10- رأي الزركشي في زيادة الثقة:
قال الزركشي(1):
" الرَّابِعَ عَشَرَ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي تُقْبَلُ بِشُرُوطٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ لَا تَكُونَ مُنَافِيَةً لِأَصْلِ الْخَبَرِ ،ذَكَرَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ .
ثَانِيهَا : أَنْ لَا تَكُونَ عَظِيمَةَ الْوَقْعِ ، بِحَيْثُ لَا يَذْهَبُ عَنَ الْحَاضِرِينَ عِلْمُهَا وَنَقْلُهَا .
أَمَّا مَا يَجُلُّ خَطَرُهُ ، فَبِخِلَافِهِ ،قَالَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ .
ثَالِثُهَا : أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ النَّاقِلُونَ فِي نَقْلِ الزِّيَادَةِ ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا : شَهِدْنَا أَوَّلَ الْمَجْلِسِ وَآخِرَهُ مُصْغِينَ إلَيْهِ ، مُجَرِّدِينَ لَهُ أَذْهَانَنَا ، فَلَمْ نَسْمَعْ الزِّيَادَةَ ، فَذَلِكَ مِنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاحْتِمَالِ مَجَالٌ لَمْ يُكَذِّبُوهُ عَلَى عَدَالَتِهِ ، قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ ، وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ ، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " .
وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ : أَمَّا إذَا صَرَّحَ الْآخَرُونَ بِالنَّفْيِ وَاتَّحَدَ الْمَجْلِسُ ،فَقِيلَ : هُوَ مُعَارِضٌ ، فَيُقَدَّمُ أَقْوَاهَا ،وَقِيلَ الْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ ، قَالَ : وَهُوَ الرَّاجِحُ .
رَابِعُهَا : أَنْ لَا يُخَالِفَ الْأَحْفَظَ وَالْأَكْثَرَ عَدَدًا ، فَإِنْ خَالَفَتْ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ إعْتَاقِ الشَّرِيكِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ بُلُوغِهِمْ إلَى حَدٍّ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ الْغَفْلَةُ وَالذُّهُولُ أَمْ لَا ، بَلْ اعْتَبَرَ الْمُطْلَقَ مِنْهُمَا ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِهِ عَلَى زِيَادَةِ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ فِي حَدِيثٍ : { وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ }(2): إنَّمَا يَغْلَطُ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ ، أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ فَيَتْرُكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ مَا حَفِظَ مِنْهُ ، وَهُمْ عَدَدٌ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ ا هـ .
وَقَالَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ : « مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِى عَبْدٍ فَخَلاَصُهُ فِى مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِىَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ »(3)هَذِهِ الزِّيَادَةُ ، وَهِيَ ذِكْرُ الِاسْتِسْعَاءِ ، تَفَرَّدَ بِهَا سَعِيدٌ ، وَخَالَفَ الْجَمَاعَةَ ، فَلَا تُقْبَلُ ، وَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُهُ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا عَلِمُوهُ مِنْهُ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ مُطْلَقًا ، وَلَمْ يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، احْتَاجُوا لِتَأْوِيلِهِ ، فَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ : لَمْ يَرُدَّ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْجِهَةَ ، بَلْ إنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَارَضَهَا رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ ، فَتُرَجَّحُ الْجَمَاعَةُ ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ رَوَاهُ مُطْلَقًا ، وَغَيْرُهُ رَوَى الْخَبَرَ ، وَقَالَ : " قَالَ قَتَادَةُ : وَيُسْتَسْعَى " فَمَيَّزَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ ، فَيَكُونُ هَذَا الرَّاوِي قَدْ حَفِظَ مَا خَفِيَ عَلَى الْآخَرِ .
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ : وَنَحْنُ وَإِنْ قَبِلْنَا الزِّيَادَةَ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالُ الضَّعْفِ ، وَيَخْدِشُ وَجْهَ الثِّقَةِ ، فَلَوْ عَارَضَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عَلَى مُنَاقَضَةٍ لَقُدِّمَ عَلَيْهِ ، فَلِأَجْلِهِ قَدَّمَ الشَّافِعِيَّةُ خَبَرَ السِّرَايَةِ عَلَى خَبَرِ السِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِنَقْلِ السِّعَايَةِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ .
وَقَسَّمَ ابْنُ الصَّلَاحِ الزِّيَادَةَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا كَانَ مُخَالِفًا مُنَافِيًا لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَمَرْدُودٌ .
ثَانِيهَا : مَا لَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْغَيْرِ كَالْحَدِيثِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ جُمْلَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ ، فَيُقْبَلُ تَفَرُّدُهُ ، وَلَا يَتَعَرَّضُ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ الْغَيْرُ بِمُخَالَفَتِهِ أَصْلًا ، وَادَّعَى الْخَطِيبُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ .
ثَالِثُهَا : مَا يَقَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ ، كَزِيَادَةٍ فِي لَفْظِ حَدِيثٍ لَمْ يَذْكُرْهَا سَائِرُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ ، يَعْنِي وَلَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ ، وَلَا نَفَاهَا الْبَاقُونَ صَرِيحًا ، وَتَوَقَّفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي قَبُولِ هَذَا الْقِسْمِ .(4)
وَحَكَى الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْهُ اخْتِيَارَ الْقَبُولِ فِيهِ ، وَلَعَلَّهُ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا .
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : إذَا عُلِمَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ فَالْقَوْلُ لِلْأَكْثَرِ ، سَوَاءٌ كَانُوا رُوَاةَ الزِّيَادَةِ أَوْ غَيْرَهُمْ ، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْكَثْرَةِ ، فَإِنَّهَا عَنِ الْخَطَأِ أَبْعَدُ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّمَ الْأَحْفَظُ وَالْأَضْبَطُ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّمَ الْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي ، وَقِيلَ : النَّافِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ نَافَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ اُحْتِيجَ لِلتَّرْجِيحِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ ، كَحَدِيثِ : عِتْقِ بَعْضِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) رَوَى الِاسْتِسْعَاءَ ، وَابْنُ عُمَرَ لَمْ يَرْوِهِ ، بَلْ قَالَ : { وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ }(5)، وَهِيَ تُنَافِي الِاسْتِسْعَاءَ ، وَإِنْ لَمْ تُنَافِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّرْجِيحِ ، بَلْ يُعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ إذَا أُثْبِتَتْ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ، كَقَوْلِ أَنَسٍ : { أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ - قَالَ - فَجِىءَ بِهَا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ لَهَا « أَقَتَلَكِ فُلاَنٌ ». فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ. وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ حَجَرَيْنِ. }(6)رَوَاهُ بَعْضُهُمْ هَكَذَا مُطْلَقًا ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : { عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ، قِيلَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ أَفُلاَنٌ ، أَفُلاَنٌ حَتَّى سُمِّىَ الْيَهُودِىُّ فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا ، فَأُخِذَ الْيَهُودِىُّ فَاعْتَرَفَ ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ }(7)وَهِيَ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ .
وقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ خُصُوصًا الْمُتَقَدِّمِينَ ، كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، وَمَنْ بَعْدَهُمَا كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، كَالْبُخَارِيِّ ، وَأَبِي زُرْعَةَ ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّيْنِ ، وَمُسْلِمٍ ، وَالتِّرْمِذِيِّ ، وَالنَّسَائِيِّ ، وَأَمْثَالِهِمْ ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ ، كُلِّ هَؤُلَاءِ مُقْتَضَى تَصَرُّفِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ قَبُولًا وَرَدًّا التَّرْجِيحُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَقْوَى عِنْدَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ، وَلَا يَحْكُمُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الصَّوَابُ فِي نَظَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
وَمِنْهُمْ مِنْ قَبِلَ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ تَعَدَّدَ ، كَثُرَ السَّاكِتُونَ أَوْ تَسَاوَوْا ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ ، فَقَدْ أَخْرَجَا فِي كِتَابَيْهِمَا اللَّذَيْنِ الْتَزَمَا فِيهِمَا الصِّحَّةَ كَثِيرًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا رَاوٍ وَاحِدٌ ، وَخَالَفَ فِيهَا الْعَدَدَ وَالْأَحْفَظَ ، وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطِيبُ هَذَا الْمَذْهَبَ ، وَحَكَاهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ ،وَقَدْ نُوزِعَ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ .
وَعُمْدَتُهُمْ هُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ انْفَرَدَ بِنَقْلِ حَدِيثٍ عَنْ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ قُبِلَ ، فَكَذَلِكَ إذَا انْفَرَدَ بِالزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ لَا يَتَطَرَّقُ الْوَهْمُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ ، بِخِلَافِ تَفَرُّدِهِ بِالزِّيَادَةِ إذَا خَالَفَ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ ، فَإِنَّ الظَّنَّ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمْ دُونَهُ ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ .
تَنْبِيهَاتٌ :
الْأَوَّلُ : لِتَوْجِيهِ إمْكَانِ انْفِرَادِ الرَّاوِي بِالزِّيَادَةِ طُرُقٌ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَعْرِضَ لِلرَّاوِي النَّاقِصِ التَّشَاغُلُ عَنْ سَمَاعِ الزِّيَادَةِ ، مِثْلُ بُلُوغِهِ خَبَرًا مُزْعِجًا أَوْ عَرَضَ لَهُ أَلَمٌ أَوْ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ ، كَمَا رُويَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : إِنِّى لَجَالِسٌ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ فَقَالَ :« اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِى تَمِيمٍ ». قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ :« اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ ». قَالُوا : قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَا لِنَتَفَقَّهَ فِى الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ قَالَ :« كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَكَتَبَ فِى الذِّكْرِ كُلَّ شَىْء ». قَالَ : وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَاحِلَتُكَ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ. فَانْطَلَقْتُ فِى طَلَبِهَا فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَأَنِّى لَمْ أَقُمْ..(8)
الثَّانِي : أَنَّ رَاوِيَ النَّاقِصِ دَخَلَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ ، وَقَدْ فَاتَهُ بَعْضُهُ ، فَرَوَاهُ مَنْ سَمِعَهُ دُونَهُ كَمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " قَالَ فَقُلْتُ : مَا أَجْوَدَ هَذِهِ فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ : الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا ، قَالَ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ(9).
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ وَقَعَ فِي مَجْلِسَيْنِ ، وَفِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ .
الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ كَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَذَكَرَهُ أَوَّلًا بِالزِّيَادَةِ ، وَسَمِعَهُ الْوَاحِدُ ، ثُمَّ يَذْكُرُهُ بِلَا زِيَادَةٍ اقْتِصَارًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلُ ، كَحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ " قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟ " قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ ، كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ ، سَلِّمْ ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مِنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابُِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لَا تَسْأَلُنِي غَيْرَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ : فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَعِزَّتِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابُِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابُِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ ؟ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَغْدَرَكَ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ ، فَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ : ادْخُلْ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ : تَمَنَّهْ ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ " ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا ، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ : " وَمِثْلُهُ مَعَهُ " ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : " وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ " ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ : " ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ " ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ : " ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ " ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ".(10)
فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَفْظَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ بِوَحْيٍ أَوْ إلْهَامٍ ، سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ : ( وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) ، وَشَغَلَ بِعَارِضٍ عَنْ سَمَاعِ الْآخَرِ الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَالْآخَرُ أَبُو سَعِيدٍ .
__________
(1) - البحر المحيط في أصول الفقه - (ج 3 / ص 390) فما بعدها
(2) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ » موطأ مالك (1467 ) صحيح . الشقص : السهم والنصيب
(3) - عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِى عَبْدٍ فَخَلاَصُهُ فِى مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِىَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ »صحيح مسلم(3846 ) .الشقص : السهم والنصيب
(4) - النكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 687) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 195) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 82) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 21)
(5) - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ - أَوْ شِرْكًا أَوْ قَالَ نَصِيبًا - وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ ، فَهْوَ عَتِيقٌ ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ » . قَالَ لاَ أَدْرِى قَوْلُهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ . قَوْلٌ مِنْ نَافِعٍ أَوْ فِى الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - صحيح البخارى (2491 ) الشقص : السهم والنصيب
(6) - صحيح مسلم (4454 )
الرمق : النفس الأوضاح : جمع وضح وهو نوع من الحلى يعمل من الفضة
(7) -. صحيح البخارى (2413) رض : كسر
(8) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 2)(18155) وابن حبان (6142 ) وهو صحيح
(9) - صحيح مسلم(576 )
(10) - مسلم (469 )(1/264)
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : " وَمِثْلُهُ مَعَهُ " ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ " ، - ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ(1)، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي سَعِيدٍ كَرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّهُ وَافَقَهُ أَوْ تَذَكَّرَهُ ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّمَا أَتَاهُ رَجُلَانِ ، قَالَ مُسَدَّدٌ : مِنَ الْأَنْصَارِ ، ثُمَّ اتَّفَقَا ، قَدِ اقْتَتَلَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ " ، زَادَ مُسَدَّدٌ ، فَسَمِعَ قَوْلَهُ : " لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ "، يَعْنِي وَلَمْ يَسْمَعْ الشَّرْطَ .(2)
"قال الخطيب(3): " وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ الرَّاوِي الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَيَنْسَى اثْنَانِ مِنْهُمَا الزِّيَادَةَ وَيَحْفَظُهَا الْوَاحِدُ وَيَرْوِيهَا , وَيَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ الْجَمَاعَةُ سَمَاعَ الْحَدِيثِ فَيَتَطَاوَلُ حَتَّى يَغْشَى النَّوْمُ بَعْضَهُمْ أَوْ يَشْغَلَهُ خَاطِرُ نَفْسٍ وَفِكْرُ قَلْبٍ فِي أَمْرٍ آخَرَ فَيَقْتَطِعُهُ عَمَّا سَمِعَهُ غَيْرُهُ وَرُبَّمَا عَرَضَ لِبَعْضِ سَامِعِي الْحَدِيثِ أَمْرٌ يُوجِبُ الْقِيَامَ وَيَضْطَرُّهُ إِلَى تَرْكِ اسْتِتْمَامِ الْحَدِيثِ , وَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ جَائِزًا فَسَدَ مَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ " .
وَذَكَرَ الْقَاضِي مِنْ الْأَسْبَابِ أَنْ يَسْمَعَ الْجَمْعُ الْحَدِيثَ ، فَيَنْسَى بَعْضُهُمْ الزِّيَادَةَ وَيَحْفَظُهَا الْبَاقِي .
الثَّانِي : قَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ رَافِعَةً لِلْإِشْكَالِ مُزِيلَةً لِلِاحْتِمَالِ ، وَقَدْ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى إرَادَةِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ، لَا عَلَى خُصُوصِيَّةِ الزِّيَادَةِ أَوْ ضِدِّهَا .
مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ : « إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ »(4).، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِقُوَّتِهِ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ لَا يَحْتَمِلُ الضَّيْمَ ، وَهُوَ تَأْوِيلُ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ لَا يُنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ ، وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ ، أَيْ يَضْعُفُ عَنْ حَمْلِهِ لِضَعْفِهِ ، كَمَا يُقَالُ : الْمَرِيضُ لَا يَحْمِلُ الْحَرَكَةَ وَالضَّرْبَ ، فَجَاءَ فِي لَفْظِ أَحْمَدَ ، وَابْنِ مَاجَهْ : « إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَىْءٌ »(5).، فَكَانَ هَذَا رَافِعًا لِذَلِكَ الْإِجْمَالِ .
وَمِثَالُ الثَّانِي : حَدِيثُ الْوُلُوغِ ، " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "(6)، وَفِي لَفْظٍ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "(7)، وَفِي لَفْظٍ " أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"(8).
فَالتَّقْيِيدُ بِالْأُولَى ، وَالْأُخْرَى تَضَادٌّ مُمْتَنِعُ الْجَمْعِ ، فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ، وَهُوَ غَسْلُ وَاحِدَةٍ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ ."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - برقم(11985 ) وهوحسن
(2) - سنن أبى داود (3392 ) حديث حسن
(3) - الكفاية (1296 )
(4) - انظر ه في المسند الجامع - (ج 10 / ص 34)(7190)
(5) - سنن ابن ماجه (557 ) وأحمد (4907 ) وهو صحيح
(6) - سنن النسائى (339 ) ومسند البزار (8887) وهو صحيح
(7) - النسائي في الكبرى (66 ) صحيح
(8) - الترمذي (91 ) وهو صحيح(1/265)
12- تعارض الوصل والإرسال(1)
إذَا اخْتَلَفَ الثِّقَاتُ فِي حَدِيثٍ فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا ، وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا ، فَهَلْ الْحُكْمُ لِلْوَصْلِ أَوْ الْإِرْسَالِ ، أَوْ لِلْأَكْثَرِ ، أَوْ الْأَحْفَظِ ؟
أَقْوَالٌ(2):
أَحَدُهَا : أَنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ وَصَلَ ، وَجَزَمَ بِهِ الصَّيْرَفِيُّ ، فَقَالَ : إذَا أَرْسَلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَوَصَلَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَالْحُجَّةُ لِمَنْ وَصَلَ إذَا كَانَ حَافِظًا .
هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَبِهِ أَقُولُ .انْتَهَى .
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " فِيهِ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ،قَالَ : وَالْمُرْسَلُ تَأْكِيدٌ لَهُ ، وَصَحَّحَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : إنَّهُ الصَّحِيحُ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ ، وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ : { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ } ، وَهُوَ حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْهُ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّصِلًا ، فَحَكَمَ الْبُخَارِيُّ لِمَنْ وَصَلَهُ ، وَقَالَ : الزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ، هَذَا مَعَ أَنَّ مُرْسِلَهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ ، وَهُمَا مَا هُمَا.
وَالثَّانِي : أَنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التَّقْرِيبِ ، وَالْخَطِيبُ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَكْثَرِ ، فَإِنْ كَانَ مَنْ أَسْنَدَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَرْسَلَهُ ، فَالْحُكْمُ لِلْإِرْسَالِ ، وَإِلَّا فَالْوَصْلُ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَحْفَظِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرْسَلَ الْأَحْفَظُ ، فَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَةِ مَنْ وَصَلَهُ ، أَمْ لَا ؟ قَوْلَانِ - أَصَحُّهُمَا وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ الصَّلَاحِ كَلَامَهُ - الْمَنْعُ ، قَالَ : وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَقْدَحُ فِي سَنَدِهِ ،وَفِي عَدَالَتِهِ وَفِي أَهْلِيَّتِهِ .
وَالْخَامِسُ : قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ إنَّهُ بِمَثَابَةِ الزِّيَادَةِ مِنْ الثِّقَةِ ، فَيُقَدَّمُ الْوَصْلُ بِشَرْطَيْنِ : أَنْ لَا يَكُونَ الْحَدِيثُ عَظِيمَ الْوَقْعِ بِحَيْثُ يَزِيدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ ، وَأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ رَاوِي الْإِرْسَالِ ."
13- الرَّاوِي يَرْوِي الْحَدِيثَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا(3)
" لَوْ أَرْسَلَهُ هُوَ مَرَّةً ، وَأَسْنَدَهُ أُخْرَى ، فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ ، فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهِ ، وَإِلَّا فَاخْتَلَفُوا ، فَجَزَمَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِوَصْلِهِ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لِإِرْسَالِهِ ، وَقِيلَ : الِاعْتِبَارُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ أَكْثَرُ ، وَإِنْ وَقَعَ وَصْلُهُ أَكْثَرُ مِنْ إرْسَالِهِ ، فَالْحُكْمُ لِلْوَصْلِ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَقِيلَ : إنْ كَانَ الرَّاوِي ثِقَةً مُتَذَكِّرًا لِرَفْعِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ ، وَلَا يُعَدُّ اضْطِرَابًا ، وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِحِفْظِهِ فَهُوَ اضْطِرَابٌ فِي رِوَايَتِهِ ، قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ الْمُحَدِّثُ ."
14-مَنْ شَأْنُهُ إرْسَالُ الْأَخْبَارِ إذَا أَسْنَدَ خَبَرًا ، هَلْ يُقْبَلُ أَوْ يُرَدُّ ؟(4)
" قَوْلَانِ ،الصَّحِيحُ الْقَبُولُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا قَالَ فِيهِ : حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْت ، وَلَا يُقْبَلُ مَا يَأْتِي فِيهِ بِلَفْظٍ مُوهِمٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ : لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا قَالَ : سَمِعْت فُلَانًا ،قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ : وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ : حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي ، فَيَجْعَلُونَ الْأَوَّلَ دَالًّا عَلَى الْمُشَافَهَةِ ، وَالثَّانِي مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ ، وَهَذَا عَادَةٌ لَهُمْ ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ قَوْلِهِ : أَخْبَرَنِي ، يُفِيدُ أَنَّهُ تَوَلَّى إخْبَارَهُ بِالْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مُشَافَهَةً .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 76) و انظر نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 13 / ص 108)
(2) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 403)
(3) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 405)
(4) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 406)(1/266)
15- إذَا تَعَارَضَ الْوَقْفُ وَالرَّفْعُ فما الحكم ُ؟(1)
" الاختلاف في بَعْض الأحاديث رفعاً ووقفاً أمرٌ طبيعي ، وجد في كثيرٍ من الأحاديث ، والحَدِيْث الواحد الَّذِي يختلف بِهِ هكذا محل نظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ أن المُحَدِّثِيْنَ إذا وجدوا حديثاً روي مرفوعاً إلى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ نجد الحَدِيْث عينه قَدْ روي عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ ، فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً من بَعْض الرواة و الصَّوَاب الوقف ، أو لاحتمال كون الوقف خطأ و الصَّوَاب الرفع ؛ إذ إن الرفع علة للموقوف و الوقف علة للمرفوع . فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما ، فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي:
إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل ؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية :
القَوْل الأول : يحكم للحديث بالرفع ،لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم ما خفي ، وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة الثِّقَة، وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه و الأصول(2)، قَالَ العراقي: (( الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع ، لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة ، هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث ))(3).
القَوْل الثَّانِي: الحكم للوقف(4).
القَوْل الثَّالِث : التفصيل فالرفع زيادة ، والزيادة من الثِّقَة مقبولة ، إلا أن يوقفه الأكثر ويرفعه واحد ، لظاهر غلطه(5).
والترجيح برواية الأكثر هُوَ الذي عَلَيْهِ العَمَل عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأن رِوَايَة الجمع إذا كانوا ثقات أتقن وأحسن و أصح و أقرب للصواب ؛ لذا قَالَ ابن المبارك : (( الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثةٌ : مَالِك ومعمر و ابن عيينة ، فإذا اجتمع اثنان عَلَى قولٍ أخذنا بِهِ ، وتركنا قَوْل الآخر ))(6).
قَالَ العلائي : " إن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حَدِيث كَانَ القَوْل فِيْهِمْ للأكثر عدداً أو للأحفظ و الأتقن... ويترجح هَذَا أيضاً من جهة المَعْنَى ، بأن مدار قبول خبر الواحد عَلَى غلبة الظن ، وعند الاختلاف فِيْمَا هُوَ مقتضى لصحة الحَدِيْث أو لتعليله ، يرجع إلى قَوْل الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط و السهو ، وَذَلِكَ عِنْدَ التساوي في الحفظ والإتقان . فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قَوْل الأحفظ و الأكثر إتقاناً ، وهذه قاعدة متفق عَلَى العَمَل بِهَا عِنْدَ أهل الحَدِيْث "(7).
القَوْل الرابع : يحمل المَوْقُوْف عَلَى مَذْهَب الرَّاوِي ، و المُسْنَد عَلَى أَنَّهُ روايته فَلاَ تعارض(8). وَقَدْ رجح الإمام النَّوَوِيّ من هذِهِ الأقوال القَوْل الأول(9)، ومشى عَلَيْهِ في تصانيفه ، و أكثر من القَوْل بِهِ .
والذي ظهر لي - من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم - : أنهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة ، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة ، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة ، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات ؛ فعلى هَذَا فإن حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث ؛ لِذلِكَ فإن مَا أطلق الإمام النَّوَوِيّ ترجيحه يمكن أن يَكُون مقيداً عَلَى النحو الآتي :
الحكم للرفع - لأن راويه مثبت وغيره ساكت ، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم مَا خفي - ، إلا إذَا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح معها الوقف .
وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ .
فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة :
حَدِيث عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رضى الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِى بَوْلِ الْغُلاَمِ الرَّضِيعِ :« يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلاَمِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ ». قَالَ قَتَادَةُ وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلاَ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. رَفَعَ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ وَأَوْقَفَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.(10).
وقال ابن الملقن(11):
" قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي أَوَاخِر «كتاب الصَّلَاة» : هَذَا حَدِيث حسن ، رَفَعَ هِشَام الدستوَائي هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة ، و (وَقفه) سعيد بن (أبي) عرُوبَة عَن قَتَادَة ، وَلم يرفعهُ .
قَالَ : وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ ، فَقَالَ : سعيد بن أبي عرُوبَة لَا (يرفعهُ) ، وَهِشَام يرفعهُ ، وَهُوَ حَافظ .
قَالَ اليبهقي : إلاَّ أَن غير معَاذ بن هِشَام - يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ عَن أَبِيه هِشَام مَوْصُولا - يرويهِ عَن هِشَام مُرْسلا . أَي : فَيكون هِشَام قد اخْتُلف عَلَيْهِ فِي رَفعه.
وَلم يعبأ الْحَاكِم أَبُو عبد الله بذلك ، فَذكره مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ :هَذَا حَدِيث صَحِيح . (قَالَ : و) أَبُو الْأسود الديلِي - يَعْنِي رَاوِيه عَن عَلّي - صَحَّ سَمَاعه من عَلّي ، وَهُوَ عَلَى شَرطهمَا صَحِيح وَلم يخرجَاهُ . قَالَ : وَله شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ . وهما الطريقان الآتيان بعد هَذَا .
ثَانِيهَا : عَن أبي السَّمْح رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ : «كنت أخدم رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فأُتِيَ بِحسن - أَو حُسَيْن - فَبَال عَلَى صَدره ، فجئتُ أغسله ، فَقَالَ : يُغسل (من) بولِ الْجَارِيَة ، ويُرَش من بولِ الْغُلَام» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة والحاكمان : أَبُو أَحْمد فِي «كناه» ، وَأَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح .
وَقَالَ البُخَارِيّ : حَدِيث أبي السَّمْح هَذَا حَدِيث حسن .
وَرَوَاهُ أَيْضا : أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» (بِلَفْظ) : «يُنْضَحُ بولُ الغلامِ ، ويُغْسَلُ بولُ الْجَارِيَة» . وَقَالَ : أَبُو السَّمْح لَا يُعْلَمُ (حدَّث) عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ بِهَذَا الحَدِيث ، وَلَا لهَذَا الحَدِيث إسنادٌ إلاَّ هَذَا ، وَلَا يُحفظ هَذَا الحَدِيث إلاَّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي .
قُلْتُ : لَهُ حَدِيث آخر . قَالَه بَقِي بن مخلد .
وَقَالَ ابْن عبد الْبر : هَذَا حَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة ، والمُحِلّ ضَعِيف ، وَرِوَايَة من رَوَى الصب عَلَى بَوْل الصَّبِي ، وإتباعه (بِالْمَاءِ) أصح .
وَتَبعهُ ابْن عبد الْحق فِي كِتَابه : «الرَّد عَلَى ابْن حزم فِي الْمُحَلَّى» فَقَالَ : هَذَا حَدِيث ضَعِيف ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يَحْيَى بن الْوَلِيد بن الْمسير أَبُو الزَّعْرَاء ، وَفِيه جَهَالَة ، لَمْ يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم بجَرح وَلَا (تَعْدِيل) ، وَلَا غَيره من المتقدِّمين إلاَّ النَّسَائِيّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَا بَأْس بِهِ . وَفِيه أَيْضا : مُحِلّ - بميم مَضْمُومَة ، ثمَّ حاء مُهْملَة مَكْسُورَة ، ثمَّ لَام مُشَدّدَة ، كَذَا ضَبطه صَاحب «الإِمام» - (ابْن خَليفَة ، قَالَ ابْن عبد الْبر فِيهِ : ضَعِيف . وَوَثَّقَهُ ابْن معِين ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم : صَدُوق . انْتَهَى مَا ذكره ابْن عبد الْحق .
وَالْحق : صِحَّته ، كَمَا قَالَه ابْن خُزَيْمَة ، وَالْحَاكِم) وَكَذَا الْقُرْطُبِيّ فِي «(شرح مُسلم») . أَو حسنه ، كَمَا قَالَ (البُخَارِيّ) .
وَيَكْفِينَا فِي يَحْيَى بن الْوَلِيد (قَول) النَّسَائِيّ ، وَكَذَلِكَ فِي «مَحل بن خَليفَة» قَول ابْن معِين وَأبي حَاتِم ، وَقد أخرج لَهُ مَعَ ذَلِك البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه»" .
وَقَالَ الحافظ ابن حجر : " إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه ، وَفِي وصله وإرساله ، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ "(12).
والرواية المرفوعة : رواها معاذ بن هشام(13)، قَالَ: حَدَّثَني أبي(14)، عن
قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود(15)، عن أبيه(16)، عن عَلِيّ بن أبي طالب ، مرفوعاً(17).
قَالَ البزار : " وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ مُعَاذٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا. "(18).
أقول : إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث(19)عِنْدَ أحمد(20)،
والدارقطني(21)، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ : " يرويه قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبدالصمد بن عَبْد الوارث ، عن هشام ، ووقفه غيرهما عن هشام "(22)
قلت : مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من أن غَيْر معاذ وعبد الصمد روياه عن هشام موقوفاً فإني لَمْ أجد هَذَا في شيء من كتب الحَدِيْث ، ولعله وهمٌ من الدَّارَقُطْنِيّ يفسر ذَلِكَ قوله في السُّنَن 1/129 لما ساق رِوَايَة معاذ : "تابعه عَبْد الصمد ، عن هشام ، ووقفه ابن أبي عروبة ، عن قتادة " . فلو كَانَتْ ثمة مخالفة قريبة لما ذهب إلى رِوَايَة ابن أبي عروبة ، والله أعلم .
والرواية الموقوفة : رواها يَحْيَى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، فذكره موقوفاً(23).
فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة(24)، وابن حبان(25)، والحاكم(26)- وَلَمْ يتعقبه الذهبي - ، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري(27)قَالَ : " قَالَ البُخَارِيّ : سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه ، وَهُوَ حافظ "(28).
أقول : هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً ؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه ، ووقفه ، فإن الحكم عندهم للرفع ، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ اهـ .
16- تنبيه ربما أطلق بعض العلماء عبارة : ( زيادة الثقة ) على ما يأتي به الصحابي من العلم في حديث يشاركه فيه صحابي آخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن هذا الآخر لا يذكر تلك الزيادة في حديثه .
" مثل ما وقع في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ وَرَخَّصَ فِى كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْغَنَمِ وَقَالَ « إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ »(29).
قال البيهقي في معرفة السنن والآثار :
"470 أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا ، وَأَبُو بكر ، وَأَبُو سَعِيدٍ ، قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِتُرَابٍ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَنْفَرِدُ بِذِكْرِ التُّرَابِ فِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رَوَاهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْفِيرُ فِي التُّرَابِ فِي إِحْدَى الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ ، عَدَّهُ ثَامِنَةً ، وَإِذْ صِرْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ الْحِفْظِ ، فَقَدْ قَالَ : الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ ، وَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ، ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ مُضَافًا إِلَى فِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ دُونَ قَوْلِهِ ، وَقَدْ رُوِّينَا عَمَّنْ سَمَّيْنَا ، وَعَمَّنْ لَمْ نُسَمِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، مَرَّةً مَرْفُوعًا . كَمَا رُوِّينَا ، وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوَ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، عُقَيْبَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، بِمَعْنَاهُ ، وَلَمْ يَرْفَعَاهُ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، مَرْفُوعًا فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِهِ سَبْعًا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِصِحَّةِ طَرِيقِهِ ، وَقُوَّةِ إِسْنَادِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ تَتَبَّعَ الْآثَارَ ، ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ ، وَتَرَكَ الْقَوْلَ بِالْعَدَدِ الْوَارِدِ فِي تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ مِنْهُ ، وَاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فِيهِ ، وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ ، وَهُوَ يُوجِبُ غَسْلَ الْإِنَاءِ مِنَ الْوُلُوغِ ، وَلَا يُوجِبُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ . فَكَيْفَ يَشْتَبِهَانِ ؟ ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِنَاءِ يَلِغُ فِيهِ الْكَلْبُ أَوِ الْهِرُّ يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْوُلُوغِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَسْخِ السَّبْعِ ، عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ . وَهَلَّا أَخَذَ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّبْعِ ، وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ فُتْيَا أَبِي هُرَيْرَةَ بِالسَّبْعِ ، وَبِمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ عَلَى خَطَأِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ عَطَاءٍ ، ثُمَّ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ ، وَالثِّقَةِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ ، تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ . وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ، وَحَدِيثُهُ هَذَا مُخْتَلَفٌ عَلَيْهِ ، فَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَرُوِي عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا غَلَطًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ قَدْ عُرِفَ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ ؟ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "
فتعقبه الناقد ابن التركماني الحنفي فقال : " بل رواية ابن مغفل أولى ؛ لأنه زاد الغسلة الثامنة ، والزيادة مقبولة ، خصوصاً من مثله "(30).
__________
(1) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 407) و فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 168) وبحوث في المصطلح للفحل - (ج 1 / ص 193)
(2) - شرح التبصرة و التذكرة 1/177 ، و 1/233 طبعتنا ، ومقدمة جامع الأصول 1/170 ،وفتح المغيث 1/194 ، و المحصول 2/229-230 ، و الكفاية (588ت-417هـ )، شرح ألفية السيوطي 29 .
(3) - فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد عُثْمَان ، و 1/195 ط عويضة .
(4) - مقدمة جامع الأصول 1/170 ، فتح المغيث 1/194 ، شرح ألفية السيوطي : 29 .
(5) - شرح التبصرة والتذكرة 1/179 ، 1/233 طبعة الفحل ، وفتح المغيث 1/195، وشرح ألفية السيوطي:29.
(6) - نقله عَنْهُ النَّسَائِيّ في السُّنَن الكبرى 1/632 عقيب (2072) ، ونقله عَنْهُ العلائي في نظم الفرائد:367 بلفظ : (( حُفَّاظ علم الزُّهْرِيّ ثلاثة: مَالِك ومعمر وابن عيينة ، فإذا اختلفوا أخذنا بقول رجلين مِنْهُمْ )) .
(7) - نظم الفرائد : 367 .
(8) - فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمن مُحَمَّد ، و 1/195 ط عويضة .
(9) - مقدمة شرح النَّوَوِيّ عَلَى صَحِيْح مُسْلِم 1/25 ، و التقريب : 62-63 ، و 107-108 طبعة الفحل ، والإرشاد 1/202 .
(10) - سنن الترمذى (613 )
(11) - البدر المنير - (ج 1 / ص 531)
(12) - التلخيص الحبير طبعة العلمية 1/187 ، وطبعة شعبان 1/50 .
(13) - هُوَ معاذ بن هشام بن أبي عَبْد الله الدستوائي ، البصري ، وَقَدْ سكن اليمن ، ( صدوق رُبَّمَا وهم ) ، مات سنة مئتين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة . التقريب ( 6742 ) .
(14) - هُوَ هشام بن أبي عَبْد الله :سَنْبَر - بمهملة ثُمَّ نون موحدة ، وزن جَعْفَر - ، أبو بَكْر البصري الدستوائي ، ( ثِقَة ، ثبت )، مات سنة مئة وأربع وخمسين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة.الطبقات لابن سعد 7/279-280 ، وتذكرة الحفاظ 1/164 ، والتقريب (7299).
(15) - هُوَ أبو حرب بن أبي الأسود الديلي ، البصري ، ( ثِقَة ) ، قِيلَ : اسمه محجن ، وَقِيلَ : عطاء ، مات سنة ثمان ومئة ، أخرج حديثه مُسْلِم وأصحاب السُّنَن الأربعة . التقريب ( 8042 ) .
(16) - هُوَ أَبُو الأسود الديلي - بكسر المُهْمَلَة وسكون التحتانية - ، ويقال : الدؤلي 0 بالضم بعدها همزة مفتوحة - ، البصري ، اسمه : ظالم بن عَمْرو بن سُفْيَان ، ويقال : عَمْرو بن ظالم ، ويقال : بالتصغير فِيْهِمَا ، ويقال : عَمْرو بن عُثْمَان ، أو عُثْمَان بن عَمْرو : ( ثِقَة ، فاضل ، مخضرم ) ، مات سنة تسع وستين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة . التقريب ( 7940 ) .
(17) - هذِهِ الرِّوَايَة أخرجها : أحمد 1/ 97 و 137 ، وأبو دَاوُد ( 378 ) ، وابن ماجه ( 525 ) ، والترمذي ( 610 ) ، وَفِي علله الكبير ( 38 ) ، والبزار ( 717 ) ، وأبو يعلى ( 307 ) ، وابن خزيمة ( 284 ) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/92 ، وابن حبان ( 1372 ) ، وطبعة الرسالة ( 1375 ) ، والدارقطني 1/129 ، والحاكم 1/165-166 ، والبيهقي 2/415 ، والبغوي ( 296 ) .
(18) - مسند البزار(717)
(19) - هو أبو سهل التميمي العنبري عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد ، توفي سنة ( 207 هـ ).الطبقات الكبرى 7/300 ، وسير أعلام النبلاء 9/516 ، وشذرات الذهب 2/17 .
(20) - المُسْنَد 1/76 (1161 )
(21) - السُّنَن 1/129 (480 )
(22) - علل الدَّارَقُطْنِيّ 4/184-185 س ( 495 ) .
(23) - وهذه الرِّوَايَة الموقوفة أخرجها عَبْد الرزاق ( 1488 ) ، وابن أبي شَيْبَة ( 1292 ) ، وأبو دَاوُد ( 377)، والبيهقي 2/415 .
(24) - صَحِيْح ابن خزيمة ( 284 ) ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يحكم عَلَيْهِ بلفظه ، إلا انا قلنا ذَلِكَ عَنْهُ لالتزامه الصحة في كتابه قَالَ العماد بن كَثِيْر في اختصار علوم الحَدِيْث : 27 ، وطبعة العاصمة 1/109 : (( وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة ، وابن حبان )) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى كِتَاب ابن الصَّلاح 1/291 : (( حكم الأحاديث الَّتِي في كِتَاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بِهَا )) . عَلَى أن الكِتَاب فِيهِ بَعْض مَا انتقد عَلَيْهِ .
(25) - صحيحه ( 1372 ) ، وطبعة الرسالة ( 1375 ) ، وانظر الهامش السابق .
(26) - المستدرك 1/165-166 .
(27) - هو أبو مُحَمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري الشامي الأصل ، ولد سنة ( 581 هـ)، من مصنفاته " المعجم " ، واختصر " صحيح مسلم " و " سنن أبي داود " ، توفي سنة ( 656هـ ).سير أعلام النبلاء 23/319 و 320 ، والعبر 5/232 ، وتذكرة الحفاظ 4/1436 .
(28) - عون المعبود 1/145 .
(29) - سنن النسائى(67 )
(30) - انظر : " السنن الكبرى " للبيهقي ( 1 / 242 ) ، و " الجوهر النقي " لابن التركماني ، بهامشها ( 1 / 241 ) .(1/267)
وصاغ ذلك ابن حجر بصيغة أخرى ، فقال : " وَهَذَا الْجَوَابُ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ إسْنَادُهُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَهِيَ زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ .(1)
وكذلك وقع في كلام طائفة من العلماء(2).
وهذا من جهة الاصطلاح واسع ، لكنه ليس المراد بكلامهم في زيادات الثقات عادة ، وإنما يعنون بها زيادات الرواة الثقات فيمن دون الصحابي أصل الحديث ، على اعتبار أن رواية الصحابي حديث مستقل لذاتة ، بخلاف ما تتفرع به الأسانيد منه ، فإنها جميعاً تنتهي إليه(3).
وكما يكون ذلك في الزيادة يكون كذلك في الموافقة والمخالفة ، ففي الموافقة فكل منهما شاهد لحديث الآخر ، وفي المخالفة يتبع طريق النظر في مشكل الحديث .
غير أنك لو استعملت هذه العبارة فقلت : ( زيادة ثقة ) فيما اتحدت فيه القصة مما يحدث به الصحابيان فأكثر يزيد بعضهم على بعض ، فليس في ذلك من حرج ، وإنما المقصود التنبيه على طريقة القوم . "(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التلخيص الحبير - (ج 1 / ص 151)
وذكرت هذا من أجل التمثيل ، وفي تسليم القول بخصوص هذين الحديثين على وَفْقِ ما أوردت أن تكون هذه زيادة ، نظرٌ ، إذ الأبين تعارضُ الروايتين في بيان ليس هذا محله .( تحرير علوم الحديث )
(2) - انظر مثاله في كلام بعض المتأخرين : ابن قدامة في " المغني " ( 1 / 419 ، 503 ، 553 ) و " الكافي " ( 1 / 405 ) ، والنووي في " المجموع " ( 3 / 92 ) ، و " شرح صحيح مُسلم " ( 9 / 31 ) ، وابن دقيق العيد في " إحكام الأحكام " ( 1 / 29 ) .
(3) - نبَّه على شيء من معنى هذا ابن رجب في " شرح علل الترمذي " ( 424 ) .
(4) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 17) فما بعدها(1/268)
الاعْتِبارُ والمُتَابعُ والشاهِدُ(1)
هذه أُمور يتداولها أهل الحديث يتعرَّفُونَ بها حال الحديث ينظرون هل تفرَّد به رَاويه أم لا, وهل هو معروف أو لا.
فالاعْتبار: أن يأتي إلى حديثٍ لبعض الرُّواة فيعتبرهُ بروايات غيره من الرُّواة, بسبر طُرقِ الحديث, ليُعرف هل شاركه في ذلك الحديث راو غيره, فرَوَاه عن شيخه أولاً؟ فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه, فرواه عمَّن روى عنه, وهكذا إلى آخر الإسْنَاد, وذلكَ المُتَابعة, فإن لم يكن فيُنظر هل أتَى بمعناه حديث آخر, وهو الشَّاهد, فإن لم يَكُن فالحديث فردٌ, فليسَ الاعتبار قسيما للمُتابع والشَّاهد, بل هو هيئة التوصل إليهما.
1- تعريف كل منها:
أ) الاعْتِبَارُ:
1- لغة : مصدر " اعْتَبَر " بمعنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها.
2- اصطلاحاً:هو تتبع طرق حديث انفرد بروايته راو ليعرف هل شاركه في روايته غيرُه أو لا.
ب)المُتَابِعُ: ويسمَّى التابع.
1- لغة: هو اسم فاعل من " تابع " بمعنى وافق.
2- اصطلاحاً: هو الحديث الذي يشارك فيه رواتُه رواه الحديث الفرد لفظاً ومعنى فقط ، مع الإتحاد في الصحابي .
جـ) الشاهدُ:
1- لغة: اسم فاعل من "الشهادة" وسمي بذلك لأنه يشهد أن للحديث الفرد أصلاً، ويقويه، كما يقوي الشاهد قول المدعي ويدعمه.
2- اصطلاحاً: هو الحديث الذي يشارك فيه رواته رواة الحديث الفرد لفظاً ومعنى، أو معنى فقط، مع الاختلاف في الصحابي.
والشَّاهد: أن يروى حديث آخر بمعناه, ولا يُسمَّى هذا مُتابعة فقد حصل اختصاص المُتابعة بما كان باللفظ, سواء كان من رواية ذلك الصَّحابي أم لا, والشَّاهد أعم, وقيلَ هو مخصوصٌ بما كان بالمعنى كذلك.
وقال شيخ الإسلام: قد يُسمَّى الشَّاهد متابعة أيضًا, والأمر سهل
2- الاعتبار ليس قسيماً للتابع والشاهد :
ربما يتوهم شخص أن الاعتبار قسيم للتابع والشاهد، لكن الأمر ليس كذلك، وإنما الاعتبار هو هيئة التوصل إليهما، أي هو طريقة البحث والتفتيش عن التابع والشاهد.
3- اصطلاح آخر للتابع والشاهد :
ما ذُكِرَ من تعريف التابع والشاهد هو الذي عليه الأكثر ، وهو المشهور ، لكن هناك تعريف آخر لهما وهو :
التابع : أن تحصل المشاركة لرواة الحديث الفرد باللفظ سواء اتحد الصحابي أو اختلف .
الشاهد : أن تحصل المشاركة لرواة الحديث الفرد بالمعنى سواء اتحد الصحابي أو اختلف، هذا وقد يطلق اسم أحدهما على الآخر ، فيطلق اسم التابع على الشاهد كما يطلق اسم الشاهد على التابع ، والأمر سهل كما قال الحافظ ابن حجر(2)لأن الهدف منهما واحد ، وهو تقوية الحديث بالعثور على رواية أخرى للحديث .
4- المتابعة :
أ) تعريفها:
1- لغة: مصدر " تَابَعَ " بمعنى " وَافَق " فالمتابعة إذن الموافقة.
2- اصطلاحاً: أن يشارك الراوي غيره في رواية الحديث.
والمُتابعةُ: أن يرويه عن أيُّوب غير حمَّاد, وهي المُتَابعة التَّامة, أو لم يروه عنه غيره, ورواهُ عن ابن سيرين غير أيُّوب, أو عن أبي هُرَيْرة غير ابن سيرين, أو عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - صحابي آخر غير أبي هُرَيْرة فكل هذا يُسمَّى مُتابعة, وتقصر عن المُتابعة الأولى بحسب بُعدها منها أي بقدره وتسمَّى المُتَابعة شاهدًا أيضًا.
ب) أنواعها: والمتابعة نوعان
1- متابعة تامة: وهي أن تحصل المشاركة للراوي من أول الإسناد.
2- متابعة قاصرة: وهي أن تحصل المشاركة للراوي أثناء الإسناد .
5- أمثلة:
فمثالُ الاعتبار: أن يروي حمَّاد بن سلمة مثلاً حديثًا لا يُتَابع عليه, عن أيُّوب عن ابن سيرين عن أبي هُرَيْرة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فيُنظر هل رواهُ ثقة غير أيُّوب عن ابن سيرين, فإن لم يُوجد ثقة غيره فغير ابن سيرين عن أبي هُرَيْرة, وإلاَّ أي وإن لم يوجد ثقة عن أبي هُرَيْرة غيره فصحابي غير أبي هُرَيْرة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فأي ذلك وجد عُلم به أنَّ له أصلاً يرجع إليه, وإلاَّ أي وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا أصل له.
كالحديث الذي رواه التِّرمذي (2128 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِىُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أُرَاهُ رَفَعَهُ قَالَ « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِى جَعْفَرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِىٍّ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ..
أي من وجه يَثْبت, وإلاَّ فقد رواهُ الحسن بن دِينَار عن ابن سيرين, والحسن مترُوك الحديث لا يصلح للمُتَابعات.
ومثالُ ما اجتمع فيه المُتَابعة التَّامة والقاصرة, والشَّاهد(3)، ما رواهُ الشَّافعي في «الأم»(4)عن مالك, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عُمر, أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشَّهر تِسْعٌ وعشرون, فلا تَصُومُوا حتَّى تَرُوا الهِلاَل, ولا تُفطرُوا حتَّى تروهُ, فإن غُم عليكُم فأكملُوا العِدَّة ثلاثين».
فهذا الحديث بهذا اللَّفظ, ظنَّ قومٌ أنَّ الشَّافعي تفرَّد به عن مالك, فعدُّوه في غرائبه, لأنَّ أصحاب مالك رَووهُ عنه بهذا الإسناد بلفظ: «فإن غُمَّ عليكُم فاقدرُوا لهُ».
لكن وجدنا للشَّافعي مُتابعًا, وهو عبد الله بن مَسْلمة القَعْنَبي, كما في البخارى(1907 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً ، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ » ., وهذه مُتابعة تامة.
ووجدنا له مُتَابعة قاصرة كما في صحيح ابن خزيمة (1803 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، نا ابْنُ فُضَيْلٍ ، نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثَلَاثِينَ ، وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ، وَيَعْقِدُ فِي الثَّالِثَة ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ " وَفِي خَبَرِ ابْنِ فُضَيْلٍ : " ثُمَّ طَبَّقَ بِيَدِهِ ، وَأَمْسَكَ وَاحِدَةً مِنْ أَصَابِعِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَثَلَاثِينَ " .
وفي «صحيح» مسلم (2551 )حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ « الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِى الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ ».
ووجدنا له شاهدًا كما في سنن النسائى (2136) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو الْجَوْزَاءِ - وَهُوَ ثِقَةٌ بَصْرِىٌّ أَخُو أَبِى الْعَالِيَةِ - قَالَ أَنْبَأَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ».
(2137 ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عَجِبْتُ مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ الشَّهْرَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ». .
ورواه البخارى(1909 ) حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُبِّىَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ » وذلكَ شاهدٌ بالمَعْنى.
وإذا قَالُوا في مثله أي: الحديث تفرَّد به أبو هُرَيْرة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أو ابن سيرين عن أبي هُرَيْرة أو أيُّوب عن ابن سيرين أو حماد عن أيُّوب كان مُشْعرًا بانتفاء وجوه المتابعات فيه وإذا انتفت المُتَابعات مع الشَّواهد فحُكمه ما سبقَ في الشَّاذ من التفصيل.
ويدخل في المُتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتجُّ به, ولا يصلح لذلك كل ضعيف. كما سيأتي في ألفاظ الجرح والتعديل.(5)
- - - - - - - - - - - - - -
البابُ الثالث
صفة من تُقبل روايتهُ وما يتعلق بذلك من الجرح والتعديل
وفيه ستة فصول :
الفصل الأول- في الراوي وشروط قبوله.
الفصل الثاني- علم الجرح والتعديل
الفصل الثالث-مراتب الجرح والتعديل
الفصل الرابع -منهجُ الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه التقريب ، ومناقشته
الفصل الخامس-تعارض الجرح والتعديل ...
الفصل السادس-تفسير عبارات الجرح والتعديل
الفصل الأول
في الراوي وشروط قبوله(6)
1- مقدمة تمهيدية:
بما أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلنا عن طريق الرواة فهم الركيزة الأولى في معرفة صحة الحديث أو عدم صحته ، لذلك اهتم علماء الحديث بالرواة ،وشرطوا لقبول روايتهم شروطاً دقيقة محكمة تدلُّ على بعدِ نظرهم وسداد تفكيرهم ، وجودة طريقتهم .
وهذه الشروط التي اشترطوها في الراوي ،والشروط الأخرى التي اشترطوها لقبول الحديث والأخبار، لم تتوصل إليها أية ملة من الملل حتى في هذا العصر الذي يصفه أصحابه بالمنهجية والدقة ، فإنهم لم يشترطوا في نقلة الأخبار الشروط التي اشترطها علماء المصطلح في الراوي ، بل ولا أقل منها ، فكثير من الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء الرسمية لا يوثق بها ولا يركن إلى صدقها . وذلك بسبب رواتها المجهولين " وما آفة الأخبار إلا رواتها ، وكثيراً ما يظهر عدم صحة تلك الأخبار بعد قليل.
2- شروط قبول الراوي:
أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه على أنَّه يشترط فيه أي من يُحتج بروايته أن يَكُون عدلاً ضَابطًا لِمَا يرويه.
وفسَّر العَدْل بأن يَكُون مُسْلمًا بالغًا عَاقلاً فلا يُقبل كافر, ومجنون مطبق بالإجماع, ومن تقطع جُنُونه وأُثِر في زمن إفَاقته, وإن لم يُؤثر قبل, قالهُ ابن السَّمعاني, ولا صغير على الأصح.
وقيل: يُقبل المُميِّز إن لم يُجرَّب عليه الكذب.
سَليمًا من أسْبَاب الفِسْق, وخَوَارم المروءة على ما حرَّر في باب الشَّهادات من كُتب الفِقْهِ, وتُخالفها في عدم اشْتراط الحُرِّية والذُّكُورة, قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) [الحجرات/6، 7] ،وقال: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق/2].
وفي الحديث: " لَا تَأْخُذُوا الْحَدِيثَ إِلَّا عَمَّنْ تُجِيزُونَ شَهَادَتَهُ "(7).
وقال البيهقي : َرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ عُمَرُ يَأْمُرُنَا أَنْ لَا نَأْخُذَ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ(8).
وقال الشَّافِعِيُّ ، أنا سُفْيَانُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ : " سَأَلْتُ ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا شَيْئًا , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّا لَنُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ ابْنُ إِمَامِ هُدًى يُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلْمٌ فَقَالَ : أَعْظَمُ وَاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِنْدَ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعِنْدَ مَنْ عَقِلَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَنْ أَقُولَ بِمَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ , أَوْ أُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ ".(9)
وقال الشَّافعي في مسنده ( 1469 ) أَخْبَرَنَا عَمِّي ، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : " إِنِّي لَأَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَأَسْتَحْسِنُهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذِكْرِهِ إِلَّا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنِّي سَامِعٌ فَيَقْتَدِي بِهِ . أَسْمَعُهُ مِنَ الرَّجُلِ لَا أَثِقُ بِهِ قَدْ حَدَّثَهُ عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ ، وَأَسْمَعُهُ مِنَ الرَّجُلِ أَثِقُ بِهِ قَدْ حَدَّثَهُ عَمَّنْ لَا أَثِقُ بِهِ " . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : " لَا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا الثِّقَاتُ " وهو صحيح.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ..(10)
وفي سنن الدارمي( 442 ) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : " كَانُوا إِذَا أَتَوْا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ ، نَظَرُوا إِلَى صَلَاتِهِ ، وَإِلَى سَمْتِهِ ، وَإِلَى هَيْئَتِهِ "
(443 ) أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ، أَنبَأَنَا هُشَيْمٌ ، أَنبَأَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : " كَانُوا إِذَا أَتَوْا الرَّجُلَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ الْعِلْمَ ، نَظَرُوا إِلَى صَلَاتِهِ ، وَإِلَى سَمْتِهِ ، وَإِلَى هَيْئَتِهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ " أخْبرنا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ رَوْحٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ . وهو صحيح
ولم نذكرْ في شروطِها الحريةَ ، وإنْ ذكرَه الفقهاءُ في الشهاداتِ ؛ لأنَّ العبدَ مقبولُ الروايةِ بالشروطِ المذكورةِ بالإجماعِ ، كما حكاه الخطيبُ بخلافِ الشهادةِ . على أنَّ جماعةً من السلفِ أجازوا شهادةَ العبدِ العدلِ . وإنْ كان الجمهورُ على خلافِ ذلك . وهذا مما تفترقُ فيه الروايةُ والشهادةُ ، كما ذكرهُ القاضي أبو بكرٍ وغيرُهُ .
فهذهِ إذاً شروطُ العدالةِ في الروايةِ . ومَنْ يقبلُ أيضاً روايةَ الصبيِّ المميِّزِ الموثوقِ به ، لم يشترطِ البلوغَ . وفي المسألةِ وجهانِ حكاهما البغويُّ والإمامُ وتَبِعهَما الرَّافعيُّ، إلا أنّهُ قيَّدَ الوجهينِ في التيمُّمِ بالمُراهِقِ،وصحَّحَ عدمَ القبولِ،وتَبِعَهُ عليه النوويُّ ، وقيَّدَهُ في استقبالِ القبلةِ بالمميِّزِ ، وحكى عن الأكثرين عدمَ القبولِ. وحكى النوويُّ في "شرحِ المهذَّبِ" عن الجمهورِ قبولَ أخبارِ الصبيِّ المميِّزِ فيما طريقُهُ المشاهدةُ بخلافِ ما طريقُهُ النقلُ،كالافتاءِ ، وروايةِ الأخبارِ ، ونحوهِ وسبقَهُ إلى ذلك المُتَولِّي فتبعَهُ، واللهُ أعلمُ.
الضبط : ويعنون به أن يكون الراوي ، غير مخالف للثقات ولا سيء الحفظ ـ ولا فاحش الغلط ـ ولا مغفلاً ـ ولا كثير الأوهام .
وقد نصَّ الشافعيُّ على اعتبارِ هذهِ الأوصافِ فيمَنْ يحتجُّ بخبرِهِ ، فقالَ في كتابِ " الرسالةِ " التي أرسلَ بها إلى عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ : لا تقومُ الحجةُ بخبرِ الخاصّةِ حتّى يَجمعَ أموراً منها : أنْ يكونَ مَنْ حَدَّثَ به ثقةً في دينِهِ ، معروفاً بالصدقِ في حديثِهِ ، عاقِلاً لما يُحدِّثُ به ، عالِماً بما يُحِيلُ مَعانِيَ الحديثِ من اللفظِ ، أو يكونَ ممَّنْ يُؤَدِّي الحديثَ بحروفِهِ ، كما سمعَهُ ، لا يُحدِّثُ به على المعنى ؛ لأنَّهُ إذا حدَّثَ به على المعنى ، وهو غيرُ عالمٍ بما يحيلُ معناهُ ،لم يَدْرِ لعلَّهُ يُحيلُ الحلالَ إلى الحرامِ . وإذا أدَّاهُ بحروفِهِ فلم يَبْقَ وجهٌ يُخافُ فيه إحالتُهُ الحديثَ ، حافظاً إنْ حدَّثَ مِنْ حفظِهِ ، حافظاً لكتابِهِ إنْ حدَّثَ مِن كتابِهِ ، إذا شَرِكَ أهلَ الحفظِ في الحديثِ وافَقَ حديثَهُم ، بريئاً من أنْ يكونَ مُدلِّساً ، يُحَدِّثُ عمَّنْ لقيَ ما لم يَسْمَعْ منه ، ويحدِّثُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بما يُحدِّثُ الثقاتُ خلافَهُ ، ويكونُ هكذا مَنْ فوقَه ممَّنْ حدَّثَهُ ، حتى يُنْتهَى بالحديثِ موصُولاً إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أو إلى مَنْ انْتُهيَ بهِ إليهِ دونَهُ ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهم مُثبِّتٌ مَنْ حَدَّثَهُ ومُثْبِتٌ على مَن حَدَّثَ عنه ، فلا يُسْتغنَى في كلِّ واحدٍ منهم عمّا وصفْتُ . انتهى كلامُ الشافعيِّ رضي الله عنه .(11)
3- بم تثبت العدالة ؟
تثبت العدالة بأحد أمرين:
بتنصيصُ معدّلِينَ على عدالتِهِ ، كما في الشهادةِ .
واختلفوا هل تثبتُ العدالةُ والجرحُ بالنسبةِ إلى الروايةِ بتعديلِ عدلٍ واحدٍ وجَرحِه ، أو لا يثبتُ ذلك إلا باثنينِ ، كما في الجرحِ والتعديلِ في الشهادات ؛ على قولينِ . وإذا جُمعتِ الروايةُ مع الشهادةِ صارَ في المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ :
أحدُها : أنّهُ لا يقبلُ في التزكيةِ إلا رجلانِ ، سواءٌ التزكيةُ للشهادةِ والروايةِ وهو الذي حكاهُ القاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ عن أكثرِ الفقهاءِ من أهلِ المدينةِ وغيرِهم .
والثاني : الاكتفاءُ بواحدٍ في الشهادةِ والرواية معاً ، وهو اختيارُ القاضي أبي بكرٍ المذكورِ ؛ لأنَّ التزكيةَ بمثابةِ الخبرِ . قال القاضي : والذي يوجبُهُ القياسُ وجوبُ قَبولِ تزكيةِ كُلِّ عدلٍ مَرْضِيٍّ ، ذكرٍ ، أو أنثى ، حرٍّ أو عبدٍ ، لشاهدٍ ومُخبِرٍ .
والثالثُ:التفرقةُ بين الشهادةِ والروايةِ ، فيشترطُ اثنانِ في الشهادةِ ويُكتفى بواحدٍ في الروايةِ.ورجَّحَهُ الإمامُ فخرُ الدينِ ، والسيفُ الآمديُّ ونقلَهُ عن الأكثرينَ . وكذلك نقلَهُ أبو عمرٍو بنُ الحاجبِ عن الأكثرينَ،وهو مخالفٌ لما نقلهُ القاضي عنهم . قال ابنُ الصلاحِ:والصحيحُ الذي اختارهُ الخطيبُ وغيرُهُ أنَّهُ يثبتُ في الروايةِ بواحدٍ؛ لأنَّ العددَ لَمْ يُشترطْ في قبولِ الخبرِ،فَلَمْ يشترطْ في جرحِ راويهِ وتعديلهِ بخلافِ الشهاداتِ.(12)
وإما بالاستفاضة والشهرة ، فمن اشْتُهرت عَدَالته بين أهل العلم من أهل الحديث أو غيرهم وشَاع الثَّناء عليه بها, كفى فيها أي في عدالته, ولا يحتاج مع ذلك إلى مُعدِّل ينص عليها, كمالك والسُّفيانين, والأوزاعي, والشَّافعي, وأحمد بن حنبل وأشباههم.
قال ابن الصَّلاح(13): هذا هو الصَّحيح في مذهب الشَّافعي, وعليه الاعتماد في أصول الفقه.
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 15) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 89) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 194) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 180) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 16) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 14)
(2) - في شرح النخبة ص 38 .
(3) - في شرح النخبة ص 37 وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 198) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 182) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 15)
(4) - 2/103
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 180)
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 19) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 11) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 268) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 26) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 233) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 235) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 241) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 114) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 102)
(7) - أخرجه الخطيب في الكفاية (246-251) وقال عقبه :
فَإِنَّ صَالِحَ بْنَ حَسَّانَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ , وَهُوَ مِمَّنِ اجْتَمَعَ نُقَّادُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ , لِسُوءِ حِفْظِهِ وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ , وَكَانَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ , تَارَةً مُتَّصِلًا وَأُخْرَى مُرْسَلًا , وَيَرْفَعُهُ تَارَةً وَيُوقِفُهُ أُخْرَى , وَأَنَا أَسُوقُ رِوَايَاتِهِ لَهُ عَلَى اخْتِلَافِهَا عَنْهُ ، وساقها جميعاً وقال عقبه : عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَوْ ثَبَتَ إِسْنَادُهُ وَصَحَّ رَفْعُهُ , لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَوَازُ الْأَمَانَةِ فِي الْخَبَرِ , بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْعَبْدِ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(8) - معرفة السنن و الآثار (21) بدون سند
(9) - الكفاية ( 58 ) وهو صحيح
(10) - صحيح مسلم(26 )
(11) - الرسالة للشافعي ص 371 وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 103) والحديث المعلول قواعد وضوابط - (ج 1 / ص 26) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 97)
(12) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 105) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل - (ج 1 / ص 5)
(13) - علوم الحديث ص 137(1/269)
ومِمَّن ذكره من أهل الحديث الخطيب(1),فقال : " بَابٌ فِي أَنَّ الْمُحَدِّثَ الْمَشْهُورَ بِالْعَدَالَةِ وَالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَزْكِيَةِ الْمُعَدِّلِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَشُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَأَبَا عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَحَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَعَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ وَالِاشْتِهَارِ بِالصِّدْقِ وَالْبَصِيرَةِ وَالْفَهْمِ , لَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ , وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ كَانَ فِي عِدَادِ الْمَجْهُولِينَ , أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ . "
224 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ، ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , " وَسُئِلَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ , فَقَالَ : مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ إِسْحَاقُ عِنْدَنَا إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ "
225 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمُّوَيْهِ الْهَمَذَانِيُّ بِهَا ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيرَازِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَرْخَانَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَقِيلٍ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَمْدَانَ بْنَ سَهْلٍ , يَقُولُ : سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنِ الْكِتَابَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالسَّمَاعِ , مِنْهُ , فَقَالَ : " مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ؟ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنِ النَّاسِ " حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ , أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ : وَالشَّاهِدُ وَالْمُخْبِرُ إِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى التَّزْكِيَةِ مَتَى لَمْ يَكُونَا مَشْهُورِي الْعَدَالَةِ وَالرِّضَا , وَكَانَ أَمْرُهُمَا مُشْكِلًا مُلْتَبِسًا وَمُجَوَّزًا فِيهِ الْعَدَالَةُ وَغَيْرُهَا , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ بِظُهُورِ سَتْرِهِمَا وَاشْتِهَارِ عَدَالَتِهِمَا أَقْوَى فِي النُّفُوسِ مِنْ تَعْدِيلِ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ يَجُوزُ عَلَيْهِمَا الْكَذِبُ وَالْمُحَابَاةُ فِي تَعْدِيلِهِ , وَأَغْرَاضٌ دَاعِيَةٌ لَهُمَا إِلَى وَصْفِهِ بِغَيْرِ صِفَتِهِ , وَبِالرُّجُوعِ إِلَى النُّفُوسِ يُعْلَمُ أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ أَقْوَى فِي النَّفْسِ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمُعَدِّلِ لَهُمَا , فَصَحَّ بِذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ , وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ نِهَايَةَ حَالِ تَزْكِيَةِ الْعَدْلِ أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ ظُهُورِ سَتْرِهِ , وَهِيَ لَا تَبْلُغُ ذَلِكَ أَبَدًا , فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فَمَا الْحَاجَةُ إِلَى التَّعْدِيلِ .
226 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا ، أنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ، وَقَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ , قَالَ : قَالَ ابْنُ جَابِرٍ : " لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إِلَّا مِمَّنْ شُهِدَ لَهُ بِالطَّلَبِ " : قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : فَسَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُولُ : " إِلَّا جَلِيسَ الْعَالِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ طَلَبُهُ " قَالَ الْخَطِيبُ : أَرَادَ أَبُو مُسْهِرٍ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ عُرِفَتْ مُجَالَسَتُهُ لِلْعُلَمَاءِ وَأَخْذُهُ عَنْهُمْ , أَغْنَى ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ حَالِهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
4- مذهب ابن عبد البَرِّ في ثبوت العدالة(2):
وتوسَّع الحافظ أبو عُمر ابن عبد البر(3)فيه, فقال: كلُّ حامل علم معروف العِنَاية به فهو عدل مَحْمولٌ في أمره أبدًا على العَدَالة حتَّى يتبين جرحه.
ووافقهُ على ذلك ابن المَوَاق من المُتأخِّرين, لقوله - صلى الله عليه وسلم - : يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ , يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ,وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ "(4).
وقوله: هذا غير مرضي والحديث من الطريق الَّذي أوردهُ مرسل, أو معضل.
وإبراهيم هو الَّذي أرسله, قال فيه ابن القطَّان: لا نعرفه ألبته.
ثمَّ على تقدير ثُبوته, إنَّما يصح الاستدلال به لو كان خبرًا, ولا يصح حمله على الخبر, لوجود من يحمل العلم, وهو غير عدل وغير ثقة, فلم يبق له محمل إلاَّ على الأمر, ومعناه أنَّه أمر للثِّقات بحمل العلم, لأنَّ العلم إنَّما يُقبل عنهم.
والدَّليل على ذلك: أنَّ في بعض طُرقه عند ابن أبي حاتم: «ليحمل هذا العِلْم...»(5). بلام الأمر.
وذكر ابن الصَّلاح في فوائد رحلته: أنَّ بعضهُم ضبطهُ بضم الياء, وفتح الميم, مَبْنيًا للمفعول, ورفع العلم, وفتح العين واللام, من عدوله, وآخره تاء فوقية فعولة, بمعنى فاعل, أي: كامل في عدالته, أي: أن الخلف هو العدولة, والمعنى: أن هذا العلم يُحمل, أي: يُؤخذ عن كل خلف عدل, فهو أمر بأخذ العلم عن العدول, والمعروف في ضَبْطه فتح ياء, يُحمل مَبنيًا للفاعل, ونصب العلم مفعوله, والفاعل عُدوله, جمع عدل.
5- كيف يُعْرَف ضبط الراوي ؟
يعرف ضبط الرَّاوي بمُوافقة الثِّقات المتقنين الضَّابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم, فإن وافقهم في روايتهم غالبًا ولو من حيث المعنى, فضابط ولا تضر مُخالفته لهم النَّادرة فإن كثرت مُخالفته لهم, وندرت الموافقة اختلَّ ضبطه ولم يحتج به في حديثه..
ذكر الحافظ أبو الحَجَّاج المِزِّي في «الأطراف»(6)أنَّ الوهم تارة يَكُون في الحفظ, وتارة يَكُون في القول, وتارة في الكِتَابة.
قال: وقد روى مسلم(7)حديث: « لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ ». عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وأبي كريب, ثلاثتهم عن أبي مُعَاوية, عن الأعْمش, عن أبي صالح, عن أبي هُرَيْرة, ووهم عليهم في ذلك, إنَّما رووه عن أبي مُعَاوية, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي سعيد, كذلك رواه عنهم النَّاس, كما رواه ابن ماجه(8)عن أبي كُريب أحد شُيوخ مسلم فيه.
قال: والدَّليل على أنَّ ذلكَ وهمٌ وقع منه في حال كِتَابته, لا في حفظه, أنَّهُ ذكر أولاً حديث أبي مُعَاوية, ثمَّ ثنَّى بحديث جرير, وذكر المتن وبقية الإسْناد, ثمَّ ثلَّث بحديث وكيع, ثمَّ ربَّع بحديث شُعبة, ولم يذكر المتن ولا بقية الإسْنَاد عنهما, بل قال: عن الأعمش بإسناد جرير وأبي مُعَاوية بمثل حديثهما, فلولا أنَّ إسْنَاد جرير وأبي مُعَاوية عندهُ واحد لما جمعهما في الحوالة عليهما.
6- هل يُقبل الجرح والتعديل من غير بيان ؟
أ) يُقبل التَّعديل من غير ذكر سببه على الصَّحيح المشهور لأنَّ أسْبَابه كثيرة, فيَثْقل ويشق ذكرها, لأنَّ ذلك يحوج المُعدل إلى أن يَقُول لم يفعل كذا, لم يرتكب كذا, فعل كذا وكذا, فيُعدِّد جميع ما يفسق بفعله, أو بتركه, وذلك شاق جدًّا..
ب) ولا يقبل الجَرْح إلاَّ مُبين السَّبب لأنَّه يحصل بأمر واحد, ولا يَشُق ذكره, ولأنَّ النَّاس مُختلفون في أسْبَاب الجرح, فيُطلق أحدهم الجَرْح بناء على ما اعتقده جرحًا, وليسَ بجرح في نفس الأمر, فلا بد من بيان سببه, لينظُر هل هو قادح أو لا؟
قال ابن الصَّلاح: وهذا ظاهر مُقرر في الفقه وأُصوله.
وذكر الخَطِيب : أنَّه مذهب الأئمة من حُفَّاظ الحديث, كالشَّيخين وغيرهما.
ولذلك احتجَّ البُخَاري بجماعة سبق من غيره الجَرْح لهم, كعكرمة, وعَمرو ابن مرزوق, واحتجَّ مسلم بِسُويد بن سعيد وجَمَاعة اشتهر الطَّعن فيهم, وهكذا فعل أبو داود, وذلك دال على أنَّهم ذهبُوا إلى أنَّ الجرح لا يثبُت إلاَّ إذا فُسِّر سببهُ, ويدل على ذلك أيضًا أنَّه رُبَّما استفسرَ الجارح, فذكر ما ليسَ بجرح. "(9)
وقد عقد الخَطِيب لذلك بابًا 275 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ , قَالَ : قُرِئَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ النَّحَّاسِ وَأَنَا أَسْمَعُ : حَدَّثَكُمْ أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ ، ثنا ابْنُ أَبِي عَتَّابٍ الْأَعْيَنُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ يَعْنِي الْمَدَائِنِيَّ , قَالَ : قِيلَ لِشُعْبَةَ : لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ ؟ قَالَ : " رَأَيْتُهُ يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ "
276 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ ، ثنا جَرِيرٌ , قَالَ : " رَأَيْتُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ يَبُولُ قَائِمًا فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ " وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ : يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ وَالشَّاهِدُ مُجْتَنِبَيْنِ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ , نَحْوِ التَّبَذُّلِ , وَالْجُلُوسِ لِلتَّنَزُّهِ فِي الطُّرُقَاتِ , وَالْأَكْلِ فِي الْأَسْوَاقِ , وَصُحْبَةِ الْعَامَّةِ الْأَرْذَالِ , وَالْبَوْلِ عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقَاتِ , وَالْبَوْلِ قَائِمًا , وَالِانْبِسَاطِ إِلَى الْخُرْقِ فِي الْمُدَاعَبَةِ وَالْمِزَاحِ , وَكُلِّ مَا قَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ نَاقِصُ الْقَدْرِ وَالْمُرُوءَةِ , وَرَأَوْا أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ , وَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ , وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ رَدُّ خَبَرِ فاعِلِي الْمُبَاحَاتِ إِلَى الْعَالِمِ , وَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقْوَى فِي نَفْسِهِ , فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ أَفْعَالِ مُرْتَكِبِ الْمُبَاحِ الْمُسْقِطِ لِلْمُرُوءَةِ أَنَّهُ مَطْبُوعٌ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ , وَالتَّسَاهُلِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنْ لَا يَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى الْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ , بَلْ يَرَى إِعْظَامَ ذَلِكَ وَتَحْرِيمَهُ وَالتَّنَزُّهَ عَنْهُ , قَبِلَ خَبَرَهُ , وَإِنْ ضَعُفَتْ هَذِهِ الْحَالُ فِي نَفْسِ الْعَالِمِ وَاتَّهَمَهُ عِنْدَهَا , وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِخَبَرِهِ وَرَدُّ شَهَادَتِهِ
277 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبِي ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَدَقَةَ ، ثنا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ ، ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , عَنْ وَكِيعٍ , قَالَ : قَالَ شُعْبَةُ : " لَقِيتُ نَاجِيَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ فَرَأَيْتُهُ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَرَكْتُهُ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ ثُمَّ كَتَبْتُ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ " قَالَ الْخَطِيبُ : أَلَا تَرَى أَنَّ شُعْبَةَ فِي الِابْتِدَاءِ جَعَلَ لُعْبَةَ الشِّطْرَنْجِ مِمَّا يَجْرَحُهُ فَتَرَكَهُ , ثُمَّ اسْتَبَانَ لَهُ صِدْقُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَسَلَامَتُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَكَتَبَ حَدِيثَهُ نَازِلًا , فَكَذَلِكَ قَوْلُ الْجَارِحِ : إِنَّ فُلَانًا لَيْسَ بِثِقَةٍ , يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَ سَبَبَهُ
278 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَمْعَانَ الرَّزَّازُ ، ثنا هَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ ، ثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , قَالَ : قَالَ شُعْبَةُ : " أَتَيْتُ مَنْزِلَ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو فَسَمِعْتُ فِيهِ صَوْتَ الطُّنْبُورِ , فَرَجَعْتُ , فَهَلَّا سَأَلْتُ عَسَى أَنْ لَا يَعْلَمُ هُوَ "
279 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ الْمُقْرِئِ ، ثنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيُّ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الْكَرْخِيُّ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خِرَاشٍ ، ثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، ثنا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ شُعْبَةَ , قَالَ : قُلْتُ لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ : لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ ؟ قَالَ : كَانَ كَثِيرَ الْكَلَامِ "
280 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، ثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ , قَالَ : سَأَلْتُ أَيُّوبَ بْنَ سُوَيْدٍ عَنِ الَّذِي كَانَ شُعْبَةُ يَطْعَنُ بِهِ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَقَالَ لِي : " كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ , وَالْحَسَنُ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً , قَالَ : فَقُلْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَقَالَ : إِنَّ الْحَكَمَ أَعْطَانِي حَدِيثَهُ عَنْ يَحْيَى فِي كِتَابٍ لِأَحْفَظَهُ فَحَفِظْتُهُ "
281 وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ ، ثنا هُشَيْمٌ , قَالَ : قُلْتُ لِشُعْبَةَ : مَا لَكَ وَلِأَبِي الرَّبِيعِ , مَا تُرِيدُ مِنْهُ ؟ قَالَ : يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ مِنْ حَدِيثِهِ , قُلْتُ : أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ؟ قَالَ : يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا , فَقَالَ : " يَا عِبَادَ اللَّهِ , لَا تَتَّخِذُوا الرُّوحَ غَرَضًا " قَالَ : قُلْتُ : فَأَشْهَدُ عَلَى أَبِي بِشْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَنِيهِ قَالَ : إِنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ , إِنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ
282 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُجَهِّزُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ , بِتَنِيسَ ، ثنا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ الشَّعْرَانِيُّ ، ثنا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ : " لَقِيَنِي شُعْبَةُ وَمَعَهُ طِينٌ : قُلْتُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : صَاحِبَ الْمَنْكَثِ , قَالَ : قُلْتُ : تَصْنَعُ مَاذَا ؟ قَالَ : أَسْتَعْدِي عَلَى هَذَا الَّذِي يَكْذِبُ عَلَى أَيُّوبَ أَبُو جُزَيٍّ ، قَالَ : قُلْتُ : فِي أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا , قُلْتُ : حَدَّثَنِي أَيُّوبُ , فَرَمَى بِالطِّينَةِ "
283 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُّوثِيُّ ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ، ثنا سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ، ثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، أنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ , يَقُولُ : " سَمِعْتُ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ حَدِيثًا وَاحِدًا , وَكُنْتُ كُلَّمَا مَرَرْتُ بِهِ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ : لِمَ يَا أَبَا بِسْطَامٍ , قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى حِفْظِهِ , فَإِنْ غَيَّرَ فِيهِ شَيْئًا تَرَكْتُهُ "
284 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ زَحْرٍ الْبِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا ، ثنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْآجُرِّيُّ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ شَبَابَةَ , قَالَ : " قُلْتُ ـ أَوْ قِيلَ ـ لِشُعْبَةَ : مَا شَأْنُ حُسَامِ بْنِ مِصَكٍّ ؟ قَالَ : رَأَيْتُهُ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : تَرَكَ شُعْبَةُ أَبَا غَالِبٍ أَنَّهُ رَآهُ يُحَدِّثُ فِي الشَّمْسِ , وَضَعَهُ شُعْبَةُ عَلَى أَنَّهُ تَغَيَّرَ عَقْلُهُ "
285 أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْوَرَّاقَ , يَقُولُ : سَأَلْتُ مُسْلِمَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَدِيثٍ لِصَالِحٍ الْمُرِّيِّ فَقَالَ : " مَا تَصْنَعُ بِصَالِحٍ ؟ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَامْتَخَطَ حَمَّادٌ قَالَ الْخَطِيبُ : امْتِخَاطُ حَمَّادٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا يُوجِبُ رَدَّ خَبَرِهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ
286 مَا أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ ، أنا ابْنُ الْغَلَابِيِّ , قَالَ : " وَسُئِلَ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ مَعِينٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ , فَبَزَقَ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ "
287 وَحَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الدَّسْكَرِيُّ لَفْظًا بِحُلْوَانَ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ , بِأَصْبَهَانَ , قَالَ : ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُشَيْشٍ الْمِصْرِيُّ ، ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ، ثنا أَبُو مُسْهِرٍ , قَالَ : ثنا مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ , قَالَ : " قُلْنَا لِشُعْبَةَ : مَا تَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ؟ , قَالَ : دَعْنِي , لَا أَقِيءُ ".
قال الصَّيرفي: وكذا إذَا قالوا: فُلان كذَّاب, لا بد من بيانه, لأنَّ الكذب يُحتمل الغلط, كقوله: كذب أبو مُحمَّد.
ولمَّا صَحَّح ابن الصَّلاح(10)هذا القَوْل, أوردَ على نفسهِ سُؤالاً فقال: ولقائل أن يَقُول: إنَّما يعتمد النَّاس في جرح الرُّواة ورد حديثهم, على الكُتب الَّتي صنَّفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل, وقلَّما يتعرضون فيها لبيان السَّبب, بل يقتصرون على مُجَرد قولهم: فُلان ضعيف, وفلان ليسَ بشيء, ونحو ذلك, وهذا حديثٌ ضعيف, أو حديث غير ثابت, ونحو ذلك, واشْتراط بيان السَّبب يُفْضي إلى تعطيل ذلك, وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.
ثمَّ أجَاب عن ذلك بما ذكرهُ المُصنِّف في قوله: وأمَّا كُتب الجرح والتَّعديل الَّتي لا يُذكر فيها سبب الجرح فإنَّا وإن لم نعتمدها في إثْبَات الجرح, والحُكْم به ففائدتها التَّوقف فيمن جَرحوهُ عن قَبُول حديثه لما أوقع ذلك عندنا من الرِّيبة القوية فيهم فإن بحثنَا عن حاله, وانْزَاحت عنهُ الرِّيبة, وحصلت الثِّقة به, قبلنا حديثهُ كجماعة في «الصَّحيحين» بهذه المثابة كما تقدَّمت الإشارة إليه.
ومُقَابل الصَّحيح أقوال:
أحدها: قَبُول الجرح غير مُفسَّر, ولا يُقبل التَّعديل إلاَّ بذكر سببه, لأنَّ أسباب العَدَالة يَكْثُر التصنع فيها, فيبني المُعدل على الظَّاهر, نقله إمام الحَرَمين, والغزالي, والرازي في «المحصول».
الثَّاني: لا يُقْبلان إلاَّ مُفسَّرين, حكاهُ الخطيب والأُصوليون, لأنَّه كما قد يجرح الجارح بِمَا لا يَقْدح, كذلك يُوثق المُعدَّل بما لا يقتضي العدالة, كما روى يعقوب الفسوي في «تاريخه»(11)قال: سمعتُ إنسانًا يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العُمَري ضعيف, قال: إنَّما يُضعفه رافضي مُبْغض لآبائه, لو رأيت لحيتهُ وهيئته, لعرفت أنَّه ثقة.
فاستدلَّ على ثقته بما ليس بحجَّة, لأنَّ الحسن الهيئة يشترك فيه العدل وغيره.
الثَّالث: لا يجب ذكر السَّبب في واحد منهما, إذا كان الجارح والمُعدِّل عالمين بأسباب الجرح والتعديل, والخلاف في ذلك بصيرًا مرضيًا في اعتقاده وأفعاله, وهذا اختيار القاضي أبي بكر, ونقله عن الجمهور, واختاره إمام الحرمين والغَزَالي, والرَّازي, والخَطِيب, وصَحَّحه الحافظ أبو الفَضْل العِرَاقي(12), والبلقيني في «محاسن الاصطلاح»(13).
واختار الحافظ ابن حجر تفصيلاً حسنًا,فقال(14): " ولكنَّ محلَّهُ إِن صَدَرَ مُبَيَّناً مِن عَارِفٍ بأَسْبَابِهِ ؛لأنَّه إِنْ كانَ غيرَ مفسَّرٍ لم يَقْدَحْ فيمَنْ ثبَتَتْ عدالَتُه .
وإِنْ صدَرَ مِن غيرِ عارفٍ بالأسبابِ لم يُعْتَبَرْ بهِ أيضاً(15).
__________
(1) - في الكفاية ص 147
(2) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 11) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 282) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 236)
(3) في التمهيد1/28
(4) -الإبانة الكبرى لابن بطة برقم (34) ومسند الشاميين - (ج 1 / ص 344) برقم (599) ومشكل الآثار للطحاوي برقم (3269) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني برقم (694) وعدي 1/152 و153 و3/904 والبداية والنهاية لابن كثير 10/337 والعقيلي 1/9 و10 و4/256 وشرف أصحاب الحديث برقم 14و 52 و 53 و 55 و 56 وهو حديث حسن لغيره وصححه الشيخ ناصر في التعليق على مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 53)برقم (248 )
(5) - الجرح والتعديل 2/17
(6) - 3/343-344
(7) - صحيح مسلم(6651 ) النَّصيف : النصف
(8) - سنن ابن ماجه (166)
(9) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 238)
(10) - علوم الحديث ص 141
(11) - المعرفة والتاريح 2/665
(12) - في التقييد ص 142
(13) - ص 221
(14) - نزهة النظر - (ج 1 / ص 258) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 35)
(15) - فلا بد أن يكون عارفٍ بأسبابه كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم وأبي زرعة وأحمد ومالك والشافعي والبخاري وغيرهم .(1/270)
فإِنْ خَلا المَجْروحُ عَنِ التَّعديلِ ؛ قُبِلَ الجَرْحُ فيهِ مُجْمَلاً غيرَ مبيَّنِ السَّببِ إِذا صدَرَ مِن عارفٍ عَلى المُخْتارِ(1)؛ لأنَّهُ إِذا لمْ يكُنْ فيهِ تعديلٌ ؛ [ فهو ] في حيَّزِ المَجهولِ ، وإِعمالُ قولِ المُجَرِّحِ أَولى مِن إِهمالِه .
ومالَ ابنُ الصَّلاحِ في مثلِ هذا إلى التوقُّفِ [ فيهِ ](2)".
وقالَ الذَّهبيُّ - وهُو مِن أَهْلِ الاستِقراءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجالِ -- " لمْ يجْتَمِعِ اثْنانِ مِن عُلماءِ هذا الشَّأنِ قطُّ على تَوثيقِ ضَعيفٍ ، ولا على تَضعيفِ ثِقةٍ "(3)
ولهذا كانَ مذهَبُ النَّسائيِّ أَنْ لا يُتْرَكَ حديثُ الرَّجُلِ حتَّى يجتَمِعَ الجَميعُ على تَرْكِهِ(4).
7- هل يثبت الجرح والتعديل بواحد ؟(5)
الصَّحيح أنَّ الجرح والتعديل يثبتان بواحد لأنَّ العدد لم يشترط في قَبُول الخبر, فلم يشترط في جرح راويه وتعديله, ولأنَّ التَّزْكية بمنزلة الحُكْم, وهو أيضًا لا يُشترط فيه العدد.
وقيل: لا بد من اثنين كما في الشَّهادة وقد تقدَّم الفرق.
قال شيخُ الإسلام(6): ولو قيلَ: يُفصل بين ما إذا كانت التَّزكية مسندة من المزكي إلى اجتهاده, أو إلى النَّقل عن غيره, لكان مُتَّجهًا, لأنَّه إن كان الأوَّل فلا يشترط العدد أصلاً, لأنَّه بمنزلة الحكم, وإن كان الثَّاني فيجري فيه الخلاف, ويتبيَّن أيضًا أنَّه لا يشترط فيه العدد, لأنَّه أصل النَّقل لا يُشترط فيه, فكذا ما تفرع منه. انتهى.
وليسَ لهذا التَّفصيل الَّذي ذكرهُ فائدة, إلاَّ نفي الخِلاف في القسم الأوَّل, وشَمِلَ الواحد العبد والمَرْأة, وسيذكُره المُصنِّف من زوائده.(7)
8- اجتماع الجرح والتعديل في راو واحد :
" وإذا اجتمعَ فيه أي الرَّاوي جرحٌ مُفسَّر وتعديل, فالجَرْح مُقَّدم ولو زاد عدد المُعدِّل, هذا هو الأصح عندَ الفُقهاء والأصُوليين, ونقلهُ الخطيب(8)عن جُمهور العُلماء, لأنَّ مع الجارح زِيَادة علم لم يطِّلع عليها المُعدِّل, ولأنَّه مُصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله, إلاَّ أنَّه يُخبر عن أمر باطن خفي عنه.
وقال الخطيب في الكفاية :
" بَابُ الْقَوْلِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إِذَا اجْتَمَعَا , أَيُّهُمَا أَوْلَى اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَرَحَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ , وَعَدَّ لَهُ مِثْلُ عَدَدِ مَنْ جَرَحَهُ , فَإِنَّ الْجَرْحَ بِهِ أَوْلَى , وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ عَنْ أَمْرٍ بَاطِنٍ قَدْ عَلِمَهُ , وَيُصَدِّقُ الْمُعَدِّلَ وَيَقُولُ لَهُ : قَدْ عَلِمْتُ مِنْ حَالِهِ الظَّاهِرَةِ مَا عَلِمْتَهَا , وَتَفَرَّدْتُ بِعِلْمٍ لَمْ تَعْلَمْهُ مِنَ اخْتِبَارِ أَمْرِهِ , وَأَخْبَارُ الْمُعَدِّلِ عَنِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لَا يَنْفِي صِدْقَ قَوْلِ الْجَارِحِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ , فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَرْحُ أَوْلَى مِنَ التَّعْدِيلِ .
267 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ، ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , قَالَ : سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ : " كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا مِنَ الْبِلَادِ , وَيَذْكُرُ الرَّجُلَ وَنُحَدِّثُ عَنْهُ وَنُحْسِنُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ , فَإِذَا سَأَلْنَا أَهْلَ بِلَادِهِ وَجَدْنَاهُ عَلَى غَيْرِ مَا نَقُولُ , قَالَ : وَكَانَ يَقُولُ : أَهْلُ بَلَدِ الرَّجُلِ أَعْرَفُ بِالرَّجُلِ " قَالَ الْخَطِيبُ : لَمَّا كَانَ عِنْدَهُمْ زِيَادَةُ عِلْمٍ بِخَبَرِهِ , عَلَى مَا عَلِمَهُ الْغَرِيبُ مِنْ ظَاهِرِ عَدَالَتِهِ , جَعَلَ حَمَّادٌ الْحُكْمَ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ جَرْحِهِ , دُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْغَرِيبُ مِنْ عَدَالَتِهِ .
268 أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لِمَ لَمْ تَقْبَلْ مَا حَدَّثَكَ الثِّقَةُ حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، لِمَا انْتَهَى إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جَرْحِهِ لِبَعْضِ مَنْ حَدَّثَ بِهِ , وَتَكُونُ مُقَلِّدًا ذَلِكَ الثِّقَةَ مُكْتَفِيًا بِهِ , غَيْرَ مُفَتِّشٍ لَهُ , وَهُوَ حَمَلَهُ وَرَضِيَهُ لِنَفْسِهِ ؟ فَقُلْتُ : لِأَنَّهُ قَدِ انْتَهَى إِلَيَّ فِي ذَلِكَ عِلْمُ مَا جَهِلَ الثِّقَةُ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْهُ , فَلَا يَسَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ لِمَا انْتَهَى إِلَيَّ فِيهِ , بَلْ يَضِيقُ ذَلِكَ عَلَيَّ , وَيَكُونُ ذَلِكَ وَاسِعًا لِلَّذِي حَدَّثَنِي عَنْهُ , إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ مَا عَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ , وَيَسْأَلُ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ , فَيُعَدَّلُ فَيَقْبَلُ شَهَادَتَهُ , ثُمَّ يَشْهَدُ عِنْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ , فَيَسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يُعَدَّلُ , فَيَرُدُّهَا الْحَاكِمُ بَعْدَ إِجَازَتِهِ لَهَا , لَا يَسَعُهُ إِلَّا ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ بَعْدَهُ أَنْ يُجِيزَهَا , إِذَا لَمْ يُعَدَّلْ إِنْ كَانَ حَاكِمٌ قَبِلَهُ , فَكَذَلِكَ أَنَا وَالَّذِي حَدَّثَنِي فِيمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ عِلْمِ مَا جَهِلَ مِنْ ذَلِكَ , وَكِلَانَا مَصِيبٌ فِيمَا فَعَلَ " قَالَ الْخَطِيبُ : وَلِأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِقَوْلِ الْجَارِحِ لَمْ يَتَّهِمِ الْمُزَكِّي وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا , وَمَتَى لَمْ نَعْمَلْ بِقَوْلِ الْجَارِحِ كَانَ فِي ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لَهُ , وَنَقْضٌ لِعَدَالَتِهِ , وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ حَالَهُ فِي الْأَمَانَةِ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ , وَلِأَجْلِ هَذَا وَجَبَ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ , وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ آخَرَانِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ , أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِقَضَاءِ الْحَقِّ أَوْلَى , لِأَنَّ شَاهِدَيِ الْقَضَاءِ يُصَدِّقَانِ الْآخَرَيْنِ , وَيَقُولَانِ : عَلِمْنَا خُرُوجَهُ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ , وَأَنْتُمَا لَمْ تَعْلَمَا ذَلِكَ , وَلَوْ قَالَ شَاهِدَا ثُبُوتِ الْحَقِّ : نَشْهَدُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْحَقِّ , لَكَانَتْ شَهَادَةً بَاطِلَةً "
وقيَّد الفُقهاء ذلك بما إذَا لم يقل المُعدِّل عرفت السَّبب الَّذي ذكرهُ الجارح, ولكنَّه تابَ وحَسُنت حاله, فإنَّه حينئذ يُقدم المُعدِّل, قاله البَلْقيني(9),
وقيَّده ابن دقيق العِيد بأن يبنى على أمر مجزوم به, لا بطريق اجتهادي, كمَا اصْطَلح عليه أهل الحديث في الاعْتِماد في الجَرْح على اعتبار حديث الرَّاوي بحديث غيره, والنَّظر إلى كَثْرة المُوَافقة والمُخَالفة.
وردَّ بأنَّ أهل الحديث لم يعتمدوا ذلك في معرفة العدالة والجرح, بل في معرفة الضَّبط والنقل, واستثنى أيضًا ما إذا عيَّن سببًا, فنفاهُ المُعدِّل بطريق مُعتبر, كأن قال: قُتل غُلامًا ظُلمًا يوم كذا, فقال المُعدِّل: رأيتهُ حيًّا بعد ذلك, أو كان القاتل في ذلك الوقت عندي, فإنَّهما, يتعارضان, وتقييد الجَرْح بكونهِ مُفسرًا جار على ما صحَّحه المُصنِّف وغيره, كما صرَّح به ابن دقيق العِيد وغيره.(10)
وقال الخطيب: "إِذَا عَدَّلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا وَجَرَحَهُ أَقَلُّ عَدَدًا مِنَ الْمُعَدِّلِينَ , فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْجَرْحِ وَالْعَمَلَ بِهِ أَوْلَى , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلِ الْحُكْمُ لِلْعَدَالَةِ , وَهَذَا خَطَأٌ , لِأَجَلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجَارِحِينَ يُصَدِّقُونَ الْمُعَدِّلِينَ فِي الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ , وَيَقُولُونَ : عِنْدَنَا زِيَادَةُ عِلْمٍ لَمْ تَعْلَمُوهُ مِنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ , وَقَدِ اعْتَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُعَدِّلِينَ تُقَوِّي حَالَهُمْ , وَتُوجِبُ الْعَمَلَ بِخَبَرِهِمْ , وَقِلَّةُ الْجَارِحِينَ تُضَعِّفُ خَبَرَهُمْ , وَهَذَا بُعْدٌ مِمَّنْ تَوَهَّمَهُ , لِأَنَّ الْمُعَدِّلِينَ وَإِنْ كَثُرُوا لَيْسُوا يُخْبِرُونَ عَنْ عَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْجَارِحُونَ , وَلَوْ أُخْبِرُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ , لَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ تَعْدِيلٍ أَوْ جَرْحٍ , لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ عَلَى نَفْيِ مَا يَصِحُّ , وَيَجُوزُ وُقُوعُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوهُ , فَثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وقيل: يُرجَّح بالأحفظ, حكاهُ البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح»(11).
وقيل: يتعارضان فلا يترجَّح أحدهما إلاَّ بمُرجِّح, حكاهُ ابن الحاجب وغيره, عن ابن شعبان من المالكية.
قال العِرَاقيُّ(12): وكلامُ الخطيبِ يقتضي نفي هذا القولِ الثالثِ.فإنّهُ قالَ : اتّفقَ أهلُ العلمِ على أنَّ مَنْ جَرَّحَهُ الواحدُ والاثنانِ ، وعَدَّلَهُ مثلُ عددِ مَنْ جَرَّحَهُ ، فإنَّ الجرحَ به أولى. ففي هذهِ الصورةِ حكايةُ الإجماعِ على تقديمِ الجرحِ،خلافَ ما حكاهُ ابنُ الحاجبِ .(13).
9- إذا قال حدثني الثقة ونحوه لا يقبل قوله
" إذا قال: حدَّثني الثِّقة, أو نحوه من غير أن يُسميه لم يُكتف به في التَّعديل على الصَّحيح حتَّى يُسمية, لأنَّه وإن كان ثقة عنده, فرُبَّما لو سمَّاه, لكان مِمَّن جرحهُ غيره بجرح قادح, بل إضرابه عن تَسْميته, ريبة توقع تردُّدًا في القلب.
وقال الخطيب في الكفاية: " 242 أَخْبَرَنَا بُشْرَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيُّ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّاشِدِيُّ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يَقُولُ : " إِذَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ , فَرِوَايَتُهُ حُجَّةٌ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَوَّلًا يَتَسَهَّلُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ , ثُمَّ شَدَّدَ بَعْدُ , كَانَ يَرْوِي عَنْ جَابِرٍ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ ثُمَّ تَرَكَهُ " وَهَكَذَا إِذَا قَالَ الْعَالِمُ : كُلُّ مَنْ رَوَيْتُ عَنْهُ فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِنْ لَمْ أُسَمِّهِ , ثُمَّ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ , فَإِنَّهُ يَكُونُ مُزَكِّيًا لَهُ , غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْمَلُ عَلَى تَزْكِيَتِهِ , لِجَوَازِ أَنْ نَعْرِفَهُ إِذَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ , وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُرْسَلِ مِنَ الْأَخْبَارِ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَأَمَّا إِذَا عَمِلَ الْعَالِمُ بِخَبَرِ مَنْ رَوَى عَنْهُ لِأَجْلِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ إِلَّا وَهُوَ رِضًا عِنْدَهُ عَدْلٌ , فَقَامَ عَمَلُهُ بِخَبَرِهِ مَقَامَ قَوْلِهِ : هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الْخَبَرِ , وَلَوْ عَمِلَ الْعَالِمُ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَالرُّجُوعُ إِلَى تَعْدِيلِهِ , لِأَنَّهُ إِذَا احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ أَنْ يَعْمَلَ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ , احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ أَنْ يُزَكِّيَ وَيُعَدِّلَ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ ..(14)
وقيل: يُكتفي بذلك مُطلقًا, كما لو عيَّنه, لأنَّه مأمون في الحالتين معا فإن كان القائل عالمًا أي: مُجْتهدًا, كمالك والشَّافعي, وكثيرًا ما يفعلان ذلك كفى في حقِّ موافقه في المَذْهب لا غيره عند بعض المُحقِّقين.
قال ابن الصبَّاغ: لأنَّه لم يُورد ذلك احتجاجًا بالخبر على غيره, بل يذكر لأصْحَابه قيام الحُجَّة عنده على الحكم, وقد عرف هو من رَوَى عنه ذلك.
واختارهُ إمام الحَرَمين, ورجَّحه الرَّافعي في «شرح المسند» وفرضه في صُدور ذلك من أهل التعديل.
وقيل: لا يكفي أيضًا, حتَّى يقول: كل من أروي لكم عنه ولم أُسمه, فهو عدل.
قال الخطيب: وقد يُوجد في بعض من أبهموه الضَّعف لخفاء حاله, كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المُخَارق. "
لَوْ قَالَ نَحْوَ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ بِتَوْفِيقٍ ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ التُّهْمَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِاتِّفَاقِهِ ، وَلَا لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إذَا وَقَعَ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَسْأَلَةٍ دِينِيَّةٍ فَهُوَ وَالتَّوْثِيقُ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْحُجَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فَمِنْ ثَمَّ خَالَفْنَاهُ فِي مِثْلِ الشَّافِعِيِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ اهـ(15)
وقال الزركشي(16):
" التَّعْدِيلُ الْمُبْهَمُ ، كَقَوْلِهِ : حَدَّثَنِي الثِّقَةُ وَنَحْوُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهُ لَا يَكْفِي فِي التَّوْثِيقِ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ، وَالصَّيْرَفِيُّ ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَالْمَاوَرْدِيُّ ، وَالرُّويَانِيُّ ،قَالَ : وَهُوَ كَالْمُرْسَلِ .
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُقْبَلُ .
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا عِنْدَهُ فَرُبَّمَا لَوْ سَمَّاهُ لَكَانَ مِمَّنْ جَرَحَهُ غَيْرُهُ ، بَلْ قَالَ الْخَطِيبُ : لَوْ صَرَّحَ بِأَنَّ جَمِيعَ شُيُوخِهِ ثِقَاتٌ ، ثُمَّ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَنَّا لَا نَعْمَلُ بِرِوَايَتِهِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ نَعْرِفَهُ إذَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، لَوْ قَالَ الْعَالِمُ : كُلُّ مَنْ أَرْوِي عَنْهُ وَأُسَمِّيهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَرْضِيٌّ مَقْبُولُ الْحَدِيثِ ، كَانَ هَذَا الْقَوْلُ تَعْدِيلًا لِكُلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَسَمَّاهُ كَمَا سَبَقَ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا ، كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ ، لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ فِي الْحَالِ .
وَالثَّانِي : التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يُعْرَفُ مِنْ عَادَتِهِ إذَا قَالَ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ أَرَادَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ ، وَكَانَ ثِقَةً فَيُقْبَلُ ، وَإِلَّا فَلَا ، حَكَاهُ شَارِحُ " اللُّمَعِ " الْيَمَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ " الْإِرْشَادِ " .الثَّالِثُ : وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ ، أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ عَالِمًا أَجْزَأَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي مَذْهَبِهِ .
كَقَوْلِ مَالِكٍ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَكَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُورِدْ ذَلِكَ احْتِجَاجًا بِالْخَبَرِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لِأَصْحَابِهِ قِيَامَ الْحُجَّةِ عِنْدَهُ عَلَى الْحُكْمِ وَقَدْ عَرَفَ هُوَ مَنْ رَوَى عَنْهُ ."
10- حكم رواية العَدْل عن شخص :
أ) إذا روى العدلُ عمَّن سمَّاه لم يكن تعديلاً عند الأكثرين من أهل الحديث وغيرهم وهو الصَّحيح لجِوَاز رِوَاية العَدْل عن غير العدل, فلم تتضمن روايته عنه تعديله.
وقد روينا عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ , وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا(17).
الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1591 )نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَطَّانُ النَّيْسَابُورِيُّ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ ، أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الْحَنْظَلِيُّ الْحَافِظُ بِهَمَذَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي بِالدِّينَوَرِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْأَثْرَمَ ، يَقُولُ : رَأَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ بِصَنْعَاءَ فِي زَاوِيَةٍ وَهُوَ يَكْتُبُ صَحِيفَةَ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ فَإِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ كَتَمَهُ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : تُكْتُبُ صَحِيفَةَ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ وَتَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ ؟ فَلَوْ قَالَ لَكَ قَائِلٌ : إِنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي أَبَانَ ثُمَّ تَكْتُبُ حَدِيثَهُ عَلَى الْوَجْهِ ؟ فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَكْتُبُ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَلَى الْوَجْهِ فَأَحْفَظُهَا كُلَّهَا وَأَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ حَتَّى لَا يَجِيءَ بَعْدَهُ إِنْسَانٌ فَيُجْعَلُ بَدَلَ أَبَانَ ثَابِتًا وَيَرْويِهَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَقُولُ : " لَهُ كَذَبْتَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ لَا عَنْ ثَابِتٍ " .
__________
(1) - إذا كان الجرح في إنسان لم يوثق قُبِل مجملاً فإذا كان الإنسان لم يوثقه أحد مطلقاً قبل فيه الجرح مطلقاً ولو لم يفسر ويبين إذا كان من إمام عارف بأسبابه لأنه ليس هناك شيء يقابله من التعديل ، فإذا كان هناك إنسان مجهول ثم جرح قبل فيه الجرح .
(2) - والصواب ما قاله الحافظ ابن حجر إذا خلا الراوي عن التعديل قبل فيه الجرح وقيل ضعيف لأنه اجتمع فيه الجهالة مع الجرح فلا يعتد بروايته .
(3) - وهذا من الاستقراء والذهبي وهو إمام له كتاب الميزان فلم يجتمع اثنان على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة بل إذا سبرت أقوالهم تجدها موثقة في تضعيف الضعفاء وتوثيق الثقات .
قلت : كلام الذهبي رحمه الله ليس على إطلاقه؛ فقد قَسّمَ المتكلمين على الجرح والتعديل إلى ثلاث فئات: المتشددين، والمعتدلين، والمتساهلين. ويَقْصد بالإجماع هنا اجتماع اثنين من طبقتين مختلفتين من هذه الطبقات الثلاث، وقد ذَكَر هذا في رسالته: ذِكْر مَن يُعْتمد قوله في الجرح والتعديل، وهي مطبوعة.
قلت : اختلف في تفسير كلمة الذهبي هذه كثيرا ، والذي ترجح لي أن معناها : لم يقع الاتفاق من العلماء على توثيق (ضعيف) ، بل إذا وثقه بعضهم ضعفه آخرون ، كما لم يقع الاتفاقُ من العلماء على تضعيف (ثقة) فإذا ضعفه بعضهم وثقه آحرون ، فلم يتفقوا على خلاف الواقع في جرح راوٍ أو في تعديله ، فهم بمجموعهم محفوظون من الخطأ ، ولفظ (اثنان) هنا المرادُ به الحميعُ كقولهم : هذا أمرٌ لا يختلف فيه اثنانِ ) أي يتفق عليه الجميع ولا ينازع فيه أحد . الشيخ عبد الفتاح رحمه الله
وفي شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 737)
والأظهر أن معناه لم يتفق اثنان من أهل الجرح والتعديل غالباً على توثيق ضعيف وعكسه، بل إن كان أحدهما ضَعَّفَهُ، وثَّقَهُ الآخر، أو وثقة أحدهما ضَعَّفَهُ الآخر، بسبب الاختلاف ما قرره المصنف بأن يكون سببُ ضعفِ الراوي شيئين مختلفين عند العلماء في صلاحية الضعف وعدمه فكل واحد منهما تعلق بسبب فنشأ الخلاف، فعلم من هذا التقرير أن التلميذ لم يُصِب في التحرير، ولم يُفهم المراد مع أنه المطابِق لما ذكره في المال، والمُفَاد.
(4) - وهذا مذهب فيه نظر ولهذا وقع في بعض الأحاديث في السنن بعض التساهل ولكن الصواب أنه متى جرح جرحاً بيناً عارفاً بأسبابه قدم على التعديل من باب الاحتياط والتوثق للدين .
وفي شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 737)
فإن التعارض، يوجب التساقط، وكأن النسائي ذهب إلى أن العدالة مقدمةٌ على الجرح عند التعارض، بناء على أن الأصل هو العدالة بخلاف الجمهور كما سيجيء، وبهذا يندفع ما قال محشِ اعتراضاً على التعليل: فيه أن ما يتفرع على قول الذهبي إنما هو هذا: لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع على تركه اثنان، أو: يترك حديث الرجل إذا اجتمع على تركه اثنان، لا ما ذكره من قوله:يجتمع الجميع على تركه انتهى. وقد ذكر شارح هنا ما لا طائل تحته، ولما كان منشأ تضعيفِ الثقة، وتوثيق الضعيف، إنما هو التساهل في تحقيق سببه، وإلا لما وقع الخلاف فيما يتعلق به
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 317) وغاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 98) وإجابة السائل شرح بغية الآمل - (ج 1 / ص 117) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 26)
(6) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 733)
(7) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241)
(8) - الكفاية ص 177
(9) - محاسن الاطلاع ص 224
(10) - في الاقتراح ص 330 -331
(11) - ص 224
(12) - التصبرة ص 313 و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 111) الشاملة 2
(13) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241)
(14) - قال المعلمي في التنكيل 1/362 :
" قول المحدث : شيوخي كلهم ثقات ،أو شيوخ فلان كلهم ثقات ، لا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحقُّ أن يقال له بمفرده على الاطلاق : (هو ثقة ) وإنما إذا ذكروا الرجلفي جملة من أطلقوا عليهم ثقات ، فاللازم أنه ثقة في الجملة ، أي :له حظ من الثقة ، وهم ربما يتجوَّزون في كلمة (ثقة) فيطلقونها على من هو صالح في دينه ، وإن كان ضعيف الحديث أو نحو ذلك .
وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم (ضعفاء ) وإنما اللازم أن له حظًّا ما من الضعف ، كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء كثيرا من الثقات الذين تكلم فيهم أيسر كلام "
(15) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 261)
(16) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 328)
(17) - معرفة السنن والآثار (5026)(1/271)
وقيل: تعديلٌ مطلقاً ؛ إذ لو علمَ فيه جرحاً لذكرَهُ ، ولكان غاشاً في الدينِ ، لو علِمَهُ ولم يذكرْهُ حكاه الخطيبُ وغيرُهُ . قال أبو بكر الصَّيْرفيُّ : وهذا خطأٌ ؛ لأنَّ الروايةَ تعريفٌ لهُ والعدالةُ بالخبرةِ .
وأجاب الخطيبُ(1): بأنَّهُ قد لا يَعلمُ عدالتَهُ ، ولا جرحَهُ .
وقيل: إنْ كانَ ذلكَ العَدْلُ الذي روي عنه لا يَروي إلا عن عدلٍ كانت روايتُهُ تعديلاً ، وإلاّ فلا . وهذا هو المختارُ عن الأصوليينَ ، كالسيفِ الآمديِّ ، وأبي عمرِو بنِ الحاجبِ ، وغيرِهما . أما إذا رَوَى عَنْهُ من غيرِ تصريحٍ باسمِهِ ، فإنهُ لا يكونُ تعديلاً ، بَلْ وَلَوْ عدلهُ عَلَى الإبهامِ لَمْ يكتفِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ..(2)
ب) وَعَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّتِهِ ، وَلَا بِتَعْدِيلِ رِوَايَةٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِيَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَصَحَّحَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَالِكِ الِاحْتِيَاطِ وَفَرَّقَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ ، وَلَا فِي رِوَايَتِهِ
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ حَدِيثَ الْخِيَارِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي نَافِعٍ رِوَايَةً وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ(3)فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي فُتْيَاهُ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ اسْتَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ إجْمَاعٍ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمُ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَدِلَّتِهِ بَلْ ، وَلَا بَعْضَهَا وَلَعَلَّ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ وَاسْتَأْنَسَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ رُبَّمَا كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَتَقْدِيمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ ..(4)
ومِمَّا لا يدل على صِحَّة الحديث أيضًا, كما ذكرهُ أهل الأصُول, مُوَافقة الإجْمَاع له على الأصح, لجَوَاز أن يَكُون المُسْتند غيره, وقيل: يَدُل, وكذلك بقاء خبر تتوفَّر الدَّواعي على إبْطَاله.
وقال الزيدية: يدل, وافتراق العُلماء بين متأول للحديث ومحتج به.
قال ابن السَّمعاني وقوم: يدل, لتضمنه تلقيهم له بالقَبُول.(5)
وأُجيب باحتمال أنَّه تأوَّله على تقدير صِحَّته فرضًا, لا على ثُبوتها عندهُ.
11 - حكم رواية التائب من الفسق(6):
تُقبل رِوَاية التائب من الفِسْق ومن الكذب في غير الحديث النَّبوي كَشَهادته, للآيات والأحاديث الدَّالة على ذلك إلاَّ الكذب في أحاديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تُقبل رواية منه[أبدًا, وإن حَسُنت طريقته, كذا قاله أحمد بن حنبل, وأبو بكر الحُميدي شيخ البُخَاري, و أبو بكر الصَّيرفي الشَّافعي.
بل قال الصَّيرفي زيادة على ذلك في «شرح الرِّسالة» : كُل من أسْقطنَا خبرهُ من أهل النَّقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله, بتوبة تَظْهر ومن ضعَّفناهُ لم نُقوِّه بعدهُ بخلاف الشَّهادة.
قال المُصنِّف: ويَجُوز أن يُوجه بأنَّ ذلك جعل تغليظًا عليه وزَجْرًا بليغًا عن الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - , لعظم مَفْسدته, فإنَّه يصير شَرْعًا مُسْتمرًّا إلى يوم القيامة, بخلاف الكذب على غيره والشَّهادة, فإن مَفْسدتهما قاصرة ليست عامة.
وقال أبو المُظفَّر السَّمعاني: من كذب في خبر واحد, وجب إسقاط ما تقدَّم من حديثه.
قال ابن الصَّلاح : وهذا يُضَاهي من حيث المعنى ما ذكرهُ الصَّيرفي.
قال المُصنِّف: قلت: هذا كُله مُخَالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا, ولا يُقوِّي الفرق بينه وبين الشَّهادة وكذا قال في «شرح مسلم» : المُختار القطع بصحة توبته, وقَبُول رِوَايته كشهادته, كالكافر إذا أسلم.
وأنا أقول: إن كانت الإشارة في قوله هذا كُله, لقول أحمد والصَّيرفي والسَّمعاني, فلا والله ما هو بمخالف ولا بعيد, والحق ما قاله الإمام أحمد تغليظًا وزَجْرًا, وإن كانت لقول الصَّيرفي بناء على أنَّ قوله: يكذب, عام في الكذب في الحديث وغيره.
فقد أجابَ عنه العِرَاقي , بأنَّ مُراد الصَّيرفي ما قالهُ الإمام أحمد - أي في الحديث لا مُطلقًا - بدليل قوله: من أهل النَّقل, وتقييده بالمُحدِّث في قوله أيضًا في «شرح الرسالة»: وليس يطعن على المُحدِّث إلاَّ أن يقول: تعمدتُ الكذب, فهو كاذب في الأوَّل, ولا يُقبل خبره بعد ذلك. انتهى.
وقوله: ومن ضعَّفناهُ - أي بالكذب - فانتظم مع قول أحمد.
وقد وجدتُ في الفِقْه فرعين يَشْهدان لما قالهُ الصَّيرفي والسَّمعاني, فذكروا في باب اللِّعان: أنَّ الزَّاني إذا تاب وحَسُنت توبته, لا يعود مُحصنًا, ولا يُحد قاذفه بعد ذلك, لبقاء ثُلمة عرضه, فهذا نظير أنَّ الكاذب لا يُقبل خبره أبدا, وذكروا أنَّه لو قُذفَ, ثمَّ زنى بعد القَذْفِ, قبل أن يُحدَّ القاذف لم يُحد, لأنَّ الله تعالى أجرى العادة أنَّه لا يُفضح أحدًا من أوَّل مرَّة, فالظَّاهر تقدُّم زِنَاه قبل ذلك, فلم يحد له القاذف.
وكذلك نقول فيمن تبيَّن كذبه: الظَّاهر تكرر ذلك منه, حتَّى ظهر لنَا ولم يتعيَّن لنا ذلك, فيما رُوي من حديثه, فوجبَ إسْقَاط الكُل, وهذا واضح بلا شك, ولم أر أحدًا تنبَّه لِمَا حررتهُ ولله الحمد.
11- حكم رواية من أخذ على التحديث أجراً(7):
من أخذَ على التَّحديث أجْرًا, لا تُقْبل رِوَايتهُ عندَ أحمد بن حنبل وإسْحَاق بن رَاهويه وأبي حاتم الرَّازي.
وتُقبل عند أبي نُعيم الفضل بن دُكَين شيخ البُخَاري وعليِّ بن عبد العزيز البغوي وآخرين ترخصًا.
وأفْتَى الشَّيخ أبو إسْحَاق الشِّيرازي أبا الحُسين بن النقور بجوازها لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التَّحديث ، ويشهد له جَوَاز أخذ الوَصِي الأُجْرة من مالِ اليتيم إذا كانَ فقيرًا, أو اشتغلَ بحفظهِ عن الكَسْب, من غير رُجُوع عليه لِظَاهر القرآن.
12- حكمُ رواية من عُرِفَ بالتساهل أو بقبول التلقين أو كثرة السهو(8).
لا تُقبل رواية من عُرف بالتَّساهل في سَمَاعه أو إسْمَاعه, كمن لا يُبَالي بالنَّوم في السَّماع منه أو عليه أو يُحدِّث لا من أصل مُصحَّح مُقَابل على أصلهِ, أو أصل شَيْخه أو عُرف بقبول التَّلقين في الحديث بأن يُلقَّنَ الشَّيء فيُحدِّث به من غير أن يعلم أنَّه من حديثه, كما وقع لموسى بن دينار(9)ونحوه أو كثرة السَّهو في روايته, إذا لم يُحدِّث من أصْلٍ صحيح, بخلاف ما إذَا حدَّث منهُ فلا عِبْرة بكثرة سَهْوه, لأنَّ الاعتماد حينئذ على الأصل, لا على حفظه أو كثرة الشَّواذ والمناكير في حديثه.
قَالَ شُعْبَةُ(10): " لَا يَجِيئُكَ الْحَدِيثُ الشَّاذُّ إِلَّا مِنَ الرَّجُلِ الشَّاذِّ " .
وقال نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ , يَذْكُرُ عَنْ شُعْبَةَ , قِيلَ لَهُ مَنِ الَّذِي يُتْرَكُ حَدِيثُهُ ؟ قَالَ : " الَّذِي إِذَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ مَا لَا يَعْرِفُهُ الْمَعْرُوفُونَ فَأَكْثَرَ , طُرِحَ حَدِيثُهُ "(11).
وكذلك رَدُّوا روايةَ مَنْ عُرِفَ بكثرةِ السَّهوِ في رواياتِهِ إذا لم يحدِّثْ من أصلٍ صحيحٍ .
قال عبد الله بن المُبَارك, وأحمد بن حنبل, والحُميدي, وغيرهم: من غلطَ في حديث, فبُيِّن له غلطه فأصرَّ على روايته لذلك الحديث ولم يرجع سَقَطت رواياته كلها ولم يُكتب عنه .
قال ابن الصَّلاح(12): وفي هذا نظرٌ ، وهو غيرُ مستنْكَرٍ ، إذا ظهرَ أنَّ ذلك منه على جِهَةِ العِنَادِ ، أو نحوِ ذلكَ .
قال ابن مهدي لشعبة(13): من الَّذي تُترك الرِّوَاية عنه؟ قال: إذا تَمَادى في غَلطٍ مُجْمع عليه, ولم يتَّهم نفسهُ عندَ اجْتماعهم على خِلافه.
قال العِرَاقي(14): وقيَّد ذلكَ بعض المُتأخِّرين بأن يَكُون المُبيِّن عَالمًا عند المُبيَّن له, وإلاَّ فلا حرج إذَنْ.
قلتُ : " المصرُّ على الخطإِ نوعان :
نوع أول : وهو من غلط في رواية حديثٍ ما ، وبين له عالم مجتهد من أئمة الحديث غلطه في هذا الحديث ، ثم لم يرجع ، وأصرَّ على روايته لذلك الحديث ، آنفاً من الرجوع عمَّا خرج منه ، وإن كان شيئاً يسيراً ، فقد وجب جرحه بهذا ، وتركُ حديثهِ لتعدِّيه ما ليس له .
نوع ٌآخر : وهو من حدّثَ بالشيء الذي أخطأ فيه ، وهو لا يعلم أنه خطأ ، ثم تبين له وعلِمَ فلم يرجع عنه ، وتمادى في روايته بعد علمه أنه أخطأ فيه في أول الأمر ، وهذا يكون بذلك كذابًّا ، أو في حكم الكذاب ، لروايته ما يعلم هو أنه خطأٌ.
والفرق بين الرجلين : أن الأول ليس متيقناً أنه أخطأ، لأنه يرى الحديث في كتابه مثلاً ، ولا يتصور هو أنه أدخل عليه وهو لا يعلم ، فكان جانب التوقُّفِ في تصحيح المصحح عنده قويًّا ، غير أنه يدخل في جملة المتروكين ، لتعديه ما ليس له ، لأنه ليس من أهل هذا الشأن الذين يميزون الصواب من الخطإ ، وواجب عليه أن يخضع لأهل العلم بهذا الشأن إذا بينوا له خطأه ، وعدم خضوعه لهم يوجب ترك حديثه .
وفي الكفاية (1128) أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْحَافِظَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ " وَقِيلَ لَهُ : لِمَ رَوَيْتَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ وَتَرَكْتَ سُفْيَانَ بْنَ وَكِيعٍ ؟ فَقَالَ : " لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ رَجَعَ عَنْهَا عَنْ آخِرِهَا إِلَّا حَدِيثَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ إِذَا احْضِرَ الْعِشَاءُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي دَرْحٍ مِنْ كُتُبِ عَمِّهِ فِي قِرْطَاسٍ ، وَأَمَّا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ فَإِنَّ وَرَّاقَهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ أَحَادِيثَ فَرَوَاهَا وَكَلَّمْنَاهُ فِيهَا فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ وَتَرَكْتُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ "
وذلك ، لأنه أصرَّ على روايتها آنفاً من الرجوع عنها ، بعدما بيَّن له أهل العلم أنه أخطأ فيها ، فهذا هو حال الراوي الأول ، أو النوع الأول من المصرِّين على الخطإ.
أما النوع الثاني : وهو من حدَّث بالشيء الذي أخطأ فيه ، وهو لا يعلم ثم تبين وعلم فلم يرجع عنه ، وتمادى في روايته لذلك الخطإ ، بعد علمه ، فهذا قد علم فعلاً أنه أخطأ وتيقن من ذلك ، فتماديه في رواية ما يعلم هو أنه خطأ يكون كذباً متعمَّداً،لأنه يخبر بخلاف الواقع ، وهو يعلم أنه كذب ، ومثل هذا كذبٌ صريحٌ ، والله أعلم .(15)
13- حكمُ رواية من حَدَّثَ ونَسِيَ(16):
إذا رَوَى ثقة عن ثقة حديثا, ثمَّ نفاه المسمع لمَّا رُوجع فيه، فالمُخْتار عند المُتأخِّرين أنَّه إن كان جَازمًا بنفيه, بأن قال: ما رويته أو كذب عليَّ ونحوه, وجب ردُّه لتعارض قولهما, مع أنَّ الجاحد هو الأصل ، ولكن لا يقدح ذلك في باقي روايات الرَّاوي عنه ولا يثبت به جرحه, لأنَّه أيضًا مُكذِّبٌ لشيخه في نفيه لذلك, وليس قَبُول جرح كلٍّ منهما أولى من الآخر فتساقطا, فإن عاد الأصْل وحدَّث به, أو حدَّث فرع آخر ثقة عنه, ولم يُكذبه فهو مقبول. صرَّح به القاضي أبو بكر والخطيب وغيرهما(17)
لكن ينبغي أن يتنبه هنا إلى أمرٍ هام ، وهو أن هذا الحكم إنما يكون إذا كان كلٌّ من الشيخ والراوي عنه ثقة ، أما إذا كان أحدهما ضعيفاً ، فلا تقبل دعواه ، ويقدم قول الثقة .
فمثال ضعف الشيخ :
قال الحاكم في معرفة علوم الحديث (367 ) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ : ثنا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَطَاءٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ مَاتَ مَرِيضًا ، مَاتَ شَهِيدًا ، وَوُقِيَ فَتَّانَ الْقَبْرِ ، وَغُدِيَ ، وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : " حَدِيثُ : " مَنْ مَاتَ مَرِيضًا ، مَاتَ شَهِيدًا " ، كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِيهِ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى "
وروى ابن الجوزي في الموضوعات (1739) بإسناده إلى ابن أبي سكينة الحلبي ، قال : سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول : حدَّثتُ ابن جريج بهذا الحديث : ( من مات مرابطا) فروى عني (من مات مريضا) وما هكذا حدثته .
قال ابن الجوزي : ابن جريج هو الصادق ، وذلك لأن ابن أبي يحيى الأسلمي ضعيف ، وابن جريج ثقة .
ومثال ضعف الراوي :
عن شعبة قال روى الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي سبعة أحاديث فلقيت الحكم فسألته عنها فقال ما حدثت بشيء منها.
والحسن بن عمارة ضعيف ، بل متروك ، والحكم بن عتيبة ثقة حافظ .
وهذه القصة تدلُّ على سوء حفظ الحسن بن عمارة ، لأنه روى عن الحكم أحاديث لا أصل لها عنه ، ولذا لما سئل الحكم عنها قال : ما سمعت بهذا شيئاَ .
فإن قيل : قد روى الخطيب في الكفاية (280 )أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، ثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ , قَالَ : سَأَلْتُ أَيُّوبَ بْنَ سُوَيْدٍ عَنِ الَّذِي كَانَ شُعْبَةُ يَطْعَنُ بِهِ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَقَالَ لِي : " كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ , وَالْحَسَنُ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً , قَالَ : فَقُلْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَقَالَ : إِنَّ الْحَكَمَ أَعْطَانِي حَدِيثَهُ عَنْ يَحْيَى فِي كِتَابٍ لِأَحْفَظَهُ فَحَفِظْتُهُ "
فإن قيل : أليس هذا كافياً في تبرئة الحسن بن عمارة ، إذ أنه صرح بأنه حفظ عن الحكم ما لم يحفظه غيره ؟!
قلت : كلا ، لأمور :
الأول: أنه رجل سيئ الحفظ ، فمهما ادعى من شيء فلن يسمع له .
الثاني : أنه لم يحدث بها من الكتاب ، بل من حفظه كما يفهم من كلامه ، وقد مرَّ أنه سيئ الحفظ ، فلا يؤمن عليه أن يخطئ فيدخل حديثا في حديث ، أو يقلب بعض الأسانيد عن غير قصد .
الثالث: أن الحكم بن عتيبة لما سئل عن هذه الأحاديث أنكرها ، وهو ثقة حجَّةٌ ، فلا يردُّ قوله لقول الحسن بن عمارة الضعيف .
الرابع : أن هذه الأحاديث التي تفرد بها عن الحكم يحيى بن الجزار ، وجدها الئمة أحاديث منكرة غير مستقيمة ، وهذا أكبر دليل على الحكم لم يحدث بها ، لأن الأحاديث المناكير لا تأتي إلا من الرجال المناكير كالحسن بن عمارة وأمثاله " التدريب هامش 1/561-562
ومُقَابل المُختار في الأوَّل عدم رد المَرْوي.
واختارهُ السَّمعاني, وعزاهُ الشَّاشي للشَّافعي, وحكى الهِنْدي الإجْمَاع عليه.
وجزمَ المَاوردي والرُّوياني بأنَّ ذلك لا يقدح في صِحَّة الحديث, إلاَّ أنَّه لا يَجُوز للفرع أن يرويه عن الأصْل, فحصلَ ثلاثة أقْوَال.
وثَمَّ قولٌ رابع: أنَّهما يتعارضَان, ويُرجَّح أحدهما بطريقه, وصار إليه إمام الحرمين.
ومن شواهد القبول ما رواهُ الشَّافعي في المسند 175 أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّكْبِيرِ " . قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : ثُمَّ ذَكَرْتُهُ لِأَبِي مَعْبَدٍ بَعْدُ ، فَقَالَ : لَمْ أُحَدِّثْكَهُ . قَالَ عُمَرُ : وَقَدْ حَدَّثَنِيهِ قَالَ : وَكَانَ مِنْ أَصْدَقِ مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَأَنَّهُ نَسِيَهُ بَعْدَمَا حَدَّثَهُ إِيَّاهُ .
قال الخطيب في الكفاية : " 1191 أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْمَتُّوثِيُّ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ ، ثنا وَهْبٌ يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ , قَالَ : " كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا " , قَالَ شُعْبَةُ : لَقِيتُهُ بِوَاسِطَ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ " وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ بِمِثْلِ هَذَا وَشِبْهِهِ , فَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا , وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ : إِنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ , إِذَا كَانَ سَامِعُهُ حَافِظًا وَالنَّاسِي لَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَدْلًا , وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ , وَزَعَمَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ الْخَبَرِ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ , وَلَا الْعَمَلُ بِهِ , قَالُوا : وَلِهَذَا لَزِمَ اطِّرَاحُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي الْمَرْأَةِ تُنْكَحُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا , وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتَرِفَا بِهِ لِمَا ذَكَرَاهُ , وَاعْتَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
__________
(1) - الكفاية ص 150
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 113)
(3) - اختصار علوم الحديث ص 81
(4) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 327)
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 247)
(6) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 260)
(7) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 23) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 267)
(8) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 204) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 152) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 345) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 268)
(9) - وفي الضعفاء للعقيلي : " مُوسَى بْنُ دِينَارٍ مَكِّيٌّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى ، يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَا وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , وَأَبُو شَيْخٍ جَارِيَةُ بْنُ هَرِمٍ , فَكَتَبَ عَنْهُ فَجَعَلَ حَفْصُ يَضَعُ الْحَدِيثَ , فَيَقُولُ حَدَّثَتْكَ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ , عَنْ عَائِشَةَ بِكَذَا وَكَذَا , فَيَقُولُ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ , عَنْ عَائِشَةَ بِكَذَا وَكَذَا , وَيَقُولُ لَهُ وَحَدَّثَكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ , وَيَقُولُ حَدَّثَكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ , فَلَمَّا فَرَغَ ضَرَبَ حَفْصٌ بِيَدِهِ إِلَى لَوْحِ جَارِيَةٍ , فَمَحَا مَا فِيهَا , قَالَ : فَقَالَ تَحْسُدُونِي بِهِ ؟ فَقَالَ لَهُ حَفْصٌ : لَا , وَلَكِنْ هَذَا يَكْذِبُ . قِيلَ لِيَحْيَى : مَنِ الرَّجُلُ ؟ فَلَمْ يُسَمِّهِ , قُلْتُ لَهُ يَوْمًا : يَا أَبَا سَعِيدٍ , لَعَلَّ عِنْدَ هَذَا الشَّيْخِ شَيْئًا , قَالَ : أَعْرِفُهُ , فَقَالَ : هُوَ مُوسَى بْنُ دِينَارٍ , قَالَ أَبُو حَفْصٍ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُحَدِّثُ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ إِلَّا رَجُلَيْنِ : ابْنَ نُدْبَةَ , وَيُوسُفَ الشَّعْبِيَّ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى ، يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْنِ دِينَارٍ الْمَكِّيِّ أَنَا , وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، فَجَعَلْتُ لَا أُرِيدُهُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا لَقَّنَهُ , فَخَرَجْنَا فَأَتْبَعَنَا أَبُو شَيْخٍ , فَجَعَلْتُ أُبَيِّنُ لَهُ أَمَرَهُ , فَلَا يَقْبَلُ "
(10) - الكفاية ( 385 )
(11) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 346) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 264) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 119) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 258) و الكفاية (391)
(12) - علم الحديث ص 155
(13) - المجحن 1/79
(14) - في التقييد ص 157
(15) - انظر المجروحين لابن حبان 1/78-79 ، وهامش التدريب 1/570 -571 و سير أعلام النبلاء (12/319) وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 114)
(16) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 22) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 330) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 144) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 37)
(17) - البرهان في أصول الفقه - الرقمية - (ج 1 / ص 250) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 264)(1/272)
1192 وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ ، أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَبُو هَاشِمٍ , حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا نُكِحَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ , فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا , فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ " , وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : فَلَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ , وَقَالَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ دَلُّوَيْهِ : سَقَطَ عَلَيَّ فِي الْحَدِيثِ عُرْوَةُ , لَمْ أَفْهَمْ مِنْ إِسْمَاعِيلَ , وَعُرْوَةُ فِيهِ ثَابِتٌ
1193 وَأَمَّا حَدِيثُ سُهَيْلٍ فَأَخْبَرَناهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثنا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ سُهَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ " قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : فَلَقِيتُ سُهَيْلًا فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ " وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ , أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَاوِي الْخَبَرِ الَّذِي نَسِيَهُ عَدْلًا , وَالَّذِي حَفِظَهُ عَنْهُ عَدْلًا , فَإِنَّهُمَا لَمْ يُحَدِّثَا إِلَّا بِمَا سَمِعَاهُ , وَلَوِ احْتَمَلَتْ حَالُهُمَا غَيْرَ ذَلِكَ لَخَرَجَا عَنْ حُكْمِ الْعَدَالَةِ , وَكَانَ السَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْإِنْسَانِ , وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُحَدِّثَهُ وَيَنْسَى أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَهُ , وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي أَمَانَتِهِ وَلَا تَكْذِيبَ لِمَنْ يَرْوِي عَنْهُ , وَلِهَذَا كَانَ سُهَيْلٌ بَعْدَ أَنْ نَسِيَ حَدِيثَهُ , وَذَكَرَهُ لَهُ رَبِيعَةُ يَقُولُ : حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي عَنْ أَبِي - وَيَسُوقُ الْحَدِيثَ .
1194 أَخْبَرَناهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ , بِمَكَّةَ ، ثنا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقُ ، ثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ , عَنْ رَبِيعَةَ , عَنْ سُهَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ " قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ : ثُمَّ أَتَيْتُ سُهَيْلًا فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي عَنْ أَبِي , ثُمَّ ذَكَرَهُ لِي " وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَحَادِيثَ ثُمَّ نَسُوهَا , وَذُكِّرُوا بِهَا فَكَتَبُوهَا عَمَّنْ حَفِظَهَا عَنْهُمْ , وَكَانُوا يَرْوُونَهَا وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي عَنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا , وَيَسُوقُونَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ , وَقَدْ جَمَعْنَاهُ فِي كِتَابٍ أَفْرَدْنَاهُ لَهَا , وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُجَوِّزُونَ نِسْيَانَهُمْ لِتِلْكَ الْأَخْبَارِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ عَلَيْهِمْ , فَلَا يُوجِبُونَ لِأَجْلِهِ رَدَّ خَبَرِ الْعَدْلِ وَلَا الْقَدْحَ فِيهِ
1195 أَخْبَرَنَا بُشْرَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّاشِدِيُّ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : " يُضَعَّفُ الْحَدِيثُ عِنْدَكَ بِمِثْلِ هَذَا : أَنْ يُحَدِّثَ الرَّجُلُ الثِّقَةُ بِالْحَدِيثِ عَنِ الرَّجُلِ , فَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَيُنْكِرُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ ؟ فَقَالَ : لَا , مَا يُضَعَّفُ عِنْدِي بِهَذَا , فَقُلْتُ : مِثْلُ حَدِيثِ الْوَلِيِّ , وَمَثْلُ حَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ مُعْتَمِرٌ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَفْسِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قُلْتُ , لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ مُعْتَمِرٍ ؟ قَالَ : بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَلَّغَنِي عَنْهُ "
1196 أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الدَّاوُدِيُّ ، أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَامٍ , قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : حُبَيْشِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْفَقِيهِ : حَدِيثُ عَائِشَةَ , عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " ؟ قَالَ : يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُصَحِّحُهُ , " فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ " , فَقُلْتُ : هَذَا مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ ؟ فَقَالَ : لَا هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَدِيثُ مَا كَانَ السُّلْطَانُ وَلِيَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ , فَقُلْتُ : فَابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ : سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ ؟ فَقَالَ : نَسِيَ الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا نَسِيَ ابْنُ عُمَرَ حَدِيثَ صَلَاةِ الْقُنُوتِ , وَكَمَا نَسِيَ سَمُرَةُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ , وَلَمْ يَقُلْ هَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , كَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ " وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا , أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ ذِكْرُ رَاوِيهِ لَهُ , وَعِلْمُهُ بِأَنَّهُ قَدْ حَدَّثَ بِهِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْمَرِيضِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَالْمَيِّتِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ , لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَعْلَمُ أَنَّهُ رَوَى مَا يُرْوَى عَنْهُ , فَالسَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ دُونَ هَذِهِ الْأُمُورِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ كَافَّةً اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِاللَّفْظِ الزَّائِدِ فِي الْحَدِيثِ , إِذَا قَالَ رَاوِيهِ : لَا أَحْفَظُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ , وَأَحْفَظُ أَنِّي رَوَيْتُ مَا عَدَاهَا , فَكَذَلِكَ سَبِيلُ نِسْيَانِهِ لِرِوَايَةِ جَمِيعِ الْحَدِيثِ , لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنَ النِّسْيَانِ , وَالرَّاوِي عَنْهُ ضَابِطٌ عَدْلٌ , فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهِ , فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ : قَوْلُنَا فِي اللَّفْظِ الزَّائِدِ كَقَوْلِنَا فِي جَمِيعِ الْحَدِيثِ , قِيلَ : هَذَا شَيْءٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ , فَرُكُوبُهُ بَاطِلٌ , وَلَوْ جَازَ رُكُوبُ ذَلِكَ لَوَجَبَ جَوَازُ مِثْلِهِ , إِذَا قَالَ الرَّاوِي : لَا أَذْكُرُ أَنِّي رَوَيْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا الْإِعْرَابِ , مَتَى رُوِيَ عَنْهُ بِإِعْرَابٍ يُوجِبُ حُكْمًا , وَلَوْ أَسْقَطَهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ الْحُكْمَ , وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ نِسْيَانَهُ لِإِعْرَابِ لَفْظِ الْخَبَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّ الْخَبَرِ , فَإِنْ قَالَ : الْفَرْقُ بَيْنَ نِسْيَانِ اللَّفْظَةِ مِنَ الْحَدِيثِ وَنِسْيَانِ إِعْرَابِهِ : وَبَيْنَ نِسْيَانِ الْحَدِيثِ بِأَسْرِهِ : أَنَّ مِثْلَ نِسْيَانِ اللَّفْظِ وَالْإِعْرَابِ يَجُوزُ فِي الْعَادَةِ , وَلَا يَجُوزُ نِسْيَانُ الْحَدِيثِ بِأَسْرِهِ , قِيلَ : أَيُّ عَادَةٍ فِي ذَلِكَ , بَلْ الِاعْتِمَادُ كَوْنُ ذَلِكَ أَجْمَعَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ , وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِأَنَّ نِسْيَانَ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ أَقَلُّ مِنْ نِسْيَانِ اللَّفْظَةِ مِنْهُ , وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ
13) أشهر المصنفات فيه:
كتاب أخبار من حَدَّثَ ونَسِيَ، للخطيب.
ـــــــــــــــ(1/273)
الفصل الثاني
علم الجرح والتعديل
أولا- تعريف الجرح والتعديل
تعريفُ الجرح:
الجرح في اللغة مشتق من جرحه يجرحه جرحا، بمعنى أثر فيه بالسلاح، والجراحة اسم الضربة أو الطعنة.، ويقال: جرح الحاكم الشاهد إذا عثر منه على ما تسقط به عدالته، من كذب وغيره.(1)
وهو في اصطلاح المحدثين: الطعن في رواة الحديث بما يسلب عدالتهم،أو ضبطهم.(2)وقيل: هو وصف متى التحق بالراوي، والشاهد سقط الاعتبار بقوله، وبطل العمل به.(3)
تعريف التعديل:
التعديلُ: مصدر عدل، فهو: عدل، قال في اللسان: العدالة ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور، والعدل من الناس المرضي.
والعدالة في اصطلاح المحدثين: وصف متى التحق بالراوي والشاهد اعتبر قولهما وأخذ به.
وهي عبارة عن خمسة أمور، واعتبرها البعض شروطا، متى تحققت في الرجل كان عدلا، أو يقال: لابد من تحققها في العدل، وهي:
1- الإسلام.
2- البلوغ.
3- العقل.
4- التقوى، وهي:اجتناب الكبائر،وترك الإصرار على الصغائر.
5- الاتصاف بالمروءة
قال الحاكم:أصل عدالة المحدث أن يكون مسلماً لا يدعو إلى بدعة ولا يعلن من أنواع المعاصي ما تسقط عدالته، فإن كان مع ذلك حافظاً لحديثه فهي أرفع درجات المحدثين.
وقال الغزالي: العدالة في الرواية والشهادة عبارة عن استقامة السيرة في الدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس على ملازمة التقوى والمروءة جميعا، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه.(4)
أما علم الجرح والتعديل ،فهو: علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة وعن مراتب تلك الألفاظ.(5)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر: لسان العرب(1: 432).
(2) - انظر : المنهج الحديث في علوم الحديث للشيخ السماحي رحمه الله (ص: 82)
(3) - جامع الأصول(1: 126).
(4) - انظر: جامع الأصول(1: 126) ومعرفة علوم الحديث (ص: 53) والمستصفى للغزالي(1: 157) ودراسات في الجرح والتعديل، مع التصرف في النص، والزيادة والنقص، والدمج بين بعض النصوص.
(5) - أبجد العلوم(2:211).(1/274)
ثانيا- أهمية علم الجرح والتعديل(1)
علم الجرح والتعديل هو أحد أنواع العلوم المتعلقة بالرواة: وهذا العلم يعدُّ من الأهمية بمكان؛ ذلك أن الغرض من معرفته حفظُ سنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
فمن أهميته: إجماع أهل العلم على أنه لا يقبل إلا خبرُ العدل، كما أنه لا تقبل إلا شهادة العدل؛ لذلك كان السؤال عن المخبِر من أهل العلم والمعرفة واجباً محتماً.
وإذا كان معرفة أحوال الرواة من أوجب الواجبات لحفظ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن بيان حال من عُرف بالضعف أو الكذب، وكذا من عُرف الضبط والعدالة من ذلك الواجب أيضاً؛ ليعرف الناس حقيقة أمر من نقل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمة.(2)
وهذا الاهتمام بالرواة، وهو ما يعرف بالاهتمام بالإسناد، وهو ما يتردد على ألسنة كثير من المحدِّثين بقولهم: الإسناد، وفضائل الإسناد، وأهمية الإسناد، والإسناد من خصائص الأمة المحمدية، ونحو ذلك.
والإسناد من خصائص هذه الأمة، ليست لغيرها من الأمم. قال ابن حزم: ((نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال، خصَّ الله به المسلمين دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ولكن لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصراً، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه)).(3)
قال: ((وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب، أو مجهول العين، فكثير في نقل اليهود والنصارى)).
قال: ((وأما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن لليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبي أصلاً، ولا إلى تابع له، ولا يمكن للنصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون وبولص)).(4)
من دلائل اهتمام هذه الأمة بالإسناد، ورجال الإسناد، ما يلي:
قال عبد الله بن المبارك: " الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ"(5).
- وقال عَبْدَانُ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ : " الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ : مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَلَوْلَا الْإِسْنَادُ وَطَلَبُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ لَهُ وَكَثْرَةُ مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى حِفْظِهِ لَدَرَسَ مَنَارُ الْإِسْلَامِ ، وَلَتَمَكَّنَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ فِيهِ بِوَضْعِ الْأَحَادِيثِ ، وَقَلْبِ الْأَسَانِيدِ ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ إِذَا تَعَرَّتْ عَنْ وُجُودِ الْأَسَانِيدِ فِيهَا كَانَتْ بُتْرًا "(6)
-وقال عَبْدَانُ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ ، يَقُولُ : " الْإِسْنَادُ عِنْدِي مِنَ الدِّينِ وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ : مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ " .(7)
- و قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : " مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ أَمْرَ دِينِهِ بِلَا إِسْنَادٍ كَمَثَلِ الَّذِي يَرْتَقِي السَّطْحَ بِلَا سُلَّمٍ "(8)
- وقال مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْجَوْهَرُي سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ عَنْ إِسْنَادِ ، حَدِيثٍ سَقَطَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : تَدْرِي مَا قَالَ : أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ ؟ قَالَ : " الْإِسْنَادُ مِثْلُ الدَّرَجِ وَمِثْلُ الْمَرَاقِي . فَإِذَا زَلَّتْ رِجْلُكَ عَنِ الْمَرْقَاةِ سَقَطَتْ ، وَالرَّأْيُ مِثْلُ الْمَرْجِ "(9)
روى مسلم أيضا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ. ْ".(10)
وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: " لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ".(11)
وعَنِ ابْنِ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : "أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ. مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ يُقَالُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ".(12)
وعن عبد الله بن المبارك قالَ: " بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ. يَعْنِى الإِسْنَادَ".(13)
- وقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يَقُولُ : " الْإِسْنَادُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلَاحٌ ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُقَاتِلُ "(14)
- وقال الْقَاسِمَ بْنَ بُنْدَارٍ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : " لَمْ يَكُنْ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أُمَنَاءُ يَحْفَظُونَ آثَارَ الرُّسُلِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ " فَقَالَ : لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا حَاتِمٍ رُبَّمَا رَوَوْا حَدِيثًا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يَصِحُّ ؟ فَقَالَ : " عُلَمَاؤُهُمْ يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ ، فَرِوَايَتُهُمْ ذَلِكَ لِلْمَعْرِفَةِ لِيَتَبَيَّنَ لِمَنْ بَعْدِهِمْ أَنَّهُمْ مَيَّزُوا الْآثَارَ وَحَفَظُوهَا ، ثُمَّ قَالَ : " رَحِمَ اللَّهُ أَبَا زُرْعَةَ ، كَانَ وَاللَّهِ مُجْتَهِدًا فِي حِفْظِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "(15)
وقال صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ : " بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ ، خَصَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ، لَمْ يُعْطِهَا مَنْ قَبْلَهَا الْإِسْنَادِ وَالْأَنْسَابِ وَالْإِعْرَابِ " ".(16)
وعن شعبة بن الحجاج، قال: كل حديث ليس فيه حدثنا، أو أخبرنا، فهو مثل الرجل بفلاة، معه البعير ليس لها خطام.(17)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر:مقدمة كتاب علم الرجال وأهميته للمعلمي .
(2) - انظر: الكفاية(ص34) مع تصرف وزيادات.
(3) - الفصل في الملل والنحل لابن حزم.(2: 69-70 ) وانظر: تدريب الراوي( 2: 143).
(4) - الفصل في الملل والنحل لابن حزم.(2: 69-70 ) وانظر: تدريب الراوي( 2: 143).
(5) - مسلم برقم(32)
(6) - معرفة علوم الحديث ( 8 )
(7) - الكفاية في علوم الرواية ( 72 )
(8) - الكفاية في علوم الرواية ( 73 )
(9) - نفسه (74)
(10) - برقم(26)
(11) - صحيح مسلم(27 )
(12) - صحيح مسلم(30 )
(13) - صحيح مسلم (33 )
(14) - الكفاية في علوم الرواية ( 75 )
(15) - الكفاية في علوم الرواية ( 76 )
(16) - شرف أصحاب الحديث (ص: 40)رقم(69)
(17) - انظر: مقدمة المجروحين(1: 27)،(1/275)
ثالثا- الجرح والتعديل من الدين
قال الترمذي: فصل في الجرح والتعديل، والتفتيش عن الأسانيد، وأن ذلك من الدين.
ثم قال: ((وقد عاب بعض من لا يفهم على أصحاب الحديث الكلام في الرجال، وقد وجدنا غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجال)).(1)
قال: ((ومنهم: الحسن البصري وطاووس قد تكلما في معبد الجهني(2)، وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب(3)، وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور)).
ثم ذكر الترمذي عن أيوب، وعبد الله بن عون، وسليمان التيمي، وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من أهل العلم أنهم تكلموا في الرجال، وضعفوا.(4)
قال الترمذي: فما حملهم على ذلك عندنا، والله أعلم إلا النصيحة للمسلمين(5)، لا أظن أنهم أرادوا الطعن على الناس أو الغيبة.(6)
قال ابن رجب في شرحه على كلام الترمذي هذا: ((مقصود الترمذي - رحمه الله - أن يبين أن الكلام في الجرح والتعديل جائز، قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله))(7)
وقَالَ مُحَمَّدٌ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالْقَانِيَّ قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ : الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ " إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيْكَ مَعَ صَلَاتِكَ ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ " . قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، عَمَّنْ هَذَا ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ فَقَالَ : ثِقَةٌ ، عَمَّنْ قَالَ ؟ قُلْتُ : عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : ثِقَةٌ ، عَمَّنْ قَالَ ؟ " قُلْتُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ.(8)
وفي الموطأ (1761 ) وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَ ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أَثَرِهِ ، فَقَالَ : مَا لَكَ لَمْ تَدْخُلْ ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ ، وَإِلَّا فَارْجِعْ " فَقَالَ عُمَرُ : وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا ، فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى حَتَّى جَاءَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسُ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ إِنِّي أَخْبَرْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ ، وَإِلَّا فَارْجِعْ " ، فَقَالَ : لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي ، فَقَالُوا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : قُمْ مَعَهُ ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ ، فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى : أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ ، وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وعَنْ طَاوُسٍ ، قَالَ : جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ - فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا ، فَعَادَ لَهُ ، ثُمَّ حَدَّثَهُ ، فَقَالَ لَهُ : عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا ، فَعَادَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ ، وَأَنْكَرْتَ هَذَا ؟ أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ ، وَعَرَفْتَ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : " إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ ، تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ".(9)
فهذا الاهتمام البالغ من هؤلاء الصحابة، لم يكن ذلك منهم طعناً في الصحابيين الكريمين، المغيرة بن شعبة، وأبي موسى الأشعري، ولم يكن موقف ابن عباس من بشير بن كعب طعناً فيه واتهاماً له، وإنما كان الغرض تعليم الناس الاحتياط لحديث رسول الله صلى الله عليه، وسلم؛ لذلك جاءت رواية أخرى صحيحة عن عمر بن الخطاب لأبي موسى: أما إني لم أتهمك.
ثم جاء عصر أتباع التابعين، فمن بعدهم فكثر الضعفاء والمغفلون، والكذابون، والزنادقة، فكثر اهتمامهم وأشد، في تتبع الكذابين والضعفاء، وذلك بحسب الحاجة.
فلما رأى أهل العلم ذلك نهضوا لتبيين أحوال الرجال، والذب عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما من مصر من الأمصار إلا وفيه جماعة يمتحنون الرواة، ويعرفون أحوالهم، ويقارنون مروياتهم ويتحققون من سماعاتهم.(9)
قال الخطيب(10): " قَالَ مَحْمُدُ بْنُ غَيْلَانَ: " سَمِعْتُ الْمُؤَمَّلَ , ذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ أُبَيٍّ , عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَضْلِ الْقُرْآنِ , قَالَ : لَقَدْ حَدَّثَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ , سَمَّاهُ , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ سَمَّاهُ , قَالَ : أَتَيْتُ الْمَدَائِنَ فَلَقِيتُ الرَّجُلَ الَّذِي يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ , فَقُلْتُ لَهُ : حَدِّثْنِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ الْبَصْرَةَ , فَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ : هُوَ بِوَاسِطٍ فِي أَصْحَابِ الْقَصَبِ , قَالَ : فَأَتَيْتُ وَاسِطًا فَلَقِيتُ الشَّيْخَ فَقُلْتُ : إِنِّي كُنْتُ بِالْمَدَائِنِ فَدَلَّنِي عَلَيْكَ الشَّيْخُ , وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ الْبَصْرَةَ , قَالَ : إِنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ هُوَ بِالْكَلَّاءِ , فَأَتَيْتُ الْبَصْرَةَ فَلَقِيتُ الشَّيْخَ بِالْكَلَّاءِ , فَقُلْتُ لَهُ : حَدِّثْنِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ عَبَّادَانَ , فَقَالَ : إِنَّ الشَّيْخَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ هُوَ بِعَبَّادَانَ , فَأَتَيْتُ عَبَّادَانَ فَلَقِيتُ الشَّيْخَ فَقُلْتُ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ مَا حَالُ هَذَا الْحَدِيثِ ؟ أَتَيْتُ الْمَدَائِنَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَاسِطًا ثُمَّ الْبَصْرَةَ فَدُلِلْتُ عَلَيْكَ , وَمَا ظَنَنْتُ إِلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ قَدْ مَاتُوا , فَأَخْبِرْنِي بِقِصَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ , فَقَالَ : أَنَا اجْتَمَعْنَا هُنَا , فَرَأَيْنَا النَّاسَ قَدْ رَغِبُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَزَهِدُوا فِيهِ , وَأَخَذُوا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ , فَقَعَدْنَا فَوَضَعْنَا لَهُمْ هَذِهِ الْفَضَائِلَ حَتَّى يَرْغَبُوا فِيهِ " وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ قَبُولَ الْمَرَاسِيلِ وَالْعَمَلَ بِهَا , بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِرِوَايَتِهَا وَجْهٌ , وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ , لِأَنَّهُ قَدْ يُرْوَى مِنَ الْأَخْبَارِ , وَيُسْمَعُ مَا قَدْ لَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ , وَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ , وَيُكْتَبُ أَيْضًا مَا الْعَمَلُ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى خِلَافِهِ , لِلْمَعْرِفَةِ بِهِ , وَقَدْ يُرْوَى عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ الَّذِينَ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِأَحَادِيثِهِمْ , فَالتَّعَلُّقُ بِمَا ذَكَرَ الْمُخَالِفُ لَا وَجْهَ لَهُ " .
وقد استعملوا عدة طرق للتحقق من حفظ الراوي وصدقه، وأهليته، ومن ذلك:
? النظر في حال الراوي في المحافظة على الطاعة، واجتناب المعاصي، وسؤال أهل العلم به.
?قَالَ شَاذَانُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ , يَقُولُ : " كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ عَنِ الرَّجُلِ سَأَلْنَا عَنْهُ , حَتَّى يُقَالَ لَنَا : أَتُرِيدُونَ أَنْ تُزَوِّجُوهُ "(11)
?وعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ , قَالَ : " كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ يَلِيقُ بِهِ الْقَضَاءُ , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا فَالْحَدِيثُ ؟ فَقَالَ :
لِلْحَرْبِ أَقْوَامٌ لَهَا خُلِقُوا وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ
" قُلْتُ : مَا يُعْرَفُ بِهِ صِفَةُ الْمُحَدِّثِ الْعَدْلِ الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُ خَبَرِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ؛ فَضَرْبٌ مِنْهُ يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ , وَهُوَ الصِّحَّةُ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ , وَأَمَانَتِهِ , وَرَدِّ الْوَدَائِعِ , وَإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ , وَتَجَنُّبِ الْمَآثِمِ , فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي عِلْمِهِ , وَالضَّرْبُ الْآخَرُ : هُوَ الْعِلْمُ بِمَا يَجِبُ كَوْنُهُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّبْطِ وَالتَّيَقُّظِ , وَالْمَعْرِفَةِ بِأَدَاءِ الْحَدِيثِ وَشَرَائِطِهِ , وَالتَّحَرُّزِ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ , وَوُجُوهِ التَّحَرُّزِ فِي الرِّوَايَةِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ , فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ , بَلِ التَّعْوِيلُ فِيهِ عَلَى مَذَاهِبِ النُّقَّادِ لِلرِّجَالِ , فَمَنْ عَدَّلُوهُ وَذَكَرُوا أَنَّهُ يُعْتَمَدُ عَلَى مَا يَرْوِيهِ جَازَ حَدِيثُهُ , وَمَنْ قَالُوا فِيهِ خِلَافَ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْهُ."(12)
? عرض حديث الراوي الذي حدث به عن شيخه على حديث الثقات الآخرين عن ذلك الشيخ.
وبناء على ذلك يصدر أحكاما حول هذا الراوي، فيقول مثلا: ينفرد عن الثقات، في حديثه نكارة، يخطئ ويخالف، ونحو ذلك، وقد يقول: أثبت الناس في فلان، أو أكثر الناس عنه.
? اختبار حديث الراوي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ ، قَالَ : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَرَادَ حَدِيثَهُ ، فَقَالَ : ارْوِ كَمَا رَوَيْنَا ، فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ تَغَفَّلَهُ ، فَأَقْعَدَ لَهُ كَاتِبًا فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ وَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ حَتَّى اسْتَفْرَغَ حَدِيثَهُ أَجْمَعَ ، فَقَالَ مَرْوَانُ : تَعْلَمُ أَنَّا قَدْ كَتَبْنَا حَدِيثَكَ أَجْمَعَ ؟ قَالَ : " أَوَ قَدْ فَعَلْتُمْ ، وَإِنْ تُطِيعْنِي تَمْحُهُ ؟ " قَالَ : فَمَحَاهُ .(13)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ " فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى انْطَلَقَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَ لَهَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ " ؟ فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُرْسٌ ، وَلَا صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ ، إِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيهَا أَوْ أَكْلَةً يُطْعِمُنِيهَا . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ "(14)
وقد تصدَّى لهذا العلم جمع من أهل الحديث، وبرزوا في ذلك حتى كأنهم خلقوا له، منهم:
شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، ويحيى ابن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وغيرهم، رحمهم الله.
وقد تناول المحدثون هذا النوع من العلوم بالبيان والشرح والتأليف، واختلفت مقاصدهم في ذلك:
فألف البعض في الثقات(15)، وألف بعضهم في الضعاف(16)، وألف بعضهم في الثقات والضعفاء معا(17)
كما أن بعضهم اهتم بطبقات الرواة، وأنسابهم، وأوطانهم، ووفياتهم،(18)واهتم البعض بنوع خاص من الثقات(19)، واهتم البعض بنوع خاص من الضعفاء,(20)والله أعلم.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح علل الترمذي( 1: 43) وشرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 121)الشاملة 2
(2) - معبد الجهني: تابعي، وكان رأس القدرية ،وهو أول من أثار هذه المسألة في البصرة ، كما نبه على ذلك غير واحد من السلف.
(3) - هو: العنزي البصري، صدوق عابد، بمي بالإرجاء. انظر: التقريب(ص: 225).
(4) - شرح علل الترمذي( 1: 43).
(5) - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».صحيح مسلم(205 )
(6) - شرح العلل ( 1: 44).
(7) - نفسه
(8) - صحيح مسلم (28 )
(9) - صحيح مسلم (19 )الذلول : السهل
(10) - وفي الكفاية (1241 )
(11) - الكفاية(ص: 93)(243)
(12) - الكفاية (244 )
(13) - المستدرك للحاكم (6167) و(6220 )جامع الحديث والخبر قوي الإسناد
(14) - رواه الحاكم في المستدرك(6167) وصححه، ووافقه الذهبي.
(15) - مثل: ابن حبان، فقد ألف كتاباً خاصا بالثقات عنده. وهو مطبوع في تسع مجلدات.
(16) - مثل: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم البستي، وهو مطبوع في تسع مجلدات.
(17) - مثل: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم البستي، وهو مطبوع في تسع مجلدات.
(18) - مثل: الطبقات لابن سعد الكاتب، والطبقات لخليفة بن خياط العصفري، وكتاب ابن سعد يقع في تسع مجلدات، وكتاب خليفة يقع في مجلد واحد.
(19) - مثل: تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم للحاكم، وهو مطبوع في مجلد واحد.
(20) - مثل: الإلزامات والتتبع للدارقطني؛ حيث تكلم فيه عن رجال الصحيحين، ومثل كلام أهل العلم عن الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم،أو الثقات الذين ضعفوا في بلد دون آخر، وأكثر من أبرز هذا الموضوع هو ابن رجب في شرح علل الترمذي. وقد جمع أحد طلاب العلم في رسالة ماجستير الرواة الذين وثقوا في بعض شيوخهم، وهو الأخ: صالح بن حامد الرفاعي: مطبوعات الجامعة الإسلامية يقع في مجلد .(1/276)
رابعا- مشروعية الجرح، والتعديل:
الكلام في الرجال من أجل الاحتياط للدين مشروع بالكتاب والسنة. قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6))) [الحجرات:6](1)،وقال تعالى: ((وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) [البقرة:282].
وقال تعالى: ((وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)) [الطلاق:2] وقال تعالى: ((يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)) [المائدة:95].
ففي الآية الأولى يأمر الله تعالى بالتثبت في الأخبار، وفي الآيات الأخرى يطلب الله تعالى العدل والرضى في الشهود.
ومعلوم أن الأمر بالتثبت في الأخبار في الآية الأولى عام، فالأخبار التي تنقل عن الله ورسوله تدخل فيها دخولاً أولياً.
وطلب الرضى والعدل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذي هو دين للأمة وتشريع لها، وهو المصدر الثاني في التشريع، أولى من أن يطلب في الشهادة.
وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أول من جرح وعدل،روى الخطيب البغدادي(2)عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ , سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ , يَقُولُ : حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَجُلًا , اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " ائْذَنُوا لَهُ , فَبِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرِ , أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ " فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ , قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ قَالَ : " يَا عَائِشَةُ , إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ " فَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلرَّجُلِ " بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِخْبَارَ الْمُخْبِرِ بِمَا يَكُونُ فِي الرَّجُلِ مِنَ الْعَيْبِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْعِلْمُ وَالدِّينُ مِنَ النَّصِيحَةِ لِلسَّائِلِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ , إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ غِيبَةً لَمَا أَطْلَقَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - , وَإِنَّمَا أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا ذَكَرَ فِيهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ , أَنَّ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ الْحَالَةَ الْمَذْمُومَةَ مِنْهُ وَهِيَ الْفُحْشُ فَيَجْتَنِبُوهَا , لَا أَنَّهُ أَرَادَ الطَّعْنَ عَلَيْهِ وَالثَّلْبَ لَهُ , وَكَذَلِكَ أَئِمَّتُنَا فِي الْعِلْمِ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ , إِنَّمَا أَطْلَقُوا الْجَرْحَ فِيمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لِئَلَّا يَتَغَطَّى أَمْرُهُ عَلَى مَنْ لَا يَخْبُرُهُ , فَيَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ فَيَحْتَجُّ بِخَبَرِهِ , وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا يَكُونُ غِيبَةً وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّذِي 73 أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْبيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ , عَنْ مَالِكٍ , ح , وَأَخْبَرَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْقَاضِي , حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ , ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ , أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ , طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَتَسَخَّطَتْهُ , فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ , فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ : " لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ " وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ , ثُمَّ قَالَ : " تلك امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ , فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي " قَالَتْ : فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ , وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ , انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " قَالَتْ : فَكَرِهْتُهُ , ثُمَّ قَالَ : " انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " فَنَكَحْتُهُ , فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ " فِي هَذَا الْخَبَرِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِجَازَةَ الْجَرْحِ لِلضُّعَفَاءِ مِنْ جِهَةِ النَّصِيحَةِ لِتُجْتَنَبَ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ , وَلِيُعْدَلَ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِأَخْبَارِهِمْ , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ذَكَرَ فِي أَبِي جَهْمٍ " أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَخْبَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ , عِنْدَ مَشُورَةٍ اسْتُشِيرَ فِيهَا , لَا تَتَعَدَّى الْمُسْتَشِيرَ : كَانَ ذِكْرُ الْعُيُوبِ الْكَامِنَةِ فِي بَعْضِ نَقَلَةِ السُّنَنِ الَّتِي يُؤَدِّي السُّكُوتُ عَنْ إِظْهَارِهَا عَنْهُمْ وَكَشْفِهَا عَلَيْهِمْ إِلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ , وَإِلَى الْفَسَادِ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ , أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَأَحَقَّ بِالْإِظْهَارِ , وَأَمَّا الْغِيبَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَزَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهَا بِقَوْلِهِ : " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ , لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ " - فَهِيَ ذِكْرُ الرَّجُلِ عُيُوبَ أَخِيهِ يَقْصِدُ بِهَا الْوَضْعَ مِنْهُ وَالتَّنْقِيصَ لَهُ وَالْإِزْرَاءَ بِهِ فِيمَا لَا يَعُودُ إِلَى حُكْمِ النَّصِيحَةِ , وَإِيجَابِ الدِّيَانَةِ مِنَ التَّحْذِيرِ عَنِ ائْتِمَانِ الْخَائِنِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَاسْتِمَاعِ شَهَادَةِ الْكَاذِبِ , وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ قَائِلِهَا ففِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ , يَأْثَمُ قَائِلُهَا وَفِي حَالَةٍ أُخْرَى لَا يَأْثَمُ , مِثَالُ ذَلِكَ مَا 74 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ , ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ , عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّهَا ذَكَرْتِ امْرَأَةً فَقَالَتْ : إِنَّهَا قَصِيرَةٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اغْتَبْتِيهَا "
75 وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ النَّحْوِيُّ , ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا أَبُو الْيَمَانِ , أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ , قَالَ : وَثَنا حَجَّاجٌ , عَنْ جَدِّهِ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ أَخِي أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رُهْمٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ , يَقُولُ : غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ تَبُوكَ , وَسَاقَ الْحَدِيثَ , إِلَى أَنْ قَالَ : فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُنِي عَمَّنْ تَخَلَّفَ مِنْ بَنِي غِفَارٍ , فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ إِذْ هُوَ يَسْأَلُنِي : " مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْبِيضُ " ـ وَقَالَ حَجَّاجٌ : الْحُمْرُ ـ الطِّوَالُ الثِّطَاطُ ؟ " فَحَدَّثْتُهُ بِتَخَلُّفِهِمْ ، قَالَ : " مَا فَعَلَ السُّودُ الْجُعْدُ الْقِطَاطُ ـ وَقَالَ حَجَّاجٌ : ـ الْقِصَارُ الَّذِينَ لَهُمْ نَعَمٌ بِشَبَكَةِ شَرَحَ " وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فَالْكَلِمَتَانِ فِي الْقِصَرِ لَفْظُهُمَا وَاحِدٌ , وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ , لِأَنَّ عَائِشَةَ قَصَدَتِ الْعَيْبَ وَالذَّمَّ , وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَصَدَ التَّعْرِيفَ وَالْوَصْفَ
76 أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ , عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ , عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا , فَبَرَّأَهَا اللَّهُ , وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا , وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا , وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي , وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا , وَذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى سَفَرٍ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ , فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ , وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَالَ فِيهِ : وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ , قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ , وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هُمْ أَهْلُكَ , وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا , وَأَمَّا عَلِيُّ فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ , وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تُعَرِّفْكَ , قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ فَقَالَ : " أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ أَمْرِ عَائِشَةَ ؟ " فَقَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ , إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا , أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ , تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا , فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ "
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَفِي اسْتِشَارَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا وَأُسَامَةَ وَسُؤَالِهِ بَرِيرَةَ عَمَّا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِأَهْلِهِ ـ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُمْ إِلَّا وَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ إِخْبَارُهُ بِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ , فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ نَاقِلِ خَبَرٍ أَوْ حَامِلِ أَثَرٍ , مِمَّنْ لَا يَبْلُغُ مَحِلُّهُ فِي الدِّينِ مُحِلَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَلَا مَنْزِلَتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزِلَتَهَا مِنْهُ بِخَصْلَةٍ تَكُونُ مِنْهُ يُضَعَّفُ خَبَرُهُ عِنْدَ إِظْهَارِهَا عَلَيْهِ , أَوْ بِجَرْحَةٍ تَثْبُتُ فِيهِ يَسْقُطُ حَدِيثُهُ عِنْدَ ذِكْرِهَا عَنْهُ , أَنْ يُبْدِيَهَا لِمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ , لِيَكُونَ بِتَحْذِيرِ النَّاسِ إِيَّاهُ مِنَ النَّاصِرِينَ لِدِينِ اللَّهِ , الذَّابِّينَ لِلْكَذِبِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَيَالَهَا مَنْزِلَةً مَا أَعْظَمَهَا , أَوْ مَرْتَبَةً مَا أَشْرَفَهَا , وَإِنْ جَهِلَهَا جَاهِلٌ وَأَنْكَرَهَا مُنْكِرٌ "
قال ابن رجب: وكذلك يجوز ذكر العيب إذا كان فيه مصلحة خاصة كمن يستشير في نكاح أو معاملة.(3)
ووجه الدلالة من الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصح لفاطمة، فأعلمها بعيب أبي جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه(4)، وعيب معاوية أنه صعلوك لا مال له، وذلك لما فيه من المصلحة الخاصة، فمصلحة الدين أولى.
وقد فهم أهل العلم من النصوص المتقدمة، أنه لا حرج عليهم أن يتكلموا في شخص جارحين، أو ناهين عن الرواية عنه، لما رأوا فيه من عدم الأهلية، وحث الناس على الرواية عن فلان؛ لما رأوا من الأهلية عنده ما يوجب قبولهم لروايته.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الرَّبِيعِ , قَالَ : قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : الْمُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ هُوَ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا جَاءَ الْحَدِيثُ يَكْذِبُ , قَالَ : فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَغْتَابُ قَالَ : اسْكُتْ , إِذَا لَمْ نُبَيِّنْ كَيْفَ يُعْرَفُ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ "(5)
عَنْ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ , ثنا عَفَّانُ , قَالَ : كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ جُلُوسًا ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ , فَقُلْتُ : إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبَتٍ , فَقَالَ الرَّجُلُ : اغْتَبْتَهُ , قَالَ إِسْمَاعِيلُ : " مَا اغْتَابَهُ وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبَتٍ "(6)
وقال مسلم في مقدمة صحيحه :
__________
(1) - وفي هَذِهِ الآيةِ يَأمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ بأنْ لاَ يَتَعجَّلُوا في حَسْمِ الأمُورِ وَتَصْدِيقِ الأخْبَارِ التي يَأتِيهِمْ بها أناسٌ فَسَقَةٌ ، غَيْرُ مأمُونينَ في خُلُقِهِمْ وَدِينِهِمْ وَرِوَايَتِهِمْ ، لأنَّ مَنْ لا يُبَالي بالفِسْقِ فَهُوَ أجْدَرُ بأنْ لا يُبَالي بالكَذِبِ ، ولا يَتَحَامَاهُ ، وَقَدْ يُؤدِّي التَّعْجِيلُ في تَصْدِيقِ الأنباءِ التِي يَنْقُلُها الفُسَّاقُ إلى إصَابةِ أناسٍ أبْرياءَ بأذًى ، والمُؤْمِنُونَ يَجْهَلُونَ حَالَهم ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الإِيذاءُ سَبَباً لِنَدامَتِهِمْ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ
(2) - الكفاية ( 72 ) و الحديث أخرجه البخاري (4: 70) في كتاب الأدب باب المداراة مع الناس. والإمام مسلم (4: 2002) كتاب البر والصلة، باب مداراة من يتقى فحشه.
(3) - شرح علل الترمذي (1: 43).
(4) - قيل: معنى ذلك أنه كثير السفر، وقيل: يضرب النساء، والأول أقرب.
(5) - الكفاية (92)
(6) - الكفاية (82 )(1/277)
" بَابُ الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهُ بْنَ الْمُبَارَكِ ، يَقُولُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ : " دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبَّ السَّلَفَ " وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ ، صَاحِبُ بُهَيَّةَ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ ، عَظِيمٌ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ ، فَلَا يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ ، وَلَا فَرَجٌ - أَوْ عِلْمٌ ، وَلَا مَخْرَجٌ - فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ : وَعَمَّ ذَاكَ ؟ ، قَالَ : لِأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَيْ هُدًى . ابْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، قَالَ : يَقُولُ لَهُ الْقَاسِمُ : أَقْبَحُ مِنْ ذَاكَ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، أَوْ آخُذَ عَنْ غَيْرُ ثِقَةٍ ، قَالَ : فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ وحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، يَقُولُ : أَخْبَرُونِي عَنْ أَبِي عَقِيلٍ صَاحِبِ بُهَيَّةَ ، أَنَّ أَبْنَاءً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ ، وَأَنْتَ ابْنُ إِمَامَيِ الْهُدَى - يَعْنِي عُمَرَ ، وَابْنَ عُمَرَ - تُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلْمٌ ، فَقَالَ : " أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ ، وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ ، أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، أَوْ أُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ " قَالَ : وَشَهِدَهُمَا أَبُو عَقِيلٍ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ حِينَ قَالَا ذَلِكَ . وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، وَشُعْبَةَ ، وَمَالِكًا ، وَابْنَ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ ، فَيَأْتِينِي الرَّجُلُ ، فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ ، قَالُوا : " أَخْبِرْ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ " وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّضْرَ ، يَقُولُ : سُئِلَ ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ حَدِيثٍ لِشَهْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ ، فَقَالَ : " إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ ، إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ " . قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : " يَقُولُ : أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ تَكَلَّمُوا فِيهِ " وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، قَالَ : قَالَ شُعْبَةُ : " وَقَدْ لَقِيتُ شَهْرًا فَلَمْ أَعْتَدَّ بِهِ " وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ : " إِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالَهُ ، وَإِذَا حَدَّثَ جَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، فَتَرَى أَنْ أَقُولَ لِلنَّاسِ : لَا تَأْخُذُوا عَنْهُ ؟ " قَالَ سُفْيَانُ : " بَلَى " ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَكُنْتُ إِذَا كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ ذُكِرَ فِيهِ عَبَّادٌ ، أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ ، وَأَقُولُ : " لَا تَأْخُذُوا عَنْهُ " وَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، قَالَ : قَالَ أَبِي ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : انْتَهَيْتُ إِلَى شُعْبَةَ ، فَقَالَ : هَذَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ، فَاحْذَرُوهُ وحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ مُعَلًّى الرَّازِيَّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَبَّادٌ ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : " كُنْتُ عَلَى بَابِهِ ، وَسُفْيَانُ عِنْدَهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَذَّابٌ " وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَفَّانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : " لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ " قَالَ ابْنُ أَبِي عَتَّابٍ : فَلَقِيتُ أَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : عَنْ أَبِيهِ ، " لَمْ تَرَ أَهْلَ الْخَيْرِ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ " . قَالَ مُسْلِمٌ : " يَقُولُ : يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى لِسَانِهِمْ ، وَلَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ " حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي خَلِيفَةُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : " دَخَلْتُ عَلَى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيَّ ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ ، فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ ، فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ ، فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانُ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَأَبَانُ عَنْ فُلَانٍ ، فَتَرَكْتُهُ ، وَقُمْتُ " قَالَ : وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ ، حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ ، حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ هِشَامٌ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَفَّانَ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ هِشَامٌ ، سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ، فَقَالَ : " إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، كَانَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي يَحْيَى ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ " حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ ، يَقُولُ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ ؟ قَالَ : " سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَجَّاجِ انْظُرْ مَا وَضَعْتَ فِي يَدِكَ مِنْهُ " قَالَ ابْنُ قُهْزَاذَ : وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ ، يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ : " رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ صَاحِبَ الدَّمِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ، وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ مَجْلِسًا ، فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيِي مِنْ أَصْحَابِي أَنْ يَرَوْنِي جَالِسًا مَعَهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ " حَدَّثَنِي ابْنُ قُهْزَاذَ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَهْبًا ، يَقُولُ : عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : بَقِيَّةُ صَدُوقُ اللِّسَانِ ، وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ " حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ ، وَكَانَ كَذَّابًا .(1/278)
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ مُفَضَّلٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : قَالَ عَلْقَمَةُ : " قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ " فَقَالَ الْحَارِثُ : " الْقُرْآنُ هَيِّنٌ الْوَحْيُ أَشَدُّ " وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، أَنَّ الْحَارِثَ ، قَالَ : " تَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَالْوَحْيَ فِي سَنَتَيْنِ " أَوْ قَالَ " الْوَحْيَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، والْقُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ " وحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، وَالْمُغِيرَةِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، " أَنَّ الْحَارِثَ اتُّهِمَ " وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ ، قَالَ : سَمِعَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ ، مِنَ الْحَارِثِ شَيْئًا ، فَقَالَ لَهُ : " اقْعُدْ بِالْبَابِ " ، قَالَ : فَدَخَلَ مُرَّةُ ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ ، قَالَ : وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ ، فَذَهَبَ وحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ ، قَالَ : قَالَ لَنَا إِبْرَاهِيمُ : " إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ ، فَإِنَّهُمَا كَذَّابَانِ " حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ، قَالَ : كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ ، فَكَانَ يَقُولُ لَنَا : " لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الْأَحْوَصِ ، وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا " ، قَالَ : " وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ ، وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ " حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَرِيرًا ، يَقُولُ : " لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ ، كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ " حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، قَالَ : " حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ ، قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مَا أَحْدَثَ " وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : " كَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَظْهَرَ ، فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ " ، فَقِيلَ لَهُ : وَمَا أَظْهَرَ ؟ قَالَ : " الْإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ " وحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ، وَأَخُوهُ ، أَنَّهُمَا سَمِعَا الْجَرَّاحَ بْنَ مَلِيحٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ : " عِنْدِي سَبْعُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهَا " وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : سَمِعْتُ زُهَيْرًا ، يَقُولُ : قَالَ جَابِرٌ - أَوْ سَمِعْتُ جَابِرًا - يَقُولُ : " إِنَّ عِنْدِي لَخَمْسِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِشَيْءٍ " ، قَالَ : ثُمَّ حَدَّثَ يَوْمًا بِحَدِيثٍ ، فَقَالَ : " هَذَا مِنَ الْخَمْسِينَ أَلْفًا " وحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ ، يَقُولُ : " عِنْدِي خَمْسُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ جَابِرًا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ، فَقَالَ جَابِرٌ : " لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ " ، قَالَ سُفْيَانُ : وَكَذَبَ ، فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ : وَمَا أَرَادَ بِهَذَا ؟ فَقَالَ : إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ : إِنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ ، فَلَا نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يُرِيدُ عَلِيًّا أَنَّهُ يُنَادِي اخْرُجُوا مَعَ فُلَانٍ ، يَقُولُ جَابِرٌ : " فَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَذَبَ ، كَانَتْ فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ - صلى الله عليه وسلم - " وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : " سَمِعْتُ جَابِرًا ، يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ ، مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا " قَالَ مُسْلِمٌ : وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِيَّ ، قَالَ : سَأَلْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، فَقُلْتُ : الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لَقِيتَهُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، شَيْخٌ طَوِيلُ السُّكُوتِ ، يُصِرُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ " حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : ذَكَرَ أَيُّوبُ رَجُلًا يَوْمًا ، فَقَالَ : " لَمْ يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللِّسَانِ " ، وَذَكَرَ آخَرَ ، فَقَالَ : " هُوَ يَزِيدُ فِي الرَّقْمِ " حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ أَيُّوبُ : " إِنَّ لِي جَارًا ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَلَى تَمْرَتَيْنِ مَا رَأَيْتُ شَهَادَتَهُ جَائِزَةً " وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : قَالَ مَعْمَرٌ : مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : " كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ ، لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ " حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى ، فَجَعَلَ يَقُولُ : حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ ، قَالَ : وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ ، فَقَالَ : " كَذَبَ ، مَا سَمِعَ مِنْهُمْ ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ " وحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ ، قَالَ : دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ ، فَلَمَّا قَامَ ، قَالُوا : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا ، فَقَالَ قَتَادَةُ : " هَذَا كَانَ سَائِلًا قَبْلَ الْجَارِفِ ، لَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ ، فَوَاللَّهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً ، وَلَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً ، إِلَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ " حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ رَقَبَةَ ، " أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَدَنِيَّ ، كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ كَلَامَ حَقٍّ ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَانَ يَرْوِيهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ : وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : " كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ " حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ ، يَقُولُ : قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ : إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا " ، قَالَ : " كَذَبَ وَاللَّهِ عَمْرٌو ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ " وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ قَدْ لَزِمَ أَيُّوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ ، فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ قَدْ لَزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيدٍ ، قَالَ حَمَّادٌ : فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ ، وَقَدْ بَكَّرْنَا إِلَى السُّوقِ ، فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ ، وَسَأَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيُّوبُ : " بَلَغَنِي أَنَّكَ لَزِمْتَ ذَاكَ الرَّجُلَ " ، قَالَ حَمَّادٌ : سَمَّاهُ يَعْنِي عَمْرًا ، قَالَ : نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غَرَائِبَ ، قَالَ : يَقُولُ لَهُ أَيُّوبُ : " إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ " وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ يَعْنِي حَمَّادًا ، قَالَ : قِيلَ لِأَيُّوبَ : إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : لَا يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ ، فَقَالَ : كَذَبَ ، أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : " يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ " وحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ ، يَقُولُ : بَلَغَ أَيُّوبَ أَنِّي آتِي عَمْرًا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَوْمًا ، فَقَالَ : " أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِهِ ، كَيْفَ تَأْمَنُهُ عَلَى الْحَدِيثِ ؟ " وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى ، يَقُولُ : " حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ " حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى شُعْبَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ قَاضِي وَاسِطَ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : " لَا تَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئًا وَمَزِّقْ كِتَابِي " وحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ ، قَالَ : حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بِحَدِيثٍ عَنْ ثَابِتٍ ، فَقَالَ : " كَذَبَ " وَحَدَّثْتُ هَمَّامًا ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ ، بِحَدِيثٍ ، فَقَالَ : " كَذَبَ " وحَدَّثَنِا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ : قَالَ لِي شُعْبَةُ : ائْتِ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ ، فَقُلْ لَهُ : " لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَإِنَّهُ يَكْذِبُ " ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ : قُلْتُ لِشُعْبَةَ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ : " حَدَّثَنَا عَنِ الْحَكَمِ بِأَشْيَاءَ لَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلًا " ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ لِلْحَكَمِ : أَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ؟ فَقَالَ : لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ : عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَيْهِمْ وَدَفَنَهُمْ ، قُلْتُ لِلْحَكَمِ : مَا تَقُولُ فِي أَوْلَادِ الزِّنَا ، قَالَ : يُصَلَّى عَلَيْهِمْ ، قُلْتُ : مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى ؟ قَالَ : يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ ، عَنْ عَلِيٍّ وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ ، وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ ، فَقَالَ : " حَلَفْتُ أَلَّا أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا ، وَلَا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ " وَقَالَ : " لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ ، وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ " قَالَ الْحُلْوَانِيُّ : سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ ، " وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ " وحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ : قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ ، فَمَا لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَطَّارَةِ الَّذِي رَوَى لَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ؟ قَالَ لِيَ : " اسْكُتْ ، فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ ، فَسَأَلْنَاهُ ، فَقُلْنَا لَهُ : هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ ؟ فَقَالَ : أَرَأَيْتُمَا رَجُلًا يُذْنِبُ فَيَتُوبُ ، أَلَيْسَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسٍ مِنْ ذَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا ، إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا " ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ : " فَبَلَغَنَا بَعْدُ أَنَّهُ يَرْوِي ، فَأَتَيْنَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ : أَتُوبُ ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ فَتَرَكْنَاهُ " حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ شَبَابَةَ ، قَالَ : " كَانَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ يُحَدِّثُنَا ، فَيَقُولُ : سُوَيْدُ بْنُ عَقَلَةَ " قَالَ شَبَابَةُ : " وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْقُدُّوسِ ، يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُتَّخَذَ الرَّوْحُ عَرْضًا ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : أَيُّ شَيْءٍ هَذَا ؟ قَالَ : يَعْنِي تُتَّخَذُ كُوَّةٌ فِي حَائِطٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ الرَّوْحُ " قَالَ مُسْلِمٌ : وسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ ، يَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ مَا جَلَسَ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ بِأَيَّامٍ : " مَا هَذِهِ الْعَيْنُ الْمَالِحَةُ الَّتِي نَبَعَتْ قِبَلَكُمْ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ ، قَالَ : " مَا بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ حَدِيثٌ إِلَّا أَتَيْتُ بِهِ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ ، فَقَرَأَهُ عَلَيَّ " وحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، قَالَ : " سَمِعْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ مِنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ " ، قَالَ عَلِيٌّ : فَلَقِيتُ حَمْزَةَ ، فَأَخْبَرَنِي " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنَامِ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَ مِنْ أَبَانَ ، فَمَا عَرَفَ مِنْهَا إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ : " اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ ، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِمْ " وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : " نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ يُكَنِّي الْأَسَامِيَ ، وَيُسَمِّي الْكُنَى ، كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ " وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ ، يَقُولُ : مَا رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلِهِ كَذَّابٌ إِلَّا لِعَبْدِ الْقُدُّوسِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ : " كَذَّابٌ " وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ ، وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ ، فَقَالَ : قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : " أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ ؟ " حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ ، فَقُلْتُ : إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبْتٍ ، قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : اغْتَبْتَهُ ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ : " مَا اغْتَابَهُ ، وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ " وحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَالِحٍ ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ ، فَقَالَ : " لَيْسُوا بِثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ نَسِيتُ اسْمَهُ ، فَقَالَ : " هَلْ رَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي ؟ " قُلْتُ : لَا ، قَالَ : " لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي " وحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، " عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَ مُتَّهَمًا " وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ ، يَقُولُ : " لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ لَاخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ، ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ " وحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا وَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ زَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ : " لَا تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي " حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ الْوَابِصِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : " كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَذَّابًا " حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ ، فَقَالَ : " إِنَّ فَرْقَدًا لَيْسَ صَاحِبَ حَدِيثٍ " وحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ، ذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فَضَعَّفَهُ جِدًّا ، فَقِيلَ لِيَحْيَى : أَضْعَفُ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، ثُمَّ قَالَ : " مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ " حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ، ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَعَبْدَ الْأَعْلَى ، وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بْنَ دِينَارٍ قَالَ : " حَدِيثُهُ رِيحٌ " .(1/279)
وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ دِهْقَانَ ، وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ قَالَ : وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى ، يَقُولُ : قَالَ لِي ابْنُ الْمُبَارَكِ : " إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَرِيرٍ فَاكْتُبْ عِلْمَهُ كُلَّهُ إِلَّا حَدِيثَ ثَلَاثَةٍ ، لَا تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ ، وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ " قَالَ مُسْلِمٌ : " وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مُتَّهَمِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ ، وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ ، يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ عَلَى اسْتِقْصَائِهِ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ تَفَهَّمَ وَعَقَلَ مَذْهَبَ الْقَوْمِ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا ، وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ ، وَنَاقِلِي الْأَخْبَارِ ، وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلُوا لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ ، إِذِ الْأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ ، أَوْ تَحْرِيمٍ ، أَوْ أَمْرٍ ، أَوْ نَهْيٍ ، أَوْ تَرْغِيبٍ ، أَوْ تَرْهِيبٍ ، فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ ، غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ ، إِذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الْأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا وَلَعَلَّهَا ، أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ لَا أَصْلَ لَهَا ، مَعَ أَنَّ الْأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى نَقْلِ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَقْنَعٍ ، وَلَا أَحْسِبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضِّعَافِ ، وَالْأَسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ وَيَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنَ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ ، إِلَّا أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَتِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَوَامِّ ، وَلِأَنْ يُقَالَ : مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلَانٌ مِنَ الْحَدِيثِ ، وَأَلَّفَ مِنَ الْعَدَدِ ، وَمَنْ ذَهَبَ فِي الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ ، وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عِلْمٍ "
وقال أبو حاتم بن حبان: فهؤلاء الأئمة المسلمون، وأهل الورع في الدين، أباحوا القدح في المحدثين، وبينوا الضعفاء والمتروكين، وبينوا أن السكوت عنه ليس مما يحل، وأن إبداءه أفضل من الإغضاء عنه، وقدمهم فيه أئمة قبلهم، ذكروا بعضه وحثوا على أخذ العلم من أهله.(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة المجروحين(ص: 21)(1/280)
خامسا- متى تباح الغيبة(1)
الأَْصْل فِي الْغِيبَةِ التَّحْرِيمُ لِلأَْدِلَّةِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أُمُورًا سِتَّةً تُبَاحُ فِيهَا الْغِيبَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ ؛ وَلأَِنَّ الْمُجَوِّزَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ لاَ يُمْكِنُ الْوُصُول إِلَيْهِ إِلاَّ بِهَا وَتِلْكَ الأُْمُورُ هِيَ :
الأَْوَّل : التَّظَلُّمُ . يَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ أَوْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ ، فَيَذْكُرُ أَنَّ فُلاَنًا ظَلَمَنِي وَفَعَل بِي كَذَا وَأَخَذَ لِي كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ .(2)
الثَّانِي : الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَابِ . وَبَيَانُهُ أَنْ يَقُول لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ عَلَى إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ : فُلاَنٌ يَعْمَل كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ إِزَالَةَ الْمُنْكَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا .(3)
الثَّالِثُ : الاِسْتِفْتَاءُ : وَبَيَانُهُ أَنْ يَقُول لِلْمُفْتِي : ظَلَمَنِي أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ فُلاَنٌ بِكَذَا . فَهَل لَهُ ذَلِكَ أَمْ لاَ ؟ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلاَصِ مِنْهُ وَتَحْصِيل حَقِّي وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنِّي ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ ، وَلَكِنَّ الأَْحْوَطَ أَنْ يَقُول : مَا تَقُول فِي رَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا ، أَوْ فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ تَفْعَل كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهُ الْغَرَضُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ جَائِزٌ ،(4)لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا قَالَ « خُذِى أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ »(5). . وَلَمْ يَنْهَهَا رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
الرَّابِعُ : تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ خَمْسَةٍ كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ .
أَوَّلاً : جَرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالإِْجْمَاعِ ، بَل وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ .
ثَانِيًا . الإِْخْبَارُ بِغِيبَةٍ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ فِي مُصَاهَرَةٍ وَنَحْوِهَا .
ثَالِثًا : إِذَا رَأَيْت مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، تَذْكُرُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ نَصِيحَةً لَهُ ، لاَ لِقَصْدِ الإِْيذَاءِ وَالإِْفْسَادِ .
رَابِعًا : إِذَا رَأَيْت مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَأْخُذُ عَنْهُ عِلْمًا . وَخِفْت عَلَيْهِ ضَرَرَهُ ، فَعَلَيْك نَصِيحَتُهُ بِبَيَانِ حَالِهِ قَاصِدًا النَّصِيحَةَ .
خَامِسًا : أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلاَيَةٌ لاَ يَقُومُ لَهَا عَلَى وَجْهِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ لِفِسْقِهِ ، فَيَذْكُرُهُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلاَيَةٌ لِيَسْتَبْدِل بِهِ غَيْرَهُ أَوْ يَعْرِفَ . فَلاَ يَغْتَرَّ بِهِ وَيُلْزِمُهُ الاِسْتِقَامَةَ(6)
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ . فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ ، وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعُيُوبِ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لِجَوَازِهِ سَبَبٌ آخَرُ(7).
السَّادِسُ : التَّعْرِيفُ . . فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ كَالأَْعْمَشِ وَالأَْعْرَجِ وَالأَْزْرَقِ وَالْقَصِيرِ وَالأَْعْمَى وَالأَْقْطَعِ وَنَحْوِهَا جَازَ تَعْرِيفُهُ بِهِ ، وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِهِ تَنَقُّصًا ، وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى .(8)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 31 / ص 335) وشرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 400) وفتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 212)
(2) - الأذكار للنووي 303 ط الكتاب العربي ، والجامع لأحكام القرآن 16 / 339 ط الكتب المصرية ، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض ، ومختصر منهاج القاصدين 173 نشر دار البيان .
(3) - شرح صحيح مسلم للنووي 16 / 142 ط المصرية ، والأذكار للنووي 303 ط الكتاب العربي ، ورفع الريبة للشوكاني ص13 ط السلفية ، والجامع لأحكام القرآن 16 / 339 ط الكتب المصرية ، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض ، ومختصر منهاج القاصدين 173 نشر دار البيان .
(4) - الأذكار للنووي 303 ط الكتب المصرية ، رفع الريبة 13 ط السلفية ، فتح الباري 10 / 472 ط الرياض ، شرح صحيح مسلم 16 / 142 ط المصرية .
(5) - صحيح البخارى(2211 ) ومسلم (4574 )
(6) - رفع الريبة ص13 ، 14 ط السلفية ، والأذكار للنووي 303 ط الكتاب العربي ، وشرح مسلم للنووي 16 / 142 ، 143 ط المصرية .
(7) - الأذكار للنووي 303 ط الكتب المصرية ، وشرح صحيح مسلم للنووي 16 / 143 ط المصرية ، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض ، ورفع الريبة 14 ط السلفية ، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 276 ط الرياض .
(8) - شرح صحيح مسلم للنووي 16 / 143 ط المصرية ، والأذكار للنووي ص304 ط الكتاب العربي ، ورفع الريبة ص 14ط السلفية ، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض .(1/281)
سادسا- نشأةُ علم الجرح والتعديل
نشأ علم الجرح والتعديل مع نشأة الرواية، وبناءاً على الحديث السابق، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هو أول من جرح وعدَّل، وعلى ذلك المنهج سار المحدثون، فطلبوا الإسناد وقوَّموا الرواة، وعدَّلوا في ذلك كل العدل، فأعطوا كل راو ما يستحقه من أوصاف الضبط والعدالة دون محاباة، وضربوا في ذلك أروع الأمثلة في الاحتساب والتجرد.
فقد أثنى بعض الصحابة على بعض التابعين، وورد آثار عنهم في ذم بعضهم أيضاً؛ فقد يكون أبو بكر رضي الله تعالى عنه، هو أول من تثبت في الأخبار، فقد ثبت عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا ؟ فَقَالَ : مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا ، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ ، فَسَأَلَ النَّاسَ ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، " حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهَا السُّدُسَ " ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، فَقَالَ : مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا ، فَقَالَ : " مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ ، وَلَكِنْ هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُمَا ، وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا "(1).
والغرض من هذا الحديث، هو الدلالة على التثبت من قبل أبي بكر رضي الله عنه في الأخبار، ولم يكتفي براو واحد.
وكذلك فعل عمر رضي الله عنه، فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ ، فَقَالَ : اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ ، فَقَالَ : مَا مَنَعَكَ ؟ قُلْتُ : اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ " فَقَالَ : وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ القَوْمِ ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ "(2)
قال ابن حبان:" وتبع عمر على ذلك التثبت علي رضي الله عنه باستحلاف من يحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كانوا ثقات مأمونين ليعلمهم توقي الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال:
وأخرج مسلم في مقدمة صحيحه (19) عَنْ طَاوُسٍ ، قَالَ : جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ - فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا ، فَعَادَ لَهُ ، ثُمَّ حَدَّثَهُ ، فَقَالَ لَهُ : عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا ، فَعَادَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ ، وَأَنْكَرْتَ هَذَا ؟ أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ ، وَعَرَفْتَ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : " إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ ، تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ " .
وعَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ، وَيَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، مَالِي لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي ، أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَا تَسْمَعُ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا ، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ ، وَالذَّلُولَ ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ "(3).
وهذا الذي ذكر من احتياط بعض الصحابة في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتثبتهم من الرواة، لم يكن كثيراً، ولا صريحاً بالاتهام؛ لعدم كثرة دواعيه، ولما سبق من قول عمر لأبي موسى أما إني لم أتهمك.
ثم تكلَّم التابعون في الجرح، وكان كلامهم في ذلك قليلاً أيضاً؛ لقرب العهد بمنبع الوحي، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعامة من تكلم فيه آنذاك إنما كان للمذهب، كالخوارج، أو لسوء الحفظ، أو الجهالة؛ فإنهم لم يكونوا يعرفوا الكذب.
قال علي بن المديني: محمد بن سيرين أول من فتش عن الإسناد، لا نعلم أحدا أول منه.(4)
وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إنما سئل عن الإسناد أيام المختار.(5)
أخرج مسلم بسنده عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : " لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ ، قَالُوا : سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ "(6)
وروى ابن أبي حاتم بسنده إلى خالد بن نزار قال: سمعت مالكا يقول: أول من أسند الحديث ابن شهاب الزهري.(7)
وقال يحيى بن سعيد القطان: الشعبي أول من فتش عن الإسناد.(8)
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني يقول: كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، لا نعلم أحدا أول منه، ثم كان أيوب، وابن عون، ثم كان شعبة، ثم كان ثم كان يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي.
قال يعقوب: قلت لعلي: فمالك بن أنس؟ فقال: أخبرني سفيان بن عيينة قال: ما كان أشد انتقاء مالك للرجال.(9)
قال الذهبي: فأول من زكى وجرح عند انقضاء عصر الصحابة: الشعبي، وابن سيرين، ونحوهما، وحفظ عنهم توثيق أناس وتضعيف آخرين...... فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين ومائة، تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف، كالأعمش، وشعبة بن الحجاج، ومالك بن أنس.(10)
فالنقولات التي سبقت عن أهل العلم في ذكرهم أول من بدأ بالتفتيش أقوال متقاربة، وذكروا علماء متعاصرين، لذلك فإن بداياتهم كانت متقاربة، أو كل واحد في بلده، أو كان البعض أنشط من الآخر، والله أعلم.
ويمكن أن أورد تسلسل نشأة الجرح والتعديل من عهد الصحابة إلى ما شاء الله، وذلك من خلال ما ساقه ابن حبان في مقدمة الجرح والتعديل:
قال ابن حبان في مقدمة المجروحين، وقد ذكر تفتيش الصحابة، قال: "....ثم أخذ مسلكهم واستن بسنتهم، واهتدى بهديهم فيما استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين، منهم : سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعلي بن الحسن بن علي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار.
قال: فجدوا في حفظ السنن والرحلة فيها، والتفتيش عنها، والتفقه فيها، ولزموا الدين ودعوة المسلمين.
قال: أخذ عنهم العلم وتتبع الطرق، وانتقاء الرجال، ورحل في جمع السنن جماعة بعدهم، منهم: الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وسعد بن إبراهيم، في جماعة معهم من أهل المدينة، إلا أن أكثرهم تيقظا، وأوسعهم حفظا، وأدومهم رحلة، وأعلاهم همة الزهري".
قال ابن حبان: ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الحديث، وانتقاد الرجال، وحفظ السنن، والقدح في الضعفاء جماعة من أئمة المسلمين، والفقهاء في الدين منهم: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، في جماعة معهم، إلا أن من أشدهم انتقاء للسنن وأكثرهم مواظبة عليها، حتى جعلوا ذلك صناعة لهم لا يشوبونها بشيء آخر ثلاثة: مالك، والثوري، وشعبة".
قال: ثم أخذ عن هؤلاء بعدهم الرسم في الحديث والتنقير عن الرجال والتفتيش عن الضعفاء والبحث عن أسباب النقل جماعة منهم: عبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدى، ومحمد بن إدريس المطلبى الشافعي في جماعة معهم، إلا أن من أكثرهم تنقيراً عن شأن المحدثين، وأتركهم للضعفاء والمتروكين حتى جعلوا هذا الشأن صناعة لهم لم يتعدوها إلى غيرها مع لزوم الدين والورع الشديد والتفقة في السنن رجلان ! يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى.
قال أبو حاتم: ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الحديث والاختبار، وانتقاء الرجال في الآثار، حتى رحلوا في جمع السنن إلى الأمصار وفتشوا المدن والأقطار وأطلقوا على المتروكين الجرح وعلى الضعفاء القدح، وبينوا كيفية أحوال الثقات والمدلسين والأئمة والمتروكين، حتى صاروا يقتدى بهم في الآثار، وأئمة يسلك مسلكهم في الأخبار جماعة منهم: أحمد بن حنبل رضى الله عنه، ويحيى معين وعلى بن عبد الله المدينى، وأبو بكر بن أبى شيبة وإسحق بن إبراهيم الحنظلي، وعبيد الله بن عمر القواريرى، وزهير بن حرب أبو خيثمة في جماعة من أقرانهم، إلا أن من أورعهم في الدين، وأكثرهم تفتيشاً على المتروكين، وألزمهم لهذه الصناعة على دائم الأوقات، منهم: كان أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلى بن المدينى، رحمة الله عليهم أجمعين.
قال أبو حاتم: ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الانتقاد في الأخبار، وانتقاء الرجال في الآثار جماعة منهم: محمد بن يحيى الذهلى النيسابوري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي، ومحمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، في جماعة من أقرانهم أمعنوا في الحفظ، وأكثروا في الكتابة، وأفرطوا في الرحلة، وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة، حتى أخذ عنهم من نشأ بعدهم من شيوخنا هذا المذهب، وسلكوا هذا المسلك، حتى أن أحدهم لو سئل عن عدد الأحرف في السنن لكل سنة منها عدها عدا، ولو زيد فيها ألف أو واو لأخرجها طوعا، ولأظهرها ديانة، ولولاهم لدرست الآثار واضمحلت الأخبار، وعلا أهل الضلالة والهوى، وارتفع أهل البدع والعلماء، فهم لأهل البدع قامعون بالسنن شأنهم دامغون، حتى إذا قال وكيع بن الجراح: حدثنا النضر عن عكرمة: ميزوا حديث النضر بن عربي من النضر الخزاز؛ أحدهما ضعيف، والآخر ثقة، وقد روياً جميعاً عن عكرمة، وروى وكيع عنهما، وحتى إذا قال حفص بن غياث: حدثنا أشعت عن الحسن ميزوا حديث أشعت بن عبد الملك من أشعث بن سوار، وأحدهما ثقة والآخر ضعيف، وقد رويا جميعا عن الحسن، وروى عنهما حفص بن غياث، وحتى إذا قال عبد الرزاق: حدثنا عبيد الله عن نافع وعبد الله عن نافع ، ميزوا حديث هذا من حديث ذاك، لأن أحدهما ثقة، والآخر ضعيف.(11)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الموطأ (1080 ) صحيح
(2) - البخاري (6245 )
(3) - أخرجه مسلم (21)
(4) - شرح علل الترمذي( 1: 52).
(5) - علل الإمام أحمد رواية عبد الله (3: 380).
(6) - برقم( 25)
(7) - تقدمة الجرح والتعديل(1: 20).
(8) - المحدث الفاصل(ص: 208).، وانظر: التمهيد لابن عبد البر(1: 55).
(9) - ندوة علوم الحديث علوم وآفاق - (ج 1 / ص 28) و شرح علل الترمذي لابن رجب (1/52).
(10) - ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل(ص: 159- 162).بتصرف.
(11) - مقدمة المجروحين(1: 51-59). وانظر ندوة علوم الحديث علوم وآفاق - (ج 1 / ص 1-64)(1/282)
سابعا- تأصيلُ الجرح والتعديل
سبق فيما مضى من المباحث تأصيل الجرح والتعديل من جهة الشرع، وسبق إيراد الأدلة الشرعية الدالة على تأصيله ومشروعيته، وفي هذا المبحث أطرح تأصيل الجرح والتعديل من جهة التقعيد والتنظير، فأقول مستعينا بالله تعالى:
أولا: إن الجرح هو نوع من الغيبة، والغيبة محرمة شرعا، وإنما أبيحت في الجرح والشهود؛ حفظا للدين, ونصحا للمسلمين. قال القرافي(1): التَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ فِي الشُّهُودِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ الْمُجَرِّحِ وَلَوْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ وَالتَّفَكُّهُ بِأَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْعِصْمَةُ ، وَكَذَلِكَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ يَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ الْمَجْرُوحِ مِنْهُمْ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِذَلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهَذَا الْبَابُ أَوْسَعُ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحُكَّامٍ بَلْ يَجُوزُ وَضْعُ ذَلِكَ لِمَنْ يَضْبِطْهُ وَيَنْقُلُهُ ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُ النَّاقِلِ ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى ضَبْطِ السُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ ، وَطَالِبُ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِيهِ خَالِصَةً لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ حُكَّامِهِمْ ، وَفِي ضَبْطِ شَرَائِعِهِمْ أَمَّا مَتَى كَانَ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ أَوْ تَفَكُّهٍ بِالْأَعْرَاضِ وَجَرْيًا مَعَ الْهَوَى فَذَلِكَ حَرَامٌ ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالرُّوَاةِ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تَجُرُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَنْ قَتَلَ كَافِرًا يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ عَاصٍ بِظَنِّهِ ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْمَصْلَحَةُ بِقَتْلِ الْكَافِرِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُرِيقُ خَمْرًا وَيَظُنُّهُ خَلًّا انْدَفَعَتْ الْمَفْسَدَةُ بِفِعْلِهِ ، وَاشْتُرِطَ أَيْضًا فِي هَذَا الْقِسْمِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوَادِحِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ أَوْ الرِّوَايَةِ فَلَا يَقُولُ هُوَ ابْنُ زِنًا ، وَلَا أَبُوهُ لَاعَنَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ .(2).
قال السخاوي: تعقب ابن دقيق العيد ابن السمعاني في ذكره بعض الشعراء والقدح فيه، وقال: إذا لم يضطر إلى القدح فيه للرواية لم يجز(3).
ثانيا:لما كانت الغيبة أمرا محرما وإنما أبيحت للحاجة؛ فإنه لا يجوز الزيادة على الجرح بما فوق الحاجة. قال السخاوي: لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد(4)
وقال السخاوي أيضا في الإعلان والتوبيخ(5): وإذا أمكنه الجرح بالإشارة المفهمة، أو بأدنى تصريح، لا تجوز له الزيادة على ذلك، فالأمور المرخص فيها للحاجة لا يرتقى فيها إلى زائد على ما يحصِّل الغرض.
ثالثا: إذا كان الراوي موثق من قبل علماء ومجرح من قبل علماء آخرين، فإنه لا ينبغي أن يذكر أقوال المجرحين ويدع أقوال المعدلين.
قال الذهبي في الميزان(6)في ترجمة أبان بن يزيد العطار: قد أورده العلامة ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق.
رابعا: الجرح لا يقبل إلا من عدل، عالم عارف بأسباب الجرح، فإن الضعيف في نفسه لا يقوى أن يجرح غيره. قال ابن حجر(7): تقبل التزكية من عارف بأسبابها، لا من غير عارف، وينبغي ألا يقبل الجرح إلا من عدل متيقظ.
خامسا: أن ما قلناه وشرحناه، وفصلناه في الجرح لا يتناول الصحابة، فهم خارجون عن هذا المصطلح كلهم؛ لأنهم كلهم عدول.
قال ابن الصلاح وغيره : وَهَذِهِ الْخِصِّيصَةُ لِلصَّحَابَةِ بِأَسْرِهِمْ ، وَلاَ يُسْأَل عَنْ عَدَالَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، بَل ذَلِكَ أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ ، لِكَوْنِهِمْ عَلَى الإِْطْلاَقِ مُعَدَّلِينَ بِتَعْدِيل اللَّهِ لَهُمْ وَإِخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَتِهِمْ ، وَاخْتِيَارِهِ لَهُمْ(8)بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ ، قَال تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } الآْيَةَ (سورة آل عمران / 110 ) .
وقال: (ثُمَّ إِنَّ الأُْمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَعْدِيل جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، وَمَنْ لاَبَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ ، بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الإِْجْمَاعِ ، إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ ، وَنَظَرًا إِلَى مَا تَمَهَّدَ لَهُمْ مِنَ الْمَآثِرِ ، وَكَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَتَاحَ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ نَقَلَةَ الشَّرِيعَةِ(9)
وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِتَعْدِيلِهِمْ ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ مَعَ تَعْدِيل اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَهُمْ إِلَى تَعْدِيل أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْخَطِيبِ فِي " الْكِفَايَةِ " أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لأََوْجَبَتِ الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَالْجِهَادِ ، وَنُصْرَةِ الإِْسْلاَمِ ، وَبَذْل الْمُهَجِ وَالأَْمْوَال ، وَقَتْل الآْبَاءِ ، وَالأَْبْنَاءِ ، وَالْمُنَاصَحَةِ فِي الدِّينِ ، وَقُوَّةِ الإِْيمَانِ وَالْيَقِينِ : الْقَطْعَ بِتَعْدِيلِهِمْ ، وَالاِعْتِقَادَ بِنَزَاهَتِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ كَافَّةً أَفْضَل مِنْ جَمِيعِ الْخَالِفِينَ بَعْدَهُمْ وَالْمُعَدَّلِينَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ ، ثُمَّ قَال : هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَمَنْ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ قَال : " إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُل يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ " ، ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ ، وَمَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ الصَّحَابَةُ ، وَهَؤُلاَءِ يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا ، لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى ، وَهُمْ زَنَادِقَةٌ(10).
وقال ابن عبد البر في مقدمة كتابه (الاستيعاب) وهو يستعرض أهمية معرفة الصحابة، وأنهم هم الذين نقلوا إلينا السنَّة، وأن الله أثبت بهم الحجة. قال: (ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله - عز وجل - عليهم وثناء رسوله - عليه الصلاة والسلام -، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه).(11)
وقال السيوطي: (الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتنة وغيرهم, بإجماع من يعتد به)(12)
وقد سئل: الحافظ محمد بن عبد الله بن عمار -رحمه الله تعالى- فقيل له: (إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أيكون ذلك حجة؟ قال: نعم. وإن لم يسمِّه؛ فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم حجة).(13)
فهذا تصريح واضح، ودليل قاطع على رأي ابن عمار في عدالة الصحابة، وقبول حديث جميعهم من سمي منهم ومن لم يسم.
كما أن ابن عمار قد نقل عن شيوخه في هذا المعنى كثيراً, من ذلك أنه قال: سمعت المعافى بن عمران، وسأله رجل وأنا حاضر: أيما أفضل معاوية، أو عمر بن عبد العزيز؟، فرأيته كأنه غضب، وقال: يوم من معاوية، أفضل من عمر بن عبد العزيز، ثم التفت إليه وقال: تجعل رجلا من أصحاب محمد مثل رجل من التابعين؟.
بل إنه كان على منهج أهل السنة في ترتيب الصحابة في الأفضلية أيضا، وذلك يستشف مما نقله عن شيوخه في هذا المعنى.
وكل الأخبار المتقدمة تقتضي طهارة الصحابة والقطع بتعديلهم ونزاهتهم، وأنه لا يحتاج أحد منهم إلى تعديل أحد بعد أن عدلهم الله وزكى بواطنهم وظواهرهم.(14)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الفروق(4: 206).
(2) - الفروق(4: 206)و أنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 8 / ص 259)
(3) - فتح المغيث (ص: 482).
(4) - فتح المغيث (ص: 482). ونقله السخاوي أيضا عن العز بن عبد السلام في جرح الشهود، وذلك في كتابه القواعد.
(5) - انظر: الإعلان والتوبيخ(ص: 68).
(6) - الميزان(1: 9).
(7) - لقط الدرر بشرح متن نخبة الفكر(ص: 137).
(8) - الإصابة 1 / 9 - 10، علوم الحديث 264 .
(9) - انظر: مقدمة بن الصلاح (ص: 176) والتقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للعراقي ( 301 )
(10) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي 46 - 49، وعلوم الحديث 264، الإصابة 1 / 17 و 18 .
(11) - انظر: الاستيعاب (ص: 15).
(12) - انظر: تدريب الراوي (2: 214).
(13) - انظر: الكفاية (ص: 415).
(14) - وذهبت طائفة من أهل البدع إلى أن حال الصحابة كانت مرضية إلى وقت الحروب التي ظهرت بينهم وسفك بعضهم دماء بعض, فصار أهل تلك الحروب ساقطي العدالة، ولما اختلطوا بأهل النزاهة وجب البحث عن أمور الرواة منهم. الكفاية (ص:48).قلت: هذه الطائفة هم المعتزلة ، أما الشيعة, فمذهبهم أفسد من هذا بكثير، حيث ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، فكفروا الصحابة وشتموهم.(1/283)
ثامنا -أنواع المصنفات في الجرح والتعديل
بما أن الحكم على الحديث صحة وضعفاً مبنيٌّ على أمور منها عدالة الرواة وضبطهم ، أو الطعن في عدالتهم وضبطهم ، لذلك قام العلماء بتصنيف الكتب التي فيها بيان عدالة الرواة وضبطهم منقولة عن الأئمة المُعَدِّلين الموثوقين ، وهذا ما يسمى بـ " التعديل " كما أن في تلك الكتب بيان الطعون الموجهة إلى عدالة بعض الرواة أو إلى ضبطهم وحفظهم كذلك منقولة عن الأئمة غير المتعصبين وهذا ما يسمَّى بـ " الجَرْح " ومن هنا أُطلق على تلك الكتب " كتب الجرح والتعديل "
وهذا الكتب كثيرة ومتنوعة ، فمنها المُفْرَدَة لبيان الرواة الثقات ، ومنها المفردة لبيان الضعفاء والمجروحين ، ومنها كتب لبيان الرواة الثقات والضعفاء ، ومن جهة أخرى فإن بعض هذه الكتب عام لذكر رواة الحديث بغض النظر عن رجال كتاب أو كتب خاصة من كتب الحديث، ومنها ما هو خاص بتراجم رواة كتاب خاص أو كتب معينة من كتب الحديث .
هذا ويعتبر عمل علماء الجرح والتعديل في تصنيف هذه الكتب عملا رائعا مهما جبارا ، إذ قاموا بمسح دقيق لتراجم جميع رواة الحديث ، وبيان الجرح أو التعديل الموجه إليهم أولاً ثم بيان من أخذوا عنه ومن أخذ عنهم ، وأين رحلوا ، ومتى التقوا ببعض الشيوخ ، وما إلى ذلك من تحديد زمنهم الذي عاشوا فيه بشكل لم يُسْبَقوا إليه ، بل ولم تصل الأمم المتحضرة في هذا العصر إلى القريب مما صنفه علماء الحديث من وضع هذه الموسوعات الضخمة في تراجم الرجال ورواة الحديث ، فحفظوا على مدى الأيام التعريف الكامل برواة الحديث ونقلته فجزاهم الله عنا خيراً وإليك بعض الأسماء لهذه الكتب :
وهنا أذكرها بالتفصيل، فأقول مستعينا بالله تعالى:
النوع الأول: كتب الطبقات، وقد تنوعت المصنفات فيها إلى أقسام:
القسم الأول: ما كان مقتصرا على طبقات الصحابة.
القسم الثاني: ما كان عاما في الصحابة، وغيرهم.
القسم الثالث: ما كان خاصاً بالمحدثين من التابعين.
القسم الرابع: ما كان خاصا بطبقات المحدثين في بلد أو جهة.
القسم الأول: ما كان مقتصرا على طبقات الصحابة، وهي كثيرة، ولعل أشهرها، هو:
1- (الصحابة) لأبي عبيدة معمر بن المثنى، المتوفى سنة (208) هـ. وقد ذكره الحافظ ابن كثير في جامع المسانيد(1)وذكره السخاوي في الإعلان والتوبيخ(2).
2- (الصحابة) لعبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي، المعروف بدحيم. المتوفى سنة( 245)هـ.ذكره الحافظ ابن كثير في جامع المسانيد(3).
3- (المعجم) لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي. المتوفى سنة (341)هـ. وهو كتاب مطبوع، في مجلدين، وأربعة أجزاء، تحقيق الدكتور أحمد البلوشي، الناشر مكتبة الكوثر، الطبعة الأولى، سنة (1412)هـ.
4-(معجم الصحابة) لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع المتوفى سنة(351) هـ وهو كتاب مطبوع في ثلاث مجلدات، علق عليه أبو عبد الرحمن صلاح بن سليم المصراتي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى سنة (1418)هـ.
5- (معرفة الصحابة) لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني المتوفى سنة (430)هـ. وهو كتاب مطبوع في سبع مجلدات مع الفهارس، تحقيق عادل بن يوسف العزازي، الناشر: دار الوطن، الطبعة الأولى نة(1419)هـ.
6- (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري الأندلسي، المتوفى سنة (463)هـ. وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد كبير، صححه وخرج أحاديثه عادل مرشد، الناشر: دار الأعلام، الطبعة الأولى سنة (1423)هـ.
7-(أسد الغابة في معرفة الصحابة) لعز الدين بن الأثير، أبي الحسن علي بن محمد الجزري، المتوفى سنة (630)هـ. وهو كتاب مطبوع في ست مجلدات، الناشر: دار الفكر للنشر والتوزيع.
8-(الإصابة في معرفة الصحابة) لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة (852)هـ.، وهو كتاب مطبوع في سبع مجلدات مع الفهارس، الناشر: دار الكتب العلمية.
وهو أفضل هذه الكتب على الإطلاق ، فقد جمع فيه الحافظ ابن حجر خلاصة ما ورد فيها وزاد عليهم وحقق ودقق .
9- (حياة الصحابة) للشيخ محمد بن يوسف الكاندهلوي ، وهو: كتاب مطبوع في مجلدين، الناشر: المكتب الثقافي الطبعة الأولى سنة (1418)هـ.
يتحدث عن حياة النبي صلى اله عليه وسلم وأصحابه مرتبا على الأبواب الفقهية ، وهو من الكتب القيمة والنافعة جدا .
القسم الثاني: ما كان عاماً في الصحابة وغيرهم، وهي كثيرة، ولعل أشهرها:
1- (طبقات ابن سعد)لمحمد بن سعد بن منيع المصري، المتوفى سنة (233)هـ. وهو كتاب مطبوع في تسع مجلدات، الناشر: دار صادر، الطبعة الأولى سنة (1405)هـ. والكتاب محقق كله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ضمن عدة رسائل في الدكتوراه.
2- (كتاب الطبقات) لأبي عمر خليفة بن خياط العصفري، المتوفى سنة (240)هـ. رواية أبي عمران موسى بن زكريا التستري، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري.، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى سنة (1387)هـ.
3- (طبقات الصحابة والتابعين) لمسلم بن الحجاج القشيري، المتوفى سنة (261)هـ وهو كتاب مطبوع.
القسم الثالث: ما كان خاصاً بطبقات المحدثين من التابعين:
1- ( طبقات التابعين) لمحمد بن إدريس الحنظلي، أبو حاتم الرازي، المتوفى سنة ( 277)هـ .
2- (معرفة التابعين الثقات)، لابن حبان، تلخيص شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة(337)هـ.وهو كتاب مطبوع بتحقيق عطا لله بن عبد الغفار، أبو مطيع السندي، الناشر: أضواء السلف
القسم الرابع: ما كان خاصاً بالمحدثين في بلد أو جهة، ومن أشهرها:
1- (طبقات المحدثين بأصبهان) والواردين عليها، لأبي محمد عبد الله بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ، المتوفى سنة (369)هـ.
2- (طبقات الهمذانين) لأبي الفضل، صالح بن أحمد الهمذاني، المتوفى سنة (369).
------------------
النوع الثاني من أنواع كتب الطبقات:
كتب التواريخ، وهي كثيرة ومتنوعة، فمنها ما ينسب إلى البلد، ومنها ما ينسب إلى مؤلفها، وهي كتب خاصة في المحدثين، عامة في الثقات والضعفاء، ويعتنون فيها كثيرا بالوفيات، ومن أشهرها:
فمن أشهر ما في القسم الأول:
1- "تاريخ يحيى بن معين" وهو أبو زكريا يحيى بن معين، المتوفى سنة (234)هـ. وهو من أقوال يحيى بن معين في الرجال، روى ذلك عنه عدة تلاميذه، منهم:
عباس الدوري، وكتابه مطبوع في ثلاث مجلدات كبار بتحقيق وترتيب، الدكتور: أحمد نور يوسف ، وهو من منشورات جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة تحت مسمى مركز البحث العلمي، وإحياء التراث الإسلامي.الطبعة الأولى (13999)هـ.
تاريخ أبي هاشم بن مرثد الطبراني، المتوفى سنة (287)هـ ، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي.
عثمان بن سعيد الدارمي، المتوفى سنة (280)هـ.وكتابه مطبوع في ثلاث مجلدات كبار بتحقيق وترتيب، الدكتور: أحمد نور يوسف ، وهو من منشورات جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة تحت مسمى مركز البحث العلمي، وإحياء التراث الإسلامي.
2- "التاريخ " لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة (256)هـ وهو عبارة عن ثلاثة تواريخ:
"التاريخ الكبير" وهو كتاب مطبوع واقع في ثمان مجلدات، وهو من منشورات مؤسسة الكتب الثقافية بيروت.
وهو أمير المؤمنين في الحديث وجبل الحفظ ، وكان أعلم أهل عصره بالحديث صحيحه وضعيفه وبالعلل والرجال ... راجع التهذيب 9/47-55 .
وكتابه هذا كتاب ضخم ، ضم فيه أكثر من عشرة آلاف ترجمة لرواة الحديث ، وله ترتيب خاص .
- والرواة الذين ذكرهم ، منهم من بين رأيه فيه بعبارة لطيفة كقوله : (سكتوا عنه ، فيه نظر ، منكر الحديث..) .
- ومنهم من سكت عنه ، وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل والراجح عندي أن من ترجم له وسكت عليه أنه ثقة أو صدوق (انظر قواعد في علوم الحديث 223) ، إذ لو كان يعلم فيه جرحاً لذكره ، وسواء في ذلك روى عنه واحد أو أكثر ويلحق بذلك رواية بعض الأئمة عن راو وسكوتهم عن جرحه توثيق له مثل الإمام مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن معين ويحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة وأبو حنيفة والشافعي والنسائي ومسلم وأبو داود وبقي بن مخلد وحريز بن عثمان وشيوخ الطبراني الذين لم يضعفوا في الميزان وغيرهم (انظر قواعد في علوم الحديث ص 216-227وعبد الله بن بدر (108) قال عنه في التقريب (3223) ثقة) .
أمثلة مقارنة مما سكت عنه .
عبدالله بن باباه رقم (102) قال عنه في التقريب (3220) ثقة
وعبد الله بن بشر الخثعمي (104) قال عنه في التقريب (3232) صدوق
وعبد الله بن بشر عن الزهري قال عنه في التقريب (3231) مختلف فيه
وذكر أن أبا زرعة والنسائي قالا فيه : لا بأس به ..
وعبد الله بن بحير اليماني (107) قال عنه في التقريب (3222) وثقه ابن معين ، واضطرب فيه كلام ابن حبان وعبد الله بن بريدة قال عنه في التقريب (3227) ثقة وهؤلاء كلهم قد سكت عنهم البخاري .
- والرواة الذين ترجم لهم ، منهم من روى عنه جماعة ، ومنهم من ذكر له راوٍ واحد ،ومثل هذا الأخير كثير .
- انظر القسم الأول من الجزء الثالث الأرقام التالية (85) و(87) و(88) و(92) و(93) و(97) و(99) و(106) و(107) .
- وقسم ذكرهم وذكر لهم رواية معينة عن راوٍ معين ثم قال : لا يصح حديثه ، وهذا يعني تضعيفه لهذه الرواية فقط وليس التعميم .
أمثلة : (91) عبد الله بن إنسان عن عروة بن الزبير عن أبيه روى عنه ابنه محمد ، لم يصح حديثه .
ورقم (216) عبد الله بن خليل الحضرمي عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرعة ... ولا يتابع عليه
ورقم (231) عبد الله بن ذكوان قال : عبد الصمد ثنا عبد الله ثنا محمد بن المنكدر ... منكر الحديث في الأذان .
ورقم (264) عبد الله بن زيد بن أسلم ... سمع منه ... وعبد الرحمن ، ولا يصح حديث عبد الرحمن . فيجب الإنتباه أثناء نقل رأي الإمام البخاري لراوٍ ، فقد يكون النقل عنه محرفاً .
وقوله في الأعم الأغلب عن راوٍ فيه نظر أو سكتوا عنه يعني به الجرح الشديد وغالبه وافقه عليه غيره ، وبعضه مما خالفه غيره والصواب مع غيره أمثلة :
تمام بن نجيح وراشد بن داود الصنعاني وثعلبة بن زيد الحماني وجعدة المخزومي وجميع بن عمير وحبيب بن سالم وحريث بن خرّيت وسليمان بن داود الخولاني وطالب بن حبيب المدني الأنصاري وصعصعة بن ناجية وعبد الرحمن بن سلمان الرّعيني وغيرهم فقد قال فيهم ما ذكرناه ، ووثقهم غيره ، والصواب معهم فتنبه ومن قال فيه منكر الحديث ، يعني لاتحل الرواية عنه ، أي متهم بالكذب وهذا من أدبه رحمه الله ( انظر قواعد في علوم الحديث 254-257 و401) .
وقد ذكر أثناء التراجم عدداً كبيراً من الأحاديث بصيغة الجزم ، وأكثرها مسنده ، وسكت على كثير منها انظر الأرقام (3) و(4) و(5) و(9) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) و(21) و(22) و(25) و(27) و(28) ... والصواب عندي أنها مقبولة تدور بين الصحيح والحسن إذ لو كان فيها علة لذكرها .
والكتاب مطبوع طبعة واحدة ، صورت مرات عديدة وعليها بعض التعليقات في الهامش . وهو بحاجة لضبط وتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه ، ومقارنة رواته بكتب الجرح والتعديل .
"التاريخ الأوسط" هو من رواية الخفاف عن البخاري، تحقيق: محمد بن إبراهيم اللحيدان، وهو من منشورات دار الصميعي، الطبعة الأولى سنة(1418)هـ(4).
3- "المعرفة والتاريخ" لأبي يوسف يعقوب بن سفيان النسوي، المتوفى سنة(277)هـ رواية عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، واقع في أربع مجلدات كبار، تحقيق: الدكتور أكرم ضياء العمري، وهو من منشورات مكتبة الدار بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى سنة (1410)هـ.
4- "التاريخ الكبير" المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة. وهو: أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب، المتوفى سنة(279)هـ. تحقيق: صلاح بن فتحي هلال، واقع في أربع مجلدات، من منشورات الدار الحديثية للطباعة والنشر، الطبعة الأولى سنة(1424)هـ.
5- تاريخ أبي زرعة الدمشقي، وهو: عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله النصري، المتوفى سنة (281)هـ.، واقع في مجلد واحد، وضع حواشيه: خليل منصور، وهو:من منشورات دار الكتب العلمية.
القسم الثاني: ما ينسب إلى بلد أو جهة، ويذكر فيها مؤلفوها الثقات والضعفاء من المحدثين، وهو خاص بالمحدثين من ذلك البلد، وكذلك من دخلها من غير أهلها من المحدثين، وهي: أوسع من القسم الأول غالبا؛ إذ يذكر فيها مؤلفوها أغلب ما يتعلق بالمحدثين من أخبار اجتماعية، وما يتعلق به من أخبار أخرى، ونحو ذلك. إلا أن هذا القسم يختلف، فمنها ما يذكر مجرد الترجمة فقط دون أن يتعرض للتوثيق والتضعيف، ومنها ما يتعرض للترجمة عموما، ومع ذلك يذكر ما قيل في الراوي من جرح وتعديل، من أمثلة هذا القسم بنوعيه:
1- "تاريخ واسط" لأسلم بن سهل الرازي الواسطي، المعروف ببحشل، المتوفى سنة(292)هـ. وهو واقع في مجلد واحد، من تحقيق: كوركس عواد، من منشورات مكتبة العلوم الحكم بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى سنة(1406)هـ.
2- "تاريخ جرجان" لحمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي، المتوفى سنة (427 ) واقع في مجلد واحد كبير، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المعيد خان،، وهو من منشورات عالم الكتب، سنة(1401)هـ.
3- "تاريخ بغداد"، أو مدينة السلام.منذ تأسيسها حتى سنة (463)هـ، للحافظ: أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، المتوفى سنة(463)هـ. واقع في تسعة عشر مع ملحقاته، وهو: من منشورات دار الكتب العلمية.
4- تاريخ دمشق لابن عساكر (571هـ) وهو من أوسع كتب التراجم على الإطلاق ، وله طبعات عديدة في سبعين مجلدا
-----------
النوع الثالث من أنواع كتب الطبقات:
كتب السؤالات، وهي عبارة عن ما ينقله التلاميذ عن المشايخ من أسئلة في الجرح والتعديل، وهي تنسب في الغالب إلى سائلها، وترجع غالبا إلى إمام واحد، وقد تكون الأسئلة لعدة مشايخ، وهو قليل. ومن أمثلة تلك الكتب ما يلي:
1- "سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني" وهو: الإمام علي بن عبد الله بن جعفر السعدي المديني البصري، المتوفى سنة(234)هـ. والكتاب مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، من منشورات دار المعارف، الطبعة الأولى سنة(1404)هـ.
2-"سؤالات أبي داود" الإمام أحمد في جرح رواة وتعديلهم، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: الدكتور زياد بن محمد منصور، الناشر: مكتبة العلوم والحكم،بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى سنة(1414)هـ.
3-" سؤالات ابن الجنيد"، إبراهيم بن عبد الله الختلي لأبي زكريا يحيى بن معين، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: الدكتور أحمد بن محمد نور يوسف، الناشر: مكتبة الدار بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى سنة(1408)هـ.
4- "من سؤالات الأثرم أبا عبد الله أحمد بن حنبل"، رواية علي بن طاهر بن الصباح القزويني، وهو كتاب مطبوع في جزء لطيف، تحقيق: خير الله شريف، وهو من منشورات دار العاصمة. الطبعة الأولى سنة (1422)هـ.
5- "سؤالات أبي عبيد الآجري" أبا داود السجستاني في معرفة الرجال، وجرحهم وتعديلهم، وهو كتاب مطبوع في مجلدين، تحقيق: الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي،الناشر:مكتبة الاستقامة ومؤسسة الريان، الطبعة الأولى سنة(14189)هـ.
6- "سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني في الجرح والتعديل" وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر، وهو من منشورات دار المعارف بالرياض ، الطبعة الأولى سنة(1404)هـ.
7- "سؤالات أبي بكر البرقاني للإمام أبي الحسن الدارقطني في الجرح والتعديل، وعلل الأحاديث" وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد لطيف، تحقيق أبي عمر محمد بن علي الأزهري، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى سنة(1422)هـ.
8- "سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ في الجرح والتعديل" وهوكتاب مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر، وهو من منشورات دار المعارف بالرياض ، الطبعة الأولى سنة(1404)هـ.
9- "سؤالات مسعود بن علي السجزي مع أسئلة البغداديين عن أحوال الرواة"، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة(405)هـ وهو كتاب مطبوع، في مجلد واحد، تحقيق: موفق عبد الله بن عبد القادر، وهو من منشورات دار الغرب، الطبعة الأولى سنة(1408)هـ.
10- "سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط" وهو كتاب مطبوع في مجلد لطيف، تحقيق: مطاع الطرابيشي، الناشر: دار الفكر، الطبعة الأولى سنة (1403)هـ.
-----------------
النوع الرابع: كتب تحمل لفظ الجرح والتعديل، أو الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاَ، أو نحو ذلك
وهي: ثلاثة أقسام:
القسم الأول: كتب جمعت بين الثقات والضعفاء،جرحا وتعديلا، فيأتي أحد التلاميذ فيذكر كلام شيخه في الرواة ، أو يأتي مؤلف فيذكر كلام المتقدمين في الرواة جرحاً وتعديلا، فمن أوائل وأشهر ما ألف في هذا القسم:
1- "العلل ومعرفة الشيوخ" لمحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، المتوفى سنة 242)هـ، وصف بأنه كتاب كبير، رواه عنه : الحسين بن إدريس الهروي أحد تلاميذه، وهو كتاب مفقود.
2- "من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال" رواية أبي خالد الدقاق، يزيد بن الهيثم بن طهمان، وهو مطبوع في مجلد صغير ، تحقيق: الدكتور أحمد نور يوسيف، وهو من منشورات دار المأمون للتراث.
3- "من كلام أبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل في علل الأحاديث ومعرفة الرجال" مما رواه عنه أبو بكر أحمد بن محمد المروذي، وأبو الحسن عبد الحميد الميموني، أبو الفضل صالح بن أحمد عن أبيه، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد صغير، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، وهو من منشورات مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، سنة(1409)هـ.
4- "الجرح والتعديل" لأبي عبد الرحمن محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، المتوفى سنة(327)هـ، وهو كتاب مطبوع في ثمان مجلدات، وهو من منشورات مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الهند، الطبعة الأولى ، ثم صورت عنه دار الكتب العلمية بيروت.
وهو الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام ، وكان ممن جمع علوّ الرواية ومعرفة الفن ، وكتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المتقنة في الحفظ ... انظر الجرح والتعديل المقدمة .
وقد ضمن كتابه هذا مقدمة هامة جداً حول أهمية الجرح والتعديل وترجم لأئمة الجرح والتعديل ترجمة دقيقة ثم بقية الأجزاء فيها تراجم لرواة الحديث وعددها حوالي (18000) ترجمة .
وقد سعى أبلغ السّعيي في استيعاب جميع أحكام أئمة الجرح والتعديل في الرواة إلى عصره ، ينقل ذلك عنهم بالأسانيد الصحيحة المتصلة بالسماع أو القراءة أوالمكاتبة ، فغدا كتابه أصلاً لكل من ألّف في هذا الفن بعده .
وأما ترتيبه فمن حيث المبدأ على الأحرف الهجائية ، ولكنه ليس دقيقاً فيشبه إلى حدّ ما ترتيب تاريخ البخاري.
وتراجمه بشكل عام مختصرة ، وهو يذكر المترجم له وكنيته ، ويذكر شيوخه وكذلك من روى عنه من طلابه ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه .
كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي ، روى عن حماد بن زيد وصالح بن عمر وسلام أبي المنذر وأبي إسماعيل المؤدب روى عنه أبو زرعة وعمر بن شبّة النميري وموسى بن إسحاق القاضي حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلىّ قال : سألت يحيى بن معين عن أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال : ليس به بأس ، حدّث عن حماد بن زيد ا هـ .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبو صالح الخراساني ، روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المديني ، روى عنه صالح بن بشر بن سلمة الطبراني ، حدثنا عبد الرحمن قال : سألت أبي عنه فقال شيخ مجهول ، والحديث الذي رواه صحيح ا هـ .
- وإذا قال ابن معين عن راوٍ لا بأس به يعني أنه ثقة عنده ، كما صح عنه ذلك .
- وأما أبو حاتم فهو من المتشددين في الجرح والتعديل ، فما قال عنه صدوق فهو ثقة عند غيره .
كقوله عن أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي صدوق وفي التقريب 1/9-10 ثقة حافظ .
- وقد يقول أبو حاتم عن الراوي ثقة : كقوله في ترجمة أحمد بن اسحاق الحضرمي ثقة . وقد يقول عن الراوي ثقة مأمون ، كما قال عن أحمد بن إسماعيل ابن أبي ضرار الرازي .
- وقد لا يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولكنه يشير إلى رواية والده عنه أو أبوزرعة أو يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل ، ورواية هؤلاء عنه تعدّ تعديلاً له . كما ذكر ذلك 2/36 كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن موسى
الرملي أبو بكر السراج . فقد روى عنه أبو حاتم .
وأحمد بن أيوب بن راشد البصري روى عنه أبوزرعة الرازي .
وأحمد بن أسد بن بنت مالك بن مغول البجلي أبو عاصم روى عنه أبو زرعة .
- وهناك رواةٌ ذكرهم ولم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً ولم يرو عنهم من ذكرناه سابقاً .
فالراجح عندي أنهم مقبولون ، إذ لو علم فيهم جرحاً لذكره (1) .
- كقوله في ترجمة أحمد بن أيوب الضبي روى عن إبراهيم بن أدهم روى عنه إبراهيم بن الشماس .
أقول : روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان الثقات 8/4 وسكت عليه البخاري التاريخ 1/2/2 .
- وقوله عن أحمد بن أبي عبيد الوراق بن بشر أبو عبد الله البصري وذكر أنه روى عن جماعة وسكت عليه وفي التقريب 1/21 ثقة .
- وقوله في ترجمة أحمد بن ثعلبة الدمشقي روى عن أبي معاوية الأسود ، وروى عنه أحمد بن أبي الحواري .
- وقد يقول عن راوٍ كذاب كما قاله عن أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي المعروف بفرخويه .
- وقد يقول عنه : متروك الحديث كما في ترجمة أحمد بن الحارث الغساني أبو عبد الله الواقدي البصري .وقال عنه البخاري فيه بعض النظر 1/2/2 .
وقد يذكر أقوالاً مختلفة في راوٍ واحد ،كأن يضعفه أبوه ويقويه غيره ، وبعد التتبع والاستقراء تبين لنا أن الراجح مع من وثقه لأن أبا حاتم من المتشددين .
__________
(1) - جامع المسانيد (6: 186).
(2) - انظر: الإعلان والتوبيخ(ص: 93).
(3) - انظر: جامع المسانيد (2: 186).
(4) - له أيضا: "التاريخ الصغير" ، وهو مطبوع في مجلد واحد كبير بتحقيق محمود إبراهيم زايد من منشورات دار الواعي بحلب، ودار التراث بالقاهرة، الطبعة الأولى سنة (1397)هـ. إلا أن البعض يرى أن الأقرب، أنه هو التاريخ الأوسط بعينه، والله أعلم.(1/284)
- كقوله في ترجمة أحمد بن سليمان بن أبي الطيب ضعيف الحديث مع أن أبا زرعة وثقه وروى عنه البخاري راجع الجرح 2/52 والميزان 1/102 والتقريب 1/17 .
- وقد يقول عنه : شيخ وهي تعديل كقوله عن أحمد بن عبد الله أبو عبيدة ابن أبي السفر الكوفي قال أبو حاتم : شيخ ا هـ .
- وقد يقول عن راوٍ بأنه مجهول كقوله عن أحمد بن عمر القصبي قال سألت أبي عنه فقال : مجهول اهـ .
- وقد يكون في كلامه نظر عن المجاهيل كقوله عن أحمد بن عاصم البلخي مجهول ، والصواب أنه معروف وثقة انظر الميزان 1/106 والتاريخ الكبير 1/2/5 .
وكذلك إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي ، وأسباط أبو اليسع ، وبيان بن عمرو ، ومحمد بن الحكم المروزي جهلهم أبو حاتم ، وعرفهم غيره(1)
لذا قال الإمام ابن دقيق العبد : لا يكون تجهيل أبي حاتم حجةً ما لم يوافقه غيره ، نقله الزيلعي(2).
لذا يجب تحقيق هذا الكتاب القيّم وضبطه ومقارنته مع غيره من كتب الجرح والتعديل .
5- "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي، المتوفى سنة (600)هـ.
6- "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي، المتوفى سنة (742)هـ، وهو تهذيب للكتاب الذي قبله، وليس اختصاراً له، بل زاد عليه في أشياء عدة، وهو كتاب مطبوع في سبع مجلدات كبار، من منشورات مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى سنة (1418)هـ.
7- "تهذيب التهذيب" لأحمد بن علي بن حجر، المتوفى سنة (852)هـ، وهو كتاب مطبوع في ست مجلدات، تحقيق: خليل مأمون شيحا، وجماعة معه، وهو من منشورات دار المعرفة، توزيع دار المؤيد، الطبعة الأولى سنة (1417)هـ.
وهو الإمام الحجة العلامة قاضي القضاة الحافظ شيخ مشايخ الإسلام ، سيد العلماء الأعلام ، مرجع المحققين ، وسند المدققين شيخ السنة ، البيهقي الثاني ، شهاب الدنيا والدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني .... صاحب التصانيف النادرة ، والتي تشهد بأنه إمام الحفاظ ، محقق المحدثين زبدة النقادين ، لم يخلّف بعده مثله ... اهـ انظر التهذيب 12/498-504
وهو اختصار وتنقيح وتعقيب لكتاب تهذيب الكمال للمزّي ، مرتب على الحروف الهجائية ، يذكر اسم الراوي ونسبه ولقبه . ثم يذكر أهم شيوخه الذين روى عنهم ، ثم من روى عنه ، ثم أقوال أهل الجرح والتعديل ، ثم بيان وفاته كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد روى عن محمد بن ثابت العبدي وفرج بن فضالة ، وحماد بن زيد ... وروى عنه أبو داود ... وابن ماجه ، وأبو زرعة الرازي ... وقال يحيى بن معين : لابأس به ، ... مات سنة (236) وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين : ثقة صدوق ا هـ ... 1/9
أو كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن فيل الأسدي أبو الحسن البالسي نزيل انطاكية والد القاضي أبي طاهر ، روى عن أحمد ابن أبي شعيب الحراني وأبي جعفر النفيلي ... وعنه النسائي ... وأبو عوانة الإسفراييني ... مات سنة (284) . قال ابن عساكر : كان ثقة ، وروى عنه محمد بن الحسن الهمداني وقال : إنه صالح ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي في أسامي شيوخه رواية حمزة لا بأس به ، وذكر من عفته وورعه وثقته ا هـ 1/9و10
وهكذا منهجه في كتابه هذا ، وهو من أهم كتب الجرح والتعديل وأدقها ، وعمدة كتب المتأخرين (1) وله طبعات متعددة أهمها ط دار إحياء التراث وفيها بعض الفوائد وهو يحتاج لتحقيق وضبط ومقارنة رجاله بما قاله علماء الجرح والتعديل .
8- "تقريب التهذيب" له أيضا، وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: عادل مرشد، الطبعة الأولى سنة (1416)هـ. وسوف أفرده ببحث لبيان منهجه في الجرح والتعديل .
--------
القسم الثاني: كتب ألفت في الضعفاء فقط، وهي كثيرة، ومتنوعة، يختص بعضها بالرواة فقط، ويذكر البعض الآخر أحاديث ثم التنبيه على سبب ضعف تلك الأحاديث، وأنه ضعف بسبب فلان، ومن أشهر تلك الأنواع كلها:
1- "الضعفاء الصغير" للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة (256) هـ. وهو كتاب مطبوع في مجلد واحد صغير تحقيق: محمود إبراهيم زايد، وهو من منشورات دار المعرفة بيروت.
2- "الضعفاء والمتروكين"، لأبي عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي، المتوفى سنة(303)هـ. وهو مطبوع مع كتاب البخاري المتقدم في مجلد احد.
3- "كتاب الضعفاء" لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي، المتوفى سنة(322)هـ. وهو كتاب مطبوع في أربع مجلدات ، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، من منشورات دار الصميعي، الطبعة الأولى سنة (1420)هـ.
4- "كتاب المجروحين" لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم البستي، المتوفى سنة(354)هـ.وهو كتاب مطبوع في ثلاث مجلدات، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، وهو من منشورات دار عباس الباز في مكة المكرمة.
قد ذكر في مقدمة كتابه هذا أنواع المجروحين ، وقسمهم إلى عشرين قسماً . وهو يذكر المترجم له ، ثم يذكر ما أنكر عليه .. وفيه أكثر من ألف ترجمة . وهو من المسرفين في الجرح ، كما قلنا ، فإنه يجرح الراوي لغلط أو غلطين . وكثيراً ما يقول عن الراوي : يروي الأباطيل والملزوقات على الأثبات(3)!!
أمثلة :قال في ترجمة أبان بن أبي عياش : ولعله روى عن أنس أكثر من ألف وخمسمائة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع إليه .
وقال في ترجمة أبان بن سفيان المقدسي : لا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ والرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص .
وكقوله عن أبان بن عبد الله البجلي من أهل الكوفة ، وكان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير ...
علماً أن الحافظ في التقريب قال عنه (140) صدوق في حفظه لين .
وقال في ترجمة إبراهيم بن مسلم الهجري : وكان ممن يخطيء فيكثر .
وفي التقريب : (252) لين الحديث رفع موقوفات . وفي الكامل أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ، وعامتها مستقيمة المتن ، يكتب حديثه الكامل 1/213 .
وقال في ترجمة إبراهيم بن مهاجر البجلي : كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد به من الروايات ، ولايعجبني الاحتجاج بما وافق الثقات لكثرة ما يأتي من المقلوبات ... وفي التقريب (254) صدوق لين الحفظ أخرج له
مسلم وأصحاب السنن .
وقال عن إبراهيم بن المهاجر بن مسمار : منكر الحديث جداً وفي التقريب (255) ضعيف .
وقال عن إبراهيم بن عمر سفينة : يخالف الثقات في الروايات ويروي عن أبيه مالا يتابع عليه من رواية الأثبات فلا يحل الاحتجاج بخبره بحال ا هـ !!
وفي التقريب (221) مستور ، روى له أبو داود والترمذي .
ومن هنا نقول : لا يجوز الاعتماد عليه وحده في الجرح لإسرافه فيه .
والكتاب بحاجة لمراجعة تراجمه وأحاديثه ومقارنة ذلك مع غيره .
5- "الكامل في ضعفاء الرجال" لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، المتوفى سنة (365)هـ. وهو كتاب مطبوع في تسع مجلدات، تحقيق: مجموعة من الباحثين: عبد الفتاح أبو سنة، وهو من منشورات دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى سنة (1418)هـ.
وهو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني قال حمزة السهمي : كان أبو أحمد بن عدي حافظاً متقناً ، لم يكن في زمانه مثله ، وقال : سألت الدارقطني أن يضيف كتاباً في الضعفاء فقال : أوليس عندك كتاب ابن عدي ؟ ! قلت نعم ، قال : فيه كفاية لا يزاد عليه ا هـ تاريخ جرجان 226 .
وقال الذهبي : أما في العلل والرجال فحافظ لايجارى الميزان 1/2 وقال ابن ناصر الدين : هو إمام حافظ كبير ثقة مأمون ، له كتاب في الجرح والتعديل سماه الكامل ، وهو كتاب جليل حافل .
وقال الحافظ ابن كثير : له كتاب الكامل في الجرح والتعديل ، لم يسبق إلى مثله ولم يلحق في شكله البداية 11/283
وقد ذكر في كتابه هذا كل من تكلّم فيه بأدنى شيء ، ولو كان من رجال الصحيحين ، منتصرٌ له إذا أمكن .. وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاده ... راجع السير 16/154
والذين أوردهم فيه : الضعفاء ، والثقات الذين تُكلّم فيهم أو أنكر عليهم أحاديث ، ومن اختلف فيهم ، ومن لم يتكلم فيه أحد ، مع العلم أن أحاديثه غير محفوظة .
وقد رتبه على الحروف الهجائية ، وبدأه بترجمة لعلماء الجرح والتعديل وهو يذكر اسم المترجم له ، ثم ينقل بسنده المتصل رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، ثم يذكر له بعض ما رواه ، ثم يذكر رأيه فيه بعد سبره لأحاديثه .
- وهو من المنصفين في الجرح والتعديل إلى حدّ بعيد .
- وهو أول من قام بهذه الدراسة النقدية الداخلية
أمثلة :
قال في ترجمة أحمد بن بشير : قال الإمام يحيى بن معين : لاأعرفه وقال عثمان بن سعيد الدارمي : كان من أهل الكوفة ، ثم قدم بغداد ، وهو متروك .ثم ذكر ابن عدي بعض ما أنكر عليه .
ثم قال : وأحمد بن بشير له أحاديث صالحة ، وهذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له ، وهو في القوم الذين يكتب حديثهم 1/165-167 .
أقول : يعني أنه مقبول الرواية خلا هذه الأحاديث التي أوردها في ترجمته .
وقال عنه في التقريب (13) صدوق له أوهام .
ثم الأحاديث التي أنكرها عليه ابن عدي فيها المنكر وفيها غير المنكر .
فالأول : (تعبد رجل ...) واه منكر
والثاني : (لو وزنت دموع آدم ...)) والصواب وقفه انظر الشعب (834 و835) والخطيب 4/47
والثالث : لا ينبغي لقوم يكون أبو بكر فيهم أن يؤمهم غيره . ضعيف مرفوعاً ، والصواب وقفه انظر الترمذي (3673)
والرابع : حديث (اللهم أوسع رزقك ...) مختلف فيه الحاكم 1/542 والمجمع 10/182 والدعا للطبراني (1049) وحسنه الهيثمي .
والخامس : (اللهم بارك لأمتي في غُدّوها) صحيح لغيره
والسادس : (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) هو في الصحيحين البخاري 5/120 و8/102 و108 و156 و9/144 ومسلم في الذكر والدعاء رقم (44 و45 و47) .
والسابع : (حديث من أسرع الناس هلاكاً ؟ قال : قومك ...) أخرجه أحمد 6/81 و90 وابن أبي عاصم 2/64 والمجمع 10/28 وهو حديث صحيح لغيره .
فيجب الانتباه للأحاديث التي يوردها الإمام ابن عدي في كامله فليست كلها مردودة ، بل فيها الصحيح والحسن .
وقال في ترجمة أحمد بن حازم أظنه مديني ، ويقال مزني معافري ، مصري ، ليس بالمعروف ، يحدث عنه ابن لهيعة ويحدث أحمد هذا عن عمرو بن دينار وعبدالله بن دينار ، وعطاء وابن المنكدر ، وصفوان بن سليم بأحاديث عامتها مستقيمة .. ا هـ
أو كقوله عن أحمد بن أبي نافع أبو سلمة الموصلي ، بعد أن روى له بعض الأحاديث : قال وهذان الحديثان غير محفوظين ، وأحمد ابن أبي نافع متقارب الحديث ليست أحاديثه بالمنكرة جداً 1/169 .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى : أظنه بصري ، يحدث عن أهل الأهواز ، يخالف الثقات في روايته عن شعبة ، وقد حدث عن غير شعبة بأحاديث مستقيمة ثم قال أخيراً : ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابه ا هـ 1/170 و171
أقول : والأهم من هذا أنه استطاع بنظرته الثاقبة وحفظه الواسع أن يمحّص في الرواة المختلف فيهم ويصل إلى نتائج هامة جداً في هذا المعترك الصعب .
- كقوله في ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي روى عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق : المغازي ، وأنكرت عليه وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكير .
ثم قال : كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يحسنان القول في أحمد بن محمد بن أيوب ، وسمع علي منه المغازي ، وكان يحيى بن معين يحمل عليه .
ثم قال : وأحمد بن محمد هذا أثنى عليه أحمد وعلي ، وتكلم فيه يحيى ، وهو مع هذا كله صالح الحديث ليس بمتروك ا هـ 1/174 و175 .
- وكان يرد جرح الأقران كجرح يحيى بن معين والنسائي في أحمد بن صالح أبو جعفر المصري . ثم قال وأحمد بن صالح ممن أجلّه الناس ... ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلّم فيه متكلم لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره ا هـ 1/180-184
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي بعد أن نقل عن ابن خراش أنه حلف بالله أن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً ، فقال رداً عليه : وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ ا هـ 1/190 .
- وقد يرجح قولاً من الأقوال التي قيلت في الراوي كقوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن السكسكي الكوفي ونقل عن شعبة طعنه فيه ، وقال النسائي : ليس بذلك القوي ويكتب حديثه ... ثم قال : ولم أجد له حديثاً منكر المتن ، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ، ويكتب حديثه كما قال النسائي 1/210 و211
- أو كقوله في إبراهيم بن مسلم أبو اسحاق الهجري بعد أن نقل تضعيفه عن سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي ..
قال : وإبراهيم الهجري هذا حدّث عنه شعبة والثوري وغيرهما ، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن ، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وهو عندي ممن يكتب حديثه ا هـ 1/211-213
أو كقوله في إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المديني بعد أن نقل قول البخاري فيه : منكر الحديث ، وقول يحيى بن معين صالح ليس به بأس . وذكر له حديثاً في فضل قراءة طه ويس ..
ثم قال : وإبراهيم بن مهاجر لم أجد له حديثاً أنكر من حديث (قرأ طه ويس) ... وباقي أحاديثه صالحة اهـ 1/216
- ولم يكن ليتعصب ضد الرواة المتهمون بالتشيع أو الغلو فيه .
فقد قال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي بعد أن نقل تكذيبه عن الشعبي وأبي حنيفة وليث بن أبي سليم ويحيى بن معين وغيرهم ...
قال : ولجابر حديث صالح ، وقد روى عنه الثوري الكثير وشعبة أقل رواية عنه من الثوري ، وحدّث عنه زهير وشريك وسفيان والحسن بن صالح وابن عيينة وأهل الكوفة وغيرهم ، وقد احتمله الناس ورووا عنه ، وعامة ماقذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة ، وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً ، ولم يتخلّف أحد في الرواية عنه ، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في الإنكار ، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق ا هـ 2/113-120
- وقد يذكر راوياً ويورد له عدداً من الأحاديث ويضعفه ويكون الحمل فيها ليس على هذا الراوي وإنما على الراوي عنه مثل غالب القطان فقد ذكره وأورد له أحاديث ، والحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري وغيره ، وهو من عجيب ماوقع له والكمال لله تعالى(4)
- وقد ينسب إلى التساهل مع بعض الرواة كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني: حيث نقل تكذيبه عن مالك ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وغيرهم ، وأطال النفس في ترجمته . ثم نقل رواية الشافعي عنه وابن جريج والثوري وعباد بن منصور ويحيى بن أيوب .
ثم قال : وإبراهيم بن أبي يحيى ذكرت من أحاديثه طرفاً ، روى عنه ابن جريج والثوري وعباد بن منصور
ومندل ، ويحيى بن أيوب ، وهؤلاء أقدم موتاً منه وأكبر سنّاً ، وله أحاديث كثيرة ، ... وقد نظرت أنا في أحاديثه وسجرتها وفتشت الكل منها ، فليس فيها حديث منكر وإنما يروي المنكر إذا كان العهدة من قبل الراوي عنه ، أو من قبل من يروي إبراهيم عنه وكأنه أتى من قبل شيخه لا من قبله ، وهو في جملة من يكتب حديثه ، وقد وثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما ا هـ 1/217-225
وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (241) متروك ا هـ .
- ولكن الثابت عن ابن عدي وغيره من الأثريين تحاملهم على أهل الرأي ، وهذا لا يقبل منهم
- كقوله في ترجمة محمد بن الحسن الشيباني بعد أن نقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى وغيرهما .
قال : ومحمد بن الحسن هذا ليس هو من أهل الحديث ، ولا هو ممن كان في طبقته يُعنون بالحديث حتى أذكر شيئاً من مسنده على أنه سمع من مالك - الموطأ - والاشتغال بحديثه شغل لا يحتاج إليه ، لأنه ليس هو من أهل الحديث فينكر عليه ، ...
وقد استغنَى أهل الحديث عما يرويه محمد بن الحسن وأمثاله ا هـ 6/174 و175
أقول : هذا الكلام في حقه فيه تجنّ كثير قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من اللسان : تفقه على أبي حنيفة ، وسمع الحديث من الثوري ومعمر وعمر بن ذر ، ومالك بن مغول ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وربيعة بن صالح ، وجماعة وعنه الشافعي ، وأبو سليمان الجوزجاني ، وهشام الرازي وعلي بن مسلم الطوسي ، وغيرهم ، ولي القضاء في أيام الرشيد ، وقال ابن عبد الحكيم : سمعت الشافعي يقول: قال محمد : أقمت على باب مالك ثلاث سنين ، وسمعت منه أكثر من سبعمائة حديث ، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد وقر بعيد كتباً ، وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه في حق محمد بن الحسن : صدوق ا هـ 5/121-122(5)
- أو ما قاله في ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت حيث نقل تضعيفه عن كثير من أهل الجرح والتعديل وأفاض في ترجمته ثم ختمها بقوله : وأبو حنيفة له أحاديث صالحة ، وعامة مايرويه غلط ، وتصاحيف وزيادات في أسانيدهها ومتونها ، وتصاحيف في الرجال ، وعامة مايرويه كذلك ، ولم يصح له في جميع مايرويه إلا بضعة عشر حديثاً وقد روى من الحديث لعله أرجح من ثلاثمائة حديث من مشاهير وغرائب وكله على هذه الصورة ، لأنه ليس هو من أهل الحديث ، ولا يحمل على من تكون هذه صورته في الحديث ا هـ 7/5-12
أقول : هذا الكلام غير صحيح ، قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/168: أبو حنيفة الإمام الأعظم ، فقيه العراق ... حدّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وسلمة ابن كهيل وأبي جعفر محمد ابن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحاق وخلق كثير ...
وحدّث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وبشر كثير ، وكان إماماً ورعاً عالماً عاملاً ، متعبداً ، كبير الشأن ، لايقبل جوائز السلطان قال ابن المبارك :أبو حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين قال : لا بأس به ، ولم يكن متهماً ... ا هـ
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي 1/188 : قال : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدّم على التعديل على إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ...
ثم قال 1/190 : قد عرفناك أن الجارح لايقبل فيه الجرح وإن فسّره في حق من غلبت طاعاته على معصيته ،ومادحوه على ذاميّه ومزكوّه على جارحيه ، إذا كانت هناك قرينة تشهد بأن مثلها حامل على الوقيعة فيه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري في أبي حنيفة ، وابن أبي ذئب وغيره في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون ا هـ(6)
وترجمه الحافظ ابن حجر في التهذيب 10/449-452 ترجمة مطولة ولم يذكر رواية واحدة تطعن في روايته وعدالته ، بل أثبت عدالته وثقته ... وهذا هو الحق والمذهب الحنفي مملوء بآلاف الأحاديث المستدل بها على الأبواب وهذا يرد على كل من يطعن في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وكل جرح لايستند إلى أسس موضوعية سليمة مرفوض مهما كان قائله إذ لايعصم عن الخطأ إلا الأنبياء .
وهناك نقطة هامة حول كتاب الكامل لابن عدي رحمه الله فقد أورد ضمن تراجم الكتاب مايزيد على ثمانية آلاف حديث وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، والمنكر والواهي والموضوع . والمقبول منها غير قليل .
كحديث (ائذنوا للنساء) 1/215 فهو صحيح ، إذ أخرجه البخاري 2/5 و7 ومسلم الصلاة ح (139) وغيرهما فليس مجرد عزو الحديث إلى الكامل دليلاً على ضعفه ووهنه!!(7)
فلا بد من مراجعة الحديث في كتب السنة الأخرى لترى ما قالوا فيه.
وهذا الكتاب - الذي لم ينسج على منواله - بحاجة لتحقيق وضبط وتخريج لكامل أحاديثه .
6- "الضعفاء والمتروكين" لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، المتوفى سنة (385)هـ.، وهو مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، من منشورات دار المعارف بالرياض. الطبعة الأولى سنة (1404)هـ.
7- "تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين" لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين، المتوفى سنة (385) هـ. وهو مطبوع في مجلد لطيف، تحقيق: الدكتور عبد الرحيم القشقري، الطبعة الأولى سنة (1409)هـ.
8- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي (748هـ)
هذا الكتاب من أجمع الكتب في تراجم المجروحين كما قال الحافظ ابن حجر..
فقد اشتمل على ثلاث وخمسين وأحد عشر ألف ترجمة كما هو في النسخة المطبوعة التي رُقِّمَتْ تراجمها، وإن كُرِّرَتْ بعضُ التراجم كما إذا ذكر الشخصُ في فصل الأنساب، وهو مذكورٌ في الأسماء، وهو كتابٌ يشبه إلى حَدٍّ ما كتاب "الكامل" لابن عدي من حيث المنهج؛ فقد ذكر فيه الذهبي كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فيه، وإن كان ثقة؛ فإنما يذكر مثل هؤلاء للدفاع عنهم، وردّ الكلام الموجه إليهم.
وقد قدم للكتاب بمقدمة بَيَّنَ فيها منهجه، وذكر بأنه صنفه بعد كتابه "المغني في الضعفاء"، وأنه طول فيه العبارة، وزاد فيه عِدَّةَ أسماء على "المغني"، ثم ذكر أنواع الرجال المتكلم فيهم ممن احتواهم هذا الكتاب إلى آخر ما فيها.
وقد رتب كتابه على حروف المعجم بالنسبة للاسم واسم الأب، وَرَمَزَ على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة برموزهم المشهورة. فإن اجتمعوا على إخراج رجل؛ فالرمز له "ع"، وإن اتفق عليه أرباب السُّنَن الأربعة فالرمز "عو"، وقد سرد أسماء الرجال والنساء على حروف المعجم، ثم كُنى الرجال، ثم من عُرِفَ بأبيه، ثم من عُرِفَ بالنسبة أو اللقب، ثم مجاهيل الأسماء، ثم مجاهيل الاسم، ثم في النسوة المجهولات، ثم كُنى النسوة، ثم فيمن لم تُسَمَّ.
وقد رتبه على حروف المعجم ، ويذكر المترجم له ، ثم يبين أهم من أخذ عنهم الحديث ، ثم يذكر من روى عنه ، ثم يذكر بعض مروياته أو أخباره ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، وقد يرجح رأياً من الآراء انظر الأرقام (1 و2 و35 ...) ، ويأتي برأي جديد انظر الأرقام (8 و10 و17 و20 و22 و32 و53).
__________
(1) - ( انظر قواعد في علوم الحديث ص 223 و403 و404 ) .
(2) - (انظر قواعد في علوم الحديث ص 266-268)
(3) - انظر قواعد في علوم الحديث 183-187
(4) - (انظر قواعد في علوم الحديث 189 - 190 والرفع والتكميل 208 - 216 )
(5) - (انظر قواعد قواعد في علوم الحديث 342 - 345 )
(6) - ( انظر ترجمته مطولة في كتاب قواعد في علوم الحديث 308-338 )
(7) - ( انظر قواعد في علوم الحديث 274-275 و424)(1/285)
ويغلب عليه الاعتدال والانصاف ، ولايخلو من تشدد أحياناً ومن تشدده :
قوله عن أبان بن عثمان الأحمر (13) ومارد عليه الحافظ ابن حجر في اللسان 1/24 (20) وانظر الأرقام (28 و29) واللسان 1/ (48 و49) و(30) واللسان 1/(50) و(31) واللسان 1/(51) و(33) واللسان 1/(52) و(37) واللسان 1/(61) و(43) واللسان 1/(67) و(44) واللسان 1/(68) و(47) واللسان 1/(71) و(48) واللسان 1/72) و(56) واللسان 1/(81) و(59) واللسان 1/(85) وغير ذلك كثير .
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في أشياء في التهذيب واللسان والكتاب بحاجة لتخريج أحاديثه ومقارنة رواته بغيرهم من كتب الجرح والتعديل(1).
وله أيضا المغني في الضعفاء والمتروكين له :
وهو مختصر لكتابه الميزان ذكر فيه أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة ترجمة ، ويغلب عليه التشدد انظر الأرقام التالية (12) وقارنه باللسان 1/(20) و(13) واللسان 1/(22) و(18) واللسان 1/(31) ، والجرح والتعديل 2/(1096) و(1109) و(34) واللسان 1/(61) و(40) واللسان 1/(67) ، و(41) واللسان 1/(68) و(43) واللسان 1/(71) ، و(44) واللسان 1/(72) و(50) والجرح والتعديل 2/(225) ، و(52) واللسان 1/(84) والجرح والتعديل 2/(227) ، و(57) واللسان 1/(97) وتاريخ البخاري 1/1/281 و(62) واللسان 1/(106) ، و(63) والتاريخ الكبير 1/1/281 واللسان 1/(110) والثقات 8/80 ، و(73) واللسان 1/(132) .و(75) واللسان 1/(137) والجرح 2/98 ، وك (7) واللسان 1/(138) وغيرهم كثير ، وقد قام أستاذنا الدكتور نور الدين العتر بتحقيقه وردّ كثيراً من أخطائه .
ومع هذا فالكتاب بحاجة لدراسة أوسع ومقارنة الرواة الذين ذكرهم بما قاله علماء الجرح والتعديل حتى نستطيع الاعتماد عليه .
- ديوان الضعفاء والمتروكين له :
فيه أكثر من خمسة آلاف ترجمة ، والتشدد فيه جلّي والتراجم مختصرة جداً ، وقد يذكر رأي عالم من علماء الجرح والتعديل ويسكت عليه ، أو يذكر رأيه هو .
ولو قارنا بين قوله في الراوي هنا وبين قوله في الميزان لرأينا تناقضاً صارخاً .
- كقوله في ترجمة أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي (9) صاحب مالك ، قبله بعضهم ، وقال ابن عدي حدث بالبواطيل ا هـ وقال في الميزان 1/83 : ولم ينقم على أبي حذافة متن ، بل إسناد ولم يكن ممن
يتعمد..) وفي التقريب (9) سماعه للموطأ صحيح ، وخلّط في غيره ا هـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى عن شعبة : قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة (11) .
وفي الميزان 1/48 قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة وله عن غير شعبة أحاديث مستقيمة ا هـ
وقال ابن عدي عنه : بعد كلامه ذلك ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابة ا هـ 1/171 .
وكقوله في ترجمة أحمد بن بديل اليامي مشهور قال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه ا هـ (12).
وفي الميزان : 1/84 : قال النسائي لابأس به ، وقال ابن عدي حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث
أنكرت عليه وهو ممن يكتب حديثه ، وقال الدارقطني : فيه لين ا هـ وفي الكاشف (10) قال س: لابأس به ، ولينه ابن عدي والدارقطني وكان عابداً ا هـ . وفي التقريب (12) صدوق له أوهام ا هـ
- أو كقوله في أحمد بن بشير عن الأعمش وغيره ، قال عثمان الدارمي : له مناكير ا هـ (13) .
وقال عنه في المغنى : لابأس به ، قال الدارقطني : ضعيف يعتبر بحديثه ، وقال س : ليس بذاك القوي 1/34
وفي الكاشف (11) قال ابن معين : ليس بحديثه بأس ا هـ .
- أو كقوله عن أحمد بن سليمان بن أبي الطيب عن هشيم : ضعفه ابن أبي حاتم ا هـ (44) .
وفي الميزان 1/102 : وثق ، وضعفه ابن أبي حاتم وحده وقال أبو زرعة : حافظ محله الصدق ا هـ .
وفي الكاشف (35) وصفه بالحافظ وسكت عليه .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن عاصم البلخي قال أبو حاتم : مجهول (53) وقال في الميزان 1/106 تعقيباً على كلام أبي حاتم : بل مشهور روى عنه البخاري في الأدب المفرد ا هـ .
- أو كقوله في أحمد بن عبد الله بن أبي المضاء شيخ للنسائي : لايعرف (66) وفي التقريب (59) ثقة .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن أبي ابن وهب شيخ مسلم قال ابن عدي : رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه ، حدث بما لا أصل له ا هـ (69) .
أقول : قال ابن عدي بعد أن ضعفه : ومن كتب عنه من الغرباء غير أهل بلده لا يمتنعون من الرواية عنه ، وحدثوا عنه ، منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم فمن دونهما ، وسألت عبدان عنه فقال : كان مستقيم الأمر في أيامنا ، وكان أبو الطاهر بن السرح يحسن القول فيه ، وقال : وكل ما أنكروه عليه فمحتمل وإن لم يكن يرويه عن عمه غيره ولعله خصّه به ... ا هـ الكامل 1/184-186 وفي التقريب (67) صدوق تغير بآخره ، وفي الجرح والتعديل صدوق 1/60 .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن مروان الدينوري صاحب الحجالة اتهمه الدارقطني ا هـ (105) .
وفي الميزان 1/156 قال : ضعفه الدارقطني ومشّاه غيره ا هـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن نفيل الكوفي شيخ النسائي : لا يعرف ا هـ (115) وفي المغني : شيخ للنسائي لا يعرف ، لكن النسائي نظيف الشيوخ وقد قال لا بأس به ا هـ 1/61 . وفي التقريب (121) صدوق ا هـ
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن هاشم عن عباد بن صهيب : اتهمه الدارقطني ا هـ (116)
وفي الميزان 1/162 ووثقه الحاكم ا هـ
وفي التقريب (122) صدوق في حفظه شيء .
وهكذا الكثير ، فلا يجوز الاعتماد عليه لوحده ولابد من مقارنته بالميزان أولاً ، ثم بكتب الجرح والتعديل .
- وقد يدافع عن المترجم له ويرد ماقيل فيه أحياناً
كقوله عن أحمد بن الحسن بن خيرون : ثقة حافظ تكلم فيه ابن طاهر بكلام بارد ، وهو أوثق من ابن طاهر بكثير ا هـ (23) .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن صالح المصري الحافظ : ثقة ، لم يتكلم فيه النسائي بحجة ا هـ (47) .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الله أبو نعيم : ثقة لم يتكلم فيه بحجة ا هـ (67)
أو كقوله في ترجمة أبان بن يزيد العطار : ثقة لينه بعضهم بلا حجة ا هـ (139)
- وقد ينقل في ترجمة الراوي أقوالاً لم تصح :
كقوله في ترجمة إبراهيم بن سويد الصيرفي : ضعفه النسائي ا هـ (191) !
وقال في الميزان 1/37 : قال ابن معين : مشهور ، ووثقه غيره ا هـ
وفي التقريب (184) ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه ا هـ
وكقوله في ترجمة الحسين بن علي المصري الفرّاء من شيوخ ابن عدي ضعفه ابن عدي ا هـ (1000)
وفي الميزان 1/543 : ألحقه ابن عدي بالثقات ، ولينه بعضهم وقال ابن عدي لم أر له شيئاً منكراً ا هـ والكامل 2/367 بنحوه .
لذا يجب تحقيقه من جديد ومقارنته مع غيره من كتب الرجال .
9- لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ)
وهو الإمام الحجة العلامة قاضي القضاة الحافظ شيخ مشايخ الإسلام ، سيد العلماء الأعلام ، مرجع المحققين ، وسند المدققين شيخ السنة ، البيهقي الثاني ، شهاب الدنيا والدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني .... صاحب التصانيف النادرة ، والتي تشهد بأنه إمام الحفاظ ، محقق المحدثين زبدة النقادين ، لم يخلّف بعده مثله ... اهـ(2)
فهذا الكتاب التقط فيه مؤلفه من كتاب "ميزان الاعتدال" التراجمَ التي ليست في كتاب "تهذيب الكمال" وزاد عليها جملةً كثيرةً من التراجمِ المتكلَّم فيها، فما زادهم من التراجم؛ جعل أمامه رمز "ز"، وما زاده من ذيل الحافظ العراقيِّ على "الميزان" رَمَزَ له "ذ" إشارة إلى أنه من ذيل شيخه العراقيّ.
ثم إن ما زاده من التنبيهات والتحريرات في أثناء بعض التراجم التي التقطها من "ميزان الاعتدال" للذهبي ختم كلام الذهبي بقوله: انتهى، وما بعدها؛ فهو كلامه.
ثم إن المؤلف عاد فجرد الأسماء التي حذفها من الميزان، ثم سردها في فصل ألحقه في آخر الكتاب؛ ليكون الكتاب مستوعِبًا لجميع الأسماء التي في الميزان كما قال.
وقد قال المؤلف -رحمه الله- في أول هذا الفصل:
فصل في تجريد الأسماء التي حذفتها من الميزان اكتفاء بذكرها في "تهذيب الكمال"
وقد جعلت لها علاماتها في التهذيب، ومَنْ كتبت قبالتَه "صح" فهو من تكلم فيه بلا حجة، أو صورة "مخ" فهو مختلف فيه، والعمل على توثيقه بين كذا ذلك.
فضعيف على اختلاف مراتب الضعف، ومن كان منهم زائدا على من اقتصر عليه الذهبي في "الكاشف" ذكرت له ترجمة مختصرة؛ لينتفع بذلك مَنْ لم يحصل له "تهذيب الكمال" وبالله التوفيق.
ثم قال -رحمه الله- في آخر هذا الفصل:
آخر التجريد، وفائدته أمران:
الأول: الإحاطة بجميع من ذكرهم المؤلف في الأصلي.
والثاني: الإعانة لمن أراد الكشفَ عنِ الراوي فإن رآه في أصلنا؛ فذاك، وإن رآه في هذا الفصل؛ فهو إما ثقة، وإما مختلف فيه، وإما ضعيف، فإن أراد زيادةَ بَسْطِ النظرِ في مختصر التهذيب؛ نظر في مختصر التهذيب الذي جمعتُه ففيه كل ما في "تهذيب الكمال" للمزي من شرحِ حالِ الرواةِ وزيادة عليه، فإن لم يحصل له نسخة منه؛ فتذهيب التهذيب للذهبي؛ فإنه حسنٌ في بابه، فإن لم يجده لا هنا ولا هنا؛ فهو إما ثقة أو مستور.
هذا وقد رتب التراجمَ على حروفِ المعجم، ثم بعد انتهاء الأسماء؛ ذكر الكُنَى ورتبها على الحروف أيضا، ثم المبهمات وقد قسمهم إلى ثلاثة فصول:
الأول: المنسوب.
والثاني: من اشتهر بقبيلة أو صنعة.
والثالث: من ذُكِرَ بالإضافة.
وقد طبع الكتاب في ستة أجزاء فطبعته دائرة المعارف العثمانية في الهند سنة 1329 للهجرة.
وهذا فصلٌ مفيدٌ جدًّا للطالب، وإذا كنا قبل ذلك تكلمنا على رواة الكتب الستة التي في "تهذيب الكمال" وأصوله وفروعه، والكلام على الكتب التي في الثقات خاصةً؛ فالكلام هنا في هذا الفصل -كلِّه- في الكلام على الرواة الضعفاء.
وقد لخص الحافظ ابن حجر رحمه الله ما قاله الأقدمون في الراوي بما فيهم الذهبي في الميزان واستدرك عليه كثيراً ، وناقشهم في كثير من الرواة انظر الأرقام التالية من الجزء الأول : (6 و9 و12 و20 و22 و31 و49 و51 و52 و56 و61 و68 و71 و72 و73 ...)
وقد حققه الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 179 و180 و183 و184 و185 و187 و188 و189 و205 و211 و212 و351 وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي
(2) - انظر التهذيب 12/498-504(1/286)
القسم الثالث: كتب يذكر فيها الثقات فقط، فهم يذكرون تعديل الرواة، فلا يذكر فيها إلا الثقات في نظر المؤلف، ومن أشهر تلك الكتب هي:
الأول
"كتاب الثقات" للعجلي (261)
العِجْلِيُّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الأَوحدُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحِ بنِ مُسْلِمٍ العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزيلُ مَدينَةِ أَطرَابلسَ المَغْرِبِ، وَهِيَ أَوّلُ مَدَائِنِ المَغْرِبِ، بَينَهَا وَبَيْنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَسِيْرَةُ شَهرٍ، ثُمَّ مِنْهَا يَسِيرُ غَرباً إِلَى مَدِيْنَةِ تُونُسَ الَّتِي هِيَ اليَوْمَ قَاعِدَةُ إِقْلِيمِ إِفْرِيْقِيَةَ.
مَوْلِدُهُ: بِالْكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَوَالِدِهِ؛ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئِ، وَعَفَّانَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعْنَاقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ حَدِيْدٍ الإِلْبِيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ إِسْحَاقَ.
وَلَهُ مُصَنَّفٌ مُفِيدٌ فِي (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)، طَالَعْتُهُ، وَعلَّقتُ مِنْهُ فَوائِدَ تَدُلُّ عَلَى تَبحُّرِهِ بِالصَّنعَةِ وَسَعَةِ حِفْظِهِ.
وَقَدْ ذُكِرَ لِعَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيِّ، فَقَالَ: ذَلِكَ كُنَّا نَعُدُّه مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَرَّ إِلَى المَغْرِبِ لَمَّا ظَهرَ الامْتِحَانُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَاسْتَوطَنَهَا، وَوُلِدَ لَهُ بِهَا.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: لَمْ يَكُنْ لأَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ عِنْدَنَا بِالمَغْرِبِ شَبِيهٌ وَلاَ نَظِيرٌ فِي زَمَانِهِ فِي مَعْرِفَةِ الغَرِيْبِ وَإِتقَانِه، وَفِي زُهْدِه وَوَرَعِه.
وَقَالَ المُؤَرِّخُ العَالِمُ أَبُو العَرَبِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ تَمِيْمٍ القَيْرَوَانِيُّ: سَأَلْتُ مَالِكَ بنَ عِيْسَى العفصيَّ الحَافِظَ: مَنْ أَعلَمُ مَنْ رَأَيْتَ بِالحَدِيْثِ؟
قَالَ: أَمَّا فِي الشُّيُوْخِ فَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَانِمٍ الحَافِظُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُعتبٍ - مَغربِيٌّ ثِقَةٌ - يَقُوْلُ:
سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ ابْنُ ثِقَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا سَكَنَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِأَطرَابلسَ لِلتَفَرُّدِ وَالعِبَادَةِ، وَقَبرُهُ هُنَاكَ عَلَى السَّاحِلِ، وَقَبرُ وَلدِه صَالِحٍ إِلَى جَنْبِهِ. )
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: رحلتُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَمَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي البَصْرَةَ بِيَوْمٍ.
مَاتَ أَحْمَدُ: سنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ ابْنُه صَالِحٌ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.(1)
منهج الإمام العجلي من حيث التراجم وذكره للرواة فكما يلى:
- إنه يذكر اسم الرجل واسم أبيه وكنيته ونسبته إلى البلد أو إلى القبيلة، ويبين إن كان منهم أو من مواليهم، وقد يهمل ذكر الوالد لا سيما إذا كان اسمه مختلفا فيه.
وقليلا ما يذكر الأساتذة والتلامذة.
- يذكر طبقة الراوي: إن كان صحابيا بينه، وإن كان تابعيا بينه، ومن كان بعدهم فهو من عامة المسلمين.
ومن كان من التابعين فمن بعدهم فيذكر درجتهم من حيث الثقة والضعف.
- يحرص على ذكر بلد الراوي في أغلب التراجم حتى في الجزء الذي هو مرتب على البلدان فيقول: مدني تابعي ثقة، أو كوفي تابعي ثقة، أو بصري ثقة، أو حجازي ثقة، وهكذا.
- يذكر الرجل فيذكر معه أباه أو أخاه.
فمثلا لما ذكر مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: " بصري تابعي ثقة، وكان من كبار التابعين رجل صالح.
وأبوه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخوه يزيد بن عبد الله بن الشخير، بصري ثقة، وأخوه هانئ، بصري ثقة ". ومثل هذا كثير.
- قد يذكر الرجل وإخوانه في سياق واحد.مثلا: عمارة بن عبد وسليم بن عبد ورزين بن عبد، كوفيون سلوليون ثقات.
- قد يذكر الأخوين ويقارن بينهما من حيث الضبط أو العبادة أو كثرة الرواية وقلتها،فمثلا: ربيع بن أبي راشد، ثقة ثبت صالح..وأخوه جامع بن أبى راشد، وكان ثقة ثبتا، إلا أن ربيعا أرفع منه في العبادة، وهما في عداد الشيوخ وليس حديثهما بكثير.
- يذكر الرجل وأولاده ويقارن بينهم من حيث السِّن والفضل، فمثلا ذكر سعيد بن مسروق الثوري فأتبعه بذكر ابنه سفيان بن سعيد وعمرو بن سعيد، وقارن بينهما.
ومبارك بن سعيد وهو أصغرهم.
- بعد ذكر اسم الرجل وبلده ومنزلته يذكر مذهبه في كثير من الأحيان، ويذكر أعماله إن كان قاضيا أو كان على الشرط أو غير ذلك.
- يذكر كثيرا من الروايات والحكايات في المناقب والأخبار والنكت والطرائف وغيرها.
- تتصف التراجم بالوضوح والإيجاز والبت، فقد لا تزيد الترجمة على بضع كلمات.
التكرار في بعض التراجم: تكررت بعض التراجم مرتين أو ثلاث مرات،وقد حصل منه أيضا شيء من الإشكال والحيرة عند المرتبين، والمستفيدين في تحديد الرجل الذي يقصده العجلي، لأنه قليلا ما يذكر شيوخ الرجل والرواة عنه وكثيرا ما تتشابه الأسماء في طبقة واحدة، فقد يتكرر ذكر الرجل فيظن القارئ أنهما رجلان، وقد يكونان رجلين فعلا يتفقان في الاسم واسم الأب فيتوهم القارئ أنهما واحد تكرر مرتين فأكثر.
وقد وقع في هذا الإشكال كلٌّ من السبكي والهيثمي وابن حجرالعسقلاني
الإمام العجلي ومنهجه في الجرح والتعديل :
العجلى الناقد: والنقد - وإن شئت فسمِّه الجرح والتعديل، أو التمييز أو معرفة الرجال - هو أهم العلوم التي اشتهر بها الإمام العجلي.
وكما سبق أن ذكرت أن الإمام العجلي كانت لديه ثروة هائلة من الأحاديث، ولما كان جمع الروايات والمقارنة بينها من أهم طرق معرفة الثقة الضابط من الضعيف الواهم.
فإن الإمام العجلي استعمل ثروته الحديثية في هذا المجال.
وفيه تظهر براعة العجلي ومهارته، حتى شهد له أئمة هذا الشأن بطول الباع وسعة الاطلاع، كما سبق عن الذهبي وغيره.
ولما كان الإمام العجلي لم يصرح بشيء من منهجه وأسلوبه في الجرح والتعديل، فلم يكن لدينا سبيل سوى الاستقراء والتتبع لكتابه لمعرفة منهجه ومرئياته في بعض الأمور المتعلقة بهذا الفن.
طبقات الرواة:
لقد رتب كثير من المحدثين والمؤرخين كتبهم على الطبقات مراعين في ذلك الفضل والسبق في الإسلام، والتقدم الزمني من حيث الوفيات أو العلو في الأسانيد، أي الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين.
ولكن لم يكن هناك مفهوم محدد للطبقات من حيث الفترة الزمنية، ولذلك رتب كل مصنِّف كتابه وحدد طبقاته حسب اجتهاده.
فالذهبي مثلا رتب كتابه تذكرة الحفاظ على إحدى وعشرين طبقة من عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى عصره، وابن حجر في التقريب وزع رجال الكتب الستة على اثنتي عشرة طبقة.
إلا أن التقسيم العام للطبقات عند كثير منهم هو الصحابة فالتابعون فأتباع التابعين، بغض النظر عن التفاضل الذي يوجد فيما بينهم، كما فعل ابن حبان في الثقات ومشاهير علماء الأمصار وغيره.
والإمام العجلي لم يرتب كتابه على الطبقات، ولكنه مع ذلك يحرص على إظهار فضل الصحابة والتابعين، فينصُّ في ترجمة الصحابي على أنه من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وينصُّ في التابعي بأنه تابعي، وقد يميز بينهم فيقول: من كبار التابعين أو خيار التابعين، وأما من بعدهم فيكتفي ببيان مرتبتهم من حيث الجرح والتعديل، وعلى هذا يمكن أن نوزع التراجم الموجودة في الكتاب على أربع طبقات وهى:
1 - الصحابة.
2 - كبار التابعين.
3 - التابعون.
4 - أتباع التابعين فمن بعدهم.
موقفه من تعريف الصحابي:
إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فضل كبير ومرتبة عظيمة، فهم حملة الرسالة الإسلامية وبهم انتشر الإسلام في سائر أنحاء الأرض، وقد بذلوا أنفسهم ونفيسهم وقاتلوا وجاهدوا وأنفقوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله تعالى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده.
ولذلك اتفقت الأمة من أهل السنَّة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول، ولم يخالفهم في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.
قال الخطيب البغدادي: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن.
وبعد اتفاق أهل السنَّة والجماعة على عدالة الصحابة وفضلهم تعددت تعبيرات العلماء فيمن هو الصحابي ؟ لأن الصحبة تطلق على الكثير والقليل.
ولكن الذي اتفق عليه جمهور أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين: هو أن الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ومات على الإسلام ".
فيدخل فيه من لقيه من المسلمين ممن طالت مجالسته أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغز، من رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ويدخل في هذا العموم الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأوه في حال الطفولة.
فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على إحضار أولادهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ولادتهم ليحنكهم ويسميهم ويبرك عليهم. فعَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ وُلِدَ لِى غُلاَمٌ ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَىَّ ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِى مُوسَى .(2)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ؛ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ وَضَعَتْهُ ، وَطَلَبُوا تَمْرَةً حَتَّى وَجَدُوهَا فَحَنَّكَهُ بِهَا ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (3).
وعَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُم"(4).
ومثل هؤلاء يدخلون في شرف الصحبة مع فرق المراتب.
قال ابن حجر: " لا خفاء برجحان مرتبة من لازمه - صلى الله عليه وسلم - وقاتل معه أو قتل تحت رايته على من لم يلازمه أو لم يحضر معه مشهدا وعلى من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولة، وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع.
ومن ليس له منهم سماعٌ منه، فحديثه مرسل من حيث الرواية وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوا من شرف الرؤية.
والذي يظهر من صنيع الإمام العجلي أنه مع الذين لا يعتبرون الرؤية في الصغر كافية لإثبات الصحبة بل يتشددون في ذلك.
فكثيرا ما نرى ناسا اختلف العلماء في صحبتهم، ويأتي العجلي فيبتُّ بكونهم تابعين.
وهكذا الأمر فيمن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صغره فالعجلي يجزم بكونهم تابعين.
وعلى سبيل المثال: محمود بن الربيع الأنصاري الذى ثبت في الصحيح عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْتُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِى وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ(5). .
وقال ابن حجر في التقريب: " صحابي صغير وجلُّ روايته عن الصحابة ".
وقال العجلى: " مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين " وهكذا.
بل قد يظهر من صنيع العجلي أنه يشترط البلوغ لإثبات الصحبة.
فعلى الرغم من أنه ينصُّ في ترجمة عبد الله بن الزبير على أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ترجمة زينب بنت أبي سلمة بأنها " تابعية مدنية ثقة " وزينب هذه ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت أم المؤمنن أم سلمة رضي الله عنها، وقيل: إنها ولدت في أرض الحبشة وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمها وهي ترضعها،وقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة سنة ثلاث أو أربع من الهجرة، وهذا يعني أن عمر زينب عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سبع سنين،ولم يذكرها العلائي في جامع التحصيل.
وقد علق الهيثمي على قول العجلي " هي ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروت عنه ".
وقال ابن حجر في الإصابة: " ذكرها العجلي في ثقات التابعين، كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ ".
وعبد الله بن عياش بن أبى ربيعة المخزومي، قال ابن حجر: صحابي شهير ولد بأرض الحبشة، إذ هاجر أبوه إليها،وقال ابن حبان: أدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين،وقال العجلي: مدني تابعي ثقة.
وكأني بالأئمة رحمهم الله أنهم نظروا إلى القضية من زاويتين:
فمن اعتبر شرف اللقاء والرؤية ولو كانت في الصغر أو كانت بدون سماع أثبت لهم الصحبة، لأنهم قد حصل لهم من الفضل ما لم يحصل لمن بعدهم.
ومن لاحظ جانب الرواية ورأى أنهم لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو لم يحفظوا عنه فروايتهم مرسلة، لم يعدَّهم من الصحابة.
فمنهم من اكتفى بنفي الصحبة وإثبات الرؤية، ومنهم من جزم بإطلاق القول عليهم بأنهم تابعون.
ومنهم العجلي رحمه الله، كما ظهر من بعض الأمثلة التي سقتها وغيرها كثير في الكتاب.
ولما كان الصحابة كلهم عدول عند جمهور الأمة، فإنه لا يسأل عنهم ولا تستعمل فيهم كلمات التعديل والتوثيق كغيرهم من الرواة، فإنهم معدلون بتعديل الله ورسوله، ولذلك فالإمام العجلي يكتفي في ذكرهم بأنهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأحيانا يذكر شيئا من مناقبهم.
فمثلا في باب السين قال: " سعد بن عبيد الأنصاري، مدني من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قتل يوم القادسية ".
وبعده بترجمة واحدة ذكر سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه، فذكر نسبه ثم قال: " شهد بدرا، ويكنَّى أبا إسحاق، جمع له النبي - صلى الله عليه وسلم - أبويه رضي الله عنه.
وكان أول من رمَى بسهم في سبيل الله، وافتتح القادسية واختط الكوفة وكان أميرا عليها ".
كبارُ التابعين:
وكثيرا ما يستعمل الإمام العجلي هذا الوصف في أقواله، ولكنه لم يذكر الفارق الأساسي الذى يميز به بين كبار التابعين وصغارهم.
والمعروف في كتب هذا الفن أن كبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة.
وكثيرا ما يذكر الإمام العجلي في كبار التابعين، الأطفال والصغار الذين رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صغرهم قبل أن يبلغوا سن التمييز، أو قبل سن البلوغ أو رأوه كبارا لكن لم يسمعوا منه، أو ممن ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والغالب أنهم حملوا إليه - صلى الله عليه وسلم - في صغرهم على عادة الصحابة.
فمثلا عاصم بن عمر بن الخطاب، ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال العجلى: لم يكن له صحبة، مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين.
وأبو الطفيل عامر بن واثلة: قال العجلي: مكي ثقة، وكان من كبار التابعين.
والأمثلة على هذا كثيرة.
وأحياناً يذكر العجلي أمثال هؤلاء دون أن يصفهم بأنهم من كبار التابعين.
فمثلا: جارية بن قدامة التميمي، قال ابن حجر فيه: صحابي على الصحيح.
قال العجلي: بصري تابعي ثقة.
وجعدة بن هبيرة المخزومي، قال فيه ابن حجر: صحابي صغير له رؤية.
وقال العجلى: تابعي مدني ثقة.
وأمثلة هذا أيضا كثيرة في الكتاب.
وبعد كبار التابعين تأتي طبقة متوسطي التابعين وصغارهم، ولكن العجلي لا يفرق بينهم.
أمَّا من كان من أتباع التابعين أو بعدهم، فلا يذكر العجلي شيئا عن طبقاتهم، بل يكتفي ببيان مرتبتهم من حيث العدالة والجرح، إلا إذا كان بمناسبة.
فمثلا سئل في ترجمة مطر بن طهمان هل هو تابع أم لا ؟ فقال: لا.
المخضرمون: " وهم الذين أدركوا الجاهلية قبل البعثة، أو بعدها صغارا كانوا أو كبارا، في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن لم يره بعد البعثة أو رآه، لكن غير مسلم وأسلم في حياته أو بعده ".بل يعتبرون من كبار التابعين.
والإمام العجلى لم يستعمل كلمة (مخضرم) في كتابه،ولكنه استعمل كلمة (جاهلي) في عدة تراجم.
كالأسود بن هلال المحاربي قال فيه: " ثقة وكان جاهليا من أصحاب عبد الله، وكان رجلا صالحا " والأسود بن يزيد: " كوفي تابعي ثقة جاهلي "، وشقيق بن سلمة: " رجل صالح جاهلي " وهكذا سويد بن غفلة وعبد الله بن عكيم الجهني وقال فيه: " كوفي جاهلي " وهكذا سويد بن غفلة وعبد الله بن عكيم الجهنى وقال فيه: " كوفي جاهلي أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع من عمر " ومثل هذا: " عبيدة السلماني، كوفي تابعي ثقة جاهلي أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
وأبو رجاء العطاردي: " بصرى تابعي ثقة وكان جاهليا ".
وقد تتبعت تراجم هؤلاء فوجدتهم كلهم أسلموا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن لم يتمكنوا من رؤيته إلا الأسود بن هلال المحاربي، فقد هاجر زمن عمر، ولكن لم أعرف متَى كان إسلامه.
ويبدو لي - والله أعلم - أن مفهوم كلمة (جاهلي) عند العجلي يقارب مفهوم كلمة (مخضرم) عند الآخرين.
ولكنه لا يدخل فيهم إلا من أسلم في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وكان ما ذكره في ترجمة عبد الله بن عكيم وعبيدة السلمانى " أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - " هو تفسير لكلمة (جاهلي) عنده.
ولكنه في ترجمة أويس القرني ذكر أنه من كبار التابعين وعبادهم، ولم يذكر أنه (جاهلي) مع أن المشهور أن أويس القرني أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ألفاظ الجرح والتعديل في كتابه :
ثقة ثبت في الحديث حسن الحديث.
ثقة ثبت مأمون.
ثقة مأمون.
ثقة ثقة ثقة رفيع.
ثقة رجل صدق.
ثقة من خيار الناس.
ثبت في الحديث.
ثبت نقي الحديث.
ثقة.
ثقة لا بأس به.
ثقة حسن الحديث.
صدوق.
صدوق ثقة.
صدوق جائز الحديث.
حسن الحديث.
لا بأس به.
جائز الحديث لا بأس به.
جائز الحديث حسن الحديث.
جائز الحديث.
شيخ صدوق.
جائز الحديث وليس بالقوى في عداد الشيوخ.
جائز الحديث لا بأس به يكتب حديثه.
لا بأس به يكتب حديثه.
صويلح لا بأس به.
ثقة كان لا يتهم بالكذب.
لا بأس به يكتب حديثه.
ليس بالقوى.
ضعيف الحديث.
ضعيف الحديث وهو يكتب حديثه.
ضعيف الحديث وهو صدوق.
يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث.
ضعيف
جائز الحديث يكتب حديثه.
الناس يضعفونه.
ضعيف الحديث يكتب حديثه وفيه ضعف.
ليس بحجة.
ضعيف الحديث ليس بشيء.
ليس بشيء.
مجهول.
مجهول بالنقل.
لا يقيم الحديث حديثه يدلك على ضعفه.
واهي الحديث.
لا يكتب حديثه.
ضعيف الحديث متروك.
متروك الحديث.
السكوت على بعض التراجم:
هناك عدد قليل جدا من الرواة الذين ورد ذكرهم في الكتاب دون أن يصفهم العجلي بأي كلمة من كلمات الجرح والتعديل.
ولا أدري هل هذا السكوت بسبب ورود ذكرهم استطرادا بمناسبة أو أخرى أو أن العجلي لم يجزم برأي فيهم.
ومنهم: إبراهيم السعدي، أشعث بن عبد الملك.عمار بن معاوية الدهني، وغيرهم.
تعدد أقواله في بعض التراجم:
تتصف أقوال العجلي في الجرح والتعديل بالوضوح والإيجاز، ولا يوجد فيها تعارض أو تناقض.
ولكن تعددت أقواله في بعض التراجم وهي تقارب خمس عشرة ترجمة.
ويمكن الجمع بينها بكلِّ سهولة بحيث يكون أحد القولين تفسيرا للآخر.
فمثلا قال في ترجمة " إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق " ثقة. وقال مرة: جائز الحديث.
وإذا جمعنا بين قوليه يكون " ثقة جائز الحديث " وهذا يقارب قوله " لا بأس به " أو ما في معناه.
وهكذا في ترجمة أصبغ بن الفرج " لا بأس به " وفي موضع آخر " ثقة صاحب سنة " والأمر بين القولين قريب.
ومن هذا القبيل في عدة تراجم منها: الأجلح الكندي، وثوير بن أبي فاختة، عباد بن منصور الناجي، عطاء بن السائب بن زيد، علي بن زيد بن جدعان، علي بن مبارك، عمر بن عبيد الطنافسى، سيف بن سليمان ، و يقال : ابن أبى سليمان ، ، محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، مطر الوراق، الوليد بن شجاع، يوسف بن يونس ابن أبي إسحاق.
أوصاف ومميزات أخرى:
بعد تحديد مرتبة الراوي من حيث العدالة والضبط، هناك أوصاف أخرى يتميز بها الإنسان، كأن يكون من كبار الأئمة ذوي المكانة والفضل والصبر والجهاد في سبيل الله، أو يكون من الفقهاء والقضاة أو ممن اهتموا بالتمييز والتحقيق في الحديث، أو ممن اهتموا بالتفسير والقراءات، أو امتاز بالزهد والعبادة أو بالشعر والأدب، أو بالذكاء والفراسة أو غيرها من الأوصاف.
فحينذاك يأتي الإمام العجلي بكلمات تدلُّ على عظمته وفضله وأوصافه واهتماماته.
فعلى سبيل المثال قال في ترجمة الإمام أحمد: ثقة ثبت في الحديث، نزه النفس، فقيه في الحديث، متبع، يتبع الآثار، صاحب سنَّة وخبر.
وقال في ترجمة إبراهيم بن الزبرقان التميمي: كان ثقة راوية تفسير القرآن، حسن الحديث وكان صاحب سنَّة، وصاحب تفسير.
وقال في حفص بن غياث الكوفي: ثقة مأمون فقيه وكان على قضاء الكوفة.
وفي إسحاق بن منصور الأسدي: ثقة متعبد رجل صالح.
وفى شعبة بن الحجاج: ثبت نقي الحديث.
وفى يحيى بن سعيد القطان: بصري ثقة نقي الحديث.
والأمثلة على هذا كثيرة جدا.
وغالبا ما يأتي العجلي بروايات وأخبار تدلُّ على أوصاف ومميزات الرواة، وأخبار القضاة والحكماء والأمراء والزهاد وغيرهم.
ومثل هذه الحكايات لها قيمة تاريخية كبيرة، لا تخفى على أصحاب الفن.
البدع وأثرها في علم الجرح والتعديل وموقف الإمام العجلي تجاهها :
لقد اهتم المحدثون أشد الاهتمام بموضوع البدع وآثارها على السنَّة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم، وأخذوا جانب الحذر والاحتياط في الرواية عن أصحاب البدع والأهواء.
ولقد كانوا ينظرون إلى هذه القضية من زاويتين مهمتين:
__________
(1) - وفي سير أعلام النبلاء (12/5065) فما بعد - 185 -
(2) - صحيح البخارى(5467 )
(3) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 7 / ص 378)(23949) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 7 / ص 378)(23950) صحيح
(5) - صحيح البخارى(77) - المجة : اللفظة - مج : لَفَظ ما فى فمه(1/287)
1 - أن كثيرا من أهل البدع لا يتورعون عن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من أجل نشر وترويج عقائدهم الباطلة، ولا سيما الرافضة منهم، ومثل هؤلاء لا تجوز الرواية عنهم ولا كرامة، فقد سئل الإمام مالك عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون.
وقال الإمام الشافعي: تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
2 - هناك ناس من أهل البدع لم يجربْ عليهم الكذب، ولكن في الرواية عنهم رفع لمكانتهم وشأنهم - لاسيما من كان منهم داعيا إلى بدعته - وهذا يؤدي إلى رواج بدعتهم، لأن عامة المسلمين إذا رأوا أصحاب الحديث وأئمة السنَّة يحضرون مجالسهم ويأخذون منهم، فيظنون أنهم على حق حتى في أفكارهم المنحرفة مع صدقهم وورعهم.
وطالما وجد العلم الذي لديهم لدى أناس من أهل السنَّة فلا داعي للرواية عنهم.
وقد سئل الإمام أحمد: يكتب عن القدري ؟ قال: إذا لم يكن داعيا.
وقال عبد الرحمن بن مهدى: من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل، ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحقَّ الترك.
وليس هذا في الأخذ فقط، بل حتى إن كثيرا منهم كانوا لا يسمحون لأهل البدع أن يحضروا مجالسهم ويسمعوا منهم.
ولذلك فقد اهتمَّ أئمة الجرح والتعديل ببيان عقائد الرواة وأفكارهم عند ذكرهم.
والإمام العجلي أيضا في كتابه هذا يهتمُّ اهتماما واضحا بذكر عقائد الرجال ومذاهبهم، فهو بعد ذكر مراتبهم من حيث الثقة والضعف يذكر مذهبهم وعقيدتهم، ويوضح من كان منهم لين القول في بدعته أو كان غاليا أو كان داعيا إليها، ومع أن من لم ينسب إلى بدعة فهو من أهل السنَّة ولكنه مع ذلك يصف العلماء والأئمة الذين قاموا بالدفاع عن السنَّة بأنهم أصحاب سنَّة.
ويذكر هذا الوصف في تراجمهم باعتزاز.
وفيما يلي أذكر بعض النماذج عن الإمام العجلي، فيما يتعلق بأهل السنَّة وأهل الأهواء والبدع.
أصحاب السنة:
وهم كثيرون - والحمد لله - في كتاب العجلي وأذكر بعض التراجم للنموذج فقط:
أحمد بن حنبل: ثقة ثبت صاحب سنة.
أحمد بن صالح: مصري ثقة صاحب سنة.
إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري: كوفي ثقة، وكان رجلا صالحا قائما بالسنَّة.
العثمانيون والعلويون:
اتفق عامة أهل السنة أن أفضل هذه الأمة بعد نبي الله: أبو بكر وعمر وعثمان بن عفان رضى الله عنهم.
وفي صحيح البخارى (3655 )عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضى الله عنهم .
ولكن يبدو أن بعض الناس كانوا يهتمون بهذا الموضوع اهتماما خاصا، فسمُّوا بالعثمانيين.
وكان مقابلهم ناس آخرون يفضِّلون عليا رضي الله عنه على عثمان فسمُّوا بالعلويين.
ولم يكن الأمر يصلُ بينهم إلى التشيع أو النصب، وإنما خلافهم كان فيمن هو الأفضل مع الاعتراف بفضلهما وصحة خلافتهما.
والإمام العجلي في كثير من التراجم، ينبه على آرائهم هذه.
فعلى سبيل المثال روى في ترجمة أبي وائل شقيق بن سلمة بسنده عن عاصم قال: قيل لأبي وائل: أيهما أحبُّ إليك علي أو عثمان ؟ قال: كان علي أحبَّ إليَّ من عثمان، ثم صار عثمانُ أحبَّ إليَّ من عليٍّ.
وطلحة بن مصرف اليامي: كوفي ثقة، وكان يحرم النبيذ، وكان عثمانيا يفضِّل عثمان على علي، وكان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم.
وزبيد بن الحارث اليامي، كوفي ثقة ثبت في الحديث، وكان علويًّا وكان يزعم أن شرب النبيذ سنَّةٌ.
ومن الطرائف التى ذكرها الإمام العجلي في هذا الصدد، ما ذكر في ترجمة طلحة بن مصرف اليامي فقال: " وكان طلحة مصرف وزبيد اليامي متواخيين، وكان طلحة عثمانيا وزبيد علويا، وكان طلحة يحرِّمُ النبيذ، وكان زبيد يشربُه ومات طلحة فأوصى إلى زبيد.
وكان عبد الله بن إدريس الأودي، وعبثر بن القاسم أبو زبيد الزبيدي متواخيين.
وكان عبد الله بن إدريس عثمانيا وكان عبثر علويا.
وكان ابن إدريس يحرِّم النبيذ وكان عبثر يشربُه، ومات عبثر فقام ابن إدريس يسعَى في دَين عليه حتى قضاه.
وكان عبد الله بن عكيم الجهني..وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري متواخيين، وكان عبد الله بن عكيم عثمانيا وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى علويا، وما سمع يتذاكران شيئا من ذلك.
إلا أن ابن عكيم قال لعبد الرحمن بن أبي ليلى يوما: أمَّا إن صاحبك (يعني عليا) لو صبر لأتاه الناس.
وماتت أم عبد الرحمن ابن أبى ليلى فقدَّم عليها ابن عكيم فصلَّى عليها ".
ويظهر من هذه الروايات أنهم مع اختلافهم في وجهات نظرهم كانوا إخوانا متحايين في الله ، متعاونين في البر والتقوى لا قطيعة بينهم ولا تنافر.
وقد ذكر الذهبي عن الأعمش قال: أدركت أشياخنا زرا وأبا وائل فمنهم مََن عثمانُ أحبَّ إليه مِن عليٍّ، ومنهم مَنْ عليٌّ أحبَّ إليه من عثمانَ، وكانوا أشدَّ شيء تحابًّا وتوادًّا.
ومن فرق أهل الأهواء التى يشير إليها العجلي: الشيعة. النواصب، القدرية، المرجئة، الجهمية، الخوارج.
ومع الإشارة إلى عقائدهم يطلق عليهم ما يستحقون من مراتب الجرح والتعديل، كثقة أو لا بأس به، أو ضعيف، أو غير ذلك.
وهذا يدلُّ على أن الإمام العجلي كغيره من المحدِّثين لا يترك الرواية عن أحد لمجرد ما وجد فيه من خلاف عقدي أو فكري، بل المدارُ على الصدق والعدالة والضبط.
فإذا كان الراوي متصفا بالورع والتقوى والصدق والضبط فيصدق في خبره إلا إذا أدت بدعته إلى الكفر أو الكذب فحينذاك تسقط عدالتُه.
وقد فصل أهل العلم القوم في قبول رواية أهل البدع بما لا مجال لذكره هنا.
التنبيه على علل أخرى :
بعد ذكر مرتبة الراوى ينبه الإمام العجلي على علل أخرى قد تستوجب ضعف الإسناد أو التوقف فيه حتى بعد ثبوت عدالة رجاله.
ومن هذه العلل: الاختلاط: وهو " فساد العقل " وعدم انتظام الأقوال والأفعال إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عرض، من موت ابن أو سرقة مال، كالمسعودي آو ذهاب كتب كابن لهيعة، أو احتراقها ...
فإذا أصيب الثقة بالاختلاط لأي سبب من الأسباب، فحينذاك يقبل المحدِّثون من حديثه رواية مَن روى عنه قبل الاختلاط ، ولا يقبلون مَن روى عنه بعد الاختلاط أو أشكل أمره، فلم يعرف هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده.
والذين أصيبوا بهذا من الرواة الثقات قليلون جدا، وقد تتبعهم النقاد واحدا واحدا، ليعرفوا من روى عنهم قبل الاختلاط، ومن روى عنهم بعده.
وذلك لما له من تأثير في صحة الحديث أو ضعفه.
والإمام العجلي يأتي بفوائد مهمة في هذا الموضوع، نقلها عنه الباحثون في تراجم هؤلاء،كالذهبي في ميزان الاعتدال، وعنه ابن الكيال في الكواكب النيرات، وكذلك ابن رجب في شرح علل الترمذي وغيرهم.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره في ترجمة سعيد بن إياس الجريرى، إذ قال: " بصري ثقة واختلط بأخرة.
روى عنه في الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك وابن أبي عدى، كما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط.
إنما الصحيح عنه حماد بن سلمة وإسماعيل بن علية وعبد الأعلى أصحهم سماعا سمع منه قبل أن يختلط بثماني سنين وسفيان الثوري وشعبة صحيح ".
ومثل هذا في تراجم حجاج بن نصير الفساطيطي، وعارم بن الفضل السدوسي، وعطاء بن السائب بن يزيد، وعبد الرحمن المسعودي، وأبي إسحاق السبيعي، وسعيد بن أبي عروبة، وزكريا بن أبي زائدة.
التدليس:
وهو رواية الراوي عمن سمعه ما لم يسمعه منه موهما بالسماع.
ولما كان المدلسون من الرواة يسقطون الواسطة بينهم وبين شيخهم ليكون ظاهر الإسناد أنه متصل، بينما هو في الحقيقة منقطع ويستلزم ضعف الإسناد.
فقد تتبع النقاد مثل هؤلاء الرواة - وهم قليلون - وبينوا أساليبهم وطرقهم.
والإمام العجلي أيضا نبه على مثل هذا في تراجم تليد بن سليمان، وجابر بن يزيد الجعفي، والحجاج بن أرطاة، وهشيم بن بشير، وغيرهم.
ومن القواعد المهمة التي ذكرها العجلي في هذا الباب ما ذكره ابن رجب في شرح علل الترمذي بعنوان: ذكر من كان يدلس بعبارة دون عبارة.
ثم قال: قال العجلي: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو سمع جابرا فصحيح.
وإذا قال سفيان: سمع عمرو جابرا فليس بشيء.
يشير إلى أنه إذا قال: عن عمرو فقد سمعه منه، وإذا قال: سمع عمرو جابرا فلم يسمع ابن عيينة عن عمرو.
الإرسال:
ويطلق في الغالب على رواية التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واستعمله العجلي وغيره في المعنى اللغوي أيضا في كل من روى عمن لم يلقه، وهذا أيضا من علل الإسناد، وقد نبه الإمام العجلي على هذا في بضع وعشرين ترجمة ، كقوله في عباس بن ذريح ثقة روى عن الشعبي وهو يرسل عن عائشة لم يدركها في عداد الشيوخ وروى عنه شريك وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما .
والإمام ابن رجب كثيرا ما يهتم بذكر هذه الفوائد عن العجلي في شرح علل الترمذي.
وهناك علل أخرى من أخطاء الرواة وغيرها، بينها العجلي في ترجمة إبراهيم بن مرزوق، وعاصم بن أبي النجود، ويحيى بن أبي بكير قاضي كرمان وغيرهم.
وقد ذكر الإمام العجلى في ترجمة عامر الشعبي: (مرسل الشعبي صحيح لا يكاد يرسل إلا صحيحا وأهل اليمن أرق قوم).
وقال العجلي في ترجمة حجاج بن أرطاة: " كان جائز الحديث إلا أنه صاحب إرسال وكان يرسل عن يحيى بن أبى كثير ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن مكحول ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن الزهري ولم يسمع منه شيئا، فإنما يعيب الناس منه التدليس، وروى نحوا من ستمائة حديث ".
ومثل هذا في تراجم كثيرة منها إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي، والحكم بن عتبة، وسلمة بن دينار، وسليمان بن حرب البكري، وعارم بن الفضل السدوسى، وعبد العزيز بن جريج المكي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعى، وغيرهم.
• توثيق العجلي واتهامه بالتساهل فيه :
تقدم من ألفاظ الأئمة في الثناء على العجلي ، ما بين أنه إمام من أئمة النقد ، وأنه من كبار الحفاظ مع التدين المتين والورع والزهد ، حتى إنه كان يقرن في ذلك بيحيى بن معين والإمام أحمد بن حنبل إمامي السنَّة والجرح والتعديل .
وثناء الأئمة عليه بذلك استمر من عصره وفي حياته،إلى زمن الإمام الذهبي وابن ناصر الدين،بل إلى ما بعد ذلك ، حتى العصر الحديث حين اتهم بالتساهل كما يأتي !!
بل لقد مضى الأئمة على اعتماد أقوال العجلي ،والنص على أنه من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين ،وعلى الثناء على كتابه في الجرح والتعديل .
فكتاب العجلي أحد موارد الخطيب البغدادي ،والحميدي (ت488هـ ) وابن عساكر ، والمزي ، والذهبي ،وابن رجب الحنبلي ،والحافظ ابن حجر ، والسخاوي ، والسيوطي ، وابن العماد الحنبلي ،وغيرهم(1).
وقد ذكره الإمام الذهبي في كتابه ( ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)(2)وذكره السخاوي في ( المتكلمون في الرجال )(3).
وقال الذهبي في ترجمته في ( سير أعلام النبلاء ) : " وله مصنف مفيد في الجرح والتعديل ، طالعته ، وعلقت منه فوائد يدل على تبحّره بالصنعة وسعة حفظه "(4)
وقال نحو هذه العبارة الصفدي في (الوافي بالوفيات)(5).
وقال ابن ناصر الدين : " وكتابه في الجرح والتعديل يدلُّ على سعة حفظه وقوة باعه الطويل(6).
وعلى هذا لم أجد أحداً من الأئمة السابقين - قبل العصر الحديث - من وسم العجلي بالتساهل في التوثيق وأنه لا يعتمد على توثيقه إذا انفرد به لراو لم نجد فيه قولاً لغيره.
وأول من وجدته وصف العجلي بالتساهل في التوثيق :العلامة المحقق عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي (ت1386هـ ) حيث قال في ( طليعة التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل ) : " والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجاهيل من القدماء "(7).
وقال أيضاً في ( الأنوار الكاشفة ) : " وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع "(8).
وتبعه على ذلك محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني ، في مواطن كثيرة من كتبه ، منها قوله في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) : " العجلي معروف بالتساهل في التوثيق ، كابن حبان تماماً ، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم "(9).
ثم انتشر هذا القول بتساهل العجلي بين طلبة العلم وأصحاب التأليف ، حتى شاع واشتهر ، ولم تعد ترى فيهم من يدفعه أو يخالفه ، بل من يناقشه بالدليل والبرهان ، فأصبح من الأمور المسلَّمة عندهم ، لا يحتاج إلى استدلال ، بل ربما لا يجوز ذلك فيه !! .
وخطأ ذوي الفضل - كالمعلمي والألباني - يزيد من فضلهم ، لأنه أجر واحد من مجتهد معذور ، يضاف إلى ما سبقت به أعمالهم - تقبلها الله - لكن تقليدهما فيه ، والتعصب لذلك جهلاً واستكباراً هو المأخوذ على صاحبه .
ولمناقشة هذه المسألة ، أذكر أدلة من اتهموا العجلي بالتساهل ، ثم أتبعها بالرد عليها ، قالوا : يدلُّ على تساهله أموراً ثلاثة :
الأول : كثرة توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً .
الثاني : مخالفته لغيره من أئمة النقد بتوثيقه رواة جهلهم غيره أو ضعفهم أو تركهم .
الثالث : عدم اعتماد الحافظ ابن حجر لتوثيق العجلي إذا انفرد .
والرد على هذه الشبه من وجوه :
الأول : أما توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً ، فما وجه دلالته على تساهله ؟
وهل تزيد على أن أعلنا جهلنا ؟
وأننا عجزنا أن نعرف حال الراوي إلا من طريق العجلي ؟!
ثم إن كان هذا دليلاً على تساهل العجلي ، فلن ينجو إمام من أئمة الجرح والتعديل من أن يكون متساهلاً كالعجلي ، لأنه لا يخلو إمام - خاصة المكثرون من نقد الرواة - من أن نجد له توثيقاً لراو لم يتكلم فيه غيره ، فصف يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، بالتساهل إذن بنفس الحجة التي وصفت بها العجلي بذلك !!! .
الثاني : أمَّا مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة جهلهم غيره من الأئمة فمتى يكون من عنده زيادة علم مقدماً على غيره إذا لم نقبل توثيق العجلي في هذه الحالة؟!! .
إن قول الإمام عن راو : إنه ( مجهول ) إعلام من الإمام عن عدم معرفته له ، وإعلان منه أنه لا يخبر حاله ، فإذا قال إمام آخر عن ذلك الراوي : إنه (ثقة) فليس في ذلك مخالفة أصلاً ، ولا هذه المسألة من مسائل تعارض الجرح والتعديل ، لأن من جهل الراوي توقف عن الحكم عليه بالثقة والضعف أيضاً ، لعدم معرفته له ،ومن وثقه عرفه ، وعرف من حاله ما يستحقُّ التوثيق ، فأصدر هذا الحكم عليه .
وهنا نقول : مََن كان عنده علمٌ حجةً على من لم يكنْ عنده علمٌ .
والعجلي إمامٌ كبير ، أكبر سِنًّا وأعلى إسناداً من الإمام البخاري ، وكان يقرن بالإمام أحمد ويحيى بن معين في العلم ، كما سبق ، فمثله لا ينكر عليه أن يعرف من يجهله غيره من أئمة النقد ، ولا يستغرب منه أن يكون حجَّة على عدم علم غيره من حفاظ الحديث .
الثالث : أما مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة ضعفهم غيره أو تركهم سواء فمن نجا من الأئمة من مثل ذلك ؟ !! .
إن اختلاف اجتهادات الأئمة في الرواة جرحاً وتعديلاً واقع واضح وضوح الشمس لكثرته تكرره ، ولجميع الأئمة، فلن تجد إماماً إلا وقد وثق من ضعفه غيره أو ضعف من وثقه غيره ، وربما كان الصواب مع من وثقه ،وربما كان العكس ، فلا كون الصواب مع الموثق بالدليل الكافي لوسم المضعِّف بالتشدد ،ولا كون الصواب مع المضعِّف بالبرهان الصحيح على اتهام الموثِّق بالتساهل وإلا لن يخلو إمام من أن يكون متشدداً متساهلاً في آن واحد !! لأنه لن يخلو إمام من أن يوثق مََنِ الصوابُ ضعفُه أو يضعِّفَ مََنِ الصوابُ توثيقُه .
الرابع : أما عدم اعتماد الحافظ ابن حجر على توثيق العجلي ، فليس بصحيح مطلقاً ، بل اعتمده مرات كثيرة خاصة مع توثيق ابن حبان .
فها هو قد ذكر حفص بن عمر بن عبيد الطنافسي في التقريب وقال عنه : ثقة(10)مع أنه لم يذكر في التهذيب له موثقاً غير العجلي(11).
وهاهو يقول عن أم الأسود الخزاعية في ( التقريب ) : (ثقة)(12)مع أنه لم يذكر أن أحداً تكلم عنها في ( التهذيب )(13)غير توثيق العجلي .
ولما ذكر الحافظ في ( التهذيب ) : البراء بن ناجية الكاهلي ، وتوثيق العجلي وابن حبان له ، مع قول الذهبي عنه : فيه جهالة لا يعرف ، تعقب الحافظ قول الذهبي بقوله : قد عرفه العجلي وابن حبان فيكفيه(14)وأمثلة ذلك كثيرة جداً.
نعم .. هناك مواطن أخرى ينقل الحافظ بن حجر في ( التهذيب ) توثيق العجلي ، مع ذلك لا يقول عن ذلك الراوي الذي نقل فيه توثيق العجلي في (التقريب) : " ثقة " بل يقول : " مقبول "(15).
ولذلك أيضاً أمثلة كثيرة ، فليس عدم اعتماد الحافظ لتوثيق العجلي في مواطن قاضياً على اعتماده عليه في مواطن أخرى بل العكس هو الصواب، لأن العجلي إمام من جلة أئمة الجرح والتعديل كما سبق من كلام الأئمة عنه فبأيِّ حُجَّة نعرض عن اعتماد قوله في راو لا مخالف له فيه أصلاً ؟
ونقول في هؤلاء الرواة الذي لم يعتمد الحافظ فيهم توثيق العجلي ما نقوله تماماً في رواة وثقهم يحيى بن معين(16)وعلي بن المديني(17)وأبو حاتم(18)وأبو داود(19)والنسائي(20)وغيرهم(21)وذكر الحافظ ذلك عنهم في ( التهذيب ) مع ذلك قال الحافظ عن هؤلاء الرواة الذين وثقهم أولئك الأئمة وأمثالهم في بعض الأحيان : " مقبول "(22)فهل نقول إن الحافظ لا يعتمد توثيق أولئك الأئمة ؟!
أم نلتمس الأعذار للحافظ ؟ ونقول : لعل له اجتهاداً ، أو لعله سبق قلم ، أو هو خطأ معذور صاحبه مأجور إن شاء الله تعالى .
قلت : الصواب أنه قال ذلك ، لأن هؤلاء الرواة قليلو الراوية ، ولم يرو عنهم سوى واحد في الأكثر ، وهي متربة تعديل كما أشرت وليست مرتبة جرح!!
المهم أن لا يكون عدم اعتماد الحافظ لتوثيق العجلي سبباً لعدم اعتمادنا نحن توثيقه ،وإلا ألجأنا القياس الصحيح على ذلك إلى عدم اعتمادنا توثيق يحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي حاتم وأبي داود والنسائي وهذا هو الباطل !! .
ثم لنفترض أن الحافظ لم يكن يعتمد توثيق العجلي ، فهل الحافظ حجة على غيره من الأئمة ، الذين وصفوا العجلي بالإمامة في الحديث ، حتى قرنوه بابن معين والإمام أحمد ؟!.
ويمكن أن نعارض الحافظ بتصرف غيره من الحفاظ كابن رشيد السبتي (ت721هـ) الذي اعتمد توثيق العجلي لعمارة بن حديد(23)في مقابل جهالة أبي زرعة وأبي حاتم وابن عبد البر وغيرهم له(24)ليؤكد لنا بذلك عظيم اعتداده بتوثيق العجلي ، وليعطينا مثالاً واقعياً لما سبق أن ذكرناه ، من أن توثيق الإمام مقدم على جهل غيره من الأئمة لأن مع الموثق زيادة علم .
وبذلك نكون قد رددنا على أدلة وشبه من اتهم العجلي بالتساهل في التوثيق وبينا أن هذا القول قول مستَحدَثٌ وأن جميع الأئمة السابقين على رأي واحد وهو: اعتقاد إمامة العجلي في علم الحديث وأنه أحد نقاد الآثار وصيارفة العلل ،وأئمة الجرح والتعديل ، لا يغمز بشيء في علمه ، ولا يخطأ في منهجه ، وأنه يقرن بالإمام أحمد ويحيى بن معين .
فلا أرى - بعد ذلك - عدم الاعتماد على توثيقه بدعوى تساهله ، إلا قولاً مرجوحاً ضعيفاً ، فيه إهدار لأحكام جليلة من إمام جليل عليه رحمة الله .
أما الأسماء التي أطلقها الأئمة على الكتاب ، فمختلفة :
فسموه بـ( الثقات) و ( الجرح والتعديل ) و( التاريخ ) و ( معرفة الرجال ) ، و( السؤالات) وقال عبد العليم البستوي في مقدمة تحقيقه : " يظهر بعد هذا أن كل هذه الأسماء العديدة لكتاب واحد ، وقد وصفه كل حسب ما بدا له بالنظر إلى موضوعه ومحتوياته فهو كتاب ( الثقات ) لغلبتهم عليه ، وهو كتاب ( الجرح والتعديل ) كما هو واضح ، وهو كتاب ( التاريخ ) بالمعنى المعروف عند المحدثين"(25).
قلت : لكن تسمية الكتاب بـ( الثقات) جرت إلى خطأ كبير عن هذا الكتاب ، فلم يفهم على أن تسميته بـ (الثقات) لأن الثقات هم أغلب من ذكر فيه ، بل فهم على أنه كتاب مختص بـ( الثقات ) فقط ، كثقات ابن حبان وابن شاهين !! .
فمن الحفاظ : يقول خاتمتهم الحافظ ابن حجر في ( نزهة النظر ) : " ومنهم من أفرد الثقات بالذكر ، كالعجلي ، وابن حبان وابن شاهين "(26).
ومن المعاصرين : يقول فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في ( موارد الخطيب البغدادي ) :" أما كتب الثقات ، فأول من صنف فيها : أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي "(27).
__________
(1) - انظر مقدمة تحقيق كتاب العجلي للبستوي (1/80-89)
(2) - ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي رقم 286
(3) - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي (344)
(4) - سيرأعلام النبلاء للذهبي (12/506) .
(5) - الوافي بالوفيات للصفدي (7/79) .
(6) - شذرات الذهب لابن العماد (3/266).
(7) - التنكيل للمعلمي (1/69) .
(8) - الأنوار الكاشفة للمعلمي (68) .
(9) - سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ( 2/218رقم 633) .
(10) - التقريب (رقم 1426) .
(11) - التهذب (2/409) .
(12) - التقريب ( رقم 8800) .
(13) - التهذيب (12/459) .
(14) - التهذيب (1/427-428).
(15) - وقد فهم كثير من علماء العصر هذه العبارة للإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله على غير مراده ، والصواب أنها من مراتب التعديل ، وأن صاحبها يدور حديثه بين الحسن والصحيح ، كما تبين لي في كتابي(( الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب)) - الكلام عن المرتبة السادسة .
(16) - انظر التهذيب (12/14) مع التقريب ( رقم 8002) والتهذيب (10/385) مع التقريب ( رقم 7085) والتهذيب (10/297) مع التقريب ( رقم 6928) .
(17) - انظر التهذيب (9/415) مع التقريب ( رقم 6288) .
(18) - انظر التهذيب (5/178) مع التقريب ( رقم 3278) والتهذيب ( 9/537) مع التقريب (6456) .
(19) - انظر التهذيب (2/410) مع التقريب ( رقم 1428) والتهذيب (12/162) مع التقريب (8302) .
(20) - انظر التهذيب (9/455) مع التقريب ( رقم 6341) والتهذيب (10/353) مع التقريب ( رقم 7032).
(21) - استعنت لذكر هذه الأمثلة بكتاب ( إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر ) لعطاء بن عبد اللطيف بن أحمد (80-134) .
(22) - انظر كلامي على المقبول ، قبل قليل .
(23) - ملء العبية لأبي رشيد - الاسكندرية ومصر عند الورود - ( 3/31) .
(24) - المصدر السابق ، والتهذيب (7/414) .
(25) - معرفة الثقات للعجلي - مقدمة التحقيق - (1/65-70) .
(26) - نزهة النظر لابن حجر (ص 199) .
(27) - موارد الخطيب للعمري( ص31) .(1/288)
إلا أن الصواب : أن كتاب العجلي ليس مختصاً بـ( الثقات ) ففيه جماعة جرحهم العجلي نفسه ، بالضعف تارة(1)وبالترك أخرى(2)، وبالكذب أحياناً(3)، وبالزندقة أيضاً(4)، بل لقد بوّب لكتابه باباً بعنوانه : " ومن المتروكين " كما في الجزء المتبقي من أصل كتاب العجلي(5).
إذن فكتاب العجلي ليس مختصاً بالثقات ، ولذلك فإني أعتبر تسمية كتابه بـ ( الثقات) خطأ ، جرّ إلى خطأ اعتقاد اختصاصه بالثقات ! .
وقد يجرُّ إلى خطأ آخر وهو أن بعض الرواة الذين ذكرهم العجلي في كتابه لم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً(6)فمن ظنَّ أن الكتاب مختصٌّ بالثقات اعتبرهم ثقات عند العجلي ، قياساً على ثقات ابن حبان .
وأقرب الأسماء إلى الصواب : إما (السؤالات ) ، أو ( معرفة الثقات ... ومن الضعفاء ..) كما سبق عن نسخة ترتيب تقي الدين السبكي .
ويظهر من هذه التسمية الراجحة : أن شرط العجلي في كتابه أوسع من اختصاصه بـ ( الثقات ) كما سبق ، بل هو كتاب في ( الجرح والتعديل ) وفي ( تاريخ الرواة ) وفي (معرفة الرجال ) مطلقاً ، وهذه كلها تسميات أولى من : (الثقات) لأنها أصدق وصفاً لمضمون الكتاب . اهـ(7)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 85، 90، 109 ، 111، 288، 329 ، 329 ، 566، 1364 ، 1407، 1466، 1623، 1639، 1826، 1869 ، 1909 )
(2) - انظر معرفة الثقات ( رقم 347، 849، 1496) وتحقيق القلعجي ( رقم 1876) .
(3) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 1924، 245) .
(4) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 2066)
(5) - معرفة الثقات للعجلي - مقدمة التحقيق -( ا/74) .
(6) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 818، 850، 870، 629، 1104، 1190)
(7) - انظر تساهل العجلي بين المثبتين والنافين..حاتم الشريف"(1/289)
الثاني
كتاب الثقات" لابن حبان البُسْتِيّ المتوفى سنة 354 للهجرة.
ابْنُ حِبَّانَ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ ،الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو حَاتِمٍ، مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ بنِ حِبَّانَ بنِ مُعَاذِ بنِ معبدِ بنِ سَهِيدِ بنِ هَديَّةَ بنِ مُرَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُرَّةَ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دَارمِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ منَاة بنِ تَمِيمٍ التَّمِيْمِيُّ الدَّارِمِيُّ البُسْتِيُّ، صَاحبُ الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ:كَانَ عَلَى قَضَاءِ سَمَرْقَنْدَ زمَاناً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّينِ، وَحفَّاظِ الآثَارِ، عَالِماً بِالطّبِّ، وَبَالنُّجُوْمِ، وَفُنُوْنِ العِلْمِ.
صَنَّفَ المُسْنَدَ الصَّحِيْحَ، يَعْنِي بِهِ:كِتَابَ (الأَنواعِ وَالتقَاسيمِ)، وَكِتَابَ (التَّاريخِ)، وَكِتَابَ (الضُّعَفَاءِ)، وَفقَّهَ النَّاسَ بِسَمَرْقَنْدَ.
وَقَالَ الحَاكِمُ:كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ أَوعيةِ العِلْمِ فِي الفِقْهِ، وَاللُّغةِ، وَالحَدِيْثِ، وَالوعظِ، وَمِنْ عقلاَءِ الرِّجَالِ.
قَدِمَ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَسَارَ إِلَى قَضَاءِ نَسَا، ثُمَّ انصرفَ إِلَيْنَا فِي سَنَةِ سبعٍ، فَأَقَامَ عِنْدنَا بِنَيْسَابُوْرَ، وَبنَى الخَانقَاهَ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ جُمْلَةٌ مِنْ مصنَّفَاتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ نَيْسَابُوْرَ إِلَى وَطنِهِ سِجِسْتَانَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ، وَكَانَتِ الرحلَةُ إِلَيْهِ لسمَاعِ كتُبِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ:كَانَ ابْنُ حِبَّانَ ثِقَةً نبيلاًَ فَهِماً.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَثنَاءِ كِتَابِ (الأَنواعِ):لَعَلَّنَا قَدْ كَتَبْنَا عَنْ أَكثرَ مِنْ أَلفَي شَيْخٍ.
قُلْتُ:كَذَا فلتكنِ الهممُ، هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الفِقْهِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالفضَائِلِ البَاهرَةِ، وَكَثْرَةِ التَّصَانِيْفِ.
قَالَ الخَطِيْبُ:ذكرَ مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ السِّجْزِيُّ تَصَانِيْفَ ابْنِ حِبَّانَ، فَقَالَ:(تَاريخُ الثِّقَاتِ)، (عِلَلُ أَوهَامِ المُؤرخينَ)مجلدٌ، (عِلَلُ منَاقبِ الزُّهْرِيِّ)عِشْرُوْنَ جزءاً، (عِلَلُ حَدِيْثِ مَالِكٍ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (عِلَلُ مَا أَسندَ أَبُو حَنِيْفَةَ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ.
(مَا خَالفَ فِيْهِ سُفْيَانُ شُعبَةَ)ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (مَا خَالفَ فِيْهِ شُعبَةُ سُفْيَانَ)جزءان.
(مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ المدينةِ مِنَ السُّنَن)مجلدٌ، (مَا انفردَ بِهِ المكيُّونَ)مجيليدٌ، (مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ العِرَاقِ)مجلدٌ، (مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ خُرَاسَانَ)مجيليدٌ، (مَا انفردَ بِهِ ابْنُ عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، أَوْ شُعبَةُ عَنْ قَتَادَةَ)مجيليدٌ.
(غَرَائِبُ الأَخبارِ)مجلدٌ، (غَرَائِبُ الكُوْفِيِّينَ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (غَرَائِبُ أَهْلِ البَصْرَةِ)ثمَانيَةُ أَجْزَاءٍ، (الكِنَى)مجيليدٌ، (الفصلُ وَالوصلُ)مجلدٌ، (الفصلُ بَيْنَ حَدِيْثِ أَشعثَ بنِ عَبْدِ الملكِ، وَأَشعثَ بنِ سَوَّارٍ)جزءان، كِتَابُ (موقُوفِ مَا رُفعَ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ.
(منَاقبُ مَالِكٍ)، (منَاقبُ الشَّافِعِيِّ)، كِتَابُ (المُعْجَمِ عَلَى المدنِ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (الأَبْوَابُ المتفرِّقةُ)ثَلاَثَةُ مجلدَاتٍ، (أَنواعُ العلومِ وَأَوصَافِهَا)ثَلاَثَةُ مجلدَاتٍ، (الهدَايَةُ إِلَى علمِ السُّنَن)مجلدٌ، (قُبولُ الأَخبارِ)، وَأَشيَاءٌ.
قَالَ مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ:وَهَذِهِ التَّوَالِيفُ إِنَّمَا يُوجدُ مِنْهَا النَّزْرُ اليَسِيْرُ، وَكَانَ قَدْ وَقَفَ كتُبَهُ فِي دَارٍ، فَكَانَ السَّبَبُ فِي ذهَابِهَا مَعَ تطَاولِ الزَّمَانِ ضعفُ أَمرِ السُّلْطَانِ، وَاسْتيلاَءُ المفسدينَ.
وَقَدِ اعترفَ أَنَّ (صحيحَهُ)لاَ يقدرُ عَلَى الكشفِ مِنْهُ إِلاَّ مَنْ حِفْظَهُ، كمنْ عِنْدَهُ مصحفٌ لاَ يقدرُ عَلَى مَوْضِعِ آيَةٍ يريدُهَا مِنْهُ إِلاَّ مَنْ يحفظُهُ.
وَقَالَ فِي (صَحِيْحِهِ :شرطُنَا فِي نقلِهِ مَا أَودعنَاهُ فِي كتَابِنَا أَلاَّ نحتجَّ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ شَيْخٍ فِيْهِ خَمْسَةُ أَشيَاءَ:
العدَالةُ فِي الدِّينِ بِالسَتْرِ الجمِيلِ.
الثَّانِي:الصِّدْقُ فِي الحَدِيْثِ بِالشُّهرَةِ فِيْهِ.
الثَّالِثُ:العقلُ بِمَا يُحَدِّثُ مِنَ الحَدِيْثِ.
الرَّابِعُ:العِلْمُ بِمَا يحيلُ المعنَى مِنْ معَانِي مَا رَوَى.
الخَامِسُ:تَعرِّي خبرَهُ مِنَ التَّدْلِيسِ.
فَمَنْ جمعَ الخِصَالَ الخمسَ احتجَجْنَا بِهِ.
تُوُفِّيَ ابْنُ حِبَّانَ بِسِجِسْتَانَ بِمدينَةِ بُسْتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشرِ الثَّمَانِيْنَ......(1)
قال في مقدمة كتابه : " فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومولده ومبعثه وهجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته ثم نذكر بعده الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلى أن قتل علي رحمة الله عليه ثم نذكر صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا على المعجم، إذ هم خير الناس قرناً بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأقاليم كلها على المعجم ،إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا ، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين، ثم نذكر القرن الرابع الذين هم أتباع التابعين على سبييل من قبلهم وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا ، ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاجُ بخبرهم، واقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب التاريخ الكبير الذي خرَّجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات، ولأن ما نمليه في هذين الكتابين إنْ يسَّر اللهُ ذلك وسلم من توصيف الأسماء بقصد ما يحتاج إليه يكون أسهل على المتعلم إذا قصد الحفظ، وأنشط له في وعيه إذا أراد العلم من التكلُّف بحفظ ما لو أغضى عنه في البداية لم يخرج في فعله من التكلف لحفظ ذلك ، فكلُّ من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوقٌ يجوزُ الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس ، فإذا وجد خبر منكرٌ عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا، فإن ذلك الخبر لا ينفكُّ من إحدى خمس خصال:
إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرتُ اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتجُّ بخبره .
أو يكون دونه رجلٌ واهٍ لا يجوزُ الاحتجاج بروايته .
أو الخبر يكون مرسلاً لا يلزمنا به الحجَّة.
أو يكون منقطعاً لا يقوم بمثله الحجَّةُ .
أو يكون في الإسناد رجلٌ مدلِّسٌ لم يبينْ سماعه في الخبر منَ الذي سمعه منه، فإن المدلِّس ما لم يبين سماع خبره عمن كتب عنه لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر لأنه لا يدرى لعله سمعه من إنسان ضعيف يبطل الخبر بذكره، إذا وقف عليه وعرف الخبر به فما لم يقل المدلِّسُ في خبره - وإن كان ثقة - سمعت أو حدثني فلا يجوز الاحتجاجُ بخبره.
فذكرت هذه المسألة بكمالها بالعلل والشواهد والحكايات في كتاب شرائط الأخبار فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب .
وإنما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ وقد ضعَّفه بعضُ أئمتنا ووثَّقه بعضُهم، فمَنْ صحَّ عندي منهم أنه ثقةٌ بالدلائلَ النيرةِ التي بينتُها في كتاب ( الفصلُ بين النقلة) أدخلته في هذا الكتاب، لأنه يجوزُ الاحتجاجُ بخبره ، ومن صحَّ عندي منهم أنه ضعيفٌ بالبراهين الواضحة التي ذكرتُها في كتاب( الفصل بين النقلة) لم أذكرْه في هذا الكتاب ، لكني أدخلته في كتاب الضعفاء بالعلل ؛ لأنه لا يجوزُ الاحتجاجُ بخبره، فكلُّ مَنْ ذكرتُه في كتابي هذا إذا تعرَّى خبرُهُ عن الخصالِ الخمسِ التي ذكرتُها فهو عدلٌ يجوزُ الاحتجاجُ بخبرهِ، لأنَّ العدلَ مَنْ لم يعرفْ منهُ الجرحَ ضدَّ التعديل، فمَن لم يعلمْ يجرحٍ فهو عدلٌ، إذا لم يبينْ ضدهُ، إذ لم يكلَّفِ الناسُ من الناسِ معرفةَ ما غابَ عنهم، وإنما كُلِّفوا الحكمَ بالظاهرِ من الأشياء، غيرِ المغيَّبِ عنهُم، جعلنا الله ممَنْ أسبلَ عليه جلاليبَ السِّتْرِ في الدنيا واتَّصلَ ذلك بالعفوِ عن جناياتِه في العقبَى إنه الفعالُ لِما يريدُ "
وقد رتبه مؤلفه على الطبقات، ثم رتب أسماء كل طبقة على حروف المعجم داخل تلك الطبقة، وقد جعله من ثلاثة أجزاء. جعل الجزء الأول لطبقة الصحابة، والجزء الثاني لطبقة التابعين، والجزء الثالث لطبقة أتباع التابعين.
وبدأه بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين .
وقد رتبه مؤلفه على حروف المعجم، واقتصر في الترجمة على اسم الشخص واسم أبيه، ونَقَلَ أقوالَ أئمةِ الجرحِ والتعديلِ فيه، وربما ذَكَرَ بَعْضَ شيوخِ وتلاميذِ صاحبِ الترجمة.
أمثلة من الصحابة :
[ 1 ] أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أبو أمامة من الستة الرهط الذين استجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دعاهم إلى الإسلام وشهد العقبتين وكان نقيبا ،وكان أول من جمع بالمدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ 2 ] أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن كنانة بن عوف بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيته أبو زيد وقد قيل أبو محمد ويقال أبو زيد توفي بعد أن قتل عثمان بن عفان ونقش خاتمه حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قبضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن عشرين سنة وكان قد نزل وادي القرى وأمه أم أيمن اسمها بركة مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وآخرهم [ 1593 ] أم ورقة بنت حمزة بن عبد المطلب بنت عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في اسمها فمنهم من قال عمارة ومنهم من قال أمامة وقد قيل أم الفضل .
أمثلة من التابعين :
أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهُمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ(2).
قال أبو حاتم : خير الناس قرنا بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظ عنهم الدِّين والسُّنَن، وإنما نملى أسماءهم وما نعرف من أنبائهم من الشرق إلى الغرب على حروف المعجم إذ هو أدعى للمتعلم إلى حفظه وأنشط للمبتدىء في وعيه ، ولست أعرج في ذلك على تقدم السنِّ ولا تأخره ولا جلالة الإنسان ولا قدره؛ بل أقصد في ذلك اللقاء دون الجلالة والسِّنِّ لأن اللقاء يشملهم جميعا غير أنا نذكر ما نعرف من أنسابهم وأقدارهم، وأذكر عند كل شيخ منهم شيخا فوقه وآخر دونه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس من وراءهما عليهما حتى لا يتعذر على سالك سبيل العلم الوقوف على أنبائهم إن الله تعالى قضى ذلك وشاء.
قال أبو حاتم ومن التابعين الذين شافهوا الصحابة ورووا عنهم ممن ابتدأ اسمه على الألف :
[ 1594 ] إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى القرشي كنيته أبو إسحاق يروي عن أبيه روى عنه الزهري وهو أخو حميد بن عبد الرحمن بن عوف أمهما أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مات إبراهيم سنة ست وتسعين بالمدينة وهو ابن خمس وسبعين سنة .
[ 1595 ] إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني يروي عن أبيه وأسامة بن زيد روى عنه حبيب بن أبي ثابت.
[ 1596 ] إبراهيم بن أبى موسى الأشعري يروي عن أبيه والمغيرة بن شعبة روى عنه الشعبي والحكم بن عتيبة
[ 1597 ] إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي المدني يروي عن أبى هريرة وعائشة روى عنه محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة وعبد الله بن محمد بن عقيل مات بالمدينة سنة عشر ومائة وكان أعرج اسم أمه خولة بنت منظور بن زبان.
[ 1598 ] إبراهيم بن البراء بن عازب الأنصاري أخو الربيع بن البراء كوفي يروي عن أبيه روى عنه سلمة بن كهيل.
[ 1599 ] إبراهيم بن رافع بن خديج الأنصاري مدني يروي عن أبيه روى عنه ابن أخيه رفاعة بن هرير.
[ 1600 ] إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي يروي عن أبيه روى عنه شعبة بن الحجاج تأخر موته حتى كتب عنه شريك .
[ 1601 ] إبراهيم بن عكرمة بن يعلى بن أمية الثقفي يروي عن ابن عباس روى عنه عبد الله بن عثمان بن خثيم .
[ 1602 ] إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر يروي عن أبيه روى عنه مهدى بن ميمون .
[ 1603 ] إبراهيم بن عبد الله بن قارظ القرشي الحجازي يروي عن عمر وعلي روى عنه الزهري وهو الذي يروي عن السائب بن يزيد وأبي سلمة .
[ 1604 ] إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب كنيته أبو أسماء كوفي يروي عن أنس بن مالك، روى عنه الحكم وسلمة بن كهيل وأهل الكوفة مات في سنة ثنتين وتسعين وكان عابدا صابرا على الجوع الدائم ، وقد قيل إنه مات في حبس الحجاج بن يوسف بواسط سنة ثلاث وتسعين، وكان قد طرح عليه الكلاب لتنهشه(3). ثنا الفريابي قال ثنا جرير عن الأعمش قال: كان إبراهيم يصوم الشهر لا يفطر فإذا أفطر أفطر على شربة سويق أو شربة لبن لا يزيد عليه، قال يزيد فحدثت به المغيرة فقال : إني سمعت قراءته، قلت: هذا قراءة رجل أكول .(صحيح)
حتى الترجمة رقم [ 6464 ] أم كلثوم بنت أسماء تروي عن أم سلمة وعائشة روى موسى بن عقبة عن أمه عن أم كلثوم.
قال أبو حاتم: قد أملينا ما حضرنا من ذكر ثقات التابعين وأسمائهم وما عرف من أوقاتهم وأنسابهم بما أرجو الغنية فيها للمتأمل إذا تأملها، فكلُّ شيخٍ ذكرته في هذا الكتاب فهو صدوقٌ يجوز الاحتجاج بروايته إذا تعرى خبره عن خصال خمس فإذا وجد خبر منكر عن شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرت أسمائهم فيه كان ذلك الخبر لا ينفك عن إحدى خصال خمس: إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرته في هذا الكتاب شيخ ضعيف سوى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الله عز وجل وعلا نزه أقدارهم عن إلزاق الضعف بهم، أو دونه شيخ واه لا يجوز الاحتجاج بخبره، أو الخبر يكون مرسلا لا تلزمنا به الحجَّة، أو يكون منقطعا لا تقوم بمثله الحجَّة، أو يكون في الإسناد شيخٌ مدلِّسٌ لم يبين سماع خبره عمن سمع منه، فإذا وجد الخبر متعريًّا عن هذه الخصال الخمس، فإنه لا يجوز التنكبُ عن الاحتجاج به، ثم إنا ذاكرون بعد هذا القرن، القرن الثالث الذين شافهوا التابعين في الأقاليم كلها على سبيل ما ذكرنا قبلهم من الطبقتين الأوليين إن قضى الله ذلك وشاء وهو وليُّ التوفيق.
وقال في بداية أتباع التابعين :" بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ،أول كتاب أتباع التابعين، قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي رضي الله تعالى عنه: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لاَ - ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَفْشُو فِيهِمُ السِّمَنُ.(4).
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه: خير الناس قرنا بعد التابعين من لا يكون بينهم وبين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قرنا واحدا وهم أتباع التابعين الذين شافهوا من شافه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حفظوا عنهم العلم والآثار وكثرت عنايتهم في جميع الأخبار، وأمعنوا في طلب الأحكام والتفقه فيها وضبط أقاويل السلف فيما لم ترد فيه سنَّة ،مع الاستنباط الصحيح من الدلائل الواضحة في الأصول التي هي مفزع العالم في الأحوال، وردّ سائر الفروع إلى ما تقدم من الأصول حتى حفظ الله جل وعلا بهم الدِّين على المسلمين، وصانه على ثلب القادحين، وجعلهم أعلى من يقتدي بهم في الأمصار ويرجع إلى أقاويلهم في الآثار، وإنا نملي أسماء الثقات منهم وأنسابهم وما يعرف من الوقوف على أنبائهم في هذا الكتاب على الشرط الذي ذكرناه فيما قبل من الطبقتين الأوليين عند تعري أخبارهم عن الخصال الخمس التي ذكرناها قبل، ولست أعرج على جلالة الإنسان ولا قدره ولا تقدم السِّنِّ ولا تأخره؛ لأن القصد في ذكرهم اللقيَّ دون الفضل والسِّنِّ على ما أصلنا الكتاب عليه ،فكلُّ مَن كان أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللقَى وإن تأخر موته ضممناه إلى من استوى معه في اللقَى وإن تقدم موته، غير أني أذكر عند ذكر كل شيخ منهم شيخا دونه وآخر فوقه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس عليهما من ورائهما، فكلُّ خبرٍ وجدَ من روايه شيخ ممن أذكره في هذا الكتاب فهو خبر صحيح إذا تعرَّى عن الخصال الخمس التي ذكرناها، فيجب أن يعتبر ما قلنا حتى لا يلزق الوهن بأهل الصدق من الثقات وتعرَّى عنه أهل الأوابد والطامات ،وإنا نفصل أسماء أتباع التابعين ونذكر ما نعرف من أنساب المشهورين منهم وأوقات موتهم ونقصد في نظم أسمائهم المعجم ليكون أسهل عند البغية لمن أراد ،لعلمي بتعذر حفظ الكلِّ منه على أكثر الناس ،وبالله بلوغ الحق فيه وهو مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ،والحمد لله رب العالمين .
أمثلة من أتباع التابعين :
قال أبو حاتم: فمن أتباع التابعين الذين رووا عن التابعين ممن ابتدأ اسمه على الألف:
[ 6465 ] أحمد بن عطية العبسي يروي عن ابن أبي مليكة روى عنه منصور بن سلمة الخزاعي .
[ 6466 ] أحمد بن موسى البصري أبو عبد الله صاحب اللؤلؤ يروي عن حميد الطويل وابن عون روى عنه المعلى بن أسد.
[ 6467 ] إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أخو عبد الله بن حسن من أهل المدينة يروي عن أبيه وفاطمة بنت الحسين، روى عنه فضيل بن مرزوق ويحيى بن المتوكل.
[ 6468 ] إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي بن محمد بن الحنفية أخو الحسن وعبد الله يروي عن أبيه روى عنه محمد بن إسحاق وعمر مولى غفرة.
[ 6469 ] إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت الأنصاري من جلة أهل المدينة وكان جميلا يروي عن جماعة من التابعين، روى عنه أهل المدينة توفي في ولاية أبي العباس السفاح.
[ 6470 ] إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يروي عن أبيه عن عائشة روى عنه عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
[ 6471 ] إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن أبيه روى عنه أهل المدينة مات سنة ثمان وسبعين ومائة .
[ 6472 ] إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي من أهل المدينة يروي عن أبيه عن سعد، روى عنه يونس بن أبي إسحاق السبيعي والمسعودي.
[ 6473 ] إبراهيم بن مالك بن الحارث بن الأشتر النخعي يروي عن أبيه روى عنه مجاهد .
[ 6474 ] إبراهيم بن محمد بن جحش الأسدي من أهل المدينة يروي عن جماعة من التابعين ، وقد قيل إنه رأى زينب بنت جحش وليس يصح ذلك عندي، روى عنه عبيد الله بن عمر العمري .
[ 6475 ] إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عداده في الكوفيين يروي عن سعيد بن المسيب، روى عنه شعبة بن الحجاج.
[ 6476 ] إبراهيم بن موسى بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي من أهل المدينة، يروي عن عكرمة بن خالد، روى عنه محمد بن إسحاق.
وانتهى بالترجمة رقم [ 12019 ] أم الضحاك مولاة خالد بن معدان تروي عن خالد بن معدان روى عنها إسماعيل بن عياش.
وقال أبو حاتم رضي الله تعالى عنه في كلامه عن أتباع أتباع التابعين : " قد أملينا ما حصرنا من ذكر أسامي أتباع التابعين من الثقات على حسب ما منَّ الله عز وجل من التوفيق وله الحمد على ذلك، وفصَّلنا أسماءهم على المعجم ليكون أسهل عند البغية لمن رام حفظها والوقوف على أنبائها، وإنما نملي بعد هذا القرن الرابع على حسب ما ذكرنا الطبقات الأول، وقد نذكر ما نحبُّ من أنبائهم إن قضى الله ذلك وشاء، جعلنا الله ممن لم يجعل الحكم بينه وبين الله جلَّ وتعالى عند الحوادث إلا رسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليما كثيرا ، ثم نستمر لحفظ السُّنَن والتفقه فيها والله عزَّ وجلَّ المانُّ على أوليائه والمتفضلُ على أحبابه .
قال أبو حاتم محمد بن حبان التميمي رضي الله تعالى عنه: أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوَلَةَ ، قَالَ : كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَكُونُ فِيهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ(5).
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (16/93) فما بعدها - 70 -
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 211)(7227) صحيح - بل متواتر
(3) - هذا الكلام بعيد عن التصديق
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 123)(6729) صحيح مشهور
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 12 / ص 177)(33081) صحيح(1/290)
قال أبو حاتم : هذه اللفظة ثم الذين يلونهم في الرابعة تفرد بها حماد بن سلمة وهو ثقة مأمون، وزيادة الألفاظ عندنا مقبولة عن الثقات، إذ جائز أن يحضر جماعة شيخا في سماع شيء ثم يخفى على أحدهم بعض الشيء ويحفظه من هو مثله أو دونه في الإتقان، كما بيناه في غير موضع من كتبنا ،وهذه اللفظةُ تصرح عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأن خير الناس بعد أتباع التابعين القرن الرابع الذين شافهوهم وصحبوهم، وهم تبع الأتباع الذين جدوا في الرحل والأسفار وأمعنوا في طلب العلم والأخبار، وواظبوا على الدرس والمذاكرة والحفظ والمدارسة ،ولم يقنعوا في جمع السُّنَن ببلدته دون أخرى ولا بشيخ واحد دون ،الرحلةُ في جميع الأمصار والدورانُ في المدن والأقطار حتى حفظوا السُّنَن على المسلمين وصانوا على ثلب القادحين، فصاروا أعلاما يقتدَى بهم في الآثار ويرجع إلى أقاويلهم في الأمصار، وإنما نملي أسماءهم وما يعرف من أنبائهم في كتابنا هذا كما أملينا أسامي من تقدمهم من الطبقات الثلاث، فكلُّ خبرٍ رواهُ شيخٌ من هؤلاء الشيوخ الذين نذكرهم بمشية الله وتوفيقه في كتابنا هذا فإن ذاك الخبر صحيح لا محالة إذا يعترى من الخصال الخمس التي ذكرتها، وإنا نقصد في إملاء أسمائهم على المعجم على حسب ما ذكرنا من قبلهم ،حتى يكون المتعلم أنشط بحفظها وأرغب في وعيها، وليكون أسهل عند البغية لمن أراده، وبالله توفيقنا وعليه نتوكل في جميع أمورنا وهو { مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (128) سورة النحل.
أمثلة من أتباع أتباع التابعين :
قال أبو حاتم رضي الله تعالى عنه: وممن روى عن أتباع التابعين وشافههم من المحدثين ممن ابتدأ اسمه على الألف :
[ 12020 ] أحمد بن أبي طيبة الدارمي الجرجاني يروي عن أبيه واسم أبي طيبة عيسى بن سليمان بن دينار، روى عنه عمار بن رجاء الاستربادي وأهل بلده مات سنة ثلاث ومائتين، حدثنا مهران بن هارون بالري ثنا عمار بن رجاء حدثنا أحمد بن أبي طيبة عن مالك عن نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ فِى خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا فِى غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ نُزُولَ الْغَيْثِ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ السَّاعَةَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ »(1).
[ 12021 ] أحمد بن محمد بن كريب مولى بن عباس يروي عن أبيه عن جده عن ابن عباس ،روى عنه الوليد بن مسلم، حدثنا ابن قتيبة ثنا هشام بن عمار ثنا الوليد بن مسلم ثنا أحمد بن محمد بن كريب مولى بن عباس عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ لَهُ:يَا غُلامُ، إِيَّاكَ وَسَبَّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فإن سبهم مفقرة، وإياك والنظر في النجوم، فإنها تدعو إلى الكهانة والتكذيب بالقدر فإنه يدعو إلى الزندقة"(2).
[ 12022 ] أحمد بن إسحاق الحضرمي أخو يعقوب بن إسحاق كنيته أبو إسحاق من أهل البصرة، يروي عن وهيب بن خالد والبصريون وكان أكبر من أخيه يعقوب ،روى عنه أحمد بن سعيد الدارمي وإبراهيم بن سعيد الجوهري مات في البصرة في شهر رمضان سنة إحدى عشرة ومائتين ،وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء وكان يحفظ حديثه .
[ 12023 ] أحمد بن أيوب السمرقندي يروي عن أبي حمزة السكري وكان قد سكن مرو، روى عنه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي والنضر بن سلمة شاذان مستقيم الحديث يعتبر حديثه من غير رواية النضر بن سلمة عنه، حدثنا محمد بن معاذ ثنا الفرياناني ثنا إبراهيم بن شماس عن أحمد بن أيوب عن إبراهيم بن أدهم قال: السائل يزيد الآخرة يجىء إلى باب أحدكم ويقول هل توجهون إلى أهاليكم بشيء
وانتهى بالترجمة رقم [ 16508 ] أبو بكر بن أبي النضر يروي عن أبيه هاشم بن القاسم وعبد الله بن موسى حدثنا عنه محمد بن إسحاق الثقفى .
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه: قد أملينا ما حضر من من ذكر تبع الأتباع على حسب ما من الله عز وجل به من التوفيق لذلك وله الحمد على حسب ما ذكرنا من قبلهم من الطبقات الثلاث فربما قدم موت إنسان ذكرته من هذه الطبقة وتأخر موته وبينهما مائة سنة أو أقل أو أكثر فأدخلناهما في قرن واحد لطبقة واحدة لاستوائهما في اللقي، وكلُّ من كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل وأحد أدخلناه في كتاب التابعين سواء تأخر موته أو تقدم ،وكلُّ من بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللقي رجلان أدخلناه في كتاب تبع التابعين بعد أن يكون ثقات ،وكلُّ من كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنفس في اللقي أدخلناه في كتاب تبع الاتباع، هذا ولم أعتبر برواية المدلِّسين عنه ولا الضعفاء ،وربما ذكرت في هذه الطبقة رجلان أحدهما ضعيف فلم أدخله في كتاب أتباع التابعين ولكن أدخلته في هذه الطبقة لأن بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنفس ثقات، ولم أعتبر ذلك الضعيف لأن رواية الواهي ومن لم يرو سيان ، وأدخلنا أصحاب أبي الوليد الطيالسي وأبي نعيم في هذه الطبقة؛ لأن أبا نعيم سمع هشام بن عروة والأعمش وابن أبي خالد وهؤلاء من التابعين ،وكلُّ من كتب عن أبي نعيم فهو من تبع الاتباع وأبو الوليد الطيالسي سمع من عكرمة بن عمار وعكرمة سمع الهرماس بن زياد والهرماس رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على نافته ،وأدخلنا علي بن حجر في أتباع التابعين، لأنه سمع من معروف الخياط ،ومعروف حفظ من واثلة بن الأسقع أشياء، ومعروف صدوق روى عنه الوليد بن مسلم غير شيء، وليعلم أنَّ جميع هذا الجنس من العلم أفضل من سائر الأجناس للخواص، لأن الحديث لا يكتبه كلُّ إنسان ولا يحفظه كلُّ من يكتبه ولا يميزه كلُّ حافظٍ، وليس للمسلمين قوامٌ لدينهم إلا به، ولا الإسلام عمادٌ غيره؛ لأنه يدفعُ الكذب عن رسول رب العالمين - صلى الله عليه وسلم - ، وانما نملي بعد هذا كتاب الضعفاء جعلنا الله ممن تكلَّف الجهد في حفظ السُّنَن ونشرها وتمييز صحيحها من سقيمها ،والتفقه فيها والذبِّ عنها، إنه المانُّ على أوليائه بمنازل المقربين والمتفضلُ على أحبابه درجة الفائزين ،والحمد لله رب العالمين .
سكوت ابن حبان عن راو:
إذا ذكر ابن حبان راويا وسكت عنه؛ أي لم يقل فيه جرحا ولا تعديلا؛ فبعضُ أهل العلم؛ كالشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- ينتهجُ منهجا وهو أن المسكوت عنهم الذين سكت عنهم ابن حبان في كتابه "الثقات" مع إيراد البخاري لهم في "التاريخ الكبير" يعتبر أن هذا توثيقاً للراوي.
هل ابن حبان كان من المتساهلين في التعديل ؟
قال محققا تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله ( تحرير التقريب ) :
(" هذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم ، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب ، سوى الابتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه ، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً ، بحيث ضعَّف ثقات ، ووثق ضعفاء ، وقبل مجاهيل ، واستعمل عبارات غير دقيقة في المختلف فيهم مما سيجده القارئ الباحث في مئات الانتقادات والتعقبات التي أثبتناها في " تحرير أحكام التقريب ") .
ثم قالا :أمَّا القاعدة الصحيحة في الموقف من توثيق ابن حبان ، فهي كما يلي :
1- ما ذكره في كتابه " الثقات " وتفرد بالرواية عنه واحد - سواء أكان ثقة أم غير ثقة - ولم يذكر لفظاً يفهم منه توثيقه ، ولم يوثقه غيره ، فهو يعد مجهول العين ، وهي القاعدة التي سار عليها ابن القطان الفاسي وشمس الدين الذهبي ، ولهما فيها سلف عند الجهابذة ، فقد قال علي بن المديني في جري بن كليب السدوسي البصري : (مجهول لا أعلم روى عنه غير قتادة) ، وقال في جعفر بن يحيى بن ثوبان : (شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم ( الضحاك بن مخلد النبيل )) ، وقال أبو حاتم الرازي في حاضر بن المهاجر الباهلي : (مجهول) مع أن شعبة بن الحجاج روى عنه .
2- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال.
3- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد .
4- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .
5 - إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدلُّ على التوثيق فمعنى هذا أنه فتش حديثه فوجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل .
6- أما تضعيفه ، فينبغي أن يعدَّ مع الجهابذة المجودين ، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر ، وربما يعترض معترض علينا في عدم اعتبار ذكر ابن حبان لراو تفرد عنه الواحد والاثنان في " الثقات " ، فنقول : إن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدلُّ على توثيق أصلاً ، فقد قال في " الثقات " مثلاً : (سلمة ، يروي عن ابن عمر ، روى عنه سعيد بن سلمة ، لا أدري من هو ولا ابن من هو) !
وقال في موضع آخر : (جميل ، شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة روى عنه عبد الله بن عون ، لا أدري من هو ولا ابن من هو) !
وقال في ترجمة الحسن بن مسلم الهذلي : (يروي عن مكحول روى عن شعبة ، إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو) اهـ
قلت :قال الدكتور ماهر الفحل حفظه الله ردًّا عليهما :
قولهما (قاعدة صحيحة) في الموقف من توثيق ابن حبان ، تنطوي على أمور في المنتهى من الغرابة ، أوجز الرد عليها بما يأتي :
1- إن مَنْ يُنَظِّر شيئاً ينبغي عليه أن يكون أول العاملين به ، وهذا مما أخلَّ به المحرران ، فقد نصَّا في الفقرة الأخيرة من كلامهما على : (أن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدلُّ على توثيق أصلاً) والمحرران بهذا يرميان إلى التفريق بين ذكر ابن حبان للراوي فقط دون النصِّ على توثيقه ، وبين ذكره مع النص على توثيقه ، وهذا أمر نتفق معهم على بعضه ؛ لكن المحررين نسيا هذه القاعدة البتة أثناء عملهما في المجلد الأول من تحريرهما ، ولم تخطر هذه القاعدة لهما على بالٍ إلا في ثلاثة تراجم ( 420 ، 964 ، 1694 ) وستجد الكثير مما أشرت إليه في كتابي" كشف الإيهام " ، وكذلك نسيا هذه القاعدة في كثير من المواضع للمجلدات الأخرى .
2- تكلم المحرران في الفقرة (6) عن تضعيف ابن حبان فقالا : (أمَّا تضعيفه فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجوِّدين، لما بينه في كتابه من الجرح المفسَّر)
أقول :
إن كان ابن حبان في جرحه للرواة في مصاف الجهابذة المجوِّدين ، فهل يصحُّ أن نهمل أو نغمر جرح من هو جهبذ مجود ، كلما عنَّ ذلك لسبب أو لغير سبب ؟!
وإليك نماذج لتراجم تركا فيها قول ابن حبان ، فقالا بغير قوله من غير التفات إلى ما ذكرا :
أ- الترجمة (2723) لم يعتدا بجرح ابن حبان وغمزا قوله : (ربما خالف)
ب- الترجمة ( 3282 ) وصفا جرحه بالتعنت ، وقرعا بالحافظ لاعتداده بجرحه.
ج- الترجمة ( 3336 ) غمزا فيها جرح ابن حبان .
د- الترجمة ( 3745 ) ردا فيها جرح ابن حبان .
فكيف سيكون قولك إذا علمت أن ابن حبان لم ينفرد بجرحه ؟
بل جرح المترجمَ سيدُ النقاد الإمام البخاري بالصفة نفسها التي جرحه بها ابن حبان ، والمحرران يلمحان إلى ردِّ نقدهما فقالا : (أمَّا قول ابن حبان في َّالثقات: يخطئ ويهم ، فنظنه أخذه من البخاري) .
فكيف الأمر وقد ردَّا جهبذين مجودين ؟!!!
هـ- الترجمة ( 4275 ) أقذعا القول فيها لابن حبان ، فقالا : (فهذا - يردان جرحه للراوي - من قعقة ابن حبان) .
و- الترجمة ( 5846 ) غمزا ابن حبان ، فقالا : (وذكره ابن حبان وحده في " الثقات " ، وقال : يخطئ ويخالف ، وهذا من عجائبه !) .
فحتى وإن سلَّمنا جدلاً بأن ابن حبان أخطأ في بعض هذا فلسنا ندَّعي عصمته ، فقد كان لازماً عليهما أن يتحدثا عنه بكلٍّ أدب واحترام .
3- اضطرب موقف المحررين من توثيق ابن حبان - حسب ما يستجد لهما من قرائن ، وليت استقراء القرائن عندهما كان دقيقاً ، فهما يعمِّيان الأمر على القارئ ، فإذا أرادا توثيق الراوي قالا : وثقه ابن حبان ، وحقيقة الأمر أنه إنما ذكره فقط ، وإذا تكلما في الراوي ضربا عن توثيقه صفحاً ، وإليك مثُل ذلك :
أ- الترجمة ( 2906 ) قالا :( ولم يوثقه سوى ابن حبان ، وتوثيقه شبه لا شيء)
ففي التقريب (2906) صخر بن عبد الله ابن بريدة ابن الحصيب بمهملتين مصغرا الأسلمي المروزي مقبول من السادسة د
وفي الكاشف( 2377 ) صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه وعكرمة وعنه حجاج بن حسان وعبد الله بن ثابت وثق د
وسكت عليه البخاري تخ (2948 ) ووثقه حب (8648 ) وفي الثقات للعجلي( 758 ) - صخر بن عبد الله ثقة !!!
وسكت عليه أبو حاتم في كما الجرح والتعديل [ج 4 -ص427 ]( 1876)
وفي مشاهير علماء الأمصار[ج1 -ص 197 ]( 1583 ) صخر بن عبد الله بن بريدة الأسلمى صحب أبا جعفر محمد بن علي وعكرمة عداده في أهل مرو وروى عنه أهلها .
والصواب أنه صدوق حسن الحديث.
ب- الترجمة ( 3343 ) قالا : (ولم يوثقه سوى العجلي وابن حبان وتوثيقهما شبه لا شيء عند انفرادهما) .
ففي التقريب( 3343) عبدالله بن سراقة الأزدي البصري وثقه العجلي وقال البخاري لا يعرف له سماع من أبي عبيدة من الثالثة د ت
وفي الكاشف( 2743 ) عبد الله بن سراقة عن أبي عبيدة بن الجراح وعنه عبد الله بن شقيق حسن له الترمذي يقال له صحبة د ت
وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ج5 -ص97 ](279)
وفي الثقات للعجلي( 893 ) عبد الله بن سراقة بصرى تابعي ثقة
وسكت عليه أبو حاتم في الجرح والتعديل [ج 5 -ص 68 ](320)
وفي الثقات لابن حبان(748 ) عبد الله بن سراقة له صحبة
وفي تهذيب الكمال للمزي - (ج 15 / ص 11) قال المفضل بن غسان الغلابي: روى عبدالله بن شقيق العقيلي عن عبدالله بن سراقة الأزدي من أهل دمشق، له شرف، وله رواية تصحح، وهو من أشراف أهل دمشق، له ذكر.
وقال يعقوب بن شيبة، عن علي بن عاصم: أخبرني خالد الحذاء، قال: حدثني عبدالله بن شقيق العقيلي، قال: حدثني عبدالله بن سراقة الأزدي، قال: خطبنا أبو عبيدة ابن الجراح بالجابية، فذكر حديث الدجال، قال يعقوب: عبدالله بن سراقة، عدوي، عدي قريش، ثقة.
ورواه عمران القطان، عن قتادة، عن عقبة بن وساج ، عن عبدالله بن سراقة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية قال: " تسحروا ولو بالماء "، فيحتمل أن يكون عبدالله بن سراقة هذا هو الراوي، عن أبي عبيدة ابن الجراح، لأن الرواة عنه بصريون،ويحتمل أيضا أن يكون له صحبة، لأن من شهد خطبة أبي عبيدة، وهو رجل يشهد مثله المغازي قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، لأن أبا عبيدة توفي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثمانية أعوام، ولا يلتفت إلى قول من قال: لا يعرف له سماع من أبي عبيدة، بعد قوله: خطبنا أبو عبيدة بالجابية، كما حكيناه فيما تقدم من رواية يعقوب بن شيبة، عن علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، والله أعلم.
قلت : وقد نص ابن حبان على صحبته ، فالحديث صحيح بلا ريب .
ج- الترجمة ( 3349 ) جهلا الراوي وقالا : (حينما ذكره ابن حبان وحده في "الثقات " قال : يخطئ) .
وفي تقريب التهذيب(3349) عبدالله بن سعد بن فروة البجلي مولاهم الدمشقي الكاتب مقبول من السادسة د
قلت : له حديث واحد فرد ،ففي سنن أبى داود(3658 )عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الصُّنَابِحِىِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْغَلُوطَاتِ.
وقد ضعفه الألباني في التعليق على سنن أبي داود ، وكذا الشيخ شعيب في التعليق على مسند أحمد ، وذلك لجهالة حال عبد الله بن سعد.
والحافظ ابن حجر قال عنه في التقريب ( مقبول ) يعني حيث توبع ، وهو كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، فالصواب أن حديثه حسن لوجود متابعات له ، فاتت الشيخين الألباني وشعيب.
ففي الإبانة الكبرى لابن بطة(312 ) عن الأوزاعي ، عن عبادة بن نسي ، قال : تذاكروا عند معاوية المسائل فرد بعضهم على بعض ، فقال : ألم تسمعوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « نهى عن الأغلوطات »
وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 316)(16280 ) ومسند الشاميين(2108) عَنْ رَجَاءَ بن حَيْوَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأُغْلُوطَاتِ"
وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(5168 )عن الأوزاعي ، عن عبادة بن نسي ، عن قيس بن خارجة ، قال : « نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأغلوطات »
د- الترجمة ( 3360 ) اعتدا فيها بذكر ابن حبان له في الثقات .
هـ- الترجمة ( 3617 ) ضعفا الراوي ثم قالا : (وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : يخطئ ويخالف) وهذا اعتداد منهما بالجرح دون التوثيق .
ففي التقريب( 3617) عبدالله بن مسلم السلمي أبو طيبة المروزي قاضيها صدوق يهم من الثامنة د ت س
وفي الكاشف(2983 ) عبد الله بن مسلم أبو طيبة السلمي المروزي قاضيها عن بن بريدة وأبي مجلز وعنه زيد بن الحباب وعبدان بن عثمان قال أبو حاتم: لا يحتج به وقواه غيره د ت س
وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ج5 -ص 190 ](604)
وفي الجرح والتعديل[ج5 -ص165 ](761) عبد الله بن مسلم أبو طيبة السلمي المروزي قاضى مرو روى عن بن بريدة وأبى مجلز وإبراهيم بن عبيد روى عنه أبو تميلة والفضل بن موسى وعيسى بن موسى البخاري المعروف بغنجار نا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول ذلك قال أبو محمد وروى عنه عبدان عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي نا عبد الرحمن قال وسألت أبي عنه فقال: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به.
وفي الثقات لابن حبان( 8953 ) أبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم العامري من أهل مرو يروي عن ابن بريدة روى عنه عيسى بن عبيد وأهل مرو يخطىء ويخالف.
وفي صحيح ابن حبان(5488) حديثا من طريقه !!
4- بخصوص نص ابن حبان على توثيق الرواة ، قالا : (إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدلُّ على التوثيق ، فمعنى هذا أنه فتش حديثه ووجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يُوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل) .
أقول : مَنْ أسس قاعدة ثم هدمها بمعول مخالفته لها ، حريٌّ بمَن بعده عدم الأخذ بها ، وأكتفي هنا بمثالين ، جاءت إدانتهما فيه من قلميهما ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الترجمة ( 3660 ) : (عبد الله بن نافع الكوفي ، أبو جعفر الهاشمي مولاهم : صدوق ، من الثالثة . د عس) .
فتعقباه بقولهما : (بل مجهول ، تفرد بالرواية عنه الحكم بن عتيبة ، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال : صدوق) فأين المنزلة الرفيعة ؟ وأين أنزلا توثيق ابن حبان من توثيق الأئمة الكبار ؟؟
وهل الأمر سوى محاولة تعقب الحافظ ابن حجر ؟ نسأل الله السلامة .
وفي الثقات لابن حبان( 8977 ) عبد الله بن نافع مولى بنى هاشم يروى عن أبيه عن عمر روى عنه الحكم بن عيينة وليس هذا بعبد الله بن نافع مولى بن عمر ذاك مجروح وهذا صدوق.
وفي التاريخ الكبير[ج5 - ص 213 ] ( 686 ) عبد الله بن نافع مولى بني هاشم عن أبيه سمع عمر رضي الله عنه قوله قاله آدم حدثنا شعبة عن الحكم
وفي الجرح والتعديل [ج 5 -ص 183 ]( 855 )عبد الله بن نافع مولى بنى هاشم روى عن أبيه سمع عمر رضي الله عنه روى عنه الحكم بن عتيبة ثنا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول ذلك.
وفي خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى - (ج 1 / ص 477) ( د عس ) عبد الله بن نافع الهاشمي مولاهم أبو جعفر الكوفي عن مولاه الحسن بن علي وعنه الحكم بن عتيبة قال ابن حبان: صدوق
قلت : الصواب أنه صدوق كما قال ابن حبان
والمثال الثاني : قال الحافظ ( 1221 ) الحسن بن جعفر البخاري : (ثقة) وقد تعقباه بقولهما : (بل مقبول ، روى عنه اثنان ولم يوثقه سوى ابن حبان) .
أقول : وابن حبان قد صرح بتوثيقه ( 8 / 173 ) فقال : (الحسن بن جعفر من أهل بخارا ، ثقة) وتصريح ابن حبان في توثيقه للمترجم نقله الإمام المزي في " تهذيب الكمال " ( 6 / 73 ) ، وابن حجر في " تهذيب التهذيب " ( 2 / 260 ) .
وحديثه في الأدب المفرد برقم(499 ) حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي مَسْخٌ ، وَقَذْفٌ ، وَخَسْفٌ ، وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْمَظَالِم"
ثالثاً : مسألة كثرة الرواة عن الشخص هل تعني توثيقاً ؟ أو تحسن من حال الراوي ؟ وهي مسألة أحب الدخول معهم بصددها في نقاش علمي ، ولذا سيتمحور ردي في كل فقرة منه على محورين ، الأول : إبطال ما قعداه ، الثاني إيراد أمثلة عملا فيها بخلاف ما قعداه ؛ ولكنني وقبل الولوج في هذا أود أن أتناول قاعدة لهج بها المحرران كثيراً في كتابهما ، ألا وهي رواية الجمع ، فقد كررا القول مراراً : (روى عنه جمع) فهل رواية الجمع تنفع الراوي أم لا ؟ .
أقول : لا بد في كل راوٍ - لكي تقبل روايته - من معرفة حاله ، وخبرة سيرته حتى يتسنَّى للناقد الحكم بقبول رواية ذلك الراوي أو ردها ، إلا أن بعض الرواة لم يستطع العلماء أن يتعرفوا حالهم ، وهم الذين يدعون ( بالمجاهيل ) وليسوا في طبقة واحدة ، بل المشهور أنهم ثلاثة : مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، ومجهول العدالة باطناً وهو الذي يسمى ( مجهول الحال ) ، ومجهول العين .
وقد نصت كتب المصطلح أن من روى عنه شخص واحد ، ولم يعلم حاله فهو مجهول العين فإن روى عنه آخر صار مجهول الحال ، فزيادة العدد هنا قد حسنت من حال الراوي ، لكن ينبغي التنبه لثلاثة أمور :
__________
(1) - مسند أحمد(5251) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 101)(11992) وولسان الميزان[ج 1 -ص298 ] (878) واستنكره ، وأخبار أصبهان (1131 ) والشريعة للآجري(1929) ومعجم ابن المقرئ (817 ) مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه(1/291)
الأول : إن هذه الزيادة لم تخرجه عن حيز الجهالة ، بل غاية نفعها أنها أزالت عنه شيئاً من جهالته ، فنقلته من مرتبة جهالة إلى مرتبة جهالة أخرى أخف منها .
الثاني : إن هذه الزيادة حتى وإن عظمت فبلغت أكثر من اثنين غير مقتضية لإثبات العدالة ، وقد نصَّ الخطيب البغدادي وغيره على ذلك ، فقال : أقلُّ ما ترتفع به الجهالة - يعني : جهالة العين - أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك ؟ ... إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه)(1)
الثالث : إن العبرة أصلاً ليست بكثرة الرواة وقلتهم ، بل بالمعرفة والسبر وللحافظ ابن القطان الفاسي كلام نفيس في كتابه " بيان الوهم والإيهام " حول قبول رواية المستور فقال - رحمه الله -(2): (والحقُّ في هذا أنه لا تقبل روايته ، ولو روى عنه جماعة ، ما لم تثبت عدالته ، ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه مهملاً من الجرح والتعديل ، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك ، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم) .
وقال الإمام السيوطي في شرحه لألفية العراقي ( ص 244 ) : (الرواية تعريف له - [ يعني : للراوي ] والعدالة بالخبرة ، وبأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه)
وقال أحد الباحثين : (ذكرت في المبحث السابق عن عدد من أئمة النقد أنهم قد يعدون الراوي مجهولاً إذا لم يرو عنه إلا راوٍ واحد ، وقد يعدّونه ثقة ، وقد يجهلون من روى عنه جماعة ، وقد يوثقونه ، أو يذكرون أنه معروف ، وهذا يعني أن العبرة عندهم ليست في عدد الرواة عن الشيخ ، وإنما العبرة بمعرفته واستقامة روايته)(3).
والآن حان الوقت للدخول في مناقشة كلام المحررين :
1- إن من ذكره ابن حبان في ثقاته ، وكان له راوٍ واحد ، فهو مجهول العين وهذه قاعدة تكاد تكون محل اتفاق المحدثين(4)، إلا أن المحررين لم يلتزما ذلك رغم كونها عميقة الأصالة لدى المحدثين ، وسأسوق أمثلة على ذلك :
أ- الترجمة ( 188 ) ، تفرد بالرواية عنه الأوزاعي ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6 / 21 ) ، وقال ابن حجر : مجهول ، تعقباه بأنه : ثقة !!
ففي تقريب التهذيب(188) إبراهيم بن طريف الشامي مجهول تفرد عنه الأوزاعي وقد وُثِّق من السابعة مد
وفي الجرح والتعديل [ج2 -ص 108 ] (309 ) إبراهيم بن طريف الشامي روى عن بن محيريز روى عنه الأوزاعي
وفي الثقات لابن حبان(6551 ) إبراهيم بن طريف شيخ يروى عن يحيى بن سعيد الأنصاري روى عنه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي
وفي تهذيب التهذيب [ج1 -ص 112 ] (230 ) مد أبي داود في المراسيل إبراهيم بن طريف الشامي عن عبد الله بن محيريز ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن كعب القرظي، وعنه الأوزاعي، قلت ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: شيخ ،ونقل بن شاهين في الثقات عن أحمد بن صالح قال: كان ثقة.
قلت : فالصواب أنه ثقة وله حديثان في كتب السنَّة ، ولكن الحافظ ابن حجر رحمه الله لم ينص على ثقته صراحة ، لأنه مخالف للقاعدة العامة ، حيث لم يرو عنه غير واحد .
ب- الترجمة ( 1385 ) ، تفرد بالرواية عنه الزهري ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 4/159 ) وقال ابن حجر : صدوق الحديث ، ولم يتعقباه !!
ففي تقريب التهذيب(1385) حصين بن محمد الأنصاري السالمي المدني صدوق الحديث من الثانية لم يرو عنه غير الزهري خ م س
وفي تهذيب التهذيب [ج 2 -ص 336 ] (678 ) خ م سي البخاري ومسلم والنسائي في اليوم والليلة حصين بن محمد الأنصاري السالمي المدني ،وكان من سراتهم سأله الزهري عن حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك فصدَّقه، قال ابن أبي حاتم عن أبيه روى عن عتبان وعنه الزهري مرسل ، وذكره ابن حبان في الثقات ..،وقال الحاكم : قلت للدارقطني حصين بن محمد السالمي الذي يروي عنه الزهري قال: ثقة إنما حكى عنه الزهري حديثين.
وفي ميزان الاعتدال(2092 ) حصين بن محمد الأنصاري [ خ، م ] السالمي فيحتجُّ به في الصحيحين، ومع هذا فلا يكاد يعرف.
فرد عليه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان[ج 7 -ص199 ] (2686 ) .. قلت: ذكره ابن حبان في الثقات، وإنما رويا له عن محمود بن الربيع
قلت : فالصواب مع الحافظ ابن حجر ومعهما حيث وافقاه ،وقد تفرد الزهري عن رواة فقد تفرَّد الزهري عن جماعة من تابعي المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره،ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "وَهُوَ حَدِيث أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْهَا وَإِسْنَاده قَوِيّ،وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة،فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته"(5)
قلت : وهذا أحد المواضع التي تبين معنى قول ابن حجر عن الراوي : " مقبول" بأنَّه- ثقةٌ أو صدوقٌ-عنده ؛ خلافاً للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين،فليتنبه لمثله !! .
وأعجب شئٍ في تضعيفهم لحديث نبهان،تقليدُ من ضعَّفه لأبي محمد بن حزمٍ،الذي زعم جهالة نبهان لتفرد الزهري بالرواية عنه !! .
فإن كنت لا تعلم ما في هذا التقليد من الخطأ والجفاء لمذاهب الأئمة الفحول،فاعلم أنَّه : قد تفرد أبو بكرٍ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزهرىُّ المدني عن جماعةٍ من المدنيين وغيرهم،ممن لم يرو عنهم غيرُه . ولست أعلم أحداً أحصى ما للزهرى من أفرادٍ على وجه التحديد،وسأذكر في هذه العجالة عشرين راوياً ممن هم في عداد المجاهيل،على طريقة أهل الإصطلاح،تفرد أبو بكرٍ الزهرى بالرواية عنهم،وتلقَّى الأئمة أحاديثهم بالقبول واحتجُّوا بها(6)
(1) إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس .
(2) ثابت بن قيس الأنصارى الزرقي المدنى .
(3) حسين بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري .
(4) حصين بن محمد الأنصارى السالمى المدنى .
(5) حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن .
(6) سحيم ـ بمهملتين مصغراً ـ مولى بنى زهرة .
(7) صالح بن بشير بن فديك أبو الفديك .
(8) عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم،ابن أخي سراقة بن مالك المدلجي
(9) عبيد الله بن خليفة الخزاعي الكوفى .
(10) عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشى العامرى المدنى .
(11) عقبة ويقال عتبة بن سويد الأنصاري .
(12) عكرمة بن محمد الدؤلى .
(13) عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
(14) عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان القرشى الأموى .
(15) عمرو بن عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام الجهنى .
(16) محمد بن سويد بن كلثوم بن قيس القرشى الفهرى،ابن ابن أخى الضحاك بن قيس
(17) محمد بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمى النوفلى .
(18) محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري .
(19) أبو عثمان بن سنة الخزاعي الكعبي الدمشقي .
(20) أبو الأحوص مولى بنى ليث أو غفار .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً،ليزداد يقينك فى توثيق وتعديل أمثال من روى عنه الزهرى،فنذكر أنموذجين من هؤلاء المذكورين :
[ الأول ] ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى .
أخرج حديثه أحمد (2/267)(7846) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ،وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ،فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ : مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ ؟،فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا،فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ،فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ،فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ،وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ،تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ،وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ،فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلا تَسُبُّوهَا،وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا،وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا " .(7)
قلت : هذا حديث صحيح،رجاله ثقات كلهم رجال الصحيحين،خلا ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى،وهو ثقة ممن تفرد عنهم الزهرى .
وذكره ابن حبان في الثقات(8). وقال الحافظ المزي في تهذيب الكمال: " ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . روى عن أبي هريرة حديث ( الريح من روح الله) . روى عنه : الزهري . قال النسائي : ثقة . وقال أبو عبد الله ابن منده : مشهور من أهل المدينة"(9).
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : " ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . ثقة من الثالثة "(10).
[ الثانى ] عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
أخرج حديثه البخارى في كتاب الجهاد والسير (2821 ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ : أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَعَهُ النَّاسُ،مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ،فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ،حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ،فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ،فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : " أَعْطُونِي رِدَائِي،لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ،ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً،وَلا كَذُوبًا،وَلا جَبَانًا " .(11)
قال الحافظ المزى في تهذيب الكمال: "عمر بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني،أخو سعيد وجبير وإبراهيم بني محمد بن جبير ابن مطعم . روى عن أبيه محمد بن جبير بن مطعم . روى عنه الزهري . قال النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . روى له البخاري حديثاً واحداً "(12).
وفى تقريب التهذيب : " ثقة . ما روى عنه غير الزهرى . من السادسة"(13).
ج- الترجمة ( 1722 ) تفرد بالرواية عنه محمد إسحاق ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6/271 ) وقال ابن حجر : مقبول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
قلت : لا يقصد الحافظ ابن حجر رحمه الله (بمقبول) الضعف ، بل هي مرتبة تعديل على الصحيح، وحديثهم يدور بين الصحيح والحسن بشقيه .
د- الترجمة ( 3569 ) تفرد بالرواية عنه أبو سعيد جعثل بنص الذهبي في الميزان ( 2 / 483 و 499 ) وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 51 ) قال عنه ابن حجر : صدوق ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
قلت : هناك اختلاف فيه هل هو الذي قبله المخضرم الثقة أم لا ؟
وعلى كل حال له حديث واحد متابع فيه ، فالصواب أنه صدوق فقط ، وليس ثقة ، كما زعما
هـ- الترجمة ( 3669 ) ، تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة بنصهما وذكره ابن حبان في ثقاته ( 5 / 47 ) ، وقال عنه ابن حجر : وثقه النسائي ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
قلت : وهذا مثال آخر على تناقضهما ، قالا في معرض نقدهما للحافظ ابن حجر رحمه الله :" وقال في ترجمة عبد الله بن أبي نهيك وثقه النسائي)، ولم يطلق توثيقه، مع كون العجلي وابن حبان قد وثقاه " .
قلت :
ففي التقريب ( 3669 ) عبد الله بن أبي نهيك بفتح النون المخزومي المدني ويقال عبيد الله مصغر وثقه النسائي من الثالثة د
وفي الكاشف (3025 ) عبد الله بن أبي نهيك المخزومي عن سعد وعنه ابن أبي مليكة وثق حب د
وفي ميزان الاعتدال(5402 ) عبيد الله بن أبي نهيك [ د ].عن سعد بن أبي وقاص.لا يعرف.
وفي الثقات لابن حبان(3921 )عبيد الله بن أبي نهيك يروى عن سعد بن أبي وقاص روى عنه ابن أبي مليكة.
وفي الثقات للعجلي(1172) عبيد الله بن أبي نهيك ثقة
وفي تهذيب التهذيب[ج 6 -ص53 ] (111 ) د أبي داود عبد الله بن أبي نهيك المخزومي حجازي ويقال عبيد الله، قال أبو حاتم عبيد الله بن أبي نهيك القاسم بن محمد ،روى عن سعد بن أبي وقاص وعنه ابن أبي مليكة ذكره ابن حبان في الثقات قلت: لكنه ذكره في عبيد الله مصغرا وكذا ذكره جماعة وقال النسائي والعجلي عبيد الله بن أبي نهيك ثقة".
قلت : فتحصل لنا أنه لم يرو عنه غير ابن أبي مليكة .
وكذلك تبين لنا تناقض كلام الذهبي ، فقد قال في الكاشف وثقه ابن حبان ، وفي الميزان لا يعرف ، وبعد رجوعي لتذهيب تهذيب الكمال له لم أجده زاد حرفاً عما في تهذيب الكمال، بينما نجد الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه زاد (وقال النسائي والعجلي عبيد الله بن أبي نهيك ثقة".) يعني أنه بحث عمن تكلم في هذا الراوي فوجد أن النسائي والعجلي قد وثقاه .
ولكن لماذا لم يذكر توثيق العجلي في التقريب ؟
قلت: اكتفى بتوفيق النسائي لأنه أعلى من العجلي ، فمن يوثقه النسائي - وهو متشدد في الرجال- أقوى بكثير ممن يوثقه العجلي .
كما أنه لم يقصد ذكر أسماء كل من وثقه حتى يؤخذ هذا عليه .
ولكن لماذا لم يوثق الحافظ ابن حجر من كان على شاكلة هذا الراوي كالذي قبله كذلك ؟.
السبب لأنه لم يروعنه سوى راوٍ واحد فقط ، ولو روى عنه راو آخر لنصَّ على توثيقه صراحة ، ولم أظفر له براوٍ آخر .
والأهم من ذلك أن الذي يتهم الحافظ ابن حجر بالتناقض أو القصور في الحكم ، قد وقع في نفس التهمة ، فهذا الراوي ليس له إلا حديث واحد ، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (120) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ."
قال الشيخ شعيب في تعليقه على الحديث : " إسناده صحيح، يزيد بن موهب: هو يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب، ثقة، عابد، وابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، وعبيد الله بن أبي نهيك ذكره في "التقريب" في عبد الله، وقال: ويقال: عبيد الله مصغراً. وثقه النسائي."
ويظهر أنه لم يرجع لتهذيب التهذيب بتاتاً !!
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (1476 ) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" .
(1549 ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" .
وقال محققه الشيخ شعيب : " صحيح لغيره ، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الله - ويقال : عبيد الله - بن أبي نهيك ، فقد أخرج له أبو داود، وهو لم يرو عنه غير عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وذكر ابن حجر في التهذيب أن النسائي والعجلي وثقاه أيضا ، وقال الذهبي في الميزان 3/16 : لا يعرف ."
وهذا تناقض جليٌّ ، مع أن مسند أحمد قد حقق بعد صحيح ابن حبان بزمان !!
وبعد هذه التخبطات العجيبة وصلا إلى النتيجة المضحكة التالية حيث قالا : " وهذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه، لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب سوى الإبتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً" .
قلت : وايم الله هما أحقُّ بهذا الوصف البعيد عن المنهج العلمي السليم .
و- الترجمة ( 5091 ) تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي بنصهما وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 180 ) ، قال الحافظ عنه : مقبول فتعقباه بأنه : ثقة !!
وفي تقريب التهذيب(5091) عمرو بن غالب الهمداني الكوفي مقبول من الثالثة ت س
وفي الكاشف(4210 ) عمرو بن غالب الهمداني عن علي وعمار وعنه أبو إسحاق وثق ت س
وفي تهذيب التهذيب [ج8 -ص77 ] (132 ) ت س الترمذي والنسائي عمرو بن غالب الهمداني الكوفي روى عن علي وعمار وعائشة والأشتر النخعي ، وعنه أبو إسحاق السبيعي ذكره ابن حبان في الثقات، قلت قال ابن البرقي :كوفي مجهول احتملت روايته لرواية أبي إسحاق عنه، وقال مسلم في الوحدان: تفرد عنه أبو إسحاق وقال أبو عمرو الصدفي: وثقة النسائي، وقال الذهبي ما حدَّث عنه سوى أبي إسحاق.
وفي التاريخ الكبير [ج 6 -ص 362 ](2642 )عمرو بن غالب الهمداني عن عائشة رضي الله عنها روى عنه أبو إسحاق الهمداني يعد في الكوفيين
وفي الثقات لابن حبان (4464 ) عمرو بن غالب الهمداني من أهل الكوفة يروى عن عائشة روى عنه أبو إسحاق السبيعي
وفي الجرح والتعديل [ج 6 -ص 253 ](1399 ) عمرو بن غالب الهمداني كوفى روى عن عائشة روى عنه أبو إسحاق الهمداني نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول ذلك.
وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 283)6419 - عمرو بن غالب [ ت، ق ] الهمداني، عن عمار،ما حدث عنه سوى أبي إسحاق، لكن صحح له الترمذي.
قلت : هو من الطبقة الوسطى من التابعين ، وهم موثقون على الصحيح ، ولكن بما أنه لم يرو عنه إلا واحد ، وله متابعة في روايته ، فقد قال الحافظ ابن حجر عنه ( مقبول ) وحديثه يدور بين الصحة والحسن ، فلا انتقاد عليهما إلا لكونهما لم يفهما معنى هذه المرتبة عند الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ز- الترجمة ( 5214 ) ، تفرد بالرواية عنه عمرو بن دينار ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 281 ) قال الحافظ : ليس بمشهور ، تعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!
وفي تقريب التهذيب (5214) عوسجة المكي مولى ابن عباس ليس بمشهور [وقد وثق] من الرابعة 4
وفي الكاشف (4308 )عوسجة عن ابن عباس مولاه وعنه عمرو بن دينار وثق وقال البخاري لم يصح حديثه 4
التاريخ الكبير[ج 7 -ص 76 ] (347 ) عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه عمرو بن دينار ولم يصح
وفي الثقات لابن حبان(4846 ) عوسجة الهاشمي يروي عن ابن عباس روى عنه عمرو بن دينار
وفي الجرح والتعديل[ج 7 -ص24 ](129 ) عوسجة مولى ابن عباس روى عن بن عباس روى عنه عمرو بن دينار سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال: ليس بمشهور، نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عنه فقال: مكي ثقة.
قلت : الصواب قولهما ، لأنه تابعي كبير ، ومولى لابن عباس ، ووثقه أبو زرعة ، ولكن يستثنى من ذلك ما تفرد به وأنكر عليه.
2- من ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال ، أود الإشارة هنا إلى أن المحررين لم يعتدا هنا بذكر ابن حبان للراوي في الثقات وذلك لأن رواية الاثنين عن الشيخ رافعة لجهالة العين مبقية على جهالة الحال ، وهو أمر شاع بين المحدثين ، فما قيمة ذكر ابن حبان عندهما هنا ؟!
وقول المحررين قول شاذ غريب ؛ لأننا لم نعهد عن أحد من العلماء المتقدمين إهمال ذكر ابن حبان للراوي في ثقاته بالكلية ، وإنما كانوا يفصلون في ذلك فيفرِّقون بين شيوخه وبين من عرفهم وبين غيرهم كما سيأتي إيضاحه ، فلا يحكمون لأول وهلة بل يوازنون ويقارنون .
3- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد ، أقول : هذا تنظير غير صحيح ، فكيف يختلف لديهما الحكم من اثنين إلى ثالث ، وقد سبق الكلام على أن رواية الجمع لا تؤثر في التوثيق وكيف يفرقان بين هذه الفقرة وبين التي قبلها في الحكم ، والمحصلة النهائية لحكمهما واحد ، إذ إن كلاً منهما مقبول في المتابعات والشواهد .
وهذا التنظير يعدم بالكلية الفائدة من ذكر ابن حبان للرواة في الثقات بالمرة إذ إن المخشي من توثيق ابن حبان توثيق المجاهيل ، فإذا كان المترجم من شيوخه أو شيوخ شيوخه ، أو ممن عرفهم وجالسهم فما المانع من قبول توثيقه ؟!
4- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .
أقول : ما بال زيادة راوٍ واحد نقلت الشيخ من فلك إلى فلك آخر ، ومن رتبة إلى أخرى ، وقد سبق قولي: إن العدد لا يؤثر في توثيق الراوي ، وما يَرِدُ على الفقرة السابقة يَرِدُ هنا ، فقد يكون الراوي من شيوخه أو شيوخ شيوخه أو من أهل بلده أو ممن عرفهم !!
ويحسن بنا ونحن في هذا المقام أن نعرض لما قرره العلامة المعلمي اليماني - رحمه الله - وشاع بين كثير من الناس ، إذ قال في التنكيل(14): (والتحقيق أن توثيقه على درجات :
الأولى : أن يصرح به ، كأن يقول : (كان متقناً) أو (مستقيم الحديث) أو نحو ذلك
الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم .
__________
(1) - الكفاية : ص :150
(2) - 4 / 13 عقيب الحديث 1432
(3) - رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ص ( 194 )
(4) - قلت : ليست محل اتفاق ، بل كما ذكر العمش قبل قليل ، فقد يكون حديثه صحيحا وقد يكون حسنا ، وقد يكون ضعيفاً
(5) - فتح الباري - (ج 15 / ص 48)
(6) - انظر الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
(7) - وأخرجه كذلك الشافعي المسند (ص81) ، وعبد الرزاق في جامع معمر(11/89) والبخاري في الأدب المفرد (906،720) ، وأبو داود (5097) ، والنسائي في الكبرى (6/231/10768،10767) وعمل اليوم والليلة (932،931) ، وابن ماجه (3717) ، وأبو يعلى (10/527/6142) ، وابن حبان (5732،1007) ، وأبو الشيخ في العظمة(4/1314،1313) ، والحاكم (4/318) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/361) من طرق عن الزهرى عن ثابت بن قيس الزرقى عن أبى هريرة بنحوه .
(8) - الثقات (4/90/1962)
(9) - تهذيب الكمال (4/372/828)
(10) - التقريب (1/133/827)
(11) - وأخرجه كذلك عبد الرزاق (5/243/9497) ، وأحمد (4/82) ، وابن حبان (4820) ، والطبراني في الكبير (2/131:130/1555:1552) ، وابن عبد البر في التمهيد (20/52) ، والمزي في تهذيب الكمال(21/496) من طرق عن الزهرى أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ به .
(12) - تهذيب الكمال (21/495/4301)
(13) - تقريب التهذيب (1/416)
(14) - 2 / 450 - 451 و مجلة الحكمة العدد السابع عشر ص 393(1/292)
الثالثة : أن يكون الرجل من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة .
الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة .
الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة ، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم والثانية قريب منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل - والله أعلم -) .
وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - معقباً على كلام المعلمي : (هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف المعلمي - رحمه الله - وتمكنه من علم الجرح والتعديل وهو مما لم أره لغيره فجزاه الله خيراً .
غير أنه قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف ، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما من المحققين ، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة ، بل والتي قبلها أحيانا) .والحقُّ في ذلك أن ما قرره العلامتان المعلمي والألباني إطلاق يفتقر إلى تقييد ، لتصحح هذه القاعدة ، وقد أجاد بعض الباحثين في تفصيل ذلك ، إذ قسم الرجال الذين ترجم لهم ابن حبان في ثقاته إلى قسمين :
القسم الأول : الذين انفرد بالترجمة لهم .
القسم الثاني : الذين اشترك مع غيره بالترجمة لهم ، وهم على قسمين أيضاً :
الأول : الرواة الذين أطلق عليهم ألفاظ الجرح والتعديل ، وهؤلاء الرواة لم يكونوا على درجة واحدة ، بل كان فيهم الحافظ والصدوق والمجروح والضعيف والمجهول .
الثاني : الرواة الذين سكت عنهم ، وفيهم الحافظ والصدوق والمستور والمجهول والضعيف ومنكر الحديث .
وختاماً نص الباحث نفسه فقال : (والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان هو عرضهم على كتب النقد الأخرى ، فإن وجدنا فيها كلاماً أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد ، وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً طبقنا قواعد النقاد عليهم ، وقواعد ابن حبان نفسه .
وأغلب الرواة الذين يسكت عليهم ابن حبان ، ويكون الواحد منهم قد روى عنه ثقة ، وروى عن ثقة ، يكونون مستورين ، يقبلون في المتابعات والشواهد ولذلك فإنني قلت في رسالتي عن ابن حبان في الرواة الذين ترجمهم ساكتاً عليهم : بأنهم على ثلاث درجات :
1- فمنهم الثقات وأهل الصدق .
2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار .
3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول ، وهؤلاء ذكرهم للمعرفة - والله أعلم -)(1)
والذي أميل إليه : أن ما ذهب إليه المحرران من تقييد ذلك بعدد الرواة خطأ محض نشأ عن تسرع في الأحكام وعجلة كان ينبغي بمن مثلهما أن لا يقع فيها وأن ما ذهب إليه اليماني وتابعه عليه العلامة الألباني وما نظره الباحث جيد ؛ غير أن الأولى أن يقال أن ذلك لا يناط تحت قاعدة كلية مطردة بل الأمر يختلف من راوٍ إلى راوٍ حسب المرجحات والقرائن المحيطة التي تحفُّ الراوي ، فعندها يحكم على ذلك ، وعليه يحمل صنيع الإمامين الجهبذين الذهبي وابن حجر ، إذ إنهما لم يعملا ذلك تحت قاعدة كلية ، بل مرجع ذلك إلى القرائن المحيطة وحال الراوي وقرب عهده من بُعْدِه ، وكونه من المعروفين أو غير المعروفين ، وكونه من أهل بلد ابن حبان من غيرهم ، ولو أدرك المحرران لما وصفا صنيع الحافظ باضطراب المنهج وخلو كتابه من المنهجية ، نسأل الله الستر والعافية .اهـ
قلت ( علي):
وقد أورد في كتابه هذا كل من هو ثقة عنده كما ذكر وفيه حوالي بضعة عشر ألف ترجمة بشكل مختصر والثقات الذين أوردهم في كتابه على أنواع :
- الأول : قسم متفقٌ على ثقته وعدالته مثل :
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي 4/4 قال عنه في التقريب أخرج له الجماعة عدا الترمذي (206) .
وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري ... وفي التقريب (178) ثقة .
وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . وفي التقريب (199) له رؤية ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة ووثقه العجلي اهـ . وغيرهم كثير مما لا خلاف فيه
- والثاني : قسم اختلف فيهم علماء الجرح والتعديل ، ورجح عند ابن حبان عدالتهم ومنهم :
إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي ، قال عنه في التقريب (204) صدوق ضعيف الحفظ اهـ
- والثالث : رواة ذكرهم ، وذكر عليهم بعض الملاحظات كيخطئ مثلاً ، وتكلم فيهم غيره ،كقوله في ترجمة إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق قال عنه: يخطئ 4/19 . وفي التقريب (450) ضعيف .
وكقوله في ترجمة أيوب بن خالد روى عنه موسى بن عبيده يعتبر بحديثه من غير حديث موسى عنه 4/29 وفي التقريب (610) فيه لين .
وكقوله في ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري يخطئ 4/59 وفي التقريب (408) صدوق .
فهؤلاء الرواة الذين تكلَّم فيهم ينظر في أحوالهم وفيما قال فيهم أئمة الجرح والتعديل لنصل إلى الرأي الراجح فيهم .
- والرابع : رواة وثقهم وروى عنهم اثنان من الثقات ، فما فوق فهؤلاء مقبولون على الراجح ، مالم يضعّفهم إمام معتبر .
- والخامس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد(2)ولم يأتوا بخبر منكر ، فهؤلاء - على الراجح - مقبولون وحديثهم حسن ، ولاسيما إذا ذكره البخاري في التاريخ وسكت عليه أو ذكره ابن أبي حاتم وسكت عليه ، أو قال عنه الذهبي في الكاشف : وُثّق ، أو وثقه معه الإمام ابن خزيمة أو الترمذي ، أو الحاكم ، أو روى له أبو داود والنسائي وسكتا عليه ، أو روى له أحمد في المسند ولم يضعفه أو مانص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول ... وما نسب إليه من أنه واسع الخطو في باب التوثيق ، يوثِّق كثيراً ممن يستحقُّ الجرح ، فهو قول ضعيف مردود ، وقد عرفنا أنه معدود ممن له تعنت وإسراف في جرح الرجال ، ومَن هذا حاله لايمكن أن يكون متساهلاً في تعديل الرجال ، وإنما يقع التعارض كثيراً بين توثيقه وبين جرح غيره ، لكفاية مالا يكفي في التوثيق عند غيره عنده .
ونقل السخاوي في فتح المغيث 1/36 أن شيخه الحافظ ابن حجر نازع في نسبة ابن حبان إلى التساهل فقال : إن كانت باعتبار وُجدان الحسن في كتابه ، فهو مشاحّة في الاصطلاح لأنه يسميه صحيحاً ، وإن كانت باعتبار خفّة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ماكان راويه ثقة غير مدلس ، سمع ممن فوقه ، وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك انقطاع ولا إرسال ، وإذا لم يكن في الراوي المجهول الحال جرحٌ ولاتعديل ، وكان كلّ من شيخه والراوي عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر ، فهو ثقة عنده ، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذا حاله ، ولأجل هذا ربما اعترض معترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف اصطلاحه ، ولا اعتراض عليه ، فإنه لا يشاحّ في ذلك اهـ .
فغاية ما في الأمر أن يوثق (مستور الحال) ، وهو ما لم يكن فيه جرح ولا تعديل ، وكان كلٌ من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر ، وقد وثق الأئمة كثيراً ممن هذا شأنهم وثمة نقول كثيرة عنهم تعزّز رأيه في رواية المستور فقد نقل الذهبي في الميزان 1/556 : في ترجمة حفص بن بُغيل قول ابن القطان فيه: لا يعرف له حال ولا يعرف ، ثم عقبه بقوله : لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا ، فإن ابن القطان يتكلم في كلِّ من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل ، أو أخذ عمن عاصره ما يدلُّ على عدالته ، وهذا شيءٌ كثيرٌ ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ كثير مستورون ، ماضعفهم أحدٌ ، ولاهم بمجاهيل .
وفي كتاب قرة العينين في ضبط أسماء رجال الصحيحين ص 8 :
لا يقبل مجهول الحال ، وهو على ثلاثة أقسام :
أحدهما مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، فلا يقبل عند الجمهور .
وثانيها مجهول العدالة باطناً ، وهو المستور ، والمختار قبوله ، وقطع به سُليم الرازي أحد أئمة الشافعية ، وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي وعليه العمل في كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم عهدهم وتعذّرت معرفتهم اهـ وبمثله قال ابن الصلاح والسخاوي في شرح الألفية(3)
- والسادس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا واحد أو اثنين نادراً ، ونص غيره على جهالتهم ..
- والسابع : رواة تناقض فيهم فذكرهم في الثقات ، وفي المجروحون !!
والكتاب بحاجة لتحقيق وضبط ومقارنة رواته مع ماقاله فيهم غيره من علماء الجرح والتعديل .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ( ص72 ).
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 180-183 و204-208
(3) - 1/321 و323 و347 وراجع مقدمة الإحسان 1/36-40(1/293)
3- "تاريخ أسماء الثقات" لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين، المتوفى سنة (385) هـ. وهو مطبوع في مجلد واحد، تحقيق: الدكتور عبد المعطي قلعجي، وهو من منشورات دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى سنة 01406)هـ.
4- "تذكرة الحفاظ" لشمس الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة (748)هـ. وهو مطبوع في ثلاث مجلدات مع ذيله وهو من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، صحح عن النسخة القديمة المحفوظة في مكتبة الحرم المكي، وصورته دار إحياء التراث العربي.
5- "معرفة التابعين الثقات"، لابن حبان، تلخيص شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة ( 337)هـ.وهو كتاب مطبوع بتحقيق عطا الله بن عبد الغفار، أبو مطيع السندي، الناشر: أضواء السلف، وقد سبق في قسم الطبقات.
ـــــــــــــــ(1/294)
النوع الخامس من أنواع كتب الطبقات:
كتب تحمل اسم العلل، فهي تذكر الأحاديث المعلة ثم التنبيه على علتها، فيقال: انفرد به فلان وهو ضعيف، أو رواه فلان وهو منكر ونحوه، ومن أوائل تلك المؤلفات وأشهرها:
وما سأذكره في هذه الصفحات إنما هو: من مقدمة العلل لابن أبي حاتم، وهي: من صنع وتنسيق وترتيب الشيخ الدكتور سعد الحميد حفظه الله تعالى، وهي على ما يلي:
1) "العِلَلُ" لعليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الْمَدِينيِّ رحمه الله تعالى (ت 234هـ)، وهي كتبٌ متعدِّدةٌ.
2) "العِلَلُ" للإمامِ أحمدَ رحمه الله تعالى (ت241هـ)(1)، وهو أيضًا روايات متعددة.
3) "العِلَلُ" لمحمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِليِّ (ت242هـ)، هو كتاب مفقود.
4) "العِلَلُ" لأبي حَفْصٍ عَمْرِو بنِ عليٍّ الفَلاَّسِ رحمه الله تعالى (ت249هـ).
5) "عِلَلُ حديثِ الزهريِّ" لمحمدِ بنِ يحيى الذُّهْلِيِّ رحمه الله تعالى (ت258هـ).
6) "العِلَلُ"، و"التمييزُ"، كلاهما لمسلمِ بنِ الحَجَّاجِ النَّيْسَابوريِّ رحمه الله تعالى (ت261هـ)
7) العِلَلُ" لأبي بكرٍ الأَثْرَمِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ هانئٍ رحمه الله تعالى (ت قريبًا من سنةِ 260هـ).
8) "المُسْنَدُ الكبيرُ المُعَلَّلُ" ليعقوبَ بنِ شَيْبَةَ السَّدُوسيِّ رحمه الله تعالى (ت262هـ).
9) "عِلَلُ أبي زُرْعةَ الرازيِّ" لِعُبَيْدِ الله بن عبد الكريم أبي زُرْعة الرازي رحمه الله تعالى (ت264هـ).
10) "العِلَلُ" لأبي بِشْرٍ إسماعيلَ بنِ عبدِاللهِ، المعروفِ بـ"سَمُّوْيَهْ" رحمه الله تعالى (ت267هـ).
11) "العِلَلُ" لأبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني رحمه الله تعالى (ت275هـ)(2).
12) "العِلَلُ" لأبي حاتمٍ محمَّدِ بنِ إدريسَ الحَنْظَلِيِّ الرازيِّ رحمه الله تعالى (ت277هـ)،
13) "العِلَلُ الكبيرُ" و"العِلَلُ الصغيرُ" كلاهما لأبي عيسى التِّرْمِذِيِّ محمدِ بنِ عيسى ابْنِ سَوْرَةَ (ت279هـ).
14) "العِلَلُ في الحديث" لأبي زُرْعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله النَّصْري رحمه الله تعالى (ت281هـ)(3).
15) "عِلَلُ حديثِ الزُّهْريِّ" لأبي بكرٍ أحمدَ بنِ عمرِو بنِ أبي عاصمٍ رحمه الله تعالى (ت287هـ)
16) "الْمُسْنَدُ الكبيرُ الْمُعَلَّلُ" لأبي بكرٍ أحمدَ بنِ عَمْرِو بنِ عبدِ الخالقِ البَزَّارِ رحمه الله تعالى (ت292هـ)(4). وهو مطبوع كله وعدد أحاديثه (9018) حديثاً
17) "العِلَلُ" لأبي عليٍّ الْبَلْخيِّ عبدِ اللهِ ابنِ محمَّدٍ رحمه الله تعالى (ت294هـ).
18) "العِلَلُ" لأبي إسحاقَ إبراهيمَ بنِ أبي طالبٍ النَّيْسَابُوريِّ رحمه الله تعالى (ت295هـ).
19) "مُسْنَدُ حديثِ الزُّهْرِيِّ بِعِلَلِهِ، والكلامُ عليه" تأليفُ أبي عبدِ الرحمنِ أحمدَ بنِ شُعَيْبٍ النَّسَائيِّ رحمه الله تعالى (ت303هـ)(5).
20) "العِلَلُ" لزكريَّا بنِ يحيى السَّاجِيِّ رحمه الله تعالى (ت307هـ).
21) "الْمُسْنَدُ الْمُعَلَّلُ" لأبي العباسِ الوليدِ ابنِ أَبَانَ بنِ بُوْنَةَ الأَصْبَهَانيِّ رحمه الله تعالى (ت310هـ، وقيل: 308هـ)(6).
22) "العِلَلُ" للخَلاَّلِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ هارونَ رحمه الله تعالى (ت311هـ).
23) "عِلَلُ الأحاديثِ في صحيحِ مسلمٍ" لابنِ عَمَّارٍ الشَّهِيدِ محمدِ بنِ أبي الحُسَيْنِ الجَارُودِيِّ، أبي الفضلِ الهَرَوِيِّ رحمه الله تعالى (ت317هـ).
24) "العلل" للعُقَيلي محمد بن عمر بن موسى رحمه الله تعالى (ت322هـ)(7).
25) "العِلَلُ" لعبدِ الرحمنِ بنِ أبي حاتمٍ الرازيِّ رحمه الله تعالى (ت327هـ).
26) "العِلَلُ" لأبي عليٍّ الحُسَيْنِ بنِ عليٍّ النَّيْسَابُوريِّ رحمه الله تعالى (ت349هـ).
27) مصنَّفاتُ ابنِ حِبَّانَ محمَّدِ بنِ حِبَّانَ أبي حاتمٍ البُسْتيِّ رحمه الله تعالى (ت354هـ) ذَكَرَهَا مسعودُ ابنُ ناصرٍ السِّجْزِيُّ للخطيب البغدادي، وهي:
كتابُ "عِلَلِ أوهامِ أصحابِ التواريخِ"
كتابُ "عِلَلِ حديثِ الزُّهْرِيِّ"
كتابُ "عِلَلِ حديثِ مالكِ بنِ أنسٍ"
كتابُ "عِلَلِ مناقبِ أبي حَنِيفةَ ومَثَالبِهِ"
كتابُ "عِلَلِ ما أَسْنَدَ أبو حنيفةُ"
كتابُ "ما خالَفَ الثَّوْرِيُّ شُعْبةَ"
كتابُ "ما خالَفَ شُعْبةُ الثَّوْرِيَّ" جزءان...».
28) "الْمُسْنَدُ الكبيرُ الْمُعَلَّلُ" لأبي عليٍّ النَّيْسَابوريِّ الحُسَيْنِ بنِ محمَّدٍ الماسَرْجِسيِّ رحمه الله تعالى (ت365هـ).
29) "العِلَلُ" لأبي الحُسَيْنِ محمدِ بنِ محمدِ بنِ يَعْقُوبَ النَّيْسَابوريِّ، الْمُقْرئ، الْحَجَّاجِيِّ رحمه الله تعالى (ت368هـ).
30) "العِلَلُ" لأبي أحمدَ الحاكمِ محمدِ بنِ محمدِ بنِ إسحاقَ النَّيْسَابوريِّ رحمه الله تعالى (ت378هـ).
31) "العِلَلُ" لأبي الْحَسَنِ عليِّ بنِ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيِّ رحمه الله تعالى (ت385هـ).
32) "الأجوبةُ" لأبي مسعودٍ الدِّمَشْقِيِّ إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ عُبَيْدٍ رحمه الله تعالى (ت401هـ).
33) "العِلَلُ" لأبي عبدِ اللهِ الحاكمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النيسابوريِّ رحمه الله تعالى (ت405هـ).
34) "الفَصْلُ لِلوَصْل، الْمُدْرَجِ في النَّقْل"، و"تمييزُ الْمَزِيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ" كلاهما للخطيبِ البغداديِّ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ ثابتٍ رحمه الله تعالى (ت463هـ).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر: "تاريخ بغداد" (2/131).
(2) - نقل منه ابن الموَّاق في "بغية النُّقَّاد" (2/189).
(3) - انظر "كشف الظنون" (1/584)، و(2/1440).
(4) - انظر: "تاريخ بغداد" (4/334).
(5) - ذكره ابن خَيْر الإِشْبِيلي في "فهرسته" (ص122)، وساق سنده إليه.
(6) - ر ذكره إسماعيل باشا في "إيضاح المكنون" (4/483)، و"هَدِيَّة العارفين" (6/500)، وذَكَرَ أبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدِّثين" (4/217) أنه صنَّف "المسنَدَ"، ولم يَذْكُرِ " المُسْنَدَ المعلَّل".
(7) - ذكره في "الضعفاء" (4/351) في معرض إعلاله لحديثٍ قال عنه: « وفيه اختلاف واضطراب سنأتيه على تمامه في كتاب العلل إن شاء الله ».(1/295)
تاسعاً- نماذج لأعيان من يعتمد قولهم في الجرح والتعديل
قبل أن أذكر نماذج من أعيان من يعتمد قولهم في الجرح والتعديل، يحسن أن أذكر صفة من يقبل منه الجرح والتعديل.
أولا: صفة من يقبل منه الجرح والتعديل:
- أن يكون المتكلم عارفاً بمراتب الرجال، وأحوالهم في الانحراف والاعتدال، ومراتبهم من الأقوال والأفعال(1):
- أن يكون من أهل الورع والتقوى:
ذلك أن الورع، والتقوى يمنعانه من القول في الرجال بغير علم، ويمنعه الورع والتقوى من الجور والحيف في القول فيمن يتكلم فيه، فلا يقول فيه إلا الحق والصدق.
كما أن الورع والتقوى يجعله لا يخاف في الله لومة لائم، ويحمله على أن لا يحابي أحدا في هذا المجال، بل يقدِّم الاحتياط لسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من يحبُّه أو يقرِّبه.
- أن يكون مجانباً للعصبية والهوى.
إن صاحب الهوى يحمله هواه أن يجرح الثقة، أو يوثق الضعيف، وصاحب الهوى غالبا ما يسوقه هواه إلى الضلال. قال الله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (50) سورة القصص، أي: لا أحد أضلَّ ممن اتبع هواه بغير هدى.
ومن الهوى الذي يمكن أن يسوق الإنسان إلى أن يقول في أخيه ما لا يقتضيه حاله ما يقع بين الفرق من اتهام كل منها الفرقة الأخرى.
- أن يكون المعدِّلُ والمجرِّحُ خالياً من التساهل والتشدُّدِ:
ذلك أن تساهل المجرح يقتضي أن يوثق الضعيف، وقد يؤدي به تساهله إلى أن يحسن الظن بكل أحد، ومن ثم يوثقه، وهذا ينافي كمال الاحتياط لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وكذلك فإن التشدد في جرح الرواة يؤدي إلى إهدار كثير من السنة النبوية ، كما فعله الكثيرون اليوم ، فردوا كثيرا من الأحاديث المقبولة لاتباعهم منهج المتشددين في الجرح والتعديل .
- أن يكون عارياً عن غرض النفس بالتحامل:
وهذا التحامل للغرض النفسي، يحصل غالباً بين الأقران من العلماء، وليس كل العلماء بل بعضهم، ذلك أن العصمة لله ثم لرسله - عليهم الصلاة والسلام-.
وقد ذكر أهل العلم في هذا المجال، مجال الكلام بين الأقران عدة مواقف، منها:
الموقف الذي وقع بين هشام بن عروة وابن إسحاق، عَنْ مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ، عَنْ فَاطِمَةَ بنتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بنتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا سَمِعْتِ امْرَأَةً تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي ضَرَّةً وَإِنِّي أَتَشَبَّعُ مِنْ زَوْجِي بِمَا لا يُصِيبُنِي أَغِيظُهَا بِذَلِكَ، فَهَلْ عَلَى فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ:الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ.(2).
وكان هشام ينكرُ على ابن إسحاق روايته عنها ويقول: لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين، وما رآها مخلوق حتى لحقت بالله عز وجل .
وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سألت هشام بن عروة عن محمد بن إسحاق، فقلت: كان يدخل على فاطمة بنت المنذر؟ فقال: أهو كان يصل إليها؟. وفي رواية: والله إن رآها قط(3).
قال عبد الله بن أحمد: فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق، فقال: وما ينكر هشام، لعله جاء فاستأذن عليها، فأذنت له، أحسبه قال: ولا يعلم(4).
والموقف الذي وقع بين مالك وابن إسحاق أيضاً، ذلك أن محمد بن إسحاق، كان يزعم أن مالكاً من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم، فوقع بينهما لهذا مفاوضة، فلما صنف مالك الموطأ، قال ابن إسحاق: ائتونى به، فإني بيطاره، فنقل ذلك إلى مالك(5)فقال: هذا دجال من الدجاجلة، يروي عن اليهود، وكان بينهم ما يكون بين الناس(6).
قال ابن عدي في آخر ترجمته(7):
" ولمحمد بن إسحاق حديث كثير وقد روى عنه كثرة الناس شعبة والثوري وابن عيينة وحماد بن سلمة وغيرهم وقد روى المغازي عنه إبراهيم بن سعد وسلمة بن الفضل ومحمد بن سلمة ويحيى بن سعيد الأموي وسعيد بن بزيع وجرير بن حازم وزياد البكائي وغيرهم وقد روى المبتدأ والمبعث قال الشيخ ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شئ فصرف اشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومبتدأ الخلق اتركوهن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها ثم بعده صنفه قوم آخرون ولم يبلغوا مبلغ بن إسحاق فيه وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشئ بعد الشئ كما يخطئ غيره ولم يتخلف عنه في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به "
وقال ابن حبان(8):
" محمد بن إسحاق بن يسار مولى عبد الله بن قيس بن مخرمة كان جده من سبى عين التمر وهو أول سبى دخل المدينة من العراق كنيته أبو بكر ممن عنى بعلم السنن وواظب على تعاهد العلم وكثرت عنايته فيه وجمعه له على الصدق والإتقان يروى عن مشايخ قد رآهم ويروى عن مشايخ عن أولائك وربما روى عن أقوام رووا عن مشايخ يروون عن مشايخه يدلُّ ما وصفت من توقيه على صدقه مات ببغداد سنة خمسين ومائة وكان من أحسن الناس سياقا للأخبار وأحفظهم لمتونها "
ومن ذلك الموقف الذي وقع بين النسائي وأحمد بن صالح المصري -رحمهما- الله، فقد كان النسائي يضعفه، قيل: إن أحمد المصري طرد النسائي من مجلسه، فحقد عليه النسائي(9).
كل هذا كان يقع بين بعض المحدثين أصحاب الحديث؛ لأنهم ليسوا معصومين.
قَالَ شُعْبَةُ: " احْذَرُوا غَيْرَةَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ , فَلَهُمْ أَشَدُّ غَيْرَةً مِنَ التُّيُوسِ "
قال الخطيب : وَمَذَاهِبُ النُّقَّادِ لِلرِّجَالِ غَامِضَةٌ دَقِيقَةٌ , وَرُبَّمَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّاوِي أَدْنَى مَغْمَزٍ فَتَوَقَّفَ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوجِبًا لِرَدِّ الْحَدِيثِ وَلَا مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ , وَيَرَى السَّامِعُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ هُوَ الْأَوْلَى رَجَاءَ إِنْ كَانَ الرَّاوِي حَيًّا أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّحَفُّظِ وَضَبْطِ نَفْسِهِ عَنِ الْغَمِيزَةِ , وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا أَنْ يُنْزِلَهُ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ مَنْزِلَتَهُ , فَلَا يُلْحِقُهُ بِطَبَقَةِ السَّالِمِينَ مِنْ ذَلِكَ الْمَغْمَزِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلدِّينِ إِشَاعَةَ مَا سَمِعَ مِنَ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي لَا يُوجِبُ إِسْقَاطَ الْعَدَالَةِ بِانْفِرَادِهِ , حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ لَهُ مِنْ أَخَوَاتٍ وَنَظَائِرَ , فَإِنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ وَطَبَائِعَهُمْ جَارِيَةٌ عَلَى إِظْهَارِ الْجَمِيلِ وَإِخْفَاءِ مَا خَالَفَهُ , فَإِذَا ظَهَرَ أَمْرٌ يُكْرَهُ مُخَالِفٌ لِلْجَمِيلِ , لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ شِبْهٌ لَهُ " . وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعَدَالَةِ : " مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ , وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ , وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ , وَإِنْ قَالَ : إِنَّ سَرِيرَتِي حَسَنَةٌ "(10).
- أن يكون المجرِّح أو المعدِّل عدلاً في نفسه:
فإن المجروح في نفسه لا يقوِّم غيره، وقد يكون أوثق منه، وهذا عابه المحدثون على أبي الفتح الأزدي(11)، لما كثر طعنه في الرواة، وعابوا على أناس آخرين لكونهم ضعفاء، فضعفوا غيرهم أو وثقوهم، وفاقدُ الشيء لا يعطيه كما قالوا.
قال حمزة السهمي: سألت أحمد بن عبدان عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش يقبل قوله؟(12)
قال: لم أسمع فيه شيئاً، سألت أبا زرعة: محمد بن يوسف الجرجاني عن عبد الرحمن بن خراش، فقال: كان أخرج مثالب الشيخين وكان رافضياً،(13)على أن ابن خراش قبل أكثر العلماء أقواله في الجرح والتعديل، وقد نقل ابن حجر والذهبي عنه كثيراً، ونقلت عنه في تراجم الرجال.
وقال ابن حجر في ترجمة خثيم بن عراك بن مالك الغفاري: وثقه النسائي وابن حبان والعقيلي، وشذ الأزدي، فقال: منكر الحديث، وغفل أبو محمد بن حزم فاتبع الأزدي وأفرط، فقال: لا تجوز الرواية عنه، وما درى أن الأزدي ضعيف، فكيف يقبل منه تضعيف الثقات(14).
- أن يكون المعدِّل أو المجرِّح عارفاً بهذا الشأن:
أي: يكون من يتصدى للتضعيف والتوثيق، من أهل الحديث البارعين فيه العارفين بمخارج الحديث، وطرق الرواية، وأنواع التحمل وكيفية الأداء، ونحو ذلك، ولو كان غير متخصص في هذا العلم فإنه لا يمكنه الطعن في الرواة أو توثيقهم بما لا يقتضيه حالهم.
نقل السخاوي عن جمهور أهل العلم أنه إذا جرح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن(15).
قال: والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالماًً كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار عنده المزكَّى عدلاً، وعزاه إلى القاضي أبي بكر الغزالي في المستصفي(16)،
وقال الخطيب(17):
" وقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ إِنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ : عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ ؟ قَالَ : " إِنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيُّ مُبْغِضٌ لِآبَائِهِ , وَلَوْ رَأَيْتَ لِحْيَتَهُ وَخِضَابَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّهُ ثِقَةٌ " فَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ ثِقَةٌ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً , لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْأَةِ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَجْرُوحُ , وَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْعَدَالَةِ , بَلْ يُقْبَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ تَعْدِيلُ الْمُخْبِرِ وَالشَّاهِدِ , وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا , وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ فِي التَّعْدِيلِ إِلَّا إِلَى قَوْلِ عَدْلٍ رِضًا , عَارِفٍ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْعَدْلُ عَدْلًا وَالْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ أَمْرِهِ فِي التَّزْكِيَةِ عَلَى السَّلَامَةِ , وَمَا تَقْتَضِيهِ حَالُهُ الَّتِي أَوْجَبَتِ الرُّجُوعَ إِلَى تَزْكِيَتِهِ , مِنِ اعْتِقَادِ الرِّضَا بِهِ وَأَدَائِهِ الْأَمَانَةَ فِيمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فِيهِ , وَالْعَمَلِ بِخَبَرِ مَنْ زَكَّاهُ , وَمَتَى أَوْجَبْنَا مُطَالَبَتَهُ بِكَشْفِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَارَ عَدْلًا عِنْدَهُ , كَانَ ذَلِكَ شَكًّا مِنَّا فِي عِلْمِهِ بِأَفْعَالِ الْمُزَكَّى وَطَرَائِقِهِ , وَسُوءَ ظَنٍّ بِالْمُزَكِّي وَاتِّهَامًا لَهُ بِأَنَّهُ يَجْهَلُ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَصِيرُ الْعَدْلُ عَدْلًا , وَمَتَى كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ عِنْدَنَا لَمْ يَجِبْ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى تَزْكِيَتِهِ , وَلَا أَنْ نَعْمَلَ عَلَى تَعْدِيلِهِ , فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْجُمْلَةِ . فَإِنْ قِيلَ : مَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ وُجُوبِ اسْتِخْبَارِ الْمُزَكِّي عَنْ سَبَبِ تَعْدِيلِهِ , لَا لِاتِّهَامِنَا لَهُ بِالْجَهْلِ بِطَرَائِقِ الْمُزَكَّى وَأَفْعَالِهِ , وَلَكِنْ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا بِهِ يَصِيرُ الْعَدْلُ عَدْلًا , فَيَجُوزُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِمَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عِنْدَ غَيْرِهِ . يُقَالُ : هَذَا بَاطِلٌ , وَحَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى السَّلَامَةِ وَاجِبٌ , وَأَنَّهُ مَا عَدَّلَهُ إِلَّا بِمَا بِهِ يَصِيرُ عَدْلًا عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَّةِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ لَا يُتَعَقَّبُ وَلَا يُرَدُّ , وَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ هَذَا وَاجِبًا لَوَجَبَ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ زَيْدًا بَاعَ عَمْرًا سِلْعَةً بَيْعًا صَحِيحًا وَاجِبًا نَافِذًا يَقَعُ التَّمَلُّكُ بِهِ , وَأَنَّهُ قَدْ زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ تَزْوِيجًا صَحِيحًا , أَنْ يُسْأَلَا عَنْ حَالِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ , وَعَنْ كُلِّ عَقْدٍ يَشْهَدَانِ بِهِ , لِمَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْخِلَافِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَصِحَّتِهَا وَتَمَامِهَا , وَلَمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ كَشْفُهُ لِلْحُكَّامِ , وَجَبَ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا , فَإِنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ يَشُقُّ ذِكْرُ جَمِيعِهَا , وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُزَكِّي الْإِخْبَارُ بِهَا لَكَانَ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي : هُوَ عَدْلٌ لَيْسَ يَفْعَلُ كَذَا , وَلَا كَذَا , وَيَعُدُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ , ثُمَّ يَقُولُ : وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا , وَيَعُدُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ . وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَطُولُ وَيَشُقُّ تَفْصِيلُهُ , وَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ التَّعْدِيلُ مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ تَرْكُ الْكَشْفِ عَمَّا بِهِ يَصِيرُ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا , وَأَنْ تَقْبَلُوا الْجَرْحَ فِي الْجُمْلَةِ , يُقَالُ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ , لِأَنَّ الْجَرْحَ يَحْصُلُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ , فَلَا يَشُقُّ ذِكْرُهُ , وَالْعَدَالَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ , حَسَبَ مَا بَيَّنَّاهُ , وَالْإِخْبَارُ بِهَا يُحْرِجُ , فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِجْمَالُ فِيهَا كَافِيًا , عَلَى أَنَّا نَقُولُ أَيْضًا : إِنْ كَانَ الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْجَرْحِ عَدْلًا مَرْضِيًّا فِي اعْتِقَادِهِ وَأَفْعَالِهِ , عَارِفًا بِصِفَةِ الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ وَأَسْبَابِهِمَا , عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ , قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَنْ جَرَحَهُ مُجْمَلًا , وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ سَبَبِهِ , وَسَنَشْرَحُ الْأُمُورَ الَّتِي تُوجِبُ الْجَرْحَ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهَا , وَنُبَيِّنُهَا فِيمَا بَعْدُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى "
- أن يكون المعدِّل أو المجرِّح عارفاً بالأسباب التي يجرح من أجلها الإنسان:
إذا كان المجرِّح أو المعدِّل لا يعرف أسباب الجرح، والتعديل، فإنه قد يجرح أو يعدِّل بغير أسبابهما.
فهناك أمور لا يستدلُّ بها على التعديل، كما توجد أسباب لا يجرح بها. قال أحمد بن يونس عن عبد الله بن عمر بن حفص العمري: لو رأيت هيئته لعرفت أنه ثقة.قال أهل العلم عن قوله هذا لا عبرة به؛ لأنه استدلَّ بهيئة عبد الله على توثيقه، والهيئة لا يستدلُّ بها على التوثيق.
فقد يأتي العامي في لباس العلماء وهيئتهم وهو عامي لا يعرف من العلم شيئاً كما أن أكثر العلماء يتحلون بالزهد والورع، فيلبسون الثياب الرثة البالية حتى لا يخطر في البال أنه من العلماء، فإذا تكلم عرف علمه وفقهه.
قال ابن عمار عن يحيى بن سعيد القطان: كان إذا نظرت إليه ظننت أنه لا يحسن شيئا، فإذا تكلم أنصت له الفقهاء(18).
وكذلك في باب الجرح فإن رواة ضُعفوا أيضاً بشيء لا يقتضي التضعيف، ومن ذلك: قِيلَ لِشُعْبَةَ : لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ ؟ قَالَ : " رَأَيْتُهُ يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ "(19).
عَنْ شُعْبَةَ قَالَ : أَتَيْتُ مَنْزِلَ مِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو فَسَمِعْتُ مِنْهُ صَوْتَ الطُّنْبُورِ , فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ , قُلْتُ : وَهَلَّا سَأَلْتَهُ , فَعَسَى كَانَ لَا يَعْلَمُ(20).
ثانيا- تسمية من تكلم بالرجال
قال الذهبي: فنشرع الآن في تسمية من كان إذا تكلم في الرجال قبل قوله ورجع إلى نقده، قال:ونسوق من يسر الله تعالى منهم على الطبقات والأزمنة، والله الموفق للسداد بمنه.
الطبقة الأولى: ذكر الذهبي منهم مجموعة وصل عددهم إلى سبع وثلاثين رجلا، ومنهم:
1- أبو عمر عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، المتوفى سنة (157)هـ.
2- مسعر بن كدام المتوفى سنة (155أو 153) هـ.
3- شعبة بن الحجاج، أبو بسطام العتكي المتوفى سنة (160) هـ.
4- سفيان بن سعيد الثوري، المتوفى سنة (161)هـ.
5- شعيب بن أبي حمزة المتوفى سنة (162) هـ.
6- حماد بن سلمة، المتوفى سنة (167)هـ.
7- أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري المتوفى سنة (165) هـ.
8- إبراهيم بن طهمان المتوفى سنة (168) هـ.
9- مالك بن أنس الأصبحي، المتوفى سنة (179)هـ.
10- حماد بن زيد المتوفى سنة (179) هـ.
الطبقة الثانية:ذكر مجموعة وصل عددهم إلى ثمان وخمسين رجل، ونقتصر على أشهرهم:
1-عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن المروزي، المتوفى سنة (181)هـ.
2- يزيد بن زريع البصرري، أبو معاوية البصري المتوفى سنة (182)هـ.
3 - علي بن مسهر القرشي الكوفي قاضي الموصل، المتوفى سنة(189)هـ.
4 - مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكوفي، المتوفى سنة(193)هـ.
5 - معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان االعنبري، أبو المثنى البصري، المتوفى سنة(196)هـ.
6- وكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرؤاسي، المتوفى سنة(197)هـ.
7-سفيان بن عيينة بن أبي عمران، أبو محمد الهلالي المتوفى سنة (198)هـ.
8-يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي، أبو سعيد القطان، المتوفى سنة (198)هـ.
9- حماد بن أسامة أبو أسامة القرشي مولاهم الكوفي، المتوفى سنة(201)هـ.
10- يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، المتوفى سنة (206)هـ.
الطبقة الثالثة: ذكر فيها مجموعة وصل عددهم واحدا وسبعين رجلا، فمن أشهرهم:
1- عبد الله بن إدريس بن يزيد، أبو محمد الأودي الكوفي، المتوفى سنة (192)هـ.
2-عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد العنبري البصري، المتوفى سنة(198)هـ.
3- محمد بن إدريس بن العباس المطلبي، أبو عبد الله الشافعي، المكي نزيل مصر، المتوفى سنة(204)هـ.
4- الفضل بن دكين، أبو نعيم الملائي، المتوفى سنة (213)هـ.
5- عبد الأعلى بن مسهر، أبو مسهر الغساني الدمشقي، المتوفى سنة(218)هـ.
6- عبد الله بن الزبير، أبو بكر المكي، المعروف بالحميدي، المتوفى سنة (219)هـ.
7- موسى بن إسماعيل، أبو سلمة، التبوذكي، المتوفى سنة (223)هـ.
8- هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم أبو الوليد الطيالسي البصري، المتوفى سنة(227)هـ.
الطبقة الرابعة:هذه الطبقة ذكر فيها مائة وثلاث رواة ممن يعتمد قولهم في الجرح والتعديل، وأنا أذكر بعض أشهرهم:
1- يحيى بن معين، أبو زكريا، المتوفى سنة (233)هـ، وقد سأله في الجرح والتعديل: عباس الدوري، وعثمان الدارمي، وأبو حاتم وطائفة.
2- زهير بن حرب، أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد، المتوفى سنة (234)هـ.
3-علي بن عبد الله بن نجيح المديني، المتوفى سنة (234)هـ قال البخاري عنه: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني.
4- محمد بن عبد الله بن نمير، أبو عبد الرحمن الكوفي المتوفى سنة(234)هـ.
5- إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، أبو محمد المعروف بابن راهويه، المتوفى سنة (238)هـ.
6- أحمد بن حنبل الشيباني الإمام المتوفى سنة (241)هـ، وقد سأله جماعة من تلاميذه عن الرجال، منهم: ابنه عبد الله.
7- محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر الموصلي، المتوفى سنة (242)هـ. وقد نوقشت رسالة في جامعة الإمام بعنوان: الحافظ ابن عمار الموصلي، ومنهجه في الكلام على رواة الأخبار، من قبل الطالب: جلول بن إبراهيم سالمي، وذلك عام ألف وأربعمائة وخمس وعشرين.
8-أحمد بن صالح المصري، المعروف بابن الطبري، المتوفى سنة (248)هـ وكان قليل المثل، قال الذهبي: قد آذى النسائي نفسه بالكلام فيه.
9-عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أبو محمد السمرقندي، المتوفى سنة (255)هـ.
الطبقة الخامسة:وهذه الطبقة ذكر فيها ثمان وثمانين رجلا، ولعل من أشهرهم:
1- سليمان بن داود أبو داود الطيالسي، البصري المتوفى سنة(204)هـ.
2- عبيد الله بن عبد الكريم، أبو زرعة الرازي، المتوفى سنة(264)هـ.
3- محمد بن إسماعيل، أبو عبد الله البخاري، المتوفى سنة (256)هـ.
4- محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي، النيسابوري، المتوفى سنة (258)هـ.
5- مسلم بن الحجاج القشيري، النيسابوري، المتوفى سنة (261)هـ.
6- سليمان بن الأشعث، أبو داود االسجستاني، المتوفى سنة (275)هـ.
__________
(1) - انظر: هذه الفقرات كلها في مقدمة الرد الوافر لابن ناصر الدين).
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 376)( 19831 ) صحيح
(3) - انظر: العلل (2: 303).
(4) - انظر: تهذيب التهذيب(9: 40).
(5) - وكذلك يفعل كثير من طلاب العلم هداهم الله، ينقلون الأخبار بين العلماء، وكثيراً ما يزيدون، فتقع بينهم الشحناء والبغضاء.
(6) - ثقات ابن حبان(7: 382).
(7) - الكامل لابن عدي - (ج 6 / ص 112)
(8) - مشاهير علماء الأمصار[ ج 1 - ص 139 ] (1105 )
(9) - انظر: تهذيب الكمال(1: 46).
(10) - الكفاية(ص: 109) رقم(296)
(11) - أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ ،الحَافِظُ، البَارعُ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ الأَزْدِيُّ المَوْصِلِيُّ، صَاحبُ كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ:كَانَ حَافِظاً،صَنَّفَ فِي عُلُومِ الحَدِيْثِ، وَسَأَلتُ البَرْقَانِيَّ عَنْهُ فَضَعَّفَهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو النَّجِيْبِ عَبْدُ الغفَّارِ الأُرْمَوِيُّ، قَالَ:رَأَيْتُ أَهْلَ المَوْصِلِ يوهِّنُوْنَ أَبَا الفَتْحِ وَلاَ يعدُّوْنَهُ شَيْئاً.
قَالَ الخَطِيْبُ:فِي حَدِيْثِهِ مَنَاكِيرُ.
قُلْتُ:وَعَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ فِي (الضُّعَفَاءِ)مُؤَاخذَاتٌ، فَإِنَّهُ ضَعَّفَ جَمَاعَةً بِلاَ دليلٍ، بَلْ قَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ قَدْ وَثَّقَهُمْ.
مَاتَ:فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.سير أعلام النبلاء (16/348-350)(250 )
(12) - يعني: في الجرح والتعديل.
(13) - سؤالات حمزة السهمي(ص: 241) وموسوعة أقوال الدارقطني - (ج 23 / ص 443)
(14) - هدي الساري(ص: 400).
(15) - فتح المغيث(1: 307).
(16) - انظر المستصفى(ص: 188).
(17) - الكفاية (254)
(18) - تاريخ بغداد14: 140).
(19) - الكفاية (275 )
(20) - فتح المغيث(1: 302).(1/296)
7- عبد الرحمن بن عمرو، أبو زرعة النصري الدمشقي، المتوفى سنة (281)هـ.
8- محمد بن إدريس الحنظلي، أبو حاتم الرازي، المتوفى سنة (277)هـ.
الطبقة السادسة: وهذه الطبقة ذكر فيها أربعا وأربعين رجلا، ومن أشهرهم:
1- محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، المتوفى سنة (273) هـ.
2- محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي المتوفى سنة (279) هـ.
3- عبد الله بن أحمد بن حنبل، الشيباني، المتوفى سنة (290)هـ.
4- علي بن الحسين بن الجنيد، أبو الحسن النخعي الرازي، المتوفى سنة (291) هـ.
5- صالح بن محمد، أبو علي البغدادي المعرف بجزرة، المتوفى سنة (293)هـ.
6- أحمد بن شعيب، أبو عبد الرحمن النسائي، المتوفى سنة (303)هـ.
الطبقة السابعة: هذه الطبقة ذكر فيها أربعا وأربعين رجلا، ومن أشهرهم:
1- محمد بن إسحاق بن خزيمة، أبو بكر، المتوفى سنة (311)هـ.
2- محمد بن سليمان أبو بكر الباغندي، المتوفى سنة(312)هـ.
3- يعقوب بن إسحاق الإسفراييني، أبو عوانة، المتوفى سنة(316)هـ.
الطبقة الثامنة: وهذه الطبقة ذكر فيها ثلاثا وثلاثين رجلا، فمن أشهرهم:
1- أحمد بن محمد بن سلامة، أبو جعفر الطحاوي، المتوفى سنة(321) هـ.
2- محمد بن عمرو بن عقيل، أبو جعفر العقيلي، المتوفى سنة (322) هـ.
3-عبد الرحمن بن أبي حاتم بن محمد بن إدريس، أبو محمد الرازي،، المتوفى سنة(327) هـ.
4- أحمد بن محمد أبو حامد بن الشرقي، النيسابوري، المتوفى سنة (325) هـ.
5-أحمد بن محمد بن سعيد، أبو العباس، المعرف بابن عقدة، الكوفي، الشيعي، المتوفى سنة (332) هـ.
الطبقة التاسعة:وهذه الطبقة ذكر فيها اثنين وعشرين رجلا، فمن أشهرهم:
1- عبد الباقي بن قانع، أبو الحسين القاضي، المتوفى سنة(351) هـ.
2- محمد بن حبان، أبو حاتم البستي، المتوفى سنة (354)هـ.
3- سليمان بن أحمد، أبو القاسم الطبراني اللخمي، المتوفى سنة(360) هـ.
4- عبد الله بن عدي، أبو أحمد الجرجاني، صاحب الكامل، المتوفى سنة (365) هـ.
5- الحسين بن محمد بن أحمد، أبو علي الماسرجسي، النيسابوري، المتوفى سنة (365) هـ.
6- عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، أبو الشيخ، الأصبهاني، المتوفى سنة(369) هـ.
7- أحمد بن محمد، أبو أحمد الحاكم، النيسابوري، مؤلف الكنى، المتوفى سنة(378) هـ.
قال الذهبي بعد هذه الطبقة: (ومن هذا الوقت تناقص الحفظ، وقل الاعتناء بالآثار، وركن العلماء إلى التقليد، وكان التشيع، والاعتزال والبدع ظاهرة بالعراق).
الطبقة العاشرة:وهذه الطبقة ذكر فيها ثمانية عشر رجلا، فمن أشهرهم:
1- علي بن عمر، أبو الحسن الدارقطني، قال الذهبي: وحيد عصره، به ختم معرفة العلل، المتوفى سنة (385) هـ.
2- عمر بن أحمد بن شاهين، أبو حفص، المتوفى سنة (385) هـ.
3-عبد الله بن محمد الباجي، الأندلسي، المتوفى سنة (398) هـ.
4- أحمد بن عبد الله بن محمد، أبو عمر الباجي، الأندلسي، المتوفى سنة (396) هـ. وهو ابن للذي قبله.
قال الذهبي: (وكانت السنة قائمة الدولة بالأندلس، وبخراسان، قل أمرها وضعف بمصر، والشام، والمغرب، بالعراق، قال: وما ذاك إلا لظهور دولة الشيعة، والعبيدية، فلله الأمر جميعا).
ـــــــــــــــ(1/297)
الفصل الثالث
مراتب الجرح والتعديل(1)
لقد عني العلماءُ وأئمة الجرح والتعديل بذكر ألفاظ الجرح والتعديل ، وبيان مراتبهاودرجاتها ، وقد رتبها ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل ، فجعلها أربع مراتب فأحسن وأجاد ، وتبعه في ذلك الإمامان ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ، والنووي في مختصره المسمى بالتقريب ، والذي شرحه الإمام السيوطي بكتابه الجامع تدريب الراوي ، ثم جعلها الإمامان الذهبي ثن العراقي خمس مراتب .
ثم جاء الحافظ ابن حجر فجعلها ست مراتب .
أولا - رأي الحافظ العراقي(2):
قال الحافظ العراقي:
" مراتبُ التعديلِ على أَربعِ أَوْ خَمْسِ طبقاتٍ :
فالمرتبةُ الأُولى : العُليا منْ ألفاظِ التعديلِ ، ولم يذكرُها ابنُ أبي حاتِمٍ ، ولا ابنُ الصلاحِ فيما زادهُ عليه ؛ وَهِيَ: إذا كُرِّرَ لفظُ التوثيقِ المذكورِ في هَذِهِ المرتبةِ الأُولى ، إمَّا مَعَ تبايُنِ اللَّفظيْنِ ، كقولِهِم : (( ثَبْتٌ حُجَّةٌ ))(3)، أو (( ثَبْتٌ حَافظٌ ))(4)أو (( ثقةٌ ثبتٌ ))(5)، أو (( ثقةٌ مُتْقِنٌ ))(6)أو نحوُ ذَلِكَ. وإمَّا مَعَ إعادةِ اللَّفظِ الأوَّلِ، كقولِهِم: ثقةٌ ثقةٌ(7)، ونحوِها .
فهذهِ المرتبةُ أعلى العباراتِ في الرواةِ المقبولينَ، كَمَا قالَهَ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ في مقدّمةِ كتابِهِ " ميزان الاعتدال ". وقولي: ( ك: ثقةٍ ثبتٍ ) ، أُشيرُ بالمثالِ إلى أَنَّ المرادَ تكرارُ ألفاظِ هذهِ المرتبةِ الأُولى ، لا مُطْلَقُ تكرارِ التوثيقِ .
المرتبةُ الثانيةُ : وهي التي جعلَها ابنُ أبي حاتِمٍ ، وتبعَهُ ابنُ الصلاحِ المرتبةَ الأُولى ؛ قال ابنُ أبي حاتِمٍ : (( وَجَدْتُ الأَلفاظَ في الجرحِ والتعديلِ على مراتبَ شَتَّى ، فإذا قِيلَ للواحدِ : إنَّه ثقةٌ(8)أو مُتْقِنٌ(9)، فهو مِمَّنْ يُحْتَجَّ بحديثهِ ))(10). قالَ ابنُ الصلاحِ : (( وكذا إذا قيلَ : ثَبْتٌ(11)أو حُجَّةٌ(12). وكذا إذا قِيلَ في العَدْلِ : إنَّهُ حافظٌ(13)أو ضابطٌ(14))(15). قالَ الخطيبُ : (( أرفعُ العباراتِ أَنْ يقال : حُجَّةٌ ، أو ثقةٌ ))(16).
المرتبةُ الثالثةُ : قولهُم ليسَ بهِ بأْسٌ(17)، أو لا بأْسَ بِهِ(18)، أو صدوقٌ(19)، أو مأمونٌ(20)، أو خِيَارٌ(21). وجَعَلَ ابنُ أبي حاتِمٍ وابنُ الصلاحِ هذهِ المرتبةَ : الثانيةَ واقتصرَا فيهَا على قولِهِم: صدوقٌ ، أو لا بأْسَ به. وأَدخلا فيها قولَهُم : محلُّهُ الصِّدقُ(22). وقالَ ابنُ أبي حاتِمٍ : إنَّ مَنْ قيلَ فيه ذلك ، فهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حديثُهُ وينظَرُ فيه . وأَخَّرْتُ هذه اللفظةَ إلى المرتبةِ التي تلي هذهِ تبعاً لصاحبِ " الميزانِ".
المرتبةُ الرابعةُ : قولُهُم : محلُّهُ الصِّدقُ ، أو رَوَوْا عنه(23)، أَو إلى الصِّدْقِ ما هو(24)، أو شَيْخٌ وَسَطٌ(25)، أو وَسَطٌ(26)، أو شيخٌ(27)، أو صالحُ الحديثِ(28)، أو مُقارَِبُ الحديثِ(29)- بفتحِ الراءِ وكسرِها - كما حكاهُ القاضِي أبو بكرِ بنُ العربيِّ في " شرحِ الترمذيِّ " ؛ فلهذا كررتُ هذهِ اللفظةَ في وسطِ البيتِ وآخرِهِ . أو جيدُ الحديثِ(30)، أو حَسَنُ الحديثِ(31)، أو صُوَيْلحٌ(32)، أو صدوقٌ إنْ شاءَ اللهُ(33)، أو أَرجو أنَّه ليس به بأْسٌ(34)، واقتصرَ ابنُ أبي حاتِمٍ في المرتبةِ الثالثةِ من كلامِهِ على قولِهِم : شيخٌ . وقال : هو بالمنْزِلةِ التي قبلَها يُكتَبُ حديثُهُ ، وَيُنْظَرُ فيه إلاَّ أنَّهُ دونَهُما واقتصرَ في المرتبةِ الرابعةِ على قولِهم : صالحُ الحديثِ. وقالَ : إنَّ مَنْ قيلَ فيه ذلك يُكتَبُ حديثُهُ للاعتَبارِ. ثُمَّ ذَكرَ ابنُ الصلاحِ مِنْ ألفاظهِم على غيرِ ترتيبٍ ، قولَهُم: فلانٌ روَى عنهُ الناسُ(35)، فلانٌ وسطٌ(36)، فلانٌ مقارَبُ الحديثِ(37)، فلانٌ ما أعلَمُ به بأساً(38). قال : وهو دونَ قولِهِم : لا بَأْسَ بهِ.
وأمَّا تَمْييزُ الأَلفاظِ التي زدْتُها على كتابِ ابنِ الصلاحِ، فهي المرتبةُ الأُوْلَى بكمالِها، وفي المرتبةِ الثالثةِ قولهُم: مأمونٌ خِيَارٌ(39)، وفي المرتبةِ الرابعةِ قولُهُم: فلانٌ إلى الصِّدْقِ مَا هُوَ ، وشَيْخٌ وسطٌ ، وَوَسَطٌ ، وجَيِّدُ الحديثِ ، وحَسَنُ الحديثِ ، وصُوَيلحٌ ، وصَدُوقٌ إِنْ شاءَ اللهُ ، وأرجو أَنَّهُ لا بَأْسَ به ، وهي نظيرُ ما أعلمُ به بأْساً ، و الأُوْلَى أَرفَعُ ؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ العلمِ حصولُ الرجاءِ بذلكَ
لمَاَّ تقدمَ أَنَّ لأَِلفاظِ التعديلِ مراتِبَ ، وأَنَّ قولَهُم : (( ثقةٌ )) أرفعُ مِنْ (( ليسَ به بأْسٌ )) ؛ ذكرَ بعدَهُ أَنَّ كلامَ ابنِ معينٍ يقتضي التسويةَ بينهما ، فإنَّ ابنَ أبي خَيْثَمَةَ قال : قلتُ ليحيى بنِ مَعِينٍ: إنَّكَ تقولُ : فلانٌ ليس بِهِ بَأْسٌ ، وفلانٌ ضعيفٌ ، قالَ : إذا قلتُ لكَ : ليس به بأْسٌ ، فهو ثقةٌ ، وإذا قلتُ لكَ : هو ضعيفٌ ، فليسَ هو بثقةٍ لا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ(40): (( ليسَ في هذا حكايةُ ذلكَ عن غيرِهِ مِنْ أهلِ الحديثِ ، فإِنَّهُ نَسَبَهُ إلى نفسِهِ خاصَّةً ، بخلافِ ما ذكرَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ )).
قلتُ : ولمْ يَقُلِ ابنُ معينٍ : إنَّ قولي : ليسَ بهِ بأْسٌ ، كقولي : ثقةٌ ، حَتَّى يلزمَ منه التساوي بينَ اللَّفظَيْنِ ، إنَّمَا قالَ : إنَّ مَنْ قالَ فيهِ هذا فهو ثقةٌ ، وللثقةِ مراتبُ . فالتعبيرُ عنهُ بقولهِم : ثقةٌ ، أرفعُ من التعبيرِ عنهُ بأَنَّهُ لا بأْسَ بِهِ ، وإنِ اشتركا في مُطلقِ الثقةِ ، واللهُ أعلمُ .
وفي كلامِ دُحَيْم ما يوافقُ كلامَ ابنِ معينٍ ، فإنَّ أبا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ قالَ : قلتُ لعبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ(41): ما تقولُ في عليِّ بنِ حَوْشَبٍ الفَزَاريِّ ؟ قالَ : لا بأْسَ به . قالَ : قُلْتُ : ولِمَ لا تقولُ : ثقةٌ ، ولا نعلمُ إلا خيراً ؟ قالَ : قدْ قلتُ لك : إِنَّهُ ثقةٌ . ويدلُ على أَنَّ التعبيرَ بثقةٍ أرفعُ ؛ أَنَّ عبدَ الرحمنِ ابنَ مَهْدِيٍّ قالَ : حَدَّثَنَا أبو خَلْدةَ فقيلَ لهُ : أَكان ثقةً ؟ فقال: كانَ صدوقاً ، وكان مأموناً ، وكان خَيِّراً - وفي روايةٍ وكانَ خياراً - الثقةُ: شعبةُ وسفيانُ . فانظرْ كيفَ وصفَ أبا خَلْدةَ بما يقتضي القبولَ، ثمَّ ذكرَ أَنَّ هذا اللفظَ يُقالُ لِمِثْلِ شُعبةَ وسفيانَ . ونحوُهُ ما حكاهُ الْمَرُّوْذِيُّ قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ - يعني : أحمدَ بنَ حنبلٍ - عبدُ الوهابِ بنُ عطاء ثقةٌ ؟ قالَ : تدري ما الثِّقَةُ ؟! إِنمّا الثِّقَةُ يَحْيَى بنُ سعيدٍ القطانُ(42).
وكانَ ابنُ مَهْدِيٍّ أيضاً - فيما ذكرَ أحمدُ بنُ سِنَانٍ - رُبمَّا جَرَى ذِكْرُ حديثِ الرجلِ فيه ضَعفٌ ، وهو رجلٌ صدوقٌ ، فيقولُ : رجلٌ صالحُ الحديثِ ، والله أعلم .
مراتبُ ألفاظِ التجريحِ على خَمْسِ مراتبَ ، وجَعَلَهَا ابنُ أبي حاتِمٍ - وتبِعَهُ ابنُ الصلاحِ - أربعَ مراتبَ :
المرتبةُ الأُولى : وهي أَسوؤُها أَنْ يُقالَ : فلانٌ كذَّابٌ(43)، أو يكذِبُ(44)، أو فلانٌ يضعُ الحديثَ(45)، أو وَضَّاعٌ(46)، أو وَضَعَ حديثاً(47)، أو دَجَّالٌ(48). وادخلَ ابنُ أبي حاتِمٍ ، والخطيبُ بعضَ ألفاظِ المرتبةِ الثانيةِ في هذهِ . قالَ ابنُ أبي حاتِمٍ : (( إذا قالوا : متروكُ الحديثِ(49)، أو ذاهبُ الحديثِ(50)، أو كذَّابٌ ، فهو ساقطٌ ، لا يُكتَبُ حديثُهُ )). وقالَ الخطيبُ : أَدونُ العباراتِ أَنْ يُقالَ : كذَّابٌ ساقِطٌ(51)، وقد فَرَّقْتُ بين بعضِ هذهِ الألفاظِ تبعاً لصاحبِ " الميزانِ " .
المرتبةُ الثانيةُ : فلانٌ مُتَّهَمٌ بالكذبِ(52)، أو الوضعِ(53)،
__________
(1) - نزهة النظر - (ج 1 / ص 174) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 121) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 23) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 270)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 121)
(3) - وفي تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 117 ] (605 ) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من الخامسة مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون ع
(4) - وفي تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 94 ]260 - إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ من الخامسة مات سنة اثنتين وثلاثين ع
(5) - وفي تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 103 ]384 - إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية
(6) - وفي تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 103 ] 386 - إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي أبو موسى المدني قاضي نيسابور ثقة متقن من العاشرة مات سنة أربع وأربعين م ت س ق
(7) - وفي تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 218 ] 2066 - زياد بن حسان بن قرة الباهلي المعروف بالأعلم ثقة ثقة قاله أحمد من الخامسة خ د س
(8) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 78 ] 23 - أحمد بن الحجاج البكري المروزي ثقة من العاشرة مات سنة اثنتين وعشرين خ
(9) - قلت : قد جمع الحافظ ابن حجر بينهما في التقريب في سبعة عشر موضعاً ولم يفرد متقن بمرتبة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 103 ]
386 - إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي أبو موسى المدني قاضي نيسابور ثقة متقن من العاشرة مات سنة أربع وأربعين م ت س ق
والذهبي قد ذكرها مفردة في موضعين كما في الكاشف[ ج 2 - ص 175 ]4873 - محمد بن سعيد بن سليمان بن الأصبهاني أبو جعفر الكوفي عن شريك وأقرانه وعنه البخاري وابن ملاعب وبشر بن موسى قال يعقوب بن شيبة متقن مات 22 خ ت
وبقة المواضع مع صيغ المبالغة
(10) - الجرح والتعديل[ ج 2 - ص 37 ]
(11) - قلت : في أغلب الأمكنة جمع بينها وبين غيرها الحافظ وبقلة استخدمها وحدها كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 379 ] 4412 - عبيدة بن عمرو السلماني بسكون اللام ويقال بفتحها المرادي أبو عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم فقيه ثبت كان شريح إذا أشكل عليه شيء يسأله مات سنة اثنتين وسبعين أو بعدها والصحيح أنه مات قبل سنة سبعين ع
واستخدمها الذهبي بكثرة كما في الكاشف[ ج 1 - ص 308 ] 910 - حبيب بن الشهيد الأزدي عن أبي مجلز وابن سيرين وعنه شعبة والأنصاري ثبت توفي 145 ع ، واستخدمها ومع غيرها كذلك ولكن بقلة
(12) - قلت : لم يفردها الحافظ ابن حجر بمرتبة بل قرنها بغيرها من مراتب المبالغة
كما في قوله في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 84 ] 96 - أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة وهو رأس الطبقة العاشرة مات سنة إحدى وأربعين وله سبع وسبعون سنة ع
وأما الإمام الذهبي فقد استخدمها في مواضع كما في الكاشف[ ج 1 - ص 199 ]64 - أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي الكوفي عن جعفر بن عون وعدة وعنه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والمحاملي وأبو عوانة وخلق حجة مات 261 خ م س ق
(13) - وهذه المرتبية لم يفردها الحافظ برتبة إلا بقلة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 88 ] 155 - إبراهيم بن بشار الرمادي أبو إسحاق البصري حافظ له أوهام من العاشرة مات في حدود الثلاثين د ت
وغابا ما قرنها بثقة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 77 ] 10 - أحمد بن إشكاب الحضرمي أبو عبد الله الصفار واسم إشكاب مجمع وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة سبع عشرة أو بعدها خ
أو بصدوق كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 90 ] 93 - إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي أبو إسحاق نزيل بغداد صدوق حافظ تكلم فيه بسبب القرآن من العاشرة مات سنة أربع وأربعين وله ست وستون ت ق
وأكثر منها الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 306 ] 892 - حبان بن هلال بصري حافظ عن معمر وشعبة وعنه الدارمي وعبد مات سنة 216 ع
(14) - قلت : لم يفردها الحافظ بمرتبة بل قرنها بغيرها في أربعة مواضع كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 130 ] 805 - تميم بن المنتصر بن تميم بن الصلت الهاشمي مولاهم الواسطي جد أسلم بن سهل الحافظ لأمِّه ثقة ضابط مات سنة أربع أو خمس وأربعين وله ست وسبعون سنة د س ق
ولم يذكرها الذهبي مطلقاً
(15) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 23)
(16) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 351) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 34)
(17) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 153 ] 1129 - حجاج بن عاصم المحاربي الكوفي قاضيها ليس به بأس من السادسة س
وكما في الكاشف[ ج 1 - ص 225 ] 204 - إبراهيم بن مرة عن عطاء وأيوب بن سليمان وعنه بن عجلان وصدقة السمين قال النسائي ليس به بأس ق
(18) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 105 ] 412 - إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي أبو إبراهيم الترجماني لا بأس به من العاشرة مات سنة ست وثلاثين س
وكما في الكاشف[ ج 1 - ص 190 ] 10 - أحمد بن بديل أبو جعفر اليامي قاضي الكوفة ثم همذان سمع أبا بكر بن عياش وحفص بن غياث وعدة وعنه الترمذي وابن ماجة وابن صاعد وابن عيسى الوزير وخلق قال النسائي لا بأس به ولينه بن عدي والدارقطني وكان عابدا توفي 258 ت ق
(19) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 78 ] 26 - أحمد بن الحسن بن خراش البغدادي أبو جعفر صدوق من الحادية عشرة مات سنة اثنتين وأربعين وله ستون م ت
وكما في الكاشف[ ج 1 - ص 189 ] 3 - أحمد بن إبراهيم أبو عبد الملك البسري الدمشقي عن أبي الجماهر ومحمد بن عائذ وخلق وعنه النسائي وابن أبي العقب والطبراني وطائفة صدوق توفي 289 س
(20) - قلت : يجب أن تكون هذه المرتبة إما في الأولى أو الثانية ، إذ لم يفردها الحافظان الجليلان بمرتبة ، بل ذكرها مع صيغ المبالغة في التعديل ( ثقة مأمون )، كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 105 ] 415 - إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهلالي أبو معمر القطيعي أصله هروي ثقة مأمون من العاشرة مات سنة ست وثلاثين خ م س
وكما في الكاشف[ ج 1 - ص 192 ] 23 - أحمد بن حماد أبو جعفر التجيبي زغبة أخو عيسى زغبة عن سعيد بن أبي مريم وطبقته وعنه النسائي والطبراني وابن رشيق ثقة مأمون عاش أربعا وتسعين ومات 296
(21) - قلت : لم يفرد الحافظان هذه المرتبة بتاتا
ولكنها ذكرت في الجرح والتعديل[ ج 4 - ص 235 ]
1008 - سويد بن مثعبة الحنظلي كان من خيار أصحاب عبد الله روى عنه سعيد بن حيان التيمى سمعت أبى يقول ذلك
(22) - لم يذكرها الحافظ ابن حجر ، وذكرها الذهبي ناقلها عن أبي حاتم أو أبي زرعة أو من قوله كما في الكاشف[ ج 1 - ص 436 ] 1892 - سعيد بن سالم القداح أبو عثمان المكي عن بن جريج وطلحة بن عمرو وعنه العدني وعلي بن حرب قال أبو حاتم محله الصدق وقال أبو داود صدوق يذهب إلى الإرجاء د س
وكما في الكاشف[ ج 1 - ص 360 ] 1295 - حي أبو حية الكلبي كوفي عن سعد وابن عمر وعنه ابنه أبو جناب قال أبو زرعة محله الصدق ق
وكما في الكاشف[ ج 1 - ص 456 ] 2065 - سليم بن مطير عن أبيه وعنه هشام بن عمار وابن أبي الحواري محله الصدق د
(23) - لم يذكرها الحافظان ، ولا ابن أبي حاتم
(24) - ذكرت في الجرح والتعديل ثلاث مرات كما في الجرح والتعديل[ ج 3 - ص 476 ] 2140
والجرح والتعديل[ ج 4 - ص 31 ] 128
والجرح والتعديل[ ج 8 - ص 417 ]1901
(25) - لم يذكرها الثلاثة
(26) - ذكرها في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 242 ] 2416 - سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي أبو يحيى الكوفي نزيل دمشق لقبه سعدان صدوق وسط وما له في البخاري سوى حديث واحد من التاسعة مات قبل المائتين خ س ق
و2417 - سعيد بن يحيى بن مهدي بن عبد الرحمن أبو سفيان الحميري الحذاء الواسطي صدوق وسط أيضا من التاسعة مات سنة اثنتين ومائتين عن تسعين سنة خ ت
وفي الكاشف[ ج 1 - ص 519 ] 2504 - عاصم بن ضمرة السلولي عن علي وعنه أبو إسحاق والحكم وعدة وثقه بن المديني وقال النسائي ليس به بأس وقال بن عدي بتليينه وهو وسط مات
(27) - استعلمها الحافظ ابن حجر بقلة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 152 ] 1110 - حبيب بن يسار شيخ روى عن الأعمش مجهول من السابعة تمييز
وأكثر منها الحافظ الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 209 ] 120 - إبراهيم بن أبي أسيد البراد عن جده وعنه سليمان بن بلال وأبو ضمرة شيخ د
(28) - استعلمها الحافظ ابن حجر في ثلاثة مواضع كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 191 ] 1681 - خالد بن ميسرة الطفاوي أبو حاتم البصري العطار صالح الحديث من السابعة د س
وأكثر منها الحافظ الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 196 ] 44 - أحمد بن أبي طيبة عيسى الدارمي الجرجاني عن أبيه وعمر بن ذر وطبقتهما وعنه حسين بن عيسى الدامغاني وعدة صالح الحديث توفي 203 س
(29) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر واستخدمها الحافظ الذهبي في موضعين كما في الكاشف[ ج 1 - ص 515 ] 2483 - طلحة بن يحيى بن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن محمد بن أبي بكر الثقفي وطائفة وعنه عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عباد وثقه بن معين وقال أحمد وغيره مقارب الحديث سوى ت
(30) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرة واحدة كما في الكاشف[ ج 1 - ص 200 ] 67 - أحمد بن علي إمام سلمية عن ثور وجماعة وعنه محمود بن خالد الدمشقي فقط جيد الحديث د
(31) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 247 ] 391 - إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي عن بن عباس وأنس وطائفة وعنه زائدة وإسرائيل وأبو بكر بن عياش وخلق رأى أبا هريرة حسن الحديث قال أبو حاتم لا يحتج به مات 127 م 4
(32) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 345 ] 1190 - الحكم بن مصعب الدمشقي عن محمد بن علي والد السفاح وعنه الوليد بن مسلم صويلح د ق
(33) - لم يستخدمها الشيخان واستخدمها ابن عدي مرة كما في الكامل في الضعفاء[ ج 5 - ص 142 ] وأبو مالك الجنبي له أحاديث غرائب حسان وإذا حدث عن ثقة فهو صالح الحديث وإذا حدث عن ضعيف كان يكون فيه بعض الإنكار وهو صدوق إن شاء الله
(34) - لم يستخدمها الحافظان
(35) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الجرح والتعديل[ ج 4 - ص 475 ]
(36) - الجرح والتعديل[ ج 2 - ص 200 ]
(37) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرتان كما في الكاشف[ ج 1 - ص 515 ] 2483 - طلحة بن يحيى بن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن محمد بن أبي بكر الثقفي وطائفة وعنه عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عباد وثقه بن معين وقال أحمد وغيره مقارب الحديث سوى ت
(38) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 4 - ص 55 ]
(39) - لم يستخدمها الحافظان
(40) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 268)
(41) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 355) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 269) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 267)
(42) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 272) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 269)
(43) - استخدمه الحافظ ابن حجر مرة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 614 ] 7915 - يونس بن محمد الصدوق كذاب من التاسعة أيضا تمييز
وأكثر منها الحافظ الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 476 ]2225 - سيف بن محمد الثوري أخو عمار عن الأعمش ومنصور وعنه محمود بن خداش وابن عرفة كذاب والعجب من الترمذي يحسن له ت
(44) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 297 ] 812 - جميل بن الحسن الأهوازي عن بن عيينة وطبقته وعنه بن ماجة وابن خزيمة قال بن أبي حاتم أدركناه وقال عبدان فاسق يكذب أي في كلامه ق
(45) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرتان كما في الكاشف[ ج 1 - ص 514 ] 2470 - طلحة بن زيد الرقي عن هشام بن عروة وثور وعنه شيبان بن فروخ وسهل بن حماد الدلال قال أحمد وعلي كان يضع الحديث ق
(46) - لم يستخدمها الحافظان
(47) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الجرح والتعديل[ ج 2 - ص 160 ] مرة واحدة
(48) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 2 - ص 86 ]
(49) - ستخدمها الحافظ ابن حجر كما في تتقريب التهذيب[ ج 1 - ص 92 ] 215 - إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة أبو شيبة الكوفي قاضي واسط مشهور بكنيته متروك الحديث من السابعة مات سنة تسع وستين ت ق
ولم يستخدمها الحافظ الذهبي
(50) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرتان كما في الكاشف[ ج 1 - ص 602 ] 3013 - عبد الله بن ميمون القداح مولى بني مخزوم بمكة عن يحيى بن سعيد وابن جريج وجعفر بن محمد وعنه مؤمل بن إهاب وأحمد بن الأزهر قال البخاري ذاهب الحديث ت
(51) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 6 - ص 115 ] مرة واحدة
(52) - استخدمها الحافظ ابن حجر ثلاث مرات كما في تتقريب التهذيب[ ج 1 - ص 110 ] 494 - إسماعيل بن يحيى الشيباني ويقال له الشعيري متهم بالكذب من الثامنة ق
ولم يستخدمها الحافظ الذهبي
(53) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرتان كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 541 ] 6805 - معلى بن عبد الرحمن الواسطي متهم بالوضع وقد رمي بالرفض من التاسعة ق
ولم يستخدمها الحافظ الذهبي(1/298)
وفلانٌ ساقطٌ(1)، وفلانٌ هالكٌ(2)، وفلانٌ ذاهبٌ(3)، أو ذاهبُ الحديثِ(4)، وفلانٌ متروكٌ ، أو متروكُ الحديثِ أو تركوهُ(5)، وفلانٌ فيه نظرٌ(6)، وفلانٌ سكتوا عنه(7)- وهاتانِ العبارتانِ يقولهُمُا البخاريُّ فيمَنْ تركوا حديثَهُ -، فلانٌ لا يُعْتَبَرُ بِهِ(8)، أو لا يُعْتَبَرُ بحديثِهِ(9)، فلانٌ ليسَ بالثقةِ(10)، أو ليسَ بثقةٍ(11)، أو غيرُ ثقةٍ(12)ولا مأمونٍ(13)، ونحوُ ذلك.
المرتبةُ الثالثةُ : فلانٌ رُدَّ حديثُهُ(14)، أو رَدُّوا حديثَهُ(15)، أو مردودُ الحديثِ(16)، وفلانٌ ضعيفٌ جِدَّاً(17)، وفلانٌ واهٍ بمرّةٍ(18)، وفلانٌ طرحوا حديثَهُ(19)، أو مُطرَّحٌ(20)، أو مطرَّحُ الحديثِ(21)، وفلانٌ أرمِ بِهِ(22)، وفلانٌ ليس بشئٍ(23)، أو لا شئَ(24)، وفلانٌ لا يُسَاوي شيئاً(25)، ونحوُ ذلك. وكلُّ مَنْ قِيْلَ فيهِ ذلكَ من هذهِ المراتبِ الثلاثِ ، لا يُحْتَجُّ بهِ ، ولا يُسْتَشْهَدُ بِهِ ، ولا يُعْتَبَرُ بِهِ .
المرتبةُ الرابعةُ : فلانٌ ضعيفٌ(26)، فلانٌ مُنكَرُ الحديثِ(27)، أو حديثُهُ منكرٌ(28)، أو مضطربُ الحديثِ(29)، وفلانٌ واهٍ(30)، وفلانٌ ضَعَّفُوهُ(31)، وفلانٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ(32).
المرتبةُ الخامسة :ُ فلانٌ فيه مقالٌ(33)، فلانٌ ضُعِّفَ(34)، أو فيه ضَعْفٌ(35)، أو في حديثِهِ ضَعْفٌ(36)، وفلانٌ تَعْرِفُ وتُنْكِرُ(37)، وفلانٌ ليس بذاك(38)، أو بذاك القويِّ(39)وليس بالمتينِ(40)، وليس بالقويِّ(41)، وليس بحُجَّةٍ(42)، وليسَ بِعُمْدَةٍ(43)، وليس بالمرضِيِّ(44)وفلانٌ للضَّعْفِ ما هو(45)، وفيه خُلْفٌ(46)، وطعنُوا فيهِ(47)، أو مَطْعُوْنٌ فيه(48)، وَسَيِّئُ الحِفْظِ(49)، وَلَيِّنٌ(50)، أو لَيِّنُ الحديثِ(51)، أو فيه لِيْنٌ(52)، وتكلَّمُوا فيهِ(53)، ونحوُ ذلكَ .
وقولي : ( وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ مِنْ بَعْدُ شَيْئَا ) ، أي : مِنْ بعد قولي : ( لا يُساوي شيئاً ) ، فإنَّهُ يُخَرَّجُ حديثُه للاعتبارِ ، وهمُ المذكورون في المرتبةِ الرابعةِ والخامسةِ .
قالَ ابنُ أبي حاتِمٍ: إذا أجابوا في رَجُلٍ بأنه ليِّنُ الحديثِ، فهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حديثُهُ ، وينظرُ فيه اعتباراً . وإذا قالوا: ليسَ بقويٍّ: فهو بمنْزِلتِهِ في كَتْبِ حديثِهِ ، إلاَّ أنَّهُ دونَهُ . وإذا قالوا : ضعيفُ الحديثِ ، فَهُوَ دونَ الثاني ، لا يُطْرحُ حديثُهُ ، بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ . وَقَدْ تقدَّمَ في كلامِ ابنِ مَعِينٍ ما قدْ يخالفُ هَذَا مِنْ أَنَّ مَنْ قالَ فِيْهِ : ضعيفٌ ، فليس بثقةٍ ، لا يُكتَبُ حديثُهُ . وتقدَّمَ أَنَّ ابنَ الصلاحِ أجابَ عَنْهُ : بأَنَّهُ لَمْ يَحْكِهِ عن غيرِهِ من أهلِ الحديثِ . وسألَ حمزةُ السَّهْمِيُّ الدَّارَقطنيَّ: أَيْشٍ تريدُ إذا قلْتَ : فلانٌ لينٌ ؟ قال: لا يكونُ ساقطاً متروكَ الحديثِ ، ولكنْ مجروحاً بشيءٍ لا يُسْقِطُ عن العدالةِ .
وأما تَمْييزُ ما زدْتُهُ من ألفاظِ الجرحِ على ابنِ الصلاحِ ، فهي : فلانٌ وضَّاعٌ ، ويضعُ ، ووضَعَ ، ودجَّالٌ ، ومتَّهمٌ بالكذِبِ ، وهالكٌ ، وفيه نظرٌ ، وسَكَتُوا عنهُ ، ولا يُعتبرُ به ، وليس بالثقةِ ، ورُدَّ حديثُهُ، وضعيفٌ جِدَّاً ، وواهٍ بمرّةٍ ، وطرحُوا حديثَهُ ، وارمِ بِهِ، ومطَرَّحٌ ، ولا يُسَاوِي شيئاً ، ومنكرُ الحديثِ وواهٍ ، وضعفوهُ، وفيهِ مقالٌ، وضُعِّفَ ، وتَعْرِفُ وتُنكرُ ، وليس بالمتينِ ، وليسِ بحُجَّةٍ ، وليس بِعُمْدَةٍ ، وليسَ بالمَرْضِيِّ ، وللضَّعْفِ ما هوَ ، وفيهِ خُلْفٌ ، وطعنوا فيه ، وسَيِّئُ الحفظِ ، وتَكَلَّمُوا فيهِ .
فهذهِ الألفاظُ لم يذكُرْهَا ابنُ أبي حاتِمٍ ، ولا ابنُ الصلاحِ ، وهي موجودةٌ في كلامِ أئَمةِ أهلِ هذا الشأَنِ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي أربع مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 294 ] 789 - جعفر بن الزبير الدمشقي عن بن المسيب وجماعة وعنه وكيع ويزيد بن هارون عابد ساقط الحديث ق
(2) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي ثلاث مرات كما في الكاشف[ ج 2 - ص 174 ] 4871 - محمد بن سعيد المصلوب شامي هالك عن مكحول ونحوه وعنه أبو معاوية وأبو بكر بن عياش كذبه النسائي وقال البخاري ترك حديثه ت ق
(3) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الجرح والتعديل[ ج 2 - ص 409 ] 1612
(4) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرتان كما الكاشف[ ج 1 - ص 602 ]3013 - عبد الله بن ميمون القداح مولى بني مخزوم بمكة عن يحيى بن سعيد وابن جريج وجعفر بن محمد وعنه مؤمل بن إهاب وأحمد بن الأزهر قال البخاري ذاهب الحديث ت
(5) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 610 ] 7862 - يوسف بن خالد بن عمير السمتي بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثناة أبو خالد البصري مولى بني ليث تركوه وكذبه بن معين وكان من فقهاء الحنفية من الثامنة مات سنة تسع وثمانين ق
وأكثر منها الحافظ الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 237 ] 308 - إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة أدرك معاوية عن مجاهد ونافع وعنه الوليد بن مسلم وخلق تركوه توفي 144 د ت ق
(6) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 265 ] 555 - بريدة بن سفيان عن أبيه وعنه أفلح بن سعيد وابن إسحاق قال البخاري فيه نظر س
(7) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرتان كما في الكاشف[ ج 1 - ص 218 ] 174 - إبراهيم بن عثمان أبو شيبة العبسي الكوفي قاضي واسط عن خاله الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وعنه علي بن الجعد وجبارة بن المغلس وخلق ترك حديثه وقال البخاري سكتوا عنه وقال يزيد بن هارون وكان كاتبه ما قضى على الناس في زمانه أعدل منه توفي 169 ت ق
(8) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 1 - ص 447 ] 1987 - السفر بن نسير حمصي عن ضمرة بن حبيب ويزيد بن شريح وعنه معاوية بن صالح وجماعة قال الدارقطني لا يعتبر به ق
(9) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 5 - ص 328 ]1480 مرة واحدة
(10) - لم أجدها
(11) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 311 ]929 - حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران وعنه يوسف بن عدي وسويد بن سعيد قال النسائي ليس بثقة ق
(12) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرتان كما في الكاشف[ ج 2 - ص 520 ] 7093 - أم الأسود مولاة أبي برزة عن منية بنت عبيد وأم نائلة وعنها مسلم بن إبراهيم وأحمد بن يونس وجماعة قال النسائي غير ثقة ت
(13) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الجرح والتعديل أربع مرات [ ج 2 - ص 82 ] 194
(14) - لم أجدها
(15) - لم أجدها
(16) - لم أجدها
(17) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرتان كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 143 ] 987 - جويبر تصغير جابر ويقال اسمه جابر وجويبر لقب بن سعيد الأزدي أبو القاسم البلخي نزيل الكوفة راوي التفسير ضعيف جدا من الخامسة مات بعد الأربعين خد ق
ولم يستخدمها الحافظ الذهبي
(18) - لم يستخدمها الذهبي ولا ابن حجر
(19) - لم أجدها
(20) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 6 - ص 76 ] بقلة
(21) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الجرح والتعديل[ ج 3 - ص 210 ] ثلاث مرات بلفظ مطروح الحديث
(22) - لم أجدها
(23) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 319 ] 990 - حريش بن سليم الكوفي عن طلحة بن مصرف وحبيب بن أبي ثابت وعنه أبو داود ومحمد بن الصلت وثق وقال بن معين ليس بشيء د س
(24) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 270 ] 600 - بشر عن أنس وعنه ليث بن أبي سليم لا شيء ت
(25) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 1 - ص 245 ] مرات
(26) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرات كثيرة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 87 ] 146 - إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني ضعيف من السابعة مات سنة خمس وستين وهو بن اثنتين وثمانين سنة ت س
وأكثر منها الحافظ الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 246 ] 380 - إسماعيل بن سلمان الكوفي الأزرق عن أنس والشعبي وعنه وكيع وعبيد الله ضعيف ق
(27) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرات كثيرة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 127 ]758 - بكير بن شهاب الدامغاني منكر الحديث من الثامنة تمييز
وأكثر منها الحافظ الذهبي كما في الكاشف[ ج 1 - ص 328 ] 1050 - الحسن بن علي النوفلي عن الأعرج وعنه سلم بن قتيبة قال البخاري منكر الحديث ت ق
(28) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 2 - ص 410 ] 6516 - أبو بكر بن إسحاق بن يسار أخو صاحب المغازي عن عبد الله بن عروة ومعاذ الجهني وعنه أخوه ويزيد بن أبي حبيب قال البخاري حديثه منكر س
(29) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرة كما في تتقريب التهذيب[ ج 1 - ص 451 ] 5481 - القاسم بن غنام الأنصاري البياضي المدني صدوق مضطرب الحديث من الرابعة د ت
واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 1 - ص 629 ] 3210 - عبد الرحمن بن سلمان الرعيني عن يزيد بن الهاد وعمرو بن أبي عمرو وعنه بن وهب قال أبو حاتم مضطرب الحديث وقال البخاري فيه نظر م س
(30) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 227 ]223 - إبراهيم بن يزيد الخوزي مكي واه عن طاوس وطائفة وعنه وكيع وعبد الرزاق قال البخاري سكتوا عنه وقال أحمد متروك مات 151 ت ق
(31) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 589 ] 7537 - يحيى بن أبي حية بمهملة وتحتانية الكلبي أبو جناب بجيم ونون خفيفتين وآخره موحدة مشهور بها ضعفوه لكثرة تدليسه من السادسة مات سنة خمسين أو قبلها د ت ق
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 228 ]229 - أبي بن عباس بن سهل عن أبيه وأبي بكر بن حزم وعنه معن وابن أبي فديك وعدة ضعفوه قال أحمد منكر الحديث وقال يحيى بن معين ضعيف وقد احتج البخاري به خ ت ق
(32) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 263 ] 534 - باذام أبو صالح عن مولاته أم هانئ وعلي وعنه السدي والثوري وعمار بن محمد وعدة قال أبو حاتم وغيره لا يحتج به عامة ما عنده تفسير 4
(33) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 2 - ص 137 ] 4584 - قطن بن إبراهيم النيسابوري عن عبيد الله بن موسى وأقرانه وعنه النسائي وابن الشرقي ومكي بن عبدان فيه مقال مات 261 س
(34) - استخدمها الحافظ ابن حجر بقلة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 257 ] 2646 - سنيد بنون ثم دال مصغرا بن داود المصيصي المحتسب واسمه حسين ضعف مع إمامته
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما فيالكاشف[ ج 1 - ص 190 ] 8 - أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي المدني آخر أصحاب مالك وسمع الزنجي وإبراهيم بن سعد وطبقتهم وعنه بن ماجة والمحاملي وابن مخلد ضعف توفي 259 ق
(35) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرات كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 90 ] 186 - إبراهيم بن صالح بن درهم الباهلي أبو محمد البصري فيه ضعف من التاسعة د
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 317 ] و حرب بن ميمون صاحب الأغمية أصغر منه وفيه ضعف
(36) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 146 ] 1029 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني بسكون الميم الحوتي بضم المهملة وبالمثناة الكوفي أبو زهير صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين مات في خلافة بن الزبير 4
واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 2 - ص 471 ] 6895 - أبو يحيى القتات الكوفي زاذان وقيل دينار عن مجاهد وعطاء وعنه إسرائيل وأبو بكر بن عياش قال بن معين في حديثه ضعف هو في الكوفيين مثل ثابت في البصريين وقال النسائي ليس بالقوي د ت ق
(37) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي ثلاث مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 333 ] 1088 - الحسين بن زيد بن علي العلوي عن أبيه وعمومته أبي جعفر وعمر وعبد الله وأم علي وعنه ابناه إسماعيل ويحيى وأبو مصعب وخلق قال أبو حاتم تعرف وتنكر ومشاه بن عدي ق
الحسين بن أبي السري متوكل 1105
(38) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 343 ] 1166 - حفص بن غيلان أبو معيد الدمشقي عن طاوس ومكحول ومجاهد وعنه الوليد بن مسلم وعبد الله بن يوسف التنيسي وثقه بن معين وغيره وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال أبو داود قدري ليس بذاك س ق
(39) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 2 - ص 204 ] 5071 - محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن بن عمه محمد بن أبي بكر ومحمد بن إبراهيم التيمي وعنه مالك وأبو عاصم وثقه بن معين وقال أبو حاتم ليس بذاك القوي 4
(40) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي أربع مرات كما الكاشف[ ج 1 - ص 347 ]1202 - حكيم بن سيف أبو عمرو الرقي عن عبيد الله وأبي المليح وعنه أبو داود والفريابي وحسين بن عبد الله القطان قال أبو حاتم صدوق ليس بالمتين ووثقه غيره توفي 238 د
(41) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الجرح والتعديل[ ج 2 - ص 347 ] مرات عديدة
(42) - لم يستخدمها الحافظ ابن حجر ، واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 356 ]1265 - حميد الشامي حمصي عن محمود بن الربيع وغيره وعنه محمد بن جحادة وصالح بن حي ليس بحجة د
(43) - لم أجدها
(44) - لم يستخدمها الحافظان واستخدمها في الكامل في الضعفاء[ ج 3 - ص 194 ] مرة
(45) - لم أجده
(46) - لم أجده
(47) - لم أجده
(48) - لم أجده
(49) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرات كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 253 ] 2600 - سليمان بن قرم بفتح القاف وسكون الراء بن معاذ أبو داود البصري النحوي ومنهم من ينسبه إلى جده سيء الحفظ يتشيع من السابعة خت د ت س
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 658 ] 3407 - عبد العزيز بن محمد الدراوردي أبو محمد عن صفوان بن سليم وزيد بن أسلم وعنه بن حجر ويعقوب الدورقي قال بن معين هو أحب إلي من فليح وقال أبو زرعة سيء الحفظ توفي 187 ع
(50) - استخدمها الحافظ ابن حجر بقلة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 129 ] 785 - بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني لين من السابعة ت
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 265 ] 556 - بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه وعنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي وابن أبي فديك لين د ت
(51) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرات كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 82 ] 78 - أحمد بن عبيد بن ناصح أبو جعفر النحوي يعرف بأبي عصيدة قيل إن أبا داود حكى عنه وهو لين الحديث وهو من الحادية عشرة مات بعد السبعين د
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 307 ] 897 - حبان بن علي العنزي عن عبد الملك بن عمير ومغيرة وعنه لوين وأبو الربيع الزهراني فقيه صالح لين الحديث توفي 171 ق
(52) - استخدمها الحافظ ابن حجر مرات كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 118 ] 620 - أيوب بن قطن بفتح القاف والطاء الكندي الفلسطيني فيه لين من الخامسة د ق
واستخدمها الحافظ الذهبي مرات كما في الكاشف[ ج 1 - ص 205 ] 103 - أبان بن إسحاق الكوفي النحوي عن الصباح بن محمد وعنه محمد ويعلى ابنا عبيد فيه لين ت
(53) - استخدمها الحافظ ابن حجر بقلة كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 107 ] 437 - إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة الكوفي القاضي حفيد الإمام تكلموا فيه من التاسعة مات في خلافة المأمون تمييز
واستخدمها الحافظ الذهبي مرة كما في الكاشف[ ج 1 - ص 679 ] 3542 - عبيد الله بن خليفة أبو الغريف الهمداني عن علي وصفوان بن عسال وعنه الأعمش وجماعة قال أبو حاتم تكلموا فيه س ق(1/299)
ثانيا- مراتبها عند الإمام السيوطي(1):
" ألفاظ التَّعديل مراتب ذكرها المُصنِّف كابن الصَّلاح(2)تبعًا لابن أبي حاتم أربعة, وجعلها الذَّهبي(3)والعراقي خمسة(4), وشيخ الإسلام ستة(5).
أعلاها بحسب ما ذكره المصنف: ثقة, أو متقن, أو ثبت, أو حُجَّة, أو عدل حافظ, أو عدل ضابط.
وأمَّا المرتبة الَّتي زادها الذَّهبي والعراقي, فإنَّها أعلى من هذه, وهو ما كُرِّر فيه أحد هذه الألفاظ المذكُورة, إمَّا بعينه: كثقة ثقة, أو لا: كثقة ثبت, أو ثقة حُجَّة, أو ثقة حافظ.
والمرتبة الَّتي زادها شيخ الإسلام أعلى من مرتبة التكرير, وهي الوصف بأفعل: كأوثق النَّاس, وأثبت النَّاس, أو نحوه: كإليه المُنتهى في التَّثبُت.
قلتُ: ومنه: لا أحد أثبت منه, ومن مثل فُلان, وفُلان لا يُسأل عنه, ولم أر من ذكر هذه الثَّلاثة, وهي في ألفاظهم.
فالمرتبة الَّتي ذكرها المُصنِّف أعلى, هي ثالثة في الحقيقة.
الثَّانية من المراتب, وهي رابعة بحسب ما ذكرناهُ صدوق, أو محله الصِّدق, أو لا بأس به.
زاد العِرَاقي: أو مأمون, أو خيار, أو ليس به بأس.
قال ابن أبي حاتم : من قيل فيه ذلك هو ممَّن يكتب حديثه, وينظر فيه, وهي المنزلة الثانية.
قال ابن الصَّلاح(6): وهو كما قال, لأنَّ هذه العِبَارة لا تُشْعر بالضَّبط فيُعتبر حديثه بمُوافقة الضَّابطين على ما تقدَّم في أوائل هذا النَّوع.
و قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : إِنَّكَ تَقُولُ : فُلَانٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ , وَفُلَانٌ ضَعِيفٌ ؟ , قَالَ : " إِذَا قُلْتُ لَكَ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فَهُوَ ثِقَةٌ , وَإِذَا قُلْتُ لَكَ : هُوَ ضَعِيفٌ , فَلَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ , لَا تَكْتُبْ حَدِيثَهُ "(7). فأشعر باستواء اللَّفظين.
قال ابن الصَّلاح: وهذا ليس في حكاية عن غيره من أهل الحديث, بل نسبه إلى نفسه خاصَّة ولا يُقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفنِّ.
قال العِرَاقي(8): ولم يَقُل ابن معين: إنَّ قولي: ليس به بأس, كقولي ثقة, حتَّى يلزم منه التَّسوية, إنَّما قال: إنَّ مَنْ قال فيه هذا, فهو ثقة, وللثقة مراتب, فالتعبير بثقة, أرفعُ من التعبير بلا بأس به, وإن اشتركا في مُطلق الثِّقة.
ويدلُّ على ذلك ما قاله عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ ، ثنا أَبُو خَلْدَةَ , قَالَ . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا سَعِيدٍ أَكَانَ ثِقَةً ؟ . قَالَ : " كَانَ صَدُوقًا , وَكَانَ مَأْمُونًا , وَكَانَ خَيِّرًا - وَقَالَ الْقَاسِمُ : وَكَانَ خِيَارًا ـ الثِّقَةُ : شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ "(9).
وحَكَى المَرْوزي قال: سألتُ ابن حنبل: عبد الوهاب بن عطاء ثقة؟ قال: لا, تدري ما الثِّقة؟ إنَّما الثِّقة يحيى بن سعيد القَطَّان.(10)
وجعلَ الذَّهبي قولهم: محله الصِّدق, مُؤخَّرًا عن قولهم: صدُوق, إلى المَرْتبة الَّتي تليها, وتبعهُ العِرَاقي, لأنَّ صدوقًا مُبَالغة في الصِّدق, بخلاف محلَّه الصِّدق, فإنَّه دالٌّ على أنَّ صاحبها محلُّهُ ومرتبته مُطْلق الصِّدق.
الثَّالثة: شيخٌ, فيكتب ويُنظر.
الرَّابعة: صالحُ الحديث, يُكتب للاعتبار.
الثالثة: من المراتب, وهي خامسة بحسب ما ذكرنا شيخ.
قال ابن أبي حاتم : فيكتب حديثه ويُنظر فيه.
وزاد العِرَاقي(11)في هذه المَرْتبة مع قولهم : محله الصِّدق: إلى الصِّدق ما هو, شيخ وسط, مُكرَّر, جيد الحديث, حسن الحديث.
وزاد شيخُ الإسلام: صدوقٌ سيء الحفظ(12), صدوقٌ يهم(13), صدوق له أوهام(14), صدوقٌ يُخطىء(15), صُدوق تغيَّر بآخره(16).
قال: ويلحق بذلك من رُمي بنوع بدعة: كالتَّشيع(17), والقَدَر(18), والنَّصب(19), والإرْجَاء(20), والتجهُّم(21).
الرَّابعة : وهي سَادسة بحسب ما ذكرنا: صالح الحديث فإنَّه يُكتب حديثه للاعتبار ويُنظر فيه.
وزاد العِرَاقي فيها: صدوقٌ إن شاء الله, أرجو أن لا بأس به, صُويلح.
وزاد شيخ الإسْلام مَقْبولٌ(22).
---------------
وأمَّا ألفاظ الجرح فمراتب أيضًا:
أدْنَاها ما قرب من التَّعديل فإذا قالوا: ليِّن الحديث, يكتبُ حديثُه وينظَر فيه اعتبارًا.
وقال الدَّارقُطْني(23)- لمَّا قال له حمزة بن يوسف السَّهمي: إذا قلتُ فُلان ليِّن, أيش تريد؟ -: إذا قلت ليِّنُ الحديث لم يَكُن سَاقطًا مترُوك الحديث ولكن مجروحًا بشيء لا يُسْقطُ عن العدالة.
ومن هذه المَرْتبة ما ذكرهُ العِرَاقي(24): فيه لين, فيه مَقَال, ضُعِّف, تعرف وتُنكر, ليسَ بذاكَ, ليسَ بالمتين, ليس بحجَّة, ليس بعمدة, ليس بمرضي, للضعَّف ما هو, فيه خلف, تكلَّموا فيه, مَطْعُون فيه, سيء الحفظ.
وقولهم: ليس بقويٍّ, يُكتب أيضًا حديثه للاعتبار، وهو دون ليِّن فهي أشد في الضَّعف.
وإذا قالُوا: ضعيف الحديث, فدون ليسَ بقوي, ولا يُطْرح, بل يُعتبر به أيضًا, وهذه مَرْتبة ثالثة.
ومن هذه المَرْتبة فيما ذكرهُ العِرَاقي: ضعيفٌ, فقط, مُنْكر الحديث, حديثه مُنْكر, واه, ضعَّفُوه.
وإذا قالُوا: مترُوك الحديث, أو واهيه, أو كذَّاب, فهو ساقطٌ, لا يُكتب حديثهُ, ولا يُعتبر به, ولا يُسْتشهد, إلاَّ أنَّ هاتين مَرْتبتان, وقبلهُمَا مَرْتبة أُخرى لا يُعتبر بحديثها أيضًا, وقد أوْضَح ذلك العِرَاقي.
فالمَرْتبة الَّتي قبل, وهي الرَّابعة: رُدَّ حديثه, ردُّوا حديثه, مردود الحديث, ضعيفٌ جدًّا, واهٍ بمرَّة, طرحُوا حديثه, مُطْرح, مُطْرح الحديث, ارم به, ليس بشيء, لا يُسَاوي شيئا.
ويليها: مَتْروك الحديث, متروكٌ, تركُوه, ذاهبٌ, ذاهب الحديث, ساقطٌ, هالكٌ, فيه نظر, سَكُتوا عنه, لا يُعتبر به, لا يُعتبر بحديثه, ليسَ بالثِّقة, ليسَ بثقةٍ, غير ثقة ولا مأمون, مُتَّهم بالكذب, أو بالوضع.
ويليها: كذَّاب, يكذب, دجَّال, وضَّاع, يضع, وضع حديثا.
ومن ألفاظهم في الجرح والتعديل فُلان روى عنه النَّاس, وسط, مقارب الحديث وهذه الألفاظ الثلاثة من المرتبة التي يذكر فيها شيخ الإسلام, وهي الثَّالثة من مراتب التعديل فيما ذكره المُصنِّف.
مُضْطرب, لا يحتجُّ به, مجهولٌ وهذه الألفاظ الثَّلاثة في المرتبة الَّتي فيها ضعيف الحديث, وهي الثَّالثة من مراتب التَّجريح.
لا شيء هذه من مرتبة: رُدَّ حديثه, التي أهملها المُصنِّف, وهي الرَّابعة.
ليسَ بذاك, ليس بذاك القوي, فيه ضعف أو في حديثه ضعف هذه من مرتبة ليِّن الحديث, وهي الأولى.
ما أعلم به بأسًا هذه أيضًا منها, أو من آخر مراتب التَّعديل, كأرجُو أن لا بأس به.
قال العِرَاقي(25): وهذه أرْفع في التَّعديل, لأنَّه لا يلزم من عدم العِلْم بالبأس حُصُول الرَّجاء بذلك.
قلت: وإليه يُشير صنيع المُصنَّف ويستدلُّ على معانيها ومراتبها بما تقدَّم وقد تبيَّن ذلك.
تنبيهاتٌ:
الأولى: البُخَاري يُطلق: فيه نظر, وسكتُوا عنهُ, فيمن تركُوا حديثه, ويُطلق: مُنْكر الحديث, على من لا تَحِل الرِّواية عنهُ.
الثَّاني: ما تقدَّم من المراتب مُصرَّح بأنَّ العَدَالة تتجزَّأ, لكنه باعتبار الضَّبط, وهل تتجزَّأ باعتبار الدِّين؟ وجْهَان في الفقه, ونظيره الخِلاف في تجزُّء الاجتهاد, وهو الأصحُّ فيه, وقياسه: تَجَزُّء الحفظ في الحديث, فيَكُون حَافظًا في نوع دون نوع من الحديث, وفيه نظر.
الثَّالث: قولهم: مُقَارب الحديث, قال العِرَاقيُّ(26): ضُبط في الأصُول الصَّحيحة بكسر الرَّاء, وقيل: إنَّ ابن السيِّد حكى فيه الفتح والكسر, وأنَّ الكسر من ألفاظ التَّعديل, والفتح من ألفاظ التَّجْريح.
قال: وليسَ ذلك بصحيح, بل الفتح والكسر معروفَان, حَكَاهما ابن العَرَبي في «شرح الترمذي».
وهُمَا على كلِّ حالٍّ من ألفاظ التَّعديل, وممَّن ذكر ذلك الذَّهبي قال: وكأنَّ قائل ذلك فهمَ من فتح الرَّاء, أنَّ الشَّيء المُقارب هو الرَّديء, وهذا من كلام العَوَام, وليسَ معروفًا في اللُّغة, وإنَّما هو على الوَجْهين, من قوله - صلى الله عليه وسلم - : « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا »(27)فمن كَسَر قال: إنَّ معناه: حديثه مُقارب لحديث غيره, ومن فتح قال: معناه: أنَّ حديثه يُقاربه حديث غيره, ومادة فاعل تقتضي المُشَاركة. انتهى.
وممَّن جزم بأنَّ الفتح تجريح, البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح»(28)وقال: حكى ثعلب: تبر مقارب, أي رديء. انتهى.
وقولهم: إلى الصِّدق ما هو, وللضَّعْف ما هو, معناهُ قريبٌ من الصِّدق, والضَّعف, فحرف الجر يتعلَّق بقريب مقدرًا, وما زائدة في الكلام, كما قال عياض والمُصنِّف في حديث الجَسَّاسة عند مسلم : «من قِبَل المَشْرق ما هو...»(29). المُرَاد إثبات أنَّه في جهة المَشْرق.
وقولهم: واهٍ بمرَّة, أي قولاً واحدًا, لا تردُّد فيه, فكأنَّ الباء زائدة.
وقولهم: تعرف وتُنكر, أي يأتي مرَّة بالمَنَاكير, ومَرَّة بالمَشَاهير. "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 270)
(2) - علوم الحديث ص 157
(3) - الميزان 1/4
(4) - التقييدص 157
(5) - في نزهة النظر ص 188
(6) - علوم الحديث ص 157
(7) - الكفاية (34 )
(8) - التبصرة 2/7
(9) - الكفاية( 32 )
(10) - العلل ومعرفة الرجال رواية المروذي ص 59
قال اليماني :
ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على الوجهين :
الأول : أن يسأل عنه في فيحيل فكره في حاله في نفسه وروايته ثم يستخلص من المجموع ذلك معنى يحكم به .
الثاني : أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في الحديث الخاص من روايته ، فالأول هو الحكم المطلق الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغيير الاجتهاد . وأما الثاني فإنه كثيراً ما ينحي به نحو حال الراوي في ذاك الحديث ، فإذا كان المحدث يرى أن الحكم المطلق في الراوي أنه صدوق كثير الوهم ثم تكلم فيه في صدد حديث من روايته ثم في صدد حديث آخر وهكذا ، فإنه كثيراً يتراءى اختلاف ما بين كلماته ، فمن هذا أن الحجاج بن أرطأة عند الدارقطني صدوق يخطيء فلا يحتج بما ينفرد به واختلفت كلماته فيه في ( السنن ) فذكره ص 35 في صدد الحديث واف قفيه جماعة من الثقات فعده الدارقطني في الجملة (( الحفاظ الثقات )) كما مر، وذكره ص 531في صدد حديث أخطأ فيه وخالف مسعراً وشريكاً فقال الدارقطني : (( حجاج ضعيف )) وذكره فيمواضع أخرى فأكثر ما يقول : (( لا يحتج به ))التنكيل لليماني - (ج 2 / ص 54-55)
(11) - التبرصرة 2/4-5
(12) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 107 ] 440 - إسماعيل بن خليفة العبسي بالموحدة أبو إسرائيل الملائي الكوفي معروف بكنيته وقيل اسمه عبد العزيز صدوق سيء الحفظ نسب إلى الغلو في التشيع من السابعة مات سنة تسع وستين وله أكثر من ثمانين سنة ت ق
(13) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 81 ]60 - أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي السفر بفتح الفاء سعيد بن يحمد بضم التحتانية وكسر الميم يكنى أبا عبيدة الكوفي صدوق يهم من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين ت س ق
(14) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 77 ] 12 - أحمد بن بديل بن قريش أبو جعفر اليامي بالتحتانية قاضي الكوفة صدوق له أوهام من العاشرة مات سنة ثمان وخمسين ت ق
(15) - كما في الكاشف[ ج 1 - ص 669 ] 3478 - عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي أبو قلابة البصري الحافظ الضرير عن يزيد بن هارون وروح وأبي داود وعنه بن ماجة والنجاد وأبو بكر الشافعي صدوق يخطىء قال بن جرير ما رأيت أحفظ منه مات في شوال 276 ق
(16) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 82 ]67 - أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم المصري لقبه بحشل بفتح الموحدة وسكون المهملة بعدها شين معجمة يكنى أبا عبيد الله صدوق تغير بأخرة من الحادية عشرة مات سنة أربع وستين م
(17) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 188 ] 1644 - خالد بن طهمان الكوفي وهو خالد بن أبي خالد وهو أبو العلاء الخفاف مشهور بكنيته صدوق رمي بالتشيع ثم اختلط من الخامسة ت
(18) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 121 ] 653 - برد بن سنان أبو العلاء الدمشقي نزيل البصرة مولى قريش صدوق رمي بالقدر من الخامسة بخ 4
(19) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 252 ] 2584 - سليمان بن عبد الحميد بن رافع البهراني أبو أيوب الحمصي صدوق رمي بالنصب وأفحش النسائي القول فيه من الحادية عشرة مات سنة أربع وسبعين د
(20) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 124 ] 701 - بشر بن محمد السختياني أبو محمد المروزي صدوق رمي بالإرجاء من العاشرة مات سنة أربع وعشرين خ
(21) - كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 108 ]456 - إسماعيل بن عبد الله بن خالد بن يزيد العبدري أبو عبد الله أو أبو الحسن الرقي السكري قاضي دمشق صدوق نسب لرأي جهم من العاشرة مات بعد الأربعين ق
(22) - قلت : أسرف جدّا بهذا المصطلح كما في تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 77 ] 11 - أحمد بن أيوب بن راشد الضبي الشعيري بفتح المعجمة أبو الحسن مقبول من العاشرة بخ
(23) - سؤالات السهمي ص 72
(24) - التبصرة 2/12
(25) - التبصرة 2/6
(26) - التقييد ص 162
(27) - صحيح البخارى (6464 )
مَعْنَى الْأَمْر بِالسَّدَادِ وَالْمُقَارَبَة أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بُعِثَ مُيَسِّرًا مُسَهِّلًا ، فَأَمَرَ أُمَّته بِأَنْ يَقْتَصِدُوا فِي الْأُمُور لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِدَامَة عَادَة .فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 288)
(28) - ص 240
(29) - َعنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ ، شَعْبُ هَمْدَانَ ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ - فَقَالَ : حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ ، فَقَالَتْ : لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ ، فَقَالَ لَهَا : أَجَلْ حَدِّثِينِي فَقَالَتْ : نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ ، فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ " فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ : أَمْرِي بِيَدِكَ ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ ، فَقَالَ : " انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ " وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ ، مِنَ الْأَنْصَارِ ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ ، فَقُلْتُ : سَأَفْعَلُ ، فَقَالَ : " لَا تَفْعَلِي ، إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ " - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ ، فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ - فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يُنَادِي : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ "صحيح مسلم (7573 )
أرفأ : قرَّب السفينة من الشط الصلت : المجرد من غمده اغتلم : هاج واضطربت أمواجه فرقنا : خشينا الأهلب : غليظ الشعر كثيره(1/300)
ثالثا- التقسيم المختار(1):
1- ألفاظ التعديل
"المرتبة الأولى : الوصفُ بما يدلُّ على المبالغة ، وهو الوصف بأفعل ، مثل فلان أوثق الناس ، وأعدل الناس ، وإليه المنتهى في التثبت ، ومثله قول الشافعي في ابن مهدي(2): (لا أعرف له نظيرا في الدنيا) ، ومثله أيضاً قول حسان بن هشام في ابن سيرين : " حَدَّثَنِي أَصْدَقُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْبَشَرِ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ "(3)
ومنه: لا أحد أثبت منه, ومن مثل فُلان, وفُلان لا يُسأل عنه, ولم أر من ذكر هذه الثَّلاثة, وهي في ألفاظهم.(4)
ويضاف لهذه المرتبة ، ثقة ما أثبت حديثه ، أو ما أقول إن أحدا أثبت منه في الحديث ، أو ما خلفت ببغداد مثل فلاناً ، فلان ركن من أركان الحديث ،فلان مجمع على ثقته في الحديث ، متفق على ثقته وأمانته والاحتجاج به ،حدثنا فلان وهو التثبت كالأسطوانة ، فلان أوثق من اساطين مسجد الجامع ،فلان ثقة مسنِدٌ عديمُ النظير ، ثقة كبير الشأن ، ثقة عدل ، ثقة نظيف الإسناد ،ثقة حلو الحديث ، إليه المنتهى في الثقة ، إذا وافقني فلان فلا ابالي من خالفني ، لو خالفني فلان وأنا أحفظ سماعي لتركت حفظي لحفظه ،إذا خالفني صرت إليه ،فلان أحد الأعلام الأثبات ،فلان ثقة وزيادة ، فلان ثقة من أهل المعرفة ،فلان حجة ، فلان حجة بلا نزاع ،حجة وفاقاً ، حجة فيما يرويه محصل لما يمليه ، حجة الله على عباده ، حجة بين الله وبين عباده في الأرض ، حديثه حجة أحج ما يكون ، من حجج الله تعالى على خلقه بعد التابعين ،فلان رجل صالح يتقن حديثه لا يزيد ولا ينقص ، فلان قنطرة ، بل قفز من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي ،هو ثقة الحديث جدًّا ، فلان ريحانة المحدثين ، أو سيد المحدثين ، فلان متين ، فلان فوق الثقة جبل ،فلان جبل من الجبال ، أو من الجبال الرواسي ،فلان ثقة يفصل بالألفاظ ، ثقة يفصل بين الوا والفاء أو بين الياء والتاء ، ما بين لا بتيها أوثق من فلان ، أوثق من برأ الله في الحديث هو فلان ، ليس على بسيط الأرض أوثق من فلان ، ما رأيت أسود الرأس أوثق من فلان ، أوثق من بال على التراب ، فلان أجلُّ من أن يقال فيه ثقة ، ما إذا سئل أحدهم عن راو أهو ثقة " فقال : وزاد ، ثقة كفاية ، فلان شكه يقين ، فلان شكه كيقين غيره ، شكه أحسن أو أحبُّ إليَّ من يقين غيره ،هو ممن حفظ العلم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ،فلان مصحَفٌ ،كان أمة وحده في هذا الشأن ، هو فارس في الحديث خذوا عنه ،أمير المؤمنين في الحديث ،ما حعلت بينك وبين الرجال مثل فلان ،قبان المحدثين ، فلان ثقة مبرِّزٌ ،فلان صحيح الحديث يفصل السماع من العرض والحديث من الحديث ،ما كتبنا عن أحد أجلَّ من فلان ، لم أرو عن أجلِّ منه في عيني ، فلان أمثل من يكتبون عنه ،فلان ثبَّتوه جدًّا، فلان ميزان لا يرد على مثله ،فلان لا يختلف في حديثه ،فلان هو الطبيب ،كأن الله خلف فلاناً لهذا الشأن ، كأنه لم يخلق إلا للحديث ، فلان صدوق صدوق ،صدوق مأمون ،كان فلان ثقة من أهل العلم بالحديث ،إذا اختلف الناس في شيء فزعوا إلى فلان ،حدثنا فلان الأسد ،فلان بصير بالحديث متقن يشبه الناس ، فلان هو الإمام المقبول عند الكلِّ ،فلان مُثِّلَ بجبل نفخ فيه االروح،اسمعوا من فلان فإنه الأمين المأمون ،فلان هو العقدة ،فلان ممن انتهى الإسناد إليهم ، ممن دار الإسناد عليهم أو ممن دار حديث الثقات عليهم ، حدثنا فلان الكبش النطاح ، هذا الغلام يناطح الكباش ، فلان هو التقي النقي الذي لم أر مثله ،لو كتب فلان عن مالك مثلاً لأثبته في الطبقة الأولى من أصحابه ،فلان من الطبقة العليا ،فلان الثقة الحافظ الناقد ، فلان درة في الحديث أو ريحانة في الحديث أو ياقوتة في الحديث ،فلان يملأ حديثه الصدر والنحر ، فلان قرة عين في الحديث ،فلان ثقة ثقة لو رأيته لقرت عينك به ، إذا حدثك فلان فاختم عليه ، إذا جاءك الحديث عنه فاستمسك به ، فلان كبير من أهل الصناعة ، العرض على فلان أحبُّ إليَّ من السماع من غيره ،فلان كبير المتثبتين ، ما عندي آمن على الحديث من فلان ، ما خلفت بعدي آمن على الحديث من فلان ، أحاديث فلان كأنها الدنانير ،إذا جاءت المذاكرة جئنا بكلِّ ، وإذا جاء التحصيل جئنا بفلان ، إذا حدثك عن فلان ثقة فقد ملأت يديك ولا تريد غيره ،كأن حديثه القدح لا يختلف فيه أحد ،فلان العدل ، الرضى الأمين عدل نفسي عندي ، هو أوثق عندي من نفسي ،فلان إمام الجرح والتعديل ، أو ما خلق الله تعالى أحدا أعرف بالحديث منه ، فلان أس المحدثين في الصدق وكان ثبتاً ،فلان من ثقات الثقات ،كان فلان مليًّا ، فلان ثقة صاحب حديث ، فلان ثقة صاحب حديث ومعرفة ،فلان من البزَّل الكمَّل في هذا الشأن ،فلان أهل ألا ندع له شيئاً ، فلان ينبغي أن تكتبوا حديثه كله ، خذوا من حديثه ما استطعتم ،فلان محِّثُ العرب ،فلان غاية في الإسناد ليس بعده شيء ، فلان حديثه كالأخذ باليد ،حدثنا فلان وكان فلان دعامة ،هو كثر العلم صحيح الحديث ، إن حدثكم فلان فلا عليكم إلا تكتبوا عن غيره ، فلان فطن صحيح كيِّسٌ ، فلان من حكماء أصحاب الحديث ، فلان ثقة نقَّى الحديث ،فلان صحيح الدين صحيح الرواية ، فلان مقدَّمٌ في الصنعة ،فلان ثقة مأمون ، ثقة من اهل الأمانة ، فلان ثقة فوق الثقة بدرجة ،فلان الحافظ الصدوق ، كان فلان ينظِّر بفلان الإمام ،كان فلان في مسلاخ شعبة ،فلان ثقة يصلح للحديث ،ما ينبغي لأحد أن يفوق فلانا في الحديث أو يفضله في الحديث ،فلان عزيز العلم ثقة عالم ، فلان لا يختلف فيه أحد ، وغير ذلك من عبارت كثيرة استخدمت للدلالة على هذه المرتبة .(5)
وفائدة هذه الرتبة أن حديثهم في أعلى درجات الصحة ، وكذلك إذا حدث تعارض أو الاختلاف في الرواية رجحت طبقة هؤلاء
المرتبة الثانية ُ : ثقة، أو ثبْت(6)، أو حجة ،أو إمام، أو حافظ، أو متقن ، أو عدل ، إلى نحو ذلك .
وأما قولهم (ثقة ) فمعناه أنه عدل ضابط ، ولا يلزم من هذا أنه لا يخطئ ، فما من ثقة بل وما من إمام مشهور إلا وقد أخطأ، لكن الراوي إذا كان صدوقاً في دينه وكان خطؤه قليلاً نادراً ينغمر في سعة ما روى ، أو لم يظهر ذلك في حديثه فهو ثقة يعمل بروايته إلا أن يتضح لنا أنه أخطأفي حديث بعينه ، فيترك خطؤه ويقبل صوابه ، والرجل إذا كثرت حسناته على سيئاته ، وصوابه على خطئه نجا وسلم ، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله ، وليس من شرط الثقة أن يتابع في كل ما يقول ، بل من شرطه ألا ينفرد بالمناكير عن المشاهير ، ويكثر منه ذلك .
فها هو حماد بن زيد والإمام مالك وسفيان الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم من سادات الحفاظ الذين بلغوا في الحفظ غاية كبيرة، قد ثبت أنهم أخطئوا في بعض الأحاديث، وهذا لا يعني إذا أخطأ الراوي في حديثٍ ما أن نبطل جميع أحاديثه أو أن نقضي عليه بأنه ضعيف، ولكن يريدون أن الراوي إذا كانت غالب أحاديثه صحيحه مستقيمة فإنهم يحكمون عليه بأنه ضابط، وأن حديثه الأصل فيه إذا ورد أن يكون صحيحا، والموضع الذي أخطأ فيه يكون حديثه فيه ضعيفا.(7)
قولهم ( فلان ثقة له أوهام ، أوله أفراد أو يغرب ) فهذا اللفظ وإن كان دون قولهم ثقة إلا أنه لا ينزل عن هذه المرتبة ، وحديث من هذا حاله محمول على الصحة حتى يثبت أن هذا الحديث من أوهامه أو أخطائه فيترك ، نعم إذا عارضه ثقة فحديث الثقة مقدَّمٌ عليه ، وقال ابن حبان في ترجمة أبي بكر بن عياش(8):"كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ المتقنين يروى عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وقد روى عنه بن المبارك وأهل العراق وكان يحيى القطان وعلى بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر سنه ساء حفظه فكان يهم إذا روى والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر فلو كثر خطاءه حتى كان الغالب على صوابه لا يستحق مجانبة رواياته فأما عند الوهم يهم أو الخطأ يخطىء لا يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه ....والصواب في أمره مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه والاحتجاج بما يرويه سواء وافق الثقات أو خالفهم لأنه داخل في جملة أهل العدالة ومن صحت عدالته لم يستحق القدح ولا الجرح إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح وهكذا حكم كل محدث ثقة صحت عدالته وتبين خطاؤه "
وقال في ترجمة داود بن أبي هند(9): " وكان داود من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه ولا يستحق الإنسان الترك بالخطأ اليسير يخطىء والوهم القليل يهم حتى يفحش ذلك منه لأن هذا مما لا ينفك منه البشر ولو كنا سلكناه المسلك للزمنا ترك جماعة من الثقات الأئمة لأنهم لم يكونوا معصومين من الخطأ بل الصواب في هذا ترك من فحش ذلك منه والاحتجاج بمن كان منه ما لا ينفك منه البشر "
وقال في ترجمة عبد الملك بن أبى سليمان : ميسرة العرزمي :(10)
" كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحفاظهم والغالب على من يحفظ ويحدث من حفظه أن يهم وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحت عدالته بأوهام يهم في روايته ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهرى وابن جريج والثوري وشعبة لأنهم أهل حفظ وإتقان وكانوا يحدثون من حفظهم ولم يكونوا معصومين حتى لا يهموا في الروايات بل الاحتياط والأولى في مثل هذا قبول ما يروى الثبت من الروايات وترك ما صح أنه وهم فيها ما لم يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه فان كان كذلك استحق الترك حينئذ "
ومن العبارات التي ترادف هذه المرتبة :فلان صدوق صاحب حديث ، اكتبوا عن فلان ، اكتب عن فلان حتى تجف يدك ،فلان مستقيم الحديث ، أو مستقيم الأمر بالحديث أو في الرواية ،فلان ثقة وليس بمحل أن يقال له حجة ،أو ليس بالحجة ،فلان إذا روى عن ثقة أو روى عنه ثقة فهو صحيح الحديث أو مستقيم الحديث ،فلان ممن يرضى به في الحديث ، فلان صحيح الكتاب ،فلان صدوق صاحب كتاب ، فلان أكثر الناس عنه ،أكثر عنه الأئمة ،فلان أحاديثه يحتجُّ بها ، أو فلان يحتجُّ به ، فلان عمدة أو معتمد أو يعتمد عليه ، فلان ثقة لم يذكر إلا بخير ، فلان كان معتبراً ،فلان مقبول القول ، وقد يطلقون المقبول على من يقبل حديثه ولا يترك ، فيدخل في ذلك من يصلح في الشواهد والمتابعات ، وإن لم يحتجَّ به بمفرده ، والعبرةُ حينئذ بالقرينة ،فلان ثقة يخطئ كما يخطئ الناس ،فلان القلب إلى أنه ثقة أميلُ ،فلان مضبوط الحديث ، فلان صدوق له حفظ أو يصدق ويحفظ ،فلان صدوق نقيُّ الحديث ، ثقة لو قيل له اكذب لم يحسن ، أو لم يعرف أن يكذب ، فلان كان معدَّلاً عند أهل بلده ،هو ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات ، ثقة فيما تفرد به وشورك فيه ،كان جميل الأمر في الحديث ثقة ، ثقة ورأيت أحمد يكتب حديثه أو أحادينه بنزول ،فلان صحيح الحديث وقوي الحديث ،فلان مستوي الحديث ،كان فلان مكينا عند فلان ،فلان ثقة لا شك فيه ، فلان استقامته في الحديث استقامة الأثبات ، فلان أحدُ منْ ثبت حديثه ، أو من ثقات المسلمين ، أو ثقة بلا ثنيا أو ثقة بلا تردد ، فلان يجزئ ، وقد يعني لا بأس به ، والله أعلم .(11)
المرتبة الثالثة ُ : من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بقولهم : صدوق ، أو محله الصدق ، أو لا بأس به ،قال ابن أبي حاتم : فهو ممن يكتب حديثه ، وينظر فيه ، وهي المنزلة الثانية - يعني على حسب تقسيمه - ، وزاد الحافظ العراقيُّ أو مأمون ، أو خيار ، أو ليس به بأس ولكنها قد تدلُّ على أن المقصود بها ثقة كما هي عند ابن معين وبعض أهل العلم ، ولكن لا تعرف إلا بالقرينة ، فالأصل أنها في هذه المرتبة .
ومن العلماء من فرَّق بين صدوقٍ ، وبين محلَّه الصدق ، وهو الذهبي ، وتبعه العراقيُّ فجعل صدوق من هذه ، محله الصدق ما بعدها ، لأن صدوقاً صيغة مبالغة ، بخلاف محلُّه الصدق بخلاف محله الصدق ، فإنه دالٌّ على أن صاحبها محله ، ومترتبه مطلق الصدق ، وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا أَبُو خَلْدَةَ , قَالَ . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا سَعِيدٍ أَكَانَ ثِقَةً ؟ . قَالَ : " كَانَ صَدُوقًا , وَكَانَ مَأْمُونًا , وَكَانَ خَيِّرًا - وَقَالَ الْقَاسِمُ : وَكَانَ خِيَارًا ـ الثِّقَةُ : شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ "(12)
وهذا يدلُّ على تفرقتهم بين ثقة ، وبين صدوق ونحوه .
ومن ألفاظ هذه المرتبة : فلان صادق ، ما به بأس المسكين ليس له بخت ، ما هو من أهل الكذب ولكن ليس له بخت ،فلان ممن يصدق في الروايات ،فلان ثقة إن شاء الله ، لم أر في حديث فلان ما في القلب منه ، لم أر في حديث فلان مكروهاً ،فلان لم يكذب في الحديث ، فلان ما أصلح حديثه ،فلان ثقة ولكن ليس ممن يوصف بالضبط ، فلان عدلٌ في الشهادة أو مقبولُ الشهادة عند الحكام ،فلان ما أقرب حديثه ، فلان صدوقٌ مسلمٌ ، والله أعلم .(13)
المرتبة الرابعة: من قصُر عن درجة الرابعة قليلا ، وقد مثَّل لها ابن أبي حاتم بقوله : شيخ ، وقال : يكتب حديثه وينظر فيه ، إلا أنه دون الثانية - يعني على حسب تقسيمه - وزاد العراقيُّ في هذه المرتبة مع قولهم : محله الصدق ، إلى الصدق ما هو، شيخ ، وسط ، جيد الحديث ، حسن الحديث ، وزاد شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر قولهم : صدوق سيء الحفظ ، أو صدوق يهم ، أو صدوق يخطئ ، أو تغير بأخَرَةٍ .(14)
واعلم أن هذه المرتبة والتي تليها يجد الباحث أكثر ألفاظهما تتداخل ، ولذا نجد بعض هذه الألفاظ ذكرها بعض الأئمة هنا ، وذكرها بعضهم في المرتبة الخامسة ، وهما متقاربان ، والأمر سهل فإنهما من مراتب الشواهد .
ويلحق بها من العبارات : فلان إلى الصدق ما هو ،فلان جيد الحديث ، ،فلان لا بأس به إن شاء الله ، أو صدوق إن شاء الله ، حمل الناس عنه ، هو بصورة أهل الصدق ، فلان متوسط الحال ، أو متوسط الأمر أو كأنه صدوق ،فلان محله العدالة أو محله الصدق والستر ، فلان ثقة وليس كل أحد يحتجُّ به ،فلان سداد من عيش ،فلان يقع في قلبي أنه صدوق ،أرجو أن يكون صدوقاً ، فلان حديثه يشبه حديث الثقات ، أو حديث الأثبات ،فلان مقارب الحال أو حاله مقارب أو لم يزل حديثه مقارباً أو قريب الأمر ، فلان صدوق في حفظه ضعف ،فلان عندي في جملة من ينسب إلى الصدق ، رجلٌ صالحٌ الحديثُ يغلبه ،والله أعلم .(15)
قال الحافظ ابن حجر : ويلحق بذلك من رُمي بنوع بدعة: كالتَّشيع(16), والقَدَر(17), والنَّصْب(18), والإرْجَاء(19), والتجهُّم(20)، مع بيان الداعية من غيره.
المرتبة الخامسة : صالح الحديث ونحو ذلك ، قال ابن أبي حاتم : من قيل فيه ذلك يكتب حديثه ، وينظر فيه ، يعني يكتب حديثه للإعتبار . وعند العراقي : فلان روى عنه الناس ، وفلان وسط ، وفلان مقارب الحديث ، وما أعلم به بأساً ، وزاد السيوطي صدوق إن شاء الله ، وأرجو أن لا بأس به ، وصويلح ، وزاد السخاوي ، يعتبر حديثه ، ويكتب حديثه وما أقرب حديثه ، وعند الحافظ ابن جر مقبول أي حيث يتابع وإلا فلين الحديث ( وسوف أتكلم عنها خن خلال كلامي عن منهج الحافظ ابن حجر في التقريب ) .
ومن ألفاظ هذه المرتبة : فلان يعتبر به وفلان شيخ ، وفلان حديثه من أقسام الحسن ،فلان ليس ببعيد من الصواب ،فلان يستدلُّ به ،
ما ينبغي أن يعلم أن بعض الكلمات قد يعتبرها بعض العلماء من مرتبة ، والآخر يعتبرها من مرتبة أخرى فلا يشكلنَّ عليك الأمر ، وإنما هو يرجع إلى اختلاف الاعتبار والأنظار .(21)
2- ألفاظ التجريح ومراتبها:
وسنرتبها من الأدنى إلى الأعلى .
المرتبة الأولى : عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح لين الحديث ، وعند العراقي ، ليس بذاك ، وليس بذاك القوي ، وفيه ضعف ، وفي حديثه ضعف ، وفيه مقال ، وتعرف وتنكر ، وليس بالمتين ، وليس بحجة ، وليس بعمدة ، وليس بالمرضي ، وللضعف ما هو ، وسيء الحفظ ، وفيه خلف ، وتكلموا فيه ، وزاد السيوطي : فيه لين ، وضعِّف ، وعند الذهبي صدوق لكنه مبتدع ، وعند السيوطي ما أعلم به بأساً ، وكثير من ألفاظ هذه المرتبة والتي تليها تحتمل نفي الجلالة فقط ، وإن كان الراوي ثقة في الجملة ، لكن الأصل في هذه الألفاظ أنها عبارات تليين إلا إذا قامت قرينة تفيد نفي الجلالة دون أصل القوة ، فيعمل بها ، والله أعلم .
ومن جملة ألفاظ هذه المرتبة : فلان ضعِّف قليلاً ، وفلان غير حجة ، وليس هو ممن يتكل عليه ، ويخالف في بعض حديثه ، وليِّن ويليَّن ، وما ذا بحجة ، وله أفراد وغرائب ، وله أوهام ، وله أشياء لا يتابع عليها ، ويعرف بغير حديث لا يرويه غيره ، وله مناكير ، وإلى التليين ما هو ، ويهمز في الشيء بعد الشيء ، أو يهم في الشيء بعد الشيء ، وليس بالثبت ، أو ليس بثبت ،فلان في حديثه بعض الإنكار ، أو في أحاديثه ما ينكر عليه ،يستضعفُ ، ليس بذاك ،لم يكن من النقد الجيد ،لم يكن بالصافي ، وليس كأقوى ما يكون ، وليس بأقوى ما يكون ، فلان ليس هناك ،ليس بالقوي عندهم ، أو لم يكن بالأستاذ ، فلان ليس بالحافظ ، او ليس ممن يلزم بزيادة حجة ، فلان لم يكن بالماهر ،فلان ليس من أهل الحفظ والإتقان ، أو ليس بالمتقن ، أو ليس ممن يوصف بالضبط للحديث ، أو ليس بذاك الحافظ ،فلان لم يكن بالسِّكَّة ،فلان لم يبلغ درجة الصحيح ،فلان ليس محله محل المسمعين ، أو المتسعين في الحديث ، فلان ليس من البابة ،أي ليس بذاك ،فلان ليس من جمال المحامل أو ليس من أهل المحامل أو ليس من الإبل التي تحمل المحامل أو ليس من أهل القباب ، أو ليس من إبل القباب ،فلان ليس من أحلاس الحديث ، فلان ليس بمحكم الحديث ،فلان ليس ممن تريد أي ليس بالثبت ،فلان ليس من أكابر أصحاب الزهري مثلا ،فلان لم يكن بجيد العقدة ، فلان لا يجئ بحديثه كما ينبغي ، والله أعلم .(22)
المرتبةُ الثانية : فلان لا يحتجُّ به ، أو ضعفوه ، أو منكر الحديث ، ونحوها .
عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح ليس بقوي ، وعند الحافظ ابن حجر : مستور أو مجهول الحال ،وهو عنده من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق , وعند السخاوي : فيه مقال ، وأدنى مقال ، وضُعِّفَ ، وفلان فيه ضعف ، وليس من إبل القباب ، وليس بمأمون ، وليس من إبل المحامل ، وليس من جمازات المحامل ، وليس يحمدونه ، وليس بالحافظ ، وغيره أوثق منه ، وفي حديثه شيء ، وتكلموا فيه ، وسكتوا عنه وفيه نظر - إذا كانا من غير الإمام البخاي - ونزكوه ، ومجهول عند أبي حاتم إن كان بمعنى مجهول الحال ، وفيه جهالة ، ولا أدري ما هو .
وأنت تلاحظ أن اهل هذه المرتبة من جهة سبب الضعف ينقسمون إلى قسمين : قسم من قبل حفظه ، وقسم من قبل جهالة حاله ، إما في الظاهر والباظن ,إما في الباطن فقط .
ومن ألفاظ هذه المرتبة :
__________
(1) - انظر الوسط في أصول الحديث د- محمد محمد أبو شهبة ص 408 وما بعدها
(2) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 350) وجرح الرواة وتعديلهم - (ج 11 / ص 25)
(3) - الكفاية(1261 )
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 271)
(5) - انظر شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل ص 27- 87
(6) - ثَبَتَ الشيء ( يَثْبُتُ ثُبُوتًا ) دام واستقرّ فهو ( ثَابِتٌ ) وبه سمي و ( ثَبَتَ ) الأمر صحّ ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال ( أَثْبَتَهُ وَثَبَّتَهُ ) والاسم ( الثَّبَاتُ ) و ( أَثْبَتَ ) الكاتب الاسم كتبه عنده و ( أَثْبَتَ ) فلانا لازمه فلا يكاد يفارقه ورجل ( ثَبْتٌ ) ساكن الباء ( مُتَثَبِّتٌ ) في أموره و ( ثَبْتُ ) الجنان أي ( ثَابِتُ القَلْبِ ) و ( ثَبُتَ ) في الحرب فهو ( ثَبِيتٌ ) مثال قرب فهو قريب والاسم ( ثَبْتٌ ) بفتحتين ومنه قيل للحجة ( ثَبْتٌ ) ورجل ( ثَبَتٌ ) بفتحتين أيضا إذا كان عدلا ضابطا و الجمع ( أَثْبَاتٌ ) مثل سبب وأسباب . المصباح المنير[ ج 1 - ص 80 ]
(7) - انظر التذكرة في علوم الحديث - (ج 1 / ص 2) والتنكيل لليماني - (ج 2 / ص 181)
(8) - الثقات لابن حبان[ ج 7 - ص 669 ]
(9) - الثقات لابن حبان[ ج 6 - ص 278 ]
(10) - الثقات لابن حبان[ ج 7 - ص 97 ]
(11) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 122- 131
(12) - الكفاية ( 32 )
(13) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 132- 138
(14) - بأخرَة : بهمزة وخاء ، وراء مفتوحات ، تاء مثناة مربوطة ، ويجوز كسر الخاء أي اختلَّ ضبطه في آخر عمره ، وآخر أمره ، ويقال أيضاً : بآخره بمدِّ الهمزة وكسر الخاء ، وبالتاء المربوطة ، ويقال أيضاً بالهاء ضمير الغائب .
(15) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 139- 145
(16) - التشيع : يطلق على الانتصار لسيدنا علي رضي الله عنه ، من غير انتقاص الشيخين أو عثمان رضي الله عنهم .
(17) - القدرية : هم الذين يقولون : بأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية ، أما القدرية الذين كانوا يقولون إن الأمر أُنف ، وأن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ن فقد انقرضوا ، وانقرض مذهبهم .
(18) - النصْبُ : بفتح النون وسكون الصاد : هو الانحراف عن علي رضي اله عنه ، والنيل منه .
(19) - الإرجاءُ : نوعان : الأول أن الإيمان إقرار باللسان فقط ، ولو مع عدم الإيمان بالقلب ، وأن الكبيرة لا تضرُّ مع الإيمان ، وهذا ضلال ، والاتصاف به جرح شديد .
والثاني : اعتقاد أن الأعمال ليست جزءا من الإيمان ، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وأن أمر المؤمنين يرجأ إلى الله تعالى : فلا نحكم لهم بجنة ولا نار ، وهذا يطبق عليه ما قلناه في رواية المبتدع .
(20) - الجَهْمِيَّةُ : نسبةٌ إلى جهْم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع رأس الجهمية ، يَقُولون : إِنَّ اللّه لا يتَكَلَّم ويقُولون القرآنُ مَخْلُوقٌ " لسان العرب[ ج 1 - ص 351 ]
(21) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 146-150
(22) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 151- 158(1/301)
قولهم : قلما يحتاج إلى فلان في الحديث الذي يحتجُّ به ،فلان فيه شيء ، أو في القلب منه شيء ، أو في القلب منه هاجس ، فلان رديء الحفظ أو سيء الحفظ أو ذو مناكير أو صاحب مناكير ،فلان ليس بمنكر الحديث ولا يحتج به ،ليس بمنكر الحديث يكتب حديثه ، لم يكن البائس ممن يكذب ،فلان لا يستهويه فلان ، أو لا أستحلي حديثه أو كان فلان قليل الميل إليه ، فلان لا ينبسط لحديثه أو لا أنشط لحديثه ، وفلان لا تشبث بحديثه ،لم يشته الناس حديثه ، فلان فيه بعض النظر ، فلان حديثه ليس حديث حافظ ، وفلان ليس بالحافظ يغلط على الثقات ، فلان ينبغي أن يتثبت في أمره ، فلان مجهول في الرواية معروف في النسب ،فلان ليس حديثه بالقائم ، فلان لا يقوى حديثه ، وفلان مختلف عنه في الأسانيد ،فلان لا يقطع به في حديث إذا اختلف أو انفرد ،فلان لم نأخذ منه إلا ما لا نجده عند غيره ،فلان لم يقوِّ أمرَ فلان ، أو ليس لفلان فيه كبير أو رأي ،فلان يوصل الحديث أي يسند المراسيل ، أو يرفع الموقوفات ، فلان محله محل الأعراب ،فلان في حديثه صنعة ،يعني أنه يتصرف فيه ولا يأتي به على وجهه ،فلان في حديثه مناكير ، ويحيل على ما لا يحتمل ، فلان صبي أو طفل اي لم ترسخ قدمه في هذا الشأن ،فلان لا يضبط الإسناد أو لا يقيم الإسناد ،فلان لم يكن يحفظ أو لم يكن له حفظ ،فلان مستضعف أو كان مستضعفا ، سكتوا عنه ،أي من لم يتكلم فيه بجرح ولا تعديل ، خلا كلام البخاري في هذا المصطلح الخاص به ،فلان لا يستقيم حديثه ولا يحتج به ، فلان ليس حديثه نيِّراً ولا يحتج به ، ليس حديثه بالمضيء ،فلان ليس لحديثه رونق ولا ضوء ،فلان ليس ممن يكذَّب بمرة هو وسط ،فلان ليس حديثه بذاك الجائز ، نفق فلان أو نفق حديث فلان ،أي أن الناس أخذوا حديثه وراج بينهم وليس هو بهذه المنزلة ،فلان متماسك أو متماسك الحديث أي ليس بالقوي ولا بالساقط ، بل يكتب حديثه ولا يحتج به ،فلان ثقة شبه الضعيف ، والله أعلم .
المرتبة الثالثة : عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح ضعيف الحديث ، وعند العراقي : ضعيف ومنكر الحديث ، ومضطرب الحديث ، وواهٍ ، وضعفوه ، وعند الحافظ ابن حجر ضعيف ، وعند السخاوي : منكر الحديث ، وحديثه منكر ، وله ما ينكر ، وله مناكير ، وواهٍ ، وضطرب الحديث ، وضعفوه ، وعند السيوطي مضطرب الحديث ولا يحتجُّ به ومجهول ، وفي كلام السخاوي نظر.
ومن ألفاظ هذه المرتبة :
قولهم : فلان لا يترك حديثه ، أو لم يهدر ، أو لا يستحق الترك ، أو ليس حديثه بالمتروك ، أو لا أقدم على تركه ، أو لا أعلم أحدا كفَّ عنه ،فلان يكتب حديثه ولا يحتج به ، فلان يخبط في الإسناد ،فلان ليس بالقوي ، ولا بالمتروك ، أو ليس بالقوي ولا بالساقط ، أو ليس بذاك الساقط ، وإلى الضعف ما هو ، فلان يحتمل حديثه ، أو محتمل حديثه أو يُحمَل حديثه أو تحتمل راياته أو مافي حديثه إلا ما يحتمل ، أو لم أر في حديثه إلا ما يحتمل ،فلان في حديثه خلل كثير أو كثير الخطأ أو كثير الوهم ،فلان قليل الضبط للحديث يهم وهماً ، فلان لا يجوز الاحتجاج به إلا عند الوفاق أي إذا توبع وإلا فهو ضعيف ،فلان مكنز الحديث يهم كثيرا ، أو منكر الحديث مظلم الرواية ، وإن الكثير من أهل العلم على أن من قيل فيه ( منكر الحديث ) فهو ممن يصلح للشواهد والمتابعات ،كما في قول الذهبي والعراقي والسخاوي والسيوطي ، وقد يطلقون النكارة على مجرد التفرد في الأغلب وهذا عند المتقدمين ، وقد تطلق على الجرح ، والقرائن هي التي تحدد قصدهم ،فلان حديثه ليس بالمعروف ،فلان في حديثه وهاء أو في حديثه وهيٌ ، فلان لا تقوم بمثله الحجة ولكن يكتب حديثه ،فلان ضعيف لا يكذب ، وفلان ضعيف أرجو أنه لا يكذب ، فلان ضعيف ما أعلم أنه يكذب ،فلان يهم ولا يعلم ، أو يخطئ ولا يفهم ، فلان لا يعوَّل عليه ، أولا يعتمد عليه أو لا يتكل عليه ، أو ممن لا يحتج بنقله ،فلان يكتب من حديثه الرقاق أو لابأس به في أحاديث الرقاق ، أو يكتب عنه في الفضائل والرقاق ، أو ليس بحجة في الأحكام ، أو ليس بحجة في الأحكام والسنن ، أو اسمعوا منه ماكان في ثواب ، ولا تسمعوا منه ما كان في سنة ، فلان لم يكن نافقاً ، فلان يحدث عنه من لا ينظر في الرجال أو من لا يبصر في الرجال ،فلان ثقيل ، وهذا لضعفه ،فلان أحاديثه ليست نقية ، فلان يكتب حديثه زحفاً أو لا يكتب حديثه إلا زحفاً ، فلان أحاديثه لا تشبه أحاديث الناس ،فلان كأن أحاديثه نسيان أي لكثرة الوهم والمخالفة والاضطراب ،فلان لا يحتج بحديثه ولا يتدين به ،فلان لم يكن من القريتين بعظيم أي ليس بالقوي ،فلان ليس حديثه بمستقيم أي مضطرب ، فلان حديثه أو روايته تدل على ضعفه أو تدل على أنه ضعيف ، فلان ضعيف لم يدفع ، ليس فلان مثل غيره في الضعف ،فلان كان رفاعاً أو كان من الرفاعين يعني يرفع الموقوفات أو يسند المرسلات ،فلان لم يقنع الناس بحديثه ،فلان كتب عنه بعض أصحابنا ،فلان يؤخذ من حيثه المعروف ،فلان ليس به بأس إذا جاءك بشيء تعرفه ،فلان يحمل أحاديثه بعضها بعضاً ،فلان ليس من أهل التثبت في الرواية ولا يحتج به ،فلان من حمالة الحطب يعني ضعيف ، فلان يكتب حديثه على المجاز ،فلان صحفي ، يعني يأخذ حديثه من الصحف ،ونحو ذلك كثير ، والله أعلم .
تنبيه : اعلم أن هذه المرتبة آخر مراتب الشواهد والمتابعات(1)
المرتبة الرابعة : وهي عند الحافظ ابن حجر : مجهول ، هناك خلاف حول المجهول ، وحكم العمل بروايته ، ومتى ترتفع جهالته ؟ ، وعند العراقي : لا شيء ، ضعيف جدا ،واهٍ بمرةٍ ، لايساوي شيئاً ، مطرَّح ، طرح حديثه ، ارمِ به ، ردَّ حديثهُ ، ردُّوا حديثه، مردود الحديث ، مطرح الحديث ، ليس بشيء ، وزاد السخاوي : واهٍ ، تالفٌ ، لا يكتب حديثه ، لا تحلُّ الرواية عنه ،لا يحلُّ كتابة حديثه ، والرواية عنه حرام ، لا يساوي فلساً ، .
فلان مجهول في النسب والرواية ،فلان لين جدا ، أو ضعيف الأمر جدا ، أو نكرة ، أو لا يدرَى من هو ، أو لا يدرَى من ذا ، أو لا يدرَى ما هو ، أو لا يعرف البتة ، أو مجهول جدا ،فلان لا يشتغل بحديثه ، أو لا يشتغل به ، فلان شيخ عامي لا يفهم ولا يقيم الهجاء ،فلان لا وجود له ،فلان قاص أو كان قاصًّا ، أو كان صاحب قصص أو صاحب سمر ،فلان لم يكن أهلاً للحديث ، أو للحديث عنه أو لم يكن في موضع أن يحدَّث عنه ، أو لا نروي عنه شيئاً ، أو مانقدر أن نحدث عنه ، أو منعنا أبو زرعة مثلاً من قراءة حديثه ، أو أهل ألا يروَى عنه ، أو ليس ممن يروَى عنه ، أو نهيَ عن حديثه ، أو صاحب سمر ما ظننت أن أحداً يحدِّثُ عنه ، أو لا ينبغي أن يروَى عنه ، أو لم يكن شيوخنا يحدثون عنه ، أو لايروَى عنه ، لكن قد تقال هذه العبارة لغيرة ذلك ،فلان لا يقيم شيئا من الحديث ، ليس له حديث قائم ،الغالب على حديثه الوهم ، فلان منكر الحديث جدًّا ،فلان ينبغي مجانبة حديثه ، فلان لا شيء خفيف الدماغ ، أو لا يعي ما يخرج من رأسه ،فلان كان يلعب به الصبيان ،فلان أسانيده مثل الريح ، أو هو والريح سواء ، فلان لا يساوي شيئاً ، أو فلس خير منه ، أو لا يساوي فلساً ، أو لا يساوي بعرة ، أو لا يساوي تمرة ، أو لا يساوي نواة في الحديث ، أو ليس يساوي قليلاً ولا كثيراً ، أو لا يساوي دستجة بقل ( حزمة بقل) أو لا يساوي كعباً ، فلان اختلط لا يكاد يقوم ، أو اختلط حتى كان لا يردري ما يقول ، فلان دعنا منه ، أو دعه دعه أو دعه أي ارم به ،فلان لا يدري ما الحديث أو لا يحسن الحديث ،فلان لا أعرف له حديثاً مستقيما ، أو لا أعرف له حديثا صحيحاً ، فلان لا تعجبني الرواية عنه ،فلان طير غريب ،فلان منكر الحديث شبه المتروك ، أو ليس بشيء شبه ، أو شبيه بالمتروك ،فلان يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس ليس بشيء ، رأيتهم يهابون حديث فلان ٍ ،فلان ليس أحد يروي عن ذاك ، فلان لا أرضاه في شيء ،فلان يتلقن كل حديثه ، أو ليس في الحديث شيئاً ، أو كتبت عنه وليس أحدِّثُ عنه ، جفا فلان الحديث لاشتغاله بالعبادة ، فلان ما له وللحديث ،فلان ضعيف الحديث لا يوقف منه على شيء ، فلان ليس في وزن من يشتغل بخطئه ،فلان مظلم الحديث جدًّا ، أو مظلم الرواية بمرة ، فلان لم يقبل الناس حديثه ، أو غير مقبول الحديث ، أو غير مقبول ، فلان ماكان يدري ما هذا الشأن ، ولا كان شأنه ،فلان لا يتابعه إلا من هو مثله أو دونه ، لا يتابعه إلا من هو مثله ، أو قريب منه ، فلان إنما يحدث عنه مجنون أو أحمق ، فلان شغله القرآن أو الغزو عن الحديث ، أو فلان مسلم صاحب غزو ، ولكن لا بد من قرينة توضح مثل هذه العبارة ،فلان أحاديه تشبه أحاديث القصاص ليس لها أصل ،فلان لا يحسن يتكلم أي ليس بشيء ،فلان لا يحفظ وليس عنده كتب ،فلان أحاديثه عامتها أو كلها ضعيفة ، أو ضعيف في كل ما يرويه ، أو كلها أو عامتها فيها نظر ، أو مقلوبة ، أو لا يتابع عليها أو مناكير ، أو غير محفوظة ، ونحو ذلك كثير في كتب الجرح والتعديل ، والله أعلم .(2)
المرتبة الخامسة : عند ابن أبي حاتم : متروك الحديث ، أو ذاهب الحديث ، أو كذاب ، وعند العراقي : متهم بالكذب وهالك ، وليس بثقة ، ولا يعتبر به ، وفيه نظر وسكتوا عنه ، (للبخاري) ومتروك وتركوه ، وذاهب الحديث ، وساقط ، ولا يعتبر بحديثه ، وليس بالثقة ، وليس بثقة ولا مأمون ، متهم بالوضع ، وعند الحافظ ابن حجر : متروك ، متروك الحديث ، وواهي الحديث ، وساقط ، وعند السخاوي : يسرق الحديث ، ومجمع على تركه ، وعلى يدي عدل أي قريب من الهلاك، وقولهم : ليس بثقة فالمتبادر أنها جرح شديد لكن إذا كان هناك ما يشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حملت عليه ،فلان متروك متروك أو متهم بوضع الحديث وتوليد الأخبار ،اأو ليس بثقة في النقل أو لم يكن يوثق به أو لم يكن موثوقاً به في الرواية ، أو ليس بثقة ولا أمين ، أو لم يكن موثوقاً به ، أو لم يكن موثوقاً به في الرواية ، أو ليس بثقة ولا أمين ،فلان هالك من الهلكى ، أو هالك من الهالكين ، فلان قد تركوا حديثه منذ دهر ، أو قد فرغَ منه منذ دهر، فلان سيء السيرة بمرةٍ ، أو لم تكن سيرته محمودة ،فلان أستجير الله أستجير الله اضرب على حديثه ، فلان قد تخلَّى الله منه أو برئ الله منه ، فلان ذاهب الحديث أو ذهب حديثه أو ضعيف ذاهب ،فلان يشبه أن يكون ممن يضع الحديث ، لا يشبه حديثه حديث أهل الصدق ،فلان سخيف سفلة أي ساقط ، ورجل سخيف نزق خفيف العقل ، فلان لا يجوز الاحتجاج به أو لست أستجيز الرواية عنه ،فلان لم يكن له عندي قيمة ، فلان لم يقنع الناس بحديثه ،أي لم يثقوا به ،فلان اتهم في اللقاء أي حدَّث على أقوام لم يلقهم وادعى السماع منهم ، فلان لم تكن له أصول يعوَّل عليها أو مارأيت له أصلاً يفرح به ،فلان كان طفيليا ،فلان متهم بالكذب في لهجته ، فلان يكذب في كلام الناس أ ويكذب في غير الرواية ،فلان استقر الإجماع على وهنه ،أتى بخبر باطل فاتهم به ،فلان أحاديثه مناكير بأسانيد واضحة ،فلان ما أحسن تفسيره لو كان ثقة ،فلان ليس بثقة ولا أمين أو ولا مأمون أو ليس عندنا من أهل الثقة ،فلان لا يحتج به بحال أو يجب مجانبة حديثه على الأحوال ،فلان ليس بحجة لا في الأحكام ولا في غيرها ،فلان نبذوا حديثه ،فلان مهجور أي متروك ،فلان يستحق التنكب عن رواياته أو يستحق الترك أو سبيله سبيل الترك ،فلان الضعف على حديثه بيِّنٌ أو بيِّنُ الأمر في الضعفاء أو بيِّنُ الأمر بالضعف أو بيِّنُ جدًّا في الضعف أو الضعف لا ئح على حديثه ،ضعيف الحديث بيِّنُ الضعف ،فلان كان أضعفنا طلبا وأكثرنا غرائب ،هذا رجل قد كفانا مؤنته أو كفانا مؤنته ومؤنة البحث عن حاله ، فلان حديثه يدلُّكَ عليه أي لكثرة تخاليطه ومناكيره ،تركَ حديثُ فلان فلا ينبعث ،أجر على حديث فلان أو اضرب على حديث فلان بستة أقلام ،فلان ما فيه خير ، ونحو ذلك كثير . والله أعلم(3).
المرتبة السادسة : وهذه المرتبة أردأ مراتب التجريح وأهلها لا خير فيهم والعياذ بالله ، فعند الحافظ العراقي : وضاع ودجال ويضع ، وعند الحافظ ابن حجر : أكذب الناس وإليه المنتهى في الوضع ، وركن من أركان الكذب ، وعند السيوطي : يكذب ووضع حديثاً ويضع .
وهناك ألفاظ من هذا القبيل : فلان كذبه أحمد مثلاً فلا يفرح به ، فلان أفاك ،فلان من إفكه كذا ، فلان وضع على الأثبات ما لا يحصى ، وفلان كان يضع أحاديث من عند نفسه ، وفلان مشهور بالوضع ، وفلان أكذب البرية ،فلان كذوب أو كذاب خبيث أو كان عامة الليل يضع الحديث ، او كذابو زماننا أربعة مثلاً منهم فلان ، أو يضرب المثل بكذبه أو كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو ما رأيت أكذب من ذي شفتين منه ،فلان معدن الكذب أو من معادن الكذب أو منبع الكذب أو كذاب مكذَبٌ ، أو كذاب والع بالوضع ، أو كذاب له طامات ،هذه سلسلة الكذب ، أو فلان يركب الأسانيد ، أو يقلب الأسانيد عمدا أو ملحد كذاب ،فلان كذاب عدو لله رجل سوء خبيث ، وكل عبارة تدلُّ على الكذب أو الوضع او الاختلاق ونحو ذلك ، وهي كثيرة جدًّا ، وهذه المرتبة واضحة منضبطة تماما ، والله أعلم
ومن روى شيئاً منها من غير بيان فهو داخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ »(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 170- 187
(2) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 188- 212
(3) - انظر شفاء العليل بالفاظ الجرح والتعديل ص 213- 259
(4) - مسلم (1)(1/302)
رابعا- أيُّ المراتب يُحتَجَُّ بهِا ؟
أما المرتبة الأولى من مراتب التعديل : فأحاديث أهلها من أعلى درجات الصحيح ، والألفاظ الملحقة بها كذلك ،وأما الألفاظ المحتملة والألفاظ التي تدلُّ على الحفظ والفهم أو الاجتهاد في الطلب ، وكثرة الروايات أو الفقه وتمام العقل أو العبادة أو غير ذلك ، فتحتاج إلى بيان ، ومعرفة المقصود بها ، ليصار إلى الحكم عليها .
وأما المرتبة الثانية : فأحاديث أهلها على الصحَّة أيضاً ، لكن إذا خالفوا أهل المرتبة الأولى فالقول قول أصحاب المرتبة الأولى .
وأما المرتبة الثالثة : فحكم أهلها أن حديثهم حسن لذاته يحتجُّ به بمفرده ، بلا خلاف .
وأما المرتبة الرابعة : فالراجح عندي أنهم كالثالثة ، حديثهم حسن لذاته كذلك ، ويحتج بهم ، ولكن عند المعارضة بالطبقة التي قبلهم نرجِّح التي قبلها ، وهذا هو الذي جرى عليه العمل عند أئمة الجرح والتعديل .
وأما المرتبة الخامسة : فكذلك يحتج بها إذا لم يوجد في الباب ما هو أقوى من حديثهم ، أو لم يخالفوا ، وسنزيد هذا بحثا في كلامنا على مصطلحات التقريب .
قلت : الصحيح أنه يحتج بكل هذه المراتب ، وحديثهم يكون بين الصحيح والحسن ، وليس ضعيفاً كما يفهم من قول الكثيرين ، وإنما الذي يسبر حديثه من قيل فيه صدوق يهم - صدوق يخطئ ، صدوق اختلط ، صدوق سيء الحفظ ونحوهم ، حيث نستبعد ما أخطؤوا فيه ليس إلا ،والباقي فحديثهم حسن على الصحيح الذي جرى عليه العمل في علم الجرح والتعديل وتطبيقاته .
وأما أحاديث المرتبة الأولى والثانية والثالثة من مراتب التجريح : فإنها تصلح للشواهد والمتابعات ، ولا يقوم بأهلها حجَّة بمفردهم .
قلت : قد احتج كثير من الأئمة بالحديث الضعيف ضعفاً يسيراً ، و الذي لا يوجد في الباب أقوى منه كالحنفية والحنابلة ، وقد احتج به جمهور أهل العلم من السلف والخلف ، بفضائل الأعمال والترغيب والترهيب إذا لم يكن شديد الضعف ولا يعارض ما هو أقوى منه وأن يندرج تحت أصل عام ، وقد مرَّ البحث عند حكم العمل بالحديث الضعيف .
مع العلم أن كل مرتبة من هذه المراتب أعلى من أختها على حسب هذا الترتيب ، والفرق يتضح عند الترجيح فيقدَّم قول الأعلى على الأدنى .
وأما المرتبة الرابعة من مراتب التجريح : فحديث أهلها مرود لا لكذب فيهم ، ولكن لكثرة أوهامهم وغفلتهم وفحش تخليطهم في الروايات .
وأما المستور ففيه خلاف كبير، والراجح قبول خبره بشروط ذكرتها في بحث المستور ،
وأما المرتبة الخامسة من مراتب التجريح : فحديث أهلها متروك وهم على أقسام ، فمنهم من فحش خطؤه ، ومنهم من فحشت مقالته وبدعته ، وكان من الداعين إليها ، ومنهم من عرف بالفسق والفجور كشرب الخمر وقتل النفوس وقذف المحصنات والكذب في حديث الناس ، ومنهم من اتهم بسرقة الحديث النبوي .
وأما المرتبة السادسة : فهي أفحش هذه المراتب جرحاً وأهلها أهل الكذب والدجل والوضع والافتراء .
ـــــــــــــــ(1/303)
الفصل الرابع
منهجُ الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه التقريب ، ومناقشته
هو اختصار لكتابه القيم تهذيب التهذيب : وهو بنفس ترتيبه ، وفيه اسم صاحب الترجمة ، والحكم عليه جرحاً وتعديلاً ، وذكر طبقته ، ومتى توفي .
ومن المعلوم أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - من أهل الاستقراء التام في علم الحديث ، على وجه الخصوص علم الرجال ، لأن هذا العلم هو أول العلوم الحديثية التي قرأها ودرسها ،إذ عانها وهو لا يزال في المكتب ، وعلى وجه التحديد سنة (786 هـ) وعمره لم يتجاوز الثلاثة عشر عاماً .
قال السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر : " إنه حبب إليه النظر في التواريخ وأيام الناس ، حتى إنه كان يستأجرها ممن هي عنده ، فعلق بذهنه الصافي الرائق شيء كثير من أحوال الرواة ، وكان ذلك بإشارة من أهل الخير . "(1)
ولقد كان للتقريب مكانة خاصة عند ابن حجر ، إذ بقي الكتاب بين يديه طيلة (23) عاماً ، يضيف إليه ، ويحذف منه ، ويعدِّلُ فيه ، ويعيد ضبط ما ضبطه قبل أو بضبط ما لم يضبطه ...
وهكذا نرى أن ( التقريب ) هو خلاصة ما توصل إليه الحافظ ابن حجر من أحكام على رواة الكتب الستة وما ألحق بها ، وعصارة فكر متواصل البحث والدراسة والتحقيق والتحرير مدة زادت على الستين عاماً من حياة عالم موسوعيٍّ ويقظٍ ذكيٍّ .
ــــــــــــــ
المطلب الأول
نقل نص المقدمة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة التقريب:
"الحمد لله الذي رفع بعض خلقه على بعض درجات، وميز بين الخبيث والطيب بالدلائل [المحكمات] والسمات، وتفرد بالملك فإليه منتهى الطلبات والرغبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات، الناقد البصير لأخفى الخفيات، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يخفى عنه مقدار ذلك في الأرض والسموات.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالآيات البينات، والحجج النيرات، الآمر بتنزيل الناس ما يليق بهم من المنازل والمقامات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الأنجاب الكرماء الثقات.
أما بعد: فإنني لما فرغت من تهذيب (تهذيب الكمال) في أسماء الرجال، الذي جمعت فيه مقصود (التهذيب) لحافظ عصره أبي الحجاج المزي، من تمييز أحوال الرواة المذكورين فيه، وضممت إليه مقصود (إكماله) للعلامة علاء الدين مغلطاي، مقتصراً منه على ما اعتبرته عليه، وصححته من مظانه، من بيان أحوالهم أيضاً، وزدت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما، ويستغرب خفاؤه عليهما: وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعاً حسناً عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل، (والثلث كثير).
فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة، فلم أوثر ذلك، لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته، على وجه يحصل مقصوده بالإفادة، ويتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة، وهي:
أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة، وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسه.
وباعتبار ما ذكرت انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة
فأما المراتب:
فأولها : الصحابة: فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية : من أُكد مدحه : إما : بأفعل : كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً: كثقة ثقة، أو معنى : كثقة حافظ .
الثالثة: من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثَبْت، أو عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة: بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس.
الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، كالتشيع والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم، مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
السابعة : من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال.
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف.
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مجهول.
العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة: بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع.
وأما الطبقات:
فالأولى : الصحابة، على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره.
الثانية: طبقة كبار التابعين، كابن المسيب، فإن كان مخضرماً صرحت بذلك.
الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين.
الرابعة: طبقة تليها: جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة.
الخامسة : الطبعة الصغرى منهم، الذين رأوا الواحد والاثنين، ولم يثبت لبعضهم السَّماع من الصحابة، كالأعمش.
السادسة: طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج.
السابعة: طبقة كبار أتباع التابعين، كمالك والثوري.
الثامنة: الطبقة الوسطى منهم، كابن عيينة وابن علية.
التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين: كيزيد بن هارون، والشافعي، وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق.
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التباعين، كأحمد بن حنبل.
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك، كالذهلي والبخاري.
الطبقة الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع، كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة، الذين تأخرت وفاتهم قليلاً، كبعض شيوخ النسائي.
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته.
وقد اكتفيت بالرقم على أول اسم كل راوٍ، إشارة إلى من أخرج حديثه من الأئمة.
فالبخاري في صحيحه (خ) ، فإن كان حديثه عنده معلقاً (خت) ، وللبخاري في الأدب المفرد (بخ) ، وفي خلق أفعال العباد (عخ) ، وفي جزء القراءة (ر) ، وفي رفع اليدين(ي) ،ولمسلم(م) .[ولمقدمة صحيحه مق]،ولأبي داود (د) ، وفي المراسيل له (مد) ، وفي فضائل الأنصار (صد) ، وفي الناسخ (خد) ، وفي القدر (قد) ، وفي التفرد (ف) ، وفي المسائل (ل) ، وفي مسند مالك(كد) ،وللترمذي (ت) ، وفي الشمائل له(تم) ،وللنسائي (س) ، وفي مسند علي له (عس) ، وفي مسند مالك(كن) .[ وفي كتاب العمل اليوم والليلة(سي)، وفي خصائص علي (ص)]،ولابن ماجه (ق) ، وفي التفسير له(فق) .
فإن كان حديث الرجل في أحد الأصول الستة، أكتفي برقمه، ولو أخرج له في غيرها.وإذا اجتمعت فالرقم (ع) ، وأما علامة (4) فهي لهم سوى الشيخين.
ومن ليست له عندهم رواية مرقوم عليه: (تمييز) ، إشارة إلى أنه ذكر ليتميز عن غيره.
ومن ليست عليه علامة نبه عليه، وترجم قبل أو بعد وسميته (تقريب التهذيب)
والله سبحانه وتعالى أسأل أن ينفع به قارئه وكاتبه والناظر فيه، وأن يبلغنا من فضله وإحسانه ما نؤمله ونرتجيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، لا إله إلا هو، عليه توكلت وإليه أنيب.اهـ(2).
والحافظ ابن حجر رحمه الله من المعتدلين في الجرح والتعديل بشكل عام ، وخاتمة الحفاظ ـ فغدا كتابه هذا مرجعاً لكلِّ من جاء بعده .
ومعلومٌ أن الجرح والتعديل من أدقِّ علوم الحديث ، وهناك اختلاف كبير فيه ، وغالبه قائم على الاجتهاد وغلبة الظنِّ ، وليس على القطع واليقين ، والحافظ ابن حجر رحمه الله له باع طويل في الجرح والتعديل ، وقد كتب في كل الرجال تقريبا ، كما في التقريب والتعجيل واللسان .
ونلاحظ على هذه العبارات الاختصار الشديد ، كما أنه لم يذكر شيوخ الراوي أو طلابه ، ولكنه استغنى عن ذلك بذكر طبقته ، ومع هذا فلا تغني الطبقة عن ذكر أهم مشايخه وطلابه في كثير من الأحيان ، بسبب الاشتباه في الأسماء أو الطبقات.
وقد التزم الحافظ ابن حجر ( رحمه الله ) بهذه التفاصيل التي ذكرها من حيث المبدأ.
ــــــــــــــ
المطلب الثاني
أمثلة من كتاب التقريب
وهذه أمثلة من كتابه ( التقريب ) حسب ما ورد في ترقيم الكتاب :
(1) أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي ، نزيل بغداد ، صدوق ، من العاشرة مات سنة 36 اهـ أي 236 ، دفق .
(3) أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدّورقي النُّكري : البغدادي ، ثقة حافظ ، من العاشرة ، مات سنة (246) م د ت ق .
(5) أحمد بن الأزهر بن منيع أبو الأزهر العبدي النيسابوري ، صدوق كان يحفظ ، ثم كبر فصار كتابه أثبت من حفظه ، من الحادية عشرة مات سنة (263) س ق.
6- أحمد بن إسحاق ابن الحصين ابن جابر السلمي أبو إسحاق السرماري بضم المهملة وبفتحها وحكي كسرها وإسكان الراء صدوق من الحادية عشرة مات سنة اثنتين وأربعين خ
7- أحمد بن إسحاق ابن زيد ابن عبدالله ابن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ثقة كان يحفظ من التاسعة مات سنة إحدى عشرة م د ت س
8- أحمد بن إسحاق ابن عيسى الأهوازي البزاز صاحب السلعة أبو إسحاق صدوق من الحادية عشرة مات سنة خمسين د
9- أحمد بن إسماعيل ابن محمد السهمي أبو حذافة سماعه للموطأ صحيح وخلط في غيره من العاشرة مات سنة تسع وخمسين ق
10- أحمد بن إشكاب الحضرمي أبو عبد الله الصفار واسم إشكاب مجمع وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة سبع عشرة أو بعدها خ
11- أحمد بن أيوب ابن راشد الضبي الشعيري بفتح المعجمة أبو الحسن مقبول من العاشرة بخ
12- أحمد بن بديل بن قريش أبو جعفر اليامي بالتحتانية قاضي الكوفة صدوق له أوهام من العاشرة مات سنة ثمان وخمسين ت ق
ونلاحظ عليها جميعاً الإيجاز ، والدقة .
فقد ذكر اسم الراوي كاملاً ، وبلده ، وصفته التي تميزه عن غيره ،وحكمه فيه جرحاً وتعديلاً ، و طبقته ، ومتى توفي ، ومن أخرج له من أصحاب الكتب الستة
وقال الذهبي عنهم في الكاشف :
1- أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهما وعنه أبو داود والبغوي وأبو يعلى وخلق وثق مات 236 د
2- أحمد بن إبراهيم البغدادي الدورقي الحافظ عن هشيم ويزيد بن زريع والناس وعنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وحاجب بن أركين وخلق وله تصانيف توفي 246 م د ت ق
3- أحمد بن إبراهيم أبو عبدالملك البسري الدمشقي عن أبي الجماهر ومحمد بن عائذ وخلق وعنه النسائي وابن أبي العقب والطبراني وطائفة صدوق توفي 289 س
4- أحمد بن الأزهر بن منيع أبو الأزهر العبدي مولاهم النيسابوري الحافظ عن ابن نمير وأبي ضمرة و عبد الرزاق وخلق وعنه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابنا الشرقي وخلق صدوق قاله أبو حاتم وجزرة مات 261 س ق
5- أحمد بن إسحاق السلمي السرماري البخاري من يضرب بشجاعته المثل قتل ألفا من الترك سمع يعلى بن عبيد وطبقته وعنه البخاري وأهل بلده توفي 242 خ
6- أحمد بن إسحاق الحضرمي البصري أخو يعقوب ثقة سمع عكرمة بن عمار وهماما وعنه أبو خيثمة وعبد والصاغاني وآخرون توفي 211 م د ت س
7- أحمد بن إسحاق الأهوازي البزاز عن أبي أحمد الزبيري وعدة وعنه أبو داود وابن جرير وطائفة صدوق مات 25 د
8- أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي المدني، آخر أصحاب مالك وسمع الزنجي وإبراهيم بن سعد وطبقتهم وعنه ابن ماجة والمحاملي وابن مخلد، ضعِّف توفي 259 ق
9- أحمد بن إشكاب الكوفي الصفار نزل مصر عن شريك وطائفة وعنه البخاري والصاغاني وبكر بن سهل وكان حجة مكثرا مات 217 أو في 218 خ
10- أحمد بن بديل أبو جعفر اليامي قاضي الكوفة ثم همذان سمع أبا بكر ابن عياش وحفص بن غياث وعدة وعنه الترمذي وابن ماجة وابن صاعد وابن عيسى الوزير وخلق قال النسائي لا بأس به ولينه بن عدي والدارقطني وكان عابدا توفي 258 ت ق
فالذهبي يذكر اسم الراوي كاملا ، وكنيته ، وصفته ، وبلده ، ويذكر أهم من سمع منهم ، وأهم من روى عنه، وقد يذكر رأيه صريحاً في الراوي جرحا وتعديلاً ، وقد يذكر رأي غيره ، ويسكت عليه دةن ترجيح، وقد يذكر رأيه في الراوي ، ثم يبين أن فيه خلافاً ، فيذكر بعض من ضعَّفه ،وقد لا يذكر فيه شيئاً من الجرح والتعديل، ويذكر بعض صفاته الخاصة ، ومتى توفي ، ومن أخرج له من الأئمة الستة .
ــــــــــــــ
الكلام على مراتب الرواة عند الحافظ ابن حجر
المرتبة الأولى
الصحابة رضي الله عنهم
الصحابة رضوان الله عليهم هم خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نشر الدعوة وحمل أعبائها، ومن ثم لم يقع خلاف "بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوكد علم الخاصة، وأرفع علم الخبر، وبه ساد أهل السير(3)
1 - تعريف الصحابي:
أ ) لغة: الصحابة لغة مصدر بمعنى " الصحبة " ومنه " الصحابي " و " الصاحب ويجمع على أصحاب وصَحْب ، وكثر استعمال " الصحابة " بمعنى "الأصحاب" . وأصل الصحبة في اللغة يطلق على مجرد الصحبة، دون اشتراط استمرارها طويلا، وعلى ذلك درج المحدثون.
ب) اصطلاحاً: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلماً ومات على الإسلام ، ولو تخللت ذلك ردة على الأصح .
قال العراقي(4): " وقد اخْتُلِفَ في حدِّ الصحابيِّ مَنْ هو ؟ على أقوالٍ :
أحدُها : وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في حالِ إسلامهِ .
والقول الثاني : أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ .
والقولُ الثالثُ : وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو سنتينِ ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ .
والقولُ الرابعُ : أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ .
والقولُ الخامسُ: أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً .
والقول السادس : أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو مسلمٌ ، وإنْ لم يرَهُ .
تعرف الصحبة بما يلي :
= إمَّا بالتواترِ ، كأبي بكرٍ ، وعمرَ ، وبقيةِ العشرةِ في خَلْقٍ منهم ،
= وإمَّا بالاستفاضةِ والشهرةِ القاصرةِ عنِ التواترِ ، كعُكَاشَةَ بنِ مِحْصنٍ ، وضِمَامِ بنِ ثعلبةَ ، وغيرِهما .
=وإمَّا بإخبارِ بعضِ الصحابةِ عنهُ أَنَّهُ صحابيٌّ ، كحُمَمَةَ بنِ أبي حُمَمَةَ الدَّوسِيِّ ، الذي ماتَ بأصبهانَ مبطوناً ، فشهدَ لهُ أبو موسى الأشعريُّ أنَّهُ سمِعَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وحكمَ لهُ بالشهادةِ ذكرَ ذلكَ أبو نُعَيْمٍ في "تاريخِ أصبهان"(5).
وقال الخطيب في الكفاية : بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْدِيلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلصَّحَابَةِ , وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُمْ , وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَنْ دُونَهُمْ كُلُّ حَدِيثٍ اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , لَمْ يَلْزَمِ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رِجَالِهِ , وَيَجِبُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ , سِوَى الصَّحَابِيِّ الَّذِي رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , لِأَنَّ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ ثَابِتَةٌ مَعْلُومَةٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ لَهُمْ وَإِخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَتِهِمْ , وَاخْتِيَارِهِ لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , وَقَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا , وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَالْمُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ , وَقِيلَ : وَهُوَ وَارِدٌ فِي الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ , وَقَوْلُهُ : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا , وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحسان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ , وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ , وَقَوْلُهُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ , وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قِبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ , فِي آيَاتٍ يَكْثُرُ إِيرَادُهَا وَيَطُولُ تَعْدَادُهَا , وَوَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّحَابَةَ مِثْلَ ذَلِكَ , وَأَطْنَبَ فِي تَعْظِيمِهِمْ , وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ , فَمِنَ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى "
ومذهب أهل السنة والجماعة فيهم وسط بين طرفيها الإفراط والتفريط، وسط بين المفرطين الغالين، الذين يرفعون من يعظمون منهم إلى ما لا يليق إلا بالله أو برسله، وبين المفرِّطين الجافين الذين ينقصونهم ويسبونهم، فهم وسط بين الغلاة والجفاة، يحبونهم جميعا وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم وقلوبهم عامرة بحبهم وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون إما مصيبون فلهم أجر الاجتهاد والإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا معصومين بل هم بشر يصيبون ويخطئون ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم ولهم من الله المغفرة والرضوان، وكتب أهل السنة مملوءة ببيان هذه العقيدة الصافية النقية في حق هؤلاء الصفوة المختارة من البشر لصحبة خير البشر - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم أجمعين .
2-أمثلة مما ورد في التقريب عن هذه المرتبة
لقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله الصحابة الذين ورد ذكرهم في الكتب الستة ، ولكنهم أقسام :
قسم متفق على صحبته
وقسم مختلف في صحبته
وقسم مخضرمين
وقسم ذكروا في الصحابة خطأ
وسوف نذكر أمثلة عن كل قسم ، وما يتعلق به
أولا- المتفق على صحبته :
(131) آبِي اللَّحْمِ بالمد بلفظ اسم الفاعل من الإباء صحابي غفاري يقال إن اسمه خلف وقيل غير ذلك استشهد بحنين ت س
الكاشف (232) آبة اللحم الغفاري له صحبة وعنه مولاه عمير في الاستسقاء قتل يوم حنين ت س
(282) أُبَيِّ بنِ عُمَارَةَ بكسر العين على الأصح مدني سكن مصر له صحبة وفي إسناد حديثه اضطراب د ق
الكاشف(230) أبي بن عمارة له صحبة وله حديث في المسح وعنه عبادة بن نسي وأيوب بن قطن د ق
( 283) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء ويكنى أبا الطفيل أيضا من فضلاء الصحابة اختلف في سنة موته اختلافا كثيرا قيل سنة تسع عشرة وقيل سنة اثنتين وثلاثين وقيل غير ذلك ع
الكاشف(231) أبي بن كعب بدرسيد القراء عنه أنس وسهل بن سعد وأبو العالية وخلق في موته أقوال ع
وهناك ملاحظة هامة ، فمن كانت صحبته ثابتة بلا ريب قالا عنه ( صحابي ) ، وإنما كانت غير مشهورة ، قالا عنه ( له صحبة )
وهناك بعض الصحابة تكلم فيهم بعض أئمة الجرح والتعديل ، ومع ذلك لم يعوِّل الحافظان على كلامهم فيهم ، مثل بسر بن أبي أرطأة
ففي التقريب( 663) بسر بن أرطاة ويقال ابن أبي أرطاة واسمه عمر [عمير] ابن عويمر ابن عمران القرشي العامري نزيل الشام من صغار الصحابة مات سنة ست وثمانين د ت س
الكاشف(558) بسر بن أرطاة أو ابن أبي أرطاة العامري صحابي له حديثان عنه جنادة بن أبي أمية
فقد تكلم فيه ابن معين ، وذلك لأنه نسب له أعمال سيئة في اليمن وفي المدينة المنورة أثناء الفتنة, والصواب أن هذه الأعمال لم يثبت منها شيء ، ومن حدث بها إما من لم يلقه ، أو ساقط الرواية ، ولا يجوز الاتهام بلا برهان واضح ، والصواب أنه من الصحابة المفترى عليهم ، وقد أجمعوا على عدالة الصحابة من لازم الفتنة ومن لم يلازمها .
وما فعله الحافظان الجليلان هنا هو الصواب الذي لا محيد عنه .
ثانيا-المختلف في صحبته :
(590) إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين الدوسي نزيل مكة مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين د س ق
الكاشف(500) إياس بن عبدالله بن أبي ذباب الدوسي مختلف في صحبته عنه ولد لابن عمر د س ق
(840) ثعلبة بن زهدم الحنظلي حديثه في الكوفيين مختلف في صحبته وقال العجلي تابعي ثقة د س
الكاشف(705) ثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته عنه الأسود بن هلال د س
(842) ثعلبة بن صعير أو ابن أبي صعير بمهملتين مصغر العذري بضم المهملة وسكون المعجمة ويقال ثعلبة ابن عبدالله ابن صعير ويقال عبدالله ابن ثعلبة ابن صعير مختلف في صحبته د
الكاشف(707) ثعلبة بن صعير أو بن أبي صعير له صحبة عنه ابنه عبد الله د
(
__________
(1) - انظر منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها د- وليد العاني رحمه الله ص 22
(2) - انظر التقريب 1/73-76 طبعة دار الرشيد بحلب الطبعة الأولى 1406هـ تحقيق محمد عوامة
(3) - الاستيعاب في أسماء الأصحاب: 1: 8.
(4) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 204)
(5) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (2113)(1/304)
845) ثعلبة بن أبي مالك القرظي حليف الأنصار أبو مالك ويقال أبو يحيى المدني مختلف في صحبته وقال العجلي تابعي ثقة خ د ق
وكل من اختلفوا في صحبته ، فهو ثقة لا يسأل عنه ،ففي المستدرك للحاكم (6893) عَنْ أَبِي بَقَّالٍ الْمُرِّيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَبَاحَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، يَقُولُ : حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : لاَ صَلاةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِي ، وَلا يُحِبُّ الأَنْصَارَ" .
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 43)(197)عَنْ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى جَدَّتِى عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَلاَ يُؤْمِنُ بِى مَنْ لاَ يُحِبَّ الأَنْصَارَ ». أَبُو ثِفَالٍ الْمُرِّىِّ يُقَالَ اسْمُهُ ثُمَامَةُ بْنُ وَائِلٍ ، وَقِيلَ ثُمَامَةُ بْنُ حُصَيْنٍ ، وَجَدَّةُ رَبَاحٍ هِىَ أَسْمَاءُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير معلقا :" قال ابْنُ الْقَطَّانِ : إنَّ جَدَّةَ رَبَاحٍ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ اسْمُهَا ، وَلَا حَالُهَا "كَذَا قَالَ ،فَأَمَّا هِيَ فَقَدْ عُرِفَ اسْمُهَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مُصَرِّحًا بِاسْمِهَا ،وَأَمَّا حَالُهَا فَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الصَّحَابَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا صُحْبَةٌ فَمِثْلُهَا لَا يُسْأَلُ عَنْ حَالِهَا "(1).
ثالثاً- المخضرمون :
قال النووي في التقريب : "ومن التابعين المخضرمون، واحدهم مخضرم " بفتح الراء " وهو الذي أدرك الجاهلية وزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره وأسلم بعده، وعدهم مسلم عشرين نفساً، وهم أكثر"(2).
وهذه أمثلة منهم :
(286)- أحزاب بن أسيد بفتح أوله على المشهور يكنى أبا رهم بضم الراء السمعي بفتح المهملة والميم مختلف في صحبته والصحيح أنه مخضرم ثقة د س ق
الكاشف (235) أحزاب أبورهم السماعي والسمعي بفتحتين والسمعي بالكسر والسكون مختلف في صحبته وله عن أبي أيوب والعرباض وعنه أبو الخير مرثد وجماعة د س ق
(288) الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبو بحر اسمه الضحاك وقيل صخر مخضرم ثقة [من الثانية] قيل مات سنة سبع وستين وقيل اثنتين وسبعين ع
الكاشف (237) الأحنف بن قيس أبو بحر التميمي عن عمر وعثمان وعلي وعنه الحسن وحميد بن هلال وجماعة وكان سيدا نبيلا توفي سنة 67 وقيل 72 ع
قلت : نلاحظ أن الحافظ ابن حجر قد ضبط هذه المرتبة ضبطاً محكما ، فقد نصَّ على أنهم مخضرمون، ونص على ثقتهم ، والذهبي لم يذكر شيئا من ذلك سوى النص على ثقة واحد منهم ، وهنا يتميز التقريب على الكاشف .
خامسا- الذين ذكروا في الصحابة خطأ :
وهناك رواة أخطأ بعض من كتب في الصحابة ، فعدهم في الصحابة ، فنبه الحافظ ابن حجر رحمه الله ذلك ، وهذه بعض الأمثلة مع المقارنة :
(1022) الحارث بن زياد الشامي لين الحديث من الرابعة وأخطأ من زعم أن له صحبة د س
الكاشف (853) الحارث بن زياد عن أبي رهم السماعي وعنه يوسف بن سيف د س
(1073) حبان بن زيد الشرعبي بفتح المعجمة ثم راء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم موحدة أبو خداش بكسر المعجمة وآخره معجمة ثقة من الثالثة أخطأ من زعم أن له صحبة بخ
الكاشف (895) حبان بن زيد الشرعبي عن عبد الله بن عمرو وعنه حريز بن عثمان شيخ د
نلاحظ أن الحافظ ابن حجر قد ضبط هذا النوع ضبطا دقيقاً ، بعكس الحافظ الذهبي ، وقد نص الحافظ ابن حجر على حكمهم جميعاً ، بينما الذهبي سكت على الأكثر ، وقال عن حبان بن زيد ( شيخ) وهي لفظة تعديل ولكنها في آخر السلَّم ، بينما قال عنه الحافظ ابن حجر ( ثقة) وشتان ما بين العبارتين والمرتبتين .
وفي تهذيب التهذيب، قلت: وذكره ابن حبان في الثقات وقد تقدم أن أبا داود قال:" شيوخ حريز كلهم ثقات"(3).
قلت : ولهذا السبب حكم الحافظ ابن حجر بثقته .
وهذا يبين أيضاً أن قاعدة لا ترتفع جهالة الراوي إلا برواية ثقتين عنه مختلف فيها ، وكذلك مختلف في حكم مجهول العين ، فهذا الراوي لم يرو عنه سوى حريز ، فهو على قاعدتهم مجهول العين ، ومع هذا رفعت جهالته ، بل ووثقه الحافظ ابن حجر ، وذلك لأن الراوي عنه حريز لا يروي إلا عن الثقات ، ومن ثم فروايته عنه أغنت عن الراوي الثاني وعن الحكم عليه.
ــــــــــــــ
المرتبة الثانية
من أُكد مدحه بأكثر من عبارة
وهي قول الحافظ رحمه الله :" من أُكد مدحه : إما : بأفعل : كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً: كثقة ثقة، أو معنى : كثقة حافظ" .
وهي أعلى مرتبة من مراتب التعديل بلا خلاف ، وعدد من قيل فيهم كذلك ليس بالكثير ، وأحاديثهم هي أصح الأحاديث كذلك .
أمثلة لهذه المرتبة مع المقارنة بالتهذيب أصل الكتاب :
أما عبارة ( أوثق الناس ) فلم أجد راويا في التقريب قيل عنه ذلك، والذين ذكروا في تهذيب التهذيب هم :
إبراهيم بن ميسرة :
وفي التهذيب : " قال البخاري عن علي له نحو ستين حديثا وأكثر، وقال الحميدي عن سفيان أخبرني إبراهيم بن ميسرة من لم تر عيناك والله مثله ،وقال حامد البلخي عن سفيان كان من أوثق الناس وأصدقهم، وقال أحمد ويحيى والعجلي والنسائي ثقة وقال ابن سعد مات في خلافة مروأن ابن محمد، وقال البخاري مات قريبا من سنة 132 قلت : بقية كلام ابن سعد وكان ثقة كثير الحديث، وقال ابن المديني قلت لسفيان أين كان حفظ إبراهيم بن طاوس من حفظ ابن طاوس، قال: لو شئت أن أقول لك إني أقدِّمُ إبراهيم عليه في الحفظ لقلت، وقال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات."(4).
وفي تقريب التهذيب (260) إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ من الخامسة مات سنة اثنتين وثلاثين ع
وفي الكاشف (212) إبراهيم بن ميسرة المكي عن أنس وابن المسيب وخلق وعنه شعبة والسفيانان له ستون حديثا قال الحميدي قال لي سفيان: لم تر عيناك مثله ع
وأما الذين قال عنهم ثقة ثقة فهم :
تقريب التهذيب (2066) زياد بن حسان ابن قرة الباهلي المعروف بالأعلم ثقة ثقة قاله أحمد من الخامسة خ د س
تقريب التهذيب (2608) سليمان ابن أبي مسلم المكي الأحول خال ابن أبي نجيح قيل اسم أبيه عبد الله ثقة ثقة قاله أحمد من الخامسة ع ......
وفي قوله ثقة حافظ ،فقد ذكر في هذه المرتبة (126) مائة وستة وعشرين راوياً .
أمثلة :
(3) أحمد بن إبراهيم ابن كثير بن زيد الدورقي النكري بضم النون البغدادي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة ست وأربعين م د ت ق
(10) أحمد بن إشكاب الحضرمي أبو عبدالله الصفار واسم إشكاب مجمع وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة سبع عشرة أو بعدها خ
(25) أحمد بن الحسن بن جنيدب بالجيم والنون مصغر الترمذي أبو الحسن ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة خمسين تقريبا خ ت
وقوله ثقة ثبت في (137) راوياً، وهذه أمثلة منهم :
( 182) إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل من الثامنة ت ق
( 384) إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة إحدى وخمسين خ م ت س ق
( 425) إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد ابن العاص ابن سعيد ابن العاص ابن أمية الأموي ثقة ثبت من السادسة مات سنة أربع وأربعين وقيل قبلها ع
قلت : وهؤلاء الرواة قد اتفق العلماء على عدالتهم ، فقد بلغوا الذروة العليا في التعديل.
وهناك عبارات أخرى في هذه المرتبة استخدمها الحافظ ابن حجر لبعض الرواة ، وهذه أهمها :
أعلى عبارة وردت للحافظ ابن حجر رحمه الله في التزكية عن الإمام البخاري رحمه الله :
ففي التقريب ( 5727) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث من الحادية عشرة مات سنة ست وخمسين في شوال وله اثنتان وستون سنة ت س
وقال عن الإمام مالك (6425) مالك بن أنس ابن مالك بن أبي عامر ابن عمرو الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر من السابعة مات سنة تسع وسبعين وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وقال الواقدي بلغ تسعين سنة ع
وقال عن الإمام الشافعي (5717) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب المطلبي أبو عبد الله الشافعي المكي نزيل مصر رأس الطبقة التاسعة وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين مات سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة خت 4
وقال عن أبي حاتم الرازي (5718) محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي أحد الحفاط من الحادية عشرة مات سنة سبع وسبعين [خ] د س فق
وقال عن أبي زرعة الرازي (4316) عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد ابن فروخ أبو زرعة الرازي إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة مات سنة أربع وستين وله أربع وستون م ت س ق
وعن أبي حنيفة (7153) النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة الإمام يقال أصلهم من فارس ويقال مولى بني تيم فقيه مشهور من السادسة مات سنة خمسين [ومائة] على الصحيح وله سبعون سنة ت س
وقال عن الإمام أحمد (96) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة وهو رأس الطبقة العاشرة مات سنة إحدى وأربعين وله سبع وسبعون سنة ع
ــــــــــــــ
المرتبة الثالثة
من أفرد بصفة تعديل كثقة ..
وهي قوله ": من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثَبْت، أو عدل. "
أقول : إن الرواة الثقات الذين لا يختلف في عدالتهم قد كفانا الحافظ مؤنتهم وأعطانا عبارة دقيقة في التعديل تدلُّنا على ثقتهم ، وتغنينا عن مراجعة ما قاله الأقدمون فيهم .
وهذه أمثلة لهذه المرتبة :
من قال فيه (ثقة)
(7) أحمد بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ، ثقة كان يحفظ من التاسعة ...
ولو رجعنا إلى التهذيب لوجدنا أنهم اتفقوا على ثقته . فقد قال أحمد : كان عندي إن شاء الله صدوقاً ... ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي ومحمد بن سعد وابن منجوية وابن حبان(5).
(21) أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره مهملة الحنفي أبو عاصم الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة ثمان وثلاثين م د
وأما من قال فيه (متقن) فلم أجدها مفردة وإنما جاءت مسبوقة بثقة في الغالب كقوله :
(386) إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي [الأنصاري] أبو موسى المدني قاضي نيسابور ثقة متقن من العاشرة مات سنة أربع وأربعين م ت س ق
(1817) داود بن أبي هند القشيري مولاهم أبو بكر أو أبو محمد البصري ثقة متقن كان يهم بأخرة من الخامسة مات سنة أربعين وقيل قبلها خ ت م 4
وقوله (ثبت) لم يفردها وحدها بل جاءت مع صيغ المبالغة في التوثيق نحو :
(182) إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل من الثامنة ت ق
(260) إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ من الخامسة مات سنة اثنتين وثلاثين ع
(384) إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة إحدى وخمسين خ م ت س ق
وأما كلمة (عدل) فلم يصف بها أحدا من الرواة بهذا الوصف .
وهكذا جميع الرواة المتفق على عدالتهم انظر الأرقام التالية من التقريب مع مقارنتها بالتهذيب (3) و(7) و(10) و(21) و(23) و(25) و(29) و(31) و(32) و(37) و(39) و(43) و(44) و(49) و(55) و(56) ...
وهذا يشمل كل من قال عنه : ثقة حافظ ، ثقة ثبْت ، ثقة متقن ... وكل من قال فيه ثقة أو حافظ أو ثبْت ... وعددهم كثير ، وحديثهم جميعاً صحيح لذاته.
وهناك عبارات أخرى من هذه المرتبة لم ينص الحافظ ابن حجر رحمه الله عليها ، وقد استخدمها بقلة ، منها (ثقة له أفراد) :
(143) أبان بن يزيد العطار البصري أبو يزيد ثقة له أفراد من السابعة مات في حدود الستين خ م د ت س
وفي الكاشف (111 ) أبان بن يزيد العطار البصري عن الحسن وأبي عمران الجوني وعدة وعنه القطان وعفان وهدبة قال أحمد ثبت في كل المشايخ مات خ م د ت س
قلت : الراجح أنه ثقة بإطلاق
(2118) زيد بن أبي أنيسة الجزري أبو أسامة أصله من الكوفة ثم سكن الرها ثقة له أفراد من السادسة مات سنة تسع عشرة وقيل سنة أربع وعشرين وله ست وثلاثون سنة ع
وفي الكاشف (1723 ) زيد بن أبي أنيسة أبو أسامة الرهاوي شيخ الجزيرة عن شهر وعطاء والحكم وعنه مالك وعبيد الله بن عمرو حافظ إمام ثقة توفي 124 ع
قلت : فقول الحافظ ابن حجر رحمه الله فيه ( ثقة له أفراد ) فيه نظر ، فليس عنده أفراد،وفي تذكرة الحفاظ (131 ) ع زيد بن أبي أنيسة الحافظ الإمام أبو أسامة الرهاوي أحد الأثبات ...
وقال عن بعض الرواة ثقة يغرب في أحد عشر راويا وهم :
( 183) إبراهيم بن سويد بن حيان مدني ثقة يغرب من الثامنة خ د
وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 11 / ص 29)( 4 )(إبراهيم بن سويد المدني)عن: أنيس بن أبي يحيى الأسلمي، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعمرو بن أبي عمرو، ويزيد بن أبي عبيد وعنه: ابن وهب، وسعيد بن أبي مريم. وثقه ابن معين.
والظاهر أن قول الذهبي في بعضهم( ثقة بإطلاق) هو الأرجح، والله أعلم .
وقال عن ثلاثة ( ثقة يهم ) وهم :
(162) إبراهيم بن الحجاج بن زيد السامي بالمهملة أبو إسحاق البصري ثقة يهم قليلا من العاشرة مات سنة إحدى وثلاثين أو بعدها س
وفي الكاشف(127 ) إبراهيم بن الحجاج السامي البصري لا النيلي عن الحمادين وأبان بن يزيد وخلق وعنه عثمان بن خرزاذ وأبو يعلى وخلق وثقه ابن حبان مات 231 س
وقال عن رواة (ثقة ربما وهم ) وهم عشرة رواة وهم :
(1320) الحسين بن ذكوان المعلم المكتب العوذي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها معجمة البصري ثقة ربما وهم من السادسة مات سنة خمس وأربعين ع
وفي الكاشف(1087 ) الحسين بن ذكوان المعلم البصري الثقة عن ابن بريدة وعطاء وعمرو بن شعيب وعنه القطان وغندر ويزيد ع
وقال عن بعض الرواة (ثقة ربما أخطأ) في راو واحد :
(2415) سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو عثمان البغدادي ثقة ربما أخطأ من العاشرة مات سنة تسع وأربعين خ م د ت س
وفي الكاشف (1974) سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان الأموي عن أبيه وابن المبارك وعنه من عدا ابن ماجة وابن صاعد والمحاملي ثقة توفي 249 خ م د ت س
وقال عن بعض الرواة (ثقة ربما خالف) في راويين :
(2464) سلم بن جنادة بن سلم السوائي بضم المهملة أبو السائب الكوفي ثقة ربما خالف من العاشرة مات سنة أربع وخمسين وله ثمانون سنة ت ق
وفي الكاشف(2010 ) سلم بن جنادة أبو السائب السوائي الكوفي عن أبيه وابن إدريس وأبي معاوية وعنه الترمذي وابن ماجة والمحاملي وابن مخلد ثقة مات 254 ت ق
(3336) عبدالله بن سالم أو ابن محمد ابن سالم الزبيدي بالضم أبو محمد الكوفي القزاز المفلوج ثقة ربما خالف من كبار الحادية عشرة مات سنة خمس وثلاثين د عس ق
وفي الكاشف (2737 ) عبد الله بن سالم الزبيدي الكوفي القزاز المفلوج عن وكيع وطبقته وعنه أبو داود وابن ماجة وأبو يعلى الموصلي ثقة عابد توفي 235 د ق
وقال عن بعض الرواة ( ثقة يرسل) وعددهم ثمانية وهم :
(1570) حميري بن بشير أبو عبدالله الجسري بالجيم المفتوحة بعدها مهملة معروف بكنيته أيضا وهو ثقة يرسل من الثالثة بخ م ت س
وفي الكاشف(1268 ) حميري بن بشير أبو عبد الله الحميري الجسري عن جندب ومعقل بن يسار وعنه قتادة والجريري ثقة ففي الكتب عن الجريري عن أبي عبد الله العنزي عن عبد الله بن الصامت م ت
(1625) خالد بن دريك ثقة يرسل من الثالثة 4
قلت : فهؤلاء كلهم ثقات وحديثهم صحيح ، وأما من أخطأ في رواية بعينها ، ولم نجد لها عاضداً فنردُّ هذا الحديث فقط .
وأما من أرسل ، فحديثه الموصول صحيح ، والمرسل إن وجدنا ما يعضده لفظاً أو معنى قويناه ، وإلا كان من الصحيح المرسل ، وهو حجَّةٌ عند كثير من أهل العلم ما لم يعارضه ما هو أقوى منه ، وقدِّم على رأي الرجال.
وأمَّا الخلافُ بين الحافظين في الحكم ، فلا بد من البحث في حال هذا الراوي الذي اختلفا فيه في الكتب الأساسية في الجرح والتعديل ، ثم الموازنة بينها ، ثم الترجيح ، فقد نرجح رأي الحافظ ابن حجر ، وقد نرجح رأي الحافظ الذهبي ، وأما ما اتفقا في الحكم عليه فعضَّ عليه بالنواجذ .
ــــــــــــــ
المرتبة الرابعة
من قال عنه صدوق أو ليس به بأس أو لا بأس به
لقد أكثر الحافظ ابن حجر رحمه الله من هذه المرتبة ، فقد ذكر كلمة (صدوق) أكثر من ألف وثمانمائة مرة ، وكلمة( لا بأس به ) حوالي مائة وثمانية عشر مرة ، وكلمة (ليس به بأس) حوالي ثمانية عشر مرة .
وقد اختلف العلماء الذين جاءوا من بعده بمقصد الحافظ ابن حجر رحمه الله بذلك ، وذلك تبعاً لاختلاف السلف والخلف في هذه الألفاظ، فقد ذهب بعض المعاصرين إلى أنها لا تدلُّ على حسن حديث من قيلت فيه ، وذهب البعض الآخر إلى أنها وكلمة (ثقة) تماماً لا فرق بينهما إلا بالاسم فقط ومن ثمَّ فقد صححوا جميع أحاديث هذه المرتبة، وذهب الأكثرون إلى أنها تدلُّ على حسن الحديث إذا تفرد به من هذه صفته فقط ، وعلى صحته إذا اعتضد .
والصواب من القول أن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد استعمل هذه المرتبة في الأكثر لصاحب الحديث الحسن ، وبعضها لصاحب الحديث الصحيح ، وقد اضطرب في هذه المرتبة اضطراباً كثيراً ، لأنه قد دمج الثقة بالصدوق .
فلو قارنا بين التقريب والتهذيب في كثير ممن قال فيهم صدوق لوجدنا أنهم ثقات ، والأكثر أنهم بالمعنى الاصطلاحي للصدوق.
ولذا أرى أن الحافظ الذهبي رحمه الله قد ضبط هذه المرتبة بشكل أدقَّ، ولم يوقع من جاء بعده بحيرة كما حصل مع الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ــــــــــــــ
المرتبة الخامسة
من قال فيه صدوق سيء الحفظ أو يهم أو يخطئ ...
( الراوي المختلف فيه )
الخامسة عند الحافظ ابن حجر:" من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، كالتشيع والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم، مع بيان الداعية من غيره."
لقد أوقع الحافظ ابن حجر رحمه الله من جاء بعده في حيرة شديدة إزاء هذه المرتبة ، حيث اعتبرها بعض العلماء أنها من مراتب الردِّ، فأيُّ حديثٍ فيه راو من هذه المرتبة لم يتابع ردُّوا حديثه كائناً من كان .
ومنهم من يقبلها أحيانا ويردها أحياناً دون قواعد ولا ضوابط ، ومنهم من لا يعوِّل على كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ولا أدلَّ على هذا الاضطراب من تناقض العلماء المعاصرين في أحكامهم على رواة هذه المرتبة ، فتجد مثلا للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله أقوالا متناقضة فيهم ، فأحياناً يصحح لهم ، وأحيانا يحسن لهم ، وفي أحيان أخرى يضعف حديثهم ، وكل ذلك في الصحيحة والضعيفة، ومثله شيحنا الشيخ شعيب الأرناؤوط ولا سيما في تعليقه على مسند أحمد ، فنفس السند يصححه ويحسنه ويضعفه !!!
فكيف بغيرهم ممن لم يبلغ مرتبتهم ؟!!
نماذج من هذه المرتبة:
وهذه بعض الأمثلة من هذه الطبقة لكل الأصناف الذين ذكرهم الحافظ ابن حجر فيها ،مقارنة بتهذيب التهذيب لبعضهم وبقول الإمام الذهبي ولا سيما في الكاشف، لتتميز نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما :
12 - أحمد بن بديل بن قريش أبو جعفر اليامي بالتحتانية قاضي الكوفة صدوق له أوهام من العاشرة مات سنة ثمان وخمسين ت ق.
وفي التهذيب(6): "قال النسائي لا بأس به وقال ابن أبي حاتم محله الصدق وقال ابن عقدة رأيت إبراهيم بن إسحاق الصواف ومحمد بن عبد الله بن سليمان وداود بن يحيى لا يرضونه وقال ابن عدي حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث أنكرت عليه وهو ممن يكتب حديثه على ضعفه وقال الدارقطني لين وقال صالح جزرة كان يسمَّى راهب الكوفة فلما تقلد القضاء، قال خذلت على كبر السن، وقال النضر قاضي همدان ثنا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ الْيَامِيُّ ، ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(7)فذكرته لأبي زرعة فقال: من حدثك قلت ابن بديل قال :شرٌّ له قال الدارقطني تفرد به أحمد عن حفص قال مطين مات 258 قلت ذكره النسائي في أسماء شيوخه وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث ."
وفي الكاشف"أحمد بن بديل أبو جعفر اليامي قاضي الكوفة ثم همذان سمع أبا بكر بن عياش وحفص بن غياث وعدة وعنه الترمذي وابن ماجة وابن صاعد وابن عيسى الوزير وخلق قال: النسائي لا بأس به ،ولينه ابن عدي والدارقطني وكان عابدا توفي 258 ت ق(8)
1903 - الربيع بن يحيى بن مقسم الأشناني بضم الألف وسكون المعجمة أبو الفضل البصري صدوق له أوهام من كبار العاشرة مات سنة أربع وعشرين خ د
__________
(1) - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (ج 1 / ص 133)
(2) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 22)
(3) - تهذيب التهذيب (ج 2 / ص 150)
(4) - تهذيب التهذيب (ج 1 / ص 150)(313)
(5) - التهذيب 1/14
(6) - تهذيب التهذيب [ج 1 -ص15 ] وانظر تهذيب الكمال[ج1 -ص 270 ](13)
(7) - فَضَائِلُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِلْحَسَنِ الْخَلَّالِ(34 )
(8) - الكاشف [ ج1 - ص190 ](10 )(1/305)
وفي التهذيب(1):" قال أبو حاتم ثقة ثبت وذكره ابن حبان في الثقات(2)، قال ابن قانع مات سنة 224 ،قلت : وقال ابن قانع إنه ضعيف، وقال الدارقطني ضعيف ليس بالقوي يخطىء كثيرا حدث عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولا جمل وهذا يسقط مائة ألف حديث، وقال أبو حاتم في العلل: هذا باطل عن الثوري "(3)
وفي الكاشف" الربيع بن يحيى الأشناني عن مالك بن مغول وشعبة وعنه البخاري وأبو داود والكجي قال أبو حاتم ثقة ثبت توفي 224 خ د(4)
وفي ميزان الاعتدال " الربيع بن يحيى الاشنانى [ خ، د ]عن شعبة وغيره،صدوق،روى عنه البخاري،وقد قال أبو حاتم مع تعنته: ثقة، ثبت: وأما الدارقطني فقال: ضعيف يخطئ كثيرا، قد أتى عن الثوري بخبر منكر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر في الجمع بين الصلاتين،قال بعض الحفاظ: هذا يسقط كذا كذا ألف حديث،مات سنة أربع وعشرين ومائتين.(5)
243- إبراهيم ابن محمد الزهري الحلبي نزيل البصرة صدوق يخطىء من الحادية عشرة ق
وفي الكاشف (199) إبراهيم بن محمد الحلبي ثم البصري عن الخريبي وعدة وعنه ابن ماجة وابن ناجية وأبو عروبة صدوق ق
440- إسماعيل بن خليفة العبسي بالموحدة أبو إسرائيل الملائي الكوفي معروف بكنيته وقيل اسمه عبدالعزيز صدوق سيء الحفظ نسب إلى الغلو في التشيع من السابعة مات سنة تسع وستين وله أكثر من ثمانين سنة ت ق
وفي الكاشف (370)إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي عن الحكم وطلحة بن مصرف وعنه أبو نعيم وأسيد الجمال وعدة ضعف توفي 169 ت ق
1718- خُصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيء الحفظ خلط بأخرة ورمي بالإرجاء من الخامسة مات سنة سبع وثلاثين وقيل غير ذلك 4
وفي الكاشف (1389) خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون مولى بني أمية عن سعيد بن جبير ومجاهد وعنه سفيان وابن فضيل صدوق سئ الحفظ ضعفه أحمد توفي 4 136
3623- عبدالله بن مطر [السعدي] أبو ريحانة البصري مشهور بكنيته صدوق تغير بأخرة من الثالثة ويقال اسمه زياد م د ت
وفي الكاشف (2988) عبدالله بن مطر أبو ريحانة البصري عن سفينة وابن عباس وعنه بشر بن المفضل وابن علية قال ابن معين وغيره صالح م د ت ق
701- بشر بن محمد السختياني أبو محمد المروزي صدوق رمي بالإرجاء من العاشرة مات سنة أربع وعشرين خ
وفي الكاشف (592) بشر بن محمد المروزي عن ابن المبارك والسيناني وعنه البخاري والفريابي خ
وفي ميزان الاعتدال(1221 ) بشر بن محمد بن أبان الواسطي السكرى، أبو أحمد،عن شعبة، وورقاء.وعنه أبو حاتم، وإبراهيم الحربى، وجماعة.صدوق إن شاء الله
وقد ذكرنا أمثلة أصحاب هذه المرتبة ، ونقلنا رأي الحافظ الذهبي كذلك لاشتراكهما في الموضوع نفسه ، ونلاحظ أن الاختلاف بينهما في الحكم على الراوي واضحٌّ جليٌّ ، سواء بالمرتبة أو بالتهمة التي نسبت إليه ، وهذا الاختلاف يؤدي بدوره إلى الاختلاف في الحكم على حديث الراوي ، بين عملاقي الجرح والتعديل ،ومن ثم لزم التفصيل والبيان في أصحاب هذه المرتبة .
ــــــــــــــ
أسباب اختلاف العلماء في الجرح والتعديل
هناك ثلاثة اتجاهات في الجرح والتعديل:
الاتجاه المتشدد ، وهو الذي يردُّ حديث الراوي لأدنى جرح فيه ، وبالتالي يردُّ كثرا من سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما فعل الإمام ابن الجوزي في الموضوعات ، وكثير من المعاصرين بحجَّة حماية السنَّة النبوية .
والاتجاهُ المتساهل الذي لا يعوِّلُ على كثير مما جرح به الراوي ، فيصحح أو يحسن كثيرا من الأحاديث التي لا تستحقّ ُذلك، كما في فعل الإمام السيوطي رحمه الله في الجامع الصغير وغيره من كتبه .
والاتجاهُ الثالث ، المعتدل ، الذي يصحح أو يحسن أحاديث الرواة المختلف فيهم ، ما لم يثبت أنهم أخطؤوا في حديث بعينه ، ولم يقوَى بوجه من الوجوه المعتبرة .
وغالبية أهل الجرح والتعديل- بحمد لله تعالى- من هذا القبيل .
قال الترمذي(6): " وَقَدِ اخْتَلَفَ الأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى تَضْعِيفِ الرِّجَالِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِى سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ ذُكِرَ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ ضَعَّفَ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكِّىَّ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِى سليمان وَحَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَتَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ ثُمَّ حَدَّثَ شُعْبَةُ عَمَّنْ هُوَ دُونَ هَؤُلاَءِ فِى الْحِفْظِ وَالْعَدَالَةِ حَدَّثَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِىِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْهَجَرِىِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِىِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُضَعَّفُونَ فِى الْحَدِيثِ ".
وقال ابن تيمية رحمه الله مبينا أسباب اختلاف الفقهاء(7):
" السَّبَبُ الثَّالِثُ : اعْتِقَادُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِاجْتِهَادِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مَعَهُمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ .
وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ :
مِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا ؛ وَيَعْتَقِدُهُ الْآخَرُ ثِقَةً .
وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ عِلْمٌ وَاسِعٌ(8)؛ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْمُصِيبُ مَنْ يَعْتَقِدُ ضَعْفَهُ ؛ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ جَارِحٍ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ الْآخَرِ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ غَيْرُ جَارِحٍ ؛ إمَّا لِأَنَّ جِنْسَهُ غَيْرُ جَارِحٍ ؛ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجَرْحَ .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَلِلْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عُلُومِهِمْ(9).
وَمِنْهَا : أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمُحَدِّثَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ(10)وَغَيْرُهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ لِأَسْبَابِ تُوجِبُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٍ(11).
وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَدِّثِ حَالَانِ :
حَالُ اسْتِقَامَةٍ وَحَالُ اضْطِرَابٍ مِثْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ(12)أَوْ تَحْتَرِقَ كُتُبُهُ(13)،فَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ صَحِيحٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاضْطِرَابِ ضَعِيفٌ فَلَا يَدْرِي ذَلِكَ الْحَدِيثَ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ ؟ وَقَدْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ(14).
وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ قَدْ نَسِيَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ،فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا بَعْدُ أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ تُوجِبُ تَرْكَ الْحَدِيثِ . وَيَرَى غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ . وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ(15).
وَمِنْهَا : أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ يَرَوْنَ أَلَّا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ عِرَاقِيٍّ أَوْ شَامِيٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ،حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ : نَزِّلُوا أَحَادِيثَ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِمَنْزِلَةِ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ(16)،وَقِيلَ لِآخَرَ : سفيان عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ حُجَّةٌ ؟ قَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ فَلَا(17)، وَهَذَا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ ضَبَطُوا السُّنَّةَ فَلَمْ يَشِذَّ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِيهَا(18). وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ يَرَى أَلَّا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ الشَّامِيِّينَ(19).
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ التَّضْعِيفِ بِهَذَا، فَمَتَى كَانَ الْإِسْنَادُ جَيِّدًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً سَوَاءٌ كَانَ الْحَدِيثُ حِجَازِيًّا أَوْ عِرَاقِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو داود السجستاني كِتَابًا فِي مفاريد أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنَ السُّنَنِ يُبَيِّنُ مَا اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي لَا تُوجَدُ مُسْنَدَةً عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِثْلَ الْمَدِينَةِ ؛ وَمَكَّةَ ؛ وَالطَّائِفِ ؛ وَدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا . إلَى أَسْبَابٍ أُخَرَ غَيْرِ هَذِهِ ".
وقال الذهبي(20): "هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوي ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف وبالله أعتصم وعليه أعتمد وإليه أنيب."
وقال النووي: " عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء، ولا عيب عليه في ذلك ،وجوابه من أوجه ذكرها ابن الصلاح أحدهما أن يكون ذلك في ضعيف عند غيره ثقة عنده ،ولا يقال الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا "(21)
ــــــــــــــ
أمثلة كثيرة عن أصحاب هذه المرتبة تبين حالهم
قال المنذري رحمه الله : " فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات ، وفيهم من اختلف فيه : إسناده حسن ، أو مستقيم أو لا بأس به "(22).
وقال أيضاً في حكم ما يرويه محمد بن إسحاق بن يسار: " وبالجملة فهو ممن اختلف فيه ، وهو حسن الحديث لا بأس به "(23).
وقال ابن دقيق العيد: " وَسِنَأن ابن رَبِيعَةَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ لُيِّنَ فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، فَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، "(24).
وقال الحافظ ابن حجر في سنان هذا : صدوق فيه لين(25)، وقال الذهبي : صدوق(26).
وقال ابن القطان الفاسي:" والحديثُ مختلفٌ فيه، فيبغي أَنْ يُقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" "(27).
وقال ابن الصلاح : " فمحمد بن عمرو بن علقمة: من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان، حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن.. "(28).
وقال الحافظ ابن حجر عنه : صدوق له أوهام(29)
وكذلك عبدالله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث مختلف فيه،وقال ابن القطان: "هو صدوق، ولم يثبت عليه ما يسقط له حديثه إلا أنه مختلف فيه، فحديثه حسن".(30)
وفي التقريب : صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة(31)
وترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ ورى حديثا من طريقه وقال عقبه :" هذا حديث حسن الإسناد "(32).
وقال في السير عنه : " وَبِكُلِّ حَالٍ، فَكَانَ صَدُوْقاً فِي نَفْسِهِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، أَصَابَهُ دَاءُ شَيْخِهِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَتَهَاوَنَ بِنَفْسِهِ حَتَّى ضَعُفَ حَدِيْثُهُ، وَلَمْ يُتْرَكْ بِحَمْدِ اللهِ، وَالأَحَادِيْثُ الَّتِي نَقَمُوهَا عَلَيْهِ مَعْدُوْدَةٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى. "(33).
وقال الحافظ ابن حجر : " هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن(34)"
وفي التقريب : صدوق له أوهام(35)، وقال الذهبي بعد أن نقل الاختلاف فيه : " قلت حسن الحديث "(36).
وقال الحافظ في التلخيص تعليقه على حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيِّ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ وَفَدْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ زُرْنَاك فَادْعُ الله لَنَا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّمْرِ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ شَهِدْنَا الْجُمُعَةَ مَعَهُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًى أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ غَيْرُهُ ،وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، فِيهِ شِهَابُ بْنُ خراش وقد اختلف فهي وَالْأَكْثَرُ وَثَّقُوهُ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ "(37).
وقال عنه في التقريب: " صدوق يخطئ "(38)، وفي ميزان [ صح ] شهاب بن خراش [ د ].صدوق مشهور، له ما يستنكر، وهو أبو الصلت ابن أخي العوام بن حوشب.(39)
__________
(1) - تهذيب التهذيب[ج3 - ص218 ]
(2) - وفي الثقات لابن حبان[ ج8 - ص240 ] (13218 ) الربيع بن يحيى أبو الفضل الأشناني من أهل البصرة يروى عن شعبة وزائدة روى عنه يعقوب بن سفيان والعراقيون يخطىء.
(3) - وفي علل الحديث (313) وَسَمِعْتُ أَبِي ، وقيل لَهُ : حَدِيث مُحَمَّد بْن المنكدر ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الجمع بين الصلاتين فَقَالَ : حَدَّثَنَا الربيع بْن يَحْيَى ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، غير أَنَّهُ باطل عِنْدِي هَذَا خَطَأٌ لم أدخله فِي التصنيف أَرَادَ : أبا الزبير ، عَنْ جَابِرٍ ، أو : أبا الزبير ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، والخطأ من الربيع
(4) - الكاشف[ ج1 - ص392 ] (1542 )
(5) - ميزان الاعتدال (ج 2 / ص 43) ( 2747)
(6) - سنن الترمذى (ج 14 / ص 199) وشرح علل الترمذي لابن رجب (ج 1 / ص 201)
(7) - مجموع الفتاوى (ج 20 / ص 240)
(8) - قلت : نصف السنَّة النبوية قائم على رجال مختلف فيهم ، فمنهم من وثقه قوم ، ومنهم من ضعفه قوم ، والعلماء في الجرح والتعديل ثلاثة أصنافٍ :متشددون في الجرح ، يجرحون الراوي لأدنى شبهة ويردون حديثه، والنوع الثاني متساهلون في الجرح والتعديل، والنوع الثالث معتدلون في الجرح والتعديل ، وعلى ضوء ذلك يختلف الحكم على الحديث ، فمن أخذ بقول المتشددين في الحديث ترك كثيرا من الأحاديث لعدم صحتها عنده , ومن أخذ بقول المتساهلين يكون قد صحح أو حسَّن أحاديث واحتج بها وهي لا تستحقُّ ذلك على الصحيح، ومن أخذ بقول المعتدلين كان وسطا بين الطرفين ، وهم الغالبية العظمى من علماء الجرح والتعديل أمثال البخاري وأحمد وابن سعد والترمذي وأبو داود والنسائ وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وابن عدي والمنذري والبيهقي والحافظ العراقي والحافظ ابن حجر العسقلا ني والسخاوي والشوكاني.
(9) - انظر مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
(10) - يعني فيكون الحديث منقطعا، لأنه روى عمن لم يره أولم يلقه.
(11) - وذلك للاختلاف في سنِّه مثلا كالاختلاف في سنة ولادته ، أو سنة موته ، وكذلك كون الراوي عنه مدلِّسا أم غير مدلس ، فإن كان الأول فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح فيه بالتحديث إذا كان يروي عن ثقات وغير ثقات ، وأما إذا كان لا يروي إلا عن ثقات فيقبل حديثه ، أو كان الذي يروي عنه من أهل بلده الذين لازمهم كثيرا أوعن شيوخه الكبار ، فروايته عن هؤلاء بالعنعنة لا تضرُّ ، وتحمل روايته على السماع .. وإذا لم يكن مدلِّساً فتقبل عنعنته مطلقا إذا أمكن اللقاء بينه وبين شيخه، ومثل هذا كثير في الرواة.
(12) - مثال على ذلك عطاء بن السائب ، فقد وثقه أكثر المحدثين ، ولكن قد اختلط قبل موته ، ومن ثم فقد اختلفوا في حديثه ،فمن روى عنه قبل الاختلاط فحديثه حديث الثقات يحتجُّ به ، ومن روى بعد الاختلاط يتوقف فيه ، فإن كان له شاهدٌ أو متابع قبلناه وإلا فلا .
وقد اختلفوا في رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب : قَالَ العقيلي : سمع حماد من عطاء بعد اختلاطه --والصحيح أَنه سمع منه قبل الاختلاط وهومَا ذكره ابن الجارود فِى الضعفاء فقَالَ : حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عنه جيد --وقال يعقوب بن سفيان : هو ثقة حجَّة وما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة سماع هؤلاء قديم ---التهذيب للحافظ ابن حجر 7/206-207 وهو مَا رجحه ابن حجر فِى الفتح وغيره والهيثمى وأحمد شاكر وهو الحقُّ ،والذين رووا عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم : سفيان الثورى وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن سلمة ، حماد بن زيد ، أيوب وسفيان ابن عينية --وحديثهم صحيح فهو ثقة اختلط بآخره ، وما رواه بعد الاختلاط يتوقف فيه.
(13) - ومثاله عبد الله بن لهيعة المصري ، فقد احترقت كتبه بآخر عمره سنة 169 أو170 هـ ومات سنة 174 هـ فخلط بعدها، وقد اختلفوا فيه، وخلاصة الأمر فيه ما قاله ابن عدي : وحديثه أحاديث حسان ، وما قد ضعفه السلف هو حسن الحديث يكتب حديثه ، وقد حدث عنه الثقات : الثوري وشعبة ومالك وعمرو بن الحارث والليث ابن سعد "قلت : وقالوا رواية عبد الله بن وهب عنه وابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وقتيبة بن سعيد أعدل من غيرها عنه ، وينبغي أن يضاف لهؤلاء ما رواه عنه أبو الأسود والحسن بن موسى وقد روى الإمام أحمد في مسنده أحاديث ابن لهيعة من طريق الحسن بن موسى وأبي الأسود غالباً .،راجع تهذيب الكمال [ ج15 - ص487 ] برقم(3513 ) ، وتهذيب التهذيب [ ج5 - ص327 ] برقم(648 ) ،والجرح والتعديل [ ج5 - ص145 ] برقم(682)،والكامل في الضعفاء [ ج4 - ص144 ] برقم (977 ) وتذكرة الحفاظ [ ج1 - ص237 ] برقم (224)،وتاريخ دمشق [ ج32 - ص136 ] برقم(3474)
(14) - ومثله سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري ،ففي تقريب التهذيب (2365 ) سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف [لكنه] كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة من السادسة مات سنة ست وقيل سبع وخمسين ع.
وقال ابن عدي في آخر ترجمته : "وسعيد بن أبي عروبة من ثقات الناس وله أصناف كثيرة وقد حدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه وحدث بأصنافه عنه أرواهم عنه عبد الأعلى السامي والبعض منها شعيب بن إسحاق وعبدة بن سليمان وعبد الوهاب الخفاف وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه وثبتا عن كل من روى عنه إلا من جلس عنهم وهم الذين ذكرتهم ممن لم يسمع منهم وأثبت الناس عنه يزيد بن زريع وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد ونظراؤهم قبل اختلاطه وروى الأصناف كلها سعيد بن أبي عروبة عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف .الكامل في الضعفاء [ ج3 - ص396 ]
(15) - انظر البحر المحيط (ج 5 / ص 379) مَسْأَلَةٌ [ إنْكَارُ الشَّيْخِ مَا حَدَّثَ بِهِ ]
(16) - قلت : هذه المقولة باطلة ، ولا أساس لها من الصحة ، بل وجد في الكوفة والبصرة وبغداد فيما بعد آلاف المحدثين الثقات الأثبات ،فكيف يقال هذا الكلام الباطل بحقهم ؟؟!!!
(17) - قلت : هذا من أصح الأسانيد ، فكيف يقال هذا بحقه ، فقد أخرج البخاري حديثا بهذا السند في صحيح البخارى برقم(4886 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ..
بل هذا أصح أسانيد الكوفيين، وقد روى سائر أئمة الحديث بهذا السند أحاديث كثيرة، وفي الكفاية :قال إبراهيم بن محمد الشافعي سمعت الفضيل بن عياض يقول منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مثل هذه السارية ،قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى (ج 1 / ص 404) و المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي (ج 1 / ص 238) والكفاية في علم الرواية (ج 1 / ص 386) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 2 / ص 71)
(18) - قلت : وهذا فيه نظر فكل إقليم فيه علماء أفذاذ ضبطوا السنَّة ونقَّوها مما علق بها ، وميزوا صحيحها من منخولها ، وهناك علماء آخرون لم يضبطوا ذلك ، فكيف يتهم أصحاب إقليم ما بهذه التهمة الموجودة عند الجميع بما فيهم الحجازيين ؟؟!!.
(19) - قلت : هذا من التعصب المذموم للإقليم أو الشخص أو المذهب، فالحديث متى استوفى شروط الصحة وجب العمل به سواء رواه أهل الحجاز أو أهل الشام أو أهل العراق ، أو غيرها من بلدان المسلمين ، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في أمصار المسلمين فاتحين وبعدها يعلمون الناس أصول دينهم ، فما وصل لأهل هذا الإقليم لم يصل إلى غيرهم ، وحصر الأحاديث في إقليم واحد يدلُّ على جهل قائله ، فأكثر من ثمانين بالمائة من الصحابة لم يموتوا في مكة أو المدينة بل خارجهما ، بل حتى أصحاب الإقليم الواحد لم يحصوا أحاديث إقليمهم كلها ، ولا أقاويلهم كالإمام مالك رحمه الله ، الذي يقدِّم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد مثلا ، فقد رد عليه الشافعي وغيره ، وبينوا له أن المسائل التي يقول بها إنها عمل أهل المدينة أن بعض علماء أهل المدينة قد خالفوها فكيف بغيرهم من الأمصار الأخرى؟! .
(20) - تذكرة الحفاظ (ج 1 / ص 1)
(21) - شرح مسلم 1/24 والرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ج 1 / ص 6) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 54) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (ج 3 / ص 8) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 132)
(22) - الترغيب والترهيب 1/4
(23) - الترغيب والترهيب 6/456
(24) - نصب الراية (ج 1 / ص 18)
(25) - تقريب التهذيب[ج1 - ص256 ] 2639
(26) - الكاشف[ ج1 - ص467 ] (2154 )
(27) - نصب الراية (ج 1 / ص 62)
(28) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 5) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 117) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 52)
(29) - تقريب التهذيب[ج1 - ص499 ](6188)
(30) - تهذيب الكمال للمزي (ج 15 / ص 108) وتهذيب التهذيب (ج 5 / ص 228)
(31) - تقريب التهذيب[ج1 - ص308 ] 3388 -
(32) - تذكرة الحفاظ[ ج1 - ص389 ]
(33) - سير أعلام النبلاء (10/405)
(34) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 464) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 190)
(35) - تقريب التهذيب[ج1 - ص572 ] 7294
(36) - الكاشف[ ج2 - ص336 ] (5964 )
(37) - التلخيص الحبير (ج 2 / ص 158)
(38) - تقريب التهذيب[ج1 - ص269 ]2825
(39) - ميزان الاعتدال (ج 2 / ص 281)[ 3750 ](1/306)
وقال ابن الملقن في تعليقه على حديث ورد من طريقه(1): " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَلم يُضعفهُ فَهُوَ حسن عِنْده ، وَأخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» لَكِن فِي سَنَده شهَاب بن خرَاش وَهُوَ من الْمُخْتَلف (فيهم) ، وَوَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك وَغير وَاحِد كَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَأحمد وَيَحْيَى بن معِين ، وَقَالَ ابْن عدي : فِي بعض رواياته مَا يُنكر . وَلم (أر) للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما ، وَقَالَ ابْن حبان : يُخطئ كثيرا . وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَلَى هَذِه القولة فِيهِ .
وَأما الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «الْمُغنِي» : لم يُضعفهُ أَحْمد قطّ . وَرَأَيْت بِخَط ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» إِثْر (سياقته لَهُ بِإِسْنَادِهِ) : هَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ . "
وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن أبي صالح السمان عن أبيه وسعيد بن جبير وعنه بن أبي ذئب وهشيم مختلف في توثيقه وحديثه حسن م د ت ق(2)
وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد لقبه شقوصا اختلف فيه قول أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال النسائي أرجو أنه لا بأس به ووثقه أبو داود وقال أبو حاتم صالح ،وقال ابن عدي هو حسن الحديث يكتب حديث.(3)
وقال الذهبي : " ،صدوق شيعي، لقبه شقوصا. "(4)، وفي التقريب :صدوق يخطئ قليلاً(5).
وقال الحافظ في الفتح: " عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزِّنَاد قَدْ قَالَ فِيهِ اِبْن مَعِين " لَيْسَ مِمَّنْ يَحْتَجّ بِهِ أَصْحَاب الْحَدِيث ، لَيْسَ بِشَيْءٍ " وَفِي رِوَايَة عَنْهُ " ضَعِيف " وَعَنْهُ " هُوَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ " وَقَالَ يَعْقُوب بْن شَبَّة " صَدُوق وَفِي حَدِيثه ضَعْف " سَمِعْت عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ يَقُول " حَدِيثه بِالْمَدِينَةِ مُقَارِب وَبِالْعِرَاقِ مُضْطَرِب " وَقَالَ صَالِح بْن أَحْمَد عَنْ أَبِيهِ " مُضْطَرِب الْحَدِيث " وَقَالَ عَمْرو بْن عَلِيّ نَحْو قَوْل عَلِيّ ، وَقَالَا " كَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ يَحُطّ عَلَى حَدِيثه " وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيُّ " لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ " وَوَثَّقَهُ جَمَاعَة غَيْرهمْ كَالْعِجْلِيِّ وَالتِّرْمِذِيّ فَيَكُون غَايَة أَمْره أَنَّهُ " مُخْتَلَف فِيهِ " فَلَا يَتَّجِه الْحُكْم بِصِحَّةِ مَا يَنْفَرِد بِهِ بَلْ غَايَته أَنْ يَكُون حَسَنًا ، وَكُنْت سَأَلْت شَيْخَيَّ الْإِمَامَيْنِ الْعِرَاقِيّ وَالْبُلْقِينِيّ عَنْ هَذَا الْمَوْضِع فَكَتَبَ لِي كُلّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُمَا " لَا يَعْرِفَانِ لَهُ مُتَابِعًا " وَعَوَّلَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ عِنْد الْبُخَارِيّ " ثِقَة " فَاعْتَمَدَهُ وَزَادَ شَيْخنَا الْعِرَاقِيّ أَنَّ صِحَّة مَا يَجْزِم بِهِ الْبُخَارِيّ لَا يَتَوَقَّف أَنْ يَكُون عَلَى شَرْطه وَهُوَ تَنْقِيب جَيِّد ، ثُمَّ ظَفِرْت بَعْد ذَلِكَ بِالْمُتَابِعِ الَّذِي ذَكَرْته فَانْتَفَى الِاعْتِرَاض مِنْ أَصْله وَلِلَّهِ الْحَمْد "(6).
وفي التقريب: " صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها "(7).
وقال الذهبي في ترجمته : " وقد روى أرباب السُّنن الأربعة له، وهو إن شاء الله حسن الحال في الرواية"(8).
وقال في فُلَيْحِ بن سليمان(9):" وَهُوَ مُضَعَّفٌ عِنْدَ اِبْنِ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ فَحَدِيثه مِنْ قَبِيل الْحَسَن ".
وقال في التقريب: "صدوقُ كثير الخطأ "(10)، وقال الدارقطني: "يختلفون فيه، ولا بأس به"(11).
وقال في القول المسدد(12): " وأمَّا قزعة بن سويد فهو باهلي بصري يكنى أبا محمد روى أيضا عن جماعة من التابعين وحدث عنه جماعة من الأئمة واختلف فيه كلام يحيى بن معين فقال عباس الدوري عنه ضعيف ،وقال عثمان الدارمي عنه ثقة، وقال أبو حاتم محله الصدق وليس بالمتين يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي له أحاديث مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به، وقال البزار لم يكن بالقوي وقد حدث عنه أهل العلم ،وقال العجلي لا بأس به وفيه ضعف، فالحاصل من كلام هؤلاء الأئمة فيه أن حديثه في مرتبة الحسن والله أعلم "
وفي الفتح(13): "فَفِي حَدِيث الطَّبَرَانِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق قَزَعَة بْن سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيّ " حَدَّثَنِي أَبِي سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ ، حَدَّثَنِي خَالِي ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَخَالُهُ : صَخْرُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ : لَقِيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ ، فَقُلْتُ : مَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ ؟ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ؟ فَقَالَ : " أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ الْمَسْأَلَةَ ، لَقَدْ عَظُمَتْ وَأَطْوَلَّتْ أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَحُجَّ الْبَيْتَ ، وَمَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسُ بِكَ ، فَافْعَلْهُ بِهِمْ ، وَمَا كَرِهْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسَ بِكَ فَدَعِ النَّاسَ مِنْهُ ، خَلِّ خِطَامَ النَّاقَةِ "(14)وَإِسْنَاده حَسَن ."
وفي السير : " قَزَعَةُ بنُ سُوَيْدِ بنِ حُجَيْرٍ البَاهِلِيُّ (ت، ق) شَيْخٌ، عَالِمٌ، بَصْرِيٌّ، صَالِحُ الحَالِ"(15).
وفي ميزان الاعتدال [ محمد بن قيس الأسدي [ م، د، س ].عن سلمة بن كهيل،مختلف فيه،وروى أيضا عن الشعبى وأبى الضحى،وعنه شعبة، وأبو نعيم،وثق، وهو إلى الاحتجاج أقرب،حديثه حسن"(16). وفي الكاشف صدوق(17)
وفي مصباح الزجاجة (418) هذا إسناد حسن. يزيد بن أبي زياد مختلف فيه
وفي تقريب التهذيب(7717 ) يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان شيعيا من الخامسة مات سنة ست وثلاثين خت م 4
وفي الكاشف (6305) "شيعي عالم فهم صدوق رديء الحفظ لم يترك .." .
وفي مصباح الزجاجة (535) هذا إسناد حسن أبو حريز اسمه عبد الله بن حسين مختلف فيه.
وفي تقريب التهذيب (3276 )عبد الله بن حسين الأزدي أبو حَرِيز البصري قاضي سجستان صدوق يخطىء من السادسة خت 4.
وفي الكاشف (2686 ) "مختلف فيه وقد وثق "(18)
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 422) إسناده حسن من أجل أبي حريز -واسمه عبد الله بن حسين- فإنه مختلف فيه.، ومثله في (ج 11 / ص 418و ص 507)( 5107)
وفي مصباح الزجاجة(549) هذا إسناد حسن يعقوب بن حميد مختلف فيه ، وفي (582) هذا إسناد حسن يعقوب بن حميد مختلف فيه" .
وفي تقريب التهذيب (7815 ) يعقوب بن حميد بن كاسب المدني نزيل مكة وقد ينسب لجده صدوق ربما وهم من العاشرة مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين عخ ق
وفي مصباح الزجاجة (852) هذا إسناد فيه مقال مطر الوراق مختلف فيه، ومحمد بن ثعلبة بن سواء قال فيه أبو حاتم: أدركته ولم أكتب عنه انتهى. ولم أر لغيره من الأئمة فيه كلاماً وباقي رجال الإسناد ثقات، رواه الطبراني في معجمه الكبير من هذا الوجه وقال الحافظ المنذري: هذا إسناد حسن".
وفي تقريب التهذيب (6699) مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء السلمي مولاهم الخراساني سكن البصرة صدوق كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ضعيف من السادسة مات سنة خمس وعشرين ويقال سنة تسع خت م 4
وفي ميزان الاعتدال (8587 ) "مطر من رجال مسلم، حسن الحديث".
وفي مصباح الزجاجة (1084) هذا إسناد حسن محمد بن عثمان العثماني مختلف فيه"
وفي تقريب التهذيب (6128 ) محمد بن عثمان ابن خالد الأموي أبو مروان العثماني المدني نزيل مكة صدوق يخطىء من العاشرة مات سنة إحدى وأربعين س ق
وفي الكاشف (5040 ) وثقه أبو حاتم، ووثقه في ميزان الاعتدال (7928 )
وقال الألباني في الصحيحة عن سند فيه محمد هذا ( 1379) فالحديث حسن على أقل الدرجات " .
وفي مصباح الزجاجة (1089)" هذا إسناد حسن عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه" .
وفي تقريب التهذيب (3592 ) " صدوق في حديثه لين ويقال تغير بأخرة " .
وفي سير أعلام النبلاء. (6/205): "قُلْتُ: لاَ يَرتَقِي خَبَرُه إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَالاحْتِجَاجِ".
وفي مصباح الزجاجة (1182)"هذا إسناد حسن أيوب بن هانىء مختلف فيه تفرد ابن جريج بالرواية عنه".
وفي تقريب التهذيب (628 ) أيوب بن هانئ الكوفي صدوق فيه لين من السادسة ق.
وفي الكاشف (530 ) أيوب بن هانئ عن مسروق وعنه ابن جريج صدوق ق
وفي مصباح الزجاجة(1202) "هذا إسناد حسن بكر بن يونس مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات".
وفي تقريب التهذيب (754 ) بكر بن يونس بن بكير الشيباني الكوفي ضعيف من التاسعة ت ق.
وفي الكاشف (639 ) بكر بن يونس بن بكير عن الليث وموسى بن علي وعنه ابن نمير وابن أبي غرزة ضعفوه ت ق(19)
وفي مصباح الزجاجة (1372)" هذا إسناد صحيح صدقة بن أبي عمران مختلف فيه"
وفي تقريب التهذيب (2916 ) صدقة بن أبي عمران الكوفي قاضي الأهواز صدوق من السابعة خت م ق.
وفي الكاشف (2385 ) صدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم وإياد بن لقيط وعنه أبو أسامة ومحمد بن بكر ليِّن م ق.
وفي ميزان الاعتدال (3873 ) [ صح ] صدقة بن أبى عمران [ م، ق ] الكوفى، قاضى الأهواز. صدوق.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد ( 506) عبد الحميد بن جعفر - وهو الأنصاري - مختلف فيه حسن الحديث" .
قلت: وله اثنتان وأربعون رواية في مسند أحمد .
وفي تقريب التهذيب (3756 ) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري صدوق رمي بالقدر وربما وهم من السادسة مات سنة ثلاث وخمسين خت م 4.
وفي الكاشف (3098 ) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري الأوسي المدني عن عم أبيه عمر بن الحكم ونافع وعنه القطان وابن وهب ثقة غمزه الثوري للقدر مات 153 م 4.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (16285 و16286 و16287...) حديث صحيح لغيره وهذا إسناد حسن من أجل قيس بن طلق فقد اختلف فيه"
قلت : وله أحد عشر رواية عنده .
وفي ميزان الاعتدال (6916 ) قيس بن طلق [ عو ] بن على الحنفي،عن أبيه،ضعفه أحمد، ويحيى في إحدى الروايتين عنه،وفي رواية عثمان ابن سعيد، عنه: ثقة،ووثقه العجلى،وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى وأبا زرعة عنه، فقالا: ليس ممن تقوم به حجة،قال ابن القطان: يقتضي أن يكون خبره حسنا لا صحيحا" .
وفي تقريب التهذيب (5580 ) قيس بن طلق بن علي الحنفي اليمامي صدوق من الثالثة وهم من عده من الصحابة 4
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (8742 4) وهذا إسناد حسن عباد بن راشد : هو البصري مختلف فيه حسن الحديث" .
قلت : وله سبعة روايات في المسند .
وفي تقريب التهذيب (3126 ) عباد بن راشد التميمي مولاهم البصري البزار آخره راء قريب داود بن أبي هند صدوق له أوهام من السابعة خ د س ق.
وفي ميزان الاعتدال (4113 ) عباد بن راشد [ خ، د، س، ق ] البصري،صدوق.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (37) عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب مختلف فيه حسن الحديث" .
قلت : وله في المسند أربعة وأربعون حديثاً.
وفي تقريب التهذيب (5083 ) عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم من الخامسة مات بعد الخمسين ع
وفي الكاشف (4202) عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس وعكرمة وعنه مالك والداروردي وعدة صدوق قال أحمد ليس به بأس وقال ابن معين وأبو داود ليس بالقوي ع.
وفي ميزان الاعتدال (6414 ) عمرو بن أبي عمرو [ ع ]، مولى المطلب،صدوق،حديثه مخرج في الصحيحين في الأصول.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (14855 و25967) أسامة بن زيد الليثي مختلف فيه حسن الحديث " ,
ورى له أحمد في المسند كثيراً .
وفي تقريب التهذيب (317 ) أسامة بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني صدوق يهم من السابعة ...خت م 4
وفي سير أعلام النبلاء (6/343)(145) أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ (4، م، تَبَعاً)
الإِمَامُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، وَقَدْ يَرتَقِي حَدِيْثُه إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَأَخْرَج لَهُ مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ".
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (14162) إسناده حسن من أجل محمد بن مسلم وهوالطائفي " .
وفي تقريب التهذيب (6293 ) محمد بن مسلم الطائفي واسم جده سوس وقيل سوسن بزيادة نون في آخره وقيل بتحتانية بدل الواو فيهما وقيل مثل حنين صدوق يخطىء من حفظه من الثامنة مات قبل التسعين خت م 4
وفي الكاشف (5151 ) محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار وابن أبي يحيى وعنه ابن مهدي ويحيى بن يحيى فيه لين وقد وثق له في مسلم حديث واحد توفي 177 م 4
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (1069) هذا إسناد حسن معاوبة بن هشام : وهو القصار مختلف فيه وهو حسن الحديث" .
قلت : وله أربعة وعشرون حديثا في المسند وهو أحد شيوخ الإمام أحمد .
وفي تقريب التهذيب (6771 ) معاوية بن هشام القصار أبو الحسن الكوفي مولى بني أسد ويقال له معاوية بن أبي العباس صدوق له أوهام من صغار التاسعة مات سنة أربع ومائتين بخ م 4.
وفي الكاشف (5535) معاوية بن هشام القصار كوفي ثقة عن حمزة والثوري وعنه أحمد والحسن بن علي بن عفان وكان بصيرا بعلم شريك قال ابن معين صالح وليس بذاك توفي 205 م 4 .
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (1672) هذا إسناد حسن من أجل سليمان ابن موسى" .
قلت : وروى له كثيرا .
وفي تقريب التهذيب (2616 ) سليمان ابن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق صدوق فقيه في حديثه بعض لين وخولط قبل موته بقليل من الخامسة م 4
وفي ميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 226) قلت: كان سليمان فقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي، وهذه الغرائب التي تستنكر له يجوز أن يكون حفظها.
وفي سير أعلام النبلاء (5/436) وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فَقِيْهٌ، رَاوٍ، حَدَّثَ عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَهُوَ أَحَدُ العُلَمَاءِ،رَوَى أَحَادِيْثَ يَنْفَرِدُ بِهَا، لاَ يَروِيهَا غَيْرُه، وَهُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ، صَدُوْقٌ.
وفي مسند البزار(58(م)) ـ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الأَرُزِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سليمان ابن حَرْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : تَمَثَّلْتُ فِي أَبِي :
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَقَالَ : ذَاكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلاَ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ أَسْنَدَ عَنِ الْقَاسِمِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلاَ رَوَى هَذِهِ الصِّفَةَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وفي تقريب التهذيب (4734 ) علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان ينسب أبوه إلى جد جده ضعيف من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين وقيل قبلها بخ م 4
وفي الكاشف (3916 ) علي بن زيد بن جدعان التيمي البصري الضرير أحد الحفاظ وليس بالثبت سمع سعيد بن المسيب وجماعة وعنه شعبة وزائدة وابن علية وخلق قال الدارقطني لا يزال عندي فيه لين قال منصور بن زاذان لما مات الحسن قلنا لابن جدعان اجلس مجلسه مات 131 م 4
وقال ابن عدي في الكامل في الضعفاء [ج 5 -ص200 ] بنهاية ترجمته : "
ولعلي بن زيد غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة ولم أر أحدا من البصريين وغيرهم امتنعوا من الرواية عنه وكان يغالي في التشيع في جملة أهل البصرة ومع ضعفه يكتب حديثه" .
عتبة بن أبي حكيم ،ففي تقريب التهذيب (4427 ) عتبة بن أبي حكيم الهمداني بسكون الميم أبو العباس الأردني بضم الهمزة والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون صدوق يخطىء كثيرا من السادسة مات بصور بعد الأربعين عخ 4
وفي الكاشف (3661 ) عتبة بن أبي حكيم عن مكحول وعبادة بن نسي وطائفة وعنه يحيى بن حمزة وابن شابور وابن المبارك مختلف في توثيقه وقال أبو حاتم صالح الحديث مات بصور 147 4
وفي ميزان الاعتدال ( 5469 ) وهو متوسط حسن الحديث.
صالح بن رستم المزني ، ففي تقريب التهذيب (2861) صالح بن رستم المزني مولاهم أبو عامر الخزاز بمعجمات البصري صدوق كثير الخطأ من السادسة مات سنة اثنتين وخمسين خت م 4
وفي الكاشف (2338 ) صالح بن رستم أبو عامر الخزاز عن أبي قلابة والحسن وعنه القطان والأنصاري لينه بن معين وغيره ووثقه أبو داود خت 4 م تبعا
وفي ميزان الاعتدال (3791 ) [ صح ] صالح بن رستم [ م، عو ]، أبو عامر الخزاز، وهو كما قال أحمد بن حنبل: صالح الحديث.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 4 / ص 593)(1695) إسناده حسن؛ حيي بن عبد الله مختلف فيه" .
وفي الكاشف (1296 ) حيي بن عبد الله المعافري المصري عن أبي عبد الرحمن الحبلي وغيره وعنه الليث وابن وهب قال ابن معين ليس به بأس وقال البخاري فيه نظر 4
وفي التقريب( 1605) حيي بضم أوله ويائين من تحت الأولى مفتوحة ابن عبدالله ابن شريح المعافري المصري صدوق يهم من السادسة مات سنة ثمان وأربعين 4
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان (ج 5 / ص 209)(1888 )
إسناده حسن. عبد الحميد بن أبي العشرين: هو عبد الحميد بن حبيب، وهو كاتب الأوزاعي، ولم يرو عن غيره، مختلف فيه، وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ، فمثله يكون حسن الحديث. وباقي رجاله ثقات.
وفي تقريب التهذيب (3757 ) عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين الدمشقي أبو سعيد كاتب الأوزاعي ولم يرو عن غيره صدوق ربما أخط قال أبو حاتم كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث من التاسعة خت ت ق
وفي الكاشف (3099 ) عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي عنه وعنه أبو الجماهر وهشام بن عمار وثقه أحمد وضعفه دحيم خت ت ق
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان (ج 7 / ص 191)(2929 ) إسناده حسن. إبراهيم السكسكي - وهو ابن عبد الرحمن بن إسماعيل-: مختلف فيه
وفي تقريب التهذيب (204 ) إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي أبو إسماعيل الكوفي مولى صخير بالمهملة ثم المعجمة مصغرا صدوق ضعيف الحفظ من الخامسة خ د س
وفي الكاشف (163) إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن ابن أبي أوفى وأبي وائل وعنه مسعر والمسعودي وعدة ضعفه أحمد خ د س
وفي ميزان الاعتدال (135 ) إبراهيم بن عبدالرحمن [ خ، د، س ] السكسكى،عن عبدالله بن أبى أوفى.،كوفي صدوق.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 467)(5076 ) إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمربن أبي سلمة بن عبد الرحمن، فقد روى له أصحاب السنن، وهو مختلف فيه، وهو حسن الحديث" .
وفي تقريب التهذيب (4910 ) عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة صدوق يخطىء من السادسة قتل بالشام سنة اثنتين وثلاثين مع بني أمية خت 4
وفي الكاشف (4065 ) عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه وعنه أبو عوانة وهشيم قال أبو حاتم صدوق لا يحتج به ووثقه غيره 4
وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 201) وقد صحح له الترمذي حديث: لعن زوارات القبور، فناقشه عبد الحق، وقال: عمر ضعيف عندهم، فأسرف عبد الحق.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 488)(5091)
إسناده حسن. كثير بن زيد: هو الأسلمي، مختلف فيه، وهو حسن الحديث لابأس به".
وفي تقريب التهذيب (5611 ) كثير بن زيد الأسلمي أبو محمد المدني بن مافنه بفتح الفاء وتشديد النون صدوق يخطىء من السابعة مات في آخر خلافة المنصور ر د ت ق.
وفي الكاشف ( 4631 ) كثير بن زيد الأسلمي أبو محمد المدني عن المقبري وطائفة وعنه بن أبي فديك وآخرون قال أبو زرعة صدوق فيه لين د ت ق........
ومما تقدم يتبين لنا بجلاء أن حديث المختلف فيه حكم عليه سائر الأئمة ومنهم الحافظ ابن حجر بالحسن الذاتي ، الذي لا يفتقر إلى عاضدٍ والله أعلم ، وإذا وجد له عاضد صحَّ ، ومن ثم نقول : كل راو اختلف فيه جرحا وتعديلاً ، فحديثه إذا انفرد به من قبيل الحسن لذاته ، هذا إذا لم ينكر عليه هذا الحديث بعينه ، ولم نجد له ما يعضده لفظاً ولا معنى .
وخلاصة القول : أن أحاديث المرتبة الخامسة عند الحافظ ابن حجر يُحكَمُ بتحسينها تحسيناً ذاتيًّا، وإذا جاء ما يعضدها يحكم له بالصحَّة المنجبرة ،إلا إذا تبين لدينا أن هذا الرواي قد أخطأ في هذه الرواية بعينها ، ولم نجد ما يعضدها لفظا ولا معنى ، والله أعلم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - البدر المنير (ج 4 / ص 633)
(2) - الكاشف[ج1 - ص562 ]2782
(3) - مقدمة الفتح (ج 1 / ص 388)
(4) - ميزان الاعتدال (ج 1 / ص 228)878
(5) - تقريب التهذيب[ج1 - ص107 ]445
(6) - 13/187 و فتح الباري لابن حجر (ج 20 / ص 233) الشاملة 2
(7) - تقريب التهذيب[ج1 - ص340 ] 3861
(8) - ميزان الاعتدال (ج 2 / ص 576)(4908 )
(9) - فتح الباري لابن حجر (ج 3 / ص 416)
(10) - تقريب التهذيب [ ج1 - ص448 ] 5443)
(11) - ميزان الاعتدال (ج 3 / ص 366)
(12) - القول المسدد (ج 1 / ص 30)
(13) - فتح الباري لابن حجر (ج 4 / ص 483)
(14) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (3408 ) والمعجم الكبير للطبراني (ج 7 / ص 16)(7131) وذكرت الحديث بطوله
(15) - سير أعلام النبلاء (8/196)(34 )
(16) - ميزان الاعتدال (ج 4 / ص 16)(8089 )
(17) - الكاشف[ ج2 - ص212 ] (5123 )
(18) - وانظر الجرح والتعديل[ ج5 - ص34 ](153)
(19) - وانظر تهذيب التهذيب[ ج1 -ص 429 ] (902)(1/307)
القولُ فيمن رمي ببدعةٍ
البدعةُ نوعان :
القسم الأول: بدع يكفر بها صاحبها:
، ولا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه في قواعد جميع الأئمة كما في غلاة الرفض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة(1)فهؤلاء لا خلاف بين العلماء انهم لا تجوز الرواية عنهم تحت أي ظرف من الظروف لأن الإسلام شرط في ثبوت العدالة .
أما إذا لم يكن التكفير متفقاً عليه فلا إجماع على رد روايته يقول ابن حجر: "والتحقيق : أنه لا يُرَدُّ كُلُّ مُكفَّرٍ ببدعَتِه ؛ لأَنَّ كلَّ طائفةٍ تدَّعي أَنَّ مخالِفيها مبتَدِعةٌ ، وقد تُبالِغُ فتُكفِّرُ مخالِفها ، فلو أُخِذَ ذلك على الإِطلاقِ ؛ لاسْتَلْزَمَ تكفيرَ جميعِ الطَّوائفِ ، فالمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذي تُرَدُّ روايتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمراً مُتواتِراً مِنَ الشَّرعِ ، معلوماً مِن الدِّينِ بالضَّرورةِ ، وكذا مَن اعتقدَ عكسَهُ "(2)
والمقصود من هذا أن يكون المكفِّر قام عليه الدليل ليس بمجرد التعصب والتقليد ،بل قام الدليل على كفره بأن يكون أتى شيئاً يوجب تكفيره بالأدلة الشرعية، أما كونه يكفر لهواه أو لمخالفة نحلته فلا ،المهم أن تكون البدعة المكفِّرة من جهة الدليل .(3)
القسم الثاني: بدعٌ يفسق بها صاحبها:
كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو ، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنَّة خلافاً ظاهراً لكنه مستندٌ إلى تأويل ظاهره سائع.(4)
وفي قبول رواية من كان على هذه الشاكلة، إن كان معروفاً في التحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة موصوفا بالديانة والعبادة .
3- حكمُ رواية المبتدع :
لقد تضاربت فيه مذاهب أهل الحديث ، بين قبول حديث الموصوف به وردِّه ، أو قبوله في حال وردِّه في حال .
مذاهب أهل العلم في ردِّ حديث أهل البدع أو قبوله :
هي محصورة في أربعة مذاهب :
المذهب الأول : ترك حديثهم مطلقاً ، أي : البدعة جِرحة مسقطٌةٌ للعدالة .
المذهب الثاني : التفريقُ بحسب شدة البدعة وخفتها في نفسها ، وبحسب الغلو فيها أو عدمه بالنسبة إلى صاحبها .
المذهب الثالث : التفريقُ بين الداعي إلى بدعته ، وغير الداعي ، فيردُّ الأول ، ويقبلُ الثاني .
المذهب الرابع : عدم اعتبار البدعة جرحاً مسقطاً لحديث الراوي ، لما تقوم عليه من التأويل ، وإنما العبرة بالحفظ والإتقان والصدق ، والسلامة من الفسق والكذب .
وخلاصة الفصل في هذا :
أن ما قيل من مجانبة حديث المبتدع ، ففيه اعتبار الزمان الذي كانت الرواية فيه قائمة ، ومرجع الناس إلى نقلة الأخبار في الأمصار ، وما كان قد حصر يومئذ بيان أحوال الرواة ، أما بعد أن أقام الله بأهل هذا الشأن القسطاس المستقيم (علم الجرح والتعديل) فميَّزوا أهل الصدق من غيرهم ، وفضح الله بهذا العلم خلائق من أهل الأهواء والبدع وافتضحوا بالكذب في الحديث ، فأسقطهم الله ، كما أصاب الهوى بعض متعصبة السنَّة ، فوقعوا في الكذب في الحديث كذلك ، وهو وإن كانوا أقل عدداً من أصحاب البدع ، إلا أنهم شاركوهم في داعية الهوى والعصبية ، ومقابل هؤلاء وأولئك من ثبت له وصف الصِّدق من الفريقين ، فأثبت أئمة الشأن له ذلك ، فلا يكون في التحقيق وصفُ من وصفوه بالصِّدق إلا من أجل ما روى .اهـ(5)
قلتُ : وعلى هذا، فالعبرةُ عند المتقدمين في باب الرواية عن أهل البدع هو اعتبارُ أحوالهم في قوة الدِّين وظهور الصِّدق، ولذلك لم يترددوا في قبول رواية الدعاة من الخوارج، وهذا البخاريُّ قد أخرج لعمران بن حطان ثلاثة أحاديث في صحيحه، بعضها في الأصول، رغم أنّه كان داعية إلى بدعته، بل كان رأساً من رؤوس الخوارج.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "العبرةُ في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه، كما أنّ المتتبع لأحوال الرواة يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان، وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيرا منهم لا يُوثَق بأيّ شيء يرويه"(6).
وحتى هذا الصدق وهذه الأمانة لا يكونان مبرِّراً لقبول روايته مطلقا، وإنّما يضافُ إلى ذلك عند بعضهم إذا كان ما عنده من الحديث ممّا تشتدّ الحاجة إلى أخذه ومعرفته. ولذلك نقل الذهبي عن بعض العلماء أنّ المبتدع الداعية إذا كان صادقا، وعنده سنّةٌ تفرّد بها، فإنّه لا يسوغ ترك تلك السنّة(7).
فأنت ترى في النهاية أنّ الاعتبار يعود إلى ملاحظة جملة القرائن والأحوال في الراوي والرواية، ومن هنا فإنّنا قد لا نعدّ ما ورد عن المتقدّمين من الأقوال المتباينة اختلافا في القواعد، وإنّما هو في غالبه اختلاف في التطبيق بحسب ما يترجّح من خلال القرائن والملاحظات، ومبلغ علم كلّ واحد منهم بأحوال الرواية والرواة.
قال الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله: " إذا وجدنا بعض الأئمّة الكبار من أمثال البخاري ومسلم لم يتقيّد فيمن أخرج لهم في كتابه ببعض القواعد، فذلك لاعتبارات ظهرت لهم رجّحت جانبَ الصدق على الكذب والبراءةَ على التهمة. وإذا تعارض كلامُ الناقد وكلامُ صاحبي الصحيحين فيمن أخرج لهم الشيخان من أهل البدع، قُدّم كلامُهما واعتبارُهما للراوي على كلام غيرهما، لأنّهما أعرفُ بالرجال من غيرهما"(8).
ــــــــــــــ
ملاحظات على أقوال الحافظ ابن حجر على هذه المرتبة
لقد كان الحافظ ابن حجر رحمه الله دقيقاً على حدٍّ بعيد في حكمه على رواة هذه المرتبة ، ولكن مما يؤخذ عليه ما يلي :
الملاحظة الأولى- لو قمنا بمقارنة بين التقريب وبين أصله التهذيب ، لوجدنا أن عديدا من رواة هذه المرتبة لم يضبطها الحافظ ابن حجر رحمه الله بشكل دقيق ، وغلب على أحكامه التوفيق بين الأقوال المختلفة ، دون التحقيق العميق فيها، لأنه ليست كل تهمة توجَّه للراوي تكون صحيحة ، وكان ينبغي على الحافظ رحمه الله أن يحقق في هذه التهمة ، حتى لا يغترَّ بها من جاء بعده ، فيردُّ حديث الراوي من أجلها.
مثال على ذلك أول ترجمة في التقريب :
1- أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي نزيل بغداد صدوق من العاشرة مات سنة ست وثلاثين د فق
وفي تهذيب التهذيب [ج 1 -ص 8 ] (1) د فق أبي داود وابن ماجة في التفسير أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد روى عن محمد بن ثابت العبدي وفرج بن فضالة وحماد بن زيد وعبد الله بن جعفر المديني ويزيد بن زريع وأبي عوانة وإبراهيم بن سعد وغيرهم.
روى عنه أبو داود حديثا واحدا وروى ابن ماجة في التفسير عن ابن أبي الدنيا عنه وأبو زرعة الرازي ومحمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن هارون وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وآخرون ،وكتب عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال :لا بأس به، وقال صاحب تاريخ الموصل :كان ظاهر الصلاح والفضل، قال موسى بن هارون مات ليلة السبت لثمان مضين من ربيع الأول سنة 236 ،قلت: وذكره ابن حبان في الثقات ،وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: ثقة صدوق."
قلت: فهذا الراوي يروي عن جماعة من الثقات ، ويروي عنه أئمة الحديث المعتبرين.
ويقول عنه الإمام يحيى بن معين (لا بأس به) وهي تساوي عنده ثقة كما مرّعنه في تفسيرها ، ويذكره ابن حبان في الثقات، ويقول عنه يحيى بن معين أيضاً : ثقة صدوق ، وهي على الصحيح من صيغ المبالغة ، وليس المقصود بها التردد في الحكم على الراوي ، فلماذا لا نقول عنه : (ثقة) ؟!!
وهل الثقة يحتاج لأكثر من هذا التعديل ؟!
وفي سير أعلام النبلاء(11/35)(15) أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَالِدٍ المَوْصِلِيُّ (د) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ،عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَشَرِيْكٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ، وَطَائِفَةٍ،حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
فالصواب من القول أن يقول عنه ثقة ، وعنئذ يكون حديثه صحيحاً لذاته ، وليس حسناً لذاته ....
الملاحظة الثانية - في بعض من وصفهم في هذه المرتبة (صدوق يهم ، يخطئ ، سيء الحفظ، يدلس، يرسل، اتهم بكذا ..) فيه نظر ، وهذه بعض الأمثلة على ذلك :
قوله مثلا في دراج أبي السمح.
(1824 ) دراج بتثقيل الراء وآخره جيم بن سمعان أبو السمح بمهملتين الأولى مفتوحة والميم ساكنة قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقب السهمي مولاهم المصري القاص صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف من الرابعة مات سنة ست وعشرين بخ 4
والصواب أن حديثه عنه حسن كما هو رأي الإمام يحيى بن معين وابن شاهين ، وابن عدي ، وقد صحح حديثه أو حسنه عن أبي الهيثم الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ...(9)
الملاحظة الثالثة - أحيانا نجد في قوله في مبالغة في غير محلها ، كقوله في ترجمة (2830 ) شهر بن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة بخ م 4
قلت : الصواب أنه صدوق يرسل، وأما الأوهام المزعومة ، فأكثرها غير صحيح ، والموجود منها ، ليس بوهم على الصحيح ،(10)
وفي السير" شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشْعرِيُّ (4، م مَقْرُوْناً)الشَّامِيُّ، مَوْلَى الصَّحَابِيَّةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيَّةِ، كَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ. وبعد أن استفاض في ترجمته قال قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سفيان: شَهْرٌ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ عَوْنٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ،قُلْتُ: الرَّجُلُ غَيْرُ مَدْفُوْعٍ عَنْ صِدْقٍ وَعِلْمٍ، وَالاحْتِجَاجُ بِهِ مُتَرَجِّحٌ".(11)
وكقوله في (6291 ) محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة ست وعشرين ع
أقول : بعد الرجوع لترجمته تبين لدىَّ أن رميه بالتدليس ليس صحيحا . وغاية ما تمسك به متهموه ، أن الليث بن سعد لقيه، وكان عنده كتاب عن جابر فقال له : هذا كله سمعته من جابر ؟ قال : لا ، قلت : فأعلم لي على ماسمعت ، قال : فاعلم لي على هذا الذي كتبته عنه .
أقول : ما الدليل على أن الأحاديث التي لم يسمعها من جابر ، كان يرويها عن جابر مباشرة ؟ وكذلك ممن سمع هذه الأحاديث؟ ولم يظهر لنا إلى الآن بالروايات المعنعنة عن جابر أن هناك واسطة بينهما ولا في رواية واحدة . علما أن طلاب جابر كانوا يقدمون أبا الزبير ليحفظ لهم أحاديث جابر ، فقد شهدوا له أنه أحفظهم لأحاديث جابر ، وقد لازمه مدة طويلة. كما أن الجماعة عدا البخاري أخرجوا لأبي الزبير عن جابر بالعنعنة ولم يعلوها بالإنقطاع ، علما أن ابن حبان اشترط في مقدمة صحيحه أن لايخرج لمدلس إلا إذا صرح بالتحديث وأخرج لأبي الزبير عن جابر بالعنعنة أحاديث فدلَّ على أن تهمة التدليس ليست ثابتة في حقِّه(12).
ــــــــــــــ
المرتبة السادسة
من قال فيه مقبول عند المتابعة وإلا فلين
هذا مصطلح جديد لم يسبق إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ومن ثم فقد أوقع من جاء بعده بحيرة شديدة ، وغموض !
وقد احتار من جاء بعده ماذا يقصد بهذه المرتبة التي أسرف في استعمالها وعدد الرواة الذين وصفهم بهذا الوصف ناف على (1588) راوياً .
إن العاني - رحمه الله - هو أول من قام بدراسة بعض مصطلحات الحافظ ابن حجر في التقريب ، ولاسيما هذه المرتبة والتي دونها ،وردَّ كثيرا من الأخطاء الشائعة حولهما ، وهوعمل جليل ونادر،نسأل الله تعالى أن يثيبه عليه خير الجزاء
ولا شك أنه قد بذل جهدا كبيرا في تبيان معنى المقبول عند الحافظ ابن حجر ، ووصل إلى نتائج طيبة بلا ريب ، ولا سيَّما فيما يتعلقُ برجال الصحيحين .
فأما ما نوافقه عليه فهو من قال عنه الحافظ ابن حجر من رجال الصحيحين: ( مقبول) فلا شكَّ أن حديثهم يدور بين الصحَّة والحسن ، وذلك لإجماع الأمة على صحة أحاديث الصحيحين ، ولكلام العلماء كالذهبي وغيره عن هؤلاء المقلِّين ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ عديدٌ مستورون ، ماضعفهم أحدٌ ، ولاهم بمجاهيل .
فكلام العاني عنهم في غاية الروعة والدقةِ ، وفي هذا ردٌّ على من يعتمدون على كتاب التقريب وحده ويضعِّفون أحاديث في الصحيحين بحجة أن ابن حجر ذكر فيهم كلاما أو قال عنهم ( مقبولون) ونحو ذلك ، فلم يقصد الحافظ ابن حجر تضعيف روايتهم في الصحيحين ، بل دافع عن رجال الصحيحين دفاعاً رائعاً ولا سيما في مقدمة فتح الباري-هدي الساري- والفتح وغيرهما من كتبه النفيسة والمحررة
قلت : من الاستقراء المبدئي الذي قمت به نلاحظ أنَّ غالب هؤلاء يدور حديثهم بين الصحة والحسن ، وقد توبعوا إلا نادراً.
وهذا فيه تأكيد لقول العاني رحمه الله ، ولكن الأمر يحتاج لتفصيل كامل حول كلِّ راو ، لأن حديث الثقة غير حديث الصدوق ، فما قاله العاني من عدم تصحيح الحديث إذا تفردوا به فيه نظر كبير ، كما رأينا .
ويمكن أن نقيس عليهم بقية الرواة الذين قال فيهم ذلك .والله أعلم
يعني أن حديثهم على حديثهم على الأقل حسناً لذاته ، ليس ضعيفاً .
إن مقصود الحافظ ابن حجر أنهم مقبولون استوفوا الشروط التي وضعها في التعريف بهم ، ومن ثمَّ فتضعيف الحديث الذي يرد من طريقهم عند عدم التابعة فيه نظر .
وهذا مثال أخير يدلُّ على تصحيح حديث المقبول أحياناً عند الحافظ ابن حجر ، وغيره ، وهو حديث من طريق نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنها ، وقد تفرد به ولم يتابع .
وهو في سنن أبى داود(4114 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى نَبْهَانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا لأَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً أَلاَ تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَدْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ « اعْتَدِّى عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ ».
وفي سنن الترمذى (3005 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةُ قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(13)
وقال النووي :" وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة"(14).
قلت : أما نبهان فالصواب أنه صدوق(15)
ورجال إسناده ثقات مشاهير كلهم ؛ غير نبهان مولى أم سلمة وقد وثق،وكفاه في توثيقه وعدالته أمران :
( أولهما ) تابعيته وكونه مولىً لأم المؤمنين أم سلمة زوج النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولهذا ذكره ابن حبان في الثقات قال : " نبهان أبو يحيى مولى أم سلمة . يروى عن أم سلمة . روى عنه الزهرى . وكانت أم سلمة قد كاتبته،وأدى كتابته فعتق"(16). وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " مقبول من الثالثة "(17)،يعنى من أوساط التابعين الذين يتلقَّى حديثهم بالقبول تبعاً لقاعدة الحافظ الذهبي - رحمه الله- حيث قال في ديوان الضعفاء : " وأما المجهولون من الرواة،فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقي بحسن الظنِّ ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ " .
ولهذا صرَّح الذهبي بتوثيقه من غير تورية،فقال في الكاشف:" نبهان . عن مولاته أم سلمة . وعنه : الزهري،ومحمد بن عبد الرحمن . ثقة "(18).
وفى هذا التصريح بتوثيقه وتعديله ؛ ردٌّ على من زعم أن ذكر الذهبي في ذيل الضعفاء تجهيل ابن حزم إيَّاه إقرار منه بأنَّه مجهول !! .
وهاهنا ينبغي تنبيه الناظر في بعض كتب الحافظ الذهبي،وبخاصةٍ ميزان الاعتدال،أنَّه ربما ذكر كلَّ ما يقال عن الراوي من تضعيف أو تجهيل،وينسبه لقائله من غير تعقيب أو نفيٍ لجهالةٍ،فيظنُّ من لا يعلمُ خطَّة الذهبي وشرطه في المذكورين أن ذلك إقرارٌ منه بالضعف أو التجهيل،وهذا بخلاف مقصد الذهبي وغايته من صنيعه هذا ! .
قال أبو الحسنات اللكنوي في الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل : " قد أكثر علماء عصرنا من نقل جروح الرواة من ميزان الاعتدال ؛ مع عدم اطلاعهم على أنَّه ملخَّص من الكامل لابن عدي،وعدم وقوفهم على شرطهما فيه في ذكر أحوال الرجال،فوقعوا به في الزلل،وأوقعوا النَّاس في الجدل،فإنَّ كثيراً ممن ذكر فيه ألفاظ الجرح : معدود في الثقات ؛ سالم من الجرح،فليتبصر العاقل،وليتنبه الغافل،وليجتنب المبادرة إلى جرح الرواة بمجرد وجود أالفاظ الجرح في حقِّه في الميزان،فإنه خسران أيُّ خسران . قال الذهبي في ديباجة ميزانه: "وفيه من تُكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنَى لينٍ،وبأقلِّ جرحٍ،فلولا أن ابن عدي وغيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروه لما ذكرته لثقته،ولم أر أن أحذف اسم واحدٍ ممن له ذكرٌ بتليينٍ في كتب الأئمة المذكورين،خوفاً من أن يُتعقب عليَّ،لا أني ذكرته لضعفٍ فيه عندي "(19)بتمامه .
( ثانيهما ) رواية الزهري عنه،ولا يضرُّه تفرده،فقد تفرَّد الزهري عن جماعة من تابعي المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره،ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .
__________
(1) - مقدمة فتح الباري 385 .
(2) انظر نخبة الفكر ذيل سبل السلام 4/230) . ونزهة النظر (ج 1 / ص 26)
(3) - التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر (ج 1 / ص 21)
(4) - انظر مقدمة فتح الباري/ 385
" فأما الخوارج فبدعتهم أول البدع في الإسلام ، وذلك حينَ شقوا عصا الطاعة وخرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه . والقدرية ، هُم القائلون بنفي القدر ، أي : أن الشر من خلق العبْد لا من خلق الله ، ومنه من يقول : لا يعلمه الله من المخلوق حتى يفعله . والرافضة : مبْغضو أبي بكر وعُمر وعثمان ، أو مكفروهم ، والغلاة في علي بن أبي طالب وأهل بيته ، والشيعة لقَبٌ يَشملهم ، لكن يدْخل فيه : مُجرد تقديم علي على أبي بكر وعُمر دونَ البُغض . والناصبة : من قابلوا الرافضة في بُغض علي وأهْل بيته . والمرجئة : من ذهب إلى أن الإيمان مُجرَّد اعتقادِ القلب وإقرار اللسان ، وأنَّ الأعمال ليست من الإيمان ، وعليه فهو لا يزيد ولا ينقص ، ومنهم من غلا فقال : لا يضرُّ مع الإيمان معصية . والجهمية : أتباع جهم بن صَفوان في نفي صِفات الباري تعالى ، واعتقاد خلق القرآن . والواقفة : هم من توقَّف في القرآن حين ظهرت المقالة فيه فقالوا : لا نقول هو مخلوق ، ولا غير مخلوق ". تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع (ج 1 / ص 480)
(5) - انظر تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع (ج 1 / ص 258-269)
(6) - الباعث الحثيث، أحمد شاكر، 84 .
(7) - انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 7/153 ـ 154 .
(8) - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، 396 .
(9) - انظر تهذيب التهذيب [ ج3 - ص180 ](397 ) والكامل 3/112-115 .
(10) - الكاشف (2336) وديوان الضعفاء (1903) وانظر الجامع في الجرح والتعديل (1838) والميزان : 2/284 والجرح والتعديل [ ج4 - ص382 ] (1668) والثقات للعجلي [ ج1 - ص461 ] (741) والتاريخ الكبير[ ج4 - ص258 ] (2730) وتهذيب الكمال[ ج12 - ص578 ] (2781) وتهذيب التهذيب[ ج4 - ص324 ] (635 )
(11) - سير أعلام النبلاء (4/372)(151 ) فما بعد
(12) - وقد تولَّى بالرد على من اتهمه بالتدليس صاحب كتاب تنبيه المسلم إلى تعدي الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- على صحيح مسلم فأفاد وأجاد
(13) - وانظر طريقه في المسند الجامع (ج 20 / ص 1061) (17622) وسنن البيهقي 7/92 والفتح 1/550 و12/37 وشرح السنة 9/24 والإتحاف 6/491 والخطيب في التاريخ 3/16 و8/339 وموارد الظمآن (1968) والإحسان(5575) والنسائي في الكبرى(9241) وإسحاق في مسنده(34) وأبو يعلى (6922) والتمهيد لابن عبد البر 19/154و156وابن سعد 8/175و178 وعشرة النساء للنسائي(341-7997 بتحقيقي) ،وقال ابن الملقن في البدر المنير (ج 7 / ص 512) هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
(14) - شرح النووي على مسلم (ج 5 / ص 240) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة (ج 10 / ص 2426) رقم الفتوى 72743 تعليل اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم
(15) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 559 ](7092 ) وقال : مكاتب أم سلمة مقبول من الثالثة وفي الكاشف[ ج 2 -ص 316 ](5795 ) ثقة، وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ ج 8 -ص 135 ] (2466 ) والثقات لابن حبان [ ج 5 -ص 486 ](5854) وسكت عليه في الجرح والتعديل [ ج 8 -ص 502 ] ( 2300 )
(16) - الثقات (5/486/
(17) - التقريب (1/559/ 7092 )
(18) - الكاشف (2/316/5759)
(19) - الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل ( ص142)(1/308)
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "وَهُوَ حَدِيث أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْهَا وَإِسْنَاده قَوِيّ،وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة،فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته"(1)
قلت : وهذا أحد المواضع التي تبين معنى قول ابن حجر عن الراوي : " مقبول" بأنَّه- ثقةٌ أو صدوقٌ-عنده ؛ خلافاً للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين،فليتنبه لمثله !! .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - فتح الباري (ج 15 / ص 48)(1/309)
القسم الثاني من المرتبة السادسة عند ابن حجر لين الحديث
إن لفظة ( لين الحديث ) عندما يطلقها أهل النقد من المحدثين في الراوي ، تفيد ضعفاً يسيراً لا يسقط حديثه بسبب هذا اللين .
قال العاني رحمه الله بعد ذكر بعض النماذج :" ومن خلال هذه النماذج نقول : إن حكم حديث لين الحديث عند ابن حجر ، لا يقلُّ مرتبة عن رتبة حديث المقبول ، وإنما فرَّق بينهما في الاصطلاح لما قدمناه ، ولما يترتب على ذلك عند التعارض
فحديث ليِّن الحديث عند ابن حجر حسن لذاته ، أمَّا إذا اعتضد بالشواهد ارتفع إلى الصحيح لغيره ، كما علمنا من صنيع ابن حجر ، ومن تصريح السخاوي ، والله أعلم"(1).
وقال العاني - رحمه الله - : " والخلاصة : أن ليَّن الحديث عند ابن حجر اصطلاح خاصٌّ به لا يقابل ليِّن الحديث عند غيره من النقاد ، بل يعني تفرد المقبول برواية ما ، وإن ليَّن الحديث عند ابن حجر حسَّن لأصحابها غير واحد من العلماء ، وجعلها السخاوي مثالاً للحسن الذاتي ، واحتجَّ أصحاب الصحيح سوى البخاري بها"(2).
إن ما ذهب إليه العاني رحمه الله يجعل كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في حكمه على الراوي بأنه ليِّن الحديث عبثاً لا قيمة له بتاتاً ، صحيح أنه لم ينص على مرتبة من هذا القبيل كما ذكرت من قبل ، ولكنه نصَّ على رواة بأنهم ( مقبولون ) ورواة بأنهم ( ليِّنو الحديث ، أو فيهم لين ) فلا يمكن اعتبارهما شيئاً واحدا حسب تقسيمه هو، فلمَّا فرَّق بينهما ، فلا يجوز اعتبارهما شيئاً واحداَ ، ولا سيما أن هذا مخالف لقواعد الاصطلاح واللغة والمنطق السليم .
وفي الحقيقة هذا تقويل له ما لم يقل ، لأنه بيَّن لنا الراوي المقبول من الراوي لين الحديث صراحة لا ضمنا ، فلماذا هذا التعسُّف في فهم كلامه ، وهو واضح هنا لا لبس فيه .؟!!.
ومن ثمَّ فلا نستطيع الجزم بهذه النتيجة من خلال هذه الأمثلة القليلة التي ساقها العاني رحمه الله ، وسوف أورد ما قاله عن هذه المرتبة وما قاله غيره لنرى بعدها النتيجة سلباأم إيجاباً .
وهناك رواة قال عنهم صدوق لين الحديث أو صدوق فيه لين ، فهؤلاء بعد التتبع والاستقراء غالبهم أحاديثهم حسان ، ولهم أخطاء قليلة جدا ، ولو قلنا بأن حديثهم يحسن لذاته بالمقارنة مع أحكام غير الحافظ ابن حجر عليهم ، لكان قولنا سديداً، سوى الأحاديث التي أخطئوا فيها ولم نجد لها عاضداً .
انظر هذه الأمثلة من التقريب مع مقارنتها بالكاشف وغيره :
(254) إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي صدوق لين الحفظ من الخامسة م 4
وفي الكاشف (209)- إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي عن إبراهيم النخعي وطارق بن شهاب وخلق وعنه شعبة وزائدة وعدة قال القطان والنسائي ليس بالقوي وقال أحمد لا بأس به م 4
(276 )إبراهيم بن يوسف الحضرمي الكوفي الصيرفي صدوق فيه لين من العاشرة أيضا مات سنة تسع وأربعين أو بعدها س
وفي ميزان الاعتدال (260 ) إبراهيم بن يوسف الحضرمي الكندى الكوفى الصيرفى.،عن ابن المبارك، وعبيدالله الاشجعى،وعنه النسائي في اليوم والليلة، ويحيى بن صاعد، وعمر بن بحير. قال مطين وغيره: صدوق،وقال النسائي: ليس بالقوى.
أمَّا من قال فيهم ليِّن أو ليِّن الحديث أو فيه لين فهذا أمثلة عنهم تبين أحوالهم مرتبة من البداية:
(78 ) أحمد بن عبيد بن ناصح أبو جعفر النحوي يعرف بأبي عصيدة قيل إن أبا داود حكى عنه وهو لين الحديث وهو من الحادية عشرة مات بعد السبعين د
وفي التهذيب : أبي داود أحمد بن عبيد بن ناصح بلنجر البغدادي أبو جعفر النحوي المعروف بأبي عصيدة روى عن أبي عامر العقدي وأبي داود الطيالسي والواقدي وغيرهم وعنه عبد الله بن إسحاق الخراساني وأبو بكر محمد بن جعفر الآدمي والقاسم بن محمد الأنباري وغيرهم قال ابن عدي حدث عن الأصمعي ومحمد بن مصعب بمناكير وقال الحاكم أبو أحمد لا يتابع في جل حديثه مات بعد السبعين ومائتين روى أبو داود في السنن عن أحمد بن عبيد عن محمد بن سعد كلاما فقيل هو هذا قلت وقال الحاكم أبو عبد الله هو إمام في النحو وقد سكت مشائخنا عن الرواية عنه وقال ابن حبان في الثقات ربما خالف وقال ابن عدي هو عندي من أهل الصدق وقال النديم كان مؤدب المنتصر وأورد الذهبي عنه في ترجمة الأصمعي حديثا منكرا وقال أحمد بن عبيد ليس بعمدة(3)
قلت: فمن كانت هذه حاله، فهل يكون حديثه دائما حسناً لذاته، عند الحافظ ابن حجر؟
(252 ) إبراهيم بن مسلم العبدي أبو إسحاق الهجري بفتح الهاء والجيم يذكر بكنيته لين الحديث رفع موقوفات من الخامسة ق
وفي الكاشف ( 206) إبراهيم بن مسلم الهجري الكوفي عن ابن أبي أوفى وغيره وعنه شعبة وجعفر بن عون وعدة ضعف ق
قلت: فمن كانت هذه حاله فهل يكون حديثه دائما حسناً لذاته عند الحافظ ابن حجر ؟!
والخلاصة أننا لا نستطيع الجزم بما جزم به العاني رحمه الله من تحسين مرتبة لين الحديث دائما ، وإلا كانت لا قيمة لها أصلا ، فلماذا أفردها الحافظ ابن حجر بكلام مفصول عن مرتبة المقبول ؟!!!
لا يمكن أن تكون مرادفة لها لا لغة ولا اصطلاحا ولا واقعاً . فالصواب من القول أنه استخدمها كما استخدمها غيره من علماء الجرح والتعديل.
ــــــــــــــ
المرتبة السابعة
من قال فيه مجهول الحال أو مستور
من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال.
قال الحافظ العراقي رحمه الله(4):
"اختلفَ العلماءُ في قَبولِ روايةِ المجهولِ ، وهو على ثلاثةِ أقسامٍ : مجهولِ العينِ ، ومجهولِ الحالِ ظاهراً وباطناً ، ومجهولِ الحال باطناً .
القسمُ الأولُ : مجهولُ العَيْنِ ، وهو مَنْ لم يروِ عنه إلا راوٍ واحدٌ . وفيه أقوالٌ :
الصحيحُ الذي عليه أكثرُ العلماءِ من أهلِ الحديثِ ، وغيرِهم ، أنّهُ لا يقبلُ .
والثاني: يقبلُ مطلقاً.وهذا قولُ مَنْ لم يشترطْ في الراوي مزيداً على الإسلامِ.
والثالثُ : إن كان المنفردُ بالروايةِ عنه لا يروي إلا عَنْ عَدْلٍ ، كابنِ مهديٍّ ، ويحيى بنِ سعيدٍ ، ومَنْ ذُكرَ معهُما ، واكتفينا في التعديلِ بواحدٍ قُبلَ ، وإلاّ فلا .
والرابعُ : إنْ كان مشهوراً في غيرِ العلمِ بالزُّهْدِ ، أو النَّجْدةِ قُبلَ ، وإلاّ فلا . وهو قولُ ابنِ عبدِ البرِّ ، وسيأتي نقلهُ عنه .
والخامسُ : إنْ زَكَّاه أحدٌ من أئمةِ الجرحِ والتعديلِ مع روايةِ واحدٍ عنهُ قُبل ، وإلاّ فلا . وهو اختيارُ أبي الحسنِ بنِ القطّانِ في كتابِ " بيان الوهمِ والإيهامِ " .
والقسمُ الثاني : مجهولُ الحالِ في العدالةِ في الظاهرِ والباطنِ ، مع كونِهِ معروفَ العَيْنِ بروايةِ عدلينِ عنه . وفيه أقوالٌ :
أحدُها : وهو قولُ الجماهيرِ ، كما حكاهُ ابنُ الصلاحِ أنَّ روايتَهُ غيرُ مقبولةٍ.
والثاني : تقبلُ مطلقاً ، وإنْ لم تقبلْ روايةُ القسمِ الأولِ . قال ابنُ الصلاحِ : وقد يَقبلُ روايةَ المجهولِ العدالةِ مَنْ لا يَقبلُ روايةَ المجهولِ العينِ .
والثالثُ : إنْ كانَ الراويانِ ، أو الرواةُ عنه فيهم مَنْ لا يَروِي عن غيرِ عَدْلٍ قُبِلَ ، وإلاَّ فلاَ .
والقسمُ الثالثُ : مجهولُ العدالةِ الباطنةِ ، وهو عدلٌ في الظاهرِ ، فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ ، وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ ، قال : لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي ؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ ، فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ . وتُفَارِقُ الشهادَةَ ، فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ،ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ ، فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ.
قالَ ابنُ الصّلاحِ : ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم ، وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم ، واللهُ أعلمُ ."
ما ترتفع به جهالة العين:
والمقصود بجهالة العين أن الراوي لم يروِ عنه إلا واحد .
ذهب الخطيب البغدادي إلى أن (أَقَلُّ مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْجَهَالَةُ أَنْ يَرْوِيَ عَنِ الرَّجُلِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ كَذَلِكَ)(5)
بينما ذهب فريق من العلماء كيحيى بن معين والذهبي وابن حجر في ،حد رأييه وغيرهم إلى أن جهالة العين ترتفع بأن يروي عنه اثنان فصاعداً دون أن يشترط فيهما أن يكونا مشهورين في أهل العلم .
وذهب ابن خزيمة وابن حبان من بعده إلى أن مجهول العين ترتفع جهالته برواية واحدٍ مشهور .
ثانيا: ما ترتفع به جهالة الحال:
والمقصود من جهالة الحال أن لا يعرف الراوي بجرح ولا تعديل .
ذهب جمهور المحدثين إلى أن من وردت روايته في كتب الصحيح ارتفعت جهالة حاله
وذهب الدارقطني فيما نقله عنه السخاوي أن: ( من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته )(6).
وذهب ابن حبان إلى أن كلَّ من روى عنه راو مشهور قد ارتفعت جهالة عينه وكل من ارتفعت جهالة عينه ولم يعرف فيه جرح فهو عدل ، أي أن جهالة الحال ترتفع مع جهالة العين إذا لم يعرف فيه جرحٌ للعلماء
4- اعتباراتٌ هامةٌ في حكم رواية المجهول:
الاعتبار الأول - حكم رواية المجهول باعتبار نوع الجهالة المتعلقة به:
ويمكن معرفة هذه الأحكام من خلال معرفتنا لأنواع الجهالة التي تلحق الراوي . وهي:
1- جهالة العين:
وللعلماء في حكم الراوي الذي جهلت عينه مذاهب وهي:
أولا: ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول رواية مجهول العين مطلقاً وحجتهم أن العدالة شرط في صحة الرواية فمن جهلت عينه جهلت عدالته من باب أولى.
يقول ابن كثير: (فأما المبهم الذي لم يسمّ اسمه أو من سمي ولا تعرف عينه فهذا من لا يقبل روايته أحد علمناه)(7)
وصرح ابن حجر بهذا فقال في اللسان: (إذ المجهول غير محتج به)(8)
ثانيا: ذهب الحنيفة ومن معهم إلى قبول روايته مطلقا لأنهم لم يشترطوا في الرواة مزيداً على الإسلام .
ثالثا: إذا تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن ثقة كعبد الرحمن بن مهدي قبلت روايته وإلا فلا: قال الخطيب: ( إِذَا قَالَ الْعَالِمُ : كُلُّ مَنْ أَرْوِي لَكُمْ عَنْهُ وَأُسَمِّيهِ فَهُوَ عَدْلٌ رِضًا مَقْبُولُ الْحَدِيثِ , كَانَ هَذَا الْقَوْلُ تَعْدِيلًا مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَسَمَّاهُ , وَقَدْ كَانَ مِمَّنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ)(9).
رابعا: ذهب علي بن عبد الله بن القطان إلى أن مجهول العين إذا زكاه مع راويه الواحد أحد أئمة الجرح والتعديل قبلت روايته . وإلا فلا(10).
خامسا: ذهب ابن عبد البر إلى قبول رواية مجهول العين إذا كان مشهوراً بشيء من مكارم الأخلاق من نجدة أو كرم أو ما إلى ذلك من غير العلم . وإلا فلا .(11)قال ابن الصلاح: بلغني عن أبي عمر ابن عبد البر وجادة قال: (كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أمور يكون رجلاً مشهوراً في غير حمل العلم واشتهار مالك بن دينار بالزهد وعمرو بن معد مكرب بالنجدة)(12).
2- جهالة الباطن:
وهي أن يكون الراوي عدلاً في ظاهره ، مجهول العدالة من حيث الباطن . وهو ما يسمى بالمستور عند المحدثين .
وللعلماء في قبول رواية المستور مذاهب يمكن إجمالها فيما يلي:-
أولا: ذهب الجمهور إلى عدم قبول روايته ما لم تثبت عدالته . وهو قول الشافعي . ومبناه أن أمور رواية الراوين عنه تعريف به لا توثيق له وأن قبول الرواية مبني على التوثيق لا على التعريف .(13).
ثانيا: ذهب أبو حنيفة وبعض الشافعية إلى قبول روايته ما لم يعلم الجرح فيه .
قال السيوطي(14): (وروايةُ المَسْتُور, وهو عدل الظَّاهر, خفيُّ البَاطن أي: مجهول العَدَالة باطنًا يحتجُّ بها بعض من ردَّ الأوَّل, وهو قول بعض الشَّافعيين كسليم الرَّازي.
قال: لأنَّ الإخبار مَبْنيٌّ على حُسْن الظَّن بالرَّاوي, ولأنَّ رِوَاية الأخبار تَكُون عند من يتعذَّر عليه معرفة العَدَالة في الباطن, فاقتصر فيها على مَعْرفة ذلك في الظاهر, بخلاف الشَّهادة, فإنَّها تَكُون عند الحُكَّام, فلا يتعذَّر عليهم ذلك.
قال الشَّيخ ابن الصَّلاح(15): ويشبهُ أن يَكُون العمل على هذا الرأي في كثير من كُتب الحديث المشهورة في جَمَاعة من الرُّواة تقادم العهد بهم, وتعذَّرت خبرتهم باطنًا وكذا صحَّحه المُصنِّف في «شرح المُهذَّب».) .
الاعتبار الثاني: موقف العلماء من رواية المجهول بالنظر إلى طبقته :
ومن العلماء من تعامل مع المجاهيل ومروياتهم من جهة قربهم أو بعدهم عن عصر الرسالة .
وبهذا الاعتبار فأنهم صنفوا المجاهيل إلى أربع طبقات ، كل طبقة لها حكمها الخاص بها . وهذه الطبقات هي:-
1-المجاهيل من الصحابة:
والمقصود بالمجهول من الصحابة هو من جهل اسمه أو جهل اشتهاره بالعلم . والعلماء مجمعون على أن الجهالة مرفوعة عن الصحابة لأن عدالتهم ثابتة بتعديل الله تبارك وتعالى لهم.
2-المجاهيل من كبار التابعين وأوساطهم:
وهم الذين تتلمذوا على أيدي الصحابة الكرام فأمثال هؤلاء يقبل حديثهم إذا سلم من المخالفة . قال الذهبي: (وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقِّي بحسن الظنِّ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ)(16).
3.إذا كان من صغار التابعين:
وأما إذا كان الراوي من صغار التابعين فإن العلماء قالوا في روايته ما يلي:- (وأما إن كان الرجل منهم - أي من المجاهيل - من صغار التابعين فسائغ رواية خبره ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي وتحريه)(17).
الاعتبار الثالث: حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنهم:-
ومن العلماء من كان ينظر إلى المجاهيل وحكم مروياتهم من خلال النظر إلى مرتبة من يروي عن أولئك المجاهيل . من حيث الوثاقة والاعتبار . ومن هذا المنظار فان رواية المجاهيل يمكن تصنيفها كالأتي:-
1-حكم رواية المجهول إذا روى عنه الضعفاء:-
فهؤلاء لم أجد من العلماء من ذهب إلى اعتبار روايته سواء المتشددون منهم أو المتساهلون ، فهذا ابن حبان على الرغم من تساهله في التوثيق فإنه يقول: (وأما المجاهيل الذين لم يروِ عنهم إلا الضعفاء فإنهم متروكون على الأحوال كلها)(18)،لأن الضعف قد انتاب روايتهم من طرفين الأول جهالة الراوي والثاني ضعف الناقلين لتلك الرواية .
2-حكم رواية المجهول إذا روى عنه المشهورون:-
أما إذا روى عن المجهول أناس عدول أو مشهورون فإن للعلماء في قبول روايته مذاهب قدمناها آنفاً عند حديثنا على رواية مجهول الحال .
3. حكم رواية المجهول إذا روى الأثبات عنه:-
أما إذا انفرد الثقات الأثبات بالرواية عن ذلك المجهول فإن حكم روايته عند العلماء كما يلي:-
1.ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول روايته حتى تثبت عدالته لجواز أن يروي الثقة عمن ليس بثقة ظناً منه أنه ثقة . وهو مبني على أن رواية الثقة عن غيره ليست توثيقاً له(19).
2.مذهب من يرى أن رواية الثقة عن غيره تعديل له إن من روى عن المجهول وهو ثقة قبلت روايته عنه .
يقول الدكتور فاروق حمادة (وهذا في الحقيقة لازم لكل من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها تعديل له ، بل عزاه النووي في مقدمة شرحه على مسلم لكثير من المحققين وكذلك محمد بن إسحق بن خزيمة ذهب إلى أن جهالة العين ترتفع براو واحد مشهور وإليه يومئ قول ابن حبان: العدل من لم يعرف فيه جرح فمن لم يجرح فهو عدل حتى يثبت جرحه)(20).
وصرح ابن حبان بهذا وهو يتكلم عن منهجه في ثبوت العدالة فقال: (إذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو ثقة)(21).
ــــــــــــــ
المطلب الثاني
من قال فيه مجهول الحال
من قال عنه مجهول الحال (62) راوياً، فهو كما قال ،كقوله في ترجمة أبان ابن طارق بصري مجهول الحال من السادسة د (139)
وفي التهذيب أبان بن طارق البصري،روى عن نافع وكثير بن شنظير وعنه خالد بن الحارث ودرست بن زياد قال أبو زرعة مجهول، وقال أبو أحمد ابن عدي لا يعرف إلا بهذا الحديث: « مَنْ دُعِىَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا »(22). وليس له أنكر منه ،وله غيره حديثان أو ثلاثة. (أبو داود)(23)
قلتُ : ومما يؤخذ عليه على سبيل المثال ،كقوله في ترجمة إبراهيم بن إسماعيل اليشكري مجهول الحال (152)
أقول : روى عنه: أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني (ق)، ومعمر بن سهل الأهوازي.وروى أبو بكر عبد الرحمن بن عبدالملك بن شيبة الحزامي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن نصر التبان، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة فيحتمل أن يكونا واحدا، والله أعلم ..(24)
وكقوله في ترجمة إسحاق بن كعب بن عجرة مجهول الحال (380) .
قلت : روى عنه ابنه سعد بن إسحاق ، ووثقه ابن حبان وقال ابن القطان : مجهول الحال ما روى عنه غير ابنه سعد التهذيب(25).
أقول : وروى عنه أبو معشر كما في مسند أحمد4/29 (16795) وبهذا تزول جهالته . وصحح البوصيري إسنادا من طريقه(26)
وفي ميزان الاعتدال (781 ) إسحاق بن كعب [ د، ت، س ] بن عجرة.تابعي مستور،وسكت عليه أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري(27)
وقد قال الحافظ الذهبي في ديوان الضعفاء: (وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثُه وتلقِّيَ بحسن الظنِّ ؛ إذا سلِم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ) " .
قلت : وهؤلاء ينطبق عليهم كلام الحافظ الذهبي ، وأوردهم الحافظ ابن حجر في التقريب ، وقال عنهم ( مجهول الحال)
ــــــــــــــ
المطلب الثالث
من قال فيه مستور
والسادس : من قال عنه مستور
" لقد قسّم العلماء المجهول إلى أقسام ، أشهرها تقسيم ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام:
1- المستور : وهو من روى عنه عدلان ، أو روى عنه إمام حافظ -نصّ على هذه الإضافة ابن رجب ، في شرح العلل- . فالمستور عُلمت عدالته الظاهرة ، وجُهلت عدالته الباطنة .
2- مجهول الحال : مَنْ جُهلت عدالته الظاهرة والباطنة ، لكن عُرفت عينه . وهو من لم يرو عنه إلا رجل واحد ليس من النقاد .
3- مجهول العين : مَنْ جُهلت عدالته الظاهرة والباطنة ، ولم تعرف عينه ، وهو كالمبهم .
أما حكم مستور الحال : فمن ناحية العدالة يُكتفى بالعدالة الظاهرة ، مع الرواة الذين تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم ؛ لتقادم العهد بهم . وأيضاً نكتفي بالعدالة الظاهرة للرواة المتأخرين ، وهم رواة النسخ ، أما سوى ذلك فلا يكتفي العلماء بالعدالة الظاهرة .
أما مجهول الحال والعين : فنتوقف عن قبول حديثهم ، ومآل هذا التوقف عدم العمل بالحديث ، لذلك تجد العلماء يقولون : حديث ضعيف ، فيه فلان وهو مجهول ، مع أن الأدق أن يقال : حديثه تُوُقِّفَ فيه ؛ لأن فيه فلاناً وهو مجهول ، لكن لما كان التوقف مآله عدم العمل ، أصبح هو والتضعيف متقاربان ، فأطلق العلماء الضعف عليه تجوّزاً ، وهو في محلِّه ، وليس خطأ تضعيفه .
لكن الأمر الدقيق : ما هي مرتبة ضعف حديث المجهول ؟ هل هو في مرتبة الاعتبار به ، ويتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد ، أم لا يتقوَّى بنفسه ، ولا يُقوّي غيره ؟ فهل هو شديد الضعف أو خفيف الضعف ؟
فالجواب : أننا لا نستطيع أن نحكم بحكم عام على جميع المجهولين حالاً أو عيناً ، بل نقول هؤلاء حكمهم يختص بالحديث الذي يروونه ، فإذا رووا حديثاً شديد النكارة ، فهذا لا يتقوَّى أبداً ، كأن تظهر فيه علامات الوضع وغيرها ، ومجهول الحال أخفُّ حالاً من مجهول العين .
قلتُ : ورواية مستور الحال يحتجُّ بها لدى طائفةٍ معتبرةٍ من العلماء ، قال الحافظ السيوطي في تدريب الراوي(28):
"وروايةُ المَسْتُور, وهو عدل الظَّاهر, خفيُّ البَاطن أي: مجهول العَدَالة باطنًا يحتجُّ بها بعض من ردَّ الأوَّل, وهو قول بعض الشَّافعيين كسليم الرَّازي،قال: لأنَّ الإخبار مَبْنيٌّ على حُسْن الظَّن بالرَّاوي, ولأنَّ رِوَاية الأخبار تَكُون عند من يتعذَّر عليه معرفة العَدَالة في الباطن, فاقتصر فيها على مَعْرفة ذلك في الظاهر, بخلاف الشَّهادة, فإنَّها تَكُون عند الحُكَّام, فلا يتعذَّر عليهم ذلك،قال الشَّيخ ابن الصَّلاح(29): ويشبهُ أن يَكُون العمل على هذا الرأي في كثير من كُتب الحديث المشهورة في جَمَاعة من الرُّواة تقادم العهد بهم, وتعذَّرت خبرتهم باطنًا وكذا صحَّحه المُصنِّف في «شرح المُهذَّب».
__________
(1) - انظر منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني ص(83-84)
(2) - انظر منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني ص(85)
(3) - تهذيب التهذيب[ ج1 - ص52 ](103)
(4) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 114)
(5) -الكفاية/ 111 .
(6) -فتح المغيث/ السخاوي 1/320 .
(7) -اختصار علوم الحديث/ابن كثير 81 وانظر الموجز 157 والجرح والتعديل (بحث في الرسالة الإسلامية/ د. حارث سليمان الضاري 83-84 .
(8) - لسان الميزان لابن حجر 1/4 .
(9) -الغاية/ 115 .
(10) -نزهة النظر/ 50 .
(11) - فتح المغيث 1/316 .
(12) -مقدمة ابن الصلاح/ 496 .
(13) -مقدمة ابن الصلاح/ 225 ، وتدريب الراوي 1/316-317 .
(14) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)
(15) -مقدمة ابن الصلاح/ 225 .
(16) -ديوان الضعفاء والمتروكين/ الذهبي 374 .
(17) -المصدر السابق 374 .
(18) -لسان الميزان 1/14 .
(19) -الكفاية/ 112 .
(20) -المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل/ د. فاروق حمادة/ 306 .
(21) -الصحيح/ لابن حبان 1/115 .
(22) - وقال ابو داود عقبه (3743):أَبَانُ بْنُ طَارِقٍ مَجْهُولٌ.، قلت : قد وردت شواهد للحديث تحسنه
(23) - تهذيب التهذيب (ج 1 / ص 83)(170 )
(24) - تهذيب الكمال للمزي (ج 2 / ص 50)(151 ) وراجع التهذيب 1/107 (186)
(25) - تهذيب التهذيب (ج 1 / ص 217) (465)
(26) - اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (ج 3 / ص 29)[2292] و وقد حسن له الألباني بعض أحاديثه في تعليقه على سنن أبي داود برقم (1302 ) ولكن لغيره ،وصحح له الحاكم بعض أحاديثه (2406 و7256 ) ووافقه الذهبي في الثاني وأعلَّ الأول بغيره ، وصحح له حديثا ابن خزيمة (1137) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/116: رجاله ثقات.
(27) - ميزان الاعتدال (ج 1 / ص 196)781 و الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 2 / ص 232) والتاريخ الكبير [ ج1 - ص400] (1275)
(28) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)
(29) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 21)(1/310)
وقال الحافظ ابن حجر في تعليقه على حديث(1): " كَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ إِذَا سَمِعَ أَحَدَنَا يَقْرَأُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ : " صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَخَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمَا فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"(2).
وهو حديث حسن، لأن رواته ثقات ولم يصب من ضعفه بأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يسم ، فقد ذكره البخاري في "تأريخه" فسماه: يزيد ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا، فهو مستور اعتضد حديثه، وقد احتجَّ أصحابنا وغيرهم بما هو دون ذلك."
وقد صحح بعض أهل العلم حديث المستور ، كما في مسند البزار(740) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : ائْذَنُوا لِلطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلاَّ عَنْ عَلِيٍّ ، وَهَانِئُ بْنُ هَانِئٍ لاَ نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إِلاَّ أَبُو إِسْحَاقَ.
وفي تقريب التهذيب (7264 ) هانئ بن هانئ الهمداني بالسكون الكوفي مستور من الثالثة بخ 4
وفي الكاشف ( 5938 ) هانئ بن هانئ الهمداني عن علي وعنه أبو إسحاق قال النسائي ليس به بأس د ت ق
وفي تهذيب الكمال ( 6548 ) بخ د ت ص ق هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي روى عن علي بن أبي طالب بخ د ت ص ق روى عنه أبو إسحاق السبيعي بخ د ت ص ق ولم يرو عنه غيره قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ،روى له البخاري في الأدب والنسائي في خصائص علي وفي مسنده والباقون سوى مسلم."
فهو في الحقيقة مجهول العين ، لأنه لم يرو عنه إلا واحد ، لكن ورد توثيقه من معتبر ، فرتفع إلى مجهول الحال أو مستور.(3)،والراجح أنَّ حديثه حسن .
ومن الأمثلة على ذلك : عبد الرحمن بن كيسان مولى خالد بن أسيد قال عنه في التقريب ( مستور ) وقال في الإصابة في ترجمة والده كيسان روى عنه عبد الرحمن حديثاً أخرجه ابن ماجة بسند حسن(4)
قلت : هو في مسند أحمد(15843و15844) وسنن ابن ماجه(1103 ) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبِى كَيْسَانَ مَا أَدْرَكْتَ مِنَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ رَأَيْتُهُ يُصَلِّى عِنْدَ الْبِئْرِ الْعُلْيَا بِبِئْرِ بَنِى مُطِيعٍ مُلَبَّباً فِى ثَوْبٍ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَصَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ. وقال الشيخ شعيب : إسناده محتمل للتحسين، وحسنه الألباني في التعليق على سنن ابن ماجة.
قلت : لا بد من التفصيل في المستور ، فلا يمكن اعتبار مستور القرن الثاني والثالث ، كمستور القرن الأول ، لأن مساتير القرن الأول تعذرت الخبرة بباطنهم ، والصواب قبول حديثهم.
ــــــــــــــ
القولُ الفصلُ في الرواة المسكوت عنهم
أقول : لقد تبين لديَّ بالاستقراء أنَّ كلَّ راوٍ سكتَ عليه الإمامُ البخاري في التاريخ وآبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل،وقال عنه الإمام الذهبي وُثِّقَ أو الحافظ ابن حجر (مقبول ) أو كانوا من الطبقة الثالثة حتى السادسة ممن قيل فيه مجهول الحال أو مستور ، فحديثه حسنٌ إن شاءَ اللهُ تعالى إذا لم يخالف أو ينكر عليه.
وهو الذي يحِّسنُ له عادة الإمام الترمذي أو يصحح له ابن حبان أو ابن خزيمة أو الحاكم في المستدرك،ويحسِّنُ له الإمام المنذري في الترغيب والترهيب أو الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد أو الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء،وهو عادة يكون من الرواة المقلين،فليس له سوى حديث أو حديثين،وغالب هؤلاء في التابعين .
وقد غفل عن هذه القاعدة أكثر الباحثين اليوم،فتراهم من كان بهذه الشاكلة يضعفون حديثه،فكم من حديث حسنه أو صححه الأقدمون بناء على هذه القاعدة فجاء المعاصرون فضعَّفوه،وذلك لعدم فهمهم هذه القاعدة،التي جرى عليها العمل في الجرح والتعديل .
قال الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في تعليقه على كتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي رحمه الله :
"وعلى هذا، فيكون اعتبار السكوت من باب التعديل أولى من اعتباره من باب التجهيل،وهو الذي مشى عليه جمهور كبار الجهابذة المتأخرين .
وفي كتاب الجرح والتعديل ":باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه،وعن المطعون عليه أنها لا تقويه حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه ؟ قال إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه ؟ قال أي لعمري،قلت: الكلبي روى عنه الثوري،قال إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء،وكان الكلبي يُتكلَّمُ فيه،والتعجب فتعلقوا عنه روايته(5).
فهذا نصٌّ في أن الثقة إذا روى عن رجلٍ لم يضعَّف،نفعه ذلك،فسكوت البخاري ِّ وابن أبي حاتم وغيرهما يدلُّ على تقوية الرجل إذا روى عنه الثقة،ولذلك يقول ابن حجر مراراً : إنَّ البخاريَّ أو ابن أبي حاتمَ ذكره وسكت عليه،أو لم يذكر فيه جرحاً .
وخالف الجمهور في ذلك : الحافظُ ابن القطان أبو الحسن علي بن محمد الفاسي المغربي،المشهور بابن القطان المتوفى سنة 628 هـ رحمه الله،فاعتبر سكوت أحد هؤلاء الحفاظ النقاد عن الراوي تجهيلاً لهُ !!
وابن القطان هذا معروف بتعنته وتشدده في الرجال،كما ذكر ذلك الإمام الذهبي في مواضع من كتبه،منها في ترجمته في تذكرة الحفاظ 4/1407،ومنها في ترجمته في تاريخ الإسلام كما نقله الدكتور عواد بشار معروف في كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص 173،ومنها في الميزان 4/301 في ترجمة (هشام بن عروة ) ونكَّتَ عليه فيه،وعاب تشدده وخلْطهُ الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلِّطين
وفي نصب الراية : "حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجِلْدِ : أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ أَوْ جِلْدٍ..اهـ(6)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْجِلْدِ انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ مُوسَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ،قَالَ : وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،وَلَمْ يُعَرِّفْ مِنْ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ،فَهُوَ عِنْدَهُ مَجْهُولٌ،وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا مَجْهُولٌ،قَالَ : وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ مِمَّنْ يَذْكُرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ،وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِأَحَدِهِمْ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْهُ بِالصُّحْبَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ(7).
وفي نصب الراية : "قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " : كُلُّ مَنْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَعْرُوفٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ،وَمَجْهُولُ الْحَالِ،وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ .
والدراوردي يَقُولَانِ : عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَقَالَ عثمان ابن عُمَرَ أَنْبَأَ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ،وَذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْبُخَارِيُّ،وَلَمْ يُعْرَفْ هُوَ،وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ،فَهُوَ عِنْدَهُمَا مَجْهُولٌ انْتَهَى كَلَامُهُ(8).
وقد حمَّل ابنُ القطان البخاريُّ وابن أبي حاتم ما لم يقولاه،أما البخاري فإنه ما نصَّ على شيء في حكم سكوته عن الراوي،فمن أين أضاف إليه :( فهو عنده مجهول )؟
والعلماء الحفاظُ الجهابذة مثلُ المجد ابن تيمية والمنذري والذهبي وابن القيم وابن عبد الهادي والزيلعي وابن كثير والزركشي والهيثمي وابن حجر وغيرهم ... فهموا من تتبع صنيع البخاري وعادته ودراسة أحكامه في الرجال : أن من سكت عنه لا يعدُّ مجروحاً،ولا مجهولاً،فقول ابن القطان بأنَّ من سكت عنه البخاري (فهو مجهول ) تقويلٌ وتحميلٌ غير سائغٍ .
وأما ابن أبي حاتم فإنه قال : على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتابُ على كلِّ من رويَ عنه العلمُ،رجاءَ وجودِ الجرحِ والتعديل فيهم،فنحن ملحقوها بهم إن شاءَ اللهُ تعالى) اهـ(9)
والجهالة جرحٌ بلا ريبٍ،فلا يصحُّ لابن القطان رحمه الله أن يضيفه إلى ابن أبي حاتم فيقول : ( فهو عنده مجهول )،فإن ابن أبي حاتم قال : ( رجاء وجود الجرح فيهم ) فابن أبي حاتم لم يجعل توقفه فيمن توقف فيه ( جرحاً) له،فجعل ابن القطان هذا التوقف ( جرحاً ) عند ابن أبي حاتم : تقويلٌ له ما لم يقلْه.
يضافُ إلى ذلك أن ابن أبي حاتم أو والده،حين يصرح أحدهما في حكمه على الراوي بقوله ( مجهول) فقد جزمَ بجهالته عنده،وأما حين يسكت عن الراوي فإنه لم يجزم بجهالته،فكيف يجعلُ ابنُ القطان سكوتَ أحدهما عن الراوي مثل تصريحه،ولا نصَّ عنهما في ذلك ؟ فهذا منه رحمه الله تعالى تقويلٌ لهما ما لم يقولاهُ .واضطرب فيها مسلك الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في هذه المسألة،فمشى مرةً على نحو مسلك ابن القطان،ومرةَ على مسلك الجمهور :
قال الزيلعي رحمه الله :" أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الْكَامِلِ " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُدْخِلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ،وَقَالَ : إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك،وَأَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى،وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ،قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً }(10)،قَالَ ( يعني ابن دقيق العيد) فِي " الْإِمَامِ " : وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَدِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ،فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ،وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَذَكَرَ تَضْعِيفَهُ،وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ،انْتَهَى .(11)
ويقال في الردِّ عليه ما قيل على ابن القطان .
وقال أيضا كما في نصب الراية : "قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْإِمَامِ " : وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ وَقَالَ : كَانَ ثِقَةً،وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا،وَذَكَرَهُ ابْنُ حبان فِي " الثِّقَاتِ " أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ،وَرَوَى لَهُ فِي " صَحِيحِهِ "،وَيُوسُفُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."(12)
وهذا الحديث نفسه أورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 3/282 وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات اهـ
وهذا يدلُّ على أن سكوت ابن أبي حاتم ليس جرحاً ولا جهالة عند الحافظ الهيمثي،فلذا قال في هذا الحديث (ورجاله ثقات) فمن سكت عليه ابنُ أبي حاتم - ومثله البخاري ...- يعدُّ ثقةً عند الحافظ الهيثمي رحمه الله .
ولكن ابن دقيق العيد رحمه الله له أقوال تدلُّ على أخذه بمذهب الجمهور،فقد ذهب إلى أن خلوَّ كتب الضعفاء - ومنها الكامل لابن عديٍّ -عن ذكر الراوي المذكور بالرواية : يقتضي توثيقه،فقد جاء في نصب الراية :"{ حَدِيثٌ آخَرُ } : أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " عَنْ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ لاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ".
قَالَ الْحَاكِمُ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ حَمَّادٍ انْتَهَى(13).
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " سنن الدارقطنى(793 ) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رضى الله عنه يَقُولُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. ،قَالَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " : إسْنَادُهُ قَوِيٌّ،وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى صَدُوقٌ،وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى .
وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّحْقِيقِ " بِشَيْءٍ،وَإِنَّمَا قَالَ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الثَّلَاثِ،قَالَ الشَّيْخُ فِي" الْإِمَامِ " قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : هَذَا مِمَّنْ انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ،وَأَسَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ،قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَدَمُ تَفَرُّدِ أَسَدٍ بِهِ،كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ ثَنَا حَمَّادٌ .
الثَّانِي : أَنَّ أَسَدًا ثِقَةٌ،وَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ لَهُ ذِكْرٌ،وَقَدْ شَرَطَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنْ يَذْكُرَ فِي " كِتَابِهِ "كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ،وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْحُفَّاظِ،وَلَمْ يَذْكُرْ أَسَدًا،وَهَذَا يَقْتَضِي تَوْثِيقَهُ،وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَوْثِيقَهُ عَنْ الْبَزَّارِ،وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ "(14)
ومثل ذلك قول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره حيث قال عقب روايته لقصة هاروت وماروت - والتي لا يصح رفعها بحال- قال: " وَهَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه وَرِجَاله كُلّهمْ ثِقَات مِنْ رِجَال الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا مُوسَى بْن جُبَيْر هَذَا وَهُوَ الْأَنْصَارِيّ السُّلَمِيّ مَوْلَاهُمْ الْمَدِينِيّ الْحَذَّاء وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف وَنَافِع وَعَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك وَرَوَى عَنْهُ اِبْنه عَبْد السَّلَام وَبَكْر بْن مُضَر وَزُهَيْر بْن مُحَمَّد وَسَعِيد بْن سَلَمَة وَعَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة وَعَمْرو بْن الْحَرْث وَيَحْيَى بْن أَيُّوب وَرَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم فِي كِتَاب الْجَرْح وَالتَّعْدِيل وَلَمْ يَحْكِ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا فَهُوَ مَسْتُور الْحَال "(15)
وتابعه على هذا المسلك - وهو اعتبار المسكوت عليه مستور الحال- تلميذه الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه الدرر المنثورة في الأحاديث المشهورة - مخطوط- فقال في الباب السابع في القصص والأخبار في كلامه على هذا الحديث : أخرجه أحمد في مسنده من جهة موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً،وموسى بن جبير ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ( الجرح والتعديل ) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،فهو مستور الحال "
والشاهد من هذا النصِّ عن الإمام ابن كثير خصوصُ حكمه في قوله ( ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،ولم يحكِ فيه شيئاً،فهو مستور الحال) بصرف النظر عما حول الحديث وراويه مما أشرت إليه آنفاً .
ورواية مستور الحال يحتجُّ بها لدى طائفةٍ معتبرةٍ من العلماء،قال الحافظ العراقي(16): " مجهولُ العدالةِ الباطنةِ،وهو عدلٌ في الظاهرِ،فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ،وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ،قال : لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي ؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ،فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ . وتُفَارِقُ الشهادَةَ،فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ،ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ،فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ(17): ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم،وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم،واللهُ أعلمُ . وأطلقَ الشافعيُّ كلامَهُ في اختلافِ الحديثِ أنَّهُ لا يحتجُّ بالمجهولِ،وحكى البيهقيُّ في " المدخلِ " : أنَّ الشافعيَّ لا يحتجُّ بأحاديثِ المجهولينَ . ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القسمَ الأخيرَ،قال : وهو المستورُ،فقد قال بعضُ أئمتِنا : المَسْتُورُ مَنْ يكونُ عَدْلاً في الظَّاهرِ،ولا تُعْرَفُ عدالتُهُ باطناً . انتهى كلامُه . وهذا الذي نَقَلَ كلامَهُ آخراً،ولم يسمِّهِ،هو البغويُّ،فهذا لفظُهُ بحروفِهِ في " التهذيبِ "،وتَبِعهُ عليه الرافعيُّ. وحكى الرافعيُّ في الصومِ وجهين في قبولِ روايةِ المستورِ من غيرِ ترجيحٍ. وقالَ النوويُّ في " شرحِ المهذّبِ " : (إنَّ الأصحَّ قبولُ روايتِهِ)"
قلتُ : قال الإمام النووي رحمه الله: " وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُغَفَّلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ , وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَنْ نَقْبَلُهُ .
وَأَمَّا الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ , فَإِنْ قُلْنَا : يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ اُشْتُرِطَتْ , وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ , قَالُوا : وَهُمَا جَارِيَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ , الْحَدِيثَ ( وَالْأَصَحُّ ) قَبُولُ رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ , وَكَذَا الْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا وَالصِّيَامُ بِهِ , وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْأبانةِ وَالْعُدَّةِ وَالْمُتَوَلِّي "(18).
وأقدم من تكلم بهذا الأمر وهو اعتبار سكوت النقاد عن الراوي يعدُّ من باب التعديل،هو الإمام مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية الجدُّ المتوفى سنة 656 هجرية رحمه الله تعالى،وهذا نصُّ عبارته كما في زاد المعاد: " التّأْوِيلُ السّادِسُ أَنّهُ كَانَ قَدْ تَأَهّلَ بِمِنًى وَالْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ وَتَزَوّجَ فِيهِ أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ زَوْجَةٌ أَتَمّ وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - . فَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلّى عثمان بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا وَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ لَمّا قَدِمْتُ تَأَهّلْت بِهَا وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إذَا تَأَهّلَ الرّجُلُ بِبَلْدَةٍ فَإِنّهُ يُصَلّي بِهَا صَلَاةَ مُقِيم رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي " مُسْنَدِهِ " وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ الْحُمَيْدِيّ فِي " مُسْنَدِهِ " أَيْضًا وَقَدْ أَعَلّهُ الْبَيْهَقِيّ بِانْقِطَاعِهِ وَتَضْعِيفِهِ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ . قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيّةَ : وَيُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِسَبَبِ الضّعْفِ فَإِنّ الْبُخَارِيّ ذَكَرَهُ فِي " تَارِيخِهِ " وَلَمْ يَطْعَنْ فِيهِ وَعَادَتُهُ ذِكْرُ الْجَرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ "(19).
__________
(1) - النكت على ابن الصلاح (ج 2 / ص 768)
(2) - سنن النسائى(916) ومسند أحمد(21100) حسن
(3) - ورواه الترمذي(4167) وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي المستدرك للحاكم (5662) وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي،وفي صحيح ابن حبان (7075 ) وقال الشيخ شعيب :إسناده حسن.. وفي الأحاديث المختارة للضياء (ج 1 / ص 437)( 775) إسناده لا بأس به ، وفي فتح الباري لابن حجر (ج 17 / ص 373):" وَأَخْرَجَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عَلِيّ " اِسْتَأْذَنَ عَمَّار بْن يَاسِر عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّب " وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَالْمُصَنِّف فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَصَحَّحَهُ اِبْن حبان وَالْحَاكِم " .
(4) - الإصابة في معرفة الصحابة (ج 3 / ص 12)
(5) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 2 / ص 36)
(6) - سنن الدارقطني (155)
(7) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 491)
(8) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 2 / ص 65)
(9) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 1 / ص 13) والجرح و (ج 2 / ص 38)
(10) - سنن ابن ماجه (759 )
(11) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 2 / ص 102)
(12) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 5 / ص 441)
(13) - المستدرك(643) وسنن الدارقطنى( 795 ) ، تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم تفرد به عبدالغفار وهو ثقة والحديث شاذ
(14) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 376)
(15) - تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 353)
(16) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 114) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)
(17) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 21) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 247)
(18) - المجموع شرح المهذب (ج 6 / ص 277)
(19) - زاد المعاد (ج 1 / ص 444) ونيل الأوطار (ج 5 / ص 237)(1/311)
وقد أقرَّا كلام أبي البركات بن تيمية كما رأيت،ومشى على هذا المسلك أيضاً : الحافظ المنذريُّ المتوفَّى سنة 656هجرية رحمه الله تعالى،فقال في كتابه الترغيب والترهيب في كتاب الصوم باب الترغيب في صيام رمضان احتساباً فقال عند الحديث رقم(32) الحديث رقمه العام(1502 ) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا أَقْبَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَاذَا تَسْتَقْبِلُونَ ؟ مَاذَا يَسْتَقْبِلُكُمْ ؟ " فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَحْيٌ نَزَلَ أَوْ عَدُوٌّ حَضَرَ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ لِكُلِّ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ " قَالَ : وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَهُزُّ رَأْسَهُ فَيَقُولُ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " كَأَنَّهُ ضَاقَ صَدْرُكَ بِمَا سَمِعْتَ ؟ " قَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَكَرْتُ الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " الْمُنَافِقُ كَافِرٌ وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ فِي ذَا شَيْءٌ " "(1)
قلت : وهو في صحيح ابن خزيمة باب ذكر تفضل الله عز وجل على عبادة المؤمنين في أول ليلة من شهر رمضان بمغفرته إياهم كرما وجودا (1778) ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ،ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ،حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ الْقَيْسِيُّ،ثنا خَلَفٌ أَبُو الرَّبِيعِ،إِمَامُ مَسْجِدِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ،ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَسْتَقْبِلُكُمْ وَتَسْتَقْبِلُونَ " - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَحْيٌ نَزَلَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : عَدُوٌّ حَضَرَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : فَمَاذَا ؟ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِكُلِّ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ "،وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهَا،فَجَعَلَ رَجُلٌ يَهُزُّ رَأْسَهُ وَيَقُولُ : بَخٍ بَخٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا فُلَانُ،ضَاقَ بِهِ صَدْرُكَ ؟ " قَالَ : لَا،وَلَكِنْ ذَكَرْتُ الْمُنَافِقَ،فَقَالَ : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْكَافِرُونَ،وَلَيْسَ لِكَافِرٍ مِنْ ذَلِكِ شَيْءٌ "
وهذا الحديث عند المنذري صحيح أو حسن أو قريب منه،لأنه أورده بلفظة (عن أنس) ولم يورده بلفظة (رويَ عن أنس) كما هو مصطلحه في الأحاديث الصحاح والحسان،والأحاديث الضعاف،كما ذكر ذلك في مقدمة الترغيب والترهيب حيث قال : " فإذا كان إسناد الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما صدَّرتُهُ بلفظة (عن) وكذلك أصدِّرهُ بلفظة( عن) وإذا كان ... ثم أشيرُ إلى إرساله وانقطاعه ... وإذا كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضاع أو متهم أو مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو ساقطٌ أو ليس بشيء أو ضعيف جدا أو ضعيفٌ فقط،أو لم أر فيه توثيقاً بحيث لا يتطرق إليه احتمال التحسين،صدَّرتهُ بلفظة (رويَ ) ولا أذكر ذلك الراوي،ولا ما قيل فيه البتة،فيكون للإسناد الضعيف دلالتانِ : تصديره بلفظة (رُويَ) وإهمالُ الكلام عليه في آخره " اهـ باختصار.
وهذه أمثلة من كتابه المذكور :
(2049 ) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " حَجَّةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةٍ وَغَزْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةٍ " . يَقُولُ : إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَغَزْوَةٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةً،وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةٍ . "
رواه البزار ورواته ثقات معروفون،وعنبسة بن هبيرة وثقه ابن حبان ولم أقف فيه على جرح.
(2086 ) عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : صَعِدَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَر فَقَالَ " لَا أُقْسِم لَا أُقْسِم " ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ : " أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا مَنْ صَلَّى الصَّلَوَات الْخَمْس وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِر السَّبْع نُودِيَ مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة اُدْخُلْ " قَالَ عَبْد الْعَزِيز : لَا أَعْلَمهُ قَالَ إِلَّا " بِسَلَامٍ " وَقَالَ الْمُطَّلِب : سَمِعْت مَنْ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرهُنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ " عُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَقَتْل النَّفْس وَقَذْف الْمُحْصَنَات وَأَكْل مَال الْيَتِيم وَالْفِرَار مِنْ الزَّحْف وَأَكْل الرِّبَا " . "رواه الطبراني وفي إسناده مسلم بن الوليد بن العباس لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة.
(163 ) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ قَالَ : " مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ،وَزَادَ فِي عَمَلِكُمْ مَنْطِقُهُ،وَذَكَّرَكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ "
رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح إلا مبارك بن حسان.
وقال في آخر كتابه 6/357 في باب ذكر الرواة المختلف فيهم : مبارك بن حسان قال الأزدي : يرمَى بالكذب،وقال أبو داود : منكر الحديث،وذكره البخاري ولم يجرحه،و قال النسائي : ليس بقوي،وقال ابن معين : ثقةٌ اهـ
وكل ذلك يدلُّ على التعديل وليس على الجرح .
وقد تلاه على هذا المسلك الحافظ ابن عبد الهادي في التنقيح في كلامه على ( عثمان ابن محمد الأنماطي)(2):
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ،فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " أَيْضًا،وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْمَاطِىِّ حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ». قَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ انْتَهَى(3).
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّحْقِيقِ " : وَعثمان بن مُحَمَّدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ،وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " تَابِعًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي " الْإِمَامِ " وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ : إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ،لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ،وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد ،وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ .وَغَيْرُهُمَا،ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " كِتَابِهِ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ومشى على هذا المسلك أيضاً شيخ الزيلعيِّ الحافظُ الذهبيُّ في ميزان الاعتدال في ترجمة مبارك بن حسان [ ت ].عن عطاء.قال الأازدي: يرمى بالكذب. وقال ابن معين: ثقة،وذكره البخاري فما ذكر فيه جرحا. وقال أبو داود: منكر الحديث.وقال النسائي: ليس بالقوى."(4)
وقال الحافظ الذهبي أيضاً في رسالته (الموقظة) في المصطلح ما يمكن اعتباره نصًّا صريحاً في الموضوع،حيث قال رحمه الله تعالى:"وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين،إطلاقُ اسم ( الثقة ) على من لم يُجْرَح،مع ارتفاع الجهالةِ عنه . وهذا يُسمَّى : مستوراً،ويُسمىَّ :محلهُّ الصدق،ويقال فيه : شيخ "(5).
ومشى على هذا المسلك أيضاً الحافظ ابن حجر رحمه الله في مواضع كثيرة من كتبه،مثل (هدي الساري ) حيث قال في ترجمة أحد رجال صحيح البخاري :خ س ق -الحسن بن مدرك السدوسي أبو علي الطحان قال النسائي في أسماء شيوخه لا بأس به وقال ابن عدي كان من حفاظ أهل البصرة وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود كان كذابا يأخذ أحاديث فهد بن عوف فيقلبها على يحيى بن حماد " قلت : إن كان مستند أبي داود في تكذيبه هذا الفعل فهو لا يوجب كذبا لأن يحيى بن حماد وفهد بن عوف جميعا من أصحاب أبي عوانة،فإذا سأل الطالب شيخه عن حديث رفيقه ليعرف إن كان من جملة مسموعه فحدثه به أولا فيكف يكون بذلك كذابا ؟ وقد كتب عنه أبو زرعة وأبو حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وهما ما هما في النقد،وقد أخرج عنه البخاري أحاديث يسيرة من روايته عن يحيى بن حماد مع أنه شاركه في الحمل عن يحيى بن حماد وفي غيره من شيوخه وروى عنه النسائي وابن ماجة " اهـ(6).
وفي (88) موضعاً من كتابه ( تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة ) ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً،قرن بينهما في أكثر المواضع،وأفرد أحدهما في بعضها،ولكنه في أغلب تلك المواطن ذكر سكوتهما عن الجرح من باب التوثيق والتعديل،وردَّ به على من زعم جهالة ذلك الراوي،أو ضعفه،بل توسَّع في الاستدلال بالسكوت على وثاقة الراوي،فاستدل بسكوت ابن يونس المصري،وأبي أحمد الحاكم النيسابوري،وابن حبان البستي،وابن النجار البغدادي،وغيرهم .
وسأورد جملة ملتقطة من كتابه المذكور لصلتها بكلامه في الكتاب،ثم أورد بعدها طائفة من عبارته في الكتاب،كنماذج في الموضع لما قدمته،وأشير إلى باقي المواضع فيه بأرقام الترجمات التي تضمنت عبارته المشار إليها،قال رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه تعجيل المنفعة(7):
"(أما بعد) فقد وقفت على مصنف للحافظ أبى عبد الله محمد بن على بن حمزة الحسينى الدمشقي سماه (التذكرة برجال العشرة) ضم إلى من في (تهذيب الكمال) لشيخه المزى من في الكتب الأربعة وهى (الموطأ) و (مسند الشافعي) و (مسند أحمد) و(المسند الذى خرجه الحسين بن محمد بن خسرو) من حديث الإمام أبى حنيفة،وحذا حذو الذهبي في الكاشف في الاقتصار على من في الكتب الستة دون من أخرج لهم في تصانيف لمصنفيها خارجة عن ذلك كالأدب المفرد) للبخاري و (المراسيل) لأبي داود و (الشمائل) للترمذي،فلزم من ذلك أن ينسب ما خرج له الترمذي أو النسائي مثلا إلى من أخرج له في بعض المسانيد المذكورة وهو صنيع سواه أولى منه،فإنَّ النفوس تركنُ إلى من أخرج له بعض الأئمة الستة أكثر من غيرهم،لجلالتهم في النفوس،وشهرتهم،ولأن أصل وضع التصنيف للحديث على الأبواب أن يقتصر فيه على ما يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد،بخلاف من رتب على المسانيد فإن أصل وضعه مطلق الجمع،..ثم عثرت في أثناء كلامه على أوهام صعبة فتعقبتها * ثم وقفت على تصنيف له أفرد فيه رجال أحمد سماه (الإكمال عن من في مسند أحمد من الرجال) ممن ليس في (تهذيب الكمال) فتتبعت ما فيه من فائدة زائدة على التذكرة *
ثم وقفت على جزء لشيخنا الحافظ نور الدين الهيثمى استدرك فيه ما فات الحسينى من رجال أحمد لقطه من المسند لما كان يكتب زوائد أحاديثه على الكتب الستة وهو جزء لطيف جدا وعثرت فيه مع ذلك على أوهام وقد جعلت على من تفرد به (هب)
ثم وقفت على تصنيف للإمام أبى زرعة ابن شيخنا حافظ العصر أبى الفضل ابن الحسين العراقى سماه (ذيل الكاشف) تتبع الأسماء التى في (تهذيب الكمال) ممن أهمله الكاشف،وضم إليه من ذكره الحسينى من رجال أحمد وبعض من استدركه الهيثمى وصير ذلك كتابا واحدا واختصر التراجم فيه على طريقة الذهبي فاختبرته فوجدته قلد الحسينى والهيثمي في أوهامهما وأضاف إلى أوهامهما من قبِله أوهاماً أخرى * وقد تعقبت جميع ذلك مبينا محررا مع أني لا أدعي العصمة من الخطأ والسهو،بل أوضحت ما ظهر لى فليوضح من يقف على كلامي ما ظهر له فما القصد إلا بيان الصواب طلبا للثواب "
وقال أيضاً :"فأقول عقب كل ترجمة عثرت فيها على شئ من ذلك (قلت) فما بعد قلت فهو كلامي وكذا أصنع فيما أزيده من الفوائد من جرح أو تعديل أو ما يتعلق بترجمة ذلك الشخص غالبا وبالله أستعين فيما قصدت وعليه أتوكل فيما اعتمدت .."(8)
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ..وقد ذكره ابن أبى حاتم فلم يذكر فيه جرحا،وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء ولم يذكر لذكره فيه مستندا.
((فع ا) إبراهيم بن أبي خداش.عن عتبة بن أبي لهب.وعنه ابن عيينة مجهول كذا قرأت بخط الحسينى . وصحح اسمه وقال :والدليل على صحة ما قلته أن ابن أبي حاتم قال إبراهيم بن أبى خداش بن عتبة بن أبي لهب الهاشمي اللهبى روى عن ابن عباس روى عنه ابن جريح وابن عيينة ولم يذكر فيه جرحا،وقال : وإذا عرف ذلك كيف يسوغ لمن يروي عنه ابن جريح وابن عيينة ونسبه بهذه الشهرة أن يقال في حقه مجهول ؟!!(9)
[ 15 ] ا إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع الحضرمي عن أبيه وعنه فرج بن فضالة مجهول قلت لم يذكره ابن أبي حاتم وحديثه بهذا السند في تحريم الخمر والميسر والمزر الحديث عن عبد الله بن عمرو وقد ذكره ابن يونس فقال أحسبه إبراهيم بن عبد الرحمن بن فروخ التنوخي ولم يذكر له راويا غير فرج ولم يذكر فيه جرحا
[ 30 ] ا أخشن السدوسي عن أنس وعنه أبو عبيدة عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات زاد في الإكمال وهو مجهول قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا وصرح في روايته سماعه من أنس
[ 33 ] ا أسامة بن سلمان النخعي شامي روى عن أبي ذر وابن مسعود وعنه عمر بن نعيم العنسي وغيره ذكره ابن حبان في الثقات قلت لم يذكر البخاري ولا بن أبي حاتم فيه جرحا ولم يذكروا له راويا غير عمر
[ 41 ] ا إسحاق بن أبي الكهلة ويقال ابن أبي الكهتلة كوفي روى عن ابن مسعود وأبي هريرة وعنه الوليد بن قيس وسعد بن إسحاق قال البخاري حديثه في الكوفيين ولم يذكر فيه جرحا وتبعه بن أبي حاتم وذكره ابن حبان في الثقات
[ 63 ] ا أمية بن شبل يماني روى عن عثمان ابن بوذويه وعروة بن محمد بن عطية والحكم بن أبان وعنه إبراهيم بن خالد وهشام بن يوسف وغيرهما قال ابن المديني ما بحديثه بأس قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا وذكره ابن حبان في الثقات
[ 75 ] ا أيمن بن مالك الأشعري عن أبي أمامة وأبي هريرة وعنه قتادة وثقه ابن حبان قلت وأخرج حديثه في صحيحه وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحا
[ 87 ] ا بسطام بن النضر أبو النضر الكوفي عن أعرابي لأبيه صحبة وعنه عمر بن فروخ ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات
[ 95 ] ا بشير بن أبي صالح عن أبي هريرة ..وفي تاريخ البخاري جبير أبو صالح عن أبي هريرة روى عنه يزيد بن أبي زياد ولم يذكر فيه جرحا
[ 106 ] فه بلال بن أبي بلال عن أبيه وعنه أبو حنيفة لا يعرف قلت كذا أفرده ...وقد ذكر البخاري في التاريخ أن بلال بن مرداس فزاري يروى عن خيثمة البصري وشهر بن حوشب ويروى عنه عبد الأعلى الثعلبي وليث بن أبي سليم والسدي ولم يذكر فيه جرحا وتبعه بن أبي حاتم
[ 200 ] ا حزام بكسر أوله وبالزاى المعجمة المنقوطة بن إسماعيل العامري كوفي روى عن أبي إسحاق الشيباني والأعمش ومغيرة وعاصم الأحول روى عنه أبو معاوية والحسن بن ثابت وأبو النضر بن هاشم بن القاسم وعطاء بن مسلم قاله الدارقطني وضبطه بالزاي المنقوطة وقال وكذا ذكره البخاري وابن أبي حاتم فيمن اسمه حزام بالزاي ولم يذكرا فيه جرحا
[ 207 ] ا الحسن بن يحيى المروزي عن ابن المبارك والنضر بن شميل وغيرهما وعنه أحمد وغيره فيه نظر قلت روايته عند أحمد مقرونة بعلي بن إسحاق كلاهما عن ابن المبارك وعلاها عبد الله بن أحمد عن أحمد بن جميل عن ابن المبارك وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد وذكر أنه يروي عنه أيضا يزيد بن يحيى الزهري ولم يذكر فيه جرحا ووقع في الطبقة الثالثة من الثقات لابن حبان الحسن بن يحيى المروزي عن كثير بن زياد وعنه بن المبارك فما أدري أهو هو انقلب أو هو آخر غيره
[ 210 ] هب حصين بن حرملة المهري عن أبي مصبح عن جابر في فضل الخيل وعنه عتبة بن أبي حكيم استدركه شيخنا الهيثمي على الحسيني وقال ذكره ابن حبان في الثقات وله في المسند حديثان من طريق عبد الله بن المبارك أحدهما عن حصين غير منسوب والآخر نسب فيه حصينا فقال عن عتبة عن حصين بن حرملة وقد ذكره البخاري فقال يعد في الشاميين ولم يذكر فيه جرحا وتبعه ابن أبي حاتم
[ 237 ] ا حميد بن علي أبو عكرشه العقيلي عن الضحاك بن مزاحم يقال مرسلا وعنه مروأن ابن معاوية قال الدارقطني لا يستقيم حديثه ولا يحتج به وقال أبو زرعه كوفي لا باس به قلت لم يذكر البخاري فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات
وذكر ذلك في الأرقام التالية (242 و303 و327 و330 و332 و338 و394 و434 و470 و491 و497 و499 و503 و531 و534 و 537 و544 و553 و555 و562 و602 و604 و608 و640 و667 و675 و723 و755 و762 و772 و782 و787 و789 و800 و805 و816 و835 و838 و 846 و857 و862 و867 و874 و879 و886 و910 و939 و940 و963 و973 و975 و984 و1046 و 1049 و1084 و 1113 و 1116 و 1137 و1152 و1153 و 1155 و 1170 و 1193 و 1210 و1259 و1263 و 1343 و 1380 و1381 و 1382 و 1418 )
وقد أعقب الحافظ ابن حجر في بعض التراجم قوله : لم يذكر ....فيه جرحا،بقوله وذكره ابن حبان في الثقات،وهذا منه ليس للتعقب على ما قبله،بل هو من باب استيفاء ما ذكرَ في الراوي،لأن الحافظ قد نقد طريقة ابن حبان في كتابه ( الثقات) في مقدمة كتابه ( لسان الميزان )(10)
وسلك الحافظ ابن حجر أيضاً هذا المسلك في كتابه (لسان الميزان ) وأكتفي بالإشارة إلى بعض ما جاء من ذلك في الجزء الأول منه فقط،انظر التراجم ذوات الأرقام التالية : (50و71 و 106 و107 و137 و145 و189 و351و381 و390 و461و563و674 و756 و770 و1005و1044 و1057و1095و1208و1233و1244و1267و1310و1384 و1398و1399و1415و1438و1452و1456 و1466و1495و1505و1516)
وأما قول الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب(11)721 - عس (مسند علي).إياس بن نذير الضبي الكوفي والد رفاعة،روى حديثه حسين بن حسن الأشقر عن رفاعة بن إياس بن نذير الضبي عن أبيه عن جده قال كنت مع علي يوم الجمل فبعث إلي طلحة أن القني الحديث هكذا رواه النسائي وقال ابن أبي حاتم إياس بن نذير روى عن شبرمة بن الطفيل عن علي روى عنه أبو حيان التيمي. يعد في الكوفيين.
قلت:وذكره ابن حبان في الثقات وذكره ابن أبي حاتم وبيض فهو مجهول.
ففيه أولاً : أن المزي قد نقل ترجمة ( إياس ) هذا عن ابن أبي حاتم،وهي في كتابه الجرح والتعديل(12)،ولم ينتبه الحافظ إلى هذا،فقال : (قلت : وذكره ابن أبي حاتم ...)
وثانياً : قال الحافظ ابن حجر: ( وبيَّضَ فهو مجهول ) والذي في الجرح والتعديل ليس فيه تبييض،وقد ذكره الحافظ تبعاً للذهبي في الميزان(13)،لكن عبارة الذهبي في الميزان هكذا : وذكره ابن أبي حاتم،وبيَّضَ،مجهول )اهـ وليس فيها تفريع الجهالة على التبييض كما هي عبارة ابن حجر،فانتفى أن يكون هذا النص شاهداً على اعتبار ابن حجر ما سكت عنه ابن أبي حاتم مجهولاً .
وثالثاً :أن لفظ ( مجهول ) في كلام الذهبي،إنما هو من حكمه وإنشائه،إذ لم يذكر ذلك أبو حاتم ولا ابنه في كتابه .
وقال الحافظ السخاوي في كتابه الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - وهو شرح له على منظومة ( الهداية في علم الرواية ) لابن الجزري المقرئ -(14):
( ثالثها ) مجهول الحال فى العدالة باطنا لا ظاهرا لكونه علم عدم الفسق فيه ولم تعلم عدالته لفقدان التصريح بتزكيته،فهذا معنى إثبات العدالة الظاهرة ونفي العدالة الباطنة،لأن المراد بالباطنة ما في نفس الأمر،وهذا هو المستور والمختار قبولُه وبه قطع سليمُ الرازيُّ،قال ابنُ الصلاح :ويشبه أن يكون عليه العمل في كثير من كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة انتهى.
قلتُ : وعلى هذا يترجح العمل بالرأي القائل بقبول (رواية ) المستور على مقابله،لأنه قد تعذرت الخبرة في كثير من رجال القرن الأول والثاني والثالث،ولم يعلم عنهم مفسِّقٌ،ولا تعرف في روايتهم نكارة،فلو رددنا أحاديثهم أبطلنا سنناً كثيرة،وقد أخذت الأمة بأحاديثهم،كما أشار إليه الحافظ ابن الصلاح في كلمته الآنفة الذكر .
وعليه جرى عملُ الإمامين البخاريُّ ومسلمٌ في كتابيهما ( الصحيحين ) كما قال ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في الميزان في ترجمة حفص بن بُغيل [ د ].عن زائدة وجماعة.وعنه أبو كريب،وأحمد بن بديل.قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف.
قلتُ: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا،فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدلُّ على عدالته.
وهذا شئ كثير،ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون،ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل.".(15)
وقال في ميزان الاعتدال -مالك بن الخير الزبادى .مصرى.محله الصدق،يروى عن أبي قبيل،عن عبادة - مرفوعا: ليس منا من لم يبجل كبيرنا،روى عنه حيوة بن شريح،وهو من طبقته،وابن وهب،وزيد بن الحباب،ورشدين،قال ابن القطان:هو ممن لم تثبت عدالته - يريدُ أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة،وفي رواة الصحيحين عددٌ كثيرٌ ما علمنا أن أحدا نصَّ على توثيقهم،والجمهور على أنَّ منْ كان منَ المشايخ قد روى عنه جماعةٌ ولم يأت بما ينكر ُعليه أنَّ حديثَهُ صحيحٌ ."(16)
وهذا الذي ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله من مسلك الشيخين قد مشَى عليه الإمامُ أبو حنيفة ومن وافقه من أتباعه وغيرهم،قال المحقق الآمديُّ الشافعيُّ في كتابه الإحكام في أصول الأحكام(17):
المسألة الأولى- مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم أن مجهول الحال غير مقبول الرواية،بل لا بد من خبرة باطنة بحاله ومعرفة سيرته وكشف سريرته أو تزكية من عرفت عدالته وتعديله له.
__________
(1) - الترغيب والترهيب للمنري (ج 2 / ص 64) وهو في فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ (50 ) والْكُنَى وَالْأَسْمَاءُ لِلدُّولَابِيِّ(100036 )
(2) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 151)
(3) - سنن الدارقطنى(704) 1/182
(4) - ميزان الاعتدال3/430 [ 7038] وانظر تاريخ الإسلام للإمام الذهبي (ج 9 / ص 584)
(5) - الموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 18)
(6) - 2/123
(7) - ص 2-4
(8) - في ص 8
(9) - تعجيل المنفعة لابن حجر (ج 1 / ص 5)
(10) - 1/14-15
(11) ج 1 / ص 342)
(12) - الجرح والتعديل[ ج2 - ص282 ] 1019
(13) - 1/283
(14) ج 1 / ص 60)
(15) - الميزان1/556 (2109 )
(16) - ميزان الاعتدال (ج 3 / ص 426)(7015 )
(17) ج 1 / ص 324)(1/312)
وقال أبو حنيفة وأتباعه: يكتفَى في قبول الرواية بظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهراً. اهـ
وقال به لفيف من أهل العلم ومنهم العلامة عبد الغني البحراني الشافعي في كتابه قرة العين:" لا يقبل مجهول الحال،وهو على ثلاثة أقسامٍ :
أحدها : مجهول العدالة ظاهرا وباطناً،فلا يقبل عند الجمهور .
ثانيها: مجهول العادلة باطناً لا ظاهراً،وهو المستور،والمختار قبوله،وقطع به سليم الرازي- أحد أئمة الشافعية وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي- وعليه العملُ في أكثر كتب الحديث المشهورة،فيمن تقادم عهدهم وتعذَرتْ معرفتهم ) اهـ(1)
وقال العلامة المحقق البارع محمد حسن السنبهلي الهندي في مقدمة كتابه النفيس ( تنسيق النظام في مسند الإمام )- أي الإمام أبي حنيفة -ص 68: ( قال القسطلاني في إرشاد الساري: وقبلَ المستورُ قومٌ ورجحه ابن الصلاح )(2)وقال ابن حجر في شرح النخبة : وقبلَ روايتهَ جماعةٌ بغير قيدٍ )اهـ كلام السنبهلي .
وقال العلامة علي القاري في شرح شرح النخبة(3):
"(وقد قبل روايته) أي المستور،(جماعة) منهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه،(بغير قيد) يعني بعصر دون عصر ذكره السخاوي. وقيل: أي بغير قيد التوثيق وعدمه،وفيه أنه إذا وثق خرج عن كونه مستورا،فلا يتجه قوله: بغير قيد. واختار هذا القول،ابن حبان تبعا للإمام الأعظم ؛ إذ العدل عنده: من لا يعرف فيه الجرح،قال: والناس في أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح،ولم يكلف الناس ما غاب عنهم،وإنما كلفوا الحكم للظاهر،قال تعالى: : {{ولا تجسسوا}} ولأن أمر الأخبار مبني على الظن،و(إن بعض الظن إثم)،ولأنه يكون غالبا عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن،فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر،وتفارق الشهادة،فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن. قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي،في كثير من كتب الحديث المشهورة،في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم،وتعذرت الخبرة الباطنة بهم،فاكتفي بظاهرهم،وقيل: إنما قبل أبو حنيفة رحمه الله في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة،فأما اليوم فلا بد من التركيز لغلبة الفسق،وبه قال صاحباه أبو يوسف،ومحمد.وحاصل الخلاف:أن المستور من الصحابة،والتابعين وأتباعهم،يقبل بشهادته صلى الله تعالى عليه وسلم لهم بقوله: " خير القرون قرني،ثم الذين يلونهم " وغيرهم لا يقبل إلا بتوثيق،وهو تفصيل حسن." ..اهـ
والأخذ بهذا المذهب فيمن سكتوا عنه وجيهٌ للغاية جدًّا،وأما من كان بعد خير القرون الثلاثة بعد فشوِّ الكذب وقيام الحفاظ بالرحلة وتأليف الكتب في الرجال والرواة،فينبغي أن لا يقبلَ إلا من ثبتتْ عدالتهُ وتحققت فيه شروطُ قبول الرواية التي رسمها المتأخرون .
فإذا علمَ هذا كله،اتضحت وجاهةُ ما أثبتُّه من أنَّ مثلَ البخاري،أو أبي حاتم،أو ابن أبي حاتم،أو أبي زرعة،أو ابن يونس المصري،أو ابن حبان،أو ابن عديٍّ،أو الحاكم الكبير أبي أحمدَ،أو ابن النجار البغدادي،أو غيرهم ممن تكلم في الرجال،إذا سكتوا عن الراوي الذي لم يجرح،ولم يأتِ بمتنٍ منكرٍ : يعدُّ سكوتهُم عنه من باب التوثيق والتعديل،ولا يعدُّ من باب التجريحِ والتجهيل ِ،ويكون حديثه لا ينزلُ عن مرتبة الحسَنِ،إذا سلِمَ من المغامز،والله تعالى أعلم .
وقد سار على هذا المسلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد(4)وفي تعليقه على مختصره لتفسير ابن كثير الذي سماه عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير(5)،وكذلك الشيخ العلامة ظفر أحمد التهانوي في كتابه قواعد في علوم الحديث(6)وحبيب الرحمن الأعظمي في كتبه وتعليقاته الكثيرة .(7)
ــــــــــــــ
المرتبة الثامنة
من قال عنه ضعيف
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف"
قلت : أما من قال فيه ضعيف (399) راوياً، ففي أكثره قد أصاب .
وهذه أمثلة عشرة من التقريب بحسب ورودها به ممع مقارنتها بكلام الذهبي :
(64) أحمد بن عبدالجبار بن محمد العطاردي أبو عمر الكوفي ضعيف وسماعه للسيرة صحيح من العاشرة لم يثبت أن أبا داود أخرج له مات سنة اثنتين وسبعين وله خمس وتسعون سنة د
وفي ميزان الاعتدال(443 ) أحمد بن عبد الجبار العطاردي.روى عن أبى بكر بن عياش وطبقته.ضعفه غير واحد.
(146) إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري [وقد ينسب إلى جده] الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني ضعيف من السابعة مات سنة خمس وستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ت س
وفي الكاشف (114 ) إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن موسى بن عقبة وجماعة وعنه القعنبي وجماعة قوام صوام قال الدارقطني وغيره متروك توفي 165 ت ق......
فهؤلاء حديثهم يقوى عند الحافظ ابن حجر لو ورد من طريق آخر ولو كان ضعيفا ، بينما لا يقوى عند الإمام الذهبي .
- وأما من اختلف فيه ورجح الحافظ ضعفه ، ففي بعضها نظر:
ففي التقريب (524 ) أشعث بن سوار الكندي النجار الأفرق الأثرم صاحب التوابيت قاضي الأهواز ضعيف من السادسة مات سنة ست وثلاثين بخ م ت س ق
وفي الكاشف [ 440 ] أشعث بن سوار الكندي عن الشعبي وطائفة وعنه هشيم وابن نمير وخلق صدوق لينه أبو زرعة توفي 136 م ت س ق
وفي ميزان الاعتدال(996 ) قال ابن عدى: لم أجد لأشعث متنا منكرا، إنما يغلط في الأحايين في الأسانيد، ويخالف.
قلت : وقد صحح له الترمذي (3239)
وقوله في التقريب (674 ) بشار بن موسى الخفاف شيباني عجلي بصري نزل بغداد ضعيف كثير الغلط كثير الحديث من العاشرة فق
وفي ميزان الاعتدال(1180 ) قال أثناء ترجمته :"ولم أر في حديثه شيئا منكرا.وقول من وثقه أقرب."
وقوله في التقريب ( 685) بشر بن رافع الحارثي أبو الأسباط النجراني بالنون والجيم فقيه ضعيف الحديث من السابعة بخ د ت ق
وفي الكاشف [ 577 ] بشر بن رافع أبو الأسباط عن يحيى بن أبي كثير وجماعة وعنه عبد الرزاق وجماعة ضعفه أحمد وقواه بن معين د ت ق
ونحو ذلك فالراجح فيهم قول الإمام الذهبي .
ــــــــــــــ
المرتبة التاسعة
حكمُ من قال عنه مجهول
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "والرابع : من قال عنه مجهول حوالي(422) راوياً فهو كما قال،وهذه أمثلة مع المقارنة بكلام الذهبي :
(147)-إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك ابن أبي محذورة مجهول وضعفه الأزدي من السابعة د
وفي الكاشف [ 115 ] إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة عن جده وعنه أبو جعفر النفيلي د
( 208)-إبراهيم بن عبد الرحمن ابن يزيد ابن أمية المدني مجهول من السابعة ت
وفي الكاشف(167 ) إبراهيم بن عبد الرحمن عن نافع وعنه سلم بن قتيبة لا يدري من ذا ت
( 225)- إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري المدني مجهول من الثامنة ت
وفي الكاشف (182 ) إبراهيم بن أبي عمرو عن أبي بكر بن المنكدر وعنه عبد الله بن إبراهيم الغفاري ت
( 278)- إبراهيم عن كعب ابن عجرة مجهول من الثالثة وليس هو النخعي ت
وفي الكاشف [ 228 ] إبراهيم عن كعب بن عجرة لا يدري من ذا فلعله النخعي أرسل وعنه زبيد اليامي ت
فنلاحظ من خلال المقارنة اتفاقاً تاماً بينهما .
- وهناك بعض من قال عنهم مجهول فيه نظر مثل إبراهيم بن طريف الشامي ، مجهول تفرد عنه الأوزاعي وقد وثّق (188) .
قلت : وقد روى عنه أيضا سفيان بن عيينة كما في أخبار مكة للأزرقي (322) والسنن الكبرى للبيهقي (9483) ، وقد وثقه ابن حبان وأحمد بن صالح المصري وابن شاهين(8).وقد سكت عليه البخاري وأبو حاتم ،والأوزاعي إمام ثقة حجة .
ولذا فإن من يروي عنه أمثال الأوزاعي والزهري وغيرهما من التابعين ، الذين تعذرت الخبرة بباطنهم ، وسكت عليهم أئمة الجرخ والتعديل ، ووثقهم ابن حبان إذا كانوا من التابعين من الطبقة الثالثة حتى السادسة ، فحديثهم مقبول ولولم يرو عنهم إلا واحد، ويمكن تحسينه ما لم يثبت أنه أنكر عليهم ، ولم نجد له عاضداً .
وقوله عن إبراهيم بن صبيح الأودي مجهول ، ويقال هو ابن يزيد (295) .
أقول : ورجحه في التهذيب 1/165 وإبراهيم بن يزيد الأودي ثقة التقريب (296)
ــــــــــــــ
المرتبة العاشرة
من قال فيه متروك أو واهي أو ساقط الحديث
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة: بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
وعدد الذين قال عنهم متروك (146) راويا منهم ثلاثة عشر راويا قال عنهم ( متروك الحديث)
وواهي الحديث لم أجد أحدا قال عنه ذلك ، وساقط الحديث لم أجد راويا قال عنه ذلك ، واكتفى بمتروك ، وهي مرتبة الضعيف جدا . والذي لا يحتج بحديثه .
أمثلة مقارنة :
( 14)- أحمد بن بشير البغدادي آخر متروك خلطه عثمان الدارمي بالذي قبله وفرق بينهما الخطيب فأصاب من العاشرة تمييز
وفي ميزان الاعتدال ( 307) أحمد بن بشير، بغدادي.عن عطاء بن المبارك.أشار الخطيب إلى تضعيفه وإلى تقوية الكوفى سميه
( 142)- أبان بن أبي عياش فيروز البصري أبو إسماعيل العبدي متروك من الخامسة مات في حدود الأربعين د
وفي الكاشف [ 110 ] أبان بن أبي عياش العبدي مولاهم البصري عن أنس وأبي العالية وجمع وعنه فضيل ويزيد بن هارون وسعيد بن عامر وخلق قال أحمد متروك وقرنه أبو داود بآخر د
(215)- إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة أبو شيبة الكوفي قاضي واسط مشهور بكنيته متروك الحديث من السابعة مات سنة تسع وستين ت ق
وفي الكاشف [ 174 ] إبراهيم بن عثمان أبو شيبة العبسي الكوفي قاضي واسط عن خاله الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وعنه علي بن الجعد وجبارة بن المغلس وخلق ترك حديثه وقال البخاري سكتوا عنه وقال يزيد بن هارون وكان كاتبه ما قضى على الناس في زمانه أعدل منه توفي 169 ت ق
قلت : نلاحظ اتفاقا تاما بين هذين العملاقين في هذه المرتبة .
ــــــــــــــ
المرتبة الحادية عشرة
من اتهم بالكذب
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
وعدد هؤلاء قليل ، وهذه أمثلة مقارنة لهم :
(494)- إسماعيل بن يحيى الشيباني ويقال له الشعيري متهم بالكذب من الثامنة ق
وفي الكاشف [ 413 ] إسماعيل بن يحيى الشيباني عن أبي سنان ضرار وعنه إبراهيم بن أعين وغيره متهم ق
(1660)- خالد بن عمرو بن محمد بن عبدالله ابن سعيد ابن العاص الأموي أبو سعيد الكوفي رماه ابن معين بالكذب ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع من التاسعة د ق
وفي الكاشف [ 1343 ] خالد بن عمرو الأموي السعيدي عن هشام الدستوائي ويونس بن أبي إسحاق وعنه الرمادي وأحمد بن أبي الخناجر تركوه د ق
( 3326) عبدالله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي [وقد ينسب إلى جده] أبو عبدالرحمن المدني قاضيها متروك اتهمه بالكذب أبو داود وغيره من السابعة مد ق
وفي الكاشف [ 2727 ] عبد الله بن زياد بن سمعان المدني الفقيه أحد المتروكين في الحديث عن مجاهد والأعرج وعنه بن وهب وعبد الرزاق وعدة كذبه مالك ق
( 5021)- عمرو بن خالد القرشي مولاهم أبو خالد كوفي نزل واسط متروك ورماه وكيع بالكذب من السابعة مات بعد سنة عشرين ومائة ق
وفي الكاشف [ 4150 ] عمرو بن خالد القرشي الكوفي نزل واسط عن الباقر وحبيب بن أبي ثابت وعنه إسرائيل ويوسف بن أسباط وعدة كذبوه ق
قلت : نلاحظ اتفاقا تاماً بينهما على هذه المرتبة .
ــــــــــــــ
المرتبة الثانية عشرة
من أطلق عليه اسم الكذب أو الوضع
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع.
قلت : الرواة المتفق على ضعفهم ، قد أعطانا عبارة مختصرة دقيقة جدا تبين حالهم ، وقد أصاب المحِّزَ إلى حدٍّ بعيد ولاسيما من قال فيه متروك ، أو متهم ، أو كذاب ، أو كان يضع .
متهم ،(8) رواة ، أو كذاب (56) راويا ، أو كان يضع (2) راويان.
كقوله في ترجمة إسماعيل بن يحيى الشيباني ويقال له الشعيري متهم بالكذب من الثامنة ق (494) وانظر الأرقام (706 و725و1519 و2907و5901 و6284 و6805 )
وكقوله في ترجمة أحمد بن الخليل ابن حرب القومسي نسبه أبو حاتم إلى الكذب من الحادية عشرة تمييز (34)
انظر الأرقام التالية (257 و388 و446 و 494 و 1087 و 1088 و1660 و 1785 و2101 و2726 و3139 و3186 و3326 و3737 و3750 و3989 و4055 و4083 و4131 و4257 و4263 و4389 و4493 و4594 و4896 و4922 و5021 و5239 و5320 و5468 و5815 و 5866 و 5890 و5901 و5907 و6019 و6090 و6217 و6225 و6229 و6268 و6284 و6310 و6868 و6997 و7059 و7181 و7198 و7210 و7761 و7835 و7862 و7874 و 7915 و8083 و8145 ) وهذا جميعهم
أو كقوله - طلحة بن زيد القرشي أبو مسكين أو أبو محمد الرقي أصله دمشقي متروك قال أحمد وعلي وأبو داود كان يضع الحديث من الثامنة ق (3020)
والثاني نوح ابن أبي مريم أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم مشهور بكنيته ويعرف بالجامع لجمعه العلوم لكن كذبوه في الحديث وقال ابن المبارك كان يضع من السابعة مات سنة ثلاث وسبعين ت فق(7210)
وانظر الأرقام (411 و1519 و2241 و2333 و2662 و3601 و4389 و5206 و5254 و5256 و6467 و6570 و6805 و7599 و7618 و7973) وهؤلاء أيضا رموا بالوضع
والذهبي قد وافقه في كل أصحاب هذه المرتبة .
ــــــــــــــ
المبحث السابع
الرواة الذين لم ينص صراحة على توثيقهم
هناك عدد من الرواة لم ينص الحافظ ابن حجر على توثيقهم ، وهو قد قال في المقدمة:(إنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة، وأخلص إشارة ).
فهل هو خالف هذه القاعدة أم أن هناك اعتبارات أخرى ؟.
أمثلة :
2086- زياد بن عبدالله بن علاثة بضم المهملة وبالمثلثة العقيلي بضم المهملة أبو سهيل [سهل] الحراني ناب في القضاء عن أخيه بها وثقه ابن معين من الثامنة ق
وفي الكاشف 1697- زياد بن عبدالله بن علاثة الحراني أبو سهل العقيلي نائب أخيه محمد على القضاء عن عبد الكريم الجزري وغيره وعنه هاشم بن القاسم أبو النضر ومظفر بن مدرك ثقة ق
2099- زياد بن أبي مريم الجزري وثقه العجلي من السادسة ولم يثبت سماعه من أبي موسى وجزم أهل بلده بأنه غير ابن الجراح ق
وفي الكاشف 1708- زياد بن أبي مريم الجزري عن عبدالله بن معقل وعنه عبد الكريم بن مالك ثقة ق
2289- سعيد بن حيان التيمي الكوفي والد يحيى وثقه العجلي من الثالثة د ت
3127- عباد بن زياد أخو عبيد الله يكنى أبا حرب [من الرابعة] وثقه ابن حبان وكان والي سجستان سنة ثلاث وخمسين ومات سنة مائة م د س
وفي الكاشف 2562- عباد بن زياد بن أبيه أخو عبيد الله عن عروة بن المغيرة وعنه مكحول والزهري وثق مات سنة مائة م د س
3110- عامر بن مصعب شيخ لابن جريج لا يعرف قرنه بعمرو ابن دينار وقد وثقه ابن حبان على عادته من الثالثة خ س
وفي الكاشف 2547- عامر بن مصعب أرسل عن عائشة وله عن طاوس وعنه بن جريج وغيره خ س
395- إسحاق بن يعقوب بن محمد البغدادي سكن الشام وثقه النسائي من الحادية عشرة س
وفي الكاشف- إسحاق بن يعقوب عن عفان وعنه النسائي ووثقه س
1915- ربيعة بن عمرو ويقال بن الحارث الدمشقي وهو ربيعة ابن الغاز بمعجمة وزاي أبو الغاز الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته قتل يوم مرج راهط سنة أربع وستين وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره 4
وفي الكاشف 1554- ربيعة الجرشي الدمشقي مختلف في صحبته وله عن عائشة وسعد وعنه ابنه أبو هشام الغاز وعطية بن قيس قال أبو المتوكل الناجي سألته وكان فقيه الناس في زمن معاوية قتل يوم مرج راهط 64.4
من خلال نقلنا ما قيل فيهم عند الإمام الذهبي نلاحظ أنه قد حكم على بعضهم بأنه ثقةٌ ، وبعضهم وثِّق ، وبعضهم نقل كلام غيره وسكت عليه، وبعضهم لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ولا يلام هو ولا الحافظ ابن حجر إذا لم يجزموا بالحكم على جميع الرواة ، فهذا أمر عسرٌ جدًّا .
ولا يعتبر مخالفاً للقاعدة التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله .
وكل راو مختلف في صحبيته فهو ثقة بلا خلاف(9)
ويلاحظ على هؤلاء بشكل عام قلة الأحاديث ، وقلة الرواة عنهم ، فالغالب لم يرو عنهم سوى راو واحد ،ووجد فيهم توثيق معتبر .
أما ما كان في الصحيحين أن أحدهما فلا شك في صحة حديثه . مثاله :
ففي الصحيحين راو واحد وهو سلم بن زرير
ففي صحيح البخارى (3241و 6449) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » .
وأما غيرهم ، فحديثهم حسن إذا تفردوا به ، وغذا توبعوا فصحيح لغيره .
أمثلة :
2086- زياد بن عبدالله بن علاثة بضم المهملة وبالمثلثة العقيلي بضم المهملة أبو سهيل [سهل] الحراني ناب في القضاء عن أخيه بها وثقه ابن معين من الثامنة ق
وفي الكاشف 1697- زياد بن عبدالله بن علاثة الحراني أبو سهل العقيلي نائب أخيه محمد على القضاء عن عبد الكريم الجزري وغيره وعنه هاشم بن القاسم أبو النضر ومظفر بن مدرك ثقة ق
ــــــــــــــ
المبحث الثامن
دفاع الحافظ ابن حجر عن كثير من الرواة
هناك ميزة هامة جدًّا للحافظ ابن حجر في التقريب أنه قد دافع عن كثير من الرواة الذين ثبت أن الطعن فيهم في غير محله، فليس كل تهمة يتهم بها المرء تكون صحيحة ، فبعضها قائم على الحسد والغيرة ، والخلاف في المذهب ، أو الخلاف في الرأي ونحو ذلك ، ومنه ما هو جرح أقران .
أمثلة لهذا :
(88)- أحمد بن الفرات ابن خالد الضبي أبو مسعود الرازي نزيل أصبهان ثقة حافظ تكلم فيه بلا مستند من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين د
(135)- أبان بن إسحاق الأسدي النحوي كوفي ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة من السادسة ت
(103 )- أبان بن إسحاق الكوفي النحوي عن الصباح بن محمد وعنه محمد ويعلى ابنا عبيد فيه لين ت
( 136)- أبان بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام أبو سعد الكوفي ثقة تكلم فيه للتشيع من السابعة مات سنة أربعين م 4
(137)- أبان بن صالح بن عمير ابن عبيد القرشي مولاهم وثقه الأئمة ووهم ابن حزم فجهله وابن عبدالبر فضعفه من الخامسة مات سنة بضع عشرة وهو ابن خمس وخمسين خت 4
(177)- إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن ابن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد ثقة حجة تُكُلِّم فيه بلا قادح من الثامنة مات سنة خمس وثمانين ع
(179)- إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الطبري نزيل بغداد ثقة حافظ تُكُلِّم فيه بلا حجة من العاشرة مات في حدود الخمسين م 4
( 314)- أسامة بن حفص المدني صدوق ضعفه الأزدي بلا حجة من الثامنة خ
( 334)- إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو النضر الدمشقي الفراديسي [وقد ينسب إلى جده]مولى عمر ابن عبدالعزيز صدوق ضعف بلا مستند مات سنة سبع وعشرين وله ست وثمانون سنة من العاشرة خ د س
وفي الكاشف [ 279 ] إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو النضر الفراديسي عن إسماعيل بن عياش وابن أبي حازم وعنه البخاري وأبو داود وأحمد البسري وعدة ثقة بكاء توفي 227 خ د س
( 401)- إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي ثقة تُكلم فيه بلا حجة من السابعة مات سنة ستين وقيل بعدها ع
(414)- إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة تكلم فيه بلا حجة من السابعة مات في خلافة المهدي خ تم س
(613)- أيوب بن سليمان ابن بلال القرشي المدني أبو يحيى ثقة لينه [الأزدي و] الساجي بلا دليل من التاسعة مات سنة أربع وعشرين خ د ت س
(2694)- سويد بن عمرو الكلبي أبو الوليد الكوفي العابد ثقة من كبار العاشرة مات سنة أربع أو ثلاث ومائتين أفحش ابن حبان القول فيه ولم يأت بدليل م ت س ق
(5450)- القاسم بن أمية الحذاء بالمهملة والذال المعجمة الثقيلة [المثقلة] بصري صدوق من كبار العاشرة ضعفه ابن حبان بلا مستند ووقع في بعض نسخ الترمذي أمية ابن القاسم وهو خطأ ت
انظر الأرقام التالية (443 و457 و512 و613 و688 و739 و808و970 ..)
وهناك رواة ضعفهم الذهبي في الكاشف وغيره فقوَّى أمرهم الحافظ ابن حجر لعدم اقتناعه بجرحهم ، وقد مرَّ بعض الأمثلة العرضية سابقاً ، وهذه أمثلة أخرى :
الرقم الأول للكاشف والثاني للتقريب :
[ 1 ] أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهما وعنه أبو داود والبغوي وأبو يعلى وخلق وثق مات 236 د
(1)- أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي نزيل بغداد صدوق من العاشرة مات سنة ست وثلاثين د فق
[ 6 ] أحمد بن إسحاق الحضرمي البصري أخو يعقوب ثقة سمع عكرمة بن عمار وهماما وعنه أبو خيثمة وعبد والصاغاني وآخرون توفي 211 م د ت س
(7)- أحمد ابن إسحاق ابن زيد ابن عبدالله ابن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ثقة كان يحفظ من التاسعة مات سنة إحدى عشرة م د ت س
[ 8 ] أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي المدني آخر أصحاب مالك وسمع الزنجي وإبراهيم بن سعد وطبقتهم وعنه بن ماجة والمحاملي وابن مخلد ضعف توفي 259 ق
(9)-أحمد ابن إسماعيل ابن محمد السهمي أبو حذافة سماعه للموطأ صحيح وخلط في غيره من العاشرة مات سنة تسع وخمسين ق
[ 31 ] أحمد بن سعيد الهمداني أبو جعفر المصري عن بن وهب وطائفة وعنه أبو داود وابن أبي داود وعدة قال النسائي ليس بالقوي مات 253 د(10)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قرة العين في ضبط رجال الصحيحين ص 8
(2) - إرشاد الساري 1/16
(3) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 518)
(4) - انظر الجزء السابع الحديث رقم(5544)
(5) - انظر منه 1/60 و88 و165 و168
(6) - ص 358 و404
(7) - انظر الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي بتعليق العلامة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله من ص 230 فما بعدها الهامش بحث (( سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ، ولم يأت بمتنٍ منكر : يعدُّ تعديلاً ) وقد اقتبست منه كثيرا وزدت عليه زيادات كثيرة .
(8) - تهذيب التهذيب 1/128
(9) - انظر الكلام عن المرتبة الأولى - الصحابة -ثانيا-المختلف في صحبته
(10) - راجع للتفاصيل كتابي (( الحافظ ابن حجر ومنهجه في الجرح والتعديل ))(1/313)
الفصل الخامس
تعارض الجرح والتعديل
تمهيدُ
جرح الرواة وتعديلهم قائم على اجتهاده النقاد ، وكلُّ ما رجع إلى الاجتهاد فهو مظنة للاختلاف ، وذلك اختلاف جائز توجبه سنة التفاوت في العلم والفهم ، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] .
قال المنذري : " اختلاف هؤلاء كاختلاف الفقهاء ، كل ذلك يقتضيه الاجتهاد ، فإن الحاكم إذا شهد عنده بجرح شخص ، اجتهد في أن ذلك القدر مؤثر أم لا ، وكذلك المحدث إذا أراد الاحتجاج بحديث شخص ونقل إليه فيه جرح ، اجتهد فيه هل هو مؤثر أم لا "(1).
قلت : نعم ، ليس الاختلاف في هذا الباب واقعاً في جميع الرواة ، بل منهم خلق كثير ثقات عدول متفق على قبولهم والاحتجاج بهم ، كما فيهم مجروحون متفق على جرحهم ، لا يحتجُّ بهم ، بل لا يعتبر بكثير منهم ، وفيهم من هو مسكوت عن أمره ، كما تقدم في ، وفيهم المختلف فيه .
والشأن ابتداء وجوب اعتبار إعمال النصين أو النصوص التي ظاهرها التعارض بالاجتهاد في التوفيق بينهما دون تكلف ، وذلك قبل المصير إلى الترجيح الموجب ترك العمل بأحد النصين ، فإن تعذر الجمع بين النصوص المختلفة وجب المصير إلى العمل بالراجح ، وإن كان ذلك لا يقع إلا بالاجتهاد ؛ لأن تمييز المقبول من المردود فيما يضاف إلى صاحب الشريعة واجب .
واعلم أن تعارض الجرح والتعديل يقع في الأصل بين قول ناقد وناقد غيره لكنه أيضاً ربما يقع في النقل عن الناقد نفسه ، فيأتي عنه التعديل والجرح جميعاً ، وبالنظر إلى ذلك فهاتان صورتان :
الصورة الأولى : تعارض الرواية في الجرح والتعديل عن الناقد المعين .
ومن أكثر من نقل عنه مثل هذا من الأئمة يحيى بن معين ، فإنه كثيراً ما تختلف الرواية عنه .
كقوله في ( الحسن بن يحيى الخشني ) : " ثقة " في رواية ابن أبي مريم عنه ، و" ليس بشيء " في رواية الدوري عنه(2).
وقوله في ( قَزعة بن سُويد ) : " ثقة " في رواية الدارمي عنه ، و " ضعيف " في رواية الدوري عنه ، و" ضعيف الحديث " في رواية أحمد بن أبي يحيى المجروح عنه(3).
قال الذهبي في سبب اختلاف النقل عن يحيى بن معين : " سأله عن الرجال عباس الدوري ، وعثمان الدارمي ، وأبو حاتم ، وطائفة ، وأجاب كل واحد منهم بحسب اجتهاده ، ومن ثم اختلف آراؤه وعبارته في بعض الرجال ، كما اختلفت اجتهادات الفقهاء المجتهدين ، وصارت لهم في المسألة أقوال "(4).
وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي : " قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل من حاله في الحديث وقتاً ما ينكره قلبه ، فيخرج جوابه على حسب النكرة التي في قلبه ، ويخطر له ما يخالفه في وقت آخر ، فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه ويذكره ، وليس ذلك تناقضاً ولا إحالة ، ولكنه قول صدر عن حالين مختلفين ، يعرض أحدهما في وقت والآخر في غيره "(5).
قلت : وفي هذه الحال لا بد من النظر في قول غيره ومقارنته بقوله ، لنعرف أي القلوين أراد ، أو آل إليه هو .
والصورة الثانية : تعارض الجرح والتعديل الصادرين من ناقدين أو أكثر .
وهذا هو الأكثر في هذا الباب ، وهو أشق مسائله وأصعبها .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - جوابُ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل ( ص : 83 ) .
(2) - الكامل ( 3 / 168 ) .
(3) - الكامل ( 7 / 176 ) .
(4) - ذكر من يُعتمد قوله في الجرح والتعديل ( ص : 172 ) .
(5) - حكاه المنذري في " جوابه عن أسئلة في الجرح والتعديل " ( ص : 89 ) .(1/314)
المبحث الأول
مقدماتٌ ضروريةٌ لتحقيق القول في الراوي المختلف فيه
تحرير القول في الراوي المختلف فيه جرحاً وتعديلاً يحتاج إلى اعتبار تنبيهات وضوابط ، لا بد من مراعاتها ؛ للمصير إلى ما هو الألصق بالعدل الذي أوجب الله عز وجل في حق نقلة العلم ، ولئلا ينسب إلى الدين برواية من ليس بأهل ما ليس منه ، أو ينفي عنه بالقدح على الثقة ما هو منه .
وتحرير تلك التنبيهات والضوابط في المقدمات التالية :
المقدمة الأولى
أهلية الناقد لقبول قوله
والمقصود : أهليته للكلام في النقلة على ما تقدم بيانه في صفة الناقد .
قال الخطيب في الكفاية : " قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ إِنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ : عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ ؟ قَالَ : " إِنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيُّ مُبْغِضٌ لِآبَائِهِ , وَلَوْ رَأَيْتَ لِحْيَتَهُ وَخِضَابَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّهُ ثِقَةٌ " فَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ ثِقَةٌ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً , لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْأَةِ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَجْرُوحُ"(1)
وقال ابن الجنيد : سألت يحيى بن معين عن شداد بن سعيد الراسبي ؟ فقال : " ثقة " ، قلت ليحيى : إن ابن عرعرة(2)يزعم أنه ضعيف ، فغضب ، وقال : " هو ثقة " ، وتكلم يحيى بكلام وأبو خيثمة يسمع ، فقال أبو خيثمة : " شداد بن سعيد ثقة " ، ثم قال لي يحيى : " يزعم ابن عرعرة أن سلم بن زرير ثقة "، قلت : كذلك يقول ، قال : " هو ضعيف ضعيف "(3).
وكذلك قال ابن الجنيد : قال رجل ليحيى بن معين وأنا أسمع : زعم إبراهيم بن عرعرة أن محمد بن ذكوان والحسين بن ذكوان ، ليسا بشيء ، فغضب يحيى ، وقال : " أما الحسين بن ذكوان فحدثني عنه يحيى بن سعيد وعبد الله بن المبارك ، ولكن كان قدرياً ، وأما محمد بن ذكوان فليس به بأس ، أي شيء كان عنده ؟ روى عنه حماد بن زيد وعبد الوارث وعبد الصمد ، لا بأس به ، قل لابن عرعرة: اذهب ازرع "(4).
والخطأ هنا في جرح ابن عرعرة لثقة وتعديله لمجروح أنه وإن كان ثقة معتنياً بالحديث ، إلا أن ابن معين لم يراه من أهل الصنعة ، فإنه سئل عنه فقال : " ثقة ، معروف بالحديث ، كان يحيى بن سعيد يكرمه ، مشهور بالطلب ، كيس الكتاب ، ولكنه يفسد نفسه ؛ يدخل في كل شيء "(5).
ونقل أبو حاتم الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني قوله في ( عبد الله بن معاذ بن نشيط صاحب معمر ) : " هو صدوق ، وكان عبد الرزاق يكذبه " ثم قال أبو حاتم : " أقول : هو أوثق من عبد الرزاق "(6).
قلت : وهذا لكون عبد الرزاق لم يكن ممن له شأن في الكلام في النقلة ، فحين تكلم أخطأ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - المعرفة والتاريخ ( 2 / 665 ) ومن طريقه : الخطيب في " الكفاية (254 )
(2) - هوَ الثقة إبراهيم بن محمد بن عرْعرة بن البِرنْد السامي . انظر تقريب التهذيب (238)
(3) - سؤالات ابن الجنيد ( النص : 706 ) . وأبو خيْثمة هوَ الحافظ زُهير بن حرْبٍ .
(4) - سؤالات ابن الجنيد ( النص : 645 ) .
(5) - تاريخ بغداد ، للخطيب ( 6 / 149 - 150 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 173 ) .(1/315)
المقدمة الثانية
التحققُ من ثبوت الجرح أو التعديل عن الناقد المعين
وهذا الشرط مقدمة سابقة للنظر في صيغة النقد وأثرها في الراوي .
والمقصود أن تحاكمََ النصوصُ المنقولة عن علماء الجرح والتعديل في نقد الرواة بنفس قوانين علم الحديث ، فلا يفرع إلا على صيغة ثبت إسنادها إلى قائلها .
فهناك روايات عديدة ذكرت عن بعض الأئمة لا توجد عنهم من طريق مسند ، أو وجدت ولكن أسانيدها لم تثبت .
مثالها : ( تاريخ ) رواه أحمد بن أبي يحيى أبو بكر الأنماطي البغدادي عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، اعتمده ابن عدي في " كامله " في مواضع كثيرة ، وهو غير ثابت عنهما ، وذلك أن ابن أبي يحيى هذا قال فيه الحافظ الثقة إبراهيم بن أورمة الأصبهاني : " كذاب "(1).
ومما يشبه هذه القاعدة : أن لا يقبل ما يحكى عن الراوي مما يكون سبباً للقدح فيه إلا بالرواية الثابتة عنه .
فمثل ما أورده جماعة في القدح في ( أبي صالح باذام ) ففي الكفاية : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ : " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا الَّذِي لَا يُقْبَلُ بِهِ حَدِيثُ الرَّجُلِ أَبَدًا ؟
قُلْتُ : هُوَ أَنْ يُحَدِّثَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ : أَوْ عَنْ رَجُلٍ أَدْرَكَهُ ثُمَّ وُجِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ، أَوْ بِأَمْرٍ يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَذِبٌ , فَلَا يَجُوزُ حَدِيثُهُ أَبَدًا لِمَا أُدْرِكَ عَلَيْهِ مِنََ الْكَذِبِ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ " قَالَ الْخَطِيبُ : هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِيهِ إِذَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ وَأَقَرَّ بِهِ(2).
وعَنْ سُفْيَانَ قَالَ(3): قَالَ لِي الْكَلْبِيُّ قَالَ لِي أَبُو صَالِحٍ : " كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ كَذِبٌ " فَأَمَّا إِذَا قَالَ : كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِيمَا رَوَيْتُهُ , وَلَمْ أَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ , فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ , سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ : إِذَا رَوَى الْمُحَدِّثُ خَبَرًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ , وَقَالَ : كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِيهِ , وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ , لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ الصِّدْقُ فِي خَبَرِهِ , فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ , كَمَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ , وَإِنْ قَالَ : كُنْتُ تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ فِيهِ , فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِذَلِكِ الْخَبَرِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَتِهِ"(4)
قلت : فهذا مما لا يجوز الاعتماد عليه ، فإن الكلبي هو محمد بن السائب ، رأس في الكذب ، فكيف يصدق على أبي صالح ؟
وهكذا كان الناقد البارع يعتبر هذا الطريق في تثبيت الجرح .(5)
قلت : فلعل الرجل تاب ، ثم نطق بالحقيقة لسفيان الثوري ،أو أنطقه الله تعالى لتكشف حقيقته للناس ، ولا سيما أن السند لسفيان صحيح .
فهذا ابن عدي قال في ترجمة ( خليفة بن خياط شباب العصفري ) : حدثنا محمد بن جعفر بن يزيد المطيري ، حدثنا محمد بن يونس بن موسى ، سمعت علي بن المديني يقول : " لو لم يحدث شباب كان خيراً له : ، فقال ابن عدي : " لا أدري هذه الحكاية عن علي بن المديني صحيحة أم لا " ، قال : " إنما يروي عن علي بن المديني الكديمي ، والكديمي لا شيء " ، وبعد أن ذب عن شباب ، وبين أنه من أصحاب ابن المديني قال : " فدلَّ هذا على أن الحكاية عن علي باطلة "(6).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الكامل ، لابن عدي ( 1 / 321 ) بإسناد صَحيح ، وقال ابنُ عدي مُؤكِّداً ما نقله عن ابن أورْمَة : " ولأبي بكر بن أبي يحيى هذا غيرُ حديثٍ منكرٍ عن الثقات " .
(2) - الكفاية( 299 )
(3) - الكفاية( 300)
(4) - أخرجه البُخاري في " التاريخ الكبير " ( 1 / 1 / 101 ) و " الأوسط " ( 2 / 40 ) و " الضعفاء الصغير " ( رقم : 322 ) والجَوْزجاني في " أحوال الرجال " ( ص : 63 ) والعُقيلي في " الضعفاء " ( 1 / 166 ) وابنُ حبان في " المجروحين " ( 2 / 255 ) وابنُ عدي في " الكامل " ( 2 / 255 ، و 7 / 274 ) وإسناده إلى سُفيان صحيح .
(5) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 339)
(6) - الكامل ( 3 / 517 ) والكُديمي هِيَ نسْبةُ مُحمد بن يونُس راويه عن ابنِ المديني .(1/316)
المقدمة الثالثة
منع قبول صيغة الجرح أو التعديل التي لا تنسب إلى ناقد معين
وهذا كقولهم في الراوي : ( تكلموا فيه ) ، و( يتكلمون فيه ) ، كما يقع في كلام البخاري وأبي حاتم الرازي وأبي الفتح الأزدي وغيرهم ، و( فيه مقال ) كما يكثر عند المتأخرين ، وما يشبهها من الألفاظ التي لا تعزى إلى ناقد معين .
ولا اعتبار بأن يكون حاكيها من النقاد المعروفين ، فإنه لم ينشئها من جهته ، إلا أن يضيف إليها من عبارته ما يبينها ، كما تراه في عدد من قيلت فيه .
زد على ذلك أنها من قبيل الجرح المجمل أيضاً .
لكنها تدلُّ على شبهة الجرح ، فيبحث عن تفسيرها ، فإن عدم عدم أثرها .
وفي التعديل مما يكثر وقوعه عند المتأخرين ، كالذهبي والهيثمي : ( وثق ) و( موثق ) فهذه عبارة يجب البحث عن قائلها المجهول الذي بنيت له ، وفي الغالب يكون مرادهم ابن حبان ، فكأنهم لضعف الاعتماد على ما يتفرد به من التعديل يبنون العبارة للمجهول.(1)
قلت : قد استخدم بعض النقاد كلمة( وُثِّقَ ) والذين سبقوا الذهبي والهيثمي أو لحقوهم ، وهي من عبارات التعديل ، فلا نقبل هذا الكلام من الجديع ، وذلك لعدم استقرائه معناها عندهم .
وهذه أول ترجمة في الكاشف ( 1 ) أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهما وعنه أبو داود والبغوي وأبو يعلى وخلق وثق مات 236 د
وفي التقريب (1) أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي نزيل بغداد صدوق من العاشرة مات سنة ست وثلاثين د فق
وفي تهذيب التهذيب (1 ) د فق أبي داود وابن ماجة في التفسير أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد روى عن محمد بن ثابت العبدي وفرج بن فضالة وحماد بن زيد وعبد الله بن جعفر المديني ويزيد بن زريع وأبي عوانة وإبراهيم بن سعد وغيرهم.
روى عنه أبو داود حديثا واحدا وروى ابن ماجة في التفسير عن ابن أبي الدنيا عنه وأبو زرعة الرازي ومحمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن هارون وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وآخرون، وكتب عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال: لا بأس به، وقال صاحب تاريخ الموصل: كان ظاهر الصلاح والفضل، قال موسى بن هارون مات ليلة السبت لثمان مضين من ربيع الأول سنة 236 ،قلت: وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: ثقة صدوق"
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 340)(1/317)
المقدمة الرابعة
مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة
الجرحُ والتعديل جميعاً يتأثران بهذا ، فيعدَّلُ من ليس بأهل ، وهو الأقلُّ وروداً في كلامهم ، ويجرَحُ من هو عدلٌ ، ووقع من طائفة بسبب المخالفة في العقائد والمسالك ، كما قدمت التمثيل له بجرح الجوزجاني لأهل الكوفة بسب فشو التشيع فيه ، والدولابي لمخالفي الحنفية ، وكما وقع من طائفة من أهل الحديث في أهل الرأي من أهل الكوفة وغيرهم .
قال ابن حجر : " وممن ينبغي أن يتوقف في قبوله قوله في الجرح : من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد ، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب ، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع ، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة ، وعبارة طلقة ، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية ، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه ، فوثق رجلاً ضعفه ؛ قبل التوثيق .
ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ ، فإنه من غلاة الشيعة ، بل نسب إلى الرفض ، في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد، ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين وغيره فكلُّ هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويتأمل "(1).
ومن أمثلة ذلك في النقلة ما جاء في ترجمة( أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي) وكان من الثقات الحفاظ المتقنين ، من المعروفين بالسنَّة ، قال ابن عدي : سمعت أحمد بن محمد بن سعيد يقول : سمعت ابن خراش يحلف بالله : " إن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً " .
فتعقبه ابن عدي فقال : " وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ "(2).
وعاب الذهبي على ابن عدي إيراده في " كتابه " ، فقال : " ذكره ابن عدي فأساء ، فإنه ما أبدى شيئاً غير أن ابن عقدة روى عن ابن خراش ، وفيهما رفض وبدعة " وذكر النص السابق .
وأقول : لا عيب على ابن عدي ، فإنه يذكر في كتابه من تكلم فيه ، فإن كان بباطل رده ، وهكذا فعل هنا .
وقال الذهبي في " السير "(3): "مَنِ الَّذِي يُصَدِّقُ ابْنَ خِرَاشٍ ذَاكَ الرَّافِضِيُّ فِي قَوْلِهِ؟! " .
قلت : ومما نرد قول ابن خراش أنه لم يتكلم فيه إلا لأجل المذهب ، وأبو مسعود قد استقرت ثقته وثبت إتقانه ، وشاع علمه .
ومن قبيح ما سودت به صحف كثيرة ما وقع من نقمة جماعة من أهل الحديث على أبي حنيفة وأصحابه ، بسبب المذهب .
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم : " وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : " أَصْحَابُنَا يُفْرِطُونَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ " فَقِيلَ لَهُ : أَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْذِبُ ؟ فَقَالَ : " كَانَ أَنْبَلَ مِنْ ذَلِكَ " "(4).
قلت : وتلك الطعون التي سودت بها صحف كثيرة لا تعود في التحقيق إلا إلى التحامل بسبب خلاف المذهب، كمن أطلق أن أبا حنيفة كان يبيح المسكر ، وهو إنما أباح باجتهاده النبيذ الذي لم يستثن من حفاظ وأئمة الكوفيين من موافقته فيه إلا الفرد بعد الفرد ، إلى أشياء أخرى طعن فيها على أبي حنيفة وأصحابه كأبي يوسف ومحمد بن الحسن ، كانت بسبب مخالفة الطاعن لأبي حنيفة في مذهبه ، وأنه كان يدعُ الحديث بالرأي ، وهذا لو صحَّ فمعروف أن الفقيه قد يدعُ العمل بالحديث لأسباب صحيحة معتبرة ، ولم يسلم من ذلك فقيه من فقهاء الأمة الكبار المتبوعين .
قال الإمام ابن حزم:"جميعُ الحنفية مجمعون على أنَّ مذهبَ أبي حنيفةَ (رحمه اللهُ) أنَّ ضعيفَ الحديثِ أولى منَ القياسِ ولا يحلُّ القياسُ مع وجودهِ"(5).
وقال علي القاري في المرقاة:" إن مذهبهُم القويَّ تقديمُ الحديثِ الضعيفِ على القياسِ المجرَّدِ الذي يحتملُ التزييفَ"(6).
أقول: فاتهامهم بأنهم أصحابُ رأي،وأنَّ بضاعتهم في الحديث مزجاةٌ , فيه شططٌ كبيرٌ،وعصبيةٌ مقيتة .
فهذا مالك بن أنس ، وقد أجمعوا على ثقته ، ومع ذلك فقد ترك القول بأحاديث هي عنده صحيحة ، لمعارضات معتبرة لديه ، وهذا ابن عبد البر المالكي يورد عن الليث بن سعد قوله : " أَحْصَيْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ سَبْعِينَ مَسْأَلَةً ، كُلُّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا قَالَ فِيهَا بِرَأْيِهِ قَالَ : وَلَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَعِظُهُ فِي ذَلِكَ " قَالَ أَبُو عُمَرَ : " لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ يُثْبِتُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرُدُّهُ دُونَ ادِّعَاءِ نَسْخِ ذَلِكَ بِأَثَرٍ مِثْلِهِ أَوْ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِعَمَلٍ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الِانْقِيَادُ إِلَيْهِ أَوْ طَعْنٍ فِي سَنَدِهِ ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا وَلَزِمَهُ اسْمُ الْفِسْقِ , وَلَقَدْ عَافَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ(7)، وَنَقَمُوا أَيْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْإِرْجَاءَ ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْإِرْجَاءِ كَثِيرٌ لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِنَقْلِ قَبِيحِ مَا قِيلَ فِيهِ كَمَا عُنُوا بِذَلِكَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ لِإِمَامَتِهِ ، وَكَانَ أَيْضًا مَعَ هَذَا يُحْسَدُ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَيُخْتَلَقُ عَلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَفَضَّلُوهُ وَلَعَلَّنَا إِنْ وَجَدْنَا نُشْطَةً نَجْمَعُ مِنْ فَضَائِلِهِ وَفَضَائِلِ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ كِتَابًا ، أَمَّلْنَا جَمْعَهُ قَدِيمًا فِي أَخْبَارِ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " "(8).
وللشافعي في الرد على مالك ، كما له في الرد على محمد بن الحسن والأوزاعي ، وكثير مما يعود إليه ذلك : القول بالحديث أو تركه .
فمثل هذا لا يجوز التعلق به من أقوال المجرحين ، في حق من عرف مقامه في الدين.
كما يجب أن يتفقد من عبارة الجارح في كل مخالف له في مذهبه ، إذ هو بشر يعتريه من حال البشر ، ويتكلم في الغضب والرضى ، والعدل مجاهدة ، وكم من جرح يمكن تخريجه على مثل هذا ؟
وأما الميل إلى التعديل ، فكتوثيق ابن عقدة الحافظ الشيعي لبعض من على مذهبه من المجروحين ، وهو قليل .
وقال يحيى بن معين : " كان أبو نعيم(9)إذا ذكر إنساناً فقال : هو جيد وأثنى عليه ، فهو شيعي ، وإذا قال : فلان كان مرجئاً ، فاعلم أنه صاحب سنَّة لا بأس به "(10).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - لسان الميزان ( 1 / 108 - 109 ) والتنكيل للمعلمي اليماني - (ج 1 / ص 148) وجرح الرواة وتعديلهم - (ج 10 / ص 8)
(2) - الكامل ( 1 / 312 ) .
(3) - سير أعلام النبلاء ( 12 / 487 ) .
(4) - أخرجه ابنُ عبد البر في " بيان العلم " ( رقم : 2106 ) وجامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان - (ج 2 / ص 290)(1099) ومعرفة الرجال لابن معين "230" 1/ 79. وإسناده صحيح .
(5) - ملخص إبطال القياس ص 98 والإحكام 7/54
(6) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(ج 1 / ص 3)
(7) - انظر ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - في كتابه الماتع "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" بتحقيقنا.
(8) - جامع بيان العلم وفضْله ( رقم : 2105 ) تعليقاً و وجامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان - (ج 2 / ص 288)(1098)
وقد وفّى ابن عبد البر بوعده فجمع كتابا في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء. وهو مطبوع بعنوان: "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء".
(9) - يعني الفَضل بَن دُكين ، وهوَ من حُفاظ الكوفة ومُتقنيهم .
(10) - سؤالان ابن الجُنيد ( النص : 797 ) .(1/318)
المقدمة الخامسة
اعتبارُ بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل
الناقد يعتريه ما يعتري البشر من الغفلة أو الغضب ، فيقول القول لا يعني به شيئاً يتصل بهذا العلم ، وإنما أوقعه فيه بعض هذه العوارض ، فهذا إن كان لفظ جرح أو تعديل ، فإنه لا يجوز أن يكون له أثر على الراوي الموصوف بذلك .
فمن مثال ما قد يرد على الناقد من التوهم :
ما حكاه حماد بن حفص(1)( وكان ثقة ) ، قال شهدت يحيى بن سعيد ( يعني القطان ) وجاء إليه شيخ من أهل البصرة ، فتذاكرا الحديث ، فقال الشيخ ليحيى : حدثنا ابن أبي رواد بكذا وكذا ، فقال يحيى : " عرف عليه كذاب " ، فقال : فلما كان بعد ساعة قال : " الأب حدثك أو الابن ؟ " فقال : بل الأب ، فقال : " الأب لا بأس به ، إنما ظننت أنك تعني الابن "(2).
ومما يخرج على صدوره بسبب الغضب مثلاً : ما جاء من تكذيب أبي داود السجستاني لابنه أبي بكر ، إن صح عنه ، فإن أبا بكر حين مات أبوه كان شاباً ، وصار إماماً بعد وفاة أبيه ، وقد عاش بعده إحدى وأربعين سنة ، عرفه فيها تلامذته الحفاظ كأبي حسن الدارقطني بالحفظ والثقة .
ومن هذا ( جرح الأقران ) ، ككلام مالك بن أنس في محمد بن إسحاق ، وكلام ابن إسحاق فيه .
وقال علي بن المديني في ( سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ) : " كان أصحابنا يرمونه بالقدر ، وكان عندنا ثقة ثبتاً ، وكان مالك بن أنس يتكلم فيه ، وكان لا يروي عنه مالك شيئاً ، وكان سعد قد طعن على مالك في نسبه "(3).
واعلم أنه ليس المراد بالتنبيه على هذه الصورة إلغاء كلام القرين في قرينه مطلقاً ، بل إن أدق صور النقد للنقلة هي النقد للمعاصر ، ومنه نقد الأقران ، وذلك لكون الناقد قد اطلع على حال من عدَّله أو جرحه وخبر أمره ، فهو أقوى من جرحه أو تعديله لمن لم يدركه .
وإنما المراد هنا البحث عن سبب الجرح عند معارضة التعديل ، فإن أعاد الناقد الجرح إلى علة مدركة في شأن من جرح ، واستدل لذلك وبينه ، فقوله معتبر ، ولا أثر للاقتران ، إلا أن يثبت وجود خصومة أو خلاف بينه وبين من جرحه ، فهذا مما يوجب الاحتياط ، والأصل : ترك قوله فيه ، على أنك لو بحثت عن حال هذا الصنف وجدت الطعون فيهم من مخالفيهم تأتي من قبيل الجرح المجمل الذي يطرح في مقابلة التعديل المعتبر ؛ لمجرد إجماله .
قال ابن عبد البر : " قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : " الْعُلَمَاءُ كَانُوا فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ إِذَا لَقِيَ الْعَالِمُ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ غَنِيمَةٍ وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ذَاكَرَهُ ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُونَهُ لَمْ يُزْهَ عَلَيْهِ ، حَتَّى كَانَ هَذَا الزَّمَانُ فَصَارَ الرَّجُلُ يَعِيبُ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ ابْتِغَاءَ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْهُ حَتَّى يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ وَلَا يُذَاكِرُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَيُزْهَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَهَلَكَ النَّاسُ " قَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ : " قَدْ غَلَطَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَضَلَّتْ فِيهِ نَابِتَةٌ جَاهِلَةٌ لَا تَدْرِي مَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنَ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَثَبَتَتْ فِي الْعِلْمِ إِمَامَتُهُ وَبَانَتْ ثِقَتُهُ وَبِالْعِلْمِ عِنَايَتُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ فِيهِ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي جَرْحَتِهِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ يَصِحُّ بِهَا جَرْحَتُهُ عَلَى طَرِيقِ الشَّهَادَاتِ وَالْعَمَلِ فِيهَا مِنَ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَايَنَةِ لِذَلِكَ بِمَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهُ فِيمَا قَالَهُ لِبَرَاءَتِهِ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ ذَلَكَ كُلِّهِ ، فَذَلَكَ كُلُّهُ يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتُ إِمَامَتُهُ وَلَا عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا صَحَّتْ لِعَدَمِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ رِوَايَتُهُ ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَيُجْتَهَدُ فِي قَبُولِ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّي النَّظَرُ إِلَيْهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَنِ اتَّخَذَهُ جُمْهُورٌ مِنْ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِمَامًا فِي الدِّينِ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ الطَّاعِنِينَ : إِنَّ السَّلَفَ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمْ قَدْ سَبَقَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَلَامٌ كَثِيرٌ ، مِنْهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَمِنْهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَسَدُ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ ، وَأَبُو حَازِمٍ ، وَمِنْهُ عَلَى جِهَةِ التَّأْوِيلِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمَقُولُ فِيهِ مَا قَالَهُ الْقَائِلُ فِيهِ ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسَّيْفِ تَأْوِيلًا وَاجْتِهَادًا لَا يَلْزَمُ تَقْلِيدُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ دُونَ بُرْهَانٍ وَحُجَّةٍ تُوجِبُهُ ، وَنَحْنُ نُورِدُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْجِلَّةِ الثِّقَاتِ السَّادَّةِ ، بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ مِمَّا لَا يَجِبُ أَنْ يُلْتَفَتَ فِيهِمْ إِلَيْهِ وَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ ، وَمَا يُوَضِّحُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ حَمَّادٍ : " أَنَّهَ ذَكَرَ أَهْلَ الْحِجَازِ فَقَالَ : " قَدْ سَأَلْتُهُمْ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ ، وَاللَّهِ لَصِبْيَانُكُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ بَلْ صِبْيَانُ صِبْيَانِكُمْ "(4).
وهل يؤثر تعديل الأقران أيضاً على اعتبار أن المعدل قد يميل لشخص لموافقة في الرأي والمذهب مثلاً ، فيثني عليه ويعدله ؟
الواقع العملي لا يكاد يثبت وجود أثر لمثل ذلك ، بل الأمثلة لا تكاد تحصى في تعديل المخالف وجرح الموافق .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - هوَ مُحمد بنُ حفصٍ القطان البصري ، و( حماد ) لقبٌ ، يُستدرك على " نُزهة الألباب " لابن حجر.
(2) - أخرجه يعقوب بنُ سفيان في " المعرفة " ( 1 / 700 ) وإسناده صحيح .
(3) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 91 ) .
(4) - جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبد البر ( 2 / 1093 - 1094 ) وجامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان - (ج 2 / ص 296-297)(1/319)
المقدمة السادسة
وجوبُ اعتبار مرتبة الناقد مقارنة بمخالفة
وذلك بأربع اعتبارات :
الاعتبار الأول : قلة الكلام في النقلة وكثرته :
وهو قدر اعتناء الإمام الناقد بتعديل الرواة وتجريحهم ، فإن من أثر عنه تتبع ذلك والاعتناء به ، لا يوضع في درجة واحدة مع من لم يؤثر عنه من البيان لذلك إلا اليسير ، وبهذا الاعتبار قسمهم الذهبي إلى ثلاثة أقسام :
1 _ من تكلموا في أكثر الرواة ، كيحيى بن معين ، وأبي حاتم الرازي .
2 _ من تكلموا في كثير من الرواة ، كمالك بن أنس ، وشعبة .
3 - من تكلموا في الرجل بعد الرجل ، كسفيان بن عيينة ، والشافعي(1).
الاعتبار الثاني : التشدد والاعتدال والتساهل :
وقسم الذهبي الناقد باعتبار هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام ، فقال :
" قسم منهم متعنت في الجرح ، متثبت في التعديل ، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ، ويلين بذلك حديثه ، فهذا إذا وثق شخصاً ، فعضَّ على قوله بناجذيك ، وتمسك بتوثيقه ، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ؟ فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف ، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه : لا يقبل تجريحه إلا مفسراً ، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً : هو ضعيف ، ولم يوضح سبب ضعفه ، وغيره قد وثقه ، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه ، وهو إلى الحسن أقرب .
وابن معين ، وأبو حاتم ، والجوزجاني ، متعنتون .
وقسم في مقابلة هؤلاء ، كأبي عيسى الترمذي ، وأبي عبد الله الحاكم ، وأبي بكر البيهقي ، متساهلون .
وقسم كالبخاري ، وأحمد بن حنبل ، وأبي زرعة ، وابن عدي ، معتدلون منصفون "(2).
قلت : هذا الذي مثل به الذهبي من ذكر هؤلاء الأعيان صحيح في الجملة بالنظر إلى ما وقع من كلامهم ، في النقلة ، لكنك تحتاج إلى مراعاته عند اختلاف الجرح والتعديل ، لا مطلقاً ، فإن أقوال هؤلاء جميعاً الأصل فيها الإعمال والاعتبار ، والذهبي نفسه اعتمد على جرحهم وتعديلهم في كتبه .
وإلا فمن ذا يجافي كلام العارفين بنقلة الحديث ، من أمثال يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي ، مع ما عرف عنهم من التشديد ؟ !
فالقطان كان قل من يرضى من الرواة ، قال العقيلي : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شُجَاعٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ يَحْيَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، كَيْفَ هُوَ ؟ قَالَ : تُرِيدُ الْعَفْوَ أَوْ تُشَدِّدُ ؟ قُلْتُ : بَلْ أَتَشَدَّدُ , قَالَ : فَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ تُرِيدُ , كَانَ يَقُولُ شَيْئًا , حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ , قَالَ : يَحْيَى وَسَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْهُ , فَقَالَ : فِيهِ نَحْوًا مِمَّا قُلْتُ لَكَ , يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى ، يَقُولُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ أَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو , وَلَمْ يَكُونُوا يَكْتُبُونَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو حَتَّى اشْتَهَاهَا أَصْحَابُ الْإِسْنَادِ فَكَتَبُوهَا , وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ . "(3).
وابن معين كانت تحمله الغيرة على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى يقول من العبارة ما يتحصل المقصود بدونه ، ككلامه في سويد بن سعيد وعلي بن عاصم .
وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي : سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة ، فوثقه ، فقلت : إن أبا عبد الرحمن النسائي ضعفه ، فقال : " يا بني ، إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري ومسلم "(4).
ولكن الشأن فيما إذا تعارض قول أحدهم مع قول ناقد سواه ، فنلاحظ ما يحتمل وروده بسبب ما عرف عنهم من الشدة ، كما نلاحظ من آخرين ما يمكن أن يكون في تعديلهم ، بسبب ما ذكروا به من التساهل ، كابن حبان .
الاعتبار الثالث : النظر والإنشاء ، للمتقدمين ، والتحرير والترجيح ، للمتأخرين.
والمقصود أن لا تقيم التعارض مثلاً بين جرح أبي حاتم الرازي وتوثيق الذهبي ، من أجل أن أبا حاتم إنما جرح بمقتضى بحثه ودرايته بحال الراوي واختبار حديثه ، والذهبي وثق ترجيحاً لقول من خالف أبا حاتم من النقاد ، باتباع قوانين الترجيح التي نحن في صدد بيانها .
وإنما يقوم التعارض بين كلام المنشئين .
الاعتبار الرابع : الناقد العارف في جرح وتعديل أهل بلده .
وهذا وجدنا له الأثر في أن الناقد إذا عدل أو جرح بلديه كان أصح مذهباً فيهم من الغرباء ، ولا يستغرب ذلك ، فكونه من أهل داره يوجب مزيد اطلاع .
قال حماد بن زيد : " بلدي الرجل أعرف بالرجل "(5).
قال أبو بكر المروذي : سألت ( أحمد بن حنبل ) عن قطن الذي روى عنه مغيرة ؟ فقال : " لا أعرفه إلا بما روى عنه مغيرة " ، قلت : إن جريراً ذكره بذكر سوء ، قال : " لا أدري ، جرير أعرف به وببلده "(6).
وقال أبو زرعة الدمشقي : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في سعيد بن بشير ؟ قال : " أنتم أعلم به "(7).
وقال ابن عدي في ( شقيق الضبي ) : " كان من قصاص أهل الكوفة ، والغالب عليه القصص ، ولا أعرف له أحاديث مسندة كما لغيره ، وهو مذموم عند أهل بلده ، وهم أعرف به "(8).
وكان محمد بن عبد الله بن نمير من نقاد الكوفيين ، قال علي بن الحسين بن الجنيد: كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان في شيوخ الكوفيين : " ما يقول ابن نمير فيهم ؟ "(9).
وقال ابن عدي في ( محمد بن عوف الحمصي ) : " هو عالم بأحاديث الشام ، صحيحها وضعيفها "(10).
قلت : ومن أمثلته في النقاد : أبو مسهر في الشاميين ، ومحمد بن عوف في الحمصيين ، وأحمد بن صالح ، وابن يونس في المصرين .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ذكر من يُعتمد قولُه في الجرْح والتعديل ( ص : 158 ) .
(2) - ذكر من يُعتمد قولُه في الجرْح والتعديل ( ص : 158 - 159 ) .
(3) - أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 7 / 456 ) والعُقيلي في " الضعفاء " ( 4 / 108 ) وإسناده صحيح ، وهو في " الجرح والتعديل " ( 4 / 1 / 31 ) باختصار .
(4) - شروط الأئمة الستة ، لابن طاهر ( ص : 104 ) .
(5) - أخرجه الخطيب في " الكفاية " ( ص : 175 ) بإسناد جيد .
(6) - العلل ، رواية المروذي ( النص : 98 ) ، وجريرٌ هوَ ابنُ عبد الحميد .
(7) - تاريخ أبي زُرعة ( 1 / 540 ) ، وإنما قال أحمد ذلك لأن سعيداً هذا دمشقي .
(8) - الكامل ( 5 / 71 ) .
(9) - أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في " التقدمة " ( ص : 320 ) عن ابنِ الجنيد .
(10) - الكامل ( 1 / 231 ) .(1/320)
المقدمة السابعة
ملاحظة مذهب الناقد فيما يراه جرحاً ، ومذهبه فيه مرجوح
وهذا لا يضبطه إلا ما سيأتي ذكره في المبحث التالي من اشترط تفسير سبب الجرح ، وإنما المراد هنا أن تتفطن إلى أن الناقد المعتدُّ به في الجملة قد يقدح بما ليس بقادح في التحقيق .
ومثال ذلك أن علي بن المديني سأل يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني ؟ فقال : " ضعيف " ، قال : قلت ليحيى : إنه يقول : ( أخبرني) ، قال : " لا شيء ، كله ضعيف ، إنما هو كتاب دفعه إليه "(1).
قلت : فضعَّفه لأنه يرى ضعف التحمل بهذا الطريق ، وهو مذهب مرجوح(2).
وفي المحدث الفاصل : " حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ : أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الْمَجْنُونِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَتَيَانِي يَسْأَلَانِي أَنْ أَسْكُتَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَلَا وَاللَّهِ لَا سَكَتُّ عَنْهُ ، ثُمَّ لَا وَاللَّهِ لَا سَكَتُّ عَنْهُ وَهَذَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ يُحَدِّثُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَا : إِذَا وَضَعْتَ زَكَاتَكَ فِي صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ جَازَ ، وَأَنَا وَاللَّهِ سَأَلْتُ : الْحَكَمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِذَا وَضَعْتَ فِي صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ أَجْزَأَكَ ، فَقَتَلَ : عَنْ مَنْ ؟ فَقَالَ : عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهَذَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ يُحَدِّثُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَ عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّازِ ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَغَسَّلَهُمْ ، وَأَنَا سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ ، قُلْتُ : عَنْ مَنْ ؟ قَالَ : بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ الْقَاضِي : أَصْلُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ ، وَقَدْ خَلَطَ فِيهَا ، أَوْ خُلِّطَ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَالْمُخَرِّمِيُّ أَضْبَطُ مِنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ وَقَالَ : مَحْمُودٌ فِيمَا يَحْكِيهِ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ ، عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَارَةَ ، رَوَى عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَدَفَنَهُمْ وَقَالَ الْمُخَرِّمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ : صَلَّى عَلَيْهِمْ وَغَسَّلَهُمْ وَقَالَ مَحْمُودٌ فِي رِوَايَتِهِ ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ : قُلْتُ لِلْحَكَمِ : أَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ؟ قَالَ : لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الْمُخَرِّمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِلْحَكَمِ أَيُصَلَّى عَلَى الْقَتْلَى ؟ قَالَ : يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَبَيْنَ الْحِكَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ شَدِيدٌ وَفُرْقَانٌ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَكْذِيبِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو بِسْطَامٍ ، لِأَنَّهُ اسْتَفْتَى الْحَكَمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَأَفْتَاهُ الْحَكَمُ بِمَا عِنْدَهُ ، وَهُوَ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ زَمَنَ حَمَّادٍ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بِسْطَامٍ : عَنْ مَنْ ؟ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَقُولُ : مَنِ الَّذِي يَقُولُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ؟ فَقَالَ فِي إِحْدَاهُمَا : هُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ ، وَفِي الْأُخْرَى هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ هَذَا فَقِيهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَذَاكَ فَقِيهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَلَمْ تَقُمِ الرِّوَايَةُ فِيهِمَا مَقَامَ الْحُجَّةِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِجَمِيعِ مَا رَوَى وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يَتْرُكَ رِوَايَةً مَا لَا يُفْتِي بِهِ ، وَعَلَى هَذَا مَذَاهِبُ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، هَذَا مَالِكٌ يَرَى الْعَمَلَ بِخِلَافِ كَثِيرٍ مِمَّا يَرْوِي ، وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَثْبَتُ وَأَقْوَى عِنْدَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنَ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يَرْوِي حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ ، وَيَقُولُ بِخِلَافِهِ ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحَدِّثَ الْحَكَمُ ابْنَ عُمَارَةَ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا لَا يَحْفَظُهُ ، وَالْعَمَلُ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ ، وَيَسْأَلُهُ شُعْبَةُ فَيُجِيبُ عَلَى مَا يَحْفَظُ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ ، وَالْإِنْصَافُ أَوْلَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ أَبُو بِسْطَامٍ سَيِّئُ الرَّأْيِ فِي الْحَسَنِ ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمَا(3).
وقال البيهقي في السنن الكبرى : "( 6429 ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَحْمَسِيُّ ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، ثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : قَالَ لِي شُعْبَةُ : " ائْتِ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ ، فَقُلْ لَهُ : لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ " ، قَالَ مَحْمُودٌ : فَقُلْتُ لِأَبِي دَاوُدَ وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : قُلْتُ لِشُعْبَةَ : مَا عَلَامَةُ كَذِبِهِ ؟ قَالَ : " رَوَى عَنِ الْحَكَمِ أَشْيَاءَ فَلَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلًا ، قُلْتُ لِلْحَكَمِ : صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ؟ قَالَ : لَا . وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ . وَقَالَ : قُلْتُ لِلْحَكَمِ : مَا تَقُولُ فِي أَوْلَادِ الزِّنَا ؟ قَالَ : يُعْتَقُونَ ، قَالَ : قُلْتُ : عَمَّنْ ؟ قَالَ : فَقَالَ : يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ الْبَصْرِيِّينَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ "(4).
ـــــــــــــــ
__________
(1) -- أخبار المكيين من " تاريخ ابن أبي خيثمة " ( ص : 366 ) .
(2) - انظر منهج النقد في علوم الحديث (ج 1 / ص 217) والإلماع - (ج 1 / ص 79) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 30) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 38) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 313)
(3) - أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " ( رقم : 224 ) وإسناده صحيح ، ورجَّح الرامهرمزي هذا السياق من أجْل سِياق الرواية التالية في تفسير شُعبة لروايات الحسن .
(4) - أخرجه مسلمٌ في " مقدمة الصحيح " ( 1 / 23 - 24 ) والرامهرمزي ( رقم : 223 ) والبيهقي في " الكبرى " ( 4 / 13 ) والخطيب في " تاريخه " ( 7 / 347 ) بإسنادٍ صحيح .(1/321)
المقدمة الثامنة
التحقق من آخر قولي أو أقوال الناقد في الراوي ، إن كان قد اختلف عليه .
وهذا كالذي نبهت عليه في صدر هذا الفصل من اختلاف النقل جرحاً وتعديلاً عن الناقد المعين ، كالذي مثلت به عن يحيى بن معين .
والمقصود أن الناقد قد يعدِّل الراوي ، ثم يبدو له من أمره ما يوجب جرحه فيصير إليه ، كما سأل أبو بكر المروذي أحمد بن حنبل عن ( الحكم بن عطية البصري ) قال : كيف هو ؟ قال : " كان عندي ليس به بأس ، ثم بلغني أنه حدث بأحاديث مناكير " وكأنه ضعفه(1).
وكما في قول يحيى بن معين في ( ثواب بن عتبة المهري ) ، ففي رواية الدوري عنه : " ثقة "(2)، وكذلك نقل إسحاق بن منصور عن يحيى(3)، وهذا ما كان قد صار إليه في شأنه ، ومن الدليل عليه قول ابن حاتم : " سمعت أبي وأبا زرعة ورأيا في كتاب رواه عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال : ثواب بن عتبة ثقة ، فأنكرا جميعاً ذلك "(4).
يظهر لي أنهما أنكرا ما في الكتاب من توثيق يحيى ، لعلمهما أن الدوري إنما سمع من يحيى تضعيفه ، كما يدلُّ عليه قول الدوري في موضع آخر من " التاريخ " : " سمعت يحيى يقول : ثواب بن عقبة شيخ صدق " ، قال الدوري : " فإن كنت كتبت عن أبي زكريا فيه شيئاً أنه ضعيف ، ، فقد رجع أبو زكريا ، وهذا هو القول الأخير من قوله "(5).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - العلل ، رواية المرُّوذي ( النص : 165 ) .
(2) - تاريخه ( النص : 3565 )
(3) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 471 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 471 ) .
(5) - تاريخه ( النص : 4333 ) .(1/322)
المقدمة التاسعة
مراعاة دلالة ألفاظ الجرح والتعديل
إذ منها اللفظ المجمل الذي لا يتبين وجهه فيبحث عن تفسيره في كلام قائله ، أو كلام غيره ، أو بتأمل حال الراوي وحديثه ، ومنها اللفظ الذي هو ظاهر الإفادة للجرح ، ومعناه فيه بين ، ومنها اللفظ يتردد في وضوح دلالته بنفسه .
وقد تتبعت في الفصل التالي مشهور تلك الألفاظ وأكثرها استعمالاً ، وبينت نكتاً تتصل بمعناها ، توقف على ما يحتاج إليه لاستعمال هذه المقدمة .
ـــــــــــــــ(1/323)
المقدمة العاشرة
التحقق من كون العبارة المعينة قيلت من قبل الناقد في ذلك الشخص المعين
حكاية ألفاظ علماء الجرح والتعديل من قبل رواتها والناقلين لها عنهم قد يداخلها الوهم ، فيكون الناقد قال تلك العبارة في راو ، فيذكرها من أخذها عنه في راو آخر ، ربما شابهه في اسمه أو نسبه ، أو انتقل البصر من ترجمة إلى أخرى .
مثل ما نقله العقيلي وابن عدي عن البخاري قال : " زيد أبو عمر عن أنس ، سكتوا عنه "(1)، وأسند العقيلي لزيد هذا حديثاً عن أنس في ذكر الجهنميين ، وقال بعده : " روي هذا المتن بغير هذا الإسناد بأسانيد جياد " .
واعتمد ابن الجوزي على ما نقله العقيلي أو ابن عدي عن البخاري ، فذكر الرجل في " الضعفاء "(2)، وكذا الذهبي، مع إقراره بكون المتن الذي رواه زيد محفوظاً(3)، وبعده ابن حجر، ولم يتعقب بشيء إلا بذكر ابن حبان للرجل في " الثقات "(4).
وجميع هذا وهم ، فإن البخاري لم يقل العبارة المذكورة في ( زيد أبي عمر ) ، إنما قالها في الراوي الذي تلاه في" التاريخ الكبير " ، فبعد أن فرغ من ذكر ( زيد أبي عمر ) وحديثه في ذكر الجهنميين ، قال : " زيد بن عوف أبو ربيعة ، من بني عامر بن ذهل ، ويقال : فهد ، عن حماد بن سلمة ، سكتوا عنه "(5).
وأيد الوهم أن من تقدم ذكرهم جميعاً حين ترجموا لـ( زيد بن عوف ) ، لم يذكروا هذه العبارة عن البخاري فيه .
كما يؤيده أن عبارة ( سكتوا عنه ) جرح بليغ من البخاري ، وهذا الرجل لم يعرف إلا بحديث الجهنميين المشار إليه ، وهو حديث محفوظ عن أنس من غير طريقه ، لذا فقول ابن حبان في إيراده في ( الثقات ) هو الصواب ، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً(6).
وهو بخلاف ابن عوف ، فإنه رجل متروك الحديث .
وربما رجع أصل الوهم إلى رواية من نسخة من أصول " تاريخ " البخاري ، لأن العقيلي وابن عدي إنما يرويانه عنه من جهتين مختلفتين .
وتارة يكون الوهم من قبل الناقد نفسه ، كأن يسأل عن راو قد اشترك مع آخر مجروح عنده في اسم أو نسب ، فيجيب بحكمه في المجروح ، كالمثال المتقدم عن يحيى القطان في ( المقدمة الخامسة ) .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الضعفاء ، للعقيلي ( 2 / 72 ) ، الكامل ، لابن عدي ( 4 / 165 ) .
(2) - الضعفاء ، لابن الجوزي ( 1 / 303 ) .
(3) - ميزان الاعتدال ( 2 / 108 ) .
(4) - لسان الميزان ( 2 / 596 ) ، والرجل في " الثقات " لابنِ حبان ( 4 / 250 ) .
(5) - تاريخ البخاري مدقق - (ج 2 / ص 88)
[ 1344 ] زيد أبو عمر قال أحمد حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثني محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن زيد أبي عمر سمعت أنس بن مالك أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم سمعته بأذني ليخرجن قوم من النار فيدخلون الجنة يسمعون الجهنميون
[ 1345 ] زيد بن عوف أبو ربيعة من بني عامر بن ذهل ويقال فهد عن حماد بن سلمة سكتوا عنه.
(6) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 576)(2612 ) زيد أبو عمر رجل من ولد أنس، كذا قال عبيدالله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عنه روى عن أنس، روى محمد بن سلمة عن خاله(1/324)
المقدمة الحادية عشرة
التحقق من اللفظة المنقولة عن الناقد
ومن ذلك أن يأمن التصحيف أو التحريف للعبارة بما قد يحيل معناها ، مثل ما وقع في كثير من الكتب من تحريف قول عبد الله بن عون البصري في ( شهر بن حوشب ) : " نزكوه " بالنون والزاي في أوله ، حرفت إلى " تركوه " بتاء فوقية في أوله فراء ، في كثير من المراجع ، وبين العبارتين فرق كبير في المعنى ، فمعنى : ( نزكوه ) قال مسلم بن الحجاج : " أخذته ألسنة الناس ، تكلموا فيه "(1)، وقال عياض : " معناه : طعنوا عليه ، مأخوذ من النيزك ، وهو الرمح القصير "(2).
ومن قبيح التحريف أيضاً ما وقع في " الميزان " للذهبي في ترجمة ( أبي صالح باذام مولى أم هانئ ) : " وقال إسماعيل بن أبي خالد : كان أبو صالح يكذب ، فما سألته عن شيء إلا فسره لي "(3). وصواب العبارة : " كان أبو صالح يكتب "(4).
ومن ذلك أن يقف على سياق لفظ الناقد بتمامه ، لا يبني على اللفظ المختصر ، فربما صدر لفظ الناقد في راو بما يوهم الجرح حين سئل عنه وعمن هو أوثق منه على سبيل المقارنة ، كأن يقول : ( فلان ثقة ، وفلان ضعيف ) ، أي مقارنة بمن ذكر معه ، لا مطلقاً ، وربما نقلت العبارة عنه بتصرف ، فإذا تم الوقوف على نصها كانت على دلالة أخرى ، وربما نقلت على المعنى ، كأن يقال : ( وثقه فلان ) أو : ( ضعفه فلان ) أو ( تركه فلان ) ، ولا تذكر الصيغة المفيدة لذلك ، وربما عكس الأمر ، فيكون أصل المنقول : ( تركه فلان ) فتحكى عنه قولا : " متروك " .
وفي الكفاية : " قال يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ وَذَكَرَ مَسْلَمَةَ بْنَ عُلَيٍّ فَقَالَ : " لَا يُتْرَكُ حَدِيثُ رَجُلٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ , قَدْ يُقَالُ : فُلَانٌ ضَعِيفٌ , فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ : فُلَانٌ مَتْرُوكٌ فَلَا , إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ الْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ "(5)
وله أمثلة كثيرة ، منها :
وقال العقيلي : " حُسَيْنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ بَصْرِيٌّ ، ضَعِيفٌ ، مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى وَذَكَرَ أَحَادِيثَ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ فَقَالَ : فِيهِ اضْطِرَابٌ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : إِنَّ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَوَى عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا ، فَقَالَ يَحْيَى : كُنَّا نَعْرِفُ حُسَيْنًا ، يَعْنِي الْمُعَلِّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ" .
، فصدر العقيلي بقوله : " حسين بن ذكوان المعلم ، بصري ، مضطرب الحديث "(6)، أخذها من عبارة يحيى القطان متوسعاً فيها حتى جعل الوصف اللازم لحسين هذا أنه مضطرب الحديث .
ومن هذا أيضاً : الاختصار في نقل عبارة الناقد ، أو حكايتها بالمعنى ، مما يقع به الخروج عن أصل دلالتها .
وهذا يقع كثيرا في كتب المتأخرين ولا سيما المختصرات
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة صحيح مُسلم ( ص : 17 ) وقد أخرج الأثر عن ابنِ عونٍ بإسناد صَحيح .
(2) - إكمال المعلم ( 1 / 134 ) .
(3) - ميزان الاعتدال ( 1 / 296 ) .
(4) - الضعفاء ، للعُقيلي ( 1 / 165 ) ، والكامل ، لابن عدي ( 2 / 256 ) .
(5) - المعرفة والتاريخ ( 2 / 191 ) ومن طريقه : الخطيب في " الكفاية " ص : 181 ( 271 ) .
(6) - الضعفاء ( 1 / 250 ) .(1/325)
المقدمة الثانية عشرة
التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد
وذلك كاستعمال العبارات المشعرة بشدة جرح الراوي ، كأن يحمل خطأه على الكذب ، وإنما هو الوهم ، أو يحمل منكراً رواه ، عليه ، وإنما هو التدليس .
مثل ما حكى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : قلت لأبي : كان يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب ، فعظم ذلك عنده جداً ، قال : " هؤلاء - يعني أهل حران- يحملون عليه ، كان أبو قتادة يتحرى الصدق ، لربما رأيته يشك في الشيء " ، وأثنى عليه وذكره بخير . قال أحمد : " لعله كبر واختلط ، الشيخ وقت ما رأيناه كان يشبه الناس ما علمته ، كان يتحرى الصدق ". وقال : " أظن أبا قتادة كان يدلس "(1).
قلت : وفي هذا كذلك فرق ما بين نعت الناقد العارف بهذا الشأن وأدبه ، وغيره ، فيعقوب بن إسماعيل هذا ليس معدوداً فيمن يعرف هذا الشأن .
وقال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : ترى المسيب بن شريك كان يكذب ؟ قال : " معاذ الله ، ولكنه كان يخطئ "(2).
وكان يحيى بن معين ربما بالغ في عبارة النقد ، فكن يقظاً لذلك .
وذلك كقوله وقد ذكر له عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح ، فقال له رجل: قوم يقدمون عبد الرحمن بن مهدي ؟ فقال : " من قدم عبد الرحمن على وكيع - فدعا عليه - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "(3).
فهذا مما عيب على يحيى ، وأنكر منه .
قال يعقوب بن سفيان : " كان غير هذا الكلام أشبه بكلام أهل العلم ، ومن حاسب نفسه وعلم أن كلامه من عمله لم يقل مثل هذا "(4).
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ: أَيُّمَا أَحْفَظُ: وَكِيْعٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ؟
قَالَ: وَكِيْعٌ أَحْفَظُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتْقَنُ، وَقَدِ التَقَيَا بَعْدَ العِشَاءِ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ.
عَبَّاسٌ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعَا يَحْيَى يَقُوْلُ: مَنْ فَضَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ عَلَى وَكِيْعٍ، فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا كَلاَمٌ رَدِيءٌ، فَغَفَرَ اللهُ لِيَحْيَى، فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَعْلَمُ الرَّجُلَيْنِ، وَأَفْضَلُ، وَأَتْقَنُ، وَبِكُلِّ حَالٍ هُمَا إِمَامَانِ نَظِيْرَانِ. "(5).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 1533 ) ، ومعناه في ( النص : 216 ، 1065 ) .
(2) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 3638 ) .
(3) - تاريخ يحيى بن مَعين ( النص : 2677 ) .
(4) - المعرفة والتاريخ ( 1 / 728 ) .
(5) - سير أعلام النبلاء ( 9 / 152 ) .(1/326)
المقدمة الثالثة عشرة
قد تطلق العبارة لا يرادُ ظاهرها
جرى في لسان العرب إطلاق لفظ الكذب على معناه المتبادر عند الإطلاق ، الذي هو ضد الصدق ، كما أنهم ربما أطلقوه على إرادة مجرد الخطأ .
وتكرر وقوعه بهذا المعنى في مواضع في المنقول عن السلف ، ومن أمثلته :
مارواه محمد بن نصر( 81 ) حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ ، أَنَّ أَبَا نَهِيكٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ فَيَقُولُ : لَا وِتْرَ لِمَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ . قَالَ : فَانْطَلَقَ رِجَالٌ إِلَى عَائِشَةَ ، فَأَخْبَرُوهَا فَقَالَتْ : كَذَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ " كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصْبِحُ فَيُوتِرُ "(1).
ومن هذا أنهم ربما أطلقوا على الراوي وصف ( الكذب ) وعنوا في رأيه ومذهبه ، لا في حديثه وروايته .
مثل : ( تليد بن سليمان المحاربي الكوفي ) ، كان أحد من سمع منهم أحمد بن حنبل وأثنى عليه(2)، لكنهم نقموا عليه مذهبه في التشيع ، وغلظ يحيى بن معين فيه العبارة حتى قال : " كذاب " ، لكني بحثت عن سبب تكذيبه له ، فوجدته قد أحاله على مذهبه لا على حديثه ، إذ نص مقالة يحيى كما رواها عنه الدوري : " تليد كذاب ، كان يشتم عثمان ، وكل من يشتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دجال ، لا يكتب عنه ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "(3).
فتأثرت طائفة جاءوا من بعد بعبارة يحيى ، وليس الأمر كما ذهبوا إليه ، إنما علته مما ذكرت ، فتأمل !
ـــــــــــــــ
__________
(1) - حديث صحيح . أخرجه ابنُ نصْر في " كتاب الوتر " ( ص : 306 - 307 ) وابنُ عدي ( 1 / 124 ) _ ومن طريقه : البيْهقي في " الكبرى " ( 2 / 478 _ 479 ) _ من طريق أبي عاصم النبيل ، حدثنا ابنُ جريج ، أخبرني زِياد ، أن أبا نَهيكٍ أخبره ، به . قلت : وهذا إسنادٌ صحيح ، وزِياد ، هوَ ابن سعْد .
(2) - ووقع في كتاب " الكامل " لابن عدي ( 2 / 284 ) : قال السعدي ( يعني الجوزَجاني ) : سَمعتُ أحمد بن حنبل يقول : " حدثنا تليد بن سليمان ، وهوَ عندي كانَ يكذب ، وكان مُحمد بن عبيد يُسيءُ القول فيه " ، ونظيرها حكى العُقيلي في " الضعفاء " ( 1 / 171 ) عن الجوزجاني .
وأقول : هكذا جاءت العبارة ، وفيها تكذيبٌ صريحٌ من أحمد له ، وجميع من نقل العبارة عن ابن عدي أو العقيلي فقد حكاها هكذا ، والواقع أنه قد حُذف منها ما أفْسدها ، بحيث أصْبح ذلك التكذيب من قول أحمد ، بينما نصُّ العبارة في " أحوال الرجال " للجوزجاني ( النص : 92 ) : " سمعتُ أحمد بن حنبل يقول في كتابي : حدثنا تليد بن سُليمان الخُشني . قال إبراهيم : وهُو عندي كان يكذب ، كان مُحمد بن عُبيد يُسيءُ القول فيه " ، قلت : وإبراهيم هذا هو الجوزَجاني ، فتأمل ! ثم إننا حرَّرنا في هذا الكتاب أن الجوزجاني لا يُقبل جرْحه في أهل الكوفة .
قال المروذي عن أحمد : لم يَرَ به بأساً ( العلل ، للمروذي وغيره ، النص : 189 ) ، وروى عنه في " المسند " حديثاً ( رقم : 9698 ) ولم يتفطن مُحققوه لما ذكرْت ، فأطلقوا أن تليداً اتفقوا على ضَعفه ، مع أنه عدَّله أيضاً غيرُ أحمد . وهذا مثال أيضاً لوجوب تحرير العبارة عن الناقد .
(3) - تاريخ يحيى بن معين ( النص : 2670 ) .(1/327)
المبحث الثاني :
تحريرُ منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط
التأصيل : أن من ثبت تعديله من ناقد عارف ، فالواجب منع المصير إلى خلافه إلا بحجة .
والتحقيق من مذاهب أهل العلم :
أن الجرح الثابت عن الناقد العارف متروك حتى تجتمع فيه شروط ثلاثة :
الشرط الأول : أن يكون مفسراً ، ولو من ناقد واحد
الجرح المجمل : هو اللفظ ظاهره القدح ، لكن لم يبين وجهه ، ولم يشرح سببه ، كقول الناقد في راو : ( ضعيف ) ، أو ( ليس بشيء ) ، أو ( متروك ) ، أو استعماله عبارة من العبارات النادرة الاستعمال ، كقوله : ( ارم به ) ، أو يسأل عن الراوي ، فيشير بيده ، أو لسانه ، أو يحرك رأسه .
كما لا عبرة بعدد المعدلين والجارحين على التحقيق ، وما يسلكه بعض المنتسبين لهذا العلم من المتأخرين من حساب عدد من جرح ومن عدل ، فيصير إلى الراجح بالعدد ، فمذهب ضعيف لا يقوم على أصول هذا العلم .
فالتأصيل : أن الجرح ولو كان من واحد في مقابل تعديل الجمع ، إذا سلم كونه قادحاً ، قدم على التعديل ، لأن الجارح بما هو قادح بمنزلة زيادة العلم من الثقة ، فالجارح قد اطلع على ما يخرج ذلك الراوي عن محل السلامة في العدالة أو الضبط ، إلى حيز الجرح والقدح ، دون أن يكون لمجرد العدد تأثير في ذلك .
قال الخطيب في الكفاية : " 268 أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لِمَ لَمْ تَقْبَلْ مَا حَدَّثَكَ الثِّقَةُ حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، لِمَا انْتَهَى إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جَرْحِهِ لِبَعْضِ مَنْ حَدَّثَ بِهِ , وَتَكُونُ مُقَلِّدًا ذَلِكَ الثِّقَةَ مُكْتَفِيًا بِهِ , غَيْرَ مُفَتِّشٍ لَهُ , وَهُوَ حَمَلَهُ وَرَضِيَهُ لِنَفْسِهِ ؟ فَقُلْتُ : لِأَنَّهُ قَدِ انْتَهَى إِلَيَّ فِي ذَلِكَ عِلْمُ مَا جَهِلَ الثِّقَةُ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْهُ , فَلَا يَسَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ لِمَا انْتَهَى إِلَيَّ فِيهِ , بَلْ يَضِيقُ ذَلِكَ عَلَيَّ , وَيَكُونُ ذَلِكَ وَاسِعًا لِلَّذِي حَدَّثَنِي عَنْهُ , إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ مَا عَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ , وَيَسْأَلُ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ , فَيُعَدَّلُ فَيَقْبَلُ شَهَادَتَهُ , ثُمَّ يَشْهَدُ عِنْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ , فَيَسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يُعَدَّلُ , فَيَرُدُّهَا الْحَاكِمُ بَعْدَ إِجَازَتِهِ لَهَا , لَا يَسَعُهُ إِلَّا ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ بَعْدَهُ أَنْ يُجِيزَهَا , إِذَا لَمْ يُعَدَّلْ إِنْ كَانَ حَاكِمٌ قَبِلَهُ , فَكَذَلِكَ أَنَا وَالَّذِي حَدَّثَنِي فِيمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ عِلْمِ مَا جَهِلَ مِنْ ذَلِكَ , وَكِلَانَا مَصِيبٌ فِيمَا فَعَلَ " قَالَ الْخَطِيبُ : وَلِأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِقَوْلِ الْجَارِحِ لَمْ يَتَّهِمِ الْمُزَكِّي وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا , وَمَتَى لَمْ نَعْمَلْ بِقَوْلِ الْجَارِحِ كَانَ فِي ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لَهُ , وَنَقْضٌ لِعَدَالَتِهِ , وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ حَالَهُ فِي الْأَمَانَةِ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ , وَلِأَجْلِ هَذَا وَجَبَ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ , وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ آخَرَانِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ , أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِقَضَاءِ الْحَقِّ أَوْلَى , لِأَنَّ شَاهِدَيِ الْقَضَاءِ يُصَدِّقَانِ الْآخَرَيْنِ , وَيَقُولَانِ : عَلِمْنَا خُرُوجَهُ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ , وَأَنْتُمَا لَمْ تَعْلَمَا ذَلِكَ , وَلَوْ قَالَ شَاهِدَا ثُبُوتِ الْحَقِّ : نَشْهَدُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْحَقِّ , لَكَانَتْ شَهَادَةً بَاطِلَةً
فَصْلٌ إِذَا عَدَّلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا وَجَرَحَهُ أَقَلُّ عَدَدًا مِنَ الْمُعَدِّلِينَ , فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْجَرْحِ وَالْعَمَلَ بِهِ أَوْلَى , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلِ الْحُكْمُ لِلْعَدَالَةِ , وَهَذَا خَطَأٌ , لِأَجَلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجَارِحِينَ يُصَدِّقُونَ الْمُعَدِّلِينَ فِي الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ , وَيَقُولُونَ : عِنْدَنَا زِيَادَةُ عِلْمٍ لَمْ تَعْلَمُوهُ مِنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ , وَقَدِ اعْتَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُعَدِّلِينَ تُقَوِّي حَالَهُمْ , وَتُوجِبُ الْعَمَلَ بِخَبَرِهِمْ , وَقِلَّةُ الْجَارِحِينَ تُضَعِّفُ خَبَرَهُمْ , وَهَذَا بُعْدٌ مِمَّنْ تَوَهَّمَهُ , لِأَنَّ الْمُعَدِّلِينَ وَإِنْ كَثُرُوا لَيْسُوا يُخْبِرُونَ عَنْ عَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْجَارِحُونَ , وَلَوْ أُخْبِرُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ , لَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ تَعْدِيلٍ أَوْ جَرْحٍ , لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ عَلَى نَفْيِ مَا يَصِحُّ , وَيَجُوزُ وُقُوعُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوهُ , فَثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ ."
فإن قلت : لم لا يقدح الجرح مطلقاً ما دام صادراً من ناقد عارف ، بناء على أن التعديل إنما جاء على وفاق الأصل ، الذي هو السلامة من الجرح ، والجرح زيادة علم جاء به الناقد ، والأصل أن هؤلاء الناقد لما عرف من درايتهم بالنقلة ، فهم يعنون ما يقولون ، لا يطلقون عبارة الجرح إلا أن تكون جارية على اعتبارهم أسباب الجرح القادح المؤثر ؟
فالجواب : الاشتباه واقع فيما يرد على لفظ الجرح من الاحتمال بسبب الإجمال ، مع صحة وقوع المثال من قبل النقاد أنفسهم أنهم ربما أطلقوا اللفظ ظاهره الجرح ، ويحتمل وجهاً غير معارض للتعديل ، كما أن أحدهم ربما جرح بغير جارح ، أو بلغه سبب الجرح عن غيره فبنى عليه ، أو خرج منه مخرج الغضب والانفعال
وقال الخطيب : " بَابُ الْقَوْلِ فِي الْجَرْحِ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى كَشْفٍ أَمْ لَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ , قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِذَا جَرَحَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَرْحَ , يَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ ذَلِكَ , وَلَمْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ , وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدَنَا تَرْكُ الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ , إِذَا كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا , وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ نَفْسُ مَا دَلَّلْنَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْعَدْلِ عَمَّا بِهِ صَارَ عِنْدَهُ الْمُزَكَّى عَدْلًا , لِأَنَّنَا مَتَى اسْتَفْسَرْنَا الْجَارِحَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا لِسُوءِ الظَّنِّ وَالِاتِّهَامِ لَهُ بِالْجَهْلِ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا , وَذَلِكَ يَنْقُضُ جُمْلَةَ مَا بَنَيْنَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ , مِنَ الرِّضَا بِهِ , وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ , وَلَا يَجِبُ كَشْفُ مَا بِهِ صَارَ مَجْرُوحًا , وَإِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ النَّاسِ فِيمَا بِهِ يَصِيرُ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا , كَمَا لَا يَجِبُ كَشْفُ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُقُوقِ , وَإِنِ اخْتَلَفَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ . فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَارِحُ عَامِّيًّا , وَجَبَ لَا مَحَالَةَ اسْتِفْسَارُهُ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا أَوْجَبَ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ إِنْسَانًا جَرَحَ رَجُلًا فَسُئِلَ عَمَّا جَرَحَهُ بِهِ , فَقَالَ : رَأَيْتُهُ يَبُولُ قَائِمًا , فَقِيلَ لَهُ : وَمَا فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ جَرْحَهُ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّهُ يَقَعُ الرَّشَشُ عَلَيْهِ وَعَلَى ثَوْبِهِ , ثُمَّ يُصَلِّي , فَقِيلَ لَهُ : رَأَيْتَهُ صَلَّي كَذَلِكَ ؟ فَقَالَ : لَا , فَهَذَا وَنَحْوُهُ جَرْحٌ بِالتَّأْوِيلِ ، وَالْعَالِمُ لَا يَجْرَحُ أَحَدًا بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ , فَوَجَبَ بِذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ . سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ : لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا , وَلَيْسَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : فُلَانٌ ضَعِيفٌ , وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ , مِمَّا يُوجِبُ جَرْحَهُ وَرَدَّ خَبَرِهِ , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْسُقُ بِهِ , فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِهِ , لَيُنْظَرَ هَلْ هُوَ فِسْقٌ أَمْ لَا ؟ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا : إِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ نَجِسٌ , لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا حَتَّى يُبَيِّنَا سَبَبَ النَّجَاسَةِ , فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ , وَفِي نَجَاسَةِ الْوَاقِعِ فِيهِ , قَالَ الْخَطِيبُ : وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِهِ , مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِمَا , فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الطَّعْنُ فِيهِمْ وَالْجَرْحُ لَهُمْ كَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّابِعِينَ , وَكَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ , وَهَكَذَا فَعَلَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِهِ اشْتُهِرَ عَمَّنْ يَنْظُرُ فِي حَالِ الرُّوَاةِ الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ , وَسَلَكَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ , وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَعْدَهُ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا إِذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ وَذُكِرَ مُوجِبُهُ. "(1)
ومن أمثلته المؤكدة لوجوب تحقق هذا الشروط :
ما رواه عباس الدوري في ( بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ) ، قال : سمعت يحيى ( يعني ابن معين ) يقول : حدث يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق فقال : رأيت بريدة بن سفيان يشرب الخمر في طريق الري
قال الدوري : " والذي يظن ببريدة بن سفيان أنه شرب نبيذاً ، فرآه محمد بن إسحاق فقال : رأيته يشرب خمراً ، وذاك أن النبيذ عند أهل المدينة ومكة خمر ، لا أنه يشرب خمراً بعينها إن شاء الله ، فهذا وجه الحديث عندي "(2).
قلت : وكأن الجوزجاني استعمل هذه الحكاية للطعن عليه حين قال : " مغموص عليه في دينه "(3)، فزاد الجرح إبهاماً ، فتأمل !
وقال يحيى القطان : " كان محمد بن سيرين لا يرضى حميد بن هلال "(4).
فقال ابن عدي : " لحميد بن هلال أحاديث كثيرة ، وقد حدث عنه الناس والأئمة ، وأحاديثه مستقيمة ، والذي حكاه يحيى القطان أن محمد بن سيرين لا يرضاه لا أدري ما وجهه ، فلعله كان يرضاه في معنى آخر ليس الحديث ، فأما في الحديث فإنه لا بأس به وبروايته "(5).
والأمر كما قال ابن عدي ، وذلك المعنى الآخر غير الحديث فقد َرَوَى: عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ لاَ يَرضَى حُمَيْدَ بنَ هِلاَلٍ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لأَبِي، فَقَالَ: دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ السُّلْطَانِ.
فَلِهَذَا كَانَ لاَ يَرضَاهُ، وَكَانَ فِي الحَدِيْثِ ثِقَةً.(6)
وقال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد القطان عن ( الربيع بن عبد الله بن خطاف ) ، وقلت له : إن عبد الرحمن بن مهدي يثنى عليه ، فقال : " أنا أعلم به " ، وجعل يضرب فخذه تعجباً من عبد الرحمن ، وقال : " لا ترو عنه شيئاً " ، فقلت : لا أروي عنه حديثاً أبداً(7).
قلت : فهذا جرح مجمل ،لم يذكر يحيى له سبباً ، وتسليمه له مع قيام المعارض ، وهو التعديل لا يصح .
قال ابن عدي : لم أر له حديثاً يتهيأ لي أن أقول من أي جهة أنه ضعيف ، والذي يرويه عن الحسن وابن سيرين إنما هي مقاطيع "(8).
وتبين أن العلة التي تكلم لأجلها فيه يحيى هي مظنة أنه كان يذهب إلى القول بالقدر .
وقال العقيلي : " رَبِيعُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُطَّافٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُطَّافٍ الَّذِي رَوَى عَنِ الْحَسَنِ ، وَعَنِ حَفْصٍ الْمِنْقَرِيِّ ، قُلْتُ لِيَحْيَى : إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يُثْنِي عَلَيْهِ ، قَالَ يَحْيَى : أَنَا أَعْلَمُ ، وَجَعَلَ يَحْيَى يَضْرِبُ بِيَدِهِ تَعَجُّبًا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ عَلِيٌّ : قُلْتُ لِيَحْيَى : لَا أَرْوِي عَنْ هَذَا الشَّيْخِ حَدِيثًا وَاحِدًا ؟ قَالَ : أَجَلْ ، فَلَا تَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا ، فَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ ، كُنْتُ أَخْتَلِفُ ثُمَّ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي رَوَى عَنِ الْحَسَنِ ، وَعَنْ حَفْصٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، فَقَالَ : كَانَ عِنْدِي ثِقَةً فِي حَدِيثِهِ ، قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : كَانَ يَرَى الْقَدَرَ ؟ قَالَ : كَانَ يُجَالِسُ عَمْرَو بْنَ فَائِدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . حَدَّثَنِي آدَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ : سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ قَالَ : رَبِيعُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُطَّافٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَحْدَبُ الْمِنْقَرِيُّ الْبَصْرِيُّ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ عَلِيٌّ : يَحْيَى لَا يَرْوِي عَنْهُ ".(9)
ومما يبين ضرورة تفسير سبب الجرح وقوع الحالات التالية :
أولاً : أن الكلام في الراوي قد يكون بسبب منكرات جاءت من طريقه، ليس الحمل فيها عليه ، إنما على مجروح أو مجهول غيره في الإسناد فوقه أو دونه
فتكلمت طائفة من النقاد في ( بقية بن الوليد ) ، وذلك في التحقيق لشهرته بكثرة الرواية عن المتروكين والمجهولين ، حتى أضرَّ ذلك به عند طائفة .
قال الدار قطني : " يروي عن قوم متروكين ، مثل مجاشع بن عمرو ، وعبد الله بن يحيى ، ولا أعرفه ، ولا أعلم له راوياً غير بقية "(10).
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ:"يُخَالِفُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ الثِّقَاتِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنَّهُ ثَبتٌ، وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، خَلَّطَ، وَإِذَا رَوَى عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ، فَالعُهدَةُ مِنْهُم، لاَ مِنْهُ، وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، يَرْوِي عَنِ الصِّغَارِ وَالكِبَارِ، وَيَرْوِي عَنْهُ الكِبَارُ مِنَ النَّاسِ، وَهَذِهِ صِفَةُ بَقِيَّةَ. "(11).
ومن أمثلته : ما حكاه أبو حاتم الرازي في ( عثمان بن أبي العاتكة ) : سمعت دحيماً يقول : " لا بأس به ، ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد ، والأمر من علي " ، فقيل له : إن يحيى بن معين يقول : الأمر من القاسم أبي عبد الرحمن ، فقال : " لا " .
قلت : ودحيم المرجع في رواة الشاميين ، وعثمان هذا منهم ، ولذا قال أبو حاتم : " لا بأس به ، بليته من كثرة روايته عن علي بن يزيد ، فأما ما روي عن عثمان عن غير علي بن يزيد فهو مقارب ، يكتب حديثه "(12).
وقال الذهبي في ( أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني ) : " لَيْسَ بثِقَةٍ، بَلْ مُتَّهَمٌ، يَأْتِي بِمصَائِب.قَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ:قِيْلَ:إِنَّهُ يكذب. "(13)، فعارض قول الحافظ شيرويه الديلمي : " كان ثقة صدوقاً عالماً زاهداً ، حسن المعاملة ، حسن المعرفة بعلوم الحديث "(14).
وتبين أن التهمة بالكذب حكاها ابن الجوزي فقال : " ذكروا أنه كان كذاباً ، ويقال : إنه وضع صلاة الرغائب " ونقل عن أبي الفضل بن خيرون قوله : " قد تكلموا فيه "(15).
وهذا الطعن متهافت ، فمن ذا كذبه ، فالجرح لا يقبل من مجهول ، والتهمة بوضع صلاة الرغائب جاءت من جهة أنه روى الحديث فيها ، لكنه لم يكن سوى ناقل ، وعلتها ممن فوقه ، فإسنادها مجهول
وكثير من الثقات رووا عن المجهولين والضعفاء والمتهمين ما هو منكر أو كذب ، وما لحقهم الجرح بسببه ، إنما التهمة لمن يعرف من رجاله بالعدالة .
وتفطن إلى صورة تقابل هذه ، وهي : أن يكون الراوي عن المتكلم فيه مجروحاً ، فيروي عنه منكرات ، والحمل فيه على ذلك المجروح .
قال السلمي قال الدارقطني سماك بن حرب إذا حدث عنه شعبة والثوري وأبو الأحوص ، فأحاديثهم عنه سليمة ، وما كان عن شريك بن عبد الله وحفص بن جميع ونظرائهم ، ففي بعضها نكارة. (158)(16)..
وكما قال ابن عدي في ( ثابت بن أسلم البناني ) : " هو من ثقات المسلمين ، وما وقع في حديثه من النكرة فليس ذلك منه ، إنما هو من الراوي عنه ؛ لأنه قد روى عنه جماعة ضعفاء ومجهولون ، وإنما هو في نفسه إذا روى عمن هو فوقه من مشايخه فهو مستقيم الحديث ثقة "(17).
وذكر ابن عدي جماعة من الرواة ، عيبهم من هذا الباب ، فذبَّ عنهم ، وحمل النكارة في أحاديث جاءت عنهم على أنها من قبل الأسانيد إليهم(18).
ثانياً : قد يكون الجرح من أجل الخطأ في حديث معين ، فيطلق الناقد العبارة في الراوي ، وليس الأمر كما قال ، بل الإنصاف أن يقيد الجرح بما أخطأ فيه خاصة ، ويحتج به فيما سوى ذلك .
مثاله : عبد الرحمن بن نمر الشامي ، روى عن الزهري ومكحول ، وروى عنه الوليد بن مسلم وسليمان بن كثير .
قال فيه يحيى بن معين : " ابن نمير ضعيف في الزهري "(19).
وهذا الجرح تبين أنه كان من أجل حديث معين ، أورده ابن عدي من طريقه عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِى بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ الأَسَدِيَّةُ : أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُ بِالْوَضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ : وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِى مَتْنِهِ : وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ. لاَ يَرْوِيهِ عَنِ الزُّهْرِىِّ غَيْرُ ابْنِ نَمِرٍ هَذَا. {ت} قَالَ قال البيهقي : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ هَارُونُ بْنُ زِيَادٍ الْحِنَّائِىُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو مُوسَى الأَنْصَارِىُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَلَى الصِّحَّةِ فِى الإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ جَمِيعًا. " .
قال ابن عدي : " له عن الزهري غير نسخة ، وهي أحاديث مستقيمة .. وقول ابن معين : هو ضعيف في الزهري ، ليس أنه أنكر عليه في أسانيد ما يرويه عن الزهري ، أو في متونها ، إلا ما ذكرت من قوله : والمرأة مثل ذلك ، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء "(20)
وأقول : بل ذهب ناقد أهل الشام دحيم إلى تصحيح حديثه عن الزهري ، كما قال الخبير بحديث الزهري الحافظ محمد بن يحيى الذهلي بعد أن أطلق ثقته : " عبدالرحمن بن نمر وعبد الرحمن بن خالد ثقتان ولا تكاد تجد لابن نمر حديثا عن الزهري إلا ودون الحديث مثله يقول سألت الزهري عن كذا فحدثني عن فلان وفلان فيأتي بالحديث على وجهه."(21)
على أنه من الجائز أن تكون تلك الزيادة التي أجلها ضعفه ابن معين على ما بينه ابن عدي مدرجة من قول الزهري ورأيه ، والزهري معروف بمثل ذلك يدرج في المتون التفسير والرأي ، خصوصاً مع مراعاة ما ذكره الذهلي من أنه كان يسأل الزهري .
ثالثاً أن يكون الجرح عائداً إلى كون الراوي قد ضعف في شيخ معين ، أو في حال معين ، فهذا لا يصلح فيه قبول الجرح المطلق ، بل يرد من حديثه القدر الذي ضعف فيه ، ويحتج بما سواه من حديثه .
__________
(1) - الكفاية ، للخطيب ( ص : 179 ) .
(2) - تاريخ يحيى ( النص : 268 ، 1923 ) وعنه في : الكامل ( 2 / 243 ) ومعرفة علوم الحديث ، للحاكم ( ص : 72 ) .
(3) - الكامل ( 1 / 243 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 230 ) .
(5) - الكامل ( 3 / 81 ) .
(6) - سير أعلام النبلاء(5/310)
(7) - ميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 42) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 466) وتهذيب التهذيب - (ج 3 / ص 216)
(8) - الكامل ( 4 / 43 ) ، ويعني بقوله : ( مقاطيع ) أي مقطوعات ، يعني كلامَ الحسن وابن سيرين ، وليست أحاديث مرفوعة ، أو آثاراً موقوفة .
(9) - الضعفاء ، للعُقيلي ( 2 / 49 ) ، وابنُ فائد هذا كانَ يذهب مذهب المعتزلة في القدر .
(10) - سؤالات السلمي للدارقطني ( النص : 89 ) .
(11) - سير أعلام النبلاء (8/522) والكامل في الضعفاء[ ج2 - ص80 ] .
(12) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 6 / ص 163) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 19 / ص 399)
(13) - سير أعلام النبلاء (17/276) ومعناه في " الميزان " ( 3 / 142 ) .
(14) - من كتابه " طبقات الهَمذانيين " ، نقله عنه الرافعي في " تاريخ قزوين " ( 3 / 370 ) وابنُ حجر في " اللسان " ( 4 / 277 ) .
(15) - المنتظم ، لابن الجوزي ( 15 / 161 ) .
(16) - موسوعة أقوال الدارقطني - (ج 17 / ص 185)
(17) - الكامل لابن عدي - (ج 2 / ص 101)
(18) - فانظر مثلاً : الكامل ( 3 / 73 ) ترجمة ( حُميد بن قيس الأعرج ) ، و ( 4 / 161 ) ترجمة ( زيد بن رُفيع ) .
(19) - تاريخه ( النص : 1164 ) وفي سؤالات ابنِ الجنيد ( النص : 140 ) : " ضعيف الحديث " .
(20) - الكامل لابن عدي - (ج 4 / ص 293)
(21) - تهذيب التهذيب - (ج 6 / ص 258)(1/328)
قال ابن القيم منبهاً على ما يقع من بعضهم الغلط فيه من مثل هذا : " أن يرى الرجل قد تكلم في بعض حديثه ، وضعف في شيخ ، أو في حديث ، فيجعل ذلك سبباً لتعليل حديثه وتضعيفه أين وجده ، كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم ، وهذا غلط ، فإن تضعيفه في رجل أو في حديث ظهر فيه غلط لا يوجب التضعيف لحديثه مطلقاً ، وأئمة الحديث على التفصيل والنقد واعتبار حديث الرجل بغيره ، والفرق بين ما انفرد به أو وافق فيه الثقات "(1).
تنبيه :
مما يكون من قبيل الجرح المجمل : ذكر الراوي في كتب الضعفاء .
شأن جماعة من الثقات أوردهم ابن عدي والعقيلي في كتابيهما في الضعفاء .
فابن عدي في " الكامل " ذكر طائفة من أعيان الثقات ، ممن حكم هو بأنهم من الثقات المتقنين ، منهم : حبيب بن أبي ثابت ، وثابت بن أسلم البناني ، وأبو العالية الرياحي ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، وأبو نضرة العبدي ، وعبد الله بن وهب المصري ، وغيرهم .
وذكرهم من أجل كلام بعضهم فيه ، وكان شرطه إيراد كل متكلم فيه ليذب عنه .
بل ذكر ابن عدي في ( كتابه ) بعض الصحابة لأجل الحديث الذي روي عنهم ، لا لجرح فيهم ، مثل : ذي اليدين ، وزيد بن أبي أوفي ، وسليك الغطفاني ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة .
وبين ابن عدي وجه ذلك فقال : " وكل من له صحبة ممن ذكرنا في هذا الكتاب ، فإنما تكلم البخاري في ذلك الإسناد الذي انتهى فيه إلى الصحابي ، أن ذلك الإسناد ليس بمحفوظ ، وفيه نظر ، لا أنه يتكلم في الصحابة ، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لحق صحبتهم ، وتقادم قدمهم في الإسلام ، لكل واحد منهم في نفسه حق وحرمة ؛ للصحبة ، فهم أجل من أن يتكلم أحد فيهم "(2)
وكذا أورد العقيلي في ( كتابه ) جماعة وهم من المتقنين : أمية بن خالد القيسي ، وجرير بن عبد الحميد الضبي ، وعلي بن مسهر ، وعلي بن المديني ، وغيرهم .
ومع اشترط الذهبي في " الميزان " استقصاء من تكلم فيه ، وإن كان من الثقات المتقنين ؛ لإبطال دعوى الجرح فيهم ، إلا أنه تحاشى ذكر أحد من الصحابة ، وقال في بيان شرطه : " إلا ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما من الصحابة ، فإني أسقطهم ؛ لجلالة الصحابة ، ولا أذكرهم في هذا المصنف ؛ فإن الضعف إنما جاء من جهة الرواة إليهم "(3).
قلت : وطريقة الذهبي أجود .
-------------------
الشرط الثاني : أن يكون جرحاً بما هو جارح
ليس كلُّ جرح يكون قادحاً حتى ولو كان مفسراً ؛ وذلك لما عرف أن الراوي قد يجرح بغير جارح ، والعالم ربما جرح بالشيء يخالف فيه ، والصواب والعدل قول مخالفه .
وتقدم في ( تفسير الجرح ) أنه وقع بأسباب لا أثر لها في التحقيق ، فاستبنه مما شرحته هناك .فإذا كان الجرح مفسراً قادحاً فهو مقدم على التعديل ، على التحقيق
----------------
الشرط الثالث : أن لا يكون الجرح مردوداً من ناقد آخر بحجة
فقد وجدنا الرجل يجرح الرجل أو يعدل من بعض النقاد ، فيأتي بعده من يطلع على جرحه أو تعديله ، فيرد قوله .
فأما رد التعديل بظهور الجرح ، فهذا يميز بالشرط الأول .
مثل قول الجوزجاني : قلت لأحمد ( يعني ابن حنبل ) : إن موسى ( يعني ابن عبيدة الربذي ) قد روى عنه سفيان وشعبة ؟ قال : " لو بان لشعبة ما بان لغيره ما روى عنه "(4).
وكقول الدار قطني في ( عبد الغفار بن القاسم أبي مريم ) : " متروك " ، ثم قال : " شيخ شعبة ، أثنى عليه شعبة ، وخفي أمره على شعبة ، وبقي بعد شعبة زماناً فخلط "(5).
ومن هذا تعديل بعض السلف لبعض من أدركوا من الرواة ، فاكتشف من جاء بعدهم من أمرهم ما خفي على من عدلهم ، كتعديل بعضهم لجابر الجعفي ، وعبد الكريم بن أبي المخارق ، والواقدي .
فتقديم الجرح في هذه الأمثلة صحيح ما دام مفسراً مبيناً قادحاً .
ولكن رد الجرح من قبل الناقد الآخر هو المعني بهذا الشرط ، ومن أمثلته :
1 -قال ابن الجنيد : سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب وقلت : إن يحيى القطان يزعم أنه تغير قبل أن يموت واختلط ؟ فقال يحيى : " لا ، ما اختلط ، ولا تغير " ، قلت ليحيى : فثقة هو ؟ قال : " ثقة مأمون(6).
قلت : وهذا النفي من ابن معين جائز أن يكون بالنظر إلى روايات الرجل ، فلم ير لما ذكر يحيى القطان تأثيراً فيها ، فكأنه يقول : لو صح ما قال القطان فلا وجه للقدح به ، إذ كأنه لم يكن .
2 -وقال الآجري : قلت لأبي داود : العوام بن حمزة ، حدث عنه يحيى القطان ، قال عباس ( يعني الدوري ) عن يحيى بن معين : إنه ليس بشيء ؟ قال : " ما نعرف له حديثاً منكراً "(7).
قلت : فأبو داود يقول : لا وجه لجرحه بما قال ابن معين ؛ لسلامة حديثه ، وخذ منه أن ابن معين ربما قال هذه العبارة لا يعني بها رد حديث الراوي ، إنما يعني قلة حديثه .
3 -وقال علي بن المديني في ( عبد الحميد بن جعفر الأنصاري ) : " كان يقول بالقدر ، وكان عندنا ثقة ، وكان سفيان الثوري يضعفه "(8).
قلت فلم يعتد بتضعيف سفيان ، وجائز أن يكون من أجل إجماله ، أو من أجل البدعة ، ولم يكن ابن المديني يرى لها أثراً في صدق الراوي وثقته .
4 -وفي طائفة من الرواة كان البخاري عدهم في جملة الضعفاء فيما ألفه في ذلك ، فخالفه فيهم أبو حاتم الرازي ، على ما يذكر من تشدده :
فمنهم : حريث بن أبي حريث ، قال أبو حاتم : " يحول اسمه من هناك ، يكتب حديثه ولا يحتج به "(9)، يريد أنه صالح الحديث للاعتبار .
ومنهم : عبيد بن سلمان الأعرج ، قال أبو حاتم : " لا أرى في حديثه إنكاراً ، يحول من كتاب الضعفاء الذي ألفه البخاري إلى الثقات "(10).
ومنهم : عبيد الله بن أبي زياد القداح ، قال أبو حاتم : " ليس بالقوي ولا بالمتين ، وهو صالح الحديث ، يكتب حديثه ، ومحمد بن عمرو أحب إلي منه ، يحول اسمه من كتاب الضعفاء الذي صنفه البخاري " ( 1309 ) .
ومنهم : عباد بن راشد التميمي البصري ، قال أبو حاتم : " صالح الحديث " وأنكر على البخاري إدخال اسمه في كتاب الضعفاء ، وقال : " يحول من هناك "(11).
ومنهم : عبد الرحمن بن مسلمة ، قال أبو حاتم : " صالح الحديث " وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء ، وقال : " يحول من هناك "(12).
ومنهم : عبد الرحمن بن عطاء المديني ، قال أبو حاتم : " شيخ " قال له ابنه عبد الرحمن : أدخله البخاري في كتاب الضعفاء ؟ فقال : " يحول من هناك "(13).
ومنهم : عبد الرحمن بن حرملة ، قال أبو حاتم : " ليس بحديثه بأس ، وإنما روى حديثاً واحداً ما يمكن أن يعتبر به ، ولم أسمع أحد ينكره ويطعن عليه ، وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء ، يحول منه "(14).
ومنهم : عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت ، قال أبو حاتم : " ليس عندي بمنكر الحديث " فقال ابنه : أدخله البخاري في كتاب الضعفاء ، قال : " يكتب حديثه ، ليس بحديثه بأس ، ويحوَّل من هناك "(15).
ومنهم : عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ، قال أبو حاتم " صدوق " ، وأنكر على البخاري إدخاله اسمه في كتاب الضعفاء ، وقال : " يحول منه " وقال : " يروي عن الضعفاء يشبه ببقية في روايته عن الضعفاء "(16).
قلت : وتلاحظ أن المقياس عند أبي حاتم لرد جرح البخاري كان اعتبار حديث الراوي ، فيكون مذهب البخاري فيهم التشديد ، والصواب فيهم التوسط .
وهذا باب يطول استقصاؤه ، وإنما هذه أمثلة .
5 -ومنه من ذكر بجرح قديم ، فأعرض عن ذلك الجرح صاحبا ( الصحيح ) ولم يعداه شيئاً ، واحتجا بحديث ذلك الراوي ، كطائفة من المتكلم فيهم في كتابيهما .
وقد تعقب الدار قطني النسائي في جرحه لجماعة ممن احتج بهم البخاري ومسلم ، فرد قول النسائي ، كما ترى ذلك في جزء حدث به الثقة أبو محمد الحسن بن محمد الصيداوي عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير البغدادي عن الدار قطني(17).
فالناقد قد يرد قول الناقد بعد أن يطلع عليه من جهة وقوفه على ما لم يقف عليه من تقدمه : فإن تعقب بتعديل فلكونه حقق مقال من سبقه في الجرح فلم يره صواباً لثبوت ضده ، أو عدم الدليل عليه ، وإن تعقب بجرح ؛ فلكونه كشف من أمره الراوي ما فات من سبقه .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الفروسية ( ص : 62 ) .
(2) - الكامل ( 4 / 163 ) .
(3) - ميزان الاعتدال ( 1 / 2 ) .
(4) - أحوال الرجال ( النص : 208 ) .
(5) - سؤالات البَرقاني ( النص : 316 ) .
(6) - سؤالات ابن الجنيد ( النص : 288 ) .
(7) - سؤالات الآجري ( النص : 355 ) .
(8) - سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني ( النص : 105 ) .
(9) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 263 ) . يعني بقوْله : " من هُناك " أي : من كتاب " الضعفاء " للبخاري
(10) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 5 / ص 407)
(11) - الجرح والتعديل ( 5/ 407 ) .
(12) - الجرح والتعديل ( 5 / 316 ) .
(13) - الجرح والتعديل ( 6 / 79 ) .
(14) - الجرح والتعديل ( 5/ 286 ) .
(15) - الجرح والتعديل ( 5 / 269 ) .
(16) - الجرح والتعديل ( 5 / 222 - 223 ) .
(17) - وهذا منشورٌ باسم : " سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني " .(1/329)
المبحث الثالث :
تنبيهات حول تعارض الجرح والتعديل
التنبيه الأول : ترك التعديل عند ظهور الجرح لا يقدح في شخص المعدل أو علمه .
اعلم أن تقديم الجرح باجتماع الشروط المتقدمة ، فذلك بناء على أن الجارح أتى بزيادة علم ، لم يأت بها أو لم يطلع عليها من عدَّله ، وليس في تقديمه قدح في المعدِّل بهذا الاعتبار .
قال ابن حزم : " التجريح يغلب التعديل ؛ لأنه علم زائد عند المجرح لم يكن عند المعدل ، وليس هذا تكذيباً للذي عدَّل ، بل هو تصديق لهما معاً "(1).
--------------
التنبيه الثاني : الجرح لمن استقرت عدالته وثبتت إمامته مردود .
الراوي إذا ثبت عدالته وعرفت ثقته وإمامته باتفاق النقاد السالفين ، فتناوله جارح متأخر فتكلم فيه بعد ذلك ، فذلك مما لا يلتفت إليه ، وإن كان ذلك الجارح ممن يفهم هذا الفن ، وإن وجدت لهذا مثالاً فإنك لا تعدم إما نقص الحجة على الجرح ، وإما الخطأ فيه .
سأل أبو عبد الرحمن السلمي الدار قطني عن أبي حامد الشرقي ؟ فقال : " ثقة مأمون إمام " ، قال السلمي : فقلت : فما تكلم فيه ابن عقدة ، فقال : " سبحان الله ! وترى فيه مثل كلامه ؟ ولو كان بدل ابن عقدة يحيى بن معين " ، قلت : وأبو علي الحافظ كان يقول من ذلك ، فقال : " وما كان محل أبي علي وإن كان مقدماً في الصنعة أن يسمع كلامه في أبي حامد ، رحم الله أبا حامد ، فإنه صحيح الدين ، صحيح الرواية "(2).
-----------------
التنبيه الثالث : تقديم الجرح عند اجتماع الشروط لا يلزم منه السقوط بالراوي .
وإنما المقصود إعماله ، وقد يصير إلى النزول بدرجة الراوي عن درجة المتقنين إلى من يقبل حديثه بعد تحقق سلامته من الغلط ، كما قد يعتبر الجرح فيه عند مقارنته بمن هو فوقه ، لا إذا استقل بالرواية ، وقد ينزل به إلى درجة من يرد حديثه الذي ينفرد به ، ويعتبر به عند الموافقة ، وقد يلحق بالمتروكين ، أو الكذابين .
والعبرة بدلالة ذلك الجرح المفسر وأثر قدحه .
-----------------------
التنبيه الرابع : جرى عند علماء هذا الفن أن الراوي إذا اتفق على توثيقه إماما الصناعة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، فإنه جاز بذلك القنطرة .
والمقصود أنه لو جرح فغاية أمره أن يكون لخطأ أخطأه لا يسقط به ، ولا يزيله عن درجة المقبولين ، وإنما قد ينزل به عن درجة المتقنين إلى من يحسن حديثه .
والاستثناء لمن هذه صفته وقع من جهة انتفاء وجود حالة خرجت عما ذكرت من القبول .
مثل : ( حشرج بن نباتة الأشجعي ) ، أنكر عليه البخاري حديث الخلفاء(3)، وذكره ابن عدي واعتذر عنه ، وأجاب عما أنكر عليه ، ثم قال : " وأحاديثه حسان وإفرادات وغرائب ، وقد قمت بعذره فيما أنكروه عليه ، وهو عندي لا بأس به وبروايته ، على أن أحمد ويحيى قد وثقاه "(4).
واتفقا على توثيق شهر بن حوشب ، وضعفه بعض الحفاظ ، لكنك لا تجد في المفسر القادح من الجرح ما ينزل به عن رتبة الصدوق الذي يحسن حديثه .
ويشبه هذه الصورة كذلك اتفاق يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي على الرواية عن راو .
وإذا قلنا هذا فيمن وثقوه ، فكذلك وجدناه فيمن جرحوه ، لا يكاد يبرأ .
-------------------
التنبيه الخامس : الراوي يختلف فيه جرحاً وتعديلاً ، وهو قليل الحديث .
مثل هذا إذا كان جرحه بالخطأ في حديث أو بعض حديثه الذي روى ، فالجرح يلين حديثه ، وينزل بدرجة ذلك الراوي عن درجة من يحتج به ، وإنما يعتبر بحديثه ويستشهد .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الإحكام في أصول الأحكام ( 2 / 146 ) .
(2) - سؤالات السلمي للدارقطني ( النص : 18 ) . أبو حامد هوَ أحمد بن مُحمد بن الحسن النيْسابوري ، من تلامذةِ مُسلم ، وأبو علي هوَ الحسين بنُ علي بن يزيد النيْسابوري ، من كِبار الحُفاظ .
(3) - هوَ حديث رواه عن سعيد بن جُهْمان ، عن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذكر الخُلفاء من بعْده : أبي بكر وعمَر وعثْمان . وحوْله تفصيلٌ له مَقام آخر ، وإنما الشاهد مما ذكرْت اتفاق أحمد ويحيى على توثيق حشْرَجٍ .
(4) - الكامل ( 3 / 375 ) .(1/330)
الفصل السادس
تفسير عبارات الجرح والتعديل
المبحث الأول
تفسير عبارات الجرح والتعديل
هذا المبحث معقود لبيان دلالات الألفاظ التي ورد عن السلف من أئمة هذا الشأن بيان معانيها ، أو كانت كثيرة الاستعمال شائعة ، يجدر التنبيه على بعض ما يتصل بها مما تكون له فائدة لكشف أثر استعمالها .
ولم أقصد إلى حصر ألفاظ الجرح والتعديل ، فهذا مما لا يتحمله هذا المقام(1)، ولم أر تتبع ذلك استقصاء مما له كبير فائدة ، وذلك أن منها ما يندر استعماله ، بل فيها ما لم يستعمل إلا في الراوي الواحد(2)، ومنها الشائع المنتشر ، وهذا غالبه بين في دلالته اللغوية ، فالأصل أن تلك الألفاظ موضوعة على دلالاتها في كلام العرب ، ومنها ما يعرف بالمقايسة بما أذكر .
فإن كانت للفظ دلالة خاصة ، فالطريق إلى العلم بها أحد أمور ثلاثة :
الأول : بيان مستعملها أنه يعني بها كذا .
والثاني : دلالة قرينة في السياق على إرادة معنى معين .
والثالث : إفادة التتبع لاستعمالات الناقد لتلك اللفظة .
1 - من هو ( الحجة ) ؟
قولهم : ( فلان حجة ) ، أو : ( يحتج بحديثه ) أو : ( لا يحتج بحديثه ) مما يتكرر كثيراً في كلام النقاد في تعديل الرواة وتجريحهم .
فقولهم : ( حجة ) يعني ( ثقة ) ، بل فوق الثقة(3)، يصحح حديثه ويحتج به .
وتأتي عبارة ( يحتج به ) ، في أكثر الأحيان وصفاً إضافياً مع لفظ آخر أو أكثر من ألفاظ التعديل ، لكن قد يستعملها الناقد أحياناً وصفاً مستقلاً ، وهي عندئذ من أوصاف التعديل ، وصريحة في صحة الاحتجاج بحديث الموصوف بها عند قائلها.
من ذلك الدار قطني في ( مغيرة بن سبيع الكوفي ) يروي عن بريدة الأسلمي : " يحتج به "(4).
ويقابلها قولهم : ( لا يحتج به ) في التجريح ، وستأتي .
فإذا قال الناقد : ( فلان لا بأس به ) فيقال له : يحتج به ؟ فيقول : ( لا ) ، دلَّ ذلك على أنه لم يرد بعبارة التعديل ما يفهمه إطلاقها من صحة أو حسن حديث ذلك الراوي .
ويأتي في شرح عبارة : ( لا بأس به ) من أمثلة ما يوضح ذلك .
وللأئمة في إطلاق وصف " حجة " إرادة خاص .
وقال المروذي: وسئل أبو عبد الله، عن شعيب، فقال: ما فيهم إلا ثقة، وجعل يقول: تدري من الثقة؟ إنما الثقة يحيى القطان، تدري من الحجة؟ شعبة، وسفيان حجة، ومالك حجة. قلت: ويحيى؟ قال: يحيى، وعبد الرحمان، وأبو نعيم الحجة الثبت، كان أبو نعيم ثبتًا. " سؤالاته" (45).(5)" .
وقال المروذي: وسئل أبو عبد الله، عن شعيب. فقال: ما فيهم إلا ثقة، وجعل يقول: تدري من الثقة؟ إنما الثقة يحيى القطان. " سؤالاته" (45)..(6)
وقال أبو زرعة الدمشقي : قلت ليحيى بن معين ، وذكرت له الحجّة ، فقلت له : محمد بن إسحاق منهم ؟ فقال : " كان ثقة ، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز "(7).
قال أبو زرعة : فقلت ليحيى بن معين : فلو قال رجل : إن محمد بن إسحاق كان حجة ، كان مصيباً ؟ قال : " لا ، ولكنه كان ثقة "(8).
قلت : وهذه العبارات وشبهها من هؤلاء الأعلام أرادوا بها الحجة الذي يكون حكماً على غيره فيما يرويه ، ينازع الرواة إلى روايته ، ولا ينازع هو إلى غيره ، لكونه قد تجاوز في الحفظ والإتقان أن يكون محكوماً عليه ، أو أرادوا من يليق إطلاق القول : " هو ثقة " ، أو " هو حجة " دون تحفظ .
وإلا فإنهم احتجوا بروايات الثقات المقلِّين ، وبالثقات الذين قورنوا هنا ببعض كبار المتقنين ، بل واحتجُّوا بحديث الصدوق لكن بعد عرضه على المحفوظ من حديث الثقات .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ولسْتُ أرى ابتداع أمْر كهذا أن يكون على سبيل الاستقصاءِ إلا مما يثْقل به هذا العلم ، فإنَّ المتعرض له الناظر في مصطلحات أهْله المشتغل به ، المدمن للنظر في تراجم النقلة ، لا يحتاج إلى أن يُتكلف له تتبع مثل ذلك ، وهُو أمْرٌ لم يفعله المتقدمون ، إنما شرحوا من تلك العبارات ما يُشكل وما يكثر ، وقد رأيت كتاباً حافلاً لشيخ فاضل جمع فيه تلك الألفاظ كالمستقصي ، لكني استثْقلته للمبتدئ ، واستبْعدتُ فائدته للمتخصص .
(2) - وللعالم الفاضل الدكتور سعدي الهاشمي كِتابان فريدان في جمع الألفاظ النادرة والقليلة الاستعمال ، أحدهما في ( ألفاظ التوثيق والتعديل ) ، والثاني في ( ألفاظ التجريح ) .
(3) - انْظر : تَذكرة الحفاظ ، للذهبي ( 3 / 979 ) .
(4) - سؤالات البرقاني ( النص : 511 ) .
(5) - موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل - (ج 9 / ص 241)
(6) - موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل - (ج 3 / ص 353)
(7) - تاريخ أبي زُرعة ( 1 / 460 - 461 ) .
(8) - (تاريخه:462) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 24 / ص 424)(1/331)
2 _ قولهم : ( ثقة ) ، ويشبهها : ( متقن ) ، و ( ثبت ) .
هذه اللفظة إذا صدرت من ناقد عارف كمن وصفنا ، فإنها تعني أن الموصوف بها صحيح الحديث ، يكتب حديثه ويحتج به في الانفراد والاجتماع .
قال أبو زرعة الرازي في ( حصين بن عبد الرحمن السلمي ) : " ثقة "(1)، فقال ابن أبي حاتم : يحتج بحديثه ؟ قال : " إي ، والله "(2).
لكنهم إذا اختلفوا فلاحظ أن لفظ ( ثقة ) يمكن أن يجامع اللين اليسير الذي لا يضعف به الراوي ، وإنما قد ينزل بحديثه إلى مرتبة الحسن ، كقول علي بن المديني في ( أيمن بن نابل ) : " كان ثقة ، وليس بالقوي(3)، وقول يعقوب بن سفيان في ( الأجلح بن عبد الله الكندي ) : " ثقة ، في حديثه لين "(4)، وفي ( فراس بن يحيى ) : " في حديثه لين ، وهو ثقة "(5).
كما أنه قد يجامع الضعف الذي يبقي الراوي في إطار من يعتبر بحديثه ، مثل قول يعقوب بن شيبة في ( علي بن زيد بن جدعان ) : " ثقة ، صالح الحديث ، وإلى اللين ما هو "(6).
وإدراك هذا يعين على الإجابة عن تعارض ظاهر في العبارات المنقولة عن الناقد المعين ، ويكثر مثله عن يحيى بن معين ، حيث تختلف عنه الروايات في شأن بعض الرواة جرحاً وتعديلاً ، كما يعين على الإجابة كذلك عن تعارض يقع بين عبارات النقاد في الراوي المعين .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تاريخ أبي زُرعة ( 1 / 462 )
(2) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 193 ) .
(3) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 195 ) .
(4) - المعرفة والتاريخ ( 3 / 104 ) .
(5) - المعرفة والتاريخ ( 3 / 92 ) .
(6) - نقله المري في " تهذيب الكمال " ( 20 / 438 ) .(1/332)
3 - قولهم : ( جيد الحديث ) .
عبارة تعديل واحتجاج ، مستعملة عندهم بغير شيوع ، واستعملوها بما يساوي ( ثقة ) ، ولذا فربما اقترنت بها في كلام بعض النقاد ، فمن ذلك ، قول أحمد بن حنبل في ( زكريا بن أبي زائدة ) : " جيد الحديث ، ثقة "(1)، وفي ( سليمان بن أبي مسلم الأحول ) : " ثقة ، جيد الحديث "(2).
ووقعت مرسلة في كلام أبي داود السجستاني ، فقد قال في ( عمر بن عبد الله الرومي ) : " جيد الحديث "(3)، وكذلك قال أبو زرعة الدمشقي في ( الوليد بن عبد الرحمن الجرشي )(4).
قلت :
ولكن لا بد من التأكد من علماء الجرح والتعديل الآخرين عندما تطلق وحدها ، لأنها متربة مترددة بين الصحيح والحسن .
ففي الكاشف( 67 ) أحمد بن علي إمام سلمية عن ثور وجماعة وعنه محمود بن خالد الدمشقي فقط جيد الحديث د
وفي التقريب( 82 ) أحمد بن علي النميري إمام مسجد سلمية صدوق ضعفه الأزدي بلا حجة من التاسعة د
وفي تهذيب التهذيب[ج 1 -ص54 ](109) د أبي داود أحمد بن علي النميري ويقال النمري إمام مسجد سلمية روى عن ثور بن يزيد وصفوان بن عمرو وعبيد الله بن عمر وغيرهم .
روى عنه محمود بن خالد الدمشقي، قال أبو حاتم لم يرو عنه غيره وأرى أحاديثه مستقيمة ،روى له أبو داود حديث أبي حي المؤذن عن أبي هريرة في النهي أن يصلي وهو حقن ،قلت : ذكر ابن مندة أنه روى عنه أيضا يزيد بن عبد ربه ومحمد بن أبي أسامة ،وذكر ابن حبان في الثقات رواية يزيد المذكور عنه أيضا ،وقال: يغرب وسمي جده حسينا ونسبه نميريا بالتصغير، وقال الأزدي : متروك الحديث ساقط اهـ
قلت : فهذا لا يمكن الحكم بكونه ثقة ، بل صدوق وحديثه حسن
ـــــــــــــــ
__________
(1) - العلل ومعرفة الرجال ، رواية الميموني ( النص : 363 ) .
(2) - العلل ، رواية الميموني ( النص : 367 ) .
(3) - سؤالات الآجري ( النص : 824 ) .
(4) - تاريخ أبي زُرعة ( 2 / 713 ) .(1/333)
4 - قولهم : ( صدوق ) .
وصف الراوي بهذه العبارة جرى عند المتأخرين حملها على من يكون في مرتبة من يقولون فيه : ( حسن الحديث ) ، والاصطلاح لا حرج فيه ، لكن ليس على ذلك الإطلاق استعمال السلف .
نعم ، هي مرتبة دون الثقة في غالب استمالهم ، بل حديث الموصوف بها على ما نصَّ عليه ابن أبي حاتم عن منهج أئمة الحديث أنه يكتب وينظر فيه ، أي لا يؤخذ ثابتاً على التسليم ، حتى تدفع عنه مظنة الخطأ والوهم ، ويكون ذلك الحديث المعين منه محفوظاً .
و( الصدوق ) هو من يحكم بحسن حديثه عند اندفاع تلك المظنة .
قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عطاء الخراساني ؟ فقال : " لا بأس به ، صدوق " ، قلت : يحتج بحديثه ؟ قال : " نعم "(1).
وقد تأتي ( صدوق ) وصفاً للثقة المبرز في الحفظ والإتقان ، فيكون إطلاقها عليه مجردة لا يخلو من قصور من قبل القائل ، لا ينزل بدرجة ذلك الحافظ ، من أجل ما استقرَّ من العلم بمنزلته .
وذلك مثل قول أبي حاتم الرازي في ( عمرو بن علي الفلاس ) : " كان أرشق من علي بن المديني ، وهو بصري صدوق "(2).
وجدير أن تعلم أن عبارة ( صدوق ) قد تجامع وصف الراوي بكونه ( ثقة ) في قول الناقد ، يوصف الراوي بهما جميعاً ، فإذا وجدت ذلك في راو ، فالأصل أنه بمنزلة التوكيد لنعته بالثقة من قبل ذلك الناقد .
كقول أحمد بن حنبل في ( أبي بكر بن أبي شيبة ) : " صدوق ثقة "(3)، فأبو بكر متفق على حفظه وثقته ، فلم يقع هذا النعت له على سبيل التردد بين الوصفين .
وأكثر ما يأتي ذلك على هذا المعنى .
نعم ، قد يطلق الوصفان مجموعين تارة ، ويشعر استعمالهما مقارنة بأوصاف سائر النقاد لذلك الراوي بأن المراد ( هو صدوق أو ثقة ) على سبيل التردد ، كقول أبي حاتم الرازي في ( سماك بن حرب ) : " صدوق ثقة(4).
وربما جمع الناقد الأوصاف المتعددة من أوصاف التعديل في الراوي ، والتي لو جاءت مفرقة لكان لكل منها دلالتها ومعناها ، لكنها حيث اجتمعت فإنها تحمل على تأكيد التعديل ، كقول أبي حاتم الرازي في ( السري بن يحيى الشيباني ) : " صدوق ، ثقة ، لا بأس به ، صالح الحديث "(5)، وقوله في ( عبد الله بن محمد بن الربيع الكرماني ) : " شيخ ثقة صدوق مأمون "(6).
وربما جمعت إلى وصف أدنى ، فتنزل بالراوي عند الناقد له إلى تلك المرتبة الدنيا ، مع بقاء الوصف بالصدق في الجملة .
مثل : ( عباد بن عباد المهلبي ) ، قال فيه أبو حاتم : " صدوق ، لا بأس به " ، قيل له : يحتج بحديثه ؟ قال : " لا "(7).
أما إذا جاء الوصفان من أكثر من قائل ، فالأصل اعتبار دلالات ألفاظ كل على سبيل الاستقلال ، فإن الرجل يختلف فيه بين أن يكون ثقة أو صدوقاً ، فيصار إلى تحرير أمره تارة بالجمع بين أقوالهم ، وتارة بالترجيح بدليله .
قلت : وقد حكم الحافظ ابن حجر رحمه الله في التقريب على رواة بهذه المرتبة (صدوق) وهم ثقات ، كما تبين لنا بالأدلة القوية ، فلا بد من مقارنة كلامه مع كلام الإمام الذهبي خاصة في هذه المرتبة ، لنعرف هل حديثه حسن أم صحيح .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجَرح والتعديل ( 7/ 335 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 7 / 249 ) .
(3) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 1658 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 5/ 280 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 5/ 284 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 6 / 162 ) .
(7) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 6 / ص 83)(1/334)
5 _ قولهم : ( لا بأس به ) ، أو : ( ليس به بأس ) .
الأصل أن هذه اللفظة إذا أطلقت على راو من قبل ناقد عارف فهي تعديل له في نفسه وحديثه ، فإن أريد به معنى مخصوص بين ، وذلك كقول أحمد بن حنبل في ( مجاعة بن الزبير ) : " لم يكن به بأس في نفسه "(1).
وقد يحتج به ابتداء : كقول أبي حاتم الرازي في ( غوث بن سليمان بن زياد الحضرمي ) : " صحيح الحديث ، لا بأس به "(2).
وقوله في "واقد بن محمد بن زيد العمري ":لا بأس به ، ثقة ، يحتج بحديثه "(3).
وقوله في ( عطاء بن أبي مسلم الخراساني ) : " لا بأس به ، صدوق " ، فقال ابنه: يحتج بحديثه ؟ قال : " نعم "(4).
وقوله في ( عبد ربه بن سعيد ) : " لا بأس به " ، فقال ابنه : يحتج بحديثه ؟ قال: " هو حسن الحديث ، ثقة "(5).
وقول الدار قطني في" مبشر بن أبي المليح " : " لا بأس به ، ويحتج بحديثه "(6).
ومن هذا استعمالها في كلام الناقدين : يحيى بن معين ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم .
قال أبو بكر بن أبي خيثمة : قلت ليحيى بن معين : إنك تقول : ( فلان ليس به بأس ) ، و( فلان ضعيف ) ؟ قال : " إذا قلت : ( ليس به بأس ) فهو ثقة ، وإذا قلت لك : ( هو ضعيف ) فليس هو بثقة ، ولا يكتب حديثه "(7).
وقال أبو زرعة الدمشقي : قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم : ما تقول في علي بن حوشب الفزاري ؟ قال : " لا بأس به " ، قلت : ولم لا تقول ( ثقة ) ولا تعلم إلا خيراً ؟ قال : " قد قلت لك : إنه ثقة "(8).
ولك أن تقول : إنما جعلها ابن معين ودحيم تساوي الوصف بقولهم : ( ثقة ) ، على اعتبار أنها مرتبة من مراتب الثقات ، لا أنها تعادلها من كل وجه عند الإطلاق .
وقد تكون بمنزلة قولهم في الراوي : ( صدوق ) ، فيكتب حديثه وينظر فيه ، ويحتج به بعد اندفاع شبهة الوهم والخطأ ، لكون الوصف بها حينئذ قاصراً عن وصف أهل الضبط والإتقان .
مثل قول ابن عدي في ( المغيرة بن زياد الموصلي ) : " عامة ما يرويه مستقيم ، إلا أنه يقع في حديثه كما يقع في حديث من ليس به بأس من الغلط ، وهو لا بأس عندي "(9).
وقد يكون موضع تردد عن الناقد : كقول أبي حاتم الرازي في ( إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش الأسدي ) وقد وثقوه : " صالح ، لا بأس به " ، قال ابنه : قلت : يحتج بحديثه ؟ قال : " يكتب حديثه "(10).
وقوله في ( زهرة بن معبد أبي عقيل ) : " ليس به بأس ، مستقيم الحديث " فقال ابنه : يحتج بحديثه ؟ قال : " لا بأس به "(11).
وقد يعتبر به ، ولا يبلغ حديثه الاحتجاج :
كقول أبي حاتم في ( عبيد الله بن علي بن أبي رافع المدني ) : " لا بأس بحديثه ، ليس منكر الحديث " ، فقال ابنه : يحتج بحديثه ؟ قال : " لا ، هو يحدث بشيء يسير ، وهو شيخ "(12).
وقوله في ( عنبسة بن الأزهر الشيباني ) و ( محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ) في كل منهما : " لا بأس به ، يكتب حديثه ، ولا يحتج به "(13).
وقول ابن عدي في ( جعفر بن ميمون أبي العوام البصري ) : " ليس بكثير الرواية ، وقد حدث عنه الثقات ، مثل : سعيد بن أبي عروبة ، وجماعة من الثقات ، ولم أر بحديثه نكرة ، وأرجو أنه لا بأس به ، ويكتب حديثه في الضعفاء "(14).
وعند الدار قطني ربما قارن هذا اللفظ قلة حديث الراوي :
كما قال في ( أيوب بن وائل ) الذي يحدث عن نافع ، وعنه حماد بن زيد : " مقل ، صاحب حديث ، لا بأس به "(15).
وقال في" ثمامة بن شراحيل" الراوي عن ابن عمر : " لا بأس به ، شيخ مقل "(16).
وقال في ( الخصيب بن زيد ) الراوي عن الحسن البصري : " شيخ لا بأس به ، ليس له كبير مسند "(17).
تنبيه :
أما عبارة : ( لا أعلم به بأساً ) ، فهذه وقعت في كلام أحمد بن حنبل في جماعة من الرواة ، منهم : صالح بن نبهان مولى التوأمة قبل أن يختلط(18)، وعبد الله بن شريك(19)، والمختار بن فلفل(20)، وداود بن صالح التمار(21)، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد(22)، وعمير بن سعيد النخعي(23)، وقيس بن طلق(24).
ولم يقلها في راو من هؤلاء إلا وهو إما ثقة وإما صدوق ، ليس فيهم من ينزل عن ذلك .
وشبيه به استعمال من جرت في قوله من سواه من النقاد ، كالذهبي من المتأخرين ، فإنه يقولها في رواة من المستورين أو من فوقهم .
ولو جاريت مجرد دلالة اللفظ اللغوية ، لوجدت بينها وبين ( لا بأس به ) فرقاً ، وذلك شبيه بما حدث به عبد الله بن عون ، قال : قال ابن سيرين لرجل في شيء سأله عنه : " لا أعلم به بأساً " ، ثم قال له : " إني لم أقل لك : لا بأس به ، إنما قلت : لا أعلم به بأساً "(25).
قلت : لكن حين تبين لنا المراد بالتعديل بها في حق النقلة ، وعلمنا أن الناقد قد عنى التعديل ، لم يؤثر ما للفظ اللغوي من دلالة .
وأرى مثلها قول أحمد بن حنبل في جماعة من الرواة : ( لا أعلم إلا خيراً ) ، فقد تتبعتها فوجدته لا يكاد يقولها إلا في ثقة أو صدوق ، وندر منه قولها في مجروح ينزل عن درجة الاعتبار .
وذلك كالذي نقل الميموني عن أحمد في ( الحكم بن عطية ) قال : " لا أعلم إلا خيراً " ، فقال له رجل : حدثني فلان عنه عن ثابت عن أنس ، قال : كان مهر أم سلمة متاعاً قيمته عشرة دراهم ، فأقبل أبو عبد الله يتعجب ، وقال : " هؤلاء الشيوخ لم يكونوا يكتبون ، إنما كانوا يحفظون ، ونسبوا إلى الوهم ، أحدهم يسمع الشيء فيتوهم فيه "(26).
وكان أحمد بعد ذلك إذا سئل عنه لينه ، كما قال له المروذي : الحكم بن عطية ، كيف هو ؟ قال : البصري ؟ قلت : نعم ، الذي روى عن ثابت ، قال : " كان عندي ليس به بأس ، ثم بلغني أنه حدث بأحاديث مناكير " وكأنه ضعفه(27).
قلت : وفي هذا من الفائدة دلالة على أنه قوله في الراوي : ( لا أعلم إلا خيراً ) تعديل يساوي قوله : ( ليس به بأس ) .
أما عن غير أحمد من سائر النقاد ، فندر استعمال هذه اللفظة في كلامهم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 420 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 3 / 2 / 57 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 4 / 2 / 33 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 335 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 41 ) .
(6) - سؤالات البرقاني ( النص : 486 ) .
(7) - هوَ في " تاريخ ابن أبي خيثمة " ( ص : 315 _ تاريخ المكيين ) وأخرجه من طريقه : ابن شاهين في " الثقات " ( ص : 270 ) والخطيب في " الكفاية " ( ص : 60 ) .
(8) - تاريخ أبو زُرعة ( 1 / 395 ) .
(9) - الكامل ( 8 / 76 ) .
(10) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 117 )
(11) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 615 ) .
(12) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 328 ) .
(13) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 401 ، و 3 / 2 / 268 ) .
(14) - الكامل ( 2 / 370 ) .
(15) - سؤالات البرقاني ( النص : 18 ) .
(16) - سؤالات البرقاني ( النص : 65 ) .
(17) - سؤالات البرقاني ( النص : 135 ) .
(18) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 2382 ، 4479 ) .
(19) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 3193 ) .
(20) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 3321 ) .
(21) - الجرح والتعديل ، لابن أبي حاتم ( 1 / 2 / 416 ) .
(22) - الجرح والتعديل ( 4 / 2 / 275 ) .
(23) - سؤالات أبي داود ( النص : 342 ) .
(24) - سؤالات أبي داود ( النص : 551 ) .
(25) - أخرجه ابنُ سعد في " الطبقات " ( 7 / 196 ) وأبو زُرعة الدمشقي في " تاريخه " ( 2 / 683 ) وأبو نُعيم في " الحلية " ( 2 / 299 رقم : 2288 ) وإسناده صحيح .
(26) - تهذيب التهذيب ( 1 / 468 ) .
(27) - العلل ، رواية المروذي ( النص : 165 ) .(1/335)
6 - قولهم : ( حسن الحديث ) .
هذه العبارة تستعمل في الغلب في الحكم على أحاديث الراوي ، ولم يستخدمها الحافظ ابن حجر في التقريب ، واستخمدها الحافظ الذهبي في الكاشف ، في مواضع عديدة :
ففي الكاشف (391 ) إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي عن بن عباس وأنس وطائفة وعنه زائدة وإسرائيل وأبو بكر بن عياش وخلق رأى أبا هريرة حسن الحديث قال أبو حاتم لا يحتج به مات 127 م 4
وفي تقريب التهذيب(463 ) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي بضم المهملة وتشديد الدال أبو محمد الكوفي صدوق يهم ورمي بالتشيع من الرابعة مات سنة سبع وعشرين م 4
وفي الكاشف(1200 ) حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل ومسعود الزرقي وعنه عبد الرحمن بن الحارث وابن إسحاق حسن الحديث 4
وفي تقريب التهذيب(1471 ) حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي صدوق من الخامسة 4
وفي الكاشف (1754 ) زيد بن المبارك الصنعاني بالرملة عن بن عيينة وجماعة وعنه أبو يحيى بن أبي مسرة والرمادي وكان من أولياء الله العباد حسن الحديث د
وفي تقريب التهذيب(2155 ) زيد بن المبارك الصنعاني سكن الرملة صدوق عابد من العاشرة د
وفي الكاشف(1855 ) سعيد بن إياس أبو مسعود الجريري عن أبي الطفيل ويزيد بن الشخير وعنه شعبة ويزيد بن هارون قال أحمد كان محدث البصرة وقال أبو حاتم تغير حفظه قبل موته وهو حسن الحديث توفي 144 ع
وفي تقريب التهذيب (2273 ) سعيد بن إياس الجريري بضم الجيم أبو مسعود البصري ثقة من الخامسة اختلط قبل موته بثلاث سنين مات سنة أربع وأربعين ع
وفي الكاشف (5601 ) المغيرة بن مسلم القسملي السراج عن ابن بريدة وعكرمة وعنه شبابة وأبو داود حسن الحديث ت س ق
وفي تقريب التهذيب(6850 ) المغيرة بن مسلم القسملي بقاف وميم مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة أبو سلمة السراج بتشديد الراء المدائني أصله من مرو صدوق من السادسة بخ ت س ق
من خلال هذه المقارنة نلاحظ أن (حسن الحديث ) هو الذي قيل عنه في مرتبة (صدوق) في الغالب .
يعني استخدمت بالمعنى الاصطلاحي تماما .
وقد استخدمها أبو حاتم مرادفة لها تماما، قال عبد الرحمن سمعت أبي يقول إبراهيم بن طهمان صدوق حسن الحديث..(1)
وقد استخدمها مفردة ، وهي في الغالب تدلُّ على أنه صدوق حسن الحديث ، وفي بعض الأحيان تدل على أنه ثقة عند الأقدمين ،كما في الأمثلة التالية :
إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبى إسحاق السبيعي كوفى روى عن أبيه روى عنه إسحاق بن منصور ومالك بن إسماعيل وأبو كريب وعبد الله بن سالم القزاز سمعت أبى وأبا زرعة يقولان ذلك قال وسمعت أبي يقول يكتب حديثه وهو حسن الحديث(2)
وفي تقريب التهذيب(274 )إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم من السابعة مات سنة ثمان وتسعين خ م د س ق
وقال عبد الرحمن : سألت أبى عن إسحاق بن الربيع أبى حمزة العطار فقال يكتب حديثه كان حسن الحديث(3)
وفي تقريب التهذيب(352) إسحاق بن الربيع البصري الأبلي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام أبو حمزة العطار صدوق تكلم فيه للقدر من السابعة ق
حارثة بن مضرب الكوفي روى عن عمر وعلي رضي الله عنهما روى عنه أبو إسحاق السبيعي سمعت أبي يقول ذلك حدثنا عبد الرحمن أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب الي قال سألت احمد يعني بن حنبل عن حارثة بن مضرب فقال هو حسن الحديث حدثنا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليَّ قال نا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين حارثة بن مضرب فقال ثقة(4)
وفي تقريب التهذيب(1063 ) حارثة بن مضرب بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة العبدي الكوفي ثقة من الثانية غلط من نقل عن بن المديني أنه تركه بخ 4
حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول حريز بن عثمان حسن الحديث ولم يصح عندي ما يقال في رأيه ولا أعلم بالشام أثبت منه هو أثبت من صفوان بن عمرو وأبي بكر بن أبي مريم وهو ثقة متقن(5)
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سالم أبو النضر رجل صالح ثقة حسن الحديث(6)
نا عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول سعيد الجريري ثقة سمعت أبي يقول سعيد الجريري تغير حفظه قبل موته فمن كتب عند قديما فهو صالح وهو حسن الحديث(7)
سليمان بن عامر المروزي روى عن الربيع بن أنس روى عنه أبو حجر عمرو بن رافع حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول ذلك وسمعته يقول هو مستوي الحديث حسن الحديث صدوق لو أدرك شعبة هذا لعله كان يكتب كلامه ألا ترى كيف يتوقى لا يجاوز الربيع بن أنس(8)
وفي تقريب التهذيب(2576 ) سليمان بن عامر بن عمير الكندي المروزي صدوق من التاسعة س فق
نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول شيبان النحوي كوفى حسن الحديث صالح الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به(9)
وفي تقريب التهذيب(2833 ) شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب يقال إنه منسوب إلى نحوة بطن من الأزد لا إلى علم النحو من السابعة مات سنة أربع وستين ع
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل [ج2 -ص 107 ]
(2) - الجرح والتعديل [ج 2 -ص148 ](487 )
(3) - الجرح والتعديل[ج 2 -ص 220 ]
(4) - الجرح والتعديل[ج 3 -ص255 ] (1137 )
(5) - الجرح والتعديل [ج3 -ص 289 ](1288)
(6) - الجرح والتعديل[ج4 -ص 179 ]
(7) - الجرح والتعديل[ج 4 -ص 1 ]
(8) - الجرح والتعديل [ج4 -ص 133 ] (577 )
(9) - الجرح والتعديل [ج 4 -ص 356 ](1/336)
7 _ قولهم : ( مقارب الحديث ) .
وقع استعمال هذه العبارة في كلام أحمد بن حنبل ، والبخاري ، وهي عبارة تعديل وقبول ، تساوي مرتبة ( حسن الحديث ) ، على هذا دلَّ استقراء أحوال من قيلت فيه ، على قلة ذلك في كتب الجرح والتعديل .
بل وجدت البخاري قال في ( الوليد بن رباح ) : " مقارب الحديث " ، وحكم على حديث رواه بقوله : " حديث صحيح "(1).
والترمذي يبني على من يقول فيه البخاري ذلك أن يحسن حديثه ، كما في سنن الترمذى (589 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو ظِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِى جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ». قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِى ظِلاَلٍ فَقَالَ هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَاسْمُهُ هِلاَلٌ.
وكما في سنن الترمذى(1673) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَتَاهُ أَمْرٌ فَسُرَّ بِهِ فَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ َ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشُّكْرِ. وَبَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ.
نعم ، ربما خالف شيخه في قوله ذلك ولم يقنع به في رواة شاع لأهل العلم بالحديث فيهم الجرح، كما في سنن الترمذى (1767 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ لَقِىَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْ جِهَادٍ لَقِىَ اللَّهَ وَفِيهِ ثُلْمَةٌ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. قَالَ وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ هُوَ ثِقَةٌ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ.
ثلمة : النقصان والخلل
وفي سنن الترمذى (199) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الإِفْرِيقِىِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِىِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِىِّ قَالَ أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أُؤَذِّنَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ فَأَذَّنْتُ فَأَرَادَ بِلاَلٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ زِيَادٍ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الإِفْرِيقِىِّ وَالإِفْرِيقِىُّ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ قَالَ أَحْمَدُ لاَ أَكْتُبُ حَدِيثَ الإِفْرِيقِىِّ. قَالَ وَرَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يُقَوِّى أَمْرَهُ وَيَقُولُ هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ.
قلت : الراجح أنه حسن الحديث إلا ما أنكر عليه فيردُّ ، لأنه مختلف فيه ، فقد وثقه قوم وضعفه آخرون(2)
وبمعناه أيضاً عبارة ( حديثه مقارب ) ، ووقعت في كلام أحمد بن حنبل ، وأبي حاتم الرازي ، وبندرة في كلام يحيى بن معين ، وغيرهم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - العلل الكبير ، للترمذي ( 2 / 676 - 677 ) .
(2) -انظر ترجمته في تهذيب التهذيب(1/337)
8 - قوهم : ( وسط ) .
تقع في كلام ابن المديني ، ومن المتأخرين الذهبي .
وهل هي مرتبة تعديل ، أم لا ؟
الصواب من القول أنها مرتبة تعديل ، وليست مرتبة جرح ، وإليك البيان :
ومما يبين ذلك من استعمالهم :
قول يحيى بن سعيد القطان في ( يزيد بن كيسان اليشكري ) : "ليس هو ممن يعتمد عليه ، وهو صالح وسط "(1).
وفي التقريب : صدوق يخطئ وفي الكاشف حسن الحديث
وقول علي بن المديني في ( محمد بن مهاجر ) : " كان وسطاً "(2).
وفي التهذيب : وممن يقال محمد بن مهاجر ستة أنفس ذكرهم الخطيب أحدهم كوفي بجلي أخو إبراهيم والثاني أزدي كوفي والثالث ثقة أنصاري كوفي والرابع كان قاضي اليمامة روى عن الحسن بن زيد في متعة النساء والخامس قيسي كوفي ذكره ابن عبدة والسادس يقال له أخو حنيف وضاع ذكرت ترجمته في لسان الميزان(3)
وقوله في ( موسى بن أعين ) : " كان صالحاً وسطاً "(4).
قلت : وثقه الذهبي وابن حجر .
وقول أبي زرعة الرازي في ( محمد بن الزبرقان أبي همام ) : " صالح ، هو وسط "(5).
رتبته عند ابن حجر : صدوق ربما وهم ورتبته عند الذهبي : وثقه علي.
وفي الكاشف( 2504 ) عاصم بن ضمرة السلولي عن علي وعنه أبو إسحاق والحكم وعدة وثقه بن المديني وقال النسائي ليس به بأس وقال ابن عدي بتليينه وهو وسط .
وفي التقريب( 3063 ) عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي صدوق من الثالثة مات سنة أربع وسبعين 4
وفي الكاشف( 4333 ) العلاء بن سالم الحذاء عن أبي معاوية وشعيب بن حرب وعنه بن ماجة وابن صاعد وابن مخلد وسط مات 258 ق
وفي التقريب( 5240 ) العلاء بن سالم الطبري أبو الحسن الحذاء نزل بغداد صدوق من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين ق
فحديثه يدور بين الصحة والحسن ، وليس لينا كما ذهب إليه بعضهم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 4 / 2 / 285 ) وإسناده صحيح .
(2) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 231 ) .
(3) - تهذيب التهذيب - (ج 9 / ص 422)(774)
(4) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 260 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 3 / 2 / 260 ) .(1/338)
9 _ قولهم : ( شيخ ) .
عبارة تقع في كلام بعض أئمة الحديث في معرض بيان حال الراوي على سبيل النعت المستقل ، لا مضمومة إلى غيرها ، وأكثرهم لها استعملاً الإمام أبو حاتم الرازي .
وبتأمل معناها من خلال النظر في حال من قيلت فيه ، فإنها لا تدلُّ على عدالة الراوي إلا من جهة أنه مذكور برواية ، وليس هذا تعديلاً ولا جرحاً ، وليس فيه تمييز لضبطه ، ولذا لا تقال إلا في راو قليل الحديث ، ليس بالمشهور به .
قال الذهبي : " ليس هو عبارة جرح ، ولكنها أيضاً ما هي بعبارة توثيق "(1).
فمن أمثلتها المبينة لذلك ما يلي :
سأل ابن الجنيد يحيى بن معين عن ( المفضل بن فضالة أبي مالك البصري ) ؟ فقال : " شيخ ، وأيش عنده ؟ ! "(2). وضعفه الذهبي وابن حجر
وقال أبو حاتم الرازي في ( سليمان بن زياد الحضرمي المصري ) : " صحيح الحديث " ، فقال ابنه : ما حاله ؟ قال : " شيخ "(3).
قلت : وهذا رجل قليل الحديث ، جملة ما روى من الحديث أربعة أوخمسة أحاديث ، يرويها جميعاً عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي من صغار الصحابة ، وروى عنه جماعة من أهل مصر ، وما رواه فجميعه محتمل ، ولذلك قال يحيى بن معين : " ثقة "(4)، وذكره يعقوب بن سفيان في " ثقات التابعين من أهل مصر "(5). ووثقه الحافظ ابن حجر في التقريب .
وقال أبو حاتم في ( شبيب بن بشر البجلي ) : " لين الحديث ، حديثه حديث الشيوخ "(6).
قلت : يعني بقوله : " حديثه حديث الشيوخ " أنه قليل الحديث ، وكذلك أمره ، فجميع ما روى من الحديث إذا استبعدت رواية بعض الهلكى عنه ، إنما هو بضعة عشر حديثاً ، حديثان من روايته عن عكرمة عن ابن عباس ، والباقي من روايته عن أنس ، ولم يعرف أكثر ما رواه إلا من طريقه ، واشتهر ذكره من رواية أبي عاصم النبيل عنه ، ولا يكاد توجد لغيره رواية عنه إلا من طريق لا يخلو من علة ، ولذا قال غير واحد من الأئمة : " لم يرو عنه غير أبي عاصم " ، وأحسن ما روي عنه من غير طريق أبي عاصم : رواية إسرائيل بن يونس لحديث واحد ، وأحمد بن بشير الكوفي بحديث واحد كذلك ، ولا كلام في كونه معروفاً ، لكن في حديثه على قلته من التفرد ما لا يقدر على حمله ، وله في التفسير نصوص رواها عن عكرمة عن ابن عباس ، كان أبو حاتم الرازي يقول ، وقد سئل عن عمر بن الوليد الشني : " من تثبتِ عمر أن عامة حديثه عن عكرمة فقط ، ما أقل ما يجوز به إلى ابن عباس ، لا شبه شبيب بن بشر الذي جعل عامة حديثه عن عكرمة عن ابن عباس "(7)وهو يريد بذلك ما رواه من التفسير ، وفيه نقول غريبة مستنكرة .
وقال أبو حاتم وأبو زرعة في ( طالب بن حجير أبي حجير ) : " شيخ "(8).
ففسره أبو الحسن بن القطان بقوله : " يعنيان بذلك أنه ليس من طلبة العلم ومقتنيه ، وإنما هو رجل اتفقت له رواية لحديث أو أحاديث أخذت عنه "(9). وقال ابن حجر عنه صدوق .
وقال أبو حاتم في ( عبد الله بن الأسود القرشي ) : " شيخ ، لا أعلم روى عنه غير عبد الله بن وهب "(10).
قلت : لابن وهب عنه حديثان ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أَعْلِنُوا النِّكَاحَ.(11)
والثاني أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَسْوَدِ الْقُرَشِىُّ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ خُصَيْفَةَ حَدَّثَهُ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لاَ تَزَالُ أُمَّتِى عَلَى الْفِطْرَةِ مَا صَلُّوا الْمَغْرِبَ قَبْلَ طُلُوعِ النُّجُومِ »(12).
كما وقفت له على حديث ثالث ظاهر صنيع أبي حاتم عدم الوقوف عليه ، ابْنُ وَهْبٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَيَّاشِ بن عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى رِفَاعَةَ بن رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ. "(13).
فهذه رواية ثان عنه ، ومقدار هذا الذي رواه يعسر معه تمييز حفظه وإتقانه ، لكن حين رأى الدارقطني أن هذا القدر اليسير ليس فيه منكر قال : " مصري لا بأس به "(14).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي ، قلت له : يحيى البكاء أحب إليك ، أو أبو جناب(15)؟ قال : " لا هذا ، ولا هذا " ، قلت : إذا لم يكن في الباب غيرهما ، أيهما أكتب ؟ قال : " لا تكتب منه شيئاً " ، قلت : ما قولك فيه ؟ قال : " هو شيخ "(16).
وقد قال فيه ابن عدي : " ليس بذاك المعروف ، وليس له كثير رواية "(17).
وقد يخرج عن المعنى الذي بينت ما لا تخفى دلالته بالقرينة ، وذلك كقول عبد الله بن أحمد بن حنبل : قلت لأبي : من رأيت في هذا الشأن ، أعني الحديث ؟ قال : " ما رأيت مثل يحيى بن سعيد " ، قلت : فهشيم ؟ قال : " هشيم شيخ "(18).
قلت : فهذا خرج مخرج المقارنة لهشيم بن بشير بيحيى القطان ، وإلا فحسبك من قدر هشيم في الحديث أن يقارن بيحيى .(19)
قلت : الذي تبين لديَّ أن من قال فيهم أبو حاتم (شيخ) دون أية إضافة تعني التعديل ، ولو كانت أحاديثه قليلة ، فكثير من الرواة أحاديثهم قليلة وهي صحيحة أو حسنة ، أمثلة مقارنة :
قال عبد الرحمن وهو يعدد ألفاظ التعديل : " وإذا قيل له انه صدوق أو محله الصدق أولا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية وإذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثه يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية وإذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار "(20)
ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 57)82 - أحمد بن عبد الله أبو عبيدة بن أبي السفر الكوفي روى عن ابن نمير وأبي اسامة وزيد بن الحباب (119 ك) وشهاب بن عباد، حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول ذلك ويقول كتبت عنه، وسألته عنه فقال شيخ،
وفي الكاشف (50 ) أحمد بن عبد الله أبو عبيدة بن أبي السفر الهمداني عن بن نمير وأبي عبيدة الحداد وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن صاعد والمحاملي صدوق توفي 258 ت س ق
وفي تقريب التهذيب (60 ) أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي السفر بفتح الفاء سعيد بن يحمد بضم التحتانية وكسر الميم يكنى أبا عبيدة الكوفي صدوق يهم من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين ت س ق
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 64)- 110 - أحمد بن عمران الأخنسي أبو عبد الله روى عن أبي بكر بن عياش وحفص بن غياث وابن فضيل يعد في الكوفيين، سكن بغداد حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، قال وسمعت أبي يقول لم اكتب عنه وقد ادركته، قلت ما حاله ؟ قال: شيخ، قال وسمعت أبا زرعة يقول كتبت عنه، قال وسئل أبو زرعة عنه فقال كتبت عنه ببغداد وكان كوفيا وتركوه قال أبو محمد روى عنه أبو زرعة .
قلت : وهو راو مختلف فيه انظر لسان الميزان [ج 1 -ص234 ](739)
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 71)-132 - أحمد بن محمد بن أيوب الواسطي المعروف ببلبل روى عن شاذ بن يحيى ومحمد بن عمر بن هياج الصائدي، محله الصدق كتبنا عنه مع أبي، حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال: شيخ.
وفي تقريب التهذيب(93) أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي يكنى أبا جعفر صدوق كانت فيه غفلة لم يدفع بحجة قاله أحمد من العاشرة مات سنة ثمان وعشرين د
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 74)-148 - أحمد بن محمد بن الوليد بن برد الانطاكي أبو جعفر روى عن محمد بن جعفر بن محمد العلوي وضمرة واسحاق بن الفرات قاضي مصر ورواد وابن ابى فديك وبشر بن بكر سمع منه أبي بانطاكية.حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال شيخ.
وفي تقريب التهذيب(104 )أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني أبو محمد وأبو الوليد ثقة من العاشرة مات سنة سبع عشرة وقيل سنة اثنتين وعشرين خ
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 92)-241 - إبراهيم بن الحسن الثعلبي روى عن يحيى بن يعلى الاسلمي ويحيى ابن أبي زائدة روى عنه أحمد بن يحيى الصوفي وأبو أسامة الكلبي وأبو شيبة ابن أبي بكر بن أبي شيبة سألت أبي عنه فقال: شيخ.
وفي الثقات لابن حبان(12330 ) إبراهيم بن الحسن الثعلبي يروى عن أبى بكر بن عياش وأبى الأحوص والكوفيين روى عنه الحضرمي
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 101)-279 - إبراهيم بن زياد الخياط البغدادي أبو إسحاق روى عن شريك وإبراهيم بن سعد والفرج بن فضالة كتب أبي عنه ببغداد سمعت أبي يقول ذلك، قال وسئل أبي عنه فقال: شيخ.
وفي التاريخ الكبير[ج1 -ص 286 ]-921 - إبراهيم بن زياد الخياط البغدادي أبو إسحاق سمع شريكا وإبراهيم بن سعد وعدي بن أبي عمارة
وفي الثقات لابن حبان(12299 ) إبراهيم بن زياد الخياط أبو إسحاق البغدادي يروى عن شريك وإبراهيم بن سعد روى عنه العراقيون
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 106)-303 - إبراهيم بن صدقة كان ينزل في بني ليث، بصري روى عن يونس ابن عبيد وسفيان بن حسين روى عنه عبد الله بن محمد بن أبي شيبة يعد في البصريين، سمعت أبي وابا زرعة يقولان ذلك قال أبو محمد وروى عنه محمد بن بشار بندار.
قال وسألت أبي عن إبراهيم بن صدقة فقال: شيخ.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول محله الصدق، قال أبو محمد روى عنه محمد بن مرزوق ابن بنت مهدي بن ميمون.
وفي تقريب التهذيب (187 ) إبراهيم بن صدقة البصري صدوق من التاسعة ت
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ميزان الاعتدال ( 2 / 385 ) .
(2) - سؤالات ابنِ الجنيد ( النص : 708 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 118 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 118 ) .
(5) - المعرفة والتاريخ ( 496 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 357 ) .
(7) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 140 ) .
(8) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 496 ) .
(9) - بيان الوهم والإيهام ( 3 / 482 ) .
(10) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 2 ) .
(11) - صحيح ابن حبان - (ج 9 / ص 374)(4066) وصحيح الجامع (1072) صحيح لغيره
قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَعْنَاهُ : أَعْلِنُوا بِشَاهِدَيْنِ عِدْلَيْنِ.
(12) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 448)(2196) ومسند أحمد (15717 ) حسن
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 233)(18378 ) وصحيح الجامع (5890) حسن
(14) - سؤالات البرقاني ( النص : 250 ) .
(15) - البكَّاء هو يحيى بن مسلم ، وأبو جَناب هو يحيى بنُ أبي حية الكلبي .
(16) - الجرح والتعديل ( 4 / 2 / 186 ) .
(17) - الكامل ( 9 / 15 ) .
(18) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 1181 ) .
(19) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 380)
(20) - الجرح والتعديل[ج 2 -ص 37 ](1/339)
10 - قولهم : ( محدِّث ) .
هذه العبارة في كلام المتقدمين تعني الاعتناء بالحديث رواية ، وهي وصف مدح ، لكنها لا تفيد التعديل الذي يحتج معه بحديث ذلك الراوي ، حتى يعرف منه ضبطه لحديثه ، وسلامته من قادح في العدالة ، فكأن العبارة تساوي ( عنده حديث كثير).
ولتبين هذا المعنى خذ له مثالاً قول أبي حاتم الرازي وقد سئل عن ( عبد العزيز بن محمد الدراوردي ) و( يوسف بن الماجشون ) : " عبد العزيز محدث ، ويوسف شيخ "(1).
فهذه المقارنة تفسر المفارقة بين النعتين ، فحيث إن لفظة ( شيخ ) تعني قلة الحديث ، فعبارة ( محدث ) تعني كثرته .
ومن برهان صحة هذا أن أحمد بن حنبل قال في ( الدراوردي ) : " كان معروفاً بالطلب "(2)، وقال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان مقارنة بينه وبين ( عبد العزيز بن أبي حازم ) : " ابن أبي حازم أفقه من الدراوردي ، والدراوردي أوسع حديثاً "(3).
ولا يبعد من هذا استعمال المتأخرين مصنفي التراجم عندما يطلقون على الرجل وصف " المحدث " ، فهم يذكرون هذا الوصف لمن كانت له بالحديث عناية متميزة ، أو فائقة .
لكن ينبغي أن تلاحظ منه أن الدراية ليست مرادة في هذا ، كذلك قدر المروي لا أصل له في كلامهم ، فما ادعاه بعض المتأخرين أن ( المحدث ) وصف يطلق على من حفظ قدر كذا من الحديث ، دعوى لا تعرف لها حجة .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 396 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 396 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 383 ) .(1/340)
11 - قولهم : ( صالحُ الحديث ) .
قال الخطيب في الكفاية :" قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ : " كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , رُبَّمَا جَرَى ذِكْرُ حَدِيثِ الرَّجُلِ فِيهِ ضَعْفٌ وَهُوَ رَجُلٌ صَدُوقٌ , فَيَقُولُ : رَجُلٌ صَالِحُ الْحَدِيثِ ".(1)
واستعمل الإمام أحمد هذه العبارة فيمن هو دون الثقة ، ويحتج به .
فقال ابن هانئ : سألته عن الأعمش : هل هو حجة في الحديث ؟ قال : " نعم " ، قلت له : فأبو الزبير ؟ قال : " نعم ، هو حجة " ، قلت : فيزيد التستري ؟ قال : " نعم ، هؤلاء نحتج نحن بحديثهم " ، قلت : فابن إسحاق ؟ قال : " هو صالح الحديث ، وأحتج به أيضاً "(2).
لكن ربما كانت عبارة تردد هل يحتج به أم لا ، عند أبي حاتم الرازي ، فإنه قال في ( بشير بن عقبة أبي عقيل الأزدي ) : " صالح الحديث " , فقال ابنه : يحتج بحديثه ؟ قال : " صالح الحديث "(3)، مع أن غيره يطلق توثيقه كأحمد وابن معين .
بل ربما كانت عنده دون درجة من يحتج به ، كما قال في (عمر بن روبة التغلبي) : " صالح الحديث " ، فقال ابنه : تقوم به الحجة ؟ فقال : " لا ، ولكنه صالح "(4). وفي التقريب : صدوق.
وقال في ( موسى بن أبي عائشة ) : " صالح الحديث " ، فقال ابنه : يحتج بحديثه؟ قال : " يكتب حديثه "(5). وفي التقريب ثقة عابد .
وهذا يعني أنه ( صالح الحديث ) للاعتبار ، أي في الشواهد والمتابعات .
هذا إن صح حمله على التردد ، وإلا فهو عبارة تعديل بلا تردد ، فتجرى في حق الراوي منزلة سائر ألفاظ التعديل فيه ، فإن كانت تلك العبارات قد صيرته إلى الاحتجاج أهملنا أثر التردد في هذه العبارة ، وإن كانت تنزل به إلى الاعتبار كان محمل هذه العبارة عليه صحيحاً أيضاً ، فإن من يعتبر بحديثه فهو صالح الحديث كذلك .
كما قال أبو حاتم في ( حنش بن المعتمر الكناني ) : " هو عندي صالح " ، فقال ابنه : يحتج بحديثه ؟ قال : " ليس أراهم يحتجون بحديثه "(6).
وقال يزيد بن الهيثم : قيل ليحيى ( يعني ابن معين ) وأنا أسمع : ( إسماعيل بن زكريا ) روى حديث حجية عن علي في قصة صدقة العباس ؟ فقال : " ليس بشيء ، إسماعيل بن زكريا صالح الحديث " ، قيل له : فحجة هو ؟ قال : " الحجة شيء آخر "(7). وفي التقريب صدوق يخطئ قليلاً .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أخرجه الخطيب في " الكفاية " ( ص : 60 ) وإسناده صحيح .
(2) - مسائل ابن هانئ النيسابوري ( 2 / 241 _ 243 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 376 -377 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 108 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 157 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 291 )
قلت : هو مختلف فيه ، قال ابن عدي ولحنش عمر عن علي أحاديث عداد وهو معروف في أصحاب علي مشهور به وما أظن أنه يروي عن غير علي وأنه لا بأس به لأن من يروي عنه إنما هو سماك بن حرب والحكم ابن عتيبة وليس بهما بأس .الكامل لابن عدي - (ج 2 / ص 438)
وفي معرفة الثقات - (ج 1 / ص 326) (373) حنش بن المعتمر أبو المعتمر كوفى ثقة تابعي
وفي التقريب صدوق له أوهام ، فحديث مثل هذا حسن إلا إذا ثبت أنه أخطأ في حديث ما ولم نجد له عاضدا
(7) - من كلام أبي زكريا ( النص : 358 ) .(1/341)
12 _ قولهم : ( صويلح ) .
هي كقولهم : ( صالح الحديث ) في الصلاحية للاعتبار لا للاحتجاج ، وإن كانت صيغتها تفيد أنها دونها في القوة .
وقد قيلت في كلام المتقدمين في طائفة غير كثيرة من الرواة ، وقعت في كلام يحيى بن معين(1)، وقالها أبو زرعة الرازي في فرد لعله لم يقلها في غيره(2).
وقال الدار قطني في"هارون بن مسلم صاحب الحناء" : " صويلح ، يعتبر به "(3). وفي التقريب : صدوق .
قلت : فدلَّ هذا ، مع التأمل لحال من قالها فيهم ابن معين وأبو زرعة ، على أن من هذا وصفه ليس بخارج عما قاله الدار قطني في هارون هذا .
ثم أكثر من استعمالها الذهبي فيما لا يخرج عن استعمال من تقدم ، في المعنى الذي بينت .
ففي الكاشف -899 - حبان بن يسار الكلابي عن بريد بن أبي مريم وثابت البناني وعنه حبان بن هلال والتبوذكي صويلح تغير حفظه د
وفي التقريب- 1079 - حبان بن يسار الكلابي أبو رويحة بمهملتين مصغر بصري صدوق اختلط من الثامنة د عس
وفي الكاشف -1190 - الحكم بن مصعب الدمشقي عن محمد بن علي والد السفاح وعنه الوليد بن مسلم صويلح د ق
وفي التقريب- 1461 - الحكم بن مصعب المخزومي الدمشقي مجهول من السابعة د س ق
وفي الكشاف -1816 - سعاد بن سليمان عن عون بن أبي جحيفة وأبي إسحاق وعنه أبو عتاب الدلال وجبارة بن المغلس شيعي صويلح لم يترك ق
وفي التقريب رتبته عند ابن حجر : صدوق يخطىء ، و كان شيعيا
وفي الكاشف -2124 - سليمان بن كثير العبدي أخو محمد عن الزهري وعمرو بن دينار وعنه أخوه وعفان صويلح ضعفه بن معين وقال النسائي ليس به بأس إلا في الزهري ع
وفي التقريب 2602 - سليمان بن كثير العبدي البصري أبو داود وأبو محمد لا بأس به في غير الزهري من السابعة مات سنة ثلاث وثلاثين ع
وفي الكاشف -2499 - عاصم بن رجاء بن حيوة الكندي عن أبيه ومكحول وعنه وكيع وأبو نعيم قال بن معين صويلح د ت ق
وفي التقريب 3058 - عاصم بن رجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني صدوق يهم من الثامنة د ت ق
وفي الكاشف -2611 - العباس بن الوليد الدمشقي الخلال عن الوليد بن مسلم وابن سميع وعنه بن ماجة وعبدان وابن أبي داود صويلح توفي 248 ق
وفي التقريب 3191 - عباس بن الوليد بن صبح بضم المهملة وسكون الموحدة الخلال بالمعجمة وتشديد اللام الدمشقي السلمي صدوق من الحادية عشرة مات سنة ثمان وأربعين ق
قلت : فهو بين مرتبة الصدوق والصدوق يخطئ أو يهم أو اختلط ونحوه وحديثهم حسن إلا إذا ثبت خطؤهم في حديث معين ولم نجد له عاضدا.
واعلم أنه ليس من هذا أن يقال في الراوي : ( له أحاديث صالحة ) ، إذ ليس هذا وصفاً له في عموم ما روى ، بل هو وصف لبعض حديثه ، وقد يكون ما عدا تلك الأحاديث واهية منكرة .
وهذا مثل قول ابن عدي في ( سليمان بن أرقم ) وذكر بعض حديثه : " لسليمان غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة ، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه "(4).
وقوله في ( القاسم بن غصن ) : " له أحاديث صالحة غرائب ، ومناكير "(5).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قالها مثلاً في ( عبْد الرحمن بن سُليمان ابنِ الغسيل ) و ( عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي ) في " تاريخ الدارمي " ( النص : 450 ، 473 ) ، وفي ( روْح بن المسيب أبي رَجاء الكلبي ) و ( عبد الله بن عُمر العُمري ) و ( عُبيد بن طُفيل أبي سيدان ) و ( عبيد بن عبد الرحمن المعروف بعبيد الصيد ) و ( عاصم بن رَجاء بن حيوةَ ) و ( عائذ بن حَبيب ) و ( محمد بن سُليم أبي هلال الراسبي ) و ( مُبشر بن مُكسر ) و ( المستلم بن سعيد ) كما في " الجرح والتعديل " ( 1 / 2 / 496 ، و 2 / 2 / 110 ، 409 ، 410 ، و 3 / 1 / 342 ، و 3 / 2 / 17 ، 273 ، و 4 / 1 / 343 ، 439 ) ، وفي ( يحيى بن يزيد الهُنائي ) كما في " الضعفاء " للعُقيلي ( 4 / 436 )،وهذا أكثرُ المأثور عن يحيى ممن قال فيهم هذه العبارة .
(2) - قالها في ( زكريا بن أبي زائدة ) كما في " الجرح والتعديل " ( 1 / 2 / 594 ) ولابن مَعين مثلها في زكريا هذا .
(3) - سؤالات البرقاني ( النص : 526 ) .
(4) - الكامل ( 4 / 238 ) .
واعلم أن ابنَ عدي يَستعمل عِبارة ( عامة ) بمعنى ( أكثر ) أو ( غالب ) ، دلَّ على ذلك الاستقراء ، ورُبما صرَّح في بعض المواضع بما يدلُّ على ذلك أيضاً ، وذلك كقوْله في ترجمة ( الجراح بن مليح الرُّؤاسي ) والد وَكيع : " عامة ما يَرويه عنه ابنه وكيع ، وقد حدَّث عنه غيرُ وَكيع الثقات من الناس " ( الكامل 2 / 413 ) ، وقال في ترجمة ( داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ) بعدَ أن أملى له أحاديث عدة : " وهذا الذي أمْليت لداود هوَ عامة ما يرويه ، ولعله لا يرْوي ما ذكرْته إلا حديثاً أو حديثين " ( الكامل 3 / 560 ) .
(5) - الكامل ( 7 / 153 ) .(1/342)
13 _ قولهم : ( محله الصدق ) .
هي عبارة تعديل ، تقرب من ( صدوق ) وإن كانت دونها ، فإن حققت فيها ما يشترط لحسن الحديث ، حسنت حديث الموصوف بها ، ما لم يقترن بها وصف تليين سواهاً ،فحينئذ لا تبلغ بالراوي مرتبة الاحتجاج ، وإنما هو بمنزلة من يعتبر به ويستأنس بحديثه .
كما قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان في ( سعيد بن بشير ) : " محله الصدق عندنا " ، قال ابن أبي حاتم : قلت لهما : يحتج بحديثه ؟ فقالا : " يحتج بحديث ابن أبي عروبة ، والدستوائي ، هذا شيخ يكتب حديثه "(1).
ويزيده بياناً قول أبي حاتم الآتي عند شرح عبارة ( لا يحتج به ) .
أما ذكرها مجردة عن وصف التليين ، فوقعت كثيراً في كلام طائفة من الأئمة ، وأكثر منها أبو حاتم الرازي .
وشبهها قولهم : ( إلى الصدق ما هو ) ، وهي نادرة الاستعمال جداً ، إن قيلت مرسلة ، فتقرب من ( صدوق ) ، كما قالها أبو زرعة الرازي في ( سعيد بن سالم القداح )(2)، وإن ضم إليها تليين فالراوي بحسبه ، كما قال أبو زرعة أيضاً في ( ربيعة بن عثمان التيمي ) : " إلى الصدق ما هو ، وليس بذاك القوي "(3)، وقال في ( مشمعل بن ملحان ) : " لين ، إلى الصدق ما هو "(4)، فهذان صالحاً الأمر يعتبر بهما ..
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 7 ) .
قال ابن عدي " ولا أرى بما يروي عن سعيد بن بشير بأسا ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط والغالب على حديثه الاستقامة والغالب عليه الصدق" الكامل في الضعفاء[ج 3 -ص 375 ]
(2) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 31 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 477 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 417 ) .(1/343)
14 _ قولهم : ( لين ) ، أو : ( لين الحديث ) .
قال الخطيب في الكفاية: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الدِّينَوَرِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ السَّهْمِيَّ , يَقُولُ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيَّ قُلْتُ لَهُ : إِذَا قُلْتَ : فُلَانٌ لَيِّنٌ , إِيشْ تُرِيدُ بِهِ ؟ , قَالَ : " لَا يَكُونُ سَاقِطًا مَتْرُوكَ الْحَدِيثِ , وَلَكِنْ مَجْرُوحًا بِشَيْءٍ لَا يُسْقِطُ عَنِ الْعَدَالَةِ "(1).
قلت : وهذا المعنى في التحقيق هو الأصل في معنى هذا اللفظ في كلامهم ، وهو الضعف من جهة سوء الحفظ .
وفي معناها كذلك قولهم : ( فيه لين ) ، و( فيه ضعف ) ، وإن كانت قد تفيد خفة عن ( لين ) بمقتضى وضعها اللغوي ، لكنها كذلك في استعمالهم .
وهي كذلك عند الحافظ ابن حجر في التقريب ، بعكس ما ذهب إليه البعض كما حققته أثناء كلامي عن مراتبه .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سؤالات السهمي ( النص : 1 ) وأخرجه من طريقه : الخطيب في " الكفاية " ص : 60 (35) .(1/344)
15 _ قولهم : ( ليس بالحافظ ) .
قال ابن القطان الفاسي : " هذا قد يقال لمن غيره أحفظ منه "(1).
قلت : وذلك كما قال يحيى بن سعيد القطان في ( عاصم بن سليمان الأحول ) : " لم يكن بالحافظ "(2)، فإن عاصماً كان من الثقات المتقنين ، ولكن جفت فيه عبارة يحيى ، وغاية القول : أراد بالنظر إلى أقرانه من البصريين .
ومما يبينه أيضاً أن ابن أبي حاتم سأل أباه عن حديث يرويه ( حميد بن قيس الأعرج ) وقد اختلف عليه فيه ؟ فقال : " إن كان شيء فمن حميد ؛ لأن حميداً ليس بالحافظ "(3).
قلت : وحميد هذا من الثقات ، وإنما فيه لين يسير .
وسأل البرذعي أبا زرعة الرازي عن رواية ( يونس بن يزيد الأيلي ) عن غير الزهري ؟ فقال : " ليس بالحافظ "(4).
قلت : أراد ليس بالمتقن لما رواه عن غير الزهري إتقانه عن الزهري ، ولهذا نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة إطلاقه القول في ( يونس ) هذا : " لا بأس به "(5).
وقال أبو حاتم الرازي في ( عبد الله بن نافع الصائغ ) : " ليس بالحافظ ، هو لين ، تعرف حفظه وتنكر ، وكتابه أصح "(6).
قلت : وهو عندهم جيد الحديث ، وهذا لا تخرج عنه عبارة أبي حاتم هذه .
وقال ابن عدي في ( الهيثم بن جميل الأنطاكي ) : " ليس بالحافظ ، يغلط على الثقات "(7).
قلت : وهو موصوف عند عامتهم سوى ابن عدي بالحفظ والإتقان والثقة ، وكأنه لينه لوهم يسير وقف عليه منه ، والثقة قد يخطئ .
وممن يكثر استعماله لها : أبو أحمد الحاكم ، ولفظه بها : " ليس بالحافظ عندهم " ، فهو يلخص بذلك عبارة من تقدمه من نقاد المحدثين ، وقد يعني بها ما ذكرت من دلالتها على المنزلة المتوسطة للراوي ، وربما عنى الضعف الذي لحق الراوي بسبب سوء الحفظ والوهم والخطأ ، وقد يكون أثر ذلك في حديثه قليلاً ، وقد يكون كثيراً .
لذا ، يجب تمييز قدر الضعف فيها بالنظر في عبارات من تقدم أبا أحمد من النقاد.
وتقايس بها عبارات هي في معناها ، كقولهم : ( ليس بالمتقن ) .
وفي الجرح والتعديل [ج 3 -ص 499 ](2260) روح بن عبد الواحد الحراني أبو يحيى روى عن موسى بن أعين وزهير بن معاوية وخليد بن دعلج كتب عنه أبي بأذنة سنة عشرين ومائتين وسألته عنه فقال: ليس بالمتقن روى أحاديث فيها صنعة حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال: شيخ.
وفيه الجرح والتعديل[ج6 -ص 148 ] (810) عثمان بن الحكم الجذامي روى عن زهير بن محمد روى عنه ابن وهب نا عبد الرحمن قال سألت أبى عنه فقال شيخ ليس بالمتقن.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - بيان الوهم والإيهام ( 4 / 336 ) .
(2) - أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 3 / 1 / 343 ) وإسْناده صحيح .
(3) - علل الحديث ( رقم : 1419 ) .
(4) - سؤالات البرذعي ( 2 / 684 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 4 / 2 / 249 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 184 ) .
(7) - الكامل ( 8 / 399 ) .(1/345)
16 _ قولهم : ( معروف ) .
هل تعني التعديل ؟
قال أبو حاتم الرازي في" الحجاج بن سليمان ابن القمري " : " شيخ معروف "(1).
والتحقيق : أنه هو الرعيني ، مصري اختلفوا فيه جرحاً وتعديلاً ، وقرين أبي حاتم أبو زرعة الرازي قال في ( الرعيني ) هذا : " منكر الحديث "(2)، فكأن أبا حاتم أراد بالمعرفة أنه ليس بمجهول ، فتأمل !
بينما قال علي بن المديني في"حصين بن أبي الحر مالك العنبري": "معروف"(3)، وهو ثقة .
والتحقيق : أنها عبارة مجملة ، يبحث في تفسيرها في عبارات سائر النقاد في ذات ذلك الراوي .
ومن دليل ذلك ، قول أحمد بن حنبل في ( أبي ريحانة عبد الله بن مطر ) : " هو معروف " ، فسأله ابنه عبد الله : كيف حديثه ؟ قال : " ما أعلم إلا خيراً "(4).
فلو كانت العبارة دالة بمفردها على التعديل لما احتاج عبد الله ليسأل أباه عن حاله في الحديث .
ومثلها أيضاً عبارة ( مشهور ) إذا وصف بها الراوي مجردة ، كقول يحيى بن معين في ( مغيرة بن حذف العبسي ) : " مشهور "(5).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 162 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 162 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 195 ) .
(4) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 4593 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 220 ) .(1/346)
17 _ قولهم : ( يكتب حديثه ) .
تأتي على ثلاثة أحوال :
الأولى : مفردة .
فهي عندئذ مشعرة بضعف الراوي لذاته ، وصلاحية حديثه للاعتبار ، على أدنى الدرجات .
قال أبو حاتم الرازي في ( الوليد بن كثير بن سنان المزني ) : " شيخ يكتب حديثه "(1)، فقال الذهبي : " قول أبي حاتم هذا ليس بصيغة توثيق ، ولا هو بصيغة إهدار "(2).
والثانية : مضافة إلى لفظ تعديل ، كإضافتها إلى ( حسن الحديث ) أو( صدوق ) ، فيكون المراد وجوب التحري لإثبات سلامة ما رواه من الخطأ والوهم وإثبات كونه محفوظاًَ ، كما بينته في ( حسن الحديث ) .
ومن مثاله : قول أبي حاتم الرازي في ( إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي ) : " يكتب حديثه ، وهو حسن الحديث "(3). وفي التقريب : صدوق يهم .
وأورد ابن عدي عن يحيى بن معين قوله في ( إبراهيم بن هارون الصنعاني " : " ليس به بأس ، يكتب حديثه " ، فقال : " معناه : أنه في جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم ، ولم أر لإبراهيم هذا عندي إلا الشيء اليسير ، فلم أذكره ههنا "(4).
قلت : وهذا منه مؤكد أنه لم يأت بمنكر ، وإلا سارع لذكره ، لكنه ليس في محل من يحتج به ، لعدم ظهور ذلك لقلة حديثه .
وفي اللسان : وهذا الرجل قال فيه أبو حاتم وذكر روايته عن طاوس ووهب بن منبه وغيرهما وعنه رباح بن زيد وأبو نعيم وغيرهما وذكره ابن حبان في الثقات وما أدري أيش تبين لابن عدي.
والثالثة : أن تضاف إلى عبارة تجريح .
فمقتضى العبارة أن ذلك التجريح لا يبلغ بالراوي درجة من لا يعتبر به ، فهو في عداد من يصلح حديثه في المتابعات والشواهد .
كقول أبي حاتم الرازي في ( إسماعيل بن مسلم المكي ) : " ضعيف الحديث ، ليس بمتروك ، يكتب حديثه "(5). وقد ضعفه الذهبي وابن حجر .
ويشبه هذه العبارة قولهم : ( يخرج حديثه ) ، كما قال الدار قطني في ( عبد الملك بن أبي زهير الطائفي ) : " شيخ مقل ، ليس بالمشهور ، يخرج حديثه "(6).
لا ينبغي أن تتجاوز هذه العبارة الدلالة على أن الراوي يكتب حديثه للاعتبار ، حتى يرتفع أمره بوصف تعديل يصير معه إلى الاحتجاج .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 4 / 2 / 14 ) .
(2) - ميزان الاعتدال ( 4 / 345 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 148 ) .
(4) - الكامل ( 1 / 394 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 199 ) .
(6) - سؤالات البرقاني ( النص : 303 ) .(1/347)
18 _ قولهم : ( يعتبر به ) .
ظاهرة الدلالة على المراد بها ، وهو صلاحية الراوي أو الحديث في المتابعات والشواهد ، دون الاحتجاج ، وتأتي مضافة إلى غيرها من ألفاظ التليين أو التضعيف ، كما تأتي مفردة .
والدرا قطني يستعملها كثيراً مفردة .
كما قالها في ( أيوب أبي العلاء القصاب ) ، و ( أسيد بن أبي أسيد ) ، و ( أشعث بن سوار ) ، و ( بكر بن عمرو المعافري ) وغيرهم(1).
وبين المراد بها في غير ترجمة :
فمن ذلك قوله في ( سعيد بن زياد الشيباني ) : " لا يحتج به ، ولكن يعتبر به "(2). ولكن قال عنه الذهبي صالح وابن حجر مقبول .
وقوله في"عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد": " لا يحتج به ، يعتبر به "(3).
وقوله في"محمد بن إسحاق بن يسار"وأبيه : " لا يحتج بهما، وإنما يعتبر بهما "(4).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر : سؤالات البرقاني ( النص : 17 ، 37 ، 41 ، 43 ، 44 ، 54 ، 57 ) .
(2) - سؤالات البرقاني ( النص : 188 ) .
(3) - سؤالات البرقاني ( النص : 317 ) .
(4) - سؤالات البرقاني ( النص : 422 ) . قلت : الصواب أنه يحتج بهما ، وحسن لابن إسحاق الدارقطني أحاديث في سنن الدارقطنى (1226 )هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ. 1/319 وبرقم(1289 ) هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ. 1/336 و(1355 ) هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ. 1/355(1/348)
19 _ قولهم : ( لا يحتج به ) .
عبارة إنما يتبادر من لفظها أنها جرح ، مع أنها قد تطلق على راو صالح الأمر يعتبر بحديثه في المتابعات والشواهد ، ولا يحتج به .
وهي جرح مبهم ، فإذا لم يوجد تفسير مؤثر لسببها ، فالأصل : أن لا عبرة بها إذا عارضت التعديل من أهله ، إلا مراعاة معنى استثنائي يأتي التنبيه عليه .
قال الضياء المقدسي في ( شريح بن النعمان الصائدي ) بعد أن ذكر قول أبي إسحاق السبيعي فيه : " وكان رجل صدق " : " وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وكذا عادة أبي حاتم يقول في غير واحد ممن روى له أصحاب الصحيح : لا يحتج به ، ولا يبين الجرح ، فلا نقبل إلا ببيان الجرح "(1).
وكذلك قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي راداً قول أبي حاتم في ( بهز بن حكيم): " وقول أبي حاتم : لا يحتج به ، لا ينبغي أن يقبل منه إلا بحجة "(2).
كما قال رداً لقول أبي حاتم في ( أيوب أبي العلاء ) : " وقول أبي حاتم فيه : لا يحتج به ، لا يلتفت إليه إذا لم يفسره ، كسائر الجرح المجمل "(3).
قلت : لكن بيَّن أبو حاتم مراده باستعمال هذه العبارة ، بما يزيح عنه بعض الإجمال ، فإنه قال : " إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي ، هو وحصين بن عبد الرحمن ، وعطاء بن السائب ، قريب بعضهم من بعض ، محلهم عندنا الصدق ، يكتب حديثهم ولا يحتج بحديثهم " ، قال ابنه عبد الرحمن : قلت لأبي : ما معنى : لا يحتج بحديثهم ؟ قال : " كانوا قوماً لا يحفظون ، فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون ، ترى في حديثهم اضطراباً ما شئت "(4).
قلت : فهذا البيان يورد شبهة في حديث من وصف بها ، فإن عارضها التعديل ، فمع قولنا : ( هي جرح مجمل ) ، إلا هذا البيان من أبي حاتم يوجب تحوطاً في الاحتجاج بحديث من وصف بها حتى تزول الشبهة ، وذلك يتحقق بسلامة حديث المعين من الخطأ ، شأن ما يشترط لقبول حديث ( الصدوق ) ، أو بتفرده بإطلاقها دون سائر النقاد ، وقد عرف بالتشدد .
وفي معناها قولهم في الراوي : ( ليس بحجة ) .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الأحاديث المختارة ( 2 / 114 ) .
(2) - بيان الوهم والإيهام ( 5 / 566 ) .
(3) - بيان الوهم والإيهام ( 5 / 402 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 133 ) .(1/349)
20 _ قولهم : ( ليس بذاك ) .
وقعت في كلامهم بكثرة ، وهي صيغة جرح ، تتبعتها فوجدتها قد اطردت في تليين الراوي الموصوف بها ، لكنها درجات متفاوتة في التليين :
فأطلقت على من دون الثقة .
وأطلقت على الصدوق الذي يعد حديثه المحفوظ من قبيل الحديث الحسن .
كما قالها يحيى بن معين في ( عمرو بن شعيب )(1)، وهو معروف بحسن حديثه ، بل في رواية الدوري عن يحيى بن معين نفسه قوله فيه : " ثقة "(2)، وقالها في ( العلاء بن عبد الرحمن )(3)، وهو صدوق جيد الحديث ، احتج به مسلم في " صحيحه " .
وكما قال أبو زرعة الرازي في ( الحكم بن فصيل(4)الواسطي ) : " شيخ ، ليس بذاك "(5)، وهو صدوق لا بأس به ، حسن الحديث ، قال يحيى بن معين : " ليس به بأس "(6)، وفي رواية : " ثقة "(7).
وقال أبو داود : " ثقة "(8)، وذكره ابن حبان في " الثقات "(9).
وأطلقت على من يعتبر به ممن لم يتبين إتقانه لقلة حديثه .
كما قال يحيى بن معين في ( خالد بن الفزر ) : " ليس بذاك "(10)، وهو شيخ ليس بالمشهور ، لم يرو عنه غير الحسن بن صالح ، وقال أبو حاتم : " شيخ " .
وأطلقت على من ليس بقوي في حديثه ، يعتبر به ولا يحتج به .
كما في ترجمة ( إبراهيم بن رستم المروزي ) ، إذ سأل ابن أبي حاتم أباه قال : قلت : ما حاله في الحديث ؟ قال " ليس بذاك ، محله الصدق "(11)، والرجل ليس بالقوي في الحديث لوهمه وخطئه .
وكما قال يحيى بن معين في ( جعفر بن ميمون الأنماطي ) : " ليس بذاك "(12)، والرجل صالح الحديث ، لكنه لا يبلغ الاحتجاج للينه ، وابن معين نفسه قال مرة : " صالح " ، وقال أخرى : " ليس بثقة "(13)، فكأنه يقول : لم يبلغ مبلغ الثقات .
وأطلقت على الضعيف المعروف بالضعف ، ممن الأصل فيه الصدق فيعتبر بحديثه .
كما قال يحيى بن معين ومحمد بن عبد الله بن نمير في (عثمان بن سعد الكاتب) : " ليس بذاك "(14)، وهو لين الحديث ، سيىء الحفظ ، شرح أمره ابن حبان فقال : " كان ممن لا يميز شيخه من شيخ غيره ، ويحدث بما لا يدري ، ويجيب فيما يسأل ، فلا يجوز الاحتجاج به "(15).
وكما قال يحيى بن معين في ( روح بن أسلم أبي حاتم الباهلي ) : " ليس بذاك ، لم يكن من أهل الكذب " ، كأنه يرد قول عفان بن مسلم : " كذاب " ، وعفان مع إتقانه لا يعد في مبرزي النقاد ، وفسر العبارة فيه أبو حاتم الرازي فقال : " لين الحديث ، يتكلم فيه "(16)، فكأنه يشير إلى قول عفان ممرضاً ، وأن الرجل لا ينزل حاله عن مجرد الضعف للين حديثه ، ولذا أطلق تضعيفه طائفة ، ولم يجاوزوا .
وكما قال أحمد بن حنبل في ( سلم بن سالم البلخي الزاهد ) : " ليس بذاك في الحديث " قال عبد الله بن أحمد : " كأنه ضعفه "(17).
قلت : وهو كذلك ضعيف الحديث عند أكثرهم ، وعلته من جهة ما روى من المنكر ، وكأنه لغفلة الصالحين ، وشدد بعض النقاد القول فيه حتى أشار إلى أنه يكذب ، لكنه لا يبلغ ذلك ، بل هو ضعيف ، يبقى في حد الاعتبار .
ولا تعني السقوط بأي اعتبار ، فإن وجدتها وصف بها من هو متروك أو متهم ، فذلك ممن قالها لعدم اطلاعه على سبب شدة الجرح في ذلك الراوي .
وحيث وقع استعمالها فيما يتردد في الدرجات المتفاوتة احتجاجاً واعتباراً ، فلا يصح عدها سبباً لرد حديث الموصوف بها ، حتى يحدد معناها بغيرها .
وتجد في كلامهم يذكرون تلك العبارة مضافة إلى لفظة مفسرة ، وهي عندئذ بحسبها ، فيقولون : ( ليس بذاك الثقة ) ، و( ليس بذاك المعروف ) ، و( ليس بذاك المشهور ) ،و( ليس بذاك القوي ) ، وهذه عبارات متكررة في كلامهم ، سوى الأولى منها فهي نادرة .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - نقله عنه ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 3 / 1 / 239 ) .
(2) - تاريخه ( النص : 874 ) .
(3) - نقله ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 3 / 1 / 357 ) .
(4) - هكَذا صَوابه بفتح الفاء والصاد المهملة ، انظر : الإكمال ، لابن ماكولا ( 7 / 66 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 127 ) .
(6) - أخرجه ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 1 / 2 / 127 ) ، وكذلك نحوه في " سؤالات ابن الجنيد " ( النص : 801 ) .
(7) - تاريخ يحيى بن معين ( النص : 4852 ) .
(8) - سؤالات الآجري ( النص : 129 ، 180 ) .
(9) - الثقات ( 8 / 193 ) .
(10) - نقله ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 1 / 2 / 346 ) ، وفيه قولُ أبي حاتم التالي كذلك .
(11) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 99 ) .
(12) - تاريخ يحيى بن مَعين ( النص : 3726 ، 4149 ) .
(13) - انظر : تاريخ يحيى بن مَعين ( النص : 3726 ، 4149 ) .
(14) - تاريخ يحيى بن معين ( النص : 3599 ) والجرح والتعديل ( 3 / 1 / 153 ) .
(15) - المجروحين ( 2 / 96 ) .
(16) - الأقوال الثلاثة في " الجرح والتعديل " ( 1 / 2 / 499 ) .
(17) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 5434 ) .(1/350)
21 _ قولهم : ( ليس بالقوي ) .
عبارة تليين ، يكتب حديث الموصوف بها ، ويعتبر به .
قال الذهبي : " وهذا النَّسائيُّ قد قال في عِدَّةٍ : ليس بالقويّ ، ويُخرِجُ لهم في (( كتابه )) ، قال : قولُنا :( ليس بالقوي ) ليس بجَرْحٍ مُفْسِد . "(1).
وعليه قال الذهبي أيضاً في تفسير قول أبي حاتم : ( ليس بالقوي ) : " لم يبلغ درجة القوي الثبت "(2).
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألته ( يعني أباه ) عن هشام بن حجير ؟ فقال : " ليس هو بالقوي " ، قلت : هو ضعيف ؟ قال : " ليس هو بذاك "(3).
وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن فرقد السَّبخيِّ ؟ فقال : " ليس هو بقويِّ في الحديث " ، قلت : هو ضعيف ؟ قال : " ليس هو بذاك "(4).
وقال علي بن المديني في ( الفرج بن فضالة ) : " هو وسط ، وليس بالقوي "(5).
وقال في ( سليمان بن قَرْمٍ ) : " لم يكن بالقوي ، وهو صالح "(6)، ونحوُها في (كثير بن زيد )(7)، و( هشام بن سعد )(8)و( منكدر بن محمد بن المنكدر) "(9).
وقال في محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزُّهريِّ : " ضعيفٌ ، ليس بالقوي ، ونحن نكتب حديثه "(10)
وفي ( أبي خلف موسى بن خلف ) : " ليس بالقوي ، يعتبر به "(11).
وقال الدار قطني في ( شبل بن العلاء بن عبد الرحمن ) : " ليس بالقوي ، ويُخرَّج حديثه "(12).
قلت : عامة استعمالهم لهذه العبارة لا يخرج في دلالته عما ذكرت ، فهي عبارة جرح خفيف ، تجعل الراوي في مرتبة ( صالح الحديث ) لغيره ، و(لا يحتج به) لذاته .
وقد تدلُّ بالنظر إليها مقرونة بعبارات سائر النقاد في الراوي الذي قيلت فيه على أنه في منزلة من هو دون الثقة وفوق الضعيف ، فتليينه بهذه العبارة من جهة عدم بلوغه درجة أهل الإتقان ، وكذلك الصدوق ، وتارة تدلُّ سائر العبارات على أن الرجل ضعيف الحفظ ، فيوصف بالضعف مع صحة الاعتبار بحديثه ، لكن لا تفيد شدة الضعف لذاتها .
وقد يراد بها لمعنى غير الحديث ، لكن لا يأتي ذلك إلا مبيناً في نفس لفظ الجرح ، مثل قول الدار قطني وقد سئل عن ( أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة ) : " حافظ محدث ، ولم يكن في الدين بالقوي ، ولا أزيد على هذا "(13).
واعلم أن مما يلتحق بهذه اللفظة في المعنى : قولهم : ( ليس بالمتين ) على معنى قولهم : ( ليس بالقوي ) بتفصيله .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الموقظة ( ص : 82 ) . والموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 19) الشاملة 2
(2) - الموقظة ( ص : 83 ) .
(3) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 752 ) .
(4) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 751 ) .
(5) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 234 ) .
(6) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 247 ) .
(7) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 97 ) .
(8) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 109 ) .
(9) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 178 ) .
(10) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 150 ) .
(11) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 501 ) .
(12) - سؤالات البرقاني ( النص : 223 ) .
(13) - سؤالات السُّلمي ( النص : 41 ) .(1/351)
22 _ قولهم : ( إلى الضعف ما هو ) .
عبارة تليين شائعة ، لكنها قليلة الاستعمال في كلامهم ، والتليين فيها لم أجده إلا من جهة سوء الحفظ .
كقول أحمد بن حنبل في ( عاصم بن عبيد الله بن عاصم العمري ) : " حديثه وحديث ابن عقيل إلى الضعف ما هو "(1).
وقالها يحيى بن معين في ( بشر بن حرب الندبي )(2).
ويَبَيِّنُها قول أبي حاتم الرازي في ( الصلت بن دينار الأزدي ) : " ليِّنُ الحديث ، إلى الضعف ما هو ، مضطرب الحديث ، يكتب حديثه "(3).
وهؤلاء الرواة جميعاً عرفوا بسوءِ الحفظ ، وحديثهم يعتَبَر به ، ولا يحتج به ، وبعضهم أرفع من بعض ، وعبد الله بن محمد بن عقيل من أحسنهم حالاً ، وقد يحسن حديثه مع لينه .
وشذَّت عبارة يعقوب بن شيبة في ( عبد الكريم بن مالك الجزَريِّ ) ، حيث قال : " إلى الضعف ما هو ، وهو صدوق ثقة "(4).
قلت : وابن شيبة يجمع بين ألفاظ لا تأتي على استقامة مصطلحاتهم ، فتنبَّه ، وكأنه يعني هنا أن الجَزريَّ يُتردَّدُ فيه بين أن يكون صدوقاً أو ثقة ، إذ في حفظه ما يميل به إلى الضعف عن درجة الثقات ، وليس المراد الضعف الذي ينزل بالراوي عن درجة الاحتجاج ، بل إن الجزريَّ ممن يحتج بحديثه .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أخرجه ابنُ عساكر في " تاريخه " ( 25 / 266 ) بإسناد جيد .
(2) - الكامل ، لابن عدي ( 2 / 158 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 438 ) .
(4) - أخرجه ابنُ عساكر في " تاريخه " ( 36 / 466 ) بإسناد جيد .(1/352)
23 - قولهم : ( تَعرف وتُنْكر ) .
عبارة جرح في التَّحقيق ، تتَّصل بحديث الراوي لا بشخصه ، والمعنى : تارة هكذا وتارة هكذا ، يأتي بالحديث مرة على الوجه ، ومرة على غير ذلك ، أي : لم يكن يتقن حديثه .
ولذا كان الناقد ربما قالها في الراوي ، وقرنها بالتَّعبير بالحركة إشارةًَ إلى عدم استقرار حال الراوي وثباته فيما يؤديه .
كما قال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد ( يعني القطان ) عن ( الربيع بن حبيب ) ؟ فقال : " تَعْرف وتُنْكر " وقال بيده(1).
قلت : وهو قد روى عن الربيع هذا ، وهو صدوق جيد الحديث .
وكما قال ابن أبي حاتم الرازي في ( الحسين بن زيد بن عليٍّ الهاشميِّ ) : قلت : لأبي : ما تقول فيه ؟ فحرك يده وقلبها ، يعني تعرف وتنكر(2).
وفسر القول فيه ابن عدي فقال : " أرجو أنه لا بأس به ، إلا أني وجدت في بعض حديثه النكرة "(3).
وكذلك قال ابن أبي حاتم في ( زيد بن عوف القطعي ) المقلب بـ( فهد ) : قيل لأبي : ما تقول فيه ؟ فقال : " تَعْرف وتُنْكر " وحرك يده(4).
قلت : وقد وجدت هذا اللفظ وقع في كلام يحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وأبي حاتم الرازي ، وغيرهم ، وليس بالكثير ، وقيل في رواة درجاتهم متفاوتَةٌ في اللين والضَّعف ، وفيهم من الراجح قبوله ، وفيهم من الراجح ضعفه ، لذا فهي عبارة تليين مجملة في قدر اللين في الراوي ، فتُحرَّرُ فيمن قيلت فيه بحسب دلالة سائر أقوال النقاد فيه الراوي ، أو بتأمُّل حديثه وروايته .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أخرجه ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 1 / 2 / 457 ) وإسناده صحيح .
(2) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 53 ) .
(3) - الكامل ( 3 / 218 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 570 ) .(1/353)
24 - قولهم : ( سيئ الحفظ ) .
عبارة صريحة التعلُّق بحديث الراوي ، وليست كثيرة الورود في كلام المتقدِّمين مطلقة دون وصف آخر ، وإنما كان أكثر ما ترد عنهم مقرونة بوصف آخر كالقول : ( صدوق سيئ الحفظ ) ، و ( سيئ الحفظ كثير الوهم ) ، أو ( كثير الغلط ) ، أو ( كثير الخطأ ) ، وما معناها ، أو ( مضطرب الحديث ) ، وغير ذلك ، وإنما جاءت مطلقة في الراوي بعد الراوي ، وقعت في كلام أحمد بن حنبل ، وأبي حاتم الرازي ، وأبي بكر البزار ، والدر قطني ، وكثر استعمالها بإطلاق كلام المتأخرين .
ويندر أن تجدها تستعمل فيمن بلغ به سوء الحفظ إلى حدِّ الترك .
كما وقع فيما حكاه عمرو بن علي الفلاَّسُ عن يحيى بن سعيد القطان في ( عيسى بن أبي عيسى الحَنَّاط ) ، وهو متروك الحديث ، قال : " كان سيئ الحفظ "(1).
وكما قال عمرو بن علي في ( عبيدة بن معتب الضبي ) : " سيئ الحفظ ، متروك الحديث "(2).
قلت : وهو متروك عند جماعة من النقاد ، ضعيف لا يبلغ الترك عند آخرين .
وقالوا في جماعة : ( سيئ الحفظ جداً )، ولا تعني السقوط .
والتحقيق : أن الضعف العائد إلى سوء الحفظ قد يبلغ صاحبه حد الترك ، كما بينته في ( تفسير الجرح ) ، لكن يندُرُ ذلك في الرواة الذين قيلت فيهم هذه العبارة ، بل أكثرهم يعتبر بحديثه ، ولا يكادُ يقبل حديث من رجح له هذا الوصف لذاته وإن كان منعوتاً بالصدق .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الكامل ، لابن عدي ( 6 / 436 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 94 ) .(1/354)
25 - قولهم : ( فيه نظر ) .
شاع استعمال هذه العبارة عن البخاريِّ ، واستعملها غيره من المتقدمين بقلَّة ، كأبي حاتم الرازي وابن عديِّ وأبي أحمد الحاكم وغيرهم ، وأكثر من استعمالها من المتأخرين أبو المحاسن محمد بن علي الحسيني صاحب " الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد " .
وقد قال الذهبي في تفسيره هذه اللفظة : " قلَّ أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر ، إلا وهو متهم "(1)، وقال في موضع آخر : " لا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً "(2).
قلت : لكن المتَتَبَّع لاستعمال البخاري له لا يجد ما أطلقه الذهبي صواباً ، بل إنك تجده قالها في المجروحين على اختلاف درجاتهم ، كما قالها في بعض المجهولين الذين لم يتبيَّن أمرهم لقلة ما رَوَوا ، بل قالها في رواة هم عند غيره في موضع القبول .
فقالها في ( عبد الحكيم بن منصور الخزاعي )(3)، وهو متروك متهم .
وقالها في ( حريث بن أبي مطر الحنَّاط )(4)، وهو منكر الحديث .
وقالها في ( عمرو بن دينار قَهْرَمانِ آل الزبير )(5)، وهو ضعيف الحديث .
وقالها في ( علي بن مسعدة الباهلي )(6)، وهو صالح الحديث يعتبر به .
وقالها في ( جميل بن عامر )(7)، وهذا ذكره ابن عدي وقال : " يعرف بحديث أو حديثين "(8).
كما قالها في ( سعيد بن خالد الخُزاعيِّ )(9)، وقال ابن عدي : " هذا الذي ذكره البخاري إنما يشير إلى حديث واحد ، يرويه عنه عبد الملك الجُدِّيُّ ، وهو يعرف به ، ولا يعرف له غيره "(10).
وفي ( شعيب بن ميمون ) يروي عن حصين بن عبد الرحمن وغيرِهِ(11)، وذكر ابن عدي أن الرجل له حديث واحد(12)، وقال أبو حاتم الرازي : " مجهول "(13).
وقالها في ( حُيَيِّ بن عبد الله المعافِريَّ )(14)، وهو حسنُ الحديث لا بأس به .
وقالها في ( حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير )(15)، وقد احتج به مسلم في " صحيحه " في موضع واحد(16)، وهو صدوق حسن الحديث ، وثقه أبو حاتم الرازي وأبو داود السجستاني وابن حبان(17).
وأكثر الذين قال فيهم البخاري تلك العبارة هم ممن يكتب حديثه ويعتبر به ، وفيهم جماعة كانوا قليلي الحديث ، غير مشهورين به ، لا يَصِلون إلى حدِّ السُّقُوط ، خلافاً لما قاله الذهبي .
ومما يبين مراد البخاري بقوله هذا ، ما ذكره الترمذي عنه من قوله في ( حكيم بن جبير ) : " لنا فيه نظر " ، قال الترمذي : " ولم يعزم فيه على شيء "(18).
فهذا يدل على أن هذه العبارة من البخاري فيمن هو في موضع تأمُّل وتوقُّف عنده ، فهي عبارة احتراز عن قبول حديث الراوي والاحتجاج به ، أو الاعتبار به ، ولكونِها توقفاً عن القبول ، فهي في جملة ألفاظ الجرح ، وإن لم يقصد البخاري إلحاق الجرح بمن أطلقها عليه .
وأكثر ما يقال : هي من عبارات الجرح المجملة ، يبحث عن تفسيرها في كلام سائر النقاد في ذلك الراوي .
وإذا عرف هذا في دلالة هذا اللفظ ، تبين المراد بقوله أيضاً : ( في حديثه نظر ) ، فالمعنى فيه غير خارج عما ذكرت من توقف البخاري في قبول حديث ذلك الراوي ، أو إسناده ، تارة بسببه ، وتارة من جهة علة دونه في الإسناد ، لا يقضى معها بقبول خبره ، أو بالدلالة على أمره في إدخاله في جملة رواة العلم .
ومثال ما كان مورد النظر بسببه ، قول البخاري في ( إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي ) : " في حديثه نظر "(19)، وهو معروف بالضَّعْف .
وما كان النظر من جهة الإسناد الذي رواه ، قوله في ( إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي ) : " في حديثه نظر "(20).
إذ حديثه هذا الذي يشير إليه البخاري رواه محمد بن إسحاق ، قال : حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي ، قال : حدثني إسماعيل بن إياس بن عفيف ، عن أبيه ، عن جده عفيف ، في قصة(21).
وابن الأشعث فيه مجهول ، وإياس أبو إسماعيل قال فيه البخاري أيضاً : " فيه نظر "(22)ولم يرو عنه غير ابنه(23).
وما نسبه الذهبي إلى البخاري أنه قال : " إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ. "(24)، فهذا لم أقف عليه مسنداً إلى البخاري في شيء ، ولا يدلُّ عليه ما وقفنا عليه من استعمال البخاري .
وأما قول البخاري : ( في إسناده نَظَر ) فتوقُّفٌ منه في ثبوت إسناد معَّين جاء من رواية المذكور ، إذ أكثر ما أتت هذه العبارة في كلامه ، عقبَ حديث أو أثر يذكره في ترجمة الراوي ، فالهاء في قوله ( إسناده ) لا تعود على الراوي ، إنما تعود على الرواية المذكورة .
ومن أدل علامة عليه ، قوله في ترجمة "أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي": قال لنا مسددٌ : عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك النُّكري ، عن أبي الجوزاء ، قال : أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ، ليس من القرآن آية إلا سألتْهُم عنها . قال البخاري : " في إسناده نظر ".(25).
قلت : فهذا ليس حُكماً على أبي الجوزاء ، فإنه ثقة معروف ، وإنما هو توقُّفٌ من البخاري في إثبات هذا الخبر عنه ، والمفيد اتِّصال ما بينه وبين ابن عباس وعائشة ، وربما من أجل كونه من رواية جعفر بن سليمان الضبعي ، وهو عند البخاري " يخالف في بعض حديثه "(26)
قلت : وعلى هذا الذي بيَّنْت عن استعمال البخاري يقع استعمال غيره ، إلا أن تقوم قرينةٌ على إرادة معنى مخصوص .
وذلك كاستعمال ابن عبد البرِّ لعبارة : " فيه نظر "(27)، ففسرها العلائي بقوله : " أي في صحبته "(28).
وقال السُّليمانيُّ(29)في ( محمد بن المغيرة بن سنان الضبي فقيه الحنفية بهَمَذانَ ) : " فيه نظر " ، فقال الذهبي : " يشير إلى أنه صاحب رأي "(30).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ميزان الاعتدال ( 3 / 52 ) .
(2) - ميزان الاعتدال ( 2 / 416 ) ، وقالَ في " الموقظة " ( ص : 83 ) : " هوَ عندَه أسوأ حالاً من الضعيف " .
(3) - التاريخ الكبير ( 3 / 2 / 125 ) .
(4) - التاريخ الكبير ( 2 / 1 / 71 ) .
(5) - التاريخ الكبير ( 3 / 2 / 329 ) .
(6) - التاريخ الكبير ( 3 / 2 / 294 - 295 ) .
(7) - التاريخ الكبير ( 1 / 2 / 216 ) .
(8) - الكامل ( 2 / 428 ) .
(9) - التاريخ الكبير ( 2 / 1 / 469 ) .
(10) - الكامل ( 4 / 432 ) .
(11) - التاريخ الكبير ( 2 / 2 / 222 ) .
(12) - الكامل ( 5 / 5 ) .
(13) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 352 ) .
(14) - التاريخ الكبير ( 2 / 1 / 76 ) .
(15) - التاريخ الكبير ( 1 / 2 / 318 ) .
(16) - صحيح مسلم (2065 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ - قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِى الْعِيدَيْنِ وَفِى الْجُمُعَةِ بِ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِى الصَّلاَتَيْنِ.
(17) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 102 ) ، سؤالات الآجري ( النص : 42 ، 381 ) ، الثقات ، لابن حِبان ( 4 / 138 ) .
(18) - العلل الكبير ( 2 / 969 ) .
(19) - التاريخ الكبير ( 1 / 1 / 342 ) .
(20) - التاريخ الكبير ( 1 / 1 / 345 ) .
(21) - دلائل النبوة للبيهقي(466)
(22) - التاريخ الكبير ( 1 / 1 / 441 ) .
(23) - انظر المفاريد " لأبي يعلى الموصلي ( رقم : 59 ) .
(24) - سير أعلام النبلاء ( 12 / 441 ) .
(25) - التاريخ الكبير ( 1 / 2 / 16- 17 ) .
(26) - التاريخ الكبير ( 2 / 1 / 192 ) .
(27) - الاستيعاب ( 6 / 328 - هامش الإصابة ) .
(28) - جامع التحصيل ( ص : 262 ) .
(29) - هوَ الحافُظ الناقد أبو الفضْل أحمد بن علي البيكنْدي ( المتوفى سنة : 404 ) قال الذهبي : " رأيتُ للسليماني كتاباً فيه حط على كبار ، فلا يُسمع منه ما شذَّ فيه " ( سير أعلام النبلاء 17 / 202 ) .
(30) - سير أعلام النبلاء ( 13 / 384 ) .(1/355)
26 _ قولهم : ( ضعيف ) أو : ( ضعيف الحديث ) .
هي صيغة جرح بلا تردُد ، لكن هل هي مفسرة أو مجملة ؟
التحقيق : أنها مجملة ، فإذا عارضها تعديل معتبر لم يعتدَّ بها حتى يبين وجهها .
ثم إن التضعيف بها قد يراد به الضعف اليسير ، كثقة أو صدوق إذا قورن بمن هو فوقه قيل فيه : " ضعيف الحديث " .
وقد تطلق على الراوي ويراد بها أنه دون من يحتجُّ بحديثه ، لسوء حفظه مثلاً ، ولكن يعتبر به .
قال أبو حاتم الرازي في ( عُبيد بن واقد أبي عبَّاد القَيْسيَّ ) : " ضعيف الحديث ، يكتب حديثه "(1).
وقال الدار قطني في ( قابوس بن أبي ظَبْيَان ) : " ضعيف ، ولكن لا يترك "(2).
وقد تطلق على المجروح الشديد الضعف الذي لا يكاد يكتب حديثه ، كقول أبي حاتم الرازي في ( حمزة بن نجيح أبي عُمارة ) : " ضعيف الحديث " ، فقال ابنه: يكتب حديثه ؟ قال : " زاحفاً "(3).
وعلى شديد الضعف الذي يبلغ حديثه الترك ، وإن كان غير مُتَّهم ، كقولِ عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عن أبي قتادة الحرَّاني ، قلت : ضعيف الحديث ؟ قال : " نعم ، لا يحدث عنه " ولم يقرأ علينا حديثه(4).
وقال علي بن المديني في ( الوليد بن محمد الموقَّريِّ ) : " ضعيف ، ليس بشيء ، وكان قد روى عن الزهري ، ولا نروي عنه شيئاً "(5).
وقال أبو حاتم الرازي في ( رَوْحِ بن مسافر أبي بشر ) : " ضعيف الحديث ، لا يكتب حديثه "(6).
ومن هذا استعمال يحيى بن معين لها ، حيث قال : " وإذا قلت لك : (هو ضعيف) فليس هو بثقة ، ولا يكتب حديثه(7).
ومن هذا قولهم : ( ضعيف جداً ) ، وهي دالة بلفظها على معناها .
كما تطلق على الراوي المتَّهم بالكذب ، فإذا وجدت ذلك فلا تقل : هو جرح يسير.
ويطلب تعيين مرتبة ذلك الضعف بالنظر في القرائن .
ومن هذا قول ابن عدي في " كامله " في كثير من الرواة : " هو في جملة الضعفاء " ، فربما قالها فيمن يعتبر به ، وربما قالها في متروك .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 5 ) .
(2) - سؤالات البرقاني ( النص : 418 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 216 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 192 ) .
(5) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 151 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 496 ) .
(7) - تقدَّم سياقه بتَمامه وتَخريجه في الكلام على عبارة ( لا بأس به ) .(1/356)
27 _ قولهم : ( مضطرب الحديث ) .
شرحت في تفسير ( الحديث المضطرب ) أنَّ إحدى صورتي الاضطراب هي الاختلاف على الراوي ، حيث يأتي الحديث عنه على وجوه ، تدلُّ على لينه وسوء حفظه .
وذلك كقول أحمد بن حنبل في ( خُصَيفِ بن عبد الرحمن ) : " شديد الاضطراب في المسند "(1)، لذلك وصفه في موضع آخر بقوله : " ليس بقوي في الحديث "(2).
وفي الكاشف(1389 ) خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون مولى بني أمية عن سعيد بن جبير ومجاهد وعنه سفيان وابن فضيل صدوق سيء الحفظ ضعفه أحمد توفي 136 4
وفي تقريب التهذيب (1718 ) خصيف بالصاد المهملة مصغر بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيء الحفظ خلط بأخرة ورمي بالإرجاء من الخامسة مات سنة سبع وثلاثين وقيل غير ذلك 4
ـــــــــــــــ
__________
(1) - العلل ( النص : 4926 ) .
(2) - العلل ( النص : 3187 ) .(1/357)
28 - قولهم : ( يخالف الثقات ) .
عبارة جرح مجملةٌ ، إذا عارضت التعديل فإنها تثير شُبهة إمكان الشُّذوذ ، وربما أيضاً التفرد .
وابن حبان يقول في مواضع فيمن يوردهم في " الثقات " : " يخالف " ، " ربَّما خالف " فهي عبارة لا تعني الجرح المسقط ، والثقة قد يخالف ، فتكون روايته شاذَّة إذا كانت المخالفة لمن هو أتقن منه ، وإنما يكون مجرَّد المخالفة قادحاً مؤثِّراً في الراوي إذا كان قليل الحديث ، ولم نجد لروايته ما يعضدها .
ـــــــــــــــ(1/358)
29 - قولهم : ( لا يتابع على حديثه ) .
قال ابن القطان الفاسيُّ : " يُمسُّ بهذا من لا يعرف بالثقة ، فأما من عرف بها فانفراده لا يضره ، إلا أن يكثر ذلك منه "(1).
قلت : والأمر كما قال ، وأكثر من استعمل هذه العبارة من المتقدِّمين البخاري ، وإذا قالها في راو فإنه يعني تفرده بما لا يعرف إلا من طريقه ، وفي الغالب هو حديثٌ معيَّنٌ ليس لذلك الراوي سواه ، ولذا فهذه اللفظة إذا قالها البخاري في راو فهو تضعيف ؛ لأنها غالباً إمَّا في مجهول أو مُقلِّ ، ومن كان بهذه المنزلة ولا يروي إلا حديثاً واحداً يتفرد به ، فلا يحتجُّ به .
ففي تاريخ البخاري (ج 1 / ص 45) [ 237 ] محمد بن الزبير إمام مسجد حران عن حجاج الرقي عن عكرمة عن بن عباس سمع منه النفيلي لا يتابع في حديثه عن حجاج.
وتاريخ البخاري(ج 1 / ص 57) [ 313 ] محمد بن سلام الخزاعي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي البهيمة والرجل يصبح في غضب الله قاله دحيم عن ابن أبي الفديك قال حدثني محمد لا يتابع عليه.
وتاريخ البخاري(ج 1 / ص 67) [ 378 ] محمد بن عبد الله الكناني عن عطاء وعامر بن عبد الله بن الزبير وعمرو بن دينار قاله لي يعقوب بن محمد سمع إسحاق بن جعفر روى عن عمرو بن دينار عن ابن عباس دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة كالمستطعم السائل رافعا يديه لا يتابع فيه.
وتبعه على استعمالها العقيلي ، وأطلقها على جماعة من الرواة هم بهذه المثابة .
لكنه ذكر بعض الثقات أيضاً ، وقال فيهم مثل ذلك ، وربما أورد الحديث مما يعنيه أن ذلك الراوي لم يتابع عليه .
فقالها مثلاً في سعد بن طارق الأشجعي ، وسلام بن سليمان أبي المنذر ، وعقبة بن خالد السَّكونيِّ ، ويحيى بن عثمان الحربي(2)، وغيرهم ، وهؤلاء ثقات ، والتفرد لا يضر في قبول ما رووا .
وقال في ( عبد الله بن خَيرانَ البغدادي )(3): " لا يتابع على حديثه " ، فتعقَّبه الخطيب فقال : " قد اعتبرت من رواياته أحاديث كثيرة ، فوجدتها مستقيمة تدل على ثقته "(4).
فمثل هذا من العُقيلي يتثبَّت فيه ، ولا يُسلَّم ابتداء كسبب في رد حديث الموصوف به .
وقال الذهبي رحمه الله رادا عليه : " وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به - قد شحن صحيحه بحديث علي بن المدينى، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدى أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبدالحميد، لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال.
أفما لك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدِّثٌ، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له، وأكمل لرتبته، وأدلَّ على اعتنائه بعلم الاثر، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك، فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنَّة، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه، وكذلك التابعون، كلُّ واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرضُ هذا، فإن هذا مقررُ على ما ينبغي في علم الحديث.
وإنْ تفرد الثقةُ المتقن يعدُّ صحيحا غريبا.
وإنْ تفرد الصدوقُ ومن دونه يعدُّ منكرا.
وإنَّ إكثار الراوى من الأحاديث التي لا يوافَق عليها لفظاً أو إسناداً يصيِّره متروكَ الحديث، ثم ما كلُّ أحدٍ فيه بدعة أو له هفوةٌ أو ذنوبٌ يقدحُ فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة ،أو لهم أوهامٌ يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أنَّ غيرهم أرجحُ منهم وأوثقُ إذا عارضَهم أو خالفَهم، فزنِ الأشياءَ بالعدلِ والورعِ.
وأمَّا علي بن المدينى فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه. "(5)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - بيان الوهم والإيهام ( 5 / 363 ) .
(2) - انظر : الضعفاء ( 2 / 119 ، 160 ، و 3 / 355 ، و 4 / 420 ) .
(3) - الضعفاء ( 2 / 245 ) .
(4) - تاريخ بغداد ( 9 / 451 ) .
(5) - ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 140) فما بعد(1/359)
30 - قولهم : ( روى مناكير ) أو : ( روى أحاديث منكرة ) .
جرح ، لكن لا يلزم منه جرح ذات الراوي الذي وصف بها ، حتى لا يكون في الإسناد من يحمل عليه سواه ، أو كان ذلك الراوي لم يعدل أصلاً .
والراوي يأتي بالمنكرات من الروايات والمأخذُ فيها عليه سواه من رجال الإسناد ، سبب شائع من أسباب الطعن عليه ، كما بينته في ( تفسير الجرح ) ، ويناله من قدر الضعف بحسب ما روى من المنكرات بالنظر إلى سائر مرويَّاته .
قال حرب بن إسماعيل الكِرمانيُّ : قلت لأحمد بن حنبل : قيس بن الربيع ، أيُّ شيء ضعَّفه ؟ قال : " روى أحاديث منكرة "(1).
أمثلة من الميزان :
ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 56)-186 - إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري المدنى.
عن أبيه، واه.قال ابن عدى: عامة حديثه مناكير.قال البخاري: سكتوا عنه، وبمشورته جلد مالك،
وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 86)-309 - أحمد بن بكر البالسى.ويقال له ابن بكرويه، أبو سعيد. قال ابن عدى: روى مناكير عن الثقات، وقال أبو الفتح الأزدي: كان يضع الحديث.
قلت : فمن كان بهذه الشاكلة لا يقبل ما يتفرد به
وهناك من يروي بعض المناكير ولكنه ثقة أو صدوق ، فهذه إن قصد منها النكارة بالمعنى الاصطلاحي ، ولم نجد ما يعضدها نردها ، فإن وجدنا ما يعضدها نقبلها ، أمثلة :
ففي ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 391)-1457 - جرول بن جيفل أبو توبة النميري الحرانى.
عن خليد بن دعلج.صدوق.وقال ابن المديني: روى مناكير.
قلت : وفي الجرح والتعديل [ ج 2 -ص 551 ]-2289 - جرول بن جيفل الحراني أبو توبة النميري روى عن النضر بن عربي وابن لهيعة والسرى بن يحيى وعيسى بن سنان روى عنه بقية ومعافى بن سليمان وإسماعيل بن محمد الطلحي وجنادة بن محمد المري سمعت أبى يقول ذلك قال أبو محمد روى عن خليد بن دعلج وعتاب بن بشير روى عنه سليمان بن عبد الرحمن بن شرحبيل حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي عنه فقال لا بأس به حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول كان صدوقا ما كان به بأس.
وفي ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 552)-2082 - حصين بن عبد الرحمن الحارثي الكوفى.عن الشعبى.
صدوق إن شاء الله.روى عنه إسماعيل بن أبى خالد، وحجاج بن أرطاة.وقال أحمد: روى مناكير.
وفي مشاهير علماء الأمصار(1303 ) حصين بن عبد الرحمن الحارثى من متقنى أهل الكوفة ومات سنة سبع وثلاثين ومائة .
وقد يكون معناها التفرد عند الأقدمين ليس إلا .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 3 / 2 / 98 ) .(1/360)
31 - قولهم : ( منكر الحديث ) .
هذا الوصف صريح في حق الراوي باعتبار حديثه ، لا أمْر آخر .
وهي من ألفاظ الجرح الموجبة ضعفه عند الناقد .
وقدر الجرح بهذه العبارة في التحقيق متفاوت ، بين الضعف الذي يبقي للراوي شيئاً من الاعتبار ، والشديد الذي يبلغ به إلى حد التهمة ، فهي لفظةٌ مفسَّرةُ باعتبار ، مجملة باعتبار .
ويفسَّرُ ذلك في حقِّ الراوي المعين بالقرائن المصاحبة للوصف ، أو بدلالة أقاويل سائر النقاد فيه .
ومما يبين تلك الدرجات الأمثلة التالية :
1 - قول أبي حاتم الرَّازيِّ في ( سعيد بن الفضل بن ثابت البصريِّ ) : " ليس بالقوي ، منكر الحديث "(1)، وقوله في ( سليمان بن عطاء الحرَّانيِّ ) : " منكر الحديث ، يكتب حديثه "(2)، وقوله في ( عبد الله بن جعفر بن نجيح المدينيِّ ) : " منكر الحديث جداً ، ضعيف الحديث ، يحدث عن الثقات بالمناكير ، يكتب حديث ولا يحتج به "(3).
وقول أبي زرعة الرازي في ( سلامة بن روح الأيْليِّ ) : " ضعيف منكر الحديث " ، فقال له ابن أبي حاتم : يُكتب حديثه ؟ قال : " نعم ، يكتب على الاعتبار "(4).
فاقترانُ وصف ( منكر الحديث ) بتليين الراوي ، أو بكتابة حديثه ، دليلٌ على أنه ليس بمطروح الحديث ، بل يعتبر به .
وشبيهٌ به في المعنى ما يقع في عبارات ابن حِبان ، كقوله في"عبد الله بن نافع المدني مولى ابن عمر": " منكر الحديث ، كان ممن يخطئ ولا يعلم ، لا يجوز الاحتجاج بأخباره التي لم يوافق فيه الثقات ، ولا الاعتبار منها بما خالف الأثبات "(5).
فهذا يجعله في مرتبة من يعتبر به في المتابعات والشواهد .
وجدير أن تلاحظ هنا أنَّ من يعتبر به ممن هذا نعته ، فإنما هو الاعتبار بغير المنكر من روايته ؛ لأن المنكر لا يعتبر به .
2 - وسئل أحمد بن حنبل عن ( عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقيِّ ) ، قيل له: يروى عن الإفريقيِّ ؟ قال : " لا ، هو منكر الحديث "(6)، وقال أبو زرعة في ( محمد بن عبد الله بن نمران ) : " منكر الحديث ، لا يكتب حديثه "(7)، وقال أبو حاتم الرازي في ( مسلمة بن علي الخُشَنيِّ ) : " ضعيف الحديث ، لا يشتغل به " ، فقال له ابنه : هو متروك الحديث ؟ قال : " هو في حد الترك ، منكر الحديث "(8).
فهذه الأمثلة دلت على أن ( منكر الحديث ) يكون في منزلة المتروك الذي لا يعتبر به ، على خلاف في بعضها .
3 - وقال يحيى بن معين في ( محمد بن سعيد الشامي المصلوب ) : " منكر الحديث "(9).
فهذا رجل معروف بالكذب ووضع الحديث ،ووصفه يحيى بكونه( منكر الحديث ).
وعلمنا كون هذا الاستعمال هنا أريد به المتروك الكذاب بدلالة المعروف عن النقاد في شأنه .
إذاً استعمالهم لهذه اللفظة يجب أن يراعى فيه درجة الجرح بها ، ولا يصح أن تحمل على الجرح الشديد المسقط لذاتها ، إلا أن يُعدم في الراوي من الأوصاف سِواها .
وهذا الذي ذكرت في بيان معنى هذه العبارة هو الذي يجري عليه الاصطلاح لعامة النقاد ، ومنهم البخاري في التحقيق .
تفسير قول البخاري في الراوي : " منكر الحديث " :
حكى أبو الحسن القطان عن البخاري أنه قال في كتابه " الأوسط " : " كل من قلت فيه : منكر الحديث ؛ فلا تحل الرواية عنه "(10).
هذا النص عن البخاري وجدت من يذكره يعزوه لابن القطان ، ولم أجد له ذكراً فيما في أيدينا من مصنَّفَات البخاري ، ولما فيه من الشِّدَّة ألحق في رأي بعض متأخري المحدثين بأسوأ مراتب التجريح .
والذي وجدته بالتتبُّع أن استعمال البخاري لهذه اللفظة لا يختلف عن استعمال من سبقه أو لحقه من علماء الحديث ، فهو إنما يقول ذلك في حقِّ من غلبت النكارة على حديثه ،أو استحكمت من جميعه ، وربما حكم عليه غيره بمثل حُكمه ، وربَّما وصف بكونه ( متروك الحديث )، وربما اتُّهم بالكذب ، وربما وصف بمجرد الضعف ، وربما قال ذلك البخاري في الراوي المجهول الذي لم يرو إلا الحديث الواحد المنكر .
وهذه أمثلة متفاوتة من الرواة لذلك :
قال البخاري في ( إسحاق بن نجيح الملطي ): " منكر الحديث " ، وهذا رجل معروف بالكذب ووضع الحديث عندهم ، ومثله ممن لا تحل الراوية عنه إلاَّ للبيان.
وقالها في ( ثابت بن زهير أبي زهير) ، وهكذا جاءت عبارات غيره على الموافقة لما قال لفظاً أو معنى , وقال ابن عدي : " كل أحاديثه تُخالفُ الثقات في أسانيدها ومتونها "(11)، ومنهم من قال : " متروك الحديث " .
وقالها في ( جُميع بن ثُوب الرَّحبيِّ ) ، وقال ابن عدي : " عامَّةُ أحاديثه مناكير ، كما ذكره البخاري "(12).
قلت : وهذا من ابن عدي تفسير ظاهر لمراد البخاري بهذه اللفظة ، والتي تؤكد ما ذكرته آنفاً أنَّه مراد أئمة الشأن .
وقالها البخاري في ( إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ) ، ولم يقله غيره ممن سبقه ، بل قال أحمد بن حنبل : " ثقة " ، وقال ابن معين : " صالح " ، لكن وافقه عليه من أقرانه أبو حاتم الرازي ، وفسَّره فقال : " شيخ ليس بقوي ، يكتب حديثه ، ولا يُحتج به ، منكر الحديث "(13)، فكأنه يقول : له أحاديث مناكير ، ولم يغلب ذلك على حديثه إلى درجة أنه صار لا تحلُّ الراوية عنه .
وهذا ابن عدي يقول بعدما حرَّر مروياته : " له غير ما ذكرته من الأحاديث ، ولم أجد له أوحش من هذه الأحاديث ، وهو صالح في باب الرواية ، كما حكي عن يحيى بن معين ، ويكتب حديثه مع ضعفه "(14).
قلت : وكان البخاري قال مرة : " عنده مناكير "(15)، وهذه أظهر في أمره من الإطلاق المتقدِّم ، لكن دلَّ هذا على أن تلك العبارة من البخاري لا تعني دائماً أن يكون الراوي الموصوف بذلك ينزَّل منزلة المتروك الساقط ، والذي هو مقتضى عبارة : " لا تحلُّ الرواية عنه " .
وقالها البخاري في ( عبد الله بن خالد بن سلمة المخزومي ) ، وكذلك قال أبو حاتم الرازي(16)، وفسر أمره ابن عدي ، فقال : " ليس له من الحديث إلا اليسير ، ولعله لا يروي عنه غير محمد بن عقبة "(17).
ومن بابه ( عبد الله بن المؤمل المخزومي ) ، قال أبو داود : " منكر الحديث "(18)، وكان قليل الحديث ، كما بين ذلك ابن حبان فقال : " قليل الحديث ، منكر الرواية ، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد ؛ لأنه لم يتبين عندنا عدالته فيقبل ما انفرد به ، وذاك أنه قليل الحديث ، لم يتهيأ اعتبار حديثه بحديث غيره لقلته ، فيحكم له بالعدالة أو الجرح ، ولا يتهيأ إطلاق العدالة على من ليس نعرفه بها يقيناً فيقبل ما انفرد به ، فعسى نحلُّ الحرام ونحرِّم الحرام برواية من ليس بعدل ، أو نقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل اعتماداً منها على رواية من ليس بعدل عندناً ، كما لا يتهيأ إطلاق الجرح على من ليس يستحقه "(19).
قلت : وفي هذا بقاء على أصل استعمال هذه اللفظة فيمن لم يرو إلا المنكر أو غلب ذلك على حديثه ، فهذا وإن لم يرو إلا اليسير ، لكن جميعُ ذلك منكر ، فصح أن يكون ( منكر الحديث ) ، وهذا جرح له بالنظر إلى مروياته دون حاله .
ويستثنى من دلالة الاصطلاح في استعمال ( منكر الحديث ) صورة تحتاج إلى تيقظ ، وهي :
ما وقع من استعمال بعض المتقدمين هذا الوصف يريد به أن الراوي يتفرد ويُغْرب .
وعلى هذا حمل بعض الأئمة قول يحيى بن سعيد القطان في ( قيس بن أبي حازم) : " منكر الحديث " وذكر له أحاديث مناكير(20).
كما قال يعقوب بن شيبة : " الذين أطْرَوْه يحملون هذه الأحاديث عنه على أنها عندهم غير مناكير ، وقالوا : هي غرائب "(21).
ولذا قال ابن حجر : " ومراد القطان بالمنكر : الفرد المطلق "(22).
وهو استعمال أحمد بن حنبل أيضاً في طائفةٍ من الثقات ، لم يكن مرادُهُ يعدو التفرد ،مثل : محمد بن إبراهيم التيمي ، وزيد بن أبي أنيسة ، وعمرو بن الحارث ، والحسين بن واقد ، وخالد بن مخلد .
ومما يُؤيِّد هذا قول أحمد بن حنبل في ( الحسين بن الحسن الأشقر ) : " منكر الحديث ، وكان صدوقاً "(23).
فوصفه بالصدق مع كونه عنده منكر الحديث .
الحسن بن السكن , روى عن الأعمش.(*) قال عبد الله بن أحمد : قال أبي : الحسن بن السكن , روى عن الأعمش , منكر الحديث. ((العلل)) (3115).(24)
والحديث الذي أنكره هو في مسند أبي يعلى الموصلي(6009 ) حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا الحسن بن السكن البصري ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ ، وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ : التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى " .
قال ابن عدي :والذي قال أحمد بن حنبل إنه روى عن الأعمش وهو منكر الحديث عنه أراد به هذا الحديث الذي أمليته ،وللحسن بن السكن من الحديث شيء قليل ،وأنكر ما رأيت له هذا الحديث(25)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 55 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 133 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 23 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 302 ) .
(5) - المجروحين ( 2 / 20 ) .
(6) - العلل ومعرفة الرجال ، رواية المرُّوذي ( النص : 204 ) .
قلت : لعل الإمام أحمد رحمه الله يقصد حديثاً معيناً ، وإلا فقد روى عنه في المسند (18000 و21090 و21120)
وفي سير أعلام النبلاء (6/412) 169 - الإِفْرِيْقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ (د، ت، ق) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو أَيُّوْبَ الشَّعْبَانِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ، قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَعَالِمُهَا، وَمُحَدِّثُهَا، عَلَى سُوءٍ فِي حِفْظِه.
(7) - سؤالات البرذعي ( 2 / 336 ) .
(8) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 268 ) .
(9) - تاريخه ( النص : 5110 ) ، واعلم أن يحيى بنَ معينٍ على كثرةِ كلامه في النقلة فإنه من أقلِّهم استعمالاً لعبارة ( مُنكر الحديث ) .
(10) - بيان الوهم والإيهام ، لابن القطان ( 2 / 264 ، و 3 / 377 ) .
(11) - الكامل ( 2 / 298 ) .
(12) - الكامل ( 2 / 417 ) .
(13) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 83 - 84 ) .
(14) - الكامل ( 1 / 383 ) .
(15) - التاريخ الأوسط ( 2 / 135 ) .
(16) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 45 ) .
(17) - الكامل ( 5 / 367 ) .
(18) - تهذيب الكمال ، للمزي ( 16 / 190 ) .
(19) - المجروحين ( 2 / 28 ) .
(20) - تاريخ دمشق ، لابن عساكر ( 49 / 464 ) .
(21) - تاريخ دمشق ( 49 / 462 ) .
(22) - تهذيب التهذيب ( 3 / 445 ) .
(23) - مسائل ابن هانئ النيْسابوري ( 2 / 243 ) .
(24) - موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل - (ج 2 / ص 101)
(25) - الكامل لابن عدي - (ج 2 / ص 327)(1/361)
32 - قولهم : ( روى أحاديث معضلةً ) أو : ( يروي المعضَلاتِ ) .
جاء استعمالُ (المعضلِ) في كلام السلف بمعنى : الحديث المنكر ،أو شديد النكارة ، أو الموضوع ، وقع ذلك في مواضع عدة في كلام الجوز جاني ، وابن عدي ، وابن حبان ، كما وقع بِنْدرة في كلام آخرين ، كالبخاري(1)، وأبي حاتم الرازي(2)، والعقيلي(3).
ومن عبارتهم فيه :
قال الجوزجاني في ( ضبارة بن عبد الله بن مالك الحضرمي ) : " روى عن ذُويد عن الزهري حديثاً معضلاً عن أبي قتادة " ، يعني منكراً ، وهذا رجل مجهول .
وقال ابن عدي في ( الحسن بن زيد بن الحسن الهاشمي ) : " يروي عن أبيه ، وعكرمة أحاديث معضلة "(4)، أراد منكرة .
وبمعناه قوله في ( حصين بن عمر الأحمسيِّ ) : " عامة أحاديثه معاضيل ينفرد عن كل من يروي عنه "(5).
وقال ابن حبان في ( عمر بن محمد بن صهبان الأسلمي ) : " كان ممن يروي عن الثقات المعضلات التي إذا سمعها مَنِ الحديثُ صناعتُه لم يشك أنها معمولة ، يجب التنكُّب عن روايته في الكتب "(6).
ولابن حبان في هذا الاستعمال نظائر أخرى معروفة .
ومنه قوله في ( سلام بن أبي خُبْزة العطار ) : " كثير الخطأ ، معضل الأخبار ، يروي عن الثقات المقلوبات ، لا يجوز الاحتجاج به "(7).
قلت : وابن حبان - رحمه الله - قد أسرف في استعمال هذا الكلام حتى قاله بمن لا يستحقُّ ذلك ، ففي ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 274)-1023 - [ صح ] أفلح بن سعيد [ م، س ] المدني القبائى. صدوق.
روى عن عبدالله بن رافع مولى أم سلمة، ومحمد بن كعب،وعنه ابن المبارك والعقدى وعدة.
وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وقال ابن حبان: يروى عن الثقات الموضوعات، لا يحلُّ الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال.
قلت: ابن حبان ربما قصب(8)الثقة حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه، ثم إنه بين مستنده فساق حديث عيسى بن يونس، حدثنا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِى سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِى لَعْنَتِهِ فِى أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ »(9). ، ثم قال: وهذا بهذا اللفظ باطل.
وقد رواه سهيل ابن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة - مرفوعا: اثنان من أمتى لم أرهما: رجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات.
قلت: بل حديث أفلح صحيح غريب، وهذا شاهد لمعناه.
وقد قال النسائي: ليس به بأس.اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - كقوله في ترجمة ( عُمر بن غِياث ) : " مُعضل الحديث " ( التاريخ الأوسط 2 / 186 ) هامشاً ، ونقله ابنُ عدي في " الكامل " ( 6 / 117 ) .
(2) - في ترجمة ( عِمران بن وَهب ) في " الجرح والتعديل " ( 3 / 1 / 306 ) ، و ( عُفير بن مَعدان ) في " علل الحديث " ( 2 / 173 ) .
(3) - كقوله في ترجمة ( عُمر بن يزيد الشيباني ) : " مَجهولٌ بالنقل ، جاءَ عن شُعبة بحديث مُعضلٍ " ( الضعفاء 3 / 195 ) .
(4) - الكامل ( 3 / 172 ) . ونحوه في ترجمة ( الحسَن بن علي النخعي ) وكانَ ابنُ عدي قد كذَّبه ( الكامل 3 / 213 ) .
(5) - الكامل ( 3 / 301 ) .
(6) - المجروحين ( 2 / 81 - 82 ) .
(7) - المجروحين ( 1 / 340 ) .
(8) - قصبه: عابه وشتمه
(9) - قلت : هو في صحيح مسلم (7375) بلفظه وسنده ، والمستدرك للحاكم (8344) وصححه على شرطهما وهم كما قالا(1/362)
33 - قولهم : ( أستخير الله فيه ) .
عرفت هذه العبارة عن ابن حبَّان ، ولا تكاد تراها لغيره ، ووجدتها من كلام عبد الرحمن بن مهدي ، لكنِّي لم أجدها عنه بإسناد يصحُّ ، ولو صحَّ عنه فهو نادر قليل .
وظاهرها : تردُّدُ الناقد في الراوي : يُلْحق بالثقات أو الضعفاء ، والترجيح بحسب ما يتبين من كلام سائر النقاد والنظر في حديث الراوي .
مثال مما قاله ابن حبان ونوقش فيه ، قال في ترجمة بهز بن حكيم : كان يخطئ كثيراً كثيراً، فأما أحمد وإسحاق فيحتجان به، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث " إنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا " لأدخلناه في الثقات وهو ممن أستخير الله فيه.(1)
فرد عليه الذهبي بقوله(2): " قلت على أبي حاتم البستي في قوله هذا مأخوذات:
إحداها قوله: كان يخطئ كثيراً وإنما يعرف خطأ الرجل بمخالفة رفاقه له، وهذا فانفرد بالنسخة المذكورة وما شاركه فيها، ولا له في عامتها رفيق، فمن أين لك أنه أخطأ.
الثاني قولك: تركه جماعة، فما علمت أحداً تركه أبداً، بل قد يتركون الاحتجاج بخبره، فهلا أفصحت بالحق.
الثالث ولولا حديث: إنا آخذوها، فهو حديث أنفرد به بهز أصلاً ورأساً، وقال به بعض المجتهدين، ويقع بهز غالباً في جزء الأنصاري، وموته مقارب لموت هشام بن عروة، وحديثه قريب من الصحة."قلت: وقال ابن الملقن في البدر المنير في ترجمته(3):
" قال الحاكم - عقب حديث- : لَا أعلم خلافًا بَين أَكثر أَئِمَّة أهل النَّقْل فِي عَدَالَة بهز بن حَكِيم وَأَنه يجمع حَدِيثه . قَالَ : وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح .
قلت : وَإِن كَانَ (قَالَ) فِي حَقه : خَارِجَة مُخْتَلفُونَ فِيهِ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «الضُّعَفَاء» : بهز كَانَ يُخطئ كثيرا . (فَأَما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَإِنَّهُمَا يحتجان بِهِ ويرويان عَنهُ) ، وَتَركه جمَاعَة من أَصْحَابنَا وأئمتنا ، وَلَوْلَا هَذَا الحَدِيث لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات ، وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ .
وَاعْترض الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي هَذِه الْعبارَة ، فَقَالَ فِي «الْمِيزَان» : مَا تَركه عَالم قطّ ، وَإِنَّمَا (اخْتلفُوا) فِي الِاحْتِجَاج بِهِ .
قلت : سَيَأْتِي (أَي) عَن بَعضهم عدم الِاحْتِجَاج بِهِ (كَمَا) قَالَ ابْن عدي : أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ فِي رواياته ، وَلم أر أحدا تخلف عَنهُ فِي الرِّوَايَة من الثِّقَات ، وَلم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا ، وَأَرْجُو أَنه إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بحَديثه ، وَرَوَى عَنهُ ثِقَات النَّاس وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة .
وعدهم ، وَقَالَ صَالح جزرة : بهز عَن أَبِيه عَن جده إِسْنَاد أَعْرَابِي . وَقَالَ أَحْمد بن بشير : أَتَيْته فَوَجَدته يلْعَب بالشطرنج . وَنقل الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» عَن الْحَاكِم أَنه (قَالَ) : هُوَ ثِقَة ، إِنَّمَا أسقط من الصَّحِيح ؛ لِأَن رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده شَاذَّة لَا متابع لَهُ عَلَيْهَا . قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : هُوَ شيخ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ أَبُو زرْعَة : صَالح وَلكنه لَيْسَ بالمشهور . وَقَالَ الشَّافِعِي : لَيْسَ بِحجَّة . وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : هَذَا خبر لَا يَصح ؛ لِأَن بهز بن حَكِيم غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ ووالده كَذَلِك . وَقَالَ فِي مَوضِع آخر (مِنْهُ) : بهز لَيْسَ بِالْقَوِيّ ، وَحَكِيم ضَعِيف .
وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى أبي حَاتِم فِي قَوْله : «لَا يحْتَج بِهِ» ، فَقَالَ : يَنْبَغِي أَن لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا بِحجَّة ، وبهز ثِقَة عِنْد من علمه . وَقد وَثَّقَهُ غير من ذكر ؛ كَابْن الْجَارُود وَالنَّسَائِيّ ، وَصحح التِّرْمِذِيّ رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده وَقَالَ (أَبُو) جَعْفَر السبتي : إِسْنَاد بهز عَن أَبِيه عَن جده صَحِيح . قَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن : سَأَلت ابْن معِين : هَل رَوَى شُعْبَة عَن بهز ؟ قَالَ : نعم رَوَى عَنهُ حَدِيث «(أَتَرْعَوْنَ) عَن ذكر الْفَاجِر» وَقد كَانَ شُعْبَة متوقفًا عَنهُ ، فَلَمَّا رَوَى هَذَا الحَدِيث كتبه وأبرأه مِمَّا اتهمه بِهِ . قلت : فكم لَهُ عَن أَبِيه عَن جده ؟ قَالَ : أَحَادِيث . قلت لأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل : مَا تَقول فِي بهز ؟ قَالَ : سَأَلت غندرًا عَنهُ فَقَالَ : ثِقَة كَانَ شُعْبَة مَسّه ، ثمَّ تبين مَعْنَاهُ فَكتب عَنهُ . وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة : كَانَ من خِيَار النَّاس . قَالَ ابْن الْقطَّان : وَلَيْسَ بضار لَهُ حِكَايَة الشطرنج الْمُتَقَدّمَة فَإِن استباحته مَسْأَلَة فقهية (مشتبهة) .
قلت : وَمن أغرب الْعبارَات (فِيهِ) قَول ابْن الطلاع فِي أَوَائِل «أَحْكَامه» : بهز بن حَكِيم مَجْهُول عِنْد بعض أهل الْعلم ، وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْوضُوء فَدلَّ عَلَى أَنه مَعْرُوف . وَلَا أعلم أحدا أطلق هَذِه الْعبارَة عَلَيْهِ ، وَأما طعن (ابْن) حزم فِي وَالِده فَفِيهِ وَقْفَة ، فقد قَالَ النَّسَائِيّ : لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَقَالَ الْعجلِيّ : ثِقَة . وعلق عَنهُ البُخَارِيّ وَعَن وَالِده فِي الصَّحِيح ، وَرَوَى لَهما فِي الْأَدَب خَارجه .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَالَ الشَّافِعِي : وَلَا يثبت أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن تُؤْخَذ الصَّدَقَة وَشطر إبل (الغال) لصدقته ، وَلَو ثَبت قُلْنَا بِهِ .
وَهَذَا تَصْرِيح من الإِمَام الشَّافِعِي بِأَن أهل الحَدِيث ضعفوا هَذَا الحَدِيث . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : هَذَا حَدِيث قد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، فَأَما البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِنَّهُمَا لم [ يخرجَاهُ جَريا عَلَى عَادَتهمَا فِي أَن الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد لم ] يخرّجا حَدِيثه فِي الصَّحِيح ، وَمُعَاوِيَة بن حيدة [ الْقشيرِي ] لم يثبت عِنْدهمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ ، غير ابْنه ، فَلم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح .
وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك الْمُنْذِرِيّ ، فَقَالَ فِي «حَوَاشِي السّنَن» : بهز ثِقَة ، وجده مُعَاوِيَة بن حيدة (الْقشيرِي) صحبته مَشْهُورَة ، وَمُعَاوِيَة بن حيدة لم تثبت عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم رِوَايَة ثِقَة عَنهُ ، غير ابْنه .
وَهَذَا الْكَلَام معترض عَلَيْهِ من وَجْهَيْن ؛ أَحدهمَا : أَن دَعْوَى عَادَتهمَا فِي أَن الصحأبي أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو واحدٍ لم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح لم يثبت ، وَقد أبطل ذَلِك الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي يبين فِيهِ أَوْهَام «الْمدْخل» للْحَاكِم ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذِه الْمقَالة [ مَعَ ] الْحَاكِم ، وَذكر ابْن الصّلاح فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» جمَاعَة خرج لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد ، لَكِن (نقضته)عَلَيْهِ فِي اختصاري لَهُ ، فراجع ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات .
وَمِمَّنْ أبطل مقَالَة الْحَاكِم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» فَإِنَّهُ قَالَ : هَذِه مجازفة مِنْهُ وَظن ، وَهُوَ ظن غلط . ثمَّ ذكر الْأَمْثِلَة الَّتِي نقلناها عَن ابْن الصّلاح و الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ .
الْوَجْه الثَّانِي : أَن قَوْله لم تثبت (عِنْدهمَا) رِوَايَة (ثِقَة) عَنهُ ، غير ابْنه ، لَيْسَ عَلَى جِهَة النَّقْل عَنْهُمَا بذلك ، وَكَأَنَّهُ من بَاب الظَّن .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَلَا يتعيَّن أَن يكون تَركهمَا لتخريجه هَذِه الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا ، فَيجوز أَن يكون ذَلِك لِأَنَّهُمَا لم يريَا بَهْزًا من شَرطهمَا ."
وقال الذهبي في ترجمة : فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم (4، م، تَبعاً)
المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الأَغَرُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ الجُهَنِيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَشَقِيْقِ بنِ عُقْبَةَ، وَعِدَّةٍ.وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى: أَنَّهُ ضَعَّفَهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: عِيْبَ عَلَى مُسْلِمٍ إِخرَاجُهُ فِي (صَحِيْحِهِ).
قُلْتُ: مَا ذَكرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ البُخَارِيُّ، وَلاَ العُقَيْلِيُّ، وَلاَ الدُّوْلاَبِيُّ، وَحَدِيْثُه فِي عِدَادِ الحَسَنِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَهُوَ شِيْعِيٌّ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ جِدّاً.
قُلْتُ: إِنَّمَا يَرْوِي لَهُ مُسْلِمٌ فِي المُتَابعَاتِ، وَقِيْلَ: كَانَ يَأْتِي عَنْ عَطِيَّةَ بِبَلاَيَا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضاً: هُوَ مِمَّنْ أَسْتخِيْرُ اللهَ فِيْهِ. اهـ(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - المجروحين - (ج 1 / ص 194)
(2) - تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 3 / ص 52)
(3) - البدر المنير - (ج 5 / ص 482) فما بعدها
(4) - سير أعلام النبلاء (7/342)-124 -(1/363)
34 - قولهم : ( ليس بشيء ) .
تكثر في كلام يحيى بن معين ، ويقولها غيره .
قال الحاكم : " قول يحيى بن معين : ( ليس بشيء ) ، هذا يقوله ابن معين إذا ذكر له الشيخ من الرواة يقل حديثه ، ربما قال فيه : ليس بشيء ، يعني لم يسند من الحديث ما يشتغل به "(1).
قلت : ومن مثاله قول يحيى بن معين في ( حنظلة بن عبد الرحمن التيمي ) : " ليس بشيء " ، وقال مرَّة : " لم يكن به بأس إن شاء الله "(2)، وفي رواية : " ضعيف ، يكتب حديثه "(3)، فترددت فيه عبارته في معنى متقارب ، والسبب فيه ما قال ابن عدي : " لم أر له من الحديث إلا القليل ، إلا أن الثوري قد حدث عنه بشيء يسير ، ولم يتبين لي ضعفه ؛ لقلة حديثه "(4).
قلت : أراد الضعف المسقط .
ولم يبد لي صحة ما قاله الحاكم في أكثر من أطلق عليهم ابن معين هذه العبارة ، وهو قد أطلقها على عدد كثير من الراوة ، وجدت أكثرهم من المعروفين بالرواية ، لكنهم من الضعفاء والمتروكين والمتهمين ، ومثاله منتشر جداً في الروايات عن ابن معين .
نعم ، يوجد في بعضهم من يمكن وصفه بقلة الرواية على ضعفه ، لكن لا يصح أن يحمل عليه مراد يحيى ؛ لأنه الأقل مقارنة بالصنف الآخر .
والصواب أن عبارة يحيى هذه : عبارة جرح مجملة في تحديد قدر الجرح وسببه ، ولا تخرج عن نفس مراد غيره من النقاد على ما يأتي ذكره عن المنذري .
ومما يدل على ذلك :
ما حكاه الآجري ، قال : قلت لأبي داود : العوَّام بن حمزة حدث عنه يحيى القطان ، قال عباس عن يحيى بن معين : إنه ليس بشيء ، قال : " ما نعرف له حديثاً منكراً "(5). وفي التقريب صدوق ربما أخطأ"(6)
وحين نقل عثمان الدارمي عن ابن معين قوله في ( سليمان بن داود الخولاني ) : " ليس بشيء " ، قال عثمان : " أرجو أنه ليس كما قال يحيى ، وقد روى يحيى بن حمزة أحاديث حساناً كلها مستقيمة "(7). وفي التقريب صدوق(8)
وقال المنذري : " أما قولهم : ( فلان ليس بشيء ) ، ويقولون مرَّة : ( حديثه ليس بشيء ) ، فهذا ينظر فيه : فإن كان الذي قيل فيه هذا قد وثَّقه غير هذا القائل ، واحتج به ، فيحتمل أن يكون قوله محمولاً على أنه ليس حديثه بشيء يحتج به ، بل يكون حديثه عنده يكتب للاعتبار وللاستشهاد وغير ذلك . وإن كان الذي قيل فيه ذلك مشهوراً بالضعف ، ولم يوجد من الأئمة من يحسِّن أمره ، فيكون محمولاً على أن حديثه ليس بشيء يحتجُّ به ، ولا يعتبر به ولا يستشهد به ، ويلتحق هذا بالمتروك "(9).
قلت : فهذا يؤكد أن هذه العبارة من قبيل الجرح المجمل .
نعم ، ربما دلت على شدة ضعف الموصوف بها أيضاً عند الناقد اقترانها بما يدلُّ على ذلك ، مثل قول علي بن المديني في ( أبي بكر الدَّاهريِّ ) : " ليس بشيء ، لا يكتب حديثه "(10)، فعبارة ( لا يكتب حديثه ) لا تقال إلا في شديد الضعف ، ومن يعود ضعفه في الأصل إلى روايته .
وقال يحيى بن معين في ( عمر بن موسى الوجيهيِّ ) : " ليس بشيء " ، وفي موضع آخر : " كذَّابٌ ، ليس بشيء "(11)، وقال فيه داود السجستاني : " ليس بشيء ، يروي عن قتادة وسماك مناكير "(12)، قلت : وهو معروف بكذبه ونكارة حديثه .
وقال يحيى بن معين في ( معلى بن زياد القُردوسيِّ ) : " ليس بشيء ، ولا يكتب حديثه " ، فتعقبه ابن عدي بقوله : " لا أرى بروايته بأساً ، ولا أدري من أين قال ابن معين : لا يكتب حديثه ، وهو عند ي لا بأس به "(13). وفي التقريب صدوق ،(14)وفي الكاشف وثقوه(15).
فتأمَّل استدراك ابن عدي ، فلم يتعقب يحيى في قوله : ( ليس بشيء ) ، إنما في قوله : ( لا يكتب حديثه ) ، فدلَّ على أن ( ليس بشيء ) وحدها عندهم لم تكن تدلُّ على تفسير قدر الجرح لذاتها ، ويمكن حملها على أدنى الجرح عندما يتبين من حال الراوي أنه لا يتجاوز ذلك .
ويلتحق بها قولهم : ( لا يساوي شيئاً ) ، وإن كانت قليلة الاستعمال ، فقد تتبعها فوجدتها كذلك ، وفي الغالب تدل على الجرح الشديد.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - نقله ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ( 3 / 461 ) .
(2) - تاريخ يحيى بن مَعين ( النص : 2844 ، 3430 ) .
(3) - الكامل ، لابن عدي ( 3 / 343 ) .
(4) - الكامل ( 3 / 343 ) .
(5) - سؤالات الآجري ( النص : 355 ) ، وعِبارة ابنِ معين في رواية عباس الدوري ( النص : 4244 ) : " ليسَ حديثه بشيء " .
(6) -- تقريب التهذيب (5210 )
(7) - تاريخ الدارمي ( النص : 386 ) .
(8) - تقريب التهذيب(2555)
(9) - جوابُ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل ( ص : 86 ) .
(10) - سؤالات ابن أبي شيبة ( النص : 205 ) ، واسمُ الداهري عبْد الله بن حكيم .
(11) - سؤالات ابن الجنيد ( النص : 272 ، 535 ) .
(12) - سؤالات الآجري ( النص : 152 ) .
(13) - الكامل ( 8 / 98 ) وفيه ( 8 / 97 ) نقل قوْل ابنِ معين من رواية ابن أبي مَريم عنهُ بإسناد صحيح . وهذا الرجل يَبدو أن الرواية فيه عن ابن مَعين قد تناقضت ، فقد روى عنه إسحاق بنُ منصور قوله فيه : " ثقة " ( الجرح والتعديل 4 / 1 / 331 ) ، وهوَ الصواب فيه ، وقد وثَّقه كذلك أبو حاتم الرازي وغيره . ورُبما قالَ يحيى تلك العبارة في رواية ابن أبي مريم في ( مُعلَّى ) آخر ، والله أعلم .
(14) - تقريب التهذيب(6804)
(15) - الكاشف(5562)(1/364)
35 - قولهم : ( لا شيء ) .
عبارة كثيرة الاستعمال ، وهي من ألفاظ التجريح المجملة .
ومن أكثر النقاد استعمالاً لها : يحيى بن معين ، كما وقعت في كلام غيره بقلَّة ، كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل والبخاري وأبي زرعة الرازي وغيرهم .
ولم أجدها خارجة عن دلالة قولهم :( ليس بشيء )، فأكثر من قيلت فيهم الضعفاء ، ومراتبهم في الضعف تتفاوت بين خفته كاللِّين ، وشدَّته كالتُّهمة بالكذب .
وفسرها ابن أبي حاتم الرازي في استعمال ابن معين ، فنقل عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين في ( خالد بن أيوب البصري ) قال : " لا شيء " ، قال : " يعني ليس بثقة "(1).
وقيلت في الراوي المقلِّ الذي لم يتبين حفظه وإتقانه لقلِّة حديثه ، كما قالها مثلاً يحيى بن معين في ( هبيرة بن حدير العدوي )(2)، وقالها الدار قطني في ( الهجنَّع بن قيس )(3).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 321 ) .
(2) - الجرح والتعديل ، لابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 110 ) .
(3) - سؤالات البرقاني ( النص : 527 ) .(1/365)
36 - قولهم : ( لا يعتبر به ) .
صريحة في ترك حديث الموصوف بها ، لكن لا تكاد تجدها لسابق غير الدار قطني .
فمن ذلك قوله : " لا يعتبر به " في ( مسلم بن يسار أبي عثمان الطُّنبذيِّ )(1)، و ( يزيد بن صليح الحمصي )(2).
وينبغي أن يكون من بابها : " لا يعتبر بحديثه " من جهة واقع الاستعمال ، لكنها نادرة في كلامهم ، وجدتها من قول الجوزجاني في ( عبد الغفار بن الحسن أبي الرَّمليِّ ) ، قال : " لا يعتبر بحديثه "(3).
قلت : لكن أبا حازم هذا صدوق في التحقيق ، قال أبو حاتم الرازي : " كوفي ، وقع إلى الشام ، لا بأس به "(4)، وذكره ابن حبان في " الثقات "(5)، ولا عبرة بقول الأزدي : " كذاب "(6)، فالأزدي ليس ممن يعتمد عليه في هذا الشأن ؛ لكونه مجروحاً في نفسه .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سؤالات البرقاني ( النص : 492 ) .
(2) - سؤالات البرقاني ( النص : 549 ) .
(3) - الكامل ، لابن عدي ( 7 / 20 ) ، وتصحَّفت ( يُعتبر ) في " الميزان " ( 2 / 639 ) وغيره إلى ( يغتر ) ، فتأمل !
(4) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 54 ) .
(5) - الثقات ، لابن حبان ( 8 / 421 ) .
(6) - ميزان الاعتدال (2 / 639 ) وانظر لسان الميزان [ج 4 -ص40 ] ( 119 )(1/366)
37 - قولهم : ( ليس بثقة ) .
هي عبارة جرح ، قلَّ أن تجدها مقولة في راو إلا وهو شديد الضعف : متروك الحديث ، أو متهم بالكذب ، أو كذَّاب معروف ، خصوصاً في كلام يحيى بن معين والنسائي وقد أكثر منها .
لكن ليس ذلك بإطلاق ، فقد وقعت منهم في جماعات من الرواة الضعفاء ، أو ممن في حفظهم بعض اللِّين ، وإنما تبيَّن ذلك بدراسة أحوال أولئك الرواة ممن قيلت فيهم هذه الكلمة .
مثل ما قاله مسلم في مقدمة صحيحه وحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَالِحٍ ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ ، فَقَالَ : " لَيْسَ بِثِقَةٍ " ، وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ ، فَقَالَ : " لَيْسُوا بِثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ " "(1).
قلت : وليس في هؤلاء من يبلغ الترك سوى حرام بن عثمان ، بل هم بين صدوق ، أو صالح يعبتر به .
وتعقب ابن القطان الفاسي قول مالك ذلك في ( شعبة مولى ابن عباس ) فقال : " إن مالكاً لم يضعفه ، وإنما شحَّ عليه بلفظة : ثقة ، وقد كانوا لا يطلقونها إلا على العدل الضابط .. وربما قالوا : ( ليس بثقة ) للضعيف أو المتروك ، فإذاً هو لفظ يتفسَّر مراد مطلقه بحسب حال من قيل فيه ذلك "(2).
وقال الخطيب وفي الكفاية : " قَالَ شُعْبَةُ : " لَقِيتُ نَاجِيَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ فَرَأَيْتُهُ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَرَكْتُهُ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ ثُمَّ كَتَبْتُ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ " قَالَ الْخَطِيبُ : أَلَا تَرَى أَنَّ شُعْبَةَ فِي الِابْتِدَاءِ جَعَلَ لُعْبَةَ الشِّطْرَنْجِ مِمَّا يَجْرَحُهُ فَتَرَكَهُ , ثُمَّ اسْتَبَانَ لَهُ صِدْقُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَسَلَامَتُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَكَتَبَ حَدِيثَهُ نَازِلًا , فَكَذَلِكَ قَوْلُ الْجَارِحِ : إِنَّ فُلَانًا لَيْسَ بِثِقَةٍ , يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَ سَبَبَهُ "(3)
قلت : ويصدق هذا أن يحيى بن معين سئل عن" يونس بن خباب " ؟ فقال : " ليس بثقة ، كان يشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس بثقة "(4).
قلت : فأعاد ابن معين هذه اللفظة حين فسرها هنا إلى معنى غير الحديث .
فحيث قام الاحتمال في دلالتها على الضعف المسقط أو غير المسقط ، بل الجرح المعتبر أو غير المعتبر ، فإنه لا يصح عدها من قبيل الجرح الشديد بمجرد إطلاقها .
وعليه : فهي لا حقة بألفاظ الجرح المجملة ، لا يعتد بها مجردة حتى تفسَّر .
نعم ، رد ابن حجر تأويل ابن القطان المتقدم بقوله : " هذا التأويل غير شائع ، بل لفظة ( ليس بثقة ) في الاصطلاح يوجب الضعف الشديد "(5).
قلت : وابن حجر مسبوق إلى اعتبار هذا المعنى ، فحين قال الجوزجاني في" سعيد بن كثير بن عفير ": " فيه غير لون من البدع ، وكان مخلطاً غير ثقة "(6)، تعقبه ابن عدي بقوله : " هذا الذي قال : فيه غير لون من البدع ، فلم ينسب ابن عفير المصري إلى بدع ، والذي ذكر أنه غير ثقة ، فلم ينسبه أحد إلى الكذب "(7).
قلت : فدلَّ هذا على أن ابن عدي من قبل كان يحملها عنهم على الضعف الشديد الذي يبلغ بالراوي حدَّ الكذب ، وذلك فيما يبدو من خلال ما وجده عنهم في أكثر استعمالهم كما ذكرت أولاً .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أخرجه مسلم في " مقدمة صحيحه " ( ص : 26 ) وإسناده صحيح ، ومحمد بن عبد الرحمن هو ابن لبيبة ، وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية ، وشعبة هو ابن دينار مولى ابن عباس .
(2) - بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام ( 5 / 325 ) .
(3) - الكفاية ص : 183 (277)
(4) - سؤالات ابن الجنيد ( النص : 559 ) .
(5) - تهذيب التهذيب ( 2 / 170 - 171 ) .
(6) - أحوال الرجال ( النص : 277 ) .
(7) - الكامل ( 4 / 471 ) .(1/367)
38 -قولهم : ( متروك الحديث ) .
جرح بليغ ، مفسِّر في لفظه ، ظاهر في أنه من جهة حديث الراوي وما أتى به من المنكرات التي غلبت عليه ، فاستحق بذلك هذا الوصف .
وتقدم في ( تفسير الجرح ) وفي ( المبحث الأول ) من هذا الفصل ما بينه ابن أبي حاتم عن أهل الحديث أن من يقولون فيه ذلك ، فهو ساقط الحديث ، لا يعتبر به .
وفي معناها قولهم :( ذاهب الحديث )، و( ساقط الحديث )، و( واهي الحديث ) .
فإذا لم تضف للفظ ( الحديث ) ، كقولهم : ( متروك ) و ( ذاهبٌ ) و( ساقط ) و(واه ) ، فأغلب ما استعملت له هو ذات المعنى بالإضافة ، لكن قد يراد به غير ذلك ، فتفطن ، وابحث عن وجهه في كلمات سائر النقاد ، فلن تعدم وجهه إن شاء الله .
ـــــــــــــــ(1/368)
39 -قولهم : ( تركه فلان ) .
هذه صيغة جرح ، ولا تلازم بينها وبين صيغة ( متروك ) أو ( متروك الحديث ) ؛ فقد يراد بها ذلك ، وقد يراد بها أن الناقد ترك ذلك الراوي لمجرد ضعفه عنده .
ومن أبرز النُّقُّاد الذين يجدر بك أن تلاحظ طريقتهم في ذلك : الإمامان يحيى بن سعيد القطان ، وصاحبه عبد الرحمن بن مهدي ، وأكثر من نقل عنهما الحافظان : عمرو بن على الفلاس ، ومحمد بن المثنى الزمن .
فقد كان علماء هذا الفن والمصنِّفُون فيه يزنون النقلة من خلال ما بلغهم من اختيار هذين الإمامين ، في موضع اتفاقهما وافتراقهما .
وطريقة يحيى معروفة عندهم بالتشدد ، وطريقة ابن مهدي بالاعتدال ، فإن اتفقا على ترك الراوي ، فلا يكاد جرحه يندمل ، وإذا اتفقا على الرواية عنه فقد جاز القنطرة ، وإذا افترقا ، فقبله ابن مهدي وتركه يحيى فعندئذ يغلب الاعتدال ، فيكون رأي ابن مهدي أرجح عند النقاد ، أو قبله يحيى وتركه ابن مهدي رجح القبول بطريقة الأولى ، لكن حال اختلافهما لا يعني أن يكون القبول فيه بمعنى الاحتجاج ، كما لا يكون الترك بمعنى السقوط ، بل ربما كان الراوي في موضع من يكتب حديثه للاعتبار .
فمن أمثلة من اتفقا على الرواية عنهم : واصل بن عبد الرحمن أبو حرة البصري(1)، وعبد الله بن عثمان بن خثيم(2)، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي(3)، وما من هؤلاء إلا مقبول الحديث ، فثلاثتهم من أهل الصدق .
ومن أمثلة من اتفقا على ترك الرواية عنهم ، وهي كثيرة : أشعث بن سوار(4)، ورباح بن أبي معروف(5)، ومحمد بن راشد المكحولي(6)، والمثنى بن الصباح(7)، ومسلم بن كيسان الأعور(8)، وهؤلاء لم يبلغ حديثهم الترك عند سائر الأئمة ، بل هم موصوفون بالصدق في الجملة ، لكن لا يحتجُّ بهم ، إنما يكتب حديثهم للاعتبار ، وبعضهم أضعف من بعض والأخيران أضعفهم .
والصلت بن دينار(9)، وعمرو بن عبيد المعتزلي(10)، ومحمد بن عبيد الله العرزمي(11)، وإبراهيم بن يزيد الخوزي(12)، والحسن بن دينار(13)، ونصر بن طريف أبو جزي(14)، وأبان بن أبي عياش(15)، هؤلاء متروكون ، بل بعضهم معروف بوضع الحديث .
ومن أمثلة من افترقا فيهم فروى عنهم يحيى وتركهم ابن مهدي : قابوس بن أبي ظبيان(16)، وأبو صالح باذام مولى أم هانئ(17).
وممن روى عنهم ابن مهدي وتركهم يحيى : الحسن بن أبي جعفر(18)، وحبيب المعلم(19)، وحرب بن شداد(20)، والرَّبيع بن صبيح البصري(21)، وعمران بن داور القطان(22).
والراجح في جميع هؤلاء من روى عنهم يحيى أو ابن مهديِّ الصدق في حديثهم ، وقبول رواياتهم ، منهم احتجاجاً ومنهم اعتباراً ، وليس يلحق واحد منهم بالمتروكين .
قال الترمذي: قَالَ يَحْيَى سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ فِيهِ نَحْوَ مَا قُلْتُ قَالَ عَلِيٌّ قَالَ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو أَعْلَى مِنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ عِنْدِي فَوْقَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ لِيَحْيَى مَا رَأَيْتَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُلَقِّنَهُ لَفَعَلْتُ قُلْتُ كَانَ يُلَقَّنُ قَالَ نَعَمْ قَالَ عَلِيٌّ وَلَمْ يَرْوِ يَحْيَى عَنْ شَرِيكٍ وَلَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَلَا عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ وَلَا عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى وَإِنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ قَدْ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْ هَؤُلَاءِ فَلَمْ يَتْرُكْ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ أَنَّهُ اتَّهَمَهُمْ بِالْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ لِحَالِ حِفْظِهِمْ ذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الرَّجُلَ يُحَدِّثُ عَنْ حِفْظِهِ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا لَا يَثْبُتُ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ تَرَكَهُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَكَذَا تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ وَأَشْبَاهِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيهِمْ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِمْ فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُمْ الْأَئِمَّةُ "(23).
ونقل الليث بن عبدة عن يحيى بن معين قال : " كان ابن مهدي إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد ، وقال : أيش هذه الأحاديث ؟ وكان ابن مهدي لا يبالي عمن روى ، ويحيى ثقة في حديثه "(24).
قلت : لا يقبل من يحيى هذا الإطلاق في حق ابن مهدي .
وقد ذكرت في ( صفة الناقد ) ما روي عن ابن المديني قال : " إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه ، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن ؛ لأنه أقصدهما ، وكان في يحيى تشدد "(25).
وإذ قال ابن معين هذه العبارة المشعرة بتساهل ابن مهدي وأشار إلى تقديم القطان عليه ، فإنه أيضاً قال في موضع آخر : " كان يحيى بن سعيد القطان لا يروي عن إسرائيل ، ولا شريك ، وكان يستضعف عاصماً الأحوال ، وكان يروي عمن هو دونه : مجالد "(26).
وإنما كان ابن معين يتشدد ، بل هو معروف بذلك ، كما بينته في غير موضع .
وفي الجملة : فهذا جرح غير مفسر السبب ، وربما كان مرجع التارك إلى علة لا تكون جرحاً قادحاً .
كما وقع من عبد الله بن المبارك ، وكان من أئمة النقاد ، وقد اعتدَّ أهل العلم بتركه فيمن ترك ، وبروايته فيمن روى عنهم ، كان ربما ترك الراوي فأعاد السَّبب إلى أنه اقتدى ببعض من يثق به في هذا العلم ، وليس من أجل علة بينة بنى عليها تركه ، كما قال عبد العزيز بن أبي رزمة ( وكان ثقة ) : جلس ابن المبارك بالبصرة مع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ، وذكر قوماً من أهل الحديث ، فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، لم تركت الحسن بن دينار ؟ قال : " تركه إخواننا هؤلاء "(27).
وقال فيه ابن المبارك أيضاً : " اللهم إني لا أعلم إلا خيراً ، ولكنَّ أصحابي وقفوا فوقفت "(28).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل ( 4 / 2 / 31 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 112 ) الكامل ( 5 / 267 ) .
(3) - الكامل ، لابن عدي ( 8 / 525 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 271 ) .
(5) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 489 ) الكامل ( 4 / 106 ) .
(6) - الكامل ( 7 / 419 ) .
(7) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 324 ) الكامل ( 8 / 172 ) .
(8) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 192 ) .
(9) - الجرح والتعديل ( 2 / 1/ 438 ) .
(10) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 247 ) الكامل ( 2 / 35 ) .
(11) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 2 ) .
(12) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 147 ) الكامل ( 1 / 367 ) الضعفاء للعقيلي ( 1 / 70 ) .
(13) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 12 ) الكامل ( 3 / 116 ) .
(14) - الكامل ( 8 / 274 ) .
(15) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 296 ) الضعفاء للعقيلي ( 1 / 40 ) .
(16) - الجرح والتعديل ( 3 / 2 / 145 ) .
(17) - العلل ، لأحمد بن حنبل ( النص : 4690 ) الكامل ( 2 / 255 ) .
(18) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 79 ) الكامل ( 3 / 133 ) .
(19) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 101 ) الكامل ( 3 / 321 ) .
(20) - الكامل ( 3 / 332 ) .
(21) - التاريخ الكبير ، للبخاري ( 2 / 1 / 278 -279 ) .
(22) - الكامل ( 6 / 162 ) .
(23) - سنن الترمذي - (ج 12 / ص 499)
(24) - الكامل ( 8 / 145 ) .
(25) - أخرجه الخطيب في " تاريخه " ( 10 / 243 ) بإسناد لين . و تهذيب الكمال للمزي - (ج 17 / ص 438)
(26) - تاريخ يحيى ( النص : 2445 ) الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 12 ) الكامل ( 2 / 128 ) ، ومجالد هو ابن سعيد .
(27) - أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه " ( النص : 2079 ) ومن طريقه : ابن عدي ( 3 / 116 ) وابن حبان في " المجروحين " ( 1 / 232 ) وإسناده صحيح .
(28) - أخرجه ابن عدي ( 3 / 116 ) وإسناده صالح .(1/369)
40 - قولهم : ( لم يحدث عنه فلان ) .
قد تساوي " تركه فلان " ، فيكون لها معناها .
قال أحمد بن حنبل في ( أبي الزبير محمد بن مسلم ) : " قد روى عنه قوم واحتملوه ، روى عنه أيوب وغير واحد ، إلا أن شعبة لم يحدث عنه "(1).
ولم يحدث مالك بن أنس عن جماعة من أهل المدينة ، وقد قال علي بن المديني : " كلَّ مدني لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شيء ، ولا أعلم مالكاً ترك إنساناً إلا إنساناً في حديثه شيء "(2).
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم ( 1078) وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأُتِيَ بِدَابَّةٍ ، فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ ، فَرَكِبَ ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي أَتَاهُ بِالدَّابَّةِ أَوَّلا : أَنَزَلَ فِي شَيْءٌ ؟
قَالَ : لا ، وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لأَرْكَبَ ، وَالْمَلائِكَةُ يَمْشُونَ .
قَالَ أَبِي : هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ ، لَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ ثَوْبَانَ لا يَجِيءُ ، إِنَّمَا هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو سَلامٍ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ يَرْوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلامٍ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي سَلامٍ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَسْقَطَ زَيْدًا مِنَ الْوَسَطِ ، أَوْ لَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ ، وَلا أَعْلَمُ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ ثَوْبَانَ إِلا حَدِيثًا ، يَرْوِيهِ أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.قَالَ أَبِي : وَأَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ : لا أَعْلَمُ سَمِعَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَلا مِنْ أَبِي سَلامٍ ، وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ لا يَرْوِي عَنْهُ الثَّوْرِيُّ ، وَأَرَاهُ قَالَ : وَشُعْبَةُ وَقَدْ أَدْرَكَاهُ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ ؟.اهـ
وقال عمرو بن علي الفلاس : سألت عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن حديث ( عمرو بن ثابت ) فأبى أن يحدث عنه ، وقال : " لو كنت محدثاً عنه ، لحدثت بحديث أبيه عن سعيد بن جبير في التفسير "(3).
قال أبو حاتم الرازي في ( القاسم بن محمد بن أبي شيبة ) : " كتبت عنه ، وتركت حديثه " ، وقال أبو زرعة : " كتبت عنه ولم أحدث عنه بشيء "(4).
ويراد بها أيضاً أنه لم يتهيأ له السماع منه ، فلذلك لم يكتب عنه شيئاً ، وليست جرحاً أصلاً .
مثاله : قال أبو الحسن الميموني لأحمد بن حنبل وقد ذكر له دخوله الرقة وسماعه من بعض أهلها : فكيف لم تكتب عن عبد الله بن جعفر ( يعني الرقي ) ؟ فقال : " ما كان عبد الله بن جعفر تلك الأيام يذكر " ، قلت : فقد أتيتها بعد ذاك ، فكيف لم تكتب عنه ؟ قال : " لم أكتب عنه " ، قلت : تركته من علة ؟ قال : " لا ، ولكن لم أكتب عنه شيئاً "(5).
كذلك كقول أبي حاتم الرازي في ( عبيد بن جناد الحلبي ) : " صدوق ، لم أكتب عنه "(6).
وقول أبي زرعة الرازي في ( عبد الله بن الجهم الرازي ) : " كان صدوقاً ، رأيته ولم أكتب عنه "(7).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - العلل ومعرفة الرجال ، رواية المروذي وغيره ( النص : 67 ) .
(2) - أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 1 / 177 ) وإسناده صحيح .
(3) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 223 ) .
(4) - الجرح والتعديل ( 3 / 2 / 120 ) .
(5) - تهذيب الكمال ، للمزي ( 28 / 327 - 328 ) .
(6) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 404 ) .
(7) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 27 ) .(1/370)
41 - قولهم : ( سكتوا عنه ) .
هي عبارة محالة ، خبر من قائلها عن غيره ، لا ينشئ بها شيئاً من جهته .
فهي بمنزلة قول الناقد وقد اطلع على كلام غيره من أهل الحديث : ( تكلموا فيه ) ، أو ( طعنوا عليه ) ، ودلَّ الاستقراء لحال من قيلت فيه أنها مساوية لإخبار الناقد عن غيره بقوله : ( تركوه ) .
لذا فهي من عبارات الجرح المجملة ، ولولا دلالة الاستقراء لكانت في جملة ما لا يصح الاعتماد عليه في جرح الرواة حتى يوقف على تفسيره .
وقد عرف استعمالها عن البخاري ، وندرت جداً عن غيره ، كأبي حاتم الرازي وأبي زرعة ومسلم بن الحجاج .
ولا يعاب استعمالها منهم فيمن قالوها فيه ، إلا قول البخاري في ( أبي حنيفة النعمان بن ثابت الإمام الفقيه ) : " سكتوا عنه ، وعن رأيه ، وعن حديثه "(1).
فهذه حكاية من البخاري عن أهل الحديث ، ومن تأمَّل فاحصاً منصفاً متبرئاً من العصبية وجد هذا القول خطأ ، وذلك - بإيجاز - من جهتين :
الأولى : دلالة الاستقراء على أن أهل الحديث قد اختلفت عباراتهم في أبي حنيفة ، بين معدِّل وجارح ، علماً أن الجرح عند من جرح لم يفسر بسبب حديثه ، فكيف سكتوا عنه , وفيهم من أثنى عليه وأطراه ورفع من شأنه .
والثانية : أن عبارات الجارحين وقع فيها من المبالغة والتَّهويل ، وذلك بسبب الشِّقاق الذي كان بين أهل الرأي وأهل الحديث في تلك الفترة ، علماً بأن كثيراً من تلك الأقاويل لا تصح نسبتها إلى من عزيت إليه .
وأبو حنيفة شغله الفقه عن الحديث ، ولعله لو اشتغل به اشتغال كثير من أهل زمانه ، لم يمكن مما مُكِّن فيه من الفقه ، ومع ذلك فإنه قد روى وحدث ، نعم ، ليس بالكثير على التحقيق ؛ للعلة التي ذكرنا ، وهي انصرافه إلى فقه النصوص دون روايتها .
وقال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/168: أبو حنيفة الإمام الأعظم ، فقيه العراق ... حدّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وسلمة ابن كهيل وأبي جعفر محمد ابن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحاق وخلق كثير
وحدّث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وبشر كثير ، وكان إماماً ورعاً عالماً عاملاً ، متعبداً ، كبير الشأن ، لايقبل جوائز السلطان قال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين قال : لا بأس به ، ولم يكن متهماً ... اهـ
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي 1/188 : قال : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدّم على التعديل على إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ...
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6/395) قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً، لاَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه، وَلاَ يُحَدِّثُ بِمَا لاَ يَحْفَظُ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بن مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ، وَلَقَدْ ضَرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاءِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ قَاضِياً.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التاريخ الكبير ( 4 / 2 / 81 ) .(1/371)
42 - ومن عباراتهم في الجرح : قياس المجروح بالمجروح .
من مسالك نقاد النقلة أن يستدل لبيان حال الراوي بقياسه براو هو أظهر في حاله ، فإذا أردت الوقوف على قدر الجرح في مراد الناقد لزمك النظر في رأيه في المقيس عليه ، فإذا لم تجد له فيه نصاً مفسراً ، نظرت تفسيره في كلام غيره من النُّقَّاد ، ومن أمثلته :
قول أحمد بن حنبل في ( مطر بن طهمان الورَّاق ) : " كان يحيى بن سعيد ( يعني القطان ) يشبه مطر الورَّاق بابن أبي ليلى " يعني في سوء الحفظ(1).
ويبيِّن هذا قول أحمد بن حنبل في ( ابن أبي ليلى ) : " كان سيئ الحفظ ، مضطرب الحديث ، وكان فقه ابن أبي ليلى أحبَّ إلينا من حديثه ، حديثه فيه اضطراب "(2).
ومن مثاله أيضاً : قول أحمد في ( سليمان بن داود الشَّاذ كونيِّ ) : " هو من نحو عبد الله بن سلمة الأفطس "، لكن هذا فسَّره أبو بكر الأثرم بقوله : يعني الكذب(3).
قلت : وليس كما قال ، ولم يكن ذلك وجه المشابهة ، وذلك أنك إذا عدت إلى النظر في حال ( الأفطس ) في رأي أحمد وغيره لم تجد أحداً اتَّهمه بالكذب ، إنما كان متروكاً عند أحمد وغيره لأمر آخر ، هو سوء الخلق ، قال أحمد : " كان سيئ الخلق ، وتركنا حديثه وتركه الناس "(4)، وكانت بينه وبين يحيى بن سعيد القطَّان خصومة ، فتحدى يحيى وتكلم فيه يحيى ، وعلى قاعدة ترك الكلام في الأقران إذا علم أن الشُّبهة قامت دون اعتبار ذلك الجرح ، فاعتماد قول يحيى فيه محل نظر .
فالرجل لم يترك في التحقيق من أجل كذب ، إلا ما يوحيه بعض قول يحيى فيه ، وهو قابل للتأويل أيضاً ، إنما الأمر كما قال أحمد : " كان خبيث اللسان "(5)، وقال أبو زرعة الرازي : " صدوق ، ولكنه كان يتكلم في عبد الواحد بن زياد ويحيى القطان "(6)، وقال أيضاً : " إنما قيل فيه من أجل لسانه "(7).
وعلى هذا فتفسير أبي بكر الأثرم لقياس أحمد للشَّاذ كونيِّ على الأفطس بأنه في الكذب ، تفسير غير مسلِّم ، وإنما ينبغي حمله على موضع اتفاق بين الرجلين ، والذي كان في الشَّاذ كونِّي مما يشبه ما كان في الأفطس هو سوء خلق ذكر به الشَّاذ كونِّي أيضاً ، أما الكذب فابن الشَّاذ كونيِّ أظهر فيه من أن يقاس بالأفطس .
وقال أبو حاتم الرازي فيه"عبد العزيز بن حصين بن الترجمان المروزي" : " ليس بقوي ، منكر الحديث،وهو في الضعف مثل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "(8).
وقد قال أبو حاتم في ( ابن أسلم ) : " ليس بقوي في الحديث ، كان في نفسه صالحاً ، وفي الحديث واهياً ، ضعفه علي بن المديني جداً "(9).
فعبد العزيز عند أبي حاتم واهي الحديث ضعيف جداً كذلك .
وقال أبو حاتم في ( عقبة بن علقمة أبي الجنوب اليشكري ) : " ضعيف الحديث ، وهو مثل أصبغ بن نُباتة وأبي سعيد عقيصاً متقاربين في الضعف ، ولا يشتغل بهم "(10).
وقال في ( أصبغ ) : "لين الحديث " قال ابنه : وعقيصا ؟ فقال : " بابتهم ، غير أن أصبغ أشبه "(11).
ولم ينقل ابنه عنه في ( عقيصا ) شيئاً ، فإذا وازنت أمر الثلاثة في رأي أبي حاتم وجدت رأيه لم يبلغ بهم الترك وإن كان قال : " لا يشتغل بهم " ، فهذه العبارة ليست صريحة في الترك ، لذلك تجد عبارة أبي حاتم بين ( ضعيف الحديث ) و ( لين الحديث ) ، وقوله : " أصبغ أشبه " كأنه يقول : في حديثه ما قد يعتبر به .
وحاصل هذا النوع من ألفاظ الجرح : اللِّحاق بألفاظ الجرح المجمل ، حتى يوقف على معناه بالتَّتبُّع والنظر والتَّحري .اهـ باختصار وتصرف
- - - - - - - - - - - - - -
البابُ الرابع
الرواية وآدابها وكيفية ضبطها
وفيه فصلان :
الفصلُ الأولُ ... -كيفية ضبط الراوية وطرق تحملها وغريبُ الحديث
الفصلُ الثاني ... -آدابُ الرواية
الفصلُ الأولُ
كيفية ضبط الراوية وطرق تحملها(12)
المبحث الأول كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه.
المبحث الثاني: طرق التحمل وصيغ الأداء.
المبحث الثالث: كتابة الحديث وضبطه والتصنيف فيه.
المبحث الرابع: صفة رواية الحديث.
المبحثُ الأولُ
كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه(13)
1- تمهيدٌ:
المراد " بكيفية سماع الحديث " بيان ما ينبغي وما يشترط فيمن يريد سماع الحديث من الشيوخ سماع رواية وتحمل ،ليؤديه فيما بعد لغيره ،وذلك مثل اشتراط سِنٍّ معينة وجوباً أو استحباباًِ .
والمراد " بتَحَمُّلِهِ " بيان طرق أخذه وتلقيه عن الشيوخ والمراد " ببيان ضبطه " أي كيف يضبط الطالب ما تلقاه من الحديث ضبطاً يؤهله لأن يرويه لغيره على شكل يُطْمَأنُّ إليه .
وقد اعتنى علماء المصطلح بهذا النوع من علوم الحديث، ووضعوا له القواعد والضوابط والشروط بشكل دقيق رائع. وميزوا بين طرق تحمل الحديث ، وجعلوها على مراتب ، بعضها أقوى من بعض ، وذلك تأكيداً منهم للعناية بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحسن انتقاله من شخص إلى شخص ، كي يطمئن المسلم في طريقة وصول الحديث النبوي إليه ، ويوقن أن هذه الطريقة في منتهى السلامة والدقة .
2- هل يُشْترَطُ لتحمل الحديث الإسلام والبلوغ ؟
لا يشترط لتحمل الحديث الإسلام والبلوغ على الصحيح لكن يشترط ذلك للأداء(14)ـ كما مر بنا في شروط الراوي ـ وبناء علىذلك تُقبل رِوَاية المُسْلم البالغ, ما تحمَّله قبلهما في حال الكُفر والصِّبا.
ومنع الثَّاني أي قَبُول رِوَاية ما تحمَّله في الصِّبا قومٌ فأخطؤوا لأنَّ النَّاس قبلُوا رِوَاية أحْدَاث الصَّحَابة, كالحسن, والحُسَين, وعبد الله بن الزُّبير, وابن عبَّاس, والنُّعمان بن بَشِير, والسَّائب بن يزيد, والمِسْور بن مَخْرمة, وغيرهم, من غير فَرْق بين ما تحمَّلوه قبل البُلوغ وبعده.
وكذلك كان أهل العلم يُحضُرون الصِّبيان مَجَالس الحديث, ويعتدُّون بروايتهم بعد البلوغ.
ومن أمْثلة ما تحمَّل في حال الكُفْر: عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ جَاءَ فِى أُسَارَى بَدْرٍ - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ .(15). وكان جَاء في فِدَاء أسْرَى بَدْر قبل أن يُسْلم, وفي رِوَاية للبخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِى قَلْبِى(16)..
3- متى يُسْتَحَبُّ الابتداءُ بسماع الأحاديث؟
قال جَمَاعة من العُلماء: يُستحب أن يبتدىء بسَمَاع الحديث بعد ثلاثين سنة وعليه أهل الشَّام وقيل: بعد عشرين سنة, وعليه أهل الكُوفة.
قال الخطيب في الكفاية بَابُ مَا جَاءَ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ الصَّغِيرِ :
113 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَوِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِسِنْجَانِيُّ , ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ , يَقُولُ : لَقَدْ أَتَى هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَظِيمًا بِرِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ , قِيلَ لِنُعَيْمٍ : لِمَ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَلَّ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَلَى مَا بَلَغَنَا فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ , وَقَرِيبًا مِنْهُ , إِلَّا مَنْ جَاوَزَ حَدَّ الْبُلُوغِ وَصَارَ فِي عِدَادِ مَنْ يَصْلُحُ لِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَمُذَاكَرَتِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ . وَقِيلَ : إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ لَمْ يَكُنِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ إِلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِهِ عِشْرِينَ سَنَةً , وَيَشْتَغِلُ قَبْلَ ذَلِكَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَبِالتَّعَبُّدِ . وَقَالَ قَوْمٌ : الْحَدُّ فِي السَّمَاعِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , وَقَالَ غَيْرُهُمْ : ثَلَاثَ عَشْرَةَ , وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : يَصِحُّ السَّمَاعُ لِمَنْ سِنُّهُ دُونَ ذَلِكَ , وَهَذَا هُوَ عِنْدَنَا الصَّوَابُ .
114 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ , ثنا نُعَيْمُ بْنُ يَعْقُوبَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ , يَقُولُ : " كَانَ الشَّابُّ يَتَعَبَّدُ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ يَطْلُبُ الشَّيْءَ مِنَ الْحَدِيثِ "
115 أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , ثنا أَبُو الْحُسَيْنِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُشْنَامٍ , ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْمَحَامِلِيُّ , ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ , يَقُولُ : سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ , يَقُولُ : " كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ الْحَدِيثَ تَعَبَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً "
116 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ زَحْرٍ الْبَصْرِيُّ , فِي كِتَابِهِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْآجُرِّيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ الْأَشْعَثِ يَقُولُ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِوَكِيعٍ : " بَاكَرْتَ الْعِلْمَ , وَكَانَ لِوَكِيعٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً "
117 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , أنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ شُيُوخِنَا , أَنَّهُ قِيلَ لِمُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ : كَيْفَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ ؟ قَالَ : " كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يُخْرِجُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ صِغَارًا حَتَّى يَسْتَكْمِلُوا عِشْرِينَ سَنَةً "
118 قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا طَالِبِ بْنِ نَصْرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ هَارُونَ يَقُولُ : أَهْلُ الْبَصْرَةِ يَكْتُبُونَ لِعَشْرِ سِنِينَ , وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لِعِشْرِينَ , وَأَهْلُ الشَّامِ لِثَلَاثِينَ , قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ : يُسْتَحَبُّ كَتْبُ الْحَدِيثِ فِي الْعِشْرِينَ , لِأَنَّهَا مُجْتَمَعُ الْعَقْلِ , قَالَ : وَأُحِبُّ أَنْ يَشْتَغِلَ دُونَهَا بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْفَرَائِضِ "
قال الخطيب رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ حَفِظَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ وَكَانَ يَقُولُ : كُنْتُ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (17), وَلَوْ كَانَ السَّمَاعُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الْعِشْرِينَ لَسَقَطَتْ رِوَايَةُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَى مَنْ هُوَ فِي عِدَادِ الصَّحَابَةِ , مِمَّنْ حَفِظَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصِّغَرِ , فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ , وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ , وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ , وَأَبُو الطُّفَيْلِ الْكِتَانِيُّ , وَالسَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ , وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ , وَرَوَى مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَكَانَ لَهُ حِينَ قُبِضَ عَشَرُ سِنِينَ(18), وَقِيلَ : أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً , وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ , وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ(19), وَرَوَتْ عَنْهُ مَا حَفِظَتْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَرَوَى عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ : ادْنُ يَا غُلَامُ وَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ مِمَّا يَلِيكَ "(20), وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْتُ غُلَامًا صَغِيرًا , فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسِي وَدَعَا لِي(21)" . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : كُنْتُ غُلَامًا أَلْعَبُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ "(22). وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ : سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوسُفَ , وَأَقْعَدَنِي فِي حِجْرِهِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي "(23). وَمِمَّنْ كَثُرَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَ سَمَاعُهُ فِي الصِّغَرِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ " . وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ يَذْكُرُ أَنَّهُ عَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِهِ مِنْ دَلْوٍ كَانَ مُعَلَّقًا فِي دَارِهِمْ , وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَهُ خَمْسُ سِنِينَ "(24)
والصَّواب في هذه الأزْمَان بعد أن صَارَ الملحوظ إبقاء سلسلة الإسْنَاد التَّبْكير به أي بالسَّماع من حين يصح سماعه أي الصَّغير وبِكَتبه أي الحديث وتَقْييده وضبطهُ حين يتأهَّل له ويستعد و ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ولا ينحصر في سِنٍ مخصوص.
ونقل القَاضي عِيَاض(25): أنَّ أهل الصَّنعة حدَّدوا أوَّل زمن يصحُّ فيه السَّماع للصغير بخمس سنين ونسبه غيره للجمهور.
وقال ابن الصَّلاح(26)وعلى هذا استقرَّ العمل بين أهل الحديث, فيكتبون لابن خمس فصَاعدًا سمع - وإن لم يبلغ خَمْسًا - حضر أو أُحضر.
وحُجَّتهم في ذلك ما رواه البُخَاري عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْتُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِى وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ .(27). بوَّب عليه البخاري: مَتَى يصح سَمَاع الصَّغير؟
والصَّوَابُ اعْتِبَارُ التَّمييزِ، فَإنْ فَهِمَ الخِطَابَ, وَرَدَّ الجَوَابَ, كانَ مُميَّزًا صَحِيحَ السَّماعِ، وإلاَّ فَلا، وَرُوِيَ نحو هذا عَنْ مُوسى بن هارُونَ، وأحمَدَ بن حَنْبل.
قال المُصنِّف كابن الصَّلاح(28): والصَّواب اعتبار التَّمييز، فإن فهم الخِطَاب، وردَّ الجَوَاب, كان مُميزًا صحيح السَّماع وإن لم ييلغ خمسًا وإلاَّ فلا وإن كان ابن خمس فأكثر، ولا يلزم من عقل محمود المَجَّة في هذا السِّن, أنَّ تمييز غيره مثل تمييزه، بَلْ قد يَنْقُص عنهُ, وقد يزيد، ولا يلزم منهُ أن لا يعقل مثل ذلك, وسنُّه أقلُّ من ذلك، ولا يلزم من عقل المَجَّة, عقل غيرها ممَّا يسمعه.
وقال القَسْطلاني في كتاب «المنهج»: ما اختارهُ ابن الصَّلاح هو التَّحقيق، والمَذْهب الصَّحيح.
وروي نحو هذا وهو اعتبار التمييز عن موسى بن هارون الحمَّال أحد الحُفَّاظ وأحمد بن حنبل أمَّا موسى فإنَّه سُئل مَتَى يسمع الصَّبي الحديث؟ فقال: إذا فرَّق بين البقرة والحمار(29).
وأمَّا أحمد فإنَّه سُئل عن ذلك, فقال: إِذا عقل وضبط، فذكر له عن رجل أنَّه قال: لا يَجُوز سماعه حتَّى يَكُون له خمس عشرة سنة, لأنَّ رَسُول - صلى الله عليه وسلم - الله ردَّ البراء وابن عُمر، استصغرهما يوم بدر، فأنكر قوله هذا، وقال: بئس القول، فكيف يُصنع بسُفيان، ووكيع ونحوهما. أسندهما الخطيب في «الكفاية»(30).
فالقولان راجعان إلى اعتبار التمييز، وليسَا بقولين في أصل المسألة، خلافًا للعراقي, حيث فهم ذلك، فحكى فيه أربعة أقوال، وكأنَّه أراد حِكَاية القول المذكُور لأحمد، وهو خمس عشرة سنة.
وقد حكاهُ الخطيب في «الكفاية»(31)عن قوم منهم: يحيى بن معين، وحكى عن آخرين, منهم: يزيد بن هارون ثلاث عشرة.
ومِمَّا قيل في ضابط التمييز: أن يُحسن العدد من واحد إلى عشرين، حكاهُ ابن المُلقن.
وفَرَّق السَّلفي بين العَرَبى والعجمي, فقال: أكثرهم على أنَّ العربي يصح سماعهُ إذا بلغ أربع سنين, لحديث محمود، والعجمي إذا بلغ ست سنين.
__________
(1) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 852 ) .
(2) - الجرح والتعديل ( 3 / 2 / 323 ) .
(3) - الجرح والتعديل ( 2 / 1 / 115 ) .
(4) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 4545 ) .
(5) - العلل ومعرفة الرجال ( النص : 4546 ) .
(6) - أسئلة البرذعي لأبي زرعة ( 2 / 328 ) .
(7) - أسئلة البرذعي ( 2 / 487 ) .
(8) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 380 ) .
(9) - الجرح والتعديل ( 2 / 2 / 233 - 234 ) .
(10) - الجرح والتعديل ( 3 / 1 / 313 ) .
(11) - الجرح والتعديل ( 1 / 1 / 320 ) .
(12) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 28)
(13) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 24) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 13) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 276) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 792) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 274) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 278) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 35) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 210)
(14) - التحمل : معناه تلقي الحديث وأخذه عن الشيوخ ،والأداء : رواية الحديث وإعطاؤه للطلاب
(15) - صحيح البخارى (3050 )
(16) - برقم(4023)
(17) - مسند أحمد (21697) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِىِّ - وَقَدْ أَدْرَكَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً - قَالَ حَدَّثَنِى أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِى كَانُوا يُفْتُونَ بِهَا فِى قَوْلِهُمُ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ أُرْخِصَ بِهَا فِى أَوَّلِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ أُمِرْنَا بِالاِغْتِسَالِ بَعْدَهَا. (صحيح)
(18) - عبد الرزاق(34559) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ ، قَالَ : وُلِدْتُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ ، وَقُبِضَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ.( صحيح)
(19) - صحيح البخارى(3896)عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهْىَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْىَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ .
(20) - صحيح البخارى (5376 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنِى أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ » . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ .
(21) - عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِى ، وَقَعَ فَمَسَحَ رَأْسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ . قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِى بَيْنَ عَيْنَيْهِ . قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ "صحيح البخارى(3541 )
(22) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّىَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ - قَالَ - وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِى إِلَيْهِ فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِىءَ بِأَحَدِ ابْنَىْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ - قَالَ - فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ.صحيح مسلم (6421 )
(23) - عن يَحْيَى بْنِ أَبِى الْهَيْثَمِ قَالَ سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ يَقُولُ أَجْلَسَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حِجْرِهِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِى وَسَمَّانِى يُوسُفَ. مسند أحمد (16852) صحيح
(24) - عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ ، وَكَانَ " يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقِلَ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ دَلْوٍ مُعَلَّقٍ فِي دَرَاهِمْ " السنن الكبرى للنسائي (4745) صحيح
(25) - الإلماع ص 62-63
(26) - علوم الحديث ص 164
(27) - صحيح البخارى( 77 ) المجة : اللفظة مج : لَفَظ ما فى فمه
(28) - علوم الحديث ص 164 -165
(29) - الكفاية ص 188
(30) - الكفاية ص 113
(31) - الكفاية ص 114(1/372)
ومِمَّا يدل على أنَّ المرجع إلى التمييز ما ذكرهُ الخطيب قال(1): 155 سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْبَهَانِيَّ , يَقُولُ : حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِينَ , وَحُمِلْتُ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِئِ لِأَسْمَعَ مِنْهُ وَلِي أَرْبَعُ سِنِينَ , فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ : لَا تُسَمِّعُوا لَهُ فِيمَا قُرِئَ ، فَإِنَّهُ صَغِيرٌ , فَقَالَ لِي ابْنُ الْمُقْرِئِ : اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ , فَقَرَأْتُهَا , فَقَالَ : اقْرَأْ سُورَةَ التَّكْوِيرِ , فَقَرَأْتُهَا , فَقَالَ لِي غَيْرُهُ : اقْرَأْ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَقَرَأْتُهَا , وَلَمْ أَغْلَطْ فِيهَا , فَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِئِ : سَمِّعُوا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيَّ , ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ صَاحِبَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ أَحْمَدَ بْنَ الْفُرَاتِ يَقُولُ : أَتَعَجَّبُ مِنْ إِنْسَانٍ يَقْرَأُ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلَا يَغْلَطُ فِيهَا , وَحَكَى أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ وَرَدَ أَصْبَهَانَ وَلَمْ تَكُنْ كُتُبُهُ مَعَهُ , فَأَمْلَى كَذَا وَكَذَا أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ فَلَمَّا وَصَلَتِ الْكُتُبُ إِلَيْهِ قُوبِلَتْ بِمَا أَمْلَى فَلَمْ يَخْتَلِفْ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ ".(2)
وهذا من أطرف ما يسمع في حفظ الصغير ونبوغه في كل الأمم، وإنه لدليل قاطع يثبت ما كانت عليه تلك المجتمعات الإسلامية من التنافس في تحصيل العلم سيما علوم الشريعة وعلى رأسها القرآن والحديث. حتى إن ذلك ليعتبر عندهم من الضرورة بالمنزلة التي تفوق كل شيء.
وهكذا على قبس من علوم الشريعة، وعلى هدي من نبراسها انطلقوا في شتى ميادين العلم، فسبقوا أمم الأرض، وكانوا رواد الحضارة : فابن رشد الحفيد إمام في الفلسفة والعلوم وفي الفقه والاجتهاد، وابن النفيس علامة مخترع في البصريات، وفقيه شافعي معتبر، ذكره السبكي في طبقات الشافعية، وهكذا غيرهم كثير، تحدثنا أخبارهم بالنبأ اليقين عن النهضة العلمية الشاملة في ظل الحضارة الإسلامية.(3)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الكفاية ص 117
(2) - انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 277)
(3) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 213)(1/373)
المبحث الثاني
طُرُقُ التَّحَمُّل وصِيَغْ الأداء(1)
طُرُق تحمل الحديث ثمانية وهي : السماع من لفظ الشيخ ، القراءة على الشيخ ، الإجازة ، المناولة ، الكتابة ، الإعلام ، الوصية ، الوجادة .
وسأتكلم على كل منها تباعاً باختصار ، مع بيان ألفاظ الأداء لكل منها باختصار أيضاُ.
1- السَّماعُ من لفظ الشيخ :
أ) صورته: أن يقرأ الشيخ ، ويسمع الطالب ، سواء قرأ الشيخ من حفظه أو كتابه ، وسواء سمع الطالب وكتب ما سمعه ، أو سمع فقط ولم يكتب .
ب) رتبته: السماع أعلى أقسام طرق التحمل عند الجماهير .
وهو الوسيلة التي تلقى الحديث بواسطتها رعيل المحدثين الأوائل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم رووه بها للناس أيضا. فلا غرو أن يعتبر أعلى مراتب التلقي للحديث، و"أرفع درجات أنواع الرواية عند الأكثرين"(2)من المحدثين وغيرهم.
قال السيوطي : " وهو أعْلى طُرق التحمُّل عند الجماهير وسيأتى مُقابله في القسم الآتي.
والإملاء أعلى من غيره, وإن استويا في أصل الرُّتْبة.
قال القاضي عياض أسندهُ إليه ليبرأ من عُهدته(3): لا خِلاف أنَّه يَجُوز في هذا للسَّامع من الشَّيخ أن يَقُول في روايته عنه له: حدَّثنا, وأخبرنا, وأنبأنا, وسمعتُ فلانًا يقول وقال لنا فُلان وذكر لنا فُلان.
قال ابن الصَّلاح(4): في هذا نظرٌ ، وينبغي فيما شاعَ استعمالُهُ من هذهِ الألفاظِ مخصوصاً بما سمعَ من غيرِ لفظِ الشيخِ أن لا يُطْلَقَ فيما سَمِعَ من لفظهِ، لما فيهِ من الإيهامِ، والإلباسِ .
قال العِرَاقي(5): ولم أذكرْ هذا في النَّظْمِ ؛ لأنَّ القاضي حكى الإجماعَ على جوازهِ ، وهو مُتَّجِهٌ ، ولا شكَ أَنَّهُ لا يجبُ على السامعِ أَنْ يُبَيِّنَ هل كان السماعُ من لفظِ الشيخِ أو عَرْضَا ؟ نَعَمْ ، إطلاقُ أنبأنا بعد أنِ اشتهَرَ استعمالُها في الإجازةِ يؤدي إلى أَنْ يُظنَّ بما أدَّاهُ بها أنَّهُ إجازةٌ فيسقطُهُ مَنْ لا يحتجُ بالإجازةِ فينبغي أن لا تُستعملَ في المتصلِ بالسماعِ، لما حدثَ من الاصطلاحِ ..
قال الخَطِيب(6): أرفعها أي: العبارات في ذلك سمعتُ, ثمَّ حدثنا, وحدثني فإنَّه لا يكاد أحد يقول سمعتُ في الإجازة والمُكَاتبة, ولا في تدليس ما لم يسمعه, بخلاف حدَّثنا, فإنَّ بعض أهل العِلْم كان يستعملها في الإجَازة.
ورُوي عن الحسن أنَّه قال: حدَّثنا أبو هُريرة, يتأوَّلٌ حدَّث أهل المدينة, والحسن بها، إلا أنَّه لم يسمع منه شيئًا.
قال ابن الصَّلاح(7): ومنهم من أثبتَ لهُ سَمَاعًا منه.
قال ابن دقيق العِيد(8): وهذا إذَا لم يَقُم دليل قاطع على أنَّ الحسن لم يسمع منه, لم يجز أن يُصَار إليه.
قال العِرَاقي(9): قال أبو زُرْعة وأبو حاتم: من قال عن الحسَن البصري: حدَّثنا أبو هريرة فقد أخطأ.
قال: والَّذي عليه العمل أنَّه لم يسمع منهُ, وقاله غيرهما أيوب, وبهز بن أسد, ويُونس بن عُبيد, والتِّرمذي, والنَّسائي, والخَطِيب وغيرهم.
وقال ابن القَطَّان : ليست حدَّثنا بنص في أنَّ قائلها سمع, ففي صحيح البخارى(1882 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ « يَأْتِى الدَّجَّالُ - وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ - بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِى بِالْمَدِينَةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ - أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ ، الَّذِى حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، هَلْ تَشُكُّونَ فِى الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ . فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّى الْيَوْمَ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَقْتُلُهُ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ » . .
قال: ومَعْلومٌ أنَّ ذلكَ الرَّجل مُتأخِّر الميقات, أي فيكُون المُرَاد حدَّث أُمَّته, وهو منهم، لكن قال مَعمَر: إنَّه الخضر(10)، فحينئذ لا مَانع من سَمَاعه.
ثمَّ أخبرَنَا, وهو كَثير في الاستعمَالِ.
قال الخطيب(11): ثمَّ يتلو حدثنا أخبرنا, وهو كثير في الاستعمال حتَّى إن جماعة لا يكادون يستعملون فيما سمعوهُ من لفظ الشَّيخ غيرها.
منهم: حمَّاد بن سلمة, وعبد الله بن المُبَارك, وهُشَيم بن بَشِير, وعُبيد الله بن مُوسى, وعبد الرزَّاق, ويزيد بن هَارون, وعَمرُو بن عَوْف, ويحيى بن يحيى التَّميمي, وإسْحَاق بن رَاهُويه, وأبو مَسْعود أحمد بن الفُرَات, ومحمد بن أيوب الرَّازيان, وغيرهم.
وفي الكفاية :973 حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ : " كَأَنَّ " أَخْبَرَنَا " أَسْهَلُ مِنْ " حَدَّثَنَا " ؟ قَالَ : نَعَمْ , هُوَ أَسْهَلُ , " حَدَّثَنَا " شَدِيدٌ "
وكانَ هذا قَبلَ أن يَشِيعَ تَخْصِيصُ أخبَرَنَا بالقرَاءَةِ على الشَّيخ. قال: ثمَّ أنبأنَا, ونَبأنَا, وهو قَليلٌ في الاستِعمَالِ, قال الشَّيخُ: حدَّثنا وأخبرنَا, أرفَعُ من سَمِعْتُ من جِهَةٍ أخرَى، إذ ليسَ في سمعتُ دَلالَة على أنَّ الشَّيخَ رَوَّاه إيَّاه, بِخلافِهمَا.اهـ
قال ابن الصَّلاح(12): وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشَّيخ.
وقال : حدَّثنا, وأخبرنا أرفع من سمعتُ من جهة أُخرى, إذ ليسَ في سمعتُ دلالة على أنَّ الشَّيخ رواه - بالتَّشديد - إيَّاه وخاطبه به بخلافهما فإنَّ فيهما دلالة على ذلك.
وقال الخطيب في الكفاية (917) أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبِي , قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاهِينَ ، ثنا ابْنُ رِشْدِينَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ , وَسُئِلَ عَنْ " حَدَّثَنَا " وَ " أَخْبَرَنَا " " وَأَنْبَأَنَا " فَقَالَ : " حَدَّثَنَا " أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا وَأَخْبَرَنا دُونَ " حَدَّثَنَا " " وَأَنْبَأَنَا " مِثْلُ " أَخْبَرَنَا " " وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ : هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمَعْنَى , وَقَالَ غَيْرُهُ : " حَدَّثَنَا " " وَنَبَّأَنَا " أَدْخَلُ إِلَى السَّلَامَةِ مِنَ التَّدْلِيسِ مِنْ " أَخْبَرَنَا " , وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ مَنِ اسْتَعْمَلَ " أَخْبَرَنَا " وَرَعًا وَنَزَاهَةً لِأَمَانَتِهِمْ , فَلَمْ يَجْعَلُوهَا لِلِينِهَا بِمَنْزِلَةِ " حَدَّثَنَا " " وَنَبَّأَنَا " , وَإِنْ كَانَتْ " نَبَّأَنَا " تَحْتَمِلُ مَا تَحْتَمِلُهُ " حَدَّثَنَا " وَ " أَخْبَرَنَا " , وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ , وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ يَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ لَنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجُرْجَانِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْآبُنْدُونِيِّ " سَمِعْتُ " وَلَا يَقُولُ " حَدَّثَنَا " وَلَا " أَخْبَرَنَا " , فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : كَانَ الْآبُنْدُونِيُّ عَسِرًا فِي الرِّوَايَةِ جِدًّا , مَعَ ثِقَتِهِ وَصَلَاحِهِ وَزُهْدِهِ , وَكُنْتُ أَمْضِي مَعَ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ الْكَرْجِيِّ إِلَيْهِ فَيَدْخُلُ أَبُو مَنْصُورٍ عَلَيْهِ وَأَجْلِسُ أَنَا بِحَيْثُ لَا يَرَانِي الْآبُنْدُونِيُّ , وَلَا يَعْلَمُ بِحُضُورِي , وَيَقْرَأُ هُوَ الْحَدِيثَ عَلَى أَبِي مَنْصُورٍ وَأَنَا أَسْمَعُ , فَلِهَذَا أَقُولُ فِيمَا أَرْوِيهِ عَنْهُ " سَمِعْتُ " وَلَا أَقُولُ " ثَنَا " وَلَا " أَخْبَرَنَا " ، لِأَنَّ قَصْدَهُ كَانَ الرِّوَايَةَ لِأَبِي مَنْصُورٍ وَحْدَهُ.
قال الزَّركشى: والصَّحيح التفصيل, وهو أنَّ حدَّثنا أرْفع, إن حدَّثه على العُموم , وسمعتُ إن حدَّثه على الخُصُوص.
وكذا قال القَسْطلانى في «المنهج».
وَأمَّا قال لنَا فُلان, أو ذكَرَ لنا, فَكَحَدَّثَنَا, غير أنَّهُ لائق بِسَمَاعِِ المُذَاكَرَةِ, وهو بهِ أشْبَهُ من حدَّثنا, وأوضَحُ العِبَارَاتِ: قال, أو ذكَرَ, من غير لِي, أو لنا, وهو أيضًا مَحْمُولٌ على السَّماعِ إذا عُرِفَ اللِّقَاءُ على ما تقدَّمَ في نوعِ المُعضَلِ, لا سيما إن عُرِفَ أنَّهُ لا يَقُولُ قال, إلاَّ فِيمَا سَمعَهُ مِنْهُ, وَخَصَّ الخَطِيبُ حَمْلهُ عَلَى السَّمَاعِ به, والمَعْرُوفُ أنَّهُ ليسَ بشَرطٍ.
وأمَّا قالَ لنَا فُلان أو قال لي أو ذكر لنا أو ذُكر لي فكحدَّثنا في أنَّه مُتَّصل غير أنَّه لائق بسماع المُذاكرة, وهو به أشبه من حدَّثنا.
وأوضح العبارات: قال, أو ذكر من غير لي, أو لنا, وهو مع ذلك أيضًا محمول على السَّماع, إذا عُرف اللِّقاء وسلم من التَّدليس على ما تقدَّم في نوع المُعْضل في الكلام على العنعنة لا سيما إن عرف من حاله لأنَّه لا يقول: قال إلاَّ فيما سمعهُ منه كحجَّاج بن محمَّد الأعور, روى كُتب ابن جُريج عنه بلفظ: قال ابن جُريج, فحملها النَّاس عنه, واحتجُّوا بها.
وخصَّ الخَطِيب(13)حملهُ على السَّماع به أي: بمن عرف منهُ ذلك، بخلاف من لا يعرف ذلك منه, فلا يحمله على السَّماع والمعروف أنَّه ليسَ بشرط.
وأفْرَط ابن مَنده فقال(14): حيث قال البُخَاري: قال لنا, فهو إجَازة, وحيث قال: قال فُلان, فهو تدليس.
وردَّ العلماء عليه ذلك ولم يقبلوه.
2- القراءة على الشيخ(15):
سلك المحدثون هذا الطريق بعد أن انتشر التدوين، وأصبحت كتابة الحديث أمرا شائعا. ومعنى العرض عندهم:
القراءة على الشيخ من حفظ القارئ، أو من كتاب بين يديه. وهو طريق صحيحة في تلقي الحديث، والرواية به سائغة بالإجماع.(16)
ويُسميها أكثر المُحدِّثين عرضاً من حيث أن القارىء يعرض على الشَّيخ ما يقرؤه, كما يعرض القُران على المُقرىء.
لكن قال شيخ الإسلام ابن حجر في «شرح البخاري»(17): لِمَا بَيْنهمَا مِنْ الْعُمُوم وَالْخُصُوص ؛ لِأَنَّ الطَّالِب إِذَا قَرَأَ كَانَ أَعَمّ مِنْ الْعَرْض وَغَيْره ، وَلَا يَقَع الْعَرْض إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْعَرْض عِبَارَة عَمَّا يُعَارِض بِهِ الطَّالِب أَصْل شَيْخه مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْره بِحَضْرَتِهِ فَهُوَ أَخَصّ مِنْ الْقِرَاءَة . وَتَوَسَّعَ فِيهِ بَعْضهمْ فَأَطْلَقَهُ عَلَى مَا إِذَا أَحْضَرَ الْأَصْل لِشَيْخِهِ فَنَظَرَ فِيهِ وَعَرَفَ صِحَّته وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ غَيْر أَنْ يُحَدِّثهُ بِهِ أَوْ يَقْرَأهُ الطَّالِب عَلَيْهِ . وَالْحَقّ أَنَّ هَذَا يُسَمَّى عَرْض الْمُنَاوَلَة بِالتَّقْيِيدِ لَا الْإِطْلَاق . وَقَدْ كَانَ بَعْض السَّلَف لَا يَعْتَدُّونَ إِلَّا بِمَا سَمِعُوهُ مِنْ أَلْفَاظ الْمَشَايِخ دُون مَا يُقْرَأ عَلَيْهِمْ. انتهى.
سواء قرأتَ عليه بنفسك أو قرأ غيرك عليه وأنتَ تسمع وسواء كانت القراءة منك, أو من غيرك من كتاب, أو حفظ وسواء في الصور الأربع حفظ الشَّيخ ما قُرىء، عليه أم لا, إذَا أمسك أصلهُ هو, أو ثقة غيره كما سيأتي.
قال العِرَاقي(18): وهكذا إنْ كان ثقةٌ من السامعينَ يحفظُ ما يُقْرَأُ على الشيخِ ، والحافظُ لذلك مُستمِعٌ لما يُقْرَأُ غيرُ غافلٍ عنهُ فذاكَ كافٍ أيضاً . ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ هذهِ المسألة الأخيرةَ . والحكمُ فيها مُتَّجِهٌ ، ولا فرقَ بينَ إمساكِ الثِّقَةِ لأصلِ الشيخِ وبين حفظِ الثقةِ لما يقرأُ وقد رأيتُ غيرَ واحدٍ من أَهلِ الحديثِ وغيرِهم اكتفى بذلك سواءٌ كانَ الحافظُ هو الذي يقرأُ أو غيرُه.. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: ينبغي ترجيح الإمْسَاك في الصور كلها على الحِفْظ, لأنَّه خوَّان.
وشرط الإمام أحمد في القارىء أن يَكُون مِمَّن يعرفُ ويفهم.
وشرط إمام الحرمين في الشَّيخ أن يَكُون بحيث لو فُرِضَ من القارىء تحريف, أو تصحيف لردَّه, وإلاَّ فلا يصح التحمُّل بها.
وهي أي الرِّواية بالقراءة بشرطها رِوَاية صحيحةٌ بلا خِلاف في جميع ذلك, إلاَّ ما حُكِيَ عن بعض من لا يُعتد به إن ثبت عنه, وهو أبو عاصم النَّبيل, رواه الرامهرمزي عنه(19).
وقال الخطيب في الكفاية (860) أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ إِجَازَةً شَافَهَنِي بِهَا ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقَصَّارُ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثنا أَبِي ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ , قَالَ : سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ : " مَا أَخَذْتُ حَدِيثًا قَطُّ عَرْضًا " , قُلْتُ : عِنْدَنَا مَنْ أَخَذَ عَرْضًا , قَالَ : مَنْ عَرَفَ مَا عَرَضَ مِمَّا سَمِعَ فَخُذْ مِنْهُ - يَعْنِي السَّمَاعَ " ..
861 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبِي ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِصْطَخْرِيُّ , قَالَ : قُرِئَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يَقُولُ : " لَمَّا خَرَجْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرُونِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ هِشَامٍ عَلَى الطَّرِيقِ , فَمِلْتُ إِلَيْهِ وَمَعِي ثَلَاثُ ظُهُورٍ مَمْلُوءًا مِنْ حَدِيثِهِ , فَصَادَفْتُهُ فَقَرَأَ عَلَيَّ شَيْئًا , وَقَالَ : أَنَا عَلِيلٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا , وَلَكِنِ اقْرَأْهَا عَلَيَّ فَأَبَيْتُ , وَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي كُنْتُ قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ "
862 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْفَقِيهُ , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ , قَالَ لَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْغَازِي : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى , يَقُولُ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ عِيسَى الطَّبَّاعَ , يَقُولُ : " لَا أَعُدُّ الْقِرَاءَةَ شَيْئًا بَعْدَ مَا رَأَيْتُ مَالِكًا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْعَسُ "
863 أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ ، ثنا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْبِيكَنْدِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَّامٍ , يَقُولُ : " أَدْرَكْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَإِذَا النَّاسُ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ لِذَلِكَ
864 أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا ، ثنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ، ثنا أَبُو مُسْهِرٍ , قَالَ : " قَدِمَ عَلَيْنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَكَانَ يُجَالِسُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَتَاهُ أَصْحَابُنَا فَعَرَضُوا عَلَيْهِ , فَلَمْ أَرَ أَخْذَهَا عَرْضًا حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ "
865 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ وَقَدْ كَانَ : " قَدِمَ مُطَرِّفٌ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا , وَكَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ مَنْزِلِ الْحُمَيْدِيِّ , فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَنِي الْحُمَيْدِيُّ فَقَالَ لِي : إِلَى أَيْنَ ؟ قُلْتُ : إِلَى مُطَرِّفٍ نَقْرَأُ كِتَابَ الْمُوَطَّأِ , قَالَ : وَلَمْ تَسْمَعِ الْمُوَطَّأَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ؟ قُلْتُ : بَلَى , قَدْ سَمِعْتُهُ , فَقَالَ لِيَ : انْصَرِفْ إِلَى الطَّوَافِ وَلَا تَشْتَغِلْ بِهِ , فَمَشَيْتُ مَعَهُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ : ابْنُ قَعْنَبَ كَانَ يَخْتَارُ السَّمَاعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ , فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ تَثَبَّتَ فِي الْعَرْضِ عَلَى مَالِكٍ , وَقُلْتُ أَوْ قَالَ لِي : وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ الْعَرْضَ مِثْلَ السَّمَاعِ , وَيَتَهَاوَنُونَ بِالْعَرْضِ أَيْضًا , قُلْتُ لَهُ : قَدْ سَمِعْتُ مَنْ وَقَفَ بِابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ , فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا تَقُولُ فِيهِ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ سَمِعْتُهُ مِنْهُ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنْ كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ , وَلَقَدْ كُنْتُ أَحْيَانًا أَكُونُ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ وَيُقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ خَارِجًا مِنَ الْحُجْرَةِ , فَكَانَ ذَلِكَ يَجْزِي , فَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ : هَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَا قُلْتُ لَكَ , سَمَاعُ الْمُوَطَّأِ مِنْ مُطَرِّفٍ لِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ "
866 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , بِالْبَصْرَةِ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّامَهُرْمُزِيُّ ، ثنا أَبُو خَلِيفَةَ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَلَّامٍ , يَقُولُ : " دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَلَى بَابِهِ مَنْ يَحْجُبُهُ , وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَهُوَ يَقُولُ : حَدَّثَكَ نَافِعٌ , حَدَّثَكَ ابْنُ شِهَابٍ , حَدَّثَكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ , فَيَقُولُ مَالِكٌ : نَعَمْ نَعَمْ , فَلَمَّا فَرَغَتْ قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَوِّضْنِي مِمَّا حَدَّثْتَهُ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ تَقْرَؤُهَا عَلَيَّ , قَالَ : أَعِرَاقِيٌّ أَعِرَاقِيٌّ ؟ أَخْرِجُوهُ عَنِّي "
867 وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّطَنِ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ , قَالَ : حَضَرْتُ مَالِكًا وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ , فَسَأَلَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ يُحَدِّثُهُ بِهَا , فَقَالَ مَالِكٌ : اعْرِضْهَا , إِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , إِنَّ الْعَرْضَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا , فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : فَأَنْتَ أَعْلَمُ , فَأَتَاهُ مِرَارًا , كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ : اعْرِضْهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ , فَيَقُولُ : الْعَرْضُ لَا يَجُوزُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ وَثَبَ إِلَيْهِ الصُّوفِيُّ فَلَزِمَ مَضْرَبَةً كَانَتْ تَحْتَهُ , ثُمَّ قَالَ : وَرَبِّ هَذَا الْقَبْرِ لَا أَدَعُهَا أَوْ تُحَدِّثَنِي بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ , فَقَالَ مَالِكٌ لِرَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ يُكْنَى أَبَا طَلْحَةَ ، لَيْتَكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ , فَإِنِّي أَرَى بِهِ لَمَمًا , فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ , مَا أَرَى بِالرَّجُلِ لَمَمًا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ مَالِكٌ : هَاتِ , فَقَالَ الصُّوفِيُّ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ , فَقَالَ مَالِكٌ : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ , عَنْ أَنَسٍ , " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ " , قَالَ ابْنُ شِهَابٍ , وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا , ثُمَّ قَالَ الصُّوفِيُّ : إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ , أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَالْأُخْرَى جَارِيَةً
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 279) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 664) و تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 85) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 664) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 159) ورسوم التحديث في علوم الحديث - (ج 1 / ص 104)
(2) - 1 الإلماع: 69. ونحوه قاله ابن الصلاح: 122، وغيره.
(3) - الإلماع ص 69
(4) - علوم الحديث ص 166
(5) - التبصرة 2/25
(6) - الكفاية ص 413
(7) - علوم الحديص ص 166
(8) - الاقتراح ص 214
(9) - التبصرة 2/26
(10) - قلت : الزعم بأنه الخضر رجم بالغيب ، ولا أصل له، والصواب أن الحضر قد مات قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنوات متطاولة ، ولا يوجد دليل يخصصه بطول العمر ، سوى الاعتماد على أقاويل عرية عن الصحة والدليل .
(11) - الكفاية ص 413
(12) - علوم الحديث ص 167
(13) - الكفاية ص 418
(14) - النكت للزركشي 3/479
(15) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 26) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 13) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 387) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 282) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 662) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 39)
(16) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 214)
(17) - الفتح 1/149
(18) - التبرصرة 2/30
(19) - المحدث الفاصل ص 420(1/374)
868 فَقَالَ مَالِكٌ : حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ , " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ , سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ , أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَالْأُخْرَى جَارِيَةً , أَيَتَنَاكَحَانِ ؟ قَالَ , لَا " , قَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ
869 فَقَالَ مَالِكٌ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , " أَنَّهُ سَمِعَ الْإِقَامَةَ , وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ "
870 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبِي , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : جِئْنَا إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ وَقَدِ اعْتَلَّ , أَحْسَبُهُ قَالَ : عِلَّةَ الْمَوْتِ , وَمَعَ الْوَرَّاقِينَ أَجْزَاءٌ كَثِيرَةٌ , فَسُئِلَ , فَقَالَ : " أَخْرُجُ إِلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , فَإِنْ رَضُوا أَنْ يُقْرِئُوهُمْ فَعَلْتُ أَوْ كَمَا قَالَ "
871 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَا : أنا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزَّوْزَنِيُّ , قَاضِي سِجِسْتَانَ ، أنا أَبُو سَعِيدٍ الْمُسْتَمْلِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ هَاشِمُ بْنُ الْوَلِيدِ ، ثنا أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ حَفْصُ بْنُ سَلْمٍ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ " الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ أَصَحُّ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَالِمِ بَعْدَمَا أَقَرَّ أَنَّهُ حَدِيثُهُ "
872 أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ , ح وَأَخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْإِيَادِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ النَّصِيبِيُّ ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ ، ثنا السَّكَنُ بْنُ نَافِعٍ ـ وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ رَوْحٍ ـ قَالَ : ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ , عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ , قَالَ : قَالَ بَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ : " كُنْتُ أَكْتُبُ بَعْضَ مَا أَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , فَلَمَّا أَرَدْتُ فِرَاقَهُ أَتَيْتُهُ بِالْكُتُبِ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ , فَقُلْتُ : هَذَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ , قَالَ : نَعَمْ "
873 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّرْسِيُّ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ مُجَاهِدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الدَّوْرَقِيِّ ، ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ , قَالَ : قَالَ شُعْبَةُ : الْقِرَاءَةُ عِنْدِي أَثْبَتُ مِنَ السَّمَاعِ , وَكَانَ يَقُولُ : قَرَأْتُ عَلَى مَنْصُورٍ وَقَرَأْتُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
874 أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّافِقِيُّ , إِجَازَةً ، أنا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الْبَرْبَرِيُّ ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَمَّادٍ , ح وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قِرَاءَةً ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شُقَيْرٍ ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الْبَرْبَرِيُّ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ ، وَهُوَ ابْنُ حَمَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ , يَقُولُ " إِذَا قَرَأْتُ عَلَى الْمُحَدِّثِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ لِي كِتَابِي "
875 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ الْأَهْوَازِيُّ ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ , قَالَ : كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يَقُولُ " الْقِرَاءَةُ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنَ الْإِمْلَاءِ , لِأَنِّي إِذَا قُرِئَ عَلَيَّ جَعَلْتُ ذِهْنِي كُلَّهُ فِيهِ " قَالَ الْخَطِيبُ : ذَكَرْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَرْقَانِيِّ فَأُعْجِبَ بِهَا , وَسَأَلَنِي فَكَتَبْتُهَا لَهُ
876 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبِي ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ ، ثنا حَمُ ابْنِ نُوحٍ ، ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ : " كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يَرَى الْقِرَاءَةَ عَلَى الْعَالِمِ أَفْضَلَ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَالِمِ عَلَيْكَ "
877 أَخْبَرَنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، ثنا أَبِي ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ , قَاضِي قَزْوِينَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ , قَالَ : قَالَ أَبُو يُوسُفَ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : " لَأَنْ أَقْرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَقْرَأَعَلَيَّ "
878 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، أنا ابْنُ خَلَّادٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ : سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ , قَالَ : سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ أَصَحِّ السَّمَاعِ , فَقَالَ " قِرَاءَتُكَ عَلَى الْعَالِمِ , أَوْ قَالَ عَلَى الْمُحَدِّثِ , ثُمَّ قِرَاءَةُ الْمُحَدِّثِ عَلَيْكَ , ثُمَّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْكَ كِتَابَهُ فَيَقُولُ : ارْوِ هَذَا عَنِّي , قَالَ : فَقُلْتُ لِمَالِكٍ : أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَأَقُولُ : حَدَّثَنِي ؟ قَالَ : أَوَلَمْ يَقُلِ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَقْرَأَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ , وَإِنَّمَا قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ "
879 وَأَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ , يَقُولُ : " مَا قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَثْبَتُ فِي نَفْسِي مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ , قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ مَرَّةً الْكَلَامَ وَمَرَّةً الْإِسْنَادَ
880 أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَزْوِينِيُّ ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيَّ , يَقُولُ : " اخْتَلَفْتُ إِلَى مَالِكٍ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَمَا مِنْ حَدِيثٍ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ : سَمِعْتُهُ مِرَارًا مِنْ مَالِكٍ , وَلَكِنِّي اقْتَصَرْتُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ , لِأَنَّ مَالِكًا كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الرَّجُلِ عَلَى الْعَالِمِ أَثْبَتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَالِمِ عَلَيْ
881 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ ، أنا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ حَيَّانَ الْحُلْوَانِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُونُسَ السَّرَّاجُ , قَالَ : سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ يُحَدِّثُنَا بِحَدِيثٍ فَأَبَى , فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَكَانَ إِلَى جَانِبِهِ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا إِنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ , فَقَالَ : إِنْ كَانَ حَسَنًا فَسَتَقْرَؤُهُ , فَقَالَ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ , فَقَالَ وَاللَّهِ وَاللَّهِ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ ثَلَاثًا " لَقِرَاءَتُكَ عَلَيَّ أَثْبَتُ عِنْدِي مِنْ قِرَاءَتِي عَلَيْكَ , وَعِنْدَ مَنْ تَعَلَّمْتُ مِنْهُ أَعْنِي مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ , وَابْنَ لَهِيعَةَ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَالْعِلَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنِ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمُحَدِّثِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ ظَاهِرَةٌ , لِأَنَّ الرَّاوِيَ رُبَّمَا سَهَا وَغَلِطَ فِيمَا يَقْرَؤُهُ بِنَفْسِهِ , فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ السَّامِعُ , إِمَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ الشَّأْنِ , أَوْ لِأَنَّ الْغَلَطَ صَادَفَ مَوْضِعَ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ , فَيَتَوَهَّمُ ذَلِكَ الْغَلَطَ مَذْهَبًا فَيَحْمِلُهُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ أَوْ لِهَيْبَةِ الرَّاوِي وَجَلَالَتِهِ , فَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِ , وَأَمَّا إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ فَارِغُ السِّرِّ حَاضِرُ الذِّهْنِ , فَمَضَى فِي الْقِرَاءَةِ غَلَطٌ , فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَرُدُّهُ عَلَى الْقَارِئِ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي مَعْنَى الْخِلَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَالِمِ بِنَفْسِهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
وفي معرفة السنن والآثار( 10000 ) سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ يَقُولُ : إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : جِئْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَقَدْ حَفِظْتُ الْمُوَطَّأَ ظَاهِرًا , فَقَالَ لِي : اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ , فَقُلْتُ : لَا عَلَيْكَ أَنْ تَسْمَعَ قِرَاءَتِي ، قَالَ : فَإِنْ خَفَّتْ عَلَيْكَ قَرَأْتُ لِنَفْسِي ، قَالَ : فَلَمَّا سَمِعَ قِرَاءَتِي قَرَأْتُ لِنَفْسِي . قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , وَمِنْ بَعْدِهِمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَغَيْرُهُ مِنَ التَّابِعِينَ . وَالْأَكْثَرُ مِنَ أَئِمَّةِ الدِّينِ كَانُوا يَرَوْنَ قِرَاءَتَكَ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَةَ الْعَالِمِ عَلَيْكَ سَوَاءٌ . وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ يَحْكِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْحَدَّادِ أَنَّهُ قَالَ : عِنْدِي خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ ، فَقِيلَ لَهُ : فَقَالَ قِصَّةَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ : آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ , فَذَكَرَهُ . قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَأَمَّا مَا يَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَفِيمَا اهـ(1)
واستدلَّ البخاري على ذلك بحديث (63 ) عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ . فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : يَا ابْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " قَدْ أَجَبْتُكَ " . فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ ؟ فَقَالَ : " سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ " فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ؟ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " . قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " . قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ ؟ قَالَ : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " . قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ نَعَمْ " . فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.اهـ
واختلفوا في مُسَاواتها للسَّماع من لفظ الشَّيخ في المرتبة ورُجحانه عليها, ورجحانها عليه على ثلاثة مذاهب:
فَحُكِيَ الأوَّل: وهو المُسَاواة عن مالك, وأصحابه, وأشياخه من عُلماء المدينة ومُعظم عُلماء الحِجَاز, والكُوفة, والبُخَاري, وغيرهم.
وفي المحدث الفاصل(419 )أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَازَانِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ شَبْوَيْهِ الْخُرَاسَانِيُّ ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ : أَقْرَأُ عَلَيْكَ الْحَدِيثَ ، فَأَقُولُ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ؟ قَالَ : فَمَنْ حَدَّثَكَ غَيْرِي ؟ " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْغَزَّاءُ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُبَيْدٍ ، ثَنَا حِذْيَمٌ السَّعْدِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، بِمِثْلِ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ قَالَ بِشْرٌ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفُرٍ وَرُوِيَ أَيْضًا تَجْوِيزُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ
(420 ) فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، فَإِنِّي حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَلَفٍ ، حَدَّثَهُمْ ، ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ نُوحَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ : " سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ فَقَالَ : الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ السَّمَاعِ مِنْهُ ".(2)
وفي الكفاية( 822 ) أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ ، ثنا أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الضَّيْفِ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ ، حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " اقْرَأُوا عَلَيَّ فَإِنَّ قِرَاءَتَكُمْ عَلَيَّ كَقِرَاءَتِي عَلَيْكُمْ "(3).
وحكاهُ أبو بكر الصَّيرفي, عن الشَّافعي.
قُلتُ: وعندي أنَّ هؤلاء لمَّا ذكروا المُسَاواة في صحَّة الأخذ بها, ردًّا على من كان أنكرها لا في اتِّحاد المَرْتبة.
وفي الكفاية(991 ) أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ , قَالَا : أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أَخْبَرَنَا ـ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رِزْقٍ : حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، ثنا أَبُو طَاهِرٍ , عَنِ ابْنِ وَهْبٍ , قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا : " وَسُئِلَ عَنِ الْكُتُبِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَيْكَ أَيَقُولُ الرَّجُلُ حَدَّثَنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ كَذَلِكَ الْقُرْآنُ أَلَيْسَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عَلَى الرَّجُلِ الْقُرْآنَ فَيَقُولُ أَقْرَأَنِي فُلَانٌ ؟ فَقِيلَ لَهُ : أَكُنْتَ تَقْرَأُ أَنْتَ الْعِلْمَ عَلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ : لَا , قَالَ مَالِكٌ : وَلَا كَتَبْتُ فِي هَذِهِ الْأَلْوَاحِ قَطُّ " ( وهذا سند صحيح ).
وفي الكفاية (857 )حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , قَالَ : هَذَا كِتَابُ أَبِي وَدَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَرَأْتُ فِيهِ : أنا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادِرَائِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَكِّيُّ , عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا , يَأْبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ عَلَى مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ لَا يَجْزِيهِ الْعَرْضُ , وَلَا يَجْزِيهِ إِلَّا السَّمَاعُ , وَيَقُولُ مَالِكٌ : " إِذَا قَرَأْتَ عَلَى الْقَارِئِ فَسُئِلْتَ : مَنْ أَقْرَأَكَ ؟ أَلَيْسَ تَقُولُ : فُلَانٌ , وَهُوَ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْكَ , إِنَّمَا قَرَأْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ , فَلَا تَرَى ذَلِكَ يَجْزِيكَ فِي الْحَدِيثِ وَتَرَى أَنَّهُ يَجْزِيكَ فِي الْقُرْآنِ , وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ , فَكَيْفَ لَا تَأْخُذُ الْحَدِيثَ عَرْضًا وَتُرِيدُ أَلَّا تَأْخُذَ إِلَّا سَمَاعًا , وَذَلِكَ الْمُحَدِّثُ إِنَّمَا أَخَذَهُ عَرْضًا , فَكَيْفَ جَوَّزْتَ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَكَ مَا أَخَذَهُ عَرْضًا وَلَمْ تُجَوِّزْ لِنَفْسِكَ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ كَمَا عَرَضَ هُوَ " ..
وحكي الثَّاني وهو ترجيح السَّماع عليها عن جُمهور أهل المشرق, وهو الصَّحيح.
وحكيَ الثَّالثُ وهو ترجيحها عليه عن أبي حنيفة, وابن أبي ذئب, وغيرهما, و هو رواية عن مالك حكاها عنه الدَّارقُطْي, وابن فارس, والخطيب.
وحكاهُ الدَّارقُطْني أيضًا عن الليث بن سعد, وشُعبة, وابن لَهيعة, ويحيى بن سعيد, ويحيى بن عبد الله بن بُكَير, والعبَّاس بن الوليد بن مَزْيد, وأبي الوليد, وموسى بن داود الضَّبي, وأبي عُبيد, وأبي حاتم.
وحكاهُ ابن فارس عن ابن جُريج, والحسن بن عمارة.
وروى البيهقي في «المَدْخل» عن مَكِّي بن إبراهيم قال: كان ابن جُريج وعُثمان بن الأسود, وحَنْظلة بن أبي سُفيان, وطلحة بن عَمرو, ومالك, ومحمَّد بن إسحاق, وسُفيان الثَّوري, وأبو حنيفة, وهِشَام, وابن أبي ذئب, وسعيد بن أبي عَرُوبة, والمُثنى بن الصَّباح, يقولون: قراءتُك على العالم, خيرٌ من قِرَاءة العالم عليكَ, واعتلُّوا بأنَّ الشَّيخ لو غلط لم يتهيأ للطَّالب الرَّد عليه.
وفي معرفة علوم الحديث 479 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , قَالَ : ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ : سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِهِ ، أَسَمَاعٌ هُوَ ؟ فَقَالَ : " مِنْهُ سَمَاعٌ ، وَمِنْهُ عَرْضٌ ، وَلَيْسَ الْعَرْضُ بِأَدْنَى عِنْدَنَا مِنَ السَّمَاعِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَدْ ذَكَرْنَا مَذَاهِبَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي الْعَرْضِ ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوهُ عَلَى الشَّرَائِطِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا ، وَلَوْ عَايَنُوا مَا عَايَنَّاهُ مِنْ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا ، لَمَا أَجَازُوهُ ، فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي كِتَابِهِ كَيْفَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ ؟ وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ أَفْتَوْا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَرَ الْعَرْضَ سَمَاعًا ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمُحَدِّثِ ، أَهُوَ أَخْبَارٌ أَمْ لَا ؟ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ بِالْحِجَازِ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ ، وَالْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ بِمِصْرَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْعِرَاقِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ بِالْمَشْرِقِ ، وَعَلَيْهِ عَهِدْنَا أَئِمَّتِنَا ، وَبِهِ قَالُوا : وَإِلَيْهِ ذَهَبُوا ، وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ ، وَبِهِ نَقُولُ : إِنَّ الْعَرْضَ لَيْسَ بِسَمَاعٍ ، وَإِنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمُحَدِّثِ إِخْبَارٌ ، وَالْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً ، سَمِعَ مَقَالَتِيَ فَوَعَاهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا " ، وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ " , فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ .
__________
(1) - انظر شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 130)
(2) - قلت : ولا يصح هذا الخبر انظر شرح علل الترمذي 1/237
(3) - قلت : ولا يصح هذا الخبر انظر شرح علل الترمذي 1/233و237(1/375)
480 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا ، فَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فَقِهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ " الْحَدِيثَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " فَلَمَّا نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اسْتِمَاعِ مَقَالَتِهِ وَحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا إِلَى مَنْ يُؤَدِّيهَا ، وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْمُرُ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ إِلَّا مَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَدَّى إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَدَّى عَنْهُ حَلَالٌ يُؤْتَى ، وَحَرَامٌ يُجْتَنَبُ ، وَحَدٌّ يُقَامُ ، وَمَالٌ يُؤْخَذُ وَيُعْطَى ، وَنَصِيحَةٌ فِي دَيْنٍ وَدُنْيَا " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَالَّذِي أَخْتَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ ، وَعَهِدْتُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَشَايِخِي وَأَئِمَّةِ عَصْرِي أَنْ يَقُولَ فِي الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ ، وَمَا يَأْخُذُهُ عَنِ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا مَعَ غَيْرِهِ : حَدَّثَنَا فُلَانُ ، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ : أَخْبَرَنِي فُلَانٌ ، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ حَاضِرٌ : أَخْبَرَنَا فُلَانٌ ، وَمَا عُرِضَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَأَجَازَ لَهُ رِوَايَتَهُ شَفَاهًا يَقُولُ فِيهِ : أَنْبَأَنِي فُلَانٌ ، وَمَا كَتَبَ إِلَيْهِ الْمُحَدِّثُ مِنْ مَدِينَةٍ ، وَلَمْ يُشَافِهْهُ بِالْإِجَازَةِ يَقُولُ : كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ .
وفي الكفاية (887) أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْحَافِظُ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ ، ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحُسَيْنِ , قَالَ : كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ يَقُولُ " الْقِرَاءَةُ عَلَيَّ أَثْبَتُ وَأَفْهَمُ لِي مِنْ أَنْ أَتَوَلَّى الْقِرَاءَةَ أَنَا أَوْ نَحْوَ هَذَا " .
وقال صاحب البَدِيع, بعد اختياره التَّسوية: محل الخِلاف ما إذَا قرأ الشَّيخ في كِتَابه, لأنَّه قد يسهو، فلا فرقَ بينهُ وبين القِرَاءة عليه، أمَّا إذا قرأ الشَّيخ من حفظه، فهو أعلى بالاتفاق.
واختار الحافظ ابن حجر: أنَّ محل ترجيح السَّماع ما إذا استوى الشَّيخ والطَّالب، أو كان الطَّالب أعلم، لأنَّه أوْعَى لما يَسْمع, فإن كان مَفْضُولاً, فقراءته أوْلَى, لأنَّها أضْبط له.
قال: ولهذَا كان السَّماع من لفظهِ في الإملاء أرفع الدَّرجات, لِمَا يلزم منهُ من تحرير الشَّيخ والطَّالب, وصرَّح كثيرون بأن القِرَاءة بنفسه أعْلى مرتبة من السَّماع بقراءة غيره.
وقال الزَّركشي: القارىء, والمُستمع سواء.
والأحوط الأجود في الرِّواية بها أن يقول: قرأتُ على فُلان إن قرأ بنفسه أو قرىء عليه وأنا أسمع, فأقرَّ به, ثمَّ تلي ذلك عبارات السَّماع مُقيدة بالقِرَاءة, لا مُطْلقة كحدَّثنا بقراءتي, أو قِرَاءة عليه وأنا أسمع أو أخبرنا بقراءتي, أو قراءة عليه وأنا أسمع, أو أنبأنا, أو نبأنا, أو قال لنا كذلك وأنشدنا في الشِّعر قراءة عليه, ومنع إطلاق حدثنا وأخبرنا هنا عبد الله ابن المُبَارك, ويحيى بن يحيى التَّميمي, وأحمد بن حنبل, والنَّسائي, وغيرهم.
قال الخطيب(1): 948 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ , أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ , قَالَ : " اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَارِئِ الْحَدِيثِ عَلَى الشَّيْخِ , إِذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ , أَوْ سَكَتَ عَنْهُ سُكُوتًا يَقُومُ مَقَامَ إِقْرَارِهِ بِهِ , هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : سَمِعْتُ فُلَانًا يُحَدِّثُ بِكَذَا , أَوْ " حَدَّثَنِي " فُلَانٌ بِكَذَا , أَمْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ لَهُ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ , وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : سَمِعْتُ فُلَانًا , وَلَا " حَدَّثَنِي " وَلَا " أَخْبَرَنِي " , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ , لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ سَمِعْتُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُحَدِّثَ نَطَقَ بِهِ , وَأَنَّ الْقَائِلَ سَمِعْتُهُ يَحْكِي لَفْظَهُ , وَذَلِكَ بَاطِلٌ , وَإِخْبَارٌ بِالْكَذِبِ , وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ : حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهُ نَطَقَ وَتَحَدَّثَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ , وَذَلِكَ مَا لَا أَصْلَ لَهُ , وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ عِنْدَنَا جَوَازُ ذَلِكَ لِمَنْ عُلِمَ حَالُهُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إِيهَامَ سَمَاعِ لَفْظِ الْمُحَدِّثِ وَإِخْبَارِهِ وَحَدِيثِهِ مِنْ لَفْظِهِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ , وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ سُكُوتَ مُقِرٍّ بِهِ , إِذَا كَانَ ثِقَةً عَدْلًا لَا يَقْصِدُ التَّمْوِيهَ وَالْإِلْبَاسَ , فَأَمَّا إِذَا عُرِفَ بِقَصْدِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ حَدِيثُهُ وَلَمْ يَسُغْ لَهُ ذَلِكَ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ قَارِئُ الْحَدِيثِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ ؟ قِيلَ : يَجِبُ أَنْ يَقُولَ : حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ , لِيَرْفَعَ بِذَلِكَ الْإِيهَامَ لِسَمَاعِهِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ " وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ الْقَاضِي وُجُوبَهُ هُوَ مَذْهَبُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ : يَكْفِي الرَّاوِيَ أَنْ يَقُولَ فِيمَا سَمِعَهُ قِرَاءَةً " أَخْبَرَنَا " وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقُولَ : قِرَاءَةً , وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ : الْبَيَانُ أَوْلَى , فَإِنْ كَانَ سَمِعَ بِقِرَاءَتِهِ يَقُولُ : قَرَأْتُ , وَإِنْ كَانَ سَمِعَ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ يَقُولُ : قُرِئَ وَأَنَا أَسْمَعُ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ " حَدَّثَنَا " وَلَا " أَخْبَرَنَا " , وَأَجَازَ قَوْمٌ قَوْلَ ذَلِكَ , وَأَنْ يَقُولَ أَيْضًا : سَمِعْتُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ أَسْمَاءَ مَنْ حُفِظَ عَنْهُمُ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ بِسِيَاقِهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ..
وجوزها طائفة, قيل: إنَّه مذهب الزُّهري, ومالك بن أنس, وسفيان ابن عُيينة, ويحيى بن سعيد القَطَّان, والبُخَاري, وجَمَاعات من المُحِّدثين, ومُعظم الحِجَازيين, والكُوفيين كالثَّوري, وأبي حنيفة, وصَاحبيه, والنَّضر بن شُميل، ويزيد بن هارون, وأبي عاصم النَّبيل, ووهب بن جرير, وثعلب, والطَّحاوي - وألَّف فيه جُزءًا - وأبي نُعيم الأصبهاني, وحكاهُ عياض عن الأكثرين, وهو رواية عن أحمد.
ومنهم من أجاز فيها سمعتُ أيضًا, ورُوِي عن مالك, والسفيانين, والصَّحيح لا يَجُوز.
وممَّن صحَّحه أحمد بن صالح , والقاضى أبو بكر البَاقلاني, وغيرهما.
ويقع في عِبَارة السِّلفي في كتابه «التسميع» سمعتُ بقراءتي, وهو إمَّا تسامح في الكِتَابة لا يستعمل في الرِّواية, أو رأي يفصل بين التَّقييد والإطلاق.
ومنعت طائفة إطلاق حدَّثنا, وأجازت إطلاق أخبرنا, وهو مذهب الشَّافعى وأصحابه, ومسلم بن الحجَّاج, وجُمهور أهل المشرق.
وقيل: إنَّه مذهب أكثر المحدِّثين عزاه لهم محمد بن الحسن التَّميمي الجوهري في كتاب «الإنصاف» قال: فإنَّ أخبرنا علَم يقوم مقام قائله أنا قرأته عليه, لا أنَّه لَفَظ به لي.
ورُوِيَ عن ابن جريج, والأوزاعي, وابن وهب.
قال ابن الصَّلاح(2): وقيل: إنَّه أوَّل من أحدث الفَرْق بين اللَّفظين بِمصر, وهذا يدفعه النقل عن ابن جريج, والأوزاعى, إلاَّ أن يعني أنَّه أوَّل من فعل ذلك بمصر.
ورُوِيَ عن النَّسائي أيضًا, حكاه الجَوْهري المذكور.
وقال ابن الصلاح(3): وصار الفرق بينهما هو الشَّائع الغالب على أهل الحديث وهو اصْطلاح منهم, أرادوا به التَّمييز بين النَّوعين, والاحتجاج له من حيث اللغة فيه عناء وتكلف.(4)
وفي الكفاية (974 ) ذَكَرَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْهَرَوِيَّ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الشُّيُوخِ عَنْ الْفَرَبْرِيِّ , صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ , وَكَانَ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ : حَدَّثَكُمُ الْفَرَبْرِيُّ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابِ قَالَ لَهُ : " أَلَيْسَ حَدَّثَكُمُ الْفَرَبْرِيُّ بِهَذَا الْكِتَابِ مِنْ لَفْظِهِ ؟ فَقَالَ الشَّيْخُ : لَا , إِنَّمَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ , فَقَالَ : تَسْمَعُنِي أَقُولُ حَدَّثَكُمُ الْفَرَبْرِيُّ فَلَا تُنْكِرُ عَلَيَّ ؟ ثُمَّ أَعَادَ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ كُلِّهِ وَقَالَ لَهُ فِي جَمِيعِهِ : أَخْبَرَكُمُ الْفَرَبْرِيُّ "
قال العِرَاقي(5): "وكأَنَّهُ كانَ يرى أَنَّهُ لابُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّنَدِ في كُلِّ حديثٍ ، وإنْ كانَ الإسنادُ واحداً إلى صاحبِ الكتابِ ، وهو من مذاهبِ أهلِ التشديدِ في الروايةِ ، وإلاَّ لاكتفى بقولهِ لهُ: أخبرَكُم الفِرَبْرِيُّ بجميعِ صحيحِ البخاريِّ . والصحيحُ أنَّهُ لا يحتاجُ إلى إعادةِ السَّنَد في كلِّ حديثٍ على ما سيأتي في موضوعِهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى."
فُروعٌ:
الأوَّل: إذا كان أصل الشَّيخ حال القراءة عليه بيد شخص موثوق به عند الشَّيخ مراع لمَا يقرأ, أهل له, فإنْ حفظَ الشيخُ ما يقرأ عليه فهو كإمْسَاكه أصلَه بيده وأوْلَى لتعاضد ذهني شَخْصين عليه.
وإن لم يحفظ الشَّيخُ ما يُقرأُ عليه فقيل: لا يصحُّ السَّماع حكاه القاضي عياض عن الباقلاني, وإمام الحرمين.(6)
والصَّحيح المُختار الَّذي عليه العمل بين الشِّيوخ وأهل الحديث كافة أنَّه صحيح.
قال السَّلفيُّ: على هذا عهدْنا عُلماءنا عن آخرهم.
فإن كان أصلُ الشَّيخ بيد القارىء الموثُوق بدينه ومعرفته يقرأ فيه, والشيخ لا يحفظه فأولى بالتَّصحيح خلافاً لبعض أهل التشديد.
ومتى كان الأصل بيد غير موثوق به القارىء, أو غيره, ولا يؤمن إهماله لم يصحَّ السَّماعُ إن لم يحفظه الشَّيخُ.
الثَّاني: إذا قرأ على الشَّيخ, قائلاً أخبركَ فُلان أو نحوه كقلت: أخبرنا فُلان والشَّيخُ مُصغٍ إليه, فاهمٌ له غيرُ منكرٍ ولا مقرٍّ لفظًا صحَّ السَّماعُ, وجازتِ الرِّواية به اكتفاءً بالقرائن الظَّاهرة.
ولا يشترط نُطقُ الشَّيخ بالإقرار, كقوله: نعم على الصَّحيح الَّذي قطع به جماهيرُ أصحاب الفُنون الحديث, والفقه والأُصول.
وشرط بعضُ الشَّافعيين كالشَّيخ أبي إسحاق الشِّيرازى, وابن الصَّباغ, وسليم الرَّازي و بعضُ الظَّاهريين المُقَلدين لداود الظَّاهري نُطقَه به.
وقال ابن الصبَّاغ الشَّافعيُّ من المُشترطين: وله أَنْ يعملَ بِمَا قُرِئَ عليهِ ، وإذا أرادَ روايتَهُ عنهُ ، فليس لَهُ أَنْ يَقُوْل : حَدَّثَنِي ، ولا أَخْبَرَنِي ، بَلْ قرأتُ عَلَيْهِ ، أو قُرِئَ عليهِ وَهُوَ يسمعُ..
وصحَّحه الغزالي, والآمدي, وحكاه عن المتكلمين, وحكى تجويز ذلك عن الفُقهاء والمُحدِّثين، وحكاهُ الحاكم عن الأئمة الأربعة(7), وصحَّحه ابن الحاجب.
وقال الزَّركشى: يُشْترط أن يَكُون سُكوته لا عن غَفْلةٍ, أو إكراهٍ, وفيه نظرٌ.
ولو أشَار الشَّيخ برأسه, أو أصبعه للإقْرَار، ولم يتلفظ, فجزم في «المحصول» بأنَّه لا يقول: حدَّثني ولا أخبرني.
قال العِرَاقيُّ(8): وفيه نظر.
الثَّالث: قال الحاكم(9): الَّذي أختاره أنا في الرِّواية وعهدتُ عليه أكثر مشايخي، وأئمة عَصْري أن يقول الرَّاوي فيما سمعهُ وحده من لفظ الشَّيخ: حدَّثني بالإفراد و فيما سمعهُ منه مع غيره حدَّثنا بالجمع وما قرأ عليه بنفسه أخبرني, وما قرىء على المُحدِّث بحَضْرته أخبرنا.
ورُوي نحوه عن عبد الله ابن وهب صاحب مالك, روى التِّرمذي عنه في «العلل» (4389 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِىُّ الْمِصْرِىُّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مَا قُلْتُ حَدَّثَنَا فَهُوَ مَا سَمِعْتُ مَعَ النَّاسِ وَمَا قُلْتُ حَدَّثَنِى فَهُوَ مَا سَمِعْتُ وَحْدِى وَمَا قُلْتُ أَخْبَرَنَا فَهُوَ مَا قُرِئَ عَلَى الْعَالِمِ وَأَنَا شَاهِدٌ وَمَا قُلْتُ أَخْبَرَنِى فَهُوَ مَا قَرَأْتُ عَلَى الْعَالِمِ. يَعْنِى وَأَنَا وَحْدِى..
ورواه البَيْهقى في «المدخل» عن سعيد بن أبي مريم, وقال: عليه أدركتُ مشايخنا.
وهو معنى قول الشَّافعي وأحمد.
قال ابن الصَّلاح(10): وهو حسن رائق.
قال العِرَاقي(11): وفي كلامِ الحاكمِ وابنِ وَهْبٍ أَنَّ القارئَ يقولُ : أخبرني سواءٌ سمعَ معهُ غيرُه ، أَم لا.
وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ" : إنَّ القارئَ إذا كانَ مَعَهُ غيرُهُ يقولُ : أخبرنا فسوَّى بينَ مسألَتي التَّحْدِيثِ والإخبارِ في ذلكَ . ثُمَّ إِنَّ هذا التفصيلَ في أَلفاظِ الأَداءِ ليسَ بواجبٍ ، ولكنَّهُ مستحبٌ ، حكاهُ الخطيبُ عن أَهلِ العلمِ كافةً . فجائزٌ لِمَنْ سَمِعَ وحدَهُ أنْ يقولَ : أخبرنا وحَدَّثَنَا ولِمَنْ سَمِعَ معَ غيرهِ أَنْ يقولَ: أخبرني وحَدَّثَنِي، ونحوَ ذلكَ.. اهـ
قلتُ: الأوَّل أولى, ليتميز ما قرأهُ بنفسه, وما سمعهُ بقراءة غيره.
فإن شكَّ الرَّاوي هل كان وحده حالة التحمُّل فالأظهر أن يَقُول: حدَّثني, أو يقول: أخبرني, لا حدَّثنا, وأخبرنا لأنَّ الأصل عدمُ غيره, وأمَّا إذا شكَّ هل قرأ بنفسه, أو سمع بقراءة غيره.
قال العِرَاقي(12): " إذا شكَّ الراوي هلْ كانَ وحدَهُ حالةَ التحمُّلِ فيقولُ في الأَداءِ : حَدَّثَنِي ، أو كانَ معهُ غيرُهُ ، فيقولُ : حَدَّثَنَا ؟! فيحتملُ أَنْ يُقالَ : يؤدى بلفظِ مَنْ سَمِعَ وحدَهُ ؛ لأَنَّ الأصلَ عدمُ غيرِهِ . أَمَّا إذا شكَّ في تحمَّلِهِ هلْ هوَ مِنْ قَبيلِ: أَخبرنا ، أو أَخْبَرَنِي ؟ فقدْ جمعها ابنُ الصلاحِ معَ مسألةِ الشكِّ هلْ هوَ من قبيلِ : حَدَّثَنَا ، أو حَدَّثَنِي ؟! وأنه يحتملُ أن يقولَ : أخبرني ؛ لأَنَّ عدمَ غيرهِ هو الأصلُ . وفيه نظرٌ ؛ لأَنَّ قبيلَ أخبرني أن يكونَ هو الذي قَرَأَ بنفسِهِ على الشيخِ على ما ذكرهُ ابنُ الصلاحِ ، وعلى هذا فهو يتحقَّقُ سماعَ نفسِهِ ، ويشكُّ هل قَرَأَ بنفسِهِ أم لا ؟ والأصلُ : أنَّهُ لَمْ يقرَأْ . وَقَدْ حَكَى الخطيبُ في " الكفايةِ " عن البَرْقانيِّ : أَنَّهُ ربُّما شَكَّ في الحديثِ هَلْ قرأَهُ هُوَ أو قُرِئَ وَهُوَ يَسْمَعُ فيقولُ فيهِ: قرأْنَا عَلَى فلانٍ ؟! وهذا حَسَنٌ فإِن إِفرادَ الضميرِ يقتضي قراءَتَهُ بنفسِهِ ، وجَمْعُهُ يُمكنُ حَمْلهُ على قراءةِ بعضِ مَنْ حَضَرَ لسماعِ الحديثِ ، بل لو تحققَ أَنَّ الذي قَرَأَ غيرُهُ فلا بأْسَ أَنْ يقولَ : قرأْنَا. قالَهُ أحمدُ بنُ صالحٍ حين سُئِلَ عنهُ . وقال النُفَيْليُّ: قرأْنَا على مالكٍ ، وإنَّما قُرِئَ على مالكٍ ، وهو يَسمَعُ . وأما مسألةُ الشكِّ هلْ هوَ من قَبِيلِ : حَدَّثَنَا أو حَدَّثَنِي ، فقدْ رأَى يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ : الإتيانَ بضميرِ الجمعِ حَدَّثَنَا في مسألةٍ تُشْبِهُهَا ، وهيَ إذا شكَّ في لفظِ شيخِه ، هلْ قالَ : حَدَّثَنِي أو حَدَّثَنَا ؟ ومقتضاهُ هنا أَنْ يقولَ : حَدَّثَنَا ، وكَأَنَّ وَجْهَهُ : أَنَّ حَدَّثَنِي أَكملُ مرتبةً فيُقتصَرُ في حالةِ الشكِّ على الناقصِ ، وقدِ اختارَ البيهقيُّ - بعد حكايتِهِ كلامَ ابنِ القَطَّانِ -: أَنَّهُ يوحِّدُ فيقولُ : حَدَّثَنِي . اهـ
ولا يَجُوز إبْدَال: حدَّثنا بأخبرنا, أو عكسه في الكتب المؤلفة وإن كان في إقَامة أحدهما مقام الآخر خلاف, لا في نفس ذلكَ التَّصنيف, بأن يُغير, ولا فيما ينقل منهُ إلى الأجزاء والتخاريج.
وما سمعتهُ من لَفْظ المُحدِّث فهو أي: إبداله على الخِلاف في الرِّواية بالمعنى فإن جوَّزناها, جَاز الإبدال إن كان قائله يرى التَّسوية بينهما, ويجوز إطْلاق كليهما بمعنى وإلاَّ فلا يجوز إبدال ما وقع منه.
ومنع ابن حنبل الإبدال جزمًا.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الكفاية ص 428
(2) - علوم الحديث ص 169
(3) - علوم الحديث ص 170
(4) - انظر شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 130)
(5) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 130)
(6) - الإلماع ص 75 -76
(7) - معرفة علوم الحديث ص 259 ولكنه حكاه عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله ، ولم يذكر مالكا رحمه الله ، بل حكى عنه عكسه ، وذكر في ذلك أدلة عدة .
(8) - التبصرة 2/39 و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 132) الشاملة 2
(9) - معرفة علوم الحديث ص 260 -261
(10) - علوم الحديث ص 172
(11) - التبصرة 2/40 و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 133) الشاملة 2
(12) - التبصرة 2/41 وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 133) الشاملة 2(1/376)
أحاديث قيلت بلفظ الشهادة :
عقد الرَّامهرمزيفي المحدث الفاصل أبوابًا في تنويع الألفاظ السَّابقة:
منها: الإتيان بلفظ الشَّهادة,
484 حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَحْرٍ الْجَوْهَرِيُّ ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : شَهِدَ عِنْدِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ : أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ ، عَلَى قَفٍّ مُدَلِّيًا رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ فَدَقَّ الْبَابَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ " الْحَدِيثَ
485 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ، ثَنَا مُسَدَّدٌ ، عَنْ يَحْيَى التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : " أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْجَرِّ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ ، وَعَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا ، وَعَنِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا "
486 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عَامِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى وَالِدِي طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
487 حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ح وَحَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَّافُ ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَغَرِّ ، أَنَّهُ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ يَقُولُ : هَلْ مِنْ مُذْنِبٍ فَيَتُوبُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ ، ثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، سَمِعَ الْأَغَرَّ أَبَا مُسْلِمٍ ، : أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
488 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ "
489 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ ، وَلَيْسَ بِابْنِ عَائِشَةَ ، ثَنَا الْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ الْأَغَرِّ ، قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " خَمْسٌ مَنْ قَالَهُنَّ صَدَّقَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَكَلَّمَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مَرَّةً فِي مَرَضِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ "
490 حَدَّثَنِي أَبِي وَأَبُو عُمَرَ بْنُ سُهَيْلٍ قَالَا : ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى سَلْمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى الْمُغِيرَةِ قَالَ : " أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ " قَالَ الْقَاضِي : وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِمَا "
491 حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ : سَمِعْتُ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قَالَ عَطَاءٌ : أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى ، فَصَلَّى ، ثُمَّ خَطَبَ ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ "
492 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ ، ثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، ثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ ، عَنْ حَفْصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الْحَنَاتِمِ ، وَعَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ "
493 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى ، ثَنَا عَفَّانُ ، ثَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ فِيهِمْ عُمَرُ ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ "
494 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَشْنَانِيُّ ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ : شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ : مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَحْتَجِمُ لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ : " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ "
495 حَدَّثَنِي أَبِي ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ ، وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ "
496 حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ يُوسُفُ بْنُ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ ، ثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِي لَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي ثُمَّ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي ، لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ "
497 حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، وَمَسْرُوقٍ قَالَا : نَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : " مَا مِنْ يَوْمٍ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ "
وكذلك جاء بفلظ السماع وذكر روايات عديدة وهذه بعضها :
498 حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ السَّدُوسِيُّ ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ ، يَقُولُ : " إِنَّكُمْ مُلَاقُوا اللَّهَ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا "
499 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْغَزَّاءُ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَنْطَاكِيُّ ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ : سَمِعْتُ طَاوُسًا يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا "
500 حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّامِيُّ ، ثَنَا الْوَلِيدُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعُلَا قَالَ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ : أَلَمْ أَصَحَّ جِسْمَكَ وَأَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ "
501 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْدِيٍّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بِسْطَامٍ ، ثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخُرَاسَانِيُّ ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَيْسَرَةَ الزَّرَّادَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلَالِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "
502 حَدَّثَنَا أَبِي ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْقَاسِمَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاغْتَسَلْنَا "
503 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبُرِّيِّ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ خَالِدًا الْحَذَّاءَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْأَقْمَرِ يَقُولُ : " مَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَلَا يَعْتَدَّ بِالسُّجُودِ "
504 سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ الْجُنَيْدِ بْنِ بَهْرَامَ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ سَلْمَ بْنَ قُتَيْبَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبَايَةَ بْنَ رِبْعِيِّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيًّا ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ، قَالَ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "
505 حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بَكْرِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحِجْرُ "
506 سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ حَكِيمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ : وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ قَالَ : فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ يَقُولُ : " هِيَ دِمَشْقُ "
507 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الِإسْكَنْدَرَانِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا الرُّعَيْنِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ التُّجِيبِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا رَيْحَانَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : " حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
----------------
مَنْ قَالَ : حَدَّثَنَا فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ
508 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَارِكِيُّ قَالَا : ثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ ، ثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي الْمُصَرَّاةِ إِذَا اشْتَرَاهَا الرَّجُلُ فَحَلَبَهَا ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ "
509 أَخْبَرَنِي أَبِي ، أَنَّ أَبَا دَاوُدَ حَدَّثَهُمْ ، ثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَهُمْ ، أَنَّ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ فَأَجْلِدُوهَا ، وَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ " وَالضَّفِيرُ : الْحَبْلُ
510 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، أَنَّ كَثِيرَ بْنَ فَرْقَدٍ ، حَدَّثَهُ ، أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَهُ ثُنْيَاهُ "
511 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ ، أَخْبَرَهُ ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَخْبَرَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ : " هَذِهِ لِبْسَةُ الْكُفَّارِ ، فَلَا تَلْبَسْهَا "
512 حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ ، حَدَّثَهُ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ حَدَّثَهُ ، أَنَّ حُصَيْنَ بْنَ مِحْصَنٍ حَدَّثَهُ أَنَّ هَارُونَ بْنَ عَمْرٍو الْخَطْمِيَّ حَدَّثَهُ ، أَنَّ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ "
513 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى النُجَيْرِمِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ كَرْشِيذَ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ، قَالَا : ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ، ثَنَا مُحْرِزُ بْنُ وَزَرِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ حُصَيْنِ بْنِ مُشَمِّتِ الْحِمَّانِيُّ ، أَنَّ أَبَاهُ وَزَرًا حَدَّثَهُ ، أَنَّ أَبَاهُ عِمْرَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ ، أَنَّ أَبَاهُ عَاصِمًا حَدَّثَهُ ، أَنَّ أَبَاهُ حَصِينًا حَدَّثَهُ : " أَنَّهُ وَفْدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَصَدَّقَ إِلَيْهِ مَالَهُ ، وَأَقْطَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِيَاهًا عِدَّةً بِالْمُرُوَّتِ ، مِنْهَا إِسْنَادُ جُرَادٍ ، وَمِنْهَا أُصَيْهِبُ ، وَمِنْهَا الْمَاعِزَةُ ، وَمِنْهَا الْهَوِيُّ ، وَمِنْهَا الثِّمَادُ ، وَمِنْهَا السَّدِيرُ ، وَشَرَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا أَقْطَعَهُ أَلَا يُبَاعُ مَاؤُهُ ، وَلَا يُعَقَّرُ مَرْعَاهُ " فَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ عَاصِمٍ :
إِنَّ بِلَادِي لَمْ تَكُنْ أَمْلَاسَا بِهِنَّ خَطَّ الْقَلَمُ الْأَنْقَاسَا
مِنَ النَّبِيِّ حَيْثُ أَعْطَى النَّاسَا وَلَمْ يَدَعْ لَبْسًا وَلَا الْتِبَاسَا
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلَةَ :
أَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِالسَّرِيِّ وَبِالْكِتَابَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ مِنْ حَادِثٍ حَلَّ عَلَى عَادِيِّ
وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ السَّرَّاجُ ، ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ ، ثَنَا مُحْرِزٌ ، عَنَّ أَبَاهُ وِزْرًا حَدَِّثُهُ ، عَنَّ أَبَاهُ عِمْرَانَ حَدَّثَهُ ، عَنَّ أَبَاهُ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ ، عَنَّ أَبَاهُ عَاصِمًا حَدَّثُهُ ، عَنَّ أَبَاهُ حَصِينًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ ، وَفْدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَأَبْدَلَ مِنَ الْهَمْزَةِ عَيْنًا فِي جَمِيعِهِ ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، وَهِي الَّتِي يُقَالُ لَهَا عَنْعَنَةُ قَيْسٍ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لَهَا ، قَالَ : وَقَرَأَ قَارِئُهُمْ : " فَعَسَى اللَّهُ عَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ " يُرِيدُ : " أَنْ يَأْتِيَ " وَيُنْشَدُ :
فَعَيْنَاكَ عَيْنَاهَا وَثَغْرُكَ ثَغْرُهَا وَجِيدُكَ إِلَّا عَنَّهَا غَيْرُ عَاطِلِ
يُرِيدُ : أَنَّهَا
-------------------
مَنْ قَالَ : أَنْبَأَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ
514 حَدَّثَنِي أَبِي وَابْنُ زُهَيْرٍ قَالَا : ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : أَنْبَأَنِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ، وَعَتَّابٌ مَوْلَى هُرْمُزَ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "
515 حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَلَّادٍ الْقَطَّانُ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : أَنْبَأَنِي أَبُو إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلًا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ أَنْ يَقُولَ : " أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ - قَالَ أَبُو خَلِيفَةَ فِي حَدِيثِهِ : - فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ "
516 حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُقَوِّمِ ، ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ أَوْ أَحْسَسْتَ الصُّبْحَ ، فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ "
517 حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الْعَبْدِيُّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْعَلَّافُ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : أَنْبَأَنِي مَنْ أَقْرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ مَنْ أَقْرَأَهُ مَنْ أَقْرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ "(1/377)
518 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : أَنْبَأَنِي أَبُو حَمْزَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أُبَيٍّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : اللَّهُ ، قُتِلَ عُثْمَانُ وَأَنَا مَعَهُ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ مَا أَرَادَ ؟ إِنَّمَا أَرَادَ عَلَيَّ بِقَوْلِهِ : " اللَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ ، وَيَقْتُلُنِي مَعَهُ "
519 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ وَيُعْرَفُ بِالشَّعْرَانِيِّ ، ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ ، ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءٍ ، فَأَتَاهُ الْأَعْمَشُ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَنْبَأْتَنَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ : " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَجَّ خَالِصًا قَالَ : قَدْ أَنْبَأْتُكَ ، فَدَعْ فَقُلْتُ : تُجِيبُ أَهْلَ الْعِرَاقِ بِمِثْلِ هَذَا ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : " لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَدَّثْتُ بِشَيْءٍ : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الْآيَةَ "
520 حَدَّثَنِي أَبِي ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا بَدَّلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : " كَفَى بِالرَّجُلِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ ، وَكَفَى بِالرَّجُلِ جَهْلًا أَنْ يَعْجَبَ بِرَأْيِهِ "
521 حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، ثَنَا أَبِي ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : دَخَلْتُ مَسْجِدَ حَضْرَمَوْتَ ، فَأَنْبَأَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ، أَنَّ أَبَاهُ ، حَدَّثَهُ ، : " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا قَامَ وَإِذَا قَعَدَ " قَالَ : فَحَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : مَا أَدْرِي ، لَعَلَّهُ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ غَيْرَ تِلْكَ الْمَرَّةِ ، فَحَفِظَ هُوَ وَلَمْ يَحْفَظْ عَبْدُ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ
522 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطَّانُ ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، قَالَ : أَنْبَأَنِي تَمِيمٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ جَرِيرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ "
523 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ، ثَنَا أَبُو الشَّعْثَاءِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبِ الْخَيْرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ "
524 حَدَّثَنَا السَّاجِيُّ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ، ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : أَنْبَأَنِي حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ الْحَوْتَكِيَّةِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلًا بِصِيَامِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ "
-----------------
مَنْ قَالَ : فُلَانٌ حَدَّثَنَا فَقَدَّمَ الِاسْمَ
525 حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، قَالَا : ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ ، يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "
526 حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، وَالْحَوْضِيُّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَسْيُونِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ : " كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُلَقِّنْنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ "
527 حَدَّثَنِي أَبِي ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ، قَالَ : ابْنُ خُثَيْمٍ ، حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ ، فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ "
528 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : مُجَالِدٌ حَدَّثَنِي ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أَتَى وَأُمَّتِي جَمِيعٌ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ "
529 حَدَّثَنِي هَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ ، ثَنَا أَبُو مُوسَى ، ثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ قَالَ : سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ أَخْبَرَنَا ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ ، فَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ هَامَةٌ ، فَقَالَ لَهُ : " هَلْ سَأَلْتَ رَبَّكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ : اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَلَا قُلْتَ : اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً قَالَ : فَقَالَهَا الرَّجُلُ فَعُوفِيَ "
530 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْدِيٍّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بِسْطَامٍ ، ثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : شُعْبَةُ ثَنَا ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَتَلَ أَبَا جَهْلِ فَقَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَ عَبْدَهُ ، وَأَعَزَّ دِينَهُ "
531 حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، ثَنَا عَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ رَبَاحٌ : أَخْبَرَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَشْكٍ قَالَ : سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُولُ : " إِنَّ لِهَذَا الْعِلْمِ طُغْيَانًا كَطُغْيَانِ الْمَاءِ ثُمَّ قَرَأَ : إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ "
532 حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّامِيُّ ، ثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمَلَةَ ، ثَنَا قَالَ : " وُلِدَ لِي غُلَامٌ ، فَأَوْلَمْتُ عَلَيْهِ ، فَدَعَوْتُ أَبَا قِلَابَةَ ، فَسَقَيْتُهُ طِلَاءً مِمَّا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ ، فَشَرِبَ "
533 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ ، ثَنَا ابْنُ عُلَاثَةَ قَالَ : خُصَيْفٌ حَدَّثَنَا عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نِعْمَ لَهُوُ الْمَرْأَةِ الْمِغْزَلُ "
--------------
مَنْ قَالَ : قَالَ لِي فُلَانٌ ، أَخْبَرَنِي فُلَانٌ
534 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لِي ثَابِتٌ الْأَعْرَجُ ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ ، مَا إِذَا قَالَتْ صَدَقَتْ وَإِذَا حَكَمَتْ عَدَلَتْ ، وَإِذَا اسْتُرْحِمَتْ رَحِمَتْ "
535 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْجَوَّازُ ، ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : قَالَ لَنَا أَبُو يَزِيدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خَنْبَشٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً "
------------------
مَنْ قَالَ : سَمِعْتُ فُلَانًا يَأْثُرُ عَنْ فُلَانٍ
536 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَّاءُ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْمَقْدِسِيُّ ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ مَيْمُونٍ ، يُحَدِّثُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ ، يَأْثُرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ بِتَعْلِيمِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ ، كَمَا يَأْمُرُ بِتَعْلِيمِ السُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا ، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ "
---------------------
مَنْ قَالَ : قُلْتُ لِفُلَانٍ : أَحَدَّثَكَ فُلَانٌ ؟
537 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ الْجَوَّالُ ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ هَاشِمٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْأَشَجِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُنْكَدِرِيَّ ، فَقُلْتُ : أَأَخْبَرَكَ أَبُوكَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تُوضَعُ النَّوَاصِي إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ " ؟ قَالَ : نَعَمْ
538 حَدَّثَنَا مُهَذَّبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلِيُّ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْمَرْوَزِيُّ بِحَلَبٍّ قَالَ : قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَكَتَبْتَ عَنْ سَيَّارٍ ، عَنْ جَعْفَرٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " يُعْفَى عَنِ الْأُمِّيِّينَ قَبْلَ أَنْ يُعْفَى عَنِ الْعُلَمَاءِ " ؟ قَالَ : نَعَمْ
539 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : قُلْتُ : قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الزُّبَيْدِيِّ ، أَأَخْبَرَكَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْمَهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الْمَالِكِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا عَدَلَ وَالٍ تَجَرَ فِي رَعِيَّتِهِ أَبَدًا " ؟ فَقَالَ يَزِيدُ : نَعَمْ
540 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي نُعَيْمٍ : أَحَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ : حِينَ وُلِدَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " احْلِقِي رَأْسَهُ ، ثُمَّ تَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ مِنَ الْوَرِقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الْأَوْفَاضِ " ثُمَّ وُلِدَ الْحُسَيْنُ ، فَصَنَعَتْ كَذَلِكَ ؟ فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : نَعَمْ
------------------
مَنْ قَالَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَثَبَّتَنِي فِيهِ فُلَانٌ
541 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ ، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " اثْنَا عَشَرَ قَيِّمًا مِنْ قُرَيْشٍ لَا تَضُرُّهُمُ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ " فَالْتَفَتَ ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبِي فِي أُنَاسٍ ، فَأَثْبَتُوا لِي الْحَدِيثَ كَمَا سَمِعْتُ
542 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، ثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي قَالَ : " قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " قَالَ سُفْيَانُ : قَالَ مِسْعَرٌ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَثَبَّتَنِي فِيهِ غَيْرُهُ
543 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخُشَنِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو بَكْرٍ السُّلَمِيُّ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، وَثَبَّتَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ : " لِمَ لَا تَلْبَسُ الْخَاتَمَ ؟ قَالَ : مَا أَنَا بِقَاضٍ وَلَا سُلْطَانٍ
544 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاهَانَ ، ثَنَا سُهَيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجَارُودِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدٌ النَّجَّارُ ، وَثَبَّتَنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبِي قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ ، فَخَرَقَ جَيْبًا ، فَقَدْ خَرَقَ دِينَهُ "
545 حَدَّثَنِي أَبِي ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ ، قَالَ سُفْيَانُ : سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ ، وَثَبَّتَنِي فِي بَعْضِهِ مَعْمَرٌ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " " كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الْقُرْآنَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ ، وَذَكَرَ حَدِيثَ السَّقِيفَةِ " "
546 حَدَّثَنَا أَبِي ، ثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ : قَالَ جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ : سَمِعْتُ مِنْ أَشْعَثَ وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، فَلَمْ أُفَرِّقْ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ حَتَّى قَدِمَ بَهْرٌ الْبَصْرِيُّ ، فَخَلَّصْهُمَا لِي ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَخُذُوهَا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَاتْرُكُوهَا قَالَ جَرِيرٌ : " وَسَمِعْنَا حَدِيثَ الْأَعْمَشِ فَكُنَّا نَرْفَعُهَا ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَخُذُوهَا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَأْخُذُوهَا ، وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنِ الْأَعْمَشِ ، قَالَ : هَذَا الدِّيبَاجُ الْخُسْرُوَانِيُّ "
547 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التَّيمِيُّ الْوَرَّاقُ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ ، ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ - قَالَ الزُّهْرِيُّ : حَفِظَهُ لَنَا ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ - : " إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ "
-----------------
مَنْ قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ فُلَان
548 حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَّافُ ، ثَنَا نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ ، حَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : لَمَّا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَجَدْنَا فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِهِ كِتَابًا : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، لَعَلَّ دَعْوَةً أَنْ تُوَافِقَ رَحْمَةً يَسْعَدُ بِهَا صَاحِبُهَا سَعَادَةً لَا يَخْسَرُ بَعْدَهَا أَبَدًا "
549 أَخْبَرَنِي أَبِي ، أَنَّ أَبَا دَاوُدَ ، حَدَّثَهُمْ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ السَّرْحِ قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ خَالِي ، عَنْ عَقِيلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَهُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ : " امْلِكْ عَلَيْكَ ، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ "
549 أَخْبَرَنِي أَبِي ، أَنَّ أَبَا دَاوُدَ ، حَدَّثَهُمْ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ السَّرْحِ قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ خَالِي ، عَنْ عَقِيلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَهُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ : " امْلِكْ عَلَيْكَ ، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ "
551 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامِ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، ثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِكَذَا لَرَجَحَتْ ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ مُنْتَهَى مَرْضَاتِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ "
552 حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَسَّانَ وَيُعْرَفُ بِالشَّامِيِّ ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ ، ثَنَا بَقِيَّةُ ، حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ ، قَالَ : وَجَدْنَا فِي نُسْخَةٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُدْخَلَ عَلَى الْمُغِيبَاتِ "
553 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي ، قَالَ : وَأَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْغَضُ ثَلَاثَةً : الْغِنَيَّ الظَّلُومَ ، وَالشَّيْخَ الْجَهُولَ ، وَالْعَائِلَ الْمَزْهُوَّ الْمُخْتَالَ "
554 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ الْكَحَّالُ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ بْنِ الْبِرِنْدِ ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى "
--------------------
مَنْ قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ فُلَانٍ بِخَطِّهِ عَنْ فُلَانٍ
555 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسَ بْنِ كَامِلٍ ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّهُ خَطُّ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ - : عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي جَمِيلٌ النَّجْرَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسٍ يَقُولُ : " قَدْ كَانَ لِي فِيكُمْ أَخِلَّاءُ وَأَصْدِقَاءُ وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ ذِي خِلَّةٍ مِنْ خُلَّتِهِ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا "
556 حَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْوَلِيدِ بْنِ حَمَّادٍ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْأَحْمَسِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "( قلت: هذا لا يصح عطية ضعيف)
557 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُشَمِيُّ ، ثَنَا كَثِيرُ بْنُ أَبِي جَابِرٍ ، ثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مِنَ الْوضُوءِ لَا يُتِمُّ إِلَّا بِهِمَا "
-----------------
مَنْ قَالَ : سَأَلْتُ فُلَانًا ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ(1/378)
558 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ : ذَكَرَ شِبَاكِ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ : سَأَلْنَا عَلْقَمَةَ بْنَ قَيْسٍ فَحَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - آكُلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ " فَقُلْتُ لَهُ : " وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ " ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا
---------------------
مَنْ قَالَ : حَضَرْتُ فُلَانًا ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ
559 حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ سَعِيدٍ الِاسْكَنْدَرَانِيُّ ، قَالَ : حَضَرْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ ، وَسُئِلَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "
560 حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ دَاوُدَ الثَّقَفِيُّ ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُكْتِبُ ، مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ دَعْلَجِ ، قَالَ : حَضَرْتُ أَبَا بِلَالٍ الْأَشْعَرِيَّ ، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ الرُّؤْيَا ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي طُعْمَةُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْخَضِرَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالسَّفِينَةُ نَجَاةٌ ، وَاللَّبَنُ الْفِطْرَةُ ، وَالتَّمْرُ رِزْقٌ ، وَالْحِمَارُ حَدٌّ ، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي "
-------------------
مَنْ قَالَ : ذَكَرَ لَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ
561 حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَنَدِيُّ ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اللَّحْجِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ ، قَالَ : ذَكَرَ لَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ "
562 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، ثَنَا مَحْفُوظُ بْنُ بَحْرٍ - وَقِيلَ : يَحْيَى الْأَنْطَاكِيُّ - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ : ذَكَرَهُ خَالِدُ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ "
563 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ ، قَالَ : ذَكَرَهُ الْوَلِيدُ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَبَحَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ " قَالَ مُوسَى : قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ : حَدَّثَكَ الْوَلِيدُ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ؟ قَالَ : نَعَمْ
-------------------
مَنْ قَالَ : زَعَمَ لَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَان
564 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ الْوَاسِطِيُّ ، ثَنَا يَعْقُوبُ الزُّهْرِيُّ قَالَ : زَعَمَ لِي مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدٍ ، قَالَتْ : " مَرَّ مُعَاوِيَةُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الصُّبْحِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَانْصَرَفَ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ لِأَهْلِ الشَّامِ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا سَعْدٌ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَالَ : مَا كَانَ ذَلِكَ ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ "
565 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الْأَنْطَاكِيُّ ، ثَنَا حَجَّاجٌ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَزَعَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ رَاكِبًا "
566 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَزِيرٍ الدِّمَشْقِيُّ ، ثَنَا الْوَلِيدُ ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، عَنْ يَعْقُوبَ الْأَشَجِّ قَالَ : إِنَّ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، كَتَبَ لِي التَّشَهُّدَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَخَذَ بِيَدِي ، وَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِهِ فَعَلَّمَهُ : " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ الْمُبَارَكَاتُ لِلَّهِ "
------------------
مَنْ قَالَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَرَدَّ ذَلِكَ إِلَى فُلَانٍ
567 حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الْعَبْدِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ السَّدُوسِيُّ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، وَرَدَّ ذَلِكَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : " يُصْبِحُ ابْنُ آدَمَ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْهُ صَدَقَةٌ ، وَرَفْعُهُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ "
568 حَدَّثَنِي أَبِي ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ ، ثَنَا بَقِيَّةُ ، ثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَرُدُّ إِلَى مَكْحُولٍ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ رِجَالًا سَأَلُوا النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ : مَا أَرْجَى مَا سَمِعْتَ لَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، فَقَدْ حَلَّتْ مَغْفِرَتُهُ لَهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ "
569 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : فَرَدَّ الْحَدِيثَ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " وَمَا ذَاكُمْ ؟ " قَالُوا : الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ ترضعُ فَيُصِيبُ مِنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ ، قَالَ : " مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَاكَ ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ " قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : فَذَكَرْتُهُ لِلْحَسَنِ ، فَقَالَ : أَفَلَا يَكْفِيكُمْ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ هَذَا زَجْرٌ
-----------------
مَنْ قَالَ : دَلَّنِي فُلَانٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ فُلَانٌ
570 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَنَا أَبِي قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّهِ ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : لَقِيتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ ، فَقَالَ : أَلَا أَدُلُّكَ يَا بُنَيَّ جَعْفَرٍ عَلَى شَيْءٍ دَلَّنِي عَلَيْهِ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَدَلَّهُ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَدَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قُلْتُ : بَلَى قَالَ : " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ "
-------------------
مَنْ قَالَ : سَأَلْتُ فُلَانًا ، فَأَلْجَأَ الْحَدِيثَ إِلَى فُلَانٍ
571 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَاضِي الْأَهْوَازِ ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ السَّرَّاجُ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، أَنَا رِزَامُ بْنُ سَعِيدٍ الضَّبِّيُّ ، قَالَ : سَأَلْتُ جَوَابًا التَّيْمِيَّ عَنِ الْمَذْيِ ، فَقَالَ : سَأَلْتُ عَنْهُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ فَأَلْجَأَ الْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍّ وَأَلْجَأَ عَلِيٌّ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : رَآنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ شَحِبْتُ فَقَالَ لِي : " يَا عَلِيُّ ، لَقَدْ شَحِبْتَ " قُلْتُ : شَحِبْتُ مِنِ اغْتِسَالِي بِالْمَاءِ ، وَأَنَا رَجُلٌ مَذَّاءٌ ، فَإِذَا رَأَيْتُ مِنْهُ شَيْئًا اغْتَسَلْتُ مِنْهُ قَالَ : " لَا تَغْتَسِلْ مِنْهُ يَا عَلِيُّ إِلَّا مِنَ الْخَذْفِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا تَعُدْ أَنْ تَغْسِلَ ذَكَرَكَ ، وَلَا تَغْتَسِلْ إِلَّا مِنَ الْخَذْفِ " يَعْنِي الْمَنِيَّ
---------------
مَنْ قَالَ : خُذْ عَنِّي كَمَا أَخَذْتُهُ عَنْ فُلَانٍ
572 حَدَّثَنَا ابْنُ زُهَيْرٍ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، ثَنَا مَيْمُونُ بْنُ أَبَانَ الْجُشَمِيُّ ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ : قَالَ لِي أَنَسٌ : خُذْ عَنِّي ، فَإِنِّي أَخَذْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمْ تَأْخُذْهُ عَنْ أَوْثَقَ مِنِّي : " صَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ سَلِّمْ "
--------------------
مَنْ قَالَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَلَفَ لَهُ أَنَّ فُلَانًا
573 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْآمُلِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ كَعْبًا ، حَلَفَ لَهُ بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى أَنَّ صُهَيْبًا حَدَّثَهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَرَ قَرْيَةً أَرَادَ دُخُولَهَا إِلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا : " اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ ، وَمَا أَظْلَلْنَ ، وَرَبِّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ ، وَرَبِّ الرِّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا "
574 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ بَهَانَ ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، ثَنَا وَاللَّهِ أَبُو سَعْدٍ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَأَحْيَائِنَا ، وَمَوْتَانَا ، وَشَاهِدِنَا ، وَغَائِبِنَا ، وَذَكَرِنَا , وَأُنْثَانَا ، وَصَغِيرِنَا ، وَكَبِيرِنَا "
----------------------
مَنْ قَالَ : حَدَّثَنِي عِدَّةٌ فِيهِمْ فُلَانٌ
575 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْغَزَّاءُ ، ثَنَا لَيْثُ بْنُ الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، ثَنَا عِدَّةٌ فِيهِمْ يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى "
---------------
مَنْ قَالَ : أَرْسَلْتُ إِلَى فُلَانٍ فَحَدَّثَ رَسُولِي
576 حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَنَدِيُّ ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اللَّحْجِيُّ ، ثَنَا أَبُو قُرَّةَ قَالَ : ذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِ عَجْلَانَ ، فَحَدَّثَ رَسُولِي ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْوَشْمِ وَالْوَشْرِ " وَالْوَشْرُ : التَّفَلُّجُ
---------------
مَنْ قَالَ : حُدِّثْتُ حَدِيثًا رُفِعَ إِلَى فُلَانٍ
577 حَدَّثَنَا ابْنُ مَعْدَانَ ، حَدَّثَنَا مَحْفُوظُ بْنُ بَحْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ ، ثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : حُدِّثْتُ حَدِيثًا رُفِعَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ "
------------------
مَنْ قَالَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ نَفْسِي
578 حَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، ثَنَا رَوْحٌ ، عَنْ نَفْسِي أَنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ هَذَا الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ أَهْلَكَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ "
579 حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الرَّافِقِيُّ ، بِالرَّافِقَةِ ، ثَنَا عَفَّانُ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ أَنَسٌ : وَحَدَّثَنِي ابْنِي ، عَنِّي ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَيَجْعَلَ فَصَّهُ مِنْ غَيْرِهِ "
580 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ هَاشِمٍ الطَّرَازِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ النَّشَائِيُّ ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثَنَا أَبِي ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : قَالَ لِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ ، حَدَّثْتَنِي أَنْتَ يَا حُصَيْنُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ طَافُوا لِحَجِّهِمْ وَعُمْرَتِهِمْ طَوَافًا وَاحِدًا "
581 حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَضَالَةَ ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَنْبَرٍ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ " قَالَ رَبِيعَةُ : ثُمَّ ذَاكَرْتُ سُهَيْلًا هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ ، وَكَانَ يَرْوِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ سُهَيْلٌ عَنِّي عَنْ نَفْسِهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
----------------
الرَّابع: إذا نسخَ السَّامع أو المسمع حال القراءة, فقال إبراهيم بن إسْحَاق بن بَشِير الحَرْبي الشَّافعي والحافظ أبو أحمد ابن عَدي والأستاذ أبو إسحاق الإسْفرايني الشَّافعي وغير واحد من الأئمة لا يصح السَّماع مُطْلقا.
نقلهُ الخَطيب في «الكفاية»(1)عنه, وزاد عن أبي الحسن بن سمعون.
وصحَّحه أي السماع الحافظ مُوسى بن هارون الحَمَّال وآخرون مُطلقًا, وقد كتب أبو حاتم حالة السَّماع عند عارم, وكتب عبد الله بن المبارك, وهو يقرأ عليه.
وقال أبو بكر الصِّبغيُّ الشَّافعيُّ: يَقُول حضرتُ, ولا يَقُول أخبرنا, والصَّحيح التَّفصيل, فإن فُهم المقرُوء صَحَّ, وإلاَّ لَمْ يصح.
وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي الشَّافعي: يقول في الأداء: حضرتُ, ولا يقول: حدَّثنا ولا أخبرنا.
قال ابنُ الصلاحِ: وخيرٌ من هذا الإطلاقِ التفصيلُ، فنقولُ : لا يصحُّ السماعُ إذا كانَ النَّسْخُ بحيثُ يمتنعُ معهُ فَهْمُ الناسخِ لما يُقرأُ حَتى يكونَ الواصلُ إلى سمعِهِ كأَنّهُ صوتٌ غُفْلٌ ، ويصحُّ بحيثُ إذا كانَ لا يمتنعُ معهُ الفهمُ كقصةِ الدارقطنيِّ إذْ حضرَ في حَدَاثَتِهِ مجلسَ إِسماعيلَ الصَّفَّارِ، فجلسَ ينسخُ جُزءَاً كانَ معَهُ وإِسماعيلُ يُمْلي فقالَ لهُ بعضُ الحاضرينَ : لا يصحُّ سماعُكَ وأنتَ تنسخُ ، فقالَ : فَهْمِي للإملاءِ خِلافُ فَهْمِكَ ، ثُمَّ قالَ : تحفظُ كمْ أَملى الشيخُ مَنْ حديثٍ إلى الآنَ ؟ فقالَ : لا. فقالَ الدَّارقطنيُّ : أَملى ثمانيةَ عَشَرَ حديثاً ، فعدَدْتُ الأحاديثَ فوجدْتُ كما قالَ. ثُمَّ قالَ : الحديثُ الأولُ منها : عن فلانٍ عن فلانٍ ، ومتنُهُ كذا ، والحديثُ الثاني عن فلانٍ عن فلانٍ ، ومتنُهُ : كذا ، ولم يزلْ يَذْكُرُ أسانيدَ الأحاديثِ ومتونَها على ترتيبهَا في الإملاءِ حتى أَتَى على آخِرِها فعجِبَ الناسُ منه(2).
قلتُ: ويُشبه هذا ما رُوي عنه أيضًا أنَّه كان يُصلِّي, والقارئ يقرأ عليه, فمرَّ حديثٌ فيه نُسير بن ذعلوق, فقال القارىء: بشير, فسبَّح, فقال: يُسير, فتلا الدَّارقطني {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (1) سورة القلم.
وقال حمزة بن محمَّد بن طاهر(3): كُنت عِندَ الدَّارقُطْني وهو قائم يتنفَّل, فقرأ عليه القارىء: عَمرو بن شُعيب, فقال عَمرو بن سعيد, فسبَّح الدَّارقطني, فأعادهُ ووقف, فتلا الدَّارقُطْني: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (87) سورة هود.
ويَجْري هذا الخِلافُ فيما إذا تَحدَّث الشَّيخ أو السَّامع, أو أفْرطَ القَارىء في الإسْراعِ, أو هَيْنمَ القَارىء, أو بَعُدَ بحيث لا يفهمُ, والظَّاهر أنَّهُ يُعفَى عن نحو الكَلمتين, ويُسْتحبُّ للشَّيخ أن يُجيز للسَّامعين رِوَاية ذَلك الكِتَاب, وإنْ كتبَ لأحَدَهم كتبَ: سمعهُ منِّي, وأجَزتُ لهُ رِوَايتهُ, كَذَا فعلَ بعضهُم.
ويَجْري هذا الخلاف والتَّفصيل فيما إذا تحدَّث الشَّيخ أو السَّامع, أو أفرط القارىء في الإسراع بحيث يخفي بعض الكلام أو هينم القارىء أي أخفى صوته أو بَعُد السَّامع بحيث لا يُفهم المقروء والظَّاهر أنَّه يعفى في ذلك عن القدر اليسير الَّذي لا يخلُّ عدم سماعه بفهم الباقي نحو الكلمة والكلمتين.
ويُستحب للشَّيخ أن يُجيز للسَّامعين رِوَاية ذلك الكِتَاب أو الجُزء الَّذي سمعُوه وإن شَملهُ السَّماع, لاحتمال وقُوع شيء مِمَّا تقدَّم من الحديث والعَجَلة والهينمة فينجبر بذلك.
وإن كتبَ الشَّيخ لأحدهم كتب: سمعهُ مِنِّي وأجزتُ له روايته, كذا فعل بعضهم.
قال ابن عتَّاب الأندلسي(4): لا غنى في السَّماع عن الإجَازة, لأنَّه قد يَغْلط القارىء, ويغفلُ الشَّيخ أو السَّامعون, فينجبر ذلك بالإجَازة, وينبغي لكاتب الطباق أن يكتب إجازة الشَّيخ عقب كتابة السَّماع.
قال العِرَاقيُّ: ويُقال(5): إنَّ أوَّل من فعلَ ذلك أبو طاهر إسْمَاعيل بن عبد المُحسن الأنْمَاطي, فجزاه الله خيرًا في سَنِّه ذلك لأهل الحديث, فلقد حصل به نفع كبير, ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله, اتِّصال بعض الكُتب في بعض البلاد, بسبب كون بعضهم كان له فوت, ولم يذكر في طبقة السَّماع إجازة الشَّيخ لهم, فاتَّفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممَّن سمع بعض ذلك الكتاب, فتعذَّر قِرَاءة جميع الكتاب عليه, كأبي الحَسَن بن الصوَّاف الشَّاطبي راوي غالب النَّسائي عن ابن باقا.
ولو عَظُم مجلس المُملي, فبلَّغ عنه المُسْتملي, فذهب جماعة من المتقدِّمين وغيرهم إلى أنَّه يَجُوز لمن سمع المُستملي أن يروي ذلك عن المُملي.
وفي الكفاية 186 قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانِ , عَنْ دَعْلَجِ بْنِ أَحْمَدَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، ثنا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَقَالَ , لَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِي : " إِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ لَا يَسْمَعُونَ , قَالَ : تَسْمَعُ أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ فَأَسْمِعْهُمْ ".
وفي الكفاية 191 كَتَبَ إِلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ أَبَا الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيَّ أَخْبَرَهُمْ ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، ثنا حِبَّانُ ، ثنا الْأَعْمَشُ , قَالَ : " كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَتَتَّسِعُ الْحَلْقَةُ , فَرُبَّمَا يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَلَا يَسْمَعُهُ مَنْ تَنَحَّى عَنْهُ , فَيَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَمَّا قَالَ , ثُمَّ يَرْوُونَهُ عَنْهُ وَمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ , قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : فَرَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ لَا يُعْجِبُهُ هَذَا , وَلَا يَرْضَى بِهِ لِنَفْسِهِ , وَأَخْبَرَنَا فِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الْحَرْفِ الْوَاحِدِ وَالِاسْمِ مِمَّا سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ وَالْأَعْمَشِ فَيَسْتَفْهِمُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ , رَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِهِ لَا يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ وَاسِعًا لَهُ , وَرَأَيْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا حَمَلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَرَأَيْتُهُ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا يُحَدِّثُ , ضَابِطًا لَهُ ".
__________
(1) - الكفاية ص 120 دون ذكر الإسفراييني
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 134)
(3) - تاريخ بغداد 12/39
(4) - الإلماع ص 92
(5) - التبصرة 2/50-51(1/379)
وفي الكفاية 184 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الْوَرَّاقُ ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ الْعَطَّارُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْبَلِيُّ , بِمَكَّةَ , قَالَ : سَمِعْتُ حُسَيْنًا يَعْنِي ابْنَ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ , يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ كَيْفَ قُلْتَ ؟ فَقَالَ " اسْتَفْهِمْ مَنْ يَلِيكَ " 185 أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْخَلَّالُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ ، ثنا جَدِّي , قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ , يَقُولُ : كَانَ الرَّجُلُ رُبَّمَا اسْتَفْهَمَ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فَيَقُولُ لَهُ " اسْتَفْهِمِ الَّذِي يَلِيكَ ".
قال ابن الصَّلاح(1): وهذا تَسَاهلٌ مِمَّن فعلهُ والصَّواب الَّذي قاله المُحققون: أنَّه لا يَجُوز ذلك.
وقال العِرَاقيُّ في الأوَّل(2):" وهذا هوَ الذي عليهِ العملُ ،أي : أنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُسْتَمْلي دونَ سَماعِ لفظِ المُمْلي جازَ له أَنْ يَرْوِيَهُ عن المُمْلي كالعَرْضِ ، سواءٌ ؛ لأَنَّ الْمُسْتَمْلي في حُكْمِ مَنْ يقرأُ على الشيخِ ويعرِضُ حديثَهُ عليه ولكن يُشْتَرَط أَنْ يَسْمعَ الشيخُ المُمْلي لَفْظَ الْمُسْتَمْلي ، كالقارئِ عليه . ومَعَ هذا فليسَ لِمَنْ لم يسمعْ لفظَ المُمْلي أَنْ يقول : سمعْتُ فلاناً يقولُ - كما تقدَّمَ في العَرْض - سواءٌ ، ولكنَّ الأَحوطَ أن يُبَيِّنَ حالةَ الأَداءِ أنَّ سماعَهُ لذلكَ ، أو لبعضِ الأَلفاظِ ، من الْمُسْتَمْلي ، كما فَعَلَهُ الإمامُ أبو بكرِ بنُ خُزيمةَ ، وغيرُهُ من الأَئِمَّةِ "..
وقد ثبتَ في في البخاري عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا - فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِى إِنَّهُ قَالَ - كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ »(3)..
وفي صحيح مسلم (4809 ) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِى عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لاَ يَنْقَضِى حَتَّى يَمْضِىَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ». قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ خَفِىَ عَلَىَّ - قَالَ - فَقُلْتُ لأَبِى مَا قَالَ قَالَ « كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ».
وقد أخرجهُ مسلم عنه كاملاً من غير أن يفصل جابر الكَلمة الَّتي استفهمها من أبيه. (4815 )عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلاَمِى نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَكَتَبَ إِلَىَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِىُّ يَقُولُ « لاَ يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ ».
وفي الكفاية 174 أَخْبَرَنَا بُشْرَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيُّ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّاشِدِيُّ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ : " كَانَ وَكِيعٌ إِذَا أَدْغَمَ يُخَافُ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ , فَقَالَ : لَا وَكَانَ رُبَّمَا أَدْغَمَ , كَانَ يَسْتَعْجِلُ , وَكَانَ يَقُولُ : نَا سُفْيَانُ فِي الْحَدِيثِ , ثُمَّ أَسْمَعُهُ يَقُولُ فِيهِ بَعْدُ : حَدَّثَنَا , قَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَكَانَ إِذَا الْتَقَى الْعَيْنَانِ أَوِ الْحَاءَانِ أَدْغَمَ أَحَدَهُمَا , وَوَصَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ شَيْءٍ , وَكَانُوا يَضْرِبُونَ عَلَى مَا يُدْغِمُ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَكُنْتُ أَنَا أَضْرِبُ , قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فَتَخَافُ أَنْ يَضِيقَ هَذَا عَلَى النَّاسِ ؟ فَقَالَ : أَرْجُو أَلَّا يَضِيقَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَالُوا لَهُ هَهُنَا بِالْأَنْبَارِ يَعْنِي لِوَكِيعٍ : إِنَّ النَّاسَ يَكْتُبُونَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , فَقَالَ كَلَامًا أَظُنُّهُ دَفَعَ التَّدْلِيسَ "
175 بَلَغَنِي عَنْ خَلَفِ بْنِ سَالِمٍ الْمُخَرِّمِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , يُرِيدُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , فَإِذَا قِيلَ لَهُ : قُلْ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو , قَالَ : " لَا أَقُولُ , لِأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَهِيَ ح د ث " .
وفي المحدث الفاصل: 324 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ خَلَفَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلَافِ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوَهَا ، فَكُنْتُ أَسْتَفْهِمْ جَلِيسِي ، فَقُلْتُ لِزَائِدَةَ : يَا أَبَا الصَّلْتِ إِنِّي كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلَافِ حَدِيثٍ ، أَوْ نَحْوًا مِنْ عَشْرَةِ آلَافٍ فَقَالَ : " لَا تُحَدِّثْ مِنْهَا إِلَّا بِمَا حَفِظَ قَلْبُكَ وَسَمِعَتْ أُذُنُكَ ، فَأَلْقَيْتُهَا " قَالَ الْقَاضِي : قَدْ ذَكَرْنَا فِي وَجُوبِ الْكِتَابِ مَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثُ لَا يُضْبَطُ إِلَّا بِالْكِتَابِ ثُمَّ بِالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَارَسَةِ ، وَالتَّعَهُّدِ ، وَالتَّحَفُّظِ ، وَالْمُذَاكَرَةِ ، وَالسُّؤَالِ ، وَالْفَحْصِ عَنِ النَّاقِلِينَ ، وَالتَّفَقُّهِ بِمَا نَقَلُوهُ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْكِتَابَ مَنْ كَرِهَ مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، لِقُرْبِ الْعَهْدِ ، وَتَقَارُبِ الْإِسْنَادِ وَلِئَلَّا يَعْتَمِدُهُ الْكَاتِبُ فَيُهْمِلُهُ ، أَوْ يَرْغَبُ عَنْ تَحَفُّظِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ ، فَأَمَّا وَالْوَقْتُ مُتَبَاعِدٌ ، وَالْإِسْنَادُ غَيْرُ مُتَقَارِبٌ ، وَالطُّرُقُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَالنَّقَلَةُ مُتَشَابِهُونَ ، وَآفَةُ النِّسْيَانِ مُعْتَرِضَةٌ ، وَالْوَهْمُ غَيْرُ مَأْمُونٌ ، فَإِنَّ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ أَقْوَى ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ : " حَرَصْنَا أَنْ يَأْذَنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكِتَابِ فَأَبَى " ، أَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ مَحْفُوظًا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَحِينَ كَانَ لَا يُؤْمَنُ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ الْقُرْآنِ قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ، وَذَكَرَ الْحِفْظَ ، فَقَالَ : يَزْعُمُونَ أَنَّ حَمَّادًا قَلَّتْ كُتُبُهُ ، وَأَنَّ هِشَامًا الدَّسْتُوَائِيَّ مَا كَتَبَ شَيْئًا ، وَأَنَّ الزُّهْرِيَّ ، قَالَ : " مَا خَطَطْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلَّا نَسَبَ قَوْمِي " ، وَمَا كَانَ الزُّهْرِيُّ يَصْنَعُ بِالْكِتَابِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ سِوَى مَنْ لَقِيَ مِمَّنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَفِظَ عَنْهُ مَا حَفِظَ ؟ فَأَلَّا وَعَى نَسَبَ قَوْمِهِ كَمَا وَعَى غَيْرَهُ ، وَاسْتَغْنَى عَنْ كَتْبِهِ وَهَكَذَا سَبِيلُ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، مِثْلُ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ وَلَا يَكْتُبُ ، بَلِ الْحَافِظُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَابْنُ وَارَةَ ، وَنُظَرَاؤُهُمَا مِمَّنْ هُوَ فِي حُدُودِ سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمَا بَعْدَهَا ، وَعَلَى أَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى حِفْظِهِ كَثُرَ وَهْمُهُ ، وَإِنَّمَا الْحِفْظُ لِلْمُشَاهَدَةِ ، وَلِصَاحِبِهِ التَّقَدُّمُ وَالرِّيَاسَةُ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ ، وَلَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ يُودَعُ الْكُتُبَ وَيُهْمَلُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْقَوَّالِ :
لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ وَعَى الْقِمْطَرِ مَا الْعِلْمُ إِلَّا مَا وَعَاهُ الصَّدْرُ
وَتَمَثَّلَ الْأَعْمَشُ بِهَذَا الْبَيْتِ أَوْ قَالَهُ :
تَسْتَودِعُ الْعِلْمَ قِرْطَاسًا تُضَيِّعُهُ وَبِئْسَ مُسْتَوْدَعُ الْعِلْمِ الْقَرَاطِيسُ
أَنْشَدَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ هُوَ النَّحْوِيُّ :
إِذَا مَا غَدَتْ طَلَّابَةُ الْعِلْمِ مَا لَهَا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا مَا يُدَوَّنُ فِي الْكُتُبِ
غَدَوْتُ بِتَشْمِيرٍ وَجَدٍّ عَلَيْهِمْ فَمَحْبَرَتِي أُذُنِي وَدَفْتِرُها قَلْبِي
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْأَزْدِيُّ :
أَأَشْهَدُ بِالْجَهْلِ فِي مَجْلِسٍ وَعِلْمِي فِي الْكُتُبِ مُسْتَوْدَعُ
إِذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمًا وَاعِيًا فَجَمْعُكَ لِلْكُتُبِ لَا يَنْفَعُ
قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا نَقُولُ : إِنَّ الْأَوْلَى بِالْمُحَدِّثِ وَالْأَحْوَطِ لِكُلِّ رَاو أَنْ يَرْجِعَ عِنْدَ الرِّوَايَةِ إِلَى كِتَابِهِ ، لِيَسْلَمَ مِنَ الْوَهْمِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُرْشِدُ لِلصَّوَابِ " ..
الخامسُ: يَصحُّ السَّماع من وراء حِجَاب إذا عرف صوتهُ إن حدَّث بلفظهِ, أو حُضُوره بِمَسْمعٍ منهُ إن قُرىء عليه, ويكفي في المَعْرفة خبرُ ثقةٍ, وشرطَ شُعبة رؤيتهُ, وهو خِلاف الصَّواب وقَوْل الجمهُور.
الخَامس: يصح السَّماع مِمَّن هو وراء حجاب إذا عرف صوتهُ إن حدَّث بلفظه, أو عرف حضوره بمسمع أي: مكان يسمع منه إن قرىء عليه, ويكفي في المعرفة بذلك خبر ثقة من أهل الخبرة بالشَّيخ وشرط شعبة رؤيته وقال: إذا حدَّثك المُحدِّث, فلم تر وجههُ, فلا ترو عنهُ, فلعلهُ شيطانٌ قد تصوَّر في صُورته يقول: حدثنا وأخبرنا.
وهو خِلاف الصَّواب وقول الجمهور فقد أمرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالاعْتماد على سماع صَوْت ابن أمِّ مَكْتُوم المؤذن كما في صحيح البخارى(617 ) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ » . ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِى حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ . مع غَيْبة شخصهِ عمَّن يَسْمعهُ, وكان السَّلف يسمعُون من عَائشة وغيرها من أمَّهات المؤمنين, وهُنَّ يُحدِّثن من وراء حجاب.
السَّادس: إذا قال المُسْمع بعد السَّماع: لا ترو عنِّي, أو رجعت عن إخباركَ أو ما أذنت لك في روايته عنِّي ونحو ذلك, غير مُسْند ذلك إلى خطأ منه, فيما حدَّث به أو شكَّ فيه ونحوه لم تمتنع روايته فإن أسندهُ إلى نحو ما ذكر امتنعت.
ولو خصَّ بالسَّماع قومًا, فسمعَ غيرهم بغير علمه, جازَ لهم الرِّواية عنهُ ولو قال: أُخبركم, ولا أُخبر فلانًا لم يضرَّ ذلك فلانًا في صحَّة سماعه قالهُ الأستاذ أبو إسْحَاق الإسْفرايني جوابًا لسؤال الحافظ أبي سعيد النَيْسابُوري عن ذلك.
فائدة:
قال المَاوردي: يُشترط كون المُتحمل بالسَّماع سميعًا, ويَجُوز أن يقرأ الأصم بنفسه.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - علوم الحديث ص 179
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 136)
(3) - صحيح البخارى (7222 و 7223 )(1/380)
3- الإجازة(1):
تعريفها: الإذن بالرواية لفظا أو كتابة.
وهي أضْرُب تسعة, وذكرها النووي كابن الصَّلاح(2)سَبْعة:
الأوَّل: أن يُجيز مُعينًا لمُعيَّن(3):
كأجزتكَ أو أجزتكُم, أو أجزت فُلانا الفُلاني البخاري, أو ما اشتملت عليه فهرستي أي: جُملة عدد مَرْوياتي, قال صاحب «تثقيف اللِّسان» : الصَّواب أنَّها بالمُثَناة الفَوْقية, وقُوفًا وإدْمَاجًا, وربَّما وقفَ عليها بعضهم بالهاء وهو خطأ, قال: ومعناها جُمْلة العدد للكتب, لفظة فارسية.
وهذا أعْلَى أضْرُبها أي الإجَازة المُجَرَّدة عن المُنَاولة, والصَّحيح الَّذي قالهُ الجمهور من الطَّوائف أهل الحديث وغيرهم واستقرَّ عليه العمل جَوَاز الرِّواية والعمل بها.
وادَّعى أبو الوليد البَاجي وعِيَاض الإجماع عليها, وقصر أبو مروان الطبني الصحَّة عليها(4).
وأبْطَلَها جماعاتٌ من الطَّوائف, وهو إحْدَى الرِّوايتين عن الشَّافعيِّ, وقال بعضُ الظَّاهرية ومُتَابعيهم: لا يُعملُ بهَا كالمُرْسل, وهَذَا باطلٌ.
وأبطَلَها جماعات من الطَّوائف من المُحدِّثين كشُعبة - قال: لو جَازت الإجَازة لبَطَلت الرِّحلة - وإبراهيم الحَرْبي, وأبو نصر الوائلي, وأبي الشَّيخ الأصبهاني, والفقهاء, كالقاضي حُسَين, والمَاوردي, وأبي بكر الخَجَندي الشَّافعي, وأبي طاهر الدبَّاس الحَنَفي.
وعنهم أنَّ من قال لغيره: أجزتُ لكَ أن تروي عنِّي ما لم تَسْمع, فكأنَّه قال: أجزتُ لك أن تَكْذب عليَّ, لأنَّ الشَّرع لا يُبيح رِوَاية ما لم يَسْمع.
وهو إحدى الرِّوايتين عن الشَّافعي وحكاهُ الآمدي عن أبي حنيفة وأبي يُوسف, ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك.
وقال ابن حزم: إنَّها بدعة غير جائزة.(5)
وقيل: إنَّ كان المُجيز والمُجَاز عالمين بالكتاب جَاز, وإلاَّ فلا, واختارهُ أبو بكر الرَّازي من الحَنفية.
وقال بعض الظَّاهرية ومُتَابعيهم: لا يعمل بها أي: بالمَرْوي بها كالمُرْسل مع جواز التحديث بها وهذا باطل لأنَّه ليس في الإجَازة ما يقدح في اتِّصال المنقول بها, وفي الثِّقة بها.
وعن الأوزاعي عكس ذلك, وهو العمل بها دون التحديث.
قال ابن الصَّلاح(6): وفي الاحتجاج لتجويزها غُموض, ويتجه أن يُقال: إذا جاز له أن يروي عنه مروياته, فقد أخبره بها جُمْلة, فهو كما لو أخبره بها تفصيلاً, وإخباره بها غير متوقف على التصريح قَطْعًا, كما في القِرَاءة, وإنَّما الغرض حُصُول الإفهام والفهم, وذلك حاصلٌ بالإجَازة المُفْهمة.
قلت : قال استاذنا العتر - حفظه الله - : " إن العلماء اعتمدوا على الإجازة بعدما دون الحديث وكتب في الصحف وجمع في التصانيف، ونقلت تلك التصانيف والصحف عن أصحابها بالسند الموثوق الذي ينتهي بقراءة النسخة على المؤلف أو مقابلتها بنسخته، فأصبح من العسير على العالم كلما أتاه طالب من طلاب الحديث أن يقرأ الكتاب، فلجئوا إلى الإجازة.
فالإجازة فيها إخبار على سبيل الإجمال بهذا الكتاب أو الكتب أنه من روايته. فتنزل منزلة إخباره بكل الكتاب نظرا لوجود النسخ، فإن دولة الوراقين قد قامت بنشر الكتب بمثل ما تفعله المطابع الآن. ولهذا لا يجوز لمن حمل بالإجازة أن يروي بها إلا بعد أن يصحح نسخته على نسخة المؤلف، أو على نسخة صحيحة مقابلة على نسخة المؤلف، أو نحو ذلك مما نسخ وصحح على النسخ المقابلة المصححة."(7)
وقال الخطيب في «الكِفَاية»:" وَيُقَالُ : إِنَّ الْأَصْلَ فِي صِحَّةِ الْإِجَازَةِ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَذْكُورُ فِي الْمَغَازِي , حَيْثُ كَتَبَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كِتَابًا وَخَتَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ , وَوَجَّهَهُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى نَاحِيَةِ نَخْلَةَ وَقَالَ لَهُ " لَا تَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ انْظُرْ فِيهِ
1006 أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ح وَقَرَأْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الصَّيْرَفِيِّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ أَيْضًا ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ , قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ , عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ إِلَى نَخْلَةَ فَقَالَ لَهُ : " كُنْ بِهَا حَتَّى تَأْتِيَنَا بِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ " وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقِتَالٍ , وَذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ , وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَيْنَ يَسِيرُ فَقَالَ : " اخْرُجْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ , حَتَّى إِذَا سِرْتَ يَوْمَيْنِ فَافْتَحْ كِتَابَكَ وَانْظُرْ فِيهِ , فَمَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَامْضِ لَهُ , وَلَا تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى الذَّهَابِ مَعَكَ " فَلَمَّا سَارَ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ أَنِ : امْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ فَتَأْتِيَنَا مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ بِمَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ " فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ : سَمْعًا وَطَاعَةً , مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الشَّهَادَةِ فَلْيَنْطَلِقْ مَعِي , فَإِنِّي مَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ مِنْكُمْ أَحَدًا , فَمَضَى مَعَهُ الْقَوْمُ " وَسَاقَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ
(1007) أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْبَزَّازُ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُؤْمِنِ الْعَطَّارُ , قَالَا : ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ ، ثنا أَبِي ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ الْحَضْرَمِيِّ , عَنْ أَبِي السَّوَّارِ , عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ , قَالَ : فَلَمَّا انْطَلَقَ لِيَتَوَجَّهَ لَكِنَّهُ بَكَى صَبَابَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَانَهُ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ , وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا , وَأَمَرَهُ أَلَّا يَقْرَأَهُ إِلَّا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا , وَقَالَ : " لَا تُكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ " فَلَمَّا صَارَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَرَأَ الْكِتَابَ وَاسْتَرْجَعَ , فَقَالَ : سَمْعًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ " وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ , مِمَّنْ كَانَ يَرَى وُجُوبَ الْعَمَلِ بِحَدِيثِ الْإِجَازَةِ بِمَا اشْتُهِرَ نَقْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ سُورَةَ بَرَاءَةَ فِي صَحِيفَةٍ وَدَفَعَهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , ثُمَّ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَهَا مِنْهُ , وَلَمْ يَقْرَأْهَا عَلَيْهِ وَلَا هُوَ أَيْضًا قَرَأَهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَكَّةَ فَفَتَحَهَا وَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ , فَصَارَ ذَلِكَ كَالسَّمَاعِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ . سَأَلْتُ أَبَا نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ قُلْتُ لَهُ : مَا تَرَى فِي الْإِجَازَةِ ؟ فَقَالَ : الْإِجَازَةُ صَحِيحَةٌ يُحْتَجُّ بِهَا , وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ : كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ شُيُوخِنَا إِلَّا وَهُوَ يَرَى الْإِجَازَةَ وَيَسْتَعْمِلُهَا , سِوَى أَبِي شَيْخٍ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّهَا شَيْئًا , قَالَ الْخَطِيبُ : أَبُو شَيْخٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْأَصْبَهَانِيُّ , وَمِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ يُصَحِّحُ الْعَمَلَ بِأَحَادِيثِ الْإِجَازَةِ وَيَرَى قَبُولَهَا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ , وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ , وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ , وَمَكْحُولٌ الشَّامِيُّ , وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ , وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ , وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ , وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ , وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ , وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ , وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ , وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , وَأَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ , وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ , وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ , وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيُّ , وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ النَّيْسَابُورِيُّ .".
وقال الرَّامهرمزي 472 حَدَّثَنَا السَّاجِيُّ ، ثَنَا دَاوُدُ الْأَصْبَهَانِيُّ ، قَالَ : قَالَ لِي حُسَيْنٌ الْكَرَابِيسِيُّ ، لَمَّا قَدِمَ الشَّافِعِيُّ قَدْمَتَهُ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ : " أَتَأْذَنُ لِي أَقْرَأُ عَلَيْكَ الْكُتُبَ ؟ فَأَبَى ، وَقَالَ : خُذْ كُتُبَ الزَّعْفَرَانِيِّ فَانْسَخْهَا ، فَقَدْ أَجَزْتُهَا لَكَ فَأَخَذَهَا إِجَازَةً ".
أمَّا الإجَازة المُقْترنة بالمُنَاولة فستأتي في القِسْم الرَّابع.
تنبيه:
إذا قُلنا بصحَّة الإجَازة, فالمُتبادر إلى الأذْهَان أنَّها دُون العرض, وهو الحق, وقد حكى الزَّركشي في ذلك مذاهب.
ثانيها - ونسبهُ لأحمد بن مَيْسرة المَالكي - : أنَّها على وجهها خير من السَّماع الرَّديء, قال: واخْتَار بعض المُحقِّقين تفضيل الإجَازة على السَّماع مُطْلقًا.
ثالثها: أنَّهما سَوَاء حكى ابن عات في «رَيْحَانة النَّفس» عن عبد الرَّحمن بن أحمد بن بَقِي بن مَخْلد أنَّه كان يَقُول: الإجَازة عِنْدي وعند أبي وجَدِّي كالسَّماع.
وقال الطُّوفي: الحق التَّفصيل, ففي عصر السَّلف السَّماع أولى, وأمَّا بعد أن دُوِّنت الدَّواوين, وجُمعت السُّنن واشتهرت, فلا فرق بينهما.
الثَّالث: يُجيزُ غيرَ مُعيَّن بوصفِ العُمُوم, كأجزتُ المُسْلمين, أو كلَّ أحد, أو أهلَ زَمَاني, وفيه خِلافٌ للمتأخِّرين, فإن قَيَّدها بوصف حَاصرٍ, فأقربُ إلى الجَوَاز.
الضَّرب الثَّاني: يُجيز مُعينا غيره(8)
أي غير مُعين كأجزتك أو أخبرتكم جميع مسموعاتي أو مروياتي فالخلاف فيه أي في جَوَازها أقوى وأكثر من الضَّرب الأوَّل.
والجمهُور من الطَّوائف جوزوا الرِّواية بها فأوجبوا العمل بما رُوي بها بشرطه.
الثَّالث: يُجيز غير مُعيَّن بوصْفِ العُموم(9)
كأجزت جميع المسلمين, أو كل أحد, أو أهل زماني, وفيه خلاف للمتأخِّرين, فإن قيَّدها أي: الإجازة العامة بوصف حاصر كأجزتُ طَلَبة العِلْم ببلد كَذَا, أو من قرأ عليَّ قبل هذا فأقرب إلى الجَوَاز من غير المُقيدة بذلك.
بل قال القاضي عياض(10): ما أظنهم اختلفُوا في جواز ذلك, ولا رأيت منعه لأحد, لأنَّه محصور موصوف, كقوله: لأولاد فُلان, أو إخوة فُلان.
واحترز بقوله: حاصر, ما لا حصر فيه, كأهل بلد كذا, فهو كالعامة المُطْلقة.
وأفرد القَسْطلاني هذه بنوع مُستقل, ومثَّله بأهل بلد مُعيَّن, أو إقليم, أو مَذْهب مُعيَّن.
ومن المُجوِّزين للعامة المُطلقة القاضي أبو الطَّيب الطَّبري والخطيب البغدادي وأبو عبد الله بن مَنْده وأبو عبد الله ابن عتَّاب, والحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطَّار الهمذاني وآخرون كأبي الفضل بن خيرون, وأبي الوليد ابن رشد, والسَّلفي, وخلائق جمعهم بعضهم في مُجلد, ورتَّبهم على حروف المعجم لكثرتهم.
قال الشَّيخ ابن الصَّلاح(11)ميلاً إلى المَنْع: ولم نَسْمع عن أحد يُقتدى به الرِّواية بهذه قال: والإجَازة في أصلها ضعيفة, وتَزْداد بهذا التَّوسع والاسْترسَال ضعفًا كثيرًا.
قال النووي قلت: الظَّاهر من كلام مُصححها جَوَازُ الرِّواية بها, وهذا يقتضي صحتُها, وأيُّ فائدة لها غير الرِّواية بها وكذا صرَّح في «الرَّوضة» بتصحيح صحتها.
قال العِرَاقيُّ(12): ومِمَّنْ حَدَّثَ بِهَا مِنَ الحُفَّاظِ : أبو بكرِ بنُ خيرٍ الإشبِيليُّ ، ومن الحفَّاظِ المتأخرينَ : الحافظُ شرفُ الدينِ عبدُ المؤمنِ بنُ خَلَفٍ الدمياطيُّ ، بإجازَتِهِ العامةِ من المؤيِّدِ الطوسيِّ.وسمعَ بِهَاالحفَّاظُ: أبو الحجَّاجِ المِزِّيُّ ، وأبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ ، وأبو محمدٍ البِرْزَاليُّ عَلَى الركْنِ الطَّاوسي بإجازتِهِ العامَّةِ من أبي جعفرٍ الصَّيدلانيِّ وغَيرِهِ . وقرأَ بِهَا الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ عَلَى أبي العباسِ بنِ نعمةَ بإجازتهِ العامَّةِ من داودَ بنِ مَعْمَرِ بنِ الفاخرِ . وقرأْتُ بِهَا عدَّةَ أجزاءٍ عَلَى الوجيهِ عبدِ الرحمنِ العوفيِّ بإجازتِهِ العامَّةِ من عبدِ اللَّطيفِ بنِ القُبَّيْطِيِّ ، وأبي إسحاقَ الكَاشْغَرِيِّ ، وابنِ رواجِ ، والسِّبْطِ ، وآخرينَ من البغداديِّينَ والمصريِّينَ . وفي النفسِ من ذَلِكَ شئٌ وأنا أَتوقفُ عن الروايةِ بِهَا، وأهلُ الحديثِ يقولونَ:إذا كتبتَ فَقَمِّشْ ، وإذا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ. والإجازةُ العامَّةُ إذا قُيِّدَتْ بوصفٍ حاصرٍ ، فهي إلى الجوازِ أقربُ.. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر(13): " وكلُّ ذلك - كما قالَ ابنُ الصَّلاحِ - توسُّعٌ غيرُ مَرْضِيٍّ(14)؛ لأنَّ الإِجازةَ الخاصَّةَ المعيَّنَةَ مُخْتَلَفٌ في صحَّتِها اختِلافاً قويّاً عندَ القُدماءِ ، وإِنْ كانَ العملُ (( قد )) استقرَّ على اعْتبارِها عندَ المتأَخِّرينَ ، فهِيَ دونَ السَّماعِ } بالاتِّفاقِ ، فكيفَ إِذا حصَلَ فيها الاسترسالُ المَذكورُ ؟! فإِنَّها تَزدادُ ضَعفاً ، لكنَّها في الجُملةِ خيرٌ مِن إِيرادِ الحَديثِ مُعْضلاً ، واللهُ (( تعالى )) أَعلمُ .."
قال البَلْقيني(15): وما قيل من أنَّ أصل الإجَازة العامة ما ذكرهُ أحمد في مسنده مسند أحمد(131) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِىِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ مُسْتَنِداً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ اعْلَمُوا أَنِّى لَمْ أَقُلْ فِى الْكَلاَلَةِ شَيْئاً وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِى أَحَداً وَأَنَّهُ مِنْ أَدْرَكَ وَفَاتِى مِنْ سَبْىِ الْعَرَبِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لائْتَمَنَكَ النَّاسُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَائْتَمَنَهُ النَّاسُ. فَقَالَ عُمَرُ قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِى حِرْصاً سَيِّئاً وَإِنِّى جَاعِلٌ هَذَا الأَمْرَ إِلَى هَؤُلاَءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لَوْ أَدْرَكَنِى أَحَدُ رَجُلَيْنِ ثُمَّ جَعَلْتُ هَذَا الأَمْرَ إِلَيْهِ لَوَثِقْتُ بِهِ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.(16)
. ليس فيه دلالة, لأنَّ العتق النافذ لا يحتاج إلى ضبط, وتحديث, وعمل, بخلاف الإجَازة ففيها تحديث, وعمل, وضبط, فلا يصح أن يَكُون ذلك دليلاً لهذا, ولو جُعل دليله ما صحَّ من قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - : « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(17)., لكان له وجه قوي. انتهى.
فائدة:
قال شيخ الإسلام- الحافظ ابن حجر - في «معجمه» : كان محمَّد بن أحمد بن عرَّام الإسكندري يقول: إذَا سمعت الحديث من شيخ, وأجازنيه شيخ آخر, سمعه من شيخ, رواه الأوَّل عنه بالإجَازة, فشيخ السَّماع يروي عن شيخ الإجَازة, وشيخ الإجَازة يرويه عن ذلك الشيخ بعينه بالسَّماع, كان ذلك في حُكم السَّماع على السَّماع. انتهى.(18)
وشيخ الإسْلام يصنع ذلك كثيرًا في أماليه وتخاريجه.
قلت: فظهرَ لي من هذا القول أن يُقال: إذا رويت عن شيخ بالإجَازة الخاصة, عن شيخ بالإجَازة العامة, وعن آخر بالإجَازة العامة, عن ذلك الشيخ بعينه بالإجَازة الخاصة, كان ذلك في حُكم الإجازة الخاصة, عن الإجازة الخاصة.
مثال ذلك: أن أروي عن شيخنا أبي عبد الله محمَّد بن محمد التنكزي, وقد سمعتُ عليه, وأجاز لي خاصِّة عن الشَّيخ جمال الدِّين الأسْنوي, فإنَّه أدركَ حياتهُ ولم يجزهُ خاصة, وأروي عن الشَّيخ أبي الفَتْح المَرَاغي بالإجَازة العامة, عن الأسْنوي بالخاصة.
الرَّابع إجَازة لمُعيَّن بمجهول من الكتب أو إجَازة بمعين من الكتب له أي لمجهول من النَّاس(19)
كأجزتُكَ كتاب السُّنن, وهو يروي كُتبًا في السُّنن أو أجزتك بعض مسموعاتي أو أجزتُ محمَّد بن خالد الدِّمشقي, وهناك جماعة مُشتركون في هذا الاسم ولا يتضح مُراده في المسألتين فهي باطلة، فإن اتَّضح بقرينة فصحيحة.
فإن أجَاز لجماعة مُسَّمين في الإجازة أو غيرها, ولم يعرفهم بأعيانهم, ولا أنْسَابهم, ولا عددهم, ولا تصفحهم وكذا إذا سمَّي المسؤول له ولم يعرف عينه صحَّت الإجَازة كسماعهم منهُ في مَجْلسه في هذا الحال أي: وهو لا يعرف أعيانَهم, ولا أسْمَاءهم, ولا عددهم.
وأمَّا أجزتُ لمن يشاء فُلانٌ, أو نحو هذا ففيه جهالة وتعليق بشرط, ولذلك أُدخل في ضرب الإجَازة المَجْهُولة.
والعِرَاقي(20)أفردهُ, كالقَسْطلاني بضربٍ مُستقلٍّ, لأنَّ الإجَازة المُعلَّقة قد لا يكون فيها جَهَالة, كما سيأتي.
فالأظْهر بُطْلانه للجهل, كقوله: أجزتُ لبعض النَّاس وبه قطعَ القَاضي أبو الطَّيب الشَّافعي.
قال الخطيب: وحُجتهم القياس على تعليق الوكالة.
وصحَّحه أي: هذا الضَّرب من الإجَازة أبو يَعْلى ابن الفَرَّاء الحنبلي, وأبو الفضل محمد بن عُبيد الله بن عمروس المَالكي وقال: إنَّ الجَهَالة ترتفع عند وجُود المَشيئة ويتعيَّن المُجَازُ له عندها.
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 30) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 15) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 9)والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والوجيز في ذكر المجاز والمجيز - (ج 1 / ص 1) والحد الفاصل - (ج 1 / ص 435) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 171) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 302) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 425) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 298)
(2) - علوم الحديث ص 180- 190
(3) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 298) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 47)
(4) - الإلماع ص 89- 90
(5) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 485)
(6) - علوم الحديث ص181
(7) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 216)
(8) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 300)
(9) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 300)
(10) - الإلماع ص 106
(11) - علوم الحديث ص 184
(12) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 137)
(13) - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 41) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 31)
(14) - هذا التوسع من باب توسيع العلم ونشره ونقله وإلا فلا تعتبر إجازة ولكن تفيد أن هذا الكتاب كتابه وأذن في روايته ولكن لا يقول أجازني لأنه ما أجازه .
(15) - في محاسن الاطلاع ص 268
(16) - وهو حديث حسن
(17) - صحيح البخارى(3461 )
(18) - في المجمع المؤسس للحافظ ابن حجر 2/639: " سمع من ابن عرَّام شيخُنا العراقيُّ ، وذكر لي عنه ، انه كان يقول : السماع عن إجازة ، والإجازةُ عن سماعٍ ، ينزل منزلة السماعِ المتصلِ "
(19) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 303)
(20) - التبصرة 2/69(1/381)
واحتج ابن الفَرَّاء لذلكَ كما في السنن الكبرى للنسائي (7374) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا وَهْبُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَعْقُوبَ ، يُحَدِّثُ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ : " إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ ، أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَتَى خَبَرُهُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،.."( وهو صحيح). فعلَّق التأمير.
قال: وسمعتُ أبا عبد الله الدَّامغاني يُفرِّق بينها وبين الوكَالة, بأن الوكيل يَنْعزل بعزل المُوكل له, بخلاف المُجَاز.
قال العِرَاقيُّ(1): وقد استعمل ذلك من المُتقدِّمين: الحافظ أبو بكر بن أبي خَيْثمة صاحب «التاريخ» وحفيد يعقُوب بن شيبة(2).
فإن عُلِّقت بمشيئة مُبهم, بطلت قطعًا.
قال العراقي :(3)" وأمَّا إذا كانَ الْمُعَلَّقُ هُوَ الروايةَ كقولهِ : أجزتُ لمنْ شاءَ الروايةَ عنِّي ، أَنْ يرويَ عنِّي ، فقالَ ابنُ الصَّلاحِ : هذا أَولى بالجوازِ من حيثُ إِنَّ مُقْتَضَى كُلِّ إِجازةٍ تفويضُ الروايةِ بها إلى مشيئةِ المجُازِ لَهُ ، فكانَ هذا مَعَ كونِهِ بصيغةِ التعليقِ تصريحاً بما يقتضيهِ الإطلاقُ ، وحكايةً للحالِ ، لا تعليقاً في الحقيقةِ . قالَ : ولهذا أجازَ بعضُ أَئِمَّةِ الشَّافعيِّيْنَ في البيعِ أن يَقُوْلَ : بِعْتُكَ هذا بكذا إِن شئتَ ، فيقولُ : قَبِلْتُ. قُلْتُ : الفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَعْيِيْنُ الْمُبتاعِ هنا ، بخلافِهِ في الإجازةِ، فإنَّهُ مُبْهَمٌ . نَعَمْ .. وِزَانُهُ في الإجازةِ أَنْ يقولَ : أجزتُ لك أَنْ ترويَ عَنِّي إِنْ شئتَ الروايةَ عنِّي . وأمَّا المثالُ الذي ذكرهُ فالتعليقُ وإِنْ لم يَضُرَّهُ فالجهالةُ مُبطِلةٌ لَهُ . وكذلكَ ما وُجِدَ بخطِ أبي الفتحِ الأَزْدِيِّ : أجزتُ روايةَ ذلكَ لجميعِ مَنْ أَحبَّ أَنْ يرويَ ذلكَ عنِّي . وأمَّا تعليقُ الروايةِ مَعَ التصريحِ بالمجُازِ لَه وتعيينِهِ ، كقولِهِ : أجزتُ لكَ كذا وكذا إِنْ شئتَ روايتَهُ عَنِّي ، أو أَجَزْتُ لكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ ترويَ عَنِّي ، أو أجزْتُ لفلانٍ إِنْ شَاْءَ الروايةَ عَنِّي ، ونحوَ ذلكَ ؛ فالأظهرُ الأقوى أَنَّ ذلك جائزٌ إذْ قد انتفتْ فيه الجَهالةُ ، وحقيقةُ التعليقِ ، وَلَمْ يَبْقَ سوى صِيغتِهِ ."
وكذا قال البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح»(4)وأيَّد البُطْلان في المسألة الأولى, ببطلان الوصية والوكالة فيما لو قال: وصَّيت بهذه لمن يشاء, أو وكلت في بيعها من شاء أن يبيعها. قال: وإذا بطلَ في الوصية, مع احتمالها ما لا يحتمله غيرها, فهنا أولى.
ولو قال: أجزتُ لفلان كذا إن شَاء روايته عنِّي, أو لك, إن شئتَ, أو أحببتَ أو أردت, فالأظهر جَوَازه كما تقدَّم.
------------------
الخامس: الإجَازةُ للمعدوم(5):
كأجزتُ لمن يُولد لفلان, واختلف المتأخِّرون في صحتها, فإن عطفهُ على موجود, كأجزتُ لفُلان ومن يُولد له, أو لك ولولدك ولعقبك ما تَنَاسلُوا, فأولَى بالجَوَاز ممَّا إذا أفرده بالإجَازة, قياسًا على الوقف.
وفعل الثَّاني من المُحدِّثين الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي داود السِّجستاني, فقال وقد سُئل الإجَازة: قد أجزت لكَ, ولأولادك, ولحبل الحبلة. يعني الَّذين لم يُولدوا بعد.
قال البَلْقيني(6): ويُحتمل أن يَكُون ذلك على سبيل المُبَالغة, وتأكيد الإجَازة, وصرَّح بتصحيح هذا القسم القَسْطلاني في «المنهج».
وأجَاز الخَطيب الأوَّل أيضًا وألَّف فيها جُزءا, وقال: إنَّ أصحاب مالك وأبي حنيفة أجَازُوا الوقف على المعدُوم, وإن لم يكن أصله موجودًا.
قال: وإن قيلَ: كيف يصحُّ أن يَقُول: أجَازني فُلان, ومولده بعد موته؟, يُقَال: كما يصحُّ أن يقول: وقف عليَّ فُلانٌ, ومولده بعد موته.
قال: ولأنَّ بُعد أحد الزَّمانين من الآخر, كبعدِ أحد الوطنينِ من الآخر.
وحكاه أي الصحَّة, فيما ذكر عن ابن الفَرَّاء الحنبلي وابن عمرُوس المالكي, ونسبه عياض لمُعظم الشيوخ.
وأبْطَلها القَاضي أبو الطَّيب وابن الصَّباغ الشَّافعيان, وهو الصَّحيح الَّذي لا ينبغي غيره لأنَّ الإجَازة في حُكم الإخبار جملةً بالمُجَاز, فكما لا يصحُّ الإخبار للمعدُوم, لا تصحُّ الإجَازة له.
أمَّا إجَازة من يُوجد مُطلقًا, فلا يَجُوز إجْمَاعًا.
وأمَّا الإجَازة للطِّفل الَّذي لا يُميِّز فصحيحةٌ, على الصَّحيح, الَّذي قطعَ به القاضي أبو الطَّيب والخطيب ولا يُعتبر فيه سِنٌّ ولا غيرهُ خِلافًا لبعضهم حيث قال: لا يصحُّ, كما لا يصحُّ سماعه, ولمَّا ذكر ذلك لأبي الطَّيب قال: يصح أن يُجيز للغائب, ولا يصحُّ سماعهُ.
وقال الخطيب في الكفاية 1052 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْبَادَا , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ شَاذَانَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي دَاوُدَ ، وَسُئِلَ عَنِ الْإِجَازَةِ , فَقَالَ : " قَدْ أَجَزْتُ لَكَ وَلِأَوْلَادِكَ وَلِحَبَلِ الْحَبَلَةِ ، يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يُولَدُوا بَعْدُ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَأَلْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيَّ عَنِ الْإِجَازَةِ لِلطِّفْلِ الصَّغِيرِ , هَلْ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهَا سِنُّهُ أَوْ تَمْيِيزُهُ , كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ سَمَاعِهِ ؟ فَقَالَ : لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ , وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَلَى هَذَا صِحَّةَ الْإِجَازَةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا فِي الْحَالِ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي لِلطَّالِبِ : أَجَزْتُ لَكَ وَلِمَنْ يُولَدُ لَكَ , فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ , لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ لِمَنْ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ , فَقَالَ : قَدْ يَصِحُّ أَنْ يُجِيزَ لِلْغَائِبِ عَنْهُ , وَلَا يَصِحُّ السَّمَاعُ مِنْهُ لِمَنْ غَابَ عَنْهُ - أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ . قَالَ الخطيب : وَالْإِجَازَةُ إِنَّمَا هِيَ إِبَاحَةُ الْمُجِيزِ لِلْمُجَازِ لَهُ رِوَايَةَ مَا يَصِحُّ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ , وَالْإِبَاحَةُ تَصِحُّ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ , وَلَيْسَ نُرِيدُ بِقَوْلِكَ : الْإِبَاحَةُ الْإِعْلَامَ , وَإِنَّمَا نُرِيدُ بِهِ مَا يُضَادُّ الْحَظْرَ وَالْمَنْعَ , وَعَلَى هَذَا رَأَيْنَا كَافَّةَ شُيُوخِنَا يُجِيزُونَ لِلْأَطْفَالِ الْغُيَّبِ عَنْهُمْ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مَبْلَغِ أَسْنَانِهِمْ وَحَالِ تَمْيِيزِهِمْ , وَلَمْ نَرَهُمْ أَجَازُوا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا فِي الْحَالِ , وَلَوْ فَعَلَهُ فَاعِلٌ لَصَحَّ لِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ إِيَّاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال ابن الصَّلاح(7): كأنَّهم رأوا الطِّفل أهلاً لتحمُّل هذا النَّوع, ليؤدي به بعد حُصول الأهلية, لبقاء الإسْنَاد, وأمَّا المُميِّز فلا خلاف في صحَّة الإجَازة له.
تنبيه:
أدمجَ المُصنِّف كابن الصَّلاح مَسْألة الطِّفل في ضرب الإجَازة للمعدُوم, وأفردهَا القَسْطلاني بنوع, وكذا العِرَاقي, وضمَّ إليها الإجَازة للمجنُون, والكافر, والحمل.
وقال العراقي(8): " فأمَّا المجنُون فالإجَازة له صحيحة, وقد تقدَّم ذلك في كلام الخطيب.
وأمَّا الإجازةُ للكافرِ فلم أجدْ فيها نَقْلاً ، وقد تَقَدَّمَ أَنَّ سماعَهُ صحيحٌ ولم أَجدْ عن أَحدٍ من المتقدِّمِيْنَ والمتأخِّرِينَ الإجازةَ للكافرِ ، إلاَّ أنَّ شخصاً من الأَطباءِ بدمشقَ ممن رأيتُهُ بدمشقَ ولم أسمعْ عليهِ ، يُقالُ لهُ محمَّدُ بنُ عبدِ السيدِ بنِ الدَّيَّانِ ، سَمِعَ الحديثَ في حالِ يهوديتِهِ على أبي عبدِ اللهِ محمَّدِ بنِ عبدِ المؤمنِ الصوريِّ ، وكتبَ اسمهُ في طبقةِ السماعِ معَ السامعينَ وأَجازَ ابنُ عبدِ المؤمن لمنْ سمعَ وهوَ من جملتهِم . وكَاْنَ السماعُ والإجازةُ بحضورِ الحافظِ أبي الحجاجِ يوسف بنِ عبدِ الرحمنِ المِزِّيِّ ، وبعضُ السماعِ بقراءتهِ وذلكَ في غيرِ ما جزءٍ منها: "جزءُ ابنِ عترةَ" فلولاَ أنَّ المِزِّيَّ يرى جوازَ ذلكَ ما أَقرَّ عليهِ. ثُمَّ هَدَى اللهُ ابنَ عبدِ السيدِ المذكورِ للإِسلامِ وحَدَّثَ وسَمِعَ منهُ أصحابُنا.
ومن صُوَرِ الإجازةِ لغيِر أهلِ الأداءِ الإجازةُ للمَجْنُونِ ، وهيَ صحيحةٌ وقد تقدَّمَ ذكرُها في كلامِ الخطيبِ . ومِنْ صُوَرِها الإجازةُ للفاسقِ والمبتدعِ ، والظاهرُ جوازُها ، وأولَى من الكافرِ ، فإذا زالَ المانعُ من الأَداءِ صحَّ الأداءُ ، كالسماعِ سواءٌ . وأمَّا الإجازةُ للحَمْلِ فلَمْ أَجدْ فيها أيضاً نَقْلاً غيرَ أنَّ الخطيبَ قالَ :لَمْ أَرَهُم أجازُوا لمنْ لَمْ يكنْ مولوداً في الحالِ ، ولم يَتَعَرَّضْ ؛ لكونهِ إذا وقعَ تصحُّ أو لا ؟ ولا شكَّ أَنَّهُ أولى بالصِّحَّةِ مِنَ المعدومِ . والخطيبُ يرى صحتَها للمعدومِ - كما تقدَّمَ - وقدْ رأيتُ بعضَ شيوخِنَا المتأخِّرِينَ سُئِلَ الإجازةَ لِحَمْلٍ بعدَ ذِكْرِ أبويهِ قبلَهُ وجماعةٍ معهُم ، فأجازَ فيها ، وهوَ الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ . ورأيتُ بعضَ أهلِ الحديثِ قدْ احترزَ عنِ الإجازةِ لهُ ، بلْ عَمَّنْ لَمْ يُسمَّ في الإجازةِ ، وإِنْ كانَ موجوداً ، فكتبَ : أجزْتُ للمسمِّيْنَ فيهِ ، وهوَ المحدِّثُ الثقةُ أبو الثناءِ محمودُ بنُ خَلَفٍ المنبجيُّ . ومَنْ عَمَّمَ الإجازَةَ للحَمْلِ وغيرِهِ أَعْلَمُ وأَحفظُ وأَتقنُ . إلا أنهُ قد يُقالُ : لعلَّهُ ما اصَّفَّحَ أسماءَ الإجازةِ حتى يَعلمَ هلْ فيها حملٌ أم لا ؟ فقدْ تقدَّمَ أَنَّ الإجازةَ تصحُّ وإِنْ لَمْ يَتَصَفَّحِ الشيخُ الْمُجيزُ أسماءَ الجماعةِ المسؤولِ لَهُمْ الإجازةَ . إلاَّ أَنَّ الغالبَ أَنَّ أَهْلَ الحديثِ لا يُجيزونَ إلاَّ بعدَ نَظَرِ المسؤولِ لَهُمْ ، كَمَا شاهدناهُ مِنْهُمْ . قلتُ : وينبغي بناءُ الحكمِ في الإجازةِ للحملِ عَلَى الخلافِ في أَنَّ الحَمْلَ هلْ يُعْلَمُ أو لا ؟ فإِن قلنا : إِنَّه لا يُعلمُ ، فتكونُ كالإجازَةِ للمعدومِ ويجري فيهِ الخلافُ وإِن قُلنا : إِنَّهُ يُعْلَمُ - وهو الأَصَحُّ كما صحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ - صَحَّتِ الإجازةُ . ومعنى قولهِم : إِنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ ، أي : يُعامَلُ مُعامَلةَ المعلومِ وإِلاَّ فقدْ قالَ إِمامُ الحرمينِ : لا خلافَ أَنَّهُ لا يُعلمُ وقد جزمَ بهِ الرافعيُّ بعد هذا بنحوِ صفحةٍ في أثناءِ فَرقٍ ذَكَرَهُ .اهـ
وذكر ولدهُ الحافظ ولي الدِّين أبو زُرْعة في فَتَاويه المَكية, وهي أجْوبة أسئلة, سألهُ عنها الحافظ أبو الفَضْل الهَاشمي أنَّ الجَوَاز فيما بعد نفخ الرُّوح أوْلَى, وأنَّها قبل نفخ الرُّوح مُرتبة مُتوسطة بينها وبين الإجَازة للمعدُوم, فهي أوْلَى بالمَنْع من الأولى وبالجَوَاز من الثَّانية.
-------------------
السَّادس: إجَازة ما لم يتحمَّله المُجيز بوجه من سماع أو إجازة ليرويهُ المُجَاز له إذا تحمَّله المُجيز(9)
قال القاضي عياض في كتابه «الإلماع»(10): هذا لم أر من تكلَّم فيه من المشايخ.
قال: ورأيتُ بعض المتأخِّرين والعصريين يصنعونه, ثمَّ حكى عن قاضي قُرطبة أبي الوَليد يُونس بن مغيث منع ذلك لما سأله وقال: يُعطيك ما لم يأخذ؟ هذا مُحَال.
قال عياض: و هذا هو الصَّحيح فإنَّه يُجيز ما لا خبر عنده منه, ويأذن له بالتَّحديث بما لم يحدث به, ويُبيح ما لم يعلم هل يصح له الإذن فيه؟!.
قال النووي: وهذا هو الصَّواب.
وقال ابن الصَّلاح(11): يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ بِالْمُجَازِ جُمْلَةً ، أَوْ هِيَ إذْنٌ ، فَلَا يَصِحُّ إنْ جُعِلَتْ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ ، إذْ كَيْفَ يُجِيزُ مَا لَا خَبَرَ عِنْدَهُ مِنْهُ ؟ وَإِنْ جُعِلَتْ إذْنًا بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصْحِيحِ الْوَكَالَةِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُوَكِّلُ ، وَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ هَذِهِ الْإِجَازَةِ.اهـ
وكذا قال القَسْطلاني: الأصح البُطْلان, فإنَّ ما رواهُ داخلٌ في دائرة حصر العلم بأصله, بخلاف ما لم يروه, فإنَّه لم يَنْحصر.
فَعَلَى هذا يَتعيَّنُ على من أرادَ أنْ يروي عن شيخٍ أجَاز له جميع مَسْمُوعاته أن يبحثَ حتَّى يعلم أنَّ هَذَا مِمَّا تحمَّلهُ شيخهُ قبل الإجَازة, وأمَّا قولُهُ: أجزتُ لكَ ما صحَّ, أو يصحُّ عندكَ من مَسْمُوعَاتي, فصحيحٌ تَجُوزُ الرِّواية به لِمَا صحَّ عندهُ سماعُهُ له قبل الإجَازة, وفعلهُ الدَّارقُطني وغيرهُ.
------------------
السَّابع: إجَازة المُجَاز:(12)
كأجزتك مُجَازاتي أو جميع ما أجيز روايته فمنعهُ بعض من لا يعتد به وهو الحافظ أبو البركات عبد الوهَّاب بن المُبَارك الأنْمَاطي شيخ ابن الجَوْزي, وصنَّف في ذلك جُزءًا, لأنَّ الإجَازة ضعيفة فيقوَّى الضعف باجتماع إجَازتين.
والصَّحيح الَّذي عليه العمل جَوَازه, وبه قطع الحُفَّاظ أبو الحسن الدَّارقُطْني و أبو العَّباس ابن عُقْدة, وأبو نُعيم الأصْبَهاني وأبو الفتح نصر المَقْدسي وفعله الحاكم, وادَّعى ابن طاهر الاتِّفاق عليه.
وكان أبو الفتح نصر المَقْدسي يروي بالإجَازة عن الإجَازة, وربَّما والَى بين ثلاث إجَازات, وكذلك الحافظ أبو الفتح بن أبي الفَوَارس, والَى بين ثلاث إجَازات, ووالَى الرَّافعي في أمَاليه بين أرْبع أجَائز, والحافظ قُطْب الدِّين الحَلَبي بين خَمْس أجَائز في «تاريخ مصر» وشيخ الإسْلام في أماليه بين ست.
وينبغي للرَّاوي بها أي بالإجَازة عن الإجَازة تأمُّلها أي تأمَّل كيفية إجَازة شيخ شيخه لشيخه, ومُقْتضَاها لئلا يروي بها ما لم يدخُل تحتها فربَّما قيَّدها بعضهم بما صحَّ عند المُجَاز لهُ أو بما سمعهُ المُجِيز ونحو ذلك.
فإن كانت إجَازةُ شيخِ شيخه: أجزتُ له ما صحَّ عنده من سَمَاعي, فرأى سماع شيخ شيخه, فليس له روايته عن شيخه عنهُ, حتَّى يعرف أنَّه صحَّ عند شيخه, كونه من مسموعات شيخه وكذا إن قيَّدها بما سمعهُ لم يعتد إلى مُجَازاته وقد زلَّ غيرُ واحد من الأئمة بسبب ذلك.
قال العِرَاقي(13): وكانَ الشيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ دقيقِ العيدِ ، لا يُجيزُ روايةَ سماعِهِ كُلِّهِ بلْ يُقَيّدُهُ بما حَدَّثَ بهِ مِنْ مَسْمُوْعَاتهِ ، هكذا رأيتُهُ بخطِّهِ في عِدَّةِ إجازاتٍ ، ولم أَرَ لهُ إجازةً تَشملُ مسموعَهُ ؛ وذلك أَنَّهُ كَاْنَ شكَّ في بعضِ سماعاتهِ فَلَمْ يحدِّثْ بِهِ وَلَمْ يُجزْهُ ، وَهُوَ سماعُهُ عَلَى ابنِ الْمُقَيَّرِ ، فمَنْ حدَّثََ عنهُ بإجازتِهِ مِنْهُ بشيءٍ مِمَّا حَدَّثَ بهِ من مَسْمُوْعَاتِهِ فَهُوَ غيرُ صحيحٍ ، وينبغي التنبهُ لهذا وأمثالِهِ اهـ.
قلتُ: لكنَّه كان يُجيز مع ذلكَ جميع ما أُجيز له, كما رأيتهُ بخط أبي حيَّان في النضار, فعلَى هذا لا تتقيَّد الرِّواية عنهُ بما حدَّث به من مَسْمُوعاته فقط, إذ يدخل الباقي فيما أُجيز له.
فَرْعٌ:
وفي معجم لسان المحدثين(14): " والإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث ، تقول : استجزته فأجازني إذا أسقاك ماء لماشيتك وأرضك ، فكذلك طالب العلم يستجيز العالم أي يسأله أن يجيزه علمه فيجيزه إياه ؛ فعلى هذا يجوز أن يقال : أجزت فلاناً مسموعاتي أو مروياتي متعدياً بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية ، ولكن من جعل الإجازة إذناً وإباحة وتسويغاً - وهو المعروف - فيقول : أجزت له رواية مسموعاتي ، ومتى قال : أجزت له مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره ."
قال ابنُ الصلاحِ(15): فللمجيزِ - على هذا - أنْ يقولَ : أجزتُ فلاناً مَسْمُوْعَاتي،أو مَرْوِيَاتي، فيُعَدِّيهِ بغيرِ حرفِ جرٍ ، من غيرِ حاجةٍ إلى ذِكْرِ لفظِ الروايةِ، أو نحوِ ذلكَ . ويحتاجُ إلى ذلكَ مَنْ يجعلُ الإجازةَ بمعنى التسويغِ والإذنِ والإباحةِ ، قالَ : وذلكَ هو المعروفُ . فيقولُ : أجزتُ له روايةَ مَسْمُوْعَاتي مثلاً . قالَ : وَمنْ يقولُ : أجزتُ له مَسْمُوْعَاتي فعلى سبيلِ الحذفِ الذي لا يَخْفَى نظيرُهُ ..اهـ
وعبارةُ القَسْطلاني في «المنهج» : الإجَازة مُشتقة من التجوُّز, وهو التعدي, فكأنَّه عدَّى روايته حتَّى أوصلها للرَّاوي عنهُ.
قالوا: إنَّما تُسْتحسن الإجَازة إذا علم المُجيز ما يُجِيزه, وكان المُجَازُ له من أهل العلم أيضًا, لأنَّها توسعٌ وترخيص يتأهَّل له أهل العلم, لمسيس حاجتهم إليها.
قال عيسى بن مِسْكين: الإجَازة رأس مالٌ كبير.
واشترطهُ بعضهم في صحَّتها فبالغ وحكي عن مالك حكاهُ عنه الوليد بن بكر من أصْحَابه.
وقال ابن عبد البرفي جامع بيان العلم : 1379 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، ثنا أَبُو الْخَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بِمَرْوَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزْدَادَ الرَّازِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيَّ ، بِبَغْدَادَ يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي الْأَشْعَثِ أَحْمَدَ بْنِ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيِّ إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ يَسْأَلُونَهُ إِجَازَةَ كِتَابٍ قَدْ حَدَّثَ بِهِ فَأَمْلَى عَلَيْهِمْ :
كِتَابِي إِلَيْكُمْ فَافْهَمُوهُ فَإِنَّهُ رَسُولِي إِلَيْكُمْ وَالْكِتَابُ رَسُولُ
فَهَذَا سَمَاعِي مِنْ رِجَالٍ لَقِيتُهُمْ لَهُمْ وَرَعٌ فِي فِقْهِهِمْ وَعُقُولُ
فَإِنْ شِئْتُمْ فَارْوُوهُ عَنِّي فَإِنَّمَا تَقُولُونَ مَا قَدْ قُلْتُهُ وَأَقُولُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ : " وَتَلْخِيصُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا لِلْمَاهِرِ بِالصِّنَاعَةِ حَاذِقٍ بِهَا يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَنَاوَلُهَا ، وَتَكُونُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مَعْرُوفٍ لَا يَشْكُلُ إِسْنَادُهُ ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ "اهـ.
وقال العِرَاقيُّ(16):" الإجازةُ قد تكونُ بلفظِ الشيخِ وقد تكونُ بالخطِّ ، سواءٌ أجازَ ابتداءً أَمْ كتبَ بهِ على سؤالِ الإجازةِ ؟ كما جرتِ العادةُ . فإنْ كانتِ الإِجازةُ بالخطِّ فالأحسنُ والأَولى أن يتلفَّظَ بالإجازةِ أيضاً ، فإنِ اقتصرَ على الكتابةِ ولم يتلفظْ بالإجازةِ أيضاً، صحتْ إذا اقترنتِ الكتابةُ بقصدِالإجازةِ ؛ لأنَّ الكتابةَ كتابةٌ وهذهِ دون الإجازةِ الملفوظِ بها في المرتبةِ . فإنْ لم يقصدِ الإجازةَ فالظاهرُ عدمُ الصحةِ . قالَ ابنُ الصلاحِ : وغيرُ مستبَعدٍ تصحيحُ ذلك بمجردِ هذهِ الكتابةِ في بابِ الروايةِ التي جُعلتْ فيه القراءةُ على الشيخِ ، مع أَنَّهُ لم يلفظْ بما قُرِئَ عليه اخبارًا منه بذلك ."
ولا يشترط القبول في الإجَازة, كما صرَّح به البلقيني(17).
قلت: فلو ردَّ, فالذي ينقدح في النَّفس الصحة, وكذا لو رجع الشَّيخ عن الإجَازة ويُحتمل أن يُقَال: إن قُلنا الإجَازة إخْبَار لم يَضُر الردُّ ولا الرجوع, وإن قُلنا إذن وإبَاحة ضرَّا, كالوقف والوكالة, ولكن الأوَّل هو الظَّاهر, ولم أر من تعرَّض لذلك.
وقال شيخنا الإمام الشَّمني: الإجَازة في الاصطلاح إذنٌ في الرِّواية لفظًا, أو خطًّا, يُفيد الإخبار الإجمالي عُرفًا, وأركانها أربعة: المُجيز, والمُجَاز له, والمُجَاز به, ولفظ الإجَازة.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 302) والتبصرة 2/71 و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 138) الشاملة2
(2) - هو : محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، كما في شرح الألفية للعراقي 2/72
(3) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 138)
(4) - ص 270
(5) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 491) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 32) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 305) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 40) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 690) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 139) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 49) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 216)
(6) - محاسن الاطلاع ص 271
(7) - علوم الحديث ص 187
(8) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 139)
(9) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 308)
(10) - الإلماع ص 106
(11) - علوم الحديث ص 188 و والبحر المحيط - (ج 5 / ص 490)
(12) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 490) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 32) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 308) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 26) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 308) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 139) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 216)
(13) - في التبصرة 2/86 و الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 310) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 139)
(14) - وفي معجم لسان المحدثين - (ج 2 / ص 8)
(15) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 140) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 33)
(16) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 140)
(17) - محاسن الاطلاع ص 270(1/382)
4- المناولة:(1)
القسم الرَّابع من أقْسَام التحمُّل المُنَاولة والأصلُ فيها ما علَّقه البُخَاري بقوله : وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِى الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ « لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا » . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .(2)
قال السُّهيلي: احتجَّ به البُخَاري على صِحَّة المُنَاولة, فكذلك العالم إذا نَاولَ التلميذ كتابًا, جاز له أن يروي عنه ما فيه, قال: وهو فقهٌ صحيح.
قال البَلْقيني(3): وأحسن ما يُستدل به عليها, ما استدلَّ به الحاكم ما في صحيح البخارى(64 ) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلاً ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى ، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ . فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ..
وقال الخطيب في الكفاية (177) أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ ، إِمْلَاءً , حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ الْبَزَّازُ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْأَزْدِيُّ ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِيهِ ، وَقَالَ الْآخَرُ عَنْ رَجُلٍ ، قَالَ : كُنَّا إِذَا أَتَينَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَكَثُرْنَا عَلَيْهِ أَخْرَجَ إِلَيْنَا مَجَالَّ مِنْ كُتُبٍ , فَقَالَ : " هَذِهِ كُتُبٌ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , وَقَرَأَنَاهَا عَلَيْهِ " , رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِدُحَيمٍ , وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ الْبَيْرُوتِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ , فَلَمْ يَذْكُرَا بَيْنَ هُبَيْرَةَ وَبَيْنَ أَنَسٍ أَحَدًا , وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ
(178) أَمَّا حَدِيثُ دُحَيْمٍ فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنِي هُبَيْرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : كَانُوا إِذَا كَثُرُوا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْحَدِيثِ أَتَاهُمْ بِمَجَالَّ , فَقَالَ : " هَذِهِ كَتَبْتُهَا ثُمَّ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(179 ) وَأَمَّا حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ الْأَهْوَازِيُّ ، بِدِمَشْقَ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عُمَرَ الْفَزَارِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ ، أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنِي هُبَيْرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ إِذَا حَدَّثَ فَكَثُرَ ، عَلَيْهِ النَّاسُ جَاءَ بِمَجَالَّ فَأَلْقَاهَا ثُمَّ قَالَ : " هَذِهِ أَحَادِيثُ سَمِعْتُهَا وَكَتَبْتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , وَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ ".
وهي ضربان: مقرونة بالإجازة, ومجردة عنها.
فالمَقْرونة بالإجَازة أعْلَى أنواع الإجَازة مُطْلقًا ونقل عياض الاتِّفاق على صحَّتها.
ولهذهِ المناولةِ العاليةِ صورٌ ، أعلاها أنْ يُناولَهُ شيئاً من سماعِهِ ، أصلاً أو فرعاً مقابلاً به ، ويقولَ : هَذا مِنْ سَمَاعِي ، أو رِوَايَتِي عن فلانٍ فاروهِ عنِّي ، ونحو ذلكَ . وكذا لو لم يذكرْ شيخَهُ وكان اسمُ شيخِهِ في الكتابِ المُنَاول ، وفيهِ بيانُ سماعِهِ منهُ ، أو إجازتِهِ منهُ ، ونحوِ ذلكَ ، ويُمَلِّكُهُ الشيخُ لهُ ، أو يقولُ له : خُذْهُ وانتسخْهُ ، وقابلْ به ، ثم رُدَّهُ إليَّ ، ونحَو ذلك . ومنها أَنْ يناولَهُ له ثُمَّ يَرْتَجِعَهُ منهُ في الحالِ ، وسيأتي حكمُ هذهِ الصورةِ في الأبياتِ التي تلي هذهِ ، ومنها أَنْ يُحضِرَ الطالبُ الكتابَ - أَصْلَ الشيخِ أو فرعَهُ المُقابلَ بهِ - فيعرضَهُ عليهِ ، وسَمَّاهُ غيرُ واحدٍ من الأئمةِ عَرْضَاً ، فيكونُ هذا عَرْضَ المناولِة ، وقد تقَدَّمَ عَرْضُ السَّماعِ . فإذا عَرَضَ الطالبُ الكتابَ على الشَّيْخِ ، تأَمَّلَهُ الشَّيْخُ، وهوَ عارفٌ مُتَيَقِّظٌ ، ثمَّ يُنَاولُهُ للطالبِ ، ويقولُ : هوَ روايتي عن فلانٍ أو عمَّنْ ذُكِرَ فيه ، أو نحوَ ذلك ، فاروِهِ عنِّي ، ونحوَ ذلكَ . ولم يتعرضِ ابنُ الصلاحِ لكونِ الصورةِ الأُوْلى من صُوَرِ المناولةِ أعلى ، ولكنَّهُ قَدَّمَها في الذِّكْرِ ، وقالَ القاضي عياضٌ : أَرفعُها أَنْ يدفعَ الشَّيْخُ كتابَهُ للطالبِ فيقولَ: هذهِ روايتي فارْوِها عنِّي، ويدفَعَها إليهِ، أو يقولَ له : خذْها فَانْسَخْهَا ، وقابلْ بها ثمَّ اصْرِفْهَا إليَّ ، أو يأتيهِ الطالبُ بنسخةٍ صحيحةٍ إلى آخرِ كلامِهِ . وهذهِ المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ حَالَّةٌ محلَّ السَّماعِ عندَ بعضهِم ، كما حكاهُ الحاكمُ عن ابنِ شهابٍ ، وربيعةَ الرأي ، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، ومالكٍ في آخرينَ مِن أهلِ المدينةِ ، ومَكَّةَ والكوفةِ والبصرةِ والشامِ ومصرَ وخُراسانَ . وفي كلامِهِ بعضُ تخليطٍ ؛ إذْ خلطَ عَرْضَ المناولةِ بعرْضِ السَّمَاعِ ، وقالَ الحاكمُ في هذا العرضِ : أما فقهاءُ الإسلامِ الذين أَفتوْا في الحلالِ والحرامِ فإنَّهم لم يَرَوْهُ سماعاً ، وبهِ قالَ الشافعيُّ والأوزاعيُّ والبويطيُّ والْمُزَنيُّ وأبو حنيفةَ وسفيانُ الثوريُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ وابنُ المباركِ ويحيى بنُ يحيى وابنُ راهويهِ.قالَ: وعليهِ عَهِدْنَا أَئمَتَنا، وإليهِ ذهبوا، وإليهِ نَذْهَبُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ : إنَّهُ الصحيحُ وإنَّ هذا مُنْحَطٌّ عن التَّحْدِيثِ والإخبارِ .اهـ(4)
قال العِرَاقيُّ(5): وقد اعترضَ ذكر أبي حنيفة مع هؤلاء, بأنَّ صاحب «القنية» من أصحابه, نقل عنه وعن محمَّد: أنَّ المُحدِّث إذا أعطاهُ الكتاب, وأجاز له ما فيه, ولم يسمعه ولم يعرفه لم يَجُز.
قال: والجواب أنَّ البُطْلان عندهما لا للمناولة والإجَازة, بل لعدم المعرفة, فإنَّ الضمير في قوله: ولم يعرفه, إن كان للمجاز, وهو الظاهر لتتفق الضمائر, فمقتضاه أنَّه إذا عرف ما أُجيز له صحَّ, وإن كان للشَّيخ فسيأتي أن ذلك لا يجوز, إلاَّ إن كان الطَّالب موثوقا بخبره.
قلتُ: وممَّا يعترض به في ذكر الأوزاعي, أنَّ البَيْهقي روى عنهُ في «المدخل» قال: في العرض يَقُول: قرأتُ, وقُرىء, وفي المُنَاولة يتدين به, ولا يحدث.
ومن صُورها: أن يُناول الشَّيخ الطَّالب سماعه, ويجيزه له, ثم يُمسكه الشَّيخ عنده ولا يُبقيه عند الطَّالب وهذا دُون ما سبق لعدم احتواء الطَّالب على ما يحمله وغيبته عنه وتَجُوز روايته عنه إذا وجد ذلك الكِتَاب المُنَاول له, مع غَلْبة ظنه بسلامته مع التغيير أو وجد فرعًا مُقَابلاً به موثوقًا بموافقته ما تناولته الإجَازة كما يعتبر ذلك في الإجَازة المجرَّدة عن المُنَاولة ولا يظهر في هذه المُنَاولة كبير مزية على الإجَازة المُجَرَّدة عنها في مُعيَّن من الكتب.
وقد قال جماعة من أصحاب الفقه والأصُول: لا فائدة فيها .
وعِبَارة القاضي عياض منهم(6): وعلى التَّحقيق فليسَ لها شيء زائد على الإجَازة للشَّيء المُعيَّن من التَّصانيف, ولا فرق بين إجَازته إيَّاه أن يُحدث عنه بكتاب «الموطأ» وهو غائب أو حاضر, إذ المقصود تعيين ما أجَازهُ.
ولكن شُيوخ الحديث قديمًا وحديثًا يرونَ لها مزية مُعْتبرة على الإجَازة المُعيَّنة.
ومنها: أن يأتيهُ الطَّالب بكتابٍ ويَقُول: هذا روايتكَ فَنَاولنيهِ وأجِزْ لي روايتهُ, فيُجيبهُ إليه من غير نَظَرٍ فيهِ وتَحقُّق لروايتهِ, فهذا بَاطلٌ, فإن وثقَ بخبرِ الطَّالب ومعرفتهِ, اعتمدهُ وصحَّت الإجَازة, كما يَعْتمدُه في القِرَاءة, فلو قال: حَدِّث عنِّي بما فيه إن كَانَ من حَديثي, مع بَرَاءتي من الغَلَطِ, كان جَائزًا حَسَنًا.
ومنها: أن يأتيه الطَّالب بكتاب ويقول له هذا روايتكَ فناولنيه وأجز لي روايته, فيجيبه إليه اعتمادًا عليه من غير نظر فيه, و لا تحقُّق لروايته له فهذا باطلٌ, فإن وثق بخبر الطَّالب ومعرفته وهو بحيث يعتمد مثله اعتمدهُ وصحَّت الإجَازة والمُنَاولة كما يعتمد في القِرَاءة عليه من أصْلهِ إذا وثق بدينه ومعرفته.
قال العِرَاقي(7): وإنْ لم يكنِ الطالبُ موثوقاً بخبرِهِ ومعرفتِهِ، فإنَّهُ لا تجوزُ هذهِ المناولةُ ، ولا تصحُّ ، ولا الإجازةُ فإنْ ناولَهُ وأَجازَهُ ، ثُمَّ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ بخبرِ ثقةٍ يُعتمدُ عليه : أَنَّ ذلك كان من سماعِ الشيخِ أو مِنْ مرويَّاتِه فهل يُحكَمُ بصحةِ المناولةِ والإجازة السابقتَيْنِ ؟ لَمْ يَنُصَّ عَلَى هذهِ صريحاً ابنُ الصلاحِ ، وعمومُ كلامهِ يقتضي : أنَّ ذَلِكَ لا يصحُّ . وَلَمْ أرَهَ أيضاً في كلامِ غيرِهِ ، إلاَّ في عمومِ كلامِ الخطيبِ الآتي . والظاهرُ الصحَّةُ ؛ لأَنَّهُ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ صحَّةُ سماعِ الشيخِ لما ناولَهُ وأجازَهُ ، وزالَ ما كنَّا نخشى من عدمِ ثقةِ المُخْبِرِ، واللهُ أعلمُ.
قالَ الخطيبُ : ولو قالَ : حَدِّثْ بما في هذا الكتابِ عنِّي إنْ كانَ مِنْ حَدِيْثِي ، مع براءَتي مِنَ الغَلَطِ والوَهْمِ ، كانَ ذلكَ جائزاً حسناً . انتهى. ويدخلُ في كلامِ الخطيبِ الصورتانِ : ما إذا كان مَنْ أحضرَ الكتابَ ثقةً معتمداً ؛ وما إذا كان غيرَ موثوقٍ به . فإنْ كانَ ثقةً ، جازتِ الروايةُ بهذهِ المناولةِ والإجازةِ ، وإن كانَ غيرَ موثوقٍ بهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الإجازةِ بخبرِ مَنْ يوثَقُ به أَنَّ ذلك الذي ناولَهُ الشيخُ كانَ مِنْ مرويَّاتِهِ ؛ جازتْ روايتُهُ بذلك.. انتهى.(8)
الضَّرب الثاني المُنَاولة المُجَرَّدة عن الإجَازة, بأن يناوله الكِتَاب كما تقدَّم مُقتصرًا على قولهِ: هذا سَمَاعي أو من حديثي, ولا يقول له: ارْوهِ عنِّي ولا أجَزتُ لك روايته, ونحو ذلك فلا تَجُوز الرِّواية بها على الصَّحيح الَّذي قالهُ الفُقَهاء وأصْحَاب الأصُول وعَابُوا المُحدِّثين المُجوِّزين لها.
قال العِرَاقيُّ(9): ما ذكرهُ النَّووي مُخالف لكلام ابن الصَّلاح, فإنَّه إنَّما قال: فهذه مُنَاولة مُخْتلفة: لا تَجُوز الرِّواية بها, وعَابهَا غير واحد من الفُقهاء والأصُوليين على المُحدِّثين الَّذين أجَازوها, وسَوَّغوا الرِّواية بها.
وقال الخطيب في الكفاية : " ذِكْرُ كَيْفِيَّةِ الْعِبَارَةِ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْمُنَاوَلَةِ
1065 أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيُّ , عَنْهُ قَالَ : أنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ ، أنا أَبُو زُرْعَةَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ , قَالَ : " قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ فِي الْمُنَاوَلَةِ : أَقُولُ فِيهَا : ثَنَا ؟ قَالَ : إِنْ كُنْتُ حَدَّثْتُكَ فَقُلْ , فَقُلْتُ : أَقُولُ " أَخْبَرَنَا " ؟ فَقَالَ : لَا , قُلْتُ : فَكَيْفَ أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو , وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو " وَقَدْ كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ يَقُولُ فِي الْمُنَاوَلَةِ : أَعْطَانِي فُلَانٌ , أَوْ دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَهُ , وَشَبِيهًا بِهَذَا الْقَوْلِ , وَهُوَ الَّذِي نَسْتَحِبُّهُ
1066 أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ , مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ , قَالَ : دَفَعَ إِلَيَّ أَبُو رَافِعٍ كِتَابًا فِيهِ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ فَقَالَ : " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ , حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ
1067 أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ , قَالَ : دَفَعَ إِلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ كِتَابًا فَقَالَ : هَذَا مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي فَكَانَ فِيهِ : عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْرَمَ فِي دُبُرِ صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ "
1068 أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو الطَّيِّبِ يَزِيدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ الْبَزَّازُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَهْ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ , أَعْطَانِيهِ وَأَنَا شَاكٌّ أَنْ أَكُونَ عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَا : قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ غَزِيَّةَ وَهُوَ عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ , أَنَّ أُمَّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ , قَالَ لِفَاطِمَةَ : " يَا فَاطِمَةُ : " احْنِي عَلَيَّ " فَحَنَتْ عَلَيْهِ , فَنَاجَاهَا سَاعَةً , ثُمَّ انْكَشَفَتْ , وَهِيَ تَبْكِي وَعَائِشَةُ حَاضِرَةٌ , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ : " احْنِي عَلَيَّ يَا بُنَيَّةُ " فَحَنَتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا سَاعَةً ثُمَّ انْكَشَفَتْ عَنْهُ تَضْحَكُ " وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ "
1069 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّاهِدُ بِالْبَصْرَةِ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادِرَائِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي ، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , قَالَ : " أَخَذْتُ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ , وَسَاقَ حَدِيثَ الصَّدَقَاتِ بِطُولِهِ "
1070 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْوَاعِظُ ، ثنا أَبِي , قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي : ثنا ابْنُ رِشْدِينَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ وَسُئِلَ عَنِ الْإِجَازَةِ , فَقَالَ : " لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ الْبَتَّةَ , إِلَّا أَنْ يَقُولَ : أَعْطَانِي فُلَانٌ كِتَابًا , كَمَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ , فَيَقُولُ هَذَا : أَعْطَانِي فُلَانٌ , أَوْ أَجَازَ لِي فُلَانٌ , وَلَا يَقُولُ فِيهِ : ثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا , قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَإِنْ أَعْطَاهُ كِتَابًا لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ ؟ قَالَ : لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ كِتَابًا قَدْ رَآهُ وَنَظَرَ فِيهِ وَعَرَفَهُ , قَالَ أَحْمَدُ : أَجَازَ مَالِكٌ الْإِجَازَةَ مَرَّةً , وَكَرِهَهَا مَرَّةً وَلَمْ يُجِزْهَا " قَالَ الْخَطِيبُ : فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ الْمُحَدِّثَ إِذَا قَالَ لِلطَّالِبِ : أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا شِئْتَ مِنْ حَدِيثِي , لَا يَصِحُّ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ أُصُولَهُ أَوْ فُرُوعًا كُتِبَتْ مِنْهَا وَنَظَرَ فِيهَا وَصَحَّحَهَا , وَقَدْ أَجَازَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُنَاوَلَةِ أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا
1071 أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَلِيدُ بْنُ بَكْرٍ الْأَنْدَلُسِيُّ , قَالَ : " الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مُجْمِعُونَ عَلَى تَصْحِيحِ الْإِجَازَةِ , وَوُقُوعِ الْحُكْمِ بِهَا , وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِبَارَةِ بِالتَّحْدِيثِ بِهَا , فَقَالَ مَالِكٌ : قُلْ فِي ذَلِكَ مَا شِئْتَ مِنْ " حَدَّثَنَا " أَوْ " أَخْبَرَنَا " , وَقَالَ غَيْرُهُ : قُلْ : أَنْبَأَنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ , وَرَوَيْنَا مِثْلَهُ عَنْ شُعْبَةَ , وَقَالَ آخَرُونَ : يَقُولُ : أَجَازَ لِي , وَأَطْلَقَ لِيَ التَّحْدِيثَ لَا غَيْرُ "
1072 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عُبَيْدٍ الدَّارِسِيُّ ، ثنا صَالِحٌ , عَنْ الْحَسَنِ : " أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَدْفَعَ الْمُحَدِّثُ كِتَابَهُ , وَيَقُولُ : ارْوِ عَنِّي جَمِيعَ مَا فِيهِ يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ : " حَدَّثَنِي " فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ "
1073 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الْحَرِيرِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ الْحَضْرَمِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ، ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ , قَالَ : " كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ جَالِسًا , فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْكِتَابُ تَقْرَؤُهُ عَلَيَّ أَوْ أَقْرَؤُهُ عَلَيْكَ , أَوْ تُجِيزُهُ لِي , فَكَيْفَ أَقُولُ ؟ فَقَالَ لَهُ : قُلْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِنْ شِئْتَ : حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ "
1074 أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ بَكْرٍ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ تَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تَمِيمٍ التَّمِيمِيُّ الزَّاهِدُ بِالْقَيْرَوَانِ ، ثنا أَبُو الْغُصْنِ يَعِيشُ السُّوسِيُّ إِفْرِيقِيٌّ ثِقَةٌ قَالَ : سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ يُوسُفَ , مُغْرِبِيُّ ثِقَةٌ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ , يَقُولُ : " كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ جَالِسًا , فَجَاءَهُ رَجُلٌ قَدْ كَتَبَ الْمُوَطَّأَ يَحْمِلُهُ فِي كِسَائِهِ , فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , هَذَا مُوَطَّؤُكَ قَدْ كَتَبْتُهُ وَقَابَلْتُهُ , فَأَجِزْهُ لِي , فَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ , قَالَ : فَكَيْفَ أَقُولُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ , أَوْ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ؟ قَالَ لَهُ مَالِكٌ : قُلْ أَيَّهُمَا شِئْتَ "
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 33) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 171) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 316) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 470) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 313)
(2) - وَالْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ لَمْ يُورِدهُ مَوْصُولًا فِي هَذَا الْكِتَاب ، وَهُوَ صَحِيح ، وَقَدْ وَجَدْته مِنْ طَرِيقَيْنِ : إِحْدَاهُمَا مُرْسَلَة ذَكَرَهَا اِبْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي عَنْ يَزِيد بْن رُومَان ، وَأَبُو الْيَمَان فِي نُسْخَته عَنْ شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيّ كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر . وَالْأُخْرَى مَوْصُولَة أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث جُنْدُب الْبَجَلِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن . ثُمَّ وَجَدْت لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرِيّ فِي التَّفْسِير . فَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُق يَكُون صَحِيحًا .فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 101)
(3) - محاسن الاطلاع ص 279
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 141)
(5) - التقييد ص 192
(6) - الإلماع ص 83
(7) - التبصرة 2/95
(8) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 141)
(9) - التبصرة 2/96(1/383)
1075 أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاغَنْدِيُّ ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ يَعْنِي الْحَلَبِيَّ , قَالَ : " دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمَعِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحٍ , فَأَخْرَجَ كِتَابًا مَشْدُودًا فَقَالَ : هَذَا كِتَابِي قَدْ نَظَرْتُ فِيهِ , فَارْوِهِ عَنِّي , فَإِنِّي قَدْ صَحَّحْتُهُ , فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : فَنَقُولُ : ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ "
1076 أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثنا السَّاجِيُّ يَعْنِي زَكَرِيَّا بْنَ يَحْيَى ، ثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، ثنا أَبُو زَيْدِ بْنُ أَبِي الْغَمْرِ , قَالَ : " اجْتَمَعَ ابْنُ وَهْبٍ , وَابْنُ الْقَاسِمِ , وَأَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنِّي إِذَا أَخَذْتُ الْكِتَابَ مِنَ الْمُحَدِّثِ أَنْ أَقُولَ فِيهِ " أَخْبَرَنِي " "
1077 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ ، ثنا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , قَالَ : سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ , يَقُولُ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحُسَيْنِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْيَمَانِ الْحَكَمَ بْنَ نَافِعٍ , يَقُولُ : قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : " كَيْفَ سَمِعْتَ الْكُتُبَ مِنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ؟ قُلْتُ : قَرَأْتُ عَلَيْهِ بَعْضَهُ , وَبَعْضُهُ قَرَأَهُ عَلَيَّ , وَبَعْضُهُ أَجَازَهُ لِي , وَبَعْضُهُ مُنَاوَلَةٌ , فَقَالَ : قُلْ فِي كُلِّهِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ " أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدِّينَوَرِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الْبَيِّعَ الْهَمَذَانِيُّ بِهَا , يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْجَلَّابَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحُسَيْنِ , فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ : قُلْ فِي كُلِّهِ : حَدَّثَنَا
وقال جماعة من أهل الأصُول, منهم الرَّازي, فإنَّه لم يشترط الإذن, بل ولا المُنَاولة, بل إذا أشَار إلى كتاب وقال: هذا سَمَاعي من فُلان, جاز لمن سمعه أن يرويه عنهُ, سواء ناولهُ أم لا, وسواء قال له: ارْوهِ عنِّي أم لا.
وقال ابن الصَّلاح(1): إنَّ الرِّواية بها تترجَّح على الرِّواية بمجرد إعلام الشَّيخ لما فيه من المُنَاولة, فإنَّها لا تخلُو من إشْعَار بالإذن في الرِّواية.
قلتُ: والحديث والأثر السَّابقان أوَّل القسم يدلان على ذلك, فإنَّه ليسَ فيهما تصريح بالإذْنِ, نعم الحديث الَّذي علَّقه البُخَاري فيه ذلك, حيث قال: لا تقرأه حتَّى تبلغ مكان كذا, فمفهومه الأمر بالقِرَاءة عند بُلوغ المَكَان.
وعندي أن يُقَال: إن كانت المُنَاولة جَوَابًا لسؤال, كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنكَ, فناولهُ ولم يُصرِّح بالإذن, صحَّت وجاز له أن يرويه, كما تقدَّم في الإجَازة بالخطِّ, بل هذا أبْلغ, وكذا إذا قال له: حدِّثني بما سمعت من فُلان, فقال: هذا سَمَاعي من فُلان, كما وقع من أنس, فتصح أيضًا, وما عدَا ذلك فلا, فإن ناولهُ الكِتَاب ولم يُخبره أنَّه سَمَاعهُ, لم تَجُز الرِّواية به بالاتِّفاق, قاله الزَّركشي.
فرعٌ في ألفاظ الأداء لمن تحمَّل الإجازة والمُنَاولة جوَّز الزُّهْري ومالك وغيرهما كالحسن البَصْري إطلاق: حدَّثنا وأخبرنا في الرِّواية بالمُنَاولة, وهي مُقْتضى قول من جعلها سَماعًا.
وحُكي عن أبي نُعيم الأصبهاني وغيره كأبي عبد الله المَرْزباني جَوَازه أي: إطلاق حدَّثنا وأخبرنا في الإجَازة المُجرَّدة أيضًا وقد عِيبَا بذلك, لكن حكاهُ القاضي عياض عن ابن جُريج, وحكاهُ الوليد بن بكر عن مالك وأهل المدينة, وصحَّحه إمام الحَرَمين ولا مانع منه.
ومن اصْطلاح أبي نُعيم أن يَقُول: أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرىء عليه, ويُريد بذلك أنَّه أخبرهُ إجَازة, وأنَّ ذلك قُرىء عليه, لأنَّه لم يقل وأنا أسمع, بدليل أنَّه قد يُصرِّح بأنَّه سمعهُ بواسطة عنه, وتَارة يضم إليه, وأذن لي فيه, وهذا اصْطلاحٌ له مُوهم.
والصَّحيح الَّذي عليه الجمهُور وأهلُ التَّحري المَنْعُ, وتخصيصُهَا بعبَارةٍ مُشْعرةٍ بها: كحدَّثنا وأخبرنا إجَازةً, أو مُنَاولةً وإجَازةً, أو إذنًا, أو في إذْنهِ, أو فيما أذنَ لي فيه, أو فيما أطْلَقَ لي رِوَايته, أو أجَازني, أو لي, أو نَاولني, أو شبهُ ذلكَ, وعن الأوزاعي تخصيصُهَا بخَبَّرنَا والقِرَاءة بأخْبَرنَا, واصْطَلح قومٌ من المُتأخِّرين على إطْلاق أنْبَأنا في الإجَازة, واختارهُ صاحب كِتَاب «الوجَازة».
قال المُصنِّف كابن الصَّلاح(2): والصَّحيح الذي عليه الجمهور وأهل التحرِّي والورع المنعُ من إطْلاق ذلك وتخصيصها بعبَارة مُشْعرة بها تبين الواقع كحدَّثنا إجَازة, أو مُنَاولة وإجازة وأخبرنا إجازة, أو مُنَاولة وإجازة, أو إذنًا, أو في إذْنهِ, أو فيما أذن لي فيه, أو فيما أطلق لي روايته, أو أجَازني, أو أجاز لي, أو ناولني, أو شبه ذلك كسوَّغ لي أن أروي عنه, وأباح لي(3).
وعن الأوزاعي تخصيصُهَا أي الإجَازة بخبَّرنا بالتشديد و تخصيص القراءة بأخبرنا بالهَمْزة.
قال العِرَاقي(4): ولم يخلُ من النِّزاع, لأنَّ خبَّر, وأخبر بمعنى واحد لُغة واصْطلاحًا.
واختار ابن دقيق(5)العيد أنَّه لا يَجُوز في الإجَازة أخبرنا, لا مُطلقًا, ولا مُقيدًا, لبُعد دلالة لفظ الإجَازة على الإخبار, إذ معناه في الوضع الإذن في الرِّواية.
قال: ولو سمع الإسناد من الشَّيخ وناوله الكِتَاب, جاز له إطلاق: أخبرنا, لأنَّه صدق عليه أنَّه أخبره بالكتاب, وإن كان إخْبَارًا جمليًا, فلا فرق بينهُ وبين التَّفصيلي.
واصْطَلح قومٌ من المُتأخِّرين على إطْلاق أنبأنا في الإجَازة واختارهُ أبو العبَّاس الوليد بن بكر الغمري صاحب كتاب الوجَازة في تَجْويز الإجَازة, وعليه عمل النَّاس الآن, والمعروف عند المُتقدِّمين أنَّها بمنزلة: أخبرنا.
وحكى عياض عن شُعبة أنَّه قال في الإجَازة مرَّة: أنبأنا, ومرة: أخبرنا.
قال العِرَاقيُّ(6): وهو بعيد عنهُ, فإنَّه كان مِمَّن لا يرى الإجَازة.
وكان البَيْهقي يقول: أنْبَأني إجَازةً.
وقال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 480 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا ، فَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فَقِهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ " الْحَدِيثَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " فَلَمَّا نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اسْتِمَاعِ مَقَالَتِهِ وَحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا إِلَى مَنْ يُؤَدِّيهَا ، وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْمُرُ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ إِلَّا مَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَدَّى إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَدَّى عَنْهُ حَلَالٌ يُؤْتَى ، وَحَرَامٌ يُجْتَنَبُ ، وَحَدٌّ يُقَامُ ، وَمَالٌ يُؤْخَذُ وَيُعْطَى ، وَنَصِيحَةٌ فِي دَيْنٍ وَدُنْيَا " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَالَّذِي أَخْتَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ ، وَعَهِدْتُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَشَايِخِي وَأَئِمَّةِ عَصْرِي أَنْ يَقُولَ فِي الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ ، وَمَا يَأْخُذُهُ عَنِ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا مَعَ غَيْرِهِ : حَدَّثَنَا فُلَانُ ، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ : أَخْبَرَنِي فُلَانٌ ، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ حَاضِرٌ : أَخْبَرَنَا فُلَانٌ ، وَمَا عُرِضَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَأَجَازَ لَهُ رِوَايَتَهُ شَفَاهًا يَقُولُ فِيهِ : أَنْبَأَنِي فُلَانٌ ، وَمَا كَتَبَ إِلَيْهِ الْمُحَدِّثُ مِنْ مَدِينَةٍ ، وَلَمْ يُشَافِهْهُ بِالْإِجَازَةِ يَقُولُ : كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ.اهـ
واستعمل قومٌ من المتأخِّرين في الإجَازة باللَّفظ: شَافهني, وأخبرنا مُشَافهة, وفي الإجَازة بالكِتَابة: كتبَ إليَّ, وأخبرنا كِتَابة, أو في كتابه.
قال ابن الصَّلاح(7): ولا يسلم من الإيهَام, وطرفٍ من التَّدليس, أمَّا المُشَافهة, فَتُوهم مُشَافهته بالتَّحديث, وأمَّا الكِتَابة فَتُوهم أنَّه كتب إليه بذلك الحديث بعينه, كما كان يفعله المُتقدِّمون.
وقد نصَّ الحافظ أبو المُظفَّر الهمداني على المَنْع من ذلك للإيهام المَذْكُور.
قلت: بعد أن صار الآن ذلك اصْطلاحًا برىء من ذلك, وقد قال القَسْطلاني بعد نقله كلام ابن الصَّلاح: إلاَّ أنَّ العُرْف الخَاص من كَثْرةِ الاسْتعمال يَدْفع ما يتوقع من الإشْكَال.
وقد قال أبو جعفر أحمد بن حمدان النَيْسابوري كُل قول البُخَاري: قال لي فُلان عرض ومُنَاولة وتقدَّم أنَّها مَحْمُولة على السَّماع, وأنَّها غالبًا في المُذَاكرة, وأنَّ بعضهم جعلها تعليقًا, وابن مَنْده إجَازةً.
وعبَّر قومٌ في الرِّواية بالسَّمَاع عن الإجَازة بأخبرنا فُلان, أنَّ فلانًا حدَّثه, أو أخبره فاستعملوا لفظ: أنَّ في الإجَازة.
واخْتَارهُ الخَطَّابي(8), أو حكاهُ, وهو ضعيفٌ بعيدٌ عن الإشْعَار بالإجَازة, وحَكَاهُ عياض عن اختيار أبي حاتم الرَّازي, قال: وأنْكرَ بعضهم هذا, وحقه أن يُنكر, فلا معنى له يفهم المُرَاد منه, ولا اعْتيدَ هذا الوضع في المسألة لُغَةً ولا عُرْفًا.
قال ابن الصَّلاح(9): وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فقط, وأجاز له ما رواه قريب, فإنَّ فيها إشْعَارا بوجُود أصل الأخبار, وإن أجمل المُخبر به, ولم يذكره تفصيلاً.
قلتُ: واستعمالها الآن في الإجَازة شائعٌ كما تقدَّم في العَنْعنةِ.
واستعملَ المُتأخِّرونَ في الإجَازة الوَاقعة, في رِوَاية من فوق الشَّيخ حرف: عن, فيقول فيمن سمع شيخًا بإجَازته عن شيخ: قرأتُ على فُلان, عن فُلان كما تقدَّم في العنعنة.
قال ابن مالك: ومعنى عَنْ, في نحو رويتُ عن فُلان, وأنبأتك عن فُلان: المُجَاوزة, لأنَّ المرويَّ والمنبأُ به, مُجَاوزٌ لمن أخذ عنه.
ثمَّ إنَّ المَنْع من إطْلاق: حدَّثنا وأخبرنا في الإجَازة والمُنَاولة لا يزول بإباحة المُجيز ذلك كما اعتاده قومٌ من المشايخ في إجَازاتهم لمن يُجيزون, إن شاء قال: حدَّثنا, وإن شاء قال: أخبرنا, لأنَّ إبَاحة الشَّيخ لا يغير بها الممنُوع في المُصْطلح.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - علوم الحديث ص 194
(2) - علوم الحديث ص 195
(3) - قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة 1/322-323 في ترجمة الحسين بن بندار الأصفهاني :
" قرأت بخطه في الإجازة: فليرووا عني بلفظة التحديث، وإن أرادوا بلفظة الإخبار.
قلت: وهذا وإن اشتهر عند المحدثين من المتأخرين إنكاره، كما أنكره الخطيب على أبي نعيم الأصبهاني، لكن هو قول طوائف من علماء الحديث.
وقد روي عن الإمام أحمد رضي الله عنه، أخبرنا أبو الفتوح الميدومي - بمصر - أخبرنا أبو الفرج الحراني، حدثنا أبو المعالي أحمد بن يحيى الخازن من لفظه ببغداد، حدثنا أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري إملاء، قال: سمعت الإمام أبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي يقول: حدثني عمي أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي قال: سمعت غلام الخلال يقول: سمعت الخلال يقول: قال الإمام أبو عبد اللّه أحمد رضي الله عنه لولده صالح: إذا أجزت لك شيئًا فلا تبالي. قلت: أخبرنا أو حدثنا.
وروى الخطيب بإسناده عن أبي اليمان الحكم بن نافع قال: قال لي أحمد بن حنبل: كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة. قلت: قرأت عليه بعضًا، وبعضًا قرأه علي، وبعضًا أجاز لي، وبعضًا مناولة. فقال أحمد: قل في كل: أخبرنا شعيب. وقد روي هذا المذهب عن مالك، والحارث بن مسكين.
وذكره ابن الصلاح في كتابه عن الزهري ومالك وغيرهما من المتقدمين. وحكاه ابن شاهين عن طائفة من العلماء.
وذكر السلفي في مقدمته لإملاء الاستذكار: أن مذهب أبي عمر بن عبد البر وعامة حفاظ الأندلس: الجواز فيما يجاز قول حدثنا وأخبرنا، أو ما شاء المجاز مما يقرب منه. قال: بخلاف ما نحن وأهل المشرق عليه من إظهار السماع والإجازة، وتمييز أحدهما عن الآخر بلفظ لا إشكال فيه.
وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين في جواز إطلاق: حدثنا وأخبرنا في الإجازة جزءاً." اهـ
(4) - التبصرة 2/100
(5) - الاقتراح ص 256
(6) - التبصرة 2/101
(7) - علوم الحديث ص 195
(8) - الإلماع ص 129
(9) - علوم الحديث ص 196(1/384)
5- الكتابة:(1)
وهي أن يكتب الشَّيخ مَسْمُوعه أو شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه, سواء كتب بخطِّه أو كتب عنه بأمره.
وهي ضَرْبان: مُجرَّدة عن الإجَازة, ومقرُونة بأجزتكَ ما كتبت لكَ, أو كتبت إليك, أو ما كتبت به إليك ونحوه من عِبَارة الإجَازة, وهذا في الصحَّة والقوة, كالمُنَاولة المقرونة بالإجَازة.
ورواه البَيْهقي في «المدخل» عنهم, وقال: في الباب آثار كثيرة عن التَّابعين فمن بعدهم, وكُتب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عماله بالأحكام, شَاهدة لقولهم.
وغير واحد من الشَّافعيين منهم أبو المُظفَّر السَّمعاني وأصْحَاب الأصُول منهم الرَّازي وهو الصَّحيح المشهور بين أهل الحديث, ويُوجد في مُصنَّفاتهم كثيرًا كتب إليَّ فُلان, قال: حدَّثنا فُلان, والمُرَاد به هذا, وهو معمول به عندهم, معدُود في الموصُول من الحديث دُون المنقطع لإشْعَاره بمعنى الإجَازة, وزاد السَّمعاني فقال: هي أقْوَى من الإجَازة.
قلتُ: وهو المُخْتار, بل وأقْوَى من أكثر صُور المُنَاولة.
وفي «صحيح» البُخَاري في الأيمان والنذور: (6673 ) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَتَبَ إِلَىَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَكَانَ عِنْدَهُمْ ضَيْفٌ لَهُمْ فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ ، لِيَأْكُلَ ضَيْفُهُمْ ، فَذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاَةِ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الذَّبْحَ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى عَنَاقٌ جَذَعٌ ، عَنَاقُ لَبَنٍ هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ . فَكَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَقِفُ فِى هَذَا الْمَكَانِ عَنْ حَدِيثِ الشَّعْبِىِّ ، وَيُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَيَقِفُ فِى هَذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ لاَ أَدْرِى أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ غَيْرَهُ أَمْ لاَ .
وليس فيه بالمُكَاتبة عن شُيوخه غيره, وفيه وفي «صحيح» مُسلم أحاديث كثيرة بالمُكَاتبة في أثناء السَّند.
منها: ما في صحيح البخارى (1477 ) ومسلم (1370 ) عَنِ الشَّعْبِىِّ حَدَّثَنِى كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إِلَىَّ بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ».
وفي صحيح البخارى (2541 ) ومسلم (4616 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَغَارَ عَلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ . حَدَّثَنِى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَكَانَ فِى ذَلِكَ الْجَيْشِ.
وفي صحيح مسلم(4640 ) عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِى بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِى لَقِىَ فِيهَا الْعَدُوَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ».ثُمَّ قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ».
وفي صحيح مسلم (3749 ) عَنْ هِشَامٍ - يَعْنِى الدَّسْتَوَائِىَّ - قَالَ كَتَبَ إِلَىَّ يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِى الْحَرَامِ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).
وفي صحيح مسلم (4815 ) عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلاَمِى نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَكَتَبَ إِلَىَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِىُّ يَقُولُ « لاَ يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ »..
ثمَّ يَكْفي في الرِّواية بالكِتَابة مَعْرفته أي المكتُوب له خطِّ الكاتب وأن لم تَقُم البَيِّنة عليه.
ومنهم من شرطَ البَيِّنة عليه, لأنَّ الخط يُشبهُ الخطَّ, فلا يَجُوز الاعتماد على ذلك وهو ضعيف.
قال ابن الصَّلاح(2): لأنَّ ذلك نادر, والظَّاهر أنَّ خط الإنسان لا يشتبه بغيره, ولا يَقَع فيه إلْبَاس, وإن كانَ الكَاتب غير الشَّيخ فلا بد من ثُبوت كونهُ ثقة كمَا تقدَّمت الإشَارة إليه في نَوْع المُعلَّل. ثُمَّ الصَّحيح أنَّهُ يَقُول في الرِّواية بها: كتبَ إليَّ فُلان قال: حدَّثنا فُلان, أو أخبرني فُلان مُكَاتبة, أو كِتَابة, أو نحوه وكذا حدَّثنا مُقيدًا بذلك. ولا يَجُوز إطلاق حدَّثنا أو أخبرنا, وجوَّزه اللَّيث ومنصُور وغير واحد من عُلماء المُحدِّثين وكِبَارهم وجوَّز آخرون أخبرنا دون حدَّثنا.
روى البَيْهقي في «المَدْخل» عن أبي عِصْمة سعد بن مُعَاذ قال: كُنتُ في مَجْلس أبي سُليمان الجَوْزقاني, فجَرَى ذكر حدَّثنا, وأخبرنا, فقلتُ: إن كلاهما سواء, فقال: بينهما فرقٌ, ألا ترى محمَّد بن الحسين قال: إذا قال رجل لعبده: إن أخبرتني بكذَا فأنت حُر, فكتب إليه بذلك صارَ حُرَّا, وإن قال: إن حدَّثتني بكذا, فأنتَ حُر, فكتب إليه بذلك لا يُعتق.
وأمَّا الكِتَابة المُجرَّدة عن الإجَازة فمنعَ الرِّواية بها قومٌ, منهم القَاضي أبو الحسن المَاوردي الشَّافعي في «الحَاوي» والآمدي وابن القطَّان.
وأجَازهَا كَثيرُونَ من المُتقدِّمين والمُتأخِّرين, منهم: أيُّوب السِّخْتياني, ومنصُور, واللَّيث, وغير واحد من الشَّافعيين وأصْحَاب الأصُول, وهو الصَّحيحُ المَشْهُورِ بين أهل الحَدِيث, ويُوجد في مُصْنَّفاتهم: كتبَ إليَّ فُلانٌ, قال: حدَّثنا فُلانٌ, والمُرَاد به هذا, وهو مَعْمُولٌ به عِنْدهم معدُودٌ في الموصُولِ لإشْعَاره بمعنى الإجَازة, وزاد السَّمعاني فقال: هي أقْوَى من الإجَازةِ.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 11) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 313)
(2) - علوم الحديث ص 197(1/385)
6- الإعلام:(1)
إعلامُ الشَّيخ الطالب أنَّ هذا الحديث, أو الكتاب سماعه من فُلان مُقْتصرًا عليه دون أن يأذن في روايته عنه، فجوَّز الرِّواية به كثيرٌ من أصحاب الحديث والفِقْه والأصُول والظَّاهر منهم: ابن جُريج وابن الصبَّاغ الشَّافعي, وأبو العبَّاس الوليد بن بكر الغمري, بالمعجمة نسبة إلى بني الغمر, بطن من غافق المالكي ونَصَرهُ في كِتَابه «الوجازة».
وحكاهُ عِيَاض(2)عن الكثير, واخْتَارهُ الرَّامهُرمزي(3), وهو مذهب عبد الملك بن حبيب المَالكي, وجزمَ بهِ صاحب «المحصُول» وأتباعهُ, بل قال بعض الظَّاهرية: لو قالَ: هذه رِوَايتي وضمَّ إليه أن قال لا تروها عنِّي, أو لا أُجيزها لكَ كان له مع ذلك روايتها عنه وكذا قال الرَّامهرمزي أيضًا.
قال عياض(4): وهذا صحيح لا يقتضي النَّظر سِوَاه, لأنَّ منعه أن يُحدِّث بما حدَّثه, لا لعلَّة, ولا ريبة, لا يُؤثِّر, لأنَّه قد حدَّثه, فهو شيء لا مَرْجعَ فيه.
قال المُصنِّف كابن الصَّلاح(5): والصَّحيح ما قالهُ غيرُ واحد من المُحدِّثين وغيرهم: أنَّهُ لا تَجُوز الرِّواية به.
وبه قطعَ الغزالي في «المُستصفى» قال: لأنَّه قد لا يجوز روايته مع كونه سماعه, لخلل يعرفه فيه.
وقاس ابن الصَّلاح وغيره ذلكَ على مَسْألة اسْترعاء الشَّاهد إن تحمَّل الشَّهادة فإنَّه لا يكفي إعْلامه, بل لا بد أن يأذن لهُ أن يشهد على شهادته.
قال القاضي عياض(6): وهذا القِيَاس غير صحيح, لأنَّ الشَّهادة على الشَّهادة لا تصح إلاَّ مع الإذن في كُلِّ حال, والحديث عن السَّماع والقِرَاءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتِّفاق, وأيضًا فالشَّهادة تَفْترق من الرِّواية في أكثر الوجُوه.
وعلى المَنْعِ قال المُصنِّف كابن الصَّلاح(7)لكن يجب العمل به أي بما أخبره الشَّيخ أنَّه سمعهُ إن صحَّ سندهُ.
وادَّعى عياض الاتِّفاق على ذلك(8).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 172) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 326) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 27) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 687)
(2) - الإلماع ص 108
(3) - المحدث الفاصل ص 451
(4) - الإلماع ص 110
(5) - علوم الحديث ص 199
(6) - الإلماع ص 111-112
(7) - علوم الحديث ص 199
(8) - الإلماع ص 113(1/386)
7- الوصية:(1)
وهي أن يُوصي الشَّيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب يرويه ذلك الشَّيخ فجوَّز بعضُ السَّلف وهو محمَّد بن سيرين, وأبو قِلاَبة للمُوصى له روايته عنه بتلك الوصيَّة.
قال القاضي عياض(2): لأنَّ في دفعها له نوعًا من الإذن, وشبهًا من العرض والمُنَاولة, قال: وهو قريب من الإعلام .
قالَ ابنُ الصَّلاَحِ : (( هذا بعيدٌ جدَّاً وهو إمَّا زَلَّةُ عالِمٍ ، أو مُتأوَّلٌ على أَنَّهُ أرادَ الروايةَ على سبيلِ الوِجَادةِ . قالَ : وإنَّهُ لا يصحُّ تشبيهُهُ بقسمِ الإعلامِ وقسمِ المناولةِ )) .(3).
قلت : وقال أستاذنا العتر(4): " وهو -فيما نرى- قول سديد قوي، فإن الوصية إنما تفيد تمليك النسخة ، فهي كالبيع، وذلك أمر آخر غير الأخبار بمضمونها."
وقال السيوطي : " وقد أنكرَ ابن أبي الدم على ابن الصَّلاح وقال: الوصية أرفع رُتْبة من الوِجَادة بلا خلاف, وهي معمولٌ بها عند الشَّافعي وغيره, فهذا أوْلَى."(5)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 12) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 173) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 341) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 327)
(2) - الإلماع ص 115
(3) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 36) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 146)
(4) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 220)
(5) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 11) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 686) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 327)(1/387)