الوسطِ ، قلتُ : هوَ بفتحِ السينِ وكسرِ الميمِ كذا ضبطهُ ابنُ ماكولا وغيرهُ . قالَ الحاكمُ : وبُكَيْرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ لَمْ يثبتْ سماعُهُ منِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ جَزْءٍ ، وإنما رواياتُهُ عنِ التابعينَ. وثابتُ ابنُ عَجْلاَنَ الأنصاريُّ، لَمْ يصحَّ سماعُهُ منِ ابنِ عباسٍ، إنما يروي عن عطاءٍ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، وسعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الرقاشيُّ، وأخوهُ واصلٌ أبو حُرَّةَ ، لم يثبتْ سماعُ واحدٍ منهما من أنسٍ. انتهى كلامُ الحاكمِ.
وفيهِ نظرٌ منْ وجوهٍ:
الأولُ : قولُهُ في بكيرِ بنِ الأشجِّ : إنما رواياتُهُ عنِ التابعينَ ، قلتُ: قَدْ روى عنِ السائبِ بنِ يزيدَ ، وأبي أُمامةَ أسعدَ بنِ سهلِ بنِ حُنَيْفٍ ، ومحمودِ بنِ لبيدٍ ، كما ذكرهُ المزيُّ وغيرهُ(2)، وهم معدودونَ في الصحابةِ ؛ ولكنْ ذكرهُ ابنُ حبانَ في أتباعِ التابعينَ.
الثاني : ثابتُ بنُ عَجْلاَنَ ، روى عن أبي أمامةَ الباهليِّ(3)، وأنسِ بنِ مالكٍ فيما ذكرهُ المِزِّيُّ وغيرُهُ ؛ ولكنْ قالَ ابنُ حبَّانَ : ما أرى سماعهُ من أنسٍ بصحيحٍ وذكرهُ في طبقةِ أتباعِ التابعينَ أيضاً .
ففي مسند الشاميين( 2255) عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَتَعَمَّمُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَلاَ يَرْخِي مِنْ خَلْفِهِ.
وفي مسند الشاميين(2257) عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ ، قَالَ : أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَعَامِرًا الشَّعْبِيَّ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ ، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ ، وَطَاوُسًا ، وَمُجَاهِدًا ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ ، وَالْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَالزُّهْرِيَّ ، وَمَكْحُولًا ، وَعَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ ، وَثَابِتًا الْبُنَانِيَّ ، وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ ، وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيَّ ، وَيَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى ، وَسُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ كُلُّهُمْ يَأْمُرُونِي بِالصَّلاَةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَنَهَوْنِي عَنْ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ قَالَ بَقِيَّةُ : ثُمَّ بَكَى ، وَقَالَ لِي : يَا ابْنَ أَخِي مَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى لِي وَلاَ إِنَابَةً أَوْثَقُ مِنْ مَشْيٍ إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْجَامِعِ ، وَرُبَّمَا وَلَّى عَلَيْهِ الْوَالِي كَمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ، قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ وَرَأَيْنَاهُ ( وهو حديث حسن)
الثالثُ : قولهُ سعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الرَّقَاشيُّ وأخوهُ : واصلٌ أبو حُرَّةَ ، وَهِمَ الحاكمُ في نسبةِ سعيدٍ أنَّهُ الرقاشيُّ ، وأنَّهُ أخو أبي حُرَّةَ الرقاشيِّ ، وليسَ واحدٌ منهما رقاشياً ، وأبو حُرَّةَ الرقاشيُّ اسمهُ حنيفةُ . وأما واصلٌ فليسَ بأبي حُرَّةَ الرقاشيِّ ، وقدْ وَهِمَ فيهِ أيضاً عبدُ الغنيِّ المقدسيُّ في " الكمالِ " فنسبَ واصلاً أبا حُرَّةَ : الرقاشيَّ، وغلَّطَهُ المزيُّ . وقدْ ذكرَ ابنُ حبانَ في أتباعِ التابعينَ : سعيدَ بنَ عبدِ الرحمنِ البصريَّ ، وأخاهُ واصلاً أبا حُرَّةَ البصريَّ ، وقالَ: أمهُما بَرَّةُ مولاةٌ لبني سُلَيمٍ .
9- عد بعض الصحابة في طبقة التابعين
قدْ يُعدُّ بعضُ الصحابةِ في طبقةِ التابعينَ ، إمَّا لغلطٍ من بعضِ المصنفينَ ، كما عدَّ الحاكمُ في الأخوةِ من التابعينَ النُّعْمَانَ وسُوَيْداً ابنَيْ مُقَرِّنٍ المزنيِّ ، وهما صحابيانِ معروفانِ من جملةِ المهاجرينَ ، كما سيأتي في نوعِ الأخوةِ والأخواتِ . وإما لكونِ ذلكَ الصحابيِّ من صغارِ الصحابةِ ، يقاربُ التابعينَ في كونِ روايتِهِ أو غَالِبِهَا عنِ الصحابةِ ، كما عدَّ مسلمٌ في " الطبقاتِ " يوسفَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ ، ومحمودَ بنَ لبيدٍ في التابعينَ.
وقدْ يُعدُّ بعضُ التابعينَ في الصحابةِ وكثيراً ما يقعُ ذلكَ فيمنْ يرسلُ منَ التابعينَ ، كما عدَّ محمدُ بنُ الربيعِ الجيزيُّ عبدَ الرحمنِ بنَ غَنْمٍ الأشعريَّ فيمَنْ دخلَ مصرَ من الصحابةِ ، وهوَ وَهَمٌ منهُ على أنَّ الإمامَ أحمدَ قدْ أخرجَ حديثهُ في المسندِ ، وذكرَ ابنُ يونسَ أيضاً : أنَّ لهُ صحبةً . وكذا حكى ابنُ منده عنْ يحيى بنِ بُكَيْرٍ ، والليثِ ، وابنِ لَهِيْعَةَ .
10-أشهر المصنفات فيه :
كتاب " معرفة التابعين " لأبي المطرف بن فطيس الأندلسي.(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 131)
(2) - تهذيب الكمال (765 ) و تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 2 / ص 411)
(3) - قلت : الذي رأيته أن جلَّ روايته عن القاسم عن أبي أمامة .
(4) - انظر الرسالة المستطرفة ص 105.3(1/436)
معرفةُ الأخوةِ والأخواتِ(1)
- 3 -
1- توطئة:
هذا العلم هو إحدى معارف أهل الحديث التي اعتنوا بها وأفردوها بالتصنيف ، وهو معرفة الأخوة والأخوات من الرواة في كل طبقة ، وإفراد هذا النوع بالبحث والتصنيف يدلُّ على مدى اهتمام علماء الحديث بالرواة ، ومعرفة أنسابهم وإخوتهم ، وغير ذلك ، كما سيأتي من الأنواع بعده .
2- من فوائدهِ :
أنَّه لا يظن من ليس بأخ أخا عند الاشتراك في اسم الأبِّ..
مثل : " عبد الله بن دينار " و " عمرو بن دينار " فالذي لا يدري يظن أنهما أخوان مع أنهما ليسا بأخوين ، وإن كان اسم أبيهما واحداً .
3- أمثلةٌ:
أ) مثال للاثنين : ومثالُ الأخوينِ كثيرٌ في الصحابةِ ومَنْ بعدهم ، كعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ، وعتبةَ بنِ مسعودٍ ، كلاهما صحابيٌّ .
مثال الأخوين في الصَّحَابة: عُمر وزيد ابنا الخَطَّاب هذا المثال مزيد على ابن الصَّلاح.
وعبد الله وعتبة ابنا مسعود، وزيد ويزيد ابنا ثابت ، وعَمرو وهِشَام ابنا العاص.
ومن التَّابعين عَمرو وأرْقَم ابنا شرحبيل كلاهما من أفاضل أصْحَاب ابن مسعُود.
ومما يستغربُ في الأخوينِ أنَّ موسى بنَ عُبيدةَ الرَّبَذيَّ بينهُ وبينَ أخيهِ عبدِ اللهِ بنِ عُبيدةَ في العُمرِ ثمانونَ سنةً .
ب) و مثاله في الثلاثة في الصَّحَابة: علي, وجعفر, وعَقيل, بنو أبي طالب.
وسهل وعُثمان وعَبَّاد بالفتح والتَّشديد بَنُو حنيف.
وفي غير الصَّحَابة في التَّابعين: أبَان وسعيد وعَمرو أولاد عُثمان.
وبعدهُم عَمرو بالفتح وعُمر بالضم وشُعيب بنو شُعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عَمرو بن العاص.
ج ) و مثاله في الأربعة من الصَّحَابة: عبد الرَّحمن, ومحمَّد وعَائشة وأسْمَاء أولاد أبي بكر الصِّديق, ذكرهُ البَلْقِيني.
وفي التَّابعين: عُروة, وحمزة, ويعقوب, والعقَّار, أولاد المغيرة بن شُعْبة.
وبعدهم: سُهيل, وعبد الله, ومحمَّد وصالح, بَنُو أبي صالح السَّمان.
وأمَّا قول ابن عَدي: إنَّه ليس في ولد أبي صالح مُحمَّد, وإنَّما هُمْ سُهيل ويَحْيى وعباد, وعبد الله, وصالح. فوهم كما قال العِرَاقي: حيث أبدل مُحمَّدًا بيحيى, وجعل عبادًا وعبد الله اثنين, وإنَّما هو لقبه. .
د ) و مثاله في الخَمْسة لم أقف عليه في الصَّحَابة.
وفي التَّابعين: موسى, وعيسى, ويحيى, وعِمْران, وعائشة, أولاد طلحة بن عُبيد الله.
وبعدهم: سُفْيان, وآدم, وعِمْران, ومُحمَّد, وإبراهيم, بَنُو عُيينة حَدَّثوا كُلهم, وأجلهم سُفْيان.
وقيلَ: أنَّهم عشرة, إلاَّ أنَّ الخمسة الآخرين لم يُحدِّثوا وسُمِّي منهم: أحمد, ومَخْلد.
هـ ) و مثاله في السِّتة لم أقف عليه في الصَّحَابة.
وفي التَّابعين: بنو سِيْرِيْنَ ، كلُّهم منَ التابعينَ ، وهمْ: محمدٌ وأنسٌ ويحيى ومَعْبَدٌ وحفصةُ وكريمةُ ، هكذا سمَّاهم يحيى بنُ معينٍ ، والنسائيُّ في " الكنى " ، والحاكمُ في" علومِ الحديثِ " ؛ ولكنَّهُ نقلَ في " التاريخ " عن أبي عليٍّ الحافظِ تسميتَهم فزادَ فيهم خالدَ بنَ سيرينَ مكانَ كريمةَ ، فاللهُ أعلمُ ، وذكرَ ابنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " : عمرةَ بنتَ سيرينَ، وسودةَ بنتَ سيرينَ، أمُهُمَا أمُّ ولدٍ كانتْ لأنسِ بنِ مالكٍ ؛ ولكنْ لم أرَ مَنْ ذكرَ لهاتينِ روايةً ، فلا يرِدانِ على ابنِ الصلاحِ ..
اجْتَمَعَ منهم ثلاثةٌ في إسنادِ حديثٍ واحدٍ ، يروي بعضهم عن بعضٍ ، وقدْ يطارحُ بذلكَ ، فيقالُ : أي ثلاثةُ أخوةٍ روى بعضُهُمْ عَنْ بعضٍ أو يُقيدُ السؤالُ بكونِهم في حديثٍ واحدٍ وذلكَ فيما رواهُ الدارقطنيُّ في كتابِ " العللِ " بإسنادهِ من رِوايةِ هشامِ بنِ حسَّانَ، عنْ محمدِ بنِ سيرينَ، عنْ أخيهِ يحيى بنِ سيرينَ ، عنْ أخيهِ أنسِ بنِ سيرينَ ، عنْ أنسِ بنِ مالكٍ ، أنَّ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) قالَ : " لَبَّيْكَ حَجَّاً حقَّاً تَعَبُّداً وَرِقّاً "(2)وذكرَ محمدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ في بعضِ تخاريجهِ : أنَّ هذا الحديثَ رواهُ محمدُ بنُ سيرينَ عنْ أخيهِ يحيى بنِ سيرينَ ، عنْ أَخيهِ معبدٍ ، عنْ أخيهِ أنسِ بنِ سيرينَ . فعلى هذا اجتمعَ منهم أربعةٌ في إسنادٍ واحدٍ ، وهوَ غريبٌ .
و ) ومثاله في السَّبعة: ومثالُ السبعةِ : بنو مُقَرِّنٍ المُزَنيِّ وَهُمْ : النَّعْمَانُ ، ومَعْقِلٌ ، وعقيلٌ ، وسويدٌ ، وسنانٌ ، وعبدُ الرحمنِ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : وسابعٌ لم يسمَّ لنا
قلتُ : قد سمَّاهُ ابنُ فتحونَ في " ذيلِ الاستيعابِ " عبدَ اللهِ بنَ مقرنٍ ، وذكرَ أنَّهُ كانَ على ميْسرةِ أبي بكرٍ في قتالِ الرِّدَّةِ ، وأنَّ الطبريَّ ذكرهُ كذلكَ ، وذكرَ ابنُ فتحونَ قولاً : أنَّ بني مُقَرِّنٍ عشرةٌ ، فاللهُ أعلمُ .
وذكرَ الطبريُّ أيضاً في الصحابةِ ضرارَ بنَ مقرنٍ ، حضرَ فتحَ الحيرةِ ، وذكرَ ابنُ عبدِ البرِّ : ضرارَ بنَ مُقَرِّنٍ خَلَفَ أخاهُ لما قُتِلَ بنَهَاوَنْدَ .
ومثالُ السبعةِ في التابعينَ بنو عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ ، وهم : سالمٌ ، وعبدُ اللهِ ، وحمزةُ ، وعبيدُ اللهِ ، وزيدٌ ، وواقدٌ ، وعبدُ الرحمنِ ..
س) مثال الثَّمانية في الصَّحَابة: أسماء, وحمران, وخِرَاش, وذؤيب, وسلمة, وفَضَالة, ومالك, وهند, بَنُو حارثة بن سعد شَهدُوا بَيْعة الرِّضْوان بالحُديبية, ولم يشهد البَيْعة أحد بعددهم.
وفي التَّابعين أولاد سعد بن أبي وقَّاص: مُصعب, وعامر, ومحمَّد, وإبراهيم وعَمرة, ويحيى, وإسحاق, وعائشة.
ومثال التِّسعة في الصَّحَابة: أولاد الحارث المُتقدِّمين.
وفي التَّابعين: أولاد أبي بَكْرة: عبد الله, وعُبيد الله, وعبد الرَّحمن, وعبد العزيز, ومسلم, وروَّاد, ويزيد, وعُتبة, وكَبْشة.
ومثال العشرة من الصَّحَابة أولاد العبَّاس: عبد الله, وعُبيد الله, وعبد الرَّحمن, والفضل, وقُثَم, ومَعْبد, وعَوْن, والحَارث, وكثير, وتمَّام, وهو أصغرهم.
قال ابن عبد البر: لكلِّ ولد العبَّاس رُؤية, والصُّحْبة للفضل وعبد الله.
وفي التَّابعين أولاد أنَس الَّذين رَوُوا فقط: النَّضر, ومُوسَى, وعُبيد الله, وزيد, وأبو بكر, وعُمر, ومالك, وثُمَامة, ومَعْبد.
ومثال الإثني عَشَر أولاد عبد الله بن أبي طلحة: إبْرَاهيم, وإسحاق, وإسماعيل, وزيد, وعبد الله, وعمارة, وعمر, وعميرة, والقاسم, ومحمَّد, ويعقوب, ومَعْمر.
ومثال الثلاثة عشر, أو الأربعة عشر, أولاد العبَّاس المذكور, وله أربع إنَاث أو ثلاث: أم كلثوم, وأم حبيب, وأميمة, وأم تميم..(3)
4- أشهر المصنفات فيه :
أفرده بالتَّصنيف علي ابن المَدِيني, ثمَّ النَّسَائي, ثمَّ أبو العبَّاس السراج وغيرهم كمسلم وأبي داود.
أ ) كتاب الأخوة لأبي المطرف بن فطيس الأندلسي .
ب ) كتاب الأخوة لأبي العباس السراج .(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 139) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 37) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 778) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 547) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 37) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 395) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 145) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 39) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 65) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 119) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 230)
(2) - مسند البزار(6803و6804)
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 230) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 142)
(4) - السراج نسبة لعمل السروج، وكان من أجداده من يعملها، وهو أبو العباس محمد بن إسحق بن إبراهيم الثقفي مولاهم، محدث عصره بنيسابور، وروى عنه الشيخان، وتوفى سنة 313هـ.(1/437)
المُتَّفِقُ المفترقُ(1)
ـ 4 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة : المُتفقُ اسم فاعل من " الاتفاق " المُفترقُ اسم فاعل من " الافتراق " ضد الاتفاق.
ب) اصطلاحاً : أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا خطا ولفظاً ، وتختلف أشخاصهم ، ومن ذلك أن تتفق أسماؤهم وكناهم ، أو أسماؤهم ونسبتهم ، ونحو ذلك.
وأما الاتفاق في الاسم فقط ، فالإشكال فيه قليل نادر ، والتعريف إنما يكون على الغالب الذي هو مثال الإشكال ، ويذكر ذلك في المطولات ، وهو إلى نوع المهمل أقرب .
2- أقسامُه(2):
وذلكَ ينقسمُ إلى ثمانيةِ أقسامٍ :
الأولُ : مَنِ اتفقتْ أسماؤهمْ ، وأسماءُ آبائهم ، مثالُهُ : الخليلُ بنُ أحمدَ ، سِتَّةُ رجالٍ، ذكرَ الخطيبُ منهم اثنينِ فقطْ ، وهما الأولانِ ، فالأولُ : الخليلُ بنُ أحمدَ بنِ عمرِو بنِ تميمٍ، أبو عبد الرحمنِ الأزديُّ الفراهيديُّ البصريُّ النَّحويُّ -صاحبُ العروضِ- وهوَ أولُ مَنِ استخرجهُ ، وصاحبُ كتابِ " العَيْنِ " في اللغةِ ، وشيخُ سيبويهِ ، روى عن عاصمٍ الأحولِ ، وآخرينَ ، ذكرَهُ ابنُ حِبَّانَ في " الثقاتِ " ، مولدُهُ سنةُ مائةٍ ، واخْتُلِفَ في وفاتِهِ ، فقيلَ : سنةُ سبعينَ ومائةٍ ، وقيلَ : سنةُ بضعٍ وستينَ ، وقيلَ : سنةُ خمسٍ وسبعينَ ،(3)قالَ أبو بكرِ بنُ أبي خيثمةَ : أولُ مَنْ سُمِّيَ في الإسلامِ أحمدُ : أبو الخليلِ بنُ أحمدَ العروضيُّ ، وكذا قالَ المبردُ : فَتَّشَ المفتشونَ فما وجدوا بعدَ نبيِّنَا ( - صلى الله عليه وسلم - ) مَنِ اسمُهُ أحمدُ قبلَ أبي الخليلِ بنِ أحمدَ. انتهى.
واعْتُرِضَ على هذهِ المقالَةِ بأبي السَّفَرِ سعيدِ بنِ أحمدَ ، فإنَّهُ أقدمُ ، وأجيبَ : بأنَّ أكثرَ أهلِ العلمِ قالوا فيه : يُحْمَدُ - بالياءِ - وقالَهُ ابنُ معينٍ : أحمدُ .
والثاني : الخليلُ بنُ أحمدَ أبو بشرٍ المزنيُّ ، ويقالُ السلميُّ بصريُّ أيضاً ، روى عنِ المُسْتَنِيْرِ بنِ أخضرَ ، روى عنهُ محمدُ بنُ يحيى بنِ أبي سمينةَ ، وعبدُ اللهُ بنُ محمدِ المسنديُّ ، والعباسُ بنُ عبدِ العظيمِ العَنْبَرِيُّ ، ذكرهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " أيضاً، وقالَ النسائيُّ في " الكُنى ": أبو بِشْرٍ خليلُ بنُ أحمدَ بنِ بصريٌّ - وليسَ بصاحبِ العروضِ - قالَ الخطيبُ : ورأيتُ شيخاً منْ شيوخِ أصحابِ الحديثِ ، يشارُ إليهِ بالفهمِ والمعرفةِ قدْ جمعَ أخبارَ الخليلِ بنِ أحمدَ العروضيِّ ، وما رُويَ عنهُ فأدخلَ في جمعهِ حديثَ الخليلِ بنِ أحمدَ هذا. قالَ: ولو أنعمَ النظرَ لعلمَ أنَّ ابنَ أبي سمينةَ ، والمسنديَّ ، وعباساً العنبريَّ ، يصغرونَ عنْ إدراكِ الخليلِ بنِ أحمدَ العروضيِّ ؛ لأنَّهُ قديمٌ .
قلتُ : قدْ ذكرَ البخاريُّ في " التاريخِ الكبيرِ " : أنَّ عبدَ اللهِ بنَ محمدٍ الجعفيَّ - وهوَ المسنديُّ - سمعَ منْ خليلِ بنِ أحمدَ النحويِّ -صاحبِ العروضِ-، عن عثمانَ بنِ حاضرٍ ، فاللهُ أعلمُ . وكلامُ البخاريِّ يقتضي : أنَّ هاتينِ الترجمتينِ واحدةٌ ، وقدْ فرَّقَ بينهما النسائيُّ ، وابنُ حبانَ ، والخطيبُ ، وهوَ الظاهرُ ، واللهُ أعلمُ .
والثالثُ : الخليلُ بنُ أحمدَ بصريٌّ أيضاً ، يروي عن عكرمةَ ، ذكرهُ أبو الفضلِ الهَرَويُّ في كتابِ " مشتبهِ أسماءِ المحدثينَ " ، فيما حكاهُ ابنُ الجوزيِّ في " التلقيحِ " عن خطِّ شيخهِ عبدِ الوهابِ الأنماطيِّ عنهُ .
قلتُ : وأخشى أنْ يكونَ هذا هوَ الخليلُ بنُ أحمدَ النَّحْويُّ ، فإنَّهُ روى عن غير واحدٍ منَ التابعينَ .
والرابعُ : الخليلُ بنُ أحمدَ بنِ الخليلِ ، أبو سعيدٍ السِّجْزِيُّ الفقيهُ الحَنَفِيُّ ، قاضي سمرقندَ ، توفيَ بها سنةَ ثمانٍ وسبعينَ وثلاثمائةٍ ، حدَّثَ عنِ ابنِ خُزيمةَ ، وابنِ صاعدٍ والبغويِّ ، وغيرِهمْ . سَمِعَ منهُ الحاكمُ وذكرهُ في " تاريخِ نيسابورَ " .
والخامسُ : الخليلُ بنُ أحمدَ ، أبو سعيدٍ البُسْتِيُّ القاضي المهلَّبِيُّ . ذكرَ ابنُ الصلاحِ : أنَّهُ سَمِعَ منَ الخليلِ بنِ أحمدَ السجزيِّ المذكورِ ، ومن أحمدَ بنِ المظَفَّرِ البكريِّ ، وغيرِهما ، حدَّثَ عنهُ البيهَقِيُّ .
والسادسُ : الخليلُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ ، أبو سعيدٍ البستيُّ الفقيهُ الشافعيُّ . ذكرَهُ الحُمَيديُّ في "تاريخِ الأندلسِ" . وذكرَ ابنُ بَشْكُوَالَ في "الصلةِ" : أنَّهُ قَدِمَ الأندلسَ منَ العراقِ في سنةِ اثنتينِ وعشرينَ وأربعمائةٍ ، وروى عنْ أبي محمدِ بنِ النحاسِ بمصرَ ، وأبي سعيدٍ المالينيِّ ، وأبي حامدٍ الإسفرايينيِّ ، وغيرِهم . وحكى عنْ أبي محمدِ بنِ خزرجٍ أنَّ مولدَهُ سنةُ ستينَ وثلاثمائةٍ، روى عنهُ أبو العباسِ أحمدُ بنُ عمرَ العُذْرِيُّ . قلتُ : وأخشى أيضاً أنْ يكونَ هذا هوَ الذي قبلهُ ؛ ولكنْ هكذا فرَّقَ بينهما ابنُ الصلاحِ ، فاللهُ أعلمُ .
وقدْ أسقطتُ منَ السِتَّةِ الذينَ ذكرَهم ابنُ الصلاحِ واحداً ، وهوَ الخليلُ بنُ أحمدَ، أصبهانيٌّ يروي عنْ رَوْحِ بنِ عُبَادةَ ؛ لأنَّهُ وهمَ فيهِ، وإنما هوَ الخليلُ ابنُ محمدٍ ، ووهِمَ فيهِ قبْلَهُ ابنُ الجوزيِّ ، وأبو الفضلِ الهرويُّ ، فإنَّهُ عدَّهُ فيمَنْ اسمُهُ الخليلُ بنُ أحمدَ وهوَ في " تاريخِ أصبهانَ " لأبي نُعيمٍ على الصوابِ : الخليلُ بنُ محمدٍ أبو العباسِ العجليُّ ، وروى من طريقِهِ عِدَّةَ أحاديثَ . وجعلتُ مكانهُ الخليلَ بنَ أحمدَ البصريَّ ، الذي يروي عن عكرمةَ كما ذكرهُ أبو الفضلِ الهَرَويُّ إنْ لَمْ يكنْ هوَ الخليلَ النحويَّ . وسأذكرُ بعدَ هذا جماعةً يعوضُ منهم عن هذينِ الاسمينِ ، إنْ كانا مكررينِ .
وقدْ وقعَ في أصلِ سماعنا من " صحيحِ ابنِ حبَّانَ " في النوعِ التاسعِ والمائةِ منَ القسمِ الثاني : أخبرنا الخليلُ بنُ أحمدَ بواسطَ ، قالَ : حَدَّثَنَا جابرُ بنُ الكرديِّ فذكرَ حديثاً ، قلتُ : والظاهرُ أنَّهُ الخليلُ بنُ محمدٍ ، فإنَّهُ سَمِعَ منهُ بواسطَ عدةَ أحاديثَ متفرِّقةٍ في أنواعِ الكتابِ ، ونبَّهتُ عليهِ لِئلاَّ يُغْتَرَّ بهِ ويُسْتَدْرَكُ .
وممَّنْ سُمِّيَ أيضاً الخليلُ بنُ أحمدَ: الخليلُ بنُ أحمدَ البغداديُّ، يروي عن يسارِ بنِ حاتمٍ ، ذكرَهُ ابنُ النجارِ في " الذيلِ " . والخليلُ بنُ أحمدَ أبو القاسمِ الشاعرُ المصريُّ روى عنهُ الحافظُ أبو القاسمِ بنُ الطحانِ ، وذكرَهُ في ذيلِهِ على " تاريخِ مصرَ " ، وقالَ : توفيَ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ وثلاثمائةٍ . والخليلُ ابنُ أحمدَ ابنِ عليٍّ أبو طاهرٍ الجَوْسقَيُّ الصرصريُّ ، سَمِعَ منْ أبيهِ ، وابنِ البطيِّ وشُهْدَةَ وغيرِهم ، روى عنهُ الحافظانِ : ابنُ النجارِ ، وابنُ الدبيثيِّ ، وذكرَهُ كلٌّ منهما في " الذيلِ " ، وتوفيَ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ وستمائةٍ ، قالَهُ ابنُ النجارِ .
هذا مثالُ القسمِ الثاني مِنْ أقسامِ المتفقِ والمفترقِ، وهوَ أنْ تتفقَ أسماؤهمْ وأسماءُ آبائهم وأجدادِهمْ ، نحوُ : أحمدَ بنِ جعفرِ بنِ حَمْدانَ ، أربعةٌ متعاصرونَ في طبقةِ واحدةٍ .
فالأولُ : أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدانَ بنِ مالكٍ ، أبو بكرٍ البغداديُّ القطيعيُّ ، سمِعَ من عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنَ حنبلٍ المسندَ ، والزهدَ . توفيَ سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثمائةٍ ، وروى عنهُ أبو نعيمٍ الأصبهانيُّ ، وآخرونَ كثيرونَ .
والثاني : أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدانَ بنِ عيسى السَّقَطيُّ البَصْريُّ ، يُكنَّى أبا بكرٍ أيضاً ، يروي عنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الدَّوْرقيِّ وغيرهِ ، وروى عنهُ أبو نُعيمٍ أيضاُ وغيرُهُ. وتوفيَ سنةَ أربعٍ وستينَ وثلاثمائةٍ ، وقدْ جاوزَ المائةَ .
والثالثُ : أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدانَ الدِّيْنَوريُّ ، حدَّثَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ سنانٍ الروحيِّ ، روى عنهُ عليُّ بنُ القاسمِ بنِ شاذانَ الرازيُّ وغيرُهُ .
والرابعُ : أحمدُ بنُ جعفرِ بنُ حمدانَ أبو الحسنِ الطَّرَسُوْسيُّ، روى عنْ عبدِ اللهِ بن جابرٍ ، ومحمدِ بنِ حصنِ بنِ خالدٍ الطَّرَسُوسيَّيْنِ ، وروى عنهُ القاضي أبو الحسنِ الخطيبُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ الخصيْبيُّ المصريُّ .
ومنْ غرائبِ الاتفاقِ في ذلكَ : محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدٍ ، ثلاثةٌ متعاصرونَ ماتوا في سنةٍ واحدةٍ ، وكلٌّ منهمْ في عشرِ المائةِ ، وهمْ :
- أبو بكرٍ محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدِ بنِ الهيثمِ الأنباريُّ البُنْدَارُ .
- والحافظُ أبو عمرٍو محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدِ بنِ مطرٍ النيسابوريُّ .
- وأبو بكرٍ محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدِ بنِ كنانةَ البغداديُّ .
ماتوا في سنةِ ستينَ وثلاثمائةٍ .
هذا مثالٌ للقسمِ الثالثِ : وهوَ أنْ تتفقَ الكُنْيَةُ والنِّسْبَةُ معاً ، نحو أبي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ ، رجلانِ .
فالأولُ : بصريٌّ ، وهوَ أبو عِمْرانَ عبدُ الملكِ بنُ حبيبٍ الجَوْنِيُّ التابعيُّ المشهورُ، وسمَّاهُ الفلاَّسُ: عبدَ الرحمنِ ، ولَمْ يُتَابَعْ على ذلكَ ، وتوفي سنةَ تسعٍ وعشرينَ ومائةٍ ، وقيلَ : سنةُ ثمانٍ وعشرينَ ، وقيلَ : سنةُ ثلاثٍ وعشرينَ .
والثاني : متأخرُ الطبقةِ عنهُ ، وهوَ : أبو عمرانَ موسى بنُ سهلِ بنِ عبدِ الحميدِ الجَوْنيُّ ، روى عنِ الربيعِ بنِ سليمانَ وطبقتِهِ ، روى عنهُ الإسماعيليُّ والطبرانيُّ ، وغيرهما . وهوَ بصريٌّ ، سكنَ بغدادَ . وبغدانُ - بالنونِ - لغةٌ فيها .
ومِنْ ذلكَ : أبو عمر الحوضيُّ اثنانِ ذكرهما الخطيبُ .
هذا مثالٌ للقسمِ الرابعِ : وهوَ أنْ يتفقَ الاسمُ واسمُ الأبِ والنسبةُ ، نحوُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ ، رجلانِ متقاربانِ في الطبقةِ .
فالأولُ : القاضي أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ المثنَّى بنِ عبدِ اللهِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريُّ البصريُّ ، شيخُ البخاريِّ ، وصاحبُ الجزءِ المشهورِ ، توفيَ سنةَ خمسَ عشرةَ ومائتينِ ، عنْ سبعٍ وتسعينَ سنةً .
والثاني : أبو سَلَمَةَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيادٍ الأنصاريُّ مولاهُمْ ، بصريٌّ أيضاً ، ضعَّفَهُ العقيليُّ ، وأبو أحمدَ الحاكمُ ، وابنُ حبانَ ، وغيرُهم . قيلَ : إنَّهُ جاوزَ المائةَ . وقدِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ على هاتينِ الترجمتينِ تبعاً للخطيبِ . وقالَ الحافظُ أبو الحجاجِ المزيُّ في " التهذيبِ ": " محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ : ثلاثةٌ " ، فذكرَ المتقدمينَ وزادَ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ حفصِ بنِ هشامِ بنِ زيدِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريَّ ، وهوَ بصريٌّ أيضاً ، روى عنهُ ابنُ ماجه ، وذكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " . قلتُ : وممَّنِ اشتركَ معهمْ في هذا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ ربِّهِ الأنصاريُّ ، وإنما اقتصرَ الخطيبُ على المذْكُوْرَيْنِ أولاً ؛ لتقاربهما في الطبقةِ ، اشتركا في الروايةِ عنْ حُمَيْدٍ الطويلِ ، وسليمانَ التيميِّ ، ومالكِ بنِ دينارٍ ، وقرَّةَ بنِ خالدٍ .
وأمَّا الثالثُ: فإنَّهُ متأخرُ الطبقةِ عنهما ، روى عن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ المثنى الأنصاريِّ المذكورِ أولاً . وأمَّا الرابعُ : فمتقدمُ الطبقةِ عليهما ذكرَهُ ابنُ حبانَ في ثقاتِ التابعينَ ، واللهُ أعلمُ.
هذا مثالٌ لقسمٍ خامسٍ من هذا النوعِ لَمْ يفردْهُ ابنُ الصلاحِ بالتقسيمِ؛ وإنما أدخلهُ في القسمِ الثالثِ ، وقالَ : " إنَّهُ ممَّا يقاربهُ " ، وهوَ أنْ تتفقَ كُناهمْ ، وأسماءُ أبائهمْ ، نحوُ أبي بكرِ بنِ عيَّاشٍ ، ثلاثةٌ :
فالأولُ : أبو بكرِ بنُ عياشِ بنِ سالمٍ الأسديُّ الكوفيُّ المقرئُ راوي قراءةِ عاصمٍ ، اخْتُلِفَ في اسمِهِ على أحدَ عشرَ قولاً ، وقدْ تقدَّمَ في القسمِ الأولِ منَ الأسماءِ والكنى أنَّ أبا زُرعةَ صحَّحَ أنَّ اسمَهُ شُعبةُ ، وصحَّحَ ابنُ الصلاحِ ، والمزيُّ أنَّ اسمَهُ كنيتُهُ. ماتَ في عشرِ المائةِ ، قيلَ : سنةُ اثنتينِ وتسعينَ ومائةٍ ، وقيلَ : ثلاثٌ ، وقيلَ : أربعٌ.
والثاني : أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيُّ ، روى عنْ عثمانَ بنِ شباكٍ الشاميِّ ، وروى عنهُ جعفرُ بنُ عبدِ الواحدِ الهاشميُّ . قالَ الخطيبُ : وعثمانُ ، وأبو بكرٍ مجهولانِ ، وجعفرٌ كانَ غيرَ ثقةٍ .
والثالثُ : أبو بكرِ بنُ عياشِ بنِ حازمٍ السلميُّ ، مولاهمْ البَاجَدَّائيُّ ، اسمُهُ حُسينٌ ، روى عنْ جعفرِ بنِ بُرْقانَ ، روى عنهُ عليُّ بنُ جميلٍ الرَّقِّيُّ ، وغيرُهُ . قالَ الخطيبُ : وكانَ فاضلاً أديباً ، ولهُ كتابٌ مصنفٌ في غريبِ الحديثِ . ماتَ سنةَ أربعٍ ومائتينِ ، بباجدَّاءَ ، قالَهُ : هلالُ بنُ العلاءِ .
هذا مثالٌ لقسمٍ سادسٍ من هذا النوعِ : وهوَ عكسُ ما قبلَهُ : أنْ تتفقَ أسماؤُهمْ ، وكنى آبائِهمْ ، نحو صالحِ بنِ أبي صالحٍ ، أربعةٌ ، كلُّهمْ منَ التابعينَ ، ولَمْ يذكرِ الخطيبُ في كتابِهِ إلاَّ الثلاثةَ الأولينَ .
فالأولُ : صالحُ بنُ أبي صالحٍ ، أبو محمدٍ المدنيُّ ، واسمُ أبي صالحٍ : نَبْهانُ وقالَ أبو زرعةَ : هوَ صالحُ بنُ صالحِ بنِ نبهانَ ، وكنيةُ نبهانَ : أبو صالحٍ ، وهوَ صالحٌ مولى التوأمةِ بنتِ أميةَ بنِ خلفٍ الجمحيِّ ، روى عنْ أبي هريرةَ ، وابنِ عباسٍ ، وأنسٍ ، وغيرِهمْ منَ الصحابةِ . مختلفٌ في الاحتجاجِ بهِ ، توفيَ سنةَ خمسٍ وعشرينَ ومائةٍ .
والثاني : صالحُ بنُ أبي صالحٍ السَّمَّانُ ، واسمُ أبي صالحٍ : ذَكْوَانُ أبو عبدِ الرحمنِ المدنيُّ ، روى عنْ أنسٍ ، روى لهُ مسلمٌ ، والترمذيُّ حديثاً واحداً .
والثالثُ : صالحُ بنُ أبي صالحٍ السَّدُوسِيُّ ، روى عنْ عليٍّ ، وعائشةَ ، روى عنهُ خلادُ بنُ عمرٍو ، ذكرَهُ البخاريُّ في " التاريخِ " ، وابنُ حبَّانَ في " الثقاتِ " .
والرابعُ: صالحُ بنُ أبي صالحٍ المخزوميُّ الكوفيُّ، مولى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ ، واسمُ أبي صالحٍ : مِهْرَانُ ، روى عن أبي هريرةَ ، روى عنهُ أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ ، ذكرَهُ البخاريُّ في " التاريخِ " ، ولهُ عندَ الترمذيِّ حديثٌ. ضعَّفَهُ يحيى بنُ معينٍ ، وجهَّلَهُ النسائيُّ . وهذا الرابعُ لَمْ يذكرْهُ الخطيبُ .
قلتُ : وممَّا لَمْ يذكراهُ: صالحُ بنُ أبي صالحٍ الأسديُّ ، روى عنِ الشعبيِّ ، روى عنهُ زكريا بنُ أبي زائدةَ، ذكرَهُ البخاريُّ في " التاريخِ " ، وروى لهُ النسائيُّ حديثاً ، وإنما لَمْ يذكراهُ ؛ لكونهِ متأخّرَ الطبقةِ عنِ الأربعةِ المذكورينَ . وأيضاً فَسَمَّاهُ بعضُهمْ: صالحَ بنَ صالحٍ الأسديَّ ، قالَ البخاريُّ: وصالحُ بنُ أبي صالحٍ أصحُّ.
ومنْ أقسامِ المتفقِ والمفترقِ - وهوَ القسمُ السابعُ منهُ -: أنْ يتفقَ الاسمُ فقطْ ، ويقعَ في السندِ ذكرُ الاسمِ فقطْ ، مهملاً من غيرِ ذكرِ أبيهِ أو نسبةٍ تُمَيِّزُهُ ، ونحو ذلكَ . وكذلكَ : أنْ تتفقَ الكنيةُ فقطْ ، ويذكرَ بها في الإسنادِ منْ غيرِ تمييزٍ بغيرها
فمثالُهُ في الاسمِ : أنْ يُطلقَ في الإسنادِ : حَمَّادٌ ، من غيرِ أن يُنْسَبَ ، هلْ هوَ ابنُ زيدٍ أو ابنُ سَلَمةَ ؟ ويتميزُ ذلكَ عندَ أهلِ الحديثِ بحسبِ مَنْ أطلقَ مِنَ الرواةِ عَنْهُ ، فإنْ كانَ الذي أطلقَ الروايةَ عنهُ سُليمانُ بنُ حَرْبٍ أو عارمٌ ، فالمرادُ حينئذٍ : حَمَّادُ بنُ زيدٍ ، قالَهُ محمدُ بنُ يحيى الذُّهْليُّ ، وكذا قالهُ أبو محمدِ بنُ خلادٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابِ " المحدّثِ الفاصلِ " ، والمزيُّ في " التهذيبِ " .
وإنْ كانَ الذي أطلقَهُ أبو سلمةَ موسى بنُ إسماعيلَ التَّبُوذكيُّ ، فمرادُهُ : حمادُ بنُ سلمةَ . قالَهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ إلاَّ أنَّ ابنَ الجوزيِّ قالَ في " التلقيحِ " : إنَّ التَّبُوذكيَّ ليسَ يروي إلاَّ عنْ حمادِ بنِ سلمةَ خاصةً ، وكذلكَ إذا أطلقهُ عفانُ ، فقدْ روى محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ عنْ عفانَ ، قالَ : إذا قلتُ لكمْ حدثنا حمادٌ ، ولَمْ أنسبهُ ، فهوَ ابنُ سلمةَ ، وقالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ : إذا قالَ عفانُ : حدثنا حمادٌ أمكنَ أنْ يكونَ أحدهما كذا ، قالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: وهوَ ممكنٌ ، لولا ما حكاهُ الذهليُّ عنْ عفانَ منِ اصطلاحِهِ ، فزالَ أحدُ الاحتمالينِ، وإنْ كانَ ابنُ الصلاحِ حكى القولينِ ، وكذا اقتصرَ المزيُّ في " التهذيبِ " على أنَّ المرادَ : ابنُ سلمةَ ، وهوَ الصوابُ ، واللهُ أعلمُ . وكذا إذا أطلقَ ذلكَ حجاجُ بنُ منهالٍ ، فالمرادُ: ابنُ سلمةَ ، قالَهُ محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ، والرَّامَهُرْمُزِيُّ والمزيُّ أيضاً. قلتُ: وكذا إذا أطلقهُ هُدْبةُ بنُ خالدٍ ، فالمرادُ : ابنُ سلمةَ ، قالَهُ المزيُّ في " التهذيبِ " .
قلتُ : وإنما يزيدُ الإشكالَ إذا كانَ مَنْ أطلقَ ذلكَ قدْ روى عنهما معاً. أما إذا لَمْ يروِ إلاَّ عنْ أحدِهما ، فلا إشكالَ حينئذٍ عندَ أهلِ المعرفةِ .
وممَّنِ انفردَ بالروايةِ عنْ حمادِ بنِ زيدٍ دونَ ابنِ سلمةَ : أبو الرَّبِيْعِ الزَّهْرانيُّ وقُتَيبةُ ، ومُسَدّدٌ ، وأحمدُ بنُ عبدةَ الضبيُّ ، وآخرونَ .
وممَّنِ انفردَ بحمادِ بنِ سلمةَ ، دونَ حمادِ بنِ زيدٍ : بهزُ بنُ أسدٍ ، وآخرونَ لهمْ موضعٌ غيرُ هذا.
ومثَّلَ ابنُ الصلاحِ أيضاً بما إذا أُطْلِقَ عبدُ اللهِ في السندِ، ثمَّ حَكى عنْ سَلَمةَ بنِ سُليمانَ ، قالَ : إذا قيلَ بمكةَ : عبدُ اللهِ ، فهوَ ابنُ الزبيرِ ، وإذا قيل بالكوفةِ ، فهوَ ابنُ مسعودٍ ، وإذا قيلَ بالبصرةِ ، فهوَ ابنُ عباسٍ ، وإذا قيلَ بخراسانَ ، فهوَ ابنُ المباركِ . وقالَ الخليليُّ في " الإرشادِ " : " إذا قالَ المِصْريُّ: عبدَ اللهِ ، فهوَ ابنُ عمرٍو - يعني : ابنَ العاص - وإذا قالَهُ المكيُّ ، فهوَ ابنُ عباسٍ - قلتُ : لكنْ قالَ النَّضْرُ بنُ شُميلٍ: إذا قالَ الشاميُّ: عبدَ اللهِ ، فهوَ ابنُ عمرِو بنِ العاص - قالَ : وإذا قالَ المدنيُّ: عبدَ اللهِ ، فهوَ ابنُ عمرَ " . قالَ الخطيبُ: وهذا القولُ صحيحٌ ، قالَ: وكذلكَ يفعلُ بعضُ المصريينَ في عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاص .
ومثَّل ابنُ الصلاحِ لاتفاقِ الكنيةِ بأبي حمزةَ -بالحاءِ والزاي- عنْ ابن عباسٍ إذا أطلقَ ، قالَ : وذَكَرَ بعضُ الحفاظِ أنَّ شعبةَ روى عن سبعةٍ كلُّهم أبو حمزةَ ، عنْ ابنِ عباسٍ ، وكلُّهمْ بالحاءِ والزاي إلاَّ واحداً ، فإنَّهُ بالجيمِ - أيْ: والراء - وهوَ أبو جَمْرةَ نصرُ بنُ عِمرانَ الضُّبَعِيُّ . فإذا أُطلقَ ، فهوَ نصرُ بنُ عمرانَ ، وإذا رُويَ عنْ غيرِهِ ، فهوَ يذكرُ اسمَهُ ، أوْ نسبَهُ " ، واللهُ أعلمُ .
وللخطيبِ كتابٌ مفيدٌ في هذا القسمِ سمَّاهُ " المكمل في بيانِ المهملِ " .
ومنْ أقسامِ المتفقِ والمفترقِ - وهوَ القسمُ الثامنُ منهُ -: أنْ يتفقا في النسبِ منْ حيثُ اللفظُ ، ويفترقا من حيثُ إنَّ ما نُسبَ إليهِ أحدُهما ، غيرُ ما نُسِبَ إليهِ الآخرُ .
ولمحمدِ بنِ طاهرٍ المقدسيِّ في هذا القسمِ تصنيفٌ حسنٌ .
نحوُ : الحَنَفِيِّ ، والحنفيِّ فلفظِ النسبِ واحدٌ :
وأحدُهما : منسوبٌ إلى القبيلةِ ، وهمْ بنو حَنِيْفَةَ ، منهمْ : أبو بكرٍ عبدُ الكبيرِ بنُ عبدِ المجيدِ الحنفيُّ ، وأخوهُ أبو عليٍّ عُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ المجيدِ الحنفيُّ . أخرجَ لهما الشيخانِ.
والثاني : منسوبٌ إلى مذهبِ أبي حنيفةَ ، وفيهمْ كثرةٌ .
و انسب إلى القسمِ الثاني -وهوَ ما نُسِبَ للمذهبِ- بزيادةِ ياءٍ مثناةٍ منْ تحتُ ، فقلْ : حَنِيْفِيٌّ ، فقد كانَ جماعةٌ منْ أهلِ الحديثِ ، منهمْ: أبو الفضلِ محمَّدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ ، يفرِّقونَ بينَ النِّسْبةِ للقبيلةِ والمذهبِ بذلكَ .
قالَ ابنُ الصلاحِ(4): " ولَمْ أجدْ ذلكَ عنْ أحدٍ منَ النَّحْويينَ إلاَّ عنْ أبي بكرِ بنِ الأنبارِيِّ الإمامِ ، قالَهُ في " الكافي " " .
ومثَّلَ ابنُ الصلاحِ أيضاً : بالآمُلِي ، والآمُلِي .
فالأولُ : آملُ طَبرسْتَانَ ، قالَ السَّمْعانيُّ : " أكثرُ أهلِ العلمِ منْ أهلِ طَبرسْتَانَ منْ أهلِ آملَ " .
والثاني : إلى آمُلَ جيحونَ شُهِرَ بالنسبةِ إليها : عبدُ اللهِ بنُ حمادٍ الآمُليُّ روى عنهُ البخاريُّ في " صحيحِهِ " ، قالَ : وما ذكرَهُ الغَسَّانيُّ ، ثمَّ القاضي عياضٌ منْ أنَّهُ منسوبٌ إلى آمُلَ طَبرسْتَانَ ، فهوَ خطأٌ . قلتُ : لَمْ يروِ البخاريُّ في " صحيحهِ " عنهُ مصرحاً بنسبِهِ ، ولا بأبيهِ ، وإنما حدَّثَ في موضعٍ ، عنْ عبدِ اللهِ -غيرَ منسوبٍ- عنْ يحيى بنِ معينٍ . وفي موضعٍ آخرَ: عنْ عبدِ اللهِ - غيرَ منسوبٍ - عنْ سليمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ ، فاختُلِفَ في مرادِهِ بعبدِ اللهِ ، فقيلَ : هوَ الآمُلي ، قالَهُ الكلاباذيُّ ، وقيلَ : هوَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ القاضي الخوَارِزْميُّ ، وهوَ الظاهرُ ؛ فإنَّهُ روى في " كتابِ الضعفاءِ " مصرّحاً بهِ عدَّةَ أحاديثَ ، عنْ سليمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ ، وغيرِهِ .
3- أهميته وفائدته:
ومعرفة هذا النوع مهم جداً ، فقد زلق بسبب الجهل به غير واحد من أكابر العلماء . ومن فوائده :
عدم ظن المشتركين في الاسم واحداً ، مع أنهم جماعة . وهو عكس " المُهمل " الذي يُخشى منه أن يُظن الواحد اثنين(5)
التمييز بين المشتركين في الاسم، فربما يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً، فيضعف ما هو صحيح أو بالعكس.
4-متى يَحْسُنُ إيرادهُ ؟
ويحسن إيراد المثال فيما إذا اشترك الراويان أو الرواة في الاسم ، وكانوا في عصر واحد ، واشتركوا في بعض الشيوخ أو الرواة عنهم ، أما إذا كانوا في عصور متباعدة فلا إشكال في أسمائهم .
5-أشهر المصنفات فيه :
كتاب " المُتَّفِق والمُفْترق " للخطيب البغدادي، وهو كتاب حافل نفيس ، وهو مطبوع
دراسة وتحقيق الدكتور محمد صادق الحامدي ، دار القادري ، دمشق 1988
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 81) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 8) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 37) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 76) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 123) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 258)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 258)
(3) - انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (7/430) فما بعدها والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 11 / ص 331)
(4) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 81)
(5) - انظر شرح النخبة ص 68 .(1/438)
قال الخطيب في مقدمته :" أما بعد فإني ذاكر في كتابي هذا نوعا من علم الحديث قد يقع الإشكال في مثله على من لم ترتفع في العلم رتبته ولم تعل في تدبيره طبقته وهو بيان أسماء وأنساب وردت في الحديث متفقة متماثلة وإذا اعتبرت وجدت مفترقة متباينة فلم يؤمن وقوع الإشكال فيها ولو في بعضها لاشتباهها وتضاهيها وقد وهم غير واحد من حملة العلم المعروفين بحسن الحفظ والفهم في شيء من هذا النوع الذي ذكرناه فحدانا ذلك على أن شرحناه ولخصناه ونسأل الله العصمة من الخطأ في جميع الأمور والعفو عن زللنا برأفته إنه رحيم غفور. اهـ
كتاب " الأنساب المتفِقة " للحافظ محمد بن طاهر المتوفى سنة 507هـ وهو لنوع خاص من المتفق.
ـــــــــــــــ(1/439)
المُؤْتَلفُ والمُخْتَلفُ(1)
ـ 5 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة : المُؤتلف اسم فاعل من " الائتلاف " بمعنى " الاجتماع والتلاقي " وهو ضد النُفْرة. والمُخْتَلِف اسم فاعل من " الاختلاف " ضد الاتفاق.
ب) اصطلاحاً : أن تتفق الأسماء أو الألقاب أو الكُنى أو الأنساب خطاً ، وتختلف لفظاً
أو المؤتلف خطاً المختلف لفظاً ، وهو كل ما لا يفرق بينه إلا الشكل أو النقط .
2- أقسامه :
المؤتَلِفُ والمختَلِفُ ينقسمُ إلى قسمينِ :
أحدهما : ما ليسَ لهُ ضابطٌ يرجعُ إليهِ ، وإنما يُعرَفُ بالنقلِ والحفظِ ، وهوَ الأكثرُ
والثاني : ما يدخلُ تحتَ الضبطِ ، وقدْ ذكرتُ مِنْ هذا القسمِ الثاني جملةً منهُ تبعاً لابنِ الصلاحِ ، ثمَّ هذا القسمُ على قسمينِ :
أحدُهما : على العمومِ من غيرِ تقييدٍ بتصنيفٍ ، ويُضبطُ بأنْ يُقالَ : ليسَ لهم فلانٌ إلاَّ كذا والباقونَ كذا .
والثاني منَ القسمِ الثاني : مخصوصٌ بما في الصحيحينِ ، " والموطَّأ " .
فَمِنَ القسمِ الأولِ:سَلاَّمٌ وسَلاَمٌ،وجميعُهُ بالتشديدِ إلاَّ خمسةً ، وهمْ : سَلاَمٌ والدُ عبدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ الحبرُ الصحابيُّ ، وسَلاَمٌ جدُّ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ المعتزليِّ ، واسمُ أبي عليٍّ محمدُ بنُ عبدِ الوهابِ بنِ سَلاَمٍ ، وسَلاَمٌ والدُ محمدِ بنِ سلامِ بنِ الفرجِ البِيْكَنديِّ البخاريِّ شيخِ البخاريِّ على خلافٍ فيهِ ، فجزمَ غُنْجَارٌ في " تاريخِ بُخَارَى " ، والخطيبُ، وابنُ ماكولا بالتَّخفيفِ، وقالَ ابنُ الصلاحِ : إنَّهُ أثبتُ، وذكرهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرحِ والتعديلِ"في محمدِ بنِ سلاَّمٍ بالتشديدِ . وكذا قالَ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في"تقييدِ المهملِ" :إنَّهُ بالتشديدِ، وقالَ صاحبُ " المشارقِ "و " المطالعِ ": إنَّ التثقيلَ أكثرُ . قلتُ : وكأنَّهُ اشتبهَ عليهما بشخصٍ آخرَ ، يسمَّى :محمدَ بنَ سلاَّمٍ البِيكَنديَّ أيضاً ، فإنَّهُ بالتشديدِ فيما ذكرهُ الخطيبُ في " التلخيصِ "وغيرِهِ ، ويُعرفُ بالبيكنديِّ الصغيرِ،وهوَ محمدُ بنُ سلاَّمِ بنِ السكنِ البيكنديُّ ، حدَّثَ عنِ الحسنِ بنِ سوَّارٍ الخراسانيِّ،وعليِّ بنِ الجَعْدِ الجوهريِّ، روى عنهُ عبيدُ اللهِ بنُ واصلٍ البخاريُّ، فأمَّا البيكنديُّ شيخُ البخاريِّ، فقدْ روينا بالإسنادِ إليهِ أنَّهُ قالَ: أنَا محمدُ بنُ سلامٍ بالتخفيفِ ، وهذا قاطعٌ للنِزَاعِ فيهِ ، وسلامُ بنُ أبي الحقيقِ اليهوديُّ ، وقالَ المبردُ في " الكاملِ ": ليسَ في العربِ سلامٌ مخففُ اللامِ إلاَّ والدُ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ ، وسلامُ بنُ أبي الحُقَيْقِ، قالَ: وزادَ آخرونَ : سلامَ بنَ مِشْكم خَمَّاراً كانَ في الجاهليةِ والمعروفُ فيهِ التشديدُ،واللهُ أعلمُ .
وسلامُ بنُ محمدِ بنِ ناهضٍ المقدسيُّ ، هكذا روى عنهُ أبو طالبٍ أحمدُ بنُ نصرٍ الحافظُ فسمَّاهُ سلاماً ، وروى عنهُ الطبرانيّ ُفَسَمَّاهُ سلامةَ بزيادةِ هاءٍ في آخرِهِ ، هكذا اقتصرَ ابنُ الصلاحِ في ضبطِ سلامِ المخفَّفِ على هذا المقدارِ، ولهم ثلاثةُ أسماءٍ مخفَّفةٍ أيضاً وهم : سلامُ ابنُ أختِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ ، معدودٌ في الصحابةِ عدَّهُ فيهم ابنُ فتحونَ في تذييلِهِ على " الاستيعابِ " ، ولعبدِ اللهِ بنِ سلامٍ أخٌ يقالُ لهُ : سلمةُ بنُ سلامٍ ، وإنما لَمْ استدرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ ؛ لأنَّ والدَهُما مذكورٌ ، ولا حاجةَ إلى ذكرِ سلمةَ ، وقدْ ذَكَرَ سلمةَ في الصحابةِ ابنُ منده ؛ ولكنْ قالَ ابنُ فتحونَ في تذييلِهِ على "الاستيعابِ": إنَّ سلمةَ هوَ ابنُ أخي عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ ، فاللهُ أعلمُ .
وَجَدُّ السَّيِّدِيِّ وهوَ سَعْدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سلامٍ السَّيِّدِيُّ ، روى عنِ ابنِ البطيِّ ، وماتَ سنةَ أربعَ عشرةَ وستمائةٍ ، ذكرهُ ابنُ نُقْطَةَ في " التكملةِ "-فيما قرأتُ بخطِّهِ- لهُ . وكذلكَ جدُّ النَّسَفِيِّ الأعلى وهوَ : أبو نصرٍ محمدُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ محمدِ بنِ موسى بنِ سلامٍ النسفيُّ السلاميُّ، نُسِبَ إلى جدِّهِ ، روى عن زاهرِ بنِ أحمدَ ، توفيَ بعدَ الثلاثينَ وأربعمائةٍ ، ذكرهُ الذهبيُّ في " مشتبهِ النسبةِ " .
والبِيْكَنْدِيُّ - بكسرِ الباءِ الموحدةِ وسكونِ الياءِ المثناةِ من تحتُ وفتحِ الكافِ وسكونِ النونِ وبعدها دالٌ مهملةٌ ، هكذا قيدهُ بكسرِ أوَّلِهِ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ .
والنَّسَفيُّ - بفتحِ النونِ والسينِ - قيّدهُ السمعانيُّ وغيرُهُ، وهوَ منسوبٌ إلى نِسفٍ - بكسرِ النونِ - فتحتْ للنسبِ كالنَّمَرِيِّ .
ومنْ ذلكَ عُمَارَةُ وعِمَارَةُ ، وليسَ لنا عِمارَةُ - بكسر العينِ - إلاَّ أُبَيَّ بنَ عِمَارَةَ منَ الصحابَةِ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : ومنهم مَنْ ضمَّهُ ، قالَ : ومَنْ عَدَاهُ : عُمَارَةُ - بالضمِّ - . قلتُ : يَرِدُ على كلامِهِ عَمَّارةُ - بفتحِ العينِ وتشديدِ الميمِ - وهم جماعةٌ منَ النسوةِ ، منهنَّ : عَمَّارةُ بنتُ عبدِ الوهابِ الحمصيةُ ، وعَمَّارَةُ بنتُ نافعِ بنِ عمرَ الجُمَحِيِّ، وعَمَّارَةُ جدَّةُ أبي يوسفَ محمدِ بنِ أحمدَ الصيدنانيِّ الرقِّيِّ .
ومنَ الرجالِ: يزيدُ، وعبدُ اللهِ، وبَحَّاثٌ بنو ثعلبةَ بنِ خزمةَ بنِ أصرمَ ابنِ عمرِو بنِ عَمَّارَةَ، معدودونَ في الصحابةِ. وعبدُ اللهِ بنُ زيادِ بنِ عمرِو ابنِ زمزمةَ بنِ عمرِو بنِ عَمَّارةَ البَلوَيُّ، شهدَ بدراً.ومُدركُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ القمقامِ بنِ عَمَّارةَ ولاَّهُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ الجزيرةَ.وجعفرُ بنُ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمَّارةَ الحربيُّ،روى عن سعيدِ بنِ البناءِ، وولداهُ قاسمُ وأحمدُ ابنا جعفرِ بنِ أحمدَ بنِ عَمَّارةَ . وأبو عمرَ محمدُ بنُ عمرَ بنِ عليِّ بنِ عَمَّارةَ الحربيُّ.وأبو القاسمِ محمدُ بنُ عَمَّارةَ البخاريُّ النجَّارُ الحربيُّ.وبنو عَمَّارةَ البلويِّ بطنٌ.
ومنْ ذلكَ : كَرِيزٌ - بفتحِ الكافِ وكسرِ الراءِ - مكبَّراً ، وكُرَيْزٌ مصغَّراً ، وكلُّهُ مصغرٌ إلاَّ في خُزاعَةَ فقطْ . وحكى الجيانيُّ في " تقييدِ المهمل " عنْ محمدِ بنِ وضَّاحِ فَتْحَ الكافِ في خُزَاعَةَ ، وضمّها في عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافٍ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " وضمُّهَا موجودٌ أيضاً في غيرِهما ، قالَ : ولا يُستدركُ في المفتوحِ بأيوبَ بنِ كريزٍ الراوي عن عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ ؛ لكونِ عبدِ الغنيِّ ذكرهُ بالفتحِ؛ لأنَّهُ بالضمّ كذلكَ ذكرهُ الدارقطنيُّ وغيرهُ "، أي : كابنِ ماكولا.
ومنْ ذلكَ: حِزامٌ -بكسرِ الحاءِ وبالزاي-، وحَرامٌ - بالفتحِ وبالراءِ - ففي قريشٍ الأولُ ، وفي الأنصار الثاني ، وليسَ المرادُ بذلكَ إلاَّ ضبط ما في قريشٍ والأنصارِ وإلاَّ فقدْ وَقَعَ حزامٌ - بالزاي - في خزاعةَ وبني عامرِ بنِ صعصعةَ وغيرهما ، ووقَعَ حرامٌ - بالراءِ - في بَلِيٍّ : اسمُ قبيلةٍ ، وخثعمَ ، وجذامَ ، وتميمِ بنِ مرَّ. وفي خُزاعةَ أيضاً ، وفي عذرةَ ، وبني فزارةَ، وهذيلٍ وغيرهِم، كما هوَ مُبَيَّنٌ في كتابِ "الأميرِ" وغيرهِ ، واللهُ أعلمُ .
ومِنْ ذلكَ : عَنْسيٌّ - بالنونِ والسينِ المهملةِ - ، وعَبْسيٌّ - بالموحدةِ والمهملةِ أيضاً - ، وعَيْشِيٌّ - بالمثناةِ من تحتُ والشينِ المعجمةِ - .
فالأولُ في الشاميينَ، منهم : عُمَيرُ بنُ هانيءٍ ، وبلالُ بنُ سعدٍ ، كلاهما تابعيٌّ .
والثاني : في الكوفيينَ ، منهم : عُبيدُ اللهِ بنُ موسى .
والثالثُ : في البصريينَ ، منهم : عبدُ الرحمنِ بنُ المباركِ ، كذا قالَ الحاكمُ في " علومِ الحديث "، وللخطيبِ البغداديِّ نحوهُ فيما حكاهُ عنهُ أبو عليِّ بنُ البردانيِّ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " وهذا على الغالبِ ".
وزادَ الحاكم ُفي هذه الترجمةِ : والقيسيونَ ، أي : بالقافِ بطنٌ من تميمٍ .
وممَّا وقعَ نادراً مخالفاً للغالبِ عَمَّارُ بنُ ياسرٍ ، فإنَّهُ عنسيٌّ - بالنونِ - وهوَ معدودٌ في أهلِ الكوفةِ ، وقدِ احترزَ ابنُ ماكولا عنْ ذلكَ بقولهِ : وَعُظْمُ عَنْسٍ في الشَّامِ، وكذا قالَ السمعانيُّ، وقالَ ابنُ ماكولا في العَيْشِيِّ - بالمثناةِ والمعجمةِ - عامتُهم بالبصرةِ، وقالَ السمعانيُّ : نزلوا البصرةَ .
ومن ذلكَ : مَنِ اكتنى بأبي عُبيدةَ ، فكلُّهم بضمِّ العينِ مصغَّراً ، قالَ الدارقطنيُّ : " لا نعلمُ أحداً يُكنَّى بأبي عَبيدةَ بالفتحِ ".
ومن ذلكَ : السَّفْر - بإسكانِ الفاءِ - ، والسَّفَرُ - بفتحها - ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " وجدتُ الكنى مِنْ ذلكَ بالفتحِ والباقي بالإسكانِ ، قالَ : ومِنَ المغاربةِ مَنْ سكَّنَ الفاءَ من أبي السفْرِ سعيدِ بنِ يُحْمِدَ . قالَ : وذلكَ خلافُ ما يقولُ أصحابُ الحديثِ حكاهُ الدارقطنيُّ عنهم " . قلتُ : لهم في الأسماءِ والكنى : سَقْرٌ -بسكونِ القافِ-، وقدْ يردُ ذلكَ على إطلاقِهِ، فمِنَ الأسماءِ : سَقْرُ بنُ حبيبٍ الغنويُّ ، وسَقْرُ بنُ حبيبٍ آخرُ، وسَقْرُ بنُ عبدِ اللهِ، وسَقْرُ بنُ عبدِ الرحيمِ ابنُ أخي شعبةَ ، وسَقْرُ بنُ عبدِ الرحمنِ شيخٌ لأبي يعلى، وسَقْرُ بنُ حسينٍ الحذاءُ، وسَقْرُ بنُ عداسٍ. وفي الكنَى : أبو السَّقْرِ يحيى بنُ يزدادَ.
ولهمْ أيضاً : شَقَرٌ - بفتحِ الشينِ المعجمةِ والقافِ -:حيٌّ منْ بني تميمٍ يُنسبُ إليهِ الشَّقَرِيونَ . ومعاويةُ الشَّقِرُ - بكسرِ القافِ -: شاعرٌ .
ومنْ ذلكَ : عِسْلٌ - بكسرِ العينِ وسكونِ السينِ المهملتينِ - ، وعَسَلٌ- بفتحهما -. قالَ ابنُ الصلاحِ : " وجدتُ الجميعَ مِنَ القبيلِ الأولِ إلاَّ عَسَلَ بنَ ذكوانَ الأخباريَّ البصريَّ ، فإنَّهُ بالفتحِ ، ذكرَهُ الدارقطنيُّ وغيرُهُ . قالَ : ووجدتُهُ بخطِّ الإمامِ أبي منصورٍ الأزهريِّ في كتابِهِ " تهذيبِ اللغةِ " : بالكسرِ والإسكانِ أيضاً ، قالَ : ولا أراهُ ضَبَطَهُ ، واللهُ أعلمُ " .
ومِنْ ذلكَ : غَنَّامٌ - بالغينِ المعجمةِ والنونِ المشدَّدةِ - ، وعَثَّامٌ - بالعينِ المهملةِ والثاءِ المثلثةِ المشددةِ - ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " ولا نَعرفُ من هذا القبيلِ الثاني غيرَ عثَّامِ ابنِ عليٍّ العامريِّ الكوفيِّ والدِ عليِّ بنِ عثَّامٍ الزاهدِ ، والباقونَ من الأولِ منهم : غَنَّامُ ابنُ أوسٍ ، صحابيٌّ بدريٌّ ".
قلتُ : ولهم منَ القبيلِ الثاني أيضاً حفيدُ المذكورِ ، وهوَ عثَّامُ بنُ عليِّ بنِ عَثَّامِ بنِ عليٍّ العامريُّ، وهذا لا يردُ على كلامي في النَّظْمِ؛ لأنَّ كلاًّ منهما عَثَّامُ بنُ عليٍّ العامريُّ، فهوَ داخلٌ تحتَ كلامي ، ويَرِدُ على ابنِ الصلاحِ ؛ لتقييدِهِ الترجمةَ بوالدِ عليِّ بنِ عثَّامٍ ، ولا نعرفُ لعثَّامٍ الثاني ولداً اسمهُ : عليٌّ .
ومِنْ ذلكَ قَمِيْرٌ مُكَبَّراً ، وقُمَيْرٌ مُصَغَّرَاً ، والجميعُ : بضمِّ القافِ مُصَغَّراً إلاَّ امرأةَ مسروقِ بنِ الأجدعِ : قَمِيْرَ بنتَ عَمْرٍو ، فإنَّها - بفتحِ القافِ وكسرِ الميمِ - ، واللهُ أعلمُ .
ومنْ ذلكَ مُسَوّرٌ ، ومِسْوَرٌ .
فالأولُ : - بضمِّ الميمِ ، وفتحِ السينِ المهملةِ ، وتشديدِ الواوِ - مُسَوّرُ بنُ يزيدَ المالكيّ ُالكاهليُّ لهُ صحبةٌ ، وَمُسَوّر بنُ عبدِ الملكِ اليربوعيُّ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " ومَنْ سواهما فيما نعلمُ بكسرِ الميمِ وإسكانِ السينِ ، واللهُ أعلمُ ".
قلتُ : لم يذكرِ ابنُ ماكولا بالتشديدِ إلاَّ ابنَ يزيدَ فقط. ولَمْ يستدركْهُ ابنُ نُقْطَةَ،ولا مَنْ ذيَّلَ عليهِ.وقدْ ذكرَ البخاريُّ في "التاريخِ الكبيرِ "مسورَ بنَ عبدِ الملكِ في بابِ مسورِ بنِ مخرمةَ ، وهذا يدلُّ على أنَّهُ عندهُ مخفَّفٌ ، وذكرَ في بابِ الواحدِ: مسورَ ابنَ يزيدَ ، ومسورَ بنَ مرزوقٍ ، وهذا يقتضي أنْ يكونَ ابنُ مرزوقٍ بالتشديدِ عندهُ ، واللهُ أعلمُ . وأمَّا الذهبيُّ فتبعَ ما قالَهُ ابنُ الصلاحِ ، وكأنَّهُ قلَّدَهُ في ذلكَ .
وَمِنْ ذلكَ الحَمَّالُ والجَمَّالُ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : لا نعرفُ في رواةِ الحديثِ ، أو فيمَنْ ذُكِرَ منهم في كتبِ الحديثِ المتداولةِ ، الحمالَ - بالحاءِ المهملةِ - صفةً لا اسماً إلاَّ هارونَ بنَ عبدِ اللهِ الحمالَ ، والِدَ موسى بنِ هارونَ الحمالِ الحافظِ ، وكانَ بزَّازاً فلمَّا تَزهَّدَ حَمَلَ " . حكاهُ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ ، عنِ القاضي أبي الطاهرِ . وحكى ابنُ الجارودِ في " الكنى " ، عنْ موسى بنِ هارونَ : أنَّهُ كانَ حمالاً ثمَّ تحوَّلَ إلى البزِّ . وزعمَ الخليليُّ وابنُ الفلكيِّ : أنَّهُ لُقِّبَ بالحَمَّالِ ؛ لكثرةِ ما حَمَلَ منَ العلمِ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " ولا أرى ما قالاهُ يصحُّ، قالَ : ومَنْ عداهُ : فالجمالُ- بالجيمِ -، منهمْ: محمدُ بنُ مهرانَ الجَمَّالُ ".
قلتُ : وقولهُ : صفةً لا اسماً ، احترز بهِ عمَّنْ اسمُهُ حمالٌ كأبيضَ بنِ حَمَّالٍ المأربيّ ِلهُ صحبةٌ ، وحمالِ بنِ مالكٍ ونحوِهما .
واحترزَ بـ " رواةِ الحديثِ " عنْ غيرهِم منَ الفقهاءِ والزهَّادِ ، كرافعِ بنِ نصرِ الحمالِ الفقيهِ ، صاحبِ أبي إسحاقَ ، وأيوبَ الحمالِ أحدِ الزهادِ ببغدادَ ، وبُنَانِ الحَمَّالِ أحدِ أولياءِ مصرَ، على أنَّ بُناناً الحمالَ قدْ روى عنِ الحسنِ ابنِ عَرَفةَ وغيرِهِ ، وإنما لمْ أورِدْهُ على كلامِ ابنِ الصلاحِ ؛ لأنَّهُ لمْ يكنْ مشهوراً بروايةِ الحديثِ ، واللهُ أعلمُ .
وكذلكَ سَمِعَ رافعٌ الحَمَّالُ منْ أبي عُمَرَ بنِ مهديٍّ ، وممَّنْ رَوَى أيضاً : أبو القاسمِ مَكِّيُّ بنُ عليِّ بنِ بُنانٍ الحَمَّالُ ، وأحمدُ بنُ محمدِ بنِ الدبسِ الحمالُ أحدُ شيوخِ أُبَيِّ بنِ النَّرْسِيِّ .
ومنْ ذلكَ : الحنَّاطُ - بالحاءِ المهملةِ والنونِ -، والخبَّاطُ - بالمعجمةِ والموحدةِ -، والخَيَّاطُ - بالمعجمةِ والمثناةِ من تحتُ - وذلكَ مذكورٌ في مظانِّهِ .
والمقصودُ أنَّهُ قدْ تجتمعُ الأوصافُ الثلاثةُ في اسمٍ واحدٍ ، فيؤْمَنُ الغلطُ فيهِ،ويكونُ اللافظُ مصيباً كيفَ ما وصفهُ،وذلكَ في اسمينِ وهما:عيسى بنُ أبي عيسى الحَنَّاطُ، ومسلمُ بنُ أبي مسلمٍ الخبَّاطُ ، هكذا ذكرهُ الدارقطنيُّ، وابنُ ماكولا: أنَّهُ اجتمعَ في كلٍّ منهما الأوصافُ الثلاثةُ وذلكَ مشهورٌ بالنسبةِ إلى عيسى ، قالهُ فيهِ يحيى بنُ معينٍ،وقالهُ هوَ عنْ نفسِهِ فيما حكاهُ محمدُ بنُ سعدٍ. ولكنَّ عيسى اشتهرَ بمهملةٍ ونونٍ،واشتهرَ مسلمٌ بمعجمةٍ وموحدةٍ،ورجَّحَ الذهبيُّ في كلِّ واحدٍ ما اشتهرَ بهِ .
وإنَّ السَّلَمِيَّ إذا جاءَ في الأنصارِ فهوَ بفتحِ السينِ واللامِ أيضاً ، كجابرِ بنِ عبدِ اللهِ،وأبي قتادةَ وغيرِهما، وهوَ نسبةٌ إلى بني سَلِمَةَ بفتحِ السينِ وكسرِ اللامِ، وفُتِحَتْ في النسبِ كالنَّمَرِيِّ والصَّدَفِيِّ وبابهما. قالَ السمعانيُّ: " وهذهِ النسبةُ عندَ النحويينَ ، قالَ : وأصحابُ الحديثِ يكسرونَ اللامَ " . قالَ ابنُ الصلاحِ : " وأكثرُ أهلِ الحديثِ يقولونَهُ بكسرِ اللامِ على الأصلِ ، وهوَ لَحْنٌ "، واقتصرَ ابنُ باطيشَ في " مشتبهِ النسبةِ " على كسرِ اللامِ ، وجعلَ المفتوحَ اللامِ نسبةً إلى سَلَمِيَّةَ - من عملِ حماةَ -، وتشتبهُ هذهِ الترجمةُ بالسُّلَميِّ - بضمِّ السينِ وفتحِ اللامِ - نسبةً إلى بني سُلَيمٍ ، كعباسِ بنِ مرداسٍ ، وبالسَّلْمِيِّ - بالفتحِ وسكونِ اللامِ - نسبةً إلى بعضِ أجدادِ المنتسبِ ، واللهُ أعلمُ .
وهذهِ النسبةُ أدخلها ابنُ الصلاحِ في القسمِ الثاني فنقلتُها إلى هذا القسمِ الأولِ ؛ لكونها لا تتعلقُ بما في الصحيحينِ ، والموطَّأ ، واللهُ أعلمُ .
هذا هوَ القسمُ الثاني الذي ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ ، وهوَ المخصوصُ بما في " الموطأ " والصحيحينِ للبخاريِّ ومسلمٍ.
فمِنْ ذلكَ بَشَّارٌ، وسَيَّارٌ، ويَسَارٌ ، فالأوَّلُ:بالباءِ الموحدةِ بعدها شينٌ معجمةٌ مشددةٌ،وليسَ في الصحيحينِ منهُ إلاَّ اسمٌ واحدٌ،وهوَ بَشَّارٌ والدُ بُنْدارٍ،واسمُهُ:محمدُ بنُ بشَّارٍ،أحدُ شيوخِهِمَا.قالَهُ أبو عليٍّ الغَسَّانيُّ في "تقييدِ المهملِ". قالَ الذهبيُّ:وبشارٌ نادرٌ في التابعينَ معدومٌ في الصحابةِ.انتهى.
والثاني : بسينٍ مهملةٍ ثمَّ ياءٍ مثناةٍ من تحتُ مشدَّدةٍ ، وفي الصحيحينِ منهُ : سَيَّارُ بنُ أبي سَيَّارٍ ، وَرُدَّ : أنَّ كنيتَهُ أبو الحكمِ . وسيَّارُ بنُ سلامَةَ(2).
والثالثُ:بتقديمِ الياءِ على السينِ المخففةِ،وهوَ (جَمْ)أي:كثيرٌ في الصحيحينِ والموطأ، كسليمانَ بنِ يسارٍ،وأخيهِ عطاءٍ،وسعيدِ بنِ يسارٍ وغيرهِم.وقدْ أدخلَ ابنُ ماكولا في هذهِ الترجمةِ : سناناً - بنونينِ -، وقدْ يُشْتَبَهُ بذلكَ ، وقالَ الذهبيُّ : لا يلتبسُ .
ومِنْ ذلكَ بِشْرٌ وبُسْرٌ .
فالأوَّلُ :- بكسرِ الباء الموحدةِ وسكونِ الشينِ المعجمةِ -. والثاني : - بضمِّ الموحدةِ وسكونِ المهملةِ -. وجميعُ ما في الصحيحينِ " والموطأ " منَ الأولِ إلاَّ أربعةَ أسماءٍ ، وهمْ : بُسْرُ بنُ سعيدٍ ، وبسرٌ المازنيُّ -والِدُ عبدِ اللهِ بنِ بسرٍ-، وبُسْرُ بنُ عبيدِ اللهِ الحضرميُّ ، وبسرُ بنُ محجنٍ الدِّيليُّ(3).
وقدِ اختُلِفَ في هذا الرابعِ ، فذهبَ مالكٌ والجمهورُ إلى أنَّهُ بالمهملةِ . وقالَ سفيانُ الثوريُّ : بشرٌ - كالجادةِ -، وقالَ الدارقطنيُّ : إنَّ الثوريَّ رجعَ عنهُ فيما يقالُ ؛ وكونُهُ بالمعجمةِ حكاهُ أحمدُ بنُ صالحٍ المصريُّ ، عنْ جماعةٍ منْ ولدِهِ ورهطِهِ، وابنُ مِحْجَنٍ حديثهُ في "الموطَّأ "فقطْ،وليسَ في واحدٍ منَ الصحيحينِ،ولمْ يذكرِ ابنُ الصلاحِ بسراً المازنيَّ، وحديثُهُ في "صحيحِ مسلمٍ" على ما ذكرهُ المزيُّ في "التهذيب" ، إنما ذكرَ ابنَهُ عبدَ اللهِ بنَ بسرٍ(4). [ وكانَ حقُّهُ أنْ يذكرَهُ حتَّى يُعرَفَ أنَّهُ في الصحيحِ ، وإنْ كانَ يُعْرَفُ ضبْطُهُ منْ ضبطِ ابْنِهِ عبدِ اللهِ ، قلتُ ]: وقدْ تشتبهُ هذهِ الترجمةُ بأبي اليَسَرِ . كعبِ بنِ عَمْرٍو وهوَ بالمثناةِ منْ تحتُ والسينِ المهملةِ المفتوحتينِ ، وحديثُهُ في " صحيحِ مسلمٍ(5)" ؛ ولكنَّهُ ملازمٌ لأداةِ التعريفِ غالباً بخلافِ القسمينِ الأوليينِ ، واللهُ أعلمُ .
ومِنْ ذلكَ بُشَيْرٌ، ويُسَيْرٌ ، ونُسَيْرٌ ، وبَشِيْرٌ .
فالأولُ :- بضمِّ الباءِ الموحدةِ وفتحِ الشينِ المعجمةِ - بُشَيرُ بنُ يسارٍ الحارثيُّ المدنيُّ حديثُهُ في الصحيحينِ " والموطأ "(6)، وبُشَيْرُ بنُ كعبٍ العدويُّ عندَ البخاريِّ(7).
والثاني:- بضمِّ الياءِ المثناةِ من تحتُ ، وفتحِ السينِ المهملةِ -، وهوَ يُسَيرُ بنُ عمرٍو(8)، وقيلَ : يُسَيْرُ بنُ جابرٍ ، حديثهُ في الصحيحينِ(9)، ويقالُ فيهِ أيضاً : أُسير بالهمزةِ(10).
والثالثُ :- بضمِّ النونِ وفتحِ السينِ المهملةِ -، وهوَ نسيرٌ والِدُ قطْنِ بنِ نُسَيْرٍ(11).
والرابعُ :- بفتحِ الباءِ الموحدةِ ، وكسرِ الشينِ المعجمةِ -، وهوَ الجادةُ .
وجميعُ ما في الصحيحينِ " والموطَّأ " خلا الأسماءِ الأربعةِ المتقدمةِ ، فهو من هذا القسم الرابع ، منهمْ : بشيرُ بنُ أبي مسعودٍ ، وبشيرُ بنُ نَهيك ، وغيرُهُمَا .
ومِنْ ذلكَ : بَرِيْدٌ ، وَبُرَيْدٌ ، وَبِرِنْدٌ ، ويَزِيْدُ.
فالأولُ :- بفتح الباءِ الموحدةِ وكسرِ الراءِ بعدها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ -، وهوَ جَدُّ عليِّ بنِ هاشمِ بنِ البريدِ ، روى لهُ مسلمٌ(12).
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 76) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 32) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 25) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 473) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 182) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 41) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 50) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 37) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 699) والموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 22) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 617) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 72) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 243) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 164) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 418) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 158) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 75) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 126) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 182)
(2) - صحيح البخارى(547 ) ومسلم(1494 )
(3) - موطأ مالك (298)
(4) - ففي صحيح مسلم(5449 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِى - قَالَ - فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِىَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِى النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى - قَالَ شُعْبَةُ هُوَ ظَنِّى وَهُوَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ - ثُمَّ أُتِىَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِى عَنْ يَمِينِهِ - قَالَ - فَقَالَ أَبِى وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ ادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ ».
الوطبة : الخليط يجمع التمر والأقط والسمن
(5) - صحيح مسلم(7704 )
(6) - موطأ مالك (50) والبخاري (209 ) ومسلم (3968)
(7) - صحيح البخارى (6117و6306 و6323 ) وأخرج له مسلم ( 19 و 165 و166)
(8) - صحيح البخارى(6934) وصحيح مسلم ( 2519 و3407)
(9) - هو في صحيح مسلم فقط ( 7463 و7464)
(10) - صحيح مسلم (6654 و6656 و7463 و7465 )
(11) - نسير ليس له رواية عندهما ولا في السنن الأربعة
(12) - صحيح مسلم (3642)(1/440)
والثاني :- مُصَغَّرٌ بضمِّ الباءِ وفتحِ الراءِ -، وهوَ بُرَيْدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي بردةَ بنِ أبي موسى الأشعريُّ ، روى لهُ الشيخانِ(1)، قلتُ : وروى البخاريُّ حديثَ مالكِ بنِ الحويرثِ في صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - )(2)وفي آخرهِ : " كصلاةِ شيخنا أبي بُرَيْدٍ عمرِو بنِ سلمةَ ، فذكرَ أبو ذرٍّ الهرويُّ،عنْ أبي محمدٍ الحمويِّ،عنِ الفِرَبْرِيِّ ، عنِ البخاريِّ : أبي بُرَيْدٍ - بضمِّ الموحدةِ وفتحِ الراءِ -، وكذا ذكرَ مسلمٌ في " الكنى "كنيةَ عمرِو بنِ سلمةَ ، والذي وقعَ عِندَ عامَّةِ رواةِ البخاريِّ : يَزِيْدُ - بفتحِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ وكسرِ الزاي -، كالجادةِ ، وقالَ عبدُ الغنيِّ : لَمْ أسمعْهُ من أحدٍ بالزاي ، قالَ : ومسلمُ بنُ الحجاجِ أعلمُ .
والثالثُ :- بكسرِ الباءِ الموحَّدةِ والراءِ بعدَها نونٌ ساكنةٌ - ، وهوَ جَدُّ محمدِ بنِ عَرْعَرَةَ بنِ البِرِنْدِ السامِيِّ ، اتفقا عليهِ أيضاً هكذا ذكرَ الأميرُ أبو نصرِ بنُ ماكولا أنَّه بكسرِ الباءِ والراءِ ، وفي كتابِ " عمدةِ المحدثينَ " : أنَّهُ بفتحِ الباءِ والراء . وحكى أبو عليٍّ الجيانيُّ ، عنِ ابْنِ الفرضِيِّ أنَّهُ يقالُ : بالفتحِ والكسرِ ، قالَ : والأشهرُ الكسرُ . وكذا قالَ القاضي عياضٌ ، وابنُ الصلاح ِأيضاً : إنَّهُ الأشهرُ .
والرابِعُ : يَزيدُ - بفتحِ المثناةِ من تحتُ وكسرِ الزاي -، وهوَ الجادةُ ، وكلُّ ما في الصحيحينِ " والموطأ " ، فهو من هذا إلاَّ الأسماءَ المذكورةَ .
ومِنْ ذلكَ : البرَّاءُ ، والبرَاءُ .
فالأولُ : بتشديدِ الراءِ ، وهوَ أبو معشرٍ البرَّاءُ ، واسمُهُ : يوسفُ بنُ يزيدَ ، وحديثُهُ في الصحيحينِ(3)، وأبو العاليةِ البَرَّاءُ ، قيلَ : اسمُهُ زيادُ بنُ فيروزَ ، وقيلَ : غيرُ ذلكَ ، وحديثُهُ أيضاً في الصحيحين(4)ِ .
والثاني : بتخفيفِ الراءِ ، جماعةٌ ، منهمُ : البراءُ بنُ عازبٍ .
وجميعُ ما في الصحيحينِ " والموطَّأ " من هذا القسمِ إلاَّ الكُنيَتينِ المذكورتينِ .
ومنْ ذلكَ : جَارِيَةُ ، وحَارِثَةُ .
فالأولُ : بالجيمِ وبالمثناةِ منْ تحتُ بعدَ الراءِ ، وهوَ : جاريةُ بنُ قُدامةَ ، ويَزيدُ بنُ جاريةَ ، هكذا ذكرَ ابنُ الصلاحِ . تبعاً لصاحبِ " المشارقِ " .
ويَزيدُ بنُ جاريةَ مذكورٌ في " الموطَّأ(5)" ، وقدْ روى مالك (1119 ) والبخاري (5138 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِىَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهُ.، فذِكْرُهُ ليزيدَ بنِ جاريةَ صحيحٌ . وأما جاريةُ بنُ قدامةَ(6)، فوقعَ ذِكْرُهُ في كتابِ الفتنِ منَ البخاريِّ.(7)
قلتُ: وفي الصحيحِ اسمانِ آخرانِ لمْ يذكرْهُمَا ابنُ الصلاحِ وهما : الأسودُ بنُ العلاءِ بنِ جاريةَ الثَّقَفِيُّ ، روى لهُ مسلمٌ حديثانِ، ففي صحيح مسلم (4565)عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « الْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جَرْحُهُ جُبَارٌ وَالْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ ».
وفيه (7483 ) عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ (هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا قَالَ « إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيَبْقَى مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ ».
وعمرُو بنُ أبي سفيانَ بنِ أسيدِ بنِ جاريةَ الثقفيُّ ، روى لهُ البخارى (3045 ،3989 ، 4086 ، 7402 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِىُّ - وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِى هُرَيْرَةَ - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَىٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَىْ رَجُلٍ ، كُلُّهُمْ رَامٍ ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ . فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ ، وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا . قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِى ذِمَّةِ كَافِرٍ ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ . فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِى سَبْعَةٍ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِىُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ ، إِنَّ فِى هَؤُلاَءِ لأُسْوَةً . يُرِيدُ الْقَتْلَى ، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا ، فَأَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ ، فَأَخَذَ ابْنًا لِى وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِى وَجْهِى فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ .
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِى يَدِهِ ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِى الْحَدِيدِ ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِى الْحِلِّ ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ ذَرُونِى أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ . فَتَرَكُوهُ ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِى جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا . وَلَسْتُ أُبَالِى حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِى وَذَلِكَ فِى ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ ، فَأَخْبَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا .
وروى لهُ مسلمٌ (511 )عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِكَعْبِ الأَحْبَارِ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا فَأَنَا أُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَقَالَ كَعْبٌ لأَبِى هُرَيْرَةَ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ..
وأُريدَ بجَدِّ عَمْرٍو : جدَّهُ الأعلى ، على أنَّهُ وقعَ في البخاريِّ في موضعٍ منهُ: عمرُو بنُ أُسيدِ بنِ جاريةَ .
والثاني : حَارِثَةُ - بالحاءِ المهملةِ والثاءِ المثلثةِ -، وهمْ من عدا المذكورينَ منهم : زيدُ بنُ حَارِثَةَ الحِبُّ ، وحَارِثَةُ بنُ وَهْبٍ الخُزاعيُّ(8)،وحَارِثَةُ بنُ النعمانِ(9)وحَارِثَةُ بنُ سراقةَ، ففي صحيح البخارى ( 2809 )عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِى عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِى الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى » .
ومنْ ذلكَ : خَازِمٌ ، وحَازِمٌ .
فالأولُ : بالخاء المعجمة ، وهوَ محمدُ بنُ خازمٍ ، أبو معاويةَ الضريرُ .
والثاني : بالحاء المهملةِ ، منهم : أبو حازمٍ الأعرجُ - واسمه سلمة بن دينار -، وجريرُ بنُ حازمٍ ، وكلُّ ما فيها من هذا القسمِ إلاَّ محمدَ بنَ خازمِ المذكورَ .
ومنْ ذلكَ : حِرَاشٌ ، وخِرَاشٌ .
فالأولُ : بكسرِ الحاءِ المهملةِ ، وفتحِ الراءِ ، وآخرهُ شينٌ معجمةٌ ، وهوَ حِرَاشٌ والدُ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ وليسَ في الكتبِ الثلاثةِ منْ هذا غيرُهُ .(10)
والثاني : خِرَاشٌ - بكسرِ الخاءِ المعجمةِ -، والباقي كالذي قَبْلَهُ ، منهم : شهابُ بنُ خِرَاشٍ ، وآخرونَ .
قلتُ : أدخلَ ابنُ ماكولا في هذا البابِ : خِدَاشاً - بكسرِ الخاءِ المعجمةِ وبالدالِ موضعَ الراءِ -، وقدْ روى مسلمٌ في " صحيحهِ (4083 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلاَنَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ إِنِّى مُعْسِرٌ. فَقَالَ آللَّهِ قَالَ آللَّهِ. قَالَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ».، ولكنْ قالَ الذهبيُّ في " مُشتبهِ النسبةِ ": إنَّ خداشاً بالدالِ لا يلتبسُ، فلذلكَ لَمْ استدرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ .
ومِنْ ذلكَ : حَرِيْزٌ ، وجَرِيْرٌ .
فالأولُ : بفتحِ الحاءِ المهملةِ وكسرِ الراءِ بعدَها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ ساكنةٌ وآخرُهُ زايٌ ، وهوَ : حريزُبنُ عثمانَ الرحبيُّ الحمصيُّ ، روى لهُ البخاريُّ(11)، وكذلكَ أبو حَرِيْزٍ عبدُ اللهِ بنُ الحسينِ الأزديُّ قاضي سِجِسْتَانَ ، علَّقَ لهُ البخاريُّ(12).
والثاني : بفتحِ الجيمِ وكسرِ الراءِ وتكرارِهَا وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ ما عدا المذكورينَ أولاً ، منهمْ : جريرُ بنُ عبدِ اللهِ البجليُّ ، وجريرُ بنُ حازمٍ ، وربَّما اشتبهَ بهذهِ الترجمةِ : حُدَيرُ - بضمِّ الحاءِ المهملةِ وفتحِ الدالِ وآخرُهُ راءٌ - منهم : عمرانُ بنُ حُدَيْرٍ ، روى لهُ مسلمٌ، هذا الحديث فقط ( 1671 ) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِىِّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ الصَّلاَةَ فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ الصَّلاَةَ. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ الصَّلاَةَ فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ لاَ أُمَّ لَكَ أَتُعَلِّمُنَا بِالصَّلاَةِ وَكُنَّا نَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . ومنهمْ : زيدٌ وزيادُ ابنا حُدَيْرٍ ، لهما ذكرٌ في المغازي من " صحيحِ البخاريِّ " من غيرِ روايةٍ ففي صحيح البخارى(4391 )عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَجَاءَ خَبَّابٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَيَسْتَطِيعُ هَؤُلاَءِ الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَءُوا كَمَا تَقْرَأُ قَالَ أَمَا إِنَّكَ لَوْ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ قَالَ أَجَلْ . قَالَ اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ . فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُدَيْرٍ أَخُو زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ أَتَأْمُرُ عَلْقَمَةَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ بِأَقْرَئِنَا قَالَ أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ . فَقَرَأْتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى قَالَ قَدْ أَحْسَنَ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إِلاَّ وَهُوَ يَقْرَؤُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَبَّابٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَلَمْ يَأْنِ لِهَذَا الْخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى قَالَ أَمَا إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ عَلَىَّ بَعْدَ الْيَوْمِ ، فَأَلْقَاهُ ".
وهوَ بعيدُ الاشتباهِ فلهذا لَمْ أُسَمِّهِمْ
ومنْ ذلكَ : حُضَينٌ ، وحَضِينٌ ، وحَصِيْنٌ .
فالأولُ : بضمِّ الحاءِ المهملةِ ، وفتحِ الضادِ المعجمةِ ، وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ، وآخرُهُ نونٌ ، وهوَ حُضَيْنُ بنُ المنذرِ أبو سَاسَانَ ، روى لهُ مسلمٌ(13). قالَ الحَافِظُ أبو الحَجَّاجِ المِزِّيُّ: " لا نعرفُ في رواةِ العلمِ مَنِ اسمُهُ:حُضَيْنٌ بضادٍ معجمةٍ سواهُ ".انتهى، وفي الصحيحينِ صحيح البخارى ( 425 ) ومسلم (1528 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ - أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِى ، وَأَنَا أُصَلِّى لِقَوْمِى ، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِى الَّذِى بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِىَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّىَ بِهِمْ ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِى فَتُصَلِّىَ فِى بَيْتِى ، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى . قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ » . قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ مِنْ بَيْتِكَ » . قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ . قَالَ فَثَابَ فِى الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَقُلْ ذَلِكَ ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ » . قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ » . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِىَّ - وَهْوَ أَحَدُ بَنِى سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ(14)- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ
فزعمَ الأصيليُّ والقابسيُّ - فيما حكاهُ صاحبُ " المشارقِ " وغيرهُ عنهما : أنَّهُ بالضادِ المعجمةِ ، قالَ القابسيُّ : وليسَ في الكتابِ - أي : البخاريِّ - غيرُهُ ، قالَ المِزِّيُّ: " وذلكَ وهمٌ فاحشٌ ". قالَ القاضي عياضٌ : وصوابهُ كما للجماعةِ بصادٍ مهملةٍ.
والثاني : بفتحِ الحاءِ وكسرِ الصادِ المهملتينِ ، وهوَ أبو حَصِيْنٍ عثمانُ بنُ عاصمٍ الأسديُّ ، حديثُهُ في الصحيحينِ(15)، قالَ أبو عليٍّ الجيانيُّ : ولا أعلمُ في الكتابينِ بفتحِ الحاءِ غيرَ هذا .
والثالثُ : حُصَيْنٌ - بضمِّ الحاءِ وفتحِ الصادِ المهملتينِ - وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ فيما عدا الترجمتينِ المذكورتينِ ، منهمْ : عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ .
قلتُ : وقدْ يشتبهُ هذا البابُ بحُضَيْرٍ ، كالقسمِ الأولِ ، إلاَّ أَنَّهُ بالراءِ مكانَ النونِ ، وفي الكتبِ الثلاثةِ : أُسَيدُ بنُ حضيرٍ الأشهليُّ ، أحدُ النقباءِ ليلةَ العقبةِ ، ولكنَّهُ لا يلتبسُ في الغالبِ فلمْ استدرِكْهُ ، واللهُ أعلمُ .
ومِنْ ذلكَ حَبَّانُ ، وحِبَّانُ ، وحَيَّانُ .
__________
(1) - صحيح البخارى(79) ومسلم (4622 )
(2) - صحيح البخارى (628 ، 631 ، 658 ، 685 ، 819 ، 2848 ، 6008 ، 7246 )
(3) - صحيح البخارى (5737)
(4) - صحيح البخارى(1085) ومسلم( 1501) وهو غير مسمى فيهما
(5) - قلت : لم أجده مذكورا وحده فيهم
(6) - وفي التقريب 885 - جارية بن قدامة التميمي السعدي صحابي على الصحيح مات في ولاية يزيد عس
(7) - صحيح البخارى (7078 ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ « أَلاَ تَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ « أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ » . قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « أَىُّ بَلَدٍ ، هَذَا أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ » . قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ ، وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ فَكَانَ كَذَلِكَ - قَالَ - لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ » . فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِىِّ ، حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ . قَالَ أَشْرِفُوا عَلَى أَبِى بَكْرَةَ . فَقَالُوا هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ دَخَلُوا عَلَىَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ .
بهشت : أقبلت وأسرعت إليهم أدفعهم عنى
(8) - صحيح البخارى (1083) ومسلم ( 1630 )
(9) - قلت : حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ ليس له رواية عندهم
(10) - قلت : أبوه حراش لا وجود له ، ولعله هلك في الجاهلية
(11) - صحيح البخارى( 3509 و3546)
(12) - صحيح البخارى ( 1953 و2650 ) معلقاً
(13) - صحيح مسلم (4554 )
(14) - السراة : أشراف القوم وسادتهم جمع سرى
(15) - قلت: حديثه فيهما بكنيته وليس باسمه فقد ذكره البخاري في ثلاثة وعشرين موضعاً من صحيحه ،ومسلم في تسعة مواضع(1/441)
فالأولُ : بفتحِ الحاءِ المهملةِ، وتشديدِ الباءِ الموحدةِ، وهوَ حَبَّانُ ابنُ منقذٍ، لهُ ذِكْرٌ في " الموطَّأ " موطأ مالك (1201) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ قَالَ كَانَتْ عِنْدَ جَدِّى حَبَّانَ امْرَأَتَانِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ فَطَلَّقَ الأَنْصَارِيَّةَ وَهِىَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا وَلَمْ تَحِضْ فَقَالَتْ أَنَا أَرِثُهُ لَمْ أَحِضْ فَاخْتَصَمَتَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَلاَمَتِ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّكِ هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا يَعْنِى عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ.
وابنهُ : واسعُ بنُ حَبَّانَ بنِ منقذٍ ، حديثُهُ في " الموطأ "والصحيحينِ.
قلت : له حديث واحد كما في موطأ مالك (412و460 ) والبخاري( 145 . 148 ، 149 ، 3102) ومسلم (634 و635 ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ ، فَلاَ تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ . وَقَالَ لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ ، فَقُلْتُ لاَ أَدْرِى وَاللَّهِ . قَالَ مَالِكٌ يَعْنِى الَّذِى يُصَلِّى وَلاَ يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ ، يَسْجُدُ وَهُوَ لاَصِقٌ بِالأَرْضِ .
وابنُهُ حَبَّانُ بنُ واسعِ بنِ حَبَّانَ ، روى لهُ مسلمٌ حديث واحد ( 582) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ قَالُوا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِىَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا وَالأُخْرَى ثَلاَثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا. .
وابنُ عمِّهِ محمدُ بنُ يحيى بنِ حَبَّانَ بنِ منقذٍ ، حديثهُ في " الموطَّأ " والصحيحينِ(1). وحَبَّانُ بنُ هلالٍ الباهليُّ حديثُهُ في الصحيحينِ(2)، وقدْ يَرِدُ حَبَّانُ هذا في الصحيحِ مطلقاً غيرَ منسوبٍ إلى أبيهِ ، فيتميزُ بشيوخِهِ ، وذلكَ : حَبَّانُ ، عنْ شعبةَ . وحَبَّانُ ، عنْ وهيبٍ . وحَبَّانُ ، عن هَمَّامٍ . وحَبَّانُ ، عنْ أبانَ . وحَبَّانُ ، عنْ سُليمانَ بنِ المغيرةِ . وحَبَّانُ ، عن أبي عوانةَ . قالهُ القاضي عياضٌ في " المشارق " ، وتبعهُ عليهِ ابنُ الصلاحِ ، والمرادُ بهِ في الأمثلةِ المذكورةِ : حَبَّانُ بنُ هلالٍ .
والثاني : حِبَّانُ - بكسرِ الحاءِ المهملةِ والباقي كالذي قبلَهُ - وهوَ : حِبَّانُ ابنُ عطيةَ السلميُّ ، لهُ ذِكْرٌ في البخاريِّ في قصةِ حاطبِ بنِ أبي بلتعةَ(3). وقدْ جزمَ بما تقدَّمَ فيهِ من أنَّهُ بالكسرِ ابنُ ماكولا والمشارقةُ ، وبهِ صدَّرَ صاحبُ " المشارقِ " كلامَهُ ، وذكرَ أبو الوليدِ الفرضيُّ : أنَّهُ بالفتحِ ، وحكاهُ أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ ، وصاحبُ " المشارقِ " عنْ بعضِ رواةِ أبي ذرٍّ ، قالا : وهوَ وهمٌ .
وحِبَّانُ بنُ موسى السلميُّ المروزيُّ ، روى عنهُ الشيخانِ في صحيحيهما(4)، وهوَ حِبَّانُ غيرُ منسوبٍ أيضاً عنْ عبدِ اللهِ بنِ المباركِ .
وبالكسرِ أيضاً : حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ ، لهُ ذِكْرٌ في الصحيحينِ في حديثِ عائشةَ أنَّ سعدَ بنَ معاذٍ رماهُ رجلٌ من قريشٍ يقالُ لهُ : حِبَّانُ بنُ العرقةِ(5)، هذا هوَ المشهورُ . وحكى ابنُ ماكولا أنَّ ابنَ عقبةَ ذكر في المغازي : أنَّهُ جبَارُ - بالجيمِ - قالَ : والأولُ أصحُّ . انتهى .
والعَرِقَةُ هذهِ أمُّهُ فيما قالهُ أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلاَّمٍ ، واختُلِفَ في ضبطِ هذا الحرفِ ، فالمشهورُ أنَّهُ بعينٍ مفتوحةٍ ثمَّ راءٍ مكسورةٍ بعدَها قافٌ . وحكى ابنُ ماكولا عنِ الواقديِّ : أنَّهُ بفتحِ الراءِ ، والأولُ أشهرُ . وقيلَ لها ذلكَ لطيبِ رائحتها ، واسمها فيما قالَ ابنُ الكلبيِّ : قِلاَبةُ - أي : بكسرِ القافِ - بنتُ سُعَيدٍ - أي : بضمِّ السينِ - ابنِ سهمٍ ، وتكَنَّى أمَّ فاطمةَ . واختُلِفَ في اسمِ أبيهِ ، فقيلَ : حِبَّانُ بنُ قيسٍ ،وقيلَ : ابنُ أبي قيسٍ .
والثالثُ : حَيانُ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ بعدها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ - وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ بعدَما تقدمَ ضبطُهُ هنا .
قلتُ : وقدْ يشتبهُ بهذهِ المادةِ : جَبَّارٌ ، وخِيَارٌ .
فالأولُ : بفتحِ الجيمِ وتشديدِ الباءِ الموحدةِ وآخرُهُ راءٌ،وهوَ:جَبَّارُ بنُ صخرٍ ، شَهِدَ بدراً ، لهُ ذِكْرٌ عندَ مسلمٍ (7704 و7705) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِى لَفْظِ الْحَدِيثِ - وَالسِّيَاقُ لِهَارُونَ قَالاَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِى حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِى هَذَا الْحَىِّ مِنَ الأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا....
والثاني : بكسرِ الخاءِ المعجمةِ بعدها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ ، مخفَّفَةٌ وآخرُهُ راءٌ أيضاً ، وهوَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ ، وحديثُهُ في الصحيحينِ .
ومِنْ ذلكَ : خُبَيْبٌ ، وحَبِيْبٌ .
فالأولُ : بضمِّ الخاءِ المعجمةِ وفتحِ الباءِ الموحدةِ بعدَها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ ساكنةٌ وآخرُهُ باءٌ موحدةٌ ، وهوَ خُبيبُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ خُبيبِ بنِ يسافٍ الأنصاريُّ ، حديثُهُ في الصحيحينِ " والموطَّأ " ، وهوَ الواردُ ذكرُهُ في الصحيحينِ غيرَ منسوبٍ ، عنْ حفصِ بنِ عاصمٍ ، وفي " صحيحِ مسلمٍ " صحيح مسلم(2051 )عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ بِنْتٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ مَا حَفِظْتُ (ق) إِلاَّ مِنْ فِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ. قَالَتْ وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاحِدًا.
وجدُّهُ خُبيبٌ ، كذلكَ بمعجمةٍ إلاَّ أنَّهُ ليسَ لهُ روايةٌ في شيءٍ من الكتبِ الثلاثةِ المذكورةِ . وخبيبُ بنُ عديٍّ ، لهُ ذكرٌ في البخاريِّ (3045 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِىُّ - وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِى هُرَيْرَةَ - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَىٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَىْ رَجُلٍ ، كُلُّهُمْ رَامٍ ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ . فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ ، وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا . قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِى ذِمَّةِ كَافِرٍ ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ . فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِى سَبْعَةٍ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِىُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ ، إِنَّ فِى هَؤُلاَءِ لأُسْوَةً . يُرِيدُ الْقَتْلَى ، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا ، فَأَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ ، فَأَخَذَ ابْنًا لِى وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِى وَجْهِى فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ .
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِى يَدِهِ ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِى الْحَدِيدِ ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِى الْحِلِّ ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ ذَرُونِى أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ . فَتَرَكُوهُ ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِى جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا .
وَلَسْتُ أُبَالِى حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِى
وَذَلِكَ فِى ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ ، فَأَخْبَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا .
وكذلكَ أبو خُبيبٍ كنيةُ عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ ، كُنِّيَ بابنِهِ خبيبِ بنِ عبدِ اللهِ ، وليسَ لابنِهِ خُبيبٍ ذِكْرٌ في شيءٍ من الكتبِ الثلاثةِ المذكورةِ ، وإنما روى لهُ النسائيُّ حديثاً واحداً ، ولمْ يسمِّهِ ، وإنما قالَ : عنِ ابنِ عبدِ اللهِ(6)، وسمَّاهُ غيرُهُ خُبيباً ، واللهُ أعلمُ .
والثاني : حَبِيْبٌ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ وكسرِ الباءِ الموحدةِ -، وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ فيما عدَا مَنْ ذُكِرَ أنَّهُ بالمعجمةِ، منهمْ : حَبيبُ بنُ أبي ثابتٍ، وحبيبُ بنُ الشهيدِ ، وحبيبٌ المُعَلِّمُ ، ويزيدُ بنُ أبي حبيبٍ ، وغيرهمْ .
ومِنْ ذلكَ : رِياحٌ ، ورَبَاحٌ .
فالأولُ : بكسرِ الراءِ بعدَها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ ، وهوَ زيادُ بنُ رياحٍ القَيْسِيُّ البصريُّ ، ويكنَّى أبا رِياحٍ أيضاً كاسمِ أبيهِ ، وقيلَ : كنيتُهُ أبو قيسٍ تابعيٌّ ، لهُ في " صحيحِ مسلمٍ " عنْ أبي هريرةَ حديثانِ مسلم (4892 ) عَنْ أَبِى قَيْسِ بْنِ رِيَاحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِى لِذِى عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ ».
( 7585 ) عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا الدَّجَّالَ وَالدُّخَانَ وَدَابَّةَ الأَرْضِ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَمْرَ الْعَامَّةِ وَخُوَيِّصَةَ أَحَدِكُمْ ».
. وما ذكرناهُ منْ أنَّهُ بكسرِ الراءِ وبالمثناةِ ، هوَ قولُ الأكثرينَ ، وبهِ جزمَ عبدُ الغنيِّ وابنُ ماكولا . وحكى صاحبُ "المشارقِ" عنِ ابنِ الجارودِ أنَّهُ بباءٍ موحدةٍ ، كالقسمِ الثاني ، وأنَّ البخاريَّ ذكرَ فيهِ الوجهينِ ، وفي التابعينَ منْ أهلِ البصرةِ أيضاً رجلٌ سُمِّيَ زيادُ بنُ رياحٍ الهذليُّ ، كنيتُهُ : أبو رياحٍ أيضاً ، وهوَ بكسرِ الراءِ ، وبالمثناةِ أيضاً ، رأى أنسَ بنَ مالكٍ ، وروى عنِ الحسنِ البصريِّ وهوَ متأخرُ الطبقةِ عنْ القيسيِّ ، ذكرَهُ الخطيبُ في " المتَّفقِ والمفترقِ " ؛ ولكنَّهُ جعلَ هذهِ الكنيةَ لهذا ، وجزمَ في الأولِ بأنَّهُ أبو قيسٍ ، وكذلكَ فعلَ ابنُ ماكولا ، وخالفهما المزيُّ فصدَّرَ كلامَهُ في الأولِ بأنَّهُ أبو رياحٍ ، فاللهُ أعلمُ .
والثاني : بفتحِ الراءِ بعدها باءٌ موحدةٌ ، وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ بعدَ زيادِ بنِ رياحٍ منهم : رباحُ بنُ أبي معروفٍ ، عندَ مسلمٍ(7)، وعطاءُ بنُ أبي رباحٍ في الصحيحينِ و" الموطأ " ، وزيدُ بنُ أبي رباحٍ عندَ مالكٍ والبخاريِّ وغيرُ ذلكَ .
قلت : الصواب زيد بن رباح فإن زيد بن أبي رباح لا وجود له ، ففي موطأ مالك ( 466) والبخارى (1190 ) عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « صَلاَةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ».
ومِنْ ذلكَ : حُكَيمٌ ، وحَكِيمٌ .
فالأولُ : مصغَّرٌ بضمِّ الحاءِ المهملةِ وفتحِ الكافِ ، وهوَ حُكَيْمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ قيسِ ابنِ مخرمةَ القرشيُّ المصريُّ . روى لهُ مسلمٌ في صحيحهِ ثلاثةَ أحاديثَ ، ويسمَّى أيضاً الحُكَيْمُ - بالألفِ واللامِ -، وهوَ كذلكَ في بعضِ طُرُقِ حديثِهِ .
ورُزَيقُ بنُ حُكَيْمٍ الأيليُّ والي أَيْلةَ لعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ ، وذكرَ ابنُ الحَذَّاءِ : أنَّهُ كانَ حاكماً بالمدينةِ ، ورُزَيْقُ : مصغَّرٌ أيضاً -بتقديمِ الراءِ-، ويُكَنَّى أبا حُكَيمٍ أيضاً ، كاسمِ أبيهِ ، لهُ ذِكْرٌ في " الموطَّأ " في الحدودِ كِتَابُ الْمُدَبَّرِ بَابُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَالنَّفْيِ وَالتَّعْرِيضِ ( 1529 ) حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ الْأَيْلِيِّ ، أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مِصْبَاحٌ ، اسْتَعَانَ ابْنًا لَهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَبْطَأَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ : يَا زَانٍ . قَالَ زُرَيْقٌ : فَاسْتَعْدَانِي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَجْلِدَهُ . قَالَ ابْنُهُ : وَاللَّهِ لَئِنْ جَلَدْتَهُ لَأَبُوءَنَّ عَلَى نَفْسِي بِالزِّنَا . فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ : أَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ . أَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ . فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ أَنْ أَجِزْ عَفْوَهُ . قَالَ زُرَيْقٌ : وَكَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا : أَرَأَيْتَ رَجُلًا افْتُرِيَ عَلَيْهِ . أَوْ عَلَى أَبَوَيْهِ . وَقَدْ هَلَكَا . أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ : إِنْ عَفَا فَأَجِزْ عَفْوَهُ فِي نَفْسِهِ . وَإِنِ افْتُرِيَ عَلَى أَبَوَيْهِ . وَقَدْ هَلَكَا . أَوْ أَحَدُهُمَا فَخُذْ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ . إِلَّا أَنْ يُرِيدَ سِتْرًا قَالَ يَحْيَى ، سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ : " وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمُفْتَرَى عَلَيْهِ يَخَافُ إِنْ كُشِفَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ فَعَفَا جَازَ عَفْوُهُ " .
__________
(1) - وهو كثير فيهم ولكن بلفظ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ فقط
(2) - له في صحيح البخارى( 6337) حديث واحد وفي مسلم تسعة أحاديث( 556 )
(3) - صحيح البخارى(6939 ) عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ فُلاَنٍ قَالَ تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ لَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِى جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ يَعْنِى عَلِيًّا .
قَالَ مَا هُوَ لاَ أَبَا لَكَ قَالَ شَىْءٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ . قَالَ مَا هُوَ قَالَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ حَاجٍ - فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأْتُونِى بِهَا » . فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا ، وَكَانَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ . فَقُلْنَا أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِى مَعَكِ قَالَتْ مَا مَعِى كِتَابٌ . فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا ، فَابْتَغَيْنَا فِى رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا .
فَقَالَ صَاحِبِى مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا . قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ حَلَفَ عَلِىٌّ وَالَّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ . فَأَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتِ الصَّحِيفَةَ ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ . دَعْنِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِى أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَكِنِّى أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ ، يُدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِى وَمَالِى ، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَهُ هُنَالِكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ . قَالَ « صَدَقَ ، لاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا » . قَالَ فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، دَعْنِى فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ . قَالَ « أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ » . فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
قلت : فلان هو سعد بن عبيدة كما في مسند أحمد 839- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ حَدَّثَنِى سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىُّ .. ، وقد أخرج له البخاري أحاديث باسمه
(4) - قلت : هو شيخ للبخاري ومسلم ، وقد أكثر عنه البخاري وروى عنه مسلم حديثاً
(5) - صحيح البخارى ( 4122)
(6) - السنن الكبرى للإمام النسائي(9577)أ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُرْسِلُ ثِيَابَهُ : قَمِيصَهُ ، وَرِدَاءَهُ ، وَإِزَارَهُ إِلَى بَعْضِ أَهْلِهِ ، فَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ الَّذِي يُشْبِعُهَا بِزَعْفَرَانٍ .
(7) - صحيح مسلم (2859)(1/442)
ولهُ ذِكْرٌ في البخاريِّ في بابِ الجمعةِ في القرى والمدنِ البخارى(893 ) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ » . وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ - وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِى الْقُرَى - هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ . وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا ، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ ، وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ - وَأَنَا أَسْمَعُ - يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » ..
وما ذكرناهُ من أنَّهُ بضمِّ الحاءِ هوَ الصوابُ ، كما قالهُ عليُّ بنُ المدينيِّ . وحكى صاحبُ " تقييدِ المهملِ " عنهُ : أنَّ سفيانَ - يعني : ابنَ عيينةَ - كثيراً ما كانَ يقولُ : حَكِيْمٌ - يعني : بالفتحِ - .
والثاني : مُكَبَّرٌ بفتحِ الحاء وكسرِ الكافِ ، وهوَ جميعُ ما في الكتبِ الثلاثةِ ما عدا الاسمينِ المذكورينِ ، منهمْ : حَكِيمُ بنُ حزامٍ ، وحكيمُ بنُ أبي حرَّةَ ، لهُ عندَ البخاريِّ حديثٌ واحدٌ (6705 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ أَبِى حُرَّةَ الأَسْلَمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لاَ يَأْتِىَ عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلاَّ صَامَ ، فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ . فَقَالَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، لَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ ، وَلاَ يَرَى صِيَامَهُمَا .
وَبَهْزُ بنُ حَكِيمٍ ، علَّقَ لهُ البخاريُّ 1/78 - 20 باب مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِى الْخَلْوَةِ ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ . ( 99 ) وَقَالَ بَهْزٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ » . وغيرُ ذلكَ ، واللهُ أعلمُ .
ومِنْ ذلكَ : زُِيَيْدٌ ، وزُبَيْدٌ .
فالأولُ : بضمِّ الزاي وكسْرِهَا أيضاً وفتحِ الياءِ المثناةِ من تحتُ بعدَهَا ياءٌ مثناةٌ من تحتُ أيضاً ساكنةٌ ، وآخرهُ دالٌ مهملةٌ . وهوَ زُيَيْدُ بنُ الصلتِ بنِ معديْ كرب الكنديُّ ، لهُ ذِكْرٌ في " الموطَّأ " (112 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَرَانِى إِلاَّ احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ قَالَ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِى ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا..
وروى مالكٌ موطأ مالك (89 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ أَجِدُهُ فَقَالَ انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ.
(729 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَقَالَ عُمَرُ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنِّى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّدْتُ رَأْسِى وَأَرَدْتُ أَنْ لاَ أَحْلِقَ. فَقَالَ عُمَرُ فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنَقِّيَهُ. فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ. قَالَ مَالِكٌ الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ تَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ(1)..
قالَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ : إنَّ الصلتَ بنَ زُيَيْدٍ ، هوَ ابنُ زُيَيْدِ بنِ الصلتِ المتقدمِ . وحكى ابنُ الحَذَّاءِ قولينِ آخرينِ فيهما بعدُ ، والصلتُ بنُ زُيَيْدٍ هذا ولِّيَ قضاءَ المدينةِ . وأمَّا قولُ ابنِ الحَذَّاءِ : أنَّ أباهُ زُيَيْدَ بنَ الصلتِ كانَ قاضيَ المدينةِ في زمنِ هِشَامِ ابنِ عبدِ الملكِ ، فوَهَمٌ منهُ ، واللهُ أعلمُ .
( واضمم واكسر ) أي : الزايَ من زُيَيْدٍ ، ففيهِ وجهانِ .
والثاني : زُبَيْدٌ - بضمِّ الزاي بعدَهَا موحدةٌ مفتوحةٌ -، منهم : زُبَيْدٌ اليامِيُّ ، وأبو زُبَيْدٍ عَبْثَرُ بنُ القاسمِ ، واللهُ أعلمُ .
ومنْ ذلكَ : سَلِيمٌ ، وسُلَيْمٌ .
فالأولُ : مكبَّرٌ - بفتحِ السينِ المهملةِ وكسرِ اللامِ -، وهوَ سَلِيْمُ بنُ حيَّانَ حديثُهُ في الصحيحينِ ، وليسَ فيهما سَلِيْمٌ غيرُهُ .
والثاني: مُصَغَّرٌ - بضمِّ السينِ وفتحِ اللامِ -، وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ ، منهم: سُلَيْمُ بنُ عامرٍ الخبَائريُّ وحديثه في صحيح مسلم (7385 ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِى سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنِى الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ». قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا يَعْنِى بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ أَمِ الْمِيلَ الَّذِى تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ. قَالَ « فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا ». قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
، وأبو الشعثاءِ سُلَيْمُ بنُ أسودَ المحاربيُّ ، وسُلَيْمُ بنُ أخضرَ(2)، وسُلَيْمُ بنُ جبيرٍ ، وغيرُهمْ . وقدْ ذكرَ ابنُ الصلاحِ بعدَ هذا : سَلَمٌ وسَالِمٌ ، ولا يشتبهُ لزيادةِ الألفِ ، فلهذا حذفتُهُ .
ومنْ ذلكَ : سُرَيْجٌ ، وشُرَيْحٌ .
فالأولُ : - بضمِّ السينِ المهملةِ وآخرهُ جيمٌ - وهوَ أحمدُ بنُ أبي سُرَيْجٍ ، روى عنهُ البخاريُّ في " صحيحهِ "(3)، واسمُ أبي سُرَيْجٍ : الصَّبَاحُ ، وقيلَ : هوَ أحمدُ بنُ عمرَ بنِ أبي سُرَيْجٍ ، وكذلك : سُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ ، روى عنه البخاريُّ أيضاً(4). وذكرَ الجيَّانيُّ : أنَّ مسلماً روى عن رجلٍ عنهُ ، فاللهُ أعلمُ(5).
سُرَيْجُ بنُ يونسَ حديثُهُ في الصحيحينِ ، وهوَ أحدُ مَنْ سَمِعَ منهُ مسلمٌ ، وروى عنهُ البخاريُّ بواسطةٍ .
والثاني : شُرَيْحٌ - بضمِّ الشينِ المعجمةِ وآخرهُ حاءٌ مهملةُ -، وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ ، منهم : شُرَيْحٌ القاضي ، وأبو شُرَيْحٍ الخزاعيُّ ، وعبدُ الرحمنِ ابنُ شُرَيْحٍ : أبو شُرَيْحٍ الإسكندرانيُّ(6)، وغيرُهُمْ . .
وذكرَ ابنُ الصلاحِ هنا : سَلْمَانَ وسُلَيْمَانَ ، ولا يشتبهانِ لزيادةِ ياءِ التصغير في الثاني ، فلهذا أسقطتهُ .
ومنْ ذلكَ : سلِمَةُ ، وسَلَمَةُ .
فالأولُ : بكسرِ اللامِ ، وهوَ عمرُو بنُ سلِمَةَ الجَرْميُّ إمامُ قومِهِ، اخْتُلِفَ في صحبتِهِ(7)، وكذلكَ القبيلةُ بنو سَلِمةَ منَ الأنصارِ ، واخْتُلِفَ في عبدِ الخالقِ بنِ سلمة أحدِ مَنْ روى لهُ مسلمٌ مسلم(5317 ) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ - وَأَشَارَ إِلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ فَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ. فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَالْمُزَفَّتِ وَظَنَنَّا أَنَّهُ نَسِيَهُ فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُ.(8)فقالَ فيهِ يزيدُ بنُ هارونَ : ابنِ سَلَمةَ - بفتحِ اللامِ -، وقالَ ابنُ عُلَيَّةَ : سَلِمَةُ - بكسرِها - ، وممَّنْ حكى فيهِ الوجهينِ : ابنُ ماكولا . واختر إنْ شِئتَ فتحتَهُ ، وإنْ شئتَ كَسَرْتَهُ ، واللهُ أعلمُ . وذكرَ ابنُ الصلاحِ بعدَ هذا سناناً وشيبانَ ، ولا يلتبس لزيادةِ الياءِ في شيبانَ ، ولذلكَ لَمْ أذْكرْهُ ، واللهُ أعلمُ .
ومِنْ ذلكَ : عَبِيْدةُ ، وعُبَيْدةُ .
فالأولُ : عَبِيْدُةُ مُكَبَّرٌ - بفتحِ العينِ وكسرِ الباءِ وآخِرهُ هاءُ التأنيثِ -، وليسَ في الكتبِ الثلاثةِ منهمْ إلاَّ أربعةُ أسماءٍ :
الأولُ : عامرُ بنُ عَبِيْدةَ الباهليُّ ، وقدْ ضُبِطَ عنِ المهلبِ : عُبَيْدةَ بالضمِّ . قالَ صاحبُ " المشارقِ " : " وهوَ وهمٌ " .
وقعَ ذكرهُ عندَ البخاريِّ ، في كتابِ " الأحكام " فقالَ : " قالَ معاويةُ بنُ عبدِ الكريمِ القرشيُّ : شهدتُ عبدَ الملكِ بنَ يَعلى، قاضي البصرةِ وإياسَ بنَ معاويةَ ، والحسنَ ، وثمامةَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ أنسٍ ، وبلالَ بنَ أبي بُردةَ ، وعبدَ اللهِ بنَ بُرَيْدةَ الأسلميَّ، وعامرَ بنَ عَبِيْدةَ ، وعَبَّادَ بنَ مَنْصُوْرٍ ، يُجِيْزُوْنَ كُتُبَ القُضَاةِ بغيرِ مَحْضَرٍ منَ الشهودِ "(9).
والثاني منَ الأسماءِ : عَبيدةُ بنُ عمرٍو ، ويقالُ : ابنُ قيسٍ السلمانيُّ ، حديثُهُ في الصحيحينِ .
والثالثُ : عَبيدةُ بنُ حُميدٍ ، روى لهُ البخاريُّ .(10)
والرابعُ : عَبيدةُ بنُ سفيانَ الحضرميُّ ، حديثُهُ في الموطأ ، وصحيحِ مسلمٍ وليسَ لهُ عندهما إلاَّ حديثٌ واحدٌ ، موطأ مالك ( 1066 ) ومسلم (5101) عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى حَكِيمٍ عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « أَكْلُ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ ». .
وفي " صحيحِ البخاريِّ (3998 ) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهْوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ إِلاَّ عَيْنَاهُ ، وَهْوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ ، فَقَالَ أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ . فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ ، فَطَعَنْتُهُ فِى عَيْنِهِ فَمَاتَ . قَالَ هِشَامٌ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِى عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ ، فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا . قَالَ عُرْوَةُ فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَاهُ ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا ، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا ، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا ، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِىٍّ ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ " ..
والمعروفُ فيهِ الضمُّ . وذكرَ صاحبُ " المشارقِ ": أنَّ البخاريَّ ذكرَهُ بالضمِّ ، وأنَّهُ حَكَى عنهُ الحُمَيديُّ الفتحَ والضمَّ .
والثاني منْ لفظَي الترجمةِ : عُبَيْدَةُ مصغَّرٌ - بضمِّ العينِ وفتحِ الباءِ - ، وهوَ بقيَّةُ مَنْ ذُكِرَ في الكتبِ الثلاثةِ ، منهم : عُبَيْدَةُ بنُ الحارثِ بنِ المطلبِ(11)، وعُبَيْدةُ بنُ مُعَتِّبٍ(12)، وسعدُ ابنُ عُبَيْدَةَ(13)، وعبدُ اللهِ بنُ عُبَيْدَةَ بنِ نَشِيْطٍ ،له في صحيح البخارى (4378 ) عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ - وَكَانَ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ - أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَنَزَلَ فِى دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ ، وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ ، وَهْىَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، وَهْوَ الَّذِى يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفِى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضِيبٌ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ ، ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ سَأَلْتَنِى هَذَا الْقَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنِّى لأَرَاكَ الَّذِى أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَسَيُجِيبُكَ عَنِّى » . فَانْصَرَفَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - .
4379 - قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِى ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِى يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا ، فَأُذِنَ لِى فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا ، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ » . فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِىُّ الَّذِى قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ .
ومِنْ ذلكَ عُبَيْدٌ ، وعَبِيْدٌ ، كلاهما بغيرِ هاءِ التأنيثِ .
فالأولُ : مصغَّرٌ ، وهوَ جميعُ ما في الكتبِ الثلاثةِ ، حيثُ وقعَ ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ تبعاً لصاحبِ " المشارق " .
والثاني : عَبِيْدٌ مكبَّرٌ ، وليسَ في واحدٍ منَ الكتبِ الثلاثةِ ، وهوَ اسمُ جماعةٍ منَ الشعراءِ : عَبِيْدُ بنُ الأبرصِ ، وعَبِيْدُ بنُ زهيرِ ، وعَبِيْدُ بنُ قماصٍ ، وفي الصحابةِ جماعةٌ يُنسبونَ إلى عوفِ بنِ عَبِيْدِ بنِ عويجٍ .
ومن ذلكَ : عَبادةُ ، وعُبَادةُ .
فالأولُ : بفتحِ العينِ المهملةِ ، وتخفيفِ الباءِ الموحدةِ ، وهوَ محمدُ بنُ عَبَادةَ الواسطيُّ شيخُ البخاريِّ. وليسَ فيها بالفتحِ غيرُهُ .
والثاني : بضمِّ العينِ ، وهوَ بقيةُ الموجودِ في الكتبِ الثلاثةِ ، منهم : عُبَادةُ ابنُ الصامتِ ، وحفيدُهُ عُبادةُ بنُ الوليدِ ، وعُبادةُ بنُ نسيٍّ .
ومِنْ ذلكَ : عُبَادٌ ، وعَبَّادٌ .
فالأولُ : بضمِّ العينِ المهملةِ ، وتخفيفِ الباءِ الموحدةِ ، وهوَ قيسُ بنُ عُبَادٍ القيسيُّ الضُّبَعيُّ البصريُّ . حديثُهُ في الصحيحينِ ، وليسَ فيها بالضمِّ والتخفيفِ غيرهُ ، إلاَّ أنَّ صاحبَ " المشارقِ " حَكَى : أنَّهُ وقعَ عندَ أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ مُطَرّفِ بنِ المرابطِ في " الموطأ ": عُبَادُ بنُ الوليدِ بنِ عُبَادَةَ ، قالَ : وهوَ خطأ ، وللكلِّ عُبَادةُ بنُ الوليدِ - كما تقدَّمَ - وهوَ الصوابُ .
والثاني : عَبَّادُ - بفتحِ العينِ ، وتشديدِ الباءِ -، وهوَ باقي مَنْ ذُكِرَ في الكتبِ الثلاثةِ ، كعَبَّادِ بنِ تميمٍ المازنيِّ ، وعَبَّادِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ ، وابنِ أخيهِ عَبَّادِ بنِ حمزةَ ، وعَبَّادِ بنِ العوامِ في آخرينَ .
ومِنْ ذلكَ : عَبَدةُ ، وعَبْدةُ .
فالأولُ:بفتحِ العينِ المهملةِ ، وفتحِ الباءِ الموحدةِ أيضاً،وليسَ فيها كذلكَ إلاَّ اسمانِ:
الأولُ: عامرُ بنُ عَبَدةَ البَجَلِيُّ الكوفيُّ، روى لهُ مسلمٌ في مقدمةِ الصحيحِ صحيح مسلم(17 ) وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبَدَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِى صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِى الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَجُلاً أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلاَ أَدْرِى مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ..
__________
(1) - الشربة : مستنقع الماء عند أصول الشج
(2) - له في مسلم (1333 و3111 و4311 و4616 و4685)
(3) - البخاري (332 و4053و7540 )
(4) - وكان شيخا للبخاري ( 904 و1604 و2701 و4400)
(5) - قلت : لم يرو مسلم عن سريج إلا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ شيخه فقط
(6) - صحيح البخارى (7307 ) ومسلم (5048 )
(7) - وفي جامع المراسيل (570 ) عمرو بن سلمة بكسر اللام الجرمي الذي كان أمام قومه وهو صغير على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري يقال له صحبة وأنه وفد مع أبيه ولا يصح ذلك والله أعلم
(8) - الحنتم : جرار مدهونة خضر تسرع الشدة فيها لأجل دهنها الدباء : القرع كانوا ينتبذون فيه النقير : أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينتبذ فيه
(9) - صحيح البخارى 15 - باب الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ الْمَخْتُومِ . ( 15 ) وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِمْ ، وَكِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عَامِلِهِ ، وَالْقَاضِى إِلَى الْقَاضِى . 83/9
(10) - صحيح البخارى (1630 و6055 و6390 )
(11) - ليس له رواية عندهما
وفي الثقات (1017 ) عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أخو الطفيل والحصين أمهم سخيلة بنت خزاعى بن الحويرث بن الحارث وكنية عبيدة أبو الحارث وكان أسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل عبيدة على شيبة بن ربيعة يوم بدر وطعن كل واحد منهما صاحبه فقتل عبيدة شيبة وقطع شيبة رجل عبيدة فحمل عبيدة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله
(12) - صحيح مسلم(101 ) حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الأَعْلَى وَضَعَّفَ يَحْيَى مُوسَى بْنَ دِينَارٍ قَالَ حَدِيثُهُ رِيحٌ. وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ دِهْقَانَ وَعِيسَى بْنَ أَبِى عِيسَى الْمَدَنِىَّ.
قَالَ وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ قَالَ لِىَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَرِيرٍ فَاكْتُبْ عِلْمَهُ كُلَّهُ إِلاَّ حَدِيثَ ثَلاَثَةٍ لاَ تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ وَالسَّرِىِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ. قَالَ مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلاَمِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى مُتَّهَمِى رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ عَلَى اسْتِقْصَائِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ تَفَهَّمَ وَعَقَلَ مَذْهَبَ الْقَوْمِ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِى الأَخْبَارِ وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلُوا لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ إِذِ الأَخْبَارُ فِى أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِى بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْىٍ أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ فَإِذَا كَانَ الرَّاوِى لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ إِذْ لاَ يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا وَلَعَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ لاَ أَصْلَ لَهَا مَعَ أَنَّ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى نَقْلِ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلاَ مَقْنَعٍ وَلاَ أَحْسِبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الضِّعَافِ وَالأَسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ وَيَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنَ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ إِلاَّ أَنَّ الَّذِى يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَتِهَا وَالاِعْتِدَادِ بِهَا إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَوَامِّ وَلأَنْ يُقَالَ مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلاَنٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَلَّفَ مِنَ الْعَدَدِ. وَمَنْ ذَهَبَ فِى الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلاَ نَصِيبَ لَهُ فِيهِ وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلاً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عِلْمٍ.
(13) - له عندهما الكثير(1/443)
هكذا ذكرَهُ بالفتحِ عليُّ بنُ المدينيِّ، ويحيى بنُ معينٍ ، وأبو عليٍّ الجيَّانيُّ ، والتميميُّ، والصدفيُّ ، وابنُ الحَذَّاءِ ، وبهِ صَدَّرَ الدارقطنيُّ ، وابنُ ماكولاَ كَلاَمَيْهِمَا ، وحكيا أَنَّهُ قِيلَ فيهِ : عَبْدَةُ بسكونِ الباءِ . قالَ صاحبُ " المشارقِ " : وحُكِيَ لنا عنْ بعضِ شيوخِنا : عَبْدَ - بِغيْرِ هَاءٍ - . قالَ : وهوَ وهمٌ .
أمَّا عامرُ بنُ عَبْدةَ الذي روى عنهُ أبو أسامةَ ، فهوَ بإسكانِ الباءِ ولكنْ ليسَ لهُ روايةٌ في الكُتُبِ الثلاثةِ ، ولا في بقيةِ الستةِ . وقولُ الذهبيِّ - فيما قرَأتُهُ بخطِّهِ في "المشتبهِ": أنَّهُ يشتبهُ بعامرِ بنِ عَبْدةَ الباهِليِّ: وهمٌ، إنَّما الباهليُّ عامرُ بنُ عُبَيْدةَ بزيادةِ ياءٍ مثناةٍ منْ تحتُ بعدَ الباءِ الموحدةِ المكسورةِ ،وقدْ تقدَّمَ في عُبيدةَ.
والثاني منَ الاسمينِ : بجالَةُ بنُ عَبَدَةَ التميميُّ ، ثمَّ العنبَريُّ البصريُّ ، روى لهُ البخاريُّ في كتابِ " الجزية " البخارى(3156 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ ، فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ - عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ - عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِى مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ . وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ .. وقدْ قيَّدَهُ بالفتحِ الدارقطنيُّ ، وابنُ ماكولا ، والجيَّانيُّ . وحَكَى صاحبُ " المشارقِ ": أَنَّهُ ذكرَهُ كذلكَ البخاريُّ في " التاريخِ " وأصحابُ الضبطِ ، قالَ : وقالَ فيهِ الباجيُّ : عَبْدةُ ، قالَ : وقالَ البخاريُّ فيهِ أيضاً : عَبْدةُ بالإسكانِ ، قالَ : ويقالُ فيهِ أيضاً : عَبْدٌ.
والثاني منْ لفظي الترجمةِ : عَبْدةُ - بفتحِ العينِ ، وسكونِ الباءِ -، وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ من ذلكَ ، منهم : عَبْدَةُ بنُ سليمانَ الكلابيُّ ، وعَبْدَةُ ابنُ أبي لُبَابةَ ، وغيرُهما ..
ومِنْ ذلكَ عُقَيْلٌ ، وعَقِيلٌ .
فالأولُ : مصغَّرٌ - بضمِّ العينِ المهملةِ وفتحِ القافِ -، منْ ذلكَ بَنُو عُقَيْلٍ القبيلةُ المعروفةُ ، لهم ذكرٌ في حديثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ عندَ مسلمٍ ( 4333) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالاَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ بَنِى عُقَيْلٍ وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِى الْوَثَاقِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ « مَا شَأْنُكَ ». فَقَالَ بِمَ أَخَذْتَنِى وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ فَقَالَ إِعْظَامًا لِذَلِكَ « أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ ». ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَقِيقًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ « مَا شَأْنُكَ ». قَالَ إِنِّى مُسْلِمٌ. قَالَ « لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاَحِ ». ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ.
فَأَتَاهُ فَقَالَ « مَا شَأْنُكَ ». قَالَ إِنِّى جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِى وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِى. قَالَ « هَذِهِ حَاجَتُكَ ». فَفُدِىَ بِالرَّجُلَيْنِ - قَالَ - وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِى الْوَثَاقِ وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَىْ بُيُوتِهِمْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى الْعَضْبَاءِ فَلَمْ تَرْغُ قَالَ وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ فَقَعَدَتْ فِى عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ - قَالَ - وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ. فَقَالُوا الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَتْ إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَتْهَا نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِى مَعْصِيَةٍ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ »..
وكذا عُقَيْلُ بنُ خالدٍ الأيليُّ ، حديثُهُ في الصحيحينِ ، وكذا يحيى بنُ عُقيلٍ الخزاعيُّ البصريُّ، روى لهُ مسلمٌ . وهوَ المرادُ بقولي: ( كذا أبو يَحْيَى ).
والثاني: بفتحِ العينِ، وكسرِ القافِ ، مكبَّرٌ ، منهم : عَقِيْلُ بنُ أبي طالبٍ ، مذكورٌ في الحديثِ المتفق عليهِ البخاري (1588 ) ومسلم(3360 ) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ تَنْزِلُ فِى دَارِكَ بِمَكَّةَ . فَقَالَ « وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ » . وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِىٌّ - رضى الله عنهما - شَيْئًا لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَقُولُ لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) الآيَةَ .. وليستْ لهُ روايةٌ عندهما .
ومِنْ ذلكَ : واقدٌ ، ووافدٌ .
فالأولُ : بالقافِ ، وهوَ جميعُ ما في الكتبِ الثلاثةِ ، منهم : واقدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ ، وابنُ ابنِ أخيهِ : واقدُ بنُ محمدِ بنِ زيدٍ ، وغيرهما .
والثاني : وافِدٌ - بالفاءِ -، وليسَ في شيءٍ منَ الكتبِ الثلاثةِ ، قالَهُ صاحبُ " المشارق " ، وتبعهُ ابنُ الصلاحِ ، ومنهمْ : وافِدُ بنُ موسى الذارِعُ ، ووافدُ بنُ سلامةَ ، ذكرهما الأميرُ وغيرُهُ .
ومِنْ ذلكَ : الأَيْلِيُّ ، والأُبُليُّ .
فالأولُ : بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ ، منهمْ : هارونُ بنُ سعيدٍ الأَيْلِيُّ ، ويونسُ بنُ يزيدَ الأَيْلِيُّ ، وعُقَيْلُ بنُ خالدٍ الأيْلِيُّ ، وغيرُهم . قالَ القاضي عياضٌ في " المشارقِ ": وليسَ فيهَا أُبُلِّيٌّ ، أي : في الكتبِ الثلاثةِ ، وتعقبَهُ ابنُ الصلاحِ، فقالَ : " روى مسلمٌ الكثيرَ عنْ شيبانَ بنِ فروخٍ ، وهوَ أُبُلِّيٌّ - بالباءِ الموحدةِ - قالَ : لكنْ إذا لَمْ يكنْ في شيءٍ منْ ذلكَ منسوباً لَمْ يلحقْ عياضاً منهُ تخطِئةٌ ، واللهُ أعلمُ " .
ومِنْ ذلكَ : البَزَّارُ ، والبَزَّازُ .
فالأولُ : آخرهُ راءٌ مهملةٌ ، وهوَ الحسنُ بنُ الصباحِ البَزَّارُ ، منْ شيوخِ البخاريِّ ، وخَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ مِن شيوخِ مسلمٍ . قالَ ابنُ الصلاحِ : " لا نعرفُ في الصحيحينِ بالراءِ المهملةِ إلاَّ هما " .
قلتُ : ذكرَ الجيَّانيُّ في " تقييدِ المهملِ " في هذهِ الترجمةِ : يحيى ابنَ محمدِ بنِ السَّكنِ البَزَّارَ منْ شيوخِ البخاريِّ . وبِشْرَ بنَ ثابتٍ البَزَّارَ ، استشهدَ بهِ البخاريُّ صحيح البخارى(906 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ - هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ - قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ ، يَعْنِى الْجُمُعَةَ . قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ بِالصَّلاَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمُعَةَ . وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لأَنَسٍ - رضى الله عنه - كَيْفَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى الظُّهْرَ .
قلتُ : ولَمْ يقعْ ذكرهما في البخاريِّ منسوبينِ ، بلْ خاليينِ منَ النسبةِ واللهُ أعلمُ .
والثاني : البَزَّازُ - بزايٍ مكررةٍ -، وهوَ باقي المذكورينَ في الصحيحينِ ، منهمْ : محمدُ بنُ الصَّباحِ البَزَّازُ ، ومحمدُ بنُ عبدِ الرحيمِ البَزَّازُ المعروفُ بصاعقةَ وغيرهما.
ومِنْ ذلكَ : النَّصْرِيُّ ، والبَصْرِيُّ .
فالأولُ : بالنونِ والصادِ المهملةِ ، وذلكَ في ثلاثةِ أسماءٍ : الأولُ : سالمٌ النَّصْريُّ مولى النَّصْرِيِّيْنَ ، وهوَ مولى مالكِ بنِ أوسٍ النَّصْريِّ ، الآتي ذكرُهُ ، روى لهُ مسلمٌ . واسمُ أبي سالمٍ: عبدُ اللهِ، قالَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ في "إيضاحِ الإشكال": سالمٌ أبو عبدِ اللهِ المدينيُّ،وهوَ سالمٌ مولى مالكِ بنِ أوسٍ وهوَ سالمٌ مولى النَّصْرِيِّيْنَ، وهوَ سالمٌ مولى المَهْريِّيْنَ، وهوَ سالمٌ سَبَلان ، وهوَ سالمٌ مولى شدادٍ الذي روى عنهُ أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ ، وهوَ أبو عبدِ اللهِ الذي روى عنهُ بكيرُ بنُ الأشجِ ، وذكرَ : أنَّهُ كانَ شيخاً كبيراً . وهوَ سالمٌ أبو عبدِ اللهِ الدوسيُّ ، وهوَ سالمٌ مولى دوسٍ . وذكرَ صاحبُ " المشارقِ " : أنَّهُ وقعَ عندَ العُذريِّ مولى النَّضرِيينَ - بالضادِ المعجمةِ -، قالَ : وَهوَ وَهَمٌ .
والثاني منَ الأسماءِ : عبدُ الواحدِ بنُ عبدِ اللهِ النصريُّ . لهُ في صحيحِ البخاريِّ حديثٌ واحدٌ (3509 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّصْرِىُّ قَالَ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِىَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، أَوْ يُرِىَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْ » ..
والثالثُ : مالكُ بنُ أوسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ ، مخضرمٌ ، وقدِ اختُلِفَ في صحبتِهِ(1)، حديثُهُ في " الموطأ " والصحيحينِ . وليسَ فيهما بالنونِ إلاَّ هؤلاءِ الثلاثةُ ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ،وأوسُ بنُ الحدثانِ مذكورٌ في " صحيحِ مسلمٍ " في الصيامِ ، غيرُ منسوبٍ صحيح مسلم(2735 ) عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى « أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ. وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ».وقال ابن مندة :هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه ..
والثاني مِنْ لفظَي الترجمةِ : بالباءِ الموحدةِ وفيها الكسرُ والفتحُ ، والكسرُ أصحُّ وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ .
ومِنْ ذلكَ : التَّوَّزِيُّ ، والثَّوْريُّ .
فالأولُ:بفتحِ التاءِ المثناةِ منْ فوقُ، والواوِ المشدَّدةِ المفتوحةِ ، والزاي ، وهوَ أبو يعلى محمدُ بنُ الصلتِ التَّوَّزِيُّ ، أصلُهُ مِنْ تَوَّزَ مِنْ بلادِ فارسَ. ويقالُ: تَوَّجُ -بالجيمِ-، سَكَنَ البصرةَ ، روى عنهُ البخاريُّ حديثان البخارى(3681 ) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ - يَعْنِى اللَّبَنَ - حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّىِّ يَجْرِى فِى ظُفُرِى أَوْ فِى أَظْفَارِى ، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ » . فَقَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ قَالَ « الْعِلْمَ » .
(6803 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنِى الأَوْزَاعِىُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا .اهـ وليسَ فيها التوَّزيُّ غيرُهُ.
والثاني : بفتحِ المثلثةِ ، وسكونِ الواوِ ، بعدَها راءٌ مهملةٌ ، وهوَ منْ عَدَا محمدِ بنِ الصلتِ المذكورِ ،منهمْ : أبو يعلى الثوريُّ . قالَ صاحبُ " المشارقِ " وهوَ يلتبسُ بالمذكورِ أوَّلاً . يريدُ مِنْ حيثُ اتفاقُ كنيتِهِما أيضاً . واسمُ أبي يعلى هذا : منذرُ بنُ يعلى ، حديثُهُ في الصحيحينِ . وفي صحيح مسلم (721 ) عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى - وَيُكْنَى أَبَا يَعْلَى - عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً وَكُنْتُ أَسْتَحْيِى أَنْ أَسْأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ « يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ ».
ومِنْ ذلكَ : الجُرَيْرِيُّ ، والحَريْرِيُّ .
فالأولُ : بضمِّ الجيمِ ، وفتحِ الراءِ ، وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ بعدَها راءٌ أيضاً ، نسبةً إلى جُرَيْرٍ مصغَّراً . وهوَ جُرَيْرُ بنُ عُبَادٍ - بضمِّ العينِ وتخفيفِ الباءِ الموحدةِ - . وهوَ عبَّاسُ بنُ فَرُّوْخٍ الجُرَيرِيُّ ، حديثُهُ في الصحيحينِ(2). وسعيدُ ابنُ إياسٍ الجُريرِيُّ ، حديثُهُ في الصحيحينِ أيضاً . وكذا إذا وردَ في الصحيحينِ الجُريريُّ غيرُ مسمًّى ، عنْ أبي نَضْرَةَ ، فالمرادُ بهِ : سعيدٌ . هكذا اقتصرَ ابنُ الصلاحِ ، تَبَعاً لصاحبِ " المشارقِ " على الجُريريِّ غير مسمًّى ، عنْ أبي نَضْرَةَ وقدْ وردَ في الصحيحِ غيرَ مسمّى في غيرِ روايتِهِ ، عنْ أبي نضْرَةَ في غيرِ ما موضعٍ ، منها : في " مسلمٍ " في الكسوفِ ( 2158و2159 )عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ كُنْتُ أَرْتَمِى بِأَسْهُمٍ لِى بِالْمَدِينَةِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَنَبَذْتُهَا فَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى كُسُوفِ الشَّمْسِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِى الصَّلاَةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا. قَالَ فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.، وغيرِ ذلكَ .
هكذا اقتصرَ أيضاً تبعاً لصاحبِ " المشارقِ " على ما فيها منَ الجُريريِّ بضمِّ الجيمِ . وزادَ الجيانيُّ في " التقييدِ ": حيانَ بنَ عُميرٍ الجريريَّ، لهُ عندَ مسلمٍ حديثٌ واحدٌ في الكسوفِ . وأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ الجريريُّ ، مولاهم ، روى لهُ مسلمٌ أيضاً وحدهُ صحيح مسلم (275 و277 ) عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِىِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ »..
والثاني: الحَرِيْرِيُّ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ وكسرِ الراءِ -، وهوَ يحيى بنُ بشرٍ الحَرِيْرِيُّ،(3)روى لهُ مسلمٌ في "صحيحهِ"(4). وقولُ ابنِ الصلاحِ: أنَّهُ شيخُ البخاريِّ ومسلمٍ ، تبعَ في ذلكَ صاحبَ "المشارقِ"، وتبعَ صاحبُ "المشارقِ" صاحبَ " تقييدِ المهملِ "، وسبقَهُمْ إلى ذلكَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ ، فذكرَ يحيى ابنَ بشرٍ الحَريريَّ فيمَنِ اتفقَ على إخراجِهِ البخاريُّ ومسلم ٌ، وكذلكَ ذكرَهُ الكلاباذيُّ فيمَنْ أخرجَ لهُ البخاريُّ في " صحيحِهِ ".
ولَمْ يصنعوا كلّهم شيئاً ، ولَمْ يخرجْ لهُ البخاريُّ(5)، وإنما أخرجَ ليحيى بنِ بشرٍ البلخيِّ(6)، فجعلهما الجيانيُّ والكلاباذيُّ واحداً ، وهوَ وهمٌ منهما . وممَّنْ تبعهما ، وهما رجلانِ مختلفا البلدةِ والوفاةِ ، وممَّنْ فرَّقَ بينهما ابنُ أبي حاتمٍ في " الجرحِ والتعديلِ " ، والخطيبُ في " المتفقِ والمفترقِ " ، وبهِ جزمَ الحافظُ أبو الحجَّاجِ المزيُّ في " التهذيبِ " وقدْ أوضحتُ ذلكَ فيما جمعتُهُ على كتابِ ابنِ الصلاحِ .
وقدِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ في هذهِ الترجمةِ على الجُرَيريِّ والحَرِيريِّ ، وزادَ الجيانيُّ في كتاب " تقييدِ المهملِ " الجَرِيْرِيَّ - بفتحِ الجيمِ - وكسرِ الراءِ ، وهوَ يحيى بنُ أيوبَ الجَرِيْرِيُّ من ولدِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ . وقالَ : ذكرَهُ البخاريُّ مستَشهِداً بهِ في أولِ كتابِ " الأدبِ " البخارى (5971 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » . وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَهُ ، وكذا ذكرَهُ صاحبُ " المشارق " ، فقالَ : وفي البخاريِّ يحيى بنُ أيوبَ الجَريريُّ - بفتحِ الجيمِ - في أولِ كتابِ " الأدبِ " ، قلتُ : وَلَمْ استَدْرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ ؛ لأنَّ البخاريَّ لَمْ يذكرْ نسبَتَهُ ؛ إنما ذكرَهُ باسمِهِ ، واسمِ أبيهِ فقطْ ، فليسَ في البخاريِّ إذاً هذا اللفظُ .
ومِنْ ذلكَ : الحِزَامِيُّ والحَرَامِيُّ .
فالأولُ : بكسرِ الحاءِ المهملةِ ، وبالزاي ، منهم : إبراهيمُ بنُ المنذرِ الحِزاميُّ ، والضَّحَّاكُ بنُ عثمانَ الحِزاميُّ ، وغيرُهما . وقالَ ابنُ الصلاحِ: " إنَّهُ حيثُ وقعَ فيهما فهوَ بالزاي غيرِ المهملةِ " . انتهى .أي : سوى مَنْ وقعَ في الصحيحِ وأُبْهِمَ اسمُهُ ، فَلمْ يُسمَّ بلْ فيهِ فلانٌ الحِزاميُّ ، فإنَّ فيهِ خلافاً ؛ وذلكَ في " صحيحِ مسلمٍ صحيح مسلم(7704 ) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِى هَذَا الْحَىِّ مِنَ الأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ وَعَلَى أَبِى الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِىٌّ وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِىٌّ فَقَالَ لَهُ أَبِى يَا عَمِّ إِنِّى أَرَى فِى وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ. قَالَ أَجَلْ كَانَ لِى عَلَى فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ الْحَرَامِىِّ مَالٌ فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَسَلَّمْتُ فَقُلْتُ ثَمَّ هُوَ قَالُوا لاَ. فَخَرَجَ عَلَىَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ أَبُوكَ قَالَ سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّى. فَقُلْتُ اخْرُجْ إِلَىَّ فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ.
فَخَرَجَ فَقُلْتُ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّى قَالَ أَنَا وَاللَّهِ أُحَدِّثُكَ ثُمَّ لاَ أَكْذِبُكَ خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكُنْتُ وَاللَّهِ مُعْسِرًا. قَالَ قُلْتُ آللَّهِ.
__________
(1) - وفي التقريب 6426 - مالك بن أوس بن الحدثان بفتح المهملتين والمثلثة النصري بالنون أبو سعيد المدني له رؤية وروى عن عمر مات سنة اثنتين وتسعين وقيل سنة إحدى ع
(2) - وفي التقريب 3182 - عباس بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء وآخره معجمة الجريري بضم الجيم البصري أبو محمد ثقة من السادسة مات قديما بعد العشرين ومائة ع
(3) - وفي التقريب 7513 - يحيى بن بشر بن كثير الحريري بفتح المهملة الكوفي صدوق من كبار العاشرة مات سنة سبع وعشرين م
(4) - مسلم(1759 و2571 و2638 و3750 )
(5) - صحيح البخارى ( 1523 و3915 )
(6) - وفي التقريب 7514 - يحيى بن بشر البلخي الفلاس ثقة زاهد من العاشرة مات سنة اثنتين وثلاثين خ(1/444)
قَالَ اللَّهِ. قُلْتُ آللَّهِ. قَالَ اللَّهِ . قُلْتُ آللَّهِ. قَالَ اللَّهِ. قَالَ فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ فَقَالَ إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِى وَإِلاَّ أَنْتَ فِى حِلٍّ فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَيْنَىَّ هَاتَيْنِ - وَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ - وَسَمْعُ أُذُنَىَّ هَاتَيْنِ وَوَعَاهُ قَلْبِى هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ ». قَالَ فَقُلْتُ لَهُ أَنَا يَا عَمِّ لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلاَمِكَ وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ وَأَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ . فَمَسَحَ رَأْسِى وَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ يَا ابْنَ أَخِى بَصَرُ عَيْنَىَّ هَاتَيْنِ وَسَمْعُ أُذُنَىَّ هَاتَيْنِ وَوَعَاهُ قَلْبِى هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ « أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ». وَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَىَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(1).
وقدِ اختلفوا في ضبطِ هذهِ النسبةِ ، فرواهُ أكثرُ الرواةِ - كما قالَ القاضي عياضٌ - بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ وراءٍ ، وعندَ الطبريِّ : الحِزاميُّ - بكسرِها وبالزاي -. وعندَ ابنِ ماهانَ : الجُذاميُّ - بضمِّ الجيمِ وذالٍ معجمةٍ - . وقالَ ابنُ الصلاحِ في حاشيةٍ أملاهَا على كتابِهِ : لا يَرِدُ هذا ؛ لأنَّ المرادَ بكلامِنَا المذكورِ ما وقعَ مِنْ ذلكَ في أنسابِ الرواةِ . وكذا قالَ النوويُّ في كتابِ " الإرشادِ " . وهذا ليسَ بجيدٍ ؛ لأنَّ ابنَ الصلاحِ وتبعَهُ النوويُّ ذكرا في هذا القسمِ غيرَ واحدٍ ليسَ لهمْ في الصحيحِ ، ولا في " الموطأ " روايةٌ ، بلْ مجردُ ذكرٍ ، كما تقدَّمَ إيضاحُهُ في هذا الفصلِ ؛ فلذلكَ استثنيتُهُ .
والثاني : بفتحِ الحاءِ المهملةِ والراءِ ، وهوَ فلانُ بنُ فلانٍ الحَراميُّ المتقدمُ عَلَى روايةِ الأكثرينَ.وعدَّ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في هَذَا القسمِ مَنْ يُنسبُ إِلَى بني حَرَامٍ منَ الأنصارِ، مِنْهُمْ: جابرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ حَرَامٍ الحراميُّ،وجماعةٌ سواهم كَذَا ذكرَ أبو عليٍّ،وفيهِ نظرٌ؛ فإنِّي لا أعلمُ في واحدٍ منَ الصحيحينِ ورودَ هذهِ النسبةِ عندَ ذكرِهِ ؛ وإنما يذكرُ أسماءَهم غيرَ منسوبةٍ وقدْ ذكرَ صاحبُ " المشارق " فيما يشتبهُ بهذهِ المادةِ : الجُذَاميَّ - بضمِّ الجيمِ وبالذالِ المعجمةِ -، فذكرَ : فروةَ ابنَ نعامةَ الجذاميَّ ، وهوَ الذي أهدى للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) بغلَةً ، وقدْ لا يلتبسُ فلهذا لَمْ أذكرْهُ
ومنْ ذلكَ : الحارِثِيُّ ، والجاريُّ .
فالأولُ: بالحاءِ المهملةِ، وكسرِ الراءِ ، بعدها ثاءٌ مثلثةٌ ، وهوَ جميعُ ما وقعَ من ذلكَ في الصحيحينِ، منهم: أبو أُمامةَ الحارثيُّ، صحابيٌّ لهُ روايةٌ في موطأ مالك (1415) ومسلم (370 ) عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ »..
والثاني : الجاريُّ - بالجيمِ وبعدَ الراءِ ياءُ النسبةِ -، وهوَ : سعدٌ الجاريُّ . روى لهُ مالكٌ في الموطأ (1062 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِىِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ صَرَدًا فَقَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ. قَالَ سَعْدٌ ثُمَّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
قالَ صاحبُ " المشارق ": يُنْسَبُ إلى جدِّهِ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: " منسوبٌ إلى الجارِ مُرْفَأ السفنِ بساحلِ المدينةِ ". انتهى . والمُرْفَأُ : - بضمِّ الميمِ وإسكانِ الراءِ وفتحِ الفاءِ ، مهموزٌ مقصورٌ ، قالَ الجوهريُّ : " أرْفَأْتُ السفينةَ قَرَّبْتُهَا منَ الشطِّ . قالَ : وذلكَ الموضعُ مرفأٌ " . وقالَ الذهبيُّ في " مشتبهِ النسبةِ ": " الجارُ : موضعٌ بالمدينةِ " .
وذكَرَ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ فيما يشتبهُ بهذهِ المادةِ الخارفيُّ - بالخاءِ المعجمةِ وبالفاءِ مكانَ الياءِ - منهم : عبدُ اللهِ بنُ مُرَّةَ الخارفيُّ ، وقدْ لا يلتبسُ .
ومِنْ ذلكَ الهَمْدانيُّ ، والهَمَذَانيُّ .
فالأولُ:بإسكانِ الميمِ وإهمالِ دالِهِ،وَهُمُ المنسوبونَ إلى قبيلةِ هَمْدَانَ، وهوَ جميعُ ما في "الموطأ" والصحيحينِ.قالَ ابنُ الصلاحِ: " وليسَ فيها الهمذانيُّ بالذالِ المنقوطةِ ". قالَ صاحبُ "المشارقِ": لكنَّ فيهما مَنْ هوَ مِنْ مدينةِ همذانَ ببلادِ الجبلِ ؛ إلاَّ أنَّهُ غيرُ منسوبٍ في شيءٍ منْ هذهِ الكتبِ.قالَ:إلاَّ أنَّ في البخاريِّ(2):مسلمَ بنَ سالمٍ الهَمْدانيَّ ، ضبطَهُ الأصيليُّ بسكونِ الميمِ ، بخطِّ يدِهِ وهوَ في الصحيحِ، قالَ:ووجدتُهُ في بعضِ النسخِ للنسفيِّ - بفتحِ الميمِ وذالٍ معجمةٍ-، وهوَ وهمٌ،وإنما نسبُهُ: نَهْدِيٌّ، ويُعرفُ بالجُهَنيِّ؛لأنهُ كانَ نازلاً فيهمْ. انتهى.وهذا الاسمُ وقعَ عندَ البخاريِّ في كتابِ "الأنبياء" صحيح البخارى (3370 ) حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلاَ أُهْدِى لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ بَلَى ، فَأَهْدِهَا لِى . فَقَالَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ . قَالَ « قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » . ، قالَ الجيَّانيُّ:وأراهُ وهماً،قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ:أبو فروةَ الهَمْدَانيُّ، اسمُهُ عُروةُ ، وأبو فَرْوةَ النَّهْدِيُّ، اسمُهُ مسلمُ بنُ سالمٍ . قالَ : وكانَ ابنُ مهديٍّ لا يفصلُ بينَ هذينِ . وهذا اللفظُ في الجملةِ وقعَ في البخاريِّ على الوهمِ ، وليسَ بهمْدانيٍّ على الوجهينِ معاً ، وقدْ ذكرَ ابنُ أبي خيثمةَ حديثَ البخاريِّ هذا فقالَ : فيهِ أبو فروةَ الجهنيُّ ، وهوَ الصوابُ ، واللهُ أعلمُ .
والثاني:بفتحِ الميمِ وبالذالِ المعجمةِ،قالَ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ : منهم : أبو أحمدَ المرَّارُ بنُ حَمُّويَه الهَمَذانيُّ،يقالُ:إنَّ البخاريَّ حدَّثَ عنهُ عنْ أبي غسَّان في كتابِ"الشروط".انتهى. صحيح البخارى (2730 ) حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ الْكِنَانِىُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ، وَقَالَ « نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ » . وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِىَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرُهُمْ ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهَمَتُنَا ، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِى أَبِى الْحُقَيْقِ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا فَقَالَ عُمَرُ أَظَنَنْتَ أَنِّى نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ ، لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ » . فَقَالَ كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِى الْقَاسِمِ . قَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ . فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالاً وَإِبِلاً وَعُرُوضًا ، مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
قلتُ : ليسَ في جميعِ نسخِ البخاريِّ ذِكْرُ نَسَبِهِ والذي في أكثرِ الرواياتِ : حدثنا أبو أحمدَ ، لَمْ يزدْ على كنيتهِ . وفي روايةِ أبي ذرٍّ : حدثنا أبو أحمدَ مَرَّارُ ابنُ حَمُّويَه ، ويؤكدُ كونهُ المَرَّارَ بنَ حَمُّويَه ، أنَّ موسى ابنَ هارونَ الحمَّالَ، روى هذا الحديثَ عنْ مَرَّارِ بنِ حَمُّويَه ، عنْ أبي غسَّان محمدِ بنِ يحيى ، كروايةِ البخاريِّ ، وقدْ قيلَ : إنَّ أبا أحمدَ غيرُ المرارِ ، فاللهُ أعلمُ . قالَ ابنُ ماكولا : " والهمْدانيُّ في المتقدمينَ بسكونِ الميمِ أكثرُ ، وبفتحِ الميمِ في المتأخرينَ أكثرُ " . قالَ ابنُ الصلاحِ : " وهوَ كما قالَ ".
. وقالَ الذهبيُّ في " مشتبهِ النسبةِ " : " والصحابةُ ، والتابعونَ ، وتابعوهم ، من القبيلةِ ، وأكثرُ المتأخرينَ منَ المدينةِ . قالَ : ولاَ يمكنْ استيعابُ هؤلاءِ ، ولاَ هؤلاءِ " .
وقرأتُ بخطِّهِ أنَّ شِيرويهِ-يعني : ابنَ شهردارَ الديلميَّ، أدخلَ في "تاريخِ همذانَ" لهُ خَلْقاً منَ القبيلةِ وَهَمَاً. قلتُ: وممَّا خرجَ عنِ الغالبِ : أبو العباسِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدِ بنِ عقدةَ الهمدانيُّ ، فهوَ متأخرٌ -بالسكونِ-، وأبو الفضلِ محمدُ بنُ محمدِ بنِ عطافٍ الهمدانيُّ ، بعدَ الخمسمائةِ ٍ. وجعفرُ بنُ عليٍّ الهمدانيُّ . وعليُّ بنُ عبدِ الصمدِ السخاويُّ الهمدانيُّ . وعبدُ الحكمِ بنُ حاتمٍ الهمدانيُّ . وعبدُ المعطي بنُ فتوحٍ الهمدانيُّ . أربعتُهم منَ أصحابِ السِّلفيِّ ، وأبو إسحاقَ بنُ أبي الدمِ الهمدانيُّ ، قاضي حماةَ ، ومنصورُ بنُ سُليمٍ الهمدانيُّ الحافظُ المعروفُ بابنِ العماديةِ ، وآخرونَ .
3- أهميتُه وفائدته :
معرفة هذا النوع من مهمات علم الرجال ، حتى قال علي بن المديني " أشد التصحيف ما يقع في الأسماء " لأنه شيء لا يدخله القياس ، ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده
وفائدته تكمن في تجنب الخطأ وعدم الوقوع فيه .
4- أشهرُ المصنفات فيه(3):
قال العراقي : " وصنَّفَ فيهِ جماعةٌ منَ الحفَّاظِ كُتُباً مفيدةً ، وأوَّلُ مَنْ صنَّفَ فيهِ : عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ ، ثمَّ شيخهُ الدارقطنيُّ . وقدْ تَقَدَّمَ أنَّ أكملَ ما صُنِّفَ فيهِكتابُ " الإكمالِ " لأبي نَصرِ بنِ ماكولا . وذيَّلَ عليهِ الحافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ بذيلٍ مفيدٍ ثمَّ ذُيِّلَ على ابنِ نقطةَ بذيلينِ صغيرينِ : أحدِهما للحافظِ جمالِ الدينِ ابنِ الصابونيِّ ، والآخرِ للحافظِ منصورِ بنِ سُلَيْمٍ ، المعروفِ بابنِ العماديةِ .وقدْ ذَيَّلَ عليهما الحافظُ عَلاَءُ الدينِ مغلطاي بذيلٍ كبيرٍ ؛ لكنَّ أكثرَهُ أسماءُ شعراءٍ ، وفي أنسابِ العربِ ، وجَمَعَ فيهِ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ مجلداً سمَّاهُ "مشتبه النسبةِ" ؛ ولكنَّهُ أجحفَ في الاختصارِ واعتمدَ على ضبطِ القلمِ، فلا يعتمدُ على كثيرٍ منْ نُسَخِهِ ، وقدْ فاتَ جميعَ مَنْ صَنَّفَ فيهِ ألفاظٌ كثيرةٌ ، علقتُ منها جملةً وإنْ يَسَّرَ اللهُ تعالى جمعْتُها معَ ما تقدَّمَ في مجموعٍ واحدٍ ؛ ليكونَ أسهلَ لتناولها إنْ شاءَ اللهُ تعالى . "
قلت : وأهمها :
1-المؤتلف والمختلف، المعروف بالأنساب المتفقة في الخط، المتماثلة في النقط والضبط: ابن القيسراني، أبو الفضل محمد بن طاهر - تقديم وفهرسة: كمال يوسف الحوت - دار الكتب العلمية - بيروت - ط 1 - 1411 / 1991 .
2- "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب"، لابن ماكولا علي بن هبة الله المتوفى سنة 475هـ ويبلغ بتمامه ثمانية أجزاء، قال في مطلعه(4): "آثرت أن أعمل في هذا الفن كتابا جامعا لما في كتبهم وما شذ عنها، وأسقط ما لا يقع الإشكال فيه مما ذكروه، وأذكر ما وهم فيه أحدهم على الصحة".
3- المشتبه" للإمام الذهبي جمع فيه كتاب ابن ماكولا والكتب التي استدركت عليه وغيرها وقال(5): "العمدة في مختصري هذا على ضبط القلم.. فأتقن يا أخي نسختك، واعتمد على الشكل والنقط، وإلا لم تصنع شيئا".
4- "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"، للحافظ ابن حجر، وهو أحسن الكتب حيث إنه مضبوط ضبطا مبينا بالكتابة، كما أنه استدرك ما فات الذهبي رحمهما الله.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الأريكة : السرير أو كل ما اتكئ عليه الجفر : ولد صغير سفعة : علامة وتغير الضمامة : الحزمة والرزمة المعافرى : نوع من الثياب منسوب إلى معافر قبيلة باليمن
(2) - برقم(3370 )
(3) - ذكر منها العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ستة وعشرين كتابا في تقدمته لكتاب الإكمال وعرف بها.
(4) - ج1ص2.
(5) - ج1ص2.(1/445)
المُتَشَابِهُ(1)
- 6 -
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم فاعل من " التشابه" بمعنى " التماثل" ويراد بالمتشابه هنا " الملتبس" ومنه " المتشابه" من القرآن أي الذي يلتبس معناه.
ب) اصطلاحاً: هذا النوعُ يتركبُ منْ النوعينِ اللذينِ قبلَهُ ، وهوَ : أنْ يتفقَ الاسمانِ في اللفظِ والخطِّ ، ويفترقا في الشخصِ ، ويأتلفَ أسماءُ أبويهما في الخطِّ ، ويختلفا في اللفظِ ، أوْ على العكسِ ، بأنْ يأتلفَ الاسمانِ خطَّاً ، ويختلفا لفظاً ، ويتفقَ أسماءُ أبويهما لفظاً ، أو نحوَ ذلكَ ، بأنْ يتفقَ الاسمانِ والكنيتانِ لفظاً ، وتختلفَ نسبتهما نطقاً ، أو تتفقَ النسبةُ لفظاً ، ويختلفَ الاسمانِ أو الكنيتانِ لفظاً ، وما أشبهَ ذلكَ .
2- أمثلته:
فمثالُ الأولِ : موسى بنُ عَليٍّ ، وموسى بنُ عُليٍّ .
فالأولُ : بفتحِ العينِ مكبراً ، وهمْ جماعةٌ متأخرونَ ، ليسَ في الكتبِ السِّتَّةِ منهمْ أحدٌ ، ولا في " تاريخِ البخاريِّ " ، ولا في كتابِ ابنِ أبي حاتمٍ ، إلاَّ الثاني الذي فيهِ الخلافُ، منهمْ: موسى بنُ عليٍّ أبو عيسى الخُتَّلِيُّ، وموسى بنُ عليٍّ أبو عليٍّ الصوَّافُ.
والثاني: بضمِّ العينِ مصغَّراً، وهوَ موسى بنُ عُليِّ بنِ رباحٍ اللخميُّ المِصْريُّ - أميرُ مِصْرَ - اشتُهِرَ بضمِّ العينِ مصغَّراً ، وصحَّحَ البخاريُّ ، وصاحبُ " المشارقِ " الفتحَ ، وروينا عن موسى، قالَ : اسمُ أبي: عليٌّ ؛ ولكنْ بنو أميةَ قالوا: عُليُّ بنُ رباحٍ ، وفي حرجٍ مَنْ قالَ : عُليٌّ . وروينا عنهُ أيضاً قالَ : مَنْ قالَ موسى بنُ عُليٍّ لَمْ أجعلْهُ في حلٍّ . وروينا أيضاً ذلكَ عن أبيهِ قالَ : لا أجعلُ أحداً في حلٍّ يصغرُ اسمي . وقالَ محمدُ بنُ سعدٍ : " أهلُ مصرَ يَفْتَحونَ ، وأهلُ العراقِ يَضُمُّونَ " . وقالَ الدارقطنيُّ : كانَ يلقبُ بعُليٍّ ، وكانَ اسمُهُ علياً، وقدِ اختلِفَ في سببِ تصغيرِهِ ، فقالَ أبو عبدِ الرحمنِ المقرئُ : كانتْ بنو أميةَ إذا سَمِعوا بمولودٍ اسمُهُ عَليٌّ ، قَتَلوهُ ، فبلغَ ذلكَ رباحاً ، فقالَ : هوَ عُليٌّ(2)، وقالَ ابنُ حبانَ في "الثقاتِ": " كانَ أهلُ الشامِ يجعلونَ كلَّ عَليٍّ عندهم عُليّاً لبغْضِهِم عليّاً (رضيَ اللهُ عنهُ) ، ومنْ أجلِهِ ما قيلَ لعليِّ ابنِ رباحٍ: عُليُّ بنُ رباحٍ، ولمسلمةَ بنِ عليٍّ: مسلمةُ بنُ عُليٍّ "
( قلت (علي) : ولا يصحُّ شيء من هذين الافتراضين ، بل هما من باب الرجم بالغيب ، وتصديق الأكاذيب والراجيف التي دست على بني أمية ، وعجبت أشدَّ العجب لمن يكون من أهل الحديث البارعين فيه - كهذين العلمين - ثم يقع في مثل تلك السقطات العجيبة!!! )
ومثالُ الثاني : وهوَ عكسُ الأولِ ، سُرَيْجُ بنُ النُّعمانِ ، وشُرَيْحُ بنُ النُّعمانِ ، وكلاهما مصغرٌ .
فالأولُ : بالسينِ المهملةِ والجيمِ ، وهوَ سُرَيْجُ بنُ النعمانِ بنِ مروانَ اللؤلؤيُّ البغداديُّ ، روى عنهُ البخاريُّ ، وروى لهُ أصحابُ السننِ ، تقدمَ ذكرُهُ في " المؤتلفِ والمختلفِ " .
والثاني : بالشينِ المعجمةِ ، والحاءِ المهملةِ : شُريحُ بنُ النعمانِ الصائديُّ الكوفيُّ(3)
- تابعيٌّ - لهُ في السننِ الأربعةِ حديثٌ واحدٌ عنْ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ .
ومثالُ الثالثِ : محمدُ بنُ عبدِ اللهِ المُخَرِّميُّ ، ومحمدُ بنُ عبدِ اللهِ المَخْرَمِيُّ.
فالأولُ : بضمِّ الميمِ ، وفتحِ الخاءِ المعجمةِ ، وكسرِ الراءِ المشددةِ ، نسبةً إلى المُخَرِّمِ منْ بغدادَ ، وهوَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ المباركِ أبو جعفرٍ القرشيُّ البغداديُّ المُخَرِّميُّ الحافظُ قاضي حُلْوَانَ ، روى عنهُ البخاريُّ ، وأبو داودَ والنسائيُّ .
والثاني : محمدُ بنُ عبدِ اللهِ المَخْرَميُّ -بفتحِ الميمِ وسكونِ الخاءِ المعجمةِ وفتحِ الراءِ-المكيُّ ، قالَ ابنُ ماكولا : لعلَّهُ مِنْ ولدِ مَخْرَمَةَ بنِ نوفلٍ ، روى عن الشافعيِّ ، روى عنهُ عبدُ العزيزِ بنُ محمدِ بنِ الحسنِ بنِ زبالةَ ، ليسَ بالمشهورِ .ومثالُ الرابعِ : أبو عمرٍو الشَّيْبَانيُّ ، وأبو عمرٍو السَّيْبَانيُّ .
فالأولُ : بفتحِ الشينِ المعجمةِ ، وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ بعدها باءٌ موحدةٌ وقبلَ ياءِ النسبةِ نونٌ ، جماعةٌ منْهم : أبو عمرٍو سعيدُ بنُ إياسٍ الشيبانيُّ الكوفيُّ - تابعيٌّ مخضرمٌ - وحديثُهُ في الكتبِ الستةِ ، توفيَ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ .
وأبو عمرٍو الشيبانيُّ : هارونُ بنُ عنترةَ بنِ عبدِ الرحمنِ ، كوفيٌّ أيضاً منْ أتباعِ التابعينَ ، حديثُهُ في سننِ أبي داودَ والنسائيِّ(4). وهذا هوَ المعروفُ مِنْ أنَّ كنيتَهُ أبو عمرٍو، وكذا كنَّاهُ يحيى بنُ سعيدٍ، وابنُ المدينيِّ ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ والبخاريُّ والنسائيُّ ، وأبو أحمدَ الحاكمُ ، والخطيبُ ، وغيرهم . وأمَّا ما اقتصرَ عليهِ المزيُّ مِنْ أنَّ كنيتَهُ : أبو عبدِ الرحمنِ ، فوهمٌ .
وأبو عمرٍو الشيبانيُّ النَّحْويُّ اللُّغَويُّ كوفيٌّ أيضاً ، نَزَلَ بغدادَ ، اسمُهُ : إسحاقُ بنُ مِرارٍ ، بكسرِ الميمِ ، عندَ عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ ، وبفتحها عندَ الدارقطنيِّ ، وشدَّدَ بعضُهم الراءَ على وزنِ عَمَّارٍ ، لهُ ذكرٌ في " صحيحِ مسلمٍ صحيح مسلم (5734 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالَ الأَشْعَثِىُّ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ ». زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فِى رِوَايَتِهِ « لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ». قَالَ الأَشْعَثِىُّ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ أَوْضَعَ.، توفيَ سنةَ عشرٍ ومائتينِ .
والثاني : بفتحِ السينِ المهملةِ ، والباقي سواءٌ ، وهوَ أبو عمرٍو السيبانيُّ - تابعيٌّ مخضرمٌ أيضاً - منْ أهلِ الشامِ ، اسمُهُ زرعةُ ، وهوَ عمُّ الأوزاعيِّ ، ووَالِدُ يحيى بنِ أبي عمرٍو ، لهُ عندَ البخاريِّ في كتابِ " الأدب " (1153 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيَّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ هَيْئَتُهُ هَيْئَةُ مُسْلِمٍ ، فَسَلَّمَ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ : وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ : إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ ، فَقَامَ عُقْبَةُ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ فَقَالَ : إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، لَكِنْ أَطَالَ اللَّهُ حَيَاتَكَ ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ وَوَلَدَكَ " ٍ .
ومثالُ الخامسِ : حَنَانٌ الأسديُّ ، وحَيَّانُ الأسديُّ .
فالأولُ : بفتحِ الحاءِ المهملةِ ، والنونِ المخففةِ ، وآخرُهُ نونٌ أيضاً ، وهوَ حَنَانٌ الأسديُّ ، منْ بني أسدِ بنِ شُريكٍ - بضمِّ الشينِ - البصريُّ . روى عنْ أبي عثمانَ النهديِّ حديثاً مرسلاً ،(5)روى عنهُ حجاجٌ الصوَّافُ ، ويُعرفُ بصاحبِ الرقيقِ ، وهوَ عمُّ مُسْرَهَدٍ ، والدِ مُسَدَّدٍ .
والثاني : حيَّانُ - بتشديدِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ ، والباقي سواءٌ -، وهوَ حيَّانُ بنُ حُصينٍ الأسديُّ الكوفيُّ ، يُكنَّى أبا الهَيَّاجِ -تابعيٌّ- لهُ في " صحيح مسلم(2287 ) عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ قَالَ قَالَ لِى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ.اهـ.
وحيَّانُ الأسديُّ شاميٌّ تابعيٌّ أيضاً ، لهُ في " صحيحِ ابنِ حبانَ " ( 633-641) أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَيَّانُ أَبُو النَّضْرِ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ.( صحيح).
ومثالُ السادسِ : أبو الرِّجالِ الأنصاريُّ ، وأبو الرَّحَّالِ الأنصاريُّ .
فالأولُ : بكسرِ الراءِ ، وتخفيفِ الجيمِ، اسمُهُ محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ مدنيٌّ، روى عنْ أُمِّهِ عمرةَ بنتِ عبدِ الرحمنِ ، وغيرِها ، حديثُهُ في الصحيحينِ .
والثاني: بفتحِ الراءِ، وتشديدِ الحاءِ المهملةِ، بصريٌّ، اسمُهُ محمدُ بنُ خالدٍ، وقيلَ : خالدُ بنُ محمدٍ ، لهُ عندَ الترمذيِّ حديثٌ واحدٌ سنن الترمذى(3572 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ(6)حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضى الله عنه يَقُولُ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَكَلَّمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَكَتَ ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَسَكَتَ فَحَرَّكْتُ رَاحِلَتِى فَتَنَحَّيْتُ وَقُلْتُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُكَلِّمُكَ مَا أَخْلَقَكَ أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ قَالَ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِى قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَىَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى بِهَا مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلاً..( حديث حسن)
وممَّا يشبهُ هذهِ الأقسامَ: ابنُ عُفَيْرٍ المِصْرِيُّ ، وابنُ غُفَيْرٍ المِصْرِيُّ ، وكلاهما مصغَّرٌ.
فالأولُ : بالعينِ المهملةِ ، سعيدُ بنُ كثيرِ بنِ عُفيرٍ ، أبو عثمانَ المصريُّ ، وقدْ يُنسَبُ إلى جدِّهِ ، روى عنهُ البخاريُّ ، وروى مسلمٌ عنْ واحدٍ عنهُ .
والثاني : بالغينِ المعجمةِ ، اسمُهُ الحسنُ بنُ غُفيرٍ المصريُّ ، قالَ الدارقطنيُّ : " متروكٌ "(7)، ولهُ أقسامٌ أخرُ ، لا حاجةَ بنا إلى التطويلِ بها .
وقدْ أدخلَ فيهِ الخطيبُ، وابنُ الصلاحِ ما لا يأتلفُ خطُّهُ ،كـ: ثَوْرِ بنِ يزيدَ ، وثَوْرِ بنِ زيدٍ ، وعَمْرِو بنِ زُرَارةَ ، وعُمَرَ بنِ زُرَارةَ . فلمْ أذكرْهُ ؛ لعدمِ الاشتباهِ في الغالبِ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 28) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 23) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 212) و نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 42) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 58) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 38) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 706) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 683) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 77) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 166) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 424) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 132) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 185) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 266)
(2) - وفي هامش تهذيب الكمال : " هذه الرواية فيها نظر، فإذا كان علي قد ولد عام اليرموك أو حتى بعده بقليل، فمعنى ذلك أنه كان رجلاً يوم حدث النزاع بين الأمويين وسيدنا علي بن أبي طالب.
فضلا عن أن كثيرا من الناس سموا أبناءهم بهذا الاسم على عهدهم، وما أظن هذا إلا من افتراءات الشعوبية، والله أعلم." تهذيب الكمال للمزي - (ج 20 / ص 429)
(3) - وفي التقريب 2777 - شريح بن النعمان الصائدي الكوفي صدوق من الثالثة
(4) - سنن أبى داود(613) والنسائي (807 و4454)
(5) - ففي الضعفاء للعقيلي ( 1159 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ ، عَنْ حَبَّانَ الْأَسَدِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا نَاوَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ رَيْحَانًا فَلَا يَرُدَّهُ فَإِنَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ " هَذَا أَوْلَى ( صحيح مرسل )
(6) - وفي الكاشف 4822 - محمد بن خالد بن عثمة البصري عن مالك وعدة وعنه بندار والكديمي صدوق 4
وفي التقريب 5847 - محمد بن خالد بن عثمة بمثلثة ساكنة قبلها فتحة ويقال إنها أمه الحنفي البصري صدوق يخطىء من العاشرة 4
(7) - انظر اللسان 2/243(1025 )(1/446)
3المُشْتَبَهُ المَقْلُوبُ(1)
هذا النوعُ ممَّا يقعُ فيهِ الاشتباهُ في الذهنِ ، لا في صورةِ الخطِّ ؛ وذلكَ أنْ يكونَ اسمُ أحدِ الراويينِ كاسمِ أبي الآخرِ خطَّاً ولفظاً ، واسمُ الآخرِ كاسمِ أبي الأولِ فينقلبُ على بعضِ أهلِ الحديثِ ، كما انقلبَ على البخاريِّ ترجمةُ مسلمِ ابنِ الوليدِ المدنيِّ فجعلهُ الوليدَ بنَ مسلمٍ ، كالوليدِ بنِ مسلمٍ الدمشقيِّ المشهورِ ، وخطَّأهُ في ذلكَ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابٍ لهُ في خطأ البخاريِّ في " تاريخه " حكايةً عنْ أبيهِ ، وهذهِ الترجمةُ ليستْ في بعضِ نسخِ التاريخِ . وقدْ صَنَّفَ الخطيبُ في ذلكَ كتاباً سمَّاهُ : " رافع الارتيابِ في المقلوبِ منَ الأسماءِ والأنسابِ " . ومثالُهُ : الأسودُ بنُ يزيدَ ، ويزيدُ بنُ الأسودِ .
فالأولُ : هوَ النَّخَعيُّ المشهورُ خالُ إبراهيمَ النخعيِّ من كبارِ التابعينَ وعلمائِهمْ ، حديثُهُ في الكتبِ الستةِ ، والربَّانيُّ: هوَ العالِمُ العاملُ المعلِّمُ ، قالَهُ ثعلبٌ. وقالَ الجوهريُّ : المُتَألِّهُ والعارفُ باللهِ تعالى . وقدْ كانَ الأسودُ يصلِّي كلَّ يومٍ سبعَمائةِ ركعةٍ ، وسافرَ ثمانينَ حجةً وعمرةً منَ الكوفةِ ، لَمْ يجمعْ بينهما(2).
والثاني : يزيدُ بنُ الأسودِ الخزاعيُّ ، لهُ صحبةٌ ، ولهُ في السننِ حديثٌ واحدٌ ، ففي سنن أبى داود (614 ) عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ انْحَرَفَ. (صحيح).
قالَ ابنُ حبَّانَ: " عدادُهُ في أهلِ مكةَ " ، وقالَ المزيُّ: " في الكوفيين " ، ويزيدُ بنُ الأسودِ الجُرَشيُّ - تابعيٌّ مخضرمٌ - يكنَّى أبا الأسودِ سكنَ الشامَ ، واستسقوا بهِ فسُقُوا للوقتِ حتَّى كادوا لا يبلغونَ منازلهمْ .
4- فائدته:
وتكمن فائدته في ضبط أسماء الرواة، وعدم الالتباس في النطق بها، وعدم الوقوع في التصحيف والوهم.
5- أشهر المصنفات فيه:
أ) "تلخيص المتشابه في الرَّسم ، وحماية ما أَشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم " للخطيب البغدادي .
ب) " تالي التلخيص " للخطيب أيضاًَ، وهو عبارة عن تتمة أو ذيل للكتاب السابق، وهما كتابان نفيسان لم يُصنف مثلهما في هذا الباب
6- خلاصة هامة
من هذه الدراسة لأنواع الحديث المبينة لشخص الراوي نخلص إلى نتيجة جوهرية، هي شمول أبحاثه كل ما يتوصل به إلى معرفة شخص الراوي وتحديده من جميع النواحي الزمانية، والمكانية، والأسمية.
ففي الناحية الزمنية درس المحدثون موقع الراوي من الأجيال السابقة واللاحقة، ومن جيله الذي عاش فيه، "المدبج ورواية الأقران".
وتعمقوا حتى عرفوا موقعه في الرواية من أسرته في فنون الأخوة، والآباء، والأبناء.
وفي الناحية المكانية عنوا بأوطان الرواة، وتنقلاتهم، وتبينوا ما قد يطرأ منها على الراوي مما يؤثر في حديثه.
وفي أسماء الرواة شملوا كل ما يتصل بها حيث عنوا بإزالة الإبهام وتعيين أسماء الرواة وآبائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وضبطوا ذلك بغاية الدقة، وبينوا ما هو ظاهره من الأنساب وما ليس على ظاهره.
ثم قاموا بجهود عظيمة في مقابلة أسماء الرواة وكناهم وألقابهم وأنسابهم لتمييز ما يتشابه منها عن بعضه ودرسوها من جميع أوجه التشابه: من التماثل كتابة ونطقا "المتفق والمفترق"، أو كتابة لا نطقا "المؤتلف والمختلف"، أو ما يقع فيه الأمران طردا أو عكسا "المتشابه"، ثم "المتشابه المقلوب".
وهكذا أتوا على كل أوجه البحث، وتوصلوا إلى نتائج هامة فيما يقبل من حديث الراوي وما يرفض وما يتصل من سنده وما ينقطع، وميزوا كل راو عما سواه تمييزا بالغا دقيقا ليوضع تحت منظار الجرح والتعديل، وينزل في موضعه المناسب.(3)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 28) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 216) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 58) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 78) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 267)
(2) - انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (4/50) فما بعدها
(3) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 185)(1/447)
المُهْمَلُ(1)
ـ 7 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم مفعول من " الإهمال " بمعنى " الترك " كأن الراوي ترك الاسم بدون ذكر ما يميزه عن غيره.
ب) اصطلاحاً: أن يروي الراوي عن شخصين متفقين في الاسم فقط أو مع اسم الأب أو نحو ذلك ، ولم يتميزا بما يَخُص كل واحد منهما.
2- متى يَضُرُّ الإهمالُ ؟
إن كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً، لأنه لا ندري مَنِ الشخص المروي عنه هنا، فربما كان الضعيف منهما، فيضعف الحديث.
أما إذا كانا ثقتين ، فلا يضرُّ الإهمال بصحة الحديث ، لأن أياً منهما كان المروي عنه فالحديث صحيح .
3- مثاله:
أ) إذا كانا ثقتين : ما وقع للبخاري من روايته عن " أحمد" ـ غير منسوب ـ عن ابن وهب كما في صحيح البخارى(902 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِى ، فَيَأْتُونَ فِى الْغُبَارِ ، يُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهْوَ عِنْدِى ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا » .
فهو إسنادٌ مصريٌّ ، وبما أنه إسنادٌ مصريُّ فهما إما أحمد بن صالح المصري(2)أو أحمد بن عيسى المصري(3)، وكلاهما ثقة ، وقد روى عنهما كذلك .
وكذلك كما في سنن أبى داود (1209 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَسَارَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ فَقَالَ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ فِى سَفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ. فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.
فعندنا هنا حماد يروي عن أيوب ، فسواء اكان جماد بن سلمة أو حماد بن أسامة ، فكلاهما ثقة ، لكن لا بد من تعيين الراوي أيه منها ، فإذا راجعنا تهذيب الكمال لا نجد لحماد بن زيد عن أيوب رواية ، فيكون الراوي هنا حماد بن سلمة ، ويمكن معرفة ذلك أيضاً من خلال تلميذه الرواي عنه وهو سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ ، فليس له رواية إلا عن حماد بن سلمة(4).
ب) إذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً : " سليمان بن داود " و " سليمان بن داود " فإن كان "الخولاني " فهو ثقة(5). وإن كان " اليمامي " فهو ضعيف(6).
فهنا لا بد من البحث عنه وعن شيوخه ، وعن طبقته وعن بلده ، وعن المتبعات إن أعيانا معرفته ، حتى نستطيع الوصول إليه .
4- الفرقُ بينه وبين المُبهم :
والفرق بينهما أن المُهْمل ذُكر اسمه والْتَبَسَ تعيينه، والمُبْهم لم يُذكر اسمه.
5- أشهرُ المصنفات فيه :
" المكمل في بيانِ المهملِ " للخطيبِ البغدادي ، وهو كتابٌ مفيدٌ.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 38) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 39) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 145) والإلماع - (ج 1 / ص 157) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 104) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 151)
(2) - ففي التقريب 48 - أحمد بن صالح المصري أبو جعفر بن الطبري ثقة حافظ من العاشرة تكلم فيه النسائي بسبب أوهام له قليلة ونقل عن بن معين تكذيبه وجزم بن حبان بأنه إنما تكلم في أحمد بن صالح الشمومي فظن النسائي أنه عنى بن الطبري مات سنة ثمان وأربعين وله ثمان وسبعون سنة خ د
(3) - وفي التقريب 86 - أحمد بن عيسى بن حسان المصري يعرف بابن التستري صدوق تكلم في بعض سماعاته قال الخطيب بلا حجة من العاشرة مات سنة ثلاث وأربعين خ م س ق
(4) - انظر تهذيب الكمال (2513 )
(5) - ففي التقريب 2555 - سليمان بن داود الخولاني أبو داود الدمشقي سكن داريا صدوق من السابعة مد س
(6) - انظر ميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 202) (3449 )(1/448)
معرفةُ المُبهمات(1)
ـ 8 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة: المُبَهمات جمع " مُبْهَم " وهو اسم مفعول من " الإبْهام " ضد الإيضاح.
ب) اصطلاحاً: هو من أُبْهم اسمه في المتن أو الإسناد من الرواة أو ممن له علاقة بالرواية.
2- من فوائد بحثه :
أ) إن كان الإبهام في السند: معرفة الراوي إن كان ثقة أو ضعيفاً للحكم على الحديث بالصحة أو الضعف.
ب) وإن كان في المتن: فله فوائد كثيرة أبرزها معرفة صاحب القصة أو السائل حتى إذا كان في الحديث منقبة له عرفنا فضله، وإن كان عكس ذلك، فيحصل بمعرفته السلامة من الظنِّ بغيره من أفاضل الصحابة.
3- كيف يُعْرَف المُبهم ؟
يُستدلُّ على معرفةِ الشخصِ المبهمِ بورودهِ مسمَّى في بعضِ طرقِ الحديثِ ، وهوَ واضحٌ ، أوْ بتنصيصِ أهلِ السِّيَرِ على كثيرٍ منهم ، وربَّما استدلوا بورودِ حديثٍ آخرَ أُسندَ فيهِ لمعينٍ ما أسندَ لذلكَ الراوي المبهمِ في ذلكَ الحديثِ ، وفيهِ نظرٌ ، منْ حيثُ إنَّهُ يجوزُ وقوعُ تلكَ الواقعةِ لشخصينِ اثنينِ .
4- أمثلةٌ عليه:
ومنْ أمثلةِ ذلكَ : كما في صحيح البخارى(314 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ « خُذِى فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِى بِهَا » . قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ قَالَ « تَطَهَّرِى بِهَا » . قَالَتْ كَيْفَ قَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِى » . فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَىَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِى بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.
وهذهِ المرأةُ المبهمةُ في روايةِ منصورٍ ، اسمها: أسماءُ ، والحجةُ في ذلكَ ما رواهُ مسلمٌ في أفرادِهِ (776 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ قَالَ سَمِعْتُ صَفِيَّةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ « تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ». فَقَالَتْ أَسْمَاءُ وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِى ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ « تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ - أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ - ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ..
وقدِ اخْتَلَفَ مَنْ صَنَّفَ في المبهماتِ في تعيينِ أسماءِ هذهِ ، فقالَ الخطيبُ : بنتُ يزيدَ بنِ السَّكنِ الأنصاريةُ ، وقالَ ابنُ بَشْكوالَ : هيَ أسماءُ بنتُ شَكَلٍ ، وهذا هوَ الصوابُ ، فقدْ ثبتَ ذلكَ في بعضِ طرقِ الحديثِ في " صحيحِ مسلمٍ " (778 ) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ.،
وقالَ النوويُّ في مختصرِ " المبهماتِ ": يجوزُ أنْ تكونَ القصةُ جرتْ للمرأتينِ في مجلسٍ أوْ مجلسينِ .
ومِنْ ذلكَ : في صحيح مسلم(5863 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا فى سَفَرٍ فَمَرُّوا بِحَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ. فَقَالُوا لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَىِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ نَعَمْ فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ الرَّجُلُ فَأُعْطِىَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَقَالَ حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا رَقَيْتُ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. فَتَبَسَّمَ وَقَالَ « وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ». ثُمَّ قَالَ « خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ مَعَكُمْ ».
وقدْ روى البخاريُّ القصةَ صحيح البخارى(5737) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ - أَوْ سَلِيمٌ - فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إِنَّ فِى الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا . فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ ، فَبَرَأَ ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا . حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ » .
، قالَ الخطيبُ : الراقي هوُ أبو سعيدٍ الخدريُّ ، راوي الحديثِ ، وكذا قالَ ابنُ الصلاحِ تبعاً لهُ ، وفيهِ نظرٌ من حيثُ إنَّ في بعضِ طرقِهِ عندمسلم (5865 ) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ نَزَلْنَا مَنْزِلاً فَأَتَتْنَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنَّ سَيِّدَ الْحَىِّ سَلِيمٌ لُدِغَ فَهَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ فَأَعْطَوْهُ غَنَمًا وَسَقَوْنَا لَبَنًا فَقُلْنَا أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً فَقَالَ مَا رَقَيْتُهُ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. قَالَ فَقُلْتُ لاَ تُحَرِّكُوهَا حَتَّى نَأْتِىَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ « مَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ مَعَكُمْ »...
ومِنْ أمثلةِ المبهمِ: ابنُ فلانٍ غيرُ مسمًّى، مثالُهُ ما روي في سنن أبى داود (1921 ) حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو - يَعْنِى ابْنَ دِينَارٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ أَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الأَنْصَارِىُّ وَنَحْنُ بِعَرَفَةَ فِى مَكَانٍ يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو عَنِ الإِمَامِ فَقَالَ أَمَا إِنِّى رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ « قِفُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ». (حديث حسن).
وابنُ مِرْبَعٍ هذا - بكسرِ الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ الباءِ الموحدةِ وآخرهُ عينٌ مهملةٌ -، واختلفَ في اسمِهِ ، فقيلَ : يزيدُ ، وقيلَ : زيدٌ ، وقيلَ : عبدُ اللهِ ، قالَهُ الواقديُّ ، ومحمدُ بنُ سعدٍ .(2)
ومنْ ذلكَ : عمُّ فلانٍ ، مثالُهُ ما رواهُ النسائيُّ سنن النسائى( 1321 )أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَلِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِىٍّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمُقُهُ وَنَحْنُ لاَ نَشْعُرُ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ». فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ وَالَّذِى أَكْرَمَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جَهِدْتُ فَعَلِّمْنِى فَقَالَ « إِذَا قُمْتَ تُرِيدُ الصَّلاَةَ فَتَوَضَّأْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ ثُمَّ افْعَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِكَ »..( صحيح)
العمُّ المبهمُ في الحديثِ . هوَ رفاعةُ بنُ رافعٍ الزُّرقيُّ ، كما سُمِّيَ في مسند أحمد(19511) عَنْ عَلِىِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلاَّدٍ الزُّرَقِىِّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى قَرِيباً مِنْهُ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَعِدْ صَلاَتَكَ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ». قَالَ فَرَجَعَ فَصَلَّى كَنَحْوٍ مِمَّا صَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ « أَعِدْ صَلاَتَكَ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ « إِذَا اسْتَقْبَلْتَ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ فَإِذَا رَكَعْتَ فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَامْدُدْ ظَهْرَكَ وَمَكِّنْ لِرُكُوعِكَ فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا وَإِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ لِسُجُودِكَ فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ ». ( صحيح).
وفي صحيح مسلم (4024 )عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْجُرُ الأَرْضَ - قَالَ - فَنُبِّئَ حَدِيثًا عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - قَالَ - فَانْطَلَقَ بِى مَعَهُ إِلَيْهِ - قَالَ - فَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ ذَكَرَ فِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. قَالَ فَتَرَكَهُ ابْنُ عُمَرَ فَلَمْ يَأْجُرْهُ.، واسمُ عمِّهِ : ظُهَيرُ بنُ رافعٍ كما في صحيح البخارى( 2339 )عَنْ أَبِى النَّجَاشِىِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا . قُلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهْوَ حَقٌّ . قَالَ دَعَانِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ » . قُلْتُ نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ . قَالَ « لا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا أَوْ أَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا » . قَالَ رَافِعٌ قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً . .
وفي سنن الترمذى(3940 ) عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَمُّ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ هُوَ قُطْبَةُ بْنُ مَالِكٍ صَاحِبُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .
وعمُّهُ هوَ قُطْبَةُ بنُ مالكٍ ، كما في " صحيح مسلم(1052 )عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) حَتَّى قَرَأَ (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) قَالَ فَجَعَلْتُ أُرَدِّدُهَا وَلاَ أَدْرِى مَا قَالَ.
ومِنْ ذلكَ : عمَّةُ فلانٍ ، مثالُهُ ما رواهُ أحمد (19519) عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ « كَيْفَ أَنْتِ لَهُ ». قَالَتْ مَا آلُوهُ إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ « فَانْظُرِى أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ ». ( حسن )
واسمُ عمَّتِهِ هذهِ : أسماءُ ، قالَهُ أبو عليِّ ابنِ السَّكنِ ، وابنُ ماكولا . وكذلكَ ذكرَهُ ابنُ بشكوالَ أيضاً في " المبهماتِ "(3).
وفي سنن النسائى (1856 ) عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ - قَالَ - فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِى وَالنَّاسُ يَنْهَوْنِى وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِى وَجَعَلَتْ عَمَّتِى تَبْكِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَبْكِيهِ مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ ».(صحيح) .
اسمُ عمَّتِهِ : فاطمةُ بنتُ عمرِو بنِ حرامٍ ، وقعتْ مسماةً في المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 94) (20357 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بن إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جِيءَ بِأَبِي قَتِيلا يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ أُخْتُهُ تَبْكِيهِ، فَقَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ.( صحيح) ِ ، وسمَّاها الواقديُّ : هِنْداً .
ومِنْ ذلكَ : زوجةُ فلانٍ ، كما في صحيح البخارى(5104 )عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لَكِنِّى لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا . فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لِى إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا . وَهْىَ كَاذِبَةٌ فَأَعْرَضَ ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، قُلْتُ إِنَّهَا كَاذِبَةٌ . قَالَ « كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا ، دَعْهَا عَنْكَ » وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَحْكِى أَيُّوبَ
ووقعَ في صحيح البخارى(2659 ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ حَدَّثَنِى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِى إِهَابٍ قَالَ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا . فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْرَضَ عَنِّى ، قَالَ فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ « وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا » . فَنَهَاهُ عَنْهَا .
قالَ ابنُ بشكوالَ ، واسمها : غنيةُ بنتُ أبي إهابِ بنِ عزيزِ بنِ قيسٍ . قلتُ: ووقعَ في بعضِ طرقِ الحديثِ من روايةِ إسماعيلَ بنِ أميةَ ، عنْ ابنِ أبي مُلَيكةَ، عنْ عقبةَ بنِ الحارثِ، قالَ: تزوجتُ زينبَ بنتَ أبي إهابٍ ، فاللهُ أعلمُ .
قلتُ (علي) : لم أعثر على هذا الاسم
وفي صحيح البخارى(2639 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِى فَأَبَتَّ طَلاَقِى ، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ . فَقَالَ « أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ لاَ حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ » . وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -
واختلِفَ في اسمها، فقيلَ: تميمةُ بنتُ وهبٍ ،كما في موطأ مالك(1111) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِى كَانَ طَلَّقَهَا - فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ « لاَ تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ ». وقيلَ : تُميمةُ - بضمِّ التاءِ - وقيلَ : سُهَيْمَةُ كما في معرفة علوم الحديث (342 ) حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ أَبِيهِ , : أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثًا ، فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، فَاعْتَرَضَ عَنْهَا ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا ، فَطَلَّقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا ، وَهُوَ زَوْجُهَا الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : " لَا تَحِلَّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَمْ يُحَدِّثْ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ غَيْرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، تَفَرَّدَ عَنْهُ بِالرِّوَايَةِ ، وَكَذَلِكَ زُهَاءُ عَشْرَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُمْ غَيْرُ مَالِكٍ.
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 84) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 34) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 38) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 703) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 431) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 87) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 29) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 37) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 222) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 59) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 511) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 78) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 163) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 270)
(2) - انظر الإصابة (9314 )
(3) - تهذيب التهذيب - (ج 12 / ص 441)(1/449)
ومن ذلكَ أيضاً : زوجُ فلانةَ ،كما في صحيح البخارى(4909 ) عَنْ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ أَفْتِنِى فِى امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الأَجَلَيْنِ . قُلْتُ أَنَا ( وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِى - يَعْنِى أَبَا سَلَمَةَ - فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلاَمَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهْىَ حُبْلَى ، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا . " ، وزوجها هوَ سعدُ بنُ خَوْلةَ كما مسند أحمد(28197) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَرْسَلَ مَرْوَانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ إِلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَسْأَلُهَا عَمَّا أَفْتَاهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فَتُوُفِّىَ عَنْهَا فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ بَدْرِيًّا فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِىَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ وَفَاتِهِ فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ - يَعْنِى ابْنَ بَعْكَكٍ - حِينَ تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا وَقَدِ اكْتَحَلَتْ فَقَالَ لَهَا ارْبَعِى عَلَى نَفْسِكِ - أَوْ نَحْوَ هَذَا - لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ النِّكَاحَ إِنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِكِ. قَالَتْ فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ لَهُ مَا قَالَ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ حَلَلْتِ حِينَ وَضَعْتِ حَمْلَكِ ». ( صحيح )
ومن ذلكَ : ابنُ أُمِّ فُلانٍ ،كما في مسند أحمد (27666) عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ وَذَلِكَ ضُحًى فَقَالَ « مَنْ هَذَا ». فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّى أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً أَجَرْتُهُ فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ». فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفاً فِى ثَوْبٍ. (صحيح)
قلت : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في صحيح مسلم (1702 ) عَنْ أَبِى النَّضْرِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ - قَالَتْ - فَسَلَّمْتُ فَقَالَ « مَنْ هَذِهِ ». قُلْتُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ. قَالَ « مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ». قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى..
، وكذلكَ ابنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى ، كما في صحيح مسلم(869 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّنَانِ بِلاَلٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى.
يردُ في الصحيحِ غيرَ مسمًّى، قلت (علي): بل ورد اسمه صريحاً في صحيح البخارى( 4990 ) عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ) قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « ادْعُ لِى زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ - أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ - ثُمَّ قَالَ « اكْتُبْ لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ » وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِى فَإِنِّى رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا ( لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) فِى سَبِيلِ اللَّهِ ( غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ )
واختلِفَ في اسمِهِ ، فقيلَ: عبدُ اللهِ ،كما في موطأ مالك (480 )204/1 وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ أُنْزِلَتْ (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فِى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ اسْتَدْنِينِى وَعِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ وَيَقُولُ « يَا أَبَا فُلاَنٍ هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا ». فَيَقُولُ لاَ وَالدِّمَاءِ مَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا. فَأُنْزِلَتْ (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى) ( صحيح ) وقيلَ: عمرٌو - وقد مرَّ -، وقيلَ: غيرُ ذلكَ .(1)
5- تقسيم المبهم حسب شدته
قلت : ويقسمُ المُبْهم بحسب شدة الإبهام أو عدم شدته إلى أربعة أقسام ، وأبدأ بأشدها إبهاماً .
رجل أو امرأة: كما في مسند أحمد برقم (2793) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ فَقَالَ « بَلْ حَجَّةٌ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ كُلَّ عَامٍ لَكَانَ كُلَّ عَامٍ ».(صحيح)
هذا الرجل هو الأقرع بن حابس كما في سنن النسائى( 2632 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ ». فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِىُّ كُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ فَقَالَ « لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ثُمَّ إِذًا لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تُطِيعُونَ وَلَكِنَّهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ ».( صحيح)
الابن والبنت: ويلحق به الأخ والأخت وابن الأخ وابن الأخت وبنت الأخ وبنت الأخت، كما في صحيح البخارى برقم (1253 ) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ - رضى الله عنها - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ « اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِى الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِى » . فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ « أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ » . تَعْنِى إِزَارَهُ .
هي أم كلثوم رضي الله عنها كما في سنن ابن ماجه(1525 ) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ « اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِى الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِى ». فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ. وَقَالَ « أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ ».( صحيح)
وقيل زينب رضي الله عنها كما في كما في مصنف ابن أبي شيبة (11010) وأحمد (21340 ) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ ابنة رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلاَثًا ، أَوْ خَمْسًا وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا ، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا غَسَلْتُنَّهَا فَأَعْلِمَنَّنِي ، فَلَمَّا غَسَلْنَاهَا أَعْلَمْنَاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ ، فَقَالَ : أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ.( صحيح)
العم والعم: ويلحق به الخال والخالة وابن أو بنت العم والعمة وابن أو بنت الخال والخالة، كعم الإمام مالك ، كما في موطأ مالك(7 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِى سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِى مُوسَى أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ.
قيل اسمه نافع كما في سنن الترمذى( 2841 ) عَنْ أَبِى سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَبُو سُهَيْلٍ هُوَ عَمُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَاسْمُهُ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِى عَامِرٍ الأَصْبَحِىُّ الْخَوْلاَنِىُّ.(2)
الزوج والزوجة: كحديث " زوجة " عبد الرحمن بن الزبير كما في صحيح البخارى (2639 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِى فَأَبَتَّ طَلاَقِى ، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ . فَقَالَ « أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ لاَ حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ »(3). وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .
اسمها تميمة بنت وهب كما في موطأ مالك برقم (1111 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِى كَانَ طَلَّقَهَا - فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ « لاَ تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ ». وهو في الصحيحين
6- أشهر المصنفات فيه :
وقدْ صنَّفَ في ذلكَ جماعةٌ منَ الحفاظِ منهم : عبدُ الغنيِّ ابنُ سعيدٍ ، والخطيبُ ، وأبو القاسمِ بنُ بَشْكُوالَ ، وهوَ أكبرُ كتابٍ جمعَ فيهِ ثلاثمائةِ حديثٍ ، وواحداً وعشرينَ حديثاً ، ولكنَّهُ على غيرِ ترتيبٍ، ورتَّبَ الخطيبُ كتابَهُ على الحروفِ في الشخص المُبْهَمِ ، وجملةُ ما في كتابِ الخطيبِ مائةٌ وواحدٌ وسبعونَ حديثاً ، واختصرهُ النوويُّ ورتَّبهُ على الحروفِ في راوي الحديثِ وهوَ أسهلُ للكشفِ ، وزادَ فيهِ بعضَ أسماءٍ .
وأحسنها وأجمعها كتاب " المُسْتَفاد من مبهمات المتن والإسناد " لولي الدين العراقي .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الإصابة (5768 )
(2) - انظر التقريب 7081 - نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي التيمي أبو سهيل المدني ثقة من الرابعة مات بعد الأربعين ع
وفي الكاشف 5786 - نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي عن بن عمر وسهل بن سعد وعنه بن أخيه مالك والداروردي ثقة مقرئ بقي إلى زمن السفاح ع
(3) - العسيلة : تصغير عسل والمراد لذة الجماع الهدبة : طرف الثوب والمراد أنه لا يستطيع جماعها(1/450)
معرفةُ الوُحْدان(1)
- 9 -
1 - تعريفُه:
أ) لغة: الوُحْدان بضم الواو جمع واحد .
ب) اصطلاحا: هم الرواة الذين لم يرو عن كل واحد منهم إلا راو واحد.
2 - فائدتُه:
معرفة مجهول العين ، وردُّ روايته إذا لم يكن صحابياً ، ولم يتابع .
3 - أمثلتُه:
أ) من الصحابة : عروة بن مُضَرس، لم يرو عنه غير الشعبي ، كما في سنن أبى داود برقم (1952 ) عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَامِرٌ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِىُّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَوْقِفِ - يَعْنِى بِجَمْعٍ قُلْتُ جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِى وَأَتْعَبْتُ نَفْسِى وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِى مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ ».( صحيح)
وليس له إلا هذا الحديث(2)
والمسيب بن حزن(3)، لم يرو عنه غير ابنه سعيد ، كما في مسند أحمد برقم (24394) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ فَقَالَ « أَىْ عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ بِهَا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَىْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ». فَنَزَلَتْ (مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) قَالَ فَنَزَلَتْ فِيهِ (إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ). (صحيح)
ووهب بن خَنْبش بفتح المعجمة والموحدة, بينهما نونٌ سَاكنة, الطَّائي الكُوفي، كما في سنن ابن ماجه (3105 ) عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ خَنْبَشٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عُمْرَةٌ فِى رَمَضَانَ تَعْدِلُ حِجَّةً ».( صحيح)
فلم يرو عنه غير الشعبي وليس له إلا هذا الحديث(4)
وعامر بن شهر, وعُروة بن مُضرِّس, ومُحمَّد بن صفوان الأنصاري ومُحمَّد بن صيفي الأنصاري, وليس بالذي قبله على الصَّحيح, هؤلاء صَحَابيون لم يرو عنهم غير الشَّعبي.
قال العِرَاقي(5): ما ذكره في عامر قاله مسلم وغيره, وفيه نظر, فإنَّ ابن عبَّاس روى عنه قِصَّة رواها سيف بن عُمر في الرِّدة, قال: حدَّثنا طلحة الأعلم, عن عِكْرمة عن ابن عبَّاس قال: أوَّل من اعترض على الأسود العَنْسي وكابره عامر بن شهر الهمداني, إلى آخر كلامه.
قلت : لم يذكر في تهذيب الكمال غير الشعبي(6)
وما قالهُ في عُروة, قاله أيضًا ابن المَدِيني والحاكم, وليس كذلك, فقد روى عنه أيضًا ابن عمِّه حُميد الطَّائي, ذكره المِزِّي في «التهذيب»(7).
وانفرد قَيْس بن أبي حازم بالرِّواية عن أبيه, وعن دُكين بالكاف مُصغرًا ابن سعيد ويقال: سعد الخثعمي, ويقال: المُزَني و عن الصنابح بن الأعسر, ومرداس بن مالك الأسلمي من الصَّحَابة.
قال العِرَاقي(8): لم يَنْفرد عن الصُّنَابح, بل روى عنه أيضًا الحارث بن وَهْب, ذكره الطَّبراني.
وقال المِزِّي(9): روى عن مِرْداس أيضًا زياد بن عِلاقة.
قُلتُ: لكن قال الحافظ ابن حجر(10): إنَّه وهمٌ, والصَّواب أنَّ الَّذي روى عنه الحارث الصُّنَابحي التَّابعي, وسيأتي.
وقال العِرَاقي(11): والصَّواب خلافهُ, فإنَّما روى زياد عن مِرْداس بن عُروة صَحَابي آخر.
ومِمَّن لم يرو عنه من الصَّحَابة إلاَّ ابنه المُسيب بن حَزْن القُرشي والد سعيد, ومعاوية بن حَيْدة والد حكيم.
قال العِرَاقي(12): بل روى عن مُعاوية أيضًا عُروة بن رُوَيم اللخمي, وحُميد المزني, ذكرهما المِزِّي.(13)
وقُرَّة بن إياس والد معاوية.(14)
وأبو ليلى الأنصاري والد عبد الرَّحمن وإن كان عدي بن ثابت أيضًا روى عنه, فلم يُدْركه كما قاله المِزِّي(15).
وفي التَّابعين: أبو العُشَراء لَمْ يرو عنهُ غير حمَّاد بن سَلَمة, كما في سنن النسائى برقم (4425)عَنْ أَبِى الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِى الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ « لَوْ طَعَنْتَ فِى فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ »( قلت : وفي سنده كلام ).
قال العِرَاقي(16): بل روى عنه يزيد بن أبي زياد, وعبد الله بن محرر, كلاهما روى عنه حديث الزَّكاة, متابعين لحماد بن سلمة.
وتفرد الزُّهْري عن نيف وعِشْرين من التَّابعين لم يرو عنهم غيره, منهم فيما ذكره الحاكم محمَّد بن أبي سُفْيان بن حارثة الثَّقفي, وعَمرو بن أبي سُفْيان بن العلاء الثَّقفي.
وعَمرو بن دِينَار عن جَمَاعة, وكذا يَحْيَى بن سعيد الأنْصَاري, وأبو إسْحَاق السَّبيعي, وهِشَام بن عُرْوة, ومَالك, وغيرهم رَضِي الله عنهم.
وتفرد عَمرو بن دينار عن جَمَاعة, وكذا يَحْيَى بن سعيد الأنصاري, وأبو إسْحَاق السَّبيعي, وهِشَام بن عُروة, ومالك وغيرهم تفرَّد كل منهم بالرِّواية عن جَمَاعة لم يرو عنهم غيره.
قال الحاكم كما في معرفة علوم الحديث (342 )عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ أَبِيهِ , : أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثًا ، فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، فَاعْتَرَضَ عَنْهَا ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا ، فَطَلَّقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا ، وَهُوَ زَوْجُهَا الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : " لَا تَحِلَّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَمْ يُحَدِّثْ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ غَيْرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، تَفَرَّدَ عَنْهُ بِالرِّوَايَةِ ، وَكَذَلِكَ زُهَاءُ عَشْرَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُمْ غَيْرُ مَالِكٍ .
4 - هل أخرج الشيخان في صحيحيهما عن الوُحْدان ؟
أ) ذكر الحاكم في " المَدْخَل " أن الشيخين لم يخرجا من رواية هذا النوع شيئاً.
ب) لكن جمهور المحدثين قالوا: إن في الصحيحين أحاديث كثيرة عن الوُحْدان من الصحابة ، منها.
1 - حديث " المُسَيب " في وفاة أبي طالب ، أخرجه الشيخان .(17)
2 - حديث قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ ، لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً » ولا راوي " لمرداس " غير قيس . والحديث أخرجه البخاري.(18)
5- أشهرُ المصنفات فيه :
كتاب " المنفردات والوُحْدان " للإمام مسلم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 153) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 39) ورسوم التحديث في علوم الحديث - (ج 1 / ص 158)
(2) - النظر التقريب 4568 - عروة بن مضرس بمعجمة ثم راء مشددة مكسورة ثم مهملة الطائي صحابي له حديث واحد في الحج 4
(3) - انظر الإصابة (8002 )
(4) - انظر تهذيب الكمال (6756 )
(5) - في التقييد والإيضاح ص 352
(6) - C?????
(7) - انظر حديثه في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني( 6992) ودلائل النبوة للبيهقي (357) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 20 / ص 36)
(8) - التقييد ص 352
(9) - وفي تهذيب الكمال 5856 - خ مرداس بن مالك الأسلمي له صحبة وكان من أصحاب الشجرة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خ روى عنه زياد بن علاقة وقيس بن أبي حازم خ
(10) - الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 80)
(11) - التقييد ص 352
(12) - التقييد ص 352
(13) - تهذيب الكمال (6051 )
(14) - تهذيب الكمال (4867 )
(15) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 34 / ص 238)7593
(16) - التقييد ص 352
(17) - قد مر قبل قليل
(18) - صحيح البخارى برقم (6434 ) . الحفالة : الردىء(1/451)
معرفةُ من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة(1)
- 10 -
1 - تعريفُه:
هو معرفة من ذُكر بأسماء أو صفات مُختلفة من كُنَى, أو ألْقَاب, أو أنْسَاب, إمَّا من جَمَاعة من الرُّواة عنه, يعرفه كل واحد بغير ما عرفه الآخر, أو من راو واحد عنه, يعرفه مرَّة بهذا, ومرَّة بذاك, فيلتبس على من لا معرفة عنده, بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ.
2 - مثالُه:
فمنْ أمثلةِ ذلكَ : ما فعلهُ الرواةُ عنِ محمَّدِ بنِ السَّائبِ الكَلْبيِّ العلاَّمةِ في الأنسابِ، أحدِ الضعفاء ، فقدْ روى عنهُ: أبو أسامةَ حمادُ بنُ أسامةَ فَسمَّاهُ: حمَّادَ بنَ السائبِ وروى عنهُ: محمدُ بنُ إسحاقَ بنِ يسارٍ فسمَّاهُ مرةً ، وكنَّاهُ مرةً: بأبي النضرِ ، ولم يسمِّهِ. وروى عنهُ : عَطِيَّةُ العَوْفيُّ فكنَّاهُ : بأبي سعيدٍ ، ولمْ يسمِّهِ .
فأما روايةُ أبي أسامةَ عنهُ ، فرواها عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ عنْ حمزةَ بنِ محمدٍ، هوَ الكنانيُّ الحافظُ، بسندهِ إلى أبي أسامةَ، عنْ حَمَّادِ بنِ السائبِ ، قالَ: حدثنا إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ ، عنِ ابنِ عباسٍ مرفوعاً : " ذكاةُ كلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ " . ثمَّ قالَ : " قالَ لنا حمزةُ بنُ محمدٍ : لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديثَ عنْ حمادِ بنِ السائبِ غيرَ أبي أسامةَ، وحمادٌ هذا ثقةٌ كوفيٌّ ، ولهُ حديثٌ آخرُ عنْ أبي إسحاقَ عن أبي الأحوصِ، عنْ عبدِ اللهِ في التشهدِ "، قالَ عبدُ الغنيِّ: ثمَّ قدمَ علينا الدارقطنيُّ ، فسألتهُ عن هذا الحديثِ، وعنْ حمادِ بنِ السائبِ، فقالَ لي: الذي روى عنهُ أبو أسامةَ ، هوَ محمدُ بنُ السائبِ الكلبيُّ إلاَّ أنَّ أبا أسامةَ كانَ يُسمِّهِ حماداً. قالَ عبدُ الغنيِّ : فَتَبَيَّنَ لي أنَّ حمزةَ قدْ وَهِمَ من وجهينِ :
أحدهما : أنْ جعلَ الرجلينِ واحداً .
والآخر : أنْ وثَّقَ مَنْ ليسَ بثقةٍ ؛ لأنَّ الكلبيَّ عندَ العلماءِ غيرُ ثقةٍ ، قالَ عبدُ الغنيِّ : ثمَّ إنِّي نظرتُ في كتابِ " الكنى " لأبي عبدِ الرحمنِ النَّسَوِيِّ ، فوجدتُهُ قدْ وَهِمَ فيهِ وَهَمَاً أقبحَ مِنْ وَهَمِ حمزةَ ، رأيتُهُ قدْ أخرجَ هذا الحديثِ عنْ أحمدَ بنِ عليٍّ ، عنْ أبي مَعْمَر ، عنْ أبي أسامةَ حمادِ بنِ السائبِ ، وإنما هوَ عنْ حمَّادِ ابنِ السائبِ ، فأسقطَ قولَهُ : عنْ ، وخفيَ عليهِ أنَّ الصوابَ عنْ أبي أسامةَ حمَّادِ بنِ أسامةَ ، وأنَّ حمادَ بنَ السائبِ هوَ الكلبيُّ ، قالَ عبدُ الغنيِّ : والدليلُ على صحةِ قولِ الدارقطنيِّ : أنَّ عيسى بنَ يونسَ رواهُ عنِ الكلبيِّ مصرِّحاً بهِ غيرَ مخفيهِ . انتهى
قلت : وهو في المستدرك للحاكم(7153) أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ السَّائِبِ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : ذَكَاةُ كُلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّا نُسَافِرُ مَعَ هَذِهِ الأَعَاجِمِ ، وَمَعَهُمْ قُدُورٌ يَطْبُخُونَ فِيهَا الْمَيْتَةَ ، وَلَحْمَ الْخَنَازِيرِ ، فَقَالَ : مَا كَانَ مِنْ فَخَّارٍ ، فَاغْلُوا فِيهَا الْمَاءَ ثُمَّ اغْسِلُوهَا ، وَمَا كَانَ مِنَ النُّحَاسِ ، فَاغْسِلُوهُ ، فَالْمَاءُ طَهُورٌ لِكُلِّ شَيْءٍ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.!!!!
وأما روايةُ ابنِ إسحاقَ عنهُ ، فقالَ البخاريُّ في " التاريخ الكبير " : " روى محمدُ بنُ إسحاقَ عن أبي النَّضْرِ ، وهوَ الكلبيُّ " ، قالَ الخطيبُ - فيما قرأتُ بخطِّهِ - : وهذا القولُ صحيحٌ . - قالَ -: فأمَّا روايةُ ابنِ إسحاقَ، عنِ الكلبيِّ التي كنَّاهُ فيها، ولمْ يسمِّهِ ثمَّ رواها بإسنادِهِ إلى محمدِ بنِ إسحاقَ، عنْ أبي النَّضْرِ ، عنْ بَاذَانَ عنِ ابنِ عباسٍ ، عنْ تميمٍ الدَّاريِّ في هذهِ الآيةِ: ] يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا شَهَدَةُ بَيْنِكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ [ وقِصَّةِ جَامِ الفِضَّةِ .
قلت هي في سنن الترمذى (3336) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى شُعَيْبٍ الْحَرَّانِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ بَاذَانَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ فِى هَذِهِ الآيَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) قَالَ بَرِئَ مِنْهَا النَّاسُ غَيْرِى وَغَيْرَ عَدِىِّ بْنِ بَدَّاءٍ وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ الإِسْلاَمِ فَأَتَيَا الشَّامَ لِتِجَارَتِهِمَا وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلًى لِبَنِى سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ بُدَيْلُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ بِتِجَارَةٍ وَمَعَهُ جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ وَهُوَ عُظْمُ تِجَارَتِهِ فَمَرِضَ فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ قَالَ تَمِيمٌ فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اقْتَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِىُّ بْنُ بَدَّاءٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا إِلَى أَهْلِهِ دَفَعْنَا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مَعَنَا وَفَقَدُوا الْجَامَ فَسَأَلُونَا عَنْهُ فَقُلْنَا مَا تَرَكَ غَيْرَ هَذَا وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْرَهُ قَالَ تَمِيمٌ فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِى مِثْلَهَا فَأَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُمُ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يُعْظَمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فَحَلَفَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) إِلَى قَوْلِهِ (أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ). فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ فَحَلَفَا فَنُزِعَتِ الْخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَدِىِّ بْنِ بَدَّاءٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ. وَأَبُو النَّضْرِ الَّذِى رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ عِنْدِى مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِىُّ يُكْنَى أَبَا النَّضْرِ وَقَدْ تَرَكَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَهُوَ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِىُّ يُكْنَى أَبَا النَّضْرِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَلاَ نَعْرِفُ لِسَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ الْمَدَنِىِّ رِوَايَةً عَنْ أَبِى صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَقَدْ رُوِىَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَىْءٌ مِنْ هَذَا عَلَى الاِخْتِصَارِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ..
وأما روايةُ عطيةَ العوفيِّ عنهُ ، فروى الخطيبُ - فيما قرأتُ بخطِّهِ - في كتابِ
" الموضح " قالَ : أخبرنا أبو سعيدٍ الصيرفيُّ ، قالَ: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ يعقوبَ الأصمُّ ، قالَ: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ ، قالَ : حدثنا : أبي ، قالَ : بلغني أنَّ عطيةَ كانَ يأتي الكلبيَّ ، فيأخذُ عنهُ التفسيرَ ، قالَ : وكانَ يُكَنِّيْهِ بأبي سعيدٍ ، فيقولُ : قالَ أبو سعيدٍ ، وكانَ هُشَيْمٌ يضعِّفُ حديثَ عطيةَ ، وقالَ عبدُ اللهِ : حَدَّثَنِي أبي ، قالَ : حدثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ ، قالَ: سمعتُ سُفْيَانَ الثوريَّ ، قالَ: سمعتُ الكلبيَّ ، قالَ كنَّاني عطيةُ أبا سعيدٍ(2)، قالَ الخطيبُ: إنما فعلَ ذلكَ ليوهمَ الناسَ أنَّهُ إنما يروي عن أبي سعيدٍ الخدريِّ. انتهى.
قلتُ : وممَّا دُلِّسَ بهِ الكلبيُّ ممَّا لم يذكرهُ ابنُ الصَّلاَحِ تكنيتُهُ بأبي هِشَامٍ ، وقد بَيَّنَهُ الخطيبُ فقالَ - فيما قرأتُ بخطِّهِ - : وهوَ أبو هشامٍ الذي روى عنهُ القاسمُ بنُ الوليدِ الهمدانيُّ ، وكانَ للكلبيِّ ابنٌ يسمَّى هشاماً ، فكنَّاهُ القاسمُ بهِ في روايتهِ عنهُ ثمَّ روى بإسنادِهِ إلى القاسمِ بنِ الوليدِ ، عنْ أبي هشامٍ ، عنْ أبي صالحٍ عنِ ابنِ عباسٍ ، قالَ : لمَّا نزلتْ ] قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً [ فذكرَ الحديثَ . ثمَّ روى وِجَادةً إلى ابنِ أبي حاتمٍ أنَّهُ سألَ أباهُ عن هذا الحديثِ ، فقالَ : أبو هِشَامٍ هوَ الكلبيُّ ، وكانَ كنيتُهُ أبو النضرِ، وكانَ لهُ ابنٌ يقالُ لهُ: هشامُ بنُ الكلبيِّ ، صاحبُ نحوٍ وعربيةٍ ، فكنَّاهُ بهِ . قالَ : وهوَ محمدُ بنُ السائبِ بنِ بِشْرٍ الذي روى عنهُ ابنُ إسحاقَ . وقدْ وَهِمَ البخاريُّ في التفريقِ بينهُ وبينَ الكلبيِّ ؛ لأنَّهُ رجلٌ واحدٌ ، بيَّنَ نسبَهُ محمدُ بنُ سعدٍ، وخليفةُ بنُ خياطٍ .
ومثلهُ سالم الرَّاوي عن أبي هُرَيرة وأبي سعيد الخُدْري وعائشة وسعد بن أبي وقَّاص وعُثمان بن عفَّان رضي الله تعالى عنهم.
وهو سالم أبو عبد الله المدني.
و هو سالم مولى مالك بن أوس بن الحَدَثان النَّصري.
و هو سالم مولى شَدَّاد بن الهَاد النَّصري, الَّذي روى عنهُ أبو سَلَمة بن عبد الرَّحمن ونُعيم المُجْمر.
و هو سالم مولى النَّصريين بالمهملة والنُّون, الذي روى عنه عمران بن بشير.
و هو سالم مولى المَهْري الَّذي روى عنه عبد الله بن يزيد الهُذَلي.
و هو سالم سَبْلان بفتح المهملة والموحدة, الَّذي روى عنه عمران بن بشير.
و هو سالم أبو عبد الله الدَّوسي الَّذي روى عنه يحيى بن أبي كثير.
و هو سالم مولى دوس الَّذي روى عنه يحيى أيضًا.
و هو أبو عبد الله مولى شدَّاد الَّذي روى عنه محمَّد بن عبد الرَّحمن, وأبو الأسود.
وهو عبد الله الَّذي روى عنه بُكَير بن الأشج.
ومثلهُ محمَّد بن أبي قَيْس الشَّامي المَصْلُوب في الزَّنْدقة, وكان يضع الحديث قال ابن الجَوْزي : دُلِّس اسمه على خمسين وجهًا.
وقال عبد الله بن أحمد بن سَوَادة: قلبُوا اسمه على مئة اسم وزيادة, قد جمعتها في كتاب. انتهى.
فقيل فيه: محمَّد بن سعيد, وقيلَ: محمَّد مولى بني هاشم, وقيلَ: محمَّد بن أبي قيس, وقيلَ: مُحمَّد بن الطبري, وقيلَ: مُحمَّد بن حسَّان, وقيلَ: أبو عبد الرَّحمن الشَّامي, وقيلَ: مُحمَّد الأردني, وقيلَ: مُحمَّد بن سعيد بن حسَّان بن قيس, وقيلَ: مُحمَّد بن سعيد الأسدي, وقيلَ: أبو عبد الله الأسدي, وقيلَ: مُحمَّد بن أبي حسَّان, وقيلَ: مُحمَّد بن أبي سهل, وقيلَ: مُحمَّد الشَّامي, وقيلَ: مُحمَّد بن أبي زينب, وقيلَ: مُحمَّد بن أبي زكريا, وقيلَ: مُحمَّد بن أبي الحسن, وقيلَ: مُحمَّد بن أبي سعيد, وقيلَ: أبو قيس الدِّمشقي, وقيلَ: عبد الرَّحمن, وقيلَ: عبد الكريم على معنى التعبد لله, وقيلَ غير ذلك.
وزعم العُقَيلي أنَّه عبد الرَّحمن بن أبي شميلة, ووهَّموه.
واستعمل الخَطِيب كثيرا من هذا في شُيوخه فيروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري, وعن عُبيد الله بن أبي الفتح الفارسي, وعن عُبيد الله بن أحمد بن عُثْمان الصَّيرفي, والكل واحد.
وتبعَ الخَطِيب في ذلك المُحدِّثون خُصوصًا المُتأخِّرين, وآخرهم شيخ الإسلام أبو الفضل بن حَجَر, نعم لم أر العِرَاقي في أماليه يصنع شيئا من ذلك.(3)
3 - من فوائده:
أ) عدم الالتباس في أسماء الشخص الواحد ، وعدم الظن بأنه أشخاص متعددون.
ب) كشف تدليس الشيوخ .
4 -- أشهر المصنفات فيه :
أ) إيضاح الإشكال، للحافظ عبد الغني بن سعيد.
ب) موضح أوهام الجمع والتفريق، للخطيب البغدادي.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 23) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 157) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 39)
(2) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 20 / ص 147)
(3) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 23) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 157) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 39) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 237)(1/452)
معرفةُ المفردات من الأسماء والكنى والألقاب(1)
- 11 -
1 - المرادُ بالمفردات :
أن يكون لشخص من الصحابة أو الرواة عامة أو أحد العلماء اسم أو كنية أو لقب لا يشاركه فيه غيره من الرواة والعلماء، وغالبا ما تكون تلك المفردات أسماء غريبة يصعب النطق بها.
2 -فائدةُ معرفته:
عدم الوقوع في التصحيف والتحريف في تلك الأسماء المفردة الغربية .
3 - أمثلته:
أ) الأسماء:
1 - من الصحابة:" أجمد بن عجيان(2)" بالجيم وضبطه القاضي أبو بكر بن العربي بالحاء المهملة, فوهم ابنُ عُجيان بضم المُهْملة وسُكون الجيم وتحتية كسُفيان وقيلَ: بالضم والفتح والتَّشديد وقيلَ: كَعُليان همداني شهد فتح مصر, قال ابن يُونس: لا أعلم له رواية.
جُبيب بن الحارث بضم الجيم وموحدتين, وغلط ابن شاهين فجعله بالخاء المُعجمة, وغلط بعضهم فجعله بالرَّاء آخره.(3)
وفي معرفة الصحابة (1603 ) عَن عَائِشَةَ ، قَالَتْ : جَاءَ جُبَيْبُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَجُلٌ مِقْرَافٌ لِلذُّنُوبِ ، قَالَ : " فَتُبْ إِلَى اللَّهِ يَا جُبَيْبُ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَتُوبُ ، ثُمَّ أَعُودُ ، قَالَ : " فَكُلَّمَا أَذْنَبْتَ فَتُبْ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذًا تَكْثُرُ ذُنُوبِي . قَالَ : " فَعَفْوُ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ ذُنُوبِكَ ، يَا جُبَيْبُ بْنَ الْحَارِثِ " ( وفيه نوح بن ذكوان واهٍ )
و سَنْدر(4)بفتح المُهملتين, بينهما نُون ساكنة, الخَصي, مولى زنباع الجُذَامي, نزل مصر, ويُكنى أبا الأسْود, وأبا عبد الله باسم ابنه, وظنَّ بعضهم أنهما اثنان.
فاعْتُرض على ابن الصَّلاح في دعوى أنَّه فرد, وليس كذلك كما قال العِرَاقي(5).
عَنِ ابْنِ سَنْدَرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا ، وَتُجِيبُ أَجَابَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . فَقَالَ لَهُ أَبُو الْخَيْرِ : يَا أَبَا الْأَسْوَدِ ، أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ تُجِيبَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ ، وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ .(6)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ مُثِّلَ بِهِ أَوْ حُرِّقَ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ». قَالَ فَأُتِىَ بِرَجُلٍ قَدْ خُصِىَ يُقَالُ لَهُ سَنْدَرٌ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَنَعَ إِلَيْهِ خَيْراً ثُمَّ أَتَى عُمَرُ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ فَصَنَعَ إِلَيْهِ خَيْراً ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مِصْرَ فَكَتَبَ لَهُ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى أَنِ اصْنَعْ بِهِ خَيْراً وَاحْفَظْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ. أخرجه أحمد(7)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سَنْدَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الزِّنْبَاعِ بن سَلامَةَ الْجُذَامِيِّ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ فَأَخْصَاهُ وَجَدَعَهُ، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَهُ فَأَغْلَظَ للزِّنْبَاعِ الْقَوْلَ، وَأَعْتَقَهُ مِنْهُ، قَالَ: أَوْصِ بِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:"أُوصِي بِكُلِّ مُسْلِمٍ". أخرجه الطبراني في الكبير(8)
شَكَل بفتحهما ابن حُميد العَبْسي من رهط حُذيفة, نزل الكُوفة, روى حديثه أصحاب «السنن» .
ففي سنن أبى داود( 1553 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - الْمَعْنَى - عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ بِلاَلٍ الْعَبْسِىِّ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ أَبِيهِ فِى حَدِيثِ أَبِى أَحْمَدَ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ - قَالَ - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى دُعَاءً قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِى وَمِنْ شَرِّ بَصَرِى وَمِنْ شَرِّ لِسَانِى وَمِنْ شَرِّ قَلْبِى وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّى ».( صحيح)(9)
صُدي بالضم والفتح والتشديد, ابن عجلان أبو أُمَامة البَاهلي.
صُنابح بالضم, آخره مُهملة ابن الأعْسَر البَجَلي الأحمسي.
قال العِرَاقي(10): وقد اعتُرض بأنَّ أبا نُعيم ذكر في الصَّحَابة آخر اسمه صُنابح.
والجَوَاب أنَّه بعد أن ذكره قال: هو عندي المُتقدِّم.
وفي المعجم الكبير للطبراني :صُنَابِحُ بن الأَعْسَرِ الْبَجَلِيُّ ثُمَّ الأَحْمَسِيِّ، كَانَ يَنْزِلُ الْكُوفَةَ ، وروى له خمسة أحاديث (7284-7288)
قال ابن عبد البر(11): ليسَ الصُّنابح هو الصُّنابحي الَّذي روى عن أبي بكر, لأنَّ هذا اسم, وذاك نسب, وهذا صحابي, وذاك تابعي, وهذا كوفي, وذاك شامي.
وقال الحافظ ابن حجر: في «الإصابة»(12)قيل في كل منهما: صُنابح وصُنابحي, لكن الصَّواب في ابن الأعْسر: صُنابح, وفي الآخر: صُنابحي, ويظهر الفرق بينهما بالرُّواة عنهما, فحيث جاءت الرِّواية عن قيس بن أبي حازم عنه, فهو ابن الأعسر, وهو الصحابي, وحديثه موصول, وحيث جاءت عن غير قيس عنه, فهو الصُّنَابحي, وهو التَّابعي, وحديثه مُرسل.
قلت: أضبط من هذا: أنَّ الصُّنَابح لم يرو غير حديثين, فيما ذكر ابن المَدِيني, وزاد الطَّبراني ثالثًا من رِوَاية الحارث بن وهب, وغلط فيه بأنَّه الصُّنابحي.
قلت : وفي سنن الترمذى( 2 ) عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِ هَذَا وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَأَبُو صَالِحٍ وَالِدُ سُهَيْلٍ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ اخْتُلِفَ فِى اسْمِهِ فَقَالُوا عَبْدُ شَمْسٍ وَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ الأَصَحُّ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَثَوْبَانَ وَالصُّنَابِحِىِّ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَسَلْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَالصُّنَابِحِىُّ الَّذِى رَوَى عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَيُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَحَلَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُبِضَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِى الطَّرِيقِ وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ. وَالصُّنَابِحُ بْنُ الأَعْسَرِ الأَحْمَسِىُّ صَاحِبُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ الصُّنَابِحِىُّ أَيْضًا وَإِنَّمَا حَدِيثُهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ فَلاَ تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِى ».
و لُبَيُّ بنُ لَبَاً ، صحابيٌّ من بني أسدٍ ، وكلاهما باللامِ والباءِ الموحدةِ، وهوَ وأبوهُ فردانِ ، فالأولُ مُصَغَّرٌ على وزنِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ ، والثاني مُكَبَّرٌ على وزنِ فَتًى وعَصًا.
عَنْ أَبِي بَلْجٍ، قَالَ: رَأَيْتُ لُبَيَّ بن لَبَّا الأَسَدِيَّ، وَكَانَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،"سَبَقَ فَرَسٌ لَهُ فَجَلَّلَهُ بُرْدًا عَدَنِيًّا، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ ثَوْبَ خَزٍّ أَوْ مُطْرَفً".(13)
2 - من غير الصحابة: " أوسط " بن عمرو،(14)" وفي مسند أحمد (45) نْ أَوْسَطَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَنَةٍ فَأَلْفَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الأَوَّلِ فَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ قَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ سَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِثْلَ يَقِينٍ بَعْدَ مُعَافَاةٍ وَلاَ أَشَدَّ مِنْ رِيبَةٍ بَعْدَ كُفْرٍ وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَهُمَا فِى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَهُمَا فِى النَّارِ ». ( صحيح)(15)
ضريب " ابن نقير بن سمير(16). ففي صحيح مسلم ( 4358 ) عَنْ ضُرَيْبِ بْنِ نُقَيْرٍ الْقَيْسِىِّ عَنْ زَهْدَمٍ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ :« مَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ وَاللَّهِ مَا أَحْمِلُكُمْ ». ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثَةِ ذَوْدٍ بُقْعِ الذُّرَى فَقُلْنَا إِنَّا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ : « إِنِّى لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ».(17)
ومثالُ أفرادِ الألقابِ : مِندلُ بنُ عليٍّ العَنَزيُّ ، واسمُهُ عمرٌو ، ومِنْدلٌ لقبٌ لهُ وهوَ بكسرِ الميمِ ، كما نصَّ عليهِ الخطيبُ وغيرُهُ ، قالَ ابنُ الصَّلاَحِ : " ويقولونهُ كثيراً بفَتْحِهَا " . انتهى .(18)
ب ) الكنى :
1 - من الصحابة: " أبو الحمراء " مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واسمه هلال بن الحارث(19).
قلت : له ثلاثة أحاديث ذكرها الطبراني في ترجمته ولا يصح سندها إليه ، فقال : هِلالُ بن الْحَارِثِ أَبُو الْحَمْرَاءِ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ حِمْصَ(20)
الأول برقم(17972 ) عن أبي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ فِي وِعَاءٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ:غَشَشْتُهُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا.( وفيه أبو داود الأعمى نفيع بن الحارث متروك)(21)
والثاني برقم(17973 ) من طريق مَنْصُورَ بن أَبِي الأَسْوَدِ، قال: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَمْرَاءِ، يَقُولُ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي بَابَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَيَقُولُ: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا"[الأحزاب آية 33] .( وفيه داود كذلك )
والثالث برقم(17974 ) عن عَمْرَو بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ خَادِمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِي سَاقِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيَّدْتُهُ بِعَلِيٍّ وَنَصَرْتُهُ" .( وفيه ضعيفان )(22)
2 - من غير الصحابة: " أبو العبيدين " واسمه معاوية بن سبرة(23).
وفي مصنف ابن أبي شيبة(10721) عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : هُوَ مَا تَعَاوَر النَّاسُ بَيْنَهُمْ.( صحيح )
وفيه (10736) عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ ؛ أَنَّ أَبَا العُبَيدِين سَأَلَ عَبْدَ اللهِ عَنِ الْمَاعُونِ ؟ قَالَ : هُوَ الْفَأْسُ وَالْقِدْرُ وَالدَّلْوُ.( صحيح)
وفيه (27131) عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ التَّبْذِيرِ فَقَالَ : إنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ.( صحيح)
وفي الطبراني الكبير (8913 )عَنْ يَحْيَى بن الْجَزَّارِ، أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْعُبَيْدَيْنِ وَكَانَ رَجُلا ضَرِيرًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ يَعْرِفُ لَهُ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَاعُونِ، فَقَالَ:"الْفَأْسُ، وَالدَّلْوُ"، أَوْ قَالَ:"الْفَأْسُ، وَالْقِدْرُ"وَسَأَلَهُ عَنِ التَّبْذِيرِ، فَقَالَ:"إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حِلِّهِ"، وَسَأَلَهُ عَنِ الأَوَّاهِ، قَالَ:"الرَّحِيمُ".( صحيح)
ج) الألقاب:
1 - من الصحابة: " سفينة " مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واسمه مهران. ففي مسند أحمد برقم (22561) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شَيْئاً كَثِيراً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنْتَ سَفِينَةُ ».( حديث حسن)
وفي مسند أحمد( 22559) عَنْ سَفِينَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْخِلاَفَةُ ثَلاَثُونَ عَاماً ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ ». قَالَ سَفِينَةُ أَمْسِكْ خِلاَفَةُ أَبِى بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَخِلاَفَةُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَشْرَ سِنِينَ وَخِلاَفَةُ عُثْمَانَ اثْنَىْ عَشْرَ سَنَةً وَخِلاَفَةُ عَلِىٍّ سِتُّ سِنِينَ. ( صحيح)
2 - من غير الصحابة: " مَنْدَل " واسمه عمرو بن علي الغزي الكوفي(24).
4 - أشهرُ المصنفات فيه :
صنَّفَ فيهِ جماعةٌ ، منهم : الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ هارونَ البَرْدِيجيُّ، صنَّفَ فيهِ كتابَهُ المترجمَ " بالأسماءِ المفردةِ " وهوَ أوَّلُ كتابٍ وُضِعَ في جمعِها مفردةً ، وإلاَّ فهيَ مفرقةٌ في " تاريخ البخاريِّ الكبير " ، وكتابِ " الجرحِ والتعديلِ " لابنِ أبي حاتمٍ في أواخرِ الأبوابِ ، وقدِ استدركَ أبو عبدِ اللهِ بنُ بُكَيْرٍ وغيرهُ على كتابِ البرديجيِّ في مواضعَ ليستْ أفراداً، بلْ هيَ مثانٍ ومثالثٌ فأكثرُ من ذلكَ .
ويوجد في أواخر الكتب المصنفة في تراجم الرواة كثير منه ، ككتاب " تقريب التهذيب " لابن حجر .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 160) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 39) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 147)
(2) - وفي الإصابة في تمييز الصحابة[ ج 1 - ص 31 ] برقم (39 ) أجمد بن عجيان بجيم ومثناة تحتانية بوزن عثمان ضبطه بن الفرات وقيل بوزن عليان حكاه بن الصلاح همداني وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد فتح مصر ذكره بن يونس في تاريخه وقال لا أعلم له رواية وخطته معروفة بجيزة مصر وذكره الدار قطني في المؤتلف أيضا وضبطه القاضي بن العربي بالحاء المهملة فوهم والله أعلم
(3) - انظر تهذيب الكمال (6491 )
(4) - عَنِ ابْنِ سَنْدَرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا ، وَتُجِيبُ أَجَابَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . فَقَالَ لَهُ أَبُو الْخَيْرِ : يَا أَبَا الْأَسْوَدِ ، أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ تُجِيبَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ ، وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ . انظر الإصابة (3519 ) التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 72) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (3744 و 4171 و6091 و6453) ومجمع الزوائد (16560 )
(5) - التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 72)
(6) - انظر الإصابة (3519 ) التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 72) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (3744 و 4171 و6091 و6453) ومجمع الزوائد (16560 )
(7) - مسند أحمد (7295) وهو حديث حسن لغيره
(8) - المعجم الكبير للطبراني(6587 ) وهو حديث حسن
(9) - انظر تخريجه في المسند الجامع - (ج 7 / ص 538)( 5207)
(10) - التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 72)
(11) - الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 223)
(12) - الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 2 / ص 46)
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 105) (15828 ) ومعرفة الصاحبة (5350 ) وهو حديث حسن
(14) - كما في الإصابة في تمييز الصحابة [ ج 1 - ص 219 ] برقم (499 ) أوسط بن عمرو وقيل: بن عامر وقيل: بن إسماعيل البجلي أبو إسماعيل ويقال أبو محمد وأبو عمرو، شامي حمصي له إدراك روي عنه من غير وجه أنه قال: قدمنا المدينة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعام أخرجه ابن ماجة وغيره بإسناد صحيح وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام وله رواية عن أبي بكر وعمر،وروى له ابن ماجة والنسائي في " اليوم والليلة " ،وذكر صاحب " تاريخ حمص " أنه ولي إمرة حمص ليزيد وتوفي سنة تسع وسبعين.
(15) - انظر روايات هذا الحديث في المسند الجامع - (ج 9 / ص 1134) (7125)
(16) - كما في الجرح والتعديل [ ج 4 - ص 470 ] برقم (2066 ) ضريب بن نقير بن سمير أبو السليل القيسي بصرى ويقال ضريب بن نفيل من بنى قيس بن ثعلبة روى عن عبد الله بن رباح ومعاذة روى عنه كهمس وعبيد الله بن العيزار والجريري سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال أبو السليل ثقة
(17) - البقع : بيض الأسنمة الذرى : جمع الذروة وهى أعلى الشىء والمراد السنام الذود : من الإبل ما بين الثنتين إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشر
(18) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 239)
(19) - كما في الإصابة في تمييز الصحابة [ ج 7 - ص 94 ] برقم (9783 أبو الحمراء: مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه هلال بن الحارث ويقال ابن ظفر نقله ابن عيسى في تاريخ حمص تقدم في الأسماء قال البخاري يقال له صحبة ولا يصح حديثه. الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 309) الشاملة 2
(20) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 71)
(21) - وفي التقريب 7181 - نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى مشهور بكنيته كوفي ويقال له نافع متروك وقد كذبه بن معين من الخامسة ت ق
(22) - وفي التقريب 4995 - عمرو بن ثابت وهو بن أبي المقدام الكوفي مولى بكر بن وائل ضعيف رمي بالرفض من الثامنة مات سنة اثنتين وسبعين د فق
وفي التقريب 818 - ثابت بن أبي صفية الثمالي بضم المثلثة أبو حمزة واسم أبيه دينار وقيل سعيد كوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات في خلافة أبي جعفر ت عس ق
(23) - كما في الجرح والتعديل[ ج 8 - ص 378 ] برقم (1731 ) معاوية بن سبرة بن الحصين أبو العبيدين الكوفى السوائي المكفوف روى عن بن مسعود روى عنه يحيى بن الجزار وأبو إسحاق الهمداني ومسلم البطين سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن انا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب الى قال سألت يحيى بن معين عن أبى العبيدين فقال اسمه معاوية بن سبرة وهو ثقة نا عبد الرحمن قال سئل أبى عن أبى العبيدين فقال له حديثان أو ثلاثة وكان من أصحاب بن مسعود ، و انظر تهذيب الكمال للمزي - (ج 28 / ص 173) (6052)
(24) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 545 ] برقم (6883 ) مندل مثلث الميم ساكن الثاني بن علي العنزي بفتح المهملة والنون ثم زاي أبو عبد الله الكوفي يقال اسمه عمرو ومندل لقب ضعيف من السابعة ولد سنة ثلاث ومائة ومات سنة سبع أو ثمان وستين د ق(1/453)
معرفةُ أسماء من اشتهروا بكناهم(1)
- 12 -
1 - المرادُ بهذا البحث:
المراد بهذا البحث أن نفتش عن أسماء من اشتهروا بكناهم حتى نعرف الاسم غير المشهور لكل منهم .
2 - من فوائده :
فربما وردَ ذكرُ الراوي مرَّةً بكنيتِهِ ، ومرةً باسمِهِ فيظنَّهما مَنْ لا معرفةَ لهُ بذلكَ رجلينِ ، وربما ذُكرَ الراوي باسمِهِ وكنيتِهِ معاً فتوهمَهُ بعضُهم رجلينِ ، كالحديثِ الذي رواهُ الحاكمُ في معرفة علوم الحديث (365 ) أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي ، قَالَ : أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ , عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ , عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ هُوَ بِنَفْسِهِ ، أَبُو الْوَلِيدِ ، وَمَنْ تَهَاوَنَ بِمَعْرِفَةِ الْأَسَامِيَ ، أَوْرَثَهُ مِثْلَ هَذَا الْوَهْمِ اهـ
قلت : وفي السنن الكبرى للبيهقي( 3011) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ : بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِىُّ حَدَّثَنَا مَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّهُ صَلَّى وَكَانَ مَنْ خَلْفَهُ يَقْرَأُ ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَاهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِى الصَّلاَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ : أَتَنْهَانِى عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَنَازَعَا حَتَّى ذَكَرَا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ صَلَّى خَلْفَ الإِمَامِ ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ ». هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِى حَنِيفَةَ مَوْصُولاً.
( 3012) وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْهُ مُرْسَلاً دُونَ ذِكْرِ جَابِرٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ : الْحَسَنُ بْنُ حَلِيمٍ الصَّائِغُ الثِّقَةُ بِمَرْوٍ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ كِتَابِ الصَّلاَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ ». {ت} وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِىِّ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو الأَحْوَصِ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ مُوسَى مَوْصُولاً. {ج} وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ.
قلتُ : وربَّما وقعَ عكسُ ذلكَ كما تقدَّم قبلَهُ بنوعٍ في قولِ النسائيِّ : عنْ أبي أسامةَ حمادِ بنِ السائبِ . فوهمَ في ذلكَ ، وإنما هوَ عنْ حمادِ بنِ السائبِ ، وأبو أسامةَ إنَّما اسمُهُ حمادُ بنُ أسامةَ، وحمادُ بنُ السائبِ هوَ محمدُ بنُ السائبِ الكلبيُّ ، واللهُ أعلمُ ..
3 - طريقةُ التصنيف فيه:
وقدْ صنَّفَ في ذلكَ جماعةٌ منهم:عليُّ بنُ المدينيِّ، ومسلمُ بنُ الحجَّاجِ،والنسائيُّ، وأبو بشرٍ الدُّولابيُّ ، وأبو أحمدَ الحاكمُ ، وأبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ .
وكتابُ أبي أحمدَ الحاكمِ أجلُّ ما صُنِّفَ في ذلكَ ، وأكبرهُ ، فإنَّهُ يذكرُ فيهِ مَنْ عُرِفَ اسمُهُ ، ومَنْ لَمْ يعرفِ اسمُهُ ، وكتابُ مسلمٍ والنسائيِّ لمْ يُذكرا فيهما غالباً إلا مَنْ عُرِفَ اسمُهُ غالباً .
والذينَ صنَّفُوا في ذلكَ بوَّبوا الأبوابَ على الكنى ، وبيَّنوا أسماءَ أصحابها ، إلاَّ أنَّ النسائيَّ رتَّبَ حروفَ كتابِهِ على ترتيبٍ غريبٍ ليسَ على ترتيب حروفِ المعجمِ المشهورةِ عندَ المشارقةِ ، ولا على اصطلاحِ المغاربةِ ، ولا على ترتيبِ حروفِ أبجدَ ، ولا على ترتيبِ حروفِ كثيرٍ من أهلِ اللغةِ ، ك" العينِ " و " المحكمِ " ، وهذا ترتيبها: أ ل ب ت ث ي ن س ش ر ز د ذ ك ط ظ ص ض ف ق و ه م ع غ ج ح خ .
4 - أقسامُ أصحاب الكنى وأمثلتها :
القسمُ الأولُ : مَنِ اسمُهُ كنيتُهُ ، وهذا القسمُ ينقسمُ إلى قسمينِ :
أحدُهما : مَنْ لا كنيةَ لهُ، غيرُ الكنيةِ التي هيَ اسمُهُ، ومثالُ ذلكَ أبو بلالٍ الأشعريُّ(2)، وأبو حصينِ بنُ يحيى الرازيُّ ، فقالَ كلٌّ منهما :- اسْمِي وكُنْيَتِي - واحدٌ . وكذا قالَ أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ المقرئُ : ليسَ لي اسمٌ غيرَ أبي بكرٍ . وقدِ اختُلِفَ في اسمِهِ على أحدَ عشرَ قولاً . وصحَّحَ أبو زرعةَ أنَّ اسمَهُ شعبةُ ، وقد ذكرهُ ابنُ الصَّلاَحِ في القسمِ السادسِ وصحَّحَ أنَّ اسمَهُ كنيتُهُ ، كما تقدَّمَ .(3)
والقسمُ الثاني من القسمِ الأولِ : مَنْ لهُ كنيةٌ أخرى زيادةً على اسمِهِ الذي هوَ كنيتُهُ ، ومثالُهُ أبو بكرِ بنُ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حزمٍ الأنصاريُّ ، فقيلَ : اسمُهُ أبو بكرٍ ، وكنيتُهُ أبو محمدٍ .(4)
ونحوهُ : أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ ، أحدُ الفقهاءِ السبعةِ ، اسمهُ أبو بكرٍ وكنيتهُ أبو عبدِ الرحمنِ على ما قالَهُ ابنُ الصَّلاَحِ .
وفي سير أعلام النبلاء(4/416) 165 - أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ المَخْزُوْمِيُّ (ع) ابْنِ هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ الإِمَامُ، أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ.(5)
وذكرَ الخطيبُ: أنَّهُ لا نظيرَ لهذينِ الاسمينِ في ذلكَ ، قالَ ابنُ الصَّلاَحِ(6): " وقدْ قيلَ : إنَّهُ لا كنيةَ لابنِ حَزْمٍ غيرُ الكنيةِ التي هيَ اسمُهُ " انتهى.
والقسمُ الثاني من أصلِ التقسيمِ : مَنْ عُرِفَ بِكنيتِهِ ولَمْ نقفْ لهُ على اسمٍ فلَمْ ندرِ هلْ اسمُهُ كنيتُهُ كالأولِ ، أوْ لَهُ اسمٌ ولَمْ نقفْ عليهِ ؟
مثالهُ : أبو شَيْبَةَ الخُدْرِيُّ مِنَ الصحابةِ ، ماتَ في حصارِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ ، ودُفِنَ هناكَ ، وله حديث واحد لا يصح سنده إليه ، عَنْ يُونُسَ بن الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُسَرِّحٍ، أَوْ مِشْرَسٍ،قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شَيْبَةَ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ.(7)
وكأبي أُنَاسٍ -بالنونِ- ، وأبي مُوَيْهِبَةَ منَ الصحابةِ أيضاً ، وكأبي بكرِ ابنِ نافعٍ مولى ابنِ عمرَ ، وأبي النَّجِيْبِ - بالنونِ - ، وقيلَ : بالمثناةِ من فوقِ المضمومةِ مولى عبدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ أبي سَرْحٍ ، وأبي حَرْبِ بنِ أبي الأسودِ ، وأبي حَرِيْزٍ المَوْقِفيِّ .
والقسمُ الثالثُ: مَنْ لُقِّبَ بكنيةٍ كأبي الشيخِ ابنِ حيَّانَ ، اسمُهُ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ جعفرٍ ، وكنيتُهُ أبو محمدٍ ، وأبو الشيخِ لقبٌ لهُ ، وممَّنْ لُقِّبَ بكنيتِهِ : أبو ترابٍ عليُّ بنُ أبي طالبٍ (رضيَ اللهُ عنهُ)(8)، وأبو الزِّنادِ ، وأبو الرِّجالِ ، وأبو تُمَيْلَةَ ، وأبو الآذانِ ، وأبو حازمٍ العَبْدُوِيُّ .
والقسمُ الرابعُ : مَنْ لهُ كنيتانِ فأكثرُ ، كابنِ جُرَيْجٍ ، كُني بأبي الوليدِ وبأبي خالدٍ ، وهوَ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جُرَيْجٍ ، وكانَ يقالُ : المنصورُ بنُ عبدِ المنعمِ الفُرَاويُّ ذو الكُنى ؛ كانَ لهُ ثلاثُ كنًى : أبو بكرٍ ، وأبو الفتحِ ، وأبو القاسمِ .
والقسمُ الخامسُ : مَنِ اختُلِفَ في كنيتِهِ على قولينِ ، أو أقوالٍ ، وقدْ عُلِمَ اسمُهُ فلمْ يُخْتَلَفُ فيهِ. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ(9): " ولعبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ الإبراهيميِّ الهرويِّ منَ المتأخرينَ فيهِ مختصرٌ ؛ وذلكَ كأسامةَ بنِ زيدٍ الحِبِّ ، أبي زيدٍ أو أبي محمدٍ أو أبي عبدِ اللهِ أو أبي خَارِجةَ ، أقوالٌ . وكأُبيِّ بنِ كعبٍ أبي المنذرِ ، وقيلَ : أبو الطُّفيلِ . وكقبيصةَ بنِ ذؤيبٍ أبي إسحاقَ ، وقيلَ: أبو سعيدٍ . وكالقاسمِ بنِ محمدٍ ، أبي عبدِ الرحمنِ ، وقيلَ : أبو محمدٍ . وكسليمانَ بنِ بلالٍ أبي أيُّوبَ ، وقيلَ : أبو محمدٍ .
قالَ ابنُ الصَّلاَحِ(10): " وفي بعضِ مَنْ ذُكِرَ في هذَا القسمِ مَنْ هوَ في نفسِ الأمرِ ملتحقٌ بالذي قَبْلَهُ ".
والقسمُ السادسُ : عكسُ الذي قبلهُ ، وهوَ مَنِ اختُلِفَ في اسمِهِ وعُرِفتْ كنيتُهُ فلمْ يُختلَفُ فيها : كأبي هريرةَ الدوسيِّ ، اختلفَ في اسمهِ واسمِ أبيهِ على نحوِ عشرينَ قولاً ، قالَهُ ابنُ عبدِ البرِّ . وقالَ النوويُّ : ثلاثينَ قولاً ، وذكرَ ابنُ إسحاقَ : أنَّ اسمَهُ عبدُ الرحمنِ بنُ صخرٍ ، وصحَّحهُ أبو أحمدَ الحاكمُ في " الكنى " ، والرافعيُّ في " التذنيبِ " ، والنوويُّ ، وآخرونَ .
وصحَّحَ الشيخُ شرفُ الدينِ الدمياطيُّ - أعلمُ المتأخرينَ بالأنسابِ -: أنَّ اسمَهُ عميرُ بنُ عامرٍ .
وفي الكاشف (6881 ) أبو هريرة الدوسي عبد الرحمن بن صخر ، وقيل كان عبد شمس فغير وغير ذلك قيل روى عنه ثمانمائة تأخر منهم المقبري وهمام وموسى بن وردان ومحمد بن زياد الجمحي كان حافظا متثبتا ذكيا مفتيا صاحب صيام وقيام قال عكرمة : كان يسبح في اليوم اثني عشر ألف تسبيحة ولي إمرة المدينة مرات توفي 57 وقال جماعة 59 ع
وكأبي بَصْرَةَ الغفاريِّ ، اسمُهُ حُميلُ - بضمِّ الحاءِ المهملةِ - مصغراً على الأصحِّ ، وقيلَ: بالجيمِ مكبراً . وكأبي جُحَيْفَةَ وَهْبٍ، وقيلَ: وهبُ اللهِ ، وكأبي بُردةَ بنِ أبي موسى الأشعريِّ : عامرٍ ، عندَ الجمهورِ ، وقالَ ابنُ مَعينٍ : الحارثُ . وكأبي بكرِ بنِ عياشٍ المقرئ ، وقدْ تقدَّمَ في القسمِ الأولِ .
والقسمُ السابعُ: مَنِ اختُلِفَ في كنيتِهِ واسمِهِ معاً ، ومثالهُ : سفينةُ مولى رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهوَ لقبٌ لهُ ، واسمُهُ : عُميرٌ أو صالحٌ أو مهرانُ ، أقوالٌ ، وكنيتُهُ أبو عبدِ الرحمنِ ، وقيلَ : أبو البَخْتَرِيِّ .
والقسمُ الثامنُ : مَنْ لَمْ يُختلفْ في كنيتِهِ ولا في اسمِهِ بل عُلِمَا معاً ، أي : لَمْ يختلفْ في واحدٍ منهما ؛ وذلكَ كأئمةِ المذاهبِ أبي حنيفةَ النعمانِ ، وآباءِ عبدِ اللهِ سفيانَ الثوريِّ ومالكٍ ، ومحمدِ بنِ إدريسَ الشافعيِّ ، وأحمدَ بنِ محمدِ بنِ حنبلٍ .
والقسمُ التاسعُ : مَنِ اشتهرَ باسمِهِ دونَ كنيتِهِ ، وهذا القسمُ هوَ الذي أفردَهُ ابنُ الصَّلاَحِ بنوعٍ على حدةٍ، كطلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ ، والحسنِ بنِ عليٍّ في آخرينَ . كنيةُ كلِّ واحدٍ منهمْ أبو محمدٍ ، وكالزبيرِ بنِ العوامِ ، والحسينِ بنِ عليٍّ ، وحذيفةَ ، وسلمانَ ، وجابرٍ في آخرينَ ، كُنُّوا بأبي عبدِ اللهِ ، وكعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ، وعبدِ اللهِ بنِ عُمرَ في آخرينَ ، كُنُّوا بأبي عبدِ الرحمنِ ، وفي هذا النوعِ كثرةٌ لا يحتاجُ مثلهُ إلى مثالٍ .
والقسمُ العاشرُ: عكسُ الذي قبلَهُ وهوَ مَنِ اشتهرَ بكنيتِهِ دونَ اسمِهِ ،كأبي الضُّحَى: مُسلمِ بنِ صُبَيْحٍ، وأبوهُ -بضمِّ الصادِ المهملةِ- وأبي إدريسَ الخولانيِّ: عائذِ اللهِ . وأبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ : عمرٍو . وأبي حازمٍ الأعرجِ سلمةَ ، وخلقٍ لا يُحْصَونَ .
5 - أشهرُ المصنفات فيه :
. لقد صنف العلماء في الكنى مصنفات كثيرة ، وممن صنف فيه علي بن المديني ومسلم والنسائي ، وأشهر هذه المصنفات المطبوعة :
ـ كتاب " الكنى والأسماء " للدولابي أبي بشر محمد بن أحمد المتوفى سنة 310هـ.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 39) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 74) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 31) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 467) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 166) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 601) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 412) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 240) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 49)
(2) - كما في الجرح والتعديل[ ج 9 - ص 350 ] برقم (1566 ) أبو بلال الأشعري من ولد أبى موسى الأشعري نا عبد عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول ذلك سألته عن اسمه فقال ليس لي اسم اسمي وكنيتى واحد وقال أنا بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبى بردة بن أبى موسى وكان أعور روى عن شريك وقيس بن الربيع وعيسى بن مسلم وعبد السلام بن حرب وحفص بن غياث وعيسى بن يونس قال أبو محمد روى عنه أبى رحمه الله والناس
(3) - سير أعلام النبلاء (8/495) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 33 / ص 129)7252 وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 4 / ص 11)
(4) - انظر تهذيب الكمال للمزي - (ج 33 / ص 137)7254
(5) - انظر تهذيب التهذيب - (ج 12 / ص 28) (8305 )
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 73)
(7) - الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1952) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(6241) والإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 2 / ص 41) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 175) (18238 ) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 347) وإسناده ضعيف ( يونس ومشرس ضعيف ومجهول )
(8) - كما في صحيح البخارى (3703 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا فُلاَنٌ - لأَمِيرِ الْمَدِينَةِ - يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ . قَالَ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ . فَضَحِكَ قَالَ وَاللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ . فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً ، وَقُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ قَالَ دَخَلَ عَلِىٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » . قَالَتْ فِى الْمَسْجِدِ . فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ ، وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ « اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ » . مَرَّتَيْنِ .
(9) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 74)
(10) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 74)(1/454)
معرفةُ الألقابِ(1)
- 13 -
1 - تعريفُه لغة:
الألقاب جمع لقب، واللقب كل وصف أشعر برفعة أو ضعة ، أو ما دلَّ على مدح أو ذم .
2 - المرادُ بهذا البحث:
هو التفتيش والبحث عن ألقاب المحدثين ورواة الحديث لمعرفتها وضبطها .
3- فائدتُه:
وفائدة معرفة الألقاب أمران وهما :
أ) عدم ظن الألقاب أسامي، واعتبار الشخص الذي يُذْكَر تارة باسمه، وتارة بلقبه شخصين، وهو شخص واحد.
ب) معرفة السبب الذي من أجله لقب هذا الراوي بذاك اللقب، فيعرف عندئذ المراد الحقيقي من اللقب الذي يخالف في كثير من الأحيان معناه الظاهر.
4 - أقسامُه:
الألقاب قسمان وهما :
أ) ما يكرهُهُ الملقَّبُ بهِ ، فلا يجوزُ تعريفُهُ بهِ.
ب) ما لا يكرههُ الملقَّبُ بهِ ، كأبي ترابٍ - لقبُ عليٍّ (رضيَ اللهُ عنهُ) كما في صحيح البخارى (3703 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا فُلاَنٌ - لأَمِيرِ الْمَدِينَةِ - يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ . قَالَ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ . فَضَحِكَ قَالَ وَاللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ . فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً ، وَقُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ قَالَ دَخَلَ عَلِىٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » . قَالَتْ فِى الْمَسْجِدِ . فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ ، وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ « اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ » . مَرَّتَيْنِ . ، وكبُنْدارٍ - لقبُ محمدِ بنِ بشارٍ - فهذا لا إشكالَ في جوازِ تعريفِهِ بهِ ..
5 - أمثلتُه :
أ) " الضال " لقب لمعاوية بن عبد الكريم الضال ، لُقب به لأنه ضل في طريق مكة(2).
ب) " الضعيف " : لقب عبد الله بن محمد الضعيف ، لُقب به لأنه كان ضعيفاً في جسمه لا في حديثه(3). قال عبد الغني ابن سعيد: " رَجُلان جَليلان, لزمهما لقَبَان قَبِيحان: الضَّال والضَّعيف(4)".
ج) " غُنْدَرٌ(5)- فهوَ لقبُ محمدِ بنِ جعفرٍ البصريِّ - وكانَ سببُ تلقيبهِ بذلكَ : أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ قَدِمَ البصرةَ ، فحدَّثَ بحديثٍ عنِ الحسنِ البصريِّ ، فأنكروهُ عليهِ وشغبوا ، قالَ ابنُ عائشةَ : إنما لَقَّبَ غُنْدَراً ابنُ جُرَيْجٍ من ذلكَ اليومِ الذي كانَ يكثرُ الشَّغَبَ عليهِ ، فقالَ : اسكتْ يا غُنْدَرُ(6). وأهلُ الحجازِ يُسَمُّونَ المُشْغِّبَ غُنْدَرَاً .
ثمَّ كانَ بعدهُ جماعةٌ يلقبُ كلٌّ منهم غُنْدَراً ، فمنهمْ مَنِ اسمُهُ محمدُ بنُ جعفرٍ : أبو الحسينِ الرازيُّ ، وأبو بكرٍ البغداديُّ الحافظُ ، وأبو الطيبِ البغداديُّ .
د) " غنجار"(7): لقب عيسى بن موسى التيمي ، لُقب بـ " غنجار " لحمرة وجنتيه .
هـ) " صاعقة ": لقب محمد بن إبراهيم الحافظ روي عنه البخاري، ولقب بذلك لحفظه وشدة مذاكرته.(8)
و) " مُشْكُدَانة " : لقب عبد الله بن عمر الأموي ، ومعناه بالفارسية " حبة المسك أو وعاء المسك "(9).
ز) " مُطَين " : لقب أبي جعفر الحضرمي ، ولُقِّب به لأنه كان وهو صغير يلعب مع الصبيان في الماء ، فيُطينون ظهره ، فقال له أبو نُعَيم : يا مُطَين لم لا تحضر مجلس العلم ؟(10)
س) "جزرةُ" فهو لقبُ أبي عليٍّ صالحِ بنِ محمدٍ البغداديِّ الحافظِ(11).وروى الحاكمُ: أنَّ صالحاً سُئِلَ : لِمَ لُقِّبْتَ بجزرةَ ؟ فقالَ : قَدِمَ عمرُو بنُ زُرارةَ بغدادَ فاجتمعَ عليهِ خلقٌ عظيمٌ فلمَّا كانَ عندَ الفراغِ منَ المجلسِ سُئِلْتُ : منْ أينَ سَمِعْتَ ؟ فقلتُ : من حديثِ الجَزَرَةِ ، فَبَقِيَتْ عليَّ. انتهى ، وذلكَ في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بسرٍ : أنَّهُ كانَ يَرْقِي بِخَرَزَةٍ -بالخاءِ المعجمةِ وتقديمِ الراءِ- فَصَحَّفَها صالحٌ - بالجيمِ وتقديم الزاي -(12).
6 - أشهرُ المصنَّفات فيه :
صنَّف في هذا النوع جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين ، وأحسن هذه الكتب وأخصرها كتاب " نزهة الألباب " للحافظ ابن حجر . وقد نُشِر بتحقيق عبد العزيز بن محمد السديري، الرياض، مكتبة الرشد، ط. الأولى، 1409هـ-1989م.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 31) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 49) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 747)
(2) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 538 ] برقم (6765 ) معاوية بن عبد الكريم الثقفي أبو عبد الرحمن البصري المعروف بالضال صدوق من صغار السادسة مات سنة ثمانين وقد قارب المائة خت وميزان الاعتدال - (ج 4 / ص 136) (8628 )
(3) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 322 ] برقم (3598 ) عبد الله بن محمد بن يحيى الطرسوسي أبو محمد المعروف بالضعيف لأنه كان كثير العبادة وقيل نحيفا وقيل لشدة إتقانه ثقة من العاشرة د س
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 177)
(5) - كما في الكاشف[ ج 2 - ص 162 ] برقم (4771 ) محمد بن جعفر الهذلي مولاهم البصري الحافظ غندر أبو عبد الله عن حسين المعلم وشعبة وهو زوج أمه وعنه أحمد والفلاس وبندار قال بن معين أراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر وكان من أصح الناس كتابا بقي يصوم يوما ويوما خمسين عاما مات 193 في ذي القعدة رحمه الله ع
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 75) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 472) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 177)
(7) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 441 ]برقم (5331 ) عيسى بن موسى البخاري أبو أحمد الأزرق لقبه غنجار بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم صدوق ربما أخطأ وربما دلس مكثر من التحديث عن المتروكين من الثامنة مات سنة سبع وثمانين خت ق
(8) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 493 ] برقم (6091 ) محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير البغدادي البزاز أبو يحيى المعروف بصاعقة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة خمس وخمسين وله سبعون سنة خ د ت س
(9) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 315 ] برقم (3493 ) عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير الأموي مولاهم ويقال له الجعفي نسبة إلى خاله حسين بن علي أبو عبد الرحمن الكوفي مشكدانة بضم الميم والكاف بينهما معجمة ساكنة وبعد الألف نون وهو وعاء المسك بالفارسية صدوق فيه تشيع من العاشرة مات سنة تسع وثلاثين م د س
(10) - وفي سير أعلام النبلاء [ مشكول + موافق للمطبوع ] - (ج 27 / ص 40) برقم (15 ) مُطَيَّنٌ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ الشَّيْخُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ الحَضْرَمِيُّ، المُلَقَّبُ:بِمُطَيَّنٍ.
رَأَى أَبَا نُعَيْمٍ المُلاَئِيّ.وَسَمِعَ:أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنَ بِشْرٍ الحريرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيّ، وَبنِي أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيَّ بنَ حَكِيْمٍ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَابْنُ عُقْدَةَ، وَالطَّبَرَانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَكَّائِيّ، وَعَلِيُّ بنُ حَسَّان الجَدِيلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَارِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَارِمٍ:كَتَبْتُ بِأُصْبُعِي عَنْ مُطَيَّنٍ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.(14/42)
وَسُئِلَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ:ثِقَةٌ جَبَلٌ.
قُلْتُ:صَنّفَ(المُسْنَد)وَ(التَّارِيْخ)وَكَانَ مُتْقِناً.
(11) - انظر تذكرة الحفاظ (664 )
(12) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 76) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 472) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 181) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 242)(1/455)
مَعْرفةُ المَنْسُوبين إلى غَيْرِ آبَائهم(1)
- 14 -
1 - المرادُ بهذا البحث:
معرفة من اشتهر نسبه إلى غير أبيه، من قريب، كالأم والجد، أو غريب، كالمربي ونحوه، ثم معرفة اسم أبيه.
2 - فائدتُه:
دفع توهم التعدد عند نسبتهم إلى آبائهم .
3 - أقسامُه وأمثلتها:
المنسوبونَ إلى غيرِ آبائهمْ على أقسامٍ :
القسمُ الأولُ : مَنْ نُسِبَ إلى أمِّهِ كبني عفراءَ ، وهُمْ: مُعاذٌ ، ومُعَوِّذٌ ، وعَوْذٌ ، وقيلَ : عَوْفٌ - بالفاءِ -، وعفراءُ أُمهمْ ، وهيَ عفراءُ بنتُ عبيدِ بنِ ثعلبةَ منْ بني النجَّارِ(2)، واسمُ أبيهم : الحارثُ بنُ رفاعةَ بنِ الحارثِ منْ بني النجَّارِ أيضاً ، وشهدَ بنو عفراءَ بدراً ، فقُتِلَ منهمْ اثنانِ بها: عوفٌ ومعوذٌ ، وبقِيَ معاذٌ إلى زمنِ عثمانَ ،
وقيلَ : إلى زمنِ عليٍّ ، فتوفيَ بصفينَ ، وقيلَ : إنَّهُ جُرِحَ أيضاً ببدرٍ ، ورجعَ إلى المدينةِ فماتَ بها .(3)
ومِنْ أمثلةِ ذلكَ منَ الصحابةِ : بلالُ بنُ حَمَامةَ ، المؤذن، حمامة أمه، وأبوه رباح.
سهيل وأخواه سهل وصفوان بنو بيضاء، هي أمهم، واسمها دعد، واسم أبيهم وهب.
شرحبيل بن حسنة، هي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي.
عبد الله بن بحينة، هي أمه، وأبوه مالك بن القشب الأزدي الأسدي.
سعد بن حبتة الأنصاري،(4)هي أمه، وأبوه بحير بن معاوية، جد أبي يوسف القاضي.
هؤلاء صحابة رضي الله عنهم.
ومن غيرهم: محمد بن الحنفية، هي أمه، واسمها خولة، وأبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
إسماعيل بن علية، هي أمه، وأبوه إبراهيم أبو أسحق.
إبراهيم بن هراسة، قال عبد الغني بن سعيد: هي أمه، وأبوه سلمة، و الله أعلم.
وَقدْ صَنَّفَ فيمَنْ عُرِفَ بأُمِّهِ : الحافظُ علاءُ الدينِ مُغُلْطَاي تصنيفاً حسناً.
والقسمُ الثاني : مَنْ نُسِبَ إلى جدَّةٍ دُنْيَا كانتْ أوْ عُلْيَا ، كيعلى بنِ مُنْيَةَ الصحابيِّ المشهورِ ، اسمُ أبيهِ أميةُ بنُ أبي عبيدةَ ، ومُنْيةُ أمُّ أبيهِ في قولِ الزُّبَيرِ بنِ بَكَّارٍ ، وكذا قالَ ابنُ ماكولا: إنَّها جدتُهُ أمُّ أبيهِ الأدنى، وقالَ الطبريُّ : إنَّها أمُّ يعلى نفسهِ، ورجَّحهُ المزيُّ ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ(5): " لَمْ يُصِبِ الزبيرُ " .
وأما قولُ ابنِ وضَّاحٍ : أنَّ منيةَ أبوهُ ، فوهمٌ ، حكاهُ صاحبُ " المشارقِ " ، والمعروفُ الصوابُ : أنَّ مُنْيَةَ اسمُ امرأةٍ ، واختلِفَ في نسبِها ، فقيلَ : مُنْيَةُ بنتُ الحارثُ بنِ جابرٍ ، قالَهُ ابنُ ماكولا ، وقيلَ : مُنْيَةُ بنتُ جابرٍ عمَّةُ عتبةَ بنِ غزوانَ ، قالَهُ الطبريُّ . وقيلَ : منيةُ بنتُ غزوانَ أختُ عتبةَ بنِ غزوانَ ، حكاهُ الدارقطنيُّ عنْ أصحابِ الحديثِ وأصحابِ التاريخِ ، ورجَّحهُ المزيُّ .
ومثالُ مَنْ نُسِبَ إلى جدتِهِ العليا: بشيرُ بنُ الخَصَاصِيَةِ ، الصحابيُّ المشهورُ ، واسمُ أبيهِ معبدٌ ، وقيلَ : نذيرٌ ، وقيلَ : زيدٌ ، وقيلَ : شراحيلُ . والخَصَاصِيَةُ أُمُّ الثالثِ منْ أجدادِهِ ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ ، ويقالُ: هيَ أُمُّهُ، حكاهُ ابنُ الجوزيِّ في "التلقيحِ"، وقالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ : الخَصَاصِيَةُ اسمُها:كبشةُ ، وقيلَ: ماويةُ بنتُ عمرِو بنِ الحارثِ الغطريفِ.
ومِنْ ذلكَ في المتأخرينَ أبو أحمدَ عبدُ الوهابِ بنُ سُكَيْنةَ ، فسَكُيْنةُ أُمُّ أبيهِ ، واسمُ أبيهِ عليُّ بنُ عليٍّ .
ومِنْ ذلكَ فيما قيلَ : الشيخُ مجدُ الدينِ بنُ تَيْمِيَّةَ صاحبُ " المنتقى " ، وبقيةُ أهلِ بيتِهِ ، فقيلَ : إنَّ جدَّتَهُ مِنْ وادي التَّيْمِ .
والقسمُ الثالثُ : مَنْ نُسِبَ إلى جدِّهِ ، كما في صحيح البخارى(2864 ) عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ . قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفِرَّ ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً ، وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا ، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ وَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَفِرَّ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا ، وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :
« أَنَا النَّبِىُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ »
وكذلكَ قولُ الأعرابيِّ كما في سنن أبى داود (487) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى ال له عليه وسلم- فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ فَقَالَ أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ». قَالَ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ.( صحيح).
ومثالُهُ في الصحابةِ : أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ ، وهوَ عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ . وَحَمَلُ بنُ النابغةِ، هوَ ابنُ مالكِ بنِ النابغةِ. وَمُجَمَّعُ بنُ جَارِيةَ، هوَ ابنُ يَزيدَ بنِ جاريةَ ، وقيلَ: هما اثنانِ . وأحمدُ بنُ جَزْءٍ ، هوَ ابنُ سواءٍ بنِ جَزْءٍ.
وفي الأئمةِ : ابنُ جُرَيْجٍ ، هوَ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جريجٍ . ومثلُهُ ابنُ الماجِشُونَ ، وابنُ أبي ذِئْبٍ، وابنُ أبي ليلى، وابنُ أبي مُليكةَ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ وأبو بكرِ ابنُ أبي شيبةَ ، وأخواهُ عثمانُ والقاسمُ، وابنُ يونسَ صاحبُ "تاريخِ مصرَ" ، وابنُ مسكينٍ من بيوتِ المصريينَ ، اشتهروا ببني مسكينٍ منْ زمنِ النسائيِّ إلى زماننا هذا ، وجدُّهُمْ الحارثُ بنُ مسكينٍ أحدُ شيوخِ النسائيِّ .
والقسمُ الرابعُ : مَنْ نُسِبَ إلى رجلٍ لكونِهِ تَبَنَّاهُ ، كالمِقْدَادِ بنِ الأسودِ ، فليسَ هوَ بابنِ الأسودِ ، وإنما كانَ في حِجْرِ الأسودِ بنِ عبدِ يَغُوثَ ، وتَبَنَّاهُ فنُسِبَ إليهِ ، واسمُ أبيهِ : عَمْرُو بنُ ثَعْلبةَ الكِنْدِيُّ . وكالحسنِ بنِ دينارٍ - أحدِ الضعفاءِ -(6)فدينارُ زوجُ أمِّهِ ، واسمُ أبيهِ : واصلٌ ، قالَهُ : يحيى بنُ معينٍ ، والفلاَّسُ ، والجوزجانيُّ ، وابنُ حبانَ ، وغيرُهم ، قالَ ابنُ الصلاحِ(7): " وكأنَّ هذا خَفِيَ على ابنِ أبي حاتمٍ ، حيثُ قالَ فيهِ : الحسنُ بنُ دينارِ بنِ واصلٍ ، فجعلَ واصلاً جدَّهُ " . قلتُ : وقدْ جعلَ بعضُهُمْ ديناراً جدَّهُ ، رواهُ أبو العربِ في كتابِ " الضعفاء " ، عنْ يحيى بنِ محمدِ بنِ يحيى بنِ سلاَّمٍ ، عنْ أبيهِ ، عنْ الحسنِ جدِّهِ ، قالَ : الحسنُ بنُ واصلِ بنِ دينارٍ ، ودينارٌ جَدُّهُ .
4 - أشهرُ المصنفات فيه :
لا أعرف مصنفاً خاصاً في هذا الباب ، لكنَّ كتب التراجم عامة ، تذكر نسب كل راو ، لاسيما كتب التراجم الموسعة .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 82) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 33) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 29) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 217) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 40) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 695) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 426) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 172) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 268)
(2) - انظر الإصابة (11481 )
(3) - انظر الإصابة (8045 )
(4) - انظر الإصابة (3140 )
(5) - التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 41)
(6) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 11)(1/456)
معرفةُ النَّسب التي على خلافِ ظاهرِها(1)
- 15 -
1 - تمهيدٌ:
هناك عدد من الرواة نسبوا إلى مكان أو غزوة أو قبيلة أو صنعة ، ولكن الظاهر المتبادر إلى الذهن من تلك النسب ليس مراداً ، والواقع أنهم نسبوا إلى تلك النسب لعارض عرض لهم من نزولهم ذلك المكان أو مجالستهم أهل تلك الصنعة ونحو ذلك.
2 - فائدةُ هذا البحث:
وفائدة هذا البحث هو معرفة أن هذه النسب ليست حقيقية، وإنما نسب إليها صاحبها لعارض، ومعرفة العارض أو السبب الذي من أجله نسب إلى تلك النسبة.
3 - أمثلةٌ:
أ) - أبو مسعودٍ البَدْرِيُّ ، واسمُهُ : عقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ الخزرجيُّ ، صاحبُ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، فإنَّهُ لَمْ يشهدْ بدراً في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ ، وهوَ قولُ ابنِ شهابٍ ، ومحمدِ بنِ إسحاقَ ، والواقديِّ ، ويحيى بنِ معينٍ ، وإبراهيمَ الحربيِّ ، وبهِ جزمَ السمعانيُّ ، وأمَّا البخاريُّ ، فعدَّهُ في الصحيحِ ( 4007 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِى إِمَارَتِهِ أَخَّرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْعَصْرَ وَهْوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ ، فَدَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِىُّ جَدُّ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أُمِرْتَ . كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِى مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
وقالَ شعبةُ عنِ الحكمِ: كانَ أبو مسعودٍ بدرياً. وقالَ محمدُ بنُ سعدٍ : شَهِدَ أُحُدَاً وما بعدَهَا ، ولَمْ يشهدْ بدراً ، قالَ : وليسَ بينَ أصحابنا في ذلكَ اختلافٌ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: " لا يصحُّ شهودُهُ بدراً ". انتهى . وذكرَ إبراهيمُ الحربيُّ أنَّهُ إنما نُسِبَ لذلكَ ؛ لأنَّهُ كانَ ساكناً ببدرٍ ، وقدْ شَهِدَ العقبةَ معَ السبعينَ ، وكانَ أصغرَ مَنْ شهِدَهَا .(2)
ب)- سُلَيْمانُ بنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ أبو المُعْتَمرِ ، قالَ البخاريُّ في التاريخِ: يُعرفُ بالتيميِّ؛ كانَ ينزلُ بني تَيْمٍ، وهوَ مولى بني مُرَّةَ ، وروى السمعانيُّ أنَّ ابنَهُ - المعتمرَ - قالَ لهُ : يا أبتِ تكتبُ التيميَّ ولستَ بتيميٍّ ؟ قالَ : تَيِّمُ الدارِ ، وروى الأصمعيُّ، عنْ ابنِهِ المعتمرِ، قالَ: قالَ أبي: إذا كتبتَ فلا تكتبِ التيميَّ، ولا تكتبِ المريَّ، فإنَّ أبي كانَ مكاتباً لبُحيرِ بنِ حُمرانَ، وإنَّ أمِّي كانتْ مولاةً لبني سُليمٍ، فإنْ كانَ أدى الكتابةَ فالولاءُ لبني مرةَ ، وهوَ مرةُ بنُ عبادِ بنِ ضبيعةَ بنِ قيسٍ، فاكتبْ القيسيَّ وإنْ لَمْ يكنْ أدى الكتابةَ ، فالولاءُ لبني سليمٍ ، وهمْ من قيسِ عَيلانَ ، فاكتبِ القيسيَّ .(3)
ج)- أبو عمرٍو الأوزاعيُّ، وفَيْرُوزُ الحِمْيَرِيُّ، وإبراهيمُ بنُ يزيدَ الخوزيُّ،وأبو خالدٍ الدَّالاَنيُّ، وعبدُ الملكِ بنُ سليمانَ العَرْزَميُّ، ومحمدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ -بالقافِ وفتحِ الواوِ - وأبو سعيدٍ المُقْبُرِيُّ ، وإسماعيلُ بنُ محمدٍ المكيُّ ، نزلَ كلٌّ منهمْ فيما نُسبَ إليهِ .
ومِنْ ذلكَ أحمدُ بنُ يوسفَ السُّلَمِيُّ -شيخُ مسلمٍ- كانتْ أمُّهُ منهمْ ، وحفيدهُ أبو عمرِو بنُ نُجَيْدٍ ، وأبو عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ سِبْطُ ابنِ نُجَيْدٍ المذكورِ .
د) - وقريبٌ منْ ذلكَ : خالدٌ الحَذَّاءُ ، وهوَ خالدُ بنُ مِهْرانَ . واختلِفَ في سببِ انتسابِهِ لذلكَ فقالَ يزيدُ بنُ هارونَ فيما حكاهُ البخاريُّ في" التاريخ " : ما حذا نعلاً قطُّ ، إنما كانَ يجلسُ إلى حَذَّاءٍ فنسبَ إليهِ ، وكذا قالَ محمدُ بنُ سعدٍ: " لَمْ يكنْ بحذَّاءٍ ، ولكنْ كانَ يجلسُ إليهمْ " ، قالَ : وقالَ فهدُ بنُ حيَّانَ : لَمْ يَحذُ خالدٌ قطُّ ، وإنما كانَ يقولُ : احذُ على هذا النحوِ ؛ فلقِّبَ : الحذَّاءَ .(4)
هـ ) يزيد الفقير، لم يكن فقيراً، وإنما أصيب في فقار ظهره.(5)
ز) - وقريبٌ منهُ أيضاً: مِقْسَمٌ مولى ابنِ عَبَّاسٍ ، هوَ مولى عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ، قالَهُ البخاريُّ وغيرُهُ ، وقيلَ لهُ : مولى ابن عباسٍ ؛ للزومِهِ لهُ .(6)
4 - أشهرُ المصنَّفات في الأنساب :
كتاب " الأنساب " للسمعاني ، وقد لخصه ابن الأثير في كتاب سماه " اللباب في تهذيب الأنساب " ولخص الملخص هذا السيوطي في كتاب سماه " لُبُّ اللباب ".
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 83) و فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 33) ألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 59) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 78) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 269)
(2) - ففي الإصابة في تمييز الصحابة [ ج 4 - ص 524 ] برقم (5610 ) عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري أبو مسعود البدري مشهور بكنيته اتفقوا على أنه شهد العقبة واختلفوا في شهوده بدرا فقال الأكثر نزلها فنسب إليها وجزم البخاري بأنه شهدها..
(3) - سير أعلام النبلاء (6/199) و تهذيب الكمال للمزي - (ج 12 / ص 12)
(4) - كما في تقريب التهذيب [ ج 1 - ص 191 ] برقم (1680 ) خالد بن مهران أبو المنازل بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاي البصري الحذاء بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة قيل له ذلك لأنه كان يجلس عندهم وقيل لأنه كان يقول أحذ على هذا النحو وهو ثقة يرسل من الخامسة أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان ع
وانظر سنن الترمذى (228) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 702) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 269) وتاريخ البخاري مدقق - (ج 2 / ص 3) [ 592 ]
(5) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 602 ] برقم (7733 ) يزيد بن صهيب الكوفي أبو عثمان المعروف بالفقير بفتح الفاء بعدها قاف قيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره ثقة من الرابعة خ م د س ق
(6) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 8 / ص 414) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 269)(1/457)
معرفةُ تواريخَ الرواةِ(1)
- 16 -
1 - تعريفُه:
أ) لغة : تواريخ جمع تاريخ وهو مصدر " أَرَّخَ " وسهلت الهمزة فيه .
ب) اصطلاحاً: هو التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من المواليد والوفيات والوقائع وغيرها.
2 - المرادُ به هنا:
معرفةُ تاريخ مواليد الرواة وسماعهم من الشيوخ ، وقدومهم لبعض البلاد . ووفياتهم.
3 - أهميتُه وفائدته:
الحكمةُ في وضعِ أهلِ الحديثِ التاريخَ لوفاةِ الرواةِ ومواليدهِمْ وتواريخِ السماعِ وتاريخِ قدومِ فلانٍ - مثلاً - البلدَ الفلانيَّ ؛ ليختبروا بذلكَ مَنْ لَمْ يعلموا صحةَ دعواه ، كما روينا عنْ سُفيانَ الثوريِّ ، قالَ : لَمَّا استعملَ الرواةُ الكَذِبَ ، استعملنا لهمُ التاريخَ أو كما قالَ . وروينا في " تاريخِ بغدادَ " للخطيبِ ، عنْ حسانِ بنِ يزيدَ ، قالَ : لَمْ نستعنْ على الكذابِيْنَ بمثلِ التاريخِ نقولُ للشيخِ : سنةَ كمْ وُلِدتَ ؟ فإذا أقرَّ بمولِدِهِ عرفنا صِدقَهُ من كذبِهِ . وقالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ القاضي : إذا اتَّهمتُمُ الشَّيخَ فحاسِبُوهُ بالسِّنَّيْنِ - بفتحِ النونِ المشددةِ تثنيةُ سِنٍّ وهوَ العُمُرُ - يريدُ : احْسِبُوا سِنَّهُ وسِنَّ مَنْ كَتَبَ عنهُ، وسألَ إسماعيلُ بنُ عياشٍ رجلاً اختباراً: أيَّ سنةٍ كتبتَ عنْ خالدِ بنِ مَعْدَانَ ؟ فقالَ : سنةَ ثلاثَ عشرةَ - يعني : ومائة - فقالَ : أنتَ تزْعُمُ أَنَّكَ سَمِعْتَ منهُ بعدَ موتِهِ بسبعِ سنينَ، قالَ إسماعيلُ: ماتَ خالدٌ سنةَ ستٍّ ومائةٍ . وقدْ روى يحيى بنُ صالحٍ عنْ إسماعيلَ أنَّهُ توفيَ سنةَ خمسٍ. وقدْ وقعَ لِعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ نظيرُ هذا معَ مَنْ ادَّعى أنَّهُ سمعَ من خالدٍ ؛ ولكنَّ عُفَيْراً قالَ : إنَّهُ توفيَ سنةَ أربعٍ ومائةٍ . وهوَ قولُ دُحَيمٍ ، ومعاويةَ بنِ صالحٍ ، وسليمانَ الخبائريِّ ، ويزيدَ بنِ عبدِ ربهِ، وقالَ: إنَّهُ قرأهُ في ديوانِ العطاءِ كذلكَ ، ورجَّحهُ ابنُ حبانَ ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في " العبر " . وأما ابنُ سعدٍ فحكى الإجماعَ على أنَّهُ توفيَ سنةَ ثلاثٍ ومائةٍ ، وهوَ قولُ الهيثمِ بنِ عديٍّ ، والمدائنيِّ ، ويحيى بنِ معينٍ ، والفلاسِ ، ويعقوبَ بنِ شيبةَ في آخرينَ . وأما أبو عبيدٍ ، وخليفةُ بنُ خَيَّاطٍ ، فقالاَ : إنَّهُ بقيَ إلى سنةِ ثمانٍ ومائةٍ ، ورجَّحهُ ابنُ قانعٍ ، فاللهُ أعلمُ .
4- أمثلةٌ من عيون التاريخ :
ا) - وقدْ اخْتُلِفَ في مقدارِ سِنِّ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وصاحِبَيْهِ - أبي بَكْرٍ وعُمَرَ - وابنِ عمِّهِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه .
فالصحيحُ في سِنِّهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) أنَّهُ : ثلاثٌ وستونَ سنةً ، وهوَ قولُ عائشةَ ، ومعاويةَ ، وجريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ ، وابنِ عبَّاسٍ ، وأنسٍ - في المشهورِ عنهما - وإنْ كانَ قدْ صحَّ عنْ أنسٍ أنَّهُ توفِّيَ على رأسِ ستينَ أيضاً ، فالعربُ قدْ تتركُ الكسورَ ، وتقتصرُ على رؤوسِ الأعدادِ ، وبهِ قالَ منَ التابعينَ ومَنْ بعدهم : ابنُ المسيِّبِ ، والقاسمُ ، والشعبيُّ ، وأبو إسحاقَ السبيعيُّ ، وأبو جعفرٍ محمدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِ ، ومحمدُ بنُ إسحاقَ ، وصحَّحهُ ابنُ عبدِ البرِّ ، والجمهورُ . وقيلَ : ستونَ سنةً ، ثبتَ ذلكَ عنْ أنسٍ ، ورويَ عنْ فاطمةَ بنتِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وهوَ قولُ عُرْوةَ بنِ الزبيرِ ، ومالكٍ ، وقيلَ : خمسٌ وستونَ ، رويَ ذلكَ عنِ ابنِ عباسٍ ، وأنسٍ أيضاً ودَغْفَلِ بنِ حَنْظَلَةَ ، وقيلَ: اثنانِ وستونَ ، رواهُ ابنُ أبي خيثمةَ ، عنْ قتادةَ .
وأمَّا أبو بكرٍ ، فالأصحُّ فيهِ أيضاً أنَّهُ عاشَ ثلاثاً وستينَ ، صحَّ ذلكَ عنْ معاويةَ ، وأنسٍ ، وهوَ قولُ الأكثرينَ ، وبهِ جزمَ ابنُ قانعٍ ، والمزيُّ ، والذهبيُّ ، وقيلَ : عاشَ خمساً وستينَ ، حكاهُ ابنُ الجوزيِّ ، وقالَ ابنُ حبانَ في كتابِ " الخلفاءِ ": كانَ لهُ يومَ ماتَ : اثنانِ وستونَ سنةً وثلاثةُ أشهرٍ ، واثنانِ وعشرونَ يوماً .
وأمَّا عمرُ ، فالأصحُّ فيهِ أيضاً أنَّهُ عاشَ ثلاثاً وستينَ ، صحَّ ذلكَ أيضاً عنْ معاويةَ ، وأنسٍ ، وبهِ جزمَ ابنُ إسحاقَ ، وهوَ قولُ الجمهورِ ، ويدلُّ عليهِ قولهمْ : وُلِدَ بعدَ الفيلِ بثلاثَ عشرةَ سنةً ، وفي مبلغِ سِنِّهِ ثمانيةُ أقوالٍ أخرَ :
قيلَ : ستٌّ وستونَ ، وهوَ قولُ ابنِ عبَّاسٍ . وقيلَ : خمسٌ وستونَ ، وهوَ قولُ ابنِهِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ ، والزهريِّ ، فيما حكاهُ ابنُ الجوزيِّ عنهما . وقيلَ : إحدى وستونَ ، وهوَ قولُ قتادةَ . وقيلَ : ستونَ ، وبهِ جزمَ ابنُ قانعٍ في " الوفياتِ ". وقيلَ تسعٌ وخمسونَ . وقيلَ : سبعٌ وخمسونَ . وقيلَ : ستٌّ وخمسونَ وهذهِ الأقوالُ الثلاثةُ رُويتْ عنْ نافعٍ مولى ابنِ عمرَ. وقيلَ: خمسٌ وخمسونَ ، رواهُ البخاريُّ في " التاريخِ " عنِ ابنِ عمرَ ، وبهِ جزمَ ابنُ حبَّانَ في كتاب " الخلفاء " .
وأمَّا عليٌّ ، فقالَ أبو نُعَيمٍ الفَضَلُ بنُ دُكَيْنٍ ، وغيرُ واحدٍ : إنَّهُ قُتِلَ وهوَ ابنُ ثلاثٍ وستينَ سنةً ، وكذلكَ قالَ عبدُ اللهِ بنِ عمرَ ، وصحَّحَهُ ابنُ عبدِ البرِّ ، وهوَ أحدُ الأقوالِ المرويةِ عنْ أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ وبهِ صدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ . وقيلَ : أربعٌ وستونَ . وقيلَ : خمسٌ وستونَ . ورويَ هذانِ القولانِ عنْ أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليٍّ أيضاً ، واقتصرَ ابنُ الصلاحِ مِنَ الخلافِ على هذهِ الأقوالِ الثلاثةِ . وقيلَ : اثنانِ وستونَ ، وبهِ جزمَ ابنُ حبانَ في كتابِ " الخلفاءِ " . وقيلَ : ثمانٍ وخمسونَ ، وهوَ المذكورُ في " تاريخِ البخاريِّ " ، عنْ محمدِ بنِ عليٍّ . وقيلَ : سبعٌ وخمسونَ ، وبهِ صدَّرَ ابنُ قانعٍ كلامَهُ ، وقدَّمَه ابنُ الجوزيِّ والمزيُّ عندَ حكايةِ الخِلافِ .
فتُوفِّيَ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في شهرِ ربيعٍ الأولِ سنةَ إحدى عشرةَ ، ولا خلافَ بينَ أهلِ السِّيَرِ في الشهرِ، وكذلكَ لا خلافَ في أنَّ ذلكَ كانَ يومَ الاثنينِ ، وممَّنْ صرَّحَ بهِ منَ الصحابةِ : عائشةُ ، وابنُ عباسٍ ، وأنسٌ ، ومنَ التابعينَ : أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ ، والزهريُّ ، وجعفرُ بنُ محمدٍ وآخرونَ ، وإنما اختلفوا : أيَّ يومٍ كانَ منَ الشهرِ ؟ فجزمَ ابنُ إسحاقَ ، ومحمدُ ابنُ سعدٍ ، وسعيدُ بنُ عفيرٍ ، وابنُ حبانَ ، وابنُ عبدِ البرِّ ، بأنَّهُ يومُ الاثنينِ ، لا ثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ منهُ ، وبِهِ جزمَ ابنُ الصلاحِ أيضاً ، والنوويُّ في " شرحِ مسلمٍ " ، وغيرِهِ ، والذهبيُّ في " العبرِ " ، وصحَّحَهُ ابنُ الجوزيِّ ، وبهِ صدَّرَ المزيُّ كلامَهُ ، واستشكلَهُ السُّهيليُّ ، كما سيأتي
وقالَ موسى بنُ عقبةَ : إنَّهُ كانَ مستهلَ الشهرِ ، وبهِ جزمَ ابنُ زَبْرٍ في " الوفياتِ " ورواهُ أبو الشيخِ ابنُ حيانَ في " تاريخهِ " ، عنِ الليثِ بنِ سعدٍ. وقالَ سليمانُ التيميُّ : لليلتينِ خلتا منهُ ، ورواهُ أبو مَعْشَرٍ عنْ محمدِ بنِ قيسٍ أيضاً .
والقولُ الأولُ وإنْ كانَ قولَ الجمهورِ ، ، فقدِ استشكلَهُ السهيليُّ منْ حيثُ التاريخُ ؛ وذلكَ لأنَّ الوقفةَ كانتْ في حجةِ الوداعِ يومَ الجمعةِ بالاتفاق ففي صحيح البخارى( 45 ) ومسلم (7710 ) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا . قَالَ أَىُّ آيَةٍ قَالَ ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) . قَالَ عُمَرُ قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ .
وإذا كانَ كذلكَ فلا يمكنُ أنْ يكونَ ثاني عشرَ شهرِ ربيعٍ الأول منْ سنةِ إحدى عشرةَ يومَ الاثنينِ ، لا على تقديرِ كمالِ الشهورِ الثلاثةِ ، ولا على تقديرِ نقصانها ، ولا على تقديرِ كمالِ بعضها ونقصِ بعضها ؛ لأنَّ ذا الحجةِ أولُهُ : الخميسُ ، فإنْ نقصَ هوَ والمُحَرَّمُ وصَفَرٌ ، كانَ ثاني عشرَ شهرِ ربيعٍ الأولِ يومَ الخميسِ ، وإنْ كمُلَ الثلاثةُ كانَ ثاني عشرهُ يومَ الأحدِ ، وإنْ نقصَ بعضها وكَمُلَ البعضُ ، كانَ ثاني عشرهُ إمَّا الجمعةُ ، أوْ السبتُ ، وهذا التفصيلُ لا محيصَ عنهُ ، وقدْ رأيتُ بعضَ أهلِ العلمِ يجيبُ عنْ هذا الإشكالِ بأنَّهُ تُفْرَضُ الشهورُ الثلاثةُ كواملَ ، ويكونُ قولُهُمْ لاثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ منهُ ، أي: بأيامها كاملةً ، فتكونُ وفاتُهُ بعدَ استكمالِ ذلكَ ، والدخولِ في الثالثَ عشرَ، وفيهِ نظرٌ منْ حيثُ إنَّ الذي يظهرُ من كلامِ أهلِ السِّيَرِ نقصانُ الثلاثةِ ، أوِ اثنينِ منها، بدليلِ ما رواهُ البيهقيُّ في "دلائلِ النبوةِ" بإسنادٍ صحيحٍ إلى سليمانَ التيميِّ(2): أنَّ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مَرِضَ لاثنتينِ وعشرينَ ليلةً منْ صَفَرٍ ، وكانَ أولُ يومٍ مرضَ فيهِ يومَ السبتِ ، وكانتْ وفاتُهُ اليومَ العاشرَ يومَ الاثنينِ لليلتينِ خلتا منْ شهرِ ربيعٍ الأولِ ، فهذا يدلُّ على أنَّ أولَ صفرٍ يومُ السبتِ ، فلزمَ نقصانُ ذي الحجةِ والمحرمِ ، وقولُهُ : فكانتْ وفاتُهُ اليومَ العاشرَ ، أيْ : منْ مرضِهِ ، يدلُّ على نقصِ صفرٍ أيضاً ، ويدلُّ على ذلكَ أيضاً ما رواهُ الواقديُّ عنْ أبي مَعْشَرٍ ، عنْ محمدِ بنِ قيسٍ، قالَ(3): اشتكى رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يومَ الأربعاءِ لإحدى عشرةَ بَقِيَتْ منْ صَفر إلى أنْ قالَ : اشتكى ثلاثةَ عشرَ يوماً ، وتوفيَ يومَ الاثنينِ لليلتينِ خلتا من ربيعٍ الأولِ . فهذا يدلُّ على نقصانِ الشهورِ أيضاً ؛ إلاَّ أنَّهُ جعلَ مدةَ مرضِهِ أكثرَ ممَّا في حديثِ التيميِّ، ويُجْمَعُ بينهما بأنَّ المرادَ بهذا ابتداؤهُ، وبالأولِ اشتدادهُ ، والواقديُّ وإنْ ضُعِّفَ في الحديثِ ، فهوَ منْ أئمةِ أهلِ السِّيَرِ ، وأبو مَعْشَرٍ نجيحٌ مختلفٌ فيهِ ، ويرجِّحُ ذلكَ ورودُهُ عنْ بعضِ الصحابةِ ؛ وذلكَ فيما رواهُ الخطيبُ في الرواةِ عنْ مالكٍ منْ روايةِ سعيدِ بنِ مسلمِ بنِ قتيبةَ الباهليِّ ، حدثنا مالكُ بنُ أنسٍ ، عنْ نافعٍ ، عنِ ابنِ عمرَ ، قالَ : لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مرِضَ ثمانيةً ، فتوفيَ لليلتينِ خلتا من ربيعٍ الأولِ ... الحديث ، فاتَّضحَ أنَّ قولَ سليمانَ التيميِّ ومَنْ وافقهُ راجحٌ ، مِنْ حيثُ التاريخُ ، وكذلكَ قولُ ابنِ شهابٍ : مستهلُ شهرِ ربيعٍ الأولِ ، فيكونُ أحدُ الشهورِ الثلاثةِ ناقصاً ، واللهُ أعلمُ .
وكذلكَ مِنَ المشكلِ قولُ ابنِ حِبَّانَ ، وابنِ عبدِ البرِّ : ثمَّ بدأ بهِ مرضُهُ الذي ماتَ منهُ يومَ الأربعاءِ ، لليلتينِ بقيتا من صَفَرٍ إلى آخرِ كلامهما، فهذا ممَّا لا يمكنُ ؛ لأنَّهُ يقتضي أنَّ أولَ صَفَرٍ : الخميسُ ، وهوَ غيرُ ممكنٍ ، وقولُ مَنْ قالَ لإحدى عشرةَ ليلةً بَقِيَتْ منهُ أولى بالصوابِ ، وهوَ يقتضي وفاتَهُ ثاني شهرِ ربيعٍ الأولِ ، وأمَّا وقتُ وفاتِهِ منَ اليومِ ، فقالَ ابنُ الصلاحِ : ضُحًى، قلتُ: وفي صحيح البخارى(754 )عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسٌ قَالَ بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِى صَلاَتِهِمْ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ، فَأَرْخَى السِّتْرَ ، وَتُوُفِّىَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
وفي صحيح مسلم (971 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّى لَهُمْ فِى وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ - وَهُمْ صُفُوفٌ فِى الصَّلاَةِ - كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ. ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَاحِكًا - قَالَ - فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِى الصَّلاَةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَارِجٌ لِلصَّلاَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ - قَالَ - ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْخَى السِّتْرَ - قَالَ - فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. .
وهذا يدلُّ على أنَّهُ تأخَّرَ بعدَ الضحى ، والجمعُ بينهما : أنَّ المرادَ أولُ النصفِ الثاني ، فهوَ آخرُ وقتِ الضحى ، وهوَ منْ آخرِ النهارِ باعتبارِ أنَّهُ منَ النصفِ الثاني ، ويدلُّ عليهِ ما رواهُ ابنُ عبدِ البرِّ بإسنادِهِ إلى عائشةَ ، قالتْ : ماتَ رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) - وإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ - ارتفاعَ الضحى ، وانتصافَ النهارِ يومَ الاثنينِ . وذكرَ موسى بنُ عقبةَ في " مغازيهِ " ، عنْ ابنِ شهابٍ : توفيَ يومَ الاثنينِ حينَ زاغتِ الشمسُ ، فبهذا يجمعُ بينَ مختلفِ الحديثِ في الظاهرِ ، واللهُ أعلمُ .(4)
2- وتوفِّيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ (رضيَ اللهُ عنهُ) سنةَ ثلاثَ عشرةَ ، واختُلِفَ في أيِّ شهورِها توفيَ ، فجزَمَ ابنُ الصلاحِ بأنَّهُ في جُمَادى الأولى ، وهوَ قولُ الواقديِّ ، وعمرِو بنِ عليٍّ الفَلاَّسُ ، وكذا جزمَ بهِ المزيُّ في " التهذيبِ " ، فقيلَ : يومُ الاثنينِ ، وقيلَ : ليلةُ الثلاثاءِ لثمانٍ ، وقيلَ : لثلاثٍ بقينَ منهُ ، وجزمَ ابنُ إسحاقَ ، وابنُ زَبْرٍ ، وابنُ قانعٍ ، وابنُ حبانَ ، وابنُ عبدِ البرِّ ، وابن الجوزيِّ ، والذهبيُّ في " العبرِ " بأنَّهُ في جمادى الآخرةِ ، فقالَ ابنُ حبانَ : ليلةَ الاثنينِ لسبعَ عشرةَ مضتْ منهُ ، وقالَ ابنُ إسحاقَ : يومَ الجمعةِ لسبعِ ليالٍ بقينَ منهُ ، وقالَ الباقونَ: لثمانٍ بقينَ منهُ ، وحكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ عنْ أكثرِ أهلِ السِّيرَِ ، إمَّا عشيةَ يومِ الاثنينِ ، أوْ ليلةَ الثلاثاءِ ، أقوالٌ حكاها ابنُ عبدِ البرِّ زادَ ابنُ الجوزيِّ : بينَ المغربِ والعشاءِ منْ ليلةِ الثلاثاءِ ..(5)
3- وتوفيَ عمرُ بنُ الخطَّابِ (رضيَ اللهُ عنهُ) في آخرِ يومٍ منْ ذي الحِجَّةِ ، سنةَ ثلاثٍ وعشرينَ ، وقولُ المزيِّ ، والذهبيِّ : قُتِلَ لأربعٍ ، أوْ ثلاثٍ بقينَ منْ ذي الحجةِ ، فإنْ أرادا بذلكَ لمَّا طعنَهُ أبو لؤلؤةَ ، فإنَّهُ طعنَهُ يومَ الأربعاءِ عندَ صلاةِ الصبحِ لأربعٍ ، وقيلَ : لثلاثٍ بقينَ منهُ ، وعاشَ ثلاثةَ أيامٍ بعدَ ذلكَ ، واتفقوا على أنَّهُ دُفِنَ مُسْتَهَلِّ المُحَرَّمِ سنةَ أربعٍ وعشرينَ ، وقالَ الفلاسُ : إنَّهُ ماتَ يومَ السبتِ غُرَّةَ المحرمِ سنةَ أربعٍ وعشرينَ ..
وفي صحيح ابن حبان (6905) عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَكَانَ يَصْنَعُ الأَرْحَاءَ ، وَكَانَ الْمُغِيرَةِ يَسْتَغِلُّهُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ ، فَلَقِيَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ الْمُغِيرَةَ قَدْ أَثْقَلَ عَلَيَّ غَلَّتِي : فَكَلِّمْهُ يُخَفِّفْ عَنِّي ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَأَحْسِنْ إِلَى مَوْلاَكَ ، فَغَضِبَ الْعَبْدُ وَقَالَ : وَسِعَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَدْلُكَ غَيْرِي ، فَأَضْمَرَ عَلَى قَتْلِهِ ، فَاصْطَنَعَ خَنْجَرًا لَهُ رَأْسَانِ ، وَسَمَّهُ ، ثُمَّ أَتَى بِهِ الْهُرْمُزَانَ فَقَالَ : كَيْفَ تَرَى هَذَا ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ لاَ تَضْرِبُ بِهَذَا أَحَدًا إِلاَّ قَتَلْتَهُ. ، قَالَ : وَتَحَيَّنَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ ، فَجَاءَهُ فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ ، حَتَّى قَامَ وَرَاءَ عُمَرَ ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، يَقُولُ : أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ، فَقَالَ كَمَا كَانَ يَقُولُ ، فَلَمَّا كَبَّرَ وَجَأَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فِي كَتِفِهِ ، وَوَجَأَهُ فِي خَاصِرَتِهِ ، فَسَقَطَ عُمَرُ وَطَعَنَ بِخَنْجَرِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَهَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ وَحُمِلَ عُمَرُ ، فَذُهِبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَصَاحَ النَّاسُ حَتَّى كَادَتْ تَطْلُعُ الشَّمْسُ ، فَنَادَى النَّاسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ ، قَالَ : فَفَزِعُوا إِلَى الصَّلاَةِ ، فَتَقَدَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَصَلَّى بِهِمْ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ تَوَجَّهُوا إِلَى عُمَرَ ، فَدَعَا عُمَرُ بِشَرَابٍ لَيَنْظُرَ مَا قَدْرُ جُرْحِهِ ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَنَبِيذٌ هُوَ أَمْ دَمٌ ، فَدَعَا بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ ، فَقَالُوا : لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : إِنْ يَكُنِ الْقَتْلُ بَأْسًا فَقَدْ قُتِلْتُ. فَجَعَلَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ يَقُولُونَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كُنْتَ وَكُنْتَ ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ ، وَيَجِيءُ قَوْمٌ آخَرُونَ ، فَيُثْنُونَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَمَا وَاللَّهِ عَلَى مَا تَقُولُونَ وَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْهَا كَفَافًا لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي ، وَإِنَّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَلِمَتْ لِي ، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ - وَكَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَكَانَ خَلِيطَهُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ - فَتَكَلَّمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لاَ وَاللَّهِ ، لاَ تَخْرُجُ مِنْهَا كَفَافًا لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَحِبْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ بِخَيْرِ مَا صَحِبَهُ صَاحِبٌ ، كُنْتَ لَهُ ، وَكُنْتَ لَهُ ، وَكُنْتَ لَهُ ، حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ ، ثُمَّ صَحِبْتَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ، فَكُنْتَ تُنَفِّذُ أَمْرَهُ وَكُنْتَ لَهُ ، وَكُنْتَ لَهُ ، ثُمَّ وَلِيتَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ ، فَوَلِيتَهَا بِخَيْرِ مَا وَلِيَهَا وَالٍ ، وَكُنْتَ تَفْعَلُ ، وَكُنْتَ تَفْعَلُ ، فَكَانَ عُمَرُ يَسْتَرِيحُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : كَرِّرْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَمَا وَاللَّهِ عَلَى مَا تَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ الْيَوْمَ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ ، قَدْ جَعَلْتُهَا شُورَى فِي سِتَّةٍ عُثْمَانَ ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَجَعَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ مَعَهُمْ مُشِيرًا ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ ، وَأَجَّلَهُمْ ثَلاَثًا ، وَأَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ.( صحيح)
4- وتوفيَ عثمانُ بنُ عفانَ مقتولاً شهيداً سنةَ خمسٍ وثلاثينَ في ذي الحِجَّةِ أيضاً، قيلَ : يومُ الجمعةِ ، الثامنَ عشرَ منهُ، وهذا هوَ المشهورُ، وادَّعى ابنُ ناصرٍ الإجماعَ على ذلكَ ، وليسَ بجيدٍ ، فقدْ قيلَ : إنَّهُ قُتِلَ يومَ الترويةِ لثمانٍ خلتْ منهُ ، قالَهُ الواقديُّ ، وادَّعى الإجماعَ عليهِ عندهُمْ ، وقيلَ : لليلتينِ بقيتا منهُ ، وقالَ أبو عثمانَ النَّهْديُّ ، قيلَ : في وَسَطِ أيَّامِ التشريقِ ، وقيلَ : لثنتي عشرةَ خلتْ منهُ ، قالَهُ الليثُ بنُ سعدٍ ، وقيلَ : لثلاثَ عشرةَ خلتْ منهُ ، وبهِ صدَّرَ ابنُ الجوزيِّ كلامَهُ ، وقيلَ : في أوَّلِ سنةِ ستٍّ وثلاثينَ ، والأولُ أشهرُ .
وأمَّا ما وقعَ في " تاريخ البخاريِّ " مِنْ أنَّهُ ماتَ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ ، فقالَ ابنُ ناصرٍ : هوَ خطأ مِنْ راويهِ .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 84) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 34) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 46) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 229) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 40) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 713) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 79) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 273)
(2) - دلائل النبوة للبيهقي (3179)
(3) - دلائل النبوة للبيهقي (3180 )
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 232) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 720) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 275)
والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 89)
(5) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 60) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 235) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 724) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 276)(1/458)
وأمَّا قاتلُهُ فاختُلِفَ فيهِ ، فقيلَ : هوَ جبلةُ بنُ الأيهمِ ، وقيلَ سودانُ بنُ حمرانَ ، وقيلَ : رومانُ اليمانيُّ ، وقيلَ : رومانُ رجلٌ منْ بني أسدِ بنِ خزيمةَ، وقيلَ غيرُ ذلكَ، واختُلِفَ في مبلغِ سنِّهِ، فقيلَ: ثمانونَ ، قالَهُ ابنُ إسحاقَ ، وقيلَ : ستٌّ وثمانونَ ، قالَهُ قتادةُ ، ومعاذُ بنُ هشامٍ ، عنْ أبيهِ ، وقيلَ : اثنتانِ وثمانونَ ، قالَهُ أبو اليقظانِ ، وادَّعى الواقديُّ اتفاقَ أهلِ السِّيَرِ عليهِ ، وقيلَ : ثمانٍ وثمانونَ سنةً ، وقيلَ : تسعونَ .(1)
وفي صحيح ابن حبان(6919) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعَ عُثْمَانُ ، أَنَّ وَفْدَ أَهْلَ مِصْرَ قَدْ أَقْبَلُوا ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ ، أَقْبَلُوا نَحْوَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، فَقَالُوا لَهُ : ادْعُ الْمُصْحَفَ ، فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ ، فَقَالَ لَهُ : افْتَحِ السَّابِعَةَ ، قَالَ : وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ السَّابِعَةَ ، فَقَرَأَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} [يونس] قَالُوا لَهُ : قِفْ ، أَرَأَيْتَ مَا حَمَيْتَ مِنَ الْحِمَى ، آللَّهُ أَذِنَ لَكَ بِهِ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرِي ؟ فَقَالَ : أَمْضِهِ ، نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ، وَأَمَّا الْحِمَى لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ زَادَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ ، فَزِدْتُ فِي الْحِمَى لَمَّا زَادَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، أَمْضِهِ ، قَالُوا : فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَهُ بِآيَةٍ آيَةٍ ، فَيَقُولُ : أَمْضِهِ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : مِيثَاقَكَ ، قَالَ : فَكَتَبُوا عَلَيْهِ شَرْطًا ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَشُقُّوا عَصًا ، وَلاَ يُفَارِقُوا جَمَاعَةً مَا قَامَ لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ ، وَقَالَ لَهُمْ : مَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَطَاءً ، قَالَ : لاَ إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَلِهَؤُلاَءِ الشِّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : فَرَضُوا ، وَأَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاضِينَ ، قَالَ : فَقَامَ ، فَخَطَبَ ، فَقَالَ : أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ فَلْيَلْحَقْ بِزَرْعِهِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ضَرْعٌ فَلْيَحْتَلِبْهُ ، أَلاَ إِنَّهُ لاَ مَالَ لَكُمْ عِنْدَنَا ، إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ ، وَلِهَؤُلاَءِ الشِّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : فَغَضِبَ النَّاسُ وَقَالُوا : هَذَا مَكْرُ بَنِي أُمَيَّةَ ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ الْمِصْرِيُّونَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ إِذَا هُمْ بِرَاكِبٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ ، ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ ، قَالُوا : مَا لَكَ ، إِنَّ لَكَ الأَمَانَ ، مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : أَنَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ ، قَالَ : فَفَتَّشُوهُ ، فَإِذَا هُمْ بِالْكِتَابِ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ خَاتَمُهُ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ أَنْ يَصْلِبَهُمْ أَوْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، فَأَتَوْا عَلِيًّا ، فَقَالُوا : أَلَمْ تَرَ إِلَى عَدُوِّ اللهِ كَتَبَ فِينَا بِكَذَا وَكَذَا ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ دَمَهُ ، قُمْ مَعَنَا إِلَيْهِ ، قَالَ : وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ مَعَكُمْ ، قَالُوا : فَلِمَ كَتَبْتَ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : وَاللَّهِ مَا كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ كِتَابًا قَطُّ ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ : أَلِهَذَا تُقَاتِلُونَ ؟ - أَوْ لِهَذَا تَغْضَبُونَ - فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى قَرْيَةٍ ، وَانْطَلَقُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ ، فَقَالُوا : كَتَبْتَ بِكَذَا وَكَذَا ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ ، أَنْ تُقِيمُوا عَلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يَمِينِي بِاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَا كَتَبْتُ وَلاَ أَمْلَيْتُ وَلاَ عَلِمْتُ ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْكِتَابَ يُكْتَبُ عَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ ، وَقَدْ يُنْقَشُ الْخَاتَمُ عَلَى الْخَاتَمِ. فَقَالُوا : وَاللَّهِ ، أَحَلَّ اللَّهُ دَمَكَ ، وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فَحَاصَرُوهُ. فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَمَا أَسْمَعُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ، إِلاَّ أَنْ يَرُدَّ رَجُلٌ فِي نَفْسِهِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ ، هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْتُ رُومَةَ مِنْ مَالِي ، فَجَعَلْتُ رِشَائِي فِيهَا كَرِشَاءِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قِيلَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَعَلاَمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أُفْطِرَ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ ؟ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْتُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الأَرْضِ فَزِدْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قِيلَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ مُنِعَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قَبْلِي ؟ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتُمْ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ كَذَا وَكَذَا ؟ أَشْيَاءَ فِي شَأْنِهِ عَدَّدَهَا. ، قَالَ : وَرَأَيْتُهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ ، فَلَمْ تَأْخُذْ مِنْهُمُ الْمَوْعِظَةُ ، وَكَانَ النَّاسُ تَأْخُذُ مِنْهُمُ الْمَوْعِظَةُ فِي أَوَّلِ مَا يَسْمَعُونَهَا ، فَإِذَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُمْ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ : افْتَحِي الْبَابَ ، وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى مِنَ اللَّيْلِ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ لَهُ : أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللهِ ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ فَقَالَ : بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللهِ ، وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ : فَأَهْوَى لَهُ بِالسَّيْفِ ، فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا ، فَلاَ أَدْرِي أَقْطَعَهَا وَلَمْ يُبِنْهَا ، أَمْ أَبَانَهَا ؟ قَالَ عُثْمَانُ : أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَوَّلُ كَفٍّ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ - وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ التُّجِيبِيُّ فَضَرَبَهُ مِشْقَصًا ، فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، قَالَ : وَإِنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ مَا حُكَّتْ ، قَالَ : وَأَخَذَتْ بِنْتُ الْفُرَافِصَةِ - فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - حُلِيَّهَا وَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ ، فَلَمَّا قُتِلَ ، تَفَاجَّتْ عَلَيْهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : قَاتَلَهَا اللَّهُ ، مَا أَعْظَمَ عَجِيزَتَهَا ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَمْ يُرِيدُوا إِلاَّ الدُّنْيَا. (حسن)
قلت : وجميع شبههم مردود عليها ، بما فيها قصة الكتاب المزعوم(2)
5- وتوفِّيَ عليُّ بنِ أبي طالبٍ (رضيَ اللهُ عنهُ) مقتولاً شهيداً في شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ ، واختُلِفَ في أيِّ أيامِ الشهرِ، أو لياليهِ قُتِلَ؟ فقالَ أبو الطفيلِ ، والشعبيُّ ، وزيدُ بنُ وَهْبٍ: ضُرِبَ لثماني عشرةَ ليلةً خَلَتْ منْ رمضانَ وقُبِضَ في أولِ ليلةٍ من العشرِ الأواخرِ . وقالَ ابنُ إسحاقَ : يومَ الجمعةِ لسبعَ عشرةَ خلتْ منهُ ، وقالَ ابنُ حبانَ : ليلةَ الجمعةِ لسبعَ عشرةَ ليلةً خلتْ منهُ، فماتَ غداةَ يومِ الجمعةِ ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في "العبرِ" ، وقيلَ: ليلةُ الجمعةِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً خلتْ منهً ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ ، وقيلَ : لإحدى عشرةَ خَلَتْ منهُ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ أيضاً، وقيلَ: لإحدى عشرةَ بقيتْ منهُ، قالَهُ الفلاَّسُ ، وقالَ ابنُ الجوزيِّ : ضُرِبَ يومُ الجمعةِ لثلاثَ عشرةَ بقيتْ منهُ، وقيلَ: ليلةُ إحدى وعشرينَ ، فبقيَ الجمعةَ والسبتَ ، وماتَ ليلةَ الأحدِ ، قالَهُ ابنُ أبي شيبةَ ، وقيلَ: ماتَ يومَ الأحدِ، وأمَّا قولُ ابنِ زَبْرٍ : قُتِلَ ليلةُ الجمعةِ لسبعَ عشرةَ مضتْ منهُ سنةَ تسعٍ وثلاثينَ ، فوهمٌ ، لَمْ أرَ مَنْ تابَعَهُ عليهِ ، وكانَ الذي قتَلَهُ عبدُ الرحمنِ بنُ ملجمٍ المراديُّ أشقى الأخرينَ .(3)
عن صهيب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلى بن أبى طالب : من أشقى الأولين قال : عاقر الناقة ، قال : فمن أشقى الآخرين قال : لا أدرى ، قال : الذى يضربك على هذا وأشار إلى رأسه ، قال : فكان على يقول : يا أهل العراق ولوددت أن لو قد انبعث أشقاها يخضب هذه من هذه " أخرجه ابن عساكر(4)
وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا لِعَلِيٍّ ، وَكَانَ مَرِيضًا ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : مَا يُقِيمُكَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ ، لَوْ هَلَكْتَ لَهُ لَمْ تَلِكَ إِلاَّ أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ ، فَلَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ ، كُنْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ ، فَإِنْ أَصَابَكَ مَا تَخَافُ وَيَخَافُهُ عَلَيْكَ ، وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ وَكَانَ أَبُو فَضَالَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : إِنِّي لَسْتُ مَيِّتًا فِي مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ وَجَعِي هَذَا ، إِنَّهُ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي لاَ أَمُوتُ حَتَّى أَحْسِبُهُ ، قَالَ : أُضْرَبُ أَوْ حَتَّى تَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ يَعْنِي هَامَتُهُ ، فَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَهُ بِصِفِّينَ. أخرجه البزار(5)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا سِنَانٍ الدُّؤَلِىَّ حَدَّثَهُ : أَنَّهُ عَادَ عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى شَكْوًى لَهُ اشْتَكَاهَا قَالَ فَقُلْتُ لَهُ : لَقَدْ تَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِى شَكْوَاكَ هَذَا. فَقَالَ : لَكِنِّى وَاللَّهِ مَا تَخَوَّفْتُ عَلَى نَفْسِى مِنْهُ لأَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ يَقُولُ :« إِنَّكَ سَتُضْرَبُ ضَرْبَةً هَا هُنَا وَضَرْبَةً هَا هُنَا ». وَأَشَارَ إِلَى صُدْغَيْهِ فَيَسِيلُ دَمُهَا حَتَّى يَخْضِبَ لِحْيَتَكَ وَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَشْقَاهَا كَمَا كَانَ عَاقِرُ النَّاقَةِ أَشْقَى ثَمُودَ » أخرجه البيهقي في السنن الكبرى(6).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فَقَالَ : لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ وَلَكِنِّي مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ مِنْ هَذِهِ تَخْضِبُ هَذِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى.أخرجه الطيالسي(7).
__________
(1) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 726) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 277) و وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 1 / ص 447) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 8 / ص 259)
(2) - انظر كتابي الفتنة في عهد الصحابة رضي الله عنهم
(3) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 726) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 277)
(4) - أخرجه ابن عساكر (42/546) و جامع الأحاديث - (ج 35 / ص 229) (38116) وهو صحيح لغيره
(5) - مسند البزار(927) حسن
(6) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 58) (16494) حسن
(7) - مسند الطيالسي(152) والبداية والنهاية لابن كثير (ج 7 / ص 249) حسن(1/459)
وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ : كَانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُلْجَمٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابَهُ - : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ ، وَالْبُرَكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعُمَرَ بْنَ بَكْرٍ التَّمِيمِيَّ ، اجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ فَذَكَرُوا أَمْرَ النَّاسِ وَعَابُوا عَلَيْهِمْ عَمَلَ وُلَاتِهِمْ ، ثُمَّ ذَكَرُوا أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ شَيْئًا ؟ إِخْوَانُنَا الَّذِينَ كَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ ، الَّذِينَ كَانُوا لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَالْتَمَسْنَا قَتْلَهُمْ فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ ، وَثَأَرْنَا بِهِمْ إِخْوَانَنَا . قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ . وَقَالَ الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ . فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا بِاللَّهِ أَنْ لَا يَنْكُصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا ، اتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَثِبَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ . وَأَقْبَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَطْلُبُ ، فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ فَأَتَى أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ ، وَكَاتَمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَقِيَ أَصْحَابَهُ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ عِدَّةً يَوْمَ النَّهْرِ ، فَذَكَرُوا قَتْلَاهُمْ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ . قَالَ : وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهَا : قَطَامِ بِنْتُ الشِّحْنَةِ ، وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَبَاهَا وَأَخَاهَا يَوْمَ النَّهْرِ ، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ ، فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَتْ بِعَقْلِهِ وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا فَخَطَبَهَا ، فَقَالَتْ : لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تَشْفِيَنِي قَالَ : وَمَا تَشَائِينَ ؟ قَالَتْ : ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ ، وَقَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : هُوَ مَهْرٌ لَكِ ، فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِيهِ وَأَنْتِ تُرِيدِينَهُ . قَالَتْ : بَلَى ، فَالْتَمِسْ غُرَّتَهُ فَإِنْ أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي ، وَنَفَعَكَ مَعِي الْعَيْشُ ، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا . فَقَالَ : مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذَا الْمِصْرِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ . قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أَطْلُبَ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ وَيُسَاعِدُكَ عَلَى أَمْرِكَ ، فَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهُ : وَرْدَانُ ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَجَابَهَا ، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ : شَبِيبُ بْنُ نَجْدَةَ ، فَقَالَ لَهُ : هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : قَتْلُ عَلِيٍّ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ؛ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا ، كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ؟ قَالَ : أَكْمُنُ لَهُ فِي السَّحَرِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ ، فَإِنْ نَجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا ، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا . قَالَ : وَيْحَكَ ! لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ ، قَدْ عَرَفْتَ بَلَاءَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا أَجِدُنِي أَشْرَحُ لِقَتْلِهِ . قَالَ : أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ الْعُبَّادَ الْمُصَلِّينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ نَقْتُلُهُ بِمَا قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا ، فَأَجَابَهُ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةً فِيهِ ، فَقَالُوا لَهَا : قَدِ اجْتَمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ . قَالَ : فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَلِكَ فَأْتُونِي ، فَقَالَ : هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْتُ فِيهَا صَاحِبَيَّ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ ، فَدَعَتْ لَهُمْ بِالْحَرِيرِ فَعَصَّبَتْهُمْ ، وَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ ، وَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ ، فَخَرَجَ [ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ السَّيْفُ بِعَضَادَتَيِ الْبَابِ أَوْ بِالطَّاقِ فَشَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ عَلَى قَرْنِهِ وَهَرَبَ ، حَتَّى وَرَدَ أَنَّ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، وَدَخَلَ رَجُلٌ مَنْ بَنِي أُمِّهِ وَهُوَ يَنْزِعُ السَّيْفَ وَالْحَدِيدَ عَنْ صَدْرِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّيْفُ وَالْحَدِيدُ ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ ، فَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ ، وَخَرَجَ شَبِيبٌ نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلَّا أَنَّ رَجُلًا [ مِنْ حَضْرَمَوْتَ ] يُقَالُ لَهُ : عُوَيْمِرٌ ضَرَبَ رِجْلَهُ بِالسَّيْفِ ، فَصَرَعَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ الْحَضْرَمِيُّ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَقْبَلُوا فِي طَلَبِهِ وَسَيْفُ شَبِيبٍ فِي يَدِهِ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ فَنَجَا بِنَفْسِهِ ، وَنَجَا شَبِيبٌ فِي غِمَارِ النَّاسِ . وَخَرَجَ ابْنُ مُلْجَمٍ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ [ أَهْلِ ] هَمَذَانَ يُكَنَّى : أَبَا أُدُمَا ، فَضَرَبَ رِجْلَهُ فَصَرَعَهُ ، وَتَأَخَّرَ عَلِيٌّ ، وَدَفَعَ فِي ظَهْرِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ . وَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حُنَيْفٍ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ [ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا عَلِيٌّ ] فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ قَرِيبًا مِنَ السُّدَّةِ فِي رِجَالٍ كَثِيرَةٍ مَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا فِيهِمْ إِلَّا قِيَامٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ ، مَا يَسْأَمُونَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ ، إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، وَجَعَلَ يُنَادِي : أَيُّهَا النَّاسُ ، الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَمَا أَدْرِي أَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، أَوْ نَظَرْتُ إِلَى بَرِيقِ السَّيْفِ ، وَسَمِعْتُ : الْحُكْمُ لِلَّهِ لَا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ . فَرَأَيْتُ سَيْفًا ، وَرَأَيْتُ نَاسًا ، وَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : لَا يَفُوتُكُمُ الرَّجُلُ . وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ . فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ ، فَأُدْخِلَ عَلَى عَلِيٍّ ،فَدَخَلْتُ فِيمَنْ دَخَلَ مِنَ النَّاسِ ، فَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، إِنْ هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي ، وَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي . وَلَمَّا أُدْخِلَ ابْنُ مُلْجَمٍ عَلَى عَلِيٍّ قَالَ لَهُ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ ؟ قَالَ : بَلَى قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ : مَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ ، وَمَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الْحَسَنِ إِذْ نَادَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَهِيَ تَبْكِي : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، [ إِنَّهُ ] لَا بَأْسَ عَلَى أَبِي ، وَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مُخْزِيكَ . قَالَ : فَعَلَامَ تَبْكِينَ ، وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَسَمَمْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الضَّرْبَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ مِصْرَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سَاعَةً ، وَهَذَا أَبُوكِ بَاقِيًا حَتَّى الْآنَ . فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ : إِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَلَئِنْ هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ . وَذُكِرَ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُ بِهِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ فَقَدْنَاكَ وَلَا نَفْقِدُكَ فَنُبَايِعُ الْحَسَنَ ؟ قَالَ : مَا آمُرُكُمْ وَلَا أَنْهَاكُمْ ، أَنْتُمْ أَبْصَرُ . فَلَمَّا قُبِضَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ الْحَسَنُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ : هَلْ لَكَ فِي خَصْلَةٍ ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا إِلَّا وَفَيْتُ بِهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ أَقْتُلَ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا ، فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَكَ اللَّهُ عَلَى إِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ أَنْ آتِيَكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : لَا وَاللَّهِ أَوْ تُعَايِنُ النَّارَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، فَأَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ فِي بَوَارٍ ، ثُمَّ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ . وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ تَقُولُونَ : قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلَا لَا يُقْتَلْ بِي إِلَّا قَاتِلِي . وَأُمًّا الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَعَدَ لِمُعَاوِيَةَ ، فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ ، وَأَدْبَرَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا ، فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي إِلْيَتِهِ فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي خَبَرًا أُبَشِّرُكَ بِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ أَنَافِعِي ذَلِكَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّ أَخًا لِي قَتَلَ عَلِيًّا [ فِي هَذِهِ ] اللَّيْلَةَ . قَالَ : فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ . قَالَ : بَلَى ؛ إِنَّ عَلِيًّا يَخْرُجُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْرُسُهُ ، فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَةُ فَقُتِلَ ، فَبَعَثَ إِلَى السَّاعِدِيِّ - وَكَانَ طَبِيبًا - فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَةٌ فَاخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ ؛ إِمَّا أَنْ أَحْمِي حَدِيدَةً فَأَضَعُهَا فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ ، وَإِمَّا أَنْ أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ وَتَبْرَأُ مِنْهَا ؛ فَإِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَةٌ . فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَّا النَّارُ : فَلَا صَبْرَ لِي عَلَيْهَا ، وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْوَلَدِ : فَإِنَّ فِي يَزِيدَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَوَلَدُهُمَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي . فَسَقَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الشَّرْبَةَ فَبَرَأَ ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ بَعْدُ . فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُورَاتِ وَقِيَامِ الشُّرْطِ عَلَى رَأْسِهِ . وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ : أَيْ بَنِيَّ ، أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ[ إِقَامَ ] الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحَلِّهَا ، وَحُسْنِ الْوُضُوءِ ؛ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطَهُورٍ . وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ ، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ . قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ : هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : إِنِّي أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ ، وَأُوصِيكَ بِتَوْقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعِظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ ، وَتَزْيِينِ أَمْرِهِمَا ، وَلَا تَقْطَعْ أَمْرًا دُونَهُمَا . ثُمَّ قَالَ لَهُمَا : أُوصِيكُمَا بِهِ ؛ فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا وَابْنُ أَبِيكُمَا ، وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبُّهُ . ثُمَّ أَوْصَى فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . هَذَاَ مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَوْصَى أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . ثُمَّ إِنَّ صَلَاتِي ، وَنُسُكِي ، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ وَيَا حُسَيْنُ ، وَيَا جَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي : بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمْ ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ " . وَانْظُرُوا إِلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ ، فَصِلُوهُمْ يُهَوِّنِ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحِسَابَ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ لَا يَضِيعُنَّ بِحَضْرَتِكُمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ ؛ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَأَشْرَكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقَنَّكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا يَخْلُوَنَّ مَا بَقِيتُمْ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي ذِمَّةِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا تُظْلَمَنَّ بَيْنَ ظَهْرَانِيكُمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ " . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ أَوْصَى بِهِمْ . وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ فِإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ قَالَ : " أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ ؛ النِّسَاءَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " ] . الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ لَا تَخَافُنَّ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ؛ اللَّهُ يَكْفِيكُمْ مَنْ أَرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ . وَلَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ فَيُوَلَّى أَمْرَكُمْ شِرَارُكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ وَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ . عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَادُلِ ، إِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّفَرُّقَ " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " . حَفِظَكُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ ، وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - . أَسَتُودِعُكُمُ اللَّهَ ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ . ثُمَّ لَمْ يُنْطِقْ إِلَّا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى قُبِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ ، وَغَسَّلَهُ الْحَسَنُ ، وَالْحُسَيْنُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ ، وَوَلِيَ الْحَسَنُ عَمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ .
وَأُمَّا عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ فَقَعَدَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ ، فَلَمْ يَخْرُجْ [ كَانَ ] وَاشْتَكَى فِيهَا بَطْنَهُ ، فَأَمَرَ خَارِجَةَ بْنَ حَبِيبٍ - وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ - وَكَانَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فَخَرَجَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ [ فَأُخِذَ ] ، وَأُدْخِلَ عَلَى عَمْرٍو ، فَلَمَّا رَآهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ : مَنْ قَتَلْتُ ؟ قَالُوا : خَارِجَةَ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ يَا فَاسِقُ مَا ضَمِدْتُ غَيْرَكَ . قَالَ عَمْرٌو : أَرَدْتَنِي وَاللَّهُ أَرَادَ خَارِجَةَ ، وَقَدَّمَهُ وَقَتَلَهُ ، وَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ بَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ بِإِيلَيَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ، وَخَرَجَ الْحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُصُورِ الْبِيضِ فِي الْمَدَائِنِ ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ مَسْكَنَ . وَكَانَ عَلَى الْمَدَائِنِ عَمُّ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ - : هَلْ لَكَ فِي الْغِنَى وَالشَّرَفِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : تُوثِقُ الْحَسَنَ وَتَسْتَأْمِرُ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ . فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ أَأَثِبُ عَلَى ابْنِ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُوثِقُهُ ؟ [ بِئْسَ الرَّجُلُ أَنْتَ ] . فَلَمَّا رَأَى الْحَسَنُ تَفَرُّقَ النَّاسِ عَنْهُ ، بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَطْلُبُ الصُّلْحَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ ، وَصَالَحَاهُ ، ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ فِي النَّاسِ فَقَالَ : يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، إِنَّمَا يَسْتَخِي بِنَفْسِي عَنْكُمْ ثَلَاثٌ : قَتْلُكُمْ أَبِي ، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ ، وَانْتِهَابِكُمْ مَتَاعِي . وَدَخَلَ فِي طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَدَخَلَ الْكُوفَةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكبير .(1)
6- وتوفيَ طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ ، والزُّبيرُ بنُ العَوَّامِ في سنةٍ واحدةٍ ، وهيَ سنةُ ستٍّ وثلاثينَ وفي شهرٍ واحدٍ ، وقيلَ : في يومٍ واحدٍ ، قُتِلَ كِلاهما في وقعةِ الجملِ ، فكانَ طلحةُ أوَّلَ قتيلٍ قُتِلَ في الوقعةِ، وكانتْ وقعةُ الجملِ لعشرٍ خلونَ من جمادى الآخرةِ ، هكذا جزمَ بهِ الواقديُّ ، وابنُ سعدٍ ، وخليفةُ بنُ خياطٍ ، وابنُ زَبْرٍ ، وابنُ عبدِ البرِّ ، وابنُ الجوزيِّ ، وآخرونَ .
قالَ خليفةُ : يومَ الجمعةِ ، وقالَ ابنُ سعدٍ ، وابنُ زَبْرٍ ، وابنُ الجوزيِّ ، والجمهورُ: يومَ الخميسِ. وقالَ الليثُ بنُ سعدٍ: إنَّ وقعةَ الجملِ كانتْ في جمادى الأولى ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ : إنَّ يومَ الجملِ لعشرِ ليالٍ خَلَوْنَ منْ جمادى الأولى ، والأولُ هوَ المشهورُ المعروفُ في تاريخِ الجملِ ، إنَّهُ في جمادى الآخرةِ. وتناقضَ فيهِ كلامُ ابنِ عبدِ البرِّ ، فقالَ ما تقدمَ نقلُهُ عنهُ في ترجمةِ طلحةَ ، وقالَ في ترجمةِ الزبيرِ : في جمادى الأولى ، وَوَهِمَ في ذلكَ ، وتَبِعَهُ ابنُ الصلاحِ في هذا فقالَ : إنَّ وفاتهما في جمادى الأولى ، واختَلَفَ كلامُ المزيِّ أيضاً في " التهذيبِ " كابنِ عبدِ البرِّ ، فقالَ في طلحةَ : جمادى الآخرةِ ، وقالَ في الزبيرِ : جمادى الأولى ، وسببُ ذلكَ كلامُ ابنِ عبدِ البرِّ ، وكذلكَ قولُ أبي نُعيمٍ في طلحةَ : قُتِلَ في رجبٍ ، وقولُ سليمانَ بنِ حربٍ : قُتِلَ في ربيعٍ ، أوْ نحوِهِ ، قولانِ مرجوحانِ .
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 1 / ص 72) (166) وَهُوَ مُرْسَلٌ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .(1/460)
والذي رمى طلحةَ رجلٌ مجهولٌ - والأرجحُ أحد قتلة عثمان، فعن أبي حبيبة مولى طلحة قال دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد ما فرغ من أصحاب الجمل قال فرحب به وأدناه وقال إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك من الذين قال الله " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين " فقال يا ابن أخ كيف فلانة قال وسأله عن أمهات أولاد أبيه قال ثم قال لم تقبض أرضيكم هذه السنين إلا مخافة أن ينتهبها الناس يا فلان انطلق معه إلى ابن قرظة مره فليعطه غلته هذه السنين وتدفع إليه أرضه قال فقال رجلان جالسان ناحية أحدهما الحارث الأعور الله أعدل من ذاك أن تقتلهم وتكونوا إخواننا في الجنة قال قوما أبعد أرض الله وأسحقها فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة يا ابن أخي إذا كانت لك حاجة فائتنا " أخرجه ابن عساكر(1)
وعن أبي حبيبة مولى لطلحة قال: دخل عمران بن طلحة على علي بعدما فرغ من أصحاب الجمل فرحب به وقال: إني لأرجو أي يجعلني الله وإياك من الذين قال الله: إخوانا على سرر متقابلين. قال ورجلان جالسان على ناحية البساط فقالا: الله أعدل من ذلك، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا على سرر متقابلين في الجنة؟ فقال علي: قوما أبعد أرض وأسحقها، فمن هو إذا إن لم أكن أنا وطلحة؟ قال ثم قال لعمران: كيف أهلك من بقي من أمهات أولاد أبيك؟ أما إنا لم نقبض أرضكم هذه السنين ونحن نريد أن نأخذها، إنما أخذناها مخافة أن ينتهبها الناس. يا فلان اذهب معه إلى بن قرظة فمره فليدفع إليه أرضه وغلة هذه السنين، يا بن أخي وأتنا في الحاجة إذا كانت لك.أخرجه ابن عساكر(2)
وعن ربعي بن خراش قال إني لعند علي جالس إذ جاء ابن طلحة فسلم على علي فرحب به علي فقال ترحب بي يا أمير المؤمنين وقد قتلت والدي وأخذت مالي قال أما مالك فهو معزول في بيت المال فاغد إلى مالك فخذه وأما قولك قتلت أبي فإني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين، فقال رجل من همدان أعور الله أعدل من ذلك فصاح علي صيحة تداعى لها القصر قال فمن ذاك إذا لم نكن نحن أولئك " أخرجه ابن عساكر(3)
وأمَّا الزبيرُ فقتلَهُ عمرُو بنُ جُرْمُوْزٍ(4)، فقيلَ : قتلَهُ يومَ الجملِ ، قالَهُ الواقديُّ ، وابنُ عبدِ البرِّ ، وابنُ الجوزيِّ ، والمزيُّ ، وقالَ البخاريُّ في "التاريخِ الكبيرِ" : قُتِلَ في رجبٍ ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ في أولِ كلامِهِ ، ثمَّ قالَ : إنَّهُ قُتِلَ منْ آخرِ يومٍ صبيحةَ الجملِ ، وهذا يقتضي أنَّهُ في الحادي عشرَ منْ جمادى الآخرةِ ، فاللهُ أعلمُ
وأمَّا مبلغُ سِنِّهِمَا ، فقالَ ابنُ حبانَ ، والحاكمُ : إنَّهما كانا ابني أربعٍ وستينَ سنةً ، وهوَ قولُ الواقديِّ في طلحةَ ، وقيلَ فيهما غيرُ ذلكَ ، فقيلَ : كانَ لطلحةَ ثَلاثٌ وستونَ ، قالَهُ أبو نُعيمٍ ، وقيلَ : اثنتان وستونَ ، قالَهُ عيسى بنُ طلحةَ ، وهوَ قولُ الواقديِّ ، وقيلَ : ستونَ ، قالَهُ المدائنيُّ ، وبهِ صَدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ ، وقيلَ : خمسٌ وسبعونَ ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ ، وقالَ : ما أظنُّ ذلكَ ، وقيلَ: كانتْ للزبيرِ سبعٌ وستونَ ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ ، وقيلَ : ستٌّ وستونَ ، وقيلَ : ستونَ ، وقيلَ تسعٌ وخمسونَ ، وقيلَ : خمسٌ وسبعونَ .(5)
7- وتوفيَ سعدُ بنُ أبي وقاصٍ(6)سنةَ خمسٍ وخمسينَ ، قالَهُ الواقديُّ ، والهيثمُ ابنُ عديٍّ ، وابنُ نميرٍ ، وأبو موسى الزمنُ ، والمدائنيُّ ، وحكاهُ ابنُ زَبْرٍ ، عنْ عمرِو بنِ عليٍّ الفلاسِ ، ورَجَّحهُ ابنُ حبانَ ، وقالَ المزيُّ : " إنَّهُ المشهورُ " وقيلَ في وفاتِهِ غيرُ ذلكَ ، فقيلَ : سنةُ خمسينَ ، وقيلَ : إحدى وخمسينَ ، وقيلَ : أربعٍ وخمسينَ ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ ، عنِ الفلاَّسِ ، والزبيرِ بنِ بكارٍ ، والحسنِ بنِ عثمانَ . وقيلَ : ستٍّ وخمسينَ ، وقيلَ : سبعٍ وخمسينَ ، وقيلَ : ثمانٍ وخمسينَ، قالَهُ أبو نعيمٍ .
عن دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَتْنِى أُمِّى قَالَتْ : مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَقِيقِ قَالَ دَاوُدُ : وَهُوَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ عَشْرَةِ أَمْيَالٍ قَالَتْ : فَرَأَيْتُهُ حُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ حَتَّى أُتِىَ بِهِ فَأُدْخِلَ بِهِ الْمَسْجِدَ مِنْ نَحْوِ بَابِ دَارِ مَرْوَانَ فَوُضِعَ عِنْدَ بُيُوتِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِفِنَاءِ الْحُجَرِ فَصَلَّى الإِمَامُ عَلَيْهِ وَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ.أخرجه البيهقي .(7)
واختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ ، فقيلَ : ثلاثٌ وسبعونَ ، واقتصرَ عليهِ ابنُ الصلاحِ ، وقيلَ : أربعٌ وسبعونَ ، وبهِ جزمَ الفَلاَّسُ ، وابنُ زَبْرٍ ، وابنُ قانعٍ ، وابنُ حبانَ ، وقيلَ : اثنانِ وثمانونَ ، وقيلَ : ثلاثٌ وثمانونَ ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ وهوَ آخرُ العشرةِ موتاً رضي الله عنهم أجمعينَ .(8)
8- وتوفِّيَ سعيدُ بنُ زيدٍ سنةَ إحدى وخمسينَ ، قالَهُ الواقديُّ ، والهيثمُ بنُ عديٍّ ، والمدائنيُّ ، ويحيى بنُ بكيرٍ ، وابنُ نميرٍ وخليفةُ بنُ خياطٍ ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: سنةَ خمسينَ أو إحدى وخمسينَ ، وكذا حكاهُ الواقديُّ عنْ بعضِ ولدِ سعيدِ بنِ زيدٍ ، وقالَ عبيدُ اللهِ بنُ سعدٍ الزهريُّ : سنةَ اثنتينِ وخمسينَ وقالَ البخاريُّ في " التاريخِ الكبيرِ " : سنةَ ثمانٍ وخمسينَ . ولا يصحُّ فإنَّ سعدَ ابنَ أبي وقاصٍ شهدَهُ ، ونزَلَ في حفرتِهِ ، وتوفيَ قبلَ سنةِ ثمانٍ على الصحيحِ ، وكانتْ وفاتُهُ أيضاً بالعقيقِ ، وحُمِلَ إلى المدينةِ ، وقيلَ : ماتَ بالكوفةِ ودُفِنَ بها ، ولا يصحُّ ، واخْتُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ ، فقالَ المدائنيُّ : ثلاثٌ وسبعونَ ، وقالَ الفلاسُ : أربعٌ وسبعونَ .(9)
9- وتوفِّيَ عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ في سنةِ اثنتينِ وثلاثينَ ، قالَهُ عروةُ بنُ الزبيرِ ، والهيثمُ بنُ عديٍّ ، والفَلاَّسُ، وأبو موسى الزمنُ ، والمدائنيُّ ، والواقديُّ ، وخليفةُ بنُ خياطٍ ، وابنُ بكيرٍ - في روايةِ ابنِ البَرْقِيِّ -، وابنُ قانعٍ ، وابنُ الجوزيِّ ، وقيلَ : توفيَ سنةَ إحدى وثلاثينَ ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ ، قالَ يحيى بنُ بكيرٍ - في روايةِ الذهليِّ - وأبو نعيمٍ الأصبهانيُّ : سنةَ إحدى أو اثنتينِ ، وقيلَ : توفيَ سنةَ ثلاثٍ وثلاثينَ. واختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ، فقيلَ: خمسٌ وسبعونَ ، قالَهُ يعقوبُ بنُ إبراهيمَ بنِ سعدٍ ، والواقديُّ ، وابنُ زَبْرٍ ، وابنُ قانعٍ وابنُ حبانَ ، وأبو نعيمٍ الأصبهانيُّ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ . وقيلَ : اثنتانِ وسبعونَ رويَ ذلكَ عنِ ابنِهِ أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ ، وقيلَ : ثمانٍ وسبعونَ ، قالَهُ إبراهيمُ بنُ سعدٍ ، والأولُ أشهرُ ، وعليهِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ .(10)
10- وتوفيَ أمينُ هذهِ الأمةِ: أبو عبيدةَ بنُ الجراحِ ، واسمهُ عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجراحِ ، سنةَ ثماني عشرةَ في طاعونِ عمواسَ ، وهوَ ابنُ ثمانٍ وخمسينَ سنةً قالَهُ الواقديُّ ، ومحمدُ بنُ سعدٍ ، والفَلاَّسُ ، وابنُ قانعٍ ، وابنُ حبانَ ، وابنُ عبدِ البرِّ ، وغيرُهم ، وهوَ متفقٌ عليهِ .(11)
وفي صحيح البخارى(4382 ) عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ » .
وفي مسند أحمد (109) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا لَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَرْغَ حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيداً قَالَ بَلَغَنِى أَنَّ شِدَّةَ الْوَبَاءِ فِى الشَّامِ فَقُلْتُ إِنْ أَدْرَكَنِى أَجَلِى وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَىٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ فَإِنْ سَأَلَنِى اللَّهُ لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ لِكُلِّ نَبِىٍّ أَمِيناً وَأَمِينِى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ». فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ وَقَالُوا مَا بَالُ عُلْيَا قُرَيْشٍ يَعْنُونَ بَنِى فِهْرٍ. ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَدْرَكَنِى أَجَلِى وَقَدْ تُوُفِّىَ أَبُو عُبَيْدَةَ اسْتَخْلَفْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَإِنْ سَأَلَنِى رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ قُلْت سَمِعْتُ رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَىِ الْعُلَمَاءِ نَبْذَةً ». ( صحيح مرسل)
11- ذِكْرُ مَنْ عاشَ منَ الصحابةِ مائةً وعشرينَ سنةً، ستينَ في الجاهليةِ، وستينَ في الإسلامِ، قالَ ابنُ الصلاحِ(12): شخصانِ منَ الصحابةِ عاشا في الجاهلية ستينَ سنةً، وفي الإسلامِ ستينَ سنةً ، وماتا بالمدينةِ سنةَ أربعٍ وخمسينَ :
أحدهما: حكيمُ بنُ حِزامٍ ، وكانَ مولدُهُ في جوفِ الكعبةِ قبلَ عامِ الفيلِ بثلاثَ عشرةَ سنةً .(13)
والثاني : حَسَّانُ بنُ ثابتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حَرَامٍ الأنصاريُّ(14)، وروى ابنُ إسحاقَ : أنَّهُ وأباهُ - ثابتاً - والمنذرَ ، وحراماً ، عاشَ كلُّ واحدٍ منهمْ عشرينَ ومائةَ سنةٍ ، وذكرَ أبو نعيمٍ الحافظُ : أنَّهُ لا يُعرَفُ في العربِ مثلُ ذلكَ لغيرهمْ -قالَ ابنُ الصلاحِ-: " وقَدْ قيلَ: إنَّ حسانَ ماتَ سنةَ خمسينَ ".
قلتُ(15): اقتصرَ ابنُ الصلاحِ في هذا الفصلِ على اثنينِ ، وقدْ زِدتُ عليهِ أربعةً اشتركوا معهما في ذلكَ ، فصاروا ستةً مشتركينَ في هذا الوصفِ :
فالأولُ: حَسَّانُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ ، قالَ الواقديُّ: إنَّهُ عاشَ مائةً وعشرينَ ، وحكى ابنُ عبدِ البرِّ الاتفاقَ عليهِ ، فقالَ : لَمْ يختلفوا أنَّه عاشَ مائةً وعشرينَ سنةً ، منها ستونَ في الجاهليةِ ، وستونَ في الإسلامِ. انتهى . وقدْ خالفَ ابنُ حبانَ في ذلكَ فقالَ : ماتَ وهوَ ابنُ مائةٍ وأربعِ سنينَ ، وماتَ أبوهُ وهوَ ابنُ مائةٍ وأربعِ سنينَ ، وماتَ جدُّهُ وهوَ ابنُ مائةٍ وأربعِ سنينَ ، قالَ : وقدْ قيلَ : لكلِّ واحدٍ منهمْ عشرونَ ومائةُ سنةٍ . واخْتُلِفَ في وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ أربعٍ وخمسينَ، قالَهُ أبو عبيدِ القاسمُ بنُ سَلاَّمٍ ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في " العبرِ " ، وقيلَ : سنةُ خمسينَ ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ ، وقيلَ : سنةُ أربعينَ قالَهُ الهيثمُ بنُ عديٍّ ، والمدائنيُّ ، وأبو موسى الزمنُ ، وابنُ قانعٍ ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ : ماتَ أيامَ قُتِلَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وقيلَ: إنَّهُ ماتَ قبلَ الأربعينَ في خلافةِ عليٍّ ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ .
والثاني : حَكِيْمُ بنُ حِزامِ بنِ خويلدٍ ، وهوَ ابنُ أخي خديجةَ بنتِ خويلدٍ ، أسلمَ في الفتحِ ، وعاشَ ستينَ سنةً في الجاهليةِ ، وستينَ في الإسلامِ ، قالَهُ البخاريُّ حكايةً عنْ إبراهيمَ بنِ المنذرِ الحزاميِّ ، وقالَهُ أيضاً: مصعبُ ابنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ ، وابنُ حبَّانَ ، وابنُ عبدِ البرِّ ، واختُلِفَ في وفاتِهِ ، فقيلَ: سنةُ أربعٍ وخمسينَ ، قالَهُ الواقديُّ ، والهيثمُ بنُ عديٍّ ، وابنُ نميرٍ، والمدائنيُّ ، ومصعبُ الزبيريُّ، وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحزاميُّ ، وخليفةُ بنُ خياطٍ ، وأبو عُبيدٍ القاسمُ بنُ سلامٍ ، ويحيى بنُ بكيرٍ ، وابنُ قانعٍ ، وقالَ ابنُ حبانَ : " إنَّهُ الصحيحُ " ، وبهِ جزمَ ابنُ عبدِ البرِّ . وقيلَ: سنةُ ستينَ ، قالَهُ البخاريُّ . وقيلَ : سنةُ ثمانٍ وخمسينَ . وقيلَ : سنةُ خمسينَ ، وكانتْ وفاتُهُ بالمدينةِ .
والثالثُ : حُويطِبُ بنُ عبدِ العُزَّى القرشيُّ العامريُّ منْ مسلمةِ الفتحِ(16)، روى الواقديُّ عنْ إبراهيمَ بنِ جعفرِ بنِ محمودٍ عنْ أبيهِ ، قالَ(17): كانَ حُويطِبُ قدْ بلغَ عشرينَ ومائةَ سنةٍ ، ستينَ سنةً في الجاهليةِ ، وستينَ سنةً في الإسلامِ . وقالَ ابنُ حبانَ : سِنُّهُ سِنُّ حكيمِ بنِ حزامٍ ، وعاشَ في الإسلامِ ستينَ سنةً ، وفي الجاهليةِ ستينَ سنةً . وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ(18): أدركَهُ الإسلامُ وهوَ ابنُ ستينَ سنةً ، أوْ نحوها . وكانتْ وفاتُهُ سنةَ أربعٍ وخمسينَ ، قالَهُ الهيثمُ ابنُ عديٍّ ، وأبو موسى الزمنُ ، ويحيى بنُ بكيرٍ، وخليفةُ بنُ خياطٍ، وأبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلامٍ ، وابنُ قانعٍ ، وابنُ حبانَ ، وغيرُهمْ. وقيلَ: إنَّهُ ماتَ سنةَ اثنتينِ وخمسينَ ، وكانتْ وفاتُهُ بالمدينةِ .
والرابعُ : سعيدُ بنُ يربوعَ القرشيُّ منْ مُسْلمةِ الفتحِ(19)، ماتَ بالمدينةِ سنةَ أربعٍ وخمسينَ ، ولهُ مائةٌ وعشرونَ سنةً ، قالَهُ الواقديُّ ، وخليفةُ بنُ خيَّاطٍ ، وابنُ حبانَ ، وكذا قالَ أبو عبيدٍ ، وابنُ عبدِ البرِّ : إنّهُ ماتَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ ، وقيلَ : بلغَ مائةً وأربعاً وعشرينَ سنةً ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ ، وماتَ بالمدينةِ ، وقيلَ: بمكةَ.
والخامسُ : حَمْنَنُ بنُ عوفٍ القرشيُّ الزهريُّ أخو عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ ، وهوَ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ ، وسكونِ الميمِ وفتحِ النونِ الأولى - قالَ الدارقطنيُّ في كتابِ " الأخوةِ والأخواتِ ": أسلمَ ولَمْ يهاجرْ إلى المدينةِ ، وعاشَ في الجاهليةِ ستينَ سنةً ، وفي الإسلامِ ستينَ سنةً. وكذا قالَ ابنُ عبدِ البرِّ : إنَّهُ عاشَ في الجاهليةِ ستينَ سنةً ، وفي الإسلامِ ستينَ سنةً ، وذكرَ بعضُ أهلِ التاريخِ ، أنَّهُ توفيَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ .(20)
والسادسُ : مَخْرَمَةُ بنُ نَوفَلٍ القرشيُّ الزهريُّ(21)، والِدُ المِسْورِ بنِ مخرمةَ منْ مسلمةِ الفتحِ ، توفيَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ ، قالَهُ الهيثمُ بنُ عديٍّ ، وابنُ نميرٍ ، والمدائنيٌّ ، وابنُ قانعٍ ، وابنُ حبانَ . وقدْ اختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ ، فقالَ الواقديُّ : يقالُ : إنَّهُ كانَ لهُ حينَ ماتَ مائةٌ وعشرونَ سنةً ، وهكذا جَزَمَ بهِ أبو زكريا بنُ مَنْده في جزءٍ لهُ جمعَ فيهِ " مَنْ عاشَ مائةً وعشرينَ منَ الصحابةِ " وجزمَ ابنُ زَبْرٍ ، وابنُ حبانَ ، وابنُ عبدِ البرِّ بأنَّهُ بلغَ مائةً وخمسَ عشرةَ سنةً ، وكانتْ وفاتُهُ بالمدينةِ ، وقدْ ذكرَ ابنُ منده في الجزءِ المذكورِ جماعةً آخرينَ منَ الصحابةِ عاشوا مائةً وعشرينَ سنةً؛ لكنْ لَمْ يعلمْ كونُ نصفِهَا في الجاهليةِ، ونصفِها في الإسلامِ ؛ لتقدُّمِ وفاتِهِمْ على المذكورينَ ، أوْ تأخّرِها ، أو عدمِ معرفةِ التاريخِ لموتِهِمْ ، فمنْهُمْ:
عاصمُ بنُ عَدِيِّ بنِ الجدِّ العَجْلانيُّ(22)، صاحبُ عُويْمِرٍ العَجْلاَنيِّ في قصةِ اللِّعَانِ . حكى ابنُ عبدِ البرِّ عنْ عبدِ العزيزِ بنِ عمرانَ ، عنْ أبيهِ ، عنْ جدِّهِ : أنَّهُ عاشَ مائةً وعشرينَ سنةً ، وكذا ذكرَ أبو زكريا بنُ منده ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ : توفيَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ ، وقدْ بلغَ قريباً منْ مائةٍ وعشرينَ سنةً ، وقالَ الواقديُّ ، وابنُ حبانَ : بلغَ مائةً وخمسَ عشرةَ سنةً .
ومنهمْ : المُنتجعُ جدُّ ناجيةَ ، ذكرَهُ العسكريُّ في الصحابةِ ، وقالَ : كانَ لهُ مائةٌ وعشرونَ سنةً ، ولا يصحُّ حديثُهُ .(23)
ومنهمْ : نافعُ أبو سليمانَ العبديُّ ، روى إسحاقُ بنُ راهويهِ ، عنْ ابنِهِ سليمانَ ، قالَ: ماتَ أبي ولهُ عشرونَ ومائةُ سنةٍ ، وكذا ذكرَهُ ابنُ قانعٍ.(24)
ومنهمْ : اللَّجْلاَجُ العامريُّ ، ذكرَ ابنُ سُميعٍ ، وابنُ حبانَ أيضاً أنَّهُ عاشَ مائةً وعشرينَ سنةً، وكذا حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ، عنْ بعضِ بني اللجلاَجِ .(25)
ومنهمْ : سعدُ بنُ جنادةَ العوفيُّ الأنصاريُّ ، وهوَ والِدُ عطيةَ العوفيِّ ، ذكرَهُ ابنُ مَنْده في " الصحابةَ " ، ولَمْ يذكرْ عمرَهُ ، وذكرهُ أبو زكريا بنُ مَنْده فيمَنْ عاشَ كذلكَ(26).
ومنهمْ : عَدِيُّ بنُ حاتمٍ الطائيُّ ، توفيَ سنةَ ثمانٍ وستينَ، عنْ مائةٍ وعشرينَ سنةً، قالَهُ ابنُ سعدٍ ، وخليفةُ بنُ خياطٍ . وقيلَ : سنةُ ستٍّ وستينَ . وقيلَ : سنةُ سبعٍ وستينَ ، ولَمْ يذكرْهُ ابنُ منده في الجزءِ المذكورِ .(27)
12- وفياتُ أصحابِ المذاهبِ الخمسةِ ، وقدْ كانَ الثوريُّ معدوداً فيهمْ ، لهُ مقلدونَ إلى بعدِ الخمسمائةِ ، وممَّنْ ذكرَهُ معهمْ : الغزاليُّ في " الإحياءِ " ، فتوفيَ أبو عبدِ اللهِ سفيانُ بنُ سعيدٍ الثوريُّ سنةَ إحدى وستينَ ومائةٍ بالبصرةِ ، قالَهُ أبو داودَ الطيالسيُّ ، وابنُ معينٍ ، وابنُ سعدٍ -وادَّعى الاتفاقَ عليهِ- وابنُ حبانَ ، وزادَ في شعبانَ في دارِ عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ ، وقالَ يحيى بنُ سعيدٍ في أولها، واختُلِفَ في مولِدِهِ ، فقالَ العجليُّ وغيرُ واحدٍ : سنةَ سبعٍ وتسعينَ ، وقالَ ابنُ حبانَ : سنةَ خمسٍ وتسعينَ .(28)
وتوفي أبو عبدِ اللهِ مالكُ بنُ أنسٍ بالمدينةَ سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومائةٍ ، قالَهُ الواقديُّ ، والمدائنيُّ ، وأبو نعيمٍ ، ومصعبُ بنُ عبدِ اللهِ ، وزادَ في صَفَرٍ ، وإسماعيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ ، وقالَ في صبيحةِ أربعَ عشرةَ منْ شهرِ ربيعٍ الأولِ ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في " العبرِ " . واختُلِفَ في مولِدِهِ ، فقيلَ: سنةُ تسعينَ ، وقيلَ : إحدى ، وقيلَ : ثلاثٌ ، وقيلَ : أربعٌ ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ ، وقيلَ : سبعٌ .(29)
وتوفيَ أبو حَنِيفةَ النَّعْمانُ بنُ ثابتٍ سنةَ خمسينَ ومائةٍ ، قالَهُ روحُ بنُ عبادةَ ، والهيثمُ بنُ عديٍّ ، وقعنبُ بنُ المحررِ ، وأبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ وسعيدُ بنُ كثيرِ ابنِ عفيرٍ ، وزادا في : رجبٍ ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ ، وقالَ ابنُ أبي خيثمةَ عنِ ابنِ معينٍ: سنةَ إحدى وخمسينَ . وقالَ مكيُّ بنُ إبراهيمَ البلخيُّ: سنةَ ثلاثٍ وخمسينَ . والمحفوظُ الأولُ، وكانتْ وفاتُهُ ببغدادَ، وكانَ مولدُهُ: سنةَ ثمانينَ، قالَهُ حفيدُهُ إسماعيلُ بنُ حمادِ بنِ أبي حنيفةَ .(30)
وتوفيَ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ ، سنةَ أربعٍ ومائتينِ ، قالَهُ الفَلاَّسُ ، ويوسفُ القراطيسيُّ ، ومحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحكمِ ، وزادَ في آخرِ يومٍ من رجبٍ، وقالَ ابنُ يونسَ: في ليلةِ الخميسِ آخرِ ليلةٍ من رجبٍ، وأمَّا ابنُ حبانَ، فقالَ: في شهرِ ربيعٍ الأولِ ، ودُفِنَ عندَ مغيبِ الشمسِ بالفسطاطِ ، ورجعوا ورأوا هلالَ شهرِ ربيعٍ الآخرِ . والأولُ أشهرُ ، وقالَ ابنُ عديٍّ : إنَّهُ قرأهُ على لوحٍ عندَ قبرِهِ . وكانَ مولدُهُ سنةَ خمسينَ ومائةٍ ، فعاشَ أربعاً وخمسينَ سنةً ، قالَهُ ابنُ عبدِ الحكمِ ، والفَلاَّسُ، وابنُ حبانَ ، وقالَ ابنُ زَبْرٍ : ماتَ وهوَ ابنُ اثنتينِ وخمسينَ سنةً ، والأولُ أشهرُ وأصحُّ .(31)
__________
(1) - تاريخ دمشق - (ج 25 / ص 116) حديث حسن
(2) - الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 3 / ص 224) وتاريخ دمشق - (ج 25 / ص 117)
حديث حسن ، وهذا يؤكد أن قاتل طلحة والزبير هو جماعة علي رضي الله عنه قتلة عثمان رضي الله وليس هو مروان كما ورد في بعض الروايات .
(3) - المستدرك للحاكم (3348) وصححه ووافقه الذهبي والطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 3 / ص 225) وتاريخ دمشق - (ج 25 / ص 118) وهذا إسناده صحيح وهو أقوى حديث وأصرحه أن الذي قتل طلحة هو جماعة علي ، وعلي رضي الله عنه لم ينكر ذلك وهذا يكذب الخبر الشائع والمشهور عند المؤرخين أن قاتله هو مروان بن الحكم ، وهو نص في محل النزاع وكل ما سواه فباطل لا يعول عليه .
(4) - الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 380) والطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 3 / ص 111) وتاريخ دمشق - (ج 18 / ص 417) وتاريخ دمشق - (ج 18 / ص 418)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 278)
(6) - انظر تهذيب الكمال (2229 )
(7) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 57) (7324) وتاريخ دمشق - (ج 20 / ص 366) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 9 / ص 148)
(8) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 279)
(9) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 729) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 279) والطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 3 / ص 385) وتاريخ دمشق - (ج 21 / ص 92) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 10 / ص 453)
(10) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 279)
(11) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 279)
(12) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 85)
(13) - انظر الإصابة (1802 )
(14) - انظر الإصابة (1706 )
(15) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 280)
(16) - انظر الإصابة (1883 )
(17) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 280) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 731)
(18) - الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 118)
(19) - انظر الإصابة (3293 )
(20) - شرح التبصرة والتذكرة 1/280 و والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 2/731 و الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 119)
(21) - انظر الإصابة (7845 )
(22) - انظر الإصابة (4356 )
(23) - انظر الإصابة (8211 )
(24) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(5808) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 733) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 280)
(25) - انظر الإصابة ( 7554 )
(26) - انظر الإصابة ( 3134)
(27) - انظر الإصابة ( 5479)
(28) - انظر تهذيب الكمال (2407 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 74) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 281)
(29) - انظر تهذيب الكمال (5728 ) و شرح التبصرة والتذكرة 1/280 و والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 2/731
(30) - انظر تهذيب الكمال (6439 ) و شرح التبصرة والتذكرة 1/280 و والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 2/731
(31) - انظر تهذيب الكمال (5049 ) و شرح التبصرة والتذكرة 1/280 و والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 2/731(1/461)
وتوفيَ أبو عبدِ اللهِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ حنبلٍ ببغدادَ سنةَ إحدى وأربعينَ ومائتينَ على الصحيحِ المشهورِ ، ولكنِ اختلفوا في الشهرِ الذي ماتَ فيهِ ، وفي اليومِ ، فقالَ ابنُهُ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ : توفيَ يومَ الجمعةِ ضحوةً ، ودفناهُ بعدَ العصرِ لاثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ من ربيعٍ الآخرِ ، وهكذا قالَ الفضلُ بنُ زيادٍ . وقالَ نصرُ بنُ القاسمِ الفرائضيُّ : يومَ الجمعةِ لثلاثَ عشرةَ بقينَ منهُ . وقالَ ابنُ عمِّهِ حنبلِ بنُ إسحاقَ بنِ حنبلٍ : ماتَ يومَ الجمعةِ في شهرِ ربيعٍ الأولِ . وقالَ عباسٌ الدوريُّ ، ومطينٌ : لاثنتي عشرةَ خلتْ منهُ ، زادَ عباسٌ : يومَ الجمعةِ ببغدادَ ،وأما مولدُهُ فكانَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ سنةَ أربعٍ وستينَ ومائةٍ ، نقلهُ ابناهُ عبدُ اللهِ ، وصالحُ عنهُ .(1)
من أصْحَاب المَذَاهب المَتْبوعة: الأوْزَاعي, عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الشامي كنيته أبو عمرو والأوزاع من حمير وقيل أن الأوزاع قرية بدمشق، وكان من فقهاء أهل الشام وزهادهم ومرابطيهم - رضي الله عنهم - مات سنة سبع وخمسين ومائة، وكان له مُقلِّدُون بالشَّام نحوا من مئتي سَنَة.(2)
و إسحاق بن إبراهيم بن مُحَمَّد الحنظلي ، المروزي ، أَبُو يعقوب المعروف بابن راهويه ، الإِمَام الحَافِظ الكبير ، محدث خراسان سكن نيسابور ، قرين أحمد بن حنبل ، ولد سنة ( 161 ه ، وَقِيْلَ : 166 ه ، ومات سنة 238 ه، لَهُ " المسند " ..(3)
ومُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرٍ الطَّبَرِيُّ ،الإِمَامُ، العَلَمُ، المجتهدُ، عَالِمُ العَصر، أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ البَدِيْعَة، مِنْ أَهْلِ آمُل طَبَرِسْتَان.
مَوْلِدُه:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَطَلَبَ العِلْمَ بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَأَكْثَرَ التَّرحَال، وَلقِي نُبَلاَء الرِّجَال، وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر عِلْماً، وَذكَاءً، وَكَثْرَةَ تَصَانِيْف. وكان أسمر أعين مليح الوجه مديد القامة فصيح اللسان، وروى الكثير عن الجم الغفير، ورحل إلى الآفاق في طلب الحديث، وصنف التاريخ الحافل، وله التفسير الكامل الذي لا يوجد له نظير، وغيرهما من المصنفات النافعة في الأصول والفروع., ووفاته سَنَة عشر وثلاث مئة.(4)
ودَاوُدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ البَغْدَادِيُّ الظَّاهِرِيُّ ،الإِمَامُ، البَحْرُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، عَالِمُ الوَقْتِ، أَبُو سُلَيْمَانَ البَغْدَادِيُّ، المَعْرُوْفُ بِالأَصْبَهَانِيِّ، مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المَهْدِيِّ، رَئِيْسُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، مَوْلِدُهُ: سَنَةَ مائَتَيْنِ.
قُلْتُ: لِلعُلَمَاءِ قَوْلاَن فِي الاعتِدَاد، بِخِلاَفِ دَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِ: فَمَنْ اعتَدَّ بِخِلاَفِهِم، قَالَ: مَا اعْتِدَادُنَا بِخِلاَفِهِم لأَنَّ مُفْرَدَاتِهِم حُجَّةٌ، بَلْ لِتُحكَى فِي الجُمْلَةِ، وَبَعْضُهَا سَائِغٌ، وَبَعْضُهَا قَوِيٌّ، وَبَعْضُهَا سَاقِطٌ، ثُمَّ مَا تَفَرَّدُوا بِهِ هُوَ شَيْءٌ مِنْ قَبِيْلِ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ الظَّنِّي، وَتَنْدُرُ مُخَالَفَتُهُم لإِجْمَاعٍ قَطْعِي.
وَمَنْ أَهْدَرَهُم، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِم، لَمْ يَعُدَّهُم فِي مَسَائِلِهِم المُفْرِدَةِ خَارِجِيْنَ بِهَا مِنَ الدِّيْنِ، وَلاَ كَفَّرَهُم بِهَا، بَلْ يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ فِي حَيِّزِ العَوَامِّ، أَوْ هُم كَالشِّيْعَةِ فِي الفُرُوْعِ، وَلاَ نَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِهِم، وَلاَ نَنْصِبُ مَعَهُم الخِلاَفَ، وَلاَ يُعْتَنَى بِتَحْصِيْلِ كُتُبِهِم، وَلاَ نَدُلُّ مُسْتَفْتِياً مِنَ العَامَّةِ عَلَيْهِم.
وَإِذَا تَظَاهِرُوا بِمَسْأَلَةٍ مَعْلُوْمَةِ البُطْلاَنِ، كَمَسْحِ الرِّجِلَيْنِ، أَدَّبْنَاهُم، وَعَزَّرْنَاهُم، وَأَلزَمْنَاهُم بِالغَسْلِ جَزْماً.
قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: قَالَ الجُمْهُوْرُ:
إِنَّهُم -يَعْنِي: نُفَاةَ القِيَاسِ- لاَ يَبْلُغُونَ رُتْبَةَ الاجتِهَادِ، وَلاَ يَجُوْزُ تَقْلِيْدُهُم القَضَاءَ.
وَنَقَلَ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ:
أَنَّهُ لاَ اعتِبَارَ بِخِلاَفِ دَاوُدَ، وَسَائِرِ نُفَاةِ القِيَاسِ، فِي الفُرُوْعِ دُوْنَ الأُصُوْلِ.
وَقَالَ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي: الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيْقِ:
أَنَّ مُنْكِرِي القِيَاس لاَ يُعَدُّوْنَ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، وَلاَ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرِيْعَةِ؛ لأَنَّهُم مُعَانِدُوْنَ مُبَاهِتُوْنَ فِيمَا ثَبَتَ اسْتفَاضَةً وَتَوَاتُراً، لأَنَّ مُعْظَمَ الشَّرِيْعَةِ صَادِرٌ عَنِ الاجتِهَادِ، وَلاَ تَفِي النُّصُوْصُ بعُشْرِ مِعْشَارِهَا، وَهَؤُلاَءِ مُلتَحِقُوْنَ بِالعَوَامِّ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْ أَبِي المعَالِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَهُم فَأَدَّاهُم اجتِهَادُهُم إِلَى نَفِي القَوْلِ بِالقِيَاسِ، فَكَيْفَ يُرَدُّ الاجتِهَادُ بِمِثْلِهِ، وَنَدْرِي بِالضَّرُوْرَةِ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ يُقْرِئُ مَذْهَبَهُ، وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ، وَيُفْتِي بِهِ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ، وَكَثْرَةِ الأَئِمَّةِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا، فَلَم نَرَهُم قَامُوا عَلَيْهِ، وَلاَ أَنْكَرُوا فَتَاويه وَلاَ تَدْرِيسَهُ، وَلاَ سَعَوا فِي مَنْعِهِ مِنْ بَثِّهِ، وَبَالحَضْرَةِ مِثْلُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي شَيْخِ المَالِكِيَّةِ، وَعُثْمَانَ بنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطِيِّ شَيْخِ الشَّافِعِيَّة، وَالمَرُّوْذِيِّ شَيْخِ الحَنْبَلِيَّةِ، وَابْنَي الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِيِّ شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ القَاضِي، وَمِثْلُ عَالِمِ بَغْدَادَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ.
بَلْ سَكَتُوا لَهُ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ: ذَاكَرْتُ الطَّبرِيَّ -يَعْنِي: ابْنَ جَرِيْرٍ- وَابْنَ سُرَيْجٍ، فَقُلْتُ لَهُمَا: كِتَابُ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الفِقَهِ، أَيْنَ هُوَ عِنْدَكُمَا؟
قَالاَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلاَ كِتَابُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ الفِقْهَ فَكُتُبُ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدَ، وَنُظَرَائِهِمَا.
ثمَّ كَانَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ المُغَلِّسِ، وَعِدَّةٌ مِنْ تَلاَمِذَةِ دَاوُدَ، وَعَلَى أَكْتَافِهِم مِثْلُ: ابْنِ سُرَيْجٍ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ شَيْخِ الحَنْبَلِيَّةِ، وَأَبِي الحَسَنِ الكَرْخِيِّ شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ بِمِصْرَ.
بَلْ كَانُوا يَتَجَالَسُوْنَ وَيَتَنَاظَرُوْنَ، وَيَبْرُزُ كُلٌّ مِنْهُم بِحُجَجِهِ، وَلاَ يَسْعَوْنَ بِالدَّاودِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ.
بَلْ أَبلغُ مِنْ ذَلِكَ، يَنْصِبُوْنَ مَعَهُم الخِلاَفَ فِي تَصَانِيفِهِم قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَهُم أَشْيَاءُ أَحْسَنُوا فِيْهَا، وَلَهُم مَسَائِلُ مُسْتَهْجَنَةٌ، يُشْغَبُ عَلَيْهِم بِهَا، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيْرُ الإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ، حَيْثُ يَقُوْلُ: الَّذِي اختَارَهُ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُوْرٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيْحُ مِنَ المَذْهَبِ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خِلاَفُ دَاوُدَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ آخِراً، كَمَا هُوَ الأَغْلَبُ الأَعْرَفُ مِنْ صَفْوِ الأَئِمَّةِ المُتَأَخِّرِينَ، الَّذِيْنَ أَوْرَدُوا مَذْهَبَ دَاوُدَ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ المَشْهُوْرَةِ، كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَالمَاوَرْدِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، فلَوْلاَ اعتِدَادُهُم بِهِ لَمَا ذَكَرُوا مَذْهَبَهُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ المَشْهُوْرَةِ.
قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ قَوْلُهُ، إِلاَّ فِيمَا خَالَفَ فِيْهِ القيَاسَ الجَلِيَّ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ القِيَاسِيُّونَ مِنْ أَنْواعِهِ، أَوْ بَنَاهُ عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيْلُ القَاطعُ عَلَى بُطلاَنِهَا، فَاتِّفَاقُ مَنْ سِوَاهُ إِجمَاعٌ مُنْعَقِدٌ، كَقَوْلِهِ فِي التَّغَوُّطِ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ، وَتِلْكَ المَسَائِلِ الشَّنِيعَةِ، وَقُولِهُ: لاَ رِبَا إِلاَّ فِي السِّتَّةِ المَنْصُوْصِ عَلَيْهَا، فَخِلاَفُهُ فِي هَذَا أَوْ نَحْوِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، لأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يُقْطَعُ بِبُطْلاَنِهِ.
قُلْتُ: لاَ رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مسَأَلَةٍ انْفَرَدَ بِهَا، وَقُطِعَ بِبُطْلاَنِ قَوْلِهِ فِيْهَا، فَإِنَّهَا هَدْرٌ، وَإِنَّمَا نَحْكِيهَا للتَّعَجُّبِ، وَكُلَّ مسَأَلَةٍ لَهُ عَضَدَهَا نَصٌّ، وَسَبَقَهُ إِلَيْهَا صَاحِبٌ أَوْ تَابِعٌ، فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الخِلاَفِ، فَلاَ تُهْدَرُ.
وَفِي الجُمْلَةِ، فَدَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ بَصِيرٌ بِالفِقْهِ، عَالِمٌ بِالقُرْآنِ، حَافظٌ للأَثَرِ، رَأْسٌ فِي مَعْرِفَةِ الخِلاَفِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَهُ ذكَاءٌ خَارِقٌ، وَفِيْهِ دِيْنٌ مَتِينٌ.
وَكَذَلِكَ فِي فُقَهَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ جَمَاعَةٌ لَهُم عِلْمٌ بَاهِرٌ، وَذكَاءٌ قَوِيٌّ، فَالكَمَالُ عَزِيزٌ، وَاللهُ المُوَفِّقُ.
وَنَحْنُ: فَنَحْكِي قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي المُتعَةِ، وَفِي الصَّرْفِ، وَفِي إِنكَارِ العَوْلِ، وَقولَ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِ الغُسْلِ مِنَ الإِيْلاجِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَلاَ نُجَوِّزُ لأَحَدٍ تَقْلِيْدَهُم فِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ كَامِلٍ: مَاتَ دَاوُدُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.(5)
13- وفياتِ أصحابِ الكتبِ الخمسةِ :
أبو عبد الله مُحمَّد بن إسماعيل بن إبْرَاهيم بن المُغيرة بن بَرْدِزبَه بفتح الموحَّدة وسُكون الراء وكسر الدال المهملة وسُكون الزَّاي وفتح الموحَّدة ثمَّ هاء, الجُعْفي البُخَاري نِسْبة إلى بُخَارى بالقَصْر, أعظم مدينة وراء النهر.
ولدُ يوم الجُمعة بعد الصَّلاة لثلاث عشرة خلت من شوَّال سَنَة أربع وتسعين ومئة, ومات ليلة السَّبت, وقت العشاء, ليلة عيد الفِطْر سَنَة ست وخمسين ومئتين بخرتنك, قرية بقُرْب سَمْرقند.
خرجَ إليها لمَّا طلب منهُ والي بُخَارى خالد بن أحمد الذُّهْلي أن يَحْمل له «الجامع» و«التاريخ» ليسمعهُ منه, فقال لرسُوله: قل له: أنا لا أُذل العِلْم, ولا أحمله إلى أبواب السَّلاطين, فأمرهُ بالخُروج من بلده, فخرج إلى خَرْتنك, وكان له بها أقْربَاء, فنزل عندهم, وسأل الله عزَّ وجلَّ أن يقبضهُ, فما تمَّ الشَّهر حتَّى مات.
له من التصانيف غير «الصَّحيح» : «الأدب المُفْرد», و«رفع اليَدين في الصَّلاة», و«القراءة خلف الإمام», و«بر الوالدين», و«التاريخ الكبير», و«الأوسط», و«الصَّغير» و«خلق أفعال العباد» و«الضُّعفاء».
وكُلها موجُودة الآن, وما لم نقف عليه: «الجامع الكبير» ذكرهُ ابن طاهر و«المسند الكبير», و«التفسير الكبير» ذكره الفَرْبري, و«الأشْربة» ذكره الدَّارقُطْني, و«الهبة» ذكره ورَّاقة, و«أسامي الصَّحَابة» ذكره أبو القاسم ابن منده وأبو القاسم البَغَوي, و«الوحدان» وهو من ليس له إلاَّ حديث واحد من الصَّحَابة, ذكره البَغَوي, و«المبسوط» ذكره الخليلي, و«العلل» ذكره ابن منده, و«الكُنى» ذكره أبو أحمد الحاكم, و«الفوائد» ذكره التِّرمذي في «جامعه».
فَتُوفِّيَ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ ليلةَ السبتِ ، عندَ صلاةِ العشاءِ ليلةَ عيدِ الفطرِ سنةَ ستٍّ وخمسينَ ، قالَهُ الحسنُ بنُ الحسينِ البزَّارُ . قالَ : ووُلِدَ يومَ الجمعةِ بعدَ الصلاةِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً خَلَتْ منْ شوالٍ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ . وكانتْ وفاتُهُ بخَرْتَنْكَ - قريةٍ بقربِ سَمرقَندَ -. وذكرَ ابنُ دقيقِ العيدِ في " شرحِ الإلمامِ " : أنها بكسرِ الخاءِ ، والمعروفُ فتحُهَا ، وكذا ذكرَهُ السمعانيُّ ، وما ذُكرَ مِنْ أنَّهُ ماتَ بخَرْتَنْكَ ، هوَ المعروفُ ، وبهِ جزمَ السمعانيُّ وغيرُهُ ، وذكرَ ابنُ يونسَ في "تاريخِ الغرباءِ": أنَّهُ ماتَ بمصرَ بعدَ الخمسينِ ومائتينِ ، ولَمْ أرَهُ لغيرِهِ ، والظاهرُ أنَّهُ وهمٌ .(6)
ومُسْلم ابن الحجَّاج بن مُسلم القُشَيري النَيْسَابوري أبو الحُسين مات بنيسابور عَشِية يوم الأحد لِخَمس بَقِين من رجب سَنَة إحدى وستِّين ومئتين, ابن خمس وخمسين وقِيلَ: ستِّين, وقِيلَ: سَبْع وخمسين, لأنَّ المَعْروف أنَّ مَوْلده سَنَة أرْبَع ومئتين.
قال الحاكم: له من الكُتب غير «الصَّحيح»: «الجامع» على الأبواب, رأيت بعضه, و«المُسْند الكبير» على الرِّجال, ما أرى أنَّه سمع منه أحد, و«الأسماء والكنى», و«التمييز», و«العلل», و«الوحدان», و«الأفراد», و«الأقران», و«الطبقات», و«أفراد الشَّاميين», و«أولاد الصَّحَابة», و«أوْهَام المُحدِّثين», و«المُخَضْرمون», و«حديث عَمرو بن شُعيب», و«الانتفاع بأُهب السِّباع», و«سُؤالات أحمد», و«مشايخ مالك والثَّوري شُعْبة»..(7)
وأبو داود سُليمان بن الأشْعَث بن بَشِير بن شَدَّاد بن عَمرو بن عِمْران الأزْدي السِّجِسْتَاني بكسر المُهْملة والجيم وسُكُون السِّين المُهْملة أيضًا, نِسْبة إلى سجستان, ويُنْسب إليها سجزي أيضًا, على غير قِيَاس ماتَ بالبَصْرة في يوم الجُمعة سادس عشر شوَّال سَنَة خمس وسبعين ومئتين ومولده سَنَة ثنتين ومئتين.
له من التصانيف: «السُّنن», و«المَرَاسيل», و«الرد على القَدَرية», و«النَّاسخ والمَنْسُوخ», و«ما تفرَّد به أهل الأمْصَار», و«فضائل الأنْصَار», و«مُسند مالك بن أنس», و«المسائل», و«مَعْرفة الأوقات», و«الإخوة», وغير ذلك.(8)
وأبو عيسى مُحمَّد بن عيسى بن سَوْرة بن مُوسَى بن الضحَّاك التِّرمذي السُّلمي الضَّرير مات بتِرْمِذ وهي مَدِينة على طرف جَيْحُون, بكسر التاء, وقِيلَ: بفتحها, وقِيلَ: بضمِّها وكسر الميم, وقِيلَ: مَضْمُومة, وذال مُعْجمة, ليلة الاثنين, لثلاث عشرة مَضَت من رجب, سَنَة تسع وسبعين ومئتين, وقال الخليلي: بعد الثَّمانين, وهُو وَهْمٌ.
لهُ من التَّصَانيف: «الجامع», و«العلل المفرد», و«التاريخ», و«الزهد», و«الشَّمائل», و«الأسماء والكُنى» .(9)
وأبو عبد الرَّحمن أحمد بن شُعيب بن علي بن سِنَان بن بَحْر بن دِينَار الخُرَاساني النَّسَائي ويُقَال: النَّسَوي, نِسْبة إلى نَسَا بالفتح والقصر, مدينة بخُرَاسان, مات بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر, وقِيلَ: بمكَّة في شعبان سَنَة ثلاث وثلاث مئة ومولده سَنَة أربع عشرة, وقِيلَ: خمس عشرة ومئتين.
له من الكُتب: «السُّنن الكُبرى», و««الصُّغْرى», و«خصائص علي», و«مُسْند علي» , و«مُسْند مالك», و«الكُنَى», و«عمل اليوم واللَّيلة», و«أسْمَاء الرُّواة والتَّمييز بينهم», و«الضُّعفاء», و«الإخوة», و«ما أغرب شُعْبة على سُفْيان وسُفيان على شُعْبة», و«مُسْند منصور بن زاذان», وغير ذلك..(10)
وأبو عبد الله مُحمَّد بن يزيد بن مَاجه القَزْويني, مات في رمضان سَنَة ثلاث وسَبْعين ومئتين, ولم يذكُر المُصنِّف كابن الصَّلاح وفَاته, كما لم يذكُرَا كتابه في الأُصُول.
ولهُ من التَّصَانيف: «السُّنن» و«التَّفسير»..(11)
14- ثمَّ سَبْعة من الحُفَّاظ في سَاقتهم, أحسَنُوا التصنيف, وعَظُم النَّفع بتصانيفهم:
الدَّارَقُطْنِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ الإِسلاَمِ، عَلَمُ الجهَابذَةِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيِّ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ دِيْنَارِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، مِنْ أَهْلِ مَحَلَّةِ دَارِ القُطْنِ بِبَغْدَادَ.
وُلِدَ:سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِ مائَةٍ، هُوَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ،و مات ببغداد في يوم الأربعاء لثمان خَلَون من ذي القعدة سَنَة خمس وثمانين وثلاث مئة, وولد فيه أي: ذي القعدة سَنَة ست وثلاث مئة، له: «السُّنن» و«العلل» و«التَّصحيف» و«الأفراد» وغير ذلك.(12)
الحَاكِمُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوَيْه ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّع الضَّبِّيّ، الطَّهْمَانِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ:فِي يَوْم الاثنين، ثَالث شَهْر ربيع الأَوّل، سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بِنَيْسَابُوْرَ. مات بها في ثالث صفر, سَنَة خمس وأربع مئة,له «المستدرك», و«تاريخ نيسابور», و«علوم الحديث», و«التفسير», و«المدخل», و« الإكليل», و«مناقب الشَّافعي» وغير ذلك.(13)
عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سَعِيْدِ بنِ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ الأَزْدِيُّ ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، النَسَّابَة، مُحَدِّثُ الدِّيَار المِصْرِيَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ(المُؤتَلَفِ وَالمُخْتَلَفِ).مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
ومات بمصر في صفر لسبع خلون منه سَنَة تسع وأربع مئة.(14)
أَبُو نُعَيْمٍ المِهْرَانِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ ،الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو نُعَيْمٍ المِهْرَانِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الأَحْوَلُ، سِبْطُ الزَّاهِدِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَنَّاءِ، وُلِدَ:سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ., ومات في يوم الاثنين, الحادي والعشرين من صفر, سَنَة ثلاثين وأربع مئة بأصبهان.
له من التَّصَانيف: «الحِلْية», و«مَعْرفة الصَّحَابة», و«تاريخ أصْبَهان» و«دلائل النُّبوة», و«عُلوم الحديث», و«المُسْتخرج على البُخَاري», و«المُسْتخرج على مُسْلم», و«فضائل الصَّحَابة», و«صِفَة الجنَّة», و«الطِّب» وغيرها.(15)
ابْنُ عَبْدِ البَرِّ أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّمَرِيُّ ،الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، حَافظُ المَغْرِبِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَرِّ بنِ عَاصِمٍ النَّمَرِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، المَالِكِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ الفَائِقَة، مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَة فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ.وَقِيْلَ:فِي جُمَادَى الأُوْلَى.فَاخْتَلَفتِ الروَايَاتُ فِي الشَّهْر عَنْهُ. وتوفي بشاطبة وهي مَدينة بالأندلس, في ليلة الجُمُعة, سلخ ربيع الآخر سَنَة ثلاث وستين وأربع مئة.
__________
(1) - انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (11/179) فما بعد وتاريخ دمشق - (ج 5 / ص 252) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 292) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 1 / ص 437) (96) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 54) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 4 / ص 360)
(2) - (رجال مسلم 1/412) وسير أعلام النبلاء (7/108) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 11 / ص 267)
(3) - انظر : حلية الأولياء 9/234 ، وسير أعلام النبلاء 11/358 ، وطبقات الفقهاء : 108 .
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 240) وسير أعلام النبلاء (14/268) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 305) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 5 / ص 348)
(5) - سير أعلام النبلاء (13/98-109)- 55 -
(6) - انظر ترجمته في تهذيب الكمال (5059 ) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 241) و البداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 132) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 5 / ص 11) وسير أعلام النبلاء (12/392)- 171 -
(7) - انظر ترجمته في تهذيب الكمال (5923 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 735) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 282) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 242)
(8) - انظر ترجمته في تهذيب الكمال (2492) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 735) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 282) وسير أعلام النبلاء (13/203)
(9) - انظر ترجمته في تهذيب الكمال (5531) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 735) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 282) وسير أعلام النبلاء (13/271) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 242) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 194)
(10) - انظر ترجمته في تهذيب الكمال (48 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 735) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 282) وسير أعلام النبلاء (14/125) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 243) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 5 / ص 317)
(11) - انظر ترجمته في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 735) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 282) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 243) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 80) وتاريخ دمشق - (ج 56 / ص 270) ( 7113) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 173)
(12) - سير أعلام النبلاء .(16/449)-332 - و تذكرة الحفاظ 3/911، والأعلام 5/130وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 244)
(13) - سير أعلام النبلاء (17/163)- 100 - وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 283) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 244)
(14) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 81) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 244) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 283) وسير أعلام النبلاء (17/268)- 164 -
(15) - تذكرة الحفاظ 3/1092، ومعجم المؤلفين 1/282، وفتح الباري 1/5وسير أعلام النبلاء (17/454)- 305 - وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 81) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 244) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 283)(1/462)
له من التَّصانيف: «التَّمْهيد في شرح المُوطأ», و«الاستذكار», ومُختصره, و«التَّقَصي على المُوطأ», و«الاسْتِيعاب في الصَّحَابة» و«فضل العلم», و«قبائل الرُّواة», و«الشَّوَاهد في إثبات خبر الواحد», و«الكُنَى» و«المَغَازي», و«الأنْسَاب» وغير ذلك.(1)
البَيْهَقِيُّ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى ،هُوَ الحَافِظُ العَلاَّمَةُ، الثَّبْتُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الخُسْرَوْجِرديُّ، الخُرَاسَانِيُّ.
وَبَيْهَق:عِدَّة قُرَى مِنْ أَعْمَالِ نَيْسَابُوْر عَلَى يَوْمَيْن مِنْهَا، وُلِدَ:فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة فِي شَعْبَانَ., ومَاتَ بنيسابور في عاشر جُمَادى الأولى, سَنَة ثَمَان وخمسين وأربع مئة ونُقل تابوته إلى بَيْهق.
له من التَّصَانيف: «السُّنن الكبرى» و«الصَّغْرى» و«المَعْرفة» و«المَبْسُوط» و«المَدْخل» و«شُعَب الإيمان» و«الأسْمَاء والصِّفات» و«البَعْث والنُّشور» و«الزُّهْد الكبير» و«الصَّغير» و«مَنَاقب الشَّافعي», و«الخِلافيات» و«الأدب» و«الاعتقاد» وغير ذلك.(2)
الخَطِيْبُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ ،الإِمَامُ الأَوْحَدُ، العَلاَّمَةُ المُفْتِي، الحَافِظُ النَّاقِدُ، مُحَدِّثُ الوَقْتِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَخَاتمَةُ الحُفَّاظ، وُلِدَ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَتَقدَّمَ فِي هَذَا الشَّأْن، وَبَذَّ الأَقرَان، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَصحَّح، وَعلَّلَ وَجرَّحَ، وَعدَّلَ وَأَرَّخ وَأَوضح، وَصَارَ أَحْفَظَ أَهْلِ عصره عَلَى الإِطلاَق.
ومَاتَ ببغداد في سابع ذي الحجَّة سَنَة ثلاث وستِّين وأرْبَع مئة .
وله من التَّصَانيف: «تاريخ بغداد», و«الجامع في أدب الرَّاوي والسَّامع», و«الكِفَاية في قَوَانين الرِّواية», و«الرِّحلة», و«تَلْخيص المُتَشابه», والذَّيل عليه و«الفَصْل للمُدْرج» و«المُبْهمات» وأشياء كثيرة جدًّا في الفن.(3)
15- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) كتاب " الوَفَيَات " لابن زَبْر محمد بن عبيد الله الربعي محدث دمشق المتوفى سنة 379هـ وهو مرتب على السنين .
ب) ذيول على الكتاب السابق منها للكتاني ثم للأكفاني ثم للعراقي ، وغيرهم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (18/153)-85 - وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 244)
(2) - سير أعلام النبلاء ِ(18/164) -86 - وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 246)
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 283) و سير أعلام النبلاء (18/270)- 137 - وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 246)(1/463)
مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ(1)
ـ 17 ـ
1- تعريفُ الاختلاط:
أ) لغة: الاختلاطُ لغة فسادُ العقل، يقال " اختلط فلان " أي فسد عقله، كما في القاموس.(2)
ب) اصطلاحاً: هو تغير كبير في حال الراوي ، ينتقل به من صفة الضبط التام أو ما يقاربه من مراتب القبول إلى حالة فقدان الذاكرة أو الخرف أو انعدام التمييز أو نحو ذلك.
وذلك التغير أكثر ما يكون في آخر العمر ، بسبب ضعف الذاكرة ، أو الخرف ، ثم هو قد يكون ملازماً للراوي بعد طروئه عليه ، وقد يكون غير ملازم(3)..
2- أنواعُ المُخْتَلَطين:
أ) من اختلط بسبب الخَرَف :
فممَّنِ اختلطَ في آخرِ عُمُرِهِ : عطاءُ بنُ السائبِ ، قالَ ابنُ حبانَ : " اختلطَ بأخرةٍ ، ولَمْ يفحشْ خطَؤُهُ " . انتهى .
وممَّنْ سُمِعَ منهُ قبلَ الاختلاطِ : شُعبةُ وسُفيانُ الثَّوريُّ ، قالَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ ، ويحيى بنُ سعيدٍ القطانُ ، إلاَّ أنَّ القطانَ استثنى حديثينِ سمعهُمَا منهُ شعبةُ بأخرةٍ عنْ زادانَ ، وكذلكَ حمادُ بنُ زيدٍ سَمِعَ منهُ قبلَ أنْ يتغيَّرَ ، قالَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ ، وكذا قالَ النسائيُّ : روايةُ حمادِ بنِ زيدٍ وشعبةَ وسفيانَ عنهُ جيِّدَةٌ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : قلت: فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهيرا وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح ومن عداهم يتوقف فيه الا حماد بن سلمة فاختلف قولهم والظاهر أنه سمع منه مرتين مرة مع أيوب كما يومي إليه كلام الدارقطني ومرة بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة وسمع منه مع جرير وذويه والله أعلم .(4)
" قلت : الصواب أن سماع حماد بن سلمة منه قبل الاختلاط "
وممَّنْ سُمِعَ منهُ بعدَ الاختلاطِ: جريرُ بنُ عبدِ الحميدِ ، وخالدُ بنُ عبدِ اللهِ الواسطيُّ، وإسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ ، وعليُّ بنُ عاصمٍ ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ، وكذلكَ سمعَ منهُ بعدَ التغيُّرِ : محمدُ بنُ فضيلِ بنِ غزوانَ ، وممَّنْ سمِعَ منهُ أيضاً بأخرةٍ : هُشَيمٌ ، قالَهُ أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ العجليُّ . قلتُ : قدْ روى لهُ البخاريُّ في صحيحهِ حديثاً صحيح البخارى (6578 ) حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنه - قَالَ الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدٍ إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِى الْجَنَّةِ . فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِى فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . وليسَ لهُ عندَ البخاريِّ غيرُ هذا الحديثِ الواحدِ . وممَّنْ سمِعَ منهُ في الحالتينِ معاً : أبو عوانَةَ ، قالَهُ عباسٌ الدوريُّ عنْ يحيى بنِ مَعينٍ ، قالَ : ولا يُحتجُّ بحديثِهِ . أي : بحديثِ أبي عوانةَ عنهُ .(5)
وممَّنِ اختلطَ أخيراً : أبو مسعودٍ سعيدُ بنُ إياسٍ الجريريُّ ، وهوَ ثقةٌ احتجَّ بهِ الشيخانِ ، ولَمْ يشتدَّ تغيُّرُهُ ، قالَ يحيى بنُ سعيدٍ عنْ كهمسٍ : أَنْكَرْنَا الجريريَّ أيامَ الطَّاعُونِ ، وكذا قالَ النسائيُّ : ثقةٌ أُنْكِرَ أيامَ الطاعونِ . وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ : تغيَّرَ حفْظُهُ قبلَ موتِهِ ، فمَنْ كَتَبَ عنهُ قديماً ، فهوَ صالحٌ .
قلتُ : وممَّنْ سَمِعَ منهُ قبلَ التَّغَيرِ : شعبةُ ، وسفيانُ الثوريُّ ، والحمَّادانِ ، وإسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ ، ومَعْمَرٌ ، وعبدُ الوارثِ بنُ سعيدٍ ، ويزيدُ بنُ زريعٍ ، ووهيبُ بنُ خالدٍ ، وعبدُ الوهابِ بنُ عبدِ المجيدِ الثقفيُّ ؛ وذلكَ لأنَّ هؤلاءِ كلَّهُمْ سمعوا منْ أيوبَ السَّختيانيِّ ، وقدْ قالَ أبو داودَ، فيما رواهُ عنهُ أبو عبيدٍ الآجريُّ : كلُّ مَنْ أدركَ أيوبَ فسماعُهُ منَ الجريريِّ جيدٌ . انتهى .
وممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ التغيُّرِ : محمدُ بنُ أبي عديٍّ ، وإسحاقُ الأزرقُ ، ويحيى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، ولذلكَ لَمْ يحدّثْ عنهُ شيئاً. وقدْ روى الشيخانِ للجريريِّ منْ روايةِ بشرِ ابنِ المفضلِ ، وخالدِ بنِ عبدِ اللهِ ، وعبدِ الأعلى بنِ عبدِ الأعلى ، وعبدِ الوارثِ بنِ سعيدٍ عنهُ ، وروى لهُ مسلمٌ فقطْ منْ روايةِ جَعْفَرِ بنِ سليمانَ الضبعيِّ ، وحمَّادِ بنِ أسامةَ ، وحمادِ بنِ سلمةَ ، وشعبةَ ، وسفيانَ الثوريِّ ، وسالمِ بنِ نوحٍ ، وابنِ المباركِ ، وعبدِ الوهابِ الثقفيِّ ، وَوُهَيْبِ بنِ خالدٍ ، ويزيدَ بنِ زريعٍ ، وعبدِ الواحدِ بنِ زيادٍ ، ويزيدَ بنِ هارونَ وقدْ قيلَ : إنَّ يزيدَ بنَ هارونَ ، إنما سَمِعَ منهُ بعدَ التَّغَيُّرِ ، فقدْ روى ابنُ سعدٍ عنهُ، قالَ : سمعتُ منهُ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ ومائةٍ ، وهيَ أولُ سنةٍ دخلتُ البصرةَ ، ولَمْ ننكرْ منهُ شيئاً ، قالَ : وكانَ قيلَ لنا : إنهُ قدِ اختلطَ ، وقالَ ابنُ حبَّانَ : كانَ قدِ اختلطَ قبلَ أنْ يموتَ بثلاثِ سنينَ ، قالَ : وقدْ رآهُ يحيى القطانُ ، وهوَ مختلطٌ ، ولَمْ يكنِ اختلاطُهُ فاحشاً ، ماتَ سنةَ أربعٍ وأربعينَ ومائةٍ .(6)
قلت : لا يروي الشيخان للمختلط إلا ما علما أنه حدث به قبل الاختلاط أو توبع عليه.
ومنهمْ : أبو إسحاقَ السَّبِيعيُّ ، واسمُهُ عمرُو بنُ عبدِ اللهِ ، ثقةٌ احتجَّ بهِ الشيخانِ ، قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ : ثقةٌ . لكنَّ هؤلاءِ الذينَ حملوا عنهُ بأخرةٍ وقالَ يعقوبُ الفَسَويُّ : قالَ ابنُ عيينةَ : حدَّثنا أبو إسحاقَ في المسجدِ ، ليسَ معنا ثالثٌ ، قالَ الفَسَويُّ : فقالَ بعضُ أهلِ العلمِ : كانَ قدِ اختلطَ ، وإنما تركوهُ معَ ابنِ عيينةَ لاختلاطِهِ . انتهى . وكذا قالَ الخليليُّ : إنَّ سماعَهُ منهُ بعدَ ما اختلطَ .
قلتُ : ولَمْ يخرِّجْ لهُ الشيخانِ منْ روايةِ ابنِ عيينةَ عنهُ شيئاً ، إنما أخرجَ لهُ منْ طريقهِ الترمذيُّ ، وكذلكَ النسائيُّ في عملِ اليومِ والليلَةِ ، وأنكرَ صاحبُ " الميزانِ " اختلاطَهُ ، فقالَ(7): شاخَ ونسيَ ، ولَمْ يختلطْ ، قالَ : وقدْ سمِعَ منهُ سفيانُ بنُ عيينةَ ، وقدْ تغيَّرَ قليلاً . واختُلِفَ في وفاتِهِ ، فقيلَ : سنةُ ستٍّ وعشرينَ ومائةٍ . وقيلَ : سبعٍ . وقيلَ : ثمانٍ . وقيلَ : تسعٍ .(8)
ومنهمْ : سعيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ ، واسمُ أبي عَرُوبةَ : مهرانُ ، ثقةٌ ، احتجَّ بهِ الشيخانِ ؛ لكنَّهُ اختلطَ ، وطالتْ مدةُ اختلاطِهِ فوقَ العشرِ سنينَ على ما يأتي منَ الخلافِ ، قالَ أبو حاتِمٍ : هوَ قبلَ أنْ يختلطَ ثقةٌ . وقدِ اختُلِفَ في ابتداءِ اختلاطِهِ ، فقالَ دُحيمٌ : اختلطَ مَخْرَجَ إبراهيمَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ ومائةٍ ، وكذا قالَ ابنُ حبَّانَ : اختلطَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ ومائةٍ، وبقيَ خمسَ سنينَ في اختلاطِهِ ماتَ سنةَ خمسينَ ومائةٍ . وقالَ يحيى بنُ معينٍ : خلطَ بعدَ هزيمةِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حسنِ بنِ حسنٍ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ ، يعني : ومائة ، ومَنْ سمعَ منهُ بعدَ ذلكَ ليسَ بشيءٍ .
قلتُ : هكذا اقتصرَ ابنُ الصلاحِ حكايةً عنْ يحيى بنِ معينٍ أنَّ هزيمةَ إبراهيمَ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ ، والمعروفُ سنةَ خمسٍ وأربعينَ ، كما تقدَّمَ هذا هوَ المذكورُ في التواريخِ أنَّ خروجَهُ فيها، وإنَّهُ قُتِلَ فيها يومُ الاثنينِ لخمسِ ليالٍ بقينَ من ذي القعدةِ ، واحتزَّ رأسُهُ .
فمِمَّنْ سمعَ من ابنِ أبي عَرُوبةَ قبلَ اختلاطِهِ:عبدُ اللهِ بنُ المباركِ ، ويزيدُ بنُ زُريعٍ ، قالَهُ ابنُ حبانَ وغيرُهُ ، وكذلكَ شعيبُ بنُ إسحاقَ سمعَ منهُ سنةَ أربعٍ وأربعينَ قبلَ أنْ يختلطَ بسنةٍ،وكذلكَ يزيدُ بنُ هارونَ صحيحُ السماعِ منهُ، قالَهُ ابنُ معينٍ،وكذلكَ عبدةُ ابنُ سليمانَ ، قالَ ابنُ معينٍ : إنَّهُ أثبتُ الناسِ سماعاً منهُ ، وقالَ ابنُ عديٍّ(9): " أرواهم عنهُ عبدُ الأعلى السَّامِيُّ ، ثمَّ شعيبُ بنُ إسحاقَ ، وعبدَةُ بنُ سليمانَ ، وعبدُ الوهابِ الخفافُ ، وأثبتهمْ فيهِ يزيدُ بنُ زريعٍ ، وخالدُ بنُ الحارثِ ، ويحيى القطانُ " . قلتُ : قدْ قالَ عبدةُ بنُ سليمانَ عنْ نفسِهِ ، أنَّهُ سمعَ منهُ في الاختلاطِ ، إلاَّ أنْ يريدَ بذلكَ بيانَ اختلاطِهِ ، وأنَّهُ لَمْ يحدِّثْ بما سمعَهُ منهُ في الاختلاطِ ، واللهُ أعلمُ . وسمعَ منهُ قديماً : سرارُ بنُ مجشِّرٍ ، أشارَ إليهِ النسائيُّ في " سننِهِ الكبرى "(10)، وقالَ أبو عبيدٍ الآجريُّ ، عنْ أبي داودَ : كانَ عبدُ الرحمنِ يقدِّمُهُ على يزيدَ بنِ زُريعٍ ، وهوَ من قدماءِ أصحابِ سعيدِ بنِ أبي عَروبةَ ، وماتَ قديماً .
وممَّنْ سَمِعَ منهُ في الاختلاطِ : أبو نُعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ ، ووكيعٌ ، والمعافى بنُ عِمْرَانَ المَوْصِليُّ . قلتُ : وقدْ روى لهُ الشيخانِ منْ روايةِ خالدِ بنِ الحارثِ ، وروحِ بنِ عبادةَ ، وعبدِ الأعلى الشاميِّ ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عثمانَ البكراويِّ ، ومحمدِ بنِ سَوَاءٍ السدوسيِّ ، ومحمدِ بنِ أبي عديٍّ ، ويزيدَ بنِ زُريعٍ ، ويحيى بنِ سعيدٍ القطانِ عنهُ . وروى لهُ البخاريُّ فقطْ منْ روايةِ بشرِ بنِ المُفَضَّلِ ، وسهلِ بنِ يوسفَ ، وابنِ المباركِ ، وعبدِ الوارثِ بنِ سعيدٍ ، ومحمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ ، وكَهْمَسِ بنِ المنهالِ عنهُ . وروى لهُ مسلمٌ فقطْ من روايةِ ابنِ عُلَيَّةَ ، وأبي أسامةَ ، وسعيدِ بنِ عامرٍ الضبعيِّ ، وسالمِابنِ نوحٍ ، وأبي خالدٍ الأحمرِ ، وعبدِ الوهابِ بنِ عطاءٍ ، وعَبْدةَ بنِ سُليمانَ ، وعليِّ بنِ مسهرٍ ، وعيسى بنِ يونسَ ، ومحمدِ بنِ بكرٍ البرسَانيِّ ، وغُنْدَرٍ عنهُ .
قلتُ : وقدْ قالَ ابنُ مهديٍّ : سمعَ غندرٌ منهُ في الاختلاطِ . وأما مدةُ اختلاطِ سعيدٍ ، فقدْ تقدَّمَ قولُ ابنِ حبَّانَ أنَّها خمسُ سنينَ ، وقالَ صاحبُ " الميزانِ " : ثلاثَ عشرةَ سنةً ، وخالفَ في ذلكَ في " العبرِ " ، فقالَ : عشرَ سنينَ ، معَ قولِهِ فيهما: أنَّهُ توفيَ سنةَ ستٍّ وخمسينَ ، وكذا قالَ الفَلاَّسُ ، وأبو موسى الزمنُ ، وغيرُ واحدٍ في وفاتِهِ . وقيلَ : سنةُ سبعٍ وخمسينَ ومائةٍ .(11)
ومنهمْ : أبو قِلاَبةَ الرَّقاشيُّ ، واسمُهُ : عبدُ الملكِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ أحدُ شيوخِ ابنِ خزيمةَ ، قالَ فيهِ ابنُ خزيمةَ : حدَّثنا أبو قِلاَبةَ بالبصرةِ قبلَ أنْ يختلطَ ويخرجَ إلى بغدادَ . قلتُ : وممَّنْ سَمِعَ منهُ آخراً ببغدادَ : أبو عمرَو عثمانُ بنُ أحمدَ بنِ السماكِ ، وأبو بكرٍ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الشافعيُّ ، وآخرونَ. فعلى قَولِ ابنِ خزيمةَ سماعُهُمْ منهُ بعدَ الاختلاطِ . وكانتْ وفاتُهُ سنةَ ستٍّ وسبعينَ ومائتينِ ببغدادَ .(12)
ومنهمْ : حُصَيْنُ بنُ عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ الكوفيُّ ، أحدُ الثقاتِ الأثباتِ ، احتجَّ بهِ الشيخانِ، ووثَّقهُ أحمدُ، وأبو زرعةَ،والعِجْليُّ،وغيرُهمْ. وقالَ أبو حاتمٍ: ثقةٌ ساءَ حفظُهُ في الآخرِ، وكذا قالَ يزيدُ بنُ هارونَ:إنَّهُ اختلطَ.وقالَ النسائيُّ : تغيَّرَ، وأمَّا عليُّ بنُ عاصمٍ ، فقالَ : إنَّهُ لَمْ يختلطْ ، كذا حكاهُ صاحبُ " الميزانِ " عنهُ .(13)
ومنهمْ : عارمٌ اسمهُ : محمدُ بنُ الفَضْلِ أبو النُّعْمَانِ السدوسيُّ ، وعارمٌ لقبٌ لهُ ، وهوَ أحدُ الثقاتِ الأثباتِ ، روى عنهُ البخاريُّ في "صحيحهِ" ، ومسلمٌ بواسطةٍ ، قالَ البخاريُّ : " تغيَّرَ في آخرِ عمرِهِ " . وقالَ أبو حاتمٍ : اختَلَطَ في آخرِ عمرِهِ ، وزالَ عقلُهُ ، فمنْ سَمِعَ منهُ قبلَ الاختلاطِ فَسماعُهُ صحيحٌ ، قالَ : وكتبْتُ عنهُ قبلَ الاختلاطِ سنةَ أربعَ عشرةَ ، ولَمْ أسمعْ منهُ بعدَما اختلطَ . فمَنْ سمعَ منهُ قبلَ سنةِ عشرينَ ومائتينِ ، فسماعُهُ جيدٌ ، وأبو زرعةَ لقيهُ سنةَ اثنتينِ وعشرينَ.وقالَ الحسينُ بنُ عبدِ اللهِ الذَّارعُ، عنْ أبي داودَ : بَلَغَنَا أنَّ عارماً أُنكرَ سنةُ ثلاثَ عشرةَ ، ثمَّ راجعهُ عقلُهُ ، واستحكمَ بهِ الاختلاطُ سنةَ ستَّ عشرةَ ، وقالَ ابنُ حبانَ : اختلطَ في آخرِ عمرِهِ ، وتغيَّرَ حتَّى كادَ لا يدري ما يُحدِّثُ بهِ ، فوقعَ في حديثهِ المناكيرُ الكثيرةُ ، فيجبُ التنكُّبُ عنْ حديثِهِ فيما رواهُ المتأخرونَ ، فإذا لَمْ يعلمْ هذا من هذا تُرِكَ الكلُّ. وأنكرَ صاحبُ "الميزانِ" ، هذا القولَ منِ ابنِ حبانَ ، ووصفهُ بالتسخيفِ والتهويرِ ، وحكى قولَ الدارقطنيِّ : تغيَّرَ بأخرةٍ ، وما ظهرَ لهُ بعدَ اختلاطِهِ حديثٌ منكرٌ ، وهوَ ثقةٌ .
إذا تقرَّرَ ذلكَ ، فممَّنْ سمعَ منهُ قبلَ اختلاطِهِ : أحمدُ بنُ حنبلٍ ، وعبدُ اللهِ ابنُ محمدٍ المسنديُّ ، وأبو حاتمٍ الرازيُّ ، وأبو عليٍّ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ خالدٍ الزريقيُّ ، وقالَ ابنُ الصلاحِ : ما رواهُ عنهُ : البخاريُّ ، ومحمدُ بنُ يحيى الذهليُّ ، وغيرُهما منَ الحفاظِ ، ينبغي أنْ يكونَ مأخوذاً عنهُ قبلَ اختلاطِهِ . انتهى ، وممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ اختلاطِهِ : أبو زرعةَ الرازيُّ ، وعليُّ بنُ عبدِ العزيزِ البغويُّ . وكانتْ وفاتُهُ سنةَ أربعٍ وعشرينَ
ومائتينِ .(14)
ومنهمْ : عبدُ الوهابِ بنُ عبدِ المجيدِ الثقفيُّ ، أحدُ الثقاتِ الذينَ احتجَّ بهمْ الشيخانِ . قالَ عباسٌ الدوريُّ ، عنْ يحيى بنِ معينٍ : اختلطَ بأخرةٍ . وقالَ عقبةُ بنُ مكرمٍ العميُّ : اختلطَ قبلَ موتِهِ بثلاثِ سنينَ ، أو أربعِ سنينَ ، قالَ صاحبُ " الميزانِ "(15): لكنَّهُ ما ضرَّ تغيُّرُهُ حديثَهُ ، فإنَّهُ ما حدَّثَ بحديثٍ في زمنِ التغيُّرِ ، ثمَّ استدلَّ بقولِ أبي داودَ : تغيَّرَ جريرُ بنُ حازمٍ ، وعبدُ الوهابِ الثقفيُّ ، فَحُجِبَ الناسُ عنهمْ . وماتَ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ ، وقيلَ : سنةُ أربعٍ وثمانينَ .(16)
ومنهمْ : صالحٌ مولى التَّوْأَمةِ ، وهوَ : صالحُ بنُ نبهانَ ، اختُلِفَ في الاحتجاجِ بهِ ، قالَ أحمدُ : أدركهُ مالكٌ ، وقدِ اختلطَ وهوَ كبيرٌ ، وما أعلمُ بهِ بأساً ممَّنْ سمعَ منهُ قديماً ، فقدْ روى عنهُ أكابرُ أهلِ المدينةِ . وقالَ ابنُ معينٍ : ثقةٌ خَرِفَ قبلَ أنْ يموتَ ، فمنْ سَمِعَ منهُ قبلُ ، هوَ ثبتٌ . وقيلَ لهُ : إنَّ مالكاً تركهُ ، فقالَ : إنما أدركَهُ بعدَ أنْ خَرِفَ ، وقالَ ابنُ المدينيِّ : ثقةٌ إلاَّ أنَّهُ خَرِفَ وكَبرَ . وقالَ ابنُ حبانَ : " تغيَّرَ في سنةِ خمسٍ وعشرينَ ومائةٍ وجعلَ يأتي بما يشبهُ الموضوعاتِ عنِ الثقاتِ ، فاختلطَ حديثُهُ الأخيرُ بحديثِهِ القديمِ ، ولَمْ يتميَّزْ ، واستحقَّ التركَ " . وحكى ابنُ الصلاحِ كلامَ ابنِ حبَّانَ مقتصِراً عليهِ .
قلتُ : قدْ ميَّزَ الأئمةُ بعضَ مَنْ سمِعَ منهُ قديماً ، ممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ التغيُّرِ ، فممَّنْ سَمِعَ منهُ قديماً : محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ذئبٍ ، قالَهُ يحيى بنُ معينٍ ، وعليُّ بنُ المدينيِّ ، والجوزجانيُّ ، وابنُ عَديٍّ . وكذلكَ ابنُ جريجٍ ، وزيادُ بنُ سعدٍ ، قالَهُ ابنُ عديٍّ . وممَّنْ سمعَ منهُ بعدَ الاختلاطِ : مالكٌ ، والسفيانانِ ، وماتَ سنةَ خمسٍ وعشرينَ ومائةٍ ، وقيلَ : سنةُ ستٍّ .(17)
ومنهمْ : سفيانُ بنُ عيينةَ أحدُ الأئمةِ الثقاتِ ، قالَ يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ : أشهدُ أنَّهُ اختلطَ سنةَ سبعٍ وتسعينَ، فمَنْ سمِعَ منهُ في هذهِ السنةِ، وبعدَ هذا، فسماعُهُ لا شيءَ ، هكذا حكاهُ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمارٍ الموصليُّ ، عنِ القطَّانِ . قالَ صاحبُ " الميزانِ ": " وأنا أستبعدُهُ ، وأعدُّهُ غلطاً منِ ابنِ عمارٍ ، فإنَّ القطانَ ماتَ في صَفَرٍ منْ سنةِ ثمانٍ وتسعينَ ، وقتَ قدومِ الحاجِ ، ووقتَ تحدثهم عنْ أخبارِ الحجازِ ، فمتى تمكنَ يحيى بنُ سعيدٍ مِنْ أنْ يسمعَ اختلاطَ سفيانَ ؟ ثمَّ يشهدُ عليهِ بذلكَ ، والموتُ قدْ نزلَ بهِ ، ثمَّ قالَ : فلعلَّهُ بلغَهُ ذلكَ في أثناءِ سنةِ سبعٍ . وقالَ سَمِعَ منهُ فِيْهَا ، أي : سنةَ سبعٍ ، محمدُ بنُ عاصمٍ صاحبُ ذلكَ الجزءِ العالي ، قالَ : ويغلبُ عَلَى ظنِّي أنَّ سائرَ شيوخِ الأئمةِ الستَّةِ سَمِعُوا منهُ قبلَ سنةِ سبعٍ ، فأمَّا سنةُ ثمانٍ وتسعينَ ففيها ماتَ ، ولَمْ يلقَهُ أحدٌ فِيْهَا ، فإنَّهُ توفيَ قبلَ قدومِ الحاجِ بأربعةِ أشهرٍ . قالَ ابنُ الصلاحِ : " ويحصلُ نظرٌ في كثيرٍ منَ العوالي الواقعةِ عَمَّنْ تأخرَ سماعُهُ منِ ابنِ عيينةَ ، وأشباهِهِ " ، وقالَ ابنُ الصلاحِ : " إنَّهُ توفيَ سنةَ تسعٍ وتسعينَ " .
قلتُ : والمعروفُ ما تقدَّمَ ، فإنَّهُ ماتَ بمكةَ يومَ السبتِ ، أولَ شهرِ رجبٍ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ ، قالَهُ محمدُ بنُ سعدٍ ، وابنُ زَبْرٍ ، وابنُ حبانَ ، إلاَّ أنَّهُ قالَ آخرَ يومٍ من جمادى الآخرةِ .(18)
ومنهمْ : المسعوديُّ ، وهوَ عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ، قالَ ابنُ سعدٍ : ثقةٌ إلاَّ أنَّهُ اختلطَ في آخرِ عمرِهِ ، وروايةُ المتقدمينَ عنهُ صحيحةٌ . وقالَ أبو حاتمٍ: " تغيَّرَ بأخرَةٍ قبلَ موتِهِ بسنةٍ ، أوْ سنتينِ " وقالَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ نُميرٍ : كانَ ثقةً ، فلما كانَ بأخرةٍ اختلطَ . وقالَ أحمدُ : إنما اختلطَ ببغدادَ ، ومَنْ سَمِعَ منهُ بالكوفةِ والبصرةِ ، فسماعُهُ جيدٌ . وقالَ ابنُ معينٍ : مَنْ سمعَ منهُ زمانَ أبي جعفرٍ ، فهوَ صحيحُ السماعِ ، ومنْ سمعَ منهُ في زمانِ المَهْديِّ فليسَ سماعُهُ بشيءٍ . قلتُ : وكانتْ وفاةُ أبي جعفرٍ المنصورِ بمكةَ في ذي الحجةِ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ ، وكانتْ مدةُ اختلاطِهِ ، كما قالَ أبو حاتمٍ ، فإنَّ المسعوديَّ ماتَ سنةَ ستينَ ومائةٍ ببغدادَ ، وقالَ ابنُ حبانَ : اختلطَ حديثُهُ فلمْ يتميَّزْ ، فاستحقَّ التركَ . وكذا قالَ أبو الحسنِ بنُ القطانِ : كانَ لا يتميَّزُ في الأغلبِ ما رواهُ قبلَ اختلاطِهِ ، مِمَّا رواهُ بعدُ .
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 101) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 41) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 81) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 133) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 286)
(2) - تاج العروس - (ج 1 / ص 4827) ولسان العرب - (ج 7 / ص 291)
(3) - وقد ضبط النقادُ أسماء المختلطين ، وحاولوا تعيين أوقات بدء اختلاطهم، وتمييز من أخذ منهم بعد الاختلاط ، (المراد في أثنائه ، أي بعد وقوعه) ، من غيرهم من تلامذتهم الذين لم يأخذوا عنهم بعد اختلاطهم شيئاً فلا يضر اختلاطُهم رواياتِ أولئك التلامذة عنهم ، أي لأنهم أخذوا عنهم قبل الاختلاط فقط . معجم لسان المحدثين - (ج 2 / ص 15)
(4) - تهذيب التهذيب[ ج 7 - ص 183 ] برقم (386)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 286)
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 87) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 653) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 286) ومن تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث - (ج 1 / ص 48) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 93)
(7) - قال الذهبي في (الميزان) (5/326) (6399) في عمرو بن عبد الله أبي إسحاق السبيعي : (من أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم ، إلا أنه شاخ ونسي ، ولم يختلط ، وقد سمع منه سفيان بن عيينة وقد تغير قليلاً) .
(8) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 251) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 751) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 287) ومن تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث - (ج 1 / ص 131) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 92)
(9) - الكامل لابن عدي - (ج 3 / ص 397)
(10) - قال أبو عبد الرحمن : سرار بن مجشر هذا ثقة بصري وهو ويزيد بن زريع يقدمان في سعيد بن أبي عروبة لأن سعيدا كان تغير في آخر عمره فمن سمع منه قديما فحديثه صحيح .السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 15)
(11) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 287) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 94)
(12) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 288) و من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث - (ج 1 / ص 79) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 18 / ص 401) 3556 وتهذيب التهذيب - (ج 6 / ص 371) 778 والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 12 / ص 181)
(13) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 288) و النكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 730) وتاريخ البخاري مدقق - (ج 1 / ص 436) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 193)
(14) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 288) و النكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 730) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 256) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 747) وتاريخ البخاري مدقق - (ج 1 / ص 116) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 8 / ص 58)
وفي الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة - (ج 2 / ص 210) 5114- محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي الحافظ عارم عن الحمادين وجرير بن حازم وعنه البخاري وعبد وتمتام تغير قبل موته فما حدث مات 224 ع
(15) - سير أعلام النبلاء (9/240) ولسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 4 / ص 27)
(16) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 255) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 255) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 6 / ص 71) ومقدمة فتح الباري) (ص422)
(17) - ميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 303) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 87) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 114) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 289) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 97) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 4 / ص 15) وتهذيب التهذيب - (ج 1 / ص 367)
(18) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 290) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 98) وميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 171) وميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 171)(1/464)
قلتُ : قدْ ميَّزَ الأئمةُ بينَ جماعةٍ ممَّنْ سَمِعَ منهُ في الصحةِ ، أو الاختلاطِ . فممَّنْ سَمِعَ منهُ قديماً قبلَ الاختلاطِ : وكيعٌ ، وأبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ . وممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ الاختلاطِ : أبو النَّضرِ هاشمُ ابنُ القاسمِ وعاصمُ بنُ عليٍّ ، قالَهُ أحمدُ أيضاً ، وكذلكَ سَمِعَ منهُ بأخرةٍ: عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ ، ويزيدُ بنُ هارونَ، قالَهُ ابنُ نميرٍ. وقدْ قيلَ: إنَّ أبا داودَ الطيالسيَّ سَمِعَ منهُ بعدَ ما تغيَّرَ، قالَهُ سَلَمُ بنُ قتيبةَ.(1)
ومنهمْ منَ المتأخرينَ : أبو طاهرٍ محمدُ بنُ الفضلِ بنِ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خزيمةَ حفيدُ الحافظِ أبي بكرِ بنِ خزيمةَ ، وكذلكَ أبو أحمدَ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ الحسينِ الغِطْرِيفيُّ الجرجانيُّ ، فذكرَ الحافظُ أبو عليٍّ البرذعيُّ ، ثمَّ السمرقنديُّ في " معجمهِ " أنَّهُ بلغَهُ أنهما اختلطا في آخرِ عمرهما .
قلتُ : أمَّا الحفيدُ فقدِ اختلطَ قبلَ موتِهِ بثلاثِ سنينَ وتجنَّبَ الناسُ الروايةَ عنهُ ، توفيَ سنةَ سبعٍ وثمانينَ وثلاثمائةٍ ، وقدِ احتجَّ الإسماعيليُّ بالغطريفيِّ في " صحيحهِ " ، وتوفيَ سنةَ سبعٍ وسبعينَ وثلاثمائةٍ .(2)
ومنهمْ : أبو بكرٍ أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدَانَ القَطِيعيُّ راوي " مسندِ أحمدَ " و" الزهدِ " لهُ .
قالَ ابنُ الصلاحِ : اختلَّ في آخرِ عمرِهِ ، وخَرِفَ ، حتَّى كانَ لا يعرفُ شيئاً ممَّا يُقرأُ عليهِ ، وقالَ صاحبُ " الميزانِ " : ذكرَ هذا أبو الحسنِ بنُ الفراتِ ، ثمَّ قالَ : فهذا غلوٌّ وإسرافٌ ، وقدْ وثَّقَهُ البرْقَانيُّ ، والحاكمُ . وتوفيَ سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثمائةٍ ، لسبعٍ بقينَ منْ ذي الحجةِ ، قالَ ابنُ الصلاحِ : " واعلمْ أنَّ ما كانَ من هذا القبيلِ محتجَّاً بروايتِهِ في الصحيحينِ ، أو أحدِهما ، فإنَّا نعرفُ على الجملةِ : أنَّ ذلكَ ممَّا تميَّزَ وكانَ مأخوذاً عنهُ قبلَ الاختلاطِ ، واللهُ أعلمُ "(3).
ومنهمْ - فيما زعموا -: ربيعةُ الرأيِّ - شيخُ مالكٍ - وهوَ : ربيعةُ ابنُ أبي عبدِ الرحمنِ ، واسمُ أبيهِ : فَرُّوخُ ، وهوَ أحدُ الأئمةِ الثقاتِ ، احتجَّ بهِ الشيخانِ ، ولمْ أرَ مَنْ ذكرَ أنَّهُ اختلطَ إلا ابنَ الصلاحِ ، فقالَ : " قيلَ : إنَّهُ تغيَّرَ في آخرِ عمرِهِ ، وتُركَ الاعتمادُ عليهِ لذلكَ " ،وقدْ وثَّقَهُ أحمدُ ، وأبو حاتمٍ ، والعجليُّ ، والنسائيُّ ، وآخرونَ . إلاَّ أنَّ ابنَ سعدٍ بعدَ أنْ وثَّقَهُ ،قالَ: " كانوا يتَّقونَهُ لموضعِ الرأيِ " ، وذكرهُ النباتيُّ في " ذيلِ الكاملِ " ، وقالَ : إنَّ البستيَّ ذكرَهُ في الزياداتِ ، قلتُ : قدْ ذكرَهُ البستيُّ في " الثقاتِ " ، وقالَ : توفيَ سنةَ ستٍّ وثلاثينَ ومائةٍ .(4)
ب) من اختلط بسبب ذهاب البصر:
عبدُ الرزاقِ بنُ هَمَّامٍ الصنعانيُّ ، احتجَّ بهِ الشيخانِ ، قالَ أحمدُ : أتيناهُ قبلَ المائتينِ وهوَ صحيحُ البصرِ . ومَنْ سَمِعَ منهُ بعدَ ما ذهبَ بصرُهُ ، فهوَ ضعيفُ السماعِ ، وقالَ أيضاً : كانَ يُلقَّنُ بعدما عميَ ، وقالَ النسائيُّ : فيهِ نظرٌ ، لمنْ كتَبَ عنهُ بأخرةٍ . انتهى .
فممَّنْ سَمِعَ منهُ قبلَ اختلاطِهِ : أحمدُ بنُ حنبلٍ ، وإسحاقُ بنُ راهويهِ ، ويحيى بنُ معينٍ ، وعليُّ بنُ المدينيِّ ، ووكيعٌ في آخرينَ . وممَّنْ سمعَ منهُ بعدَ اختلاطِهِ : أحمدُ بنُ محمدِ بنِ شَبُّويةَ ، وإبراهيمُ بنُ منصورٍ الرَّماديُّ ، ومحمدُ بنُ حمادٍ الظَّهرانيُّ ، وإسحاقَ بنُ إبراهيمَ الدَّبَريُّ ، قالَ إبراهيمُ الحربيُّ : ماتَ عبدُ الرزاقِ وللدبَريِّ ستُّ سنينَ ، أوْ سبعُ سنينَ .و قَالَ ابْنُ عَدِيّ: اسْتُصْغِر فِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَحضره أَبُوْه عِنْدَه، وَهُوَ صَغِيْر جِدّاً، فَكَانَ يَقُوْلُ: قرأَنَا علَى عَبْد الرَّزَّاقِ: قرأَ غَيْره، وَهُوَ يسمع ، قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْهُ بِأَحَادِيْث منكرَة.، قالَ الذهبيُّ : قلت: ما كان الرجل حديث، وإنما أسمعه أبوه واعتنى به، سمع من عبد الرزاق تصانيفه، وهو ابن سبع سنين أو نحوها، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فوقع التردد فيها، هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق.
وقد احتج بالدبرى أو عوانة في صحيحه وغيره، وأكثر عنه الطبراني.
وقال الدارقطني في رواية الحاكم: صدوق ما رأيت فيه خلافا، إنما قيل: لم يكن من رجال هذا الشأن.
قلت ويدخل في الصحيح ! قال: أي والله.. انتهى(5).
وقال أيضاً : " سَاق لَه ابْن عَدِيٍّ حَدِيْثاً وَاحِداً مِنْ طَرِيْق ابْن أَنعم الإِفْرِيْقِيّ، يحتمل مثله، فَأَيْنَ المَنَاكِير؟ وَالرَّجُل فَقَدْ سَمِعَ كُتباً، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، وَلَعَلَّ النَّكَارَة مِنْ شَيْخه، فَإِنَّهُ أَضَرَّ بِأَخَرَة، - فَاللهُ أَعْلَمُ -. "(6)
وكأنَّ مَنِ احتجَّ بهِ لَمْ يبالِ بتغيُّرِهِ ؛ لكونِهِ إنَّما حدَّثهُ من كُتُبِهِ ، لا مِنْ حفظِهِ ، قالَ ابنُ الصلاحِ(7): وجدْتُ فيما روى الطبرانيُّ عنِ الدبَريِّ عنهُ أحاديثَ استنكرتُها جدَّاً . فأَحَلْتُ أمرَهَا على ذلكَ ، وتوفيَ سنةَ إحدى عشرةَ ومائتينِ .(8)
ج) من اختلط بأسباب أخرى: كاحتراق الكتب ، مثل عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ بنِ عُقْبَةَ الحَضْرَمِيُّ (د، ت، ق) ،ابْنِ فُرْعَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ ثَوْبَانَ القَاضِي، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُحَدِّثُ دِيَارِ مِصْرَ مَعَ اللَّيْثِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، الأُعْدُوْلِيُّ - وَيُقَالُ: الغَافِقِيُّ - المِصْرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ ، وَطَلَبَ العِلْمَ فِي صِبَاهُ، وَلَقِيَ الكِبَارَ بِمِصْرَ وَالحَرَمَيْنِ.
وَكَانَ مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، عَلَى لِيْنٍ فِي حَدِيْثِهِ.
قَالَ رَوْحُ بنُ صَلاَحٍ: لَقِيَ ابْنُ لَهِيْعَةَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ تَابِعِيّاً.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا كَانَ مُحَدِّثَ مِصْرَ، إِلاَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ صَحِيْحَ الكِتَابِ، طَلاَّباً لِلْعِلْمِ.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عِنْدَ ابْنِ لَهِيْعَةَ الأُصُولُ، وَعِنْدَنَا الفُرُوْعُ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ: احْتَرَقَتْ دَارُ ابْنِ لَهِيْعَةَ وَكُتُبُهُ، وَسَلِمَتْ أُصُوْلُهُ، كَتَبتُ كِتَابَ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ مِنْ أَصْلِهِ.
وَلَمَّا مَاتَ ابْنُ لَهِيْعَةَ، قَالَ اللَّيْثُ: مَا خَلَّفَ مِثْلَهُ.
لاَ رَيْبَ أَنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ كَانَ عَالِمَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، هُوَ وَاللَّيْثُ مَعاً، كَمَا كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ العَصْرِ عَالِمَ المَدِيْنَةِ، وَالأَوْزَاعِيُّ عَالِمَ الشَّامِ، وَمَعْمَرٌ عَالِمَ اليَمَنِ، وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَالِمَا العِرَاقِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ عَالِمَ خُرَاسَانَ، وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ تَهَاوَنَ بِالإِتْقَانِ، وَرَوَى مَنَاكِيْرَ، فَانْحَطَّ عَنْ رُتْبَةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُم.
وَبَعْضُ الحفَّاظِ يَرْوِي حَدِيْثَهُ، وَيَذكُرُهُ فِي الشَّوَاهِدِ وَالاعْتِبَارَاتِ، وَالزُّهْدِ، وَالمَلاَحمِ، لاَ فِي الأُصُولِ.
وَبَعْضُهُم يُبَالِغُ فِي وَهْنِهِ، وَلاَ يَنْبَغِي إِهدَارُهُ، وَتُتَجَنَّبُ تِلْكَ المَنَاكِيْرُ، فَإِنَّهُ عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ.
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الإِقْلِيْمِ فِي دَوْلَةِ المَنْصُوْرِ دُوْنَ السَّنَةِ، وَصُرِفَ.
أَعرَضَ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ عَنْ رِوَايَاتِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، وَمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَالمُقْرِئُ وَالقُدَمَاءُ فَهُوَ أَجْوَدُ.
وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ لاَ يَرَاهُ شَيْئاً.
وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا أَعتَدُّ بِشَيْءٍ سَمِعْتُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، إِلاَّ سَمَاعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَنَحْوِهُ.
رَوَى: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
كَانَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ، وَصَارَتْ كُتُبُهُ عِنْدَهُ، وَكَانَ لاَ يَتَّقِي اللهَ، يَذْهَبُ فَيَكتُبُ مِنْ كُتُبِ حَيْوَةَ الشُّيُوْخَ الَّذِيْنَ شَارَكَهُ فِيْهِمُ ابْنُ لَهِيْعَةَ، ثُمَّ يَحْمِلُ إِلَيْهِ، فَيَقرَأُ عَلَيْهِم.
وَحَضَرْتُ ابْنَ لَهِيْعَةَ، وَقَدْ جَاءهُ قَوْمٌ حَجُّوا يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ كَتَبتُم حَدِيْثاً طَرِيْفاً؟
فَجَعَلُوا يُذَاكِرُوْنَهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُم: حَدَّثَنَا القَاسِمُ العُمَرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ الحَرِيْقَ، فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيْرَ يُطْفِئُهُ).
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا حَدِيْثُ ابْنِ لَهِيْعَةَ بِحُجَّةٍ، وَإِنِّيْ لأَكْتُبُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، وَهُوَ يَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: لَمْ تَحْترِقْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَلاَ كِتَابٌ، إِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَعفُوَ عَلَيْهِ أَمِيْرٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَمِيْرٌ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ.
وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا لاَ نَكْتُبُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ إِلاَّ مِنْ كُتُبِ ابْنِ أَخِيْهِ، أَوْ كُتُبِ ابْنِ وَهْبٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ حَدِيْثِ الأَعْرَجِ.
جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَذْكُرُ: أَنَّهُ سَمِعَ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَحَادِيْثُكَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ صِحَاحٌ، فَقُلْتُ: لأَنَّا كُنَّا نَكْتُبُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ وَهْبٍ، ثُمَّ نَسْمَعُهُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ خَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَأَنِّي غَرِمْتُ مُوَدَّى - كَأَنَّهُ يَعْنِي: دِيَةً -.
أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي -وَاللهِ- الصَّادِقُ البَارُّ عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: فَمَا سَمِعْتهُ يَحلِفُ بِهَذَا قَطُّ.
وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ابْنُ لَهِيْعَةَ أَجْوَدُ قِرَاءةً لِكُتُبِهِ مِنِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ أَحْمَدَ: مَا كَانَ مُحَدِّثَ مِصْرَ، إِلاَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ.
البُخَارِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ: احْتَرَقَ مَنْزِلُ ابْنِ لَهِيْعَةَ وَكُتُبُهُ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَحتَرِقْ إِلاَّ بَعْضُ أُصُوْلِهِ.
يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ صَحِيْحُ الكِتَابِ، كَانَ أَخْرَجَ كُتُبَهُ، فَأَملَى عَلَى النَّاسِ، حَتَّى كَتَبُوا حَدِيْثَهُ إِملاَءً، فَمَنْ ضَبَطَ، كَانَ حَدِيْثُه حَسَناً صَحِيْحاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَحضُرُ مَنْ يَضْبِطُ وَيُحسِنُ، وَيَحضُرُ قَوْمٌ يَكتُبُوْنَ وَلاَ يَضبِطُوْنَ، وَلاَيُصَحِّحُوْنُ، وَآخَرُوْنَ نَظَّارَةٌ، وَآخَرُوْنَ سَمِعُوا مَعَ آخرِيْنَ، ثُمَّ لَمْ يُخْرِجِ ابْنُ لَهِيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ كِتَاباً، وَلَمْ يُرَ لَهُ كِتَابٌ، وَكَانَ مَنْ أَرَادَ السَّمَاعَ مِنْهُ، ذَهَبَ، فَاسْتَنْسَخَ مِمَّنْ كَتَبَ عَنْهُ، وَجَاءهُ، فَقَرَأهُ عَلَيْهِ، فَمَنْ وَقَعَ عَلَى نُسْخَةٍ صَحِيْحَةٍ، فَحَدِيْثُه صَحِيْحٌ، وَمَنْ كَتَبَ مِنْ نُسْخَةٍ لَمْ تُضبَطْ، جَاءَ فِيْهِ خَلَلٌ كَثِيْرٌ.
ثُمَّ ذَهَبَ قَوْمٌ، فُكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ، وَرَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وعَنْ رَجُلٍ عن آخر عنه، وَعَنْ ثَلاَثَةٍ عَنْ عَطَاءٍ.
قَالَ: فَتَرَكُوا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَطَاءٍ، وَجَعَلُوْهُ عَنْ عَطَاءٍ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: كَتَبتُ عَنِ ابْنِ رُمْحٍ كِتَاباً، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَكَانَ فِيْهِ نَحْوٌ مِمَّا وَصَفَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، فَقَالَ: هَذَا وَقَعَ عَلَى رَجُلٍ ضَبَطَ إِملاَءَ ابْنِ لَهِيْعَةَ.
فَقُلْتُ لَهُ فِي حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ؟
فَقَالَ: لَمْ تَعْرِفْ مَذْهَبِي فِي الرِّجَالِ، إِنِّيْ أَذهَبُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُتْرَكُ حَدِيْثُ مُحَدِّثٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَهْلُ مِصْرِهِ عَلَى تَرْكِ حَدِيْثِهِ.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: كَتَبتُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ فِي الرِّقِّ، وَكُنْتُ أَكْتُبُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي القَرَاطِيْسِ، وَأَسْتَخِيْرُ اللهَ فِيْهِ، فَكَتَبتُ حَدِيْثَ النَّضْرِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ فِي الرِّقِّ.
قَالَ: فَذَكَرتُ لَهُ سَمَاعَ القَدِيْمِ، وَسَمَاعَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: كَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ طَلاَّباً لِلْعِلْمِ، صَحِيْحَ الكِتَابِ.
قَالَ: وَظَنَنتُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ كَتَبَ مِنْ كِتَابٍ صَحِيْحٍ، فَحَدِيْثُه صَحِيْحٌ، يُشبِهُ حَدِيْثَ أَهْلِ العِلْمِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ أَمْثَلُ مِنْ رِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَقَدْ كَتَبتُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ.
قَالَ أَهْلُ مِصْرَ: مَا احْترَقَ لَهُ كِتَابٌ قَطُّ، وَمَا زَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَكْتُبُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ.
وَكَانَ النَّضْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ رَاوِيَةً عَنْهُ، وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَيِّئَ الرَّأْيِ فِي ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَلَمَّا كَتَبُوْهَا عَنْهُ، وَسَأَلُوْهُ عَنْهَا، سَكَتَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ.
قُلْتُ لِيَحْيَى: فَسَمَاعُ القُدَمَاءِ وَالآخَرِيْنَ مِنْهُ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، سَوَاءٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَتَفَرَّدَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ بِأَنَّ كُنْيَتَه: أَبُو النَّضْرِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ابْنُ لَهِيْعَةَ حَضْرَمِيٌّ مِنْ أَنْفُسِهِم، كَانَ ضَعِيْفاً، وَعِنْدَهُ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ أَحْسَنُ حَالاً.
وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ، فَيَذكُرُوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَختَلِطْ، لَكِنَّهُ كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَيَسكُتُ عَلَيْهِ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا ذَنْبِي؟ إِنَّمَا يَجِيْئُوْنَ بِكِتَابٍ يَقْرَؤُونَهُ وَيَقُوْمُوْنَ، وَلَو سَأَلُوْنِي لأَخْبَرْتُهُم أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِي...، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَاتَ بِمِصْرَ، فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَنْ كَتَبَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ، فَهُوَ أَصَحُّ، كَابْنِ المُبَارَكِ، وَالمُقْرِئِ، وَهُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى: مَا احْتَرقَتْ أُصُوْلُهُ، إِنَّمَا احْتَرَقَ بَعْضُ مَا كَانَ يَقرَأُ مِنْهُ - يُرِيْدُ: مَا نَسَخَ مِنْهَا -.
وَرَوَى: الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَنْ كَتَبَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَدِيْماً، فَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ.
قُلْتُ: لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ تَسَاهَلَ، وَكَانَ أَمرُهُ مَضْبُوْطاً، فَأَفسَدَ نَفْسَهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
قِيْلَ: فَسَمَاعُ القُدَمَاءِ؟
قَالَ: أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ سَوَاءٌ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانَا يَتَتَبَّعَانِ أُصُوْلَهُ، يَكْتُبَانِ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيْثُه أَحَادِيْثٌ حِسَانٌ، مَعَ مَا قَدْ ضَعَّفُوهُ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَشُعْبَةُ، وَاللَّيْثُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ مَوْتَ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَسَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ البُسْتِيُّ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُوْنَ: سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ، مِثْلَ العَبَادِلَةِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالمُقْرِئِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيِّ، فَسَمَاعُهُم صَحِيْحٌ، وَمَنْ سَمِعَ بَعْدَ احْترَاقِ كُتُبِهِ، فَسَمَاعُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَكَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ مِنَ الكَتَّابِيْنَ لِلْحَدِيْثِ، وَالجَمَّاعِيْنَ لِلْعِلْمِ، وَالرَّحَّالِيْنَ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَدْ سَبَرْتُ أَخْبَارَ ابْنِ لَهِيْعَةَ مِنْ رِوَايَةِ المُتَقَدِّمِيْنَ وَالمُتَأَخِّرِيْنَ عَنْهُ، فَرَأَيْتُ التَّخْلِيطَ فِي رِوَايَةِ المُتَأَخِّرِيْنَ عَنْهُ مَوْجُوْداً، وَمَا لاَ أَصْلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ المُتَقَدِّمِيْنَ كَثِيْراً، فَرَجَعتُ إِلَى الاعْتِبَارِ، فَرَأَيْتُهُ كَانَ يُدَلِّسُ عَنْ أَقْوَامٍ ضَعْفَى، عَلَى أَقْوَامٍ رَآهُم هُوَ ثِقَاتٍ، فَأَلزَقَ تِلْكَ المَوْضُوعَاتِ بِهِ.
( قلت : هذا غلو من ابن حبان رحمه الله لا يقبل )
قَالَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: لَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ مِنَ الغَدِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ يَوْماً ابْنَ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ:
مَا أَخْرَجْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ شَيْئاً قَطُّ، إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً، حَدِيْثَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ مِشْرَحٍ، عَنْ عُقْبَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (فِي الحَجِّ سَجْدَتَانِ).
وَعَنْ أَبِي الوَلِيْدِ بنِ أَبِي الجَارُوْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: يُكتَبُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ مَا كَانَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ.
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَرَّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ وَمُحْتَشِمِيهِم، أَطلَقَ المَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ الوَاعِظُ أَرَاضِيَ لَهُ.(9).
قلت :
وقد اختلفوا فيه وخلاصة الأمر فيه ما قاله ابن عدي :
وحديثه أحاديث حسان ، وما قد ضعفه السلف هو حسن الحديث يكتب حديثه ، وقد حدث عنه الثقات : الثوري وشعبة ومالك وعمرو ابن الحارث والليث ابن سعد(10)
قلت : وقالوا رواية عبد الله بن وهب عنه وابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وقتيبة بن سعيد أعدل من غيرها عنه ، وينبغي أن يضاف لهؤلاء مارواه عنه أبو الأسود والحسن بن موسى، وقد روى الإمام أحمد في مسنده أحاديث ابن لهيعة من طريق الحسن بن موسى وأبي الأسود غالباً .
وفي التقريب 3563 - عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية بن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شيء مقرون مات سنة أربع وسبعين وقد ناف على الثمانين م د ت ق
3- حكمُ رواية المختلط :
أ) يقبل منها ما روي عنه قبل الاختلاط .
ب) ولا يقبل منها ما روي عنه بعد الاختلاط، وكذا ما شُك فيه أنه قبل الاختلاط أو بعده .
والخلاصة لا يقبلُ منْ حديثِهِ ما حدَّثَ بهِ في حالِ الاختلاطِ(11)، وكذا ما أُبهِمَ أمرُهُ وأُشْكِلَ ، فلمْ ندرِ أحدَّثَ بهِ قبلَ الاختلاطِ ، أوْ بعدَهُ ؟ وما حدَّثَ بهِ قبلَ الاختلاطِ قُبِلَ ، وإنما يتميزُ ذلكَ باعتبارِ الرواةِ عنهمْ ، فمنهمْ مَنْ سَمِعَ منهم قبلَ الاختلاطِ فقطْ ، ومنهم مَنْ سَمِعَ بعدَهُ فقطْ ، ومنهمْ مَنْ سَمِعَ في الحالينِ ، ولمْ يتميَّزْ .
4- أهميتُه وفائدته:
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 87) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 117) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 253) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 745) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 290) وتاريخ البخاري مدقق - (ج 2 / ص 453) وتاريخ بغداد - (ج 4 / ص 410)
(2) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 777) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 290) وسير أعلام النبلاء (16/490) وميزان الاعتدال - (ج 4 / ص 9) 8059 ولسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 5 / ص 108) [ 1127 ]
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 290) و مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 88) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 134)
(4) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 87) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 113) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 254) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 746) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 289) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 96)
(5) - ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 181)
(6) - سير أعلام النبلاء (13/417)
(7) - علوم الحديث ص 460
(8) - انظر ترجمته في تهذيب الكمال [ ج 18 - ص 52 ] برقم (3415 ) لكن روايته للمصنف صحيحة وقبل التلقين ، شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 289) وبحوث في المصطلح للفحل - (ج 1 / ص 29) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 6 / ص 38)
(9) - انظر في ترجمته تهذيب الكمال[ ج 15 - ص 487 ] برقم (3513) وسير أعلام النبلاء (8/12-32)- 4 -
(10) - راجع الكامل 4/144 - 154 والتهذيب 5/373 - 379
(11) - هذا إذا تفرد برواية ولم نجد ما يؤيدها أو يعضدها(1/465)
هو فنٌّ عزيزٌ مهمٌ، وتكمن فائدته في تمييز أحاديث الثقة التي حدث بها بعد الاختلاط لردها وعدم قبولها .
5- هل أخرجَ الشيخان في صحيحيهما عن ثقات أصابهم الاختلاط ؟
نعم ، ولكن مما عُرف أنهم حدثوا به قبل الاختلاط ، او توبعوا
6- أشهرُ المصنَّفات فيه :
وهذه ستة كتب أخرى مؤلفة في هذا الباب غير هذين الكتابين :
-رفع الشك باليقين في تبيين حال المختلطين؛ للحافظ شهاب الدين البوصيري (ت840)
-الاغتباط بمن رُمي بالاختلاط " للحافظ إبراهيم ابن محمد سِبْط ابن العجمي المتوفى سنة 841هـ
-غاية الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط ؛ وهو لعلاء الدين علي رضا ، وقد زاد فيه مؤلفه جملة من التراجم على ما في كتاب الاغتباط السابق ، بعد أن درسه وحققه وعلق عليه.
-الكواكب النيرات بمعرفة من اختلط من الثقات ، لابن الكيال الدمشقي.
- أثر اختلاط سعيد بن أبي عروبة على مروياته في الكتب الستة، لنافذ حسين عثمان حماد.
- معجم المختلطين، محمد بن طلعت، طبعته أضواء السلف بالرياض ، سنة (1425هـ) في (360) صفحة .
ـــــــــــــــ(1/466)
معرفةُ طبقات العلماء والرواة(1)
ـ 18 ـ
1- تعريفُ الطبقة:
أ) الطَّبقة في اللغة: القومُ المُتَشابهون.
ب) وفي الاصْطلاح قومٌ تَقَاربوا في السنِّ والإسناد, أو في الإسناد فقط, بأن يَكُون شُيوخ هذا, هم شُيوخ الآخر, أو يُقَاربوا شُيوخه.
2- من فوائد معرفته :
أ) ومن فوائد معرفته الأمن من تداخل المتشابهين في اسم أو كنية ونحو ذلك، لأنه قد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أن أحدهما هو الآخر، فيتميز ذلك بمعرفة طبقاتهما.
ب) الوقوف على حقيقة المراد من العنعنة .
3- قد يَكُونان الرَّاويان من طَبَقة باعْتبار لمُشَابهته لها من وجه ومن طَبَقتين باعْتبار آخر لمُشَابهته لها من وجه آخر :
كأنس وشبهه من أصاغر الصَّحَابة, هم مع العَشْرة في طبقة الصَّحَابة, وعلى هذا الصَّحَابة كلهم طبقة باعتبار اشْتِرَاكهم في الصُّحْبة والتَّابعون طبقة ثانية, وأتباعهم طبقة ثالثة بالاعتبار المَذْكُور وهلمَّ جرًّا, وباعتبار آخر وهو النظر إلى السَّوابق تَكُون الصَّحَابة بضع عشرة طبقة كما تقدَّم في معرفة الصَّحَابة أنَّهم اثنتا عَشْرة طَبَقة أو أكثر, وفي معرفة التَّابعين أنَّهم خمس عشرة طبقة, وهكذا.
4- ماذا ينبغي على الناظر فيه:
يَحْتاج النَّاظر فيه إلى مَعْرفة المَوَاليد للرُّواة والوفيات, ومن رووا عنه وروى عنهم..
5- أشهرُ المصنفات فيه:
أ) كتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد.
قال السيوطي(2): " و«طبقات» ابن سَعْد الكبير عَظِيم كثير الفوائد وله كِتَابان آخران في ذلك وهو ثقة في نفسه لكنَّه كثير الرِّواية فيه عن الضُّعَفاء, منهم شيخه مُحمَّد بن عُمر الواقدي, لا ينسبه بل يَقْتصر على اسمه, واسم أبيه, وشيخه هِشَام بن مُحمَّد بن السَّائب الكلبي. "
قلتُ :
وكتابه هذا تضمن السيرة النبوية ثم أهل بدر ثم من أسلم بعدهم ، ثم التابعين ، ثم أتباعهم ، في كل من الحجاز والشام ومصر والعراق، وهو كتاب قيِّمٌ جداً من هذه الناحية . وقد ذكر في كتابه رأيه في كل راوٍ جرحاً وتعديلاً .
- وهو ممن يحتجُّ به في ذلك(3)أمثلة :
قال في ترجمة : سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم .. روى عن عمر بن الخطاب وولاه قضاء الكوفة .. وكان ثقة قليل الحديث رحمه الله (2024) 6/182 .
وقوله في ترجمة يسار بن نمير ، مولى عمر بن الخطاب ، وكان خازنه روى عن عمر ونزل الكوفة ، روى عنه الكوفيون وكان ثقة قليل الحديث (2028) 6/182 .
- وأحياناً يذكر الراوي ولا يذكر رأيه فيه كقوله : عُفيّف بن معدي كرب روى عن عمر ... (2029) وحُصين بن حُدير روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه (2030) .
- وكان شديداً على أهل الرأي :
قال في ترجمة أبي حنيفة رحمه الله : (2631) وكان ضعيفاً في الحديث ا هـ !! وعاد فذكر ذلك برقم (3453) !
فهذا ومثله منه مرفوض .
وقد ذكر ضمن التراجم أحاديث كثيرة وفيها الصحيح والحسن والضعيف والواهي وغالبها مقبول، ولكتابه طبعات متعددة أهمها بتحقيق محمد عبد القادر عطا ، والكتاب بحاجة لضبط وتخريج لأحاديثه ، ومقارنة لرجاله مع غيرهم ..
ب) كتاب " طبقات القراء " لأبي عمرو الداني.
ج) كتاب طبقات الشافعية الكبرى ، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى : 771هـ)
وهو مقسم إلى سبعة طبعة طبقات
الطبقة الأولى
1- أحمد بن خالد الخلال أبو جعفر البغدادي العسكري قاضي الثغر
روى عن الشافعي وسفيان بن عيينة وغيرهما ، حدث عنه الترمذي والنسائي وغيرهما وقالا لا بأس به ، قال أبو حاتم الرازي : كان خيرا فاضلا عدلا ثقة صدوقا رضا ، وقال الحاكم من جلة الفقهاء والمحدثين، مات سنة ست وقيل سبع وأربعين ومائتين.
د) - طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ، وهو مطبوع ، يوجد نسخة منه بالشاملة 2 مصدرها موقع الوراق http://www.alwarraq.com
وهو مرتب على الطبقات ، وقد قسمه إلى تسعة عشر طبقة ، الطبقة التاسعة والعشرون ، وهم الذين كانوا في العشرين الثانية من المائة التاسعة
قال في أول ترجمة منه :
الطبقة الأولى
فيمن أخذ عن الشافعي رضي الله عنه:
إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور وقيل: كنيته أبو عبد الله ولقبه أبو ثور الكلبي البغدادي الفقيه العلامة ،أخذ الفقه عن الشافعي وغيره ، قال أبو بكر الأعين: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال : اعرفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندي في مسلاخ سفيان الثوري ، وقال غيره: إن رجلاً سأل أحمد عن مسألة فقال: سل غيرنا سل أبا ثور ، وقال الخطيب البغدادي: كان أحد الثقات المأمونين ومن الأئمة الأعلام في الدين وله كتب مصنفة في الأحكام جمع فيها بين الحديث والفقه ، قال: وكان أولاً يتفقه بالرأي ويذهب إلى قول أهل العراق حتى قدم الشافعي بغداد فاختلف إليه ورجع عن الرأي إلى الحديث توفي في صفر سنة أربعين ومائتين ، وهو أحد رواة القديم، وقال الرافعي في باب الغضب: أبو ثور وإن كان معدوداً وداخلاً في طبقة أصحاب الشافعي فله مذهب مستقل ولا يعد تفرده وجهاً.
هـ)- تذكرة الحفاظ للذهبي، فيه تراجم لأعلام المحديثين أكثر من ألف حتى عصره هو ، مرتب على الطبقات . وهو كتاب ممتاز في تراجم هؤلاء الأعلام وهو بحاجة لتحقيق وتخريج ومقارنة مع غيره .(4)
و) - سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ، وهو أفضل وأمتع كتاب في الطبقات - فيما أرى - وهو حوالي أربعين طبقة ، ذكر فيه خيرة العلماء من الصحابة ، فالتبعين ، فمن بعدهم ، حتى أواخر القرن السابع ، وللإمام الذهبي تعليقات قيمة جدًّا ذكرها أثناء التراجم سواء على المترجم له أو على رواية أو على رأي معين ،وهذه أمثلة :
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ أَبِي أَبْيَضَ يَضْربُ إِلَى الحُمْرَةِ، مَرْبُوْعاً، إِلَى القِصَرِ هُوَ أَقْرَبُ، رَحْبَ الصَّدْرِ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ القَدَمَيْنِ، إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيْعاً.
قال الذهبي : قُلْتُ: كَانَ مِمَّنْ سَبَقَ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأُوْذِيَ فِي اللهِ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ غَابَ عَنْ وَقْعَة بَدْرٍ فِي تِجَارَةٍ لَهُ بِالشَّامِ، وَتَأَلَّمَ لِغَيْبَتِهِ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَهْمِهِ، وَأَجره. سير أعلام النبلاء (1/24)
-----------
شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مَائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، يَقُوْلُوْنَ: عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ.
قال الذهبي : قُلْتُ: لأَنَّهُم مِنَ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ، وَلأَنَّ الأَرْبَعَةَ قُتِلُوا وَرُزِقُوا الشَّهَادَةَ، فَنَحْنُ مُحِبُّوْنَ لَهُم، بَاغِضُوْنَ لِلأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ قَتَلُوا الأَرْبَعَةَ. سير أعلام النبلاء (1/62)
قلت : ولكن لا يخلو الكتاب - على أهميته البالغة - من بعض الهنات للإمام الذهبي رحمه الله .
وقد طبعته مؤسسة الرسالة طبعة قيمة محققة ، ولكنها لا تخلو من تشدد ، وهناك أشياء عديدة لم يعلقوا عليها في الكتاب .
ز) - كتاب تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام" لمؤرخ الإسلام ، حافظ العصر ، الإمام المحدث الثقة ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ، المعروف بالذهبي ، المتوفي بدمشق سنة 748هـ . رحمه الله، وهو من أعظم كتب التاريخ والتراجم ، وهو مرتب على الطبقات كذلك ، وقد كبع الكتاب أكثر من خمسين مجلدا.
قال في مقدمته :
"أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله، ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع، جمعته وتعبت عليه واستخرجته من عدّة تصانيف، يعرف به الإنسان مهمّ ما مضى من التّاريخ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء والقرّاء والزّهاد والفقهاء والمحدّثين والعلماء والسّلاطين والوزراء والنّحاة والشّعراء، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ، وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة والعجائب المسطورة، من غير تطويل ولا استيعاب، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم، وأترك المجهولين ومن يشبههم، وأشير إلى الوقائع الكبار، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة بل أكثر، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّداً. "
قلت : وقد قسمه إلى سبعين طبعة منتدئا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وآخر ترجمة فيه - الكنى
828 - أبو جَلَنْك. هو الفقيه، الأديب، الشاعر، شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحلبي. مشهور بالعشرة والنوادر والفضيلة، وفيه همة وشجاعة. نزل من قلعة حلب في طائفة للإغارة والكسب، فلاطخوا التتار، فوقعت في فرسه، نشابه، فوقف وبقي هو راجلاً. وكان ضخماً، سميناً، فأسروه وأحضر بين يدي المقدم، فسأله عن عسكر المسلمين، فكثرهم ورفع شأنهم، فأمر به فضربت عنقه، وحصلت له خاتمة صالحة. فالله يختم لنا بخير في عافية، ويرزقنا الإخلاص، ويمدنا بالتوفيق، إنه كريم وهاب. ومات في سنة سبعمائة خلق بدمشق.
وفيها وُلد: الخطيب بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني، والمولى شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله، كاتب السر، والأمير عماد الدين محمد بن قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى، وزين الدين عمر بن عبد العزيز الفارقي، المؤذن. وهذا آخر الطبقة السبعين، وهنا نقف ونحمد الله عوداً على بدء ونسأله أن - صلى الله عليه وسلم - على محمد وآله.(5).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 31) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 259) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 41) ورسوم التحديث في علوم الحديث - (ج 1 / ص 141)
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 259)
(3) - انظر التهذيب 9/182-183 (1)
(4) - (انظر قواعد في علوم الحديث 196) .
(5) - تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 52 / ص 494)(1/467)
معرفةُ الموالي من الرواة والعلماء(1)
ـ 19 ـ
1 - تعريفُ المولى:
أ) لغة: الموالي جمع مولى ، والموالي من الأضداد فيطلق على المالك والعبد ، والمُعْتِق والمُعْتَق(2).
ب) اصطلاحاً: هو الشخص المحالف، أو المعتق، أو الذي أسلم على يد غيره.
2 - أنواعُ الموالي:
أنواع الموالي ثلاثة وهي:
أ) مولى الحِلْف:
ومنهمْ : مَنْ يكونُ المرادُ بهِ ولاءُ الحلفِ ، كالإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ ، هوَ أصبحيٌّ صَلِيْبَةً ، وقيلَ لهُ : التَّيْمِيُّ ؛ لكونِ نَفَرهِ ( أصبحُ ) مواليَ لتَيْمِ قريشٍ بالحلفِ ، وقيلَ : لأنَّ جدَّهُ - مالكَ بنَ أبي عامرٍ - كانَ أجيراً لطلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ التَّيْمِيِّ ، وطلحةُ مختلفٌ بالتِّجارةِ.
ب) مولى العَتَاقةَ:
الموالي المنسوبونَ إلى القبائلِ منهمْ مَنْ يكونُ المرادُ بهِ مولى العتاقةِ ، وهذا هوَ الأغلبُ ، وأَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ مَوْلاَهُمْ سَعِيْدُ بنُ فَيْرُوْزٍ (ع) ،الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ العُبَّادِ.
اسْمُهُ: سَعِيْدُ بنُ فَيْرُوْزٍ.
قَالَ حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ: اجْتَمَعْتُ أَنَا، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ، فَكَانَ أَبُو البَخْتَرِيِّ أَعْلَمَنَا وَأَفْقَهَنَا.
ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الإرسال من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين(3)
وأبي العاليةِ الرِّيَاحيِّ ، رُفَيْعُ بنُ مِهْرَانَ الرِّيَاحِيُّ البَصْرِيُّ (ع) ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، أَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ،كَانَ مَوْلَىً لامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رِيَاحِ بنِ يَرْبُوْعٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ، أَدْرَك زَمَانَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ شَابٌّ، وَأَسْلَمَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ.(4)
و اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَهْمِيُّ (ع) ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو الحَارِثِ الفَهْمِيُّ، مَوْلَى خَالِدِ بنِ ثَابِتِ بنِ ظَاعِنٍ.
وَأَهْلُ بَيْتِهِ يَقُوْلُوْنَ: نَحْنُ مِنَ الفُرسِ، مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ القَوْلَيْنِ.
مَوْلِدُهُ: بِقَرْقَشَنْدَةَ - قَرْيَةٌ مِنْ أَسْفَلِ أَعْمَالِ مِصْرَ - فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وكَانَ اللَّيْثُ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقِيْهَ مِصْرَ، وَمُحَدِّثَهَا، وَمُحْتَشِمَهَا، وَرَئِيْسَهَا، وَمَنْ يَفتَخِرُ بِوُجُوْدِهِ الإِقْلِيْمُ، بِحَيْثُ إِنَّ مُتَوَلِّي مِصْرَ، وَقَاضِيَهَا، وَنَاظِرَهَا مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِه، وَيَرْجِعُوْنَ إِلَى رَأْيِهِ، وَمَشُوْرَتِهِ، وَلَقَدْ أَرَادَهُ المَنْصُوْرُ عَلَى أَنْ يَنُوبَ لَهُ عَلَى الإِقْلِيْمِ، فَاسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ الحُظْوَةَ لِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: مَاتَ اللَّيْثُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ يَحْيَى: يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: مُوْسَى بنُ عِيْسَى.
وَقَالَ سَعِيْدٌ: مَاتَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ.
قَالَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الصَّدَفِيُّ: شَهِدتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي، فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُم عَلَيْهِمُ الحُزْنُ، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُم بَعْضاً، وَيبْكُوْنَ، فَقُلْتُ: يَا أَبتِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الجَنَازَةِ.
فَقَالَ: يَابُنَيَّ، لاَ تَرَى مِثْلَهُ أَبَداً.(5)
و عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ (ع) ،الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عَالِمُ زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ فِي وَقْتِهِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ مَوْلاَهُم، التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ، مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ.
مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ: تَعَرَّفْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَهَا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ.
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لاَ أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشَدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَقَالَ: وَأَنْتَ يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا!!
قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَم
قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ.(6)
و عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الجُهَنِيُّ (خ، د، ت، ق)، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ المِصْرِيِّيْنَ، أَبُو صَالِحٍ الجُهَنِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، كَاتِبُ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ.
وَبِكُلِّ حَالٍ، فَكَانَ صَدُوْقاً فِي نَفْسِهِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، أَصَابَهُ دَاءُ شَيْخِهِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَتَهَاوَنَ بِنَفْسِهِ حَتَّى ضَعُفَ حَدِيْثُهُ، وَلَمْ يُتْرَكْ بِحَمْدِ اللهِ، وَالأَحَادِيْثُ الَّتِي نَقَمُوهَا عَلَيْهِ مَعْدُوْدَةٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
نَقَلَ ابْنُ يُوْنُسَ وَغَيْرُهُ مَوْتَ أَبِي صَالِحٍ: فِي يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَهُوَ فِي عَقْلِي أَقْوَى مِنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَأَسِيْدٍ الجَمَّالِ، وَمَا هُوَ بِدُوْنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ الأَصْبَحِيِّ.(7)ونحوِهمْ .
ج) مولى الإسلام :
ومنهمْ: مَنْ أُريدَ بهِ ولاءُ الإسلامِ ، كالإمامِ محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ ، وقيلَ لهُ: الجُعْفِيُّ ؛ لأنَّ جدَّهُ كانَ مجوسِيّاً وأسلمَ على يدِ اليمانِ بنِ أخنسَ الجعفيِّ .(8)
وكالحسنِ بنِ عيسى المَاسَرْجِسِيِّ ، قيلَ لهُ : مولى ابنِ المباركَ لإسلامِهِ على يديهِ(9).
وربَّما نُسِبَ إلى القبيلةِ مَوْلَى مَوْلاَها ، كأبي الحُبَابِ سَعيدِ بنِ يَسَارٍ ، قيلَ لهُ : الهاشميُّ ؛ لأنَّهُ مولى شُقْرانَ مولى رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) .
وقيلَ: إنَّهُ مولى ميمونةَ زوجِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وقيلَ : مولى الحسنِ بنِ عليٍّ ، وقيلَ : مولى بني النجارِ . فليسَ حينئذٍ بمولًى لبني هاشِمٍ .(10)
ومِنْ هذا القسمِ : عبدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ القُرَشِيُّ الفِهْريُّ المِصْرِيُّ ، فإنَّهُ مولى يزيدَ بنِ رمانةَ ، ويزيدُ بنُ رمانةَ مولى يزيدَ بنِ أنيسٍ الفِهْرِيِّ .(11)
قلت : وقد ذكر أئمة هذا الفن قصة في هذا الباب ، واحتجوا بها ، بما فيهم بعض أساتذنا اليوم ، وهي قصة مختلقة لا اصل لها ، وهذا نصها(12):
وفي معرفة علوم الحديث (419) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَيْرُوتِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَطَرِ بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَشِيرٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : " قَدِمْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، فَقَالَ لِي : مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ يَا زُهْرِيُّ ؟ قُلْتُ : مِنْ مَكَّةَ ، قَالَ : فَمَنْ خَلَّفْتَ يَسُودُ أَهْلَهَا ؟ قَالَ : قُلْتُ : عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : وَبِمَ سَادَهُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : بِالدِّيَانَةِ ، وَالرِّوَايَةِ ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ ، وَالرِّوَايَةِ لَيَنْبَغِي أَنْ يَسُودُوا ، فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْيَمَنِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : طَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : وَبِمَ سَادَهُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : بِمَا سَادَهُمْ بِهِ عَطَاءٌ ، قَالَ : إِنَّهُ لَيَنْبَغِي ، فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ مِصْرَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الشَّامِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : مَكْحُولٌ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي عَبْدٌ نُوبِيُّ أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ ، قَالَ : فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ خُرَاسَانَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ ؟ قُلْتُ : الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْمَوَالِي ، قَالَ : وَيْلَكَ ، فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْكُوفَةِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، قَالَ : فَمِنَ الْعَرَبِ أَمْ مِنَ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنَ الْعَرَبِ ، قَالَ : وَيْلَكَ يَا زُهْرِيُّ ، فَرَّجْتَ عَنِّي ، وَاللَّهِ لَيَسُودَنَّ الْمَوَالِي عَلَى الْعَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى الْمَنَابِرِ ، وَالْعَرَبُ تَحْتَهَا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ ، مَنْ حَفِظَهُ ، سَادَ ، وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ "(13)
قلت : ولا تصح بحال فيها ، ففي تقريب التهذيب (7453 ) الوليد بن محمد الموقري بضم الميم وبقاف مفتوحة أبو بشر البلقاوي مولى بني أمية متروك من الثامنة مات سنة اثنتين وثمانين ت ق .
والراوي عنه مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَشِيرٍ مجهول كذلك . ومن فوقه مجهول كذلك !!.
وقد نسي من احتجَّ بها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم (7028 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا ، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ "
3- منْ فوائده :
منَ المُهِمَّاتِ معرفةُ الموالي منَ العلماءِ والرواةِ ، وأهمُّ ذلكَ أنْ يُنسبَ إلى القبيلةِ مولى لهمْ ، معَ إطلاقِ النَّسبِ ، فربَّمَا ظنَّ أنهمْ منهمْ صليبٌ بحكمٍ ظاهرِ الإطلاقِ ، وربَّما وقعَ مِنْ ذلكَ خللٌ في الأحكامِ الشرعيةِ في الأمورِ المشترطِ فيها النسبُ ، كالإمامةِ العظمى ، والكفاءةِ في النكاحِ ، ونحوِ ذلكَ ..
والخلاصة أنَّ البحث في الموالي يقدم إلينا صورة مشرقة عن أثر الإسلام في إنهاض الشعوب ومحو الفروق بين الطبقات، إذ رفع من شأنهم مع أن أعراف سائر الأمم تعتبر أمثالهم طبقة دنيا لا يسمح لها أن تطمع بمساواة ساداتها، فضلا عن أن تطمح إلى المعالي والسيادة.
لكن ديننا الإسلامي جعل سيادة الفرد وكرامته ما يتحلى به من الفضائل والخير، كما قرر القرآن الكريم: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (13) سورة الحجرات.
4- أشهرُ المصنَّفات فيه:
صنَّف في ذلك أبو عُمر الكِنْدي بالنِّسْبة إلى المصريين. .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 88) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 37) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 41) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 783) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 446) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 100) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 175) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 260) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 60) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 775) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 37) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 42) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 119) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 292)
(2) - انظر القاموس ح 4 - ص 404 .
(3) - تقريب التهذيب [ ج 1 - ص 240 ] برقم (2380) وانظر تهذيب الكمال [ ج 11 - ص 32 ] رقم 2342 و سير أعلام النبلاء(4/280) - 101 -
(4) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 9 / ص 214) (1922 ) وتهذيب التهذيب - (ج 3 / ص 246) (539 ) و سير أعلام النبلاء (4/207) - 85 - والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 366) وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 6 / ص 529)
(5) - سير أعلام النبلاء(8/137-165)- 12 - و ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 423) 6998 وتهذيب الكمال للمزي - (ج 24 / ص 255) 5016 والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 11 / ص 337) وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 11 / ص 303)
(6) - سير أعلام النبلاء (8/379-421)- 112 -
(7) - سير أعلام النبلاء (10/406-415) -115 -
(8) - انظر تهذيب الكمال (5059 )
(9) - انظر تهذيب الكمال (1263 )
(10) - انظر تهذيب الكمال (2385 )
(11) - انظر شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 292) و تهذيب الكمال (3645 ) وفي تقريب التهذيب (3694 ) عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ عابد من التاسعة مات سنة سبع وتسعين وله اثنتان وسبعون سنة ع
(12) - انظر مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 89) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 130) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 786) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 292) و منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 177)
(13) - قال أفقر العباد بشار بن عواد: هذه الحكايات من وضع الشعوبية أعداء الاسلام يدسون السم بالدسم، وراويها الوليد بن محمد الموقري مولى لبني أمية متروك، كذبه يحيى بن معين وغيره وضاع، وأمره بين في الضعفاء، كما سيأتي في ترجمته، نسألك اللهم العافية والسلامة. تهذيب الكمال للمزي - (ج 20 / ص 82)(1/468)
معرفةُ الثقات والضعفاء من الرواة(1)
ـ 20 ـ
1- تعريفُ الثقة والضعيف:
أ) لغة: الثقة لغة المُؤتمن. والضعيف ضد القوي . ويكون الضعف حسياً ومعنوياً
ب) اصطلاحاً: الثقة: هو العدل الضابط ، والضعيف: هو اسم عام يشملُ من فيه طعن في ضبطه أو عدالته.
2- أهميتُه وفائدته:
فهوَ من أجلِّ أنواعِ الحديثِ ، فإنَّهُ المِرْقَاةُ إلى التفرقةِ بينَ صحيحِ الحديثِ وسقيمهِ.
3- أشهرُ المصنَّفات فيه وأنواعها :
أ) مصنَّفات مًفْرَدَة في الثقات :
مثل الثقات لابن حبان (354) هـ :
هو الإمام العالم الفاضل المتقن المحقق الحافظ العلامة محمد بن حبان ابن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البُستي السجستاني .
قال الحافظ ابن حجر : كان صاحب فنون ، وذكاء مفرط ، وحفظ واسع إلى الغاية ، رحمه الله ا هـ ... انظر مقدمة صحيحه 1/7-35
وقد ذكر في ثقاته الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم فقال : كل من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرّى عن خصال خمس فذكرها المؤلف وهي :
أ - أن يكون فوق الشيخ الذي ذكر اسمه في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره
ب- أو يكون دونه رجل واه لايجوز الاحتجاج بروايته .
ج- أو يكون الخبر مرسلاً لا تلزم به الحجة .
د - أو يكون منقطعاً لا تقوم بمثله الحجة .
هـ- أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه .
ثم قال : فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرّى عن الخصال الخمس التي ذكرتها ، فهو عدلٌ يجوز الاحتجاج بخبره .(2)
ثم ذكر شرط العدل الموثّق عنده فقال : (العدل من لم يُعرف منه الجرح ضد التعديل ، فمن لم يعلم بجرح فهو عدلٌ إذا لم يبيّن ضده) إذ لم يكلّف الناسُ من الناس معرفة ما غاب عنهم ، وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيّب عنهم .
وقد أورد في كتابه هذا كل من هو ثقة عنده كما ذكر وفيه حوالي بضعة عشر ألف ترجمة بشكل مختصر والثقات الذين أوردهم في كتابه على أنواع :
- الأول : قسم متفقٌ على ثقته وعدالته مثل :
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي 4/4 قال عنه في التقريب أخرج له الجماعة عدا الترمذي (206) .
وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري ... وفي التقريب (178) ثقة .
وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . وفي التقريب (199) له رؤية ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة ووثقه العجلي ا هـ . وغيرهم كثير مما لا خلاف فيه .
- والثاني : قسم اختلف فيهم علماء الجرح والتعديل ، ورجح عند ابن حبان عدالتهم ومنهم :
إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي ، قال عنه في التقريب (204) صدوق ضعيف الحفظ ا هـ
- والثالث : رواة ذكرهم ، وذكر عليهم بعض الملاحظات كيخطىء مثلاً ، وتكلم فيهم غيره
كقوله في ترجمة إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق قال عنه : يخطئ 4/19 . وفي التقريب (450) ضعيف .
وكقوله في ترجمة أيوب بن خالد روى عنه موسى بن عبيده يعتبر بحديثه من غير حديث موسى عنه 4/29 وفي التقريب (610) فيه لين .
وكقوله في ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري يخطئ 4/59 وفي التقريب (408) صدوق .
فهؤلاء الرواة الذين تكلم فيهم ينظر في أحوالهم وفيما قال فيهم أئمة الجرح والتعديل لنصل إلى الرأي الراجح فيهم .
- والرابع : رواة وثقهم وروى عنهم اثنان من الثقات ، فما فوق فهؤلاء مقبولون على الراجح ، مالم يضعّفهم إمام معتبر .
- والخامس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد(3)ولم يأتوا بخبر منكر ، فهؤلاء - على الراجح - مقبولون وحديثهم حسن ، ولاسيما إذا ذكره البخاري في التاريخ وسكت عليه أو ذكره ابن أبي حاتم وسكت عليه ، أو قال عنه الذهبي في الكاشف : وُثّق ، أو وثقه معه الإمام ابن خزيمة أو الترمذي ، أو الحاكم ، أو روى له أبو داود والنسائي وسكتا عليه ، أو روى له أحمد في المسند ولم يضعفه أو مانص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول ...
وما نسب إليه من أنه واسع الخطو في باب التوثيق ، يوثق كثيراً ممن يستحق الجرح ، فهو قول ضعيف مردود ، وقد عرفنا أنه معدود ممن له تعنت وإسراف في جرح الرجال ، ومَن هذا حاله لايمكن أن يكون متساهلاً في تعديل الرجال ، وإنما يقع التعارض كثيراً بين توثيقه وبين جرح غيره ، لكفاية مالا يكفي في التوثيق عند غيره عنده .
ونقل السخاوي في فتح المغيث 1/36 أن شيخه الحافظ ابن حجر نازع في نسبة ابن حبان إلى التساهل فقال : إن كانت باعتبار وُجدان الحسن في كتابه ، فهو مشاحّة في الاصطلاح لأنه يسميه صحيحاً ، وإن كانت باعتبار خفّة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ماكان راوية ثقة غير مدلس ، سمع ممن فوقه ، وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك انقطاع ولا إرسال ، وإذا لم يكن في الراوي المجهول الحال جرحٌ ولا تعديل ، وكان كلّ من شيخه والراوي عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر ، فهو ثقة عنده ، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذا حاله ، ولأجل هذا ربما اعترض معترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف اصطلاحه ، ولا اعتراض عليه ، فإنه لا يشاحّ في ذلك ا هـ .
فغاية ما في الأمر أن يوثق (مستور الحال) ، وهو ما لم يكن فيه جرح ولا تعديل ، وكان كلٌ من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر ، وقد وثق الأئمة كثيراً ممن هذا شأنهم ، وثمة نقول كثيرة عنهم تعزّز رأيه في رواية المستور فقد نقل الذهبي في الميزان 1/556 : في ترجمة حفص بن بُغيل قول ابن القطان فيه : لا يعرف له حال ولا يعرف ، ثم عقبه بقوله : لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا ، فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل ، أو أخذ عمن عاصره ما يدلُّ على عدالته ، وهذا شيء كثير ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ كثير مستورون ، ماضعفهم أحدٌ ، ولاهم بمجاهيل .
وفي كتاب قرة العينين في ضبط أسماء رجال الصحيحين ص 8 :
لا يقبل مجهول الحال ، وهو على ثلاثة أقسام :
أحدهما مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، فلا يقبل عند الجمهور .
وثانيها مجهول العدالة باطناً ، وهو المستور ، والمختار قبوله ، وقطع به سُليم الرازي أحد أئمة الشافعية ، وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي وعليه العمل في كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم عهدهم وتعذّرت معرفتهم ا هـ
وبمثله قال ابن الصلاح والسخاوي في شرح الألفية 1/321 و323 و347 وراجع مقدمة الإحسان 1/36-40
- والسادس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا واحد أو اثنين نادراً ، ونص غيره على جهالتهم ..
- والسابع : رواة تناقض فيهم فذكرهم في الثقات ، وفي المجروحون !!
والكتاب بحاجة لتحقيق وضبط ومقارنة رواته مع ما قاله فيهم غيره من علماء الجرح والتعديل .
وكتاب الثقات للعجلي ت (261) :
وهو إمام من أئمة الجرح والتعديل ، ومن المعتدلين في الجرح التعديل ، وفي كتابه هذا قريب من ألفي ترجمة وقد ذكر الثقات فيه .
كقوله عن آدم بن أبي إياس (42) ثقة ، وعن آدم بن طريف (44) ثقة ، وعن آبان بن إسحاق الأسدي النحوي الكوفي (9) ثقة
- وربما نسبه بعضهم للتساهل ، وهذا عندي غير دقيق ولكنه ربما وثق راوٍ مختلف فيه رجحت عنده عدالته .
أمثلة :
قال عن إبراهيم بن أبي حبيبة حجازي (14) ثقة .
أقول : اختلفوا فيه فوثقه أحمد وابن عدي والحربي وضعفه البخاري والنسائي والدارقطني وأبو حاتم وأبو أحمد الحاكم وابن حبان ... واضطرب فيه قول يحيى بن معين راجع التهذيب 1/104 و105 .
والصواب أنه صدوق له أفراد راجع الكامل لابن عدي 1/233-236 .
أو كقوله في ترجمة إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي (31) جائز الحديث .
وقال عنه الترمذي : لم يكن بالقوي ، وكذا النسائي ، وقال الدارقطني : يعتبر به الجامع في الجرح والتعديل (96) وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (254) صدوق لين الحفظ ا هـ فما قاله العجلي صحيح .
أو كقوله في أجلح بن عبد الله بن حجية الكندي ثقة (39) وقال أبو داود : ضعيف ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وكان مسرفاً في التشيع ا هـ الجامع (116) وقال الحافظ في التقريب (285) صدوق شيعي اهـ .
أو كقوله في أحمد بن صالح المصري ثقة صاحب سنة (3)
وقال النسائي : ليس بثقة الضعفاء له (69) والصواب قول العجلي لأن النسائي جرحه من باب جرح الأقران انظر التهذيب 1/39-42
وكقوله عن الأحوص بن حكيم بن عمير : لا بأس به (41) وقال البخاري قال لنا علي : كان ابن عيينة يفضل الأحوص على ثور في الحديث ، وأما يحيى فلم يرو عن الأحوص .
وقال النسائي : ضعيف ، وقال الدارقطني : منكر الحديث ، وقال في رواية أخرى : يعتبر به إذا حدّث عنه ثقة ا هـ الجامع في الجرح والتعديل (245) وانظر التهذيب 1/192-193 فالصواب ما قاله العجلي ....
الثقات لابن شاهين ت (371) هـ :
وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل وله الضعفاء كذلك .والكتاب بحاجة لضبط ومقارنة مع غيره .
ب) مصنفات مُفْرَدَة في الضعفاء:
وهي كثيرة جداً. كالضعفاء للبخاري
والضعفاء والمتروكون للنسائي ت (303) هـ :
للحافظ أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي : قال الدارقطني : أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره ، وفي رواية أخرى : أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم ، وأعلمهم بالرجال .. ا هـ ...(4)
أقول : هو من المتعنتين في الجرح والتعديل في بعض الأحيان
وكل من روى عنه وسكت عليه فهو مقبول عنده بلا شك . وأما ما جرحه ينظر هل وافقه غيره أم لا؟
كقوله في إبراهيم بن عطية أبو إسماعيل الثقفي الواسطي متروك الحديث ا هـ
وكقوله في أسامة بن زيد الليثي : ليس بثقة (51)
وفي التقريب (317) صدوق يهم ا هـ
وكقوله في إسحاق بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة العزوي ليس بثقة (49)
وفي التقريب (381) صدوق كُفّ بصره فساء حفظه ا هـ .
وقال عن ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري (206) ليس بالقوي وفي الكاشف (1569) ثقة .
أو كقوله في سعيد بن سلمة بن أبي الحسام العدوي شيخ ضعيف السنن 8/258 .
وفي التقريب (2326) صدوق صحيح الكتاب ، يخطئ من حفظه ، وأكثر من ضعفهم وافقه غيره عليه .
وكتاب الضعفاء الكبير تصنيف الحافظ أبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي ، وقد ذكر فيه من ذكر بطعن ، ونقل ذلك بالسند المتصل ، وذكر فيه حوالي مائتين وعشرة تراجم ، وهو مرتب على حروف المعجم ، يقول في أول ترجمة ( 40 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ الِاسْتِنْجَاءَ فَقَالَ : " أَلَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ : حَجَرَانِ لِلصَّفْحَتَيْنِ ، وَحَجَرٌ لِلْمَسْرُبَةِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَرَوَى الِاسْتِنْجَاءَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ : أَبُو هُرَيْرَةَ , وَسَلْمَانُ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَالسَّائِبُ بْنُ خَلَّادٍ الْجُهَنِيُّ , وَعَائِشَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ . . . لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَلِأُبَيٍّ أَحَادِيثُ لَا يُتَابَعُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ
( 41) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : قَالَ أَبِي حَدَّثَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ " وَفِيهِ كَلَامٌ غَيْرُ هَذَا , فَتَرَكَهُ يَحْيَى بِآخِرَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ : قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِنَّ ابنَ دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِكَذَا , فَقَالَ : لَا أُحَدِّثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِشَيْءٍ أَبَدًا . قَالَ أَبُو زَيْدٍ : وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنَا عَنْهُ قَبْلَ ذَاكَ ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَنْكَرَهُ يَحْيَى عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل
(42) قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ , وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، جَمِيعًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " جَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ , وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ , وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ , وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ " وَأَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ , فَقَالَ : " ارْمِ وَلَا حَرَجَ " وَقَالَ آخَرُ : أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ : " ارْمِ وَلَا حَرَجَ " وَاللَّفْظُ لِلصَّائِغِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْمَتْنُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَابِتٌ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْبَلْخِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَبُو مُوسَى قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى يُحَدِّثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ تَرَكَهُ بِآخِرَةٍ .
ولكنه لا يخلو من تشدد ، وفي ميزان الاعتدال للذهبي - (ج 3 / ص 138) (5874 ) على بن عبدالله [ خ د ت س ] بن جعفر، أبو الحسن الحافظ، أحد الاعلام الاثبات، وحافظ العصر.
ذكره العقيلى في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن أبى دواد والجهمية.
وحديثه مستقيم إن شاء الله....
وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها، وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به - قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدى أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبدالحميد، لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال.
أفما لك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذبَّ عنهم ولنزيفَ ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه؟ !!
بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له، وأكمل لرتبته، وأدلَّ على اعتنائه بعلم الأثر، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك، فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنَّة، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه، وكذلك التابعون، كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث.
وإنْ تفرد الثقة المتقن يعدُّ صحيحاً غريباً.
وإنْ تفرد الصدوقُ ومن دونه يعدُّ منكرا.
وإنَّ إكثار الراوي من الاحاديث التي لا يوافق عليها لفظاً أو إسناداً يصيره متروك الحديث، ثم ما كلُّ أحد فيه بدعةٌ أو له هفوةٌ أو ذنوبٌ يقدحُ فيه بما يوهن حديثه، ولا منْ شرطِ الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهامٌ يسيرةٌ في سعة علمهم أن يعرفَ أن غيرهم أرجحُ منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزنِ الاشياءَ بالعدل والورع.
وأمَّا علي بن المديني فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه.
وقد أدرك حماد بن زيد، وصنف التصانيف، وهو تلميذ يحيى بن سعيد القطان، ويقال: لابن المديني نحو مائتي مصنف.
والضعفاء والمتروكين للدارقطني وهو الإمام الحافظ الكبير ، الناقد ..وله أراء كثيرة في الجرح والتعديل نجدها في الضعفاء والمتروكين له ، وفي سؤالات السهمي له ، وكذا البرقاني ، وفي كتابه السنن ، والعلل ، والإلزامات والتتبع . وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل .
- كقوله عن آدم بن أبي إياس ثقة السنن 2/162
أو كقوله أبان بن سفيان الجزري : متروك الجامع (6) .
- وقد يرد عنه بعض الأقوال المتباينة كقوله في إبراهيم بن إسماعيل ابن أبي حبيبة الأنصاري : متروك ، وفي رواية أخرى : ليس بالقوي وفي ثالثة : ضعيف .. الجامع (20) .
وفي هذه الحال فلا بد من مقارنة كلامه مع غيره من علماء الجرح والتعديل .
- وقد يتعارض قوله مع غيرهه كقولهه في ترجمة أبان بن عبد الله ابن أبي حازم البجلي الكوفي : ضعيف.
علماً أن البخاري قال عنه : صدوق الحديث ، وقال العجلي : ثقة ا هـ الجامع (11) وفي التقريب (140) صدوق في حفظه لين . وفي هذه الحال لابد من مقارنة كلامه مع كلام غيره لنصل إلى الرأي الراجح في الراوي المختلف فيه .
ومنها كتاب الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (365) هـ :
وهو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني قال حمزة السهمي : كان أبو أحمد بن عدي حافظاً متقناً ، لم يكن في زمانه مثله ، وقال : سألت الدارقطني أن يضيف كتاباً في الضعفاء فقال : أوليس عندك كتاب ابن عدي ؟ ! قلت نعم ، قال : فيه كفاية لا يزاد عليه ا هـ تاريخ جرجان 226 .
وقال الذهبي : أما في العلل والرجال فحافظ لايجارى الميزان 1/2 وقال ابن ناصر الدين : هو إمام حافظ كبير ثقة مأمون ، له كتاب في الجرح والتعديل سماه الكامل ، وهو كتاب جليل حافل .
وقال الحافظ ابن كثير : له كتاب الكامل في الجرح والتعديل ، لم يسبق إلى مثله ولم يلحق في شكله البداية 11/283
وقد ذكر في كتابه هذا كل من تكلّم فيه بأدنى شيء ، ولو كان من رجال الصحيحين ، منتصرٌ له إذا أمكن .. وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاده ... راجع السير 16/154
والذين أوردهم فيه : الضعفاء ، والثقات الذين تُكلّم فيهم أو أنكر عليهم أحاديث ، ومن اختلف فيهم ، ومن لم يتكلم فيه أحد ، مع العلم أن أحاديثه غير محفوظة .
وقد رتبه على الحروف الهجائية ، وبدأه بترجمة لعلماء الجرح والتعديل وهو يذكر اسم المترجم له ، ثم ينقل بسنده المتصل رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، ثم يذكر له بعض مارواه ، ثم يذكر رأيه فيه بعد سبره لأحاديثه .
- وهو من المنصفين في الجرح والتعديل إلى حدّ بعيد .
- وهو أول من قام بهذه الدراسة النقدية الداخلية
أمثلة :
قال في ترجمة أحمد بن بشير : قال الإمام يحيى بن معين : لاأعرفه وقال عثمان بن سعيد الدارمي : كان من أهل الكوفة ، ثم قدم بغداد ، وهو متروك .ثم ذكر ابن عدي بعض ما أنكر عليه .
ثم قال : وأحمد بن بشير له أحاديث صالحة ، وهذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له ، وهو في القوم الذين يكتب حديثهم 1/165-167 .
أقول : يعني أنه مقبول الرواية خلا هذه الأحاديث التي أوردها في ترجمته .
وقال عنه في التقريب (13) صدوق له أوهام .
ثم الأحاديث التي أنكرها عليه ابن عدي فيها المنكر وفيها غير المنكر .
فالأول : (تعبد رجل ...) واه منكر
والثاني : (لووزنت دموع آدم ... " والصواب وقفه انظر الشعب (834 و835) والخطيب 4/47
والثالث : لا ينبغي لقوم يكون أبو بكر فيهم أن يؤمهم غيره . ضعيف مرفوعاً ، والصواب وقفه انظر الترمذي (3673)
والرابع : حديث (اللهم أوسع رزقك ...) مختلف فيه الحاكم 1/542 والمجمع 10/182 والدعا للطبراني (1049) وحسنه الهيثمي .
والخامس : (اللهم بارك لأمتي في غُدّوها) صحيح لغيره
والسادس : (لاحول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) هو في الصحيحين البخاري 5/120 و8/102 و108 و156 و9/144 ومسلم في الذكر والدعاء رقم (44 و45 و47) .
والسابع : (حديث من أسرع الناس هلاكاً ؟ قال : قومك ...) أخرجه أحمد 6/81 و90 وابن أبي عاصم 2/64 والمجمع 10/28 وهو حديث صحيح لغيره .
فيجب الانتباه للأحاديث التي يوردها الإمام ابن عدي في كامله فليست كلها مردودة ، بل فيها الصحيح والحسن .
وقال في ترجمة أحمد بن حازم أظنه مديني ، ويقال مزني معافري ، مصري ، ليس بالمعروف ، يحدث عنه ابن لهيعة ويحدث أحمد هذا عن عمرو بن دينار وعبدالله بن دينار ، وعطاء وابن المنكدر ، وصفوان بن سليم بأحاديث عامتها مستقيمة .. ا هـ
أو كقوله عن أحمد بن أبي نافع أبو سلمة الموصلي ، بعد أن روى له بعض الأحاديث : قال وهذان الحديثان غير محفوظين ، وأحمد ابن أبي نافع متقارب الحديث ليست أحاديثه بالمنكرة جداً 1/169 .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى : أظنه بصري ، يحدث عن أهل الأهواز ، يخالف الثقات في روايته عن شعبة ، وقد حدث عن غير شعبة بأحاديث مستقيمة ثم قال أخيراً : ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابه ا هـ 1/170 و171
أقول : والأهم من هذا أنه استطاع بنظرته الثاقبة وحفظه الواسع أن يمحّص في الرواة المختلف فيهم ويصل إلى نتائج هامة جداً في هذا المعترك الصعب .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 86) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 31) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 83) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 246) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 59) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 723) و ألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 59) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 41) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 739) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 81) و نزهة النظر - (ج 1 / ص 170) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 284) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 440) ورسوم التحديث في علوم الحديث - (ج 1 / ص 136) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 115)
(2) - وقارن ب جرح الرواة وتعديلهم - (ج 7 / ص 4)
(3) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 180-183 و204-208
(4) - التهذيب 10/36-39 .(1/469)
- كقوله في ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي روى عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق : المغازي ، وأنكرت عليه وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكير .
ثم قال : كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يحسنان القول في أحمد بن محمد بن أيوب ، وسمع علي منه المغازي ، وكان يحيى بن معين يحمل عليه .
ثم قال : وأحمد بن محمد هذا أثنى عليه أحمد وعلي ، وتكلم فيه يحيى ، وهو مع هذا كله صالح الحديث ليس بمتروك ا هـ 1/174 و175 .
- وكان يرد جرح الأقران كجرح يحيى بن معين والنسائي في أحمد بن صالح أبو جعفر المصري . ثم قال وأحمد بن صالح ممن أجلّه الناس ... ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلّم فيه متكلم لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره ا هـ 1/180-184
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي بعد أن نقل عن ابن خراش أنه حلف بالله أن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً ، فقال رداً عليه : وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ ا هـ 1/190 .
- وقد يرجح قولاً من الأقوال التي قيلت في الراوي كقوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن السكسكي الكوفي ونقل عن شعبة طعنه فيه ، وقال النسائي : ليس بذلك القوي ويكتب حديثه ... ثم قال : ولم أجد له حديثاً منكر المتن ، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ، ويكتب حديثه كما قال النسائي 1/210 و211
- أو كقوله في إبراهيم بن مسلم أبو اسحاق الهجري بعد أن نقل تضعيفه عن سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي ..
قال : وإبراهيم الهجري هذا حدّث عنه شعبة والثوري وغيرهما ، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن ، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وهو عندي ممن يكتب حديثه ا هـ 1/211-213
أو كقوله في إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المديني بعد أن نقل قول البخاري فيه : منكر الحديث ، وقول يحيى بن معين صالح ليس به بأس . وذكر له حديثاً في فضل قراءة طه ويس ..
ثم قال : وإبراهيم بن مهاجر لم أجد له حديثاً أنكر من حديث (قرأ طه ويس) ... وباقي أحاديثه صالحة اهـ 1/216
- ولم يكن ليتعصب ضد الرواة المتهمون بالتشيع أو الغلو فيه .
فقد قال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي بعد أن نقل تكذيبه عن الشعبي وأبي حنيفة وليث بن أبي سليم ويحيى بن معين وغيرهم ...
قال : ولجابر حديث صالح ، وقد روى عنه الثوري الكثير وشعبة أقل رواية عنه من الثوري ، وحدّث عنه زهير وشريك وسفيان والحسن بن صالح وابن عيينة وأهل الكوفة وغيرهم ، وقد احتمله الناس ورووا عنه ، وعامة ماقذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة ، وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً ، ولم يتخلّف أحد في الرواية عنه ، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في الإنكار ، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق ا هـ 2/113-120
- وقد يذكر راوياً ويورد له عدداً من الأحاديث ويضعفه ويكون الحمل فيها ليس على هذا الراوي وإنما على الراوي عنه مثل غالب القطان فقد ذكره وأورد له أحاديث ، والحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري وغيره ، وهو من عجيب ماوقع له والكمال لله تعالى(1)
- وقد ينسب إلى التساهل مع بعض الرواة كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني: حيث نقل تكذيبه عن مالك ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وغيرهم ، وأطال النفس في ترجمته . ثم نقل رواية الشافعي عنه وابن جريج والثوري وعباد بن منصور ويحيى بن أيوب .
ثم قال : وإبراهيم بن أبي يحيى ذكرت من أحاديثه طرفاً ، روى عنه ابن جريج والثوري وعباد بن منصور
ومندل ، ويحيى بن أيوب ، وهؤلاء أقدم موتاً منه وأكبر سنّاً ، وله أحاديث كثيرة ، ... وقد نظرت أنا في أحاديثه وسجرتها وفتشت الكل منها ، فليس فيها حديث منكر وإنما يروي المنكر إذا كان العهدة من قبل الراوي عنه ، أو من قبل من يروي إبراهيم عنه وكأنه أتى من قبل شيخه لا من قبله ، وهو في جملة من يكتب حديثه ، وقد وثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما ا هـ 1/217-225
وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (241) متروك ا هـ .
- ولكن الثابت عن ابن عدي وغيره من الأثريين تحاملهم على أهل الرأي ، وهذا لايقبل منهم(2)
- كقوله في ترجمة محمد بن الحسن الشيباني بعد أن نقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى وغيرهما .
قال : ومحمد بن الحسن هذا ليس هو من أهل الحديث ، ولا هو ممن كان في طبقته يُعنون بالحديث حتى أذكر شيئاً من مسنده على أنه سمع من مالك - الموطأ - والاشتغال بحديثه شغل لا يحتاج إليه ، لأنه ليس هو من أهل الحديث فينكر عليه ، ... وقد استغنَى أهل الحديث عما يرويه محمد بن الحسن وأمثاله ا هـ 6/174 و175
أقول : هذا الكلام في حقه فيه تجنّ كثير قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من اللسان : تفقه على أبي حنيفة ، وسمع الحديث من الثوري ومعمر وعمر بن ذر ، ومالك بن مغول ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وربيعة بن صالح ، وجماعة وعنه الشافعي ، وأبو سليمان الجوزجاني ، وهشام الرازي وعلي بن مسلم الطوسي ، وغيرهم ، ولي القضاء في أيام الرشيد ، وقال ابن عبد الحكيم : سمعت الشافعي يقول: قال محمد : أقمت على باب مالك ثلاث سنين ، وسمعت منه أكثر من سبعمائة حديث ، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد وقر بعيد كتباً ، وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه في حق محمد بن الحسن : صدوق ا هـ 5/121-122(3)
- أو ماقاله في ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت حيث نقل تضعيفه عن كثير من أهل الجرح والتعديل وأفاض في ترجمته ثم ختمها بقوله : وأبو حنيفة له أحاديث صالحة ، وعامة مايرويه غلط ، وتصاحيف وزيادات في أسانيدهها ومتونها ، وتصاحيف في الرجال ، وعامة مايرويه كذلك ، ولم يصح له في جميع مايرويه إلا بضعة عشر حديثاً وقد روى من الحديث لعله أرجح من ثلاثمائة حديث من مشاهير وغرائب وكله على هذه الصورة ، لأنه ليس هو من أهل الحديث ، ولا يحمل على من تكون هذه صورته في الحديث ا هـ 7/5-12
أقول : هذا الكلام غير صحيح ، قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/168: أبو حنيفة الإمام الأعظم ، فقيه العراق ... حدّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وسلمة ابن كهيل وأبي جعفر محمد ابن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحاق وخلق كثير ...
وحدّث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وبشر كثير ، وكان إماماً ورعاً عالماً عاملاً ، متعبداً ، كبير الشأن ، لايقبل جوائز السلطان قال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين قال : لا بأس به ، ولم يكن متهماً ... ا هـ
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي 1/188 : قال : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدّم على التعديل على إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ...
ثم قال 1/190 : قد عرفناك أن الجارح لايقبل فيه الجرح وإن فسّره في حق من غلبت طاعاته على معصيته ، ومادحوه على ذاميّه ومزكوّه على جارحيه ، إذا كانت هناك قرينة تشهد بأن مثلها حامل على الوقيعة فيه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري في أبي حنيفة ، وابن أبي ذئب وغيره في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون ا هـ(4)
وترجمه الحافظ ابن حجر في التهذيب 10/449-452 ترجمة مطولة ولم يذكر رواية واحدة تطعن في روايته وعدالته ، بل أثبت عدالته وثقته ... وهذا هو الحق والمذهب الحنفي مملوء بآلاف الأحاديث المستدل بها على الأبواب وهذا يرد على كل من يطعن في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وكل جرح لايستند إلى أسس موضوعية سليمة مرفوض مهما كان قائله إذ لايعصم عن الخطأ إلا الأنبياء .
وهناك نقطة هامة حول كتاب الكامل لابن عدي رحمه الله فقد أورد ضمن تراجم الكتاب مايزيد على ثمانية آلاف حديث وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، والمنكر والواهي والموضوع . والمقبول منها غير قليل .
كحديث (ائذنوا للنساء) 1/215 فهو صحيح ، إذ أخرجه البخاري 2/5 و7 ومسلم الصلاة ح (139) وغيرهما فليس مجرد عزو الحديث إلى الكامل دليلاً على ضعفه ووهنه !!(5)
فلا بد من مراجعة الحديث في كتب السنة الأخرى لترى ما قالوا فيه .
وهذا الكتاب - الذي لم ينسج على منواله - بحاجة لتحقيق وضبط وتخريج لكامل أحاديثه .
وكتاب " المغني في الضعفاء " الإمام شمس الدين الذهبي ت (748) هـ :
قال السبكي : أما أستاذنا أبو عبد الله فبصرٌ لانظير له ، وهو الملجأ إذا نزلت المعضلة ، إمام الوجود حفظاً ، وذهبُ العصر معنىً ولفطاً ، وشيخ الجرح والتعديل ، ورجل الرجال في كل سبيل ا هـ طبقات الشافعية 5/216 بنحوه .
وقال ابن شاكر الكتبي : أتقن الحديث ورجاله ، ونظر علله وأحواله وعرف تراجم الناس ، وأزال الإبهام في تراجمهم والبأس ، جمع الكثير ، وأكثر من التصنيف ، ووفر بالاختصار مؤنة التطويل في التأليف ا هـ فوات الوفيات 2/183 .
و كتابه هذا مختصر لكتابه الميزان ذكر فيه أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة ترجمة ، ويغلب عليه التشدد انظر الأرقام التالية (12) وقارنه باللسان 1/(20) و(13) واللسان 1/(22) و(18) واللسان 1/(31) ، والجرح والتعديل 2/(1096) و(1109) و(34) واللسان 1/(61) و(40) واللسان 1/(67) ، و(41) واللسان 1/(68) و(43) واللسان 1/(71) ، و(44) واللسان 1/(72) و(50) والجرح والتعديل 2/(225) ، و(52) واللسان 1/(84) والجرح والتعديل 2/(227) ، و(57) واللسان 1/(97) وتاريخ البخاري 1/1/281 و(62) واللسان 1/(106) ، و(63) والتاريخ الكبير 1/1/281 واللسان 1/(110) والثقات 8/80 ، و(73) واللسان 1/(132) و(75) واللسان 1/(137) والجرح 2/98 ، وك (7) واللسان 1/(138) وغيرهم كثير ، وقد قام أستاذنا الدكتور نور الدين العتر بتحقيقه وردّ كثيراً من أخطائه .
ومع هذا فالكتاب بحاجة لدراسة أوسع ومقارنة الرواة الذين ذكرهم بما قاله علماء الجرح والتعديل حتى نستطيع الاعتماد عليه .
- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي:
وهو من أهم كتب الجرح والتعديل ، ذكر فيه كل راوٍ تُكُلّم فيه ، ولو بغير حق انظر الأرقام التالية : (2 و8 و10 و20 و54 و61 و...) ، وفيه (11053) أحد عشر ألفاً وثلاث وخمسون ترجمة وقد رتبه على حروف المعجم ، ويذكر المترجم له ، ثم يبين أهم من أخذ عنهم الحديث ، ثم يذكر من روى عنه ، ثم يذكر بعض مروياته أو أخباره ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، وقد يرجح رأياً من الآراء انظر الأرقام (1 و2 و35 ...) ، ويأتي برأي جديد انظر الأرقام (8 و10 و17 و20 و22 و32 و53) .
ويغلب عليه الاعتدال والانصاف ، ولايخلو من تشدد أحياناً ومن تشدده :
قوله عن أبان بن عثمان الأحمر (13) ومارد عليه الحافظ ابن حجر في اللسان 1/24 (20)
وانظر الأرقام (28 و29) واللسان 1/ (48 و49)
و(30) واللسان 1/(50)
و(31) واللسان 1/(51)
و(33) واللسان 1/(52)
و(37) واللسان 1/(61)
و(43) واللسان 1/(67)
و(44) واللسان 1/(68)
و(47) واللسان 1/(71)
و(48) واللسان 1/72)
و(56) واللسان 1/(81)
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في أشياء في التهذيب واللسان والكتاب بحاجة لتخريج أحاديثه ومقارنة رواته بغيرهم من كتب الجرح والتعديل(6).
ج) مصنفات مشتركة بين الثقات والضعفاء :
وهي كثيرة أيضاً .منها : كتاب " تاريخ البخاري الكبير " ومنها كتاب " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم ، وهي كتب عامة للرواة . ومنها كتب خاصة ببعض كتب الحديث . مثل كتاب " الكمال في أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي ، وتهذيباته المتعددة التي للمِزي والذهبي وابن حجر والخزرجي .
تهذيب الكمال للإمام الحافظ المزّي ت (745) هـ :
وهو أوسع كتاب في الجرح والتعديل لما رواه أصحاب الكتب الستة .
وهو يذكر المترجم له ثم يذكر الذين روى عنهم دون أن يترك واحداً منهم .
ثم يذكر من روى عنه باستقصاء نادر ثم يذكر رأي أهل الجرح والتعديل فيه ، ونادراً مايذكر رأيه فيه .
وقد طبع الكتاب طبعة محققة بتحقيق د. عواد بشار معروف ، وعليها تعليقات قيمة ، بالإضافة لتخريج
الأحاديث التي أوردها الإمام المزّي ضمن التراجم . وهذا الكتاب لايستغني عنه عالم
- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، للإمام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي "1304هـ". وهو كتاب نفيس جدا في غاية الفائدة طبع في حلب ثم في بيروت في جزء واحد متوسط. بتحقيق العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله
4- قواعد ووصايا هامة في هذا الموضوع
وليحذرِ المتصدي لذلكَ منَ الغَرَضِ في جانبَي التوثيقِ ، والتجريحِ ، فالمقامُ خَطَرٌ . ولقدْ أحسنَ الشيخُ تقيُّ الدينِ بنُ دقيقِ العيدِ ، حيثُ يقولُ(7): أعراضُ المسلمينَ حُفرةٌ منْ حفرِ النارِ ، وقفَ على شفيرها طائفتانِ منَ الناسِ : المحدِّثونَ والحُكَّامُ ، ومعَ كونِ الجرحِ خَطَرَاً ، فلاَ بُدَّ منهُ للنصيحةِ في الدينِ ، وقيلَ : إنَّ أبا تُرَابٍ النَّخْشَبِيَّ ، قالَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ(8): لا تغتابْ العلماءَ ، فقالَ لهُ أحمدُ : ويحكَ ! هذا نصيحةٌ ، ليسَ هذا غيبةً . انتهى .
وقدْ أوجبَ اللهُ تعالى الكشفَ والتبيينَ عندَ خبرِ الفاسقِ ، بقولِهِ تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات.وقالَ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الجرحِ كما في صحيح البخارى(6032) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَآهُ قَالَ « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » . فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ » .
إلى غيرِ ذلكَ منَ الأحاديثِ الصحيحةِ، وقالَ في التعديلِ: كما في صحيح البخارى ( 7028 و7029) حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِى الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ ، فَقُلْتُ فِى نَفْسِى لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ . فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِىَّ خَيْرًا فَأَرِنِى رُؤْيَا . فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِى مَلَكَانِ فِى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، يُقْبِلاَ بِى إِلَى جَهَنَّمَ ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ . ثُمَّ أُرَانِى لَقِيَنِى مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لَنْ تُرَاعَ ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ . فَانْطَلَقُوا بِى حَتَّى وَقَفُوا بِى عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ ، فَانْصَرَفُوا بِى عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ .
فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ » . فَقَالَ نَافِعٌ لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ . ، إلى غيرِ ذلكَ منْ صحيحِ الأخبارِ .
وقدْ تكلَّمَ في الرجالِ جماعةٌ منَ الصحابةِ والتابعينَ ، فمَنْ بعدهم ، ذكرَهمْ الخطيبُ في الكفاية ، وأمَّا قولُ صالحٍ جَزَرَةَ(9): أوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ في الرجالِ : شُعْبةُ ثمَّ تَبِعَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ ، ثمَّ بعدَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ، ويحيى بنُ مَعِينٍ ، وهؤلاءِ . فإنَّهُ يريدُ : أوَّلَ مَنْ تصدَّى لذلكَ، وإلاَّ فقدْ تُكُلِّمَ في ذلكَ قبلَ شعبةَ. ولقدْ أحسنَ يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، إذْ قالَ لهُ أبو بكرِ بنُ خَلاَّدٍ : أمَا تَخْشَى أنْ يكونَ هؤلاءِ الذينَ تركتَ حديثَهمْ خُصَمَاءَكَ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ ؟ فقالَ : لأَنْ يكونوا خُصَمَائي أحبَّ إليَّ منْ أنْ يكونَ خَصْمي رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، يقولُ لي : لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذبَ عن حديثي ؟(10)
ثمَّ إنَّ الجارحَ وإنْ كانَ إماماً معتمداً في ذلكَ، فربما أخطأ فيهِ، كما جرَّحَ النسائيُّ أحمدَ بنَ صالحٍ المصريَّ ، بقولهِ : غيرُ ثقةٍ ولا مأمونٍ ، وهوَ ثقةٌ إمامٌ حافظٌ ، احتجَّ بهِ البخاريُّ في " صحيحهِ " ، وقالَ : ثقةٌ ، ما رأيتُ أحداً يتكلمُ فيهِ بحجةٍ ، وكذا وثَّقَهُ أبو حاتمٍ الرازيُّ ، والعِجْليُّ ، وآخرونَ . وقدْ قالَ أبو يعلى الخليليُّ : اتفقَ الحفَّاظُ على أنَّ كلامَ النسائيِّ فيهِ تحاملٌ ، ولا يُقدَحُ كلامُ أمثالِهِ فيهِ ، وقدْ بَيَّنَ ابنُ عَدِيٍّ سببَ كلامِ النسائيِّ فيهِ ، فقالَ : سمعتُ محمدَ بنَ هارونَ البَرْقيَّ يقولُ: حضرتُ مجلسَ أحمدَ ، فطردَهُ منْ مجلسهِ ، فحملَهُ ذلكَ على أنْ تكلمَ فيهِ . قالَ الذهبيُّ في " الميزانِ "(11): " آذى النسائيُّ نفسَهُ بكلامِهِ فيهِ "، وقالَ ابنُ يونسَ: لَمْ يكنْ أحمدُ عندنا، كما قالَ النسائيُّ : لَمْ يكنْ لهُ آفةٌ غيرَ الكِبْرِ ، وقدْ تكلمَ فيهِ يحيى بنُ معينٍ فيما رواهُ معاويةُ بنُ صالحٍ عنهُ ، وفي كلامِهِ ما يشيرُ إلى الكِبْرِ ، فقالَ : كذَّابٌ يَتَفَلْسَفُ ، رأيتُهُ يخطرُ في جامعِ مصرَ . فنسبَهُ إلى الفلسفةِ ، وأنَّهُ يَخْطِرُ في مشيتِهِ ، ولعلَّ ابنَ معينٍ لا يدري ما الفَلْسَفَةُ ؟ فإنَّهُ ليسَ من أهلِهَا .
وقدْ ذكرَ الشيخُ تقيُّ الدينِ بنُ دقيقِ العيدِ الوجوهَ التي تدخلُ الآفةُ منها في ذلكَ ، وهي خمسةٌ(12):
أحدُهَا : الهَوَى والغَرَضُ ، وهوَ شرُّهَا ، وهوَ في تواريخِ المتأخّرينَ كثيرٌ .
والثاني : المخالفةُ في العقائدِ .
والثالثُ : الاختلافُ بينَ المتصوفةِ ، وأهلِ علمِ الظاهرِ .
والرابعُ : الكلامُ بسببِ الجهلِ بمراتبِ العلومِ، وأكثرُ ذلكَ في المتأخرينَ؛ لاشتغالِهِمْ بعلومِ الأوائلِ ، وفيها الحقُّ كالحسابِ ، والهندسةِ ، والطبِّ ، وفيها الباطلُ كالطبيعياتِ ، وكثيرٍ منَ الإلهياتِ ، وأحكامِ النجومِ .
والخامسُ : الأخذُ بالتوهمِ مع عدمِ الورعِ .
هذا حاصلُ كلامِهِ ، وهو واضحٌ جليٌّ ، وقدْ عقدَ ابنُ عبدِ البرِّ في كتابِ " العلمِ " باباً لكلامِ الأقرانِ المتعاصرينَ بعضهمْ في بعضٍ ، ورأى أنَّ أهلَ العلمِ لا يُقبلُ جرحُهُمْ إلاَّ ببيانٍ واضحٍ .
وإذا نُسِبَ مِثْلُ النَّسَائيِّ ، وهوَ إمامٌ حجةٌ في الجرحِ والتعديلِ إلى مثلِ هذا فكيفَ يُوثقُ بقولِهِ في ذلكَ ؟ وأجابَ ابنُ الصلاحِ : بأنَّ عينَ السُّخْطِ تُبْدِي مساويَ لها في الباطنِ مخارجُ صحيحةٌ ، تُعمى عَنْهَا بحجابِ السخطِ ، لا أنَّ ذلكَ يقعُ من مثلِهِ تَعَمُّدَاً لِقَدْحٍ يَعْلَمُ بُطلانَهُ ، واللهُ أعلمُ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الكامل 6/2034-2035 ومقدمة الفتح ص/434 وقواعد في علوم الحديث 423-424
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث 189 - 190 والرفع والتكميل 208 - 216
(3) - انظر قواعد قواعد في علوم الحديث 342 - 345
(4) - انظر ترجمته مطولة في كتاب قواعد في علوم الحديث 308-338
(5) - انظر قواعد في علوم الحديث 274-275 و424
(6) - انظر قواعد في علوم الحديث 179 و180 و183 و184 و185 و187 و188 و189 و205 و211 و212 و351 وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي
(7) - الاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد - (ج 1 / ص 34) و جرح الرواة وتعديلهم - (ج 8 / ص 4)
(8) - تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 18 / ص 351)
(9) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 284)
(10) - المدخل إلى الصحيح - (ج 1 / ص 111)
(11) - ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 104)
(12) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 249) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 285)(1/470)
معرفةُ أوطان الرواة وبلدانهم(1)
ـ 21 ـ ِ
1- المرادُ بهذا البحث:
الأوطان جمع وطن . وهو الإقليم أو الناحية التي يولد الإنسان أو يقيم فيها ، والبلدان جمع بلد، وهي المدينة أو القرية التي يولد الإنسان أو يقيم فيها .
والمراد بهذا البحث هو معرفة أقاليم الرواة ومدنهم التي ولدوا فيها أو أقاموا فيها .
2- من فوائده:
ممَّا يحتاجُ إليهِ أهلُ الحديثِ ، معرفةُ أوطانِ الرواةِ وبلدانهم ، فإنَّ ذلكَ ربَّما ميزَ بينَ الاسمينِ المتفقينِ في اللفظِ ، فيُنظرُ في شيخِهِ وتلميذِهِ الذي روى عنهُ ، فربَّما كانا - أو أحدهما - من بلدِ أحدِ المتفقَيْنِ في الاسمِ ، فيغلبُ على الظنِّ أنَّ بلديهما هوَ المذكورُ في السندِ ، لا سيما إذا لَمْ يُعرفُ لهُ سماعٌ بغيرِ بلدِهِ .
وأيضاً ربَّما اسْتُدِلَّ بِذِكْرِ وطنِ الشيخِ ، أو ذكرِ مكانِ السماعِ على الإرسالِ بينَ الراوِيَيْنِ إذا لَمْ يُعرفْ لهما اجتماعٌ عندَ مَنْ لا يكتفي بالمعاصرةِ .
3- إلى أي شيء يَنْتَسبُ كلٌّ من العرب والعجم ؟
أ) لقد كانت العرب قديماً تنتسب إلى قبائلها، لأن غالبيتهم كانوا بدواً رحلاً، وكان ارتباطهم بالقبيلة أوثق من ارتباطهم بالأرض، فلما جاء الإسلام، وغلب عليهم سكنى البلدان والقرى انتسبوا إلى بلدانهم وقراهم.
ب) أما العجم فإنهم ينتسبون إلى مدنهم وقراهم من القديم.
4- كيف ينتسبُ من انتقل عن بلده ؟
أ)- منْ سَكَنَ في بلدتينِ ، وأرادَ الانتسابَ إليهما فَليبدأْ بالبلدِ الذي سكنها أولاً ، ثمَّ بالثانيةِ التي انتقلَ إليها ، وحَسَنٌ أنْ يأتيَ بـ( ثمَّ ) في النسبِ للبلدةِ الثانيةِ ، فيقولُ مثلاً: المِصْرِيُّ ثمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
ب) وإذا لم يًرِدِ الجمع بينهما : له أن ينتسب إلى أيهما شاء . وهذا قليل .
5- كيف ينْتسبُ من كان من قريةٍ تابعةٍ لبلدة ؟
مَنْ كانَ مِنْ أهلِ قريةٍ منْ قرى بلدةٍ ، فجائزٌ أنْ ينسبَ إِلَى القريةِ ، وإلى البلدةِ أيضاً ، وإلى الناحيةِ الَّتِي مِنْهَا تلكَ البلدةُ ، فمَنْ هوَ ؟ مِنْ أهلِ داريا مثلاً ، أنْ يقولَ في نسبهِ : الداريُّ ، والدِّمشقيُّ ، والشاميُّ ، فإنْ أرادَ الجمعَ بينها ، فليبدأْ بالأعمِّ ، فيقولَ : الشاميُّ الدمشقيُّ الداريُّ ...
6- كم المدة التي إن أقامها الشخص في بلد نُسِبَ إليها ؟
أربع سنين ، وهو قول عبد الله بن المبارك .
7- أشهرُ المصنفات فيه :
أ)- يمكن أن نعتبر كتاب " الأنساب " للسمعاني الذي تقدم من مصنفات هذا النوع لأنه يذكر الانتساب إلى الأوطان وغيرها ، وهو أهم كتاب في هذا الباب . وكذلك مختصراته العديدة
ب)- ومن مظان ذكر أوطان الرواة وبلدانهم كتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد
ج) - معجم البلدان لياقوت الحموي
- - - - - - - - - - - - - -
البابُ السادسُ
بحوثٌ في فقه الحديث ومعانيه
وفيه فصلان :
الفصلُ الأول-فقهُ الحديث ...
الفصلُ الثاني-قضايا كثيرةٌ حول العمل بالسنة النبوية
الفصلُ الأول ُ
فقهُ الحديث
المبحث الأولُ - تمهيدٌ
لقد عنيت الأمَّة الإسلامية بالحديث النبوي، وبذلت من أجله أعظم الجهود، فحاز من الوقاية والمحافظة ما لم يكن قطّ لحديث نبي ولا بشر؛ وذلك لأنه يمثل إلى جانب كونه مصدرا ثانيا في التشريع، المرحلة التطبيقية النبوية البيانية للقرآن في ظروفها الزمانية والمكانية؛ ولكونها أيضا المرحلة الممثلة عمليا لمنهج الله تعالى على الأرض في أرقى صوره؛ ذلك لأن كتاب الله كان يومئذ يقود حركة التطبيق والتمثل في الواقع ليجعلها التعبير الكامل عنه، ليرجع الناس دائما وأبدا إليه.
والسنَّةُ بهذا تعتبرُ المنهاجَ السليم في فهم القرآن، بل إن السنة من وجهة أوسعَ هي التمثلُ النموذجي للقرآن الكريم.
هذا؛ وإن فقه الحديث يعتبرُ في حقيقة الأمر الهدف الأساسي الذي بذل لأجله العلماء جهودا جبارة منذ القدم، وقد تشعبت مسالكهم في وضع القواعد والضوابط والمبادئ للتمكن من فهم الأحاديث، فاشتهر في ذلك على الخصوص الإمام البخاري من خلال تراجمه على الجامع الصحيح، والتي تشكِّلُ منهجا كاملا في التعامل مع السنة. يليه كتب شرح الحديث جميعها.
وقد وقفت على اسم عنوان للحافظ ابن حزم في كلام له ذكره ابن القيم ، وذلك حين الحديث عنه قال فيه:" ... كان صاحب فنون، فيه دين وتورع وتزهد وتحر للصدق، وكان أبوه وزيرا جليلا محتشما كبير الشأن، وكان لأبي محمد كتب عظيمة؛ لا سيما كتب الحديث والفقه وقد صنف كتابا كبيرا في: فقه الحديث سماه: "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام"(2) ...
وهكذا؛ فإن العلماء كلهم سعوا إلى فقه الحديث، فتنوعت مسالكهم ومناهجهم، وأدواتهم المنهجية في ذلك.
المبحث الثاني - حثُّ السلف على تعلم فقه الحديث
وفي معرفة علوم الحديث (87 ) عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ : " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ "
(88 )عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ أَدَبُ اللَّهِ الَّذِي أَدَّبَ بِهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَدَّبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَهُ بِهِ , وَهُوَ أَمَانَةُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِهِ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى مَا أُدِّيَ إِلَيْهِ , فَمَنْ سَمِعَ عِلْمًا فَلْيَجْعَلْهُ أَمَامَهُ حُجَّةً ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّهِ
(89 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، يَقُولُ : " اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ , قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : " فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنْ لَا خَيْرَ فِي خَلٍّ مِنْ خَمْرٍ أَفْسَدَتْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ يُفْسِدُهَا عِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَنْ يَبْتَاعَ خَلًّا وَجَدَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ خَمْرًا ، فَتَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا بِالْمَاءِ ، فَإِنْ كَانَ خَمْرًا عَمَدُوا لِيَكُونَ خَلٍّا فَلَا خَيْرِ فِي أَكْلِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ سُئِلَ عَنْ خَمْرٍ جُعِلَتْ فِي قُلَّةٍ ، وَجُعِلَ مَعَهَا مِلْحٌ وَأَخْلَاطٌ كَثِيرَةٌ ، ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّمْسِ حَتَّى عَادَ مُرِّيًّا يُصْطَبَغُ بِهِ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : شَهِدْتُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَنْهَى أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْرُ مُرِّيًّا إِذَا أُخِذَ وَهُوَ خَمْرٌ
(90 ) عن حَمَّادَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَدِمَ أَيُّوبُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ : مَنْ أَفْقَهُ مَنْ خَلَّفْتَ بِهَا ؟ قَالَ : " يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ "
( 91) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : " كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ كَأَنَّمَا يَنْسِجُ عَلَيْنَا اللُّؤْلُؤَ "
(92 ) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ ، وَلَا مِثْلُ هَذِهِ أَوْ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ " قَالَ : فَسُئِلَ يَعْنِي يَحْيَى ، عَنِ النَّفْلِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ ، فَقَالَ : " ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُؤَقَّتٌ ، وَلَا شَيْءٌ ثَابِتٌ ، بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفَّلَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ ، وَفِيمَا بَعْدَهُ
( 93 ) عن عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ بَشَّارٍ ، وَكَانَ قَدْ صَحِبَ مَكْحُولًا يَقُولُ : " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَحَدَّ نَظَرًا ، وَلَا أَنْقَى لِلْغِلِّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ .
( 94 ) عن أبي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : " يُجْتَنَبُ أَوْ يُتْرَكُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسٌ ، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ خَمْسٌ , وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ : شُرْبُ الْمُسْكِرِ ، وَالْأَكْلُ عِنْدَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ ، وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي سَبْعَةِ أَمْصَارٍ ، وَتَأْخِيرُ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِهِ ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ : اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَالْمُتْعَةُ بِالنِّسَاءِ ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمَيْنِ ، وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارَيْنِ يَدًا بِيَدٍ ، وَإِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ "
(95 ) عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ حَدَّثَ ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِسُنَّةٍ فَقَالَ : دَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَجِبْنَا عَنِ الْقُرْآنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إِنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ قَاضِيَةً عَلَى الْكِتَابِ وَلَمْ يَجِئِ الْكِتَابُ قَاضِيًا عَلَى السُّنَّةِ "
(96 )عن يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : " مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَأَسْكَتُ عَنِ الْفُتْيَا مِنْهُ "
(97 ) سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ الْكَرَابِيسِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْمَرْوَزِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ يَقُولُ : كُنَّا فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ : " يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ تَعَلَّمُوا فِقْهَ الْحَدِيثِ لَا يَقْهَرُكُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ ، مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ شَيْئًا إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ ، قَالَ : فَتَرَكُوهُ ، وَقَالُوا : عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَمَّنْ ؟
(98 )عن نَصْرَ بْنِ حَاجِبٍ قَالَ : سَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ , عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُوَاسَاةِ أَهِيَ لَازِمَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ فَقَالَ : " كَانَتْ لَازِمَةً لِلْأَنْصَارِ فِيمَا بَايَعَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُوَاسُوا الْمُهَاجِرِينَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّطَوُّعَ فِي الصَّدَقَةِ فَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَيْثُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ " ، قِيلَ لِسُفْيَانَ : كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ ، وَقَدْ قَاتَلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا ؟ ، قَالَ : " إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِتَقَعَ الْمُوَاسَاةُ ، عَنِ الْأَنْصَارِ ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْأَنْصَارِ أَمْوَالُهُمْ إِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمُ الْمُهَاجِرُونَ ، فَسَقَطَتْ عَنِ الْأَنْصَارِ الْمُوَاسَاةُ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَنَظَرَ بِذَلِكَ لَهُمَا جَمِيعًا "
(99 )عن الْعَبَّاسِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ : " جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَارَكٍ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ وَالْعَرَبِيَّةَ ، وَأَيَّامَ النَّاسِ ، وَالشَّجَاعَةَ ، وَالتِّجَارَةَ ، وَالسَّخَاءَ ، وَالْمَحَبَّةَ عِنْدَ الْفِرَقِ "
(100 )عن الْفُضَيْلَ بْنِ عِيَاضٍ قالَ : " وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ "
(101 )عن مُحَمَّدَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ سَمِعْتُ حبَّانًا صَاحِبَ ابْنِ الْمُبَارَكِ يَقُولُ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : قَوْلُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ نَزَلَ بَرَاءَتُهَا مِنَ السَّمَاءِ : " وَبِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ " , إِنِّي لَأَسْتَعْظِمُ هَذَا الْقَوْلَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَّتِ الْحَمْدَ أَهْلَهُ "
(102 ) عن أبي عَمَّارٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ " قَالَ : الَّذِي يَلْبَسُ مَا لَيْسَ لَهُ "
(103 )عن الْحَسَنَ بْنِ الرَّبِيعِ قالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامَتْ لَكُمْ " تَفْسِيرُهُ : حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ : " لَا تُقَاتِلُوهُمْ مَا صَلُّوا الصَّلَاةَ "
(104 )عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : " أَثْبَتُ النَّاسِ " قَالَ أَحْمَدُ : وَمَا كَتَبْتُ عَنْ مِثْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ "
(105 ) عن عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي الْإِيلَاءِ : " أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ " قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِيهِ فَأَنْكَرَهُ ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَوْ حَدَّثَنِي بِهِ ، قَالَ عَلِيُّ فَقُلْتُ لِيَحْيَى : فَمَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ : حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَلْقَمَةُ فِي الْإِيلَاءِ ، قَالَ : يُوقَفُ ، قَالَ يَحْيَى : وَقَالَ عَطَاءٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنْ مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَالَ : وَسَأَلْتُ يَحْيَى عَنِ الْعُطَاسِ ، فَقَالَ : كَانَ شُعْبَةُ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فِي الْعُطَاسِ ، قَالَ يَحْيَى : وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ مَا (106 ) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنِي أَخِي ، عَنْ أَبِي ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيُقَلْ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " قَالَ يَحْيَى : فَرَدَدْتُهُ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى غَيْرَ مَرَّةٍ فَقَالَ : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ"
(107 )عن عَلِيَّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قالَ: " وَاللَّهِ لَوْ أُخِذْتُ وَحَلَفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ لَحَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَرَ قَطُّ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ "
(108 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ , عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَقَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّثُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : " لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِصَغِيرٍ ، وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ "
(109 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ , عَنْ نَحْلِ الْوَلَدِ , فَقَالَ : ثنا مَالِكٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ ، : " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَهَا جُدَادَ عِشْرِينَ وَسَقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ " قَالَ : أَبِي كَذَا قَالَ : بِالْغَابَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ الْعَالِيَةُ "
(110) قَالَ : وَسَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، عَنِ الْآبِقِ إِذَا سَرَقَ ، فَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : أَخْبَرَنَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : " يُقْطَعُ الْآبِقُ إِذَا سَرَقَ " وَقَالَ حَمَّادٌ : سَأَلَ رَجُلٌ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ عَنْهُ ، فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا تَغَيَّبَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ "
(111 ) عن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ قالَ: " مَا رَأَيْتُ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، وَلَا أَحْسَبُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ "
(112 ) سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : " مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثًا أَوْرَعَ مِنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، وَلَا أَحْسَنَ لِبَاسًا مِنْهُ "
(113) أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقَارِئُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى إِمْلَاءً ، قَالَ : أَتَيْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى يَوْمَ جُمُعَةٍ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ رَاكِبُ بِرْذَوْنٍ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ فَصَلَّى فِي الصَّحْنِ فِي الشَّمْسِ ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ وَلَمْ يَرْكَعْ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَلَا بَعْدَهَا ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ بَسَطَ كُمَّ قَمِيصِهِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ انْصَرَفْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ إِلَى بَيْتِهِ ، وَمَعَنَا رَجُلٌ آخِرُ يُسَمَّى مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ فَسَأَلَهُ مُحَمَّدٌ عَنِ الطَّرِيقِ الْقَذِرِ يَمُرُّ بِهِ الْإِنْسَانُ ، وَذَلِكَ أَنَّا مَرَرْنَا بِطَرِيقٍ قَذِرٍ ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ يَجْتَازُ بِهِ الْإِنْسَانُ ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ , عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَتْ : سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ : إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي فَأَمُرُّ بِالْمَكَانِ الْقَذِرِ ، وَالْمَكَانِ الطَّيِّبِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ " قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا : أَحْسَبُنِي كَتَبْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مِفْتَاحِ الْحَانُوتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعِي بَيَاضٌ "
(114 )عن الشَّافِعِيِّ قالَ : خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ ، وَمَا خَلَّفْتُ بِهَا أَفْقَهَ ، وَلَا أَزْهَدَ ، وَلَا أَوْرَعَ ، وَلَا أَعْلَمَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ "
(115 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبِي عَنْ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ بْنِ غَيْلَانَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ قَمِيرٍ , عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا "
(116 ) قَالَ أَبِي : وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْأَشْجَعِيِّ كَمَا رَوَاهُ وَكِيعٌ وَرَوَاهُ غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا "
(117 ) أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَانِيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ قَالَ : ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا خَالَطَتِ الصَّدَقَةُ مَالًا إِلَّا أَهْلَكَتْهُ " قَالَ أَبِي : تَفْسِيرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَوِ الزَّكَاةَ ، وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ غَنِيُّ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْفَقِيرِ "
(118 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ قَيْسٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " تَكْفِيرُ كُلِّ لَحَّاءٍ رَكْعَتَانِ " قَالَ أَبِي : يَعْنِي الرَّجُلَ الَّذِي يُلَاحِي الرَّجُلَ يُخَاصِمُهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، تَكْفِيرُهُ يَعْنِي : كَفَّارَتُهُ "
(
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 89) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 37) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 32) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 262) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 42) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 788) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 170) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 449) وبحوث في المصطلح للفحل - (ج 1 / ص 58) والغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 157) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 293)
(2) - ابن القيم، الكافية الشافية،1/320 . ولكن هذا الكتاب لم يصل إلينا ، وإنما وصلنا المحلى وهو مختصر له .(1/471)