وفي مسلم( 773 ) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ يَا عَجَبًا لاِبْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ أَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَلاَ أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِى ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ.
وفي مسلم( 3783 ) عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ كُنْتُ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِىُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِىُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً ثُمَّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ. فَقَالَ وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا قَالَ عُمَرُ لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِى لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ).
وفي سنن أبي داود( 1523 ) عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ كُنْتُ رَجُلاً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِى اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى وَإِذَا حَدَّثَنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ قَالَ وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران. وهو حديث صحيح
وفي مسند أحمد( 11012) عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَدَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَتْ أَنْتَ الَّذِى تُحَدِّثُ « أَنَّ امْرَأَةً عُذِّبَتْ فِى هِرَّةٍ أَنَّهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا ». فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْهُ يَعْنِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ هَلْ تَدْرِى مَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِنَّ الْمَرْأَةَ مَعَ مَا فَعَلَتْ كَانَتْ كَافِرَةً وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَهُ فِى هِرَّةٍ فَإِذَا حَدَّثْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَانْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ.
وفي صحيح مسلم (1967 ) عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِىُّ كُنْتُ وَأَنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَىْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِى فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْتَ قَالَ « أَنَا نَبِىٌّ ». فَقُلْتُ وَمَا نَبِىٌّ قَالَ « أَرْسَلَنِى اللَّهُ ». فَقُلْتُ وَبِأَىِّ شَىْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ « أَرْسَلَنِى بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَىْءٌ ». قُلْتُ لَهُ فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ « حُرٌّ وَعَبْدٌ ». قَالَ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ. فَقُلْتُ إِنِّى مُتَّبِعُكَ. قَالَ « إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا أَلاَ تَرَى حَالِى وَحَالَ النَّاسِ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِى قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِى ». قَالَ فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِى وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَكُنْتُ فِى أَهْلِى فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ عَلَىَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقُلْتُ مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالُوا النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِى قَالَ « نَعَمْ أَنْتَ الَّذِى لَقِيتَنِى بِمَكَّةَ ». قَالَ فَقُلْتُ بَلَى. فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِى عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ. أَخْبِرْنِى عَنِ الصَّلاَةِ قَالَ « صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَىْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّىَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ». قَالَ فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ فَالْوُضُوءُ حَدِّثْنِى عَنْهُ قَالَ « مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِى هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ». فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ انْظُرْ مَا تَقُولُ فِى مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ فَقَالَ عَمْرٌو يَا أَبَا أُمَامَةَ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّى وَرَقَّ عَظْمِى وَاقْتَرَبَ أَجَلِى وَمَا بِى حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَلاَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا - حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ - مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وفي سنن البيهقي( 1045) عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ : إِنِّى كُنْتُ فِى سَفَرٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لاَ تُصَلِّ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تَذْكُرُ إِذْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا أَنَا وَأَنْتَ فَلَمْ نُصِبِ الْمَاءَ ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ ، وَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ :« يَا عَمَّارُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا ». وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ. قَالَ سَلَمَةُ : لاَ أَدْرِى بَلَغَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لاَ. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ عَمَّارٌ : إِنْ شِئْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ عَلَىَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : بَلْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ. (صحيح)
وفي صحيح مسلم( 3312 ) عَنْ أَبِى قَزَعَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ سَمِعْتُهَا تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا فِى الْبِنَاءِ ». فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَبِيعَةَ لاَ تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هَذَا. قَالَ لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ.
وفي مسند أحمد (25374) عن هِشَامَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ يَا ابْنَ أُخْتِى إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ عُمَرَ - أَخْطَأَ سَمْعُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَجُلاً يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِعَمَلِهِ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّهَا وَاللَّهِ مَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
وبرقم(26163) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ عِنْدَ إِحْرَامِهِ. فَقَالَ لأَنْ أَطَّلِىَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَهُ. قَالَ فَسَأَلَ أَبِى عَائِشَةَ وَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِماً يَنْتَضِحُ طِيباً. وهو صحيح
وبرقم(27166) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ». فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ فَوَاللَّهِ مَا هُمَا بِكَاذِبَيْنِ وَلاَ مُكَذَّبَيْنِ وَلاَ مُتَزَيِّدَيْنِ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَمَرَّ بِأَهْلِهِ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ « إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُعَذِّبُهُ فِى قَبْرِهِ ». صحيح
وفي البخاري( 6736 )عن هُزَيْلَ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِى . فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِى مُوسَى فَقَالَ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، أَقْضِى فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَمَا بَقِىَ فَلِلأُخْتِ » . فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لاَ تَسْأَلُونِى مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ .
وفي البخاري( 4910 ) عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ كُنْتُ فِى حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى لَيْلَى وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ ، فَذَكَرَ آخِرَ الأَجَلَيْنِ فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ فَضَمَّزَ لِى بَعْضُ أَصْحَابِهِ . قَالَ مُحَمَّدٌ فَفَطِنْتُ لَهُ فَقُلْتُ إِنِّى إِذًا لَجَرِىءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ فِى نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ . فَاسْتَحْيَا وَقَالَ لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ . فَلَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَهَبَ يُحَدِّثُنِى حَدِيثَ سُبَيْعَةَ فَقُلْتُ هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِيهَا شَيْئًا فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلاَ تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ . لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى ( وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
وبرقم(4992 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِىَّ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِى الصَّلاَةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِى سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ . قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقُلْتُ كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ إِنِّى سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ » . فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِى سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ » . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ » . ثُمَّ قَالَ « اقْرَأْ يَا عُمَرُ » . فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِى أَقْرَأَنِى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ » .
وفي سنن أبي داود (5090 )عَمَّنْ سَمِعَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ عُثْمَانَ - يَعْنِى ابْنَ عَفَّانَ - يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُمْسِىَ ». قَالَ فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِى سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَىَّ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلاَ كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِى أَصَابَنِى فِيهِ مَا أَصَابَنِى غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا. (وفيه مبهم)
وفي الترمذي( 2391 ) عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى الْهُذَيْلِ يَقُولُ كَانَ نَاسٌ مِنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ لَتَنْتَهِيَنَّ قُرَيْشٌ أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ فِى جُمْهُورٍ مِنَ الْعَرَبِ غَيْرِهِمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِى كَذَبْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قُرَيْشٌ وُلاَةُ النَّاسِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». وهو حديث صحيح
وفي صحيح مسلم(7423 )عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِى حَفْصَةُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ وَيُنَادِى أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ ثُمَّ يُخْسَفُ بِهِمْ فَلاَ يَبْقَى إِلاَّ الشَّرِيدُ الَّذِى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ». فَقَالَ رَجُلٌ أَشْهَدُ عَلَيْكَ أَنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى حَفْصَةَ وَأَشْهَدُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -
وفي سنن ابن ماجة (1662 ) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنْ أَبِيهِ. أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ إِذَا قَالُوا وَاعَضُدَاهْ وَاكَاسِيَاهْ. وَانَاصِرَاهْ وَاجَبَلاَهْ وَنَحْوَ هَذَا - يُتَعْتَعُ وَيُقَالُ أَنْتَ كَذَلِكَ أَنْتَ كَذَلِكَ ». قَالَ أَسِيدٌ فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ). قَالَ وَيْحَكَ أُحَدِّثُكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَنِى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَرَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَذَبَ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ تَرَى أَنِّى كَذَبْتُ عَلَى أَبِى مُوسَى ( صحيح)
وفي مسند أحمد( 1458) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَعْمَرٍ - قَالَ حَدَّثَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنَّ سَعْداً قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ مَا بَيْنَ لاَبَتَىِ الْمَدِينَةِ عَلَى الرِّيقِ لَمْ يَضُرَّهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ شَىْءٌ حَتَّى يُمْسِىَ ، وَإِنْ أَكَلَهَا حِين يُمْسِى لَمْ يَضُرَّهُ شَىْءٌ حَتَّى يُصْبِحَ ». فَقَالَ عُمَرُ انْظُرْ يَا عَامِرُ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ أَشْهَدُ مَا كَذَبْتُ عَلَى سَعْدٍ وَمَا كَذَبَ سَعْدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . (صحيح)
وبرقم(1719)عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الأَشْعَرِىِّ عَنْ رَابِّهِ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ كَانَ خَلَفَ عَلَى أُمِّهِ بَعْدَ أَبِيهِ كَانَ شَهِدَ طَاعُونَ عَمَوَاسَ قَالَ لَمَّا اشْتَعَلَ الْوَجَعُ قَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِى النَّاسِ خَطِيباً فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ مِنْهُ حَظَّهُ. قَالَ فَطُعِنَ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَقَامَ خَطِيباً بَعْدَهُ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّ مُعَاذاً يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَقْسِمَ لآلِ مُعَاذٍ مِنْهُ حَظَّهُ. قَالَ فَطُعِنَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاذٍ فَمَاتَ ثُمَّ قَامَ فَدَعَا رَبَّهُ لِنَفْسِهِ فَطُعِنَ فِى رَاحَتِهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ يُقَبِّلُ ظَهْرَ كَفِّهِ ثُمَّ يَقُولُ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى بِمَا فِيكِ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا. فَلَمَّا مَاتَ اسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَامَ فِينَا خَطِيباً فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ إِذَا وَقَعَ فَإِنَّمَا يَشْتَعِلُ اشْتِعَالَ النَّارِ فَتَجَبَّلُوا مِنْهُ فِى الْجِبَالِ. قَالَ فَقَالَ لَهُ أَبُو وَاثِلَةَ الْهُذَلِىُّ كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَقَدْ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْتَ شَرٌّ مِنْ حِمَارِى هَذَا. قَالَ وَاللَّهِ مَا أَرُدُّ عَلَيْكَ مَا تَقُولُ وَايْمُ اللَّهِ لاَ نُقِيمُ عَلَيْهِ. ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ وَدَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْ رَأْىِ عَمْرٍو فَوَاللَّهِ مَا كَرِهَهُ. ( وفيه جهالة)(1/85)
وبرقم(5485) عَنِ ابْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ بِمَكَّةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَهُ فَقَالَ أَبِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مَثَلَ الْمُنَافِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالشَّاةِ بَيْنَ الرَّبِيضَيْنِ مِنَ الْغَنَمِ إِنْ أَتَتْ هَؤُلاَءِ نَطَحْنَهَا وَإِنْ أَتَتْ هَؤُلاَءِ نَطَحْنَهَا ». فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ كَذَبْتَ. فَأَثْنَى الْقَوْمُ عَلَى أَبِى خَيْراً أَوْ مَعْرُوفاً. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لاَ أَظُنُّ صَاحِبَكُمْ إِلاَّ كَمَا تَقُولُونَ وَلَكِنِّى شَاهِدٌ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ قَالَ « كَالشَّاةِ بَيْنَ الْغَنَمَينِ ». فَقَالَ هُوَ سَوَاءٌ. فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتُهُ. ( وفيه ضعف )
وبرقم(11467) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ) قَالَ قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى خَتَمَهَا وَقَالَ النَّاسُ حَيْزُ وَأَنَا وَأَصْحَابِى حَيْزُ وَقَالَ « لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ». فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ كَذَبْتَ. وَعِنْدَه ُرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُمَا قَاعِدَانِ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَوْ شَاءَ هَذَانِ لَحَدَّثَاكَ وَلَكِنْ هَذَا يَخَافُ أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ وَهَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ. فَسَكَتَا فَرَفَعَ مَرْوَانُ عَلَيْهِ الدِّرَّةَ لِيَضْرِبَهُ فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالُوا صَدَقَ. ( حديث حسن)
وفي البخاري( 5835 ) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْحَرِيرِ فَقَالَتِ ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ . قَالَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَلِ ابْنَ عُمَرَ . قَالَ فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو حَفْصٍ - يَعْنِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ » . فَقُلْتُ صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وفي سنن البيهقي( 4696) عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ : مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ فَلاَ وِتْرَ لَهُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ : كَذِبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصْبِحُ فَيُوتِرُ. ( وهو صحيح) وغير ذلك كثير
أقولُ: فإذا كان هذا واردا عن خيرة الناس وهم الصحابة مع اتفاقنا على عدالتهم فكيف بمن جاء بعدهم؟!!
فالمقطوع أنه ما زال العلماء يردُّون على بعضهم ويخطِّئون بعضهم من عصر الصحابة حتى سائر العصور الإسلامية. فكيف يقال بعد هذا أنَّ السلف الصالح قد اتفقوا على أن خبر الواحد يفيدُ العلم؟!!
فهذا غير صحيح عن السلف، ولا أساس له من الصحة، بعد أن أوردنا هذا الأدلة القاطعة عن الصحابة رضي الله عنهم ما يدحضه جملة وتفصيلاً
وأدلة الدين ثبتت بأدلة قطعية وأصول الدين ثبتت بأدلة قطعية، وإنما كانت التفاصيل بأمور ظنية أعني بأخبار آحاد، ومن ثمّ وقع الخلاف الكبير بين أهل العلم في شرط العمل بها، وخير مثال على ذلك الرسالة القيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية "رفع الملام عن الأئمة الأعلام", وكذلك واجب على القاضي الحكم بقول الشاهدين ونحو ذلك من أدلة ومع هذا قد يكون حكمه خطأ فقد يكذب الشاهدان ونحو ذلك ،ففي البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِىَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّار»(1)
وهذا مثل الشهادة تماما، والوسوسة تحدث عندما يشكُّ في الخبر، أما وقد وثق بناقله فلا وسوسة أصلاً.
ثم أضاف أنهم مع توقفهم في صحة أخبار أولئك الثقات من السلف يصدقون بما تلقوه عن رؤوس الجهمية والمعتزلة، من تلك الأدلة يزعمونها براهين عقلية، وهي في الحقيقة خيالات وتمويهات، ولكنها مع ذلك تفيد العلم عندهم. وما ذاك إلا لثقتهم بمشايخهم الذين علموهم تلك القواعد، مع أن المرجع فيها غالباً إلى الفلاسفة، وضلال الصابئة والمجوس واليونان، ونحوهم من الكفرة. فلم يعطوها حكم الآحاد الذي جعلوه للأخبار النبوية، وهو كونها مظنونة متوقفاً في ثبوتها.(2)
قلت:
لم يتوقفوا في صحة خبر الآحاد وإنما بإفادته العلم، وهناك انفكاك بينهما.
وعلم الكلام فيه أدلة قطعية عقلية منطقية، وفيه أدلة ظنية وفيه أدلة موهومة فليس كله مذموم, وليس المرجع فيها غالبا إلى الفلاسفة وضلال الصابئة والمجوس واليونان، بل المرجع فيها غالبا هو القرآن والسُّنَّة, وغالب علماء الأمة كانوا على ذلك، فهل كلهم أخذوا علمهم هذا عن الفلاسفة، وضلال الصابئة والمجوس واليونان؟!
فهذه تهمة خطيرة جدا لأولئك الأخيار الأبرار الذين أفنوا عمرهم في خدمة هذا الدين .
ثم قال:" إنهم يتحققون نسبة أقوال أئمتهم إليهم، ويجزمون بكونها مذاهب لهم، ويجادلون عنها ويتفاوتون في نصرتها؛ ولو شك فيها أحد لأنكروا عليه واستجهلوه. مع أن نقلها عن أولئك الأئمة إنما كان عن طريق الآحاد. ومع ما يوجد بينها من التضارب والتناقض أحياناً مما يوضح أن قد دخلها الوهم والتغيير. ولم يكن شيء من ذلك سبباً لتوقفهم فيها، ولم يعطوها حكم الآحاد في أنها مظنونة لا تفيد اليقين".
قلت:
غالب المذاهب المتبوعة نقلت بالتواتر عن أصحابها ،وكثير منها آحاد، ولكن فيها عناية كاملة من الأتباع جيلا عن جيل بعكس المذاهب غير المتبوعة فقد ضاع كثير منها.
وإذا صحَّ هذا الزعم فلم لا يكون نقلك عن السابقين وأنهم يقولون بأن خبر الآحاد يفيد اليقين هو من هذا القبيل، حيث تنقل أقوالا غير دقيقة ولا متواترة عن أصحابها.
والوهم والخطأ دخل للسنَّة أيضا كما هو معلوم وإلاّ فلم وجدت كلّ هذه العلوم لخدمتها وتنقيتها مما علق بها؟.
ثم قال:" أن من المتيقن عندهم أيضاً نسبة المؤلفات التي بأيديهم في سائر العلوم إلى أهلها، وإضافة ما نقلوه منها إلى من اشتهرت باسمه عن طريق الجزم، مع استمرار العزو إليها وإلى مؤلفيها، مع أنها لم ترو في الغالب عن أربابها إلا بأسانيد محصورة لا تخرج عن كونها آحاداً.ولم يوجد من ينكر صحة نسبتها أو يعطيها أحد حكم الآحاد...".(3)
قلت:
هذه الشبهة تؤكد أنّ خبر الآحاد لا يفيد القطع واليقين بحد ذاته، فلا بد له من مرجحٍ خارجيٍّ, لأنه قد طرأ عليه ما طرأ عليها تماما ولا فرق بينهما.
وقال: "ما هو متداول بين المسلمين وغيرهم من نسبة كل قول إلى قائله، وقبوله ممن نقله وإن كان واحداً، ومعاملة قائله بموجبة مدحاً أو ذماً. وهذا ما لا يمكن إنكاره؛ ولم يسمع أن أحداً قال: إنه لا يفيد العلم، أو لا يصدق باطناً، كما جعلوا ذلك لخبر الآحاد في الحديث النبوي".
قلت:
الشبهة واردة على الأمرين كليهما تماما، كما أنّ هناك فرقا بين جزمنا بقول فلان من الناس وبين جزمنا بقول قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - دون تثبت ولا برهان.
ثم قال:"اعتماد كل تلميذ على أنواع العلوم التي يتلقاها عن شيخه، واعتقادها، والتفريع عليها، والذب عنها، مع أن أستاذه فيها واحد، نقلها عمن فوقه، وقد يكون أيضاً واحداً. ولكن لثقته بشيخه، ومعرفته منه الصدق والعدالة، لم يوجد منه التوقف فيها، ولا قال أحد إنها لا تفيد إلاّ الظن. فلو أعطاها هؤلاء حكم الآحاد الذي زعموه للأخبار النبوية لما كانوا على يقين من علومهم العقلية والنقلية ولا محيص لهم من أحد أمرين:
أ- الاعتراف بأنّ جميع ما تعلموه وما يعتقدونه كله ظن.
ب- القول بأنّ علماءهم امتازوا عن سلف الأمة ونقلة الحديث وفضلوهم، بحيث صار خبر علمائهم يفيد اليقين، وخبر المحدثين عن نبيهم مهما بلغوا من الصدق والثقة والحفظ والديانة إنما يفيد الظن، وهذه مباهتة، يردها العقل وواقع الأمر.(4)
قلت:
هذه الشبهة تناقش بها مشايخك أنت أولا قبل غيرهم، فأنتم لا تأخذون العلم إلاّ عن مشايخكم وتظنون أنّ الحقَّ دائما معهم ،ولو خالفوا جمهور الأمة، وتدافعون عنهم دفاع المستميت كدفاعكم عن ابن باز وابن عثيمين والألباني وكأنهم معصومون, وتعتقدون أنّ من خالفهم فهو جهمي أو رافضي أو معطل ونحو ذلك من التهم الجاهزة عندكم, فأنتم أولى الناس بأن تمحصوا أقوال مشايخكم وعرضها على الكتاب والسُّنَّة, ونحن لا ننكر أنّ كلّ جماعة تتعصب لشيخها أو زعيمها أو رئيسها ونحن ننكر هذا التعصب الذميم من الجميع ولا نقبل به من أح،د ولم نجد في عصرنا قوما تعصبوا لمشايخهم مثل تعصبكم أنتم.
وقال أيضاً: "إن كل عاقل يضطر إلى الجزم بخبر العدل بعقله، وإن أنكر ذلك بلسانه عنادا ً، وشاهد الحال أوضح برهان على ذلك؛ فإن الإنسان يسمع خبراً بقدوم صاحبه أو قريبه فيتلقاه من بعيد، أو يزوره، مع ما يناله في ذلك من المشقة أحياناً أو الانقطاع عن العمل، ويعمل بخبر رسول صاحبه إليه فيعطيه ما طلبه ولو نفيساً، وقد يذهب معه تاركاً أعماله وأمواله ولو خالجه شك أو توهم في صدق هذا الخبر لما أقدم على إنهاك بدنه،...".(5)
قلت:
لا بد من التفصيل، فليس كلّ خبر يصدَّق فلا بد من القواعد والضوابط والقرائن كذلك .
ولكن هناك فرق بين خبر دنيوي لا يترتب عليه أحكام شرعية وبين خبر يترتب عليه أحكام شرعية، فالمساواة بينهما فيها تحكُّم واضح, وإلاّ فلم قال الله تعالى لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} الحجرات:6.
ثم قال: "ما هو متواتر عن السلف والمحدثين وغيرهم من جزمهم بالأحاديث النبوية كثيراً، وإضافتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تصريحاً، وحكمهم بصحة ما ثبت عندهم منها، وهكذا تفريقهم عند نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصحيح والضعيف والمشكوك فيه، بحيث يذكرون الأول بصيغة الجزم، والثاني بصيغة التمريض، مما هو صريح في قطعهم بالصحيح، وعلمهم بصدوره عمن نسب إليه. ولو كان الجميع سواء في إفادة الظن لما فرقوا بينهما بما ذكر...".
قلت:
هناك انفكاك بين المسألتين كبير هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بدّ من القرائن التي تجعلنا نقول: إنّ حديث الآحاد يفيد اليقين, كما أنّ التصحيح والتضعيف أمر اجتهادي فقد يجزم العالم الفلاني بصحة خبر ما ولا يجزم به عالم آخر، وليس هذا بحجة على ذاك, وإذا كان يفيد اليقين فلا يجوز أن نختلف فيه أصلا, لأننا في هذه الحال نقوّل العلماء ما لم يقولوا، فإذا كان كثير منهم ينازع في أحاديث الصحيحين هل تفيد القطع أم غلبة الظن فكيف بغيرها إذا؟.
وقال أيضاً :" إجماع سلف الأمة وأئمتها من الصحابة ومن بعدهم من علماء الأمة في كل زمان ومكان على تلقي هذه الأخبار بالقبول، والعمل بها، وترك الآراء والمذاهب لأجلها، ومَن ردَّ منها شيئاً اشتغل بتأويله وصرفه عن ظاهره لئلا يرد عليه مما يدلُّ على تصديقه لها...".(6)
قلت:
الإجماع حاصلٌ على وجوب العمل بالسُّنَّة عموما، وليس الإجماع حاصلا على أن أحاديث الآحاد تفيد القطع واليقين بتاتا ، فهذا قول بلا برهان.
وأما أحاديث الصحيحين فلم يتفق العلماء على أن ما فيهما يفيد القطع واليقين وإن قال ذلك الأكثر، وهذا يدلُّ على أنها بذاتها لا تفيد القطع واليقين إلا بقرينة خارجة عنها، وهذا بعكس ما تقول تماما, وهذا ما نرجحه في هذه المسالة الجلل مع تفصيل لنا.
ثم قال : "الدليل السمعي المتفق عليه، وهو ما في القرآن من ذم أهل التخرص والظن، والنهي عن القول على الله بلا علم، كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء:36.
وقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الأعراف: 33... وأمثال هذه الآيات كثير.
لقد تضمنت هذه الآيات النهي عن القول على الله في دينه بلا علم، وعن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، والنهي عن التعبد بموجب الظن وما تهواه النفس، وأخبر أن هذا الظن ليس من الحق في شيء.
وما زال المسلمون في كل زمان ومكان يفتون بموجب هذه النصوص وإن كانت آحاداً، ويحلِّون بها أشياء ويحرِّمون أشياء، ويعاقبون على تركها، ولو كانت إنما تفيد الظن عندهم لدخلوا تحت قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} النحل:116.
فالقائلون بأنها ظنية ويجب العمل بها، يلزمهم القول بأن الله أمر بما نهى عنه، وما ذمَّه في هذه الآيات، حيث أوجب أن نحكم في دينه وشرعه بأدلة متوهمة، وقد نهانا عن التخرص في الدين، وأخبر أنه خلاف الهدى الذي جاءهم من ربهم، وإذاً فلا فرق بين أهل الظن وبين أولئك المشركين الذين قال الله فيهم: { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام: 148.
وقد نهى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقفوا ما ليس له به علم، بل جعل القول عليه بلا علم في منزلة فوق الشرك، كما في قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (33) سورة الأعراف ، حيث ترقى من الأسهل إلى الأشد، فبدأ بالفواحش، ثم بالإثم وهو أشد، ثم بالبغي وهو أعظم من الإثم، وبعده الشرك أشد منه، ثم القول على الله بلا علم، فأيُّ ذم أبلغ من هذا.(7)
وقد تكلف بعض المتكلمين الجواب عن هذا الدليل، فذكر الآمدي وجهين في ذلك وهما:
1- أن العمل بالآحاد عمدته الإجماع على وجوب العمل بها، لا خبر الواحد، وهذا الإجماع قطعي الدلالة لا ظني.
2- حمل هذه الآيات على ذم الظن والتخرص في أمور الاعتقاد، وما لا بد فيه من اليقين.
والجواب عن الأول: أنه وافق على وقوع الإجماع، وقد بينا أن الإجماع دليل القطع بالنص المجمع على العمل به.
والجواب عن الثاني: أنا نمنع التفريق بين الأصول والفروع، وسيأتي إن شاء الله أن الأصول مما تثبت بالآحاد، فالنهي عن الظن على عمومه في الجميع، ويراد به ما لم يكن مبنياً على دلائل وأمارات توجيه، بل هو مجرد وهم وتخمين اهـ.
قلت:
ردك غير كاف عليهما، وهناك فرق كبير بين الوهم وبين غلبة الظن ولا يمكن التسوية بين الأصول والفروع، فلا يمكن أن تثبت أصول الشريعة بأحاديث آحاد وإنما تثبت بالمتواتر والمشهور فقط ليس إلاّ، والتسوية بين الأصول والفروع في موضوع إثباتها هو جهل كبير بحقيقة الدين, وقد ذكرنا تفسير بعض أهل العلم لبعض هذه الآيات فليرجع إليه.
وقال أيضاً :" ما اشتهر عن الصحابة رضي الله عنهم من قبولهم للآحاد وتصديقهم بها، كما اشتهر عن أهل قباء من تحولهم إلى جهة الكعبة وهم في الصلاة، اعتماداً على خبر واحد، وهو من أوضح البراهين على حصول العلم لهم بصدقه، وإلا لما انصرفوا عن قبلة قد تحققوها اعتماداً على خبر لا يوجب إلا الظن.(8)
قلت:
هناك تفصيل في الأمر، فقد أوردنا روايات كثيرة صحيحة ترد هذا الزعم فلا بد من القرائن حتى يقبل الخبر.
وقال أيضاً : " ما اشتهر عن الصحابة والسلف من الشهادة على الله وعلى رسوله بموجب هذه الأخبار، ولا شك أنهم لا يشهدون بما لا يعتقدون صحته.
وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ًالبقرة: 143. فوصفهم بأنهم وسط أي عدول خيار، وبأنهم يشهدون على الناس، أي بأن الله أمرهم بكذا، وفرض كذا، وبلغهم دينه وأزال عذرهم. فشهادتهم بهذه الأخبار عن نبيهم توجب صدقهم اليقين بما قالوه لما عرف من عدالتهم، وتورعهم عما فيه شك أو تردد.(9)
قلت:
هذا صحيح من حيث الجملة، ولكننا لم نسمع هذه الأخبار من الصحابة مباشرة فبيننا وبينهم مفاوز، فنحن- وإن اتفقنا على عدالة الصحابة- لم نتفق على عدالة من بعدهم حتى تصح هذه الدعوى ، وإلا لما نشأ علم الجرح والتعديل !!.
وقال أيضاً : " قوله تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل:43، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} التوبة:122، ولولا أن جواب أهل الذكر، وإنذار الطائفة قومها يفيد العلم لما أمر به ، فإن أهل الذكر يعمُّ ما لو كان واحداً، والطائفة تعم الواحد، والإنذار هو الإعلام بما يفيد العلم ليحصل الحذراهـ.
قلت:
ليس في هذه الآية دليلٌ قاطع على أن خبر الواحد يفيد اليقين بمجرده
وقال أيضاً : ما تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعثه الآحاد إلى أطرف البلاد، ليبلغوا عنه ما أمره الله بتبليغه من الدين، وليعلموهم شرائع الله. ولولا أنّ أخبارهم تفيد العلم لم يحصل البلاغ، ولحصل التوقف من المدعوين، ولم ينقل أنّ أحداً منهم قال لمن علَّمه شيئاً من الدِّين، أو طلب منه جزية، أو زكاة أو نحوها: إن خبرك لا يفيد العلم، فأنا أتوقف حتى يتواتر الخبر بما ذكرت. وقد اكتفى - صلى الله عليه وسلم - بتبليغهم عنه، وتعليمهم ما أمر الله به.(10)
قلت:
هذا صحيح من حيث الجملة بالنسبة للصحابة الذين رباهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومع هذا فقد ردَّ بعضُ الصحابة أخبار بعض الصحابة كما ذكرنا .
وفي مقدمة مسلم: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّة فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ. (صحيح)
وقال أيضاً : "إن الله أمر بردِّ ما يحصل فيه النزاع إليه وإلى رسوله في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء:59، وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور:63.
والردُّ إلى الرسول هو الردُّ إليه في حياته، وإلى سنَّته بعد موته، ولو كانت سنَّته إنما تفيد الظن لم ينفصل النزاع بالرد إليها...
ولو كان أمره الوارد في هذه الأخبار لا يفيد يقيناً لكان المخالف له معذوراً عندهم، وهو خلاف الإجماع كما تقدم.(11)
قلت:
هذا لا يفيد أنها تفيد اليقين ، والردُّ لسنته - صلى الله عليه وسلم - إجمالا يفيد القطع واليقين، ولكن أخبار الآحاد تختلف عن هذا، بدليل مخالفتهم لها من الصحابة فما بعدهم ، فلو كانت تفيد اليقين لكفروا بمخالفتها أو إنكارها ، وهذا لا يقول به أحد يعوَّل على قوله.
__________
(1) - البخاري, حديث:( 6967 )
(2) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص26.
(3) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص26.
(4) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص27.
(5) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص28.
(6) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص28.
(7) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص29.
(8) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص28.
(9) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص29.
(10) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص29.
(11) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص29.(1/86)
وقال أيضاً : "ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ عنه، وذمه لمن رد ما سمعه عنه، حيث قال: « لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِى مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لاَ نَدْرِى مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ».(1).
وقال في الحديث الصحيح عنه: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ(2)....
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر من التبليغ إلاّ بما تقوم به الحجة على السامع، ففي دعائه لمن حفظه عنه ثمّ بلغ ما حفظ ولو كان واحداً، ولو غير فقيه، وفي تحذيره من رد خبره أوضح دليل على حصول العلم لمن وصل إليه هذا العلم عن هذا الثقة الحافظ. وهذه صفة صحابته رضي الله عنهم، وهكذا فعلوا، وقد تقبل عنهم جمهور الأمة جميع ما نقلوه عن نبيهم موقنين بصحته.(3)
قلت:
لا يجوز الرد بغير برهان، وكذلك لا يجوز القبول بغير برهان.
وبهذا يظهر لنا ضعف الأدلة التي استند إليها .
قلت : ومما يدلُّ على أن الذين يرون أنه يفيد القطع واليقين ، عدم تفريقهم بين الصحيح المشهور والصحيح الآحاد ، والصحيح لذاته والصحيح لغيره ، والحسن بشقيه ، فهل كل هذه الأحاديث تفيد القطع واليقين ، وتبنى عليها أصول الاعتقاد وأصول المعاملات ؟
لا يمكن لعاقل أن يعتبرها كلها بمنزلة واحدة ، والشهادة مثلها تماماً
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(4607 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 268)( 66) صحيح
(3) - أخبار الآحاد في الحديث النبوي, عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين, ص30.(1/87)
والمذهب الثالث- التفصيل في المسألة :
وهو أن خبر الآحاد بحد ذاته لا يفيد إلا غلبة الظن إلا إذا احتفت به القرائن فيفيد عندئذ اليقين ، وبه يقول كثير من المحققين من أهل العلم
قال الإمام السيوطي(1):
"وقال في «شرح النخبة»(2): الخبر المُحْتفِ بالقَرَائن يُفيد العِلْم, خلافًا لمن أبَى ذلك.
قال: وهو أنواع:
منها: ما أخرجه الشَّيخان في «صحيحيهما» مِمَّا لم يبلغ التَّواتر, فإنَّه احتف به قرائن.
منها: جلالتهما في هذا الشَّأن, وتقدمهما في تَميِّيز الصَّحيح على غيرهما, وتلقى العُلماء لكتابيهما بالقَبُول, وهذا التَّلقي وحدهُ أقوى في إفَادة العِلْم من مُجرد كَثْرة الطُّرق القاصرة عن التَّواتر, إلاَّ أنَّ هذا مُختص بما لم ينتقده أحد من الحُفَّاظ مِمَّا في الكتابين, وبما لم يقع التَّجاذب بين مدلوليه, مِمَّا وقع في الكِتَابين, حيث لا ترجيح, لاسْتحَالة أن يُفيد المتناقضان العلم بصدقهما, من غير ترجيح لأحدهما على الآخر, وما عدَا ذلك, فالإجماع حاصل على تسليم صحته ".
" قلتُ : وقد استثنى ابن الصَّلاح من المقطُوع بصحَّته فيهما ما تكلَّم فيه من أحاديثهما, فقال : سوى أحرف يسيرة تكلَّم عليها بعض أهل النَّقد من الحُفَّاظ كالدَّارقُطْني وغيره.(3)
قال شيخ الإسْلام : وعدة ذلك مئتان وعشُرون حديثًا اشتركا في اثنين وثلاثين, واختصَّ البُخَاري بثمانين إلاَّ اثنين, ومسلم بمئة وعشرة.(4)
فقال المُصنِّف في «شرح البُخَاري»(5): ما ضعف من أحاديثهما مبني على علل ليست بقادحة.
وقال شيخ الإسْلام(6): فكأنَّه مال بهذا إلى أنَّه ليس فيهما ضعيف, وكلامه في «شرح مسلم» يقتضي تقرير قول من ضعف, فكان هذا بالنسبة إلى مقامهما, وأنَّه يدفع عن البُخَاري ويُقرِّر على مُسْلم.
قال العِرَاقي(7): وقد أفردتُ كتاباً لما تكلَّم فيه في «الصَّحيحين» أو أحدهما مع الجَوَاب عنه.
قال شيخُ الإسْلام(8): لم يُبيض هذا الكتاب, وعُدمت مُسَودته, وقد سردَ شيخ الإسْلام ما في البُخَاري من الأحاديث المُتكلَّم فيها في «مقدمة» شرحه, وأجاب عنها حديثا حديثا.
ورأيتُ فيما يتعلَّق بمُسلم تأليفا مخصُوصاً فيما ضُعِّف من أحاديثه, بسبب ضعف رُواته, وقد ألَّف الشَّيخ ولي الدين العِرَاقي كتابًا في الرَّد عليه.
وذكر بعض الحُفَّاظ أنَّ في كتاب مسلم أحاديث مُخالفة لشرط الصَّحيح, بعضها أُبْهم راويه, وبعضها فيه إرْسَال وانْقطاع, وبعضها فيه وجَادة, وهي في حكم الانقطاع, وبعضها بالمكاتبة.
وقد ألَّف الرَّشيد العَطَّار كتابًا في الرَّد عليه, والجواب عنها حديثًا حديثًا وقد وقفتُ عليه, وسيأتي نقل ما فيه مُلخصًا مُفرَّقا في المواضع اللائقة به إن شَاء الله تعالى, ونُعجِّل هُنا بجواب شامل, لا يختص بحديث دون حديث.
قال شيخُ الإسْلام في «مُقدمة شرح البُخَاري»(9): الجواب من حيث الإجمال عمَّا انْتُقد عليهما, أنَّه لا ريب في تقدم البُخَاري, ثمَّ مسلم على أهل عَصْرهما, ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصَّحيح والعلل, فإنَّهم لا يختلفون أنَّ ابن المَدِيني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث, وعنهُ أخذ البُخَاري ذلك, ومع ذلكَ, فكان ابن المَدِيني إذا بلغهُ عن البُخَاري شيء يَقُول: ما رأى مثل نفسهِ, وكان محمَّد بن يحيى الذُّهلي أعلم أهل عَصْرهِ بعلل حديث الزُّهْري, وقد استفاد ذلك منه الشَّيخان جميعا.
وقال مسلم(10): عرضتُ كتابي على أبي زرعة الرَّازي, فمَا أشار أنَّ له عِلَّة تركته.
فإذا عُرف ذلك, وتقرَّر أنَّهما لا يُخرجان من الحديث إلاَّ ما لا عِلَّة له, أو له عِلَّة غير مُؤثرة عندهما, فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يَكُون قوله مُعَارضا لتصحيحهما, ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما, فيندفع الاعتراض من حيث الجُمْلة.
وأمَّا من حيث التفصيل فالأحاديث الَّتي انتقدت عليهما سِتَّة أقسام:
الأوَّل: ما يختلف الرُّواة فيه بالزِّيادة والنَّقص من رجال الإسْنَاد, فإن أخرج صاحب الصَّحيح الطَّريق المزيدة, وعلَّله الناقد بالطريق الناقصة, فهو تعليل مردود, لأنَّ الرَّاوي إن كان سمعهُ فالزِّيادة لا تضر, لأنَّه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه, ثمَّ لقيهُ فسمعه منه, وإن كان لم يسمعه في الطَّريق النَّاقصة, فهو منقطع, والمنقطع ضعيف, والضعيف لا يعل الصحيح.
ومن أمثلة ذلك ما أخرجاهُ كلاهما من طريق الأَعْمَشِ قالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - مَرَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ : « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ - ثُمَّ قَالَ - بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ » . قَالَ ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ، ثُمَّ قَالَ « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » .
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ « أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ». قَالَ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ « لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ».(11).
قال الدَّارقُطْني في انتقاده(12): قد خالف منصور, فقال: عن مُجَاهد عن ابن عبَّاس, وأخرج البُخَاري حديث منصور على إسقاط طاووس, قال: وحديث الأعمش أصح.
قال شيخ الإسْلام : وهذا في التَّحقيق ليس بعلَّة, فإنَّ مُجَاهدا لم يُوصف بالتَّدليس, وقد صحَّ سَماعه من ابن عبَّاس, ومنصور عندهم أتقن من الأعمش, والأعمش أيضًا من الحُفَّاظ, فالحديث كيفما دار, دار على ثقة, والإسناد كيفما دار, كان مُتَّصلاً, وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا, وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق النَّاقصة, وعلَّله الناقد بالمزيدة, تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صحَّحه المُصنِّف, فينظر إن كان الرَّاوي صحابيا, أو ثقة غير مُدلِّس, قد أدرك من روى عنه إدراكا بينًا, أو صرَّح بالسَّماع إن كان مدلِّسًا من طريق أخرى, فإن وجد ذلكَ اندفعَ الاعتراض بذلك, وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهرًا, فمحصل الجَوَاب أنَّه إنَّما أخرج مثل ذلك, حيث له سائغ وعاضد, وحفته قرينة في الجملة تقويه, ويكُون التَّصحيح وقع من حيث المَجْمُوع.
مثاله: ما رواه البُخَاري من حديث أبي مروان عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهْوَ بِمَكَّةَ ، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَطُوفِى عَلَى بَعِيرِكِ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ » . فَفَعَلَتْ ذَلِكَ ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ ..(13)
قال الدَّارقُطْني : هذا مُنقطع, وقد وَصَلهُ حفص بن غِيَاث, عن هشام, عن أبيه, عن زينب, عن أمِّ سلمة, ووصله مالك في «الموطأ» عن أبي الأسْود عن عُروة كذلك.
قال شيخ الإسْلام : حديث مالك عندَ البُخَاري مقرون بحديث أبي مروان, وقد وقع في رِوَاية الأصيلي, عن هِشَام, عن أبيه, عن زينب, عن أمِّ سَلَمة موصُولاً, وعليها اعتمد المِزِّي في «الأطراف» ولكن مُعظم الرِّوايات على إسْقَاط زينب.
قال أبو علي الجِيَاني: وهو صحيح, وكذا أخرجهُ الإسْمَاعيلي بإسْقَاطه, من حديث عَبْدة بن سُليمان ومُحاضر وحسَّان بن إبراهيم, كُلهم عن هِشَام, وهو المحفُوظ من حديثه, وإنَّما اعتمدَ البُخَاري فيه رِوَاية مالك, الَّتي أثبت فيها ذكر زينب, ثمَّ ساق معها رواية هشام الَّتي أسقطت منها, حاكيًا للخلاف فيه على عروة كَعَادته, مع أنَّ سَمَاع عُروة من أمِّ سلمة ليسَ بالمُستبعد.
قال: وربَّما علَّل بعض النُّقاد أحاديث ادَّعى فيها الانقطاع, لكونها مَرْوية بالمُكَاتبة والإجَازة, وهذا لا يلزم منهُ الانقطاع عند من يُسوِّغ ذلك, بل في تخريج صاحب الصَّحيح لمثل ذلك دليل على صحَّته عنده.
القسم الثاني: ما تختلفُ الرُّواة فيه بتغيير رِجَال بعض الإسْنَاد, والجَوَاب عنه أنَّه إن أمْكَن الجمع بأن يَكُون الحديث عند ذلكَ الرَّاوي على الوجهين, فأخرجهما المُصنِّف, ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المُختلفون في ذلك مُتعادلين في الحفظ والعدد, أو مُتفاوتين, فيخرج الطَّريقة الرَّاجحة ويعرض عن المَرْجُوحة, أو يُشير إليها, فالتعليل بجميع ذلك لمُجَرَّد الاختلاف غيرُ قادح, إذ لا يَلْزم من مُجَرَّد الاختلاف اضطراب يُوجب الضَّعف.
الثَّالث: ما تفرَّد فيه بعض الرُّواة, بزيادة لم يذكرها أكثر منه أو أضبط, وهذا لا يُؤثر التَّعليل به, إلاَّ إن كانت الزِّيادة مُنَافية, بحيث يتعذَّرُ الجمعُ, وإلاَّ فهي كالحديث المُستقلِّ, إلاَّ إن وضح بالدليل القويِّ أنَّها مُدْرجة من كلام بعض رُواته فهو مؤثر, وسيأتي مثاله في المُدْرج.
الرَّابع: ما تفرَّد به بعض الرُّواة مِمَّن ضُعِّف, وليس في الصَّحيح من هذا القبيل غير حديثين, تبين أنَّ كُلاًّ منهما قد تُوبعَ.
أحدهما: حديث إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَىُّ ، اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ ، وَإِيَّاىَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ ، وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِى بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَىَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَايْمُ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّى قَدْ ظَلَمْتُهُمْ ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِى الإِسْلاَمِ ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِى أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا .(14)
قال الدَّارقُطْني: إسْمَاعيل ضعيف.
قال شيخ الإسلام(15): ولم يَنْفرد به, بل تابعهُ معن بن عيسى, عن مَالك, ثمَّ إن إسماعيل ضعفهُ النَّسائي وغيره, وقال أحمد وابن معين في رواية: لا بأس به, وقال أبو حاتم: محله الصِّدق, كان مُغفَّلاً, وقد صحَّ أنَّه أخرج للبُخَاري أُصوله وأذن له أن ينتقي منها, وهو مُشْعر بأنَّ ما أخرجهُ البُخَاري عنه من صحيح حديثه, لأنَّه كتب من أصوله, وأخرج له مسلم أقل مِمَّا أخرج له البُخَاري.
ثانيهما: حديث أُبَىِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ .(16).
قال الدَّارقُطْني أُبي ضعيف.
قال شيخ الإسْلام: تابعهُ عليه أخوه عبد المُهيمن.
القسم الخامس: ما حكم فيه على بعض الرُّواة بالوهم, فمنه مالا يؤثر قدحًا, ومنه ما يؤثر.
السَّادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن, فهذا أكثره, لا يترتب عليه قدح, لإمكان الجمع أو الترجيح. انتهى(17)
" فإِنْ قِيلَ : إِنَّما اتَّفَقوا على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ لا عَلى صِحَّتِهِ ؛ مَنَعْنَاهُ .
وسَنَدُ المَنْعِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ ، فلمْ يَبْقَ للصَّحيحينِ في هذا مَزيَّةٌ ، والإِجماعُ حاصِلٌ على أَنَّ لهُما مَزِيَّةً فيما يَرْجِعُ إِلى نَفْسِ الصِّحَّةِ .
ومِمَّن صَرَّحَ بإِفادَةِ مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخانِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ : الأسْتاذُ أَبو إِسْحاقَ الإِسْفَرايِينِيُّ(18)، ومِن أَئِمَّةِ الحَديثِ أَبو عبدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ(19)، وأَبو الفَضْلِ بنُ طاهِرٍ(20)وغيرُهُما .
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ : المَزِيَّةُ المَذْكُورَةُ كَوْنُ أَحادِيثِهِما أَصَحَّ الصَّحيحِ ".(21)
و قال الدكتور محمد محمد أبو شهبة(22): " والحق هو ما ذهب إليه ابن الصلاح وموافقوه من أن أحاديث الصحيحين - عدا ما انتقد- تفيد العلم النظري ، وهذا العلم إنما يحصل للعالم المتبحِّر فيه العارف بأحوال الرواة ، وهذا العلم اليقينيُّ النظريُّ يبدو واضحاً لكل من تبحَّر في علم من العلوم ، وتشبعت نفسه بأصوله وقواعده مسائله ، واطمأن قلبه إليها ، وإنما يستبعد هذا من لم يتحَّرْ في الحديث ، ولم يقف على شروط الأئمة في التصحيح ، وما أخذوا به أنفسهم من التحوط البالغ ، والتحري في نقيد الرجال ، ولا يضيرنا مخالفة مثل هذا ، فمن ذاق عرف ، ومن عرف اعترف " اهـ
-----------------
ومِنها(23): (( المَشْهورُ )) إِذا كانَتْ لهُ طُرُقٌ مُتبايِنَةٌ سالِمَةٌ مِنْ ضَعْفِ الرُّواةِ ، والعِلَلِ .
وممَّن صَرَّحَ بإِفادَتِهِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ الأسْتاذُ أَبو مَنْصورٍ البَغْدادِيُّ(24)، والأسْتاذُ أَبو بَكْرِ بنُ فُورَكٍ(25)(( - بضم الفاء - )) وغيرُهُما.
مثال الحديث المشهور :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَانِى اللَّيْلَةَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَ أَحْسَبُهُ قَالَ فِى الْمَنَامِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِى فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَىَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَىَّ أَوْ قَالَ فِى نَحْرِى فَعَلِمْتُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِى فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فِى الْكَفَّارَاتِ. وَالْكَفَّارَاتُ الْمُكْثُ فِى الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَالْمَشْىُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِى الْمَكَارِهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِذَا صَلَّيْتَ فَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِى إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ قَالَ وَالدَّرَجَاتُ إِفْشَاءُ السَّلاَمِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ وَالصَّلاَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ».
حم 1/368 و4/66 بعض الصحابة ومجمع1/237 و7/176 و ت(3233و3234) و(3235) معاذ وع(2608) وطب(8115)أبو أمامة و(8207) طارق بن شهاب و20/109(216) معاذ وعاصم (469) وطبري 7/162 والدعاطب (1414 - 1421) من طرق فهو حديث صحيح مشهور
مثال آخر :
عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا ». قَالُوا مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا ».
أخرجه ت(2321) وهـ (4110و4111) وحم1/329و 2/338 و3/365و4/229 و230 وع(2593)أبو هريرة ومجمع 1/335 و10/287 وش 13/245 (34378و34379)عبد الله بن ربيعة ومب 177(508) وم(2957)2جابر وهق1/139 و8/22 وبز(3461)المستورد وطس(2913) وطب(5840) سهل و(13310) ابن عمرو20/304(723) ون(1629)عبد الله بن ربيعة ، فهو حديث صحيح مشهور
مثال آخر :
عنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِجَدِّهِ يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ « أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ ».
أخرجه حم2/310 أبو هريرة و4/70 و5/247معاذ وع(911) والشاميين(385)أبو هريرة و(1066)أبو أمامة ومجمع 1/ 45وو61و89و و4/216و 8/186 و10/296 من طرق وهق9/161 أبو أمامة وعبد بن حميد(434) وك 4/68 وعن أبي هريرة ت (2305) وهـ(4217) وطس(7054) وطص(1057) وع(5865و6240) والإتحاف 6/223 و264 وتخ 2/49 والترغيب 2/561 والصحيحة (72) والشعب(578و579) معاذ و(5750و9543و 11127 و11128 ) أبو هريرة و (11129) وطب(1651)أبو ذر و(2327)جرير و20/191(425) معاذ بن أنس وصحيح الجامع (180) وهو صحيح مشهور
-----------------
قال: ومِنها : (( المُسَلْسَلُ )) بالأئمَّةِ الحُفَّاظِ المُتْقِنينَ ، حيثُ لا يكونُ غَريباً ؛ كالحَديثِ [ الَّذي ] يَرْويهِ أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَثلاً ويُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ(26)، ويُشارِكُهُ [ فيهِ ] غيرُهُ عنْ مالِكِ بنِ أَنسٍ(27)؛ فإِنَّهُ يُفيدُ العِلْمَ عندَ سَامِعِهِ بالاستِدْلالِ مِن [ جِهَةِ ] جَلالَةِ رُواتِهِ ، وأَنَّ فيهِمْ مِنَ الصِّفاتِ اللاَّئِقَةِ المُوجِبَةِ للقَبولِ مَا يقومُ مَقامَ العَدَدِ الكَثيرِ مِنْ غَيْرِهِم .
ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمارَسَةٍ بالعِلْمِ وأَخْبارِ النَّاسِ أَنَّ مالِكاً مَثلاً لو شافَهَهُ بخَبَرٍ أَنَّهُ صادِقٌ فيهِ ، فإِذا انْضافَ إِليهِ (( أيضاً )) مَنْ هُو في تِلْكَ الدَّرَجَةِ ؛ ازْدَادَ قُوَّةً(28)، وبَعُدَ عَمَّا يُخْشَى عليهِ مِنَ السَّهْوِ .".(29)
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 84) و قواعد التحديث ج:1 ص:85 و نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 6)
(2) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 44) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 10) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 218) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 139) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 60) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 7)
(3) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 4) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 206)
(4) - مقدمة الفتح ص 643
(5) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 44) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 222)
(6) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 222)
(7) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 44)
(8) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 221)وبحوث في المصطلح للفحل - (ج 1 / ص 213) والنكت على ابن الصلاح 1/380
(9) - مقدمة الفتح - (ج 1 / ص 345) وعلم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 38) وقسم الحديث والمصطلح - (ج 45 / ص 37)
(10) - مقدمة شرح مسلم للنووي 1/15
(11) - صحيح البخارى (1378 ) صحيح مسلم(703 )
العسيب : العصا من جريد النخل
(12) - التتبع ص 500
(13) - صحيح البخارى(1626 ، 464 ، 1619 ، 1633 ، 4853 ) ومقدمة الفتح - (ج 1 / ص 356)
(14) - صحيح البخارى (3059 ) الصريمة : تصغير الصرمة وهى القطعة الواحدة من الإبل
(15) - مقدمة الفتح - (ج 1 / ص 388)
(16) - صحيح البخارى (2855 )
(17) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 86)فما بعدها
(18) - هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق، الإسفرائينيّ، ت418هـ.
(19) - هو محمد بن الفتوح الأزديّ، 420-488هـ، مِن كتبه: الجمع بين الصحيحين.
(20) - هو محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسيّ الشيبانيّ، أبو الفضل، 448-507هـ، عُرف بابن القيسراني، له شروط الأئمة الستة، وغيره.
(21) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 44) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 85) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 7) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 49)
(22) - في كتابه الوسيط في علوم الحديث ص 260-261
(23) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 44) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 85) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 62) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 7)
(24) - هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي الإسفرائينيّ، البغداديّ الشافعيّ، تلميذ أبي إسحاق الإسفرائينيّ، ت429هـ.
(25) - هو محمد بن الحسن بن فُوْرَك الأصبهانيّ، أبو بكر، المشهور بابن فُوْرَك، يقال: قاربتْ مؤلفاته المئة.
(26) - هو الإمام محمد بن إدريس الشافعيّ المطّلِبيّ، أبو عبد الله، 150-204هـ، صاحب المذهب شيخ الإمام أحمد، أوّل مَن صنَّف في أصول الفقه بكتابه الرسالة، مِن أذكياء الدنيا.
(27) - هو إمام دار الهجرة، مِمن سارتْ بفضائله الركبان، 93-179 هـ.
(28) - أَيْ: زاد العدد في الرواية. مع ملاحظة أنّ المقصود زيادة العدد مِن الأئمة الثقات هؤلاء، أمّا عن غيرهم فقد تتعدد الطرق ولا يصح شيء منها.
(29) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 44) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 85) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 7) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 228)(1/88)
مثالٌ كما في مسند أحمد برقم (5997) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِىُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لاَ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ».
وعنده برقم (6177) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ قَالَ نَافِعٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ الحديث ...
وهذه متابعة للشافعي ومالك ( أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ )
وهو في صحيح البخارى برقم (2165 )حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فهذه متابعة للشافعي عن مالك وهو ( عبد الله بن يوسف)
وعند الترمذي برقم (1339 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ... وهذه متابعة للإمام مالك وهو اللَّيْثُ بن سعد
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 5 / ص 344) برقم (11209)أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِىُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ».
فهذا طريق آخر والمتن واحد ، فهذا الحديث ينطبق عليه هذا التعريفُ
-------------------
قال: وهذهِ الأنْواعُ الَّتي ذكَرْناها لا يَحْصُلُ العلمُ بصِدْقِ الخَبرِ منها إِلاَّ للعالِمِ بالحَديثِ ، المُتَبَحِّرِ فيهِ ، العارِفِ بأَحوالِ الرُّواةِ ، المُطَّلِعِ عَلى العِلَلِ .
وكَوْنُ غيرِهِ لا يَحْصُلُ لهُ [ العِلْمُ ] بصِدْقِ ذلك لِقُصورِهِ عن الأوْصافِ المَذكورَةِ لا يَنْفي حُصولَ العِلْمِ للمُتَبَحِّرِ المَذْكورِ ، [ واللهُ أَعلمُ ]..(1)
ومُحَصّلُ الأنْواعِ الثَّلاَثَةِ الَّتي ذَكَرْناها :
أنَّ الأوَّلَ : يَخْتَصُّ بالصَّحيحينِ .
والثاني : بِما لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ .
والثَّالِثُ : بِما رواهُ الأئمَّةُ .
ويمكِنُ اجْتماعُ الثَّلاثةِ في حَديثٍ واحِدٍ ، فلا يَبْعُدُ حينئذٍ القَطْعُ بصِدْقِهِ واللهُ أَعْلمُ.انتهى.(2)
وقال ابن كثير(3): وأنا مع ابن الصَّلاح فيما عَوَّل عليه وأرْشد إليه.
قلت(4): وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه, نعم يبقى الكلام في التَّوفيق بينهُ وبين ما ذكرهُ أولاً من أنَّ المُرَاد بقولهم: هذا حديثٌ صحيح, أنَّه وجدت فيه شُروط الصِّحة, إلاَّ أنَّه مقطوع به في نفس الأمر, فإنَّه مُخَالف لِمَا هنا, فلينظر في الجمع بينهُمَا, فإنَّه عسر, ولم أر من تنبَّه له " .
--------------------
قلت : وينبغي أن يضاف لذلك الحديث الصحيح الآحادي الذي جرى عليه العمل ، وتلقته الأمة بالقبول ، وهو مهم جدًّا ، وقد ذكر ذلك الإمام الترمذي عقب بعض الأحاديث الصحيحة .
أمثلةٌ :
كما في الحديث (254) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ فِى كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ وَأَبِى مُوسَى وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَغَيْرُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ.
(271 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِى عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَبِى سَعِيدٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى حُمَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْجُدَ الرَّجُلُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجْزِئُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ لاَ يُجْزِئُهُ حَتَّى يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالأَنْفِ.
(276 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ وَلاَ يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ وَأَنَسٍ وَالْبَرَاءِ وَأَبِى حُمَيْدٍ وَعَائِشَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الاِعْتِدَالَ فِى السُّجُودِ وَيَكْرَهُونَ الاِفْتِرَاشَ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ.
(280 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمَرْوَزِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَإِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ.
(281 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
(292 ) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِىَ التَّشَهُّدَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
(337 ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِى جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّى فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّى مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ». قَالَ أَبُو النَّضْرِ لاَ أَدْرِى قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ أَبِى جُهَيْمٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « لأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَىْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّى ». وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّى وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ.
(370 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرٍ وَأَبِى سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ عَلِىٌّ كُنْتُ إِذَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّى سَبَّحَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
(378 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ الْحَائِضِ إِلاَّ بِخِمَارٍ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَوْلُهُ « الْحَائِضُ ». يَعْنِى الْمَرْأَةَ الْبَالِغَ يَعْنِى إِذَا حَاضَتْ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَدْرَكَتْ فَصَلَّتْ وَشَىْءٌ مِنْ شَعْرِهَا مَكْشُوفٌ لاَ تَجُوزُ صَلاَتُهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِىِّ قَالَ لاَ تَجُوزُ صَلاَةُ الْمَرْأَةِ وَشَىْءٌ مِنْ جَسَدِهَا مَكْشُوفٌ. قَالَ الشَّافِعِىُّ وَقَدْ قِيلَ إِنْ كَانَ ظَهْرُ قَدَمَيْهَا مَكْشُوفًا فَصَلاَتُهَا جَائِزَةٌ.
(535 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لاَ يُؤَذَّنُ لِصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ وَلاَ لِشَىْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ.
(630 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِى فَرَسِهِ وَلاَ فِى عَبْدِهِ صَدَقَةٌ ». وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِى الْخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ وَلاَ فِى الرَّقِيقِ إِذَا كَانُوا لِلْخِدْمَةِ صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ فَإِذَا كَانُوا لِلتِّجَارَةِ فَفِى أَثْمَانِهِمُ الزَّكَاةُ إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
-------------------
الخلاصةُ في هذه المسألة الجللِ
الذي تبين لدي أن كلَّ حديثٍ صحيحٍ لذاته صححه عالمٌ معتبرٌ من علماء الحديث ، ولم يطعن به أحدٌ من علماء الجرح والتعديل ، سواء أكان في الصحيحين أم في غيرهما فهو حديث مقطوعٌ بصحته .
وكلُّ حديث صحَّ لغيره فما دون أو صححه قومٌ وضعفه آخرون ، فلا نقطع بصحته ، بل يفيدُ غلبة الظنِّ .
هذا وأصول الدين لا تثبت إلا بالمتواتر من القرآن والسنة ، ولكن تفصيلاتها الفرعية تثبت بالصحيح لذاته ويجب الاعتقاد بصحتها .، وهذا كله لا يكون إلا للعالم المتبحر بالسنة النبوية رواية ودراية .
ولكن من أنكرها فليس بكافر على الراجح إلا بقرينةٍ ، بل هو فاسق ، ولكن لا بد من إقامة الحجة عليه أولاً .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - وهذا كما قال المؤلف يحصل بحسب علم الإمام والناظر في الأمر والمحدث وعلى حسب معرفته بالرجال وخبرته فيتفاوت الناس بهذا فليس من عرف أحوالهم وصفاتهم الجليلة كمن جهل ذلك
(2) - نزهة النظر - (ج 1 / ص 62)
(3) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 4)
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 86)(1/89)
هل يحتجُّ بخبر الواحد في صفات الله تعالى ؟
اُخْتُلِفَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى , هَلْ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ , وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي الْمُرْشِدِ " , وَالْآمِدِيَّ فِي الْإِحْكَامِ " : الثُّبُوتُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ; لِكَوْنِ التَّجْوِيزِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ , وَقِيلَ : لَا يَثْبُتُ , بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَاطِعِ كَأَصْلِ الصِّفَاتِ(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - البحر المحيط في أصول الفقه - (ج 3 / ص 322)(1/90)
هل تثبتُ العقيدةُ بخبر الآحاد ؟؟
قال الزركشي في البحر المحيط(1):
"سَبَقَ مَنْعُ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ التَّمَسُّكِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْقَطْعُ مِنْ الْعَقَائِدِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ , وَالْعَقِيدَةُ قَطْعِيَّةٌ , وَالْحَقُّ الْجَوَازُ , وَالِاحْتِجَاجُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْهَا , وَرُبَّمَا بَلَغَ مَبْلَغَ الْقَطْعِ , وَلِهَذَا أَثْبَتْنَا الْمُعْجِزَاتِ الْمَرْوِيَّةَ بِالْآحَادِ . وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَطْلَبِ " : إلَّا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ يَنْتَقِضُ بِأَخْبَارِ التَّشْبِيهِ , فَإِنَّ لِلْمُشَبِّهَةِ أَنْ يَقُولُوا : إنَّ مَجْمُوعَهَا بَلَغَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ . فَإِنْ مَنَعْنَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ كَانَ لِخُصُومِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْعُنَا عَنْهُ , وَأَيْضًا فَالدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ إذَا صَحَّتْ وَسَاعَدَتْ أَلْفَاظُ الْأَخْبَارِ تَأَكَّدَ دَلِيلُ الْعَقْلِ وَقَوِيَ الْيَقِينُ ."
- - - - - - - - - - - - -
المبْحَث الثَاني
ـ تقسيمُ الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به ـ
ينقسم الخبر المقبول إلى قسمين: معمول به(2)وغير معمول به، وينبثق عن ذلك نوعان من أنواع علوم الحديث وهما: " المحْكَم ومخْتَلفُ الحديث " و" الناسخ والمنسوخ "
المُحْكَم(3)
تعريف المُحْكَم :
أ) لغة: هو اسم مفعول به " أَحْكَم " بمعنى أَتْقَنَ.
ب) اصطلاحاً: هو الحديث المقبول الذي سَلِمَ من معارضة مِثْلِهِ .
وأكثر الأحاديث من هذا النوع ، وأما الأحاديث المتعارضة المختلفة فهي قليلة بالنسبة لمجموع الأحاديث.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - البحر المحيط في أصول الفقه - (ج 3 / ص 322)
(2) - وهذا بحث مهم فالمقبول من الحديث وهو ما ثبت سنده ويحتج به له أقسام تارة يكون محكم وتارة يكون غير ذلك وتارة يكون منسوخ وتارة يكون ناسخ وتارة يحصل التوقف على أحوال المتون والأسانيد فالمقبول إن سلم من المعارضة يسمى المحكم ولو كان المعارض ضعيفاً لا يلتفت إليه ويطرح الضعيف ويسمى الحديث محكماً لأنه لم يعارض بحديث يؤثر عليه مثل حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) وحديث ( البيعان بالخيار ) وأحاديث كثيرة ، وتارة يعارض بمثله يعارض بحديث قوي فهذا فيه التفصيل إن إمكن الجمع يسمى مختلف الحديث فيجمع بينهما بما يراه العالم كأن يحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص فيزول الإعتراض مثل حديث ( لا عدوى ولا طيرة ) وحديث ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) فالجمع بينهما ممكن وليس هناك نسخ ، فتحمل ( لا عدوى ولا طيرة ) يعنى لا تعدي بطبعها ولكن قد يجعل الله عز وجل الخلطة سبباً كما قال ابن الصلاح وغيره وهذا أرجح فقوله ( لا عدوى ) يعنى لا تعدي بطبعها ، وقوله ( فر من المجذوم ) يعنى لا تتعاطى الأسباب الجالبة للعدوى قال - صلى الله عليه وسلم - ( لا يورد ممرض على مصح ) من باب توقي الأسباب الضارة ، فالعدوى ليست لازمة ولكن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالأسباب التي والبعد عن الاشياء التي قد جرت العادة أنها تعدي أخذاً بالأسباب والبعد عن الخطر .فإن لم يتيسر الجمع فينظر في أمر ثالث وهو النسخ يكون المتأخر ناسخاً للمتقدم .التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 13)
(3) - انظر نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 16) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 41) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 10) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 359) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 59) ومنظومة مصباح الراوي في علم الحديث - (ج 1 / ص 88) وقفو الأثر - (ج 1 / ص 65)(1/91)
مُخْتَلِفُ الحديثِ(1)
لغةً: هو اسمُ فاعل منَ " الاختلاف " ضد الاتفاق ، ومعنى مختلف الحديث : أي الأحاديث التي تصلنا ويخالف بعضها بعضاً في المعنى ، أي يتضادَّان في المعنى
اصطلاحاً : هو الحديثُ المقبول المُعَارَض بمثله مع إمكان الجمع بينهما .
أي هو الحديث الصحيح أو الحسن الذي يجيء حديث آخر مثله في المرتبة والقوة ويناقضه ولا بد من الجمع بين مدلوليهما بشكل مقبول.
" هذا فنٌّ من أهم الأنواع, ويضطرُّ إلى معرفته جميع العُلماء من الطَّوائف, وهو أن يأتي حديثان مُتضادَّان في المَعْنَى ظاهرًا, فيُوفِّق بينهما, أو يُرَجِّح أحدهما فيعمل به دون الآخر وإنَّما يكمل له الأئمة الجَامعُون بين الحديث والفِقْه, والأُصُوليون الغَوَّاصون على المَعَاني الدَّقيقة.
وصنَّف فيه الإمام الشَّافعي(2)وهو أوَّل من تكلَّم فيه ولم يقصد رحمه الله استيفاءه ولا إفرادهُ بالتَّأليف بَلْ ذكر جُمْلة منهُ في كِتَاب الأم يُنبه بها على طريقه أي: الجمع في ذلك.
ثمَّ صنَّف فيه ابن قُتيبة, فأتَى فيه بأشياء حسنة, وأشياء غير حسنة قَصُرَ فيها باعهُ لِكَون غيرها أوْلَى وأقْوَى منها وتركَ مُعظم المُختلف .
ثمَّ صنَّف في ذلك ابن جرير, والطَّحَاوي كتابه «مُشْكل الآثار».
وكان ابن خُزَيمة من أحْسَن النَّاس كلامًا فيه, حتَّى قال: لا أعرفُ حديثين مُتضادين, فمن كان عندهُ فليَأتني به لأؤلف بينهما.(3)
ومن جمعَ ما ذكرنا من الحديث, والفقه, والأصُول, والغوص على المعاني الدَّقيقة, لا يُشكل عليه من ذلك إلاَّ النَّادر في الأحيان. "(4)
والمُختَلفُ قِسْمان:
أحدهُما يمكنُ الجمعُ بينهما بوجه صحيح ، فيتعيَّنُ ، ولا يُصَارُ إلى التَّعَارض, ولا النَّسخ ويجبُ العمل بهما .
ومن أمْثلة ذلك في أحاديثِ الأحْكَام, عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلاَةِ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَىْءٌ..(5)
وفي البدر المنير(6):
" الحَدِيث الرَّابِع أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذا بَلَغَ (الماءُ) قُلَّتَين ، لم يَحْمِلْ خَبَثًا» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح ، ثَابت ، من رِوَايَة عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب ، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما ، «أنَّ رَسُول الله سُئِلَ عَن المَاء يكون بِأَرْض الفَلاَة ، وَمَا يَنُوبُه من السبَاع وَالدَّوَاب ، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : إِذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ ، لم يحملِ الخَبَث» .
أخرجه (الْأَئِمَّة) الْأَعْلَام : الشَّافِعِي ، وَأحمد ، والدارمي فِي «مسانيدهم» . وَأَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيّ ،وَالنَّسَائِيّ ، وَابْن مَاجَه ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحهمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة : «السّنَن الْكَبِير» ، و «الْمعرفَة» ، و «الخلافيات» قَالَ يَحْيَى بن معِين : إِسْنَاد جيد .
وَقَالَ الْحَاكِم : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم ، فقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته ، وَلم يخرجَاهُ ، وأظنهما - وَالله أعلم - لم يخرجَاهُ لخلاف عَلَى أبي أُسَامَة عَلَى الْوَلِيد بن كثير حَيْثُ رَوَاهُ تَارَة : عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير ، وَتارَة : عَن مُحَمَّد بن (عبَّاد) بن جَعْفَر .
قَالَ : وَهَذَا خلاف لَا يُوهن الحَدِيث ، فقد احتجَّ الشَّيْخَانِ جَمِيعًا بالوليد بن كثير ، وَمُحَمّد بن (عباد) بن جَعْفَر ، وإنَّما قرنه (أَبُو أُسَامَة) إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر ، ثمَّ حدَّث بِهِ مرّة عَن هَذَا وَمرَّة عَن ذَاك .
ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي أُسَامَة نَا الْوَلِيد بن كثير ، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير ؛ وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر ، عَن عبد الله بن عمر بِهِ .
قَالَ : فقد صحَّ وَثَبت بِهَذِهِ الرِّوَايَة صِحَة الحَدِيث ، وَظهر أَن أَبَا أُسَامَة سَاق الحَدِيث عَن الْوَلِيد بن كثير ، عَنْهُمَا جَمِيعًا ، قَالَ : وَقد تَابع الْوَلِيد بن كثير عَلَى رِوَايَته ، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير مُحَمَّد بن إِسْحَاق .
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرط مُسلم فِي عبيد الله بن عبد الله ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر ، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق ، والوليد بن كثير .
قَالَ : وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة ، عَن عَاصِم بن الْمُنْذر ، (عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عَن أَبِيه . [ و ] رَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن علية ، عَن عَاصِم بن الْمُنْذر) ، عَن رجل ، عَن ابْن عمر .
فَهَذَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق ، وَافق عِيسَى بن يُونُس ، عَن الْوَلِيد بن كثير فِي ذكر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير ، وَعبيد الله (بن عبد الله) بن عمر . وروايتهما توَافق رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره ، عَن عَاصِم بن الْمُنْذر ، (فِي ذكر عبيد الله بن عبد الله) .
فَثَبت هَذَا الحَدِيث بِاتِّفَاق أهل الْمَدِينَة والكوفة وَالْبَصْرَة عَلَى حَدِيث عبيد الله بن عبد الله ، وباتفاق مُحَمَّد بن إِسْحَاق ، والوليد بن كثير ، عَلَى روايتهما عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير . فعبيد الله ، وَعبد الله ابْنا عبد الله بن عمر مقبولان بإجماعٍ من الْجَمَاعَة فِي كتبهمْ . وَكَذَلِكَ مُحَمَّد (بن جَعْفَر) بن الزبير ، وَمُحَمّد بن عَبَّاد بن جَعْفَر ، والوليد بن (كثير) : فِي كتاب مُسلم بن الْحجَّاج ، وَأبي دَاوُد ، وَالنَّسَائِيّ . وَعَاصِم بن الْمُنْذر يُعْتَبر بحَديثه . وَابْن إِسْحَاق أخرج عَنهُ (مُسلم و) أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ .
وَعَاصِم بن الْمُنْذر اسْتشْهد (بِهِ) البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع ، وَقَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج : مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث . وَقَالَ ابْن الْمُبَارك : هُوَ ثِقَة ثِقَة ثِقَة . هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ ابْن مَنْدَه .
وَقد ذكرت فصلا فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق قبيل الْأَذَان ، وَذكرت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فَرَاجعه .
وأعَلَّ قومٌ الحديثَ بِوَجْهَيْنِ :
أَحدهمَا : الِاضْطِرَاب ، وَذَلِكَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا فِي الإِسناد ، وَالثَّانِي فِي الْمَتْن .
(أما الأول) : فَحَيْثُ رَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير تَارَة عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر ، وَتارَة عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير . وَحَيْثُ رُوِيَ تَارَة عَن (عبيد الله) بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب ، وَتارَة عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب .
وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن هَذَا لَيْسَ اضطرابًا ، بل رَوَاهُ مُحَمَّد بن عباد ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر ، وهما ثقتان معروفان . (وَرَوَاهُ) - أَيْضا - عبيد الله ، وَعبد الله ابْنا عبد الله بن عمر بن الْخطاب (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وأرضاهم) ، وهما - أَيْضا - ثقتان ، وَلَيْسَ هَذَا من الِاضْطِرَاب .
وَقد جمع اليبهقي طرقه ، وبيَّن رِوَايَة المُحَمَّدَيْن ، وَعبد الله ، وَعبيد الله ، وَذكر (طرق) ذَلِك كلهَا ، وبيَّنها أحسن بَيَان ، ثمَّ قَالَ : والْحَدِيث مَحْفُوظ عَن عبد الله وَعبيد الله .
قَالَ : وَكَذَا كَانَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ الْحَاكِم يَقُول : الحَدِيث مَحْفُوظ عَنْهُمَا ، وَكِلَاهُمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه . قَالَ : وَإِلَى هَذَا ذهب كثير من أهل الرِّوَايَة ، وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول : غلط أَبُو أُسَامَة فِي عبد الله بن عبد الله ، إِنَّمَا هُوَ عبيد الله بن عبد الله ، بِالتَّصْغِيرِ .
وَأَطْنَبَ الْبَيْهَقِيّ فِي تَصْحِيح الحَدِيث بدلائله ، فَحصل أنَّه غير مُضْطَرب . وَقد قَدَّمنا - قبل هَذَا - كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله فِي ذَلِك .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، و «علله» : رَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير عَن المُحَمَّدَيْن . فصحَّ الْقَوْلَانِ عَن أبي أُسَامَة ، وصحَّ أَن الْوَلِيد بن كثير رَوَاهُ عَن هَذَا مرّة ، وَعَن الآخر أُخْرَى .
وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : الظَّاهِر عِنْد الْأَكْثَرين صِحَة الرِّوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ فِي «التذنيب» : الْأَكْثَرُونَ صححوا الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا ، وَقَالُوا إِن عبد الله ، وَعبيد الله روياه عَن أَبِيهِمَا .
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» : لأجل هَذَا الِاخْتِلَاف تَركه البُخَارِيّ وَمُسلم ، لِأَنَّهُ عَلَى خلاف شَرطهمَا ، لَا لطعن فِي متن الحَدِيث ، فإنَّه فِي نَفسه حَدِيث مَشْهُور مَعْمُول بِهِ ، وَرِجَاله ثِقَات معدلون ، وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَاف مِمَّا يوهنه . ثمَّ ذكر مقَالَة الْحَاكِم الْمُتَقَدّمَة .
وَقَالَ الْخطابِيّ : يَكْفِي شَاهدا عَلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث : أَن نُجُوم أهل الحَدِيث صحَّحوه ، وَقَالُوا بِهِ ، واعتمدوه فِي تَحْدِيد المَاء ، وهم الْقدْوَة ، وَعَلَيْهِم الْمعول فِي هَذَا الْبَاب .
فَمِمَّنْ ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي ، وَأحمد ، وَإِسْحَاق ، وَأَبُو ثَوْر ، وَأَبُو عبيد ، وَابْن خُزَيْمَة ، وَغَيرهم .
وَقَالَ عبد الْحق : حَدِيث صَحِيح . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : هَذَا الحَدِيث حَسَّنه الحفَّاظ وصحَّحوه ، وَلَا تُقبل دَعْوَى من ادَّعى اضطرابه .
(وَأما الْوَجْه الثَّانِي : فَهُوَ أَنه قد رُوي فِيهِ) : «إِذا كَانَ المَاء قدر قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاث ، لم يُنجسهُ شَيْء» رَوَاهُ الإِمام أَحْمد .
وَفِي رِوَايَة للدارقطني : «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ، لم يُنجسهُ شَيْء» .
وَفِي رِوَايَة : لِابْنِ عدي ، والعقيلي ، وَالدَّارَقُطْنِيّ : «إِذا بلغ المَاء أَرْبَعِينَ قلَّة ، فإنَّه لَا يحمل الْخبث» .
وَالْجَوَاب عَن ذَلِك : أما الرِّوَايَتَيْنِ (الأولتين ، فهما شاذتان ، غير ثابتتين ، فوجودهما كعدمهما . قَالَه النَّوَوِيّ) فِي «شرح الْمُهَذّب» .
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : رَوَاهُمَا حَمَّاد ، واختُلف عَلَيْهِ :
فروَى عَنهُ : إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج ، وهدبة ، وكامل بن طَلْحَة ، فَقَالُوا : «قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا» .
وَرَوَى عَنهُ : عفَّان ، وَيَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ ، وَبشر بن السّري ، والْعَلَاء بن عبد الجَبَّار ، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل ، وَعبيد الله بن مُوسَى العيشي : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ» . وَلم يَقُولُوا : «أَو ثَلَاثًا» .
وَاخْتلفُوا عَن يزِيد بن هَارُون ، فروَى عَنهُ ابْن الصَبَّاح بِالشَّكِّ ، وَأَبُو مَسْعُود بِغَيْر شكّ . فَوَجَبَ الْعَمَل عَلَى قَول من لم يشك .
وَأما الرِّوَايَة الْأَخِيرَة ، فَلَيْسَتْ (من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ) فِي شَيْء ، (ذَاك) من طَرِيق ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر مَرْفُوعا ، تفرد بِهِ الْقَاسِم الْعمريّ ، عَن ابْن الْمُنْكَدر ، وَهِي مَرْدُودَة بالقاسم .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : غلط فِيهِ ، وَكَانَ ضَعِيفا فِي (الحَدِيث) ، (جَرَّحه) أَحْمد ، (وَيَحْيَى) ، وَالْبُخَارِيّ ، وَغَيرهم من الْحفاظ .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : كَانَ ضَعِيفا ، كثير الْخَطَأ ، (وَوهم) فِي إِسْنَاده ، وَخَالفهُ روح بن الْقَاسِم ، وسُفْيَان الثَّوْريّ ، وَمعمر ، (فَرَوَوْه) عَن ابْن الْمُنْكَدر ، عَن عبد الله بن [ عَمْرو ] مَوْقُوفا . وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر ، من قَوْله لم (يُجَاوِزهُ) .
وَقد رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة ، عَن أَبِيه ، قَالَ : إِذا كَانَ المَاء قدر أَرْبَعِينَ قلَّة ، لم يحمل خبثًا .
وَخَالفهُ غير وَاحِد ، فَرَوَوْه عَن أبي هُرَيْرَة ، فَقَالُوا : أَرْبَعِينَ غَرْبًا ، وَمِنْهُم من قَالَ : أَرْبَعِينَ دلوًا .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَقَول من يوافقُ قَوْله من الصَّحَابَة قَول رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقلَّتَيْنِ ، أولَى أَن يُتَّبع .
قلت : لَا جرم أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر فِي «مَوْضُوعَاته» هَذِه الرِّوَايَة الثَّالِثَة ، وَقَالَ : إنَّها لَا تصح ، (وأنَّ) الْمُتَّهم بالتخليط فِيهَا : الْقَاسِم بن [ عبد الله ] الْعمريّ ، قَالَ عبد الله بن أَحْمد : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ : أُفٍّ أُفٍّ ، لَيْسَ بِشَيْء ، وسمعته مرّة يَقُول : كَانَ يكذب ، وَفِي رِوَايَة : يضع الحَدِيث.
الْوَجْه الثَّانِي : مِمَّا أُعِلَّ بِهِ هَذَا الحَدِيث ، وَهُوَ : أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى (عبد الله) بن عمر (كَذَلِك رَوَاهُ ابْن عُلَيَّة) .
وَالْجَوَاب : أَنه (قد سبق رِوَايَته) مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من طَرِيق الثِّقَات ، فَلَا يضر تفرد وَاحِد لم (يحفظ) بوقفه .
وَقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ وَغَيره ، بالإِسناد الصَّحِيح ، عَن يَحْيَى بن معِين - إِمَام (أهل) هَذَا الشَّأْن - أَنه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث ، فَقَالَ : جيد الْإِسْنَاد ، قيل لَهُ : فَابْن علية لَمْ يرفعهُ ؟ قَالَ يَحْيَى : وإنْ لم يحفظ ابْن علية ، فَالْحَدِيث جيد الْإِسْنَاد .
(وَأَنا أتعجب) من قَول أبي عمر بن عبد الْبر فِي «تمهيده» : مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ ، مَذْهَب ضَعِيف من جِهَة النّظر ، غير ثَابت من جِهَة الْأَثر ؛ لِأَنَّهُ حَدِيث تَكَلَّم فِيهِ جمَاعَة من أهل الْعلم ؛ وَلِأَن الْقلَّتَيْنِ لَمْ يُوقَف عَلَى حَقِيقَة (مبلغهما) فِي أثر ثَابت ، وَلَا إِجْمَاع .
وَقَوله فِي «استذكاره» : حديثٌ مَعْلُول ، رَدَّه إِسْمَاعِيل القَاضِي ، وَتَكلَّم فِيهِ .
وَقد حكم الإِمام الْحَافِظ ، أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ ، الْحَنَفِيّ ، بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث ، كَمَا ذكرنَا ، لكنه اعتلَّ بِجَهَالَة قدر الْقلَّتَيْنِ .
وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك : الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ، فَقَالَ فِي «شرح الإِلمام» : هَذَا الحَدِيث قد صحَّح بَعضهم إِسْنَاد بعض طرقه ، وَهُوَ - أَيْضا - صَحِيح عَلَى طَريقَة الْفُقَهَاء ؛ لِأَنَّهُ وإنْ كَانَ حَدِيثا مُضْطَرب الإِسناد ، مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي (بعض) أَلْفَاظه - وَهِي علَّة عِنْد الْمُحدثين ، إلاَّ أَن يُجاب عَنْهَا بِجَوَاب صَحِيح - فإنَّه يُمكن أَن يُجمع بَين الرِّوَايَات ، ويُجاب عَن بَعْضهَا بطرِيق أصولي ، ويُنسب إِلَى التَّصْحِيح ، وَلَكِن تركته - (يَعْنِي) فِي «الإِلمام» - لِأَنَّهُ لم يثبت عندنَا - الْآن - بطرِيق اسْتِقْلَال يجب الرُّجُوع إِلَيْهِ شرعا تعْيين لمقدار الْقلَّتَيْنِ .
وَالْجَوَاب عَمَّا اعتذرا بِهِ : أنَّ المُرَاد قُلَّتَيْنِ بقلال هجر ، كَمَا رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، و «الْمُخْتَصر» : عَن مُسلم بن خَالِد الزِّنجيّ ، عَن ابْن جريج ، بإسنادٍ لَا يحضرني ذكره ، أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحملْ خبثًا» ، وَقَالَ فِي الحَدِيث : «بقلال هَجَر» .
قَالَ ابْن جريج : وَقد رَأَيْت قلال هجر ، فالقلَّة تسعُ قربتين ، أَو قربتين وشيئًا .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» .
وَمُسلم بن خَالِد ، وإنْ تُكُلِّم فِيهِ ، فقد وثَّقه : يَحْيَى بن معِين ، وَابْن حِبَّان ، وَالْحَاكِم ، وَأَخْرَجَا لَهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، أَعنِي ابْن حبَان وَالْحَاكِم . وَقَالَ ابْن عدي : حسنُ الحَدِيث . وَمن ضَعَّفه لَمْ يَبَيِّن سَببه ، وَالْقَاعِدَة المقررة : أنَّ الضعْف لَا يُقْبَلُ إلاَّ مُبَيَّنًا .
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : (الإِسناد) الَّذِي لم يحضر الشَّافِعِي ذكره - عَلَى مَا ذكر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ - أنَّ ابْن جريج قَالَ : أَخْبرنِي محمدٌ (أنَّ) يَحْيَى بن عقيل أخبرهُ ، أَن يَحْيَى بن يعمر أخبرهُ ، أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ ، لم يحمل خبثًا ، وَلَا بَأْسا» . قَالَ مُحَمَّد : فَقلت ليحيى بن عقيل : قلال هجر ؟ فقَالَ : قلال هجر .
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» أَيْضا .
قَالَ : وَمُحَمّد هَذَا الَّذِي حَدَّث (عَنهُ) ابْن جريج هُوَ : مُحَمَّد بن يَحْيَى ، يحدث عَن يَحْيَى بن أبي كثير ، وَيَحْيَى بن عقيل .
وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل ، فإنَّ يَحْيَى بن يعمر (تَابِعِيّ مَشْهُور) ، رَوَى عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر ، فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ من الحَدِيث الْمَشْهُور ، وَيكون ابْن يعمر قد رَوَاهُ عَن ابْن عمر ، وَيجوز أَن يكون غَيره ؛ لِأَنَّهُ يكون قد رَوَاهُ عَن غير ابْن عمر .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَمَا ذكرالإِمامان : الرَّافِعِيّ ، وَابْن الْأَثِير .
قلت : وَإِذا كَانَ مُرْسلا ، فيعتضد بِمَا رَوَاهُ ابْن عدي من رِوَايَة ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ من قلال هجر ، لم يُنجسهُ شَيْء» .
لَيْسَ فِي إِسْنَاده سُوَى : الْمُغيرَة بن [ سقلاب ] ، قَالَ ابْن أبي حَاتِم [ عَن أَبِيه ] : صَالح الحَدِيث . وَقَالَ أَبُو زرْعَة : (جزري) لَا بَأْس بِهِ .
وَهَذَا يُقَدَّم عَلَى قَول ابْن عدي : مُنكر الحَدِيث ، وَعَلَى قَول (عليّ بن) مَيْمُون الرَّقي : إنَّه لَا يُسَوِّي بَعرَة ، لجلالة الْأَوَّلين .
وَمن الْمَعْلُوم : أَن قِلال هجر كَانَت مَعْرُوفَة عِنْدهم ، مَشْهُورَة ، يدل عَلَيْهِ حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (أخْبرهُم) لَيْلَة الإِسراء (فَقَالَ) : «رُفِعَتْ إليَّ سِدرْة الْمُنْتَهَى ، فَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة ، وَإِذا نَبِقُها مثل قِلال هَجَر» .
فعُلِم بِهَذَا : أنَّ القلال عِنْدهم مَعْلُومَة ، مَشْهُورَة ، وَكَيف يُظن أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (يُحدد) لَهُم ، أَو يمثل لَهُم بِمَا لَا يعلمونه ، وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ ؟
قَالَ الشَّافِعِي : كَانَ مُسلم - يَعْنِي ابْن خَالِد الزنْجِي - يذهب إِلَى (أنَّ) ذَلِك الشَّيْء الْمَذْكُور فِي قَول ابْن جريج أقل (من نصف قربَة ، أَو نصف الْقرْبَة ، فَيَقُول : خمس قرب هُوَ أَكثر مَا يسع قُلَّتَيْنِ ، وَقد تكون)القلتان أقل من خمس .
قَالَ الشَّافِعِي : فالاحتياط أَن تكون [ الْقلَّة ] قربتين وَنصفا ، فَإِذا كَانَ المَاء خمس قرب لم يحملْ خبثًا ، فِي (جَرَيَان) ، أَو غَيره .
إلاَّ أَن يظْهر فِي المَاء ريح أَو طعم أَو لون .
قَالَ : وَقِرَب الْحجاز كبار ، فَلَا يكون المَاء الَّذِي لَا يحمل النَّجَاسَة إلاَّ بِقِرَبٍ كبار .
قلت : لِأَن الْقلَّة فِي اللُّغَة : الجرة الْعَظِيمَة ، الَّتِي يُقلها الْقوي من الرِّجَال ، أَي : يحملهَا و (يرفعها) . قَالَ الْخطابِيّ : قلال هجر مَشْهُورَة الصَّنْعَة ، مَعْلُومَة الْمِقْدَار ، لَا تخْتَلف كَمَا لَا تخْتَلف المكاييل والصيعان المنسوبة إِلَى الْبلدَانِ ، قَالَ : وقلال هجر أكبرها وأشهرها ؛ لأنَّ الْحَد لَا يَقع بِالْمَجْهُولِ .
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي «تَعْلِيقه» : قَالَ أَبُو إِسْحَاق ، إِبْرَاهِيم بن جَابر ، صَاحب «الْخلاف» : سَأَلت قوما من ثِقَات هجر ، فَذكرُوا أنَّ القلال بهَا لَا تخْتَلف ، وَقَالُوا : قايسنا الْقلَّتَيْنِ ، فوجدناهما خَمْسمِائَة رَطْل .
فَإِذا تقرر عنْدك مَا قَرَّرْنَاهُ ، ظهر لَك أنَّ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور مُتَعَيّن ، وَلَا جَهَالَة فِي مِقْدَار الْقلَّتَيْنِ .
فإنْ قُلْتَ : قد جَاءَ فِي آخر حَدِيث ابْن عمر ، الَّذِي ذكرته من طَرِيق ابْن عدي ، بعد قَوْله : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ من قلال هجر لَمْ يُنجِّسه شَيْء» . : «وَذكر (أَنَّهُمَا) فرقان» . فَلَا يَصح مَا قَرّرته ؛ لِأَن الْفرق : سِتَّة عشر رطلا ، فَيكون مَجْمُوع الْقلَّتَيْنِ : اثْنَان وَثَلَاثُونَ رطلا ، وَلَا تَقولُونَ بِهِ ؟
فَالْجَوَاب : أنَّ هَذِه اللَّفْظَة مدرجة فِي الحَدِيث ، جمعا بَينه وَبَين مَا قَرَّرْنَاهُ : من أَن قلال هجر لن تخْتَلف ، وأنهما خَمْسمِائَة رَطْل .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 63) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 23) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 322) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 16) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 41) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 362) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 471) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 200) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 375) والمنهج المقترح لفهم المصطلح - (ج 1 / ص 179) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 423) ومن ضوابط فهم السنة النبوية - (ج 1 / ص 5)
(2) - انظر شرح العراقي لألفيته ص 1/302
(3) - الكفاية ص 606
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 92)
(5) - المسند الجامع - (ج 10 / ص 31)(7189) و د (63-65) ون 1/46 وهـ (517و518) وت(67) وش 1/144(1525) ومنتقى(44) وخزيمة(92) قط 1/21 ومشكل 3/266 وهق 1/262 وك1/133و134 وحم2/38 وع(5590) وصحيح الجامع (416)
(6) - البدر المنير - (ج 1 / ص 404) فما بعدها ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 1 / ص 206-211) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 1 / ص 15)(4 - حَدِيثُ : { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا } . فالحديث صحيح ، وقد صححه جمع من السلف والخلف .(1/92)
فَائِدَة : هَجَر : بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم ، قَرْيَة بِقرب الْمَدِينَة ، لَيست هجر الْبَحْرين . كَذَا قَالَه ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ .
وَحَكَى الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» قولا آخر : أَنَّهَا تُنسب إِلَى هجر الَّتِي بِالْيمن ، وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين .
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي فِي كتاب «الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : هجَر - بِفَتْح الْجِيم - الْبَلَد ، قَصَبَة بِبِلَاد الْبَحْرين ، بَينه إِلَى (سِرَّين) سَبْعَة أَيَّام ، والهجر : بلد بِالْيمن ، بَينه وَبَين (عثر) يَوْم وَلَيْلَة .
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي «مُعْجَمه» : هَجَر - بِفَتْح أَوله وثانيه - مَدِينَة الْبَحْرين ، مَعْرُوفَة ، وَهِي مُعَرَّفة لَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام ، وَهُوَ اسْم فَارسي ، مُعرب (أَصله) «هكر» ، وَقيل : إنَّما سمي (بهجر) بنت مِكْنَف من العماليق .
وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» : هجر - وَيُقَال : الهجر بِالْألف وَاللَّام - : مَدِينَة جليلة ، قَاعِدَة الْبَحْرين ، بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل .
وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد : هِيَ عَلَى ثَمَان لَيَال من مَكَّة إِلَى الْيمن ، مِمَّا يَلِي الْبَحْر . قَالَه فِي «مغازيه» .
وَمَا ذكره ابْن دحْيَة - أَولا - تبع فِيهِ صَاحب «الْمطَالع» ، (فَإِنَّهُ قَالَ) : وهجر مَدِينَة بِالْيمن ، وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين ، بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم ، وَيُقَال فِيهِ : الهجر بِالْألف وَاللَّام بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل .
فَائِدَة أُخرى :
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : «لم يحمل الْخبث» ، مَعْنَاهُ : لَمْ ينجس بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ . كَمَا فَسَّره فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ، الَّتِي (رَوَاهَا) أَبُو دَاوُد ، وَابْن حبَان ، وَغَيرهمَا : «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ ، لم ينجس» .
وَهَذِه الرِّوَايَة : ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي ، وَهِي صَحِيحَة من غير شكّ وَلَا مرية ، لَا مطْعن لأحد فِي اتصالها ، وثقة رجالها . قَالَ يَحْيَى بن معِين : إسنادها جيد ، وَقَالَ الْحَاكِم : صَحِيح .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : مَوْصُول . وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين : لَا غُبَار عَلَيْهِ .
وتقديرها : لَا يقبل النَّجَاسَة ، بل يَدْفَعهَا عَن نَفسه ، كَمَا يُقال : فلَان لايحمل الضَّيْم ، أَي : لَا يقبله ، وَلَا يصبر عَلَيْهِ ، (بل) يأباه .
وقَالَ النَّوَوِيّ : وَأما قَول بعض المانعين للْعَمَل بالقلتين : إِن مَعْنَاهُ أَنه يَضْعُف عَن حمله . (فخطأ) فَاحش من أوجه :
أَحدهَا : أَن الرِّوَايَة الْأُخْرَى مصرحة بغلطه ، وَهِي قَوْله : «لم ينجس» .
الثَّانِي : أَن الضعْف عَن الْحمل إِنَّمَا يكون فِي الْأَجْسَام ، كَقَوْلِك : فلانٌ لايحمل الْخَشَبَة ، أَي : يعجز عَنْهَا لثقلها . وَأما فِي الْمعَانِي فَمَعْنَاه : لَا يقبله ، كَمَا ذكرنَا .
ثَالِثهَا : أنَّ سِيَاق الْكَلَام يُفْسِدهُ ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد : أَنه يضعف عَن حمله ، لم يكن للتَّقْيِيد بالقلتين مَعْنَى ، فإنَّ مَا دونهَا أولَى بذلك .
فَإِن قيل : هَذَا الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر بالإِجماع فِي الْمُتَغَيّر بِنَجَاسَة ؟
فَالْجَوَاب : أَنه عَام ، خص مِنْهُ الْمُتَغَيّر بِالنَّجَاسَةِ ، فَيَبْقَى الْبَاقِي (عَلَى) عُمُومه ، كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ .
فإنْ قيل : هَذَا الحَدِيث (يحمل) عَلَى الْجَارِي .
فَالْجَوَاب : أَن الحَدِيث يتَنَاوَل الْجَارِي والراكد ، فَلَا يَصح تَخْصِيصه بِلَا دَلِيل . "
---------------
وحديثُ: «خلقَ الله المَاء طَهُورًا لا يُنجسه شيء, إلاَّ ما غيَّر طَعْمه, أو لَوْنه, أو ريحه» .
قال ابن الملقن رحمه الله(1):
" رُوي أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «خَلَقَ اللهُ الماءَ طهُورا ، لَا يُنَجِّسُهُ شيءٌ ، إلاَّ مَا غَيَّر طعمه ، أَو رِيحه» .
اعْلَم : أَن صدر هَذَا الحديثَ صحيحٌ ، كَمَا تقدم الْآن من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ السَّابِق ، وَلم أرَ فِيهِ لفظ : «خلق الله» ، فَتنبه لَهُ ، وَرُوِيَ أَيْضا من طُرُق أُخر :
فأولها : عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، قَالَ : «انتهينا إِلَى غَدِير ، فَإِذا فِيهِ جيفة حمَار ، قَالَ : فَكَفَفْنَا عَنهُ ، حتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : إنَّ الماءَ لَا يُنجسهُ شيءٌ فاستقينا وحملنا» .(2)رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح ، لَوْلَا (طريف) بن شهَاب السَّعْدِيّ ، فإنَّه واهٍ مَتْرُوك عِنْدهم ، حتَّى قَالَ فِيهِ ابْن حبَان : إِنَّه كَانَ (مغفلاً ، يَهِمُ) فِي الْأَخْبَار ، حتَّى يقلبها ، ويروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات .
لَكِن يَقع فِي بعض نسخه (بدله) طَارق بن شهَاب ، فإنْ صَحَّ - مَعَ بعده - فَهُوَ الأحمسي ، صَحَابِيّ ، فَيصح السَّنَد .
الطَّرِيق الثَّانِي : عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «المَاء لايُنَجِّسُهُ شَيْء» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ،وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث : سماك بن حَرْب ، عَن عِكْرِمَة ، عَنهُ .
وَرَوَاهُ إِمَام الْأَئِمَّة ، مُحَمَّد بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَذَلِك ، لَكِن لَفظه : عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «أَرَادَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَن يتَوَضَّأ ، فَقَالَت امْرَأَة من نِسَائِهِ : يَا رَسُول الله قد توضَّأتُ من هَذَا . فَتَوَضَّأ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ : المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» - أَيْضا - بِلَفْظ : اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - من) جَفْنَة ، فجَاء رَسُول الله يغْتَسل مِنْهَا ، أَو يتَوَضَّأ ، فَقَالَت : يَا رَسُول الله ، إنِّي كنت جُنبًا . فَقَالَ : إنَّ المَاء لَا يَجْنُب» .
وَهُوَ فِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث سماك ، عَن عِكْرِمَة ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي جَفْنَةٍ ، فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يتَوَضَّأ (مِنْهَا أَو يغْتَسل) ، فَقَالَت : يَا رَسُول الله ، إِنِّي كنت جُنبًا . فَقَالَ : إنَّ الماءَ لَا يَجْنُب» قَالَ التِّرْمِذِيّ : حسن صَحِيح .
وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ ، عَن شريك ، عَن سماك ، فسمَّاها : مَيْمُونَة .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاق ، عَن وَكِيع ، عَن سُفْيَان ، عَن سماك ، أَن مَيْمُونَة ...
قَالَ الْحَازِمِي : لَا يُعْرَف مُجَوَّدًا إلاَّ من حَدِيث سماك ، وَسماك فِيمَا ينْفَرد بِهِ رَدَّه بعض الْأَئِمَّة ، (وقَبِلَه) الْأَكْثَرُونَ .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم : قد احْتج البُخَارِيّ بِأَحَادِيث عِكْرِمَة ، وَاحْتج مُسلم بِأَحَادِيث سماك بن حَرْب ، وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فِي الطَّهَارَة ، وَلَا تحفظ لَهُ عِلّة .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : ورُوي مُرْسَلاً . قَالَ : وَمن أسْندهُ أحفظ .
قلت : وأمَّا ابْن حزم (فإنَّه وَهَّاه) فِي «محلاه» فَقَالَ : هَذَا حَدِيث لَا يصحّ ، (لِأَنَّهُ بِرِوَايَة) سماك بن حَرْب ، وَهُوَ يقبل التَّلْقِين ، شهد عَلَيْهِ بذلك شُعْبَة وَغَيره ، (وَهَذِه جُرحة ظَاهِرَة) .
الطَّرِيق الثَّالِث : عَن سهل بن سعد قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
رَوَاهُ قَاسم بن أصبغ - كَمَا تقدم فِي الحَدِيث قبله - بِسَنَد حسن ، وَالدَّارَقُطْنِيّ ، من حَدِيث مُحَمَّد بن مُوسَى (الْحَرَشِي) ، عَن (فُضَيْل) بن سُلَيْمَان النميري ، عَن أبي حَازِم ، عَن سهل .
و (فُضَيْل) هَذَا : تكلَّم فِيهِ يَحْيَى ، وَأَبُو زرْعَة ، وَأَبُو حَاتِم . لَكِن احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ،وَمُحَمّد هَذَا : وَهَّاه أَبُو دَاوُد ، ووثَّقه غَيره .
الطَّرِيق الرَّابِع : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث : شريك ، عَن الْمِقْدَام بن شُريح ، عَن أَبِيه ، عَن عَائِشَة . ثمَّ قَالَ : لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن الْمِقْدَام إلاَّ شريك . وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» بِحَذْف إِن .
الطَّرِيق الْخَامِس : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، قَالَ : «سُئِلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن بِئْر بضَاعَة ، فَقَالَ : «المَاء طهُور ، لَا يُنجسهُ شَيْء».
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَنهُ ، وَقَالَ : إنَّه حَدِيث غير ثَابت .
وَأما الِاسْتِثْنَاء الْوَاقِع فِي آخِره ، فَروِيَ أَيْضا من طَرِيقين :
أَحدهمَا : عَن ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المَاء طهُور ، إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه ، أَو طعمه» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث رشدين ، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح ، عَن رَاشد بن سعد عَنهُ .
وَرشْدِين هَذَا : هُوَ ابْن سعد - وَيُقَال : ابْن أبي رشدين - وَهُوَ ضَعِيف ، قَالَ يَحْيَى : لَيْسَ بِشَيْء . وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي ، وَأَبُو زرْعَة ، وَالدَّارَقُطْنِيّ : ضَعِيف . وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : مُنكر الحَدِيث ، فِيهِ غَفلَة ، يحدث بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات . وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث . وَضَعفه أَحْمد ، وَقَالَ فِي رِوَايَة : هُوَ رجل صَالح ، وَلكنه لَا يُبَالِي عمَّن يروي . وَمرَّة قَالَ : أَرْجُو أنَّه صَالح الحَدِيث . وَقَالَ ابْن يُونُس : كَانَ رجلا صَالحا ، لَا يُشَكُّ فِي صَلَاحه وفضله ، فَأَدْرَكته غَفلَة الصَّالِحين ، فَخَلَّط فِي الحَدِيث . وَقَالَ الْجوزجَاني : عِنْده (معاضيل) ، ومناكيره كَثِيرَة ، وَسمعت ابْن أبي مَرْيَم يثني عَلَيْهِ فِي دينه .
قَالَ ابْن حبَان : كَانَ يقْرَأ كل مَا (دفع) إِلَيْهِ ، سَوَاء كَانَ من حَدِيثه أَو لم يكن . وَكَذَلِكَ قَالَ (قُتَيْبَة) .
وَقَالَ ابْن عدي : رشدين ضَعِيف ، وَقد خُصَّ نَسْله بالضعف : حجاج بن رشدين ، وَمُحَمّد بن الْحجَّاج ، وَأحمد بن مُحَمَّد .
وَمُعَاوِيَة بن صَالح : هُوَ قَاضِي الأندلس ، وَهُوَ ثِقَة ، كَمَا قَالَ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَغَيرهمَا . وَأما رَاشد بن سعد : فوثَّقه ابْن معِين ، وَأَبُو حَاتِم ، وَابْن سعد ، وَقَالَ أَحْمد : لَا بَأْس بِهِ ، وشذَّ ابْن حزم ، فَقَالَ : ضَعِيف . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : يُعتبر بِهِ ، لَا بَأْس) .
أخرج لَهُ مُسلم ، وَقَالَ يَحْيَى : هُوَ صَالح . وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : لَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ غير رشدين ، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ .
الطَّرِيق الثَّانِي : عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء ، إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه وطعمه ولونه».
وَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين :
أَحدهمَا مُسندَة : رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مَحْمُود بن خَالِد ، وَغَيره ، عَن مَرْوَان بن مُحَمَّد ، نَا رشدين ، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح ، عَن رَاشد بن سعد ، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا كَمَا تقدم .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» ، من حَدِيث مُحَمَّد بن يُوسُف الغضيضي ، عَن رشدين (بن) سعد ، عَن مُعَاوِيَة بِهِ . وَلم يذكرَا : «ولونه» .
قَالَ الطَّبَرَانِيّ : لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن مُعَاوِيَة بن صَالح إلاَّ رشدين ، تَفرَّد بِهِ مُحَمَّد بن يُوسُف .
قلت : لَا ، فقد تَابعه مَرْوَان بن مُحَمَّد ، كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه ، وَالْبَيْهَقِيّ فِيمَا سلف .
وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» - أَيْضا - من حَدِيث مَرْوَان بن مُحَمَّد الطاطري ، عَن رشدين بِهِ .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا - من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد ، عَن [ رَاشد ] بن سعد بِهِ ، وَلَفظه : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يُنجسهُ شَيْء ، إلاَّ مَا غلب رِيحه أَو طعمه» . وَقَالَ : كَذَا وجدته ، وَلَفظ الْقلَّتَيْنِ فِيهِ غَرِيب .
قَالَ ابْن عدي : وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ يرويهِ عَن ثَوْر إلاَّ حَفْص بن عمر .
قلت : قد رَوَاهُ بَقِيَّة أَيْضا عَنهُ ، أخرج ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَلَفظه : «إنَّ المَاء طَاهِر ، إلاَّ إنْ تغيَّر رِيحه ، أَو طعمه ، أَو لَونه بِنَجَاسَة تحدث فِيهِ» .
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة : مُرْسلَة رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْأَحْوَص بن حَكِيم ، عَن رَاشد بن سعد قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه أَو طعمه» .وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِزِيَادَة : «أَو لَونه» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذَا مُرْسل ، قَالَ : وَوَقفه أَبُو أُسَامَة عَلَى رَاشد . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ : الصَّحِيح أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ رشدين بن سعد ، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح ، عَن رَاشد ، (عَن) أبي أُمَامَة مَرْفُوعا ، وَخَالفهُ الْأَحْوَص بن حَكِيم فَرَوَاهُ عَن رَاشد بن سعد مُرْسلا ، عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - . وَقَالَ أَبُو أُسَامَة : عَن الْأَحْوَص ، عَن رَاشد قَوْله وَلم (يُجَاوز بِهِ راشدًا) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : وَلَا يثبت الحَدِيث .
قلت : فَتَلَخَّصَ أَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور ضعيفٌ ، لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ ، لِأَنَّهُ مَا بَين مُرْسل وَضَعِيف .وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى تَضْعِيفه .
وَقد أَشَارَ إمامنا الْأَعْظَم ، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي إِلَى ضعفه فَقَالَ : وَمَا قلت من أنَّه إِذا تغيَّر طعم المَاء وريحه ولونه كَانَ نجسا ، يُروى عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من وَجه لَا يُثْبِتُ أهل الحَدِيث مثله ، وَهُوَ قَول الْعَامَّة ، لَا أعلم بَينهم (خلافًا) . وَتَابعه عَلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ ، فَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث غير قوي ، (إلاَّ أنَّا) لَا نعلم (فِي) نَجَاسَة المَاء إِذا تغيَّر خلافًا .
وَابْن الْجَوْزِيّ ، (قَالَ) فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح .
فَإِذا عُلم ضعف الحَدِيث ، تعيَّن الِاحْتِجَاج بالإِجماع ، كَمَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ ، وَغَيرهمَا ، (من الْأَئِمَّة) .
قَالَ ابْن الْمُنْذر : أَجمع الْعلمَاء عَلَى أنَّ المَاء الْقَلِيل أَو الْكثير ، إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة ، فغيَّرت طعمًا أَو لونًا أَو ريحًا فَهُوَ نجس .
وَنقل الإِجماع كَذَلِك جمع (غَيره) .
وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الحَدِيث بعد هَذَا الْبَاب بِلَفْظ : «الطّعْم والرائحة» دون «اللَّوْن» ثمَّ قَالَ : نُصَّ عَلَى الطّعْم وَالرِّيح ، وقاس الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اللَّوْن عَلَيْهِمَا .
وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قلَّد فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ ، فإنَّه قَالَ فِي «(الْمُهَذّب») ، (كقولته) ، وَلم يقفا رحمهمَا الله عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا «اللَّوْن» الَّتِي قَدَّمناها من طَرِيق ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ .فَإِن قلت : لعلهما رأياها فتركاها لأجل ضعفها ونَزَّلا وجودهَا وَالْحَالة هَذِه كعدمها؟ قلت : هَذَا لَا يصحّ ، لِأَنَّهُمَا لَو رَاعيا الضعْف واجتنباه ، لتركا جملَة الحَدِيث ، لضَعْفه الْمُتَّفق عَلَيْهِ .
وَاعْلَم : أَن هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي ، وَوَقعت لنا مَعَه فِيهِ مناقشة ، فإنَّه قَالَ : وَقَالَ مَالك : لَا ينجس المَاء الْقَلِيل إلاَّ بالتغيُّر كالكثير ، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : «خُلَقَ المَاء طهُورا ، لَا يُنَجِّسه شَيْء ، إلاَّ مَا غَيَّر طعمه أَو رِيحه» ، وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ ، وَالشَّافِعِيّ حمل هَذَا الْخَبَر عَلَى الْكثير ؛ لِأَنَّهُ ورد فِي بِئْر بضَاعَة ، وَكَانَ ماؤهاكثيرًا . انْتَهَى .
وَهَذِه الدَّعْوَى : أَن هَذَا الْخَبَر ورد فِي (بِئْر) بضَاعَة لَا تُعرف ؛ نعم صَدْرُه ورد فِيهَا كَمَا قَدمته ، وَأما هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَفِي حَدِيث آخر كَمَا قَرّرته لَك فاعلمه .
والإِمام الرَّافِعِيّ ، الظَّاهِر أَنه تبع الْغَزالِيّ فِي هَذِه الدَّعْوَى ، فقد ذكر ذَلِك فِي «الْمُسْتَصْفَى» حَيْثُ قَالَ (لما) سُئِلَ عَن بِئْر بضَاعَة فَقَالَ : خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إلاَّ مَا غيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه» .
وَوَقع فِي «الْكِفَايَة» لِابْنِ الرّفْعَة ، عزو الِاسْتِثْنَاء إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد ، (فَقَالَ : وَرِوَايَة أبي دَاوُد) : «خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إلاَّ مَا غير طعمه أَو رِيحه» وَهَذَا لَيْسَ فِي أبي دَاوُد فاعلمه ."
قلتُ :
فإنَّ الأوَّلَ ظَاهرهُ طَهَارةُ القُلَّتين, تغيَّرَ أم لا, والثَّاني ظاهرُه طهارة غير المُتغيِّر, سواء كانَ قُلَّتين أم أقل, فخصَّ عُموم كلٍّ منهما بالآخر.(3)
-----------------
مثال آخر :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ عَدْوَى ، وَلاَ صَفَرَ ، وَلاَ هَامَةَ » . فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ » .
وَعَنْ أَبِى سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » . وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ قُلْنَا أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لاَ عَدْوَى فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ .قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِىَ حَدِيثًا غَيْرَهُ(4)
وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ » .(5)
__________
(1) - البدر المنير - (ج 1 / ص 393) فما بعدها
(2) - سنن ابن ماجه(562)
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 92)
(4) - صحيح البخارى (5770و5771 ،5707 ، 5717 ، 5757 ، 5773 ، 5775 )
(5) - صحيح البخارى (5707 ) معلقاً بصيغة الجزم ومسند أحمد (9973) وهو صحيح
وفي المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 366): وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يَحُلُّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ الْمُمْرِضُ ذُو الْمَاشِيَةِ الْمَرِيضَةِ وَالْمُصِحُّ ذُو الْمَاشِيَةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ : عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ : النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ ، أَوْ غَنَمِهِ الجربة فَيَحُلَّ بِهَا عَلَى مَاشِيَةٍ صَحِيحَةٍ فَيُؤْذِيَهُ بِذَلِكَ قَالَ : وَلَكِنَّهُ عِنْدِي مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَا عَدْوَى قَالَ : الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا عَدْوَى إِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالتَّكْذِيبِ بِقَوْلِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْعَدْوَى فَلَا يَكُونُ نَاسِخًا وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى النَّهْيِ يُرِيدُ لَا تَكْرَهُوا دُخُولَ الْبَعِيرِ الْجَرِبِ بَيْنَ إبِلِكُمْ غَيْرَ الجربة وَلَا تَمْنَعُوا ذَلِكَ وَلَا تَمْتَنِعُوا مِنْهُ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا قَالَ : أَوَّلًا وَإِنْ تَعَلَّقْنَا بِالظَّاهِرِ فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : لَا عَدْوَى وَرَدَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِمَا وَرَدَ بَعْدَهُ ، أَوْ لِمَا لَا يَدْرِي وَرَدَ قَبْلَهُ ، أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ إنَّمَا يَكُونُ نَاسِخًا لِحُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ قَبْلَهُ . وَقَالَ : يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْمُزَنِيَّةِ : سَمِعْت أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ بِهِ الْجُذَامُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ الصَّحِيحُ مَعَهُ وَلَا يَنْزِلَ عَلَيْهِ يُؤْذِيَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي فَالنَّفْسُ تَنْفِرُ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إنَّهُ أَذًى فَهَذَا تَنْبِيهٌ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ لِلْأَذَى لَا لِلْعَدْوَى وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلْيَنْزِلْ مَحَلَّةَ الْمَرِيضُ إِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ قِيلَ لَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ ، أَوْ غَنَمِهِ الجربة فَيَحِلَّ بِهَا الْمُورَدَةَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَاشِيَةَ قَالَ : لَعَلَّهُ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ وَمَا سَمِعْته وَإِنِّي لَأَكْرُهُ لَهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ إِنْ كَانَ يَجِدُ غِنًى عَنْ ذَلِكَ الْمَوْرِدِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ بِهِ الْمَرَضُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مُورَدَةَ الْأَصِحَّاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ غِنًى عَنْهَا فَيَرِدُهَا وَقَدْ رَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَا عَدْوَى وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ : أَبُو سَلَمَةَ ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَقَامَ عَلَى أَنْ يُورِدَ مُمْرِضٍ عَلَى مُصِحٍّ فَقَالَ : الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رِئَابٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ كُنْت أَسْمَعُك تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ تَقُولُ لَا عَدْوَى فَأَبَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ فِي ذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْحَارِثُ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ لَهُ بِالْحَبَشِيَّةِ فَقَالَ : لِلْحَارِثِ أَتَدْرِي مَاذَا قُلْت قَالَ : أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْت أَتَيْت قَالَ : أَبُو سَلَمَةَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَا عَدْوَى فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ قَالَ : الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو سَلَمَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا عَدْوَى وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ وَيَصِحُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ عَرَفَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا قَالَ : الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : لَا عَدْوَى إنَّمَا نَفَى بِهِ أَنْ يَكُونَ لِمُجَاوَرَةِ الْمَرِيضِ تَأْثِيرٌ فِي مَرَضِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ابْتِدَاءً كَمَا فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ ابْتِدَاءً وَأَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهَذَا الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى . وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْبَارِئُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْخَالِقُ لِلْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ فَنَفَى بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا عَدْوَى اعْتِقَادَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُجَاوَرَةِ الْمَرِيضِ الصَّحِيحَ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى عَادَةٍ فَقَدْ يُجَاوِرُ الْمَرِيضُ الصَّحِيحَ فَلَا يَمْرَضُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ اسْتِضْرَارًا غَيْرَ التَّكَرُّهِ لِمُجَاوَرَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مُجَاوَرَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِنَهْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّك إِذَا اسْتَضْرَرْت بِرَائِحَتِهِ وَكَرِهْت مُجَاوَرَتَهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ : يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي قَرْيَتِهِمْ شُرَكَاءَ فِي أَرْضِهَا وَمَائِهَا وَجَمِيعِ أَمْرِهَا فَيُجْذَمُ بَعْضُهُمْ فَيَرِدُونَ الْمُسْتَقَى بِآنِيَتِهِمْ فَيَتَأَذَّى بِهِمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَيُرِيدُونَ مَنْعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانُوا يَجِدُونَ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ غِنًى مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهِمْ ، أَوْ يَقْوَوْنَ عَلَى اسْتِنْبَاطِ بِئْرٍ أَوْ إجْرَاءِ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهِمْ وَلَا فَدْحٍ بِهِمْ فَأَرَى أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ وَلَا يُضَارُّوا وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُونَ عَنْ ذَلِكَ غِنًى إِلَّا بِمَا يَضُرُّهُمْ ، أَوْ يَفْدَحُهُمْ قِيلَ لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِمْ وَيَشْتَكِي ذَلِكَ مِنْهُمْ اسْتَنْبِطْ لَهُمْ بِئْرًا ، أَوْ أَجْرِ لَهُمْ عَيْنًا ، أَوْ أَقِمْ مَنْ يَسْتَقِي لَهُمْ مِنْ الْبِئْرِ إِنْ كَانُوا لَا يَقْوَوْنَ عَلَى اسْتِنْبَاطِ بِئْرٍ ، أَوْ إجْرَاءٍ وَيُكْفَوْنَ عَنْ الْوُرُودِ عَلَيْكُمْ وَإِلَّا فَكُلُّ امْرِئٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ وَالضَّرَرُ مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأً مِنْ مَالِهِ وَلَا يُقِيمُ لَهُ عِوَضًا مِنْهُ .(1/93)
وقد سلكَ النَّاسُ في الجَمْعِ مَسَالكَ:
أحدها: أنَّ هذه الأمْرَاض لا تُعدي بطبعها, لكن الله تَعَالى جعلَ مُخَالطة المَرِيض بها, للصَّحيح سببًا لإعدائه مرضه, وقد يتخلَّف ذلك عن سببه, كما في غيره من الأسْبَاب, وهذا المَسْلك هو الَّذي سلكهُ ابن الصَّلاح(1).
الثَّاني: أَنْ يُقالَ : إِنَّ نَفْيَهُ - صلى الله عليه وسلم - للعَْدوى باقٍ على عُمومِهِ ، وقد صحَّ قوله صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ : (( لا يُعْدِى شيءٌ شيئاً )) ، وقولُه صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ لِمَن عارَضَهُ : بأَنَّ البَعيرَ الأجْرَبَ يكونُ في الإِبلِ الصَّحيحةِ ، فيُخالِطُها ، فتَجْرَبُ ، حيثُ ردَّ عليهِ بقولِه : (( فمَنْ أَعْدى الأوَّلَ ؟ )) ؛ يعني : أَنَّ الله [ سبحانَه و ] تعالى ابتَدَأَ ذلك في الثَّاني كما (( في )) ابْتَدَأَفي الأوَّلِ .
وأَمَّا الأمرُ بالفِرارِ مِن المَجْذومِ فمِن بابِ سدِّ الذَّرائعِ ؛ لئلاَّ يَتَّفِقَ للشَّخْصِ الذي يخُالِطُه شيءٌ مِن ذلك بتقديرِ اللهِ (( سبحانه و )) تعالى ابتداءً لا بالعَدْوى المَنْفِيَّة ، فيَظُنَّأَنَّ ذلك بسببِ مُخالطتِه فيعتقدَ صِحَّةَ العَدْوى ، فيقعَ في الحَرَجِ ، فأَمَرَ بتجنُّبِه حسْماً للمادَّةِ ، [ والله أعلم ] ، وهذا المَسْلك هو الَّذي اختارهُ شيخ الإسْلام.(2)
الثَّالثُ: أنَّ إثبات العدوَى في الجُذَام ونحوه مخصوص من عُموم نفي العدوَى, فيَكُون معنى قولهُ: «لا عدوَى». أي: إلاَّ من الجُذام ونحوه, فكأنَّه قال: لا يعدي شيء شيئا, إلاَّ فيما تقدَّم تبييني له أنَّه يُعدي, قاله القاضي أبو بكر الباقلاني.
الرَّابع: أنَّ الأمر بالفِرَار رعاية لخاطر المجذوم, لأنَّه إذا رأى الصَّحيح تَعْظُم مصيبته, وتزداد حسرتهُ, ويُؤيده حديث: «لا تُديموا النَّظر إلى المَجْذومين»(3)
فإنَّه مَحْمولٌ على هذا المعنى, وفيه مسالك أُخر.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 63) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 93) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 17) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 471)
(2) - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 17)
(3) - هـ ( 3672) وطب 3/143 (2829 ) وش 8/132 و 9/44 (25032 و26935) ومجمع 5/100 و 101 وفتح 10/159 وتخ 1/138 وهق 7/219 (14638 ) وحم 1/276 (591 ) وصحيح الجامع ( 7269 ) وطس(11319 ) صحيح لغيره(1/94)
والقسمُ الثَّاني: لا يُمكن بوجْهٍ, فإنْ عَلمنَا أحدهُمَا ناسخًا قدَّمناهُ, وإلاَّ عملنا بالرَّاجح, كالتَّرْجيح بصفَاتِ الرُّواة وكَثْرتهم في خمسين وجها. "(1)
"[و] القسم [الثَّاني لا يُمكن] الجمع بينهما [بوجه, فإن علمنا أحدهما ناسخًا] بطريقة ممَّا سبق [قدَّمناه, وإلاَّ عملنا بالرَّاجح] منهما [كالتَّرجيح بصفات الرُّواة] أي: كَوْن رُواة أحدهما أتقن وأحفظ, ونحو ذلك مِمَّا سيذكر [وكثرتهم] في أحد الحديثين [في خمسين وجهًا] من المُرَجحات, ذكرها الحازمي في كتابه «الاعتبار في النَّاسخ والمنسوخ» ووصلها غيره إلى أكثر من مئة, كما استوفى ذلك العِرَاقي في «نكته».
وقد رأيتها مُنْقسمة إلى سَبْعة أقْسَام:
الأوَّل: التَّرجيح بحال الرَّاوي وذلك بوجُوه:
أحدها: كثرة الرُّواة, كما ذكر المُصنِّف, لأنَّ احتمال الكذب والوَهْم على الأكثر, أبعد من احتماله على الأقل.
ثانيها: قِلَّة الوسائط, أي: عُلو الإسْنَاد, حيث الرِّجال ثقات, لأنَّ احتمال الكذب والوهم فيه أقل.
ثالثها: فقه الرَّاوي, سَوَاء كان الحديث مَرْويًا بالمعنى, أو اللفظ, لأنَّ الفقيه إذا سمع ما يمتنع حملهُ على ظاهره بحث عنه, حتَّى يطلع على ما يزول به الإشْكَال, بخلاف العامي.
رابعها: علمه بالنَّحو, لأنَّ العالم به يتمكَّن من التحفُّظ عن مواقع الزَّلل ما لا يتمكَّن منهُ غيره.
خامسها: علمه باللُّغة.
سادسها: حفظهُ, بخلاف من يعتمد على كتابه.
سابعها: أفضليتهُ في أحد الثَّلاثة, بأن يكونَا فَقِيهين, أو نَحَويين, أو حافظين, وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.
ثامنها: زيادةُ ضبطه, أي اعتناؤه بالحديث, واهتمامه به.
تاسعها: شُهرته لأنَّ الشُّهرة تمنع الشَّخص من الكذب, كما تمنعهُ من ذلك التقوى.
عاشرها إلى العشرين: كونه ورعًا, أو حسن الاعتقاد - أي: غير مبتدع - أو جليسًا لأهل الحديث, أو غيرهم من العُلماء, أو أكثر مُجَالسة لهم, أو ذكرًا, أو حُرًّا, أو مشهور النَّسب, أو لا لبس في اسمه, بحيث يشاركه فيه ضعيف, وصعب التمييز بينهما, أو له اسم واحد, ولذلك أكثر ولم يختلط, أو له كتاب يُرجع إليه.
حادي عشرينها: أن تثبت عدالته بالإخبار, بخلاف من تثبت بالتَّزكية, أو العمل بروايته, أو الرِّواية عنه, إن قلنا بهما.
ثاني عشرينها إلى سابع عشرينها: أن يعمل بخبره من زكَّاه, ومعارضه لم يعمل به من زكَّاه, أو يتَّفق على عدالته, أو يُذكر سبب تعديله, أو يكثُر مُزكُّوه, أو يكُونوا عُلماء, أو كثيري الفحص عن أحْوَال النَّاس.
ثامن عشرينها: أن يَكُون صاحب القِصَّة, كتقديم خبر أم سَلَمة زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الصَّوم لمن أصبحَ جُنبًا. على خبر الفضل بن العبَّاس في منعه, لأنَّها أعلم منه.(2)
تاسع عشرينها: أن يُبَاشر ما رواه.
الثَّلاثون: تأخُّر إسلامه. وقيلَ: عكسه لقوة أصالة المُتقدَِّم ومعرفته. وقيلَ: إن تأخَّر موته إلى إسْلام المُتأخِّر, لم يرجح بالتأخير, لاحتمال تأخُّر رِوَايته عنهُ, وإن تقدَّم, أو علم أن أكثر رُواياته مُتقدِّمة على رواية المُتأخِّر رُجِّح.
الحادي والثَّلاثون إلى الأرْبعين: كونهُ أحسن سِيَاقًا واستقصَاء لحديثه, أو أقرب مكانًا, أو أكثر مُلازمة لشيخه, أو سمع من مشايخ بلدهِ, أو مُشَافهًا مُشاهدًا لشيخه حال الأخذ, أو لا يُجيز الرِّواية, بالمعنى, أو الصَّحابي من أكابرهم, أو علي - رضي الله عنه - وهو في الأُقْضية, أو مُعاذ, وهو في الحلال والحرام, أو زيد, وهو في الفرائض(3), أو الإسْنَاد حِجَازي(4), أو رُوَاته من بلد لا يرضُون التَّدْليس.
القِسْم الثَّاني: التَّرجيحُ بالتحمُّل, وذلك بوجوه:
أحدها: الوقت, فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلاَّ بعد البُلوغ, على من كان بعض تحمُّله قبله, أو بعضه بعده, لاحتمال أن يَكُون هذا مِمَّا قبله, والمتحمل بعده أقوى, لتأهله للضَّبط.
ثانيها وثالثها: أن يتحمَّل بحدَّثنا, والآخر عرضًا, أو عرضًا والآخر كِتَابة, أو مُنَاولة, أو وجَادة.
القِسْم الثَّالث: التَّرجيح بكيفية الرِّواية, وذلك بوجُوه.
أحدها: تقديم المَحْكي بلفظه, على المَحْكي بمعناه, والمُشْكُوك فيه, على ما عرف أنَّه مَرْوي بالمَعْنَى.
ثانيها: ما ذُكر فيه سبب ورُوده, على ما لَمْ يَذْكر فيه, لدلالته على اهتمام الرَّاوي به, حيث عرف سببه.
ثالثها: أن لا يُنكره راويه, ولا يتردَّد فيه.
رابعها إلى عاشرها: أن تَكُون ألفاظه دالة على الاتِّصال, كحدَّثنا, وسمعتُ, أو اتُّفِق على رفْعهِ, أو وصله, أو لم يُختلف في إسناده, أو لم يضطرب لفظه, أو رُوي بالإسناد, وعُزي ذلك لكتاب معروف, أو عزيز, والآخر مشهور.
القسم الرَّابع: التَّرجيح بوقت الورود, وذلك بوجوه:
أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المَكِّي(5), والدال على عُلو شأن المُصطفَى - صلى الله عليه وسلم - على الدَّال على الضَّعف: كـ: « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ».(6). ثمَّ شهرته, فيكون الدَّال على العلو متأخِّرًا.
ثالثها: ترجيح المُتضمِّن للتَّخفيف, لدلالته على التأخُّر, لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يغلظ في أوَّل أمره, زجرًا عن عادات الجَاهلية, ثمَّ مال للتخفيف(7).
كذلك قال صاحب «الحاصل» و«المنهاج» ورجَّح الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عكسه, وهو تقديم المُتضمِّن للتغليظ, وهو الحق, لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - جَاء أولاً بالإسلام فقط, ثمَّ شُرعت العبادات شيئا فشيئا.(8)
رابعها: تَرْجيح ما تحمَّل بعد الإسْلام, على ما تحمَّل قبله, أو شكَّ لأنَّه أظهر تأخرًا.
خامسهَا وسَادسها: تَرْجيح غير المُؤرخ, على المُؤرخ بتاريخ مُتقدِّم, وترجيح المُؤرخ بمُقَارب بوفَاته - صلى الله عليه وسلم - , على غير المؤرخ.
قال الرَّازي: والتَّرجيح بهذه السِّتة, أي: إفَادتها للرُّجْحان غير قوية.
القِسْمُ الخامس: التَّرجيح بلفظِ الخبر, وذلك بوجوه(9):
أحدها إلى الخامس والثلاثين: تَرْجيح الخاص على العام, والعام الَّذي لم يُخصص على المُخصَّص, لضعف دلالته بعد التخصيص, على باقي أفْرَاده, والمُطْلق على ما ورد على سبب, والحقيقة على المَجَاز, والمَجَاز المُشبِه للحقيقة على غيره, والشَّرعية على غيرها, والعُرفية على اللُّغوية, والمستغنى على الإضمار, وما يقلُّ فيه اللَّبس, وما اتُّفق على وضعه لمُسمَّاه, والمُومي للعلَّة والمَنْطُوق, ومفهوم المُوافقة على المُخَالفة, والمَنْصُوص على حُكمه مع تشبيهه بمحل آخر, والمُسْتفاد عُمومه من الشَّرط, والجزاء على النكرة المنفية, أو من الجمع المعرف على مَنْ وما, أو من الكلِّ, وذلك من الجنس المعرَّف, وما خطابه تكليفي على الوضعي, وما حُكمه معقول المعنى, وما قدم فيه ذكر العِلَّة, أو دلَّ الاشْتقاق على حُكمه, والمقارن للتهديد, وما تهديده أشد, والمُؤكد بالتكرار, والفصيح, وما بلغة قريش, وما دل على المعنى المُراد بوجهين فأكثر, وبغير واسطة, وما ذكر معه مُعَارضة, كـ: « إِنِّى كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِى فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا »..(10)
والنصُّ والقول, وقولٌ قارنه العمل, أو تفسير الرَّاوي وما قرن حكمه بصفة, على ما قرن باسم, وما فيه زيادة.
القِسْمُ السَّادس: التَّرجيح بالحُكم, وذلك بوجوه:(11)
أحدها: تقديم النَّاقل على البراءة الأصلية على المقرر لها, وقيلَ: عكسه.
ثانيها: تقديم الدَّال على التَّحريم, على الدَّال على الإبَاحة والوجُوب.
ثالثها: تقديم الأحْوط.(12)
رابعها: تقديم الدَّال على نفي الحد.
القِسْمُ السَّابع: التَّرجيحُ بأمر خارجي:(13)
كتقديم ما وافقه ظاهر القُرآن, أو سُنة أخرى, أو ما قبل الشَّرع, أو القياس, أو عمل الأُمة, أو الخُلفاء الرَّاشدين, أو معه مُرْسل آخر, أو مُنقطع, أو لم يشعر بنوع قدح في الصَّحابة, أو له نظير مُتَّفق على حُكْمه, أو اتَّفق على إخراجه الشَّيْخان.
فهذه أكثر من مئة مُرجح, وثَمَّ مُرجحات أُخر لا تَنْحصر, ومثارها غَلَبة الظَّن.(14)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 94)
(2) - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلاَ يَصُومُ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُوهُ ، حَتَّى دَخَلاَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، وَعَائِشَةَ ، فَكِلاَهُمَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصْبِحُ جُنُبًا ، ثُمَّ يَصُومُ ، فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُوهُ حَتَّى أَتَيَا مَرْوَانَ ، فَحَدَّثَاهُ ، فَقَالَ : عَزَمْتُ عَلَيْكُمَا لَمَّا انْطَلَقْتُمَا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدَّثْتُمَاهُ ، فَانْطَلَقَا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدَّثَاهُ ، فَقَالَ : هُمَا أَعْلَمُ ، أَخْبَرَنَا بِهِ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ.صحيح ابن حبان (3486) وهو حديث صحيح
(3) - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِى أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِى أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ »سنن الترمذى (4159) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ وَالْمَشْهُورُ حَدِيثُ أَبِى قِلاَبَةَ.قلت : وهو حديث صحيح لغيره
(4) - مثل مالك عن نافع عن ابن عمر
(5) - لكثرة الصحابة في المدينة ، وقلة التدليس فيهم .
(6) - صحيح مسلم (389 )
وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى أَنَّ نُصْرَة الْإِسْلَام وَالْقِيَام بِأَمْرِهِ يَصِير مُحْتَاجًا إِلَى التَّغَرُّب عَنِ الْأَوْطَان وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّ الْغُرْبَة كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر .حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 355)
(7) - كما في صحيح مسلم(5228 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ».
(8) - قلت :ليس هذا الأمر مضطرداً ، ففي صحيح البخارى (3560 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا .
(9) - غاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 159) والبحر المحيط - (ج 8 / ص 12) فما بعد
(10) - سنن النسائى (5670 )صحيح وقد وأصله في صحيح مسلم
وانظر :الأحكام للآمدي - (ج 3 / ص 181) والمستصفى - (ج 1 / ص 255) والبحر المحيط - (ج 3 / ص 174) وشرح الكوكب المنير - (ج 2 / ص 24) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 138) وإرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم الاصول - (ج 2 / ص 151)
(11) - التقرير والتحبير - (ج 5 / ص 469) والموافقات - (ج 5 / ص 128) ونهاية السول شرح منهاج الوصول - (ج 2 / ص 285) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 4 / ص 40)
(12) - البحر المحيط - (ج 8 / ص 40) الشاملة والبحر المحيط في أصول الفقه - (ج 4 / ص 470)الكتب العلمية
(13) - توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 4 / ص 40)
(14) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 5 / ص 399) وغاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 163) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 99)(1/95)
فوائدُ هامة حول الترجيح(1)
" الأُولى: منعَ بعضهم التَّرجيح في الأدلة, قياسًا على البينات, وقال: إذا تعارضا لزم التَّخيير أو الوقف.وأُجيبث بأنَّ مالكًا يرى تَرْجيح البينة على البينة, ومن لم ير ذلك يقول: البينة مُستندة إلى توقيفات تعبدية, ولهذا لا تقبل إلاَّ بلفظ الشَّهادة.
الثَّانية: إن لم يوجد مُرجح لأحد الحديثين, توقف عن العمل به حتَّى يظهر.
الثَّالثة: التعارض بين الخبرين إنَّما هو لخلل في الإسناد بالنسبة إلى ظن المُجتهد, وأمَّا في نفس الأمر فلا تعارض.
الرَّابعة: ما سلم من المُعَارضة فهو مُحْكم, وقد عقد له الحاكم في «عُلوم الحديث» بابًا, وعدَّه من الأنواع(2), وكذا شيخ الإسلام في «النُّخبة»(3).
قال الحاكم: ومن أمثلته حديث: « أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ » .(4).
وحديث: « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ».(5)
وحديث: « إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ » .(6)
وحديث: « « لاَ شِغَارَ فِى الإِسْلاَمِ ».(7)
قال: وقد صنَّف فيه عُثمان بن سعيد الدَّارمي كتابًا كبيرًا."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 99)
(2) - معرفة علوم الحديث ص 129
(3) - ص 103
(4) - صحيح البخارى (5954 )-يضاهون : يشابهون
(5) - سنن النسائى (140 ) صحيح الغلول : السرقة من الغنيمة قبل أن تقسم
(6) - صحيح البخارى(671 )
(7) - صحيح مسلم (3533 ) -وَالشِّغَار : أَنْ يُزَوِّج الرَّجُل اِبْنَته عَلَى أَنْ يُزَوِّجهُ اِبْنَته ، وَلَيْسَ بَيْنهمَا صَدَاق
وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيّ عَنْهُ ، لَكِنْ اِخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ نَهْي يَقْتَضِي إِبْطَال النِّكَاح أَمْ لَا ؟ فَعِنْد الشَّافِعِيّ يَقْتَضِي إِبْطَاله ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبِي عُبَيْد ، وَقَالَ مَالِك : يُفْسَخ قَبْل الدُّخُول وَبَعْده ، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ قَبْله لَا بَعْده ، وَقَالَ جَمَاعَة : يَصِحّ بِمَهْرِ الْمَثَل ، وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة ، وَحُكِيَ عَنْ عَطَاء وَالزُّهْرِيّ وَاللَّيْث ، وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَإِسْحَاق ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن جَرِير ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْر الْبَنَات مِنْ الْأَخَوَات وَبَنَات الْأَخ وَالْعَمَّات وَبَنَات الْأَعْمَام وَالْإِمَاء كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا ، وَصُورَته الْوَاضِحَة : زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجنِي بِنْتك ، وَيَضَع كُلّ وَاحِدَة صَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَيَقُول : قَبِلْت . وَاَللَّه أَعْلَم .شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 116)(1/96)
5 - ماذا يجبُ على من وجد حديثين متعارضين مقبولين ؟(1)
قال العراقي(2):
" وجملةُ الكلامِ في ذلك : إنَّا إذا وجدْنَا حديثينِ مختلفي الظاهرِ ، فلا يخلو إمّا أنْ يُمْكنَ الجمعُ بينهما بوجهٍ يَنْفي الاختلافَ بينهما ، أوْ لا ؟
فإنْ أمْكَنَ ذلكَ بوجهٍ صحيحٍ ، تَعَيَّنَ الجمعُ، ولا يُصَارُ إلى التعارُضِ، أوِ النَّسْخِ ، معَ إمكانِ الجمعِ "
قلتُ :
إذا أمكن الجمع بينهما: تَعَيَّنَ الجمعُ ، ووجب العمل بهما .
إذا لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه المعتبرة ،فان عُلِمَ أحدُهما ناسخاً : قدمناه وعملنا به ، وتركنا المنسوخ .
وان لم يُعْلَم ذلك : رجحنا أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح التي ذكرناها قبل قليل ، ثم عملنا بالراجح .
وإن لم يترجح أحدهما على الآخر: ـ وهو نادرٌ ـ توقفنا عن العمل بهما حتى يظهر لنا مرجح، وهذا مذهب الجمهور .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 10)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 200)(1/97)
6- أهميتُه ومن يكمل له :
هذا الفن من أهم علوم الحديث ، إذ يضطر إلى معرفته جميع العلماء وإنما يكمل له ويمهر فيه الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه ، والأصوليون الغواصون على المعاني الدقيقة ، وهؤلاء هم الذين لا يُشْكِلُ عليهم منه إلا النادر .
وتعارضُ الأدلة قد شغل العلماء، وفيه ظهرت موهبتهم ودقة فهمهم وحسن اختيارهم. كما زَلَّتْ فيه أقدام من خاض غِمَارَه من بعض المتطفلين على موائد العلماء .(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 10)(1/98)
7- أشهر المصنفات فيه :
أ) اختلاف الحديث : للإمام الشافعي ، وهو أول من تكلم وصنف فيه .
وهو مطبوع ومتداول(1)
مثاله ( باب القراءة في الصلاة )(2)
" أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مسعر عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال سمعت النبي يقرأ في الصبح ( والليل إذا عسعس ) .
قال الشافعي :
يعني يقرأ في الصبح ( إذا الشمس كورت ) أخبرنا سفيان عن زياد بن علاقة عن عمه قال سمعت النبي عليه السلام في الصبح يقرأ ( والنخل باسقات )
قال الشافعي : يعني ق أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن بن جريج قال أخبرنا محمد بن عباد بن جعفر قال أخبرنا أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو العائذي عن عبد الله بن السائب قال صلى لنا رسول الله الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذت النبي سعلة فحذف فركع قال وعبد الله بن السائب حاضر ذلك .
قال الشافعي : وليس نعد شيئا من هذا اختلافا لأنه قد صلى الصلوات عمره فيحفظ الرجل قراءته يوما والرجل قراءته يوما غيره وقد أباح الله في القرآن بقراءة ما تيسر منه وسن رسول الله أن يقرأ بأم القرآن وما تيسر فدل على أن اللازم في كل ركعة قراءة أم القرآن وفي الركعتين الأوليين ما تيسر معها" .
ب) تأويل مختلف الحديث : لابن قتيبة . عبدالله بن مسلم
ابْنُ قُتَيْبَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمٍ الدِّيْنَوَرِيُّ العَلاَّمَةُ، الكَبِيْرُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ،وَقِيْلَ: المَرْوَزِيُّ، الكَاتِبُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.نَزَلَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ وَجَمَعَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ.
حَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الزِّيَادِيِّ، وَزِيَادِ بنِ يَحْيَى الحَسَّانِيِّ، وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، وَطَائِفَةٍ.حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ القَاضِي؛ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، بِدِيَارِ مِصْرَ، وَعُبَيْدُ اللهِ السُّكَّرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ دُرُسْتَوَيْه النَّحْوِيُّ، وَغَيْرُهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً دَيِّناً فَاضِلاً.ذِكْرُ تَصَانِيْفِهِ: (غَرِيْبُ القُرْآنِ)، (غَرِيْبُ الحَدِيْثِ)، كِتَابُ (المعَارِفِ)، كِتَابُ (مُشْكِلِ القُرْآنِ)، كِتَابُ (مُشْكِلِ الحَدِيْثِ)، كِتَابُ (أَدَبِ الكَاتِبِ)، كِتَابُ (عُيُوْنِ الأَخْبَارِ)، كِتَابُ (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ)، كِتَابُ (إِصْلاَحِ الغَلَطِ)، كِتَابُ (الفَرَسِ)، كِتَابُ (الهَجْو)، كِتَابُ (المَسَائِلِ)، كِتَابُ (أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ)، كِتَابُ (المَيْسِرِ)، كِتَابُ (الإِبلِ)، كِتَابُ (الوَحْشِ)، كِتَابُ (الرُّؤيَا)، كِتَابُ (الفِقْهِ)، كِتَابُ (معَانِي الشِّعْرِ)، كِتَابُ (جَامِعِ النَّحْوِ)، كِتَابُ (الصِّيَامِ)، كِتَابُ (أَدَبِ القَاضِي)، كِتَابُ (الرَّدِ عَلَى مَنْ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ)، كِتَابُ (إِعْرَابِ القُرْآنِ)، كِتَابُ (القِرَاءاتِ)، كِتَابُ (الأَنوَاءِ)، كِتَابُ (التَّسْوِيَةِ بَيْنَ العَرَبِ وَالعَجَمِ)، كِتَابُ (الأَشرِبَةِ).
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الدِّيْنَوَرَ، وَكَانَ رَأْساً فِي عِلْمِ اللِّسَانِ العَرَبِي، وَالأَخْبَارِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ (مِرْآةِ الزَّمَانِ)، بِلاَ إِسْنَادٍ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يَمِيْلُ إِلَى التَّشْبِيْهِ.
قُلْتُ: هَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ صَحَّ عَنْهُ، فَسُحْقاً لَهُ، فَمَا فِي الدِّيْنِ مُحَابَاةٌ.
وَقَالَ مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ يَقُوْلُ:أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ القُتَبِيَّ كَذَّابٌ.
قُلْتُ: هَذِهِ مُجَازَفَةٌ وَقِلَّةُ وَرَعٍ، فَمَا عَلِمْتُ أَحَداً اتَّهَمَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ هَذِهِ القَوْلَة، بَلْ قَالَ الخَطِيْبُ: إِنَّهُ ثِقَةٌ.
وَقَدْ أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ الحَرَّانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ السِّلَفِيَّ يُنْكِرُ عَلَى الحَاكِمِ فِي قَوْلِهِ: لاَ تَجُوْزُ الرِّوَايَةُ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ،وَيَقُوْلُ: ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَأَهْلِ السُّنَّةِ،ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ الحَاكِمَ قَصْدُهُ لأَجْلِ المَذْهَبِ.
قُلْتُ: عَهْدِي بِالحَاكِمِ يَمِيْلُ إِلَى الكَرَّامِيَّةِ، ثُمَّ مَا رَأَيْتُ لأَبِي مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ (مُشْكِلِ الحَدِيْثِ) مَا يُخَالِفُ طَرِيقَةَ المُثْبِتَةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَمِنْ أَنَّ أَخْبَارَ الصِّفَاتِ تُمَرُّ وَلاَ تُتَأَوَّلُ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَمَا أَحسَنَ قَوْلَ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، الَّذِي سَمِعنَاهُ بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ: مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَنْكَرَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رَسُوْلَهُ تَشْبِيْهاً.
قُلْتُ: أَرَادَ أَنَّ الصِّفَاتِ تَابِعَةٌ لِلمَوْصُوْفِ، فَإِذَا كَانَ المَوْصُوْفُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى: 11]، فِي ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ، فَكَذَلِكَ صِفَاتِهِ لاَ مِثْلَ لَهَا، إِذْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ القَوْلِ فِي الذَّاتِ وَالقَوْلِ فِي الصِّفَاتِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ المُنَادِي: مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ فُجَاءةً، صَاحَ صَيْحَةً سُمِعَتْ مِنْ بُعْدٍ، ثُمَّ أُغمِيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَكَلَ هَرِيْسَةً، فَأَصَابَ حَرَارَةً، فَبَقِيَ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ اضطَرَبَ سَاعَةً، ثُمَّ هَدَأَ فَمَا زَالَ يَتَشَهَّدُ إِلَى السَّحَرِ، وَمَاتَ - سَامَحَهُ اللهُ - وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَالرَّجُلُ لَيْسَ بِصَاحِبِ حَدِيْثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ المَشْهُوْرِيْنَ، عِنْدَهُ فُنُوْنٌ جَمَّةٌ، وَعُلُوْمٌ مُهِمَّةٌ(3).
أما كتابه فهو كتاب قيم جدا مطبوع ومتداول وله طبعات عديدة وأهمها طبعة بتحقيق الدكتور محمد نافع المصطفى طبع مؤسسة الرسالة، وقد احتوى على مقدمة هامة جدا ، ثم على نماذج كثيرة مما زعم فيه التناقض.
مثال
قال ابن قتيبة رحمه الله في تأويل مختلف الحديث :(4)
"قالوا: حديثان متناقضان، قالوا: رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ».(5)
ثم رويتم « إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ . »(6)..
وأنه قال: « خَيْرُ أُمَّتِى الْقَرْنُ الَّذِى بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ »..(7)
قالوا: وهذا تناقض واختلاف.
قال أبو محمد: ونحنُ نقول إنه ليس في ذلك تناقض ولا اختلاف، لأنه أراد بقوله إن الإسلام بدا غريباً وسيعود غريباً ،أن أهل الإسلام حين بدأ قليل وهم في آخر الزمان قليل، إلا أنهم خيار ومما يشهد لهذا ما رواه معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن عروة بن رويم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خير هذه الأمة أولها وآخرها، أولها فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وآخرها فيهم عيسى بن مريم، وبين ذلك ثبج أعوج ليس منك ولست منهم " .(8)والثبج الوسط وقد جاءت في هذا آثار منها أنه ذكر آخر الزمان فقال: الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ.(9)
ومنها حديث آخر ذكر فيه أن الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر(10)وفي حديث آخر أنه سئل عن الغرباء فقال الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي.(11)
وأما قوله: خير أمتي القرن الذي بعثت فيه فلسنا نشك في أن صحابته خير ممن يكون في آخر الزمان، وأنه لا يكون لأحد من الناس مثل الفضل الذي أوتوه، وإنما قال :مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره على التقريب لهم من صحابته، كما يقال: ما أدري أوجه هذا الثوب أحسن أم مؤخره ،ووجهه أفضل إلا أنك أردت التقريب منه ،وكما تقول: ما أدري أوجه هذه المرأة أحسن أم قفاها ووجهها أحسن إلا أنك أردت تقريب ما بينهما في الحسن ،ومثل هذا قوله في تهامة: إنها كبديع العسل لا يدري أوله خير أم آخره ، والبديع الزق وإذا كان العسل في زق ولم يختلف اختلاف اللبن في الوطب فيكون أوله خيراً من آخره ولكنه يتقارب فلا يكون لأوله كبير فضل على آخره."
ج) مشكلُ الآثار : للطحاوي . أبي جعفر أحمد بن سلامة .
الطَّحَاوِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، مُحَدِّثُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ وَفَقِيْهُهَا، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الأَزْدِيُّ، الحَجْرِيُّ، المِصْرِيُّ، الطَّحَاوِيُّ، الحَنَفِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ مِنْ أَهْلِ قريَة طَحَا مِنْ أَعْمَال مِصْر.مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وبرزَ فِي عِلْمِ الحَدِيْث وَفِي الفِقْه، وَتفقَّه بِالقَاضِي أَحْمَدَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ الحَنَفِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
ذكره أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، فَقَالَ:عِدَادُه فِي حَجْر الأَزْد، وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتاً فَقِيْهاً عَاقِلاً، لَمْ يخلِّفْ مثلَه.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمَن الكِنْدِيّ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي(طبقَات الفُقَهَاء) قَالَ: وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ انتهتْ إِلَيْهِ رِئاسَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ بِمِصْرَ، أَخَذَ العِلْمَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن أَبِي عِمْرَانَ، وَأَبِي خَازم وَغيرِهِمَا، وَكَانَ شَافِعِيّاً يَقْرَأُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيْم المُزَنِيّ، فَقَالَ لَهُ يَوْماً: وَاللهِ لاَ جَاءَ مِنْكَ شَيْء، فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَانْتَقَلَ إِلى ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ، فَلَمَّا صَنّف مُخْتَصَره، قَالَ:رَحِمَ اللهُ أَبَا إِبْرَاهِيْم لَوْ كَانَ حَيّاً لكفَّرَ عَنْ يمِينه.
صَنّف(اخْتِلاَف العُلَمَاء)، و(الشّروط)، و(أَحْكَام القُرْآن)، و(مَعَانِي الآثَار).
ثُمَّ قَالَ:وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، قَال:وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَث مائَة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ بن زَبْرٍ:قَالَ لِي الطَّحَاوِيّ: أَوَّل مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ الحَدِيْث:المُزَنِيّ، وَأَخذتُ بِقَول الشَّافِعِيّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سِنِيْنَ، قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ قَاضِياً عَلَى مِصْرَ، فصحِبْتُه، وَأَخذتُ بِقَولِه.
قُلْتُ:مَنْ نَظر فِي توَالِيف هَذَا الإِمَام عَلِمَ محلَّه مِنَ العِلْم، وَسعَة مَعَارِفه.
وَقَدْ كَانَ نَابَ فِي القَضَاءِ عَنْ أَبِي عُبَيْد اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدَةَ، قَاضِي مِصْر سنَةَ بِضعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَترقَّى حَاله، فحَكَى أَنَّهُ حَضَرَ رَجُل معتبر عِنْد القَاضِي ابْنِ عَبْدَةَ فَقَالَ: أَيش رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ؟ فَقُلْتُ أَنَا:حَدَّثَنَا بَكَّار بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال:(إِنَّ اللهَ ليغَارُ لِلْمُؤْمِن فليغر).
وَحَدَّثَنَا بِهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ موقُوَفاً، فَقَالَ لِي الرَّجُل:تَدْرِي مَا تَقُولُ وَمَا تتكلّمُ بِهِ؟
قُلْتُ:مَا الخَبَر؟
قَالَ:رأَيتك العَشِيَّةَ مَعَ الفقُهَاءِ فِي مَيْدَانهِم، وَرأَيتُكَ الآنَ فِي مَيْدَان أَهْلِ الحَدِيْث، وَقلَّ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ.
فَقُلْتُ:هَذَا مِنْ فضلِ الله وَإِنعَامِه.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ:تُوُفِّيَ فِي مُستهل ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ(12)
أما كتابه فله طبعات عديدة أهمها طبعة مؤسسة الرسالة ، بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط وعدد أحاديثها (6179) وعدد الأبواب ناف على الألف
مثال :
قال الطحاوي(13):
" بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ } ) .(14)
حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَإِنَّ بَيْنَ ذَلِكَ أُمُورًا مُشْتَبِهَاتٍ } وَرُبَّمَا قَالَ { مُشْتَبِهَةً وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ مَثَلًا إنَّ لِلَّهِ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَا حَرَّمَ وَإِنَّهُ مَنْ يَرْعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى فَيُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ شَهِدْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ { إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَإِنَّ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُشْتَبِهَاتٍ فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ رَتَعَ فِيهَا يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَمَنْ رَعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ الْحَرَامَ حِمَى اللَّهِ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ } .
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ ، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { حَلَالٌ بَيِّنٌ وَحَرَامٌ بَيِّنٌ وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَهُوَ لِلْحَرَامِ أَتْرَكُ وَمَحَارِمُ اللَّهِ حِمًى فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى كَادَ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ } .
فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ إلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ ؟ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ لِلَّهِ شَرَائِعَ قَدْ شَرَعَهَا وَتَعَبَّدَ عِبَادَهُ بِهَا فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مُحْكَمًا كَشَفَ لَهُمْ مَعْنَاهُ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مُتَشَابِهًا فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } وَكَانَ الْمُحْكَمُ مِنْهُ الَّذِي كَشَفَ لَهُمْ مَعْنَاهُ قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } وَكَانَ الْمُتَشَابِهُ مِنْهُ الَّذِي لَمْ يَكْشِفْ لَهُمْ مُرَادَهُ فِيهِ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الصِّيَامِ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ } وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } .
فَكَانَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي كِتَابِهِ هُمَا الْجِنْسَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا وَمِنْهَا مَا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَأَجْرَى بَعْضَهُ عَلَى لِسَانِهِ مُحْكَمًا مَكْشُوفَ الْمَعْنَى كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ .
وَكَمَا يَقْصُرُهُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا فِي سَفَرِهِ وَكَمَا لَا يَقْصُرُهُ مِنْهَا فِيهِ وَيَكُونُ فِيهِ فِي سَفَرِهِ كَمِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ فِي حَضَرِهِ وَمِنْهَا مَا تَعْتَدُّ بِهِ النِّسَاءُ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَمِنْ قَضَاءِ الصِّيَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ طُهْرِهَا وَتَرْكِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ مُحْكَمًا وَمِمَّا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ مُتَشَابِهًا مِنْهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا } وَمِنْهُ قَوْلُهُ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَشْكَالِ ذَلِكَ فَاحْتَاجُوا إلَى طَلَبِ حَقَائِقِهَا وَمَا عَلَيْهِمْ فِيهَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مُتَشَابِهًا وَكَانَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مُحْكَمًا فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ } هُوَ مَا كَانَ مِنْ الْحَلَالِ الْمُحْكَمِ وَمِنْ الْحَرَامِ الْمُحْكَمِ ، وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ { وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ } هُوَ مَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَلَالِ الْبَيِّنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ كَمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَا قَدْ رَدَّهُ بَعْضُهُمْ إلَى التَّحْلِيلِ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ إلَى التَّحْرِيمِ ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ يَكُونُ الدَّلِيلُ يَقُومُ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ بِتَحْلِيلِ ذَلِكَ وَفِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ وَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَتَبَايَنُ أَهْلُ الْوَرَعِ مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيَقِفُ أَهْلُ الْوَرَعِ عِنْدَ الشُّبَهِ وَيَتَّهِمُونَ فِيهَا آرَاءَهُمْ وَيُقْدِمُ عَلَيْهَا مَنْ سِوَاهُمْ .
فَقَالَ قَائِلٌ أَفَيَكُونُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتَهُ مَانِعًا لِلْحُكَّامِ مِنْ الْحُكْمِ فِيمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا وَصَفْتَهُ .
__________
(1) - مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت الطبعة الأولى ، 1405 - 1985
(2) - اختلاف الحديث - (ج 1 / ص 488)
(3) -.سير أعلام النبلاء (13/298-302)(138 )
(4) - - (ج 1 / ص 31)
(5) - سنن الترمذى (3109 ) صحيح لغيره
(6) - صحيح مسلم(390 )
(7) - سنن الترمذى (2385 ) وهو حديث متواتر
(8) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(3717) ومشكل الآثار للطحاوي(2061) و حلية الأولياء - (ج 3 / ص 12) مصولا ومرسلا والصواب أنه مرسل والموصول فيه متروك
(9) - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِى كَافِراً يَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ». أَوْ قَالَ « عَلَى الشَّوْكِ » . مسند أحمد (9312) وهو صحيح لغيره
(10) - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ". وهو حسن لغيره " المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 50)(1320 )
(11) - عن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِى مِنْ سُنَّتِى ». سنن الترمذى (2839 ) وحم 4/73 عبد الرحمن بن سنة وطب 17/16(11) وعدي 6/59 قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.قلت : هو صحيح لغيره - يأرز : ينضم ويجتمع الأروية : الشاة الواحدة من شياه الجبل والجمع أروى
(12) -.سير أعلام النبلاء (15/29-33)(15 )
(13) - مشكل الآثار - (ج 1 / ص 437)
(14) - أخرجه الجماعة المسند الجامع - (ج 15 / ص 814)(11898)(1/99)
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْتَرَضَ عَلَى الْحُكَّامِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ اجْتِهَادِ رَأْيِهِمْ فِيهِ إمْضَاءُ مَا يُؤَدِّيهِمْ فِيهِ آرَاؤُهُمْ إلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
كَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَبَكْرُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ { إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } .
قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ فَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى الْحُكَّامِ اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَحْكُمُونَ بِهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ الصَّوَابُ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ الْخَطَأُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا فِي ذَلِكَ إصَابَةَ الصَّوَابِ وَإِنَّمَا كُلِّفُوا فِيهِ الِاجْتِهَادَ وَأَنَّهُ وَاسِعٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إمْضَاءُ الْحُكُومَاتِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَحْكُومُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ تِلْكَ الْحُكُومَاتِ لَهُمْ مِنْ الْوَرَعِ عَنْ الدُّخُولِ فِيهَا وَمِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يَتَهَيَّأُ لَكَ كَشْفُ ذَلِكَ لَنَا فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ حَتَّى نَقِفَ عَلَيْهِ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ قَدْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَهُنَّ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا يَمِينٌ يَكُونُ بِهَا مُولِيًا وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا ظِهَارٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الظِّهَارَ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ تَبِينُ بِهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مِنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا فَيَلْزَمَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا رَجَعَتْهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مِنْ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِنْهَا فَيَلْزَمَهُ ذَلِكَ فَكَانَ مَنْ يَلِي مِمَّنْ يَرَى حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ بِقَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، ثُمَّ خُوصِمَ إلَى حَاكِمٍ لَا يَرَى حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ بِهِ وَيَرَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ عَلَى مَا قَدْ قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ فَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَقَعَ فِي اخْتِلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ لَهُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ وَتَرْكُ رَأْيِهِ فِيهِ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ بَلْ يَسْتَعْمِلُ فِي ذَلِكَ مَا يَرَاهُ وَيَتْرُكُ ذَلِكَ الْحُكْمَ إذْ كَانَ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ لَهُ لَا حُكْمٌ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ ، وَهُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالْحَقِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "
ـــــــــــــــ(1/100)
ناسِخُ الحَديثِ وَمَنسوخُه(1)
1-تعريفُ النسخِ:
أ) لغة: له معنيان : الإزالة . ومنه نَسَخَتِ الشمسُ الظلَّ. أي إزالته والنقل، ومنه نسختً الكتابَ، إذا نقلتُ ما فيه، فكأنَّ الناسخ قد أزال المنسوخ أو نقله إلى حكم آخر.
ب) اصطلاحاً: النَّسْخُ : رفْعُ تعلُّقِ حُكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأَخِّرٍ عنهُ .
والنَّاسخُ : ما يدلُّ على الرَّفعِ المذكورِ .
وتسميتُهُ ناسِخاً مجازٌ ؛ لأنَّ النَّاسخَ في الحقيقةِ هو اللهُ تعالى(2).
2- أهميته وصعوبته وأشهر المُبَرِّزين فيه(3):
" [وهو فنُّ مُهم] فقد مرَّ على عليٍّ قاصٌّ, فقال: تعرفُ النَّاسخ من المنسوخ؟ فقال: لا, فقال هلكتَ وأهلكتَ. أسنده الحازمي في كتابه(4), وأسند نحوه عن ابن عبَّاس(5).
وأسند عن حُذيفة, أنَّه سُئل عن شيء فقال: إنَّما يُفتي من عرف النَّاسخ والمَنْسُوخ. قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عُمر.(6)
[صعبٌ] فقد روينا عن الزُّهْري قال: أعيا الفُقهاء وأعْجَزهُم أن يعرفوا ناسخ الحديث ومنسوخه.(7)
[وكان للشَّافعيِّ فيه يدٌ طُولَى, وسابقة أولى] فقد قال الإمام أحمد لابن وارة(8), وقد قدم من مصر: كتبتَ كُتب الشَّافعي؟ قال: لا. قال: فرَّطت, ما علمنا المُجْمل من المُفسَّر, ولا ناسخ الحديث من منسوخه, حتَّى جالسنا الشَّافعي.(9)
[وأدخل فيه بعض أهل الحديث] مِمَّن صنَّف فيه [ما ليسَ منهُ, لخفاء معناه] أي: النَّسخ وشرطه.
[والمُختار] في حدِّه [أنَّ النَّسخ رفعُ الشَّارع حُكمًا منه متقدمًا, بحكم منه متأخِّر].
فالمُراد برفع الحُكم قطع تعلقه عن المُكلَّفين, واحترزَ به عن بيان المُجْمل, وبإضافته للشارع عن إخبار بعض من شاهد النَّسخ من الصَّحابة, فإنَّه لا يَكُون نسخًا, وإن لم يحصل التَّكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك إلاَّ بإخباره.
وبالحكم عن رفع الإبَاحة الأصلية, فإنَّه لا يُسمَّى نسخًا.
وبالتقدُّم عن التَّخصيص المُتَّصل بالتكليف, كالاستثناء ونحوه.
وبقولنا: بحكم منه مُتأخِّر, عن رفع الحكم بموت المُكلَّف, أو زَوَال تكليفه بجنُون ونحوه, وعن انتهائه بانتهاء الوقت.
كما روي عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنِى قَزَعَةُ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قُلْتُ إِنِّى لاَ أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاَءِ عَنْهُ. سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّوْمِ فِى السَّفَرِ فَقَالَ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ قَالَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ». فَكَانَتْ رُخْصَةً فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ فَقَالَ « إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا ». وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ فِى السَّفَرِ..(10)
فالصَّوم بعد ذلك اليوم ليس نسخًا. "
3- بم يُعْرَفُ الناسخ من المنسوخ ؟
يعرفُ ناسخ الحديث من منسوخه بأحد هذه الأمور :
بتصريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (11): كحديث بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا"(12)
بقول الصحابيِّ(13): فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. أخرجه النسائي(14).
وكقول أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ إِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةً فِى أَوَّلِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ نُهِىَ عَنْهَا.. رواه التِّرمذي(15)
" وشرط أهل الأصُول في ذلك أن يُخبر بتأخُّره, فإن قال: هذا ناسخ, لم يثبت به النَّسخ, لجَوَاز أن يقوله عن اجتهاد.(16)
قال العِرَاقي(17):
" هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ أنَّ مما يُعْرَفُ النسخُ به قولَ الصحابي ، وهو واضحٌ . وخصَّصَ أهلُ الأصولِ ثبوتَ النسخِ بقولِهِ فيما إذا أخبرَ : بأنَّ هذا متأخّرٌ . فإنْ قالَ : هذا ناسخٌ . لم يثبتْ بهِ النسخُ . قالَوا: لجوازِ أنْ يقولَهُ عن اجتهادِهِ ، بناءً على أنَّ قولَهُ ليسَ بحجَّةٍ . وما قالَهُ أهلُ الحديثِ أوضحَ وأشهرَ .
والنسخُ لا يُصارُ إليهِ بالاجتهادِ والرأي ، وإنَّمَا يُصارُ إليهِ عندَ معرفةِ التأريخِ . والصحابةُ أورعُ من أنْ يحكمَ أحدٌ منهم على حُكمٍ شرعيٍّ بنسخٍ من غيرِ أنْ يعرفَ تأخُّرَ الناسخِ عنهُ . وفي كلامِ الشافعيِّ موافقةٌ لأهلِ الحديثِ ، فقدْ قالَ فيما رواهُ البيهقيُّ في " المدخلِ " : ولا يُسْتَدَلُّ على الناسخِ والمنسوخِ إلاَّ بخبرٍ عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أو بوقتٍ يَدُلُّ على أَنَّ أحدَهُما بعدَ الآخَرِ ، أو بقولِ مَنْ سَمِعَ الحديثَ ، أو العامَّةِ .(18)
فقولُهُ : أو بقولِ مَنْ سمعَ الحديثَ ، أرادَ بهِ قولَ الصحابةِ مطلقاً، فذكرَ الوجوهَ الأربعةَ التي يُعْرَفُ بها النسخُ ، واللهُ أعلمُ ."
بمعرفةِ التاريخِ(19): فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ».(20)" ذكر الشَّافعي أنَّه مَنْسُوخ بحديث ابن عبَّاس قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ ،(21)
فإنَّ ابن عبَّاس إنَّما صحبهُ مُحرمًا في حجَّة الوداع سَنَة عَشْر, وفي بعض طُرق حديث شدَّاد أنَّ ذلك كان زمن الفَتْح سَنَة ثمان.(22)
بدلالةِ الإجماعِ(23): كحديث مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ ». رواه الترمذى برقم (1515 ) وقَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَكَذَا رَوَى الثَّوْرِىُّ أَيْضًا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَدِيثُ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِى أَوَّلِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ ». قَالَ ثُمَّ أُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ. وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِىُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هَذَا. قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِى ذَلِكَ فِى الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَمِمَّا يُقَوِّى هَذَا مَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِى وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ ».(24)
قال الإمام النووي(25):
" وَهَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ ، قَالَ جَمَاعَة : دَلَّ الْإِجْمَاع عَلَى نَسْخه ، وَقَالَ بَعْضهمْ : نَسَخَهُ قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : النَّفْس بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّب الزَّانِي ، وَالتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ "
قال السيوطي(26):
"وإن كانَ ابن حَزْم(27)خالف في ذلكَ, فخلافُ الظَّاهرية لا يَقْدحُ في الإجْمَاع.
نعم وردَ نَسْخه في السُّنة أيضًا, كما قال التِّرمذي(28)من رِوَاية مُحمَّد بن إسْحَاق, عن مُحمَّد بن المُنْكدر, عن جابر, أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنْ شَربَ الخَمْر فاجْلدُوه, فإن شربَ في الرَّابعة فاقتلُوه». ثمَّ أُتي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجُل قد شرب في الرَّابعة فضربهُ ولم يقتله.
قال: وكذلكَ رَوَى الزُّهْري عن قَبِيصة بن ذُؤيب عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا،قال: فرفع القَتْل وكانت رُخْصة. انتهى.(29)
وما علَّقهُ التِّرمذي أسندهُ البَزَّار في «مسنده» .(30)
وقَبيصة ذكرهُ ابن عبد البر في الصَّحابة, وقال: ولد أوَّل سَنَة من الهِجْرة, وقيلَ: عام الفَتْح.(31)
قلت :
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
قُلْتُ: لِلعُلَمَاءِ قَوْلاَن فِي الاعتِدَاد، بِخِلاَفِ دَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِ: فَمَنْ اعتَدَّ بِخِلاَفِهِم، قَالَ: مَا اعْتِدَادُنَا بِخِلاَفِهِم لأَنَّ مُفْرَدَاتِهِم حُجَّةٌ، بَلْ لِتُحكَى فِي الجُمْلَةِ، وَبَعْضُهَا سَائِغٌ، وَبَعْضُهَا قَوِيٌّ، وَبَعْضُهَا سَاقِطٌ، ثُمَّ مَا تَفَرَّدُوا بِهِ هُوَ شَيْءٌ مِنْ قَبِيْلِ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ الظَّنِّي، وَتَنْدُرُ مُخَالَفَتُهُم لإِجْمَاعٍ قَطْعِي.
وَمَنْ أَهْدَرَهُم، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِم، لَمْ يَعُدَّهُم فِي مَسَائِلِهِم المُفْرِدَةِ خَارِجِيْنَ بِهَا مِنَ الدِّيْنِ، وَلاَ كَفَّرَهُم بِهَا، بَلْ يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ فِي حَيِّزِ العَوَامِّ، أَوْ هُم كَالشِّيْعَةِ فِي الفُرُوْعِ، وَلاَ نَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِهِم، وَلاَ نَنْصِبُ مَعَهُم الخِلاَفَ، وَلاَ يُعْتَنَى بِتَحْصِيْلِ كُتُبِهِم، وَلاَ نَدُلُّ مُسْتَفْتِياً مِنَ العَامَّةِ عَلَيْهِم.
وَإِذَا تَظَاهِرُوا بِمَسْأَلَةٍ مَعْلُوْمَةِ البُطْلاَنِ، كَمَسْحِ الرِّجِلَيْنِ، أَدَّبْنَاهُم، وَعَزَّرْنَاهُم، وَأَلزَمْنَاهُم بِالغَسْلِ جَزْماً.
قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: قَالَ الجُمْهُوْرُ:
إِنَّهُم -يَعْنِي: نُفَاةَ القِيَاسِ- لاَ يَبْلُغُونَ رُتْبَةَ الاجتِهَادِ، وَلاَ يَجُوْزُ تَقْلِيْدُهُم القَضَاءَ.
وَنَقَلَ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ:
أَنَّهُ لاَ اعتِبَارَ بِخِلاَفِ دَاوُدَ، وَسَائِرِ نُفَاةِ القِيَاسِ، فِي الفُرُوْعِ دُوْنَ الأُصُوْلِ.
وَقَالَ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي: الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيْقِ:
أَنَّ مُنْكِرِي القِيَاس لاَ يُعَدُّوْنَ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، وَلاَ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرِيْعَةِ؛ لأَنَّهُم مُعَانِدُوْنَ مُبَاهِتُوْنَ فِيمَا ثَبَتَ اسْتفَاضَةً وَتَوَاتُراً، لأَنَّ مُعْظَمَ الشَّرِيْعَةِ صَادِرٌ عَنِ الاجتِهَادِ، وَلاَ تَفِي النُّصُوْصُ بعُشْرِ مِعْشَارِهَا، وَهَؤُلاَءِ مُلتَحِقُوْنَ بِالعَوَامِّ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْ أَبِي المعَالِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَهُم فَأَدَّاهُم اجتِهَادُهُم إِلَى نَفِي القَوْلِ بِالقِيَاسِ، فَكَيْفَ يُرَدُّ الاجتِهَادُ بِمِثْلِهِ، وَنَدْرِي بِالضَّرُوْرَةِ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ يُقْرِئُ مَذْهَبَهُ، وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ، وَيُفْتِي بِهِ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ، وَكَثْرَةِ الأَئِمَّةِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا، فَلَم نَرَهُم قَامُوا عَلَيْهِ، وَلاَ أَنْكَرُوا فَتَاويه وَلاَ تَدْرِيسَهُ، وَلاَ سَعَوا فِي مَنْعِهِ مِنْ بَثِّهِ، وَبَالحَضْرَةِ مِثْلُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي شَيْخِ المَالِكِيَّةِ، وَعُثْمَانَ بنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطِيِّ شَيْخِ الشَّافِعِيَّة، وَالمَرُّوْذِيِّ شَيْخِ الحَنْبَلِيَّةِ، وَابْنَي الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِيِّ شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ القَاضِي، وَمِثْلُ عَالِمِ بَغْدَادَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ.
بَلْ سَكَتُوا لَهُ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ: ذَاكَرْتُ الطَّبرِيَّ -يَعْنِي: ابْنَ جَرِيْرٍ- وَابْنَ سُرَيْجٍ، فَقُلْتُ لَهُمَا: كِتَابُ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الفِقَهِ، أَيْنَ هُوَ عِنْدَكُمَا؟
قَالاَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلاَ كِتَابُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ الفِقْهَ فَكُتُبُ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدَ، وَنُظَرَائِهِمَا.
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 61) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 22) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(2) - التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 13)
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(4) - الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 6
(5) - نفسه ص 7
(6) - نفسه ص 4
(7) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 460) ومن ضوابط فهم السنة النبوية - (ج 1 / ص 6)
(8) - محمد بن مسلم المعروف بابن وارة الرازي روى عن أبي عاصم النبيل والفريابي وأبى المغيرة عبد القدوس بن الحجاج سمعت منه وهو صدوق ثقة قال أبو محمد ووجدت في كتب أبى زرعة بخطه قد كتب عنه ورأيت ورأيت أبا زرعة يبجله ويكرمه "الجرح والتعديل[ ج 8 - ص 79 ] (332 )
(9) - الاعتبار للحازمي ص 4 و الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 134)
(10) - صحيح مسلم (2680 ) المكثور : أى عنده ناس كثيرون للاستفادة منه
(11) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(12) -أخرجه مسلم برقم (2305 )
(13) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(14) - سنن النسائى برقم (186 ) صحيح
(15) - سنن الترمذى (110 ) وهو صحيح
(16) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(17) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 198)
(18) - معرفة السنن والآثار للبيهقي - (ج 1 / ص 71) والبحر المحيط - (ج 3 / ص 227) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 311) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 462) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 46)
(19) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(20) - سنن أبى داود برقم (2369 ) صحيح
(21) - مسند أحمد برقم (1877) وابن حبان برقم (3531 ) والترمذي برقم (780 ) صحيح
(22) - كما هو عند أحمد 4/122 وابن حبان (3534) وعبد الرزاق (7521) والبيهقي في السنن 4/267
(23) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(24) - وفي تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 81): ( وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُوَيْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هَذَا قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ . وَقَالَ غَيْرُهُ : قَدْ يُرَادُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ فِي الْخَامِسَةِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ . هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ، إِلَّا طَائِفَةٌ شَاذَّةٌ قَالَتْ يُقْتَلُ بَعْدَ حَدِّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِلْحَدِيثِ . وَهُوَ عِنْدَ الْكَافَّةِ مَنْسُوخٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ . وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ التَّابِعِينَ . وَذَكَرُوا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ غُلَامٌ يَدْعُو لَهُ وَذُكِرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ قَالَ : كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَأَمَّا أَبُوهُ ذُوَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ فَلَهُ صُحْبَةٌ اِنْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ .
( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اِخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ : إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُقْتَلُ الشَّارِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَنَصَرَهُ اِبْنُ حَزْمٍ وَاحْتَجَّ لَهُ وَدَفَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْقَتْلِ . وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عَمْرٍو . وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشَّارِبُ وَأَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ اِنْتَهَى .
(25) - شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 129)
(26) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 88)
(27) - ابن حزم ( 384 - 456 هـ )هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري . أبو محمد . عالم الأندلس في عصره . أصله من الفرس . أول من أسلم من أسلافه جد له كان يدعى يزيد مولى ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه . كانت لابن حزم الوزارة وتدبير المملكة ، فانصرف عنها إلى التأليف والعلم . كان فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة على طريقة أهل الظاهر ، بعيدا عن المصانعة حتى شبه لسانه بسيف الحجاج . طارده الملوك حتى توفي مبعدا عن بلده . كثير التأليف . مزقت بعض كتبه بسبب معاداة كثير من الفقهاء له .من تصانيفه : ( ( المحلى ) ) في الفقه ؛ و ( ( الإحكام في أصول الأحكام ) ) في أصول الفقه ؛ و ( ( طوق الحمامة ) ) في الأدب .[ الأعلام للزركلي 5 / 59 ؛ وابن حزم الأندلسي لسعيد الأفغاني ؛ والمغرب في حلى المغرب ص 364 ] وسير أعلام النبلاء (18/185)(99 )
(28) - سنن الترمذى (1515)
(29) - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَأَمَّا حَدُّ الشُّرْبِ : فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ } وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ جَلَدَ الشَّارِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ . وَالْقَتْلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مَنْسُوخٌ . وَقِيلَ : هُوَ مُحْكَمٌ . يُقَالُ : هُوَ تَعْزِيرٌ يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ . وَقَدْ ثَبَتَ { عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ . وَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ وَضَرَبَ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ ثَمَانِينَ . وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ مَرَّةً أَرْبَعِينَ وَمَرَّةً ثَمَانِينَ } . فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ : يَجِبُ ضَرْبُ الثَّمَانِينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْوَاجِبُ أَرْبَعُونَ وَالزِّيَادَةُ يَفْعَلُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا أَدْمَنَ النَّاسُ الْخَمْرَ . أَوْ كَانَ الشَّارِبُ مِمَّنْ لَا يَرْتَدِعُ بِدُونِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَأَمَّا مَعَ قِلَّةِ الشَّارِبِينَ وَقُرْبِ أَمْرِ الشَّارِبِ فَتَكْفِي الْأَرْبَعُونَ . وَهَذَا أَوْجُهُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا كَثُرَ الشُّرْبُ - زَادَ فِيهِ النَّفْيَ وَحَلْقَ الرَّأْسِ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْهُ فَلَوْ غُرِّبَ الشَّارِبُ مَعَ الْأَرْبَعِينَ لِيَنْقَطِعَ خَبَرُهُ أَوْ عَزْلُهُ عَنْ وِلَايَتِهِ كَانَ حَسَنًا ؛ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَغَهُ عَنْ بَعْضِ نُوَّابِهِ أَنَّهُ تَمَثَّلَ بِأَبْيَاتِ فِي الْخَمْرِ فَعَزَلَهُ . مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 336)
(30) - يعني حديث جابر وهو في كشف الأستار (1562) و مسند البزار(5965) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 314)(17960)
(31) - قبيصة بن ذؤيب بالمعجمة مصغر بن حلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة الخزاعي أبو سعيد أو أبو إسحاق المدني نزيل دمشق من أولاد الصحابة وله رؤية مات سنة بضع وثمانين ع .تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 453 ](5512 )(1/101)
ثمَّ كَانَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ المُغَلِّسِ، وَعِدَّةٌ مِنْ تَلاَمِذَةِ دَاوُدَ، وَعَلَى أَكْتَافِهِم مِثْلُ: ابْنِ سُرَيْجٍ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ شَيْخِ الحَنْبَلِيَّةِ، وَأَبِي الحَسَنِ الكَرْخِيِّ شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ بِمِصْرَ.
بَلْ كَانُوا يَتَجَالَسُوْنَ وَيَتَنَاظَرُوْنَ، وَيَبْرُزُ كُلٌّ مِنْهُم بِحُجَجِهِ، وَلاَ يَسْعَوْنَ بِالدَّاودِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ.
بَلْ أَبلغُ مِنْ ذَلِكَ، يَنْصِبُوْنَ مَعَهُم الخِلاَفَ فِي تَصَانِيفِهِم قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَهُم أَشْيَاءُ أَحْسَنُوا فِيْهَا، وَلَهُم مَسَائِلُ مُسْتَهْجَنَةٌ، يُشْغَبُ عَلَيْهِم بِهَا، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيْرُ الإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ، حَيْثُ يَقُوْلُ: الَّذِي اختَارَهُ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُوْرٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيْحُ مِنَ المَذْهَبِ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خِلاَفُ دَاوُدَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ آخِراً، كَمَا هُوَ الأَغْلَبُ الأَعْرَفُ مِنْ صَفْوِ الأَئِمَّةِ المُتَأَخِّرِينَ، الَّذِيْنَ أَوْرَدُوا مَذْهَبَ دَاوُدَ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ المَشْهُوْرَةِ، كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَالمَاوَرْدِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، فلَوْلاَ اعتِدَادُهُم بِهِ لَمَا ذَكَرُوا مَذْهَبَهُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ المَشْهُوْرَةِ.
قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ قَوْلُهُ، إِلاَّ فِيمَا خَالَفَ فِيْهِ القيَاسَ الجَلِيَّ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ القِيَاسِيُّونَ مِنْ أَنْواعِهِ، أَوْ بَنَاهُ عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيْلُ القَاطعُ عَلَى بُطلاَنِهَا، فَاتِّفَاقُ مَنْ سِوَاهُ إِجمَاعٌ مُنْعَقِدٌ، كَقَوْلِهِ فِي التَّغَوُّطِ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ، وَتِلْكَ المَسَائِلِ الشَّنِيعَةِ، وَقُولِهُ: لاَ رِبَا إِلاَّ فِي السِّتَّةِ المَنْصُوْصِ عَلَيْهَا، فَخِلاَفُهُ فِي هَذَا أَوْ نَحْوِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، لأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يُقْطَعُ بِبُطْلاَنِهِ.
قُلْتُ: لاَ رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مسَأَلَةٍ انْفَرَدَ بِهَا، وَقُطِعَ بِبُطْلاَنِ قَوْلِهِ فِيْهَا، فَإِنَّهَا هَدْرٌ، وَإِنَّمَا نَحْكِيهَا للتَّعَجُّبِ، وَكُلَّ مسَأَلَةٍ لَهُ عَضَدَهَا نَصٌّ، وَسَبَقَهُ إِلَيْهَا صَاحِبٌ أَوْ تَابِعٌ، فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الخِلاَفِ، فَلاَ تُهْدَرُ.
وَفِي الجُمْلَةِ، فَدَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ بَصِيرٌ بِالفِقْهِ، عَالِمٌ بِالقُرْآنِ، حَافظٌ للأَثَرِ، رَأْسٌ فِي مَعْرِفَةِ الخِلاَفِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَهُ ذكَاءٌ خَارِقٌ، وَفِيْهِ دِيْنٌ مَتِينٌ.
وَكَذَلِكَ فِي فُقَهَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ جَمَاعَةٌ لَهُم عِلْمٌ بَاهِرٌ، وَذكَاءٌ قَوِيٌّ، فَالكَمَالُ عَزِيزٌ، وَاللهُ المُوَفِّقُ.
وَنَحْنُ: فَنَحْكِي قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي المُتعَةِ، وَفِي الصَّرْفِ، وَفِي إِنكَارِ العَوْلِ، وَقولَ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِ الغُسْلِ مِنَ الإِيْلاجِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَلاَ نُجَوِّزُ لأَحَدٍ تَقْلِيْدَهُم فِي ذَلِكَ.(1)
وقال ابن حزم رحمه الله بعد ذكر الأحاديث الصحيحة في القتل :
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله : فَكَانَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , ثَابِتَةً , تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُونَ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَنْسُوخٌ - وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ : مَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نا عَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ سَعْدٍ - نا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ { إذَا شَرِبَ الرَّجُلُ فَاجْلِدُوهُ , فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ , فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ , فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ , فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِرَجُلٍ مِنَّا فَلَمْ يَقْتُلْهُ } . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ ثني مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاضْرِبُوهُ , فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ , فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ , فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ - فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُعَيْمَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ } . فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ رُفِعَ , وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ رُفِعَ : حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ نا أَبُو ثَابِتٍ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ لِشَارِبِ الْخَمْرِ { إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ , ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ , ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ , ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ - فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , فَجَلَدَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ - وَوَضَعَ الْقَتْلَ عَنْ النَّاسِ } . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ : قَدْ نا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ مِنْ وَافِدِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْخَبَرِ - يَعْنِي حَدِيثَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ هَذَا . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثني اللَّيْثُ ثني خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ { أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ , وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا , وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشُّرْبِ , فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ , فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ , مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : لَا تَلْعَنُوهُ , فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إلَّا يُحِبُّ اللَّهَ وَيُحِبُّ رَسُولَهُ } . وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ , أَوْ زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ , أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ } فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله : فَلَوْ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي قَتْلِهِمْ مَنْ لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى قَتْلَهُ قَطُّ , وَلَا رَسُولُهُ - عليه السلام : كَقَتْلِ الْمَالِكِيِّينَ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ , وَقَسَامَةِ اثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَتْلِهِمْ - وَالشَّافِعِيِّينَ مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ , وَمَنْ أَقَرَّ بِفَرْضِ صَلَاةٍ وَقَالَ : لَا أُصَلِّي . وَكَقَتْلِ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , السَّاحِرَ . وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكْفُرْ , وَلَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ , وَلَا قَتَلَ نَفْسًا . فَهَذَا كُلُّهُ نَقَضَ احْتِجَاجَهُمْ فِي قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ , بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله : هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ . وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ : مَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِي مَرَّاتٍ - وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدٍ أَيْضًا - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي نَسْخِ الثَّابِتِ مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَحَدٌ مُتَّصِلًا , إلَّا شَرِيكٌ الْقَاضِي , وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ - وَهُمَا ضَعِيفَانِ . وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فَمُنْقَطِعٌ , وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ . وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ فَمُنْقَطِعٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ , أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقَتْلِ , فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَالْيَقِينُ الثَّابِتُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ لِلضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَصِحُّ , وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَنًّا - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً . وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا يَجْلِدُهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ , لَكَانَ مُقْتَضَى أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتِئْنَافُ جِلْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا بُدَّ ; لِأَنَّهُ - عليه السلام - حِينَ لَفَظَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَمَرَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ بِضَرْبِهِ إنْ شَرِبَ , ثُمَّ بِضَرْبِهِ إنْ شَرِبَ ثَانِيَةً , ثُمَّ بِضَرْبِهِ ثَالِثَةً , ثُمَّ بِقَتْلِهِ رَابِعَةً - هَذَا نَصُّ حَدِيثِهِ وَكَلَامِهِ - عليه السلام . فَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ حُجَّةً لَوْ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ بَعْدَ أَمْرِهِ - عليه السلام - بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ , وَهَكَذَا الْقَوْلُ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - فِي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله : فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ الْوَاجِبَ ضَمُّ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلِّهَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ , وَالِانْقِيَادُ إلَى جَمِيعِهَا , وَالْأَخْذُ بِهَا , وَأَنْ لَا يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا : هَذَا مَنْسُوخٌ إلَّا بِيَقِينٍ . بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم فَفَرْضٌ عَلَيْنَا الْأَخْذُ بِهِ , وَالطَّاعَةُ لَهُ , وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَسْخًا , فَقَوْلُهُ مُطَّرَحٌ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ لَنَا : لَا تُطِيعُوا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا عِصْيَانُ مَنْ أَمَرَ بِذَلِكَ , إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ جَلِيٌّ بَيِّنٌ يَشْهَدُ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَنْسُوخٌ , أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ , أَوْ بِتَارِيخٍ ثَابِتٍ مُبَيِّنٍ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ . وَأَمَّا نَحْنُ - فَإِنَّ قَوْلَنَا : هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ دِينِهِ وَأَكْمَلَهُ , وَنَهَانَا عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ , فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَدَّ نَصَّانِ يُمْكِنُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ , وَضَمِّهِ إلَيْهِ , إلَّا وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا بِيَقِينٍ , وَأَنَّهُ لَا نَسْخَ فِي ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ أَصْلًا - وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نَسْخٌ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانًا جَلِيًّا , وَلَمَا تَرَكَهُ مُلْتَبِسًا مُشْكِلًا , حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله : فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرَدَّ نَصَّانِ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَخْصُوصًا مِنْ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَعَانٍ مِنْهُ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْأَعَمِّ , وَيَكُونُ الْبَيَانُ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْأَخَصَّ قَبْلَ الْأَعَمِّ بِلَا شَكٍّ - فَهَذَا إنْ وُجِدَ فَالْحُكْمُ فِيهِ النُّسَخُ وَلَا بُدَّ , حَتَّى يَجِيءَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ الْعَامِ الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ . بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } . وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم { لِتُبَيِّنَّ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ } وَالْبَيَانُ - بِلَا شَكٍّ - هُوَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الْوَارِدِ , مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ , أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ , فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالْوَاجِبُ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ , إذْ يَقُولُ { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } الْآيَةَ . وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ , وَلَمْ يَصِحَّ نَسْخُهُ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ."(2)
قلت : فالمِثَالُ الصَّحيح لذلك, ما رواه التِّرمذي(3)جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا إِذَا حَجَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنَّا نُلَبِّى عَنِ النِّسَاءِ وَنَرْمِى عَنِ الصِّبْيَانِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ يُلَبِّى عَنْهَا غَيْرُهَا بَلْ هِىَ تُلَبِّى عَنْ نَفْسِهَا وَيُكْرَهُ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ..
ثمَّ الحديث لا يُحكم عليه بالنَّسْخ بالإجماع على ترك العمل به, إلاَّ إذا عرف صحَّته, وإلاَّ فيحتمل أنَّه غلط, صرَّح به الصَّيرفي. "
[والإجماع لا يُنسخ] أي: لا ينسخه شيء [ولا يَنْسخ] هو غيره [ولكن يدل على ناسخ] أي: على وجود ناسخ غيره.(4)
4- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي(5).
ب) الناسخ والمنسوخ للإمام أحمد(6)
ج) تجريد الأحاديث المنسوخة لابن الجوزي . وهو مختصر جدا.(7)
5- حكمة النسخ:
للنسخ فوائد جمّة لكن من أظهرها فائدتان:
الأولى- رعاية الأصلح للمكلفين تفضُّلاً من الله تعالى لا وجوباً عليه. فمصالح الناس التي هي المقصود الأصلي من تشريع الأحكام تختلف باختلاف الأحوال والأزمان.
الثانية- امتحان المكلفين بامتثالهم الأوامر واجتنابهم النواهي وتكرار الاختبار خصوصاً في أمرهم بما كانوا منهيين عنه ونهيهم عما كانوا مأمورين به، فالانقياد في حالة التغيير أدل على الإذعان والطاعة.
6-الفرق بين النسخ والتخصيص:
النسخ رفع للحكم بالكلية والتخصيص قصر للحكم على بعض أفراده. فهو رفع جزئي.
- - - - - - - - - - - - - -
الفصلُ الثالثُ
الخَبَرُ المَرْدوُد(8)
المبحث الأول: الضعيف.
المبحث الثاني: المردود بسبب سقط من الإسناد
المبحث الثالث: المردود بسبب طعن في الراوي
المبحث الأول: الضعيف.
تعريفُه:
هو الذي لم يَتَرَجَّحْ صِدْقُ المُخْبِرِ به. وذلك بفقد شرط أو أكثر من شروط القبول التي مرت بنا في بحث الصحيح.
أقسامُه وأسبابُّ ردِّه :
لقد قسم العلماء الخبر المردود إلى أقسام كثيرة زاد على الأربعين نوعاً، وأطلقوا على كثير من تلك الأقسام أسماء خاصة بها ، ومنها ما لم يطلقوا عليها اسما خاصاً بها بل سموها باسم عام هو " الضعيف " .
أمَّا أسبابُ رد الحديث فكثيرة، لكنها ترجع بالجملة إلى أحد سببين رئيسيين هما:
سَقْطُ من الإسناد .
طعنٌ في الراوي .
وتحت كلٍّ من هذين السببين أنواعٌ متعددة ، سأتكلم عنها بأبحاث مستقلة مفصلة إن شاء الله تعالى مبتدئاً ببحث " الضعيف " الذي يعتبر هو الاسم العام لنوع المردود
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (13/105-108)
(2) - المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 6758- 6768)(2292)
(3) - سنن الترمذى(939 ) وفيه ضعف
(4) - المستصفى - (ج 2 / ص 116) والبحر المحيط - (ج 4 / ص 213) وإرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم الاصول - (ج 1 / ص 343) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 88) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 384) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 461)
(5) - الحَازِمِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ عُثْمَانَ بنِ حَازِمٍ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، النَّاقِدُ، النَسَّابَةُ، البَارِعُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ عُثْمَانَ بنِ حَازِمٍ الحَازِمِيُّ، الهَمَذَانِيُّ.مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي الحَدِيْثِ، خُصُوْصاً فِي النَّسَبِ، وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَاد.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ: تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَجَالَس العُلَمَاء، وَتَمَيَّزَ، وَفَهِم، وَصَارَ مِنْ أَحْفَظ النَّاس لِلْحَدِيْثِ وَلأَسَانِيْده وَرِجَاله، مَعَ زُهْد، وَتعبّد، وَرِيَاضَة، وَذِكْرٍ، صَنَّف فِي الحَدِيْثِ عِدَّة مُصَنَّفَات، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس، وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظ، حلو المذَاكرَة، يغلبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَة أَحَادِيْثَ الأَحكَام، أَملَى طرق الأَحَادِيْث الَّتِي فِي (المُهَذَّب) لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَسندهَا، وَلَمْ يُتِمَّه.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّجَّار فِي (تَارِيْخِهِ): كَانَ الحَازِمِيُّ مِنَ الأَئِمَّةِ الحُفَّاظ، العَالِمِين بفقه الحَدِيْث وَمعَانِيه وَرِجَاله، أَلّف كِتَاب (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ)، وَكِتَاب (عجَالَة المبتدئ فِي النَّسَبِ)، وَكِتَاب (المُؤتلف وَالمُخْتَلِف فِي أَسْمَاء البُلْدَان).
وَأَسند أحَادِيث (المُهَذَّب)، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، زَاهِداً، عَابِداً، وَرِعاً، مُلاَزِماً لِلْخلوَة وَالتصنِيف وَبثّ العِلْم، أَدْركه الأَجل شَابّاً، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِم الحَافِظ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخنَا الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ يُفضّل أَبَا بَكْرٍ الحَازِمِيَّ عَلَى عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيّ، وَيَقُوْلُ: مَا رَأَينَا شَابّاً أَحْفَظ مِنَ الحَازِمِيّ، لَهُ كِتَاب فِي (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ) دَالٌّ عَلَى إِمَامته فِي الفِقْه وَالحَدِيْث، لَيْسَ لأَحدٍ مِثْلُه.
مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيّ: فِي شَهْر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ سِتٌّ وَثَلاَثُوْنَ سَنَة. سير أعلام النبلاء(21/168-170)(84 )
(6) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 11)
(7) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 309)
(8) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 11)(1/102)
أولاً- تعريفُ الحديث الضعيف(1)
هو ما فقد شرطا من شروط الحديث المقبول وهي ستة:
1 -العدالة: أي الصدق والتقوى والالتزام الظاهر بأحكام الإسلام.
2 -الضبط: هو الدقة في الحفظ والإتقان ثم الاستحضار عند الأداء .
3 -الاتصال: أي كل واحد من الرواة قد تلقاه من رواة الحديث حتى النهاية دون إرسال أو انقطاع.
4- عدم الشذوذ: وهو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أثق منه .
5- عدم وجود العلة القادحة: أي سلامة الحديث من وصف خفي قادح في صحة الحديث والظاهر السلامة منه .
6 -العاضدُ عند الاحتياج إليه .(2)
والسببُ في الحكم على الحديث بالضعف لفقدِ أحد شروط القبول أنه باجتماع هذه الشروط ينهضُ الدليلُ الذي يثبت أنَّ الحديث قد أداهُ رواته كما هو،فإذا اختلَّ واحدٌ منها فقدَ الدليلَ على ذلك .
ومنْ هنا يتَّضحُ لنا احتياطَ المحدِّثين الشديدَ في قبولِ الحديث،حيث إنهم جعلوا مجردَ فقدِ الدليل كافياً لردِّ الحديثِ والحكم عليهِ بالضعفِ،مع أنَّ فقد الدليل ليس دليلاً محتِّماً على الخطأ أو الكذب في رواية الحديث .
كما أنه يتبين لنا منَ التعداد الذي أوردناه لشروط القبول أنَّ هذا الاصطلاح لقبٌ عامٌّ يشمل كلَّ حديثٍ مردودٍ مهما كانْ سببُ ردِّهِ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح-(ج 1 / ص 6 ) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث-(ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 73 ) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث-(ج 1 / ص 2 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 120 ) الشاملة2
(2) - راجع التدريب ص 105 وتوضيح الأفكار 1/248 وشرح الزرقاني 30 ومنهج النقد في علوم الحديث لأستاذنا العتر 224-225 و266-267(1/103)
ثانياً- أقسامُ الضعيف :
يقسم الحديث الضعيف إلى أنواع كثيرةٍ جدا،وأكثرُ أهل العلم على تصنيفه بحسب الأنواع الرئيسة،حيث إنها ضوابطُ كافيةٌ لتمييزِ المقبول من المردود،تندرجُ تحتها كافةُ الصُّوَر،كما أنها تبين إلى أي مدًى بلغَ الضعفُ،هل هو هيِّنٌ يصلحُ للتقويةِ إنْ وجِدَ عاضدٌ،أو شديدٌ لا يصلحُ للتقوية،أو مكذوبٌ مختلَقٌ جزماً ؟ .
وهو ثلاثةُ أنواع رئيسةٍ:
أ - الضعيف ضعفا يسيراً،وهو أنواع كثيرة منها(1):
1- سوءُ الحفظ،مثل سليمان بن قرم،و محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري،رشدين بن سعد أبو الحجاج المهري،ومحمد بن جابر الحنفي اليمامي.(2)
مثاله: أخرج النسائيُّ في سننه الكبرى أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ ، يَقُولُ : أَتَيْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى ، فَقُلْتُ : أَقْرِئْنِي عَنْ سَلَمَةَ حَدِيثًا مُسْنَدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَدَّثَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : إِذَا أَصْبَحَ : " أَصْبَحْنَا عَلَى الْفِطْرَةِ " فَذَكَرَ الدُّعَاءَ قَالَ شُعْبَةُ : فَأَتَيْتُ سَلَمَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا شَيْئًا ، قُلْتُ : وَلَا مِن قَوْلِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : وَلَا حُدِّثْتَ عَنْهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ ذَرًّا يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِن كِتَابِي : فَدَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْتُ : أَيْنَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مِن ذَرٍّ ؟ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : أَيْنَ ذَرٌّ مِنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ؟ قَالَ : هَكَذَا ظَنَنْتُ ، قُلْتُ : هَكَذَا تُعَامِلُ بِالظَّنِّ ؟ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَحَدُ الْعُلَمَاءِ ، إِلَّا أَنَّهُ سَيِّئُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الْخَطَأِ(3)
2 -الاختلاطُ،مثل: بحر بن مرار وحبان بن يسار الكلابي وحجاج بن محمد المصيصي الأعور وخالد بن طهمان الكوفي وخطاب بن القاسم الحراني ورواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وسعيد بن أبي عروبة مهران وعطاء بن السائب .....(4)
مثاله ما رواه أحمد في مسنده حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ضَافَ ضَيْفٌ رَجُلاً مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ وَفِى دَارِهِ كَلْبَةٌ مُجِحٌّ فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ وَاللَّهِ لاَ أَنْبَحُ ضَيْفَ أَهْلِى. قَالَ: فَعَوَى جِرَاؤُهَا فِى بَطْنِهَا،قَالَ قِيلَ مَا هَذَا قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى رَجُلٍ مِنهُمْ هَذَا مَثَلُ أُمَّةٍ تَكُونُ مِن بَعْدِكُمْ يَقْهَرُ سُفَهَاؤُهَا أَحْلاَمَهَا »(5).
فهذا الحديث مداره على عطاء بن السائب ، وقد اختلط، وكل من رواه عنه فبعد اختلاطه واضطرب فيه اضطرابا شديدا ، والأرجح عدم رفعه .
3 -الانقطاع،وهو أن يروي عمن لم يسمع منه،كما في سنن ابن ماجه (250 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ المدني حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الْحَسَنِ البصري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ عِلْمًا ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ »
فهذا الحديث في سنده انقطاع،لأن الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة عند جمهور المحدثين .
وكما في سنن أبى داود (1055 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ الْعُجَيْفِىِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ ».
فهذا الحديث فيه قدامة بن وبرة لم يسمعه من سمرة كما بين البخاري(6)
4 -الإرسال،وهو أن يروي التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة،دون ذكر الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ففي المراسيل لأبي داود (1 ) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي قَنَانٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - " كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ،فَأَتَى عَزَازًا مِنَ الْأَرْضِ،أَخَذَ عُودًا،فَنَكَتَ بِهِ حَتَّى يُثَرَّى،ثُمَّ يَبُولُ"
قلت: طلحة بن قنان تابعي(7)
ومثله (2 ) عَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ،الرِّجْسِ النَّجِسِ،الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"
قلت: الحسن البصري تابعي
ومثله (3 ) عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَالَ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِدِ".
قلت: مكحول تابعي
5 -التدليس،وهو أنواع متعددة،مثل إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي وبقية بن الوليد الحمصي،والحسن بن ذكوان, وخارجة بن مصعب بن خارجة وشعيب بن أيوب بن رزيق،والوليد بن مسلم الدمشقي .....(8)
روى الخطيب من طريق بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصابه جهدٌ في رمضان فلم يفطرْ فماتَ دخلَ النارَ.(9)
قال علي بن عمر الدارقطني: غريب من حديث عبيد الله بن عمر تفرد به بقية عنه وتفرد به عبد الرحمن بن يونس عن بقية.
قلت : هذا الحديث لا يصحُّ لأن بقية بن الوليد لم يصرح بالتحديث ، وقد قالوا إنه كان يدلس على عبيد الله بن عمر ، وهذا منها ، ومتنه فيه نكارة .
6 -الإعضال،ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي،مثل حديث ابْنِ جُرَيْجٍ،أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ،أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ،قَالَ:"مَنْ طَلَّقَ لاعِبًا،أَوْ نَكَحَ لاعِبًا فَقَدْ جَازَ"(10).
فعبد الكريم سواء أكان الجزري ( الثقة ) أو ابن أبى المخارق ( الضعيف ) فكلاهما من الذين عاصروا صغار التابعين،فبينه وبين ابن مسعود راويان أو أكثر،ولذلك قال الهيثمي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ،وَفِيهِ مُعْضِلٌ،وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ(11).
وكما في مسند أحمدحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيٍّ يَعْنِي ابْنَ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ سَفِينَةَ أَنَّ رَجُلًا سَاطَ نَاقَتَهُ بِجِذْلٍ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا"(12)
فيحيى بن أبي كثير بينه وبين سفينة مفاوز، ومن ثم قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده معضل ضعيف.
7 -الشذوذ،أن يخالف الثقة من هو أوثق منه برواية حديث ما أو جملة يتفرد بها ويخالف الثقات،وله مواضع :
مثال الشذوذ في السند:"ما رواه أبو داود(13)والسنن الكبرى للبيهقي(14)والترمذى(15)كلهم من طريق حَمَّادَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّىَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« انْظُرُوا هَلْ لَهُ وَارِثٌ ». فَقَالُوا: لاَ إِلاَّ غُلاَمًا كَانَ لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ادْفَعُوا إِلَيْهِ مِيرَاثَهُ ». وتابع ابن عيينة على وصله ابن جُرَيْج وغيره،وَخَالَفَهُمَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً.ففي السنن الكبرى للبيهقي(16), أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ القاضي حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ وَعَارِمٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى لَهُ هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِيرَاثَهُ. قَالَ:القاضي هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مُرْسَلاً لَمْ يَبْلُغْ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً قَالَ:الْبُخَارِىُّ: عَوْسَجَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ قَالَ:الشَّيْخُ: وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ غَلَطٌ لاَ شَكَّ فِيهِ.
قال أبو حاتم: المَحفُوظ حديث ابن عُيينة.
قال ابن حجر: فحمَّاد بن زيد من أهل العَدَالة والضَّبط, ومع ذلك رجَّح أبو حاتم رِوَاية من هم أكثر عددًا منه, قال: وعرف من هذا التقرير أنَّ الشَّاذ ما رواه المقبول مُخَالفًا لمن هو أولَى منهُ. قال: وهذا هو المُعتمد في حدِّ الشَّاذ بحسب الاصطلاح..(17)
مثال الشذوذ في المتن(18): ما رواه أبو داود(19)حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ». فَقَالَ:لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ ..قَالَ:لاَ. قَالَ:فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ:أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ:فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يقول: قَالَ:لاَ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا. قَالَ:فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:فَمَا ذَنْبِى إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا.
قال البيهقي(20), َقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ حِكَايَةً عَنْ فِعْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. {ق} قَالَ:الشَّيْخُ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.(21)
8 -الوهم،والوهم قد يكون من الثقة سواء في الإسناد أو المتن،وقد يكون من الضعيف،فيضعف إذا كثرت أوهامه،كما في سنن أبى داود(3294 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِى كَثِيرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ قَالَتْ قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ». قَالَ:أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ: إِنَّمَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . أَرَادَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ وَهِمَ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِىُّ وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ. قَالَ:أَبُو دَاوُدَ: رَوَى بَقِيَّةُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإِسْنَادِ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلَهُ.
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم ( 81 ) سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَمِرٍ الْيَحْصُبِيِّ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ عُرْوَةَ،عَنْ مَرْوَانَ،عَنْ بُسْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ،وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ
فَقَالَ:أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ وَهِمَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَرْوِيهِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ قُلْتُ لأَبِي: فَحَدَيِثُ أُمِّ حَبِيبَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ؟
قَالَ:أَبِي: رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُوهِنُ الْحَدِيثَ أَوْ تَدُلُّ رِوَايَتُهُ أَنَّ مَكْحُولا قَدْ أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ رَجُلا"
وفي العلل ( 141 ) وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: كَانَ السِّوَاكُ مِن أذُنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِن أُذُنِ الْكَاتِبِ. قَالَ:أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا وَهْمٌ،وَهِمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ
9 -العلة القادحة،هي: سببٌ يقدحُ في صحّةِ حديثٍ ظاهرهُ الصحّةُ والخلوُّ منها،ولا تتبيّنُ إلاّ للنقّاد الجهابذة .
كحديث يَعْلى بن عُبيد الطنافسي(22)أحد رجال الصَّحيح عن سُفيان الثَّوري, عن عَمرو بن دينار عن ابن عُمر عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حديث: «البَيِّعان بالخِيَار...» غلط يعلى عن سُفيان في قوله: عَمرو بن دينار إنَّما هو عبد الله بن دينار هكذا رَواهُ الأئمة أصْحَاب سُفيان, كأبي نُعيم الفَضْل بن دُكين(23), ومحمَّد بن يوسف الفِرْيابي(24), ومخلد بن يزيد(25)وغيرهم.(26)
ومن ذلك أن يَكُون السَّند ظاهر الصِّحة, وفيه من لا يُعرف بالسَّماع ممَّن روى عنه.
قال الحاكم(27):كحديث مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:" مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ،فَقَالَ:قَبْلَ أَنْ يَقُومَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ". قَالَ:أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْ تَأَمَّلَهُ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ مِن شَرْطِ الصَّحِيحِ،وَلَهُ عِلَّةٌ فَاحِشَةٌ(28).
(237 ) حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ حَمْدُونَ الْقَصَّارَ يقول: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ:" وَجَاءَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ،فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ،وَقَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أَسْتَاذَ الْأُسْتَاذَيْنِ،وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ،وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ حَدَّثَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: ثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ سُهَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ فَمَا عِلَّتُهُ ؟،قَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا حَدِيثٌ مَلِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ،إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ" حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: ثَنَا سُهَيْلٌ , عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَوْلَهُ،قَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُذْكَرُ لِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ سَمَاعًا مِن سُهَيْلٍ(29)
10- المضطرب،هو الحديث الذي تختلف فيه الرواة مع اتحاد مصدرهم،ولم يستقم التوفيق بينهم ولا الترجيح على طريقة المحدثين النقاد،وإن كان ذلك ممكنا على التجويز العقلي المجرد.
فمثالها في السند: ما وقع من الاضطراب الشديد في إسناد حديث جرهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" الفخذ عورة" .
فهذا الحديث اضطرب فيه الرواة على نحو من عشرين وجهاً مختلفاً،قد يمكن إرجاع بعض منها إلى بعضها الآخر،لكن لا انفكاك عن بقاء الاختلاف المؤثر،الذي يتعذر معه ترجيح بعضها على بعض(30).
__________
(1) - أصول الحديث ومصطلحه, الخطيب 337-347, وقواعد التحديث للقاسمي 108-165 والحديث النبوي الصباغ, 257-274 والباعث الحثيث شاكر, ص44-73 .
(2) - انظر ترجمتهم في التقريب والكاشف
(3) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي الرسالة (10105 )
(4) - انظر ترجمتهم في التقريب للحافظ ابن حجر
(5) - مسند أحمد (6745 ) ومجمع 1/183 7/280 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة(3812 ) وهو ضعيف
(6) - انظر ضعفاء العقيلي [ج3 -ص 484 ] 1543 والبدر المنير (ج 4 / ص 693 ) فما بعدها
(7) - ففي الجرح والتعديل [ج4 -ص 476 ] 2089 - طلحة بن أبى قنان روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل روى عنه الوليد بن سليمان بن أبى السائب سمعت أبى يقول ذلك
(8) - انظر تراجمهم في التقريب
(9) - تاريخ بغداد - (ج 4 / ص 434 ) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6920 )
(10) - المعجم الكبير للطبراني(9592 )
(11) - مجمع الزوائد (7530 )
(12) - برقم(22560 )
(13) - برقم (2907 )
(14) ج 6 / ص 242 ) برقم (12766 )
(15) - برقم (2252 )
(16) ج 6 / ص 242 ) برقم (12768 )
(17) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 186 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 174 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 14 )
(18) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 174 )
(19) - برقم (1263 ) برقم (1263 ) انظر ألفاظه وطرقه في في المسند الجامع - (ج 16 / ص 1554 ) (13159 ) وصحيح ابن حبان (2512 ) وصحيح ابن خزيمة (1057 ) وشرح السنة للبغوي - (ج 2 / ص 146 ) 887 وعمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 6 / ص 176 ) وتعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين والترمذى برقم (422 ) و قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ فِى بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا اسْتِحْبَابًا.
(20) - في السنن الكبرى (ج 3 / ص 45 ) برقم (5085 )
(21) - قلت : والأعمش أثبت منهما في أبي صالح. فإن قلت: نعم، ولكن الشأن في الراوي عنه وهو ابن زيادٍ. قلنا: نعم، وقد قدمنا لك أنه أحدُ الأثبات في الأعمش كما قال ابن معين. فالصوابُ الحكمُ له حتى يظهر لنا أنه قد خالفه من هو أمكنُ منه. فالراجح عندي: صحةُ الحديث بالشرط المذكور. والله أعلم" . قلتُ : الصوابُ صحةُ الحديث الموصول ، والتعليل بشذوذ المتن فيه نظر, انظر الفتاوى الحديثية للحويني - (ج 2 / ص 26 )
(22) - الخليلي في الإرشاد 1/341
(23) - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/269و273 وابن عبد البر في التمهيد 14/22
(24) - البخاري (2113 )
(25) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (ج 7 / ص 188 ) (11668 )
(26) - انظر الروايات كلها في المسند الجامع (ج 10 / ص 727 ) (7730 )
(27) - علوم الحديث ص 113- 118
(28) - شرح السنة للبغوي(1340 ) ومعرفة علوم الحديث (236 )
(29) - كونه فيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه ، ليس هو العلة ، بل دليل على العلة ، وإنما العلة : أنه روي عن عون بن عبد الله موقوفا عليه ، وقد أعلَّه أبو حاتم في العلل (2079 ) بالوقف ، وبين الحافظ ابن حجر في النكت 2/726 أن قول البخاري : لا يذكر لموسى سماع من سهيل ، معناه أنه إذا كان غير معروف بالأخذ عنه ، ووقعت عنه رواية واحدة ، خالفه فيها من هو أعرف بحديثه وأكثر له ملازمة ، رجحت روايته على تلك الرواية المنفردة "
قلت : وهذا ذهاب منه إلى أن العلة الاختلاف بين رفعه ووقفه ، وكلامه يدلُّ على ترجيح الوقف ، ويدلُّ أيضاً على أن قول البخاري السابق هو من أدلته على ترجيح الوقف ، لا أنه العلة المقصودة . تدريب الراوي هامش 1/422
(30) - انظر المسند الجامع(ج 4 / ص 965 ) (3130 ) والبدر المنير (ج 4 / ص 14-152 )(1/104)
قَالَ:ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ:"وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ لَهُ عِلَّتَانِ: إحْدَاهُمَا: الِاضْطِرَابُ الْمُؤَدِّي لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِهِ،وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ،فَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ بْنُ مُسْلِمٍ،ثُمَّ مِن هَؤُلَاءِ مَنْ يقول: عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ عَنْ آلِ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: وَإِنْ كُنْت لَا أَرَى الِاضْطِرَابَ فِي الْإِسْنَادِ عِلَّةً،فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ثِقَةً،فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ عَلَيْهِ إلَى مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ،أَوْ رَافِعٍ وَوَاقِفٍ،أَوْ وَاصِلٍ،وَقَاطِعٍ،وَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ غَيْرَ ثِقَةٍ،أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ،فَالِاضْطِرَابُ يُوهِنُهُ،أَوْ يَزِيدُهُ وَهْنًا وَهَذِهِ حَالُ هَذَا الْخَبَرِ،وَهِيَ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ زُرْعَةَ،وَأَبَاهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْ الْحَالِ،وَلَا مَشْهُورَيْ الرِّوَايَةِ".(1)
ومثال مضطرب المتن: كما في سنن الترمذى عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الزَّكَاةِ فَقَالَ:« إِنَّ فِى الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ». ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِى فِى الْبَقَرَةِ:{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177 ) سورة البقرة.(2)ورواه ابن ماجه عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ - تَعْنِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - - يقول: « لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ »(3). قال العراقي" فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل" .
11- المقلوب،هو الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدلَ فِيْهِ راويه شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً(4)
ومن أسوأ أمثلة القلب: ما نقله ابن أبي حاتم العلل (1371 ) وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ جَابِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"لا يُسْتَقَادُ مِنَ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ"،قَالَ:أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ مُرْسَلٌ مَقْلُوبٌ.
يعني أبو زرعة أن صوابه: ( ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن جابر عن الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
فهذا قلب مفسد جداً،ليس في تصيير المرسل موصولاً فقط؛ إذ الشعبي تابعي،بل جابر هذا في حال الوصل هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي،وفي حال كونه الراوي عن الشعبي فهو جابر بن يزيد الجعفي أحد المتروكين في الحديث،فتأمل !
ـــــــــــــــ
__________
(1) - نصب الراية (ج 4 / ص 242 )
(2) - برقم (661 ) وطبرى 2/57 وهق 4/84 والإتحاف 4/105 وعدى 4/1328 وقط 2/125 وكثير 1/98 ومعانى 2/27 وتخ 3/90 والنيل 8/155 وقواه
(3) - برقم (1861 ) وفي السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي (ج 4 / ص 84 ) برقم (7493 ) قال عقبه : فَهَذَا حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِأَبِى حَمْزَةَ : مَيْمُونٍ الأَعْوَرِ كُوفِىٌّ وَقَدْ جَرَحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ. وَالَّذِى يَرْوِيهِ أَصْحَابُنَا فِى التَّعَالِيقِ "لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" فَلَسْتُ أَحْفَظُ فِيهِ إِسْنَادًا وَالَّذِى رُوِّيتُ فِى مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قلت :صحح بعض الأئمة وقفه على بعض الصحابة والتابعين وورد عكسه وهو ليس فى المال حق سوى الزكاة وفى سنده ضعف وفى معناه : "إذا أديت زكاة مالك فقد ذهب عنك شره ..." هق 4/84 . صحيح.
والجمع بينهما سهل ميسور بإذن الله ، فالحديث الثاني محمول على الحالة العادية للمسلمين حيث أن زكاة المال ونحوها من موارد الدولة الإسلامية تكفى حاجة الفقراء والمساكين .
والحديث الأول يحمل على الأحوال الطارئة : حروب كوارث طبيعية... حيث زكاة المال لا تكفى لسد مثل هذه الضروريات فيجوز لولى الأمر العادل أخذ ما يحتاج إليه الفقراء أو الجهاد -- من فضول أموال الأغنياء... وهذا ما قاله كثير من علماء السلف والخلف وهو الحق ، انظر الفيض 2/472 و 473 ، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للقرضاوى
(4) - انظر أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء : 311 ومَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 91 والإرشاد 1/266-272 ، والتقريب: 86-87 والاقتراح:236 والمنهل الروي : 53 ، والخلاصة : 76 ، والموقظة : 60 ، واختصار علوم الْحَدِيْث : 87 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/282 ونزهة النظر : 125 ، وفتح المغيث 1/253 وألفية السيوطي: 69-72 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي : 225 وفتح الباقي 1/282 وتوضيح الأفكار 2/98 وظفر الأماني : 405 ، وقواعد التحديث : 230 .(1/105)
ب الضعيفُ ضعفاً شديداً وهو أنواع منها :
1. المنكرُ: هو ما رواه الضعيف مخالفا للثقات وتفرد به،أو المنكرُ هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ الرجلُ،ولا يُعرفُ متُنُه من غيرِ روايتِهِ،لا من الوجهِ الذي رواهُ منهُ ولا من وجهٍ آخرَ(1)
فالأولُ: مثالٌ للفردِ الذي ليسَ في راويهِ من الثقةِ والإتقانِ ما يحتملُ معهُ تفرُّدُهُ،وهوَ ما رواهُ النسائيُّ،وابنُ ماجه منْ روايةِ أبي زُكَيْرٍ يحيى بنِ محمّدِ بنِ قيسٍ عنْ هِشامِ بنِ عُروةَ عنْ أبيهِ عنْ عائشةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ،قالَ:" كلوا البَلَحَ بالتَّمْرِ،فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلَهُ غَضِبَ الشيطانُ، ... الحديثَ"،قالَ النسائيُّ هذا حديثٌ منكرٌ(2)،قالَ ابنُ الصلاحِ تفرّدَ بهِ أبو زُكيرٍ،وهوَ شيخٌ صالحٌ أخرجَ عنه مسلمٌ في كتابِهِ غيرَ أنَّهُ لَمْ يبلغْ مبلغَ مَنْ يحتملُ تفرُّدُهُ.
قلت: أخرجَ لهُ مسلمٌ في المتابعات .
2 المتروك: هو الحديث الذي انفرد به راو متهم بالكذب وهو من عرف بالكذب في كلام الناس لا في الحديث النبوي. وزاد بعضهم ما انفرد به من رمي بفسق أو كثير الغفلة أو الوهم.(3).
مثال: حديث عمرو بن شَمِر الجُعْفي الكوفي الشيعي،عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار قالا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر،ويكبر يوم عرفة من صلاة الغَداة،ويقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق"
وفي لسان الميزان لابن حجر(4): عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد الله عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي والأعمش روى عباس عن يحيى ليس بشيء وقال الجوزجاني زائغ كذاب وقال ابن حبان رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات وقال البخاري: منكر الحديث قال يحيى: لا يكتب حديثه... وقال النسائي والدارقطني وغيرهما متروك الحديث... وقال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره, وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء وقال أبو نعيم يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير"(5)
قلت: لكن أكثر ما يستخدم المحدِّثون ( المتروك ) على الرواة دون الروايات،فكثيراً ما يقولون (فلانٌ متروك )(6)أو (متروكُ الحديث )(7)أو( تركوه )(8)،أو (تركه الناسُ )(9).
أما في الحديث فلا يستعملونه إلا نادراً،ومع ذلك فلا يحصرونه في رواية المتهم بالكذب،كما قال ذلك البعض،بل الحديثُ عندهم يُتركُ إذا قامتِ الدلائل على ضعفه،أو لم تقم على قبوله،وإن لم يكن ذلك موجباً لترك راويه،لأن الراوي لا يترك إلا إذا كثر الخطأ منه،لكن إذا أخطأ- ولو قليلاً - ترك الحديث الذي أخطأ فيه .
3 المطروح: وهو مثل المتروك ومثله الواهي والساقط . وهذا النوع أفرده الحافظ الذهبي وعرفه بأنه: ما نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع.
ومثل له الذهبي بحديث جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس .
وهي سلسلة يروى بها أحاديث كثيرة منها: عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا قال:"تجب الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق" .
جويبر: قال ابن معين ليس بشيء،وقال الجوزجاني: لا يشتغل به. وقال النسائي والدراقطني وغيرهما: متروك.(10)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 80 )
(2) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (6690 )
(3) - منظومة مصباح الراوي في علم الحديث (ج 1 / ص 69 )
(4) - لسان الميزان للحافظ ابن حجر (ج 4 / ص 116 ) [ 1075 ]
(5) - وانظر ميزان الاعتدال ـ3 ـ ص 268 والجرح والتعديل (ج 4 / ص 116 ) [ 1075 ]
(6) - كما في تقريب التهذيب (ج 1 / ص 78 ) 14- أحمد ابن بشير البغدادي آخر متروك خلطه عثمان الدارمي بالذي قبله وفرق بينهما الخطيب فأصاب من العاشرة تمييز
(7) - كما في تقريب التهذيب (ج 1 / ص 92 ) 215- إبراهيم ابن عثمان العبسي بالموحدة أبو شيبة الكوفي قاضي واسط مشهور بكنيته متروك الحديث من السابعة مات سنة تسع وستين ت ق.
(8) - كما في تقريب التهذيب (ج 2 / ص 610 ) 7862- يوسف ابن خالد ابن عمير السمتي بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثناة أبو خالد البصري مولى بني ليث تركوه وكذبه ابن معين وكان من فقهاء الحنفية من الثامنة مات سنة تسع وثمانين ق
(9) - كما في لسان الميزان للحافظ ابن حجر (ج 1 / ص 109 ) [ 1088 ] إسحاق بن إدريس الأسواري البصري أبو يعقوب عن همام وأبان وعنه عمر بن شبة وابن مثنى تركه ابن المديني وقال أبو زرعة واه وقال البخاري تركه الناس وقال الدارقطني منكر الحديث ....
(10) - انظر منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 300 )(1/106)
ج الموضوع(1):
هو الكذبُ المُخْتَلَق المصنوعُ المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد عَلِمَ حالَهُ في أي معنى كان سواء الأحكام, والقَصَص, والتَّرغيب وغيرها،إلا مع بيان وضعه،لحديث مسلم: « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ».(3)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 18 ) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 10 ) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 6 ) والمختصر في أصول الحديث (ج 1 / ص 5 ) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 126 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 236 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 21 ) وألفية السيوطي في علم الحديث (ج 1 / ص 16 ) وتيسير مصطلح الحديث (ج 1 / ص 16 ) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 435 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 124 ) والموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 5 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 223 ) وألفية العراقي في علوم الحديث (ج 1 / ص 20 ) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 94 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 225 ) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي (ج 1 / ص 29 ) وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 256 ) وتوضيح الأفكار (ج 2 / ص 68 )
(2) - المصادر السابقة
(3) - صحيح مسلم برقم (1 ) ومقدمة مسلم بشرح النووي جـ 1 ـ ص 62 .(1/107)
ثالثا- أَوْهَى الأسانيد(1):
كما ذكر العلماء أصح الأسانيد،فقد ذكروا في بحث" الضعيف" ما يسمَّى بـ"أوهى الأسانيد"
قال الحاكم(2): فأوهى أسانيد الصِّديق: صدَقة الدَّقيقي(3), عن فَرْقد السَّبخي(4), عن مُرَّة الطيب(5)عنه.
كما في سنن الترمذى(6)حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِىِّ عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ».
وأوهى أسانيد أهل البيت: عَمرو بن شمر(7), عن جابر الجُعْفي(8), عن الحارث الأعور(9), عن علي - رضي الله عنه -
ولكن الأحاديث بهذا السند نادرة جدًّا
وأوهى أسانيد العُمريين(10): محمد(11)بن القاسم(12)بن عبد الله(13)بن عمر بن حفص(14)بن عاصم،عن أبيه،عن جده, فإنَّ الثلاثة لا يحتج بهم.
وأوْهَى أسانيد أبي هُريرة(15): السَّري بن إسماعيل(16), عن داود بن يزيد الأوْدي,(17)عن أبيه(18), عنه.
قلتُ: والأحاديث بهذا السند نادرة جدا.
وأوْهَى أسَانيد عائشة: نُسْخة عندَ البَصْريين عن الحارث بن شِبْل, عن أمِّ النُّعمان, عنها.(19)
مثال كما في المعجم الأوسط للطبراني(11508 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَخْرَمِيُّ،نَا شَاذُّ بْنُ الْفَيَّاضِ،ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ،عَنْ أُمِّ النُّعْمَانِ،عَنْ عَائِشَةَ،- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - قَالَتْ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" أَخَفُّ النِّسَاءِ صَدَاقًا أَعْظَمُهُنَّ بَرَكَةً" لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ النُّعْمَانِ،عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ،تَفَرَّدَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ"
قلتُ: لا يلزم من ضعف السند ضعف الحديث،فهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد(20)
وأوْهَى أسَانيد ابن مسعود: شَريك,(21)عن أبي فزارة(22), عن أبي زيد(23), عنه.
كما في سنن أبى داود برقم (84 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِى فَزَارَةَ عَنْ أَبِى زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ:« مَا فِى إِدَاوَتِكَ ». قَالَ:نَبِيذٌ. قَالَ:« تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ ». قَالَ:أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ:سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ أَبِى زَيْدٍ أَوْ زَيْدٍ كَذَا قَالَ:شَرِيكٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ.( ولا يصح ) - الإداوة: إناء صغير من جلد
وقال الترمذى (88 ) عقبه:وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مِنهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ:بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يُتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ:إِسْحَاقُ إِنِ ابْتُلِىَ رَجُلٌ بِهَذَا فَتَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ وَتَيَمَّمَ أَحَبُّ إِلَىَّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَقَوْلُ مَنْ يقول: لاَ يُتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ أَقْرَبُ إِلَى الْكِتَابِ وَأَشْبَهُ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (43 ) سورة النساء
وأوْهَى أسَانيد أنس(24): داود بن المُحْبر(25)بن قَحْذم, عن أبيه(26), عن أبان بن أبي عيَّاش(27), عنه.
قلتُ: ما ورد بهذا السند فلا يشك أنه كذبٌ مفترى.
وأوْهَى أسانيد المَكِّيين(28): عبد الله بن ميمون القَدَّاح(29), عن شهاب بن خِرَاش(30), عن إبراهيم بن يزيد الخوزي(31), عن عِكْرمة, عن ابن عبَّاس.
قلت: وما كان في هذا السند فكذب بلا ريب .
وأوْهَى أسانيد اليمانيين(32): حفص بن عُمر العَدَني(33), عن الحكم بن أبان(34), عن عكرمة(35), عن ابن عبَّاس.
قال البَلْقيني فيهما: لعله أراد, إلاَّ عكرمة, فإن البُخَاري يحتجُّ به.
قلت: لا يوجدُ ضعيف في هذا السند سوى حفص والباقي ثقات كما رأينا،فالعلة منحصرة به،ليس إلا .
مثال: كما في المعجم الكبير للطبراني (11458 ) - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ،حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ،حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ الْعَدَنِيُّ،عَنِ الْحَكَمِ بن أَبَانَ،عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ،وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ،وَلا يَنْتَهِبُ النُّهْبَةَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ.(36)
وأمَّا أوْهَى أسانيد ابن عبَّاس مُطْلقا(37): فالسُّدي الصَّغير محمد بن مروان(38), عن الكَلْبيِّ(39), عن أبي صالح(40), عنه. قال ابن حجر: هذه سلسلة الكَذِب, لا سِلْسلة الذَّهب.
قلتُ: وقد اختلقَ هؤلاء تفسيرا مطوَّلاً عن ابن عباس (المقباس من تفسير ابن عباس ) وكله كذبٌ.
وقال البيهقي :"الْكَلْبِىُّ مَتْرُوكٌ وَأَبُو صَالِحٍ هَذَا ضَعِيفٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَلِىٌّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَفِيدُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمَدِينِىِّ قَالَ:سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ:قَالَ:لِىَ الْكَلْبِىُّ قَالَ:لِى أَبُو صَالِحٍ: كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ كَذِبٌ."(41)
قال الحاكم: وأوْهَى أسانيد المِصْريين: أحمد بن محمَّد بن الحجَّاج بن رِشْدين(42), عن أبيه, عن جدِّه(43), عن قُرَّة بن عبد الرَّحمن(44), عن كلِّ من رَوَى عنه, فإنَّها نُسْخة كبيرة.
وأوْهَى أسَانيد الشَّاميين: محمَّد بن قَيْس المَصْلوب(45), عن عُبيد الله بن زحر(46), عن علي بن يزيد(47), عن القاسم(48), عن أبي أُمَامة.
قلت: فلو ورد سند بهذا الشكل،فلا يشكُّ بأنه كذب،وأما إذا روى عن عبيد الله بن زحر ثقةٌ، فالحديث يدور بين الحسن إذا توبع والضعف إذا لم يتابع،وقد أخرج الترمذي وابن ماجة وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والحاكم والطبراني بهذا السند وأكثر منه الإمام أحمد في مسنده،وقد وهم الشيخ شعيب،حيث اعتبر أن ما ورد بهذا السند يدور بين الضعف الشديد والشبيه بالموضوع!.
وهذا مثال واحد ،قال البزار في مسنده: (498 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ،عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ،عَنِ الْقَاسِمِ،عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنْ عَلِيٍّ،قَالَ: كُنْتُ آتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْتَأْذِنُ،فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ تَنَحْنَحَ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاةٍ أَذِنَ لِي.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مِن هَذَا الْوَجْهِ،وَمَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ،عَنْ عَلِيٍّ(49)وَهَذَا الإِسْنَادُ وَالإِسْنَادُ الآخَرُ الَّذِي يُرْوَى فِي ذَلِكَ لَيْسَا بِالْقَوِيَّيْنِ وَهَذَا الإِسْنَادُ أَحْسَنُ اتِّصَالا لأَنَّهُ عَنْ صَحَابِيٍّ،عَنْ عَلِيٍّ،وَإِنْ كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زَحْرٍ،وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ،وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيهِمْ.
قلتُ: فالحديث حسن لغيره بتلك المتابعة لأن إسنادها حسنٌ.(50)
وأوْهَى أسَانيد الخُرَاسانيين: عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة(51), عن نَهْشل بن سعيد(52), عن الضحَّاك(53), عن ابن عبَّاس.
ففي المعجم الكبير للطبراني(12492 ) حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ مُحَمَّدُ بن عُثْمَانَ بن سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ , حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ , عَنْ وَرْقَاءَ , عَنْ نَهْشَلِ بن سَعِيدٍ , عَنِ الضَّحَّاكِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ , فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ , ثُمَّ قَرَأَ {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (41 ) سورة الأنفال، مِفْتَاحِ كَلامٍ الِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ , فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَاحِدًا ,"وَلِذِي الْقُرْبَى" , فَجَعَلَ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ قُوَّةً فِي الْخَيْلِ وَالسِّلاحِ , وَجَعَلَ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِلا يُعْطِيهِ غَيْرَهَمْ , وَجَعَلَ الأَرْبَعَةَ الأَسْهُمَ الْبَاقِيَةَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ , وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ , وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وهذا إسناد ساقط لايعوَّل عليه سندا ولا متنا.
وحكمُ هذا القسم أنه من قبيل المتروك الذي لا يحتجُّ بما تفرد به هؤلاء بحال من الأحوال .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 496) والموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 5) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد - (ج 1 / ص 5)
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 121 )
(3) - صدقة بن موسى الدقيقي أبو المغيرة أو أبو محمد السلمي البصري صدوق له أوهام من السابعة بخ د ت .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 275 ] (2921 )
(4) - فرقد بن يعقوب السبخي بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة أبو يعقوب البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ من الخامسة مات سنة إحدى وثلاثين ت ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 444 ] (384 )
(5) - مرة بن شراحيل البكيلى الهمداني وهو مرة الطيب توفى زمن الحجاج بعد الجماجم روى عن أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود روى عنه الشعبي وأبو إسحاق الهمداني وعمرو بن مرة وحصين وفرقد السبخي واسلم الكوفى سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال مرة ثقة .الجرح والتعديل[ج8 - صفحة 366 ] (1668 )
(6) - برقم (2090 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وفي نسخة أخرى : هذا حديث غريب وفيه ضعف ،الخِبُّ : المخادع الذى يسعى بين الناس بالفساد
(7) - عمرو بن شمر الجعفي أبو عبد الله : متروك الحديث انظر الجرح والتعديل [ج6 -ص 239 ] (1324 )
(8) - جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات سنة سبع وعشرين ومائة وقيل سنة اثنتين وثلاثين د ت ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 137 ](878 )
(9) - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني عن علي وابن مسعود وعنه عمرو بن مرة والشعبي شيعي لين قال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن أبي داود كان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس مات 65 هـ 4 .الكاشف [ج1 -ص 303 ] (859 )
(10) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 121 ) و قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعاني (ج 1 / ص 405 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 496 ) والاقتراح في فن الاصطلاح لابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 )
(11) - لم أجد له ترجمة
(12) - القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني متروك رماه أحمد بالكذب مات بعد الستين من الثامنة ق .تقريب التهذيب [ج1 -ص 450](5468 )
(13) - عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العمري المدني ضعيف عابد من السابعة مات سنة إحدى وسبعين وقيل بعدها م .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 314 ] (3489 )
(14) - عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب والد عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عمر من سادات أهل المدينة حفظا وإتقانا وورعا وفضلا مات بالمدينة .مشاهير علماء الأمصار [ج1 -ص 128 ](1000 )
(15) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 121 )
(16) - السري بن إسماعيل الهمداني الكوفى ابن عم الشعبي ولي القضاء وهو متروك الحديث من السادسة ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 230 ](2221 )
(17) - داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الزعافري بزاي مفتوحة ومهملة وكسر الفاء أبو يزيد الكوفي الأعرج عم عبد الله بن إدريس ضعيف من السادسة مات سنة إحدى وخمسين بخ ت ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 200 ] (1818 )
(18) - يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي عن علي وأبي هريرة وعنه ابناه داود وإدريس وثق ت ق .الكاشف [ج2 -ص 386 ] (6334 )
(19) - وفي لسان الميزان [ج2 -ص 152 ]672 - الحارث بن شبل بصري عن أم النعمان الكندية قال يحيى: ليس بشيء وضعفه الدارقطني وقال البخاري: ليس بمعروف ..
(20) - انظر طرقه مصنف ابن أبي شيبة (4 /ص 189 ) (16641 ) وفي المستدرك للحاكم (2732 ) وحِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (2029و2030 ) وله متابعة في أَمْثَالُ الْحَدِيثِ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (58 ) وأخرى في مسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (830 ) وله متابعة في مُسْنَدُ الشِّهَابِ الْقُضَاعِيِّ (117 ) وبنحوه الإحسان (4034 ) و (4072 ) ابن عباس وعقبة والسير 5/58 والإصابة(4254 ) فالحديث على الأقل حسن لغيره
(21) - شريك بن عبد الله أبو عبد الله النخعي القاضي أحد الأعلام عن زياد بن علاقة وسلمة بن كهيل وعلي بن الأقمر وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر وثقه بن معين وقال غيره سيء الحفظ وقال النسائي ليس به بأس هو أعلم بحديث الكوفيين من الثوري قاله بن المبارك توفي 177 عاش اثنتين وثمانين سنة خت 4 م متابعة .الكاشف [ ج1 -ص 485 ] (2276 )
(22) - راشد بن كيسان العبسي بالموحدة أبو فزارة الكوفي ثقة من الخامسة بخ م د ت ق . تقريب التهذيب [ ج1 -ص 204 ] (1856 )
(23) - أبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عن عبد الله بن مسعود روى عنه أبو فزارة سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن قال وسمعت أبا زرعة يقول أبو زيد هذا مجهول لا يعرف ولا اعرف اسمه .الجرح والتعديل [ ج9 -ص 373 ] (1721 )
(24) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(25) - داود بن المحبر بمهملة وموحدة مشددة مفتوحة بن قحذم بفتح القاف وسكون المهملة وفتح المعجمة الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد متروك وأكثر كتاب العقل الذي صنفه موضوعات من التاسعة مات سنة ست ومائتين قد ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 200 ] (1811 )
(26) - محبر بن قحذم والد داود يروي عن أبيه ضعيف ... لسان الميزان [ ج5 -ص 17 ](61 )
(27) - أبان بن أبي عياش فيروز البصري أبو إسماعيل العبدي متروك من الخامسة مات في حدود الأربعين د .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 87 ] (142 )
(28) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 498 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(29) - عبد الله بن ميمون القداح مولى بني مخزوم بمكة عن يحيى بن سعيد وابن جريج وجعفر بن محمد وعنه مؤمل بن إهاب وأحمد بن الأزهر قال البخاري ذاهب الحديث ت .الكاشف [ج1 -ص 602 ] (3013 )
(30) - شهاب بن خراش بن حوشب الشيباني أبو الصلت الواسطي بن أخي العوام بن حوشب نزل الكوفة له ذكر في مقدمة مسلم صدوق يخطىء من السابعة د .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 269 ](2825 )
(31) - إبراهيم بن يزيد الخوزي مكي واه عن طاوس وطائفة وعنه وكيع وعبد الرزاق قال البخاري سكتوا عنه وقال أحمد متروك مات151 ت ق .الكاشف[ج1 -ص 227 ] (223 )
(32) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 498 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(33) - حفص بن عمر بن ميمون العدني الفرخ عن ثور بن يزيد وشعبة وعنه محمد بن المصفى وعباس الترقفي ضعفوه ق .الكاشف [ ج1 -ص 342 ] (1159 )
(34) - الحكم بن أبان العدني عن طاوس وعكرمة وعنه بن علية وموسى القنباري ثقة صاحب سنة إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله وكان سيد أهل اليمن عاش ثمانين سنة مات 154 4 .الكاشف [ ج1 -ص 343 ] (1172 )
(35) - عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن بن عمر ولا تثبت عنه بدعة من الثالثة مات سنة أربع ومائة وقيل بعد ذلك ع . تقريب التهذيب [ج1 -ص 397 ](4673 )
(36) - قلت: لم يتفرد به فله متابعة في تهذيب الآثار للطبري (1901 ) وهو في البخاري بنحوه (6809 ) فالحديثُ صحيح .
انتهب : أخذ وسلب ما لا يجوز له ولا يحق ظلما = النهبة : كل ما يؤخذ بلا حق قهرا وظلما كالمال المنهوب من الغنيمة وغيرها
(37) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 498 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(38) - محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل السُّدِّي بضم المهملة والتشديد وهو الأصغر كوفي متهم بالكذب من الثامنة تمييز .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 506 ](6284 )
(39) - محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي النسابة المفسر متهم بالكذب ورمي بالرفض من السادسة مات سنة ست وأربعين ت فق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 479 ] (5901 )
(40) - باذام بالذال المعجمة ويقال آخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف يرسل من الثالثة 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 120 ](634 )
(41) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 8 / ص 123 )
(42) - وفي لسان الميزان [ج1 -ص 257 ] 804 - أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري قال بن عدي كذبوه ..
(43) - محمد بن الحجاج بن رشدين الهروي عن أبيه عن جده قال العقيلي في حديثه نظر روى عنه ابنه أحمد بن محمد ويروي أيضا عن بن وهب توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين انتهى قال بن عدي كان بيت رشدين خصوا بالضعف رشدين ضعيف وابنه حجاج ضعيف وللحجاج بن يقال له محمد ضعيف قلت وابن محمد أحمد ضعيف وقد تقدم ويقال له أحمد رشدين ينسب إلى جده الأعلى .لسان الميزان [ ج5 -ص 118 ](392 )
(44) - قرة بن عبد الرحمن بن حيويل بمهملة مفتوحة ثم تحتانية وزن جبريل المعافري المصري يقال اسمه يحيى صدوق له مناكير من السابعة مات سنة سبع وأربعين م 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 455 ] (5541 )
(45) - محمد بن سعيد المصلوب شامي هالك عن مكحول ونحوه وعنه أبو معاوية وأبو بكر بن عياش كذبه النسائي وقال البخاري ترك حديثه ت ق .الكاشف [ج2 -ص 174 ] (4871 )
(46) - عبيد الله بن زحر بفتح الزاي وسكون المهملة الضمري مولاهم الإفريقي صدوق يخطىء من السادسة بخ 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 371 ](4290 )
(47) - علي بن يزيد الألهاني عن القاسم أبي عبد الرحمن بنسخة وعنه عبيد الله بن زحر ويحيى الذماري وطائفة ضعفه جماعة ولم يترك ت ق .الكاشف [ج2 -ص 49 ] (3983 )
(48) - القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي مولى بني أمية عن علي وسلمان مرسلا وعن معاوية وعمرو بن عبسة وقيل لم يسمع من صحابي سوى أبي أمامة وعنه ثابت بن عجلان وثور ومعاوية بن صالح قال يحيى الذماري عنه لقيت مائة صحابي صدوق مات 112 4 .الكاشف [ج2 -ص 129 ] (4517 )
(49) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 247 ) (3467 ) و سنن النسائي (1219 ) وهو حديث حسن
(50) - وانظر الأحاديث التالية بهذا الطريق في مسند البزار (1279 ) وهو ضعيف وله شاهد قاصر يقوى به بعضه في شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2909 ) ، والحديث (1460 ) وبنحوه في المعجم الأوسط للطبراني (7632 ) وفي مسند الطيالسي (2525 ) فيحسن بهما ، والحديث(2120 ) وهو في البخاري ( 6541 ) عن ابن عباس ومسلم (546 ) عن عمران وغيرهما،فالحديث صحيح لغيره ، والحديث (2121 ) وقد ورد من طريق آخر عنه كما في صحيح البخاري (5672 ) فالحديث صحيح لغيره .
(51) - عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة النيسابوري عن عكرمة بن عمار قال الحاكم أبو عبد الله الغالب على رواياته المناكير...لسان الميزان [ ج3 -ص 308 ](1273 )
(52) - نهشل بن سعيد بن وردان الورداني بصري الأصل سكن خراسان متروك وكذبه إسحاق بن راهويه من السابعة ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 566 ](7198 )
(53) - الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير الإرسال من الخامسة مات بعد المائة 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 280 ] (2978 )(1/108)
رابعاً- متى يقوَى الحديثُ الضعيفُ ؟
تنحصرُ أسباب الضعف والقدح في الرواة في فئتين:
إحداهما تضمُّ ما يقدح في العدالة: كالكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،أو التهمة به أو الكذبِ في أحاديث الناس،أو الفسق أو جهالة الراوي أو الابتداع بمكفر ونحو ذلك،فكلُّ ما كان ضعفُه ناشئاً عن مثل هذه الأسباب لا تؤثِّرُ فيه كثرةُ الطرق،ولا يرتقي عن درجة الضعف لشدةِ أسبابِ هذا الضعف،وتقاعدِ الجابر عن جبر ضعفِ المروي،نعم, قد يَرْتقي بمجموع طُرقه عن كَوْنهِ مُنْكرًا, أو لا أصل له, كما صرَّح به ابن حجر،حيث قال:" بَلْ ربَّما كَثُرت الطُّرقُ, حتَّى أوصلتهُ إلى درجة المَسْتُور, أو السَّيء الحفظ, بحيث إذا وجد له طريق آخر, فيه ضعفٌ قريبٌ مُحتمل, ارتقَى بمجمُوع ذلك إلى درجة الحَسَن.."(1)
والفئةُ الثانيةُ: ينطوي تحتها ما يقدحُ في الحفظ والضبط والاتصال،والأسباب القادحةُ فيهما: الغفلةُ وكثرةُ الغلط وسوءُ الحفظ والاختلاطُ والوهمُ،كوصل مرسل أو منقطع،فكلُّ ما كان ضعفُه بسببِ عدمِ ضبطِ راويه الصدوقِ الأمينِ،الذي لم تثلمْ عدالتُه فإنَّ كثرة الطرق تقويه،ويجبرُ ضعفُه بمجيئهِ من وجهٍ آخرَ؛ لأننا نعرفُ من الوجهِ الآخر أنَّ حفظَ راو الطريقِ الأول لم يختلَّ فيه ضبطُه وبهذا يرتقي من درجة الضعيفِ ضعفاً يسيراً إلى درجةِ الحسَنِ لغيرهِ .
قال النووي:" الحديثُ الضعيف عندَ تعددِ الطرق يرتقي عن الضعفِ إلى الحسن،ويصير مقبولاً معمولاً به".(2)
وقال ابن تيمية:" وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا لِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِي حَدِيثِهِ وَيَكُونُ حَدِيثُهُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ بِهِ؛ فَإِنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ وَكَثْرَتَهَا يُقَوِّي بَعْضَهَا بَعْضًا حَتَّى قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهَا،وَلَوْ كَانَ النَّاقِلُونَ فُجَّارًا فُسَّاقًا،فَكَيْفَ إذَا كَانُوا عُلَمَاءَ عُدُولًا وَلَكِنْ كَثُرَ فِي حَدِيثِهِمْ الْغَلَطُ؟
وَمِثْلُ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ فَإِنَّهُ مِن أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ قَاضِيًا بِمِصْرِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ مَنْ حَفِظَهُ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ غَلَطٌ كَثِيرٌ،مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى حَدِيثِهِ الصِّحَّةُ،قَالَ:أَحْمَد: قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ: مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ . وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ مِنهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَمِنهُمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَنْ هَذَا شَيْئًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ،لَمْ يَرْوِ فِي مُسْنَدِهِ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ(3)؛ لَكِنْ يَرْوِي عَمَّنْ عَرَفَ مِنهُ الْغَلَطَ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ .
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ مَنْ يُكَذِّبُ وَيقول: إنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يُكَذِّبُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يُكَذِّبُهُ،وَيُذْكَرُ عَنِ الثَّوْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَيَنْهَى عَنِ الْأَخْذِ عَنْهُ وَيُذْكَرُ أَنَّهُ يَعْرِفُ،وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِشَخْصِ إذَا حَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا صَدَقَ فِيهِ وَمَا كَذَبَ فِيهِ بِقَرَائِنَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا . وَخَبَرُ الْوَاحِدِ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَ،أَوْ تَقْتَرِنُ بِهِ الْقَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذَبَ "(4).
وقال السخاوي:" ولا يقتضي ذلك الاحتجاج بالضعيف،فإنَّ الاحتجاج إنما هو بالهيئة المجموعة كالمرسل حيث اعتضد بمرسل آخر،ولو كان ضعيفاً كما قاله الشافعي والجمهور،وكذلك يقوَى الحديثُ إنْ كان له متابعٌ مثلُه فأكثرُ،أو كان لهُ شاهدٌ بلفظهِ أو معناهُ،أو آيةٌ قرآنيةٌ،أو عمِلَ بهِ كثيرٌ منَ العلماء السابقينَ،أو تلقَّوهُ بالقبولِ ونحو ذلك .."(5).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 119 )
(2) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 12 ) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 297 )
(3) - قلت : هذا في حدود علم الإمام ، وإلا فقد روى عن محمد بن القاسم الأسدي ، وهو متهم انظر مسند أحمد(21399 ) .
(4) - مجموع الفتاوى-(ج 18 / ص 26 )
(5) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 66 ) الشاملة2 وأصول الحديث 349-350 وتدريب الراوي ص 104 و فتح المغيث 1/42-43 وقواعد التحديث 109-110 والرسالة للشافعي 461-462 و شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 408 )(1/109)
خامسا- حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيفِ :
لقد اتفق أهلُ العلم على الأمور التالية:
1- لا يجوزُ العملُ بالحديثِ الضعيفِ في العقائدَ،ولا بأصولِ العباداتِ أو المعاملاتِ
فإن أكثرَ أهلِ العلم على أنَّ العقائدَ تبنَى على الحديثِ المتواترِ والمعلومِ منَ الدِّينِ بالضرورةِ والبداهةِ،وهو ما يفيدُ القطعَ واليقينَ،وبعضهُم جوَّزَ العملَ بالحديثِ الصحيحِ في بناءِ العقيدةِ .
قلتُ: والصوابُ -عندي- أنه لا يعملُ به- يعني الصحيح- في العقيدةِ إلا في فروعِها - يعني يجبُ ثبوتُ الحكمِ الأصليِّ بالمتواترِ حصراً .
2- لا يجوزُ الاعتمادُ على الحديثِ الضعيفِ في بناءِ الأحكامِ العمليةِ المشهورةِ:
إذ كيف تكون مشهورةً،ولا يوجدُ حديثٌ صحيح تعتمِدُ عليه ؟!!
3- لا يجوزُ العملُ بالحديثِ الذي اشتدَّ ضعفُه(1)أو ما كانَ موضوعاً مطلقاً؛ لا في أحكامٍ شرعيةٍ،ولا في فضائلِ الأعمالِ،ولا تحلُّ روايتُهُ إلَّا على سبيلِ القدحِ والتنفيرِ منهُ .
واختلفوا فيما سوى ذلكَ في الأخذ بالضعيف على ثلاثةِ مذاهبَ(2):
المذهبُ الأولُ: لا يعملُ به مطلقاً لا في الفضائلِ ولا في الأحكامِ
هذا المذهب حكاهُ ابن سيد الناس عن الإمام يحيى بن معين،وإليه ذهب أبو بكر ابن العربي،والظاهر أنه مذهبُ البخاري ومسلم لما عرفناه من شروطهما للصحيح،وهو مذهب ابن حزم الظاهري(3)والشهاب الخفاجي والجلال الدواني وغيرهم .
قال ابن حزم: " والخامسُ شيءٌ نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الطريق فيه رجلٌ مجروحٌ يكذب أو فيه غفلةٌ أو مجهولُ الحال فهذا أيضاً يقول: به بعض المسلمين،ولا يحلُّ عندنا القولُ به ولا تصديقُُه ولا الأخذُ بشيء منه"(4)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - هذا الشرط فيه خلاف كبير كما سنرى ، فليس متفقاً عليه
(2) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 72 ) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 232 ) و ومجموع الفتاوى (ج 18 / ص 65 ) وتيسير مصطلح الحديث (ج 1 / ص 12 ) ومحاضرات في علوم الحديث (ج 1 / ص 13 ) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر (ج 1 / ص 292 )
(3) - الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 130 و180 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 72 )
(4) - الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 130 و180 )(1/110)
المذهبُ الثاني : يعملُ بالحديث الضعيف مطلقاً(1)
وعزيَ هذا إلى أبي داود والإمام أحمد وأنهما يريانِ ذلك أقوى من رأي الرجال،وهذا محمولٌ على الضعيفِ غير شديدِ الضعفِ ولا موضوعٍ كما مرَّ .
قلت: ويظهر هذا لنا جليًّا من خلال سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد،ففيهما الصحيح والحسن والضعيف،بل الواهي أحياناً .
وفي سير أعلام النبلاء [(11/329 ) " قال ابْنُ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ،قَالَ: جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ،أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ،وَقَرَأَ عَلَيْنَا (المُسْنَدَ ) ،مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا.
وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِن أَكْثَرَ مِن سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً،فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِن حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَارْجِعُوا إِلَيْهِ،فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ،وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.(2)
قُلْتُ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي (المُسْنَدِ ) .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ،فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا،ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِن هَذَا القَوْلِ: أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً،فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا،وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا،وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ،وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ."(3)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر شرح الكوكب المنير (ج 2 / ص 571 ) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 70 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 233 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 436 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 197 ) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 277 )
(2) - انظر فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 83 ) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد - الرقمية (ج 1 / ص 44 ) وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 146 )
(3) - قلت : وسترد تفاصيل لهذا الأمر عند مناقشة الأدلة .(1/111)
المذهبُ الثالثُ : يعملُ به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك بشروط
وقد ذكرها الحافظ ابن حجر وهي:
1- أنْ يكونْ الضعفُ غيرَ شديدٍ،فيخرجُ من انفردَ من الكذابين والمتهمين بالكذب،ومن فحُش خطأُه،وقد نقل العلائيُّ الاتفاقَ على هذا الشرط .
ومن ثم فلا تجوز روايته،ولو كان في الترغيب والترهيب إلا على سبيل بيان حاله لكي لا يغترَّ به أحد.
قلتُ: ويخدشُ هذا الشرط والاتفاق عليه قول النووي في الأذكار:" قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا".(1)
وقوله في التقريب:" ويَجُوز عِنْد أهل الحديث وغيرهم التَّساهُل في الأسَانيد, ورِوَاية ما سِوَى الموضُوع من الضَّعيف, والعمل به من غير بَيَان ضعفه, في غير صِفَات الله تعالى, والأحْكَام, كالحَلالِ والحَرَام, ومِمَّا لا تعلُّق له بالعَقَائد والأحْكَام. "(2)
وقال ابن الصلاح:"يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد،ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة،من غير الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ،والقصص،وفضائل الأعمال،وسائر فنون الترغيب والترهيب،وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد".(3)
وقال العراقي في شرح ألفيته:"وأمّا غيرُ الموضوعِ فجوّزوا التساهُل في إسنادِهِ وروايتِهِ من غيرِ بيانٍ لضَعْفِهِ إذا كانَ في غيرِ الأحكامِ والعقائدِ. بلْ في الترغيبِ والترهيبِ،من المواعظِ والقصصِ،وفضائلِ الأعمالِ،ونحوِها"(4)
وذكر الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر في كتابه خطورة مساواة الضعيف بالموضوع(5)أنه يخدش قول العلائي أيضاً: الضربُ الثاني عند البيهقي والرابع عند ابن أبي حاتم ,وكذا قول السخاوي في تعليقه على حديث في سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ( 481 ) عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ،أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِن بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ،ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ،وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ،سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ،الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ،أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ،وَالسَّلَامَةَ مِن كُلِّ إِثْمٍ،لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ،وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ،وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ":"هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ،فَائِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ،وَفَائِدٌ هُوَ أَبُو الوَرْقَاءِ"(6)في الجملة هو حديث ضعيف جدا،يكتب في فضائل الأعمال اهـ(7)
وهو رأي ابن تيمية كذلك،حيث قال:" وَهَذَا كالإسرائيليات: يَجُوزُ أَنْ يُرْوَى مِنهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيهَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي شَرْعِنَا وَنَهَى عَنْهُ فِي شَرْعِنَا"(8)
وقال أيضاً:" إِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا - فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ"(9)
2- أنْ يندرجَ تحتَ أصلٍ عامٍّ معمولٍ بهِ منْ أصول الشريعة،فيخرجُ ما يخترَعُ بحيثُ لا يكون لهُ أصلٌ أصلاً .
أي أن يكون الحديثُ له أصلُ صحيح ثابت في الكتاب أو السُّنَّة،مثاله: لو جاءنا حديث يرغِّب في بر الوالدين،وحديث آخر يرغب في صلاة الجماعة،وآخر يُرغب في قراءة القرآن وكلها أحاديث ضعيفة،ولكن قد ورد في بر الوالدين،وفي صلاة الجماعة،وفي قراءة القرآن أحاديث صحيحة ثابتة في الكتاب والسُّنَّة،فعندئذٍ فلا حرج في العمل به .
3- أنْ لا يعتقدَ عندَ العملِ به ثبوتَه،لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله،بلْ يُعتقدُ الاحتياطَ .(10)
لأنه لا يجوز أن يعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حديثاً إلا إذا كان قد صحَّ عنه ذلك.
وزاد بعض أهل العلم شرطاً آخر،وهو أن يكون الحديث في الترغيب والترهيب.(11)
قلتُ: وهذا شرطٌ مختلفٌ فيه كما سنرى والراجح عدمه،فلا يمكن اعتباره قيداً إلا إذا قصد ثوابت الحلال والحرام،أي لا ينشئ حكماً،وإلا فقد ذهب فريق كبير من أهل العلم إلى العمل بالحديث الضعيف في الأحكام لا سيما إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه،وقدَّموه على رأي الرجال .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الأذكار للنووي (ج 1 / ص8 )
(2) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 6 ) ولم يعترض عليه السيوطي في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 232 )
(3) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 19 ) ومثله في قواعد التحديث للقاسمي ص 114، وتوجيه النظر للجزائري (ج 3 / ص 40 ) وسكتا عليه ، وسكت عليه العراقي في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 233 )
(4) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 101 ) وبنحوه في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 272 )
(5) - ص 61
(6) قلت وفائد متروك ) :
(7) - من القول البديع 431-432
(8) - مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 251 )
(9) - مجموع الفتاوى (ج 18 / ص 66 ) وذكره هنا ثلاث مرات مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 ) فما بعد
(10) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 233 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 76 )
(11) - قسم الحديث والمصطلح (ج 44 / ص 25 )(1/112)
الأدلةُ ومناقشتُها
أدلةُ المذهب الأول ومناقشتها
أمَّا الرأي الأول فيرى بعض العلماء(1)أنه أسلمُ المذاهب،" ولدينا مما صح في الفضائل والترغيب والترهيب من جوامع كلم المصطفى ثروة يعجز البيان عن وصفها،وهي تغنينا عن رواية الأحاديث الضعيفة في هذا الباب،وبخاصة أن الفضائل ومكارم الأخلاق من دعائم الدين ولا فرق بينها وبين الأحكام من حيث ثبوتها بالحديث الصحيح أو الحسن،فمنَ الواجب أن يكون مصدرها جميعا الأخبار المقبولة ."
قلتُ: مع تسليمنا بصحة هذا القول إلا أنه لا يدلُّ على منع العمل بالحديث الضعيف وإنما يحتاط في ذلك،وهذا ليس بكاف لردِّ العمل بالحديث الضعيف وإذا جوَّزنا العمل بالضعيف فلا يعني هذا أنه على حساب الصحيحِ والحسن مطلقاً.
ومما يعترضُ به على هذا الرأي أنه لا يصحُّ هذا القولُ عن أحد من الأئمة المتقدمين- بما فيهم الإمام البخاري- بل الذي ثبت عنهم عكسه،فقد احتجَّ البخاري في صحيحه بالضعيف في الأحكام الشرعية وبالفضائل في تراجم الأبواب،وفي الأدب المفرد وغيره من كتبه،وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن بعض الضعفاء،وهناك أقوال متعددة للإمام ابن حزم الأندلسي وسيرد بعضها.
بل نلاحظ أن جميع الفقهاء يحتجون في كتبهم الفقهية بالأحاديث الضعيفة،بل والمنكرة أحيانا،ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب نصب الراية للزيلعي والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر وغيرهما من كتب التخريج.
والأهمُّ من ذلك أن كثيرا من الأحاديث الضعيفة سابقاً وجدنا لها ما يقويها ويرفعها إلى مرتبة المقبول الحسن أو الصحيح،ذلك لأن السُّنَّة النبوية لم تجمع جمعاً تاماً من قبل،فقد يضعِّفُ المحدِّثُ حديثاً لضعفٍ في سنده،وليس بالضرورة أن يكون متنه ضعيفاً.
كما أن الحديث الضعيف - ضعفاً يسيراً- رجح عندنا عدم صحته،وقد لا يكون الأمر كذلك .
وكذلك يعترض على هذا القول في باب الجرح والتعديل،فعندنا مذاهب متعددة في الجرح والتعديل،منها المتشدد ومنها المعتدل،ومنها المتساهل،فبأيها نأخذ ؟
فلو أخذنا بكلام المتشددين(كابن الجوزي في كتابه الموضوعات،أو الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع والضعيفة ونحوهما فقد ضعف آلاف الأحاديث الثابتة ) لرددنا كثيرا من السُّنَّة النبوية،بما فيها الأحاديث التي في الصحيحين،ولو أخذنا برأي المتساهلين( أمثال السيوطي في كثير من كتبه وتصحيحاته ) لنسبنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله.
ولو أخذنا برأي المعتدلين في الجرح والتعديل - وهو الذي جرى عليه العمل في التاريخ الإسلامي - لهان الخطبُ كثيرا،ولوجدنا أن الخلاف بينهما صار يسيراً - أعني بين المانعين والمجيزين- .
وقال بعضُهم: إنَّ العمل بالضعيف في الفضائل اختراعُ عبادةٍ وتشريعٌ في الدِّين لما لم يأذنْ به الله تعالى !!!.
وردَّ هذا القول كذلك بأن هذا الاستحبابَ معلومٌ من القواعد الشرعية الدالةِ على استحباب الاحتياط في أمر الدين،والعملُ بالحديث الضعيف من هذا القبيل،فليس ثمة إثباتُ شيء من الشرع بالحديثِ الضعيف،فأصلُ المشروعية ثابتٌ بالأصلِ الشرعيِّ العام،وجاء هذا الخبرُ الضعيفُ موافقاً له .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مثل: د- محمد عجاج الخطيب في كتابه أصول الحديث ص 352 ط دار الفكر(1/113)
أدلةُ المذهب الثاني ومناقشتها
وأمَّا أصحابُ الرأي الثاني فقد قالوا ذلك لمَّا كان الحديثُ الضعيف محتملاً للإصابة،ولم يعارضه شيءٌ أقوى منه،فإنَّ هذا يقوي جانبَ الإصابة في روايته فيعمل به .(1)
وقد ذهب كثيرٌ منهم إلى الأخذ بالحديث المرسل ( بمعناه العام ) ،فيدخل فيه المنقطع بأنواعه،وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد وطائفة كبيرة من أهل العلم .(2)
كما ذهبوا إلى الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً إذا كان ناتجاً عن العوارض البشرية أو الجهالة،ما لم يصل إلى الضعف الشديد،كأن يكون الراوي كذاباً،أو متهماً،أو فاحش الغلط .
وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله(3)،حيث إنه يرى أن المرسل،وضعيفَ الحديث أولى عنده من الرأي والقياس .
قال ابن تيمية موضحاً رأي الإمام أحمد:" وَأَمَّا الْغَلَطُ فَلَا يَسْلَمُ مِنهُ أَكْثَرُ النَّاسِ بَلْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَدْ يَغْلَطُ أَحْيَانًا وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ . وَلِهَذَا كَانَ فِيمَا صُنِّفَ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ يُعْلَمُ أَنَّهَا غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ . فَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ يَعْلَمُ أَنَّهَا غَلَطٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ نَفْسُهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ رَوَاهَا لِتُعْرَفَ بِخِلَافِ مَا تَعَمَّدَ صَاحِبُهُ الْكَذِبَ؛ وَلِهَذَا نَزَّهَ أَحْمَدُ مُسْنَدَهُ عَنْ أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ يَرْوِي عَنْهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِثْلِ مَشْيَخَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ أَبُو دَاوُد يَرْوِي فِي سُنَنِهِ مِنهَا(4)،فَشَرْطُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَجْوَدُ مِن شَرْطِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ(5).
قلت : روى له أبو داود حديثاً واحداً ، وله متابعة وهذا هو في سنن أبى داود (3064 ) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعَبَّاسُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا - وَقَالَ غَيْرُ الْعَبَّاسِ جَلْسَهَا وَغَوْرَهَا - وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِن قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَكَتَبَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ أَعْطَاهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا ». وَقَالَ غَيْرُ الْعَبَّاسِ « جَلْسَهَا وَغَوْرَهَا ». « وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِن قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ ». قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ وَحَدَّثَنِى ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ مَوْلَى بَنِى الدِّيلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.(وقد حسنه الألباني لهذا السبب )
قال : " وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُرْوَى فِي ذَلِكَ مِن جِنْسِ أَمْثَالِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ الْمُنْكَرَةِ بَلْ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا مَنْ يَجْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ،كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ وَفَضَائِلِ الْعِبَادَاتِ وَفَضَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَفَضَائِلِ الْبِقَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ،فَإِنَّ هَذِهِ الْأَبْوَابَ فِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَأَحَادِيثُ حَسَنَةٌ وَأَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَأَحَادِيثُ كَذِبٍ مَوْضُوعَةٌ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَلَا حَسَنَةً لَكِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهُ مِن الْعُلَمَاءِ جَوَّزُوا أَنْ يُرْوَى فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَال مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ .
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَرُوِيَ فِي فَضْلِهِ حَدِيثٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ جَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ حَقًّا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا بِحَدِيثِ ضَعِيفٍ،وَمَنْ قَالَ:هَذَا فَقَدَ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرَّمَ شَيْءٌ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ لَكِنْ إذَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ وَرُوِيَ حَدِيثٌ فِي وَعِيدِ الْفَاعِلِ لَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ جَازَ أَنْ يَرْوِيَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لَكِنْ فِيمَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ رَغَّبَ فِيهِ أَوْ رَهَّبَ مِنهُ بِدَلِيلِ آخَرَ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَجْهُولِ حَالُهُ .
وَهَذَا كالإسرائيليات: يَجُوزُ أَنْ يُرْوَى مِنهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيهَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي شَرْعِنَا وَنَهَى عَنْهُ فِي شَرْعِنَا . فَأَمَّا أَنْ يُثْبِتَ شَرْعًا لَنَا بِمُجَرَّدِ الإسرائيليات الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ فَهَذَا لَا يقولهُ عَالِمٌ وَلَا كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَلَا أَمْثَالُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الشَّرِيعَةِ .
قلت : قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله في مقدمة تفسيره -بعد أن ذَكر حديثَ "بلّغُوا عنِّي ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَجَ، ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأْ مقعده من النار"-: "ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد. فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم. وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه تعودُ إلى أمرٍ دينيّ. ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلافٌ بسبب ذلك. كما يَذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعِدّتهم، وعصا موسى من أيِّ شجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم. ولكن نقلُ الخلاف عنهم في ذلك جائز. كما قال تعالى: { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } إلى آخر الآية [الكهف: 22](6).
قال : "وَمَنْ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيحِ وَلَا حَسَنٍ فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ،وَلَكِنْ كَانَ فِي عُرْفِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ: صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ . وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ إلَى ضَعِيفٍ مَتْرُوكٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِلَى ضَعِيفٍ حَسَنٍ(7)،كَمَا أَنَّ ضَعْفَ الْإِنْسَانِ بِالْمَرَضِ يَنْقَسِمُ إلَى مَرَضٍ مَخُوفٍ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ مِن رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَى ضَعِيفٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِن ذَلِكَ .
وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَسَّمَ الْحَدِيثَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ - صَحِيحٌ وَحَسَنٌ وَضَعِيفٌ - هُوَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ .
وَالْحَسَنُ عِنْدَهُ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي رُوَاتِهِ مُتَّهَمٌ وَلَيْسَ بِشَاذِّ . فَهَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ يُسَمِّيهِ أَحْمَدُ ضَعِيفًا وَيَحْتَجُّ بِهِ وَلِهَذَا مَثَّلَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ الهجري وَنَحْوِهِمَا . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ"(8).
قلتُ: ولكن الإمام أحمد رحمه الله،قد روى عمَّن هو مثلهم،بل دونهم،أمثال محمد بن القاسم الأسدي(9)وهو متهم كما سيرد معنا أثناء الرد على هذا القول .
وقال ابن القيم موضحا رأي الإمام أحمد وغيره: " الْأَخْذُ بِالْمُرْسَلِ وَالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ،إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ،وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ عَلَى الْقِيَاسِ،وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَهُ الْبَاطِلَ وَلَا الْمُنْكَرَ وَلَا مَا فِي رِوَايَتِهِ مُتَّهَمٌ بِحَيْثُ لَا يَسُوغُ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِهِ؛ بَلِ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ عِنْدَهُ قَسِيمُ الصَّحِيحِ وَقِسْمٌ مِن أَقْسَامِ الْحَسَنِ،وَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُ الْحَدِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ،بَلْ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ،وَلِلضَّعِيفِ عِنْدَهُ مَرَاتِبُ،فَإِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ أَثَرًا يَدْفَعُهُ وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ،وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنَ الْقِيَاسِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِن الْأَئِمَّةِ إلَّا وَهُوَ مُوَافِقُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِن حَيْثُ الْجُمْلَةُ،فَإِنَّهُ مَا مِنهُمْ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ قَدَّمَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَلَى الْقِيَاسِ ،فَقَدَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ،وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ"
قلت : هو في المعجم الصغير للطبراني - (ج 2 / ص 185 ) (999 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْكَشْرُ وَلَكِنْ تَقْطَعُهَا الْقَهْقَهَةُ ، لَمْ يَرْوِهِ مَرْفُوعًا عَنْ سُفْيَانَ ، إِلَّاثَابِتٌ،وَحَدَّثَنَاهُ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ مِن قَوْلِ جَابِرٍ. (1000 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، مِن قَوْلِ جَابِرٍ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي(ج 1 / ص 144 ) (691 ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ : زَيْدُ بْنُ أَبِى هَاشِمٍ الْحُسَيْنِىُّ بِالْكُوفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ دُحَيْمٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ : سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَضْحَكُ فِى الصَّلاَةِ قَالَ : يُعِيدُ الصَّلاَةَ وَلاَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ. (وإسناده صحيح موقوف )
قال : "وَقَدَّمَ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْقِيَاسِ،وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُهُ.
قلت : قال الطحاوي : " بَابُ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ ، هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ ، أَوْ يَتَيَمَّمُ ؟
وذكر الأحاديث الواردة في هذا الباب ، ثم قال في آخرها : " وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ . فَلَمَّا كَانَ خَارِجًا مِن حُكْمِ الْمِيَاهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , كَانَ كَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ . وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ التَّوَضُّؤُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ بِهِ , وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مِن مَكَّةَ يُرِيدُهُمْ , فَقِيلَ إِنَّهُ تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ , وَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ , لِأَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ , فَهُوَ أَيْضًا فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ ذَلِكَ النَّبِيذَ هُنَالِكَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ إِيَّاهُ بِمَكَّةَ . فَلَوْ ثَبَتَ هَذَا الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيذَ مِمَّا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي , ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , وَفِي حَالِ عَدَمِهِ . فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ , وَالْعَمَلِ بِضِدِّهِ , فَلَمْ يُجِيزُوا التَّوَضُّؤَ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ , وَلَا فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمْصَارِ , ثَبَتَ بِذَلِكَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ , وَخَرَجَ حُكْمُ ذَلِكَ النَّبِيذِ , مِن حُكْمِ سَائِرِ الْمِيَاهِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَهُوَ النَّظَرُ عِنْدَنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ(10)
قال : " وَقَدَّمَ حَدِيثَ" أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ" وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ(11)؛ فَإِنَّ الَّذِي تَرَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مُسَاوٍ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ وَالصِّفَةِ لِدَمِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ"
وَقَدَّمَ حَدِيثَ { لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِن عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } - وَأَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ،بَلْ بُطْلَانِهِ - عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ،فَإِنَّ بَذْلَ الصَّدَاقِ مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ بَذْلِ الْبُضْعِ،فَمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا(12)."
قلتُ : ففي السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 240 ) (14777 ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :قَالَ :الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَوْا عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ شَيْئًا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لاَ يَكُونَ مَهْرٌ أَقُلُّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ، {ج} وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنِى ابْنُ الْبَصِيرِ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الأَشْجَعِىِّ قَالَ :قُلْتُ لِسُفْيَانَ يَعْنِى الثَّوْرِىَّ حَدِيثُ دَاوُدَ الأَوْدِىِّ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : لاَ مَهْرَ أَقُلَّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَ :سُفْيَانُ : دَاوُدُ دَاوُدُ مَا زَالَ هَذَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ قُلْتُ إِنَّ شُعْبَةَ رَوَى عَنْهُ فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ وَقَالَ :دَاوُدُ دَاوُدُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ : إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا سَيَّارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ : لَقَنَّ غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ دَاوُدَ الأَوْدِىَّ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لاَ يَكُونُ مَهْرٌ أَقُلُّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَصَارَ حَدِيثًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ :سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : غِيَاثٌ كَذَّابٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلاَ مَأْمُونٍ قَالَ :أَبُو الْفَضْلِ : هُوَ غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِىُّ قَالَ :وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ دَاوُدُ الأَوْدِىُّ لَيْسَ بِشَىْءٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ أَخْبَرَنَا السَّاجِىُّ قَالَ :سَمِعْتُ ابْنَ الْمُثَنَّى يَقُولُ مَا سَمِعْتُ يَحْيَى يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ وَلاَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ حَدَّثَا سُفْيَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ شَيْئًا قَطُّ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ :عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.(13)
قال:" وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ تَحْرِيمِ صَيْدِ وَجٍّ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الْقِيَاسِ"
قلت :خبر صيد وج في سنن أبى داود (2034 ) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِنْسَانٍ الطَّائِفِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ :لَمَّا أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن لِيَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا عِنْدَ السِّدْرَةِ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى طَرَفِ الْقَرْنِ الأَسْوَدِ حَذْوَهَا فَاسْتَقْبَلَ نَخِبًا بِبَصَرِهِ وَقَالَ :مَرَّةً وَادِيَهُ وَوَقَفَ حَتَّى اتَّقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ ثُمَّ قَالَ :« إِنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ ». وَذَلِكَ قَبْلَ، وفي التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 3 / ص 289 ) (1105 ) حَدِيثُ : رُوِيَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : { صَيْدُ وَجٍّ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ تَعَالَى } أَبُو دَاوُد مِن حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ ، فَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَا نَقَلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ : إنَّهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا قَالَ :الْأَزْدِيُّ ، وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ صَحَّحَهُ ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ ، وَقَالَ :ابْنُ حِبَّانَ فِي رَاوِيهِ الْمُنْفَرِدِ بِهِ : وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إنْسَانٍ الطَّائِفِيُّ كَانَ يُخْطِئُ ، وَمُقْتَضَاهُ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقَالَ :الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ إلَّا مِن جِهَةِ تَقَارُبِهِ فِي الضَّعْفِ ، وَقَالَ :النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ : إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، قَالَ : وَقَالَ :الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : لَا يَصِحُّ كَذَا قَالَ :، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي تَارِيخِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ :ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إنْسَانٍ وَإِلَّا فَالْبُخَارِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا فِي صَحِيحِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(14)
قال : "وَقَدَّمَ خَبَرَ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ مَعَ ضَعْفِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ غَيْرِهَا مِن الْبِلَادِ"
قلت : وأما الصلاة في البيت الحرام ، فقد أخرجه عبد الرزاق [9004]، ومن طريقه أحمد 4/80، والطبراني [1599]، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، به. ومن طرق عن ابن جريج به أخرجه أحمد 4/81 و84.كلهم من طريق أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ :قَالَ :رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ». (وهو حديث صحيح )
__________
(1) - انظر ألفية العراقي بشرحيها للعراقي والشيخ زكريا 1/102-103 وفتح المغيث 1/79-82
(2) - انظر كتاب حجية الحديث المرسل عند الإمام الشافعي د خليل إبراهيم ملا خاطر ص 32-36
(3) - انظر : النكت للزركشي 2/319 وفتح المغيث 1/80 وقواعد في علوم الحديث 95-96 والإحكام في أصول الأحكام 7/54 ومرقاة المفاتيح 1/3
(4) - الجلس : المرتفع = الغور : المنخفض
(5) - قلت : في هذا الكلام نظر ، ومن راجع تخريج الشيخ شعيب لأحاديث المسند رأى غير ذلك ، وإن كنا لا نسلِّم له ببعضها .
(6) - تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 31 )
(7) - قلت : في نسبة هذا القول للإمام أحمد ولعصره نظر ، سنناقشه بعد قليل إن شاء الله
(8) - مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 ) فما بعد
(9) - انظر مسند أحمد رقم (21399 )
(10) - شرح معاني الآثار (365-369 ) وانظر : نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 282 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 62 ) (57 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 111 )
(11) - انظر تخريجه في سنن الدارقطنى (826-828 و856-858 ) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 408- 412 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 83 ) (68 ) وهو ضعيف
(12) - وهذا مذهب الأكثرين إذ لا حدَّ عندهم لأقله ولا أكثره
(13) - انظر نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 6 / ص 105 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 2 / ص 62 ) (549 )
(14) - انظر الكلام عليه مطولا في البدر المنير (ج 6 / ص 367 ) وانظر معرفة السنن والآثار للبيهقي (3275 ) وأحمد 1/165 والحميدى (63 ) = العضاه : كل شجر عظيم له شوك الواحدة عِضَة(1/114)
وفي سنن الترمذى (184 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :إِنَّمَا صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ لأَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ فَشَغَلَهُ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَلاَّهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ لَهُمَا. وَفِى الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِى مُوسَى. قَالَ :أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ. وَهَذَا خِلاَفُ مَا رُوِىَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ».
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ حَيْثُ قَالَ :لَمْ يَعُدْ لَهُمَا. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَائِشَةَ فِى هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ رُوِىَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَرُوِىَ عَنْهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَالَّذِى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِىَ مِن ذَلِكَ مِثْلُ الصَّلاَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ بَعْدَ الطَّوَافِ فَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رُخْصَةٌ فِى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ :بِهِ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمُ الصَّلاَةَ بِمَكَّةَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ.وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ.اهـ
قال:" وَقَدَّمَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ حَدِيثَ:{ مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلِيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ } عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ ضَعْفِ الْخَبَرِ وَإِرْسَالِهِ."
قلت : هو في السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 142 ) (687 ) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ : أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ :أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَتِهِ أَوْ قَلَسَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِن صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ ». قَالَ :أَبُو أَحْمَدَ : هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً هَكَذَا ، وَمَرَّةً قَالَ :عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَكِلاَهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ.(1)
قال ابن القيم(2):" وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْبَلَاغَاتِ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ "(3).
قلت : المرسل كما في موطأ مالك (3 ) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ ثُمَّ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ :« مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ ». (وهو صحيح مرسل )(4)
وَالْمُنْقَطِعَ كما موطأ مالك 1:7 (6 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِى الصَّلاَةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ. ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَىْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ وَالصَّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ. (فهذا منقطع )
وَالْبَلَاغَاتِ كما في موطأ مالك (143 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا. قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ فَقَالَ بَلَغَنِى أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْغَائِطِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ.
و(354 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِى السَّفَرِ. قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّافِلَةِ فِى السَّفَرِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ بَلَغَنِى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
و(355 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَنِى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَنَفَّلُ فِى السَّفَرِ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ كما في موطأ مالك (7 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِى سُهَيْلٍ (هو نافع بن مالك بن أبى عامر الأصبحى التيمى ، أبو سهيل المدنى ) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِى مُوسَى أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ. (وهذا إسناد صحيح موقوف )
قلتُ: وكذلك هذا هو رأي الإمام أحمد في تقديم الضعيف على الرأي،ولو كان في الأحكام،وفي الاحتجاج بالرجل حتى يُجمعَ على تركه.
قال الحافظ العراقي(5):
77 - كَانَ ( أبُوْ دَاوُدَ ) أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ،والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ
78 - في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِن رَأيٍ أقوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ )
79 - وَالنَّسَئي(6)يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً،مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ
وقال: هذا بيانٌ لكونِ السُّننِ فيها غيرُ الحسن . قالَ ابنُ الصلاحِ: روينا عنه أي: عن أبي داودَ ما معناهُ أنَّهُ يذكرُ في كلِّ بابٍ أصحَّ ما عرَفَهُ في ذلك الباب . وقال أبو عبد الله ابنُ منده عنه: إنَّهُ يخرجُ الإسنادَ الضعيفَ إذا لم يجدْ في البابِ غيرَهُ؛ لأنَّهُ أقوى عندَهُ من رأي الرجالِ . وَقَالَ:ابنُ منده: إنَّهُ سمعَ محمدَ بنَ سعدٍ الباورديَّ بمصرَ يقول: كانَ من مذهبِ أبي عبدِ الرحمنِ النَّسائيِّ أنْ يخرجَ عن كلِّ منْ لم يُجمَعْ على تركهِ .
فقولُهُ: (والضعيفَ ) أي: ويروِي الضعيفَ . وقولُهُ: ( مذهبٌ متّسعٌ ) ،خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ،وحَكَى ابن مَنْده أنَّه سمعَ مُحمَّد بن سعد الباوردي يقول: كان من مذهب النَّسائي أن يُخرِّج عن كلِّ من لم يُجْمع على تَرْكه.
قال ابن منده: وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه, ويُخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره, لأنَّه أقوى عنده من رأى الرجال.
وهذا أيضًا رأي الإمام أحمد, فإنَّه قال: إنَّ ضعيف الحديث أحبُّ إليه من رأيِ الرِّجال, لأنَّه لا يُعدل إلى القياس, إلاَّ بعد عدم النص.(7)
وهذا مذهب الثوري والأوزاعي وأبي حاتم الرازي وابن حزم رحمهم الله تعالى .(8)
بل هو مذهبُ عامة الأئمة رحمهم الله تعالى .(9)
فما من إمامٍ من الأئمة المجتهدين حتى الذين انقرضت مذاهبهم إلا وقد أخذ بالحديث الضعيف في الأحكام،إذا خلا البابُ من حديث مقبولٍ،ولم يكن فيه سواهُ،أو تلقته الأمة بالقبول،.كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله قبل قليل .
وقد أخذ الإمام أحمد رحمه الله بحديث ( الناس أكفاء ) مع أنه منكر،وحكم ابن عبد البر بوضعه(10)
وأخذ بحديث حكيم بن جبير فيمن تحلُّ له الصدقة(11)مع أنه منكر الحديث "
قلت : هو في سنن أبى داود(1628 ) والنسائي (2604 ) وابن ماجة (1913 ) ومصنف ابن أبي شيبة(ج 3 / ص 180 ) (10533 ) وأحمد (3747 و4293 ) كلهم من طريق سُفْيَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ :رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ - أَوْ خُدُوشٌ - أَوْ كُدُوحٌ - فِى وَجْهِهِ ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى قَالَ :« خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ ». قَالَ :يَحْيَى فَقَالَ :عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ حِفْظِى أَنَّ شُعْبَةَ لاَ يَرْوِى عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ :سُفْيَانُ فَقَدْ حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ.
وفي مسند البزار(1913 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي وَجْهِهِ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا غِنَاهُ ؟ قَالَ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ عِدْلُهَا مِنَ الذَّهَبِ. قَالَ :يَحْيَى بْنُ آدَمَ : فَعَلِمْتُ أَنَّ شُعْبَةَ لاَ يُرْضِي حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : حَدَّثَنِيهِ سُفْيَانُ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ عَبْدِ اللهِ ، وَحَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْكُوفَةِ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ ، وَزُبَيْدٌ فَلَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ.
وفي علل الدارقطني(829 ) وسئل عن حديث عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح أو خموش "
فقال: يرويه حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه حدث به عنه الثوري وشريك وإسرائيل وحماد بن شعيب ورواه محمد بن مصعب القرقساني عن حماد بن سلمة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ووهم في قوله عن أبي إسحاق ، وإنما رواه إسرائيل عن حكيم بن جبير، ورواه شعبة عن حكيم بن جبير أيضا حدث به عنه إبراهيم بن طهمان ويحيى القطان ورواه زبيد ومنصور بن المعتمر عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد لم يجاوز ابنه محمدا وقولهما أولى بالصواب."
قلت: وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (499 ) وذكر " فقال رجل لسفيان : إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : قد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد " .
قال : حكيم بن جبير ضعيف ، لكن متابعة زبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوي الحديث ،فإنه ثقة ثبت ، و كذلك سائر الرواة ثقات ، فالإسناد صحيح من طريق زبيد .قال الترمذي " حديث حسن " .
قلتُ (علي ) : لم يصحَّ وصله من طريق زبيد كما قال الدارقطني وغيره ، فكيف يحكم عليه بالصحة ؟!.
وحكيم بن جبير ، ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني ويعقوب بن شيبه وأبو حاتم الرازي وغيرهم ، وقال الدارقطني ، متروك . وأكثر من هذا أن شعبة تركه من أجل حديث الصدقة المذكور أعلاه والذي يدعي الألباني صحته !(12)
وأخذ الإمام أحمد كذلك بحديث (لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ ) وهو ضعيف جدًّا وذكره ابن الجوزي في الموضوعات .(13)
وكذلك إذا لم يوجد حديث مقبولٌ،ولم يوجد في الباب إلا الحديث الضعيف،فقد ذهب عددٌ من الأئمة إلى الأخذ به من باب الانكفاف والاحتياط .
وقد نقل الإمام الماوردي وغيره عن الإمام الشافعي رحمه الله،أنه يأخذ بالمرسل إذا لم يوجد دلالةٌ سواهُ،إذا دلَّ على محظورٍ،احتياطاً،كما قال الإمام السبكي رحمه الله .(14)
وكذا إذا كان ضعيفاً بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة،فالاستحبابُ التنزه عنه،كما قال النووي رحمه الله،ولكن لا يجب .(15)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الكلام عليه مفصلا في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 77 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 29 ) (22 ) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير-(ج 2 / ص 44 ) (431 ) والبدر المنير (ج 4 / ص 100 )
(2) - إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج 1 / ص 38 )
(3) - إعلام الموقعين عن رب العالمين-(ج 1 / ص 37-38 )
(4) - أسفر : صلى حين انكشف الصبح وأضاء جدا
(5) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 56 ) و شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 55 )
(6) - قَصَدَ النَّسائي وإنما قال : ((النسئي ) ) ؛ لضرورة الوزن .
(7) - انظر : المختصر في أصول الحديث-(ج 1 / ص 2 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 214 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 72 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 112 ) و منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 292 )
(8) - الجرح والتعديل 8/347 وسير أعلام النبلاء 7/122-114 والمحلى 4/147-148
(9) -انظر إعلام الموقعين 1/31-33و77 وفتح الباري 5/90
(10) - مسند أبي حنيفة (236 ) ومعجم ابن الأعرابي (1972 ) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 6 / ص 90 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 2 / ص 62 ) وتنزيه الشريعة المرفوعة-(ج 1 / ص 17 ) والعلل المتناهية (1018 ) و البدر المنير (ج 7 / ص 583 ) وسنده واه
(11) - الشرح الكبير لابن قدامة (ج 2 / ص 693 ) والكافي في فقه ابن حنبل (ج 1 / ص 428 ) وفقه العبادات - حنبلي (ج 1 / ص 376 ) والعدة شرح العمدة (ج 1 / ص 142 )
(12) - وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1 / 246 ) وابن عدي في الكامل (2 / 636 ) في ترجمته على أنه من منكراته . ولم تصح متابعته لحكيم ، ولذلك ضعف هذا الحديث الأئمة منهم النسائي (5 / 97 ) ، وأبو حاتم الرازي (الجرح والتعديل 1 / 2 / 201 ) ، والخطابي في معالم السنن (2 / 226 ) ، وأطال الحافظ المنذري في بيان ضعفه في اختصار السنن (2 / 226 - 227 ) . وانظر تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي-(ج 2 / ص 183 )
(13) - انظر : نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 13 / ص 363 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 2 / ص 292 ) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير-(ج 2 / ص 136 ) واللآلي المصنوعة-(ج 2 / ص 14 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي-(ج 2 / ص 114 ) (1309 ) والشرح الكبير لابن قدامة-(ج 1 / ص 111 ) والفروع لابن مفلح-(ج 3 / ص 93 ) والمغني-(ج 3 / ص 409 ) ومنار السبيل شرح الدليل-(ج 1 / ص 79 )
(14) - انظر : فتح المغيث 1/80و142و143 و268 ونكت الزركشي 2،313 وحجية الحديث المرسل عند الإمام الشافعي لإبراهيم خليل ملا خاطر
(15) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 70(1/115)
حكم الحديث ُالضعيفِ
إذا جرى عليه العمل،أو تلقته الأمة بالقبول
لقد اتفقَ العلماءُ على العمل بالحديث الضعيف إذا جرى العملُ به،ويكون هذا مما تلقته الأمة بالقبول - غالباً- ولا نعلم لهم مخالفاً في هذه القضية .
وقد ذكر الإمام الترمذي عقب كثير من الأحاديث وعليه العمل عند أهل العلم أو عند عامة أهل العلم،أو عند بعض أهل العلم،مع حكمه على تلك الأحاديث بالضعفِ،سواء بالاضطراب،أو بانقطاع السند،أو لعدم صحة السند،أو لضعف الراوي ونحو ذلك .
والمراد بأهل العلم عنده رحمه الله: من كان قبله،من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين،بالإضافة إلى الأئمة الأربعة وأقرانهم .
وهذه أمثلة من سنن الترمذي أتيت بها للتدليل على هذه القاعدة الهامة وأذكر الباب ورقمه والحديث ورقمه:
26 - باب مَا جَاءَ فِى الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِى الْحَضَرِ. (24 )
188 - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِن أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى وَحَنَشٌ هَذَا هُوَ أَبُو عَلِىٍّ الرَّحَبِىُّ وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لاَ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ إِلاَّ فِى السَّفَرِ أَوْ بِعَرَفَةَ.
وفي 82 - باب مَا جَاءَ فِى التَّسْبِيحِ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (79 )
262 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِىِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ:فِى رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ:فِى سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ ». قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ. عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لاَ يَنْقُصَ الرَّجُلُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِن ثَلاَثِ تَسْبِيحَاتٍ.
وفي 157 - باب مَا جَاءَ فِى الإِمَامِ يَنْهَضُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ نَاسِيًا. (153 )
365 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ:صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ وَسَبَّحَ بِهِمْ فَلَمَّا صَلَّى بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ بِهِمْ مِثْلَ الَّذِى فَعَلَ. قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَدْ رُوِىَ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى ابْنِ أَبِى لَيْلَى مِن قِبَلِ حِفْظِهِ.
قَالَ:أَحْمَدُ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى. وَقَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْنُ أَبِى لَيْلَى هُوَ صَدُوقٌ وَلاَ أَرْوِى عَنْهُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرِى صَحِيحَ حَدِيثِهِ مِن سَقِيمِهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِثْلَ هَذَا فَلاَ أَرْوِى عَنْهُ شَيْئًا. وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَجَابِرٌ الْجُعْفِىُّ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَغَيْرُهُمَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ مَضَى فِى صَلاَتِهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِنهُمْ مَنْ رَأَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَمِنهُمْ مَنْ رَأَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ. وَمَنْ رَأَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَحَدِيثُهُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى الزُّهْرِىُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ.
158 - باب مَا جَاءَ فِى مِقْدَارِ الْقُعُودِ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ. (154 )
367 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هُوَ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. قَالَ:شُعْبَةُ ثُمَّ حَرَّكَ سَعْدٌ شَفَتَيْهِ بِشَىْءٍ فَأَقُولُ حَتَّى يَقُومَ فَيقول: حَتَّى يَقُومَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلاَّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِن أَبِيهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ لاَ يُطِيلَ الرَّجُلُ الْقُعُودَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وَلاَ يَزِيدَ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا.
وَقَالُوا إِنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ. هَكَذَا رُوِىَ عَنِ الشَّعْبِىِّ وَغَيْرِهِ.
191 - باب مَا جَاءَ فِى الصَّلاَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِى الطِّينِ وَالْمَطَرِ. (187 )
(413 ) قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الرَّمَّاحِ الْبَلْخِىُّ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ مِن حَدِيثِهِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ رُوِىَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى فِى مَاءٍ وَطِينٍ عَلَى دَابَّتِهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يقول: أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
254 - باب مَا جَاءَ فِى اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ إِذَا خَطَبَ. (249 )
511 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ مَنْصُورٍ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ يَسْتَحِبُّونَ اسْتِقْبَالَ الإِمَامِ إِذَا خَطَبَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَلاَ يَصِحُّ فِى هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - شَىْءٌ.
302 - باب مَا ذُكِرَ فِى الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ كَيْفَ يَصْنَعُ (297 )
594 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِىُّ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِىُّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِىٍّ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالاَ قَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إِلاَّ مَا رُوِىَ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالُوا إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ وَالإِمَامُ سَاجِدٌ فَلْيَسْجُدْ وَلاَ تُجْزِئُهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إِذَا فَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الإِمَامِ وَاخْتَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ الإِمَامِ وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فَقَالَ:لَعَلَّهُ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِى تِلْكَ السَّجْدَةِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ.
11 - باب مَا جَاءَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِزْيَةٌ. (11 )
634 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ فِى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِزْيَةٌ ».
635 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وَفِى الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَجَدِّ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىِّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِىَ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّصْرَانِىَّ إِذَا أَسْلَمَ وُضِعَتْ عَنْهُ جِزْيَةُ رَقَبَتِهِ. وَقَوْلُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ » إِنَّمَا يَعْنِى بِهِ جِزْيَةَ الرَّقَبَةِ وَفِى الْحَدِيثِ مَا يُفَسِّرُ هَذَا حَيْثُ قَالَ:« إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ ».
13 - باب مَا جَاءَ فِى زَكَاةِ الْخُضْرَوَاتِ. (13 )
639 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُهُ عَنِ الْخُضْرَوَاتِ وَهِىَ الْبُقُولُ فَقَالَ:« لَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَيْسَ يَصِحُّ فِى هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - شَىْءٌ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَيْسَ فِى الْخُضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَالْحَسَنُ هُوَ ابْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ وَتَرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ.
75 - باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ الْحَلْقِ لِلنِّسَاءِ. (75 )
925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْجُرَشِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِىٍّ قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.
926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ خِلاَسٍ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَلِىٍّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَلِىٍّ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَرُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقًا وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَيْهَا التَّقْصِيرَ.( قلت: قتادة لم يسمع من عائشة )
15 - باب مَا جَاءَ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. (15 )
1127 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« الْبَغَايَا اللاَّتِى يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ». قَالَ:يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ رَفَعَ عَبْدُ الأَعْلَى هَذَا الْحَدِيثَ فِى التَّفْسِيرِ وَأَوْقَفَهُ فِى كِتَابِ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
1128 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلاَّ مَا رُوِىَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مَرْفُوعًا. وَرُوِىَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا وَالصَّحِيحُ مَا رُوِىَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ هَكَذَا رَوَى أَصْحَابُ قَتَادَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ نَحْوَ هَذَا مَوْقُوفًا. وَفِى هَذَا الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَنَسٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِشُهُودٍ.
7 - باب مَا جَاءَ أَنَّ طَلاَقَ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ. (7 )
1218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:حَدَّثَنِى مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ:حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ ».
1219 - قَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَحَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَنْبَأَنَا مُظَاهِرٌ بِهَذَا. قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِن حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُظَاهِرٌ لاَ نَعْرِفُ لَهُ فِى الْعِلْمِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
15 - باب مَا جَاءَ فِى طَلاَقِ الْمَعْتُوهِ. (15 )
(1229 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِىُّ أَنْبَأَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ طَلاَقٍ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِن حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ. وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلاَنَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْتُوهًا يُفِيقُ الأَحْيَانَ فَيُطَلِّقُ فِى حَالِ إِفَاقَتِهِ.
39 - باب مَا جَاءَ فِى الْقَطَائِعِ. (39 )
1437 - قَالَ:قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِىُّ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شُرَاحِيلَ عَنْ سُمَىِّ بْنِ قَيْسٍ عَنْ شُمَيْرٍ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ:رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ أَتَدْرِى مَا قَطَعْتَ لَهُ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ:فَانْتَزَعَهُ مِنهُ. قَالَ:وَسَأَلَهُ عَمَّا يُحْمَى مِنَ الأَرَاكِ قَالَ:مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفَافُ الإِبِلِ ». فَأَقَرَّ بِهِ قُتَيْبَةُ وَقَالَ:نَعَمْ.
1438 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِىُّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. الْمَأْرِبُ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ وَائِلٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ فِى الْقَطَائِعِ يَرَوْنَ جَائِزًا أَنْ يُقْطِعَ الإِمَامُ لِمَنْ رَأَى ذَلِكَ.
9 - باب مَا جَاءَ فِى الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ يُقَادُ مِنهُ أَمْ لاَ (9 )
1460 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ:حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقِيدُ الأَبَ مِنِ ابْنِهِ وَلاَ يُقِيدُ الاِبْنَ مِن أَبِيهِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِن حَدِيثِ سُرَاقَةَ إِلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ يُضَعَّفُ فِى الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُرْسَلاً وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الأَبَ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ وَإِذَا قَذَفَ ابْنَهُ لاَ يُحَدُّ.
11 - باب مَا جَاءَ فِى النَّفْىِ. (11 )
1508 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ فَرَفَعُوهُ.
1509 - وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ.
وَهَكَذَا رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِن غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَ هَذَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّفْىُ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِىٌّ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ رُوِىَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِن فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
3 - باب مَا جَاءَ فِى صَيْدِ الْبُزَاةِ. (3 )
1540 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ وَهَنَّادٌ وَأَبُو عَمَّارٍ قَالُوا حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَيْدِ الْبَازِى فَقَالَ:« مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ بَأْسًا.(1/116)
22 - باب مَا جَاءَ فِى الْمَرْأَةِ إِذَا اسْتُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا . (22 )
1524 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا مُعَمَّرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّقِّىُّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:اسْتُكْرِهَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَرَأَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَدَّ وَأَقَامَهُ عَلَى الَّذِى أَصَابَهَا وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَهْرًا. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِن غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ:سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يقول: عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِن أَبِيهِ وَلاَ أَدْرَكَهُ يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَشْهُرٍ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَكْرَهَةِ حَدٌّ.
22 - باب (... ) (22 )
1604 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:شَهِدْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنبَرِهِ فَأُتِىَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ وَقَالَ:« بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّى وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِن أُمَّتِى ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنْ يقول: الرَّجُلُ إِذَا ذَبَحَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِن جَابِرٍ.
15 - باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ وَطْءِ الْحَبَالَى مِنَ السَّبَايَا . (15 )
1657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ وَهْبٍ أَبِى خَالِدٍ قَالَ:حَدَّثَتْنِى أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ أَبَاهَا أَخْبَرَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُوطَأَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِى بُطُونِهِنَّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ. وَحَدِيثُ عِرْبَاضٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ:الأَوْزَاعِىُّ إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ مِنَ السَّبْىِ وَهِىَ حَامِلٌ فَقَدْ رُوِىَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ:لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ. قَالَ:الأَوْزَاعِىُّ وَأَمَّا الْحَرَائِرُ فَقَدْ مَضَتِ السُّنَّة فِيهِنَّ بِأَنْ أُمِرْنَ بِالْعِدَّةِ. قَالَ:حَدَّثَنِى بِذَلِكَ عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ:حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ.
5 - باب مَا جَاءَ فِى مِيرَاثِ الإِخْوَةِ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ. (5 )
2240 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ:قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَعْيَانَ بَنِى الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِى الْعَلاَّتِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن حَدِيثِ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ. وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الْحَارِثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
17 - باب مَا جَاءَ فِى إِبْطَالِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ. (17 )
2255 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« الْقَاتِلُ لاَ يَرِثُ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ يَصِحُّ وَلاَ يُعْرَفُ إِلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ قَدْ تَرَكَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ لاَ يَرِثُ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَقَالَ:بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرِثُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
6 - باب مَا جَاءَ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. (6 )
2268 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.( قلت: الحارث الأعور ضعيف )
ونلاحظ أن هذه الأحاديث كلها في الأحكام الشرعية،وقد قال بها أهلُ العلم .
وأما الأحاديث التي قال بها بعض أهل العلم فهي كثيرة جدا في سننه، ففي سنن الترمذى(21 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى مَرْدَوَيْهِ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ فِى مُسْتَحَمِّهِ. وَقَالَ « إِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنهُ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ رَجُلٍ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِن حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ لَهُ أَشْعَثُ الأَعْمَى. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَوْلَ فِى الْمُغْتَسَلِ وَقَالُوا عَامَّةُ الْوَسْوَاسِ مِنهُ. وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنهُمُ ابْنُ سِيرِينَ وَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ يُقَالُ إِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنهُ فَقَالَ رَبُّنَا اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَدْ وُسِّعَ فِى الْبَوْلِ فِى الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الآمُلِىُّ عَنْ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ."
وانظر الأرقام التالية- طبعة المكنز- (37 و88 و113 و137 و179 و188 و194 و201 .... ) وهذا من المائتي حديث الأولى فقط، وهذه الأحاديث قد قال بها عامة أهل العلم إما لاعتضاده،أو لعدم وجود حديث مقبول في الباب،أو لأنه لا يوجد سواه في الباب ....
وإذا جاز الأخذ بها في الأحكام،فما سواها من باب أولى والله أعلم .(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص71-76(1/117)
حكمُ الحديث الضعيف
إذا تلقته الأمة بالقبول،وعملوا به،وأجمعوا عليه
اتفق العلماء على العمل بالحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول،ولا نعلم مخالفاً لهم في ذلك .
قال الخطيب البغدادي:"وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ فَهُوَ مَا قَصَرَ عَنْ صِفَةِ التَّوَاتُرِ , وَلَمْ يَقَعْ بِهِ الْعِلْمُ وَإِنْ رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ . وَالْأَخْبَارُ كُلُّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ فَضَرْبٌ مِنهَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ , وَضَرْبٌ مِنهَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ , وَضَرْبٌ مِنهَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ .
أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ , وَهُوَ مَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ , فَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَدُلُّ الْعُقُولُ عَلَى مُوجَبِهِ , كَالْإِخْبَارِ عَنْ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ , وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ , وَصِحَّةِ الْأَعْلَامِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ , وَنَظَائِرِ ذَلِكَ , مِمَّا أَدِلَّةُ الْعُقُولِ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ , وَقَدْ يُسْتَدَلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمَرٍ اقْتَضَاهُ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّة الْمُتَوَاتِرَةِ , أَوِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَصْدِيقِهِ , أَوْ تَلَقَّتْهُ الْكَافَّةُ بِالْقَبُولِ , وَعَمِلَتْ بِمُوجَبِهِ لِأَجْلِهِ "(1)
وهذه بعضُ الأمثلة:
حديثُ"لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"(2)،قال الإمام الشافعي(3):" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ يَعْنِي فِي حَدِيثِ { لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } .
قَالَ:الشَّافِعِيُّ: وَرَأَيْتُ مُتَظَاهِرًا عِنْدَ عَامَّةِ مَنْ لَقِيت مِن أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:فِي خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ { لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } , وَلَمْ أَرَ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفًا"(4).
وقال في الرسالة: " قال الله - تبارك وتعالى -:" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180 ) [البقرة/180]
وقال الله: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (240 ) سورة البقرة
فأنزل الله ميراثَ الوالِدَيْن ومن ورث بعدَهما ومَعَهما من الأقْرَبِين وميراثَ الزوج من زوجته والزوجةِ من زوجها،فكانت الآيتان محتملتين لأن تُثْبِتا الوصيةَ للوالدَيْن والأقربين والوصيَّةَ للزوج والميراثَ مع الوصايا فيأخذون بالميراث والوصايا ومحتملةً بأن تكون المواريث ناسخةً للوَصَايَا،فلَمَّا احتملتِ الآيتان ما وصفنا كان على أهل العلم طَلَبُ الدِّلالة من كتاب الله فما لم يجدوه نصاً في كتاب الله طَلَبُوه في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن وَجَدوه فما قَبِلُوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَنِ اللهِ قَبِلُوهُ بما افْتَرَضَ مِن طاعته .
ووَجدْنا أهلَ الفُتْيَا ومَنْ حَفِظْنَا عنه مِن أهل العلم بالمَغَازِي مِن قُريش وغيرهمْ: لا يختلفون في أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عامَ الفَتْحِ:" لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ" ويَأْثُرُونه عَنْ مَنْ حَفظوا عنه مِمَّنْ لَقُوا منْ أهل العلم بالمغازي،فكان هذا نَقْلَ عامَّةٍ عنْ عامَّة وكان أقوى في بعض الأمْرِ من نقْلِ واحد عن واحدٍ وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مُجتمعين.
قال: ورَوَى بعضُ الشَّامِيِّين حديثاً ليس مما يُثْبِتُه أهل الحديث فيه: أنَّ بعضَ رِجاله مجهولون فَرَوَيْناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطِعًا وإنما قَبِلْنَاه بما وَصَفْتُ من نقْل أهل المغازي وإجماع العامة عليه وإن كُنَّا قد ذكرنا الحديث فيه واعتمدنا على حديثِ أهل المغازي عامًّا وإجماع الناس .
أخْبَرنا" سفيان" عن" سليمان الأحْوَل" عن" مجاهد" أنَّ رسولَ الله قال:" لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" فاستدللنا بما وصفتُ من نقْلِ عامَّة أهل المغازي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن:" لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" على أنَّ المواريث ناسخةٌ للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المُنْقَطع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماعِ العامَّة على القول به."(5).
قلتُ: لكنَّ هذا الحديث لم يصلْه من طريق صحيح،وإنما أخذ برواية أهل المغازي،وإجماعِ العلماء على مقتضى الحديث،مع أن الحديث ورد من طرق أخرى موصولة،لكنْ بعد الإمام الشافعي،أو لم يطلع عليها.
وحديث: « إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ »(6).
قال الإمام الشافعي في اختلاف الحديث(7):" وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُحَرَّمٍ يُخَالِطُهُ لَمْ يَطْهُرِ الْمَاءُ أَبَدًا حَتَّى يُنْزَحَ،أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ،حَتَّى يَذْهَبَ مِنهُ طَعْمُ الْمُحَرَّمِ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ،فَإِذَا ذَهَبَ فَعَادَ بِحَالِهِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ بِهَا طَهُورًا،ذَهَبَتْ نَجَاسَتُهُ،وَمَا قُلْتَ مِن أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ كَانَ نَجِسًا،يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ مِثْلَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ،وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ،لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا "(8)
وحديث"لا زكاةَ في الذهب حتى يبلغ عشرين ديناراً"
قال أبو عمر ابن عبد البر(9):"لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الذهب شيء من جهة نقل الآحاد العدول الثقات الأثبات،وقد روى الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي ( رضي الله عنه ) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال هاتوا زكاة الذهب من كل عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ،(10)كذلك رواه أبو حنيفة فيما زعموا ولم يصح عنه ولو صح لم يكن فيه عند أهل العلم بالحديث أيضا حجَّة،والحسن بن عمارة متروك الحديث أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه،رواه عن الحسن بن عمارة عبد الرزاق .(11)
وأجمع العلماء على أن الذهب إذا بلغ أربعين مثقالا فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول،ربع عشره وذلك دينار واحد.
وأجمعوا أنه ليس فما دون عشرين دينارا زكاة ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم .(12)
وكذلك حديثُ معاذ بن جبل رضي الله عنه،فعَنْ أُنَاسٍ مِن أَهْلِ حِمْصٍ،مِن أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ:" كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟"،قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ،قَالَ:" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟"،قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟" قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي،وَلَا آلُو فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدْرَهُ،وَقَالَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ،رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ".(13)
وقال الخطيب البغدادي عقب روايته له:" فَإِنِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُ بِأَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْخَبَرُ , لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ أُنَاسٍ مِن أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمَّوْا فَهُمْ مَجَاهِيلٌ .
فَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أُنَاسٍ مِن أَهْلِ حِمْصٍ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ , يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ , وَكَثْرَةِ رُوَاتِهِ , وَقَدْ عُرِفَ فَضْلُ مُعَاذٍ وَزُهْدُهُ , وَالظَّاهِرُ مِن حَالِ أَصْحَابِهِ الدِّينُ وَالثِّقَةُ وَالزُّهْدُ وَالصَّلَاحُ , وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ , عَنْ مُعَاذٍ , وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ , وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ , عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ تَقَبَّلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ , فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ(14), وَقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ: هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ(15), وَقَوْلِهِ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ , وَقَوْلِهِ: الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ , وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِن جِهَةِ الْإِسْنَادِ , لَكِنْ لَمَّا تَلَقَّتْهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنَوْا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا(16), فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ , لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنَوْا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهُ فَإِنْ قَالَ: هَذَا مِن أَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا أَشْهُرُ وَأَثْبَتُ مِن قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ , فَإِذَا احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ , كَانَ هَذَا أَوْلَى وَجَوَابٌ آخَرُ , وَهُوَ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ جَائِزٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَثْبِيتُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِثْلَ: تَحْلِيلٍ , وَتَحْرِيمٍ , وَإِيجَابٍ , وَإِسْقَاطٍ , وَتَصْحِيحٍ , وَإِبْطَالٍ , وَإِقَامَةِ حَدٍّ بِضَرْبٍ , وَقَطْعٍ , وَقَتْلٍ , وَاسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَكَانَ الْقِيَاسُ أَوْلَى , لِأَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقٌ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ , وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ دُونَ الطَّرِيقِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ "(17).
وقال الجصاص عقب روايته له:"فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ ،قِيلَ لَهُ: لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ،لِأَنَّ إضَافَتَهُ ذَلِكَ إلَى رِجَالٍ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ تُوجِبُ تَأْكِيدَهُ،لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ أَنَّهُمْ مِن أَصْحَابِهِ،إلَّا وَهُمْ ثِقَاتٌ مَقْبُولُو الرِّوَايَةِ عَنْهُ.
وَمِن جِهَةٍ أُخْرَى إنَّ هَذَا الْخَبَرَ قَدْ تَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ،وَاسْتَفَاضَ،وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ مِن أَحَدٍ مِنهُمْ عَلَى رُوَاتِهِ،وَلَا رَدٍّ لَهُ ،وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَصِيرَ مُرْسَلًا،وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا مَقْبُولٌ "(18).
وقال الإمام الغزالي:"وَهَذَا حَدِيثٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ،وَلَمْ يُظْهِرْ أَحَدٌ فِيهِ طَعْنًا،وَإِنْكَارًا،وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُهُ مُرْسَلًا بَلْ لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ إسْنَادِهِ"(19)
وقال ابن القيم عقبه:" فَهَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ فَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاذٍ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ جَمَاعَةٍ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ لَا وَاحِدٍ مِنهُمْ،وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ مِن أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاحِدٍ مِنهُمْ لَوْ سُمِّيَ،كَيْفَ وَشُهْرَةُ أَصْحَابِ مُعَاذٍ بِالْعِلْمِ وَالدَّيْنِ وَالْفَضْلِ وَالصِّدْقِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَخْفَى ؟
وَلَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِهِ مُتَّهَمٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا مَجْرُوحٌ،بَلْ أَصْحَابُهُ مِن أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارِهِمْ،لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فِي ذَلِكَ،كَيْفَ وَشُعْبَةُ حَامِلُ لِوَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ ؟
وَقَدْ قَالَ:بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: إذَا رَأَيْتَ شُعْبَةَ فِي إسْنَادِ حَدِيثٍ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ،قَالَ:أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذٍ،وَهَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ،وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ،عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَقَلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ،فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ،كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ }،وَقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ {،هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ }،وَقَوْلِهِ: { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ }،وَقَوْلِهِ: { الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ }،وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِن جِهَةِ الْإِسْنَادِ،وَلَكِنْ لَمَّا تَلَقَّتْهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنُوا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا،فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنُوا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهُ،انْتَهَى كَلَامُهُ "(20).
وفي الكفاية في علوم الرواية للخطيب :"بَابُ التَّشَدُّدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ , وَالتَّجَوُّزِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ(21):
قَدْ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا عَمَّنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ التُّهْمَةِ , بَعِيدًا مِنَ الظِّنَّةِ , وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَتْبُهَا عَنْ سَائِرِ الْمَشَايِخِ
360 أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ , قَالَ : أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْغَزِّيُّ ، ثنا أَبِي ، حَدَّثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ , قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ , يَقُولُ : " لَا تَأْخُذُوا هَذَا الْعِلْمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَّا مِنَ الرُّؤَسَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ , الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ , وَلَا بَأْسَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَشَايِخِ " .
361 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ , قَالَ : أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّرَوِيُّ ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثنا أَبِي وَعَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِسِنْجَانِيُّ , قَالَا سَمِعْنَا يَحْيَى بْنَ الْمُغِيرَةِ , قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ , يَقُولُ : " لَا تَسْمَعُوا مِنْ بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي سُنَّةٍ , وَاسْمَعُوا مِنْهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ وَغَيْرِهِ " .
362 ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَطَّانُ النَّيْسَابُورِيُّ , لَفْظًا ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ السِّجْزِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّوْفَلِيَّ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يَقُولُ : " إِذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالسُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ , وَإِذَا رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمَا لَا يَضَعُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ " .
363 حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَلَّالُ ، أَخْبَرَنِي الْمَيْمُونِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : " الْأَحَادِيثُ الرِّقَاقُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُتَسَاهَلَ فِيهَا حَتَّى يَجِيءَ شَيْءٌ فِيهِ حُكْمٌ " .
__________
(1) - في الكفاية ص 51
(2) - الترمذي (2120 و 2121 ) والنسائي (3656- 3658 ) وابن ماجة (2713 و 2714 ) وأحمد 4 / 186 و 187 و 238 والبيهقي 6 / 85 و 244 و 264 وابن أبي شيبة (31360 ) والشافعي (1384 ) وعبد الرزاق (7277 ) وصحيح الجامع (7570 ) . وهو صحيح مشهور
(3) - الأم للشافعي (ج 10 / ص 480 ) و (ج 11 / ص 37 ) الشاملة 2
(4) - في الكفاية ص 51
(5) - الرسالة للشافعي ص (138-142 )
(6) - سنن ابن ماجه (563 ) وعدى 2/297 وهق 1/260 وعب (264 ) وهو ضعيف
(7) - برقم (56 ) جامع الحديث واختلاف الحديث-(ج 1 / ص 500 ) ومختصر المزني-(ج 1 / ص 557 )
(8) - قلتُ : وقال ابن الملقن بعد أن أثبت الجملة الأولى من الحديث ، عما ورد فيه من استثناء : " فَتَلَخَّصَ أَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور ضعيفٌ ، لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ ، لِأَنَّهُ مَا بَين مُرْسل وَضَعِيف .
وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى تَضْعِيفه.. . اهـ البدر المنير (ج 1 / ص 397 ) فما بعدها.
(9) - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار-(ج 3 / ص 117 )
(10) - قلت : هو في مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 119 ) (9966 ) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنَ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ ، وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ ، وَفِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ. (وهو حديث حسن موقوف )
(11) - مصنف عبد الرزاق(7078 ) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَلِيُّ إِنِّي عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ، فَأَمَّا الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالشَّاءُ فَلا ، وَلَكِنْ هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ ، مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ ، وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ"
(12) - انظر الاستذكار 9/21-35و39 والأم 2/34
(13) - أبو داود (3594 ) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 178 ) (22978 ) وحم 5/230 و236 و242 ومي 1/60 ونصب 4/63 وش 7/293 و10/177 وسنة 10/116 وتلخيص 4/182 وت (1327 ) سنده لين، ولكنه من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، وهذا كاف لتقويته والعمل به. وأخطأ الألباني في فهم هذا الحديث في الضعيفة (881 ) حيث قال بعد أن ضعفه:" ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن وإنزاله إياه معه منزلة الاجتهاد منهما، فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب، وهذا التفريق بينهما لا يقول به مسلم، بل الواجب النظر بالكتاب والسنة معاً وعد التفريق بينهما، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن وتقيد مطلقه وتخصص عمومه كما هو معلوم ... ا.هـ
أقولُ: وهذه القضيةُ التي أثارها لا وجود لها أصلاً، ولم يقل أحدٌ ممن فسر هذا الحديث بذلك. ومعنى الحديث: إذا عرضت عليَّ قضيةٌ أنظر هل لها حلٌّ في كتاب الله فإن كان لها حلٌّ في كتاب الله تعالى صريح كالمواريث مثلاً أحكم بها مباشرة دون الرجوع للسنة، لأن السنَّة في هذه الحال تكون ـ إن وجدت ـ مؤكدة للحكم فقط، وإن كان لها حكم مجمل في الكتاب يرجع إلى السنة المفصلة لهذا الحكم ، وإذا لم يكن لها حكم في الكتاب فنرجع إلى السنَّة لأن فيها أحكاماً زائدة عَلى القرآن كتحريم الحمر الأهلية مثلاً: فهذا مقصد معاذ ـ وإن لم يوجد نصٌّ صريح لا في الكتاب ولا في السنَّة نجتهد ... انظر كتابي الرد على الرد على الألباني حول تفسير القرآن الكريم
(14) - مر تخريجه
(15) - موطأ مالك(42 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ - مِنْ آلِ بَنِى الأَزْرَقِ - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ - وَهُوَ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ». وهو حديث صحيح خلافاً لمن زعم ضعفه واضطرابه وانظر البدر المنير (ج 1 / ص 370 ) فما بعد
(16) - وانظر تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج (ج 1 / ص 109 ) ومشكل الآثار للطحاوي(1977 )
(17) - الفقيه والتفقه برقم (509 )
(18) - الفصول في الأصول (ج 2 / ص 412 )
(19) - المستصفى (ج 2 / ص 233 )
(20) - إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج 1 / ص 275 )
(21) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 132)(1/118)
364 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ , يَقُولُ : " الْخَبَرُ إِذَا وَرَدَ لَمْ يُحَرِّمْ حَلَالًا , وَلَمْ يُحِلَّ حَرَامًا , وَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا , وَكَانَ فِي تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ , أَوْ تَشْدِيدٍ أَوْ تَرْخِيصٍ , وَجَبَ الْإِغْمَاضُ عَنْهُ , وَالتَّسَاهُلُ فِي رُوَاتِهِ " ".
ـــــــــــــــ(1/119)
الردُّ على يزعم أن القدامى لم يفرِّقوا بين الحسن والضعيف
قَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ:" خُذُوا هَذِهِ الرَّغَائِبَ وَهَذِهِ الْفَضَائِلَ مِنَ الْمَشْيَخَةِ فَأَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَلَا تَأْخُذُوهُ إِلَّا عَمَّنْ يَعْرِفَ الزِّيَادَةَ فِيهِ مِنَ النَّقْصِ"(1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ،أَنَّهُ كَانَ يقول: " إِذَا رَوِينَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ،تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ وَالرِّجَالِ،وَإِذَا رَوِينَا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الرِّجَالِ"(2)
قال أستاذنا د- محمد عجاج الخطيب معلقاً على كلام الخطيب البغدادي:
" إنما يريدون به أنهم يشددون في أحاديث الأحكام فلا يروون إلا ما توافرت فيه شروط الصحة،ويتساهلون بقبول غيرها وروايته عمن خفت فيه هذه الشروط،فنزل إلى درجة الحسن بنوعيه في اصطلاح المتأخرين وهو الذي يقابله الضعيف الذي يعمل به في اصطلاح المتقدمين،إذ لم يستقرَّ اصطلاحُ الحسن في عصرهم بعدُ،ومما يرجح ما ذهبتُ إليه قول سفيان الثوري:" لَا تَأْخُذُوا هَذَا الْعِلْمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَّا مِنَ الرُّؤَسَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ , الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ , وَلَا بَأْسَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَشَايِخِ"(3).
وما الرؤساءُ المشهورون إلا الأئمة،ومن توفرت فيهم أعلى شروط الصحة،وأما المشايخ فإنْ كان المراد بهم المعنى الاصطلاحي في التعديل فقولهم( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث،وإن لم يكن المراد ( بالمشايخ ) المعنى الاصطلاحي- بل عموم أهل العلم- فالمقصودُ به الرواية عمن لا يكونُ شديدَ الضعف،ويؤيد هذا أنهم كرهوا الرواية والاحتجاج بمن غلبَ على حديثهِ روايةُ الشواذِّ وروايةُ الغرائبِ والمناكير،كما كرهوا الرواية عن أهلِ الغفلة ومن أصيبوا بالاختلاطِ،وعمَّنْ عُرف بقبول التلقين وبالتساهلِ في سماع الحديث،وعمَّنْ كثرَ غلطهُ(4)،ومَن سواهم كانوا يحملون عنهم،وهم المقصودون في قول سفيان في روايته غير الحلال والحرام،وهم في رأينا رجالُ الحَسَنِ .
وفي رأينا أنَّ بعضَ الناس فهِمَ ما نُقلَ عنِ الإمام أحمدَ وابن المهدي وابن المبارك،فهماً بعيداً عن مراد هؤلاء الأئمة رحمهم الله،فتناقلوا هذه العبارة"يجوزُ العملِ بالضعيف" في فضائل الأعمال مؤيدينَ تساهلهم في رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيانِ ضعفها،مجوِّزينَ لأنفسهم إدخالَ أشياءَ كثيرةٍ في بعض أمورِ الدِّينِ،لا تستندُ إلى دليلٍ مقبولٍ،أو إلى أصلٍ معروفٍ،اعتماداً منهم على ضعيفِ الحديث،منْ غير أنْ يفرِّقوا بينَ مفهومِ الضعيفِ عند القدامَى والمتأخِّرينَ"(5).
ويردُّ على ابن القيم والخطيب بما يلي:
1- قول الخطيب مفسرا قول أبي حاتم (شيخ ) وذلك بقوله: فقولهم ( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث )
فهذا الكلام فيه نظر،وإليك البيان:
"تأتي هذه اللفظة (شيخ ) في باب النقد - أي التجريح والتعديل ونحوهما - بمعانٍ كثيرة أكثرها متقاربة أو متناسبة،أو هي - في الأقل - راجعة إلى أصول قليلة أهمها ما يلي:
الأصل الأول: قلة روايته؛ ولذلك تراهم أحياناً يطلقونها على المقل إذا لم يكن مشهوراً ولو كان مقبول الرواية؛ ومن ذلك أنهم قد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن محدث بعينه،كما يقول: بعض أصحاب المسانيد: حديث المشايخ عن أبي هريرة أو عن أنس فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم وإن كانوا مكثرين عن غيرهم؛ وكذلك إذا قالوا: أحاديث المشايخ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثين ونحو ذلك .
الثاني: قلة الرواة عنه؛ وهذان قد يكونان سببين في جهالة حاله.
الثالث: قلة علمه؛ فهم يصفون بها أحياناً من لم يكن من أهل العلم من الرواة .
الرابع: قلة اعتنائه بضبط الروايات وحفظها؛ وهذا قد يكون سبباً في سوء حفظه للمرويات،أو عدم ضبطه وإتقانه لما يؤديه.
الخامس: كونه أهلاً لأن يُروى عنه في الجملة،وأنه من جملة الرواة الذين كُتبت أحاديثهم،وصاروا شيوخاً لغيرهم .
وبناء على ما تقدم أو بعضه تراهم يطلقون كلمة"شيخ" أحياناً على المجهول،وأحياناً على الضعيف الذي لم يشتد ضعفه،وأحياناً على من هو وسط بين المقبولين والمردودين،وأحياناً على من هو دون الأئمة والحفاظ سواء كان من الثقات أو لم يكن منهم .
ولا بد هنا من الاستعانة بالقرائن والسياقات لمعرفة المراد في كل عبارة يقولها ناقد من النقاد .
وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال ) في ترجمة العباس بن الفضل العدني: (سمع منه أبو حاتم،وقال: شيخ؛ فقوله"هو شيخ" ليس هو عبارة جرح؛ ولهذا لم أذكر في كتابنا أحداً ممن قال فيه ذلك؛ ولكنها أيضاً ما هي عبارة توثيق؛ وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة .
ومن ذلك قوله"يكتب حديثه"،أي ليس هو بحجة ) .
وقال الذهبي في مقدمة (الميزان ) : (ولم أتعرض لذكر من قيل فيه:"محله الصدق"،ولا من قيل فيه:"لا بأس به"،ولا من قيل فيه:"هو شيخ" أو:"هو صالح الحديث"؛ فإن هذا باب تعديل )(6).
وقال الذهبي في (الموقظة ) :"الثقة: من وثَّقَه كثيرٌ ولم يُضعَّف،ودُونَه من لم يُوثَّق ولا ضُعِّف ،فإن خُرِّج حديثُ هذا في الصحيحين،فهو مُوَثَّق بذلك،وإن صَحَّح له مثلُ الترمذيِّ وابنِ خزيمة فجيِّدٌ أيضاً،وإن صَحَّحَ له كالدارقطنيِّ والحاكم،فأقلُّ أحوالهِ: حُسْنُ حديثه،وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين إطلاقُ اسم"الثقة" على من لم يُجْرَح،مع ارتفاع الجهالةِ عنه؛ وهذا يُسمَّى: مستوراً،ويُسمىَّ: محلهُّ الصدق،ويقال فيه: شيخ "(7).
وقال الزركشي في (نكته على ابن الصلاح ) : "قال الحافظ جمال الدين المزي: المراد بقولهم"شيخ" أنه لا يترك ولا يحتج بحديثه مستقلًّا"(8).
وقال ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام ) في بعض الرواة: "فأما قول أبي حاتم فيه:"شيخ" فليس بتعريف بشيء من حاله إلا أنه مقل،ليس من أهل العلم،وإنما وقعت له رواية أُخذت عنه "(9).
وقال ابن القطان أيضاً: (وذكر [يعني عبد الحق الإشبيلي] من طريق الدارقطنى(4125 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِىَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ ».(10)
ثم قال: محمد بن عمرو شيخ،وهذا الحديث المحفوظ فيه موقوف؛ انتهى ما ذَكر؛ وليس هذا بيان علته،وإنما علته أن هذا الرجل مجهول الحال لا يعرف إلا برواية ابن وهب عنه؛ وقد جازف في قوله فيه:"شيخ"،فإنَّ هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفاً بالرواية ممن أخَذ وأخَذ عنه،وإنما وقعت له روايةٌ لحديث أو أحاديث فهو يرويها . هذا الذي يقولون فيه:"شيخ"،وقد لا يكون مَن هذه صفته من أهل العلم .
وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن شخص مخصوص،كما يقولون : حديث المشايخ عن أبي هريرة أو عن أنس فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم وإن كانوا مكثرين عن غيرهم ،وكذلك إذا قالوا: أحاديث المشايخ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثان ونحو ذلك .
وأبو محمد(11)لم يرَ في هذا الرجل القول بأنه شيخ،فإنهم لم يقولوا ذلك فيه فيما أعلم،وإنما رأى في كتاب ابن أبي حاتم سؤال أبي محمد أباه وأبا زرعة عنه،فقالا: هو شيخ لابن وهب(12)،فهذا شيء آخر،ليس هو الذي ذكر،فإن لفظة"شيخ" لفظة مصطلَح عليها كما تقدم،فأما لفظة شيخ لفلان فإنه بمعنى آخر .
والمقصود أن تعلم أن هذا الرجل لم تُنقَل لنا عدالتُه؛ ثم هو قد خالفه فيه عبد الرزاق،فرواه عن ابن جريج،فوقفه ولم يرفعه .(13)
فإذن إنما ترجح الموقوف،لأنه عن ثقة،والمرفوع عمن لا نعلم عدالته،فاعلم ذلك "؛ هذا كله كلام الحافظ ابن القطان(14).
وقال أيضاً: (لفظ"شيخ" لا يعطي معنى التعديل المبتغى ولا أيضاً التجريح )(15).
وقال الدكتور قاسم علي سعد في (مباحث في علم الجرح والتعديل ) عقب قول ابن القطان هذا ونقَلَ قبلَه قولَه الذي قبْله: "وقد أيقظ ابنُ القطان في كلامه الأول إلى فائدة مهمة،وهي أنهم قد يُطلقون لفظة الشيوخ على الثقات الذين هم دون الأئمة الحفاظ؛ فحماد بن سلمة مثلاً شيخ في قتادة بالنسبة لهشام الدستوائي أو شعبة أو ابن أبي عروبة،لخفة ضبطه عنه بالنسبة لهم "(16).
وقال الزيلعي: "قال ابن القطان: الرازيان يعنيان بذلك أنه ليس من أهل العلم وإنما هو صاحب رواية"(17).
وقال ابن رجب في (شرح علل الترمذي ) : "والشيوخ في اصطلاح أهل العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره"(18).
وقال ابن أبي حاتم في (تقدمة الجرح والتعديل ) : "وإذا قيل:"شيخ" فهو بالمنزلة الثالثه،يكتب حديثه وينظر فيه،إلا أنه دون الثانية "(19).
وقال الترمذي في"سننه" في بعض الرواة: "وهو شيخ ليس بذاك،فقال المباركفوري في كتابه (تحفة الأحوذي )(20)في شرح هذه العبارة (وهو شيخ ليس بذاك ) : "أي بذاك المقام الذي يوثق به " أي روايته ليست بقوية،كذا في الطيبي؛ وظاهره يقتضي أن قوله"وهو شيخ" للجرح،وهو مخالف لما عليه عامة أصحاب الجرح والتعديل من أن قولهم"شيخ" من ألفاظ مراتب التعديل.
فعلى هذا يجيء إشكال آخر في قول الترمذي،لأن قولهم ليس بذاك من ألفاظ الجرح اتفاقاً،فالجمع بينهما في شخص واحد جمع بين المتنافيين .
فالصواب أن يُحمل قوله"وهو شيخ" على الجرح بقرينة مقارنته بقوله"ليس بذاك" وإن كان من ألفاظ التعديل،ولإشعاره بالجرح لأنهم وإن عدوه في ألفاظ التعديل صرحوا أيضاً بإشعاره بالقرب من التجريح .
أو نقول: لا بد في كون الشخص ثقةً من شيئين: العدالة والضبط،كما بُيِّن في موضعه،فإذا وُجد في الشخص العدالةُ دون الضبط يجوز أن يعدل باعتبار الصفة الأولى ويجوز أن يجرح باعتبار الصفة الثانية،فإذا كان كذلك لا يكون الجمع بينهما جمعاً بين المتنافيين؛ كذا في قواعد التحديث السيد جمال الدين رحمه الله؛ كذا في المرقاة ) "(21).
وهذا نص عبارة ابن أبي حاتم - وهي في الجرح والتعديل حيث قال: "وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى:
فإذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبتٌ،فهو ممن يحتج بحديثه.
وإذا قيل له: إنه صدوق،أو محله الصدق،أو لا بأس به،فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.
وإذا قيل: شيخ،فهو بالمنزلة الثالثة،يكتب حديثه وينظر فيه،إلا أنه دون الثانية.
وإذا قيل: صالح الحديث،فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
وإذا أجابوا في الرجل بـ(لين الحديث ) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً.
وإذا قالوا: ليس بقوي فهو بمنزلة الأولى في كِتبة حديثه إلا أنه دونه.
وإذا قالوا: ضعيف الحديث،فهو دون الثاني،لا يطرح حديثه،بل يعتبر به.
وإذا قالوا: متروك الحديث،أو ذاهب الحديث،أو كذاب،فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه،وهي المنزلة الرابعة"(22).
قلتُ: وبعد نظري فيمن قال عنهم ( شيخ ) فقط أن أحاديثهم قليلة،وفيهم من هو حسن الحديث،وفيهم لين الحديث وفيهم المجهول،فلا نستطيع الجزم بأنه يقصد في هذه المرتبة حسن الحديث،وابن أبي حاتم فرَّق بين الثقة وبين الصدوق،وهذا يدلُّ بيقين على أن من قال فيه شيخٌ ليس هو الصدوق،فهو ما ذكرت تماماً،ومن ثم فلا يجوز تفسير كلامه بهذا الشكل غير المنضبط .(23)
2- ما قاله أبو داود السجستاني - وهو تلميذ الإمام أحمد - في رسالته لأهل مكة: " وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على أنه متصل،وهو مثل الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة والحكم عن مقسم عن ابن عباس"(24).
وقال فيها أيضاً(25):"وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء،وإذا كان في حديثه منكر بينت أنه منكر(26)وليس على نحوه في الباب غيره، ثم قال:" فإنْ ذُكِرَ لَك عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّةٌ لَيْسَ فِيمَا خَرَّجْتُه،فاعْلَم أنَّه حَدِيث واهٍ،إلَّا أَن يكون فِي كتابي من طَرِيق (آخر ) ،(فإنِّي ) لم أخرج الطّرق (بِهِ ) ،(فإنَّه يكثر ) عَلَى المتعلم،وَلَا أعرف أحدا جَمَعَ عَلَى الاستقصاءِ غَيْرِي(27)".
وَنقل النَّوَوِيّ النَّص الْمُتَقَدّم عَن أبي دَاوُد - الَّذِي (شَارك ) ابْن الصّلاح فِيهِ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد - ثمَّ قَالَ: وَهَذَا يُشْكِلُ؛ فإنَّ فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يُبَيِّنْها،مَعَ أَنَّهَا مُتَّفق عَلَى ضعفها عِنْد الْمُحدثين،كالمرسل،والمنقطع،وَرِوَايَة مَجْهُول . ك «شيخ»،و«رجل»،وَنَحْوه،فَلَا بدّ من تَأْوِيل هَذَا الْكَلَام .
قَالَ: وليعلم أَن مَا وَجَدْنَاهُ فِي «سنَنه»،وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا،وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّته أَو حسنه أحد مِمَّن يعْتَمد،وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حسن عِنْد أبي دَاوُد أَو صَحِيح،فَيحكم بِالْقدرِ الْمُحَقق،وَهُوَ أَنه حسنٌ . فإنْ نصَّ عَلَى ضعفه من يُعْتَمدُ،أَو رَأَى الْعَارِفُ فِي سَنَده مَا يَقْتَضِي الضعْف،وَلَا جابِرَ لَهُ حَكَمْنَا بضعفه .
وَقد قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: "إِن أَبَا دَاوُد يخرج الإِسنادَ الضَّعِيف إِذا لم يجدْ فِي الْبَاب غَيره؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْده من رَأْي الرِّجَال ".
وَقَالَ الْخطابِيّ: "كتاب أبي دَاوُد جَامع للصحيح وَالْحسن،وأَمَّا الضَّعِيف فإنَّه خَليٌ مِنهُ . قَالَ: وإنْ وَقع مِنهُ شيءٌ - لضربٍ من الْحَاجة - فإنَّه لَا يَأْلُو أَن يبِّين أمره،وَيذكر علته،ويَخْرُجَ من عهدته " .
قَالَ: "ويُحكى لنا عَن أبي دَاوُد أنَه قَالَ: مَا ذكرت فِي كتابي حَدِيثا اجْتمع الناسُ عَلَى تَركه ".
وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي أول «أَطْرَافه»:"صنف أَبُو دَاوُد كِتَابه الَّذِي سمَّاه «السّنَن»،فأجاد فِي تصنيفه وَأحسن،وَقصد أَن يَأْتِي فِيهِ بِمَا كَانَ صَحِيحا مشتهرًا،أَو غَرِيبا (حسنا ) مُعْتَبرا،ويطرح مَا كَانَ مطَّرحًا مستنكرًا،(ويجتنب ) مَا كَانَ شاذًّا مُنْكرا ".
قلتُ: وَمَا حَكَاهُ الْخطابِيّ فِيهِ نظر؛ فإنَّ فِي «سنَنه» أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبينها،مَعَ أنَّها ضَعِيفَةٌ كالمرسل،والمنقطع،وَرِوَايَة مَجْهُول: كشيخ،وَرجل،وَنَحْوه،كَمَا سَلَفَ .
وَأجَاب النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَنه» (عَنهُ ) : بِأَنَّهُ - (وَهُوَ ) مُخَالف أَيْضا لقَوْله: "وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَيَّنْتُه" لَمَّا كَانَ ضَعْفُ هَذَا النوعِ ظَاهرا،اسْتَغنَى بظهوره عَن التَّصْرِيح ببيانه" .
قلتُ: فعلَى كل حَال لَا بُدَّ من تَأْوِيل كَلَام أبي دَاوُد،والحقُّ فِيهِ مَا قَرَّره النَّوَوِيّ .
وَأمَّا قَول الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي: "سنَن أبي دَاوُد من الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَى صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب" فَفِيهِ تساهلٌ كبيرٌ،وتَأَوَّلَه النوويُّ عَلَى إِرَادَة الْمُعظم .(28)
ونقل ابن الصلاح في مقدمته قال: "وروينا عنه - يعني أبا داود - أيضا ما معناه أنه يذكر في كل باب أصحَّ ما عرفه في ذلك الباب"(29).
قال ابنُ الصلاحِ:" فعلى هذا ما وجدناه في كتابِهِ مذكوراً مطلقاً،وليس في واحدٍ من الصحيحينِ،ولا نَصَّ على صحتِهِ أحدٌ ممَّنْ يُميِّزُ بين الصحيحِ والحسنِ عرفناه بأنَّهُ من الحسَنِ عند أبي داودَ . وقد يكونُ في ذلك ما ليسَ بحسَنٍ عند غيرِهِ،ولا مندرجٍ فيما حقّقنا ضبطَ الحسنِ به" .
وقد اعترضَ أبو عبد اللهِ محمدُ بنُ عمرِ بنِ محمدِ الفِهريُّ الأندلسيُّ المعروفُ بابن رُشَيد،على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ فقال:" ليس يلزمُ أنْ يُستفادَ من كونِ الحديثِ لم ينصَّ عليه أبو داودَ بضَعْفٍ،ولا نَصَّ عليهِ غيرُهُ بصحةٍ أنَّ الحديثَ عند أبي داودَ حسنٌ . إذْ قد يكونُ عنده صحيحاً،وإنْ لم يكن عندَ غيرِهِ كذلك". وقال أبو الفتح اليعمريُّ:" وهذا تعقّبٌ حسنٌ"(30).
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاسَةَ:"سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يقول: كَتَبْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسَ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ،انْتَخَبْتُ مِنهَا مَا ضَمَّنْتُهُ هَذَا الكِتَابَ -يَعْنِي: كِتَابَ (السُّنَنِ ) - جمعتُ فِيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ وثمَانِي مائَةِ حَدِيْثٍ،ذَكَرْتُ الصَّحِيْحَ،وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ"(31).
وقال الذهبي:" قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: "سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ،يقول: ذَكَرْتُ فِي (السُّنَنِ ) الصَّحِيْحَ وَمَا يُقَارِبَهُ،فَإِنْ كَانَ فِيْهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ".
قُلْتُ - الذهبي-: فَقَدْ وَفَّى -رَحِمَهُ اللهُ- بِذَلِكَ بِحَسَبِ اجتِهَادِهِ،وَبَيَّنَ مَا ضَعْفُهُ شَدِيْدٌ،وَوَهْنُهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ،وَكَاسَرَ عَنْ مَا ضَعْفُهُ خَفِيْفٌ مُحْتَمَلٌ،فَلاَ يَلْزَمُ مِن سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُونَ حَسَناً عِنْدَهُ،وَلاَ سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد الحَادِث،الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِن أَقسَامِ الصَّحِيْحِ،الَّذِي يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ،أَوِ الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ،وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ،وَبَالعَكْسِ،فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ،فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ،وَلَبَقِيَ مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحَسَنِ،فَكِتَابُ أَبِي دَاوُدَ أَعْلَى مَا فِيْهِ مِنَ الثَّابِتِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ،وَذَلِكَ نَحْو مِن شَطْرِ الكِتَابِ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ،وَرَغِبَ عَنْهُ الآخَرُ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا رَغِبَا عَنْهُ،وَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّداً،سَالِماً مِن عِلَةٍ وَشُذُوْذٍ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ إِسْنَادُهُ صَالِحاً،وَقَبِلَهُ العُلَمَاءُ لِمَجِيْئِهِ مِن وَجْهَيْنِ لَيِّنَيْن فَصَاعِداً،يَعْضُدُ كُلُّ إِسْنَادٍ مِنهُمَا الآخَرُ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا ضُعِّفَ إسنَادُهُ لِنَقْصِ حِفْظِ رَاوِيهِ،فَمِثْلُ هَذَا يُمَشِّيْهِ أَبُو دَاوُدَ،وَيَسْكُتُ عَنْهُ غَالِباً،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ بَيِّنَ الضَّعْفِ مِن جِهَةِ رَاوِيْهِ،فَهَذَا لاَ يَسْكُتُ عَنْهُ،بَلْ يُوْهِنُهُ غَالِباً،وَقَدْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِحَسْبِ شُهْرَتِهِ وَنَكَارَتِهِ،وَاللهُ أَعْلَمُ"(32).
3 - قال ابن حجر في كتابه المحرر النفيس النكت على مقدمة ابن الصلاح حول شرط أبي داود(33): " وفي قول أبي داود: (وما كان فيه وهن شديد بينته ) ،ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد؛ أنه لا يبينه،ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي،بل هو على أقسام:
1- منه ما هو على شرط الصحيحين أو على شرط الصحة.
2- ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3- ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدًّا.
4- ومنه ما هو ضعيف،لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالباً.
وكلُّ هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها.
__________
(1) - رواه الخطيب البغدادي في الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ (1279 )
(2) - نفسه (1280 )
(3) - الكفاية في علم الرواية برقم(360 )
(4) - هذا إذا تفردوا بما يخالف الثقات ، ولم يتابعوا عليه
(5) - أصول الحديث ص 352- 354
(6) 1ج/ص3-4 )
(7) - (ص37-38 )
(8) - (3/434 )
(9) - (4/627 )
(10) - والمستدرك للحاكم (8007 ) وصححه ووافقه الذهبي
(11) - هو العلامة عبد الحق .
(12) - الجرح والتعديل (8/32 ) .
(13) - كما في سنن الدارقطنى(4126 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو الأَزْهَرِ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لاَ يَرِثُ الْيَهُودِىُّ وَلاَ النَّصْرَانِىُّ الْمُسْلِمَ وَلاَ يَرِثُهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ الرَّجُلِ أَوْ أَمَتَهُ. مَوْقُوفٌ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ .
(14) - في (بيان الوهم والإيهام ) (3/538-540 ) (1318 )
(15) - نسخة دار الكتب المصرية (2/ ورقة 14أ ) ، كما في (مباحث في علم الجرح والتعديل ) (ص40 ) .
(16) ص40 )
(17) - في (نصب الراية ) (4/233 )
(18) 1/461 )
(19) 2 / 37 )
(20) 1/303-304 )
(21) - انظر معجم لسان المحدثين (ج 3 / ص 103 )
(22) - (1/1/37 )
(23) - انظر معجم لسان المحدثين (ج 5 / ص 114 ) و(منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها ) (ص154-166 ) للعاني
(24) - ص 3
(25) -(رسالة أبي داود إلى أهل مكة ت محمد الصباغ - المكتب الإسلامي - ط3 (ص25 ) فما بعدها
(26) - قال ابن رجب : "ومراده أن لم يخرج لمتروك الحديث عنده ، على ما ظهر له ، أو لمتروك متفق على تركه ، فإنه قد خرج لمن قد قيل : إنه متروك ، ومن قد قيل : إنه متهم بالكذب ، وقد كان أحمد ابن صالح المصري وغيره ، لا يتركون إلا حديث من اجتمع على ترك حديثه ، وحكَى مثله عن النسائي " شرح علل الترمذي لابن رجب (ج 1 / ص 227 )
(27) - يقصد أحاديث الأحكام
(28) - البدر المنير (ج 1 / ص 300 ) فما بعدها
(29) -(ص33 ) ومقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 5 ) الشاملة 2 والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 5 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 115 ) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 53 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 95 )
(30) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 53 )
(31) - سير أعلام النبلاء (13/210 )
(32) - سير أعلام النبلاء (13/214 )
(33) - انظر : النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 435 ) وتوضيح الأفكار [ج1 -ص 205 -210] وفتح المغيث [ ج1 -ص 80 ] وتوجيه النظر إلى أصول الأثر [ج1 -ص 368 ](1/120)
كما نقل ابن منده عنه: أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره،وأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
وكذلك قال ابن عبد البر: كلُّ ما سكت عليه أبو داود؛ فهو صحيح عنده،لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره.
ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر عنه: أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره.
وأصرح من هذا ما روينا عنه فيما حكاه أبو العز بن كادش(1)أنه قال لابنه: لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي؛ لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء،ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث: أني لا أخالف ما يُضَعَّف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه.(2)
ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه؛ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يقول:لَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الرَّأْيِ إلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ ..(3)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِن سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ،فَقَالَ أَبِي: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ،وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِن الرَّأْيِ(4).
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود،ولا عجبَ؛ فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد،فغير مستنكر أن يقول: قوله"(5).
قلتُ: بل إن ابن تيمية يرى أن شرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود قال في التوسل والوسيلة(6):"وَلِهَذَا نَزَّهَ أَحْمَدُ مُسْنَدَهُ عَنْ أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ يَرْوِي عَنْهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِثْلِ مَشْيَخَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ أَبُو دَاوُد يَرْوِي فِي سُنَنِهِ مِنهَا فَشَرْطُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَجْوَدُ مِن شَرْطِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ".(7)
وقال ابن حجر متابعاً كلامه(8):"ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتجُّ بكل ما سكت عليه أبو داود،فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها؛ مثل: ابن لهيعة،وصالح مولى التوأمة،وعبد الله بن محمد بن عقيل(9)،وموسى بن وردان،وسلمة بن الفضل،ودلهم بن صالح،وغيرهم(10).
فلا ينبغي للناقد أن يقلِّده في السكوت على أحاديثهم،ويتابعه في الاحتجاج بهم،بل طريقه أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع،فيعتضد به؟ أو هو غريب،فيتوقف فيه؟ لا سيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه؛ فإنه ينحطًّ إلى قبيل المنكر.
وقد يخرج لمن هو أضعفُ من هؤلاء بكثير؛ كالحارث بن وجيه،وصدقة الدقيقي،وعثمان بن واقد العمري،ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني،وأبي جناب الكلبي،وسليمان بن أرقم،وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة،وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك مافيه من الأسانيد المنقطعة،وأحاديث المدلِّسين بالعنعنة،والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم.
فلا يتجهُ الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته: تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه،وتارة يكون لذهول منه،وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما،وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه -وهو الأكثر-؛ فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه من طريق الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ ». فإنه تكلم عليه في بعض الروايات،فقال: « الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ.؛ »،(11)وفي بعضها اقتصر على بعض هذا،وفي بعضها لم يتكلم فيه.
وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج «السنن»،ويسكت عنه فيها،ومن أمثلته ما رواه في «السنن» من طريق مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِىِّ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ قَالَ:انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِى حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ فَكَانَ مِن حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ:مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِن غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِى السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ وَقَالَ:« إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِى أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ ».(12)؛ لم يتكلم عليه في «السنن»،ولما ذكره في«كتاب التفرد»؛ قال: «لم يتابع أحد محمد بن ثابت على هذا»،ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: «هو حديث منكر».
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام؛ ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة؛ منها-وهو ثالث حديث في كتابه-: سنن أبى داود(3 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِى شَيْخٌ قَالَ:لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ فَكَانَ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِى مُوسَى فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِى مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنِّى كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِى أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ثُمَّ قَالَ: - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا ».(13)؛ لم يتكلم عليه في جميع الروايات،وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصوابُ: عدمُ الاعتماد على مجرد سكوته،لما وصفنا أنه يحتجُّ بالأحاديث الضعيفة،ويقدِّمها على القياس،إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك،فكيف يقلِّده فيه؟ !
وهذا جميعه إن حملنا قوله: « وما لم أقل فيه شيئاً؛ فهو صالح» على أن مراده: أنه صالح للحجة،وهو الظاهر،وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك -وهو الصلاحية: للحجة،أو للاستشهاد،أو للمتابعة-؛ فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف،ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة؛ هل فيها أفراد أم لا؟ إن وجد فيها أفراد؛ تعين الحمل على الأول،وإلا حمل على الثاني،وعلى كل تقدير؛ فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقاً،وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي فقال: في «سنن أبي داود» أحاديث ظاهرة الضعف لم يبيِّنها،مع أنّه متفق على ضعفها؛ فلا بدّ من تأويل كلامه،ثم قال: والحق أن ما وجدناه في «سننه» مما لم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد؛ فهو حسن،وإن نص على ضعفه من يعتمد،أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له؛ حكم بضعفه،ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود.(14)
قلت: وهذا هو التحقيق،لكنه خالف في مواضع من «شرح المهذب» وغيره من تصانيفه،فاحتجَّ بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها،فلا يغتر بذلك،والله أعلم» ا.هـ. كلام الحافظ ابن حجر بطوله(15).
قلتُ: وهذا مثال لتصرف الإمام النووي،قال في شرح المهذب:
"وَدَلِيلُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ حَدِيثُ الْمُسَوَّرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بْنُ يَزِيدَ الْمَالِكِيُّ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه قَالَ:" { شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصَّلَوَاتِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقَالَ:لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا ؟ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ , وَلَمْ يُضَعِّفْهُ , وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ "(16).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - هو أحمد بن عبيد الله بن كادش (أبو العز ) محدث من شيوخ ابن عساكر خرج وألّف توفي سنة 556. لسان الميزان (1/218 ) ، معجم المؤلفين (1/308 )
(2) - حكى أبو موسى المديني المتوفى سنة 581 هذه الرواية في خصائص المسند (ص27 ) من الجزء الأول من مسند أحمد تحقيق أحمد محمد شاكر ثم ردها ثم قال: "فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف".
(3) - انظر جامع بيان العلم (2/170 ) .
(4) - الأحكام لابن حزم (ج 6 / ص 792 ) وإعلام الموقعين (ج 1 / ص 76 ) وإيقاظ همم أولي الأبصار (ج 1 / ص 119 )
(5) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 13 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 76 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 437 )
(6) ص82 ) طبعة دار العروبة ومجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 )
(7) - هذا وقد نقل الصنعاني هذه الأقوال قول ابن منده وابن عبد البر وأبي العز ابن كادش والنجم الطوفي. انظر توضيح الأفكار (1/197- 198 ) . وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 145 )
(8) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 146 )
(9) - قلت : قد ناقض نفسه ، فقد قال في التقريب عن عبد الله بن محمد بن عقيل الهاشمي ، صدوق فيه لين وحسن له في التغليق 4/461 و تغليق التعليق (ج 3 / ص 155 ) الشاملة 2 وفي التلخيص الحبير 2/17 والتلخيص الحبير (ج 2 / ص 255 ) (745 ) الشاملة 2
وقال موضحاً حاله في موضع آخر من التلخيص الحبير : " وَابْنُ عَقِيلٍ سيء الْحِفْظِ يَصْلُحُ حَدِيثُهُ لِلْمُتَابَعَاتِ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ فَيَحْسُنُ وَأَمَّا إذَا خَالَفَ فَلَا يُقْبَلُ " 2/108 و التلخيص الحبير (ج 2 / ص 255 ) دار الكتب العلمية
قلت : وهذا يفيد أن أن من كان صدوقاً سيء الحفظ ، فحديثه حسن إذا انفرد ،أما إن حديث عبد الله بن محمد هذا فلا يصلح إلا للمتابعات ، ففي هذا القول نظر ، بل هو يصلح للاحتجاج ، وقد احتجَّ به أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو بكر الحميدي ، وصحح له أحمد ، وقد احتجَّ ابن حجر نفسه بمن هو دون ابن عقيل .
(10) - قلت معظم هؤلاء رواة مختلف فيهم جرحاً وتعديلاً ، والصواب أن حديثهم حسن إلا إذا ثبت أنهم أخطؤوا فيه ولم يعضد . انظر كتابي الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب _المرتبة الخامسة من قال فيه صدوق سيء الحفظ أو يهم أو يخطئ ... ( الراوي المختلف فيه ) -المطلب الثالث -أمثلة كثيرة عن أصحاب هذه المرتبة تبين حالهم
(11) - سنن أبى داود(248 )
(12) - قلت : بل تكلم عليه فقال : قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِى التَّيَمُّمِ، قَالَ ابْنُ دَاسَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يُتَابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَوَوْهُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ.سنن أبى داود(330 )
(13) - الدمث : الأرض السهلة الرخوة = يرتاد : يطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله
(14) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 72 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 444 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 199 )
(15) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 445 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 199 ) وقواعد في علوم الحديث للتهانوي - تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله ص 85
(16) - المجموع 4/138، والحديث في سنن أبى داود(907 ) وهو حديث حسن ، وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده يحيى بن كثير الكاهلي، قال الحافظ فيه لين الحديث. تقريب 2/356.
وانظر الأماكن التالية المجموع شرح المهذب (ج 2 / ص 77 ) و(ج 4 / ص 99 ) و(ج 5 / ص 8 ) و(ج 6 / ص 48 ) و(ج 8 / ص 56 ) لم يضعف أبو داود هذا الحديث فهو حسن عنده(1/121)
4- الردُّ على ابن القيم والخطيب حول ظنهما أن المقصود بالضعيف - عند المتقدمين- هو الحسَنُ عندَ المتأخرين .
وهذا غير مسلَّم،إذ أنَّ إطلاق الحسَن على الحديث وعلى الراوي أيضا واردٌ على لسان عدد من العلماء السابقين للإمام الترمذي من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه،بل ورد هذا الإطلاق على لسان الإمام أحمد نفسه، قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح:" وأمَّا علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في مسندهِ وفي علله،وظاهرُ عبارته قصدُ المعنى الاصطلاحي،وكأنهُ الإمام السابقُ لهذا الاصطلاح،وعنه أخذ البخاريُّ ويعقوب بن شيبة وغيرُ واحد،وعن البخاريِّ أخذَ الترمذيُّ " .(1)
ولهذا قال ابن الصلاح:" ويوجدُ -أي التعبير بالحسن الاصطلاحي- في متفرقاتٍ من كلام مشايخ الترمذي،والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما"(2)
وقد عبَّر الإمامُ أحمد بالحسن عما هو حسن اصطلاحاً،فقد قال في ابن إسحاق -صاحب المغازي - حسَنُ الحديث كما في الميزان للذهبي(3)،ولم يردْ أنه ثقةُ الحديث بدليل ما قاله فيه:هو كثير التدليس جدا،قيل له فإذا قال أخبرني وحدثني فهو ثقة ؟ قال:"هو يقول: ( أخبرني ) ويخالف"،وظاهرٌ أنَّ هذا الكلام لا يقوله الإمام أحمد فيمن يعتبرهُ ثقةً صحيحَ الحديثِ.
وهذا أمثلة من كلام الإمام أحمد:
- قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سألت أحمد , يعني ابن حنبل , عن حارثة بن مضرب . فقال: هو حسن الحديث. (الجرح والتعديل ) 3/ (1137 ) .
وقال أبو داود: سمعت أحمد . قال: زيد بن أبي أنيسة , ليس به بأس. (سؤالاته ) (324 ) .
- وقال أحمد بن محمد بن هانىء: قلت لأبي عبد الله: زيد بن أبي أنيسة كيف هو عندك ؟ فقال: إن حديثه لحسن مقارب , وإن فيها لبعض النكارة،وهو على ذلك حسن الحديث. (ضعفاء العقيلي ) (519 ) .
-وقال الميموني: حدثنا أحمد. قال: حدثنا وكيع. قال: حدثنا سعيد بن السائب،حسن الحديث. (سؤالاته ) (501 ) .
-سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي،مولاهم،الكوفي،قال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث. (تهذيب التهذيب ) 4/ (90 ) .
- وقال أبو داود: سمعت أحمد. قال: سلم بن أبي الذيال،حسن الحديث،وهو صاحب رأي،ومسائل دقائق،كتبنا عن معتمر عنه كتابا،سمعت أحمد ذكره مرة أخرى. فقال: حديثه مقارب. (سؤالاته ) (493 ) .
- وقال العباس بن محمد الدوري: قال أحمد بن حنبل: سلم بن أبي الذيال،أحاديثه متقاربة،لم يرو عنه غير معتمر. (الجرح والتعديل ) 4/ (1145 ) .
-سلام بن أبي الصهباء،بصري،يكنى أبا المنذر،قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سلام أبو المنذر،حسن الحديث. (الكامل ) (768 ) .
-عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي،مولاهم،الكوفي،قال الأثرم: قلت لأحمد: سعيد،وعبد الله أخوان؟ قال: نعم. قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: كلاهما عندي حسن الحديث. (تهذيب التهذيب ) 5/ (490 ) .
-عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي،أبو عتبة الشامي،الداراني،وقال أبو داود: وسمعت أحمد قال: ابن جابر،حسن الحديث. (سؤالاته ) (279 ) .
وقال أبو داود: قيل لأحمد: فعبد الرحمن بن يزيد بن جابر؟ قال: عبد الرحمن،ليس به بأس. (سؤالاته ) (289 ) .
-فراس بن يحيى الهمداني،الخارفي،أبو يحيى الكوفيُّ المكتب،قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي وأنا أسمع عن فراس بن يحيى،وإسماعيل بن سالم،فقال: فراس أقدم موتًا بن إسماعيل،وإسماعيل أوثق منه -يعني في الحديث- فراس فيه شيء من ضعف،وإسماعيل بن سالم أحسن استقامة منه في الحديث،وأقدم سماعًا،إسماعيل سمع من سعيد بن جبير،وفراس أقدم موتًا. (العلل ) (551 ) .
وقال ابن هانئ: قلت لأبي عبد الله: أيما أحب إليك زكريا،أو فراس ؟ قال: ما فيهما إلا ثقة،وزكريا حسن الحديث. (سؤالاته ) (2167 ) .
- وقال المروذي: سألته (يعني أبا عبد الله ) عن محمد بن إسحاق كيف هو ؟ فقال: هو حسن الحديث،ولكنه إذا جمع عن رجلين،قلت: كيف ؟ قال: يحدث عن الزهري ورجل آخر،فيحمل حديث هذا على هذا،ثم قال: قال يعقوب: سمعتُ أَبي يقول: سمعت المغازي منه ثلاث مرات ينقضها ويغيرها.((سؤالاته ) ) (55 و56 و57 ) .
- وقال حرب بن إسماعيل: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: محمد بن فضيل ؟ قال: كان يتشيع،وكان حسن الحديث. (الجرح والتعديل ) 8/ (263 ) .
وقال أبو بكر الأثرم: سألته يعني أحمد بن حنبل،عن محمد بن إسحاق كيف هو ؟ فقال: هو حسن الحديث،ولقد قال مالك حين ذكره: دجال من الدجاجلة(4). ((تاريخ بغداد ) ) 1/223.
-وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أَبي يقول: كان محمد بن يونس الكديمي حسن الحديث،حسن المعرفة،ما وجد عليه إلا صحبته لسليمان الشاذكوني،ويقال: إنه ما دخل دار دميك أكذب من سليمان الشاذكوني. (تاريخ بغداد ) 3/439.
-وقال المروذي: قلت له (يعني لأبي عبد الله ) : أيما أحب إليك الحوضي،أو أبو الوليد؟ فقال: الحوضي أكيس من أبي الوليد وأثبت،كان متيقظًا،وإن كان أبو الوليد حسن الحديث عن شعبة. (سؤالاته ) (240 ) . اهـ
-ونقل الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين عن الإمام أحمد تحسين حديث ركانة في طلاق امرأته ثلاثا في مجلس واحد،فقال:" وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْإِسْنَادَ وَحَسَّنَهُ"(5).
ونقل ابن تيمية(6): عن الإمام أحمد والترمذي تحسينهما الحديث {مَن كُنْتُ مَولاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاهُ}(7)
وكذلك ما أدخله ابن الجوزي من أحاديث المسند في كتابه الموضوعات،وكذا الحافظ العراقي حيث ذكر تسعة أحاديث - فهو - وإن لم يسلَّمْ لهما بأنها موضوعة،لكن منها ما لا يرتفع إلى درجة الحسن أو الصحيح،بل هي في درجة الضعيف،ومنها ضعيف جدًّا،وقد أوضح ذلك الأئمة ابن حجر والسيوطي وابن عراق والعلامة محمد المدراسي.(8)
وكذلك أخذه رحمه الله بالضعيف في الأحكام،وأن عليه العمل،وقد ذكرنا بعضاً من ذلك قبلُ .
وكذلك روايته - في كتابه المسند،فضلاً عن غيره -عن بعض الرجال الشديدي الضعف،وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه تعجيل المنفعة أكثرهم،فقد روى عن طائفة مما قيل فيهم كذاب،يروي الموضوعات،منكر الحديث،متروك،كان يضع الحديث ... ونحو ذلك .
وها هي باختصار:
كذاب
(ا - أسد بن عمرو بن عامر البجلي و لسان الميزان[ج 1 -ص383 ] (1202 ) المسند رقم(353 )
(ا - الحسين بن عبد الله بن ضميرة الحميرى ، لسان الميزان[ج 2 -ص289 ] (1214 ) ، المسند رقم(17167 )
(ا- رشيد الهجري كوفي ،المسند رقم(7012 و7013 و7142 )
(ا - كثير بن مروان السلمي أو الفهري أبو محمد الفلسطيني. المسند رقم(18536 )
-------------
يروي الموضوعات
(ا - عمران بن أبي الفضل الأيلي ، المسند رقم(26873 )
------------
منكر الحديث
(ا - إسحاق ) بن ثعلبة أبو صفوان الحميري الحمصي، المسند رقم(20717 و20735 )
(ا - أوس ) بن عبد الله بن بريدة بن الحصيب، المسند رقم(18064و23720 )
(ا - سهل ) بن عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المسند رقم(23720 )
(ا - عامر ) بن يساف ويقال ابن عبد الله بن يساف اليمامي، المسند رقم(11086 )
(ا - عبد الله ) بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام، لسان الميزان[ج 3 -ص363 ] (1458 ) ، المسند رقم(25112 )
(ا - عبد الواحد ) بن زيد القاص أبو عبيدة البصري. المسند رقم(17585 )
(ا - عكرمة ) بن إبراهيم الباهلي. المسند رقم(451 و569 )
(ا - عمر ) بن موسى بن الوجيه الوجيهي الأنصاري الشامي،(9)
(ا - عمران ) بن أبى الفضل الأيلي ،المسند رقم(26873 )
(ا - كثير ) بن كليب الحضرمي ويقال الجهني. المسند رقم(15830 و15432 )
(ا - محمد ) بن عثيم ،المسند رقم(5024 و5025 و6016 )
(ا - يُوسُفُ بْنُ أَبِي ذَرَّةَ الأَنْصَارِيُّ. المسند رقم(13625 )
(ا - عبد الرزاق ) عن شيخ من أهل نجران عن ابن البيلمانى وهو محمد بن عثيم سماه هشام بن يوسف. المسند رقم(5023 )
وأما من قيل فيه متروك :
(ا - إبراهيم ) بن أبي الليث واسمه نصر الترمذي ،المسند رقم(18022 )
(جرير ) بن أيوب بن أبي زرعة بن هارون بن جرير البلخي الكوفي. المسند رقم(10006 )
(ا - عبد الغفار ) بن القاسم بن قيس الأنصاري أبو مريم الكوفي مشهور بكنيته المسند رقم(19117 )
(ا - عبد الواحد ) بن زيد القاص أبو عبيدة البصري. المسند رقم(17585 )
(ا - محمد ) بن عبد الرحمن بن المجبر العدوي العمري. و لسان الميزان [ج 5 -ص245 ](850 ) ، المسند رقم(1418 )
(ا - نصر ) بن باب الخراساني أبو سهل المروزي نزيل بغداد. المسند رقم(1776 و2266 و2267 و2268 و2269و.... )
(عب- أبو الجوزاء ) عن أبي بن كعب رضي الله عنه. المسند رقم(21891 و21892 )
(ا - أبو شعبة ) الطحان الكوفي جار الأعمش. المسند رقم(6339 )
--------------
كان يضع الحديث
(ا - سلمة ) بن حفص السعدي الكوفي. المسند رقم(21535 )
(ا -عبد الغفار ) بن القاسم بن قيس الأنصاري أبو مريم الكوفي، المسند رقم(19117 )
-----------------
وهذه نماذج مما ذكره في المسند مما انفرد بالرواية عنهم،ولا نذكر من قيل فيه مجهول،لا يعرف،لا شيء،ضعيف ونحو ذلك،ولا من اشترك في الرواية عنهم مع غيره من الأئمة الثلاث ( وهم أبو حنيفة مالك والشافعي ) .
1- إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني أبو إسحاق ويقال إبراهيم بن إسحاق متروك(10)،2/356 رقم(8666و8667 )
2- إبراهيم بن أبي الليث وهو متروك متهم(11)برقم(18022 ) الأزهر.
3- إسحاق بن ثعلبة أبو صفوان الحميري الحمصي عن عبد الله بن دينار الحمصي .. قال أبو حاتم مجهول منكر الحديث وقال ابن عدي وأحاديثه كلها غير محفوظة،ولم يسمع مكحول من سمرة(12)،له حديثان برقم(20717و20735 ) الأزهر
4- أوس بن عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي نزيل مرو،قال البخاري فيه نظر،وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن عدي في بعض أحاديثه مناكير وقال الدارقطني متروك،قلت: وقال الساجي منكر الحديث(13).. برقم(23720 )
5- جرير بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البلخي الكوفي قال أبو حاتم وأبو زرعة منكر زاد أبو حاتم ضعيف الحديث وهو أوثق من أخيه يحيى يكتب حديثه ولا يحتج به،وقال الساجي ضعيف الحديث جدا وقال النسائي متروك ومرة أخرى ليس بثقة ولا يكتب حديثه،وقال العقيلي منكر الحديث وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين ليس بشيء وروى عبد الله بن الدورقي عن يحيى ليس بذاك وقال أبو نعيم كان يضع الحديث، وقال البخاري منكر الحديث(14)برقم(10006 )
6- الحسين بن عبد الله بن ضميرة الحميري . كذبه مالك وقال أحمد لا يساوي شيئا متروك الحديث،وقال أبو حاتم الرازي متروك الحديث كذاب،وقال ابن معين ليس بثقة ولا مأمون،وقال البخاري منكر الحديث،وقال ابن حبان روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة،وقال أبو زرعة ليس بشيء اضرب على حديثه وقال البخاري في التاريخ الأوسط تركه علي وأحمد،وقال الدارقطني متروك وقال أبو داود: ليس بشيء وقال النسائي ليس بثقة ولا يكتب حديثه(15)برقم(17167 )
7- رُشيد الهجري كوفي،قال الدوري عن ابن معين ليس يساوي حديثه شيئا،وقال البخاري يتكلمون فيه،وقال النسائي ليس بالقوي وقال الجوزجاني كذاب(16)برقم(7012 و7013 و7142 )
8- وغير هؤلاء وأهمهم نصر بن باب الخراساني أبو سهل المروزي نزيل بغداد،قال البخاري: يرمونه بالكذب،وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان روى عنه العراقيون وأهل بلده كان ممن يتفرد عن الثقات بالمقلوبات ويروى عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ..(17)برقم (1776 و2266 و2267 و2268 و2269 و2270 و2271 و4533 و7079 و7080 و7081 و7082 و7083 و7084 و7085 و14699 و14700 و14701 و14702 و14703 و27752 ) واحد وعشرون حديثا
وهذه بعض الأسماء التي اشترك معه الترمذي وابن ماجة أو أحدهما،وبعضهم من شيوخه مقتصرين على قول الحافظ ابن حجر في التقريب عنهم:
1- حصين بن عمر الأحمسي بمهملتين الكوفي متروك من الثامنة ت(18)وأحمد برقم(529 )
2- عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير القرشي الأسدي الزبيري أبو الحارث المدني نزل بغداد متروك الحديث أفرط فيه بن معين فكذبه وكان عالما بالأخبار من الثامنة مات في حدود التسعين ت(19)(16203 و17122 و27133 و22524 و25995 و26954 و27133 و27134 و27135 و27136 و27137 و27138 و27139 و27140 و27141 و27142 و27160 و27162 و27163 و27164 و27165 ) واحد وعشرون حديثا
3- عباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن حنظلة بن رافع الأنصاري الواقفي بقاف ثم فاء البصري نزيل الموصل وقاضيها في زمن الرشيد متروك واتهمه أبو زرعة وقال ابن حبان حديثه عن البصريين أرجى من حديثه عن الكوفيين من التاسعة ق(20)(23619 )
4- عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي متروك وكان حافظا من كبار التاسعة مات سنة أربع وتسعين ت ق(21)(18102 و18440 )
5- فائد بن عبد الرحمن الكوفي أبو الورقاء العطار متروك اتهموه من صغار الخامسة بقي إلى حدود الستين ت ق(22)(19938 و19939 )
6- محمد بن القاسم الأسدي أبو القاسم الكوفي شامي الأصل لقبه كاو كذبوه من التاسعة مات سنة سبع ومائتين ت(23)(21399 و22538 )
ولعل للإمام أحمد رحمه الله العذر في روايته عن هؤلاء،فإمَّا أنه لم يثبت عنده الجرح،أو أنه لم يعرفهم،أو أنه لم يسبر أحوالهم،أو كانت روايته عنهم عند جمعه الكتاب،فعاجلته المنية قبل أن يتمكن من تنقيحه،أو أنه أمر بالضرب على حديثهم قبل موته فلم يتمَّ له ذلك .. ونحو ذلك .(24)
وأما ما أضافه ولده عبد الله بعد وفاة أبيه فلم أتعرض له،كما لم أتعرض لما هو من رجال التهذيب إلا نادرا،إذ يوجد عشرات ممن ضُعِّفَ،وقد روى رحمه الله عنهم .وكلُّ هذا دالٌّ على وجود الضعيف،بل الضعيف جدًّا في مسنده،والله تعالى أعلم
كذلك فإنَّ روايته للأحاديث الضعيفة ووجودها في المسند:خير شاهد على أن الضعيف عنده هو الضعيف عند المحدِّثين،وفي الأجزاء الخمسة عشر التي حققها العلامة أحمد شاكر رحمه الله وفيها (8108 ) أحاديث فيها (852 ) حديثاً ضعيفا،مع أنَّ الشيخ أحمد شاكر معروف بتساهله عن عند الكثيرين، وقد حكم الشيخ شعيب الأرناؤوط على أكثر من (2400 ) حديث بضعف سندها وإسناده ضعيف جدا (124 ) حديثا،وإسناده واه (3 ) أحاديث , وحكم على أحاديث بالوضع أو شبه الوضع وعددها(8 ) ،وهذه ضعيفة بمقاييس علماء الحديث،وليست حسنة كما تصورها ابن تيمية ومن قلَّده،ويضاف لذلك ما في كتبه الأخرى،مما يدلُّ على أن الضعيف عنده هو الضعيفُ عند علماء الحديث،وإن كان الضعيفُ يتفاوتُ .
وكذلك فإنَّ أخذ الإمام أحمد بالمرسل،والحديث الضعيف،وتقديمه على القياس،بل تقديمه أقوال الصحابة رضي الله عنهم على القياس،دلالة على أن الضعيف ليس هو في درجة الحسن،كما قيل،بل لو قيل إنه يدخل الحسن في الصحيح لكان أولى،وقد سبق النقل عن أعلام الموقعين ذكر أصول الإمام أحمد،حيث جعل المرسل والحديث الضعيف هو الأصل الرابع،وقدَّمه على القياس،ومعلوم أن الحديث المرسل عند المحدِّثين يدخل في الضعيف،لكنه يقدِّمه على القياس،لأن ما نسِبَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وكان ضعيفاً أولى من الرأي.
وكذلك تقرير ابن تيمية نفسه بوجود الضعيف في مسند أحمد وكذا قال غيره من العلماء،حيث قال(25): " تَنَازَعَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الهمداني وَالشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَلْ فِي الْمُسْنَدِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ؟ فَأَنْكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْنَدِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ وَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ . فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ فِي اصْطِلَاحِ أَبِي الْفَرَجِ هُوَ الَّذِي قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ بِهِ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ بَلْ غَلِطَ فِيهِ،وَلِهَذَا رَوَى فِي كِتَابِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِن هَذَا النَّوْعِ وَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ،وَقَالُوا: إنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ،بَلْ بَيَّنُوا ثُبُوتَ بَعْضِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ .
وَأَمَّا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَمْثَالُهُ فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِالْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقَ الْمَصْنُوعَ الَّذِي تَعَمَّدَ صَاحِبُهُ الْكَذِبَ وَالْكَذِبُ كَانَ قَلِيلًا فِي السَّلَفِ." اهـ
قلتُ: وقد أنكر أبو الفرج على علماء الحنابلة الذين ردوا عليه بعدم وجود الموضوع في المسند،وشنَّع عليهم أشدَّ التشنيع،واتهمهم بأنواع من الاتهامات،وذلك في كتابه صيد الخاطر،حيث قال: " جرى بيني وبين أحد أصحاب الحديث كلام في قول الإمام أحمد: صح من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،سبع مائة ألف حديث.
فقلت له: إنما يعني به الطرق،فقال: لا بل المتون،فقلت: هذا بعيد التصور.
ثم رأيت لأبي عبد الله الحاكم كلاماً ينصر ما قال ذلك الشخص،وهو أنه قال في كتاب المدخل إلى كتاب الإكليل: كيف يجوز أن يقال: إن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغ عشرة آلاف حديث،وقد روى عنه من أصحابه أربعة آلاف رجل وامرأة صحبوه نيفاً وعشرين سنة بمكة ثم بالمدينة حفظوا أقواله وأفعاله،ونومه ويقظته وحركاته وغير ذلك سوى ما حفظوا من أحكام الشريعة.
واحتج بقول أحمد: صحَّ من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع مائة ألف حديث وكسر،وأن إسحاق بن راهويه كان يملي سبعين ألف حديث حفظاً،وأن أبا العباس بن عقدة قال: أحفظ لأهل البيت ثلاث مائة ألف حديث.
قال ابن عقدة: وظهر لابن كريب بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث.
قلت: ولا يحسن أن يشار بهذا إلى المتون. وقد عجبت كيف خفي هذا على الحاكم وهو يعلم أن أجمع المسانيد الظاهرة مسند أحمد بن حنبل،وقد طاف الدنيا مرتين حتى حصله وهو أربعون ألف حديث(26)،منها عشرة آلاف مكررة.
قال حنبل بن إسحاق: جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله،وقرأ علينا المسند،وقال لنا: هذا كتاب جمعته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين ألفاً.
فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه،فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة.
أفترى يخفى على متيقظ أنه أراد بكونه جمعه من سبعمائة ألف أنه أراد الطرق. لأن السبع مائة الألف إن كانت من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف أهملها ؟.
فإن قيل: فقد أخرج في مسنده أشياء ضعيفة. ثم أعوذ بالله أن يكون سبع مائة ألف ما تحقق منها سوى ثلاثين ألفاً.
__________
(1) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 426 )
(2) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 5 )
(3) - 3/469
(4) - قلت : كلام الإمام مالك فيه من باب جرح الأقران ، فلا يقبل.
(5) - 3/42-43 و إعلام الموقعين (ج 3 / ص 31 ) الأزهرية
(6) - في رسالته في تفضيل أبي بكر على علي رضي الله عنهما المطبوعة بحلب سنة 1372 هـ
(7) - انظر مجموع الفتاوى-(ج 4 / ص 417-418 ) وفيه "فَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهُ "،وقال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 494 ) :"وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً "
قلت : بل هو حديث صحيح مشهور انظر بعض طرقه وأسانيده في المسند الجامع رقم(1814و1907و3260و3570 و4122 و7017 و10330 -10335و15467 و15485 ) 307 و الصحيحة (1750 ) وصحيح الجامع (6523 )
(8) - انظر القول المسدد وذيله ، والنكت على ابن الصلاح 1/450 وما بعد وتدريب الراوي 1/172-73 و278-281 )
(9) - وهذا حديثه مسند أحمد(20944 ) حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الزُّهْرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي قَالَا ثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْوَجِيهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةِ ثَابِتِ بْنِ الدَّحْدَاحَةِ عَلَى فَرَسٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ تَحْتَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مَعَهُ النَّاسُ وَهُمْ حَوْلَهُ قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ ثُمَّ قَامَ فَقَعَدَ عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَسِيرُ حَوْلَهُ الرِّجَالُ"
قلت : ووهم شيخنا الشيخ شعيب حيث حسَّن الحديث لذاته ، ولم يتكلم على عمر بن موسى بن الوجيه بشيء ،انظر الحديث رقم(20944 ) من المسند ط الرسالة
وفي تعجيل المنفعة[ ج 1 -ص 303 ] -777 - ا عمر بن موسى بن الوجيه الوجيهي الأنصاري الشامي عن الزهري وسماك ومكحول وقتادة وعدة وعنه بقية وابن إسحاق وآخرون، قال ابن حبان :كان يضع الحديث ،قلت :وقال :إنه حمصي وقيل دمشقي ووهم من عده كوفيا ،ويقال له أيضا الميثمي ذكره ابن عدي في الكامل وقال :إنه كان ممن يضع الحديث متنا وإسنادا ،وقال ابن معين ليس بثقة وقال في رواية إبراهيم بن الجنيد عنه: كذاب ليس بشيء ،وقال النسائي والدارقطني :متروك، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث كان يضع الحديث ،وقال البخاري: منكر الحديث ،وقال الجوزجاني :رأيتهم يذمون حديثه ....
(10) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 92 ] (228 )
(11) - لسان الميزان [ ج1 -ص 93 ] (270 )
(12) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 28 ] (36 )
(13) - تعجيل المنفعة [ ج1 -ص 43 ] (69 )
(14) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 68 ] (132 )
(15) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 96 ] (209 )
(16) - تعجيل المنفعة [ ج1 -ص 130 ] (318 )
(17) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 420 ] (1102 )
(18) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 170 ] برقم (1378 )
(19) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 287 ] (3096 )
(20) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 293 ] (3183 )
(21) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 417 ] (4979 )
(22) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 444 ] (5373 )
(23) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 502 ] (6229 )
(24) - انظر كتاب الإمام الشافعي وأثره في الحديث وعلومه - الحديث عن مسند أحمد ، وفي بعض ما قله عنه نظر .
(25) - مجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 248 )
(26) - قلت: أقصى رواية مطبوعة لم يصل العدد فيها لثلاثين ألفاً !(1/122)
وكيف ضاعت هذه الجملة ؟ ولم أهملت وقد وصلت كلها إلى زمن أحمد فانتقى منها ورمى الباقي ؟.
وأصحاب الحديث قد كتبوا كل شيء من الموضوع والكذب.
وكذلك قال أبو داود: جمعت كتاب السنن من ستمائة ألف حديث.
ولا يحسن أن يقال: إن الصحابة الذين رووها ماتوا ولم يحدثوا بها التابعين.
فإن الأمر قد وصل إلى أحمد فأحصى سبع مائة ألف حديث،وما كان الأمر ليذهب هكذا عاجلاً.
ومعلوم أنه لو جمع الصحيح والمحال الموضوع وكل منقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغ خمسين ألفاً.
فأين الباقي ؟.
ولا يجوز أن يقال تلك الأحاديث كلام التابعين؛ فإن الفقهاء نقلوا مذاهب القوم ودونوها وأخذوا بها،ولا وجه لتركها،ففهم كل ذي لب أن الإشارة إلى الطرق،وأن ما توهمه الحاكم فاسد.
ولو عرض هذا الاعتراض عليه،وقيل له: فأين الباقي لم يكن له جواب.
لكن الفهم عزيز. والله المنعم بالتوفيق.
ومثل هذا تغفيل قوم قالوا: إن البخاري لم يخرج كل ما صحَّ عنده،وأن ما أخرج كالأنموذج،وإلا فكان يطول.
وقد ذهب إلى نحو هذا أبو بكر الإسماعيلي،وحكي عن البخاري أنه قال: ما تركت من الصحيح أكثر.
وإنما يعني الطرق،يدل على ما قلته أن الدارقطني وهو سيد الحفاظ جمع ما يلزم البخاري ومسلم إخراجه فبلغ ما لم يذكراه أحاديث يسيرة،ولو كان كما قالوا لأخرج مجلدات،ثم قوله: ما يلزم البخاري دليل صريح على ما قلته،لأنه من أخرج الأنموذج لا يلزمه شيء.
وكذلك أخرج أبو عبد الله الحاكم كتاباً جمع فيه ما يلزم البخاري إخراجه فذكر حديث الطائر فلم يلتفت الحفاظ إلى ما قال.
فما أقل فهم هؤلاء الذين شغلهم نقل الحديث عن التدقيق الذي لا يلزم في صحة الحديث،وإنما وقع لقلة الفقه والفهم.
إن البخاري ومسلم تركا أحاديث أقوام ثقات لأنهم خولفوا في الحديث،فنقص الأكثرون من الحديث وزادوا هم،ولو كان ثم فقه لعلموا أن الزيادة من الثقة مقبولة.
وتركوا أحاديث أقوام لأنهم انفردوا بالرواية عن شخص. ومعلوم أن انفراد الثقة لا عيب فيه،وتركوا من ذلك الغرائب،وكل ذلك سوء فهم.
ولهذا لم يلتزم الفقهاء هذا،فقالوا: الزيادة من الثقة مقبولة ولا يقبل القدح حتى يبين سببه.
وكل من لم يخالط الفقهاء وجهد مع المحدثين تأذى وساء فهمه. فالحمد لله الذي أنعم علينا بالحالتين"اهـ(1).
وقال أيضاً:" درجات الحديث في مسند الإمام أحمد،كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح ؟ فقلت: نعم.
فعظم ذلك على جماعة ينسبون إلى المذهب فحملت أمرهم على أنهم عوام،وأهملت فكر ذلك.
وإذا بهم قد كتبوا فتاوى،فكتب فيها جماعة من أهل خراسان،منهم أبو العلاء الهمداني يعظمون هذا القول،ويردونه ويقبحون قول من قاله.
فبقيت دهشاً متعجباً،وقلت في نفسي: واعجبا صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضاً.
وما ذاك إلا أنهم سمعوا الحديث ولم يبحثوا عن صحيحه وسقيمه،وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد.
وليس كذلك فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء.
ثم هو قد رد كثيراً مما روى ولم يقل به ولم يجعله مذهباً له.
أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ مجهول !.
ومن نظر في كتاب العلل الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند،وقد طعن فيها أحمد.
ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألة النبيذ قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر،ولم يقصد الصحيح ولا السقيم.
ويدل على ذلك أن عبد الله قال قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن حراش عن حذيفة ؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي داود ؟ قلت: نعم.
قال: الأحاديث بخلافه. قلت: فقد ذكرته في المسند. قال قصدت في المسند المشهور،فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرد لهذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير.
ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث،لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه.
قال القاضي - وقد أخبر عن نفسه - كيف طريقه في المسند فمن جعله أصلاً للصحة فقد خالفه وترك مقصده.
قلت: قد غمني في هذا الزمان أن العلماء لتقصيرهم في العلم صاروا كالعامة،وإذا مر بهم حديث موضوع قالوا قد روي.
والبكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم."(2)
بل نجد أن ابن تيمية قد طعن بأحاديث جاءت في مسند أحمد لمخالفتها لوجهة نظره،فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ خَرَجَ مِن بَيْتِهِ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ:اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَاىَ هَذَا فَإِنِّى لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلاَ بَطَرًا وَلاَ رِيَاءً وَلاَ سُمْعَةً وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِى مِنَ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِى ذُنُوبِى إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ - أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ».(3).
قال عن هذا الحديث:"وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَطِيَّةُ العوفي وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنْ كَانَ مِن كَلَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ مِن هَذَا الْبَابِ لِوَجْهَيْنِ:
- ( أَحَدُهُمَا ) لِأَنَّ فِيهِ السُّؤَالَ لِلَّهِ تَعَالَى بِحَقِّ السَّائِلِينَ وَبِحَقِّ الْمَاشِينَ فِي طَاعَتِهِ وَحَقُّ السَّائِلِينَ أَنْ يُجِيبَهُمْ وَحَقُّ الْمَاشِينَ أَنْ يُثِيبَهُمْ وَهَذَا حَقٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى شَيْئًا . وَمِنهُ قَوْله تَعَالَى: { ..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (54 ) سورة الأنعام،وقَوْله تَعَالَى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47 ) سورة الروم،.... وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ قَالَ:« هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ:« حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا » . ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ:« يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . فَقَالَ:« هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ:« حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ »(4).. وَالْعَبْدُ يَطْلُبُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوَّلًا؛ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْإِعَانَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْهِدَايَةِ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ وَبِذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْعِبَادَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ الْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الدُّعَاءَ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْعَمَلَ لَهُ سَبَبٌ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْعَبْدِ فَهُوَ كَالتَّوَسُّلِ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّالِحِينَ مِن أُمَّتِهِ،وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّالِحِ إمَّا أَنْ يَكُونَ إقْسَامًا بِهِ أَوْ سَبَبًا بِهِ،فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ" بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك" إقْسَامًا فَلَا يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ إلَّا بِهِ،وَإِنْ كَانَ سَبَبًا فَهُوَ سَبَبٌ بِمَا جَعَلَهُ هُوَ سُبْحَانَهُ سَبَبًا وَهُوَ دُعَاؤُهُ وَعِبَادَتُهُ . فَهَذَا كُلُّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِن ذَلِكَ دُعَاءٌ لَهُ بِمَخْلُوقِ مِن غَيْرِ دُعَاءٍ مِنهُ وَلَا عَمَلٍ صَالِحٍ مِنَّا .
وَإِذَا قَالَ:السَّائِلُ: أَسْأَلُك بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ أَوْ بِحَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَحَقِّ الصَّالِحِينَ؛ وَلَا يقول: لِغَيْرِهِ أَقْسَمْت عَلَيْك بِحَقِّ هَؤُلَاءِ - فَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ وَلَا يُقْسِمَ عَلَى مَخْلُوقٍ بِهِ فَكَيْفَ يُقْسِمُ عَلَى الْخَالِقِ بِهِ ؟ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْسِمُ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَسَبَّبُ بِهِ فَلَيْسَ فِي مُجَرَّدِ ذَوَاتِ هَؤُلَاءِ سَبَبٌ يُوجِبُ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ،وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِن سَبَبٍ مِنهُ كَالْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنهُمْ كَدُعَائِهِمْ . وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِن النَّاسِ تَعَوَّدُوا كَمَا تَعَوَّدُوا الْحَلِفَ بِهِمْ حَتَّى يقول: أَحَدُهُمْ: وَحَقُّك عَلَى اللَّهِ وَحُقُّ هَذِهِ الشَّيْبَةِ عَلَى اللَّهِ . وَإِذَا قَالَ:الْقَائِلُ: أَسْأَلُك بِحَقِّ فُلَانٍ أَوْ بِجَاهِهِ: أَيْ أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِي لَهُ وَهَذَا مِن أَعْظَمِ الْوَسَائِلِ . قِيلَ: مَنْ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ،لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَقْصُودَ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ،فَمَنْ قَالَ: أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِك وَبِرَسُولِك وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِإِيمَانِي بِرَسُولِك وَمَحَبَّتِي لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي ذَلِكَ.... اهـ(5)
فبان تضعيفه للحديث،وحكمه عليه،مع أنه في مسند أحمد،ونسبه هو للمسند فكيف يقال: هو حسن عنده،وقد حكم عليه أو على راويه بالضعف بالإجماع،وأنه لا تقوم به حجة ؟ والله أعلم .
ومن المعروف أن أبا داود هو تلميذ الإمام أحمد،وعنه أخذ منهجه وأسلوبه ورأيه،بل كان شرطه موافقاً لشرط أبي داود كما قال بعض أهل العلم(6).
قال ابن تيمية في المسودة(7): "وعلى هذه الطريقة التي ذكرها أحمد بنى عليه أبو داود كتاب السُّنن لمن تأمله،ولعله أخذ ذلك عن أحمد فقد بين أن مثل عبد العزيز بن أبي راود ومثل الذي فيه رجل لم يسم يعمل به إذا لم يخالفه ما هو أثبت منه. "أهـ
وعلى هذا كذلك درج أئمة الحنابلة،حيث بنوا بعض الأحكام على الأحاديث الضعيفة،وقد نصَّ الإمامُ أحمد رحمه الله نفسه على ضعفها.
قال ابن قدامة في المغني(8):" ( 130 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْوُضُوءِ .
ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَسْنُونَةٌ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ كُلِّهَا .رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِن أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ:الْخَلَّالُ الَّذِي اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ .يَعْنِي إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ .
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ،وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهَا كُلِّهَا؛ الْوُضُوءِ،وَالْغُسْلِ،وَالتَّيَمُّمِ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ »..رَوَاهُ أَبُو دَاوُد(9)،وَالتِّرْمِذِيُّ،رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَاعَةٌ مِن أَصْحَابِهِ .
قَالَ:الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ .وَقَالَ:التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحْسَنُ .وَهَذَا نَفْيٌ فِي نَكِرَةٍ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ وُضُوءُهُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّهَا طَهَارَةٌ،فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى التَّسْمِيَةِ،كَالطَّهَارَةِ مِن النَّجَاسَةِ،أَوْ عِبَادَةٌ،فَلَا تَجِبُ فِيهَا التَّسْمِيَةُ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ،وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَالْأَحَادِيثِ،قَالَ:أَحْمَدُ: لَيْسَ يَثْبُتُ فِي هَذَا حَدِيثٌ،وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: ضَعَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ فِي التَّسْمِيَةِ،وَقَالَ: أَقْوَى شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ رُبَيْحٍ - يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ - ثُمَّ ذَكَرَ رُبَيْحًا،أَيْ مَنْ هُوَ ؟ وَمَنْ أَبُوهُ ؟ فَقَالَ: يَعْنِي الَّذِي يَرْوِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ .يَعْنِي أَنَّهُمْ مَجْهُولُونَ،وَضَعَّفَ إسْنَادَهُ .
وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ وَنَفْيِ الْكَمَالِ بِدُونِهَا،كَقَوْلِهِ: « لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِى الْمَسْجِدِ »(10)أهـ
وقال أيضاً(11):" ( 188 ) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِندِيلِ مِن بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ،قَالَ:الْخَلَّالُ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّنْشِيفِ بَعْدَ الْوُضُوءِ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَخْذُ الْمِندِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عُثْمَانُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَسٌ،وَكَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَنَهَى عَنْهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَكَرِهَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَيْمُونَةَ رَوَتْ { أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اغْتَسَلَ فَأَتَيْته بِالْمِندِيلِ،فَلَمْ يُرِدْهَا،وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ.} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ(12).
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ،وَتَرْكُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ،فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ كَمَا يَفْعَلُهُ،وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ فِي "الشَّافِي" بِإِسْنَادِهِ،عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ.(13)وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ،فَقَالَ: مُنْكَرٌ مُنْكَرٌ .
وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:أَتَانَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْنَا لَهُ غِسْلاً فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِحِمَارٍ لِيَرْكَبَ فَقَالَ:« صَاحِبُ الْحِمَارِ أَحَقُّ بِصَدْرِ حِمَارِهِ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحِمَارُ لَكَ(14). إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَال: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ ...."أهـ
وقال ابن قدامة أيضاً :" ( 478 ) فَصْلٌ: فَإِنْ وَطِئَ الْحَائِضَ فِي الْفَرْجِ أَثِمَ،وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى،وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا،يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد،وَالنَّسَائِيُّ،بِإِسْنَادِهِمَا،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الَّذِى يَأْتِى امْرَأَتَهُ وَهِىَ حَائِضٌ قَالَ:« يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ».(15).
وَالثَّانِيَةُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ،وَبِهِ قَالَ:مَالِكٌ،وَأَبُو حَنِيفَةَ،وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يقول: وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً حَائِضًا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ».(16)رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ،وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْأَذَى،فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ .
وَحَدِيثُ الْكَفَّارَةِ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ،وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: فِي نَفْسِك مِنهُ شَيْءٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ مِن حَدِيثِ فُلَانٍ .أَظُنُّهُ قَالَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَالَ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّا نَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ...."(17)
وفي "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" لابن عبد الهادي(18): "ومن مذهب أحمد تقديم الحديث الضعيف على القياس،قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ليس في هذا حديث يثبت وأحسنها حديث كثير بن زيد وضعف حديث ابن حرملة وقال: أنا لا آمره بالإعادة وأرجوا أن يجزيه الوضوء لأنه ليس في هذا حديث أحكم به"(19)
وقال ابن قدامة في تعليقه على حديث صلاة التسابيح: "وَلَمْ يُثْبِتْ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِيهَا،وَلَمْ يَرَهَا مُسْتَحَبَّةً،وَإِنْ فَعَلَهَا إنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ النَّوَافِلَ وَالْفَضَائِلَ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ فِيهَا"(20).
وقال في معرض حديثه عن الكفاءة في النكاح:" ( 5194 ) فَصْلٌ: فَأَمَّا الصِّنَاعَةُ, فَفِيهَا رِوَايَتَانِ أَيْضًا؛ إحْدَاهُمَا, أَنَّهَا شَرْطٌ, فَمَنْ كَانَ مِن أَهْلِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ, كَالْحَائِكِ, وَالْحَجَّامِ, وَالْحَارِسِ, وَالْكَسَّاحِ, وَالدَّبَّاغِ, وَالْقَيِّمِ, وَالْحَمَّامِيِّ, وَالزَّبَّالِ, فَلَيْسَ بِكُفْءٍ لِبَنَاتِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ, أَوْ أَصْحَابِ الصَّنَائِعِ الْجَلِيلَةِ, كَالتِّجَارَةِ, وَالْبِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ, فَأَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ, وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: { الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ, إلَّا حَائِكًا, أَوْ حَجَّامًا }(21)
قِيلَ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَيْفَ تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ ؟ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ،يَعْنِي أَنَّهُ وَرَدَ مُوَافِقًا لِأَهْلِ الْعُرْفِ "(22).
وغير ذلك مما يدلُّ بشكل واضحٍ مدى أخذ الحنابلة بالحديث الضعيف, اتباعاً لمذهب إمامهم رحمه الله, علما بأن هذه الأحاديث قد رواها الإمام أحمد في مسنده.
-------------
وممن استعمل الحسن الاصطلاحي كذلك أبو حاتم الرازي في كتابه الجرح والتعديل كما قال مثلا في محمد بن راشد المكحولي:" قال أبي كان صدوقا حسن الحديث"(23).
وهذا أمثلة أخرى عند أبي حاتم:
-قال عبد الرحمن سمعت أبي يقول: إبراهيم بن طهمان صدوق حسن الحديث.(24)
-إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي كوفي روى عن أبيه روى عنه إسحاق بن منصور ومالك بن إسماعيل وأبو كريب وعبد الله ابن سالم القزاز سمعت أبي وأبا زرعة يقول: ان ذلك،قال وسمعت أبي يقول: يكتب حديثه وهو حسن الحديث.(25)
__________
(1) - صيد الخاطر-(ج 1 / ص 82 )
(2) - صيد الخاطر-(ج 1 / ص 100 )
(3) - سنن ابن ماجه برقم (827 ) وفيه ضعف وقد مر = الأشر : الطغيان بالنعمة =البطر : التكبر على الحق فلا يقبله
(4) - صحيح البخارى(5967 ) ومسلم (152 )
(5) - مجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 287 ) وانظر مجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 340 ) ومجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 369 )
قلتُ:فليحملْ تصرفهم على الثاني الصحيح،وإن أخطئوا في العبارة،فلتصحح لهم،ومع هذا فقد ورد ما هو أعظم من ذلك،ولم يؤاخذهم الشارع الحكيم،فعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ.أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " صحيح مسلم (7136 ) .. فهذا لم يؤاخذه الله تعالى بما تلفَّظ به ؛ لأنه لم يقصده،فالإنسان إذا اشتدَّ فرحه لا يدري ما يقول،كما أنه إذا اشتد غضبه لا يدري ما يقول،وكذلك إذا اشتدَّ حزنه أو كربه .،فلماذا يؤاخذ المؤمنون الموحدون بما دون ذلك ؟ !.
(6) - انظر النكت على ابن الصلاح 1/437-438 وفتح المغيث 1/80
(7) - المسودة - الرقمية-(ج 1 / ص 275 )
(8) - المغني-(ج 1 / ص 174 ) و1/45-146
(9) - سنن أبى داود (102 ) ولا يصح
(10) - مر ، ولا يصح رفعه
(11) - المغني-(ج 1 / ص 245 )
(12) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى خَالَتِى مَيْمُونَةُ قَالَتْ أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا... ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ.صحيح مسلم(748 )
وعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِىَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَمَسَّهُ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِى يَنْفُضُهُ.صحيح مسلم (750 )
(13) - هو في السنن الكبرى للبيهقي(ج1 / ص185 ) 911- وقال عقبه:"أَبُو مُعَاذٍ هَذَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وروي نحوه بسند ضعيف (912 ) عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ.
(14) - مسند أحمد (24573 ) وهو ضعيف. العكن: جمع عكنة وهى ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا = الورس : نبات يستخدم لتلوين الحرير
(15) - انظر الروايات والطرق في المسند الجامع (ج 9 / ص 340 ) 6468
(16) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 198 ) (14504 ) وصحيح الجامع (5942 ) وهو حديث صحيح
(17) - المغني-(ج 2 / ص 92 )
(18) -(ج 1 / ص 66 )
(19) - وانظر الآداب الشرعية-(ج 2 / ص 409- 419 ) حيث ذكر نقولا كثيرة عنه في العمل بالحديث الضعيف
(20) - المغني-(ج 3 / ص 324 ) قلت : الحديث صحيح ، وقد صححه جمع لطرقه
(21) - انظر طرقه ومناقشتها في البدر المنير (ج 7 / ص 583 ) فما بعد
(22) - المغني-(ج 14 / ص 421 ) وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية (ج 34 / ص 276 )
(23) -7/253
(24) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 107 )
(25) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 148 )(1/123)
-سمعت أبي يقول: أبو إسرائيل الملائي حسن الحديث جيد اللقاء له أغاليط لا يحتج بحديثه(1)
-سألت أبي عن إسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار فقال: يكتب حديثه كان حسن الحديث.(2)
-حدثنا عبد الرحمن أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إلي قال سألت أحمد يعني بن حنبل - عن حارثة بن مضرب فقال: هو حسن الحديث.(3)
-حدثنا عبد الرحمن سمعت أبى يقول: حريز بن عثمان حسن الحديث.(4)
-سمعت ابى يقول: سعيد الجريرى تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح وهو حسن الحديث.(5)
- سليمان بن عامر المروزي روى عن الربيع بن أنس روى عنه أبو حجر عمرو بن رافع،حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول: ذلك وسمعته يقول: هو مستوي الحديث،حسن الحديث،صدوق لو أدرك شعبة هذا لعله كان يكتب كلامه،ألا ترى كيف يتوقى،لا يجاوز الربيع بن أنس.(6)
- نا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول: شيبان النحوي كوفي حسن الحديث صالح الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به .(7)
- نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن طلحة بن يحيى فقال: صالح الحديث،حسن الحديث،صحيح الحديث،ثنا عبد الرحمن سالت أبا زرعة عن طلحة بن يحيى بن طلحة فقال: صالح.(8)
- سألت أبي عن أبي حريز فقال: هو حسن الحديث،ليس بمنكر الحديث يكتب حديثه.(9)
- محمد بن عبد الله المرادي روى عن عمرو بن مرة روى عنه شريك بن عبد الله النخعي سمعت أبى يقول: ذلك،نا عبد الرحمن قال:سألت أبي عنه فقال: هو شيخ لشريك حسن الحديث صدوق.اهـ(10)
وممن استعمل الحسن الاصطلاحيَّ الإمام الشافعي كما ذكره العراقي في التقيد والإيضاح(11)
وأبو زرعة الرازي وغيرهم .
ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة (ضعيف ) بالحسن؟ مع أنَّ ظاهر كلام الإمام أحمد يشير إلى أنَّ مراده بالضعيف: الضعيفُ الذي لم تتحققْ فيه شروطُ القبول،فإنه يريد أنَّ الرأيَ لا يعتدُّ به عنده ما دامَ قد نُقل في المسألة نصٌّ, ولوكانَ ضعيفاً, فإنَّ الضعيفَ خيرٌ منَ الرأي.
وقال ابن حزم:" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَيْوَنٍ الْحِجَازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يقول: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ.
حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لا يَجِدُ فِيهِ إلا صَاحِبَ حَدِيثٍ لا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِن سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ مَنْ يَسْأَلُ ؟ فَقَالَ:أَبِي: يَسْأَلُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ وَلا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِن رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ"(12).
وقال ابن القيم:"وَقَالَ:عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا: سَمِعْت أَبِي يقول: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيَّ مِن الرَّأْيِ, فَقَالَ:عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِن سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ, فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ, فَقَالَ:أَبِي: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ, وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ, ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنَ الرَّأْيِ"(13).
ولا عتب عليه في هذا التقديم والاعتبار،لأنه معلومٌ ومقررٌ أنَّ التضعيف ومثله التصحيحَ أمرٌ اجتهاديٌّ, فقد يضبطُ المغفَّلُ والمختلطُ المتغيِّرُ, وقد يحفظُ سيئ الحفظِ وهكذا .
وإذا فسرنا (الضعيفَ ) بالحَسَنِ بقسميه, فأيُّ فائدةٍ في هذا التنصيص على الأمام أحمد على أنَّ الحسنَ مقدَّمٌ على الرأي؟.
إذ أنَّ هذا أمرٌ ثابتٌ مقررٌ, فالحسَنُ حجةٌ في كافةِ وجوهِ الاحتجاجِ, وعلى كلِّ حالٍ فكلامُ الإمامِ (أحمد رحمه الله ) يحمَلُ على ظاهرهِ, وأنهُ يريدُ الضعيفَ المتوسط الضعف, وهو ما يقالُ في راويه ضعيفُ الحديث, أو مردودُ الحديث،أو منكرُ الحديث وما فوقه،مما هو إلى الحسَن أقربُ, وهو ما يقالُ في أحد رواته ليِّنَ الحديثِ،أو فيه لينٌ, وهو الملقَّب بالمشبَّه- أي المشبَّه بالحسَن من وجهٍ وبالضعيفِ من وجهٍ آخرَ- وهو إلى الحسَنِ أقربُ,والله أعلمُ(14).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 166 )
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 220 )
(3) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 255 )
(4) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 289 )
(5) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 2 )
(6) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 133 )
(7) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 356 )
(8) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 477 )
(9) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 5 / ص 35 )
(10) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 7 / ص 309 )
(11) - ص 8 و38
(12) - المحلى ج 1 / ص 131 ) مَسْأَلَةٌ : سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالدِّينِ 104
قلت : الصواب أقوى من الرأي، لأن الإمام أبي حنيفة رحمه الله يقدم الحديث الضعيف على القياس ، كما ذكر ابن حزم نفسه .
(13) - إعلام الموقعين عن رب العالمين-(ج 1 / ص 97 )
(14) - انظر كلام الشيخ محمد عوامة في قواعد في علوم الحديث ص97-109 ففيه فوائد حول موضوعنا هذا.(1/124)
5- مناقشة قول من نُسِبَ إليه المنع مطلقاً:
أمَّا الإمام البخاري, فقد أورد في كثير من التراجم في صحيحه أحاديث ليست على شرطه وهي المعلقة وفيها بعض الضعيف,وكذلك ما أورده في كتابه الأدب المفرد وكذا غيره من كتبه ففيها الكثير من الضعيف, فقد ضعف الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - حوالي (215) حديثا في الأدب المفرد إن كان ينازع في بعضها, ولكنها موجودة فيه وفي غيره من كتبه, ولو كان لا يجوِّزُ الاحتجاج بالضعيف عنده لما ذكرها في كتبه وسكت عليها, وهل يصعب عليه اختيار الصحيح وهو الذي يحفظ مائة ألف حديث صحيح ؟!!
وأما الإمام مسلم رحمه الله, فيردُّه تقسيمه الحديث إلى ثلاثة أقسامٍ, وأن يأتي بها تباعاً, أو يفرد لكل قسم منها كتاباً,حيث قال رحمه الله في مقدمة صحيحه:" إِنَّا نَعْمِدُ إِلَى جُمْلَةِ مَا أُسْنِدَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَقْسِمُهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ وَثَلاَثِ طَبَقَاتٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ تَكْرَارٍ. إِلاَّ أَنْ يَأْتِىَ مَوْضِعٌ لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ لأَنَّ الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِى الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍّ فَلاَ بُدَّ مِن إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِى فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ أَوْ أَنْ يُفَصَّلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِن جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ. وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ رُبَّمَا عَسُرَ مِن جُمْلَتِهِ فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ أَسْلَمُ فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِن إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ فَلاَ نَتَوَلَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ: فَإِنَّا نَتَوَخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الأَخْبَارَ الَّتِى هِىَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ مِن غَيْرِهَا وَأَنْقَى مِن أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِى الْحَدِيثِ وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا لَمْ يُوجَدْ فِى رِوَايَتِهِمِ اخْتِلاَفٌ شَدِيدٌ وَلاَ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ كَمَا قَدْ عُثِرَ فِيهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَانَ ذَلِكَ فِى حَدِيثِهِمْ فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِى أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ فَإِنَّ اسْمَ السِّتْرِ وَالصِّدْقِ وَتَعَاطِى الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ وَلَيْثِ بْنِ أَبِى سُلَيْمٍ وَأَضْرَابِهِمْ مِن حُمَّالِ الآثَارِ وَنُقَّالِ الأَخْبَارِ. فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلْمِ وَالسِّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرُوفِينَ فَغَيْرُهُمْ مِن أَقْرَانِهِمْ مِمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الإِتْقَانِ وَالاِسْتِقَامَةِ فِى الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَهُمْ فِى الْحَالِ وَالْمَرْتَبَةِ لأَنَّ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ أَلاَ تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ عَطَاءً وَيَزِيدَ وَلَيْثًا بِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ فِى إِتْقَانِ الْحَدِيثِ وَالاِسْتِقَامَةِ فِيهِ وَجَدْتَهُمْ مُبَايِنِينَ لَهُمْ لاَ يُدَانُونَهُمْ لاَ شَكَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِى ذَلِكَ لِلَّذِى اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ مِن صِحَّةِ حِفْظِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِتْقَانِهِمْ لِحَدِيثِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِن عَطَاءٍ وَيَزِيدَ وَلَيْثٍ وَفِى مِثْلِ مَجْرَى هَؤُلاَءِ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الأَقْرَانِ كَابْنِ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ مَعَ عَوْفِ بْنِ أَبِى جَمِيلَةَ وَأَشْعَثَ الْحُمْرَانِىِّ وَهُمَا صَاحِبَا الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ كَمَا أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا إِلاَّ أَنَّ الْبَوْنَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَيْنِ بَعِيدٌ فِى كَمَالِ الْفَضْلِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ عَنْ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّ الْحَالَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلاَءِ فِى التَّسْمِيَةِ لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً يَصْدُرُ عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِىَ عَلَيْهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ فَلاَ يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِى الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ وَلاَ يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِى الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ وَيُعْطَى كُلُّ ذِى حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله تعالى عنها - أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ. مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِن قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ) فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَمَّا مَا كَانَ مِنهَا عَنْ قَوْمٍ هُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّهَمُونَ أَوْ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنهُمْ فَلَسْنَا نَتَشَاغَلُ بِتَخْرِيجِ حَدِيثِهِمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِسْوَرٍ أَبِى جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِىِّ وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ الْقُدُّوسِ الشَّامِىِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ وَغِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو أَبِى دَاوُدَ النَّخَعِىِّ وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَتَوْلِيدِ الأَخْبَارِ. وَكَذَلِكَ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ أَوِ الْغَلَطُ أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ."(1).
فقد قسَّم الرجال إلى أربع طبقات,الثقات الأثبات, والمتوسطون, والمتهمون, والغالب على حديثهم النكارة أو الغلط, فهو لا يخرج للطبقيتين الأخيرتين, ويخرج للأولى في صحيحه, واختلف في الطبقة الثانية هل أخرج لها في الصحيح أم أراد إفراد كتاب لها فمات, أو كتبه لكن لم يقرأه على الناس ؟!!(2)
وقال إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم " إن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات:
أحدها هذا الذي قرأه على الناس .
والثاني: يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق صاحب المغازي, وأمثالهما.
والثالث:يدخل فيه من الضعفاء"(3):
وأما ما ذكر عن الإمام يحيى بن معين رحمه الله, فيردُّه ما نقلناه عنه من التفريق بين أحاديث الأحكام وأحاديث المغازي والرقائق ونحوها .
وقال عن نجيح أبو معشر المديني السندي:"هُوَ ضَعِيفٌ،يُكْتَبُ مِن حَدِيثِهِ الرِّقَاقُ،"(4)
وقال عن إدريس بن سنان:"يكتب من حديثه الرقاق"(5).
وقال عن موسى بن عبيدة الربذي:"ضعيف إلا أنه يكتب من حديثه الرقاق"(6)
وقال عن زياد البكائي صاحب المغازي:" لا بأس به في المغازي خاصة وأما في غيرها فلا"(7).
وأمَّا ما ذكر عن ابن حزم فيردُّهُ قول ابن حزم نفسه, فقد قال في المحلَّى:"وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ قَالا: ثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ السَّعْدِيُّ - قَالَ:" قَالَ:الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ - قَالَ:ابْنُ جَوَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ،ثُمَّ اتَّفَقَا: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ،وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ،وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ،وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ،وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ،إنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ،وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ"(8)
قَالَ:عَلِيٌّ: الْقُنُوتُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاءٌ،فَنَحْنُ نُحِبُّهُ.وَهَذَا الأَثَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَهُ،وَقَدْ قَالَ:أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ،قَالَ:عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَقُولُ،وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - الْقُنُوتُ بِغَيْرِ هَذَا وَالْمُسْنَدُ أَحَبُّ إلَيْنَا"(9).
يعني: المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن كان ضعيفاً حسب وجهة نظره, أحب إليه من الموقوف على صحابي, ولو كان بمثل عمر رضي الله عنه.
وأما ما نقل عن القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله:فهو - وإن نقله عامة من تكلَّم عن حكم الحديث الضعيف بأنه يذهب إلى المنع مطلقاً - وحمله بعضهم فيما إذا كان شديد الضعف - منقوضٌ بنصِّ القاضي رحمه الله؛ ذلك أن الموجود في كتبه مغايرٌ لما نقل عنه, وعند تتبع عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي, وجدنا أنه يذهب إلى العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والخير والرقائق والترغيب والترهيب, بل في المستحبات, بل في الانكفاف في العبادات, وهذه بعض النماذج:
قال رحمه الله في تعليقه على حديث" التنشيف بعد الوضوء""هذان خبران لم يصحا, وفي الصحيح عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل عندها فناولته المنديل فرده ... ثم ذكر ثلاثة أقوال في المسألة, ثم قال : والصحيح جواز التنشيف بعد الوضوء, وأما حديث ميمونة فهو حكاية حال, وقضية عين .."(10).
وقال في تعليقه على أمره - صلى الله عليه وسلم - من يستيقظ ويجد البلل ولا يذكر احتلاماً بالغسل" قد بين أبو عيسى ضعفه, لأنه مخرَّجٌ من طريق عبد الله العمري وهو ضعيف ... ثم قال: والصحيحُ وجوب الغسل إذا لم يلبسه غيره, لأنه يقطع على أنه منه اهـ(11):
وقال في تعليقه على حديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه في التأمين:" قد علل أبو عيسى حديث وائل, وليس في قول رسول الله صلى اله عليه وسلم لآمين حديث صحيح, وإنما ذكره مالك عن ابن شهاب مرسلاً كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: آمين ... ثم قال: السُّنَّة أن يقولها الإمامُ لقوله" إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا" ولرواية ابن شهاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقولها, والمرسل عندنا حجة كالمسند, لا سيما مرسل ابن شهاب ..."(12)
وهناك نماذج كثيرة(13)،وسوف نقتصر على نموذج واحدٍ فقط يوضح رأيه بشكلٍ صريحٍ لا يحتمل اللبسَ, وذلك بتصريحه بالعمل بالحديث الضعيف, مع ضعفه عنده, فقد قال في تعليقه على حديث التشميت إذا زاد على الثلاثة:" روى أبو عيسى حديثاً مجهولاً" إن شئت شمتْه وإن شئتَ فلا" وهو إن كان مجهولاً, فإنه يستحبُّ العمل به, لأنه دعاءٌ بخيرٍ, وصلةٌ للجليسِ, وتوددٌ لهُ"(14)
وبهذا يتَّضِحُ أن مذهب القاضي أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله كمذهب عامة أهل العلم, وهو جواز رواية الحديث الضعيف, وجواز العمل به ما لم يكن ضعفه شديداً كالموضوع والمتروك ونحوهما, والله أعلم(15)
قلتُ: وهذا يدلُّ على أنَّ المسالةَ موضعُ إجماعٍ عند المتقدمين على جواز العمل بالحديث الضعيف, لإيرادهم إياه في كتبهم, واحتجاجهم به, بما فيهم الإمام البخاري رحمه الله - كما ذكرتُ من قبلُ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم 1/ص 2
(2) - انظر مكانة الصحيحين الطبعة الأخيرة وشرح مقدمة صحيح مسلم لخليل خاطر والخلاف بين القاضي عياض والحاكم والبيهقي رحمهم الله تعالى في هذه المسالة .
(3) - انظر صيانة مسلم 91 ومقدمة شرح صحيح مسلم لملا خاطر 128
(4) - سير أعلام النبلاء-(ج 3 / ص 325 )
(5) - الكامل لابن عدي-(ج 1 / ص 366 )
(6) - الكامل لابن عدي-(ج 6 / ص 334 )
(7) - من له رواية في الكتب الستة-(ج 1 / ص 411 ) وميزان الاعتدال-(ج 2 / ص 91 ) والكامل لابن عدي-(ج 3 / ص 191 ) وتاريخ ابن معين - الدارمي-(ج 1 / ص 114 )
(8) - الترمذي : الصَّلَاةِ (464 ) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1745 ) ، أبو داود : الصلاة (1425 ) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1178 ) ، أحمد (1/199 ) ، الدارمي : الصلاة (1591 ) . وهو حديث صحيح عكس ما يقول ابن حزم
(9) - المحلى ج 2 / ص 677 )
(10) - عارضة الأحوذي 1/69-70
(11) - العارضة 1/172-173
(12) - العارضة 2/48-50 وانظر فيه 1/13 لتصحيحه مرسل الزهري
(13) - انظر العارضة 2/79-80 و12-113و215-216و10/155-156
(14) - العارضة 10/205
(15) - انظر خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 79-84(1/125)
المذهبُ الثالثُ
الشروطُ التي قيَّد بها المتأخرون العمل بالحديث الضعيفِ
يرَى أستاذُنا الخطيبُ - حفظهُ اللهُ -أنَّ هذه الشروطَ- وإنْ تحققتْ لا تقوَى على جعلِ الضعيفِ مصدراً لإثباتِ حُكْمٍ شرعيٍّ,أو فضيلةٍ خُلُقيَّةٍ, وفي رأيه أنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي توفرت فيه هذه الشروط شبهةُ استحبابِ العملِ به منْ بابِ الاحتياطِ,لا منْ بابِ الإثباتِ.
ثم إنَّ المرءَ يطمئنُّ إلى ما ثبتت صحتُه أكثرَ من اطمئنانه إلى ما تبينَ له ضعفهُ،وإنا لا نتصورُ فضيلةً خلقيةً أو أمراً في ترغيبٍ أو ترهيبٍ لا يُكتَبُ له الانتقالُ إلينا بطريقٍ صحيحٍ أو حسنٍ,أو بطرقٍ ضعيفةٍ محتملةٍ ترتقي إلى درجةِ الحسَنِ لغيرهِ - وهو أدنَى درجاتِ القبولِ - لا نتصوَّرُ هذا،بعد أنْ عرفنا الجهودَ التي بذلها العلماءُ منذُ الصدرِ الأولِ،في سبيلِ حفظِ السُّنَّة, وصيانتِها ونقلِها،وبيان صحيحِها من سقيمِها, وجمعِها في مدوناتٍ كثيرةٍ تؤكدُ أنَّ السُّنَّة قدْ حُفظتْ بعناية المسلمينَ عنايةً فائقةً جليلةً, وحسبُنا أنْ نعتمدَ في كلِّ هذا على صِحاحِ الحديثِ وحسانهِ, بعد أنْ عرفنا اختلافَ مفهومِ الضعيفِ بين القدامَى و المتأخرينَ."(1)
ويشكلُ على كلام أستاذنا أنَّ هناكَ أحاديثَ ضعيفةٍ قد ترتقي إلى درجةِ الحسَنِ لغيرها, إذا تتبعنا طرقَها - بل هناكَ أحاديثُ ضعيفةٌ لم تتَّبعْ طرقُها إلى الآن،ولو تتبعناها لوجدنا لبعضها شواهدَ تقويه - في مصادر حديثيةٍ كادتْ أنْ تنسَى.(2)
وكذلك فإنَّ خيرةَ علماءِ الحديث قد رووا هذه الأحاديثَ - كالإمام أحمد وأصحاب السنن والحاكم والطبري والبيهقي وابن حبان وغيرهم- وهم علماءُ أجلاءُ لا يجوزُ لنا أنْ نغمطَهم حقَّهم .
والراجح المذهب الثالث - وهو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم- وحكَى الاتفاقَ عليه بين العلماء الإمامُ النووي وابنُ حجر الهيثمي والشيخُ ملَّا علي القاري.(3)
وقال الحافظ العراقي في شرح ألفية الحديث:" وأمّا غيرُ الموضوعِ فجوّزوا التساهُل في إسنادِهِ وروايتِهِ من غيرِ بيانٍ لضَعْفِهِ إذا كانَ في غيرِ الأحكامِ والعقائدِ. بلْ في الترغيبِ والترهيبِ, من المواعظِ والقصصِ, وفضائلِ الأعمالِ،ونحوِها . أما إذا كانَ في الأحكامِ الشرعيةِ من الحلالِ والحرامِ وغيرِهما, أو في العقائدِ كصفاتِ اللهِ تَعَالَى, وما يجوزُ ويستحيلُ عَلَيْهِ, ونحوِ ذلكَ . فَلَمْ يَرَوا التساهلَ في ذَلِكَ . وممَّنْ نصَّ عَلَى ذَلِكَ من الأئمةِ عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ, وأحمدُ بنُ حنبلٍ, وعبدُ اللهِ بنُ المباركِ, وغيرُهُمْ "(4).
وقال ابن حجر المكيِّ:" قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال،لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أعطيَ حقَّه منَ العمل به وإلا لم يترتبْ على العمل به مفسدةُ تحليلٍ ولا تحريمٍ ولا ضياعِ حقٍّ للغير، وأشار المصنِّفُ بحكاية الإجماع على ما ذكره إلى الردِّ على مَن نازع فيه, بأن الفضائل إنما تتلقَّى منَ الشرعِ, فإثباتها بالحديثِ الضعيفِ اختراعُ عبادةٍ وشرعٌ في الدين بما لم يأذنْ بهِ اللهُ" .(5)
ووجهُ ردِّه: أنَّ الإجماع لكونه قطعياً تارةً وظنيا ظنًّا قويًّا تارةً أخرى, ولا يرَدُّ بمثل ذلك لو لم يكنْ عنه جوابٌ, فكيفَ وجوابُه واضحٌ ؟! إنَّ ذلك ليس منْ بابِ الاختراعِ, وإنما هو ابتغاءُ فضيلةٍ ورجاؤها بأمارةٍ ضعيفةٍ، منْ غيرِ ترتُّبِ مفسدةٍ عليهِ كما تقررَ ."(6)
وقال ابن حجر المكي أيضاً بعد أن سئل عن بعض الأذكار: " فينبغي ندبُ هذه التي وردت بها تلك الأحاديث على كيفية ورودها وإن لم أر من صرح بذلك, ولا يضر أن في بعض أحاديثها ضعفا, لأن الحديث الضعيف والمرسل والمعضل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا بل إجماعا على ما فيه" .(7)
وفي الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر المكي: " وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ, كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ, وَالْإِرْشَادِ"(8)
وقال في الفتاوى الفقهية الكبرى أيضاً:" وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضِلَ, وَالْمَوْقُوفَ يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إجْمَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْمَ رَجَبٍ مِن فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مَغْرُورٌ"(9)
وفي الفتاوى الفقهية الكبرى: " ( وَسُئِلَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ أَفْضَلُ مِنَ الذَّكَرِ غَيْرِ الْمَأْثُورِ وَالْمَأْثُورُ أَفْضَلُ مِنهَا مَا الْمُرَادُ بِالْمَأْثُورِ ؟
( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قِيلَ مَا أُثِرَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمَأْثُورِ عَنْ صَحَابِيٍّ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ أَلِيقَ مِنهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلِمَّا كَرِهَهَا بَعْضُهُمْ فِيهِ مُطْلَقًا قَدَّمُوا الْمَأْثُورَ وَلَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ،وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَصِحَّ سَنَدُهُ أَوْ لَا،لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوع ."(10)
ورجح أستاذنا العتر هذا المذهب وقال عنه:" إنه أوسطُ هذه المذاهب وأقواها وأعدلها, وذلك أننا إذا تأمَّلنا الشروط التي وضعها العلماءُ للعمل بالحديث الضعيف, فإننا نلاحظُ أنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي نبحث فيه لم يحكمْ بكذبِهِ،لكنْ لم يترجحْ جانبُ الإصابةِ, إنما بقي محتملاً, وهذا الاحتمال قد تقوَّى بعدم وجود معارضٍ لهُ, ولانطوائِه ضمنَ أصلٍ شرعيٍّ معمولٍ بهِ, مما يجعلُ العملَ به مستحبًّا ومقبولاً رعايةً لذلك .
أمَّا زعمُ المعارضين أن العمل بالضعيف في الفضائل اختراعُ عبادة وتشريع في الدين لما لم يأذن به الله تعالى. فقد أجاب عنه العلماء :بأن هذا الاستحبابَ معلومٌ من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين،والعملُ بالحديث الضعيف من هذا القبيل،فليس ثمة إثبات شيء من الشرع بالحديث الضعيف.
وفي رأيي أن الناظر في شروط العمل بالحديث الضعيف يجد فيها ما ينفي الزعم بأنه إثباتُ شرعٍ جديدٍ،وذلك أنهم اشترطوا أن يكون مضمونه مندرجاً تحت أصلٍ شرعي عام من أصول الشريعة الثابتة،فأصلُ الشريعة ثابتٌ بالأصل الشرعي العام،وجاء هذا الخبر الضعيف موافقا له"(11).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أصول الحديث 353-354، وقد سبقه إلى هذا الرأي العلامة أحمد شاكر في الباعث الحثيث ص 91-92
(2) - وقد يسَّر الله لي كثيرا من ذلك في موسوعتي (موسوعة السنة النبوية ) - مخطوطة-حيث حسّنت وصححت كثيرا من الأحاديث التي كان يظنُّ أنها غير مقبولة ، وذلك بعد تتبعي لطرقها وشواهدها ، أو مناقشة سبب ضعفها .
(3) - انظر الأذكار للنووي ص 7 و217 ، والمنهل للطيف ص 13، والأجوبة الفاضلة ص 37 و42 ، ومنهج النقد في علوم الحديث ص 274 -275
(4) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 101 )
(5) - الفتح المبين ص 32
(6) - المصدر السابق
(7) - ذكره ضمن جوابه على سؤال عما في أذكار النووي من أنه يسن أن يقرأ في كل يوم يس والواقعة والدخان والسجدة وإذا زلزلت ، فهل بقي سور وآيات أخر ورد فيها نظير ذلك ؟ . الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي-(ج 1 / ص 284 )
(8) -(ج 1 / ص 468 )
(9) --(ج 3 / ص 294 )
(10) --(ج 4 / ص 1 )
(11) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 294 )(1/126)
رأيُ الشيخِ ناصر الدين الألباني -رحمه الله ومناقشتُه :
يرى الشيخُ ناصر الدين الألباني -رحمه الله -: أنه لا يحلُّ العملُ بالضعيف مطلقاً, بحجة أنه في الصحيح غنيةٌ عنِ الضعيف .
وقد مرَّ نقاشُ هذا الرأي, وكأنَّه ساوَى في كتابه ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة ) بين الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً, وبين الحديث الضعيفِ ضعفاً شديداً, وبين الموضوعِ .
وهذا- فيما أظنُّ لم يسبقْ إليه - إذ لم يدرج أحدٌ الأحاديثَ الضعيفةَ ضعفاً يسيراً مع الواهيةِ والموضوعةِ, ويحذرُ الأمةَ منْ خطرِها !!!.
ولنا على هذه السلسلة ملاحظات كثيرة أهمها:
" الأولى: أن هذا التقسيم لم يسبق إليه, فوضع الأحاديث الضعيفة ضعفاً محتملاً مع شديدة الضعف, بل الموضوعة واعتبارها قسماً واحداً, ليس قول أحدٍ من أهل العلم الذين هم المرجع في هذا الباب .
الثانية: فرّقَ أهلُ العلم بين الضعيف ضعفاً محتملاً وبين شديد الضعف والموضوع, واعتبروا لكلِّ واحد منها حكماً,فالضعيف ضعفاً يسيراً قد عملت به الأمة من قبل وهو موجود في أكثر كتب السُّنَّة والفقه والتفسير والأصول . ومنهم من عمل به مطلقاً في الأحكام وفي غيرها .. ومنهم من عمل به في فضائل الأعمال مطلقاً أو بشروط .
الثالثة: الأحاديثُ الضعيفةُ تشكِّلُ قسماً غير قليل من السُّنَّة, فإهدارها إهدار لجانب هامٍّ منَ السُّنَّة ؛لأنها توضح مجملاً أو تزيده تأكيداً وقوة, أو تحثُّ على العمل الصالح, أو تنفِّرُ من الأعمال والتصرفات السيئةِ.
الرابعة: الضعفُ أمر نسبيٌّ تبعاً لاختلاف الشروط التي وضعها أهلُ العلم, وهذا الاختلاف يؤدي بدوره إلى الاختلافِ في الحكمِ على الحديث صحةً وضعفاً .
الخامسة: قد يكونُ الحديث ضعيفاً في زمانٍ معينٍ أو مكانٍ معيَّن ٍ،لأنه لم يتحْ للناقدِ الوقوفُ على جميعِ طرقه,ثم يتاحُ لغيره من العلماء الوقوفُ على طرقهِ وشواهده بعد ذلك, فيصير حسناً لغيره,أو صحيحاً لغيره, ولابدَّ منْ ملاحظة أقوالِ النقَّادِ في التضعيف, فكثيراً ما يقيدونه بطريقٍ معيَّنٍ, فلا يكون تضعيفهم هذا شاملا للطرق الأخرى. وقد يحسُنُ أو يصحُّ بعد ذلك تبعاً لجمع طرقه وشواهده .
السادسة: التسرُّعُ في تضعيف الأحاديث وتوهينها, ليس هو منهج أهل العلم, فكيف بالحكم عليها بالوضعِ ؟! فهذا يؤدي بدوره إلى إنكار الكثير مما ثبتَ من السُّنَّة .
السابعة: عدم التزامه بالقواعد العلمية الموضوعة في هذا الفن - كما سترى - وإن ذكر في مقدمته أنه التزم بها .
الثامنة: أنه يضعِّفُ الحديثَ لأدنى شبهةٍ حتى لو كان في الصحيحين, أو صحَّحَه الأئمةُ الكبار ُ.
التاسعة: الأحاديث التي أوردها في السلسة الضعيفة على أنواع:
- قسم ٌضعَّفه وهو حسن لذاته أو لغيره:انظر الأحاديث رقم (1579 ) و (1300) و (1079 ) و (1547 ) و (1489 ) و (1711 ) و (1492 ) و (1587 ) و (1588 ) و (1715 ) و (1594 ) و (1716 ) و (1674 ) و (1745 ) و (1753 ) وغيرها كثير.
- وقسمٌ ضعَّفه وهو صحيح لذاته أو لغيره: انظر الأحاديث (1756 ) و (1702) و (1787 ) و (1730 ) و (1850 ) و (1619 ) و (1771 ) و (1921 ) و (956 ) و (397 ) و (907 ) و (1540 ) و (1533 ) و (1486 ) و (936 ) و (1007 ) و (632 ) و (13 ) و (1177 ) و (1850 ) و (1537 ) وغيرها كثير .
- وقسمٌ ضعَّفه لأنه مرسلٌ, والصوابُ أنَّ المرسلَ يعملُ به عند جماهير أهل العلم, انظر الأحاديث رقم (1702 ) و (1743 ) و (1863 ) و (275 ) و (1647 ) و (1823 ) و (1953 ) .
- وقسمٌ ضعَّفه لأنه ورد مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه, وكثير من هذا الموقوف مثله لا يقال بالرأي وهو في حكم المرفوع, انظر الأحاديث رقم (13 ) و (210 ) و (1094 ) و(1163 ) و (1657 ) و(1690 )
- وقسم ٌضعَّفه جداً, والصوابُ أنه حسن لذاته أو لغيره أو صحيح لذاته أو لغيره, أو حسنٌ مرسل, أو صحيحٌ مرسل،انظر الأحاديث (515 ) و (759 ) و (1500 و1642 ) و (1383 ) و (1544 ) و (1755 ) و (1772 ) و (1784 ) و (1995 ) و (1798 ) و (1812 ) و (1813 ) و (1835 ) و (1870 ) و (1871 ) و (1881 ) و (1828 ) .
- وقسمٌ ضعَّفه وهو في الصحيحين أو في أحدهما أو في موطأ مالك مثل الحديث رقم (1299 ) في سلسة الأحاديث الضعيفة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِن رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً،يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ،وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ » وهو في البخاري (6478 ) والفتح 11/308 ومسند أحمد(8635 ) 2/334 وجامع الأصول 11/730(9410 ) وانظر المسند الجامع - (ج 17 / ص 1341 ) (14242) !
والحديث رقم (1030 ) عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ،فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » . وهو في صحيح البخاري(136 ) وصحيح مسلم (603 ) وانظر طرقه في المسند الجامع - (ج 16 / ص 959 ) (12755 ) وقد أدخله في سلسة الأحاديث الضعيفة لمجرد إدراجٍ في آخره مختلفٍ فيه !(1)
- وقسمٌ حكم بوضعه وليس موضوعاً, فقد يكون ضعيفاً أو حسناً أو صحيحاً, أو صحيحاً موقوفاً, انظر الأحاديث (788 ) و (1302 ) و (1585 ) و (678 ) و (1676 ) و (1742 ) و (1797 ) و (163 ) و (1437 ) و (1958 ) و (139 ) و (1563 ) و (1866 ) و (1033 ) و (144 ) و (601 ) .
- وقسمٌ ضعَّفه أو ضعَّفه جداً أو حكم بضعَفه هنا, وحسنه أو صححه في كتبه الأخرى دون أن ينبه على ذلك.
كالحديث رقم (1163 ) ضعفه, وصححه في المشكاة (2831 ) !
والحديث رقم (956 ) ضعفه, وصححه في الإرواء (1803 ) !
والحديث رقم (1150 ) ضعفه, وصححه في صحيح الترمذي (2787 ) !
والحديث رقم (582 ) ضعفه, وصححه في صحيح الجامع (1385 ) والصحيحة (1128 ) !
والحديث رقم (1736 ) حكم بوضعه, وحسنه في صحيح الترمذي (2170 ) !
والحديث رقم (1324 ) ضعفه, وصححه في الإرواء 3/237-238 !
العاشرة: عدمُ تحققه من الجرح والتعديل, كتضعيفه أحاديث أبي الزبير المكي وابن إسحاق والحسن البصري إذا لم يصرحوا بالتحديث,بحجة أنهم مدلِّسون, دون أن يحقق هل الصواب تدليسهم أم لا ؟ وهل تدليسهم عام أم خاص ؟
وكذلك تضعيفه لأحاديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم بحجة أن الحافظ ابن حجر قال عنه في التقريب : صدوق في روايته عن أبي الهيثم ضعف،دون أن يرجع إلى الكتب السابقة المطوَّلة ليتأكد من ذلك انظر الأحاديث التالية (278 ) و (309 ) و (15 ) و (210 ) و (273 ) و (338 ) و (348 ) و (363 ) و (494 ) و (151 ) و (401 ) .
الحادية عشرة: تضعيفُه لأحاديث الرواة المختلف فيهم,وهم كثر كأبي صالح كاتب الليث انظر الأحاديث (228 ) و (292 ) و (475 ) وعبد الله بن لهيعة انظر الأحاديث (57 ) و (228 ) و (278 ) و (328 ) و (471 ) و (476 ) وبقية بن الوليد الحمصي انظر الأحاديث (168 ) و (229 ) و (232 ) و (341 ) و (482 ) .
أمثلة من أخطائه الجسيمة:
كقوله في ترجمة أبي صالح كاتب الليث: وإن روى له البخاري ففيه ضعف, فقد قال ابن حبان: كان في نفسه صدوقاً, وإنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له, فسمعت ابن خزيمة يقول: كان بينه وبينه عداوة, كان يضع الحديث على شيخ ابن صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله, ويرميه في داره بين كتبه, فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدِّثُ به !, ا هـ 1/19 و20 .
أقول: هذه القصة غير صحيحة لأنها ليست موصولة،والذي حدَّث بها وُلدَ بعد وفاة أبي صالح !
وكيف كان يرمي بها ثم تصل إلى كتبه وتجلس بينها ولا تميز ، فهذا من أبطل الباطل ، ولا يمكن لعاقل في الأرض يصدق به بهذا الشكل الذي رويت به .
كما أن ابن حبان متهوِّرٌ ٌفي الجرح كما سنذكره مفصلاً،راجع ترجمة عبد الله بن صالح كاتب الليث في التهذيب 5/256-261 والكامل لابن عدي 4/206-208 . والصواب أنه صدوق له أفراد, وهو من أوثق الناس رواية عن الليث .
قلت : وقد ناقض نفسه فقال في السلسلة الصحيحة(1227 ) " . قلت : و عليه فالإسناد جيد لأن راشد بن سعد ثقة اتفاقا ، و من دونه من رجال " الصحيح " ، و في عبد الله بن صالح كلام لا يضر هنا إن شاء الله تعالى "
وفي السلسلة الصحيحة (2917 ) " فالسند حسن للخلاف المعروف في محمد ابن عجلان . وأعله الهيثمي بـ ( عبد الله بن صالح ) فقال ( 2 / 81 ) : " رواه البزار ، و فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ، وثقه عبد الملك بن شعيب ابن الليث ، فقال : " ثقة مأمون " ، و ضعفه أحمد و غيره " .و توسط الحافظ فيه فذهب إلى أنه ثقة في رواية الأئمة الكبار عنه كالبخاري و أبي حاتم و نحوهما . انظر ترجمته في " مقدمة الفتح " .
وكنقله عن الهيثمي في المجمع 1/21: وفيه يحيى بن المتوكل . أبو عقيل وهو كذاب ! ا هـ .
أقول: كان عليه أن يتأكد بنفسه عن الحكم في هذا الراوي والصواب أنه ضعيف التقريب (7633 ) والكاشف (6348 )
وناقض نفسه فقال السلسلة الصحيحة (863 ) " و له شاهد من حديث عائشة بهذا اللفظ . أخرجه أحمد ( 6 / 138 ) : حدثنا وكيع قال : حدثني أبو عقيل عن بهية عنها.وأبو عقيل اسمه يحيى بن المتوكل المدني وهو ضعيف ، و بهية لا تعرف ".
وقوله في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف نقلاً عن التقريب 1/22 .
أقول: الصواب فيه أنه حسن الحديث إذا روى عن أهل بلده (المصريين ) وكان الراوي عنه ثقة .
وقد وثقه سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين في رواية والجوزجاني ويعقوب بن شيبة, ويعقوب بن سفيان, وأبو زرعة وأحمد بن صالح المصري, والبخاري, وابن وهب, وسحنون والحربي .
وضعفه يحيى وهشام بن عروة وأحمد .. علماً أنه روى عنه في المسند,ولينه أبو حاتم وأبو زرعة إذا روى عن مجاهيل, وصالح جزرة والنسائي وابن خزيمة والساجي وابن حبان وابن عدي راجع التهذيب 6/173-176 .
وقوله عن حديث (أهل الشام سوط الله .. ) رقم (3 ) ضعيف, وصحح وقفه على الصحابي خريم بن فاتك, وفاته أن مثله لا يقال بالرأي, لأن هذا الصحابي يتحدَّث عن مسألة لا تعرف بالرأي .
وكقوله 1/25 عن المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله وهو ضعيف لاختلاطه ا هـ .
دون أن يميز بين ما رواه قبل الاختلاط وما رواه بعد الاختلاط, وقد قال الحافظ في التقريب (صدوق اختلط قبل موته ) وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط - (3919 ) . وفي الكاشف (3281 ) قال ابن نمير: ثقة اختلط بآخره, وقال سي: لا بأس به, وقال مسعر: ما أعلم أحداً أعلم بعلم ابن مسعود منه
وفي ص 1/33 قال عن روح بن صلاح: فقد ضعفه ابن عدي ... وقال بعد أن خرج له حديثين: له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة اهـ .
أقول: لم يضعفه ابن عدي, وإنما ذكره وذكر له حديثين وقال عقبهما: وهذان الحديثان بإسناديهما ليسا محفوظين, ولعل البلاء فيه من عيسى هذا فإنه ليس بمعروف - أي الراوي عن روح - ولروح ... أحاديث ليست بالكثيرة عن ابن لهيعة والليث وسعيد بن أبي أيوب, ويحيى بن أيوب وحيوة وغيرهم, وفي بعض حديثه نكرة اهـ الكامل 3/146.
وكذلك نقله عن فضيل بن مرزوق: أقوال المضعفين له دون الموثقين 1/35 نقلاً عن التهذيب ليس سديداً .
فقد قال الحافظ ابن حجر في التهذيب ما خلاصته: وثقه الثوري وابن عيينة وابن معين وأحمد وابن عدي والعجلي .. وضعفه من ذكرهم الشيخ ناصر انظر التهذيب 8/299-300 .
أقول: والصواب فيه ما قاله ابن عدي: ولفضيل أحاديث حسان وأرجو أنه لا بأس به الكامل 6/19 وقال الذهبي في الكاشف (4562 ) ثقة اهـ وقد وثقه الكبار انظر الجامع في الجرح والتعديل (3532 ) .
قلت : وناقض نفسه وحسن له في السلسلة الصحيحة (107) "قلت : مروان ثقة ، وسليمان بن موسى أبو داود الكوفي صويلح كما قال الذهبي ، و فضيل إن كان ابن مرزوق ففيه ضعف ، و إن كان ابن غزوان فهو ثقة احتج به الشيخان ، فإن كان هو راوي الحديث فهو حسن إن شاء الله تعالى " .
وفي السلسلة الصحيحة(1136 ) وأحمد ( 2 / 328 ) ". قلت : وإسناده حسن ، فإن فضيل بن مرزوق صدوق يهم كما قال الحافظ في " التقريب " .
وكقوله عن عبد الحكم بن ذكوان: "لقد عاد الشيخ إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان - له - مع اعترافه بشذوذه في ذلك كما سبق النقل عنه, هذا مع قول ابن معين في ابن ذكوان هذا: لا أعرفه, فإذا لم يعرفه إمام الجرح والتعديل فأنى لابن حبان أن يعرفه ؟! " 1/37
أقول: لي على كلامه - هذا -عدة ملاحظات:
الأولى: أنه لا يعتدُّ بتوثيق ابن حبان ويعتبره من المتساهلين والصواب بعكس ما يقول: , لأن ابن حبان من المتشددين في الجرح والتعديل راجع مقدمة الإحسان 1/36-40 .
الثانية: كان عليه أن يرجع إلى ترجمة عبد الحكم هذا في التهذيب مثلاً: فقد روى عنه مروان بن معاوية وأبو داود الطيالسي وأبو عمر الحوضي وقال ابن معين: لا أعرفه, وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي هو أحب إليك أم عبد الحكم القسملي ؟ فقال: هذا أستر, وذكره ابن حبان في الثقات اهـ التهذيب 6/107 وقال الذهبي في الكاشف (3133 ) وثقه البستي اهـ فالصواب أن حديثه حسن.
والثالثة: إذا لم يعرفه ابن معين وعرفه غيره فهذا أمر طبيعي, لا يمكن للإمام ابن معين ولا غيره أن يعرف كل الرجال . ولو رحت أتتبع أخطاءه في الجرح والتعديل لملأت مجلداً ضخماً .
الثانية عشرة: إكثارُه من الرد على مخالفيه ووصمهم بكل نقيصة انظر الضعيفة 1/17 و22 و23 و25 و30 و31 و33 و35 و36 و38 .
وقال الألباني في تعليقه على هذا الحديث في الضعيفة 1/76 و77(57): " لا أصل له ،ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا ، حتى قال السيوطي في " الجامع الصغير " : ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا ! .
وهذا بعيد عندي ، إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده .
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال : وليس بمعروف عند المحدثين ، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع .
وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوي " ( ق 92 / 2 )
ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء ، فقال العلامة ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " ( 5 / 64 ) بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث :
"وهذا من أفسد قول يكون ، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا ، وهذا ما لا يقوله مسلم ، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف ، وليس إلا رحمة أو سخط..."(2)
"وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيراً من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة,ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم, بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا بردِّ بعضها المخالف للدليل, وقبول البعض الآخر الموافق له،وهذا مالا يفعلونه, وبذلك نسبوا إلى الشريعة التناقض وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِن عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء, فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله, فكيف يصحُّ إذن جعله شريعة متبعة, ورحمة منزلة ؟ ".
أقول: في هذا الكلام خلط عجيب, لا أعتقد أن أحداً من السابقين يقول به, وسأذكر بعضه:
الأول: زعمه أن (معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء) ولم يورد شيئا لإثبات هذا الزعم سوى قول ابن حزم، فهل ابن حزم رحمه الله هو مرجع الأمة وحده ؟.
وهل هو ممثل العلماء ؟
وأين هم المحققون الذين استنكروا معنى هذا الكلام ؟
والصواب أنه لم يستنكره إلا ابن حزم ، وسائر أهل العلم قد ذكروه في كتبهم دون نكير .
وهنا يصف ابن حزم بالعلامة وبالتحقيق ، بينما في كتبه الأخرى يقول عنه غير ذلك ، وإليك البيان :
قال في تعليقه على الحديث " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر.." قلت : وهذا إسناد صحيح ومتابعة قوية لهشام بن عمار وصدقة بن خالد ، و لم يقف على ذلك ابن حزم في " المحلى " ، ولا في رسالته في إباحة الملاهي ، فأعل إسناد البخاري بالانقطاع بينه وبين هشام ، وبغير ذلك من العلل الواهية ، التي بينها العلماء من بعده وردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها ، مثل المحقق ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272 ) والحافظ ابن حجر في " الفتح " وغيرهما ،وقد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها ، يسر الله تبيضه و نشره .
وابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله وعقله ، فهو ليس طويل الباع في الاطلاع
على الأحاديث وطرقها ورواتها . ومن الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث . السلسلة الصحيحة(91 )
وقال في كلامه على حديث - " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة .." والآخر : أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم ، لاسيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد ، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة فكيف إذا خالف ؟ !السلسلة الصحيحة ( 204 )
وقال أيضاً " فلا يقبل بعد هذا قول ابن حزم فيه ( 8 / 196 ) : " وهو مجهول " وأعل الحديث به ، فإنه لا سلف له في ذلك ، وقد وثقه هؤلاء الأئمة ".السلسلة الصحيحة (260 )
وقال أيضاً :"وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم : ضعيف " . ومن عرف حال أبي الفتح الأزدي وما فيه من الضعف المذكور في ترجمته في " الميزان " وغيره و عرف شذوذ ابن حزم في علم الجرح عن الجماعة كمثل خروجه عنهم في الفقه لم يعتد بخلافهما لمن هم الأئمة الموثوق بهم في هذا العلم" السلسلة الصحيحة(503 )
وقال أيضا :" وفيما تقدم رد قوي على ابن حزم في قوله في " رسالة الملاهي" (ص97) : أنه لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير الآية بأنه الغناء ! قال : " وإنما هو قول بعض المفسرين ممن لا تقوم بقوله حجة " ! و مع سقوط كلامه هذا بما سبق ، فيخالفه صنيعه في " المحلى " ، فقد ساق فيه الروايات المتقدمة عن ابن مسعود وابن عباس ، وعن غيرهما من التابعين ، ولم يضعفها ، وإنما قال : " لا حجة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " !
فنقول : كلمة حق أريد بها باطل ، لأنه لم يذكر عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف تفسيرهم . ثم زعم أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين ! وهذا كالذي قبله ، فإنه لم يذكر ولا رواية واحدة مخالفة ، ولو كان لديه لسارع إلى بيانها . ثم احتج بأن الآية فيها صفة من فعلها كان كافرا . فنقول : هذا حق ، ولكن ذلك لا ينفي أن يؤاخذ المسلم بقدر ما قام فيه من تلك الصفة ، كالالتهاء بالأغاني عن القرآن . السلسلة الصحيحة (2922 )
الثاني - عدم معرفته بأسباب اختلاف الفقهاء, وقد ألفت عشرات الكتب فيها قديماً وحديثاً ككتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية رحمه الله وقد قمت بشرحه والتعليق عليه مطولا.
الثالث: يستحيل إزالة أسباب الخلاف إزالة تامة, لأنه يرجع إلى النصوص نفسها،فغالبها ليس قطعي الدلالة,بل ظني الدلالة, فكيف نرجع الخلاف إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة ؟ .
الرابع: أن الفقهاء استنبطوا أحكامهم من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس وليس من فراغ .
الخامس: لو شاء الله تعالى لجعل نصوص هذه الشريعة كلها قطعية الدلالة لا تحتمل أكثر من معنى, ولكن لم يشأ ذلك, فكيف نزيل الخلاف ؟
السادس: يعني الفقهاء بقولهم الاختلاف رحمة: أنه يوجد في المسألة الواحدة أكثر من قول والمكلَّف في سعة من أمره طالما أنه لم يبلغ درجة الاجتهاد, وهذا الاختلاف موجود منذ عهد الصحابة وسيبقى إلى قيام الساعة،ولن يستطيع أحد إزالته .
السابع: قوله أنهم يرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة اهـ وعزاه لفيض القدير 1/209 .
قلت :" قال المناوي رحمه الله:" إن اختلافهم توسعة على الناس يجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلها, لئلا تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم, ولم يكلفوا مالا طاقة لهم به, توسعة في شريعتهم السمحة السهلة, فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه الأمة, فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له, وقد وعد بوقوع ذلك, فوقع, وهو من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - , أما الاجتهاد في العقائد فضلالٌ ووبالٌ كما تقرر "1/209
وهناك فرق كبير بين كلام الشيخ ناصر وكلام المناوي ."
الثامن: منْ قال بأنَّ الشريعة متناقضةٌ ؟!،علماً أن الفقهاء يصرحون ويقولون قال أبو حنيفة:رأيي في هذه المسألة كذا, . وهكذا غيره, لذلك يقولون لك إذا سألتهم عن حكم مسألة مثلاً: هذه حلال في المذهب الشافعي, ولا يقولون من الله .. بل إن اختلاف الفقهاء هو اختلاف تنوُّع وليس اختلاف تضادٍّ .
التاسع: ما علاقة الآية القرآنية باختلاف الفقهاء،ولا سيما أنها واردة في حقِّ القرآن الكريم وليس على غيره كما هو معلوم ؟ .
العاشر: ما قاله ابن حزم غير صحيح, إذا كان الاختلاف رحمة كان الاتفاق سخطاً, فهذا الثاني غير لازم قطعاً ولا مراد,والاختلاف من طبيعة البشر والحياة والنصوص, فمن أراد أن يزيله فليغير طبيعة البشر والحياة والنصوص حتى يتسنَّى له ذلك, ولا يقدر على هذا إلا اللهُ وحده.(3)
الثالثة عشرة: تضعيفه للإمام أبي حنيفة انظر ص 390 و465 .
وهذا كلام مردود, فهؤلاء الأئمة الكبار لا يجوز الوقوع فيهم, فقد بلغوا القنطرة, ولم يذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة أبي حنيفة من التهذيب 10/449-452 حرفاً واحداً مما سوَّد به الشيخ ناصر كتابه هذا !. ولا الإمام الذهبي كذلك إلا كل خير .
__________
(1) - انظر كتابي الدفاع عن كتاب رياض الصالحين 29- (1024)
(2) - الإحكام 5/64
(3) - إذا أردت التفصيل فارجع إلى كتاب الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم للدكتور يوسف القرضاوي .
وبالجملة فهذه السلسلة لا يعتمد عليها للأخطاء الفاحشة التي وردت فيها
ـــــــــــــــ(1/127)
الفوارقُ بين الحديث الضعيف والموضوع
هناك فوارقُ كثيرةٌ بين الحديث الضعيف والموضوع منها:
? إنَّ الحديث الضعيف هو في الأصل منسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , بخلاف الموضوع فهو مكذوب مختلق مصنوع, فلا يجوز معاملتهما على حدٍّ سواء .
? إنَّ سبب ضعف الحديث هو إما سقط في السند أو لعوارض بشرية, من سوء حفظٍ أو وهم أو غلط .. بالإضافة إلى جهالة الراوي, بينما الموضوع فهو مكذوب, وملصق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - , وله أسباب مختلفة كالزندقة, ونصرة المذاهب والأهواء, والرغبة في الدعوة إلى الخير مع الجهل, والأغراض الدنيوية, في تفاصيل ذكرتها كتب الحديث،فلا يجوز أن يعاملا على أنهما واحد.
? إنَّ الحديث الضعيف تحلُّ روايته بالإجماع, لذا أدخله عامة أهل الحديث في مصنَّفاتهم, حتى الذي أفرد الصحيح أدخله فيه عدا الشيخين, فلم يدخلاه في الصحيحين إلا المعلقات, لكنهما أدخلاه في غيرهما من كتبهما, بخلاف الموضوع, فلا تجوز روايته إلا لبيان وضعه حتى يحذره الناس, فافترقا.
? إنَّ الحديث الضعيف عمل به العلماء- بالإجماع - في الفضائل والترغيب والترهيب, كما عمل به عامة أهل العلم في الأحكام إذا خلا الباب من حديث مقبول،والأمة لا تجتمع على ضلالة, بخلاف الموضوع فإنه يحرم العمل به, فافترقا.
? إنَّ علماء الحديث قد أدخلوا الحديث الضعيف في مصنفاتهم مع الصحيح والحسن, أو أفردوا بعض أصنافه في مصنفات, كالمرسل والمضعَّفِ،ولم يدخلوا الموضوع, ومن أدخله فقد عابوه, بخلاف الموضوع, فمن أفرده لم يدخل معه شيئا من الحديث الضعيف - حسب وجهة نظره - فافترقا .
? إنَّ الحديث الضعيف مندرجٌ تحت أصلٍ معمولٍ به في الشريعة, لذا يعمل به, فإن كان في الأصل كما هو,كان كذلك, وإلا فالعملُ بالأصل المعمول به, بخلاف الموضوع,فإنه مكذوب, ولا يحلُّ العمل به, فافترقا .
? إنَّ الحديث الضعيف بين الراجح والمرجوح, فإن ثبت صدقه فهو الخير وإلا فلا يضرُّ .
قال ابن تيمية وهو يتكلم عن أقسام الحديث(1):" فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا،فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزِ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ, وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ" بخلاف الموضوع, فيحرمُ العمل به, فافترقا .
? إنَّ رواية الحديث الضعيف والعمل به هو موافق لإجماع علماء الأمة منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم - الذين يرسلون ولا يسندون -حتى نهاية عصر التدوين, بخلاف الموضوع, حيث لم يعمل به أحد،لأنه يحرمُ العمل به بالإجماع, وكذا روايته إلا لبيان وضعه, فافترقا .
? نحن مأمورون بالعمل بغلبة الظنِّ, والحديثُ الضعيفُ يغلب على الظنِّ إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , حتى يقوم الدليل على نفيه, بخلاف الموضوع حيث يجزم بكذبه للقرائن التي تدلُّ عليه, كما بينت كتب علوم الحديث.
? إنَّ الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه, أو وجد له المتابع أو الشاهد فإنه يرتقي إلى مرتبة الحسن, بخلاف الموضوع, فمهما تعددت طرقه فهو مكذوب لا يحلُّ العمل به, فافترقا.
? إنَّ علماء الحديث يتساهلون في بيان ضعف الحديث, كما مرَّ لكنهم لا يجوِّزون وراية الموضوع, إلا لبيان حاله, فضلاً عن السكوت عليه, فافترقا.
? إنَّ الحديث الضعيف يوجد ما يشهد له - وهو الأصل المعمول به في الشريعة - بخلاف الموضوع, فقد دلت الدلائل على أنه مكذوب مصنوع, ولا يوجد ما يشهد له .
? إنَّ العلماء لم يختلفوا في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والرقائق والترغيب والترهيب, ولكنهم اختلفوا من حيث النظر - في العمل به في الأحكام -،وقد سبق ذلك وأن عامتهم عمل به إذا خلا الباب من حديث مقبول, ولكن الموضوع لم يختلفوا في عدم جواز روايته - إلا لبيان حاله - فضلا على عدم العمل به, فافترقا0
? إنَّ عدم الأخذ بالحديث الضعيف هو مخالفةٌ لكلِّ علماء الأمة, بل هو طعنٌ فيهم, لأنهم أدخلوه في كتبهم, ولا شكَّ أنهم أزكى وأتقى وأورع, وأخوف وأحرص على دين الله تعالى, ممن جاء بعدهم, فلو لم يجز لما فعلوه, والله أعلم.
? إنَّ عدم الأخذ بالحديث الضعيف هو مخالفٌ لكل علماء الأمة الذين أخذوا بالعمل به وطعن فيهم, سواء قصروه على الترغيب والترهيب والرقائق ونحو ذلك, وهذا بإجماعهم, أو الذين أخذوا به في الأحكام, عند فقد الحديث الصحيح أو الحسن،وهم عامتهم كما مرَّ .
? إنَّ الأخذ بالحديث الضعيف هو أولى من رأي الرجال, وذلك لوجود قرينة تدلُّ على نسبته إلى صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - , بخلاف الموضوع, فافترقا .
? إنَّ الأخذ بالحديث الضعيف - إذا لم يكن شديد الضعف،وبشروطه التي مرَّ ذكرها- هو اتباع لعامة علماء الأمة؛ من محدِّثين وفقهاء وغيرهم, وأمَّا الموضوعُ فلم يقل بالعمل به أحد منهم, والله أعلم .
? إنَّ قرنَ الحديث الضعيف بالموضوع مخالفةٌ للأمة- المتمثلة بعلمائها- الذين رووه وعملوا به, وقد نهانا الشارع عن اتباع غير سبيل المؤمنين, والله أعلم
? لذا فإنَّ تقسيم كتب الحديث إلى صحيح وضعيف خطورة وأيما خطورة, ومغايرة لما أراده أصحاب تلك الكتب, مع إمكانهم فصلها, وكان بإمكانهم ذلك, لكن جعله مع الموضوع أشدُّ خطورةً .
? قال ابن محرز رحمه الله(2):"سمعت علي بن المديني يقول: ليس ينبغي لأحدٍ أن يكذِّب بالحديث إذا جاءه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن كان مرسلاً, فإنَّ جماعة كانوا يدفعون حديث الزهريِّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من احتجم يوم السبت أو الأربعاء فأصابه وضَحٌ - يعني البرصُ- فلا يلومنَّ إلا نفسهُ"(3)فكانوا يفعلونه فبُلوا, منهم عثمان البتيِّ،فأصابه الوضحُ, ومنهم عبد الوارث -يعني: ابن سعيد التنَّنوري- فأصابه الوضح،ومنهم أبو داود, فأصابه الوضح،ومنهم عبد الرحمن فأصابه الوضح اهـ(4)
-------------
فلو اقتصرَ ( الشيخ ناصر رحمه الله ) على الشديدِ الضَّعفِ الذي لا ينجبرُ والموضوع, لكانَ هو الأليقُ بأمثالهِ, ونحنُ لا ننكر جهودَهُ وخدمتهُ الفذةَ لحديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , لكنَّ إيرادَ الضعيفِ ضعفاً يسيراً معهما خطأٌ كبيرُ, إذْ أنَّ الحديثَ الضعيفَ قدِ اتفقوا على العمل بهِ في فضائلِ الأعمالِ - ضمن الشروط السابقة- فإلغاؤُه مطلقاً معناهُ الحكمُ عليهِ وكأنَّهُ موضوعٌ, وهذا لا يقول به أحدٌ .
بلْ ذكرَ الشيخُ في سلسة الأحاديث الضعيفة وضعيف الجامع الصغير وغيرها كثيراً من الأحاديث التي لا تستحِقُّ التضعيفَ أصلاً !!!
وكذلك قامَ من تابعه على ذلك بالإنكار الشديد على منْ يعملُ بحديث ضعيفٍ في فضيلةٍ خلقيةٍ, واعتبروه مبتدعاً في الدِّين مخالفاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - , وهذا خطأٌ جسيمٌ, فلا يجوز التسرُّع في الإنكار في المسائل المختلَف فيها،وهذا منها فلا إنكارَ فيها كما هو معلومٌ, لكنْ لسنا ملزمين بقولٍ معيَّنٍ فيها, وإنما الذي يسوغُ فيها النصحُ والإرشادُ من قِبل أهل العلم المختصين في هذا الباب ليس إلا.
وسببُ وقوعِ هذا الخطأ برأيي: هو ابتعادُ هؤلاء عن منهجِ السَّلفِ الصالحِ في علم مصطلحِ الحديث والجرحِ والتعديلِ, وأصول الفقهِ،لذلك أرجوا من هؤلاء أن يعيدوا النظر فيما قالوه, وأنْ يعودوا لما قاله جمهورُ الأمةِ من السَّلفِ والخلَفِ حول حكمِ الحديثِ الضعيفِ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مجموع الفتاوى(ج 18 / ص 66 )
(2) - معرفة الرجال 2/190
(3) - مسند البزار(7807 ) الصواب أنه مرسل
(4) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 105-109(1/129)
سادساً - أمثلةٌ للحديث الضعيف الذي يجوزُ العملُ به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر:
المثالُ الأوَّلُ
إحياءُ ليلتي العيد
أخرج ابن ماجة في سننه حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْمَرَّارُ بْنُ حَمُّويَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ قَامَ لَيْلَتَىِ الْعِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ »(1).
فهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أن ثور بن يزيد قد رميَ بالقدر(2)إلا أنه هنا يروي ما لا صلة له ببدعته, فلا يخلُّ بالاحتجاج به, ومحمد بن المصفَّى صدوقٌ كثير الحديث, حتى وصفه الحافظ ابن حجر في اللسان بأنه حافظٌ(3)،وقال الذهبي في الميزان: ثقةٌ مشهورٌ لكن وقعت له في رواياته المناكير(4).
وفي سنده بقية بن الوليد وهو من الأئمة الحفاظ صدوق, لكنه كثيرُ التدليس عن الضعفاء, روى له مسلم متابعة فقط(5), وهو هنا لم يصرح بما يثبت سماعه للحديث فيكون ضعيفا .(6)
وأعله الألباني في السلسلة الضعيفة به (521 ) وقال:" بقية سيء التدليس, فإنه يروي عن الكذابين عن الثقات ثم يسقطهم من بينه وبين الثقات ويدلِّس عنهم فلا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين .."واعتبره موضوعاً !
أقولُ: من راجع ترجمة بقية في التهذيب وجد أنَّ الأكثر على توثيقه بقوة والثاني أنه ثقة وحجة فيما رواه عن أهل بلده،وهذا ما أكده ابن عدي كذلك،وهذا منها،فهو يرويه عن شيخه ثور بن يزيد الحمصي،فينبغي أن يقبل هذا الحديث, وهو الذي لازمه مدة طويلة فلا حاجة لأن يدلِّس عنه, وإنما يكون التدليس عن شيخ سمع منه شيئاً قليلاً(7).
قال ابن عدي بعد ترجمته المطولة(8):" إذا روى عن الشاميين فهو ثبت, وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لامنه, وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم, وربما كان الوهم من الراوي عنه, وبقيةُ صاحبُ حديثٍ, ومن علامةِ صاحبِ الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار, ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صورة بقية" .
قلت :الحديثُ مرويٌّ من طرق أخرى فيها ضعف(9)
وفي قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي،قال: هَارُونُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:" بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ" أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْعِيدِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ" وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُهُ . وَعَنْ مُجَاهِدٍ:" لَيْلَةُ الْفِطْرِ كَلَيْلَةٍ مِن لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يَعْنِي فِي فَضْلِهَا" وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ" يَقُومُ لَهُمْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَأَوْتَرَ بِسَبْعٍ" وَصَلَّى وُهَيْبٌ يَوْمَ الْعِيدِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ جَعَلُوا يَمُرُّونَ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ زَفَرَ وَقَالَ:" لَئِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ أَصْبَحُوا مُسْتَيْقِنِينَ أَنَّهُ قَدْ تُقُبِّلَ مِنهُمْ شَهْرُهُمْ هَذَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصْبِحُوا مَشَاغِيلَ بِأَدَاءِ الشُّكْرِ عَمَّاهُمْ فِيهِ , وَلَئِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا أَشْغَلَ وَأَشْغَلَ" ثُمَّ قَالَ: كَثِيرًا مَا يَأْتِينِي مَنْ يَسْأَلُنِيَ مِن إِخَوَانِي فَيقول: يَا أَبَا أُمَيَّةَ مَا بَلَغَكَ عَمَّنْ طَافَ سَبْعًا بِهَذَا الْبَيْتِ مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ ؟ فَأَقُولُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ , بَلْ لَوْ سَأَلُوا عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِن أَدَاءِ الشُّكْرِ فِي طَوَافِ هَذَا السَّبْعَ , وَرَزَقَهُ حِينَ حَرَمَ غَيْرَهُ , فَيقولون : إِنَّا نَرْجُوا , فَيقول: وُهَيْبٌ:" وَلَا وَاللَّهِ مَا رَجَا عَبْدٌ قَطُّ حَتَّى يَخَافَ ثُمَّ يقول: كَيْفَ تَجْتَرِي , إِنَّكَ تَرْجُو رِضَاءَ مَنْ لَا تَخَافُ غَضَبَهُ , إِنَّمَا كَانَ الرَّاجِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ إِذْ يُخْبِرُكَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ , يقول: وُهَيْبٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِلَى مَاذَا قَالَا: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ , رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً الْآيَةُ, ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ , ثُمَّ قَالَ: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخَرِينَ"(10)
قَالَ الشَّافِعِيُّ بعد روايته لهذا الحديث:أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ(11)،قَالَ : رَأَيْتُ مَشْيَخَةً مِن خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ حَتَّى تَذْهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ،قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّمَا حَكَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِن غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا،وَأُحِبُّ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ،وَبَيْنَ ذَلِكَ وَغَادِيًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ،يَعْنِي يَوْمَ الْفِطْرِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ يَعْنِي عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ يَعْنِي عِنْدَ إِكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ "(12)
وقال الجزيري:" ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر وصلاة وتلاوة قرآن ونحو ذلك لقوله صلى الله عليه و سلم:" من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" رواه الطبراني ويحصل الإحياء بصلاة العشاء والصبح في جماعة وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوبا لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان الله تعالى الذي لا سخط لعده والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان الله تعالى بدون نزاع ومن تركها استحق سخطه أما ما عداها من فضائل الأعمال فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن ومن يتركها فلا شيء عليه وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات فإذا ترك المكلفون صيام رمضان وترك القادرون الحج إلى بيت الله الحرام والصدقات المطلوبة منهم ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئا . نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة كان له أثر كبير وهو محو الذنوب والآثام لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق "(13)
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية(14): "يُنْدَبُ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ ( الْفِطْرِ, وَالأَْضْحَى ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ(15). لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ(16). وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ اتِّبَاعًا لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ ثَوَابُ الإِْحْيَاءِ بِصَلاَةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً, وَالْعَزْمِ عَلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً "(17).
وجاء فيها أيضاً(18)" يُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِن ذِكْرٍ وَصَلاَةٍ وَتِلاَوَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَار .. ".
قلت :فنحن نعلم أن قيام الليل والتعبد فيه وردَ الحضُّ عليه في القرآن والسُّنَّة المتواترة، والتقرب إلى الله تعالى بالذكر والدعاء ونحوها, مرغبٌ فيه كل الأوقات والأحوال, وكلُّ ذلك يشملُ بعمومه ليلتي العيدين اللتين لهما من الفضل ما لهما،وهذا يوضح تماما أن الحديث لم يشرع شيئا جديدا, وإنما جاء بجزئية موافقة لأصول الشريعة ونصوصها العامة, مما لا يدعُ أيَّ مجالٍ للتردد في استحباب العمل به, والأخذ به والأخذِ بمقتضاهُ .
وزعم صاحب فتاوى يسألونك أن إحياءهما بدعة بقوله:" وخلاصة الأمر أن إحياء ليلتي العيدين بدعة لم يثبت فيه حديث يصلح للاحتجاج به أو الاعتماد عليه."(19)!!!
وهو كلام مخالف لاتفاق الفقهاء وللحديث الشريف الآنف الذكر .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سنن ابن ماجه (1854 ) والشعب (3556 ) والطبراني في الأوسط (193 ) والسنن الكبرى للبيهقي 3 / 319 (6518 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (5333 ) من طرق والصواب أنه حديث حسن لغيره
(2) - انظر تقريب التهذيب [ج1 -ص 135 ] (861 )
(3) - لسان الميزان [ج7 -ص 376 ] (4749 ) وفي تقريب التهذيب [ج1 -ص 507 ] (6304 ) صدوق له أوهام وكان يدلس ، وفي الكاشف [ج2 -ص 222 ] (5157 ) ثقة يغرب
(4) - ميزان الاعتدال(ج 4 / ص 43 ) (8181 ) وختم ترجمته بقوله : كان ابن مصفى ثقة صاحب سنة، من علماء الحديث.
(5) -انظر تقريب التهذيب [ج1 -ص 126 ] (734 ) وفي الكاشف [ج1 -ص 273 ] (619 ) .. وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة ..
(6) -هذا ما ذكره أستاذنا د- نور الدين عتر في كتابه الصلوات الخاصة ص 102 -103، والصواب أنه حسن لغيره
(7) - راجع التهذيب 10/473 - 478
(8) - الكامل 2/72 - 80
(9) - فعن عبادة في المعجم الأوسط للطبراني(163 ) وعن أبي الدرداء في السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 319 ) (6518 ) وعن كردوس في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(5333 ) ولكنها بكل حال تقوي حديث أبي أمامة
(10) - قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي (ج 1 / ص 90 ) الشاملة 2 - جامع السنة
(11) - إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني متروك من السابعة مات سنة أربع وثمانين وقيل إحدى وتسعين ق. تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 93 ] -241 -
(12) - فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ = بَابٌ فِي فَضْلِ الْعِيدِ =(150 )
(13) - الفقه على المذاهب الأربعة(ج 1 / ص 539 ) الشاملة 2 ، في الفقه الإسلامي وأدلته(ج 2 / ص 537 ) وانظر مراقي الفلاح:89/1 وما بعدها، تبيين الحقائق: 224/1 وما بعدها، فتح القدير: 423/1،429، الفتاوى الهندية: 140/1، الدر المختار: 776/1 وما بعدها، اللباب: 116/1 وما بعدها، الشرح الصغير: 527/1-531، مغني المحتاج: 312/1 وما بعدها، المهذب: 119/1، المغني: 369/2-374، 389،399، كشاف القناع: 56/2-58.
(14) - (ج 2 / ص 235 )
(15) - المجموع 4 / 45 ، وشرح المنهاج 2 / 127 ، وابن عابدين 1 / 460 ، ومراقي الفلاح ص 318 ، وكشف المخدرات ص 86 ، والبحر الرائق 2 / 256 ط الأولى بالمطبعة العلمية ، وحاشية الرهوني 1 / 181 طبع بولاق 1306 ، والمغني 1 / 159
(16) - مر تخريجه
(17) - ابن عابدين 1 / 462
(18) -(ج 31 / ص 115 ) وانظر: فقه العبادات - حنفي(ج 1 / ص 107 ) ومواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل(ج 5 / ص 288 ) وفقه العبادات - مالكي(ج 1 / ص 205 ) والفروع لابن مفلح(ج 2 / ص 373 ) وكشاف القناع عن متن الإقناع(ج 3 / ص 329 ) والمبدع شرح المقنع(ج 2 / ص 251 ) والفتاوى الفقهية الكبرى(ج 3 / ص 331 ) و لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني(ج 1 / ص 240 ) الشاملة 2
(19) - فتاوى يسألونك(ج 6 / ص 82 ) وغالب السلفية المعاصرين يوافقونه على هذا الزعم !!!(1/130)
المثال الثاني
تلقينُ الميت
روى الطبراني في الكبير حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ أَنَسُ بن سَلْمٍ الْخَوْلانِيُّ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ بن الْعَلاءِ الْحِمْصِيُّ،حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ،عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ،عَنْ سَعِيدِ بن عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيِّ،قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ،فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ،فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا،أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:"إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِن إِخْوَانِكُمْ،فَسَوَّيْتُمِ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ،فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ،ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ،فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلا يُجِيبُ،ثُمَّ يقول: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ،فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا،ثُمَّ يقول: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ،فَإِنَّهُ يقول: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ،وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ،فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا،وَبِالإِسْلامِ دِينًا،وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا،وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا،فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ،وَيقول: انْطَلِقْ بنا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ،فَيَكُونُ اللَّهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا"،فَقَالَ:رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ:"فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ،يَا فُلانَ بن حَوَّاءَ"..(1)
قال ابن المقن رحمه الله(2): " إِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا, وَذكره الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح», وَزَاد بعد قَوْله: «قد لقن حجَّته»: «وَيكون الله (حجَّته ) دونهمَا» . قَالَ: وَقد أرخص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي تلقين الْمَيِّت, وَأَعْجَبهُ ذَلِك, وَقَالَ: (أهل ) الشَّام يَفْعَلُونَهُ . قَالَ:أَبُو مَنْصُور: وَهُوَ من العزمات والتذكير بِاللَّه, و(السماح ) بذلك مأثور عَن السّلف, وَقَالَ:الْحَافِظ زَكى الدَّين فِي الْجُزْء الَّذِي خرجه فِي التَّلْقِين بعد أَن سَاقه: وَفِيه بعد الشَّهَادَتَيْنِ «وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا, وَأَن الله (يبْعَث ) من فِي الْقُبُور» . قَالَ:أَبُو نعيم الْحداد: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث حَمَّاد بن زيد, مَا كتبته إِلَّا من حَدِيث سعيد (الْأَزْدِيّ ) , وَقَالَ:ابْن أبي حَاتِم: سعيد (الْأَزْدِيّ ) عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَوَى عَنهُ ... سَمِعت أبي يقول: ذَلِك(3). قَالَ:الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا قَالَ: (الْأَزْدِيّ ) وَوَقع فِي روايتنا «الأودي», وَهُوَ مَعْنَى الْمَجْهُول, وَقَالَ:الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء»: سعيد (الْأَزْدِيّ ) لم أر لَهُ ذكر فِي الضُّعَفَاء وَلَا غَيرهم.
قلت: لَكِن حَدِيثه هَذَا لَهُ شَوَاهِد يعتضد بهَا - والغريب أَن الشَّيْخ زَكي الدَّين لم يذكر فِي مُصَنَّفه الْمَذْكُور مِنهَا غير حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَحده -
مِنهَا حَدِيث: « واسألوا لَهُ (التثبيت ) »(4)وَقد سلف .
وَمِنهَا: حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا دفنتموني فسنوا عَلّي التُّرَاب سنّا, ثمَّ أقِيمُوا حول قَبْرِي قدر مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحمهَا؛ حَتَّى أستأنس بكم, وَأعلم مَاذَا أراجع رسل رَبِّي» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» فِي كتاب الْإِيمَان, وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل(5).
«سنوا»: رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وبالمهملة, وَكِلَاهُمَا مُتَقَارب الْمَعْنى صَحِيح .
وَالْجَزُور - بِفَتْح الْجِيم - من الْإِبِل, والجزرة من غَيرهَا . ذكره عِيَاض, وَفِي كتاب «الْعين»: الجزرة من الضَّأْن والمعز خَاصَّة .
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن حمْرَان, عَن عَطِيَّة الرعاء, عَن الحكم بن الْحَارِث السّلمِيّ «أَنه غزا مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاث غزوات, قَالَ: قَالَ:لنا: إِذا دفنتموني ورششتم عَلَى قَبْرِي المَاء فَقومُوا عَلَى قَبْرِي, واستقبلوا الْقبْلَة, وَادعوا لي»(6).
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» قَالَ: سَأَلت (أبي عَن حَدِيث ) ثُمَامَة بن النَّضر بن أنس (قَالَ: (كَانَ أنس ) إِذا شهد جَنَازَة الْأَخ من إخوانه وقف عَلَى قَبره بعد أَن يدْفن, فَيقول: جَاف الأَرْض عَن (جَنْبَيْهِ ) » . فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس(7).
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا, من حَدِيث مُبشر بن إِسْمَاعِيل, ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج, عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ:أبي: «يَا بني, إِذا أَنا مت فألحدني, فَإِذا وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: باسم الله, وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله . ثمَّ سنّ عليّ التُّرَاب سنًّا, ثمَّ اقْرَأ عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها, فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذَلِك»(8). (وَعبد الرَّحْمَن هَذَا،الراوي عنه مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي ) , ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته»(9).
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث (إِبْرَاهِيم بن بكر بن عبد الرَّحْمَن ) , عَن إِدْرِيس الأودي, عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «حضرت ابْن عمر فِي جَنَازَة, فَلَمَّا وَضعهَا فِي اللَّحْد قَالَ: باسم الله, وَفِي سَبِيل الله, وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله, فَلَمَّا أَخذ فِي اللَّبِن عَلَى اللَّحْد قَالَ: اللَّهُمَّ أجرهَا من الشَّيْطَان, وَمن عَذَاب الْقَبْر . فَلَمَّا سُوَى اللَّبن عَلَيْهَا قَامَ إِلَى جَانب الْقَبْر, ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جنبيها, وَصعد روحها, ولقها مِنك رضواناً . فَقلت: أشيئًا سمعته من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شَيْئا قلته من رَأْيك ؟ قَالَ: إِنِّي إِذا لقادر عَلَى القَوْل, بل سَمِعت من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - »(10). وَإِدْرِيس هَذَا مَجْهُول . قَالَه أَبُو حَاتِم.. .
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» عَن رَاشد بن سعد, وضمرة بن حبيب, وَحكم بن عُمَيْر, قَالُوا: «إِذا سوي عَلَى الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ؛ كَانُوا يستحبون أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان, قل: لَا إِلَه إِلَّا الله, أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - ثَلَاث مَرَّات - قل: رَبِّي الله, وديني الْإِسْلَام, ونبيي مُحَمَّد (ثمَّ ينْصَرف ) "(11). فَهَذِهِ شَوَاهِد لحَدِيث أبي أُمَامَة الْمَذْكُور.
قَالَ:الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم, وَلكنه (يعتضد) بشواهد وبعمل أهل الشَّام بِهِ قَدِيما .
وَقَالَ:النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب»(12): "هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا فيستأنس بِهِ, وَقد اتّفق عُلَمَاء الْمُحدثين وَغَيرهم عَلَى الْمُسَامحَة فِي أَحَادِيث الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب, لَا سِيمَا وَقد اعتضد بشواهد, وَلم يزل أهل الشَّام عَلَى الْعَمَل بِهَذَا فِي زمن من يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآن ".
قلت: لَكِن قَالَ:الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله - يَعْنِي: ابْن حَنْبَل -: فَهَذَا الَّذِي تصنعونه إِذا دفن الْمَيِّت ! يقف الرجل وَيقول: يَا فلَان ابْن فُلَانَة, اذكر مَا فَارَقت عَلَيْهِ؛ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله . فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا فعل هَذَا إِلَّا أهل الشَّام حِين مَاتَ أَبُو الْمُغيرَة, (جَاءَ إِنْسَان فَقَالَ:ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْمُغيرَة ) يرْوَى مَتنه عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم, عَن أَشْيَاخهم أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ, وَكَانَ ابْن عَيَّاش يروي بِهِ . يُشِير بذلك إِلَى حَدِيث أبي أُمَامَة السالف ."(13)
قلتُ: هذا التلقين ليس فيه جديداً, لأن مفرداته ثابتة بنصوص صحيحة, والمنكر فيه عندي هو لفظة يا ابن فلانة, لأن الثابت بالنصوص الشرعية النسبة للأب لا الأم . ولهذا استحبَّ هذا التلقين كثير من السلف والخلف.
وأمَّا ما زعمه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في الضعيفة (599 ) من رده للحديث واعتباره منكراً وذلك بسبب عدم إطلاعه على بقية أسانيده وشواهده حيث قال: " وجملة القول: أن الحديث منكر عندي إن لم يكن موضوعاً . ونقل عن الصنعاني في سبل السلام: "ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة, ولا يغترَّ بكثرة من يفعله"(14).
أقولُ: هذا كلامٌ مردودٌ من الاثنين، فمن هم الذين أنكروا الحديث من السلف ؟! ومن قال من السلف بأن العمل بهذا الحديث بدعة ؟!
قلت : وقد ناقض نفسه فرد على الصنعاني في أمكنة عدة ففي السلسلة الصحيحة - (ج 1 / ص 152) " وهو حديث صحيح كما تقدم ، فلا يغتر بقول الصنعاني في " سبل السلام " ( 3 / 133 ) : " و الاستهلال روي في تفسيره حديث مرفوع ضعيف : " الاستهلال العطاس " . أخرجه البزار " .
وفي السلسلة الصحيحة (191 )" وأما الصوم في السفر ، فقد بدرت من الصنعاني في " سبل السلام " كلمة نفى فيها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر فرضا فقال ( 2 / 34 ) : ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم رباعية في سفر ، و لا صام فيه فرضا " !
ولهذا توجهت الهمة إلى ذكر بعض الأحاديث التي تدل على خطأ النفي المذكور ،وقد وهم في الحديث الصنعاني في " العدة " و هما آخر فقال ( 3 / 368 ) : " وهذا الحديث في مسلم لأبي الدرداء و في البخاري نسبة لأم الدرداء " . والصواب أن الحديث عند البخاري كما هو عند مسلم من مسند أبي الدرداء ، لكنهما أخرجاه من طريق أم الدرداء عنه .
وفي السلسلة الصحيحة(239 ) "ومن الغرائب قول الصنعاني في شرح حديث عائشة الضعيف : " والظاهر أنه مجمع على حل الطيب و غيره إلا الوطء بعد الرمي ، و إن لم يحلق "
فإن هذا وإن كان هو الصواب ، فقد خالف فيه عمر وغيره من السلف و حكى الخلاف فيه غير واحد من أهل العلم منهم ابن رشد في " البداية " ( 1 / 295 ) فأين الإجماع ؟ ! اهـ
قلت : مع أن ابن القيم رحمه الله قد ذكر في كتاب الروح أن العمل قد جرى على هذا الحديث في أمصار المسلمين فأيهما أولى بالإتباع ؟!
قال الإمام النووي رحمه:" وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهَذَا مِنهَا"(15).
وقال عقب حديث:" وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ , وَهَذَا مِن ذَاكَ"(16)
وقال أيضا:" وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الْخَطِّ ; لِأَنَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ - فَفِيهِ تَحْصِيلُ حَرِيمٍ لِلْمُصَلِّي , وَقَدْ قَدَّمْنَا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ دُونَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , وَهَذَا مِن نَحْوِ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ"(17)
وقال أيضاً:" وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّسَامُحِ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَحْوِهَا , مِمَّا لَيْسَ مِن الْأَحْكَامِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ"(18).
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية(19):" اخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ, فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّلْقِينَ لاَ بَأْسَ بِهِ, فَرَخَّصُوا فِيهِ, وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ, لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَقَدْ نُقِل عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِهِ كَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ, وَصِفَتُهُ أَنْ يقول: يَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ: اذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا, وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبِيًّا(20).
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لاَ يُلَقَّنُ, إِذِ الْمُرَادُ بِمَوْتَاكُمْ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْمَوْتِ, وَفِي الْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ شَيْئًا, وَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ لِلأَْئِمَّةِ قَوْلاً سِوَى مَا رَوَاهُ الأَْثْرَمُ, فَقَال: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَل هَذَا إِلاَّ أَهْل الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ, جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَال ذَلِكَ(21)" .
وانظر إلى ما يقول: هؤلاء المانعون:
يقول صالح الفوزان:" وإنما استحب تلقين الميت بعد دفنه جماعة من العلماء،وليس لهم دليل ثابت عن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لأن الحديث الوارد في ذلك مطعون في سنده،فعلى هذا يكون التلقين بعد الدفن لا أصل له من سنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،وإنما قال به بعض العلماء اعتمادًا على حديث غير ثابت"(22).
وسئل ابن باز- رحمه الله- عن حكم التلقين بعد الدفن ،فقال : "بدعة وليس له أصل , فلا يلقن بعد الموت وقد ورد في ذلك أحاديث موضوعة ليس لها أصل , وإنما التلقين يكون قبل الموت ".(23)
قلتُ: وأبلغ ردٍّ عليهم لابن تيمية رحمه الله:"فقد سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ تَلْقِينِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِن دَفْنِهِ هَلْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ عَنْ صَحَابَتِهِ ؟ وَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَجُوزُ فِعْلُهُ ؟ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ: هَذَا التَّلْقِينُ الْمَذْكُورِ قَدْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِهِ كَأَبِي أمامة الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ . وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَكِنَّهُ مِمَّا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ؛ وَلَمْ يَكُنْ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ:الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إنَّ هَذَا التَّلْقِينَ لَا بَأْسَ بِهِ فَرَخَّصُوا فِيهِ وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ, وَاسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِن أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ .وَاَلَّذِي فِي السُّنَن عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِن دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ »(24).
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ».(25).
فَتَلْقِينُ الْمُحْتَضِرِ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَقْبُورَ يُسْأَلُ وَيُمْتَحَنُ وَأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ فَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ التَّلْقِينَ يَنْفَعُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ, وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ, أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيقول: اَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيقول: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ, أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيقول: لاَ أَدْرِى, كُنْتُ أَقُولُ مَا يقول: النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ, فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ »(26).
وَأَنَّهُ قَالَ: « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنهُمْ »(27)وَأَنَّهُ أَمَرَنَا بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى . فَقَالَ:" مَا مِن رَجُلٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ"(28)وَاَللَّهُ أَعْلَمُ"(29).
__________
(1) - الطبراني(7979 ) وتاريخ ابن عساكر 24/73والمجمع 3/45 والدعاء للطبراني (1214 ) وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 10/368 و369 ونيل الأوطار 4/89 - 90 وهو حديث حسن لغيره - دون لفظة لأمه - فإنها منكرة ومخالفة لما ورد من دعوة الناس لآبائهم وليس لأمهاتهم .
(2) - البدر المنير (ج 5 / ص 334 )
(3) - الجرح والتعديل [ ج4 -ص 76 ]323
(4) - عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ ».اثبات عذاب القبر للبيهقي(186 ) والزهد لأحمد بن حنبل (693 ) وسنن أبى داود (3223 ) صحيح
(5) - صحيح مسلم(336 )
(6) - المعجم الكبير للطبراني(3100 ) ومجمع الزوائد (4245 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَفِيهِ عَطِيَّةُ الدَّعَّاءُ ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ .
(7) - علل الحديث(1090 )
(8) - المعجم الكبير للطبراني(15833 ) والسنن الكبرى للبيهقي(ج 4 / ص 56 ) (7319 ) ومجمع الزوائد (4243 ) وقال عقبه : "وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ ".قلت :وهو حديث قوي
(9) - الثقات لابن حبان [ ج 7 - ص 90 ] (9144 ) وفي تقريب التهذيب[ج 1 - ص 348 ] -3975 - عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج بجيمين نزيل حلب مقبول من السابعة ت
(10) - سنن ابن ماجه(1620 ) والمعجم الكبير للطبراني(12917 ) وهذا إسناد فيه حماد بن عبد الرحمن وهو متفق على تضعيفه.
(11) - بلوغ المرام من أدلة الأحكام (583 ) والتلخيص الحبير (ج 2 / ص 311 ) (796 ) وهو صحيح مقطوع
(12) - المجموع(ج 5 / ص 304 )
(13) - انظر التلخيص الحبير (ج 2 / ص 397 ) والمغني لابن قدامة (ج 4 / ص 465 ) (1590 )
(14) - سبل السلام(2/161 )
(15) - المجموع شرح المهذب (ج 2 / ص 94 )
(16) - المصدر السابق (ج 3 / ص 122 )
(17) - المصدر السابق (ج 3 / ص 248 )
(18) - المصدر السابق (ج 8 / ص 261 )
(19) ج 13 / ص 296 )
(20) - الزيلعي 1 / 234 ط الأميرية ببولاق ، والحطاب 2 / 219 ، ومغني المحتاج 1 / 330 ، وفتاوى ابن تيمية 23 / 296 .
(21) - المغني والشرح الكبير 2 / 385 ، والفتاوى الهندية 1 / 157 ، ومغني المحتاج 1 / 330 ، والزيلعي 1 / 134 ، وانظر : الفقه الإسلامي وأدلته(ج 2 / ص 677 ) و فتاوى الأزهر(ج 5 / ص 467 ) تشييع النساء للجنازة وتلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 5 / ص 497 ) ما يشترط فى تلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 6 / ص 3 ) تلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 8 / ص 303 ) تلقين الميت
(22) - المنتقى من فتاوى الفوزان (ج 41 / ص 3 ) الشاملة 2
(23) - مجموع فتاوى ابن باز - (ج 13 / ص 39 )
(24) - سنن أبى داود (3223 ) صحيح
(25) - قلت : هو في صحيح مسلم (2162 ) فقط ، ولم يخرجه البخاري وانظر طرقه ومخرجيه في المسند الجامع (ج 6 / ص 459 ) (4302 ) و(ج 17 / ص 1 ) (13212 )
(26) - صحيح البخاري (1338 ) ومسلم (7395 )
(27) - صحيح البخاري (3976 )
(28) - فوائد تمام (132 ) وأخرجه ابن عساكر (43/312 ) ومُعْجَمُ الشُّيُوخِ لِابْنِ جُمَيْعٍ الصَّيْدَاوِيِّ(326 )
وفي عون المعبود (ج 9 / ص 117 ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ " مَا مِنْ رَجُل يَمُرّ بِقَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّم عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ رُوحه حَتَّى يُرَدّ عَلَيْهِ السَّلَام " وفي شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (8989 ) قَالَ ونا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ أنا هِشَامُ بْنُ سَعْدِ نا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ " (وهو حديث صحيح ) قلت : فالحديث حسن لغيره
(29) - مجموع الفتاوى لابن تيمية (ج 24 / ص 296 ) وانظر (ص 497 ) ففيه نحوه(1/131)
وقال ابن القيم بعد إيراده الحديث المذكور :" فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كافٍ في العمل به, وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمةً طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكملُ الأمم عقولاً وأوفرُها معارفَ تطيقُ على مخاطبةِ مَنْ لا يسمعُ ولا يعقلُ وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكرٌ, بل سنَّه الأولُ للآخر ويقتدي فيه الآخرُ بالأولِ, فلولا أنَّ المخاطَبَ يسمعُ لكان ذلك بمنزلة الخطابِ للترابِ والخشب والحجر والمعدوم, وهذا وإن استحسنهُ واحدٌ فالعلماءُ قاطبةٌ على استقباحه واستهجانه . وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِن دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ »(1).
فأخبر أنه يسأل حينئذ،وإذا كان يسألُ فإنه يسمع التلقين, وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ(2):« الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ،وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ،أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ،أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى،كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ،فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ » اهـ(3).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(3223 ) وهو حديث صحيح
(2) - صحيح البخاري (1338 )
(3) - الروح لابن القيم (ج 1 / ص 5 )(1/132)
سابعاً- سببُ الأخذ بالحديث الضعيف :
إن الحديث الضعيف يضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فيقالُ: رويَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وهو مندرجٌ تحت أصلٍ عامٍّ, وله شروط معينةٌ, ولذا فإنَّ سبب أخذ العلماء به يعود لأمور ٍ منها:
? لقد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرواية عن أهل الكتاب, فقال: « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً،وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(1)،مع أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:« لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ, وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (84 ) سورة آل عمران.(2)
ومعلوم أن أهل الكتاب غيَّروا وبدَّلوا, لكن بقي من كتابهم ما لم يتغيَّر،وما ينقلونه منه فمنه مقطوعٌ بكذبه فهذا لا يصدَّقُ, ومنه ما هو مقطوع بصدقه فهذا يصدَّقُ, ومنه ما لا يعلم حاله, فهو مشكوك فيه, ومع هذا فقد أجاز روايته- ما لم يعلم أنه كذب- فإذا جاز رواية ما هذا حاله, وهو عن أهل الكتاب, فما أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,ونقلته من أهل الإيمان والإسلام فهو أولى وأولى, والله أعلم .
? إذا كان سببُ ضعف الحديث هو السقطُ في السند, فذلك للجهالة بحال الراوي المحذوف, هل هو ثقة أم لا, والفقهاء الذين أخذوا بالمنقطع نظروا إلى أنَّ هؤلاء من القرون المفضَّلة, وعامَّتهم من الثقات, ولا يروون إلا ما سمعوا،لذا فلحُسنِ الظنِّ بهم أخذوا بمروياتهم .
ثم إن تدوين السُّنَّة النبوية كان قد ابتدأ منذ العهد الأول, وكثرت الكتب المدوَّنة في القرن الأول والثاني, وأصحاب هذين القرنين الغالب عليهم العدالة والحفظ والأمانة, لأنهم من القرون المفضَّلة التي مدحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: « خَيْرُكُمْ قَرْنِى،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ »(3)..
وبقوله - صلى الله عليه وسلم - :« خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ يَجِىءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ،وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ »(4).
ثم إن الانقطاع في السند في تلك العصور كان أغلبه متعمَّداً،لأنَّ السنَّد لم يعرف قبل الإسلام, ولا في ابتدائه, إنما بدأ الصحابةُ رضي الله عنهم ثم تلاهم التابعون بالتنقير على السَّند من باب الاحتياط على السُّنَّة النبوية, حتى لا يقتحم سورها من ليس أهلاً فيفتضح،ومع هذا فقد وجدَ في التابعين من يروي إرسالاً .
? إذا كان سببُ الضعف ناتجاً عن سوء حفظ الراوي أو وهمه أو غلطه ... وهو لم يصل إلى درجة متدنية جدًّا،فلا يعني أنَّ جميع ما يرويه هو كذلك, بل الغالب على روايته الصواب, وقد يكون قد وهم فيها, فمثل هذا مما يدخل في المتابعات والشواهد, وقد نقِل عن الإمام الدارقطني رحمه الله نماذج كثيرة من هذا النمط, فلو وجد ما يعضده ارتقت روايته إلى الحسن, فإهمالها تضييعٌ لكثير من النصوصِ،التي يمكن أن تحسنَ أو تصحَّ بعد جمع طرقها وشواهدها فيما بعدُ.
? إمَّا إذا كان السببَ نتيجة فحش غلطه وكثرة الوهم في روايته, فهذا وإن كان حديثه منكراً, لكنْ لا يعني أنَّ كلَّ حديثه كذلك, وإذا كان الكاذب قد يصدقُ, فمنْ كان دون ذلك فمن باب أولى, لذا لو وجدَ له طرق كثيرة مختلفة نحو ذلك فإنه يرتقي إلى مرتبة المستور, كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله(5).
? أمَّا إذا كان السببُ لكونه كذاباً أو متهما به, فهذا مردود بالاتفاق, مع أن الكاذب لا يعني أن كلامه كله كذباً, لذا فقد يصدق الكذوب, وهذا ما قاله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة رضي الله عنه في قصة حراسته للصدقة, ومجيء الشيطان في الليل يحثو منه كما في الصحيح .(6)،فإذا كان الكذوب يصدق, فمَن كان دونه فهو أولى .
? إن الأصل في الحديث الضعيف, إذا كان سبب ضعفه الانقطاع, أو سوء حفظ الراوي أو الوهم ... ونحو ذلك هو الصواب, لكن يشكُّ في حديثه, لاحتمال الخطأ, فصار كمن شكَّ في صلاته, هل صلَّى ثلاثا أم أربعاً, فلا يتركْ حديثه, لغلبة الظنِّ على صحته .
? إن الحديث الضعيف إذا كان ضعفه محتملاً -كأن يكون لسقطٍ في السند أو جهالة ٍ أو وهم أو خطأ.. ونحو ذلك هذا يجبر إذا كان له متابعات وشواهدُ, لذا يروَى ويحسَّن بالمتابعات والشواهد،وإن كان سنده ضعيفاً, لأن وجود المتابع والشاهد يزيلُ ما كنا نخشاهُ من الخطأ, وهذا ما تجده بكثرة عند الإمام الترمذي رحمه الله, حيث يحسِّنُ الحديث الضعيف المنجبر بشواهده عندما يقول: وفي الباب(7).
? إن الحديث الحسن لغيره: هو حديث ضعيف وجدَ له متابعٌ أو شاهدٌ, بمثله أو أحسن حالاً منه, فلولم يذكر الضعيف الذي حُسِّنَ ماذا يكون ؟ أليس في ذلك إهدار للحديث ؟
? كم من حديث ضعيف في سنده, ولكنه صحيح المعنى, لذا فمثله لا يترك.
قال الحافظ ابن عبد البرِّ رحمه الله(8): ربَّ حديثٍ ضعيفِ الإسنادِ صحيح المعنى
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في تعليقه على حديث ابن عمر رضي الله عنهما(9):
« لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلاَّ سَجْدَتَيْنِ »(10).فهو وإن لم يصحَّ مسندا, فهو صحيحُ المعنى"
وقال أيضاً في تعليقه على حديث السيدة فاطمة رضي الله عنها فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ :« بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ». وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: « بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَحْ لِى أَبْوَابَ فَضْلِكَ »(11).حديث فاطمة وإن كان منقطعَ السند, فإنه متصلُ المعنى ...(12)
? إن الشروط التي وضعها علماء الحديث للعمل بالحديث الضعيف مهمةٌ جدًّا،وتزيلُ كلَّ إشكالٍ؛ ذلك: إذا كان الضعفُ محتملا ونتيجة قطع في السند أو سوء حفظ أو وهم أو غلط ... ولم يوجد في الباب ما يعارضه وهو مندرج تحت أصل معمول به في الشريعة, فيعمل به احتياطاً, فإنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر, فقد أعطيَ حقَّه من العمل,وإلا لم يترتبْ على العمل به مفسدةُ تحليل ولا تحريمٍ,لأنه إنما عمل بالأصل العام،لذا فإخراج علماء الحديث رحمهم الله للحديث الضعيف في مصنفاتهم له ما يبرره،وإنما شددوا احتياطاً على سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,حتى لا يتسلَّطَ عليها من ليس من أهلها, وإلا فلمَ أخرجَ هؤلاء الحافظ تلك الأحاديث في مصنفاتهم, سواء في كتب مفردة أو ضمن الأحاديث الصحيحة, أوليس بإمكانهم تركها, بل حتى الذين أفردوا الصحيح أخرجوها في كتبهم الأخرى, فمن غايرهم فقد خالف منهجهم والله أعلم .(13)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - البخاري (3461 ) وسنن أبى داود (3664 ) وانظر طرقه وتخريجه مفصلا في المسند الجامع (ج 11 / ص 427 ) (8665 )
(2) - صحيح البخاري (4485 )
(3) - صحيح البخاري (2651 ،3651 ، 6429 ، 6658 ) ومسلم (6638 )
(4) - صحيح البخاري (2652 ) ومسلم (6632 )
(5) - انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 119 ) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ص 109 )
(6) - انظر الحديث في صحيح البخاري (2311 و3275 و5010 )
(7) - انظر الأحاديث التالية في سنن الترمذي رقم (1، 37 ،66 ،155 ،169 ،176 ،184 ... )
(8) -التمهيد 1/58
(9) - عارضة الأحوذي 2/215-216
(10) - أخرجه الترمذي (421 ) وفيه ضعف ، ومعناه: لاَ صَلاَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلاَّ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ.
(11) - سنن ابن ماجه(820 ) ومصنف ابن أبي شيبة(ج 1 / ص 338 ) (3431 ) ومسند أحمد (27174 ) في سنده ضعف ،ومع هذا فهو صحيح لغيره
(12) - عارضة الأحوذي 2/112 -113
(13) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 99-103(1/133)
ثامناً-كيفَ يروَى الحديثُ الضعيفُ ؟
يفضِّلُ علماءُ الحديثِ لمنْ يروي حديثاً ضعيفاً بغيرِ إسنادٍ أن لا يروهِ بصيغةِ الجزمِ, فلا يقول: فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا وما أشبه ذلك, بلْ يرويهِ بصيغةٍ تدلُّ على الشكِّ في صحتهِ نحو رويَ أو جاءَ أو نقِلَ أو فيما يروَى ونحو هذا, ويكرهُ قولُ ذلك في روايةِ الحديثِ الصحيحِ, فيجبُ ذكرهُ بصيغةِ الجزمِ, ويقبحُ فيهِ صيغةَ الشكِّ والتمريضِ،كما يكرهُ في الضعيفِ صيغةُ الجزمِ .(1)
وأمَّا إذا نقَلَ حديثاً ضعيفاً أو حديثاً لا يعلمُ حالَه أصحيحٌ أم ضعيفٌ،فإنه يجبُ أنْ يذكرَهُ بصيغةِ التمريضِ،كأنْ يقول: رويَ عنه كذا أو بلغَنا كذا, وإذا تيقَّنَ ضعفَهُ وجبَ عليهِ أنْ يبينَ أنَّ الحديثَ ضعيفٌ, لئلا يغترَّ بهِ القارئُ أو السامعُ, ولا يجوزُ للناقلِ أنْ يذكرَهُ بصيغةِ الجزمِ, لأنهُ يوهمُ غيرَه أنَّ الحديثَ صحيحٌ, خصوصاً إذا كانَ الناقلُ منْ علماءِ الحديثِ الذينَ يثقُ الناسُ بنقلهِم, ويظنون أنهم لا ينسبونَ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً لم يجزموا بصحَّةِ نسبتِه إليه, وقدْ وقعَ في هذا الخطأِ كثيرٌ منَ المؤلفينَ رحمهُم اللهُ وتجاوزَ عنهُم.(2)
وكما يكَرهُ أنْ يُذكرَ الحديثُ الضعيفُ بصيغة الجزم ( نحو : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،أو فعلَ،أو أقرَّ ونحو ذلك ) ،فكذلكَ يكرهُ أن يذكرَ الحديثُ الصحيحُ بصيغةِ التمريضِ(3).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر أصول الحديث ومصطلحه ص 353-354
(2) - أفاده العلامة أحمد شاكر رحمه الله في الباعث الحثيث ص 91
(3) - انظر محاضرات في علوم الحديث د: ماهر ياسين الفحل(ج 1 / ص 14 )(1/134)
تاسعاً- الجوابُ عن روايةِ بعض كبار الأئمةِ عنِ الضعفاءِ :
قال الإمام النووي في شرح مسلم: " قَدْ يُقَال لِمَ حَدَّثَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ رَوَوْهَا لِيَعْرِفُوهَا, وَلِيُبَيِّنُوا ضَعْفَهَا؛ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فِي وَقْتٍ عَلَيْهِمْ, أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ, أَوْ يَتَشَكَّكُوا فِي صِحَّتِهَا .
الثَّانِي: أَنَّ الضَّعِيف يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِيُعْتَبَرَ بِهِ أَوْ يُسْتَشْهَدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْل الْمُتَابَعَات, وَلَا يُحْتَجّ بِهِ عَلَى اِنْفِرَاده .
الثَّالِث: أَنَّ رِوَايَات الرَّاوِي الضَّعِيف يَكُون فِيهَا الصَّحِيح وَالضَّعِيف وَالْبَاطِل؛ فَيَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يُمَيِّزُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْإِتْقَان بَعْضَ ذَلِكَ مِن بَعْضٍ, وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ مَعْرُوف عِنْدهمْ . وَبِهَذَا اِحْتَجَّ سُفْيَان الثَّوْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه حِين نَهَى عَنْ الرِّوَايَة عَنِ الْكَلْبِيّ, فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تَرْوِي عَنْهُ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ مِن كَذِبِهِ .(1)
الرَّابِع: أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْهُمْ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ, وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ, وَالْقَصَص, وَأَحَادِيث الزُّهْد, وَمَكَارِم الْأَخْلَاق, وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِر الْأَحْكَام, وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْحَدِيث يَجُوز عِنْد أَهْل الْحَدِيث وَغَيْرهمُ التَّسَاهُل فِيهِ .
وَرِوَايَة مَا سِوَى الْمَوْضُوع مِنهُ(2)وَالْعَمَل بِهِ, لِأَنَّ أُصُول ذَلِكَ صَحِيحَة مُقَرَّرَة فِي الشَّرْع مَعْرُوفَة عِنْد أَهْله . وَعَلَى كُلّ حَال فَإِنَّ الْأَئِمَّة لَا يَرْوُونَ عَنِ الضُّعَفَاء شَيْئًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى اِنْفِرَاده فِي الْأَحْكَام, فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَفْعَلُهُ إِمَامٌ مِن أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ, وَلَا مُحَقِّقٌ مِن غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ .
وَأَمَّا فِعْلُ كَثِيرِينَ مِنَ الْفُقَهَاء أَوْ أَكْثَرِهِمْ ذَلِكَ, وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَيْهِ, فَلَيْسَ بِصَوَابٍ, بَلْ قَبِيح جِدًّا, وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْرِف ضَعْفَهُ لَمْ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَحْتَجّ بِهِ . فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ بِالضَّعِيفِ فِي الْأَحْكَام, وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ ضَعْفُهُ, لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَهْجُم عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ مِن غَيْر بَحْثٍ عَلَيْهِ بِالتَّفْتِيشِ عَنْهُ إِنْ كَانَ عَارِفًا, أَوْ بِسُؤَالِ أَهْل الْعِلْم بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا . وَاَللَّه أَعْلَمُ "(3).
قلت : وهو كلام في غاية الروعة،وأما كلامه(فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ بِالضَّعِيفِ فِي الْأَحْكَام ) .
قلت : قد احتجُّوا به في صور كثيرة جدا ولا سيَّما إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه،وهو قول الأكثرين إن لم يكن قول الجميع،وقد مرَّ هذا البحثُ سابقا،إلا إذا قصد شديدَ الضعف أو في أصول الحلال والحرام،فعندئذ يسوغُ كلامُه . والله تعالى أعلم .
"وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الرَّأْيِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ ، فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ ، فَقَالَ أَبِي : يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ ، وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ ، ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ الرَّأْيِ ."(4)
"وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ، وَفِي مِصْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَحْفَظُونَ ، وَلَا يَعْرِفُونَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَلَا الْإِسْنَادَ الْقَوِيَّ ، فَلِمَنْ يَسْأَلُ ؟ لِهَؤُلَاءِ أَوْ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ ؟ فَقَالَ : يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ ، وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ ، ضَعِيفُ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ الرَّأْيِ ."(5)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي (ص 115 ) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (ج 3 / ص 40 )
(2) - والمتروك كذلك على رأي الكثيرين .
(3) - شرح النووي على مسلم(ج 1 / ص 62 ) و1/125-126 وقواعد التحديث 114-115 ، وانظر كلام الإمام أحمد في إعلام الموقعين عن رب العالمين(ج 1 / ص 97 ) و(ج 5 / ص 60 )
(4) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 97)
(5) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 5 / ص 60)(1/135)
عاشراً- مسائلُ تتعلقُ بالضعيف(1):
الأولى- إذا رأيتَ حديثًا بإسنادٍ ضعيف, فلكَ أن تقول: هو ضعيف بهذا الإسْناد, ولا تقل: ضعيف المتن ولا ضعيفٌ, ولا تطلق لمجرَّد ضعف ذلكَ الإسْنَاد فقد يكون له إسناد آخر صحيح - لا سيما إن كان معناه غير مخالف للأصول الشرعية المعتبرة- إلاَّ أن يقول إمامٌ من أئمة الجرح والتعديل: إنَّه لم يُرو من وجه صحيحٍ،أو ليس له إسْنَادٌ يثبت به, أو إنَّه حديثٌ ضعيفٌ, مُفسِّرًا ضعفَه.
ومع هذا،فقد قال عدد من أئمة الجرح والتعديل ذلك،ولم يسلِّم لهم من جاء بعدهم به.
الثانية- منْ أرادَ روايةَ حديثٍ ضعيفٍ بغير إسنادٍ فلا يقلْ"قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "،بل يقول:رويَ عنه كذا أو بلغنا عنه كذا أو بلغنا عنه كذا, أو ورد عنه أو جاء عنه أو نقل عنه" وما أشبه ذلك منْ صيغِ التمريضِ,كروَى بعضهُم وكذا يقول: فيما يشكُّ في صحتهِ وضعفهِ ..
الثالثة - لا يتصدَّى للجوابِ عن الحديثِ المشكِل إلا إذا كانَ صحيحاً،وأمَّا إذا كان ضعيفاً فلا .
قال العلامة السيد أحمد بن المبارك في"الإبريز" في خلال بحثٍ في بعض الأحاديثِ الضعيفةِ:"وإنْ كانَ الحديثُ في نفسِه مردوداً هانَ الأمرُ, وللهِ درُّ أبي الحسنِ القابسي - رحمه الله - حيثُ اعترض على الأستاذِ أبي بكر بن فوركٍ- رحمه الله - حيثُ تصدَّى للجوابِ عن أحاديثَ مشكلةٍ وهيَ باطلةٌ،قال القابسي:"لا يتكلَّفُ الجوابَ عن الحديثِ حتى يكونَ صحيحاً والباطلُ يكفي في ردِّه كونُه باطلاً" انتهى
وقال ابن حجر الهيتمي:" ..مع أن البارزي حكى عن القادسي أنهُ كان يدعو على ابن فورك من أجل أنه أدخل في كتابه أحاديثَ مشكلةٍ, وتكلَّف الجواب عنها مع ضعفها فكان في عدم ذكرها غناء عن ذكرها انتهى .
وليس هذا الدعاءُ في محلِّه بل هو من بعضِ التعصُّب, وكيفَ وابن فورك إمامُ المسلمينَ والذابُّ عن حمَى حومةِ الدِّين،وإنما تكلَّف الجوابَ عنها مع ضعفِها لأنهُ ربما تشبثَ بها بعضُ منْ لا علمَ له بصحيحِ الأحاديثِ منْ ضعيفِها, فطلبَ الجوابَ عنها بفرضِ صحتِها, إذِ الصحَّةُ والضَّعفُ عندَ أئمةِ الحديثِ ليسا منَ الأمور القطعيةِ بلِ الظنيَّةِ, والضعيفُ يمكنُ أنْ يكونَ صحيحاً،فبهذا الغرضِ يحتاجُ إلى الجوابِ عنه،فما فعلَهُ ابنُ فورك هو الصوابُ فجزاهُ الله عن المسلمينَ خيرا"(2).
قال القاسمي:" وأما اعتذار ابن حجر الهيتمي في"فتاواه الحديثية" عن ابن فورك .. فلا يخفَى ما فيهِ إذِ الكلامُ معَ مَنْ يعلمُ ومنْ لا يعلمُ،فأحقرُ مِن أنْ يتمحلَّ لهُ, والإمكانُ المذكورُ لا عبرةَ بهِ, لأننا نقفُ معَ ما صححوه أو ضعَّفوه وقوفَ الجازمِ به،ونطرحُ ذاك الفرضَ الذي لا عبرةَ له في نظرِ الأئمةِ إذ لا ثمرةَ لهمْ فافهَمْ.(3)وفي الموعظةِ الحسنةِ:" لا يستحقُّ ما لا أصلَ لهُ أنْ يشتغلَ بردِّه, بلْ يكفي أنْ يقالَ:"هذا كلامٌ ليسَ منَ الشريعةِ" وكلُّ ما هو ليسَ منها فهو ردٌّ أي مردودٌ على قائلِه مضروبٌ في وجهِه" .
نعم لو اختلِفَ في صحَّةِ حديثٍ لعلةٍ فيهِ رآها بعضُهم غيرِ قادحةٍ, فصححَهُ وخالفَهُ آخرٌ فلا بأسَ أنْ يشتغلَ بتأويلِ هذا المعلَّل المختلَّف في صحَّتهِ لاحتمالِ صحتِه فيتأوَّلُ على هذا التقديرِ" .(4)
الرابعة - قال الإمام السيوطي:" إذا قال الحافظُ المُطَّلع الناقد في حديث: لا أعرفهُ, اعْتُمد ذلك في نفيه, كما ذكر ابن حجر.
فإن قيل: يُعارض هذا ما حُكي عن أبي حازم: أنَّه روى حديثًا بحضرة الزُّهْري فأنكرهُ وقال: لا أعرفُ هذا. فقيل له: أحفظتَ حديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهُ؟ قال: لا. قال: فنصفه؟ قال: أرجُو. قال: اجعل هذا من النِّصف الَّذي لم تعرفه, هذا وهو الزُّهْري, فما ظنَّكَ بغيره.
وقريبٌ منه ما أسندهُ ابن النجَّار في «تاريخه» عن ابن أبي عَائشة قال: تكلَّم شاب يومًا عند الشَّعبي, فقال الشَّعبي: ما سمعنَا بهذا؟ فقال الشَّاب: كل العلم سمعتَ؟ قال: لا. قال: فشِطْرهُ؟ قال: لا. قال: فاجعل هذا في الشِّطر الَّذي لم تسمعهُ, فأفحم الشَّعبي.
قُلنا: أُجيب عن ذلك بأنَّه كان قبل تدوين الأخبار في الكُتب, فكان إذ ذاك عند بعض الرُّواة ما ليسَ عند الحُفَّاظ, وأمَّا بعد التدوين والرُّجُوع إلى الكُتب المُصنَّفة فيَبْعُد عدم الاطلاع من الحافظ الجَهْبذ, على ما يُوردهُ غيره, فالظَّاهر عدمه .
وقد ألَّف عُمر بن بدر المَوْصلي, وليسَ من الحُفَّاظ كتابًا في قولهم: لم يصح شيء في هذا الباب, وعليه في كثير مِمَّا ذكره انتقاد".(5)
الخامسة- قولهم: هذا الحديث ليسَ له أصلٌ, أو لا أصلَ له،قال ابن تيمية: معناهُ ليسَ لهُ إسْنادٌ.(6)
السادسة - قال الحافظ ابن حجرفي تعليقه على حديث (َ الصبحة تمنع الرزق ) قلت: ابْن أبي فَرْوَة هُوَ إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْمدنِي رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ تكلمُوا فِيهِ لَكِن لم يتهم بِالْكَذِبِ نعم لَهُ مَنَاكِير وعد ابْن عدي هَذَا الحَدِيث من مَنَاكِيره،وَكَونه مُنْكرا لَا يسْتَلْزم أَن يكون مَوْضُوعا"(7)
وقالَ الزركشيُّ(8):"بين قولِنا موضوعٌ وقولِنا لا يصحُّ بونٌ كثيرٌ،فإنَّ في الأولِ إثباتَ الكذبِ والاختلاقِ وفي الثاني إخباراً عن عدمِ الثبوتِ،ولا يلزمُ منه إثباتٌ العدمِ،وهذا يجيءُ في كلِّ حديثٍ قال فيه ابن الجوزي لا يصحُّ ونحوه.(9)
السابعة - كثيراً ما يغترُّ منْ لم يصلْ إلى درجةِ الاجتهادِ في هذا الفنِّ بتضعيفِ بعضِ الأئمةِ لحديثٍ ما فيحكمُ عليه بالضعفِ مطلقاً,كاغترارهِ بقولِ الإمامِ الذهبيِّ على المستدركِ,أو الهيثميِّ في المجمعِ عندما يضعِّفُ أحدهُما حديثاً لعلةٍ في سندهِ , إذْ ليسَ منَ الضروري أن يكونَ متنُه ضعيفاً,لأنهما يتكلمانِ عن سندٍ معيَّنٍ, وما أكثرَ الأحاديثَ الصحيحة التي جاءت بعض أسانيدِها ضعيفةً .
مثالٌ: ففي مجمع الزوائد:
(2 ) وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ:" مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ لَهُ نَجَاةٌ" . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى, وَفِي إِسْنَادِهِ: كَوْثَرٌ, وَهُوَ مَتْرُوكٌ ."ولكن لهذا المتن شواهد صحيحة تقويه .
(4 ) وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" . قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ فَقُلْتُ: قَالَ:لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" فَقَالَ:عُمَرُ: ارْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا عَلَيْهَا, فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:" مَا رَدَّكَ ؟" فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ, فَقَالَ:" صَدَقَ" . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى, وَفِي إِسْنَادِهِ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَهُوَ مَتْرُوكٌ " أقول: سويد ضعيف, والمتن صحيح له شواهد صحيحة ذكرتها في مكانها.
( 6 ) وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا رَدِيفُهُ, فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" يَا سُهَيْلُ بْنَ الْبَيْضَاءِ", وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا, كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُهُ سُهَيْلٌ, فَسَمِعَ النَّاسُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُهُمْ, فَحُبِسَ مَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَحِقَهُ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ, حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا قَالَ:رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ, وَأَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ" . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَمَدَارُهُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ, قَالَ:ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدْ رُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ مُرْسَلًا, وَابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلًا" أقول: الحديث صحيح لشواهده الكثيرة(10)
( 9 ) وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذْ حَضَرَ, قَالَ: أَدْخِلُوا عَلَيَّ النَّاسَ, فَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: " مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ", وَمَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ, وَالشَّهِيدُ عَلَى ذَلِكَ عُوَيْمِرٌ أَبُو الدَّرْدَاءِ . فَانْطَلَقُوا إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي, وَمَا كَانَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ إِلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ, إِلَّا أَنَّ أَبَا صَالِحٍ لَمْ يَسْمَعْ مِن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ" أقول: ورد من طرق أخرى صحيحة(11)
الثامنة- تقديمُ الإمام أبي حنيفةَ ( رحمه اللهُ ) الحديثَ الضَّعيفَ على القياسِ .
قال الإمام ابن حزم:"جميعُ الحنفية مجمعون على أنَّ مذهبَ أبي حنيفةَ (رحمه اللهُ ) أنَّ ضعيفَ الحديثِ أولى منَ القياسِ ولا يحلُّ القياسُ مع وجودهِ"(12).
وقال علي القاري في المرقاة:" إن مذهبهُم القويَّ تقديمُ الحديثِ الضعيفِ على القياسِ المجرَّدِ الذي يحتملُ التزييفَ"(13).
أقول: فاتهامهم بأنهم أصحابُ رأي،وأنَّ بضاعتهم في الحديث مزجاةٌ , فيه شططٌ كبيرٌ،وعصبيةٌ مقيتة .
روى الخطيب عن عَبْدَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ , يقول: " لِيَكُنِ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ , وَخُذْ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكَ الْحَدِيثَ"(14)
التاسعة -" حَكَى ابن مَنْده أنَّه سمعَ مُحمَّد بن سعد الباوردي يقول: كان من مذهب النَّسائي أن يُخرِّج عن كلِّ من لم يُجْمع على تَرْكه.
قال ابن منده: وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه, ويُخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجدْ في الباب غيره, لأنَّه أقوى عنده منْ رأىِ الرجال.
وهذا أيضًا رأي الإمام أحمد, فإنَّه قال: إنَّ ضعيفَ الحديث أحبُّ إليه من رأي الرِّجال, لأنَّه لا يُعدلُ إلى القياسِ, إلاَّ بعدَ عدمِ النصِّ.."(15)
قلتُ: والمقصودُ به الضعيفُ ضعفاً يسيراً, وليس شديدَ الضعفِ ولا الموضوعِ كما هو معلومٌ،وهذا مذهب سائر أهل العلم على التحقيق .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 81)وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 231)
(2) - الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي(ج 1 / ص 234 )
(3) - قلت : هذا الاعتراض صحيح إذا جزم عالم كبير من علماء الحديث كالحافظ ابن حجر رحمه الله على وضعه أو ضعفه الشديد .
(4) - قواعد التحديث للقاسمي(ج 1 / ص 82 )
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي(ج 1 / ص 231 ) وقواعد التحديث للقاسمي(ج 1 / ص 82 )
(6) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي(ج 1 / ص 231 )
(7) - القول المسدد (ج 1 / ص 37 ) و ذيل القول المسدد (ج 1 / ص 62 ) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ج 1 / ص 8 )
(8) - الرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ج 1 / ص 8 )
(9) - قواعد التحديث ج:1 ص:122
(10) - انظر مسند أحمد 3/135 و451 و4/402 و5/236 و318 والصحيحة (1135 ) والمطالب (2845 ) .
(11) - انظر المستدرك 3/247 و ابن سعد 6/29 والبخاري 1/44 ومسلم الإيمان 152
(12) - ملخص إبطال القياس ص 98 والإحكام 7/54
(13) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(ج 1 / ص 3 )
(14) - الفقيه والمتفقه للخطيب (1068 )
(15) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي(ج 1 / ص 112 )(1/136)
مصادرُ الحديثِ الضعيفِ :
1 ـ السُّنَنُ الأربعةُ
2 ـ سنن البيهقي
3 ـ سنن الدارقطني
4 ـ شعب الإيمان للبيهقي
5 ـ الكامل في الضعفاء لابن عدي
6 ـ الضعفاء للعقيلي
7 ـ المجروحين لابن حبان
7 ـ تاريخ ابن عساكر
9 ـ تاريخ بغداد للبغدادي
10 ـ حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني
11 ـ مجمع الزوائد للهيثمي
12 ـ المطالب العالية لابن حجر العسقلاني
13 ـ فردوس الأخبار للديلمي
14 ـ مسند الشهاب للقضاعي
15 ـ الترغيب والترهيب للمنذري
16 ـ إحياء علوم الدين للغزالي
17 ـ سلسلة الأحاديث الضغيفة للشيخ ناصر الدين الألباني ، وهو منازَعٌ في كثير منها .
مصادرُ الأحاديثِ الواهية والموضوعة
1 ـ علل الحديث للدارقطني
2 ـ العلل لابن أبي حاتم
3 ـ العلل الواهية لابن الجوزي, وهو منازعٌ في بعضها
4 ـ الميزان للإمام الذهبي
5 ـ لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني
6 ـ موضوعات ابن الجوزي , وهو منازع في بعضها
7 ـ اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للإمام السيوطي
8 ـ تنزيه الشريعة لابن عراق
9 ـ الفوائد المجموعة للشوكاني
10 ـ الأسرار المرفوعة للقاري
11 ـ الموضوعات الصغرى للقاري
12 ـ الروض الفائق في المواعظ والرقائق شعيب الحريفيش
13 ـ إحياء علوم الدين للغزالي
14 ـ تنبيه الغافلين للسمرقندي
15 ـ عرائس المجالس للثعالبي
16 ـ الدر المنثور للسيوطي
17 ـ دلائل النبوة لأبي نعيم
18 ـ دلائل النبوة للبيهقي
19 ـ الخصائص الكبرى للسيوطي
20 ـ المواهب اللدنية للزرقاني
21 ـ ضعيف الجامع الصغير وزياداته للألباني،وهو منازع في بعضها
مصادرُ الحديثِ الصَّحيح والحسن
1 ـ الصحيحان للبخاري ومسلم
2 ... -سنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة
3 ... - جامع الأصول لابن الأثير للشيخ عبد القادر الأرناؤوط
4 ... -صحيح ابن خزيمة
5 ... -صحيح ابن حيان الإحسان تحقيق شعيب الأرناؤوط
6 ... -الفتح الرباني شرح مسند الإمام احمد للساعاتي, وكذا مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط
7 ... -مستدرك الحاكم
8 ... -السنن الكبرى للبيهقي
9 ... -مجمع الزوائد للهيثمي
10 ... -المطالب العالية لابن حجر
11 ... -مصنف عبد الرزاق
12 ... -مصنف بن أبي شيبة
13 ... -فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي
14 ... -شرح السُّنَّة للبغوي
15 ... -السلسلة الصحيحة للألباني
16 ... -صحيح الجامع الصغير وزياداته له
17 ... -سنن الدارمي
18 ... -الترغيب والترهيب للمنذري
19 ... -موسوعة السُّنَّة النبوية للمؤلف ـ الشيخ علي بن نايف الشحود - مخطوطة
- - - - - - - - - - - - - -
المبْحَثُ الثَاني
المردودُ بسببِ سَقْطٍ من الإسناد
المراد بالسَّقْط من الإسناد :
المراد بالسَّقْط من الإسناد انقطاع سلسلة الإسناد بسقوط راو أو أكثر عمداً من بعض الرواة أو عن غير عمد ، من أول السند أو من آخره أو من أثنائه ، سقوطاً ظاهراً أو خفياً .
أنواع السقط :
يتنوعُ السقط من الإسناد بحسب ظهور ، وخفائه إلى نوعين هما :
ا) سَقْط ظاهر وهذا النوع من السقط يشترك في معرفته الأئمة وغيرهم من المشتغلين بعلوم الحديث ، ويعرف هذا السقط من عدم التلاقي بين الراوي وشيخه ، إما لأنه لم يُدرك عَصْره ، أو أدرك عصره لكنه لم يجتمع به ( وليست له منه إجازة ولا وِجاده )(1)، لذلك يحتاج الباحث في الأسانيد إلى معرفة تاريخ الرواة لأنه يتضمن بيان مواليدهم ووفياتهم وأوقات طلبهم وارتحالهم وغير ذلك .
وقد اصطلح علماء الحديث على تسمية السقط الظاهر بأربعة أسماء بحسب مكان السقط أو عدد الرواة الذين أُسقطوا . وهذه الأسماء هي:
المُعَلَّق.
المُرْسَل.
المُعْضَل.
المُنْقَطِع.
ب) سَقْط خَفِي: وهذا لا يدركه إلا الأئمة الحَذّاق المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد. وله تسميتان وهما :
المُدَلَّس.
المُرْسَل الخفي.
وإليك بحث هذه المسميات الستة مفصلة على التوالي:
المُعَلَّقُ(2)
1-تعريفُه:
لغةً : هو اسم مفعول من " علَّق " الشيء بالشيء أي ناطه وربطه به وجعله معلقاً . وسمي هذا السند معلقاً بسبب اتصاله بالجهة العليا فقط ، وانقطاعه من الجهة الدنيا ، فصار كالشيء المعلق بالسقف ونحوه .
اصطلاحاً : ما حُذف من مبدأ إسناده راو فأكثر على التوالي .
2- منْ صورِه :
أ) أن يحذف جميع السند ثم يقال مثلا " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كذا "
ب) ومنها أن يحذف كل الإسناد إلا الصحابي، أو إلا الصحابي والتابعي(3)
3- مثالُه:
ما أخرجه البخاري في مقدمة 12 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الْفَخِذِ .: " وَقَالَ أَبُو مُوسَى غَطَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ(4). فهذا حديث معلقٌ ، لأن البخاري حذف جميع إسناده إلا الصحابي وهو أبو موسى الأشعري .
4- حكمُه :
الحديثُ المعلَّقُ مردودٌ ، لأنه فقد شرطاً من شروط القبول وهو اتصال السند ،وذلك بحذف راو أو أكثر من إسناده مع عدم علمنا بحال ذلك المحذوف .
5- حكْمُ المعلقاتِ في الصحيحين :
هذا الحكم ـ وهو أن المعلَّق مردود ـ هو للحديث المعلَّق مطلقاً، لكن إن وجد المعلقُ في كتاب التُزِمَتْ صحته ـ كالصحيحين فهذا له حكم خاص ، قد مر بنا في بحث الصحيح(5)، ولا بأس بالتذكير به هنا وهو أنَّ :
ما ذُكر بصيغة الجَزْم: كـ " قالَ " و " ذَكَرَ " و " حكَى " فهو حُكْمٌ بصحته عن المضاف إليه .
وما ذُكِرَ بصيغةِ التمريض : كـ " قِيلَ " و" ذُكِرَ " و" حُكِيَ " فليس فيه حُكْمٌ بصحته عن المضاف إليه ، بل فيه الصحيح والحسن والضعيف ، لكن ليس فيه حديثٌ واهٍ ،لوجوده في الكتاب المسمَّى بالصحيح ، وطريق معرفة الصحيح من غيره هو البحثُ عن إسنادِ هذا الحديث والحكم عليه بما يليق به(6)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الإجازة : الإذن بالرواية ، وقد يحصل الراوي عليها من شيخ لم يلتق به ، كأن يقول الشيخ أحياناً أجزت رواية مسموعاتي لأهل زماني ، والوجادة بكسر الواو : أن يجد الراوي كتاباً لشيخ من الشيوخ يعرف خطه ، فيروي ما في ذلك الكتاب عن الشيخ ، وسيأتي تفصيل بحث الإجازة والوجادة في باب طرق التحمل وصيغ الأداء .
(2) - المختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 84) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 18)
(3) - شرح النخبة ص 42
(4) -البخاري ـ كتاب الصلاة ـ جـ1 ـ ص90
قال الشوكاني في نيل الأوطار - (ج 2 / ص 473): "وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْأَوَّلُ : مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ .
الثَّانِي : أَنَّهَا لَا تَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الصَّحِيحَةِ الْعَامَّةِ لِجَمْعِ الرِّجَالِ .
الثَّالِثُ : التَّرَدُّدُ الْوَاقِعُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا " مَا بَيْنَ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ " وَالسَّاقُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ إجْمَاعًا .
الرَّابِعُ : غَايَةُ مَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، فَالْوَاجِبُ التَّمَسُّكُ بِتِلْكَ الْأَقْوَالِ النَّاصَّةِ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ."
(5) - في الفقرة / 11 / وهي " ما هو المحكوم بصحته مما رواه الشيخان ؟"
(6) - قد بحث العلماء في المعلقات التي في صحيح البخاري ، وذكروا أسانيدها المتصلة ، وأحسن من جمع ذلك هو الحافظ ابن حجر في كتاب سماه " تغليق التعليق " .(1/137)
المُرْسَلُ(1)
1-تعريفُه:
أ) لغة: هو اسم مفعولٍ من " أرسلَ " بمعنى " أطلق " فكأن المُرسِل أَطْلَقَ الإسناد ولم يقيده براوٍ معروف.
ب) اصطلاحاً : هو ما سقطَ من آخر إسناده مَنْ بَعْدَ التابعي(2)
2- صورتُه :
وصورتُه أن يقول التابعيُّ ـ سواء كان صغيراً أو كبيراً ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو فعل كذا أو فُعِلَ بحضرته كذا وهذه صورة المرسل عند المحدِّثين.
قال السيوطي(3):
" [اتَّفقَ عُلماء الطَّوائف على أنَّ قول التَّابعي الكبير] كعُبيد الله بن عَدي بن الخِيَار, وقَيْس بن أبي حازم, وسعيد بن المُسيب [قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَا, أو فعله, يُسمَّى مُرسلاً, فإن انقطعَ قبل التَّابعي] هكذا عبَّر ابن الصَّلاح(4)تبعًا للحاكم(5), والصَّوابُ قبلَ الصَّحابي [واحد أو أكثر, قال الحاكم وغيره من المُحدِّثين: لا يُسمَّى مُرسلاً, بل يَخْتصُّ المُرسلُ بالتَّابعي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فإن سقط قبله] تقدَّم ما فيه [ واحد فهو منقطع, وإن كان] السَّاقط [أكثرَ] من واحدٍ [فمُعضلٌ ومُنقطعٌ] أيضًا."
3- مثالُه:
ما أخرجه مالك في الموطأ(6)عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ."
فسعيد بن المسيب تابعيٌّ كبيرٌ، روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون أن يذكر الواسطة بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم، فقد أسقطَ من إسناد هذا الحديث آخِرَهُ وهو من بعد التابعي ، وأقلُّ هذا السقط أن يكون قد سقط الصحابي ويحتمل أن يكون قد سقط معه غيره كتابعيٍّ مثلاً .
4- المُرْسَلُ عند الفقهاءِ والأصوليين(7):
" [والمشهور في الفِقْهِ والأصُول, أنَّ الكل مُرْسلٌ, وبه قطعَ الخطيب(8)] وقال: إلاَّ أنَّ أكثر ما يُوصفُ بالإرْسَال, من حيث الاسْتعمال, ما رَواهُ التَّابعيُّ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال المُصَنِّف(9): [وهذا اختلافٌ في الاصْطلاح, والعِبَارة] لا في المَعْنى, لأنَّ الكُلَّ لا يُحتجُّ به عند هؤلاء ولا هؤلاء, والمُحدِّثون خَصُّوا اسم المُرسل بالأوَّل دونَ غيره, والفُقهاء والأصُوليون عمَّمُوا.(10)
[وأمَّا قول الزُّهْري وغيره من صِغَار التَّابعين: قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فالمَشْهُور عند من خصَّه بالتَّابعي أنَّه مُرسلٌ كالكبير, وقيل: ليسَ بمُرسلٍ, بل مُنقطعٌ](11)لأنَّ أكثر رواياتهم عن التابعينَ.(12)
ويُردُ على تخصيص المُرْسل بالتَّابعي, مَنْ سمعَ من النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كافرٌ ثمَّ أسلم بعد موتهِ, فهو تابعيٌّ اتِّفاقًا, وحديثهُ ليسَ بِمُرسل, بل موصُولٌ لا خِلاف في الاحْتجَاجِ به, كالتَّنوخي رَسُول هرقل - وفي رِوَاية قيصر - فقد أخرجَ حديثهُ الإمام أحمد وأبو يَعْلى في مُسنديهما, وسَاقاه مَسَاق الأحاديث المُسْندة.
وهذه روايته في مسند أحمد (16060) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى رَاشِدٍ قَالَ َقِيتُ التَّنُوخِىَّ رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِمْصَ - وَكَانَ جَاراً لِى شَيْخاً كَبِيراً قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ أَوْ قَرُبَ - فَقُلْتُ َلاَ تُخْبِرُنِى عَنْ رِسَالَةِ هِرَقْلَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى هِرَقْلَ. فَقَالِ َلَى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَبُوكَ فَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِىَّ إِلَى هِرَقْلَ فَلَمَّا أَنْ جَاءَهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا قِسِّيسِى الرُّومِ وَبَطَارِقَتَهَا ثُمَّ أَغْلَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ بَاباً فَقَالَ قَدْ نَزَلَ هَذَا الرَّجُلُ حَيْثُ رَأَيْتُمْ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَىَّ يَدْعُونِى إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ يَدْعُونِى إِلَى أَنْ أَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ أَوْ عَلَى أَنْ نُعْطِيَه مَالَنَا عَلَى أَرْضِنَا وَالأَرْضُ أَرْضُنَا أَوْ نُلْقِىَ إِلَيْهِ الْحَرْبَ وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ فِيمَا تَقْرَءُونَ مِنَ الْكُتُبِ لَيَأْخُذَنَّ مَا تَحْتَ قَدَمَىَّ فَهَلُمَّ نَتَّبِعْهُ عَلَى دِينِهِ أَوْ نُعْطِيهِ مَالَنَا عَلَى أَرْضِنَا. فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ بَرَانِسِهِمْ وَقَالُوا تَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ نَكُونَ عَبِيداً لأَعْرَابِىٍّ جَاءَ مِنَ الْحِجَازِ. فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ إِنْ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ أَفْسَدُوا عَلَيْهِ الرُّومَ رَفَأَهُمْ وَلَمْ يَكَدْ وَقَالَ إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لَكُمْ لأَعْلَمَ صلاَبَتَكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ ثُمَّ دَعَا رَجُلاً مِنْ عَرَبِ تُجِيبَ كَانَ عَلَى نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ ادْعُ لِى رَجُلاً حَافِظاً لِلْحَدِيثِ عَرَبِىَّ اللِّسَانِ أَبْعَثْهُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ بِجَوَابِ كِتَابِهِ فَجَاءَ بِى فَدَفَعَ إِلَىَّ هِرَقْلُ كِتَاباً فَقَالَ اذْهَبْ بِكِتَابِى إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَمَا ضَيَّعْتُ مِنْ حَدِيثِهِ فَاحْفَظْ لِى مِنْهُ ثَلاَثَ خِصَالٍ انْظُرْ هَلْ يَذْكُرُ صَحِيفَتَهُ الَّتِى كَتَبَ إِلَىَّ بِشَىْءٍ وَانْظُرْ إِذَا قَرَأَ كِتَابِى فَهَلْ يَذْكُرُ اللَّيْلَ وَانْظُرْ فِى ظَهْرِهِ هَلْ بِهِ شَىْءٌ يَرِيبُكَ. فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِهِ حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبِياً عَلَى الْمَاءِ فَقُلْتُ أَيْنَ صَاحِبُكُمْ قِيلَ هَا هُوَ ذَا.
فَأَقْبَلْتُ أَمْشِى حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ كِتَابِى فَوَضَعَهُ فِى حَجْرِهِ ثُمَّ قَالَ « مِمَّنْ أَنْتَ ». فَقُلْتُ أَنَا أَحَدُ تَنُوخَ. قَالَ « هَلْ لَكَ فِى الإِسْلاَمِ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ ». قُلْتُ ِنِّى رَسُولُ قَوْمٍ وَعَلَى دِينِ قَوْمٍ لاَ أَرْجِعُ عَنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَضَحِكَ وَقَالَ « ( إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) يَا أَخَا تَنُوخَ إِنِّى كَتَبْتُ بِكِتَابٍ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَهُ وَاللَّهُ مُمَزِّقُهُ وَمُمَزِّقٌ مُلْكَهُ وَكَتَبْتُ إِلَى النَّجَاشِىِّ بِصَحِيفَةٍ فَخَرَقَهَا وَاللَّهُ مُخْرِقُهُ وَمُخْرِقٌ مُلْكَهُ وَكَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِكَ بِصَحِيفَةٍ فَأَمْسَكَهَا فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْساً مَا دَامَ فِى الْعَيْشِ خَيْرٌ ». قُلْتُ هَذِهِ إِحْدَى الثَّلاَثَةِ الَّتِى أَوْصَانِى بِهَا صَاحِبِى وَأَخَذْتُ سَهْماً مِنْ جَعْبَتِى فَكَتَبْتُها فِى جِلْدِ سَيْفِى ثُمَّ إِنَّهُ نَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلاً عَنْ يَسَارِهِ قُلْتُ مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمُ الَّذِى يُقْرَأُ لَكُمْ قَالُوا مُعَاوِيَةُ. فَإِذَا فِى كِتَابِ صَاحِبِى تَدْعُونِى إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فَأَيْنَ النَّارُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ ». قَالَ فَأَخَذْتُ سَهْماً مِنْ جَعْبَتِى فَكَتَبْتُهُ فِى جِلْدِ سَيْفِى. فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِى قَالَ « إنَّ لَكَ حَقًّا وَإِنَّكَ رَسُولٌ فَلَوْ وُجِدَتْ عِنْدَنَا جَائِزَةٌ جَوَّزْنَاكَ بِهَا إِنَّا سَفْرٌ مُرْمِلُونَ ». قَالَ فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ طَائِفَةِ النَّاسِ قَالَ َنَا أُجَوِّزُهُ. فَفَتَحَ رَحْلَهُ فَإِذَا هُوَ يَأْتِى بِحُلَّةٍ صَفُورِيَّةٍ فَوَضَعَهَا فِى حَجْرِى قُلْتُ َنْ صَاحِبُ الجَائِزَةِ قِيلَ لِى عُثْمَانُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيُّكُمْ يُنْزِلُ هَذَا الرَّجُلَ ». فَقَالَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ أَنَا. فَقَامَ الأَنْصَارِىُّ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا خَرَجْتُ مِنْ طَائِفَةِ الْمَجْلِسِ نَادَانِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « تَعَالَ يَا أَخَا تَنُوخَ ». فَأَقْبَلْتُ أَهْوِى إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ قَائِماً فِى مِجْلِسِى الَّذِى كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَقَالَ « هَا هُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ لَهُ ». فَجُلْتُ فِى ظَهْرِهِ فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِى مَوْضِعِ غُضُونِ الْكَتِفِ مِثْلِ الحَجْمَةِ الضَّخْمَةِ.(13)
ومن رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - غير مُميِّز, كمُحمَّد بن أبي بكر الصِّديق(14), فإنَّه صحابيٌّ, وحُكم رِوَايته حُكم المُرسل لا الموصُول, ولا يجيء فيه ما قيل في مَرَاسيلُ الصَّحابة, لأنَّ أكثر رِوَاية هذا وشبههِ عن التَّابعي بخلاف الصَّحابي الَّذي أدركَ وسمعَ, فإنَّ احتمال رِوَايته عن التَّابعيِّ بعيدٌ جدًّا.
وقال العِرَاقيُّ(15): قال ابن القطَّان: إنَّ الإرْسَال رِوَاية الرَّجُل عمَّن لم يسمع منه, قال: فعلَى هذا هو قولٌ رابع في حدِّ المُرْسل.
[وإذا قال] الرَّاوي في الإسْنَاد [فُلان عن رجل] أو شيخ [عن فُلان, فقال الحاكم(16)] هو [منقطع ليس مرسلاً, وقال غيره] حكاهُ ابن الصَّلاح(17)عن بعض كتب الأصول [مرسل].
قال العِرَاقيُّ(18): وكلٌّ من القولين خلاف ما عليه الأكْثرون, فإنَّهم ذهبُوا إلى أنَّه مُتَّصلٌ في سَندهِ مجهولٌ, حكاهُ الرَّشيد العَطَّار واختاره العَلائي .
قال: وما حكاهُ ابن الصَّلاح عن بعض كُتب الأصُول, أرادَ به البُرْهان لإمام الحرمين, فإنَّه ذكرَ ذلك فيه, وزادَ كتب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الَّتي لم يُسَمَّ حاملها, وزاد في «المَحْصُول» من سُمِّي باسْمٍ لا يُعرف به.
قال: وعلى ذلك مَشَى أبو داود في كتاب «المَرَاسيل» فإنَّه يروي فيه ما أُبهم فيه الرَّجل.
قال: بل زاد البيهقيُّ على هذا في «سُننه» فجعل ما رواه التَّابعي عن رجل من الصحابة لم يُسمَّ مُرسلاً, وليس بجيِّد, اللهمَّ إلاَّ إن كانَ يُسميه مُرسلا, ويجعله حجَّة كمراسيل الصَّحابة, فهو قريبٌ.
وقد روى البُخَاري عن الحُميدي قال: إذا صحَّ الإسْنَاد عن الثِّقات إلى رجل من الصَّحابة فهو حُجَّة, كمراسيل الصَّحابةِ وإن لم يُسم ذلك الرَّجل.(19)
وقال الأثْرم: قلتُ لأحمد بن حنبل: إذا قال رجلٌ من التَّابعين: حدَّثني رجل من الصَّحابة ولم يُسمِّه, فالحديث صحيح؟ قال: نعم(20).
قال: وفرَّق الصَّيرفي من الشَّافعية بين أن يرويه التَّابعي عن الصَّحابي مُعنعنًا, أو مُصرَّحاً بالسَّماع.
قال: وهو حسنٌ متَّجهٌ, وكلام من أطلقَ قبوله مَحْمولٌ على هذا التفصيلِ. انتهى.
قلت : وهذا هو الراجح ، والمسالة لها طرفان ؛ فإنَّ قول الراوي عن رجلٍ ولم يسمه لا يخلو : إما أنه سمع منه أو لم يسمع منه ، فإن سمع منه فالعلة الجهالة ، ولا يعرف سماعه منه إلا بالتصريح ، كأن يقول : حدثني رجلٌ ، لأن الحكم بسماع راوٍ من شيخ معين فرعٌ من معرفتنا بهذا الراوي وذلك الشيخ ، وعدم معرفتنا بأحدهما يمنع الحكم بالسماع ، لكن لما صرح بالسماع وهو ثقة قبلنا منه ذلك .
وإن لم يكن سمع منه ، فالعلة الجهالة والانقطاع .
وإذا لم يصرح المبهم بالسماع ممن فوقه ، فقد يحكم أيضاً بالانقطاع بينهما ، حتى ولو صرح ذلك المبهم بالسماع ، لأن المبهَم قد يكون ضعيفاً ، والضعيف قد يخطئ فيصرح ممن لم يسمع منه كما هو معلوم .
على أن الإبهام هو في الحكم كالانقطاع ، وأي فرق بين أن يقول الراوي : قال فلان كذا ، وهو لم يسمع منه ، وبين أن يقول : حدثني شيخ عن فلان بكذا ، فكلا الروايتين في الحكم سواء ،هذه منقطعة جزماً ، وتلك منقطعة جزماً ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة ، لأن إبهام الراوي حكمه كما لو لم يذكر أصلاً .
ولعله لذلك ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الرواية المبهمة هي من قبيل المرسل أو المنقطع .(21)
5- حكمُه :
المرسَلُ في الأصلِ ضعيفٌ مردودٌ، لفقده شرطاً من شروط المقبول وهو اتصال السند، وللجهلِ بحال الراوي المحذوف ،لاحتمال أن يكون المحذوفُ غيرَ صحابي، وفي هذه الحال يحتمل أن يكون ضعيفاً.
لكن العلماءَ من المحدِّثين وغيرهم اختلفوا في حكم المرسل والاحتجاج به، لأن هذا النوع من الانقطاع يختلفُ عن أي انقطاع آخر في السند، لأن الساقط منه غالباً ما يكونُ صحابياً، والصحابةُ كلُّهم عدولٌ، لا تضرُّ عدمُ معرفتِهم.
قال الزركشيُّ(22):
"الْمَذَاهِبُ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُرْسَلِ ] وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي الْمُرْسَلِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا :
أَحَدُهَا : عَدَمُ قَبُولِ رِوَايَةِ مُرْسَلِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُطْلَقًا ، وَقَبُولُ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " : وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ : قَالَ النَّبِيُّ كَذَا قُبِلَ ، إلَّا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ .(23)
وَالثَّانِي : قَبُولُهُ مِنَ الْعَدْلِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَالثَّالِثُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابِيِّ فَقَطْ حَكَاهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي " شَرْحِ الْعُدَّةِ " ، وَقَالَ : إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ .
قَالَ : وَأَمَّا مَرَاسِيلُ التَّابِعِينَ ، فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُ .
وَالرَّابِعُ : لَا تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا ، وَحُكِيَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ ، وَأَغْرَبَ ابْنُ بَرْهَانٍ فَقَالَ فِي " كِتَابِ الْأَوْسَطِ " : إنَّهُ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " : إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " تَصْرِيحًا عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ .
وَالْخَامِسُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ هُوَ أَئِمَّةُ النَّقْلِ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَالسَّادِسُ : لَا تُقْبَلُ إلَّا إنْ اُعْتُضِدَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ بِأَنْ يُرْسِلَهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ ، أَوْ يُسْنِدَهُ عَمَّنْ يُرْسِلُهُ ، أَوْ يُرْسِلَهُ رَاوٍ آخَرُ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْأَوَّلِ ، أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ فِعْلُهُ ، أَوْ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ الْقِيَاسُ ، أَوْ عُرِفَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ ، فَهُوَ حُجَّةٌ ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، وَوَافَقَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ .
السَّابِعُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ كِبَارِ التَّابِعِينَ دُونَ مَنْ صَغُرَ عَنْهُمْ .
وَالثَّامِنُ : أَنَّ الصَّحَابِيَّ وَالتَّابِعِيَّ إذَا عُرِفَ بِصَرِيحِ خَبَرِهِ ، أَوْ عَادَتُهُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ قُبِلَ مُرْسَلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَبُولِ رَدِّ الْمُرْسَلِ .
وَالتَّاسِعُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِ شُيُوخِهِ وَالتَّحَرِّي فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ .
وَالْعَاشِرُ : يُقْبَلُ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَالْحَادِيَ عَشَرَ : مِنَ الْقَائِلِينَ بِقَبُولِهِ يُقَدَّمُ مَا أَرْسَلَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي دَرَجَتِهِمْ .حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ .
وَالثَّانِيَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَرَاسِيلَ الثِّقَاتِ أَوْلَى مِنْ الْمُسْنَدَاتِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مُرْسَلُ الْإِمَامِ أَوْلَى مِنْ مُسْنَدِهِ .
وَالثَّالِثَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَيْسَ الْمُرْسَلُ أَوْلَى مِنْ الْمُسْنَدِ ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْحُجَّةِ وَالِاسْتِعْمَالِ .
وَالرَّابِعَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لِلْمُسْنَدِ مَزِيَّةُ فَضْلٍ لِوَضْعِ الِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ ، فَيَقْبَلُ مَرَاسِيلَ بَعْضِ التَّابِعِينَ دُونَ بَعْضٍ .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مَرَاسِيلُ سَعِيدٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ .
السَّادِسَ عَشَرَ : مِنَ الْمُنْكَرِينَ لِلْمُرْسَلِ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ عَنْ الصَّحَابَةِ .
السَّابِعَ عَشَرَ : كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَخْتَارُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُرْسَلَاتِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
الثَّامِنَ عَشَرَ : لَا يُقْبَلُ الْمُرْسَلُ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ أَنْ يُعَضِّدَهُ إجْمَاعٌ فَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْنَدِ .قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ " الْإِحْكَامِ " .
هَذَا حَاصِلُ مَا قِيلَ ، وَفِي بَعْضِهَا تَدَاخُلٌ .
__________
(1) - كشف الأسرار - (ج 5 / ص 168) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 254) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 348) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 391) ومذكرة أصول الفقه - (ج 1 / ص 43) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 13) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 176) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 137)
(2) - نزهة النظر ص 43 . والتابعي هو من لقي الصحابي مسلماً ومات على الإسلام.
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 136)
(4) - في علوم الحديث ص 71
(5) - في معرفة علوم الحديث ص 28
(6) - برقم (1318 )
(7) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 136)
(8) - الكفاية ص 58
(9) - يعني النووي
(10) - بل استعمال المحدثين يدلُّ على العموم أيضاً ، وهذا واضحٌ في كتب العلل والرجال ، فإنهم كثيراً ما يقولون فلان عن فلان مرسل ، ويكون الساقطُ تابعيًّا أو دونه ، وكتاب المراسيل لابن أبي حاتم أصل في هذا ، فقد سماه المراسيل ، مع أن موضوعه عامٌّ فيما لم يتصل على أي وجه كان ، والله أعلم .
(11) - التمهيد لابن عبد البر 1/20-21
(12) - قال الذهبي في الموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 6): "نعم وإن صَحَّ الإسنادُ إلى تابعيٍّ متوسِطِ الطبقة ، كمراسيل مجاهد ،وإبراهيم ، والشعبي فهو مرسَل جيّد ، لا بأسَ به ، يقَبلُه قومٌ ويَرُدُّه آخَرون .
ومن أوهى المراسيل عندهم : مراسيلُ الحَسَن .
وأوهى من ذلك : مراسيلُ الزهري ، و قتادة ، وحُمَيد الطويل ،من صغار التابعين .
وغالبُ المحقَّقين يَعُدُّون مراسيلَ هؤلاء مُعْضَلاتٍ ومنقطِعات ، فإنَّ غالبَ رواياتِ هؤلاء عن تابعيٍّ كبير ، عن صحابي ، فالظنُّ بممُرْسِلِه أنه أَسقَطَ من إسنادِه اثنين ".
قلت : وفي بعض كلامه نظر
(13) - وفي البداية والنهاية لابن كثير (ج/ص: 5/21) قال : هذا حديث غريب وإسناده لا بأس به تفرَّد به الإمام أحمد.
قلت : فالحديث حسن ورجاله ثقات ، وفيه سعيد بن أبي راشد قال الذهبي في الكاشف (1881 ) صدوق
حبوة : ملتقى طرفى ثوبه عند صدره ، المحتبى : الاحتباء أن يضم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها الحجمة : الآلة التى يجمع فيها دم الحجامة عند المص رفأ : سكن المرمل : الذى نفد زاده الصفورية : نسبة إلى صفورية وهى بلدة من نواحى الأردن بالشام الغضون : جمع الغضن وهو كل تثن فى ثوب أو جلد الفند : الفند الكذب ويقال للشيخ إذا هرم أفند لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام نخر : النخير صوت الأنف أهوى : أتناول باليد
(14) - محمد بن أبي بكر الصديق أبو القاسم له رؤية وقتل سنة ثمان وثلاثين وكان علي يثني عليه س ق .تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 470 ](5764 )
(15) - في التبصرة 1/146 وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 112) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 10)
(16) - في المعرفة ص 28
(17) - علوم الحديث ص 73
(18) - التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 16)
(19) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 144) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 151) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 16)
(20) - التمهيد لابن عبد البر 4/94
(21) - راجع المعرفة للحاكم ص 27 و28 والعلل لابن المديني ص 101 والتاريخ الكبير للبخاري 1/1/260/829 والناسخ والمنسوخ للأثرم ص 135 وسير أعلام النبلاء للذهبي 5/339 والإصابة 4/421-422
(22) - البحر المحيط في أصول الفقه - (ج 3 / ص 463) وانظر :الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 9 / ص 387) وأبحاث هيئة كبار العلماء - (ج 1 / ص 503) ومجلة مجمع الفقه الإسلامي - (ج 2 / ص 17025) والمستصفى - (ج 1 / ص 340)
(23) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 145) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 547) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 11)(1/138)
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرْسِلَ إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَا يُقْبَلُ إرْسَالُهُ ، فَإِنْ كَانَ ثِقَةً ، وَعُرِفَ أَنَّهُ يَأْخُذُ عَنْ الضُّعَفَاءِ ، فَلَا يُحْتَجُّ بِمَا أَرْسَلَهُ سَوَاءٌ التَّابِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ، حَتَّى يُصَرِّحَ بِالتَّحْدِيثِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَمُرْسَلُهُ وَتَدْلِيسُهُ ، هَلْ يُقْبَلُ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ - وَهُوَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - تَخْصِيصُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ مِنْهُمْ : الْمُرْسَلُ عِنْدَنَا إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ .(1)
وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ عَلِمْنَا مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَا يَوْثُقُ بِرِوَايَتِهِ ، لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَنْهُ ، فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَنَا(2)، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِيمَنْ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ الثِّقَاتِ ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : لِيُعْلَمَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُرْسِلُ ثِقَةً مُتَحَرِّزًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ عَنْ غَيْرِ الْعُدُولِ قَالَ : وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّ ، وَالْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْقَوْلُ بِالْمُرْسَلِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُمَا قَبِلَا التَّعْدِيلَ بِالْمُطْلَقِ ، وَالْمُرْسِلُ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ قُبِلَ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ .ا هـ .
وَعَلَى هَذَا فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَبِهِ صَرَّحَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ فَقَالَ : إذَا تَبَيَّنَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ عَلَى تَعْدِيلِهِ صَارَ حُجَّةً ، وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
ثُمَّ قَالَ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ ، فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُوجِبُ التَّقْلِيدَ ، وَلَا يُنْكِرُ اخْتِلَافَ الْمَذَاهِبِ فِي التَّعْدِيلِ ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ قَبُولُهُ .
وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ : مَذْهَبُهُ وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ، وَمَذْهَبُهُ فِي التَّعْدِيلِ مَذْهَبُهُمْ .اهـ
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : لَا خِلَافَ أَنَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ ، فَأَمَّا مَرَاسِيلُ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَحُجَّةٌ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِشُرُوطٍ .
ثُمَّ قَالَ : فَأَمَّا مَرَاسِيلُ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ، فَكَانَ الْكَرْخِيّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَرَاسِيلِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ : مَنْ اُشْتُهِرَ فِي النَّاسِ بِحَمْلِ الْعِلْمِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُرْسِلًا وَمُسْنِدًا ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَأَمْثَالَهُ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ يَحْمِلُ النَّاسُ الْعِلْمَ عَنْهُ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ ، فَإِنَّ مُسْنَدَهُ يَكُونُ حُجَّةً ، وَمُرْسَلُهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى مَنْ اُشْتُهِرَ بِحَمْلِ الْعِلْمِ عَنْهُ .
ثُمَّ قَالَ : وَأَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ فِي هَذَا مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ : أَنَّ مُرْسَلَ مَنْ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ( لَيْسَ ) حُجَّةً ، إلَّا مَنِ اُشْتُهِرَ ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " : ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَبُولُ الْمَرَاسِيلِ مُطْلَقًا إذَا كَانَ الْمُرْسِلُ عَدْلًا يَقِظًا ، وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ ، فَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ ، وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْمَنْعِ ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ تَقْتَضِي مَنْعَ الْقَوْلِ بِهِ ،لَكِنَّ مَذْهَبَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ ."
ومجمل أقوال العلماء في المرسلِ ثلاثةُ أقوالٍ هي:
ضعيف مردود : عند جمهور المحدثين وكثير من أصحاب الأصول والفقهاء , وحجة هؤلاء هو الجهل بحال الراوي المحذوف لاحتمال أن يكون غير صحابي .
صحيحٌ يُحْتَجَّ به : عند الأئمة الثلاثة ـ أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه ـ وطائفة من العلماء بشرط أن يكون المرسل ثقة ولا يرسل إلا عن ثقة .
وحجتهم أن التابعي الثقة لا يستحلُّ أن يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إذا سمعه من ثقة .
قبولُه بشروط : أي يَصِحَُ بشروط، وهذا عند الشافعي وبعض أهل العلم.
وهذه الشروط أربعة، ثلاثة في الراوي المرسِل، وواحد في الحديث المرسَل، وإليك هذه الشروط:
أن يكون المرسلُ من كبار التابعين .
وإذا سَمَّى من أرسل عنه سَمَّى ثقة.
وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه .
وأن ينضمَّ إلى هذه الشروط الثلاثةِ واحدٌ مما يأتي:
أن يُرْوَى الحديثُ من وجه آخر مُسْنَداً .
أو يُرْوى من وجهٍ آخر مرسَلاً أرسلَه من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول.
أو يُوافِقَ قول صحابي .
أو يُفْتِى بمقتضاه أكثرُ أهل العلم .(3)
فإذا تحققت هذه الشروط تبين صحةُ مَخْرَج المرسَل وما عَضَدَهُ، وأنهما صحيحان، لو عارضهما صحيح من طريق واحد رجحناهما عليه بتعدد الطرق إذا تعذر الجمع بينهما.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقرير والتحبير - (ج 4 / ص 246) وتيسير التحرير - (ج 3 / ص 146) وفواتح الرحموت - (ج 2 / ص 172) والمسودة - الرقمية - (ج 1 / ص 251) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 19) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 406) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 550) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 101) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 10)
(2) - وهذا صحيح فإذا كان معروفاً بالتساهل فلا يقبل بالإتفاق لأنه قد يرسل عن ثقة وعن غير ثقة .
(3) - انظر الرسالة للشافعي ص 461(1/139)
[ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ ](1)
" وَأَمَّا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّ النَّقْلَ قَدْ اضْطَرَبَ عَنْهُ ، فَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِالْمَرَاسِيلِ إلَّا عِنْدَ شَرِيطَةِ أَنْ يُسْنِدَهُ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ ، أَوْ يَعْمَلَ بِهِ صَاحِبُهُ ، أَوْ الْعَامَّةُ ، أَوْ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ ، وَلِهَذَا اسْتَحْسَنَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ .
وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا ، وَلَكِنْ يَتَطَلَّبُ فِيهِ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ ، لِيَحْصُلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي الثِّقَةِ ، وَاسْتُنْبِطَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي قَبُولِ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَاسْتِحْسَانِهِ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَرَأَى أَنَّ الرَّاوِيَ الْمَوْثُوقَ بِهِ ، الْعَالِمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إذَا قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ وَأَرْضَاهُ ، يُوجِبُ الثِّقَةَ بِحَدِيثِهِ ، وَإِنْ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، تَوَقَّفَ عَنْهُ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّاوِي : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَهَذَا بَالِغٌ فِي ثِقَةِ مَنْ رَوَى لَهُ .
قَالَ : وَقَدْ عَثَرْت فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الْمُرْسَلَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى الْإِجْمَالِ ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ ، فَكَانَ إضْرَابُهُ عَنْ الْمُرْسَلِ فِي حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمَسَانِيدِ عَلَيْهَا .ا هـ .(2)
وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنِ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ ، وَهُوَ شَيْءٌ ضَعِيفٌ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا .
وَقَدْ تَنَاهَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ : هَذَا عِنْدِي خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ عَلَى أَصْلِهِ لَا يَكُونُ الْمُرْسَلُ حُجَّةً مَعَهُ بِحَالٍ .
قَالَ : وَأَنَا لَا أَعْجَبُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ يَنْصُرُ الْقَوْلَ بِالْمُرْسَلِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ ، وَمِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَبُولُ الْمَرَاسِيلِ .ا هـ .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ " : الْمُرْسَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِخَبَرِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ(3)، فَقِيلَ : لِأَنَّهُ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ الصَّحَابَةِ .(4)
وَقِيلَ : إنَّ الْمُسْنَدَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ عَمَّا أَسْنَدَهُ غَيْرُهُ .قَالَ : وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : لَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ ، مَا عَدَا مُنْقَطِعَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : يَعْنِي مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ بِهِ .ا هـ .
فَلَمْ يَحْمِلْ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ بِهِ خَاصَّةً.(5)
وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَصْفَى " أَنَّ الْمُرْسَلَ مَرْدُودٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي . قَالَ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَقَالَ فِي الْمَنْخُولِ " الْمَرَاسِيلُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْمُرْسَلَ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ .(6)
ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ثَبَتَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ الْمَرَاسِيلِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ " أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَهُوَ الْمُرْسَلُ بِعَيْنِهِ ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ بِنَقْلٍ عَنْهُ وَيَعْتَقِدُهُ ، فَيَعْتَمِدُ مَذْهَبَهُ ، وَعَنْ هَذَا قَبِلَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ .
قَالَ الْقَاضِي(7): وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ إذَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ قُبِلَ ، فَأَمَّا الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَوَسَّعُونَ فِي كَلَامِهِمْ ، فَقَدْ يَقُولُونَهُ لَا عَنْ ثَبْتٍ ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ .
وَمَنْ قَبِلَ هَذَا قَالَ : هَذَا مَقْبُولٌ مِنَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، فَلَا يُقْبَلُ فِي زَمَانِنَا هَذَا ، وَقَدْ كَثُرَتْ الرِّوَايَةُ ، وَطَالَ الْبَحْثُ ، وَاتَّسَعَتِ الطُّرُقُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ الرَّجُلِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، إلَّا فِي هَذَا الْأَخِيرِ ، فَإِنَّا لَوْ صَادَفْنَا فِي زَمَانِنَا مُتْقِنًا فِي نَقْلِ الْأَحَادِيثِ مِثْلَ مَالِكٍ قَبِلْنَا قَوْلَهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْأَعْصَارِ .ا هـ .
وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي غَرِيبٌ ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ " لَهُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا ، حَتَّى مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ ، لَا لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي عَدَالَتِهِمْ ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْ تَابِعِيٍّ ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُرْسَلِهِ ، وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ ، وَقَالَ بِهَا بِشُرُوطٍ أُخَرَ .
وَقَالَ فِي آخِرِ الشُّرُوطِ : فَاسْتُحِبَّ قَبُولُهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ ، قَالَ : وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ ثَبَتَتْ بِهَا ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ ، فَنَصَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبُولَهَا عِنْدَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ .هَذَا لَفْظُهُ .
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ : قَبِلَ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ دُونَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا تَبَيَّنَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ عَلَى تَعْدِيلِهِ ، صَارَ حُجَّةً .قَالَ : وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : أَقْبَلُ مِنَ الْمَرَاسِيلِ مَا أَرْسَلَهُ كُلُّ مُعْتَبَرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا قُلْنَاهُ .انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ " : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَرَاسِيلَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا إلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَمَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ ، وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ ، ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا رَدَّ الْمُرْسَلَ ، لِدُخُولِ التُّهْمَةِ فِيهِ .
فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُزِيلُ التُّهْمَةَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَافِقَ مُرْسَلُهُ مُسْنَدَ غَيْرِهِ ، أَوْ تَتَلَقَّاهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَوْ انْتَشَرَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ نَكِيرٌ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَكَذَلِكَ إذَا اُشْتُرِطَ فِي إرْسَالِهِ عَدْلَانِ فَأَكْثَرُ ، فَيَقْوَى بِهِ حَالُ الْمُرْسَلِ ، أَوْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ .قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ إنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدٍ آخَرَ ، أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ ، أَوْ اشْتِهَارِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ .انْتَهَى .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " : حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ خَصَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ بِالْقَبُولِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذَا ، قَبِلَتْ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ .ا هـ .
وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ " فَإِنَّهُ يُعْرَفُ مِنْهُ مَذْهَبُهُ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ " : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَعْنِي فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ " : الْمُنْقَطِعُ يَخْتَلِفُ ، فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَوَى حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ : مِنْهَا : أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا أَرْسَلَهُ مِنَ الْحَدِيثِ ، فَإِنْ شَرَكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ فَأَسْنَدُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رَوَى ، كَانَتْ هَذِهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى صِحَّةِ مَنْ قَبِلَ عَنْهُ ، وَحَفِظَهُ ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِهِ مُرْسَلًا لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ مَنْ يُسْنِدُ قُبِلَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُنْظَرَ هَلْ يُوَافِقُهُ مُرْسَلٌ آخَرُ ، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَوِيَ ، وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأُولَى .
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ نَظَرَ إلَى بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَوْلًا لَهُ ، فَإِنْ وَجَدْنَا مَا يُوَافِقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ شَاهِدَةَ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مُرْسَلَهُ إلَّا عَنْ أَصْلٍ يَصِحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ إنْ وُجِدَ عَوَامُّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُفْتُونَ بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رُوِيَ لَمْ يُعْتَبَرْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ إذَا سَمَّى مَنْ رَوَى عَنْهُ لَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا وَاهِيًا ، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَيَكُونُ إذَا شَرَكَ أَحَدًا مِنَ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثِهِ لَمْ يُخَالِفْهُ ، وَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ كَانَتْ فِي هَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ .
وَمَتَى خَالَفَ مَا وَصَفْت أَضَرَّ بِحَدِيثِهِ ، حَتَّى لَا يَسَعَ أَحَدًا قَبُولُ مُرْسَلِهِ .
قَالَ : وَإِذَا وُجِدَتِ الدَّلَائِلُ بِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وُصِفَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَقْبَلَ مُرْسَلَهُ ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ مَغِيبٌ ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ عَمَّنْ يُرْغَبُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ إذَا سُمِّيَ ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمُنْقَطِعَاتِ ، وَإِنْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ مِثْلُهُ ، فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخَرِّجُهُمَا وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ لَوْ سُمِّيَ لَمْ يُقْبَلْ ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إذَا قَالَ بِرَأْيِهِ لَوْ وَافَقَهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ دَلَالَةً قَوِيَّةً إذَا نَظَرَ فِيهَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا غَلَطَ بِهِ حِينَ سَمِعَ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِمُوَافِقِهِ .
قَالَ : فَأَمَّا مِنْ بَعْدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ فَلَا أَعْلَمُ وَاحِدًا يَقْبَلُ مُرْسَلَهُ ، لِأُمُورٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ أَشَدُّ تَجَوُّزًا مِمَّنْ يَرْوُونَ عَنْهُ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِمْ الدَّلَائِلُ فِيمَا أَرْسَلُوا لِضَعْفِ مُخَرِّجِهِ ، وَالْآخَرُ كَثْرَةُ الْإِحَالَةِ فِي الْأَخْبَارِ ، وَإِذَا كَثُرَتْ الْإِحَالَةُ كَانَ أَمْكَنَ لِلْوَهْمِ وَضَعْفِ مَنْ يُقْبَلُ عَنْهُ .انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمُورًا :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْمُرْسَلِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ اشْتِرَاطُ صِحَّةِ ذَلِكَ الْمُسْنَدِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ نُظِرَ ، هَلْ يُوَافِقُهُ مُرْسَلٌ آخَرُ ، فَإِنْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ آخَرُ قَوِيٌّ ، لَكِنَّهُ يَكُونُ أَنْقَصَ دَرَجَةً مِنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ .
فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ : إنْ كَانَ الْوَجْهُ الْآخَرُ إسْنَادًا ، فَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْنَدِ ، وَإِنْ كَانَ إرْسَالًا فَضَمُّ غَيْرِ مَقْبُولٍ إلَى غَيْرِ مَقْبُولٍ ، كَانْضِمَامِ الْمَاءِ النَّجِسِ إلَى مِثْلِهِ ، وَشَهَادَةِ الْفَاسِقِ مَعَ مِثْلِهِ ، لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ وَالْقَبُولَ ، وَهَذَا اعْتَرَضَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَتَبِعُوهُ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُسْنَدِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ إسْنَادِ الْإِرْسَالِ ، حَتَّى تَحْكُمَ لَهُ مَعَ إرْسَالِهِ بِأَنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَأَيْضًا لَوْ عَارَضَ الْمُسْنَدَ الَّذِي دُونَ الْمُرْسَلِ مُسْنَدٌ آخَرُ يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْمُرْسَلِ ، إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ ، وَأَيْضًا فَالِاحْتِجَاجُ بِالْمُسْنَدِ إنَّمَا يَنْتَهِضُ إذَا كَانَ بِنَفْسِهِ حُجَّةً ، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ هُنَا بِالْمُسْنَدِ مَا لَا يَنْتَهِضُ بِنَفْسِهِ ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ ، وَإِذَا ضُمَّ إلَى الْمُرْسَلِ قَامَ بِهِ الْمُرْسَلُ ، وَصَارَ حُجَّةً ، وَهَذَا لَيْسَ عَمَلًا بِالْمُسْنَدِ ، بَلْ بِالْمُرْسَلِ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنْهُ ، وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ قَبُولِهِ إذَا كَانَ الْقَوِيُّ مُرْسَلًا ، لِجَوَازِ تَأْكِيدِ أَحَدِ الظَّنَّيْنِ بِالْآخَرِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ مُرْسَلٌ آخَرُ لَمْ يُسْنَدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَلَكِنَّهُ وُجِدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَوْلٌ لَهُ يُوَافِقُ هَذَا الْمُرْسَلَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا ، وَلَا يُطْرَحُ ، وَلَا يُرَدُّ اعْتِرَاضُ الْقَاضِي بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّقْوِيَةُ بِهِ ، لَا الِاسْتِقْلَالُ .
__________
(1) - البحر المحيط في أصول الفقه - (ج 3 / ص 466)
(2) - البرهان في أصول الفقه - الرقمية - (ج 1 / ص 246و391)
(3) - المستدرك للحاكم(2252) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَن ّالنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ
والسنن الكبرى للبيهقي (ج 5 / ص 296)(10875)
وفي مسند الشافعي (1146 ) أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن أبي صالح ، مولى التوأمة عن ابن عباس ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كره بيع اللحم بالحيوان
وروي موصولا في مسند البزار(5888 ) حَدَّثنا بشر بن معاذ العقدي ، حَدَّثنا ثابت بن زهير ، حَدَّثنا نافع ، عَن ابن عُمَر ؛ أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عَن بيع اللحم بالحيوان.
وهذا اللفظ لا نعلَمُ رواه عَن نافع إلاَّ ثابت وثابت رجل من أهل البصرة.
قلت : وهو منكر الحديث الجرح والتعديل 2/452(1819)
ولكنه روي من طرق عديدة تحكم عليه بالصحة لغيره ، انظر :قط 3/71 وتمهيد 4/322 ومجمع 4/105 وحلية 6/334 وك 2/35 وصحيح الجامع (6936)
(4) - وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 253): [ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ ] فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا يُنْتَقَضُ عَلَيْكُمْ بِبَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ ، فَإِنَّكُمْ إنْ مُنِعْتُمُوهُ نَقَضْتُمْ قَوْلَكُمْ ، وَإِنْ جَوَّزْتُمُوهُ خَالَفْتُمْ النَّصَّ ، وَإِذَا كَانَ النَّصُّ قَدْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَكُلِّ رِبَوِيٍّ بِأَصْلِهِ .
قِيلَ : الْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي صِحَّتِهِ ، وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ مَوْصُولًا ، وَإِنَّمَا هُوَ صَحِيحٌ مُرْسَلًا ؛ فَمَنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِالْمُرْسَلِ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ، وَمَنْ رَأَى قَبُولَ الْمُرْسَلِ مُطْلَقًا أَوْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ ، قَالَ أَبُو عُمَرَ : لَا أَعْلَمُ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُتَّصِلًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ ، وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالْمُرَادِ مِنْهُ ؛ فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ : مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَيَوَانُهُ بِلَحْمِهِ ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْمُزَابَنَةِ وَالْغَرَرِ وَالْقِمَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ فِي الْحَيَوَانِ مِثْلُ اللَّحْمِ الَّذِي أَعْطَى أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا ، فَكَانَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ فِي جِلْدِهِ بِلَحْمٍ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، قَالَ : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ حِينَئِذٍ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ .
وَأَمَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَلَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَيُجَوِّزُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا أَحْمَدُ فَيَمْنَعُ بَيْعَهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ ، وَلَا يَمْنَعُ بَيْعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ، وَإِنْ مَنَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَيَمْنَعُ بَيْعَهُ بِجِنْسِهِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، فَقُسِّمَتْ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَعْطُونِي جُزْءًا مِنْهَا بِشَاةٍ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَصْلُحُ هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَسْت أَعْلَمُ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ - إنْ ثَبَتَ - أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مَقْصُودًا لِلَّحْمِ كَشَاةٍ يُقْصَدُ لَحْمُهَا فَتُبَاعُ بِلَحْمٍ ؛ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ لَحْمًا بِلَحْمٍ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَاللَّحْمُ قُوتٌ مَوْزُونٌ فَيَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ اللَّحْمُ كَمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ أَوْ مَأْكُولًا لَا يُقْصَدُ لَحْمُهُ كَالْفَرَسِ تُبَاعُ بِلَحْمِ إبِلٍ فَهَذَا لَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ بِهِ ، بَقِيَ إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لَا يُقْصَدُ لَحْمُهُ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ اللَّحْمِ فَهَذَا يُشْبِهُ الْمُزَابَنَةَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ كَبَيْعِ صُبْرَةِ تَمْرٍ بِصُبْرَةِ زَبِيبٍ ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ ، إذْ غَايَتُهُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ ، وَالتَّفَاضُلُ الْمُتَحَقِّقُ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ بِالْمَظْنُونِ ؟ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ، لَا لِأَجْلِ التَّفَاضُلِ ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُزَابَنَةِ وَشِبْهِ الْقِمَارِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."
(5) - وذكر الخطيب لهم في تفسيره قولين :
أولهما : مرسل سعيد حجة ، فإنه استدل به في النهي عن بيع اللحم بالحيوان ، وجعله أصلاً لذاته .
وثانيهما : ليس بحجة ، والشافعي لم يقل : هو حجة ، وإنما رجح به ، والترجيح بالمرسل صحيح ، وإن كان لا يثبت به الحكم لذاته .
قال الخطيب : " وهذا هو الصحيح من القولين عندنا ؛ لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد مسنداً بحال من وجه يصح ، وقد جعل الشافعي لمراسيل كبار التابعين مزية على من دونهم ، كما استحسن مرسل سعيد بن المسيب على من سواه " الكفاية ( ص : 572 ) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 188)
(6) - المنخول - (ج 1 / ص 364)
(7) - المنخول - (ج 1 / ص 367)(1/140)
الرَّابِعُ : أَنَّهُ إذَا وُجِدَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْمُرْسَلَ ، دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا ، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ الْأُمَّةَ فَهُوَ إجْمَاعٌ ، وَالْحُجَّةُ حِينَئِذٍ فِيهِ لَا فِي الْمُرْسَلِ ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْضَ الْأُمَّةِ فَقَوْلُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّانِيَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى عِنْدَهُ ، وَكَذَا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ، وَإِذَا قَوِيَ الظَّنُّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ ، فَمُجَرَّدُهُ ضَعِيفٌ ، وَكَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَحَالَةُ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَقُومُ مِنْهَا ظَنٌّ غَالِبٌ ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ ضَعِيفَيْنِ اجْتَمَعَا .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْمُرْسَلِ ، فَإِنْ كَانَ إذَا سَمَّى شَيْخَهُ سَمَّى ثِقَةً- أو غيرَ ثقةٍ - لَمْ يُحْتَجَّ بِمُرْسَلِهِ ، وَإِنْ كَانَ إذَا سَمَّى لَمْ يُسَمِّ إلَّا ثِقَةً ، وَلَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا وَاهِيًا ، كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْمُرْسَلِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ ، لَكِنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ .
السَّادِسُ : أَنْ يَنْظُرَ إلَى هَذَا الْمُرْسَلِ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ إذَا أَشْرَكَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثٍ وَافَقَهُ فِيهِ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ ، دَلَّ عَلَى حِفْظِهِ ، وَإِنْ خَالَفَهُ وَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ إمَّا فِي الْإِسْنَادِ أَوْ الْمَتْنِ ، كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ ، وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ وَتَحَرِّيهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ بِزِيَادَتِهِ ، فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ وَالِاعْتِبَارَ ، وَهَذَا دَلِيلٌ مِنَ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا كَمَا يَظُنُّ جَمَاعَةٌ ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ هَذَا الْمُخَالِفِ أَنْقَصَ مِنْ حَدِيثِ مَنْ خَالَفَهُ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمُخَالِفَ بِالزِّيَادَةِ ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ هَذَا الرَّاوِي مِنْ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ مَا وُصِفَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَدِيثِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا ، لَمْ تَكُنْ مُخَالَفَتُهُ بِالزِّيَادَةِ مُضِرًّا بِحَدِيثِهِ .
السَّابِعُ : هَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ عِنْدَهُ بِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصَهُ بِسَعِيدٍ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ " فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ : كَيْفَ قَبِلْتُمْ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا ، وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ ؟ قُلْنَا : لَا نَحْفَظُ لِسَعِيدٍ مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْدِيدِهِ ، وَلَا يَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَاهُ عَنْهُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ مَعْرُوفٍ .انْتَهَى .
وَهَذَا الْقَائِلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ قَوْلَهُ بَعْدَهُ : فَمَنْ كَانَ مِثْلَ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ .
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا ، وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
فَقَالَا : أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : إرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ .
فَقِيلَ : إنَّ مَرَاسِيلَ التَّابِعِينَ كُلِّهِمْ حُجَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ نَصَّ عَلَى مُرْسِلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَقِيلَ : لَا يَكُونُ حُجَّةً ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : مُرْسَلُ سَعِيدٍ حَسَنٌ ، فَقِيلَ حَسَنٌ فِي التَّرْجِيحِ بِهِ ، لَا فِي الِاسْتِدْلَالِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَقِيلَ : إنَّمَا قَبِلَهَا ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ مَسَانِيدَ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا رَوَى حَدِيثَهُ الْمُرْسَلَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ ،قَالَ : وَإِرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ مَرَاسِيلَهُ مُتَّبَعَةٌ ، فَوُجِدَتْ كُلُّهَا عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ .
وَرَدَّ الْخَطِيبُ هَذَا بِأَنَّ مِنْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ ، وَقِيلَ : إنَّهُ فِي الْجَدِيدِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ فِي الرَّدِّ ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الْقَدِيمِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَكَذَا نَقَلَ التَّسْوِيَةَ عَنْ الْجَدِيدِ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ " وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مِنَ الْأُمِّ " زَعَمَ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ حُجَّةٌ فَقَطْ ، وَيَشْهَدُ لَهُ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ " أَنَّهُ حَسَنٌ ، لَكِنْ أَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ الصَّغِيرَ مِنَ الْقَدِيمِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ " ، قَالَ : وَلِذَلِكَ نَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ قَبُولَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى الْقَدِيمِ ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ .
التَّاسِعُ : أَنَّ الْمُرْسَلَ الْعَارِيَ مِنْ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ وَالشَّوَاهِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ .(1)
وَلِهَذَا قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا ، فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي فَيُطْعِمَ عِيَالَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ غَايَةٌ فِي الثِّقَةِ وَالْفَضْلِ ، وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ ، وَلَكِنْ لَا نَدْرِي عَمَّنْ قَبِلَ هَذَا الْحَدِيثَ .(2)
الْعَاشِرُ : أَنَّ مَأْخَذَ رَدِّ الْمُرْسَلِ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالُ ضَعْفِ الْوَاسِطَةِ ، وَأَنَّ الْمُرْسَلَ لَوْ سَمَّاهُ لَبَانَ أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ مِنْ عَادَةِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ إلَّا ثِقَةً ، وَلَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا ، كَانَ مُرْسَلُهُ حُجَّةً ، وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَقَالَ - وَذَكَرَ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ مُرْسَلًا - قَالَ : يَقُولُونَ : يُحَابِي ، وَلَوْ حَابَيْنَا حَابَيْنَا الزُّهْرِيَّ ، وَإِرْسَالُ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَذَاكَ أَنَّا نَجِدُهُ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ(3)، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ ، وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ عَنْ غَيْرِهِ ، هَلْ هِيَ تَعْدِيلٌ أَمْ لَا ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ ، وَهُوَ أَنَّ الثِّقَةَ إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ كَانَتْ تَعْدِيلًا وَإِلَّا فَلَا ، كَمَا سَبَقَ ، وَمِنْ هُنَا ظَنَّ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي قَبُولِ الشَّافِعِيِّ لِمُرْسَلِ سَعِيدٍ كَوْنُهُ اعْتَبَرَهَا فَوَجَدَهَا مَسَانِيدَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِلَّا كَانَ الِاحْتِجَاجُ حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ فِيهَا ، وَيَجِيءُ اعْتِرَاضُ الْقَاضِي السَّابِقِ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ حَالُ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ ، حُمِلَ هَذَا الْمُرْسَلُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ صَحِيحٌ بِهِ ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ عَنْ تَابِعِيٍّ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ لَا يَرْوُونَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ ، لَا سِيَّمَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ" .
-----------------
وقال السيوطي رحمه الله(4):
" المُرْسل حديثٌ ضعيفٌ لا يحتجُّ به عند جماهير المحدِّثين والشَّافعي كما حكاهُ عنهم مسلم في صدرِ «صحيحه»(5)وابن عبد البر في «التَّمهيد»(6)وحكاهُ الحاكم(7)عن ابن المسيب ومالك وكثير من الفُقَهاء وأصحاب الأصول.
والنَّظرِ للجهل بحالِ المحذُوفِ, لأنَّه يُحتمل أن يَكُون غير صَحَابي, وإذا كان كذلك, فيُحْتملُ أن يكون ضعيفًا, وإن اتَّفق أن يكون المُرْسِلُ لا يُروى إلاَّ عن ثقة, فالتَّوثيقُ مع الإبْهام غيرُ كافٍ, كما سيأتي, ولأنَّه إذا كان المَجْهولُ المُسَمَّى لا يُقبلُ, فالمجهول عينًا وحالاً أوْلَى.(8)
وقال مالك في المشهور عنه وأبو حنيفة في طائفة منهم أحمد في المشهور عنه: صحيحٌ.
قال المُصنِّفُ في «شرح المُهذَّب»(9): قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ غَيْرَ مُتَحَرِّزٍ , يُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ(10): مَحَلُّ قَبُولِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا إذَا كَانَ مُرْسَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْفَاضِلَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا لِحَدِيثٍ ثَمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ صَحَّحَهُ النَّسَائِيّ(11).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ(12): أَجْمَعَ التَّابِعُونَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إنْكَارُهُ ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوَّلُ مَنْ رَدَّهُ وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَوَّاهُ عَلَى الْمُسْنَدِ وَقَالَ مَنْ أَسْنَدَ فَقَدْ أَحَالَكَ وَمَنْ أَرْسَلَ فَقَدْ تَكَفَّلَ لَك ا هـ ..
فإنْ صحَّ مخرجُ المُرْسل, بمجيئه أو نحوه من وجهٍ آخر مُسندًا أو مرسلاً أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المُرسِل الأوَّل كان صحيحًا هكذا نصَّ عليه الشَّافعي في «الرِّسَالة»(13)مُقيدًا له بمرسل كبار التَّابعين, ومن إذا سمَّى من أرسلَ عنهُ سمَّى ثقةً, وإذا شَاركهُ الحُفَّاظُ المأمونون لم يُخَالفوه, وزادَ في الاعْتِضَاد أن يُوافقَ قولَ صحابيٍّ, أو يَفْتي أكثرُ العُلماء بمقتضاه, فإنْ فُقدَ شرطُ ممَّا ذُكِرَ لم يُقبل مُرْسله, فإنْ وجدت قُبل.
__________
(1) - وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ : فَالشَّافِعِيُّ , يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لَمْ يَقْبَلْهَا , سَوَاءٌ كَانَ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ غَيْرِهِ . قَالَ : وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَاسِيلَ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَقْبَلْهَا الشَّافِعِيُّ حِينَ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , وَمَرَاسِيلُ لِغَيْرِهِ قَالَ بِهَا حَيْثُ انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , قَالَ : وَزِيَادَةُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَصَحُّ التَّابِعِينَ إرْسَالًا فِيمَا زَعَمَ الْحُفَّاظُ , فَهَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ , وَهُمَا إمَامَانِ حَافِظَانِ فَقِيهَانِ شَافِعِيَّانِ , مُضْطَلِعَانِ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ , وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ . وَمَعَانِي كَلَامِهِ , وَمَحَلُّهُمَا مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْإِتْقَانِ , وَالنِّهَايَةِ فِي الْعِرْفَانِ , بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى , وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا , مناقب الشافعي ، للبيهقي ( 2 / 32 ) والمجموع شرح المهذب - (ج 1 / ص 62) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 189)
(2) - قلت : قد روي من طرق كثيرة موصولا ومرسلاً انظر : د ( 3530) ابن عمرو وهـ ( 2291 ) و( 2922) ابن عمرو وحم 2/204 وهق 7/480 و 481 ابن عمرو وأبي بكر وشفع ( 1792) ومجمع 4/154 و 155 من طرق ومطالب ( 1438 و 2509) ابن عمرو ورجل وعب ( 16628) ابن المنكدر وحب ( 1094) والإحسان(4262) عائشة وطس (57و806و و3534و6728و7088) والشاميين(379) ابن عمرو وع(5731) ابن عمر وطب (6961) ومعانى 4/158 وش 7/158 و 159 و 161(22686و22700) و14/196 و197(36204و36206) ومنصور ( 2291) رجل وطب 7/279 و 10/101 وصحيح الجامع ( 1486 ) صحيح مشهور
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ، زَجَرَ عَنْ مُعَامَلَتِهِ أَبَاهُ بِمَا يُعَامِلُ بِهِ الأَجْنَبِيِّينَ ، وَأَمَرِ بِبِرِّهِ وَالرِّفْقِ بِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَعًا ، إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَالُهُ ، فقَالَ لَهُ : أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ، لاَ أَنَّ مَالَ الاِبْنِ يَمْلِكُهُ الأَبُ فِي حَيَاتِهِ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الاِبْنِ بِهِ. "
(3) - وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 147)(702) قَالَ الشَّافِعِىُّ ثُمَّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْحَدِيثِ. {ج} قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أَبِى الْعَالِيَةِ الرِّيَاحَىِّ. وَالَّذِى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِىَّ بْنَ الْمَدِينِىِّ يَقُولُ قَالَ لِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ : حَدِيثُ الضَّحِكِ فِى الصَّلاَةِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ. كُلُّهُ يَدُورُ عَلَى أَبِى الْعَالِيَةِ . قَالَ عَلِىٌّ فَقُلْتُ : قَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ. قُلْتُ لَهُ : قَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِى هَاشِمٍ قَالَ أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ. فَقَالَ عَلِىٌّ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : قَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِىُّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : قَرَأْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِى كِتَابِ ابْنِ أَخِى الزُّهْرِىِّ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ. قَالَ وَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِىٍّ. {ق} قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الزُّهْرِىِّ أَوِ الْحَسَنِ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمَّا اسْتَجَازَا الْقَوْلَ بِخِلاَفِهِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى مِنَ الضَّحِكِ فِى الصَّلاَةِ وُضُوءًا. وَعَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِى حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّهُ قَالَ : مِنَ الضَّحِكِ يُعِيدُ الصَّلاَةَ وَلاَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ.
{ج} أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِىُّ قَالَ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ وَأَكْثَرُ مَا نُقِمَ عَلَى أَبِى الْعَالِيَةِ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ غَيْرُهُ فَإِنَّمَا مَدَارُهُمْ وَرُجُوعُهُمْ إِلَى أَبِى الْعَالِيَةِ وَالْحَدِيثُ لَهُ وَبِهِ يُعْرَفُ ، وَمَنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ تَكَلَّمُوا فِى أَبِى الْعَالِيَةِ وَسَائِرُ أَحَادِيثِهِ مُسْتَقِيمَةٌ صَالِحَةٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَارِسِىُّ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِى الْعَالِيَةِ : أَنَّ رَجُلاً ضَحِكَ فِى الصَّلاَةِ فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ. فَضَعَّفَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِىُّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : مُرْسَلاَتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَحْسَنُ مِنْ مُرْسَلاَتِ الْحَسَنِ ، وَمُرْسَلاَتُ إِبْرَاهِيمَ صَحِيحَةٌ إِلاَّ حَدِيثَ تَاجِرِ الْبَحْرَيْنِ وَحَدِيثَ الضَّحِكِ فِى الصَّلاَةِ ، وَمُرْسَلُ الزُّهْرِىُّ لَيْسَ بِشَىْءٍ. قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ رُوِىَ ذَلِكَ بِأَسْانِيدَ مَوْصُولَةٍ إِلاَّ أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ قَدْ بَيَّنْتُ ضَعْفَهَا فِى الْخِلاَفِيَّاتِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ : أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمُطَرِّزُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى هُوَ الذُّهْلِىُّ يَقُولُ : لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الضَّحِكِ فِى الصَّلاَةِ خَبَرٌ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِى عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِىُّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِى الْعَالِيَةِ وَتَوَابِعِهِ فِى الضَّحِكِ فَقَالَ : وَاهٍ ضَعِيفٌ. {ش} وَفِى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِىِّ عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِىِّ فِى حَدِيثِ الضَّحِكِ فِى الصَّلاَةِ : لَوْ ثَبَتَ عِنْدَنَا الْحَدِيثُ بِذَلِكَ لَقُلْنَا بِهِ. وَالَّذِى يَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ فِى الْقَهْقَهَةِ يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لاَ يَنْتَقِضَ ، وَلَكِنَّهُ تَتَبَّعَ الآثَارَ ، فَلَوْ كَانَ تَتَبَّعَ مِنْهَا الصَّحِيحَ الْمَعْرُوفَ كَانَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا حَمِيدًا ، وَلَكِنَّهُ يَرُدُّ مِنْهَا الصَّحِيحَ الْمَوْصُولَ الْمَعْرُوفَ وَيَقْبَلُ الضَّعِيفَ الْمُنْقَطِعَ.
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 138)
(5) - ص 24
(6) 1/5
(7) - في المعرفة ص 26
(8) - بل هذه حجة من صحح مراسيل سعيد وغيره ، كما سيمر بعد قليل .
(9) - المجموع شرح المهذب 1/100 وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 349) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 11)
(10) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 349)
(11) - عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ ، فَقَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا ، فَقَالَ : أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَحْلِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَيْهَا ، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنَالَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ ، فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، وَلاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ ، وَتَسُوؤُهُ سَيِّئَتُهُ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ.
- وفي رواية : عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِينَا مِثْلَ مُقَامِي فِيكُمْ ، فَقَالَ : احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ ، حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ وَمَا يُسْتَشْهَدُ ، وَيَحْلِفَ وَمَا يُسْتَحْلَفُ.
أخرجه أحمد 1/26(177) قال : حدَّثنا جَرِير . و"ابن ماجة"2363 قال : حدَّثنا عَبْد الله بن الجَرَّاح ، حدَّثنا جَرِير . و"النَّسائي" في "الكبرى"9175 قال : أَخْبَرنا إِسْحَاق بن إبراهيم ، قال : أَخْبَرنا جَرِير . وفي (9176) قال : أَخْبَرنا إِسْحَاق بن إبراهيم ، قال : أَخْبَرنا وَهْب بن جَرِير بن حازم ، قال : حدَّثنا أَبي . وفي (9177) قال : أَخْبَرنا عَبْد اللهِ بن الصَّبَّاح بن عَبْد اللهِ ، قال : حدَّثنا عَبْد الأَعْلى بن عَبْد الأَعْلى ، قال : حدَّثنا هِشَام ، وهو ابن حسان ، عن جَرِير بن حازم.
كلاهما (جَرِير بن عَبْد الحَمِيد ، وجَرِير بن حازم) عن عَبْد الملك بن عُمَيْر ، عن جابر ابن سمرة ، فذكره. وهو حديص صحيح مشهور .المسند الجامع - (ج 14 / ص 104)(10653)
(12) - التمهيد 1/4
(13) - ص 461 -463(1/141)
ويتبيَّنُ بذلك صحَّةُ المرسل وما عضده [وأنَّهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق واحدة رجَّحناهما عليه بتعدُّد الطُّرق إذا تعذَّر الجمعُ بينهما.
فوائدُ:
الأولى: اشْتهرَ عن الشَّافعي أنَّه لا يحتجُّ بالمُرسل, إلاَّ مراسيل سعيد بن المُسيب.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ(1)وفِي الْإِرْشَادِ : إنَّ ما اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ إلَّا مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي إطْلَاقِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ يُحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ إلَّا بِهَا أَيْضًا ا هـ ..
قال: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي آخِرِ بَابِ الرِّبَا : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ }(2).
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ : أَعْطُونِي بِهَذِهِ الْعَنَاقِ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : لَا يَصْلُحُ هَذَا .(3)
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ(4), قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَبِهَذَا نَأْخُذُ.
قَالَ : وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ ". انتهى.
فَإذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : " إرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ " عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ , وَحَكَاهُمَا أَيْضًا الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ " الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ " " وَالْكِفَايَةُ(5)" وَحَكَاهُمَا جَمَاعَاتٌ آخَرُونَ .
أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ أَنَّهَا حُجَّةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَرَاسِيلِ . قَالُوا : لِأَنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ , بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ , وَقَالُوا : وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ بِمُرْسَلِهِ , وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ جَائِزٌ .
وَقَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ ( الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ ) وَالصَّوَابُ : الْوَجْهُ الثَّانِي , وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَكَذَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : الْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ ., وكذا قال البَيْهقيُّ(6).
قَالَ : وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ , كَمَا اسْتَحْسَنَ مُرْسَلَ سَعِيدٍ , هَذَا كَلَامُ الْخَطِيبِ.
قال المُصنِّف: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ : فَالشَّافِعِيُّ , يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لَمْ يَقْبَلْهَا , سَوَاءٌ كَانَ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ غَيْرِهِ . قَالَ : وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَاسِيلَ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَقْبَلْهَا الشَّافِعِيُّ حِينَ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , وَمَرَاسِيلُ لِغَيْرِهِ قَالَ بِهَا حَيْثُ انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , قَالَ : وَزِيَادَةُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَصَحُّ التَّابِعِينَ إرْسَالًا فِيمَا زَعَمَ الْحُفَّاظُ , فَهَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ , وَهُمَا إمَامَانِ حَافِظَانِ فَقِيهَانِ شَافِعِيَّانِ , مُضْطَلِعَانِ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ , وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ ، وَمَعَانِي كَلَامِهِ , وَمَحَلُّهُمَا مِنَ التَّحْقِيقِ وَالْإِتْقَانِ , وَالنِّهَايَةِ فِي الْعِرْفَانِ , بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى , وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا.
قال: وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ ( شَرْحُ التَّلْخِيصِ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ الصَّغِيرِ : مُرْسَلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ , فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ وَالْمُحَقِّقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ..
قُلْتُ : وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ مَنْ قَالَ : إنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ حُجَّةٌ بِقَوْلِهِ : إرْسَالُهُ حَسَنٌ ; لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ , بَلْ اعْتَمَدَهُ لَمَّا انْضَمَّ إلَيْهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمَنْ حَضَرَهُ وَانْتَهَى إلَيْهِ قَوْلُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ , وَهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ , وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحُكْمَ عَنْ تَمَامِ السَّبْعَةِ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ . فَهَذَا عَاضِدٌ ثَانٍ لِلْمُرْسَلِ .
, فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجُ بِمُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ , فَإِنْ قِيلَ : ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اُحْتُجَّ بِهِ , وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَسَاهُلٌ ; لِأَنَّهُ إذَا أُسْنِدَ عَمِلْنَا بِالْمُسْنَدِ , فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي الْمُرْسَلِ وَلَا عَمَلَ بِهِ .
فَالْجَوَابُ : أَنَّ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ , وَأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ , فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ حَتَّى لَوْ عَارَضَهُمَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ , وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ قَدَّمْنَاهُمَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ(7)
وقال الماوردي(8):
" فَإِنْ قِيلَ : فَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلٌ ، وَالْمَرَاسِيلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ حُجَّةً ، قِيلَ : أَمَّا مَرَاسِيلُ غَيْرِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَلَيْسَتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِانْفِرَادِهَا حُجَّةً ، وَأَمَّا مَرَاسِيلُ سَعِيدٍ بن المسيب ، فَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَخَذَ بِهَا فِي الْقَدِيمِ ، وَجَعَلَهَا عَلَى انْفِرَادِهَا حُجَّةً ، وَإِنَّمَا خُصَّ سَعِيدٌ بِقَبُولِ مَرَاسِيلِهِ ، لِأُمُورٍ :
مِنْهَا أَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُرْسِلْ حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا وُجِدَ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ مُسْنَدًا .
وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ قَلِيلَ الرِّوَايَةِ لَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ ، وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، أَوْ رَآهُ مُنْتَشِرًا عِنْدَ الْكَافَّةِ ، أَوْ وَافَقَهُ فِعْلُ أَهْلِ الْعَصْرِ .
وَمِنْهَا أَنَّ رِجَالَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الَّذِينَ أَخَذَ مِنْهُمْ وَرَوَى عَنْهُمْ هُمْ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ ، وَلَيْسَ كَغَيْرِهِ الَّذِي يَأْخُذُ عَمَّنْ وَجَدَ .
وَمِنْهَا أَنَّ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ سُيِّرَتْ فَكَانَتْ مَأْخُوذَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَكَانَ يُرْسِلُهَا لِمَا قَدْ عَرَفَهُ النَّاسُ مِنَ الْأُنْسِ بَيْنَهُمَا وَالْوَصْلَةِ ، وَإِنَّ سَعِيدًا كَانَ صِهْرَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ابْنَتِهِ فَصَارَ إِرْسَالُهُ كَإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ : أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ : مُرْسَلُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي وَصَفْنَا ، اسْتِئْنَاسًا بِإِرْسَالِهِ ، ثُمَّ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَارَبَهُ مِنَ الدَّلِيلِ ، فَيَصِيرُ الْمُرْسَلُ حِينَئِذٍ مَعَ مَا قَارَبَهُ حُجَّةً .
وَالَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمُرْسَلُ حُجَّةً أَحَدَ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ : إِمَّا قِيَاسٌ ، أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ ، وَإِمَّا فِعْلُ صَحَابِيٍّ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَإِمَّا أَنْ يَنْتَشِرَ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ لَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ أَهْلُ الْعَصْرِ ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُوجَدَ دَلَالَةٌ سِوَاهُ ، وَقَدِ اتَّصَلَ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ هَذَا أَكْثَرُ هَذِهِ السَّبْعَةِ ، فَمِنْ ذَلِكَ إِسْنَادُ غَيْرِهِ ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْأَثَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ ، فَقَالَ أَعْطُونِي جَزُورًا بِهَذِهِ الْعَنَاقِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَصْلُحُ هَذَا . فَكَانَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ انْتِشَارِهِ فِي النَّاسِ عَدَمَ مُعَارِضًا لَهُ وَحُصُولُ الْعَمَلِ بِهِ دَلِيلٌ وَكَيْدٌ فِي لُزُومِ الْأَخْذِ بِهِ " .
قال السيوطي رحمه الله :
"هذا الحديث الذي أوردهُ الشَّافعي من مراسيل سعيد يَصُلح مثالاً لأقْسَام المُرْسل المقبول, فإنَّه عضده قولُ صحابيٍّ, وأفْتَى أكثرُ أهل العلم بمقتضَاهُ, وله شَاهدٌ مُرْسل آخر, أرسله من أخذ العِلْم عن غير رِجَال الأوَّل, وشاهدٌ آخر مُسْند, فروى البَيْهقي في «المَدْخل» من طريق الشَّافعي عن مسلم بن خالد, عن ابن جُريج, عن القاسم بن أبي بَزَّة قال: قدمتُ المَدِينة فوجدتُ جَزُورًا قد جُزِرت, فجُزِّئت أربعة أجْزَاء, كل جُزء منها بِعَناقٍ, فأردتُ أن أبْتَاع منها جُزْءًا, فقال لي رجل من أهل المَدِينة: إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أن يُباع حي بميت. فسألتُ عن ذلك الرَّجُل فأُخبرتُ عنهُ خيرًا(9). قال البَيْهقي: فهذا حديث أرْسَلهُ سعيد بن المُسيب, ورواه القَاسم بن أبي بَزَّة عن رَجُل من أهل المَدِينة مُرْسلا, والظَّاهر أنَّه غير سعيد, فإنَّه أشهر من أن لا يعرفه القاسم بن أبي بَزَّة المَكِّي, حتَّى يسأل عنه.
قال: وقد رويناهُ من حديث الحَسنِ, عن سَمُرة بن جُنْدب عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , إلاَّ أنَّ الحُفَّاظ اختلفُوا في سَمَاع الحسن من سَمُرة في غير حديث العَقِيقة, فمنهم من أثبتهُ, فيَكُون مِثَالاً للفصل الأوَّل, يعني ما له شاهد مُسند, ومنهم من لم يُثبته, فيكون أيضًا مُرسلا, انضمَّ إلى مرسل سعيد. انتهى.
الثَّانية: صوَّرَ الرَّازي وغيره من أهل الأصول المسنَدَ العاضدَ, بأن لا يكون مُنتهضُ الإسناد, ليَكُونِ الاحتجاج بالمجموع, وإلاَّ فالاحتجاجُ حينئذٍ بالمُسنَدِ فقط, وليسَ بمخصوص بذلك كما تقدَّم الإشارة إليه في كلام المُصنِّف.(10)
الثَّالثة: زاد الأصُوليون في الاعتضاد أن يُوافقه قِيَاسٌ, أو انتشار من غير إنكار, أو عمل أهل العصر به, وتقدَّم في كلام الماوردي ذكرُ الصُّورتين الأخيرتين, والظَّاهر أنَّهما داخلتان في قول الشَّافعي, وأفتى أكثر أهل العلم بمُقتضاهُ.
الرَّابعة: قال القاضي أبو بكر: لا أقبل المُرْسل ولا في الأماكن التي قَبِلها الشَّافعي حَسْمًا للباب, بل ولا مرسل الصَّحابي, إذا احتمل سماعهُ من تابعي.
قال: والشَّافعي لا يوجب الاحتجاج به في هذه الأماكن, بل يستحبُّه كما قال: أستحب قبوله, ولا أستطيع أن أقول: الحُجَّةُ تثبتْ به ثبوتها بالمُتَّصل.(11)
وقال غيره: فائدةُ ذلك أنَّه لو عارضهُ مُتَّصلٌ قدم عليه, ولو كان حُجَّةٌ مُطْلقًا تعارضا, لكن قال البيهقي: مُرادُ الشَّافعي بقوله: أستحبُّ, أختار, وكذا قال المُصنِّف في «شرح المُهذَّب».
الخامسة: إن لم يكن في الباب دليلٌ سوى المُرسلِ, فثلاثةُ أقوال للشَّافعي, ثالثها وهو الأظهر, يجب الانكفافُ لأجله.
السَّادس: تلخَّص في الاحتجاج بالمُرْسل عشرةُ أقوال:
حُجَّة مُطلقًا.
لا يحتجُّ به مُطلقًا.
يُحتجُّ به إن أرسله أهل القُرون الثلاثة.
يحتجُّ به إن لم يُرو إلاَّ عن عدل.
يحتجُّ به إن أرسله سعيد فقط.
يحتجُّ به إن اعْتُضد.
يحتجُّ به إن لم يكن في الباب سواه, هو أقوى من المُسند.
يحتجُّ به ندبا لا وجوبا.
يحتجُّ به إن أرسله صحابي.
السَّابعة: تقدَّم في قول ابن جرير: إنَّ التَّابعين أجمعوا على قَبُول المُرْسل, وإنَّ الشَّافعي أوَّل من أباه, وقد تنبَّه البَيْهقي لذلك فقال في «المدخل»: باب ما يُستدل به على ضَعْف المَرَاسيل بعد تغير النَّاس وظُهور الكذب والبِدَع, وأورد فيه ما أخرجه مُسلم عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يُسْأَلُ عَنْ إِسْنَادِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ، سُئِلَ عَنْ إِسْنَادِ الحَدِيْثِ، فَيُنْظَرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ، تُرِكَ حَدِيْثُهُ.. "(12)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - 1/101-102 و المجموع - (ج 1 / ص 61) ط دار الفكر
(2) - مر تخريجه
(3) - معرفة السنن والآثار للبيهقي(3448) وفي سنده إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي متروك
(4) - معرفة السنن والآثار للبيهقي(3448) وسند حسن
(5) - ص 571-572 والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي - (ج 3 / ص 405) والمجموع شرح المهذب - (ج 1 / ص 61)
(6) - في مناقب الشافعي 2/31-32
(7) - المجموع شرح المهذب - (ج 1 / ص 61-62) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 253) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 116) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 140)
(8) - الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي - (ج 5 / ص 157) فما بعد
(9) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 5 / ص 296)(10877) فإن كان الذي قال له صحابي فالحديث قوي وإلا ففيه مبهم
(10) - واعترض البعض على كلام الزاري هذا ، فقالوا : هذا المسند العاضدُ لا بد وأن يكون صحيحاً ، وأنه هو الذي يدلُّ عليه كلام النووي وغيره ، وأنه ظاهر كلام الشافعي ، وما فهمه الناس من كلامه ..اهـ هامش تدريب الراوي 1/303
(11) - توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 11)
(12) - القراءة خلف الإمام للبيهقي (388) وسير أعلام النبلاء(4/614) والكامل لابن عدي - (ج 1 / ص 121) وهو صحيح(1/142)
رأيُ السادة الحنفية بالحديث المرسل
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله(1):
" مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا : أَنَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَقْبُولَةٌ . وَكَذَلِكَ عِنْدِي : قَبُولُهُ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ , بَعْدَ أَنْ يُعْرَفَ بِإِرْسَالِ الْحَدِيثِ عَنْ الْعُدُولِ الثِّقَاتِ .
فَأَمَّا مَرَاسِيلُ مَنْ كَانَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ مِنَ الْأُمَّةِ : فَإِنِّي كُنْت أَرَى بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ : إنَّ مَرَاسِيلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ , لِأَنَّهُ الزَّمَانُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام : أَنَّ الْكَذِبَ يَفْشُو فِيهِ , وَحَكَمَ النَّبِيُّ عليه السلام لِلْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ , لِقَوْلِهِ عليه السلام : { خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْت فِيهِ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ }(2).
قَالَ : فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ : الْفَسَادُ وَالْكَذِبُ , لَمْ نَقْبَلْ فِيهِ إلَّا خَبَرَ مَنْ عَرَفْنَاهُ بِالْعَدَالَةِ , وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ . وَلَمْ أَرَ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرَاسِيلِ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ .(3)
وَأَمَّا عِيسَى بْنُ أَبَانَ(4)فَإِنَّهُ قَالَ : مَنْ أَرْسَلَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فَإِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ - وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - فَإِنَّ مُرْسَلَهُ مَقْبُولٌ , كَمَا يُقْبَلُ مُسْنَدُهُ , وَمَنْ حَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ , وَلَمْ يَحْمِلُوا عَنْهُ الْمُرْسَلَ , فَإِنَّ مُرْسَلَهُ عِنْدَنَا مَوْقُوفٌ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله : فَفَرَّقَ فِي أَهْلِ زَمَانِهِ : بَيْنَ مَنْ حَمَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُرْسَلَ , دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمِلُوا عَنْهُ إلَّا الْمُسْنَدَ , وَاَلَّذِي يَعْنِي بِقَوْلِهِ : حَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ , قَبُولَهُمْ لِحَدِيثِهِ , لَا سَمَاعَهُ , فَإِنَّ سَمَاعَ الْمُرْسَلِ وَغَيْرِ الْمُرْسَلِ جَائِزٌ .
وَقَالَ عِيسَى فِي كِتَابِهِ فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ : الْمُرْسَلُ أَقْوَى عِنْدِي مِنَ الْمُسْنَدِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَالصَّحِيحُ عِنْدِي , وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا : أَنَّ مُرْسَلَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ مَقْبُولٌ , مَا لَمْ يَكُنْ الرَّاوِي مِمَّنْ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ , فَإِنَّ مَنْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ , لَا لِمُسْنَدٍ وَلَا لِمُرْسَلٍ . وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا : أَنَّ ظَاهِرَ أَحْوَالِ النَّاسِ كَانَ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ الصَّلَاحُ وَالصِّدْقُ , لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمِنْ أَجْلِهِ كَانَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودٌ فِى حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبٌ فِى شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ ظَنِينٌ فِى وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ.(5)" .
وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولُ : " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ " . قَالَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله : وَالصَّحِيحُ عِنْدِي وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا : أَنَّ مُرْسَلَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ مَقْبُولٌ , مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ رِيبَةٌ , وَكَذَلِكَ كَانَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ , فَإِنَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ : أَنَّ مَرَاسِيلَ غَيْرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ وَمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ - غَيْرُ مَقْبُولٍ . وَالدَّلِيلُ عَلَى لُزُومِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي بَيَّنَّا : مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ مِنْ عُمُومِ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ أَخْبَارِ الْآحَادِ . مِنْهَا : قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) [البقرة/159، 160] } وَغَيْرِهَا مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ دَلَالَتِهَا فِي وُجُوبِ الْعِلْمِ بِالْمُسْنَدِ دُونَ الْمُرْسَلِ , لِأَنَّ التَّابِعِيَّ إذَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام : كَيْتَ وَكَيْتَ , فَقَدْ بَيَّنَ , وَتَرَكَ الْكِتْمَانَ , فَيَلْزَمُ قَبُولُهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ , وَكَذَلِكَ قوله تعالى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) [التوبة/122] }. فَدَلَّ : عَلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ مِنَ التَّابِعِينَ إذَا رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا فَقَالَتْ : أُنْذِرُكُمْ مَا قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام , وَأُحَذِّرُكُمْ مُخَالَفَتَهُ , قَدْ لَزِمَهُمْ قَبُولُ خَبَرِهَا , كَمَا دَلَّ عَلَى لُزُومِ خَبَرِ الصَّحَابِيِّ إذَا قَالَ : قَالَ - صلى الله عليه وسلم - . وَأَيْضًا : فَلَمَّا كَانَ الْمُسْنَدُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ مَقْبُولًا , وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسَلُ مِنْهَا بِمَثَابَتِهِ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِعَدَالَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ , مِنْ حَيْثُ شَهِدَ النَّبِيُّ عليه السلام لِأَهْلِ عَصْرِهِ وَالتَّابِعِينَ بِالصَّلَاحِ , كَمَا شَهِدَ لِلصَّحَابَةِ , فَوَجَبَ حَمْلُ أَمْرِهِمْ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ أَمْرَ الصَّحَابِيِّ , إذْ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِمْ يَقْضِي تَعْدِيلَهُمْ , بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ عليه السلام لَهُمْ بِذَلِكَ . أَلَا تَرَى : { أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ : أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَلَمَّا قَالَ : نَعَمْ . }(6)قَبِلَ خَبَرَهُ . وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِنَفْسِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ مِنْهُ , قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ شَيْئًا آخَرَ مِنْ أَحْوَالِهِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ عَرَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ , لَمَا سَأَلَهُ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ لَا ؟ كَذَلِكَ يَجِبُ هَذَا الْحُكْمُ لِأَهْلِ عَصْرِ التَّابِعِينَ , بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُمْ بِهِ . فَيُقْبَلُ خَبَرُ مَنْ رَوَى عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ , مَا لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ بِذَلِكَ لَنَا مَعْرُوفًا بِإِرْسَالِ الْحَدِيثِ عَمَّنْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ خَبَرِهِ , فَإِنَّ مَنْ عَرَفْنَاهُ بِذَلِكَ لَمْ نَلْتَفِتْ إلَى خَبَرِهِ , كَمَا أَنَّ مَنْ عُرِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِزَوَالِ عَدَالَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ , حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ . وَثُبُوتُهُ كَنَحْوِ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فِسْقِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }(7). وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى : لِأَنَّ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مَنْ قَدْ أَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ : أَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ عِنْدَهُمْ . قَالَ الْأَعْمَشُ : قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ : إنْ حَدَّثْتنِي فَأَسْنِدْ . فَقَالَ : إذَا قُلْت لَك حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ : فَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنِي , وَإِذَا قُلْت لَك : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ , فَقَدْ حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ عَنْهُ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : ( كُنْت إذَا اجْتَمَعَ لِي أَرْبَعُ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكْتهمْ , وَأَسْنَدْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ) . وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , حَدِيثَ النَّبِيِّ عليه السلام { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ } وَأَرْسَلَهُ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَتَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْعَدْلُ الرَّضِيُّ , وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ . فَاكْتَفَى مِنْهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ , وَقَبِلَهُ , وَعَمِلَ بِهِ . وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنُ , وَغَيْرُهُمَا , يُرْسِلُونَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا سُئِلُوا عَنْ إسْنَادِهِ أَسْنَدُوهُ إلَى الثِّقَاتِ , وَعَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ جَرَى أَمْرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي إرْسَالِهِمْ الْأَخْبَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بِضْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا , وَالْبَاقِي سَمَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ , وَلَيْسَ يَكَادُ يَذْكُرُ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام , إنَّمَا يُرْسِلُهُ عَنْهُ . وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنه ( مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُ بِهِ سَمِعْنَاهُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام , وَلَكِنَّا سَمِعْنَاهُ , وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا , وَلَكِنَّا لَا نَكْذِبُ )(8).
__________
(1) - الفصول في الأصول - (ج 2 / ص 191)/218 /بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ الْمُرْسَلِ
(2) - قلت : هو مركب من حديثين وليس حديثا واحدا
الأول مارواه البخارى (2652 ) ومسلم (6635 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِىءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ » . قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ .
والثاني عن عمر كمارواه الترمذى (2318 )عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا فَقَالَ « أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .
(3) - الكَرْخِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ دَلاَّلٍ الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، مُفْتِي العِرَاق، شَيْخُ الخنفيَّة، أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ دَلاَّلٍ البَغْدَادِيُّ، الكَرْخِيُّ، الفَقِيْهُ.سَمِعَ:إِسْمَاعِيْلَ بنَ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيَّ، وَطَائِفَةً.حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَالقَاضِي عَبْدُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَالعَلاَّمَة أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الحَنَفِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ التَّنُوْخِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئاسَةُ المَذْهَب، وَانْتَشَرت تلاَمِذَتُهُ فِي البِلاَد، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَبَعُدَ صيتُهُ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العُبَّاد ذَا تهجُّد وَأَورَاد وَتَأَلُّه، وَصَبْرٍ عَلَى الفَقْرِ وَالحَاجَة، وَزُهدٍ تَامٍّ، وَوقْعٍ فِي النُّفُوْس، وَمِنْ كِبَار تَلاَمِذته أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ المَذْكُوْر، وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
كَتَبَ إِلَيَّ المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّيْمَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو القَاسِمِ بنُ عَلاَّنَ الوَاسِطِيُّ قَالَ: لَمَّا أَصَابَ أَبَا الحَسَنِ الكَرْخِيّ الفَالِج فِي آخِرِ عُمُرِهِ، حَضَرْتُهُ، وَحَضَرَ أَصْحَابُه:أَبُو بَكْرٍ الدَّامَغَانِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الشَّاشِي، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البَصْرِيّ، فَقَالُوا:هَذَا مَرَضٌ يحتَاجُ إِلَى نَفَقَة وَعِلاج، وَالشَّيْخ مُقِلٌّ وَلاَ يَنْبَغِي أَن نَبذُلَه لِلنَّاسِ، فَكَتَبُوا إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَة بنِ حَمْدَان، فَأَحسّ الشَّيْخُ بِمَا هُم فِيْهِ، فَبَكَى وَقَالَ:اللَّهُمَّ لاَ تجعلْ رِزْقِي إِلاَّ مِنْ حَيْثُ عَوَّدتَنِي، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُحْمَل إِلَيْهِ شَيْءٌ،ثُمَّ جَاءَ مِنْ سَيْف الدَّوْلَة عَشْرَة آلاَف دِرْهَم، فتُصدِّق بِهَا عَنْهُ.تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.،وَكَانَ رَأْساً فِي الاعتزَال - الله يُسَامحه - .سير أعلام النبلاء(15/427) (238 )
(4) - عِيْسَى بنُ أَبَانٍ فَقِيْهُ العِرَاقِ، تِلْمِيْذُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَقَاضِي البَصْرَةِ.حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ.وَعَنْهُ: الحَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ السَّوَّاقُ، وَغَيْرُهُ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ وَذَكَاءٌ مُفْرِطٌ، وَفِيْهِ سَخَاءٌ وَجُودٌ زَائِدُ، تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. سير أعلام النبلاء (10/441)(141 )
(5) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 10 / ص 197)(21351) وبنحوه مرفوعا عبد الله بن عمرو في مصنف ابن أبي شيبة (ج 6 / ص 172)( 21042 ) والصواب الوقف
(6) - سنن الترمذى(694 و695) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّى رَأَيْتُ الْهِلاَلَ. قَالَ « أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِى النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا ». قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلاَفٌ. وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِى الصِّيَامِ . وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ. قَالَ إِسْحَاقُ لاَ يُصَامُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى الإِفْطَارِ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إِلاَّ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ.
(7) - قال العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله :
"أعدت النظر في الأخبار التي وردت عن سبب نزول الآية « إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ . . . » ، فلما عكفت على دراستها وجدتها موقوفة على مجاهد ، أو قتادة أو ابن أبي ليلى ، أو يزيد بن رومان ، ولم يذكر أحد منهم أسماء رواة هذه الأخبار في مدة مائة سنة أو أكثر مرت بين أيامهم وزمن الحادث ، وهذه المائة من السنين حافلة بالرواة من مشارب مختلفة ، وإن الذين لهم هوى في تسويء سمعة مثل الوليد ومن هم أعظم مقاما من الوليد قد ملأوا الدنيا أخبارا مريبة ليس لها قيمة علمية . وما دام رواة تلك الأخبار في سبب نزول الآية مجهولين من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفة هذه الأخبار عليهم ، وعلماء الجرح والتعديل لا يعرفون من أمرهم حتى ولا أسمائهم ، فمن غير الجائز شرعا وتاريخا الحكم بصحة هذه الأخبار المنقطعة التي لا نسب لها وترتيب الأحكام عليها . وهنالك خبران موصولان أحدهما عن أم سلمة زعم موسى بن عبيدة أنه سمعه من ثابت مولى أم سلمة . وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المديني وابن عدي وجماعة . وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليه من كتب العلم ، فلم يذكر في تهذيب التهذيب ولا في تقريب التهذيب ولا في خلاصة تذهيب الكمال ، بل لم أجده ولا في قفصي الاتهام أعني ( ميزان الاعتدال ) و( لسان الميزان ) . وذهبت إلى مجموعة أحاديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد فقرأتها واحدا واحدا فلم أجد فيها هذا الخبر ، بل لم أجد لأم سلمة أي خبر ذكر فيه اسم مولى لها يدعى ثابتا ، زد على كل هذا أن أم سلمة لم تقل في هذا الخبر - إن صح عنها ، ولا سبيل إلى أن يصح عنها - : إن الآية نزلت في الوليد ، بل قالت - أي قيل على لسانها - : « بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( رجلا ) في صدقات بني المصطلق » . والخبر الثاني الموصول رواه الطبري في التفسير عن ابن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس : والطبري لم يلق ابن سعد ولم يأخذ عنه ، لأن ابن سعد لما توفي ببغداد سنة 230 كان الطبري طفلا في نحو السادسة من عمره ولم يخرج إلى ذلك الحين من بلد آمل في طبرستان لا إلى بغداد ولا لغيرها . وابن سعد وإن كان في نفسه من أهل العدالة في الدين والجلالة في العلم ، إلا أن هذه السلسلة من سلفه يجهل علماء الجرح والتعديل أسماء أكثرهم فضلا عن أن يعرفوا شيئا من أحوالهم ( وبعد كتابة ما تقدم للطبعة الأولى من كتابنا تبين لي أن ابن سعد الذي روى عنه الطبري هو محمد بن سعد العوفي . وقد وصف الشيخ أحمد شاكر سنده بأنه « سند مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة » . انظر تفسير الطبري طبعة دار المعارف 1 : 263 - 264 ) . فكل هذه الأخبار من أولها إلى آخرها لا يجوز أن يؤاخذ بها مُجاهِدٌ كان موضع ثقة أبي بكر وعمر ، وقام بخدمات للإسلام يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله . أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدثت فيه لبني المصطلق الحادثة التي نزلت فيها الآية كان الوليد صغير السن ... .العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - (ج 1 / ص 95)
(8) - أثرٌ صحيح . أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " ( ص : 235 ) _ ومن طريقه : ابن رُشيْد في " السنن الأبين " ( ص : 117 ) _ والخطيب في " الكفاية " ( ص : 548 ) من طريق إسحاق بن منصور السلولي ، والحاكم في " المستدرك " ( 1 / 127 رقم : 438 وكما في " إتحاف المهرة " لابن حجر 2 / 512 ) والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " ( رقم : 99 ) من طريق عبد الله بن مُحمد بن سالم المفْلوج ، كلاهما عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء بن عازب ، به . ( في كتابي : المحدث ، والمستدرك ، سقط ) .قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرْط الشيخين ولم يُخرجاه . ومُحمد بن سالم وابْنه عبْد الله مُحتج بهما . فأما صحيفة إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق ، فقد أخرجها البخاري في الجامع الصحيح " .
قلت : إسناده حسن ، من أجل أن إبراهيم بن يوسف لا يتجاوز حديثه الحُسن ، وسائر الإسناد ثقات .،وإنما صححته ، لكون يوسف لم يتفرد به عن أبيه ، بل هو متابع على معناه(1/143)
وَكَذَلِكَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ يُقَالُ : إنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَا يَحْكِيهِ سَمَاعًا مِنَ النَّبِيِّ عليه السلام , إلَّا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ { إِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ }(1). وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ لَمْ يَكُونُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا : أَنَّهُ لَا فُرْقَةَ بَيْنَهُمَا فِي لُزُومِ قَبُولِهِمَا , وَالْعَمَلِ بِهِمَا . وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إرْسَالُ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَحَذَفَ تَسْمِيَةَ مَنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ , لَمْ يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ إحْدَى مَنْزِلَتَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ : أَنَّ الْمُسْنَدَ وَالْمُرْسَلَ وَاحِدٌ , لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا , فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنَ الْحُكْمِ , وَهُوَ الَّذِي نَقُولُهُ . بَلْ كَانَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ : أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَهُ فَقَدْ أَكَّدَهُ بِإِرْسَالِهِ , وَقَطَعَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , كَمَا قَالَ الْحَسَنُ , وَإِبْرَاهِيمُ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا أَرْسَلُوهُ , لِأَنَّ الَّذِي حَذَفُوا اسْمَهُ لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا , وَلَا مَقْبُولَ الرِّوَايَةِ , أَوْ كَانَ بَيِّنًا مَقْبُولَ الرِّوَايَةِ عِنْدَهُمْ , وَإِنْ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ قَبُولُ الْمُرْسَلِ , وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ نَظُنَّ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ , ثُمَّ أَرْسَلُوهُ , وَحَذَفُوا اسْمَ مَنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ عليه السلام , لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إثْبَاتًا مِنْهُمْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ , وَقَطْعٌ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يَرْوِيهِ غَيْرُ الثِّقَةِ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَالثَّانِي : أَنَّ مَنْ حَمَلَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَبُولِ خَبَرِهِ , وَإِنْ أَسْنَدَهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ : إنْ عَظُمَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُرْسَلِ وَالْمُسْنَدِ , فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ , ثُمَّ يَكْتُمُونَهُ , وَيَحْذِفُونَ اسْمَهُ , فَيَعْتَبِرُ بِهِمُ السَّامِعُ , وَيَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ , وَصِحَّتَهُ , فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ .
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا : أَنْ يَكُونُوا حَمَلُوهُ عَنْ ثِقَةٍ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ , وَعِنْدَهُمْ : أَنَّ الْمُرْسَلَ غَيْرُ مَقْبُولٍ , لِأَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَانُوا قَدْ كَتَمُوا مَوْضِعَ الْحُجَّةِ . وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِحَمْلِ الْعِلْمِ عَنْهُ , وَلَا مَوْثُوقًا بِرِوَايَتِهِ , فَلَمَّا بَطَلَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ , صَحَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ , وَهُوَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُونَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ وَالتَّأْكِيدِ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَأَيْضًا : فَإِنَّا وَجَدْنَا عَامَّةَ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم , وَالتَّابِعِينَ رحمهم الله , يَسْمَعُونَ الْأَخْبَارَ الْمُرْسَلَةَ فَيَصِيرُونَ إلَيْهَا , وَيَتْرُكُونَ آرَاءَهُمْ لَهَا , وَذَلِكَ مَشْهُورٌ عَنْهُمْ , وَلَوْ ذَكَرْنَاهُمْ لَطَالَ بِهِمْ الْكِتَابُ , كَمَا وَجَدْنَاهُمْ يَقْبَلُونَ الْمُتَّصِلَ , فَمِنْ حَيْثُ كَانُوا حُجَّةً فِي قَبُولِ الْمُتَّصِلِ فَهُمْ حُجَّةٌ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهِمْ بِالسَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام , حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُ , وَكَذَلِكَ سَبِيلُ كُلِّ مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَقِيَهُ وَظَاهِرُ أَمْرِهِ : أَنَّهُ سَمِعَهُ . وَإِنْ لَمْ يَقُلْ : حَدَّثَنِي . فَلَا يَكُونُ فِي مِثْلِ الْآخَرِ . وَلِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ صَحَابِيٍّ مِثْلِهِ . وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ مَقْبُولُو الرِّوَايَةِ .
قِيلَ لَهُ : قَدْ كَانُوا يُجِيزُونَ : أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام , وَأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ رَجُلًا , فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَسْنَدُوهُ لَهُمْ . وَأَيْضًا : فَكَمَا أَنَّ ظَاهِرَ مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَقِيَهُ : السَّمَاعُ مِنْهُ , فَكَذَا ظَاهِرُ مَنْ حَمَلَهُ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ : أَنَّهُ عَدْلٌ , مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ , حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ الصَّحَابِيَّ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ صَحَابِيٍّ مِثْلِهِ , وَكُلُّهُمْ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ عليه السلام مَنْ حَكَمَ اللَّهُ بِفِسْقِهِ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وَهُوَ : الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ , وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ آخَرُونَ هُنَاكَ قَدْ رَأَوْا النَّبِيَّ عليه السلام وَعَمِلُوا بَعْدَهُ أَعْمَالًا أَسْقَطَتْ عَدَالَتَهُمْ , وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ . أَيْضًا : فَلَوْ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَأَسْنَدَ بِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّهِمَا - لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَى حُكْمِهِ , لِأَجْلِ تَرْكِهِ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ , وَكَانَ أَمْرُهُمْ مَحْمُولًا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ . كَذَلِكَ مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ , يَجِبُ حَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْعَدَالَةِ , حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُمَا . فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ , وَيَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ الرَّاوِي عَنْهُ , وَلَا يَكُونُ عِنْدِي عَدْلًا , فَيَحْتَاجُ أَنْ يُتَبَيَّنَ حَيْثُ تَثْبُتُ عَدَالَتُهُ , كَمَا أَنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ , وَلَمْ يُسَمِّيَاهُمَا , فَلَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا , حَتَّى يُسَمِّيَاهُمَا فَيَنْظُرُ الْقَاضِي فِي حَالِهِمَا , كَذَلِكَ الْمُرْسَلُ .
قِيلَ لَهُ : أَمَّا مَنْ شَاهَدْنَاهُ وَخَبَرْنَا أَمْرَهُ - فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ فِي جَرْحِهِ وَتَزْكِيَتِهِ إلَى مَعْرِفَتِنَا بِهِ , أَوْ مَسْأَلَةِ مَنْ خَالَطَهُ , وَخَبَرَ أَمْرُهُ - عَنْهُ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّا لَا نَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ إلَّا بِنَقْلِ الْأَئِمَّةِ عَنْهُ . فَتَكُونُ رِوَايَتُهُمْ تَعْدِيلًا مِنْهُمْ لَهُ , فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَعَقَّبَهُمْ فِي تَعْدِيلِهِمْ إيَّاهُ بِغَيْرِهِ .
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ : فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ , مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ : يُقْبَلُ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَاتِ . أَلَا تَرَى : أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ , وَلَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ : أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ , فَعَلِمْت : أَنَّ رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ , مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْت .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ سَامِعَ الْخَبَرِ يَجُوزُ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ رَاوِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الرَّاوِي : ارْوِهِ عَنِّي , وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : أَشْهَدُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا , لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ : أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ , فَيَحْمِلُهَا إيَّاهُ فَعَلِمْت بُطْلَانَ اعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ , وَقَدْ يُمْكِنُ الْحَاكِمَ : أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَشْهُودِ عَلَى شَهَادَتِهِ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهُ . فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهِمْ , وَثُبُوتِ عَدَالَتِهِ عِنْدَهُمْ .
وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ الرُّوَاةِ فَلَا سَبِيلَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ إلَّا مِنْ جِهَةِ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ , فَكَانَ نَقْلُهُمْ وَإِرْسَالُهُمْ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ تَعْدِيلًا مِنْهُمْ إيَّاهُمْ . أَيْضًا : فَإِنَّ الشُّهُودَ إذَا رَجَعُوا إلَى شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ , يَلْحَقُهُمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ . فَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ وَإِنْ رَجَعُوا . وَمِنْهُمْ : مَنْ يُوجِبُهُ عَلَيْهِمْ . فَاحْتَاجَ الْحَاكِمُ إلَى : أَنْ يَعْرِفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ , لِكَيْ إذَا رَجَعُوا لَزِمَهُمْ حُكْمُ مَا يُوجِبُهُ إشْهَادُهُمْ غَيْرَهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ , وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الْأَخْبَارِ , فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِأَعْيَانِهِمْ , إنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُمْ تَعْدِيلًا مِنْهُمْ لَهُمْ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ .
دَلِيلٌ آخَرُ : وَهُوَ اتِّفَاقٌ ، قَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى : قَبُولِ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ , وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعًا , إذَا كَانَ مِمَّنْ قَدْ لَقِيَهُ , وَلَوْ كَانَ الْمُرْسَلُ غَيْرَ مَقْبُولٍ - لَمَا جَازَ : قَبُولُ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ , إذْ لَيْسَ فِيهِ سَمَاعٌ لَهُ . فَإِنْ قِيلَ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ : أَنَّ مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَقِيَهُ : أَنَّهُ سَمَاعٌ حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُ . قِيلَ لَهُ : وَلِمَ قُلْت ذَلِكَ ؟ بَلِ الظَّاهِرُ : أَنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ سَمَاعًا تَارَةً , وَيَرْوِيهِ تَارَةً سَمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ الظَّاهِرَ : أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ الْحَدِيثَ إلَّا عَنْ عَدْلٍ حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُ . فَإِنْ قِيلَ : يَحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ : أَنَّهُ عَدْلٌ عِنْدِي . قِيلَ لَهُ : وَيَحْتَاجُ : أَنْ يَثْبُتَ عِنْدِي : أَنَّهُ سَمَاعٌ , إذَا قَالَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ , وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَك : أَنَّهُ سَمَاعٌ , كَذَلِكَ يَجُوزُ : أَنْ يُقْبَلَ الْمُرْسَلُ , وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ : أَنَّهُ عَدْلٌ عِنْدِي , فَاكْتَفَى تَعْدِيلُهُ إيَّاهُ بِإِرْسَالِهِ عَنْهُ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمُفْتِيَ إذَا قَالَ : لِلْمُسْتَفْتِي حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ بِكَذَا . أَوْ قَالَ فِيهِ : كَذَا , لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ , مَعَ حَذْفِ سَنَدِهِ , وَهَذَا أَحَدُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي إثْبَاتِ الْمُسْنَدِ , فَهُوَ حُجَّةٌ فِي إثْبَاتِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا . وَزَعَمَ بَعْضُ مُخَالِفِينَا : أَنَّهُ إنَّمَا رَوَى التَّابِعُونَ الْمُرْسَلَ لِيُطْلَبَ فِي الْمُسْنَدِ . فَيُقَالُ لَهُ : مَعْنَى قَوْلِك لِيَطْلُبَ فِي الْمُسْنَدِ , كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُمْ إسْنَادٌ , فَإِنْ كُنْت تَعْنِي ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا وَهُمْ يَسْمَعُونَ , وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَحْصُرُوا الْمَرَاسِيلَ لِيُنْظَرَ هَلْ تُوجَدُ فِي الْمُسْنَدِ , وَهَذَا لَا يُجَوِّزُهُ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ , لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كَذَلِكَ - لَمَا كَانُوا أَهْلًا لِقَبُولِ رِوَايَاتِهِمْ أَصْلًا : الْمُسْنَدُ وَالْمُرْسَلُ جَمِيعًا . وَإِنْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوهُ - فَمَا الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ إظْهَارِ سَنَدِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَهُمْ ؟ فَعَلِمْت أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ مِنْ كَلَامِهِ فَارِغٌ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ . وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي الْمُرْسَلِ - لَجَازَ لِمُبْطِلِي أَخْبَارِ الْآحَادِ أَنْ يَقُولُوا : إنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ إنَّمَا رَوَوْا الْآحَادَ لِيُطْلَبَ فِي التَّوَاتُرِ , وَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ . وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ : بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَوْ كَانَ مَقْبُولًا لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْإِسْنَادِ وَجْهٌ . فَيُقَالُ : يَقُولُ لَك مُبْطِلُو خَبَرِ الْوَاحِدِ : لَوْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولًا لَمَا كَانَ لِسَمَاعِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ , وَثَلَاثَةٍ , وَأَرْبَعَةٍ , مَعْنًى . فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُطْلَبَ الْأَثَرُ مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ , وَيُرْوَى مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ , وَلَمْ يَنْفِ ذَلِكَ جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدِ , كَذَلِكَ يُرْوَى الْحَدِيثُ , فَيُذْكَرُ إسْنَادُهُ تَارَةً , وَلَا يَدُلُّ : عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ غَيْرُ مَقْبُولٍ . فَإِنْ قَالَ : إنَّمَا أَرْسَلَ التَّابِعُونَ الْأَخْبَارَ إعْلَامًا مِنْهُمْ لِسَامِعِيهَا : أَنَّ الْمَحْذُوفَ اسْمُهُ فِي السَّنَدِ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْمَلُ عَنْهُ الْعِلْمُ . قِيلَ لَهُ : قَدْ أَخْبَرُوا هُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ . فَإِنْ صَدَّقْتهمْ كُنْت كَاذِبًا فِيمَا حَكَيْت عَنْهُمْ , وَإِنْ أَكْذَبْتهمْ فَلَا تَقْبَلْ رِوَايَاتِهِمْ , لَا مُرْسِلًا وَلَا مُسْنِدًا . وَأَيْضًا : فَمَا الَّذِي حَمَلَهُمْ : عَلَى أَنْ يَرْوُوا مَا لَا يَجُوزُ قَبُولُهُ , ثُمَّ يَكْتُمُوا إسْنَادَهُ . فَيَعْرِفُوا النَّاسَ بِهِ , وَكَانَ أَقَلُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْهُ . فَلَا يَرْوُوهُ . وَعَلَى أَنَّ مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ ثُمَّ كَتَمَهُ , وَلَمْ يُبَيِّنْ أَمْرَهُ , صَارَ مِنَ الْمَجْرُوحِ , وَالْمَطْعُونِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ . وَهَذَا يُوجِبُ الطَّعْنَ عَلَى عَامَّةِ التَّابِعِينَ , لِأَنَّهُمْ قَدْ أَرْسَلُوا الْأَخْبَارَ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَنْ عَلِمْنَا مِنْ حَالِهِ : أَنَّهُ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَا يُوثَقُ بِرِوَايَتِهِ , وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْعِلْمِ عَنْهُ , فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْمَرَاسِيلِ عِنْدَنَا , وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنَّا فِيمَنْ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ عِنْدَهُ . فَإِنْ قَالَ : قَدْ كَانَ بَعْضُ التَّابِعِينَ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ أَخْبَرَ بِهِ , وَكَانَ كَاذِبًا . قِيلَ لَهُ : مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ فَعَلَ ذَلِكَ . وَعَلَى أَنَّ هَذَا طَعْنٌ فِي الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّ مَنْ رَوَى عَنْ كَذَّابٍ وَكَتَمَ أَمْرَهُ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ , لَا سِيَّمَا إذَا حَذَفَ اسْمَهُ مِنَ الْإِسْنَادِ . وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ احْتَجَّ فِي إبْطَالِ الْمَرَاسِيلِ : بِأَنَّ التَّابِعِينَ قَدْ كَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِي الْإِرْسَالِ عَمَّنْ لَوْ كَشَفَ عَنْهُ وَبَيَّنَ أَمْرَهُ , كَانَتْ حَالُهُ بِخِلَافِهَا إذَا أَرْسَلَ عَنْهُ , وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ قَالَ لَهُ : إنَّ حَدِيثَ الْوُضُوءِ مِنَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ يَدُورُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ . فَقُلْت لَهُ : قَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام . فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ : أَنَا حَدَّثْت بِهِ الْحَسَنَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , فَقُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : فَقَدْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ مُرْسَلًا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : حَدَّثَنِي شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ . قَالَ : أَنَا حَدَّثْت بِهِ إبْرَاهِيمَ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , فَقُلْت لَهُ : قَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ مُرْسَلًا . فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : قَرَأْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ , عَنْ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ , عَنِ الْحَسَنِ . قَالَ الْقَائِلُ : فَإِذَا سَمِعَ السَّامِعُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ مُرْسَلَةً يَقُولُ : قَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ , وَإِبْرَاهِيمُ , وَأَبُو الْعَالِيَةِ . ثُمَّ إذَا كَشَفَ عَنْهُ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله : وَالْعَجَبُ مِنْ غَبَاوَةِ هَذَا الْقَائِلِ , حِينَ جَعَلَ قَوْلَ فُلَانٍ : أَنَا حَدَّثْت بِهِ فُلَانًا نَفْيًا , لِأَنَّهُ يَكُونُ حَدَّثَهُ بِهِ غَيْرُهُ , أَوْ سَمِعَهُ مِنْ سِوَاهُ . وَلَا يَمْتَنِعُ : أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ رَجُلٌ مُرْسَلًا , وَقَدْ سَمِعَهُ هُوَ مُتَّصِلًا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ . وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ دَارَ الْحَدِيثُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ مَا الَّذِي كَانَ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِيهِ ؟ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْكَرِيمِ , عَنْ الْحَسَنِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ , عَنْ الْحَسَنِ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ , عَنْ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام . وَقَدْ ثَبَتَ : أَنَّ الْحَسَنَ وَالزُّهْرِيَّ قَدْ رَوَيَاهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ , وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام , وَلَيْسَ غَرَضُنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْمَنْسُوبِ إلَى أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ رحمه الله "
-----------
قلتُ :
فالسادةُ الحنفية لا يحتجون بالمرسل إلا إذا كان مرسله لايروي إلا عن ثقةٍ ، وهذا موضع اتفاق بين العلماء .
وأن يكون من أهل القرون الثلاثة الأولى الفاضلة.
فأما الشرط الأول ، فلا نزاع فيه ، وأما الشرط الثاني ففيه نظر كبير ، فهناك فرق كبير بين التابعي وتابعي التابعي فمن بعده ، وذلك لأن التابعي في الأغلب يرويه عن صحابي وجهالة الصحابي لا تضرُّ لو أبهم اسمه ، أو أنه يرويه عن تابعي آخر ، وغالب التابعين ثقات عدول ، ولا سيما إذا عرف أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فيكون الساقط صحابي أو تابعي ليس إلا ، وأما إذا رواه تابعي التابعي ، فقطعا هذا لن يكون عن صحابي ، بل عن تابعي أو تابع التابع ، فصار الساقط من السند أكثر من واحدٍ بقين ،فكيف نساوي بينه وبين التابعي ؟!!!
فهذا غير سائغٍ ، فصار الحديث معضلاً ، وليس مرسلاً ، والمعضل لا يقبل حديثه ، لأنه ضعيفٌ .
وحديث خير القرون قرني وغيره من أدلة ساقها الرازي رحمه الله ، لا تدلُّ على هذا الذي ذهب إليه ، وذلك لأنه قد وجد في القرون الثلاثة الأولى كذابون وضعفاء ومتروكون ، فمعنى الحديث أن الخيرية تغلب عليهم من حيث الجملة ، لا بأعيانهم قطعاً ، وإنما يصبح الصراع بين الخير والشر والمنهج الوسطي لفهم الدين - والذي سار عليه السلف الصالح - وبين المناهج الأخرى ، التي زاغت عنه .
فالراجح بلا ريب مذهب الجمهور ، الذين حصروه بالتابعي فقط ,لذا قال صاحب الإيقونية :
وَمُرْسَلٌ منْهُ الصَّحابيُّ سَقَط ... ... وَقُلْ غَرِيبٌ ما رَوى رَاوٍ فَقَطْ
وبالرغم من الشروط التي وضعها السادة الشافعية لقبول المرسل ، فالكلُّ قد احتجُّوا بالمرسَل ، والذي أراه أنه لا مانعَ من الاحتجاج بالمرسلِ إذا كان إسنادُه صحيحاً أو حسناً إليه، إذا لم يعارضه موصولٌ أقوى منه . والله أعلم .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ . أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » . صحيح البخارى (52 )(1/144)
الخلاصةُ في الاحتجاج بالمرسل(1)
" لقد اختلف العلماء في قبول الحديث المرسل بين القبول مطلقاً والرد مطلقاً أو التفصيل فيه.
ويرجع الخلاف في هذه المسألة إلى القواعد المتبناة من أئمة الأصول والفقهاء في أصول الرواية.
أولها: قبول رواية المجهول العدالة والاحتجاج به.
وثانيها: هل أن مجرد رواية العدل عن غيره تعديل له أم لا؟.
وثالثها: قول الراوي: حدثني منِ لا أتهم أو نحو ذلك هل يحتج به إذا لم يسمعه أم لا؟.
ورابعها: هل يقبل التعديل مطلقاً أم لابد من ذكر سببه، وهل يشترط عدد معين في التعديل؟.
إن استقراء هذه القواعد ومناقشتها لتبيين ما هو الحق منها، فتخرج في قبول المرسل أورده إطلاقاً أو التفصيل في ذلك.
أ- المذهب الأول: قبول المرسل:
\ممن قال بقبول الحديث المرسل والعمل به: مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وجمهور أصحابهما, وأكثر المعتزلة كأبي هاشم، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه وابن القيم وابن كثير وغيرهم، ولهم في قبوله أقوال:
أولها: قبول كل مرسل سواء بعد عهده وتأخر زمنه عن عصر التابعين حتى مرسل العصور المتأخرة، وهذا توسع غير مقبول، ومردود بالإجماع في كل عصر، ولو عمل به لزالت فائدة الإسناد وبطلت خصِّيصة هذه الأمة.
ثانيها: قبول مراسيل التابعين وأتباعهم مطلقاً، قال ابن الحنبلي في "قفو الأثر: "والمختار في التفصيل قبول مرسل الصحابي إجماعاً، ومرسل أهل القرن الثاني والثالث عندنا (الحنفية) وعند مالك مطلقاً(2). ومن الحجج لهذا القول: أن احتمال الضعف في التابعين لاسيما بالكذب بعيد جداً، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أثنى على عصر التابعين، ثم للقرنين الذين يلونه، فإرسال التابعي وبقية القرون الثلاثة بالجزم من غير وثوق بمن قاله، مناف لها.
وأوسع من هذا قول عمر- رضي اللّه عنه - "المسلمون عدول، بعضهم على بعض، إلا مجلودا في حد، أو مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنياً في ولاء أو قرابة".
إلا إن كان المرسل معروفاً بالإرسال عن غير الثقات، فإنه لا يقبل مرسله. وأما بعد العصر الثالث، فإن كان المرسل من أئمة النقل قبل مرسله(3), وهو قول عيسى بن إبان، أبو بكر الرازي والبز دوى وأكثر المتأخرين من الحنفية، وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: "هذا هو الظاهرمن المذهب عندي"(4).
وثالثها: قبول إرسال التابعين على اختلاف طبقاتهم، وهو قول مالك وجمهور أصحابه، وأحمد بن حنبل, وكل من يقبل المرسل من أهل الحديث.
ورابعها: قبول مراسيل كبار التابعين دون صغارهم لقلة روايتهم عن الصحابة كما حكاه ابن عبد البر في التمهيد.
واختلف القائلون بقبول المرسل في طبقته هل هو أعلى من المسند، أو دونه، أو مثله؟. والقائلون بأنه أرجح وأعلى من المسند، وجّهوه بأن من أسند فقد أحالك على إسناده، والنظر في أحوال رواته والبحث عنهم، ومن أرسل مع علمه ودينه وإمامته وثقته فقد قطع لك بصحته وكفاك النظر فيه. قال القرافي في شرح التنقيح: "إن المرسل أقوى من المسند بهذا الطريق؛ لأن المرِسل- بكسر السن- قد تذمم الراوي وأخذه في ذمته عند اللّه تعالى، وذلك يقتضي وثوقاً بعدالته، وأما إذا أسند فقد فوّض أمره للسامع، ينظر فيه، ولم يتذممه، فهذه الحالة أضعف من الإرسال"(5).
وساوى بين المرسل والمسند في وجوب الحجة والقبول محمد بن جرير الطبري، وأبو فرج المالكي، وأبو بكر الأبهري، وعندهم متى تعارض مدلول حديث مرسل وآخر مسند فلا ترجيح إلا بأمر آخر خارجي. وقد قدم أكثر محققي المالكية والحنفية كأبي جعفر الطحاوي، وأبي بكر الرازي بتقديم المسند على المرسل عند التعارض، وأن المرسل دون المسند بالرغم من قبوله والعمل به.
- ب - المذهب الثاني: رد المرسل:
قال الإمام مسلم- رحمه الله- في مقدمة صحيحه: "والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة"(6).
وهو قول عبد الرحمن بن مهدي ويحي بن سعيد القطان وابن المديني وأبي خيثمة زهير بن حرب ويحي بن معين وابن أبى شيبة والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من أئمة الحديث(7).
قال ابن أبى حاتم: "سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل ولا لقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة"(8). وهو قول جمهور الشافعية واختيار إسماعيل القاضي وابن عبد البر وغيرهما من المالكية والقاضي أبي بكر الباقلاني وجماعة كثيرون من أئمة ا لأصول.
والحجة في رد المرسل هو أنا إذا قبلنا خبر من لا نعلم حاله في الصدق والعدالة ممن حاله على خلاف ذلك، فنقول على الدين والشرع ما لم نتحقق من صحته، قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}, وقال عز وجل: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
وروى الحاكم في كتابه (علوم الحديث) عن يزيد بن هارون قال: "قلت لحماد بن زيد: يا أبا إسماعيل هل ذكر الله عز وجل أصحاب الحديث في القرآن؟" قال: "نعم، ألم تسمع إلى قوله عز وجل: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}, فهذا فيمن رحل في طلب العلم ثم رجع به إلى من وراءه ليعلمهم إياه"، وقال الحاكم: "في هذه الآية دليل على أن العلم المحتج به هو المسموع دون المرسل"(9).
ومن الأدلة على رد المرسل ما رواه أبو داود في سننه في حديث عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم". وما رواه الشافعي- رحمه اللّه - قال: قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "نضّر اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها". والحديثان دلا على أن شأن الرواية اتصال الإسناد، فمتى جوزنا للفرع قبول الحديث من شيخه من غير وقوف على اتصال السند الذي تلقاه شيخه أدى ذلك إلى اختلال السند لجواز أن يكون هذا الساقط غير مقبول الرواية، فلا يجوز الاحتجاج بخبره.
قال الإمام ابن عبد البر: "الحجة في رد الإرسال ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر عنه، وأنه لابد من معرفة ذلك، فإذَا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة، إذ قد صح أن التابعين أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف"(10).
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: "إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه"(11).
هذا وقد وجد بعد الصحابة من القرنين، من وُجدت فيه الصفات المذمومة، لكن بقلة، بخلاف من بعد القرون الثلاثة، إذ كثر آنذاك وانتشر، وقد روى الشافعي- رحمه اللّه - عن عمه: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، قال: "إِني لأسمع الحديث أستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أي يسمعه سامع فيقتدي به، وذلك أني أسمعه من الرجل لا أثق به وقد حدث به عمن أثق به، أو أسمعه من الرجل أثق به، قد حدث عمن لا أثق به". وهذا كما قال ابن عبد البر: "يدل على أن ذلك الزمان, أي زمان الصحابة والتابعين كان يحدث فيه الثقة وغيره".
ج - المذهب الثالث: التفصيل في المرسل:
للاحتجاج بالحديث المرسل عمد الفقهاء والأصوليون إلى اعتماد معيار لنقد الحديث المرسل وتمحيصه للتأكد من صلاحيته في استنباط الأحكام الشرعية.
قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: "وأحتجُّ بمرسل كبار التابعين، إذا أسند سن جهة أخرى، أو أرسله من أخذ من غير رجال الأول، أو وافق قول الصحابي، أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه"(12). أما أئمة الجرح والتعديل كيحي بن سعيد القطان وعلى بن المديني وغيرهما فوضعا قاعدة للتفصيل في قبول وردّ الحديث المرسل وذلك في التفريق بين من كان لا يرسل إلا عن ثقة، وبين من يعرف بإرساله عن كل أحد سواء كان ثقة أم ضعيفاً، فيقبل مرسل الأول ويرد مرسل الثاني. قال ابن أبى حاتم في بداية كتابه (المراسيل): "كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول هو بمنزلة الريح"(13).
إن عدالة كبار التابعين كسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومكحول وأمانتهم تحول دون روايتهم عن غير الثقة, فلا يستجيز هؤلاء الجزم بحديث إلا بعد التأكد من ثبوته وعدم وجود ما يقتضي القدح في المرسل, والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنه كان يرسل إلى سعيد بن المسيب يسأله عن قضايا أبيه عمر- رضي اللّه عنه- وأحكامه مع علمه بأنه لم يدركه ولم يختلف عليه اثنان في قبولها منه مرسلة، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله: "إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل"(14).
وإذا جاء المرسل من وجهين، وكل من الراويين أخذ العلم عن شيوخ الآخر، فهذا يدل على صدقه، فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب، والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمداً وخطأ.
قال إمام الحرمين: "إذا قال أحد أئمة الجرح والتعديل حدثني الثقة أو حدثني من لا أتهم ونحو ذلك وكان ممن يقبل تعديله ويرجع إليه فهو مقبول محتج به بالرغم من إرساله؛ وذلك لأنه لا يقول ذلك إلا عند تحققه من ثقة ذاك الراوي وصدقه. وقد روى عروة بن الزبير لعمر بن عبد العزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" فأرسله ولم يسنده، فقال له عمر بن عبد العزيز: "أتشهد على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بذلك؟" فقال: "نعم أخبرني بذلك العدل الرضي", فلم يسم مَنْ أخبره، فاكتفى منه عمر بن عبد العزيز بذلك.
فالقول المختار في التفصيل هو أن من عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة عدل مشهور بذلك فمرسله مقبول ومن لم تكن عادته ذلك فلا يقبل مرسله، وبهذا القول يحصل الجمع بين الأدلة المتقدمة. فلا يمكننا إنكار قبول المرسل في الصدر الأول, وقد رد جماعة منهم الكثير من المراسيل، فيعزى قبولهم إلى الثقة بمن يرسل الحديث, وإلى هذا أشار ابن عباس- رضي اللّه عنهما - قال: "كنا إذا سمعنا أحدنا يقول: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف".
وأما من يرسل عن غير المشهورين، وإن كانوا عنده ثقات فاحتمال جواز كونه ضعيفاً يبقى قائماً، ويندفع هذا الاحتمال ببعض الوجوه التي قالها الإمام الشافعي- رحمه اللّه- وبدونه لا يمكن اعتماد هذا المرسل.
خاتمة:
لقد تنازع الناس في قبول المراسيل وردها، فغالى البعض بالقبول بها مطلقاً وهذا غير مقبول؛ لأن هذا يؤدي إلى إزالة فائدة الإسناد،وغالى الآخرون برد المرسل مطلقاً، فرد بذلك شطراً من السنَّة ومصدراً من مصادر الأحكام الشرعية.
وأصح الأقوال أنّ منها المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن علم أنه حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة: قُبل مرسله، ومن عرف أنه يرِسل عن الثقة وغير الثقة، فإن إرساله عمن لا يعرف فهو موقوف، وما كان من المراسيل مخالفاً لما رواه الثقات كان مردودا."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر :القول الفصل في العمل بالحديث المرسل للشيخ مظفّر رزق
(2) ابن الحنبلي: قفو الأثر. ص 14.
(3) العلائي: جامع التحصيل في أحكام المراسيل. ص 27.
(4) المصدر نفسه: ص 28.
(5) القرافي: شرح التنقيح. ص 164.
(6) الإمام مسلم: الجامع الصحيح. ج. ص 132.
(7) العلائي: جامع التحصيل في أحكام المراسيل. ص30.
(8) ابن أبى حاتم: كتاب المراسيل. ص 7.
(9) الحاكم: معرفة علوا الحديث. ص 26.
(10) ابن عبد البر النمري: التمهيد ج1 ص6.
(11) الخطيب البغدادي: الكفاية.ص 387 .
(12) النووي: المجموع.ج1.ص99.
(13) ابن أبي حاتم. كتاب المراسيل. ص3.
(14) العلائي: جامع التحصيل في أحكام المراسيل. ص77.(1/145)
6- مراسيلُ التابعين(1)
" َقَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ(2): "أَكْثَرُ مَا تُرْوَى الْمَرَاسِيلُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ(3)،وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ(4)، وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ(5)، وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ(6)،وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ(7)، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ مَكْحُولٍ(8), قَالَ: وَأَصَحُّهَا كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ مَرَاسِيلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَأَدْرَكَ الْعَشَرَةَ وَفَقِيهُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمُفْتِيهِمْ ،وَأَوَّلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يَعْتَدُّ مَالِكٌ بِإِجْمَاعِهِمْ كَإِجْمَاعِ كَافَّةِ النَّاسِ ، وَقَدْ تَأَمَّلَ الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ مَرَاسِيلَهُ فَوَجَدُوهَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ لَمْ تُوجَدْ فِي مَرَاسِيلِ غَيْرِهِ.
قال: والدَّليلُ على عدم الاحتجاج بالمُرْسل غيرِ المَسْمُوع منَ الكِتَاب, قوله تعالى: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) [التوبة/122] } ومنَ السُّنة حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ ».(9)
تكلَّمَ الحاكمُ على مَرَاسيل سعيد(10)فقط, دُون سائر من ذُكِرَ معهُ, ونحنُ نَذْكر ذلك:
فمَرَاسيلُ عَطَاء, قال ابن المَدِيني : كان عطاء يأخذ عن كلِّ ضَرْبِ, مرسلات مُجَاهد أحب إلي من مُرْسلاته بكثير.(11)
وقال أحمد بن حنبل(12): لَيْسَ فِي المُرْسَلاَتِ شَيْءٌ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلاَتِ الحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، كَانَا يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَمُرْسَلاَتُ ابْنِ المُسَيِّبِ أَصَحُّ المُرْسَلاَتِ، وَمُرْسَلاَتُ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ لاَ بَأْسَ بِهَا.
وقال ابن المَدِيني(13): مُرْسلات الحسن البصري الَّتي رَوَاها عنه الثِّقات صِحَاحٌ, ما أقلَّ ما يسقط منها.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: كُلُّ شَيْءٍ: قَالَ الحَسَنُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدْتَ لَهُ أَصْلاً ثَابِتاً، مَا خَلاَ أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ.(14).
وقال يحيى بن سعيد القَطَّان(15): مَا قَالَ الْحَسَنُ فِى حَدِيثِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ وَجْدَنَا لَهُ أَصْلاً إِلاَّ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ..
قال شيخُ الإسْلام: ولعلَّهُ أراد ما جزمَ به الحسن.
وقال غيرهُ: قال رجلٌ للحسن: يا أبا سعيد, إنَّك تُحدِّثنا فتقُول: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلو كنتَ تُسندهُ لنا إلى من حدَّثك, فقال الحسن: أيُّها الرَّجُل ما كذبنا ولا كُذِّبنا, ولقد غزونَا غزوة إلى خُرَاسان, ومعنا فيها ثلاث مئة من أصْحَاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .(16)
"قلت : ولا يصح هذا الخبر عنه لأن البخاري يرويه هكذا قال الهيثم بن عبيد حدثني أبي عن الحسن ،وهو لم يدرك الهيثم بن عبيد .
كما أنه قال بعدها : أبو عاصم عن عبيد الصيد عن الحسن: أدركت ثلاثة مائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه أقرب للواقع "
وقال يُونس بن عُبيد(17): سألتُ الحسن قلتُ: يا أبا سعيد, إنَّك تقول: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنَّكَ لم تُدْركهُ؟ فقال: يا ابن أخي, لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك, ولولا منزلتك مِنِّي ما أخبرتكَ, إنِّي في زَمَانٍ كما ترى, وكان في زمن الحجَّاج كل شيء سمعتني أقوله: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , فهو عن عليِّ بن أبي طالب, غير أنِّي في زمان لا أستطيع أن أذْكُرَ عليًّا.
" قلت : وهذا الخبر باطل ، فقد رواه في تهذيب الكمال من طريق محمد بن موسى الحرشي: حدثنا ثمامة بن عبيدة قال: حدثنا عطية بن محارب، عن يونس بن عبيد، قال: سألت الحسن ...
ومحمد بن موسى الحرشي لين الحديث كما في التقريب(18)
وشيخه ثمامة بن عبيدة متهم(19)
وشيخه عطية بن محارب ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل إلا في هذا الخبر
والقصة مكذوبة كذلك ، فهناك مسافة كبيرة بين استلام الحجاج ولاية العراق ، وبين تحديث الحسن البصري ، أكثر من نصف قرن ، كما أن الحسن لم يسمع من علي رضي الله عنه شيئاً لأنه كان بالمدينة وعلي بالكوفة ، ولما رحل للبصرة كان ذلك بعد استشهاد علي رضي الله عنه ، فأين حدثه بها ؟!!!
وفي جامع التحصيل(20): الحسن بن أبي الحسن البصري واسم أبيه يسار أحد الأئمة الأعلام تقدم أنه كثير التدليس وهو مكثر من الإرسال أيضا ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه ونشأ بوادي القرى ورأى عثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم وحضر يوم الدار وهو ابن أربع عشرة سنة فروايته عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مرسلة بلا شك وكذلك عن علي رضي الله عنه أيضا لأن عليا خرج إلى العراق عقب بيعته وأقام الحسن بالمدينة فلم يلقه بعد ذلك قال أبو زرعة وغيره وفي سنن أبي داود والنسائي روايته عن سعد بن عبادة وهي مرسلة بلا شك فإنه لم يدركه قال شعبة سمعت قتادة يقول ما شافه الحسن أحدا من البدريين الحديث رواه أحمد عن مؤمل بن إسماعيل عن شعبة وقال عبد الرحمن بن الحكم سمعت جريرا يسأل بهز بن أسد هذا الذي يقول أهل البصرة أن الحسن لقي سبعين بدريا قال هذا كلام السوقة ثم قال بهز ثنا حماد بن يزيد عن أيوب قال ما حدثنا الحسن عن أحد من أهل بدر مشافهة وقال الترمذي لا نعرف للحسن سماعا من علي رضي الله عنه وقد روى عنه حديث رفع القلم عن ثلاثة وقد أدركه ولكنا لا نعلم له سماعا منه ....اهـ
وكذلك لم يمنع أحد من بني أمية التحديث عن علي ولا عن بنيه بتاتاً ، بل كل فضائلهم وأحاديثهم قد رويت في العهد الأموي ، وانظروا لهذا الخبر كما في مسند البزار (6632) حَدَّثنا مفرج بن شجاع بن عُبَيد الله الذهلي ، حَدَّثنا غسان بن الربيع ، حَدَّثنا يوسف بن عبدة ، عن ثابتٍ وحميد ، عَن أَنَسٍ ، قال : لما أتي عُبَيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول : لقد كان أحسبه قال : جميلاً فقلت والله لأسوئنك إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلثم حيث يقع قضيبك قال : فانقبض.( قلت : وهذا سند صحيح )
وهو في المعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 206)(2809) حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بن زَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بن زِيَادٍ ، جَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ ، وَيَقُولُ : إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لأَسُوءَنَّكَ ، لَقَدْ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ فِيهِ ". ( وإسناده حسن)
فهذا الخبر عن الحسن باطل سندا ومتناً ، ومن ثم فلا يعوَّلُ عليه بتاتاً "
"وقال مُحمَّد بن سعد(21): كل ما أُسِندَ من حديثه, أو رَوَى عمَّن سمع منه, فهو حسن حُجَّة, وما أرسل من الحديث فليس بحجَّة.
وقال العِرَاقي(22): مَرَاسيل الحسن عندهم شبه الرِّيح.
(( قلت : وقال ابن عبد البر(23):" اختلف الناس في مراسيل الحسن فقبلها قوم وأباها آخرون، وقد روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد قال ربما حدثت بالحديث الحسن ثم أسمعه بعد يحدث به فأقول من حدثك يا أبا سعيد فيقول ما أدري غير أني قد سمعته من ثقة فأقول أنا حدثتك به(24).
(قلت : فهذا الحسن يرسل عن علي بن زيد وهو متكلم فيه كثيرا وتوثيقه أياه بحسب ظنه)
وقال عباد بن منصور(25)سمعت الحسن يقول: ما حدثني به رجلان قلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال ابن عون قال بكر المزني للحسن وأنا عنده : عمن هذه الأحاديث التي تقول فيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عنك وعن هذا."
( قلت : وقال العلائي(26): "وهذا كله يرد ما ذكر عن الحسن أنه قال كنت إذا اجتمع لي أربعة نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركتهم رجاء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مع أنه لم أجده مسندا بل هو في كتبهم هكذا منقطعا" اهـ )
والخلاصة فيما ذكرففيه تقوية في الجملة لمراسيل الحسن ، وليست تصحيحاً لمفردات رواياتها ، ولم تسلَّم هذه ليحيى القطان : فعن عبد الله بن عون ، وهو من تلامذة الحسن ، قال : " كان الحسن يحدثنا بأحاديث ، لو كان يسندها كان أحب إلينا "(27).))
------------------
وأمَّا مَرَاسيلُ النَّخعي فقال ابن معين(28): مَرَاسيل إبراهيم أحب إليَّ من مَرَاسيل الشَّعبي.
وعنهُ أيضًا: أعجب إلىَّ من مُرْسلات سالم بن عبد الله, والقاسم, وسعيد بن المُسيب.
وقال أحمد(29): ( مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات ، ومرسلات إبراهيم لا بأس بها ، وليس في المرسلات أضعف من مراسيل الحسن وعطاء بن أبي رباح ، فإنهما يخذان عن كل ).
((قلت : هذا دال على شدة تحري إبراهيم ، حيث وجدوا أكثر مراسيله مروية من وجوه صحاح ، وليس فيه تصحيح مرسله لذاته ، ولذلك استثنوا بعض ما روى ، فالصحة لها مكتسبة بأمر خارجي . ))
وقال الأعمش: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ: أَسْنِدْ لِي عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُم عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، فَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ، وَإِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ، فَهُوَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ..(30)
((قال ابن عبد البر(31): " في هذا الخبر ما يدل على أن مراسيل إبراهيم النخعي أقوى من مسانيده ، وهو لعمري كذلك ، إلا أن إبراهيم ليس بعيار على غيره " ))
-------------------
قال السيوطي(32): " مراسيل أُخر ذكرها التِّرمذي في «جامعه» وابن أبي حاتم وغيرهما.
مراسيل الزُّهْري(33): قال ابن معين ويحيى بن سعيد القَطَّان: ليس بشيء, وكذا قال الشَّافعي, قال: لأنَّا نجدهُ يروي عن سُليمان بن أرقم.
وروى البَيْهقي عن يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ أنه قالَ: مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ حَافِظٌ، وَكُلُّ مَا قَدِرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَه..(34)
(( قال الذهبي رحمه الله(35):" قُلْتُ: مَرَاسِيْلُ الزُّهْرِيِّ كَالمُعْضَلِ؛ لأَنَّهُ يَكُوْنُ قَدْ سَقَطَ مِنْهُ اثْنَانِ، وَلاَ يَسُوغُ أَنْ نَظُنَّ بِهِ أَنَّهُ أَسقَطَ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَه عَنْ صَحَابِيٍّ لأَوضَحَهُ، وَلَمَا عَجِزَ عَنْ وَصْلِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ يَقُوْلُ: عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ عَدَّ مُرْسَلَ الزُّهْرِيِّ كَمُرْسَلِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَدرِ مَا يَقُوْلُ، نَعَمْ، مُرْسَلُه كَمُرْسَلِ قَتَادَةَ، وَنَحْوِه. "))
وكان يحيى بن سعيد لا يَرَى إرْسَال قتادة شيئا ويقول: هو بمنزلة الرِّيح.(36)
وقال يحيى بن سعيد(37): مُرْسَلاَتُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ مُرْسَلاَتِ عَطَاءٍ.. قُلْتُ لِيَحْيَى مُرْسَلاَتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مُرْسَلاَتُ طَاوُسٍ قَالَ مَا أَقْرَبَهُمَا. قَالَ عَلِىٌّ وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ مُرْسَلاَتُ أَبِى إِسْحَاقَ عِنْدِى شِبْهُ لاَ شَىْءَ وَالأَعْمَشُ وَالتَّيْمِىُّ وَيَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ وَمُرْسَلاَتُ ابْنِ عُيَيْنَةَ شِبْهُ الرِّيحِ. ثُمَّ قَالَ إِى وَاللَّهِ وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ. قُلْتُ لِيَحْيَى فَمُرْسَلاَتُ مَالِكٍ قَالَ هِىَ أَحَبُّ إِلَىَّ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى لَيْسَ فِى الْقَوْمِ أَحَدٌ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ مَالِكٍ..
وعَنْ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ. قَالَ يَحْيَى مَا فِى الْقَوْمِ أَحَدٌ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ كَانَ مَالِكٌ إِمَامًا فِى الْحَدِيثِ..(38)
وقال أيضًا: سُفيان عن إبراهيم شبه لا شيء, لأنَّه لو كان فيه إسناد صاح به(39).
وقال: مُرْسلات أبي إسْحَاق الهَمَداني, والأعْمَش, والتَّيمي, ويحيى بن أبي كثير شبه لا شيء, ومُرسلات إسْمَاعيل بن أبي خالد ليسَ بشيء ومُرْسلات عَمرو بن دينار أحب إليَّ, ومُرْسلات مُعاوية بن قُرَّة أحب إليَّ من مُرْسلات زيد بن أسلم, ومُرْسلات ابن عُيينة شِبْه الرِّيح, وسُفيان بن سعيد, ومُرْسلات مالك بن أنس أحب إليَّ, وليسَ في القَوْمِ أصح حديثًا منهُ(40).
((قلت : وقولهم : ( مراسيل فلان أحب من مراسيل فلان ) ليس تصحيحاً لها ، وإنما هو ترجيح في القوة مقارنة بينهما . ))
وقال ابن رجب الحنبلي(41):
" وكلام يحيى بن سعيد في تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أربعة أسباب :
أحدها : ما سبق من أن من عرف روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره .
والثاني : أن من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك . وهذا معنى قوله : (( مجاهد عن علي ليس به بأس ، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي )) .
والثالث : أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه ، ويثبت في قلبه ، ويكون فيه ما لا يجوز الاعتماد عليه ، بخلاف من لم يكن له قوة الحفظ ، ولهذا كان سفيان إذا مر بأحد يتغنى بسد أذنيه ، حتى لا يدخل إلى قلبه ما يسمعه منه فيقر فيه .
وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثاً وقال : (( ليس هو من حديثك إنما ذوكرت به ، فوقع في قلبك ، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه وليس هو من حديثك )) .
وقال الحسين بن حريث سمعت وكيعاً يقول : (( لا ينظر رجل في كتاب لم يسمعه ، لا يأمن أن يعلق قلبه منه )) .
وقال الحسين بن الحسن المروزي سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : (( كنت عند أبي عوانة فحدث بحديث عن الأعمش ، فقلت : ليس هذا من حديثك . قال : بلى . قلت : لا . قال : بلى . قلت : لا . قال : يا سلامة هات الدرج ، فأخرجت فنظر فيه فإذا ليس الحديث فيه . فقال : صدقت يا أبا سعيد ، فمن أين أتيت ؟ قلت : ذوكرت به وأنت شاب ، فظننت أنك سمعته )) .
الرابع : أن الحافظ إذا روى عن قة لا يكاد يترك اسمه ، بل يسميه ، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي ، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيراً ، يكنون عن الضعيف ولا يسمونه ، بل يقولون : عن رجل )) . وهذا معن قول القطان : (( لو كان فيه إسناد لصاح به )) . يعني لو كان أخذه عن ثقة لسماه وأعلن باسمه .
وخرج البيهقي من طريق أبي قدامة السرخسي ، قال سمعت يحيى ابن سعيد يقول : (( مرسل الزهري شر من مرسل غيره ، لأنه حافظ ، وكلما يقدر أن يسمي سمى ، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه)) . "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 144) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 350) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 118)
(2) - معرفة علوم الحديث ص 25-27
(3) - سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل وقال بن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين ع .تقريب التهذيب (2396 )
(4) - عطاء بن أبي رباح بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال من الثالثة مات سنة أربع عشرة على المشهور وقيل إنه تغير بأخرة ولم يكثر ذلك منه ع .تقريب التهذيب4591 )
(5) - الحسن بن أبي الحسن البصري الإمام أبو سعيد مولى زيد بن ثابت وقيل مولى جميل بن صفحة خالية قطبة وقيل غير ذلك وأبوه يسار من سبي ميسان أعتقته الربيع بنت النضر ولد الحسن زمن عمر وسمع عثمان وشهد الدار بن أربع عشرة سنة وروى عن عمران بن حصين وأبي موسى وابن عباس وجندب وعنه بن عون ويونس وأمم كان كبير الشأن رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل مات في رجب سنة عشرة ومائة ع . الكاشف (1022 )
(6) - إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه ثقة إلا أنه يرسل كثيرا من الخامسة مات سنة ست وتسعين وهو بن خمسين أونحوها ع .تقريب التهذيب270 )
(7) - سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم أبو العلاء المصري قيل مدني الأصل وقال بن يونس بل نشأ بها صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط من السادسة مات بعد الثلاثين وقيل قبلها وقيل قبل الخمسين بسنة ع. تقريب التهذيب (2410 )
(8) - مكحول الشامي أبو عبد الله ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور من الخامسة مات سنة بضع عشرة ومائة ر م 4 .تقريب التهذيب (6875 )
(9) - سنن أبى داود (3661) صحيح
(10) - قلت : وينبغي أن يلحق بمراسيل سعيد أصحاب الطبقة الثانية من المخضرمين من التابعين ، وكبار التابعين الذين هم بسن سعيد أو أكبر منه كمسروق وقيس بن أبي حازم
(11) - سنن الترمذى(4398 ) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 350) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 118) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 375) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 193) ومقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 233) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 243) وتهذيب التهذيب - (ج 7 / ص 182)
(12) - سير أعلام النبلاء (5/87) وتهذيب الكمال 20/83
(13) - التهذيب 3/266 وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 118) وتهذيب التهذيب - (ج 2 / ص 232) وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى - (ج 1 / ص 168)
(14) - تهذيب الكمال 6/126 وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 118) والسير (4/577) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 2 / ص 299) قلت : ليته بيَّن هذه الأحاديث
(15) - شرح علل الترمذي 1/275 وسنن الترمذى ( 4399) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 118) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 191) وأخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " ( 1 / 57 )
(16) - تاريخ البخاري - (ج 3 / ص 10)[ 1470 ]
(17) - خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى - (ج 1 / ص 168) وتهذيب الكمال 6/124
(18) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 509 ] (6338 )
(19) - لسان الميزان[ ج 2 - ص 84 ](338 )
(20) - (ج 1 / ص 35)[ 135 ]
(21) - الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 7 / ص 158) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 6 / ص 125)
(22) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 97)
(23) - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (ج 1 / ص 57)
(24) - جامع التحصيل - (ج 1 / ص 19)
(25) - عباد بن منصور الناجي بالنون والجيم أبو سلمة البصري القاضي بها صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بأخرة من السادسة مات سنة اثنتين وخمسين خت 4 .تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 291 ] (3142 )
(26) - جامع التحصيل - (ج 1 / ص 19)
(27) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 124) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 191) والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (ج 1 / ص 57) وسنده صالح
(28) - في تاريخه: 2 / 18و سير أعلام النبلاء (4/523) وتاريخ دمشق - (ج 25 / ص 419) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 2 / ص 238) وتهذيب التهذيب - (ج 1 / ص 155) وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى - (ج 1 / ص 52)
(29) - شرح علل الترمذ لابن رجب 1/295
(30) - سير أعلام النبلاء (4/528) وتهذيب التهذيب - (ج 1 / ص 155) وإسناده صحيح
(31) - التمهيد ( 1 / 38 ) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 192)
(32) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 145)
(33) - شرح علل الترمذي لابن رجب (ج 1 / ص 195) والموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 6) وسير أعلام النبلاء (5/339) وجامع التحصيل (ج 1 / ص 23) والمراسيل لابن أبي حاتم ج1/ص4
(34) - سير أعلام النبلاء (5/338)
(35) - سير أعلام النبلاء (5/338)
(36) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 195) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 193) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 26 / ص 444) وتهذيب التهذيب - (ج 9 / ص 398) وجامع التحصيل - (ج 1 / ص 6) والمراسيل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 1)
(37) - سنن الترمذى(4398 ) وشرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 193) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 376) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 193) وتاريخ دمشق - (ج 40 / ص 403) وتهذيب الكمال للمزي - (ج 27 / ص 235) وتهذيب التهذيب - (ج 4 / ص 13) وجامع التحصيل - (ج 1 / ص 6)
(38) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 151) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 376) وجامع التحصيل - (ج 1 / ص 6) والمراسيل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 1) وزاد قال يحيى وكل ضعيف
(39) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 376) والمراسيل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 1)
(40) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 195) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 376) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 194) وجامع التحصيل - (ج 1 / ص 6) والمراسيل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 1)
(41) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 195) الشاملة و ج:1 ص:185-186 العتر(1/146)
الأحاديثُ المرسلة في صحيح مسلم
" وقعَ في «صحيح» مسلم أحاديث مُرسلة, فانْتُقدت عليه, وفيها ما وقع الإرْسَالُ في بعضهِ, فأمَّا هذا النَّوع فعُذْره فيه أنَّه يُوردهُ مُحتجًّا بالمُسْند منه, لا بالمُرْسل, ولم يقتصر عليه للخلاف تقطيع في الحديث, على أنَّ المُرْسل منه قد تبيَّن اتِّصاله من وجه آخر, كقوله في كِتَاب البيوع وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الزَّرْعُ بِالْقَمْحِ وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْقَمْحِ.
قَالَ وَأَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « لاَ تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ وَلاَ تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ »
وَقَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِى بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِى غَيْرِ ذَلِكَ..(1)
وحديث سعيد وصلهُ من حديث سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ.(2), ومن حديث سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ أَرْضٍ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلاَ تَبِيعُوهَا ». فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ مَا قَوْلُهُ وَلاَ تَبِيعُوهَا يَعْنِى الْكِرَاءَ.قَالَ نَعَمْ.(3)
ومن حديث أبي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنُصِيبُ مِنَ الْقِصْرِىِّ وَمِنْ كَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُحْرِثْهَا أَخَاهُ وَإِلاَّ فَلْيَدَعْهَا ».(4)
وأخرجه هو والبُخَاري من حديث عَطَاء عن جابر.(5)
وحديث سالم وصلهُ من حديث من طريق ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ وَلاَ تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ سَوَاءً.(6).
وأخرج في الأضَاحي من حديث مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ: صَدَقَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حِضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ادَّخِرُوا ثَلاَثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِىَ ». فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَمَا ذَاكَ ». قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. فَقَالَ « إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِى دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا »..(7)
فالأول مُرْسل, والآخر مُسْند وبه احتجَّ, وقد وصلَ الأوَّل من حديث من حديث الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِى بَعْدَ ثَلاَثٍ. قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ لُحُومَ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ بَعْدَ ثَلاَثٍ..(8)
وفيه من هذا النَّمط نحو عَشْرة أحاديث, والحكمة في إيراد ما أوردهُ مُرْسلاً بعد إيراده مُتَّصلاً, إفادة الاختلاف الواقع فيه.
ومِمَّا أوردهُ مُرْسلاً, ولم يصله في موضع آخر: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاَءِ بْنُ الشِّخِّيرِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا..(9)
لم يُرو موصولاً عن الصَّحابة من وجه يصح.اهـ
قلت :
قد ورد نحوه مرفوعا وموقوفا
ففي سنن الدارقطنى (4323 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْمَاطِىُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَحَادِيثَنَا يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَنَسْخِ الْقُرْآنِ ».
وهذا الحديث فيه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِىُّ فيه كلام كثير وغيره فلا يصح رفعه
والموقوف كما في سنن الدارقطنى (4324 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَزَّازُ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِى صَخْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِى يُحَدِّثُنِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ الْقَوْلَ ثُمَّ يَلْبَثُ حِينًا ثُمَّ يَنْسَخُهُ بِقَوْلٍ آخَرَ كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا. 4/146( وهذا إسناده أمثل)
لكن الظاهر منه أن الإمام مسلم ساقه مساق المقاطيع ، وهي الموقوفة على التابعين ، لا مساق المراسيل ، فإنه وإن كان متعلقاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه مما يقال مثله بالرأي والاجتهاد ، فليس له حكم الرفع أصلاً .
ولذا قال الإمام النووي رحمه الله عقبه(10):
"وَمُرَاد مُسْلِم بِرِوَايَتِهِ هَذَا الْكَلَام عَنْ أَبِي الْعَلَاء أَنَّ حَدِيث الْمَاء مِنْ الْمَاء مَنْسُوخ ، وَقَوْل أَبِي الْعَلَاء أَنَّ السُّنَّة تَنْسَخ السُّنَّة هَذَا صَحِيح .
قَالَ الْعُلَمَاء : نَسْخُ السُّنَّة بِالسُّنَّةِ يَقَع عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه :
أَحَدهَا نَسْخ السُّنَّة الْمُتَوَاتِرَة بِالْمُتَوَاتِرَةِ .
وَالثَّانِي نَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِمِثْلِهِ .
وَالثَّالِث نَسْخُ الْآحَاد بِالْمُتَوَاتِرَةِ .
وَالرَّابِع نَسْخُ الْمُتَوَاتِر بِالْآحَادِ ، فَأَمَّا الثَّلَاثَة الْأُوَل فَهِيَ جَائِزَة بِلَا خِلَاف ، وَأَمَّا الرَّابِع فَلَا يَجُوز عِنْد الْجَمَاهِير ، وَقَالَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر : يَجُوز . وَاللَّهُ أَعْلَم ."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (3958 )
(2) - صحيح مسلم (4015 )
(3) - صحيح مسلم (4004 )
(4) - برقم( 4005 )
(5) - البخاري برقم( 2340 و2632 ) ومسلم برقم(3997-4002)
(6) - صحيح مسلم (3957 )
(7) - صحيح مسلم (5215 )
الحضرة : الوقت ، الدافة : الجماعة ، دف : أسرع والمراد جاءوا مسرعين لضر نزل بهم الودك : دسم اللحم والشحم
(8) - صحيح مسلم (5214 )
(9) - صحيح مسلم (803 )
(10) - شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 58)(1/147)
7- مرسَلُ الصحابيِّ:
هو ما أخبر به الصحابي عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو فعله ، ولم يسمعه أو يشاهده ، إما لصغر سنه أو تأخر إسلامه أو غيابه ، ومن هذا النوع أحاديث كثيرة لصغار الصحابة كابن عباس وابن الزبير وغيرهما .
8- حكمُ مرسَل الصحابي(1):
" أمَّا مرسله كإخباره عن شيء فعلهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أو نحوهُ مِمَّا يعلم أنَّه لم يحضرهُ لِصَغر سِنِّه أو تأخَّر إسْلامه فمحكومٌ بصحَّته على المَذْهب الصَّحيح الذي قطعَ به الجُمهور من أصحابنَا وغيرهم, وأطبقَ عليه المحدِّثُون المُشْترطون للصَّحيح, القائلون بضعف المُرْسل, وفي «الصَّحيحين» من ذلك ما لا يُحْصَى, لأنَّ أكثر رواياتهم عن الصَّحابة وكلهم عُدول, ورِوَاياتهم عن غيرهم نادرة, وإذا رووها بُينُوهَا, بل أكثر ما رواه الصَّحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة, بل إسْرَائيلياتٌ, أو حِكَاياتٌ, أو موقوفات.
وقيل: إنَّه كمُرسل غيره لا يحتجُّ به إلاَّ أن تتبيِّنٌ الرِّواية عن صحابي ، زاده المصنِّف على ابن الصَّلاح, وحكاهُ في «شرح المهذب» عن أبي إسحاق الإسفرايني وقال: الصَّواب الأول. "(2)
قلت : قال الإمام النووي رحمه الله(3):
" أَمَّا مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ كَإِخْبَارِهِ عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ , أَوْ لِتَأَخُّرِ إسْلَامِهِ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا , وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ حُجَّةٌ , وَأَطْبَقَ الْمُحَدِّثُونَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلصَّحِيحِ الْقَائِلُونَ : بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ , وَإِدْخَالِهِ فِي الصَّحِيحِ , وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا مَا لَا يُحْصَى .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ أَصْحَابِنَا : لَا يُحْتَجُّ بِهِ , بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مُرْسَلِ غَيْرِهِ , إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ صَحَابِيٍّ , قَالَ : لِأَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ صَحَابِيٍّ , وَحَكَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَآخَرُونَ : هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَنْسِبُوهُ , وَعَزَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّبْصِرَةِ إلَى الْأُسْتَاذِ أَبِي إسْحَاقَ .
وَالصَّوَابُ : الْأَوَّلُ , وَأَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ نَادِرَةٌ , وَإِذَا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا , فَإِذَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنِ الصَّحَابَةِ , وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . "
------------------
تحقيق الزركشي في هذا الموضوع
قال الرزكشيُّ رحمه الله(4):
" اخْتَلَفَ مُسْقِطُو الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ ، كَقَوْلِ أَنَسٍ قَالَ ذُكِرَ لِى أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ « مَنْ لَقِىَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ » . قَالَ أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ « لاَ ، إِنِّى أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا » .(5).
قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابِيِّ لَا لِلشَّكِّ فِي عَدَالَتِهِ ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْوِي الرَّاوِي عَنْ تَابِعِيٍّ ، وَعَنْ أَعْرَابِيٍّ لَا يَعْرِفُ صُحْبَتَهُ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَرْوِي لَكُمْ إلَّا مِنْ سَمَاعِي أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ ، وَجَبَ عَلَيْنَا قَبُولُ مُرْسَلِهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ مَقْبُولَةٌ لِكَوْنِ جَمِيعِهِمْ عُدُولًا ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا أَرْسَلُوهُ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَمَّا مَا رَوَوْهُ عَنْ التَّابِعِينَ ، فَقَدْ بَيَّنُوهُ ، وَهُوَ أَيْضًا قَلِيلٌ نَادِرٌ ، لَا اعْتِبَارَ بِهِ .
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ .
قَالَ : وَمَنْ قَبِلَ الْمُرْسَلَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ مَا أَرْسَلَهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ الصَّحَابِيِّ ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَنْ بَعْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ بِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ دُونَ مَنْ قَصُرَ عَنْهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ جَمِيعِ التَّابِعِينَ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ مَنْ عُرِفَ فِيهِ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِ شُيُوخِهِ وَالتَّحَرِّي فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ ، دُونَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ ذَلِكَ .
قَالَ الْخَطِيبُ : وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ سُقُوطُ فَرْضِ اللَّهِ بِالْمُرْسَلِ ؛ لِجَهَالَةِ رُوَاتِهِ ، وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ الْخَبَرِ إلَّا مِمَّنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْسِلُ : حَدَّثَنِي الْعَدْلُ الثِّقَةُ عِنْدِي بِكَذَا ، لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَذْكُرُوا اسْمَهُ .ا هـ .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر المستصفى - (ج 1 / ص 340) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 246) وتيسير التحرير - (ج 3 / ص 96) ومذكرة أصول الفقه - (ج 1 / ص 43) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد - الرقمية - (ج 1 / ص 103) وشرح التلويح على التوضيح - (ج 2 / ص 15) وشرح الكوكب المنير - (ج 2 / ص 581) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 119) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 126)
(2) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 220) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 148)
(3) - المجموع شرح المهذب - (ج 1 / ص 62)
(4) - البحر المحيط - (ج 6 / ص 2)
(5) - صحيح البخارى (129 )(1/148)
9- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) المراسيل لأبي داود.
وعدد أحاديثه حوالي (544 ) حديثاً مرسلا حسب طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق شيخنا الشيخ شعيب الأرناؤوط .
وحسب موقع جامع الحديث(1)عددها حوالي (515) والسبب في الاختلاف أنهم لا يضعون رقما جديدا للمتابعات .
وفيها الصحيح المرسل والحسن المرسل والضعيف المرسل .
وهو مرتب على الأبواب الفقهية
أمثلة :
مراسيل أبي داود (2 )حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا هشام بن حسان ، عن الحسن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء قال : « اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث ، الرجس النجس ، الشيطان الرجيم »(2)وهذا إسناد صحيح مرسل
وقد ورد مرفوعا وموقوفا :
ففي سنن ابن ماجه (316 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَعْجِزْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجَسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ».
قلت : وهذا الطريق ضعيف
وفي مصنف ابن أبي شيبة (ج 1 / ص 1)(2) حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ قَاسِمٍ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ ، فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ.( وهذا حديث حسن )
(3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : حدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاق ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ : إذَا دَخَلْتَ الْغَائِطَ ، فَأَرَدْتَ التَّكَشُّفَ ، فَقُلِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ ، وَالْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ، وَالشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.( وهذا فيه جهالة )
(4) حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ جُوَيْبِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، قَالَ : كَانَ حُذَيْفَةُ إذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ ، قَالَ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ ، الْخَبِيثِ الْمُخْبَثِ ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.( وهذا سنده واه جويبر متروك والضحاك لم يسمع من حذيفة )
(5) حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، وَهُوَ نَجِيحٌ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ ، قَالَ : بِسْمِ اللهِ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ.( وهذا فيه ضعف أبو معشر ضعيف )
(6) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ الْعَبْدِيِّ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ ، قَالَ : إذَا دَخَلْتَ الْخَلاَءَ فَقُلِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ ، الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.( وهذا مقطوع )
وفي الدعاء للطبراني(332 )حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصري ، ثنا يوسف بن عدي ، ثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء قال : « اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم » (وهذا فيه ضعف إسماعيل ضعيف)
(333 ) حدثنا يحيى بن أيوب العلاف ، وأحمد بن حماد بن زغبة المصريان ، قالا : ثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأ يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا يعجزن أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم » ( وهذا إسناد ضعيف )
( 334 ) حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبد الحميد بن صالح ، ح وحدثنا أحمد بن بشير الطيالسي ، ثنا خالد بن مرداس السراج ، قالا : ثنا حبان بن علي ، عن إسماعيل بن رافع ، عن دويد بن نافع ، عن ابن عمر ، رضي الله عنه قال : « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال : » اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم « ( وهذا فيه ضعف ، إسماعيل وشيخه فيهما كلام )
فتحصَّل لدينا أن أقوى إسناد ورد به مارواه به أبو داود رحمه الله ، ولكن هذه الطرق تقوي بعضها بعضا ، وتجعلنا نحكم عليه بالحسن لغيره .
مثال آخر :
مراسيل أبي داود (3 ) حدثنا هشام بن خالد ، أخبرنا الوليد ، عن ابن جابر ، عن مكحول قال : « نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبال بأبواب المساجد »
قلت : وهذا إسناد صحيح مرسل ، وقد رواه ابن شبة في تاريخ المدينة - (ج 1 / ص 36) حدثنا الحكم بن موسى قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال،حدثنا ابن جابر، أنه سمع مكحولا رضي الله عنه يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبال بأبواب المساجد . ( وفيه تصريح الوليد بالتحديث )
وله شاهد آخر بنحوه عند ابن شبة في تاريخ المدينة - (ج 1 / ص 37) حدثنا عمرو بن مرزوق قال، حدثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة، عن أبي مجلز: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يدع أحدا يبول في قبلة المسجد.( وهذا إسناد صحيح مرسل )
وهو عند ابي داود في المراسيل( 14 ) حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن عمارة ، عن أبي مجلز ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - « أمر عمر أن ينهى أن يبال في قبلة المسجد »
وقال الشيخ ناصر رحمه الله :
" هذا وبعد الوقوف على إسنادي الحديث ، وتبين كونهما صحيحين مرسلا ، انقدح في النفس أن أحدهما يقوي الآخر ، ذلك لأن الأول من رواية مكحول وهو شامي ثقة توفي سنة بضع عشرة و مائة ، والآخر من رواية أبي مجلز - واسمه لاحق بن حميد - بصري ثقة أيضا مات سنة ست ، وقيل تسع ومائة ، فيكون شيوخ هذا غير شيوخ ذاك ، فيغلب على الظن والحالة هذه أن كلا منهما رواه عن شيخ غير شيخ الآخر ، فيقوي أحدهما الآخر ، كما أشار إلى ذلك الإمام الشافعي رحمه الله في " الرسالة " ، ونقله عنه غير واحد منهم الحافظ ابن رجب الحنبلي في " شرح علل الترمذي " ( 1 / 299 ) ، فليراجعه من شاء . ولذلك وجب نقل الحديثين من " ضعيف الجامع الصغير " ( 6015 و 6018 ) إلى " صحيح الجامع " ،لاسيما ويشهد له الأحاديث الواردة بالأمر بتطهير المساجد وتنظيفها وتجميرها "
مثال آخر :
(4) - حدثنا عمرو بن عون ، أخبرنا وكيع ، عن زمعة بن صالح ، عن عيسى بن أزداد ، عن أبيه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" إذا بال أحدكم فلينتر(3)ذكره ثلاثا "
وهو عند سنن ابن ماجه (349 ) عَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ الْيَمَانِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
ومصنف ابن أبي شيبة (ج 1 / ص 161)(1720و1722) ومسند أحمد(19053) والتلخيص الحبير 1/108
وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(6073 ) حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا يوسف القاضي ، ثنا مسدد ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا زمعة بن صالح ، ثنا عيسى بن يزداد ، عن أبيه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات » رواه سفيان بن عيينة ، وأبو أحمد الزبيري ، ووكيع ، وإسماعيل بن عياش ، والمعتمر ، وعبد الرزاق ، وأبو نعيم ، وأبو داود ، وأبو عاصم ، كلهم عن زمعة ، ورواه روح بن عبادة ، عن زكريا بن إسحاق ، وزمعة ، عن عيسى مثله
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لضعف زمعة بن صالح الجندي وعيسى بن يزداد وأبوه مجهولان قال ابن معين : لا يعرف من عيسى ولا أبوه
وقال الذهبي في الكاشف (4406 ) عيسى بن يزداد اليماني عن أبيه وعنه زكريا بن إسحاق وزمعة قال البخاري لا يصح حديثه ق
وفي المراسيل لابن أبي حاتم (886 ) سمعت أبي يقول عدي بن يزداد الذي روى عنه زمعة بن صالح الذي يروي عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ليس لأبيه صحبة
قلت : فهذا الحديث لا يصح موصولا ولا مرسلاً ، فهو ضعيف .
حكم نتر الذكر عند الفقهاء(4)
- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ النَّتْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أ - الْقَوْل الأَْوَّل : وُجُوبُ النَّتْرِ ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ(5)، وَالْمَالِكِيَّةِ(6)، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ(7)وَالْبَغَوِيُّ(8)وَالنَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَصَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوُجُوبَ عَلَى مَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ(9).
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ : " اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْل فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ "(10).
وَبِحَدِيثِ : " إِذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلاَثًا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الأَْمْرِ بِنَتْرِ الذَّكَرِ(11).
ب - الْقَوْل الثَّانِي : اسْتِحْبَابُ النَّتْرِ ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ(12)وَالْحَنَابِلَةِ(13)
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ انْقِطَاعِ الْبَوْل عَدَمُ عَوْدِهِ(14).
قلت : الصواب القول الثاني ، والله أعلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(15):
" التَّنَحْنُحُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَشْيُ وَالطَّفْرُ إلَى فَوْقٍ وَالصُّعُودُ فِي السُّلَّمِ وَالتَّعَلُّقُ فِي الْحَبْلِ وَتَفْتِيشُ الذَّكَرِ بِإِسَالَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ : كُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ وَكَذَلِكَ نَتْرُ الذَّكَرِ بِدْعَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لَمْ يُشَرِّعْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَكَذَلِكَ سَلْتُ الْبَوْلِ بِدْعَةٌ لَمْ يُشَرِّعْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالْبَوْلُ يَخْرُجُ بِطَبْعِهِ وَإِذَا فَرَغَ انْقَطَعَ بِطَبْعِهِ وَهُوَ كَمَا قِيلَ : كَالضَّرْعِ إنْ تَرَكْته قَرَّ وَإِنْ حَلَبْته دَرَّ . "
قلت : والصواب قول الجهمور ، فالحديث وإن كان ضعيفا ، والضعيف خير من رأي الرجال ، فقد عضده أمران:
الأول- ورود الأحدايث الصحيحة التي تأمر بالاستبراء من البول .
والثاني- جريان العمل عليه في كافة الأعصار ، فقد أخذ به سائر الأئمة ، فالأمر عندهم بين الوجوب وبين الاستحباب ، فلا يصحًّ والحالة هذه جعل هذا الفعل بدعة مذمومة ، ففي قول شيخ الإسلام ومن وافقه من المعاصرين نظر .
وهناك أمر ثالث وهو أنه يعمل بالحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب أقوى منه ، وهذا من هذا القبيل ، ومذهب أحمد وأبي داود وغيرهما على ذلك .
ب) المراسيل لابن أبي حاتم الرازي :
هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيُّ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَةٍ عَمِلَهَا لابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- قَدْ كَسَاهُ اللهُ نُوْراً وَبَهَاءً، يُسَرُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رَحَلَ بِي أَبِي سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَا احتَلَمْتُ بَعْدُ، فَلَمَّا بَلغْنَا ذَا الحُلَيْفَة، احْتَلَمْتُ، فَسُرَّ أَبِي، حَيْثُ أَدْرَكْتُ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ، فَسَمِعْتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ.
قُلْتُ: وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَالزَّعْفَرَانِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَلِيِّ بنِ المُنْذِرِ الطَّرِيْقِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَسَّانَ الأَزْرَقِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجُوْيَة، وَإِبْرَاهِيْمَ المُزَنِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ المُؤَذِّنِ، وَبَحْرِ بنِ نَصْرٍ، وَسَعْدَانَ بنِ نَصْرٍ، وَالرَّمَادِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَابْنِ وَارَةَ، وَخَلاَئِقَ مِنْ طَبَقَتِهِم، وَمِمَّنْ بَعْدَهُم بِالحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالعَجَمِ، وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ وَالجِبَالِ، وَكَانَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَدِيِّ، وَحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، وَالقَاضِي يُوْسُفُ المَيَانَجِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ بنُ حَيَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْدَك، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَصِيْرُ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسَدٍ الفَقِيْهُ، وَأَبُو عَلِيٍّ حَمْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزْدَادَ، وَأَخُوْهُ؛ أَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّصْر آبَاذِي، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القَصَّارُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: أَخَذَ أَبُو مُحَمَّدٍ عِلْمَ أَبِيْهِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَكَانَ بَحْراً فِي العُلُوْمِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ.صَنَّفَ فِي الفِقْهِ، وَفِي اختِلاَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَعُلَمَاءِ الأَمصَارِ.قَالَ: وَكَانَ زَاهِداً، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابٌ نَفِيْسٌ فِي (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ)، أَرْبَعُ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَابُ (الرَّدِ عَلَى الجَهْمِيَّةِ) مُجَلَّدٌ ضَخْمٌ، انتَخَبْتُ مِنْهُ، وَلَهُ (تَفْسِيْرٌ) كَبِيْرٌ فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، عَامَّتَهُ آثَارٌ بِأَسَانِيْدِهِ، مِنْ أَحسَنِ التَّفَاسِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ: صَنَّفَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (المُسْنَدَ) فِي أَلفِ جُزْءٍ، وَكِتَابَ (الزُّهْدِ)، وَكِتَابَ (الكُنَى)، وَكِتَابَ (الفَوَائِدِ الكَبِيْرِ)، وَفَوَائِدَ (أَهْلِ الرَّيِّ)، وَكِتَابَ (تَقْدِمَة الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)،قُلْتُ: وَلَهُ كِتَابُ (العِلَلِ)، مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ، المَذْكُوْرُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المِصْرِيَّ - وَنَحْنُ فِي جَنَازَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ - يَقُوْلُ: قَلَنْسُوَة عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا هُوَ بَعَجَبٍ، رَجُلٌ مُنْذُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً عَلَى وَتِيْرَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَنْحَرِفْ عَنِ الطَّرِيْقِ.
وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَرَضِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِمَّن عَرَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ذَكَرَ عَنْهُ جَهَالَةً قَطُّ.وَسَمِعْتُ عَبَّاسَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ قَالَ: وَمَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لاَ أَعْرِفُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَنْباً.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَدَعْنِي أَبِي أَشتَغِلُ فِي الحَدِيْثِ حَتَّى قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى الفَضْلِ بنِ شَاذَانَ الرَّازِيِّ، ثُمَّ كَتَبْتُ الحَدِيْثَ.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ السُّنَّةَ بِالرَّيِّ خُتِمَتْ بِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَمَرَ بِدَفْنِ الأُصُوْلِ مِنْ كُتُبِ أَبِيْهِ وَأَبِي زُرْعَةَ، وَوَقَفَ تَصَانِيْفَهُ، وَأَوْصَى إِلَى الدَّرِسْتينِي القَاضِي.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الحَافِظَ يَحْكِي عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الدَّرِسْتِيْنِي، أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ كَانَ يَعْرِفُ الاسْمَ الأَعْظَمَ، فَمَرِضَ ابْنُهُ فَاجتَهَدَ أَنْ لاَ يَدْعُوَ بِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنَالُ بِهِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ العِلَّةُ، حَزِنَ، وَدَعَا بِهِ، فَعُوفِي، فَرَأَى أَبُو حَاتِمٍ فِي نَوْمِهِ: اسْتَجَبْتُ لَكَ وَلَكِن لاَ يُعقِبُ ابْنُك.
فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَعَ زَوْجَتِهِ سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَلَمْ يُرْزَقْ وَلَداً، وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَا مَسَّهَا.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الخُوَارِزْمِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ يَقُوْلُ: كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، لَمْ نَأْكُلْ فِيْهَا مَرَقَةً، كُلُّ نَهَارِنَا مُقَسَّمٌ لِمَجَالِسِ الشُّيُوْخِ، وَبَاللَّيْلِ: النَّسْخُ وَالمُقَابَلَةُ.قَالَ: فَأَتَيْنَا يَوْماً أَنَا وَرَفِيْقٌ لِي شَيْخاً، فَقَالُوا: هُوَ عَلِيْلٌ، فَرَأَينَا فِي طَرِيْقِنَا سَمَكَةً أَعْجَبَتْنَا، فَاشتَرِيَنَاهُ، فَلَمَّا صِرنَا إِلَى البَيْتِ، حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِسٍ، فَلَمْ يمكنَا إِصْلاَحه، وَمَضَينَا إِلَى المَجْلِسِ، فَلَمْ نَزَلْ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَكَادَ أَنْ يَتَغَيَّرَ، فَأَكَلْنَاهُ نِيْئاً، لَمْ يَكُنْ لَنَا فَرَاغٌ أَنْ نُعْطِيَهْ مَنْ يَشْوِيه.ثُمَّ قَالَ: لاَ يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ.
قَالَ الخَطِيْبُ الرَّازِيُّ: كَانَ لعَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَلاَثُ رحْلاَتٍ: الأُوْلَى مَعَ أَبِيْهِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَسَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ حَجَّ وَسَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ حَمَّادٍ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ بِنَفْسِهِ إِلَى السَّوَاحِلِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَلَقِيَ يُوْنُسَ بنَ حَبِيْبٍ.
سَمِعْتُ الوَاعِظَ أَبَا عَبْدِ اللهِ القَزْوِيْنِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا صَلَّيْتَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَسَلِّمْ إِلَيْهِ نَفْسْكَ، يَعْمَلُ بِهَا مَا شَاءَ. دَخَلْنَا يَوْماً بِغلس عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَكَانَ عَلَى الفِرَاشِ قَائِماً يُصَلِّي، وَرَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوْعَ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ: قَالَ: وَجَدْتُ أَلْفَاظَ التَّعْدِيْلِ وَالجَرْحِ مَرَاتِبَ: فَإِذَا قِيْلَ: ثِقَةٌ: أَوْ: مُتْقِنٌ، احْتُجَّ بِهِ.
وَإِن قِيْلَ: صَدُوْقٌ، أَوْ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، أَوْ: لاَ بَأْسَ بِهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَيُنْظَرُ فِيْهِ وَهِيَ المَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ.
وَإِذَا قِيْلَ: شَيْخٌ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَهُوَ دُوْنَ مَا قَبْلَهُ.
وَإِذَا قِيْلَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثَهُ وَهُوَ دُوْنَ ذَلِكَ، يُكْتَبُ للاعتِبَارِ.
وَإِذَا قِيْلَ: لَيِّنٌ، فَدُوْنَ ذَلِكَ.
وَإِذَا قَالُوا: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، فَلاَ يُطْرَحُ حَدِيْثُهُ، بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ.
فَإِذَا قَالُوا: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ، أَوْ: ذَاهِبُ الحَدِيْثِ، أَوْ: كَذَّابٌ، فَلاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيُّ الزَّاهِدُ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ يَقُوْلُ: وَقَعَ عِنْدَنَا الغَلاَءُ، فَأَنْفَذَ بَعْضُ أَصْدِقَائِي حُبُوْباً مِنْ أَصْبَهَانَ، فَبِعْتُهُ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَسَأَلَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ دَاراً عِنْدَنَا، فَإِذَا جَاءَ يَنْزِلُ فِيْهَا، فَأَنْفَقْتُهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: اشتَرَيْتُ لَكَ بِهَا قَصْراً فِي الجَنَّةِ، فَبَعَثَ يَقُوْلُ: رَضِيْتُ، فَاكتُبْ عَلَى نَفْسِكَ صَكّاً، فَفَعَلْتُ، فَأُرِيْتُ فِي المَنَامِ: قَدْ وَفَّينَا بِمَا ضَمِنْتَ، وَلاَ تَعُدْ لِمِثْلِ هَذَا.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَهْرَوَيْه الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
إِنَّا لَنَطْعَنُ عَلَى أَقْوَامٍ، لَعَلَّهُم قَدْ حَطُّوا رِحَالَهُم فِي الجَنَّةِ، مِنْ أَكْثَرِ مِنْ مائَتَيْنِ سَنَة.
قُلْتُ: لَعَلَّهَا مِنْ مائَةَ سَنَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَبْلُغُ فِي أَيَّامِ يَحْيَى هَذَا القَدَرِ.
قَالَ ابْنُ مَهْرَوَيْه: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ كِتَابَ: (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا، فَبَكَى، وَارتَعَدَتْ يَدَاهُ، حَتَّى سَقَطَ الكِتَابُ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَسْتَعِيْدُنِي الحِكَايَةَ.
__________
(1) - http://www.alsunnah.com
(2) - الخبيث : الشيطان ، المخبث : الفاسد في نفسه والمفسد لأعوانه ، الرجس : اسم لكل مستقذر أو عمل قبيح
(3) - النتر : جذب فيه قوة وجفوة وَهُوَ بعثٌ عَلَى التطهير بالاستبراء من البول
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 40 / ص 63)
(5) - حاشية ابن عابدين 1 / 230 .
(6) - حاشية العدوي على شرح أبي الحسن 1 / 152 ، 153 ط دار الباز ، ومواهب الجليل 1 / 282 ، وحاشية الدسوقي 1 / 109 ، 110 .
(7) - نهاية المحتاج 1 / 142 .
(8) - شرح السنة 1 / 375 ط المكتب الإسلامي .
(9) - نهاية المحتاج 1 / 142 .
(10) - .سنن الدارقطنى (474 ) وهو صحيح لغيره
(11) - قد مر تخريجه
(12) - أسنى المطالب 1 / 49 ، ونهاية المحتاج 1 / 141 ، 142 ، وشرح المحلي مع القليوبي وعميرة 1 / 41 ط عيسى الحلبي .
(13) - الإنصاف 1 / 102 ، وكشاف القناع 1 / 65 .
(14) - أسنى المطالب 1 / 49 ، وشرح المحلي مع القليوبي وعميرة 1 / 41 .
(15) - مجموع الفتاوى - (ج 21 / ص 106)(1/149)
قُلْتُ: أَصَابَهُ عَلَى طَرِيْقِ الوَجَلِ وَخَوْفِ العَاقِبَةِ، وَإِلاَّ فَكَلاَمُ النَّاقِدِ الوَرِعِ فِي الضُّعَفَاءِ مِنَ النُّصْحِ لِدِيْنِ اللهِ، وَالذَّبِّ عَنِ السُّنَّةِ.
تُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِالرَّيِّ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً"(1).
وفي كتابه هذا يركز فيه على الرواة الذين أرسلوا الأحاديث ، ويتكلم عليهم راويا راويا ، ويذكر ذلك بالسند المتصل إليهم
وبدأه بمقدمة قصيرة حول بعض المراسيل وعدم حجية المرسل
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قال الإمام أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي رحمه الله
باب ما ذكر في الأسانيد المرسلة أنها لا تثبت بها الحجة
1 حدثنا أحمد بن سنان قال كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا ويقول هو بمنزلة الريح ويقول هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه
2 قرىء على عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليس بشيء
3 حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل حدثنا علي بن المديني قال قلت ليحيى بن سعيد سعيد بن المسيب عن أبي بكر قال ذاك شبه الريح
4 حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل حدثنا علي بن المديني قال مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير كان عطاء يأخذ عن كل ضرب
5 حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل حدثنا علي يعني ابن المديني قال سمعت يحيى يقول مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاء قلت مرسلات مجاهد أحب إليك أم مرسلات طاووس قال ما أقربهما
6 حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل حدثنا علي يعني ابن المديني قال سمعت يحيى يقول مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان عن إبراهيم قال يحيى وكل ضعيف
7 حدثنا صالح بن أحمد حدثنا علي يعني ابن المديني يقول سمعت يحيى يقول سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء لأنه لو كان فيه إسناد صاح به
8 حدثنا صالح بن أحمد قال حدثنا علي قال سمعت يحيى يقول مرسلات أبي إسحق يعني الهمداني عندي شبه لا شيء والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير يعني مثله
9 حدثنا صالح حدثنا علي قال سمعت يحيى يقول مرسلات ابن أبي خالد يعني إسماعيل بن أبي خالد ليس بشيء ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي
10 حدثنا صالح حدثنا علي قال سمعت يحيى يقول مرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات يزيد بن أسلم
11 حدثنا صالح بن أحمد حدثنا علي بن المديني سمعت يحيى ابن سعيد يقول مرسلات ابن عيينة شبه الريح ثم قال أي والله وسفيان بن سعيد قلت مرسلات مالك بن أنس قال هي أحب إلي ثم قال ليس في القوم أصح حديثا من مالك
12 حدثنا صالح حدثنا علي يعني ابن المديني سمعت يحيى يعني ابن سعيد القطان يقول كان شعبة يضعف إبراهيم عن علي
13 حدثني أبي قال سمعت يونس بن عبدالأعلى الصدفي يقول قال لي محمد بن إدريس الشافعي نقول الأصل قرآن أو سنة فإن لم يكن فقياس عليهما وإذا اتصل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصح الإسناد به فهو سنة وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع سعيد بن المسيب قال أبو محمد ابن أبي حاتم رحمه الله يعني ما عدا منقطع سعيد بن المسيب أن يعتبر به
14 حدثنا الربيع بن سليمان في كتاب الرسالة قال قال الشافعي رضي الله عنه المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر علمه بأمور
15 سمعت أبي وأبو زرعة يقولان لا يحتج بالمراسيل ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة وكذا أقول أخبرنا
-------------------
ثم بدأ بالكلام على مراسيل التابعين في الأغلب بقوله :
باب شرح المراسيل المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه والتابعين رضي الله عنهم ومن بعدهم على حروف الهجاء باب الألف
(1) إبراهيم النخعي
16 أخبرنا علي بن أبي طاهر القزويني فيما كتب إلي حدثنا أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم قال سمعت أبا عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل حدثني حماد بن خالد الخياط عن شعبة قال لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبدالله الجدلي حديث خزيمة بن ثابت في المسح
17 أخبرنا حرب بن إسماعيل فيما كتب إلي قال قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل أبو عبدالله الجدلي معروف قال نعم ووثقه ولكن شعبة قال إن إبراهيم لم يسمع من أبي عبدالله الجدلي
18 حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني سمعت مسددا يقول كان عبدالرحمن بن مهدي وأصحابنا ينكرون أن يكون إبراهيم سمع من علقمة
19 حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال قال علي بن المديني إبراهيم النخعي لم يلق أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت له فعائشة قال هذا شيء لم يروه غير سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم وهو ضعيف وقد رأى أبا جحيفة وزيد بن أرقم وابن أبي أوفى يعني عبدالله ولم يسمع منهم
20 قرىء على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى ابن معين يقول إبراهيم النخعي أدخل على عائشة أظن يحيى قال وهو صبي
21 سمعت أبي يقول لم يلق إبراهيم النخعي أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عائشة ولم يسمع منها شيئا فإنه دخل عليها وهو صغير وأدرك أنسا ولم يسمع منه
22 وقال أبو زرعة إن إبراهيم دخل على عائشة وهو صغير ولم يسمع منها شيئا
23 وقال أبو زرعة إبراهيم النخعي عن عمر مرسل وعن علي مرسل وعن سعد بن أبي وقاص مرسل
24 سمعت أبي يقول إبراهيم النخعي عن عمر مرسل
وآخر ترجمة فيه 492 ابن أخي سعد
973 قال أبو زرعة ابن أخي سعد عن سعد مرسل
قلت : لعله يقصد هذا الخبر الذي ورد في مصنف ابن أبي شيبة (ج 1 / ص 376)(3803) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي بِجَادٍ ، عَنْ سَعْدٍ ، قَالَ : وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ.
وقال البخاي : وروى داود بن قيس ، عن ابن نجاد ، رجل من ولد سعد ، عن سعد ، « وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة » وهذا مرسل وابن نجاد لم يعرف ولا سمي ولا يجوز لأحد أن يقول في القارئ خلف الإمام جمرة من عذاب الله وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا تعذبوا بعذاب الله » ، ولا ينبغي لأحد أن يتوهم ذلك على سعد مع إرساله وضعفه(2)
قلت : وعدد التراجم فيه حوالي (492) ترجمة
وهذا الكتاب وغيره يدلُّ على سعة علمه واطلاعه بالسنَّة النبوية ورجالها ، وعللها.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (13/264-269)(129 )
(2) - القراءة خلف الإمام للبخاري - (ج 1 / ص 20) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 2 / ص 468)(1/150)
ج) جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي(1)
هذا الكتاب بدأه مؤلفه رحمه الله بمقدمة قيمة حول أحكام المراسيل ، ثم أتبعه بالكلام على مراسيل التابعين ، ورتبهم على حروف المعجم .
أمثلة منه :
[ 1 ] أبان بن عفان رضي الله عنه له عن أبيه في صحيح مسلم حديث لا ينكح المحرم ولا ينكح وذكر ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أبي بكر الأثرم أنه سأل أحمد بن حنبل أبان سمع من أبيه قال لا من أين سمع منه
-------------------
ففي المراسيل لابن أبي حاتم (9 -أبان بن عثمان)(48) أخبرنا علي بن أبي طاهر فيما كتب إلي حدثنا أحمد بن محمد أبو بكر الأثرم قال قلت لأبي عبدالله يعني أحمد بن حنبل أبان بن عثمان سمع من أبيه قال لا من أين سمع منه
قلتُ :
قد صرح بالتحديث في صحيح مسلم وسائر كتب السنة عن أبيه
ففي صحيح مسلم(3512 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَقَالَ أَبَانٌ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ ».
(3513 ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ حَدَّثَنِى نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ بَعَثَنِى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَكَانَ يَخْطُبُ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ فَأَرْسَلَنِى إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ فَقَالَ: أَلاَ أُرَاهُ أَعْرَابِيًّا :« إِنَّ الْمُحْرِمَ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يُنْكَحُ ». أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عُثْمَانُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
والمثبت مقدم على النافي ، ولم يتهمه أحد بتدليس أو إرسال ، فلا تقبل هذه الراوية عن الإمام أحمد رحمه الله .
قال البخاري(2):"أبان بن عثمان بن عفان أبو سعيد الأموي القرشي مدني سمع عثمان بن عفان روى عنه الزهري قال لي يحيى بن سليمان قرئ على بن وهب عن مالك حدثني عبد الله بن أبي بكر أن أبا بكر كان يتعلم من أبان بن عثمان قال مالك وكان أبان علم أشياء من القضاء من أبيه عثمان"
وقال ابن أبي حاتم(3):"أبان بن عثمان بن عفان أبو سعيد سمع من عثمان بن عفان روى عنه أبو الزناد ونبيه بن وهب وعبد الله بن أبى بكر والزهري يعد في المدينيين سمعت أبى يقول ذلك "
قلتُ :
بل هناك روايات في مسند أحمد صحيحة تثبت أنه سمع من أبيه وهذه بعضها :
مسند أحمد (430) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَيُكَحِّلُ عَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ بِأَىِّ شَىْءٍ يُكَحِّلُهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يُضَمِّدَهُمَا بِالصَّبِرِ فَإِنِّى سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
(466) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِى زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَنَّاحٍ قَالَ رَأَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ جَنَازَةً فَقَامَ لَهَا وَقَالَ رَأَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ جَنَازَةً فَقَامَ لَهَا ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جَنَازَةً فَقَامَ لَهَا.
(484) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ قَالَ فِى أَوَّلِ يَوْمِهِ أَوْ فِى أَوَّلِ لَيْلَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَىْءٌ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ ».
(504) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ اشْتَكَى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ عَيْنَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ - قَالَ سُفْيَانُ - وَهُوَ أَمِيرٌ مَا يَصْنَعُ بِهِمَا قَالَ ضَمِّدْهُمَا بِالصَّبِرِ فَإِنِّى سَمِعْتُ عُثْمَانَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنْ رَسُو لِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
(505)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَنَّاحٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى جَنَازَةً مُقْبِلَةً فَلَمَّا رَآهَا قَامَ وَقَالَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَخْبَرَنِى أَنَّهُ رَأَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ.
(545)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ حَدَّثَنِى نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ بَعَثَنِى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَكَانَ يَخْطُبُ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ فَقَالَ أَلاَ أُرَاهُ أَعْرَابِيًّا « إِنَّ الْمُحْرِمَ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يُنْكِحُ ». أَخْبَرَنِى بِذَلِكَ عُثْمَانُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَدَّثَنِى نُبَيْهٌ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ.
ورأيت كذلك في ترجمته أنه روى عن زيد بن ثابت ، فقيل إن كان محفوظاً
قلتُ : وهذه روايته في مسند أحمد تثبت سماعه منه (22211) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ - مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْواً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَقُلْنَا مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلاَّ لِشَىْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : أَجَلْ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَداً إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعَوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ». وهو حديث صحيح
قلتُ :
وعلى ضوء هذا يجب علينا الانتباه أثناء النقل من هذه الكتب ، فليس كل من قيل فيه أرسل أو دلَّس صحًّ ذلك عنه ، فقد يكون اجتهادا من بعض علماء الجرح والتعديل ، ولكن لا بد من النظر بقول علماء الجرح والتعديل الآخرين ، وكذلك لا بد من النظر في الروايات هل صرح بالتحديث فيها أم لا .
[ 2 ] أبان عن أبي بن كعب وعنه محمد بن جحادة قال أبو حاتم هو مرسل
قلت :
وهذا حديثه أخرجه عَبْد بن حُمَيْد (175) قال : حدَّثني أبو الوَلِيد ، قال : حدَّثنا هَمَّام بن يَحيى ، حدَّثنا مُحَمد بن جُحَادَة ، قال : أخبرني رجلٌ يُقال له : أَبَان ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ؛أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلاً سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ، فَأَهْدَى إِلَيْهِ ثَوْبًا ، أَوْ قَالَ : خَمِيصَةً ، قَالَ : فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَهُ ، أُلْبِسْتَ ثَوْبًا مِنَ النَّارِ.
قلت : وأبان هذا مجهول غير معروف ، وأبي متقدم الوفاة فالمشهور أنه توفي سنة (19) هجرية .
[ 3 ] إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي قال يحيى بن معين وأبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئا ،وقال أبو زرعة إبراهيم بن جرير عن علي رضي الله عنه مرسل
قلت :
قال الذهبي(4):
"إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي عن أبيه وابن أخيه أبي زرعة وعنه أبان بن عبد الله وشريك قال ابن معين لم يسمع من أبيه وقال بن عدي أحاديثه مستقيمة د س ق "
وقال الحافظ ابن حجر(5):
"إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه وقد روى عنه بالعنعنة وجاءت رواية بصريح التحديث لكن الذنب لغيره من الثالثة د س ق "
قلت : لا توجد رواية صحيحة صريحة بأنه سمع من أبيه وما ورد فيه التصريح فغير صحيح ، ومما يؤكد ذلك أنه قد روى عن أبيه بواسطة ، أخرج أحمد في مسنده (19743) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ الْمَخْرَجَ فِى خُفَّيْهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا .
ولكن ليس بالضرورة إذا روى عن أبيه أن حديثه غير صحيح ، فهناك انفكاك بين صحة السند وصحة المتن ، ففي مصنف ابن ابي شيبة حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ جَرِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.(6)
قلت : فهذا السند مقطع ، ولكن المتن مشهور ، فقد روي من طرق كثيرة في الصحيحن وغيرهما .
قلت : وكذلك لم يسمع من علي رضي الله عنه ، وذلك لأن وفاة أبيه جرير سنة واحد وخمسين هجرية أو بعدها ، وكان حملا في بطن أمه ، فكيف يسمع من علي رضي الله عنه ، وقد استشهد سنة أربعين هجرية ؟!!!
فالكتاب بحاجة لتحقيق وتمحيص حول هذا الأمر الهام ، إذ يتوقف عليه صحة كثير من الأحاديث.
ـــــــــــــــ
__________
(1) - قال ابن كثير : "وفي مستهل المحرم جاء الخبر بموت الشيخ صلاح الدين العلائي بالقدس الشريف ليلة الاثنين ثالث المحرم، وصلّي عليه من الغد بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر. ودفن بمقبرة نائب الرحبة، وله من العمر ست وستون سنة، وكان مدة مقامه بالقدس مدرساً المدرسة الصلاحية، وشيخاً بدار الحديث السكرية ثلاثين سنة، وقد صنّف وألف وجمع وخرج، وكانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللغة والعربية والأدب، وفي كتابته ضعف لكن مع صحة وضبط لما يشكل، وله عدة مصنفات، وبلغني أنه وقفها على الخانقاه السمساطية بدمشق، وقد ولى بعده التدريس بالصرخصية الخطيب برهان الدين بن جماعة والنظر بها، وكان معه تفويض منه متقدم التاريخ.البداية والنهاية لابن كثير (ج/ص: 14/306)
(2) - التاريخ الكبير [ ج 1 - ص 450 ] (1440 )
(3) - الجرح والتعديل[ ج 2 - ص 295 ]( 1084 )
(4) - الكاشف[ ج 1 - ص 210 ] (124 )
(5) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 88 ] (158 )
(6) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 124)(29541)(1/151)
المُعْضَلُ(1)
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم مفعول من " أعضله " بمعنى أعياه.(2)
ب) اصطلاحاً: ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي. , أمَّا إذا لم يتوال فهو منقطع من موضعين.
قال العِرَاقيُّ: ولم أجد في كلامهم إطلاق المُعضل عليه.
ويُسمَّى المُعْضل مُنقطعًا أيضًا ويُسمَّى مُرسلاً عند الفُقهاء وغيرهم, كما تقدَّم في نَوْع المُرْسل.
2- مثالُه:
" ما رواه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " بسنده إلى القَعْنَبي موطأ مالك برقم(1806 ) حَدَّثَنِى مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ ».. قال الحاكم:هذا مٌعْضَل عن مالك ، أعضله هكذا في الموطأ "(3)
فهذا الحديث معضل لأنه سقط منه اثنان متواليان بين مالك وأبي هريرة وقد عرفنا أنه سقط منه اثنان متواليان من رواية الحديث خارج الموطأ هكذا"... عن مالك عن محمد بن عَجْلان عن أبيه عن أبي هريرة"(4)
فالحديث في صحيح مسلم برقم (4406 ) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنِ الْعَجْلاَنِ مَوْلَى فَاطِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ :« لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ ».
مثال آخر :
ففي مسند أحمد (1845) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِىٍّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ زَارَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبَّاساً وَنَحْنُ فِى بَادِيَةٍ لَنَا فَقَامَ يُصَلِّى - قَالَ أُرَاهُ قَالَ - الْعَصْرَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كُلَيْبَةٌ لَنَا وَحِمَارٌ يَرْعَى لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا شَىْءٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا.
قلت : هذا حديث معضل ، محمد بن عمر بن على بن أبى طالب ،من الذين عاصروا صغارالتابعين ومات بعد سنة 130 هـ
والفضل بن العباس استشهد في خلافة عمر رضي الله عنه ، فبينهما رجلان فهذا واحد منهما ، في مسند أحمد (1825) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ زَارَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبَّاساً فِى بَادِيَةٍ لَنَا وَلَنَا كُلَيْبَةٌ وَحِمَارَةٌ تَرْعَى فَصَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ وَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ تُؤَخَّرَا وَلَمْ تُزْجَرَا.
ومع هذا فهذه الرواية منقطعة أيضاً، لأن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لم يسمع من عمه الفضل .
مثال آخر:
كما في مسند أحمد (22560)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِىٍّ - يَعْنِى ابْنَ مُبَارَكٍ - عَنْ يَحْيَى عَنْ سَفِينَةَ أَنَّ رَجُلاً أَشَاطَ نَاقَتَهُ بِجِذْلٍ فَسَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا.
قلت : هذا السند سقط منه رجلان بين يحيى بن أبي كثير وسفينة ففي مسند البزار (3831) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَارُونَ ، عَنْ صُهَيْبٍ ، عَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ أَشَاطَ دَمَ جَزُورٍ بِجِذْلٍ ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ ذَلِكَ ، قَالَ : أَنْهَرَ الدَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا.
ومع هذا فلا يصح هذا الخبر ، لأن كلا الرجلين فيه جهالة
ومع هذا فليس بالضرورة إذا كان معضلا ،أن يكون المتن ضعيفاً ،كما في مصنف عبد الرزاق (19555)عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ "
فهذا إسناد معضل من قبل يحيى بن ابي كثير ، ولكنه لم يتفرد به ،فقد رواه عبد الرزاق( 19544) عَنْ أَيُّوبَ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَكَلَ احْتَفَزَ ، وَقَالَ : آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ
وفي مسند البزار (5752 ) حَدَّثنا أحمد بن المعلى الأدمي ، حَدَّثنا حفص بن عمار الطاحي ، حَدَّثنا مبارك بن فضالة ، عَن عُبَيد الله بن عُمَر ، عَن نافع ، عَن ابن عُمَر ؛ أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما أنا عَبد آكل كما يأكل العبد.
وهذا الحديث لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد متصل عنه إلاَّ مِن هذا الوجه ، ولا نعلم رواه إلاَّ ابن عُمَر ، ولا رَواه ، عَن عُبَيد الله إلاَّ مبارك ، ولا عَن مبارك إلاَّ حفص بن عمار ولم يتابع عليه.
قلت : وفيه جهالة وضعف
وفي مسند أبي يعلى الموصلي (4795 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَائِشَةُ ، لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ ، جَاءَنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ ، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ ، وَيَقُولُ لَكَ : إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا ، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ ، قَالَ : فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : نَبِيًّا عَبْدًا ، قَالَتْ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ ، لا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا ، يَقُولُ : آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ ( وأبو معشر فيه ضعف)
وفي شرح السنة للبغوي(2733) ... حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّالِحَانِيُّ ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ ، نَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلْ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ ، مُتَّكِئًا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ ، فَأَصْغَى بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ تُصِيبَ جَبْهَتُهُ الأَرْضَ ، قَالَ : لا ، بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ "(وفيه ضعف الوصافي )
وفي أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني (571 ) حدثنا محمد بن عبد الله بن رستة ، نا محمد بن عبيد بن حساب ، نا حماد بن زيد ، عن سعيد بن أبي صدقة ، عن يعلى بن حكيم ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد"
وفي الزهد لأحمد بن حنبل (19 ) حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، حدثنا عبدة بن أيمن ، عن عطاء بن أبي رباح قال : « دخل رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متكئ على وسادة ، وبين يديه طبق عليه رغيف قال : فوضع الرغيف على الأرض ونحى الوسادة ، فقال : " إنما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد "
(21 ) حدثنا عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول : « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بطعام أمر به فألقي على الأرض ، وقال : " إنما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد "
وفي ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين (635 ) حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة الأصبهاني ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن علي الخزاعي ، قال : حدثنا قرة بن حبيب ، قال : حدثنا عبد الحكم ، عن أنس بن مالك ، قال : « بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئا على طعام له ، يأكل ، إذ جاءه جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد ، أما إن الاتكاء من النعمة ، قال : فاستوى قاعدا عندها ، ثم قال : إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب العبد قال أنس : فما رأيته متكئا بعد »
فالحديث صحيح بلا ريب بهذه الطريق المرفوعة المتصلة والمرسلة(5)
"قال ابن الصَّلاح(6): وقولُ المُصنِّفين: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا, من قَبِيل المُعْضل."
وقال الحافظ العراقي(7):
" ومن المعضَلِ قسمٌ ثانٍ ، وهو أنْ يروِيَ تابعُ التابعيِّ عن التابعيِّ حديثاً موقوفاً عليه ، وهو حديثٌ متّصلٌ مسندٌ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، كما روى الأعمشُ عن الشَّعبيِّ ، قال: يُقالُ للرجلِ في القيامةِ عَمِلْتَ كذا وكذا ، فيقولُ ما عَمِلتُهُ . فيُخْتَمُ على فِيْهِ ، الحديثَ . فقد جعلَهُ الحاكمُ(8)نوعاً من المعضَلِ ، أعضَلَهُ الأعمشُ ، ووصَلَهُ عَنْ فُضَيْلٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكَ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ». قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ « مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِى مِنَ الظُّلْمِ قَالَ يَقُولُ بَلَى. قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّى لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِى إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّى قَالَ فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا - قَالَ - فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ انْطِقِى. قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ - قَالَ - ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ - قَالَ - فَيَقُولُ بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا. فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ ». رواه مسلمٌ(9).
قالَ ابنُ الصلاحِ(10): هذا جيّدٌ حسنٌ ؛ لأنَّ هذا الانقطاعَ بواحدٍ مضموماً إلى الوقفِ يشْتَمِلُ على الانقطاعِ باثنينِ : الصَّحابي ورَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , فذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى. . "
قال السيوطي(11):
"قال ابن جماعة(12): وفيه نظر, أي لأنَّ مثل ذلك لا يُقَال من قَبِيل الرَّأي, فحُكْمه حُكم المُرْسل, وذلكَ ظاهرٌ لا شكَّ فيه.
ثمَّ رأيتُ عن شيخ الإسْلام أنَّ لِمَا ذكرهُ ابن الصَّلاح شَرْطين:
أحدهما: أن يَكُون مِمَّا يَجُوز نسبتهُ إلى غير النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فإن لم يكن فمُرسل.
الثَّاني: أن يُروى مُسْندًا من طريق ذلك الذي وقِفَ عليه, فإن لم يكن فموقوفٌ لا مُعْضل, لاحتمال أنَّه قالهُ من عنده, فلم يتحقَّق شرط التَّسمية من سُقُوط اثنين."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 90) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 151) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 18)
(2) - لسان العرب[ ج 11 - ص 451 ] والقاموس المحيط[ ج 1 - ص 1335 ]
(3) - معرفة علوم الحديث ص 46.
(4) - المصدر السابق ص 473
(5) - وانظر البدر المنير - (ج 7 / ص 445)(الحَدِيث الثَّالِث عشر ) رُوِيَ : أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «أَنا آكلُ كَمَا يَأْكُل العبْد ، وأجلس كَمَا يجلس العبْد» .والسلسلة الصحيحة 2 / 72 (544 ) " آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد " .
(6) - علوم الحديث ص 82-83
(7) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 153) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 151) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 29) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 74)
(8) - معرفة علوةم الحديث (61)
(9) - صحيح مسلم (7629 )
(10) - في علوم الحديث ص 83
(11) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 153)
(12) - في المهل الروي ص 47(1/152)
وصل الأحاديث غير الموصولة في الموطأ
" صنَّف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في «الموطأ» من المُرسل والمُنقطع والمُعْضل قال(1): وجميع ما فيه من قوله: بلغني, ومن قوله: عن الثِّقة عنده, مِمَّا لم يُسْنده: أحد وسُتون حديثًا, كلَّها مُسْندة من غير طريق مالك, إلاَّ أربعة لا تعرف:
أحدها: وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنِّى لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ »..(2)
قال : أما هذا الحديث بهذا اللفظ فلا أعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه والله أعلم .
والثاني: وَحَدَّثَنِى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِىَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لاَ يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِى بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِى طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.(3).
قال : لا أعلم هذا الحديث يروى مسندا من وجه من الوجوه ولا أعرفه في غير الموطأ مرسلا ولا مسندا ،وهذا أحد الأحاديث التي انفرد بها مالك ولكنها رغائب وفضائل وليست أحكاما ولا بنى عليها في كتابه ولا في موطئه حكما
قلت وروى ابن أبي حاتم في التفسير(4)حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنِي مُسْلِمٌ، يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،"أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَبِسَ السِّلاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، قَالَ: فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ " ، الَّتِي لَبِسَ ذَلِكَ الرَّجُلُ السِّلاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ" ( فهذا إسناد حسن مرسل على الأقل )
والثالث: وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ آخِرُ مَا أَوْصَانِى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وَضَعْتُ رِجْلِى فِى الْغَرْزِ أَنْ قَالَ « أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ».(5).
قال : هكذا روى يحيى هذا الحديث وتابعه ابن القاسم والقعنبي ورواه ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل وهو مع هذا منقطع جدا ولا يوجد مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث معاذ ولا غيره بهذا اللفظ والله أعلم"
قال البزار لا أحفظ في هذا مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال أبو عمر:
يريد بهذا اللفظ، لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس قال بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى اليمن فقال: "يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة". قال قلت يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال: "هي من أكبر الحسنات" . رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وقد ذكرناه في باب زياد بن أبي زياد .
وقد حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن الحسين الآجري قال حدثنا جعفر بن محمد الفرياني قال حدثنا سعيد بن حفص خال النفيلي قال أخبرنا موسى بن أعين عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ بن جبل قال قلت يا رسول الله علمني ما ينفعني قال: "اتق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" .( قلت : هذا صحيح )
والرَّابع: وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ « إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ »(6)"
قال : هذا حديث لا أعرفه بوجه من الوجوه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في كتاب الاستسقاء عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نشأت بحرية ثم استحالت شآمية فهو أمطر لها" .
وابن أبي يحيى مطعون عليه متروك وإن كان فيه نبل ويقظة اتهم بالقدر والرفض وبلاغ مالك خير من حديثه والله أعلم ."
3- حكمُه:
المعضلُ حديثٌ ضعيف ، وهو أسوأ حالا من المرسل والمنقطع(7)، لكثرة المحذوفين من الإسناد ، وهذا الحكم على المعضل بالاتفاق بين العلماء .
4- اجتماعُه مع بعض صور المعلقَّ :
أن بين المعضل وبين المعلق عموماً وخصوصاً من وجه .
فيجتمع المعضل مع المعلق في صورة واحدة وهي : إذا حُذف من مبدأ إسناده راويان متواليان . فهو معضل ومعلق في آن واحد .
ويفارقه في صورتين :
إذا حُذف من وسط الإسناد راويان متواليان ، فهو معضل وليس بمعلق .
إذا حذف من مبدأ الإسناد راو فقط ، فهو معلق وليس بمعضل .
5- من مظانِّ المعضَل :
قال السيوطي(8): " من مَظَانِّ المُعضل, والمُنْقطع, والمُرْسل كتاب «السنن» لسعيد بن منصور, ومؤلفات ابن أبي الدُّنيا."
قلت : وكتاب السنن لم يطبع كله بل بعضه ، وهو يحتوي على المرفوع والموقوف والمطقوع ، وفيه الصحيح والحسن والضعيف
ومثله كتب ابن أبي الدنيا ، ولكن سنن سعيد أفضل بكثير ، لأن ابن ابي الدنيا رحمه الله ذكر كل ما وصل إليه سواء أكان صحيحاً أم غير صحيح ، ولكن التحري عند سعيد أكثر .
مثال من سنن سعيد بن منصور :
2 - سعيد قال : نا جرير بن عبد الحميد ، وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : قال عمر : « تعلموا الفرائض فإنها من دينكم » ( هذا منقطع )
3 - سعيد قال : نا أبو الأحوص ، قال : أنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : « من تعلم القرآن فليتعلم الفرائض » (صحيح موقوف)
4 - سعيد قال : نا محمد بن ثابت العبدي ، قال : ثنا قتادة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم وأرقهم في أمر الله عمر ، وأشدهم حياء عثمان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب » . وكان يقال : أعلمهم بالقضاء علي ( قلت هذا مرسل وفيه ضعف ، ولكنه جاء من طرق أخرى تقويه )
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التمهيد 24/161
(2) - موطأ مالك(224 )
(3) - موطأ مالك (706 )
(4) - تفسير ابن أبي حاتم - (ج 12 / ص 434) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 306)(8785) وقال عقبه :وَهَذَا مُرْسَلٌ.
(5) - موطأ مالك (1636 ) 903/2 الغرز : الركاب
(6) - موطأ مالك (456 )
البحرية : السحابة من ناحية البحر ،الغديقة : مصغر غدقة وهى العين التى كثر ماؤها وفاض
(7) - انظر الكفاية ص 21 والتدريب جـ1 - ص 295.4
(8) - تدريب الراوي جـ1 ـ ص 214 . وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154)(1/153)
المُنقَطِعُ(1)
1- تعريفُه:
أ) لغة: هو اسم فاعل من " الانقطاع" ضد الاتصال.
ب) اصطلاحاً: ما لم يتصل إسنادُه، على أي وجه كان انقطاعه.
2- شرحُ التعريف(2):
يعني أن كل إسناد انقطع من أي مكان كان ، سواء كان الانقطاع من أول الإسناد أو من آخره أو من وسطه ، فيدخل فيه ـ على هذا ـ المرسل والمعلق والمعضل ، لكن علماء المصطلح المتأخرين خصوا المنقطع بما لم تنطبق عليه صورة المرسل أو المعلق أو المعضل ، وكذلك كان استعمال المتقدمين في الغالب . ولذلك قال النووي: " وأكثر ما يستعمل في رواية مَنْ دون التابعي عن الصحابي، كمالك عن ابن عمر "(3)
ثمَّ إنَّ الانقطاع قد يَكُون ظاهرًا, وقد يخفَى فلا يُدْركُه إلاَّ أهل المعرفة, وقد يُعرف بِمَجيئه من وجه آخر بزيادة رَجُل أو أكْثر. "
المنقطعُ عند المتأخرين من أهل الحديث :
هو ما لم يتصل إسناده مما لا يشمله اسم المرسل أو المعلق أو المعضل . فكأنَّ المنقطع اسم عام لكل انقطاع في السند ما عدا صوراً ثلاثاً من صور الانقطاع وهي :حذف أول الإسناد ، أو حذف آخره ، أو حذف اثنين متواليين من أي مكان كان ، وهذا هو الذي مشي عليه الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها(4).
ثم انه قد يكون الانقطاع في مكان واحد من الإسناد، وقد يكون في أكثر من مكان واحد، كأن يكون الانقطاع في مكانين أو ثلاثة مثلاً.
4- مثالُه:
" ما روي في المستدرك للحاكم(5)حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ قَالاَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَزَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا ، رَاغِبٌ فِي الآخِرَةِ ، وَفِي جِسْمِهِ ضَعْفٌ ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عُمَرُ فَقِوِيُّ أَمِينٌ ، لاَ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ ، يُقِيمُكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "
فقد سقط من هذا الإسناد رجل من وسطه وهو " شريك " سقط من بين الثوري وأبي اسحق، إذ أن الثوري لم يسمع الحديث من أبي اسحق مباشرة وإنما سمعه من شريك، وشريك سمعه من أبي اسحق.(6)
كما في المستدرك للحاكم(4435) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكِيمِيُّ بِبَغْدَادَ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ شَاذَانَ ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : إِنْ أَسْتَخْلِفْ عَلَيْكُمْ خَلِيفَةً فَتَعْصُوهُ يَنْزِلْ بِكُمُ الْعَذَابُ ، قَالُوا : لَوِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا أَبَا بَكْرٍ ، قَالَ : إِنْ أَسْتَخْلِفْهُ عَلَيْكُمْ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ضَعِيفًا فِي جَسَدِهِ ، قَالُوا : لَوِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ ، قَالَ : إِنْ أَسْتَخْلِفْهُ عَلَيْكُمْ تَجِدُوهُ قَوِيًّا أَمِينًا لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، قَالُوا : لَوِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عَلِيًّا ، قَالَ : إِنَّكُمْ لاَ تَفْعَلُوا ، وَإِنْ تَفْعَلُوا تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَسْلُكً بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ هَذَا هُوَ أَبُو الْيَقْظَانِ
وكما في مسند البزار(2895)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَضَّاحٍ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : إِنِّي إِنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ فَتَعْصُونَ خَلِيفَتِي يُنَزَّلْ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ ، قَالُوا : أَلا تَسْتَخْلِفُ أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ تَجِدُوهُ ضَعِيفًا فِي بَدَنِهِ ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللهِ ، قَالُوا : أَلا تَسْتَخْلِفُ عُمَرَ ؟ قَالَ : إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي بَدَنِهِ ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللهِ ، قَالُوا : أَلا تَسْتَخْلِفُ عَلِيًّا ؟ قَالَ : إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ وَلَنْ تَفْعَلُوا يَسْلُكْ بِكُمُ الطَّرِيقَ وَتَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ إِلاَّ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَأَبُو الْيَقْظَانِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ.(7)
فهذا الانقطاع لا ينطبق عليه اسم المرسل ولا المعلق ولا المعضل فهو منقطع .
قلت :
وليس كل منقطع السند ضعيف المتن ، فهناك انفكاك بينهما ، كما في مسند أحمد (997) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ عَنِ عَلِىٍّ قَالَ إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً فَظُنُّوا بِهِ الَّذِى هُوَ أَهْدَى وَالَّذِى هُوَ أَهْيَا وَالَّذِى هُوَ أَتْقَى.
فهذا الحديث رجاله كلهم ثقات ، ولكن فيه انقطاعاً بين أبي البختري وعلي رضي الله عنه
وقد بين كما في مسند أحمد( 999) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً فَظُنُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْيَاهُ وَأَتْقَاهُ وَأَهْدَاهُ.
وأبو عبد الرحمن االسلمي ثقة قد سمع من علي رضي الله عنه (فصحَّ السند والحمد لله )
5- حكمُه :
المنقطع ضعيفٌ بالاتفاق بين العلماء ، وذلك للجهل بحال الراوي المحذوف .، ولكنه من نوع الضعيف ضعفاً يسيراً ،بخيث لو ورد من طريق آخر مثله أو أقوى منه يقوى به .
6- الأحاديثُ المنقطعة في صحيح مسلم(8)
" ذكر الرَّشيد العَطَّار: أنَّ في «صحيح» مُسلم بِضْعة عشر حديثًا في إسنادها انقطاع.
وأُجيبُ عنها بتبين اتِّصالها, إمَّا من وجْهٍ آخرَ عِنْدهُ, أو من ذلك الوجه عند غيره.
وهي: صحيح مسلم (850 ) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - قَالَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَقِيَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ فَتَفَقَّدَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ « أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتَنِى وَأَنَا جُنُبٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ ».
صوابه: حُميد, عن بَكْر المُزَني, عن أبي رَافع, كما في صحيح البخارى (283 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ فِى بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ « أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ » . قَالَ كُنْتُ جُنُبًا ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ . فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ » .
وبرقم(285 ) حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا جُنُبٌ ، فَأَخَذَ بِيَدِى ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ « أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ » فَقُلْتُ لَهُ . فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ » .(9).
وحديث( 2454 ) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو وَحَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِىِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ..
قلت : لم يذكر لفظه هنا ، إنما ذكره متابعة ، ولفظه جاء عند أحمد في مسنده (285) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِىِّ قَالَ قَالَ لِى عُمَرُ أَلَمْ أُحَدَّثُ أَنَّكَ تَلِى مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ لَمْ تَقْبَلْهَا قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَاكَ قَالَ أَنَا غَنِىٌّ لِى أَعْبُدٌ وَلِى أَفْرَاسٌ أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَمَلِى صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنِّى كُنْتُ أَفْعَلُ مِثْلَ الَّذِى تَفْعَلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِى الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّى فَقَالَ « خُذْهُ فَإِمَّا أَنْ تَمَوَّلَهُ وَإِمَّا أَنْ تَصَدَّقَ بِهِ وَمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ لَهُ وَلاَ ساَئِلِهِ فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ».
وصوابه: السَّائب, عن حُويطب بن عبد العُزَّى, كذا ذكره الحُفَّاظ.
قال النَّسائي: لم يَسْمعهُ السَّائب من ابن السَّعدي, إنَّما رواهُ عن حُويطب, عنهُ, كمَا أخرجهُ البُخَاري والنَّسائي .
كما في صحيح البخارى (7163 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِىِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِى خِلاَفَتِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِى مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً ، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا . فَقُلْتُ بَلَى . فَقَالَ عُمَرُ مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ قُلْتُ إِنَّ لِى أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا ، وَأَنَا بِخَيْرٍ ، وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِى صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ . قَالَ عُمَرُ لاَ تَفْعَلْ فَإِنِّى كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِى أَرَدْتَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِى الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى . حَتَّى أَعْطَانِى مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ ، وَإِلاَّ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ »
وحديث (4527 ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِىُّ - عَنْ غَيْلاَنَ - وَهُوَ ابْنُ جَامِعٍ الْمُحَارِبِىُّ - عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ « وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ ». قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ ». قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فِيمَ أُطَهِّرُكَ ». فَقَالَ مِنَ الزِّنَى. فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَبِهِ جُنُونٌ ». فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَالَ « أَشَرِبَ خَمْرًا ». فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَزَنَيْتَ ». فَقَالَ نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ لَقَدْ هَلَكَ لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وَقَائِلٌ يَقُولُ مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَ يَدَهُ فِى يَدِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتُلْنِى بِالْحِجَارَةِ - قَالَ - فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ ». قَالَ فَقَالُوا غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. - قَالَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ ». قَالَ ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ « وَيْحَكِ ارْجِعِى فَاسْتَغْفِرِى اللَّهَ وَتُوبِى إِلَيْهِ ». فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِى كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ « وَمَا ذَاكِ ». قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَالَ « آنْتِ ». قَالَتْ نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا « حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ ». قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ « إِذًا لاَ نَرْجُمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَىَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ. قَالَ فَرَجَمَهَا.
صوابه: يحيى بن يَعْلَى, عن أبيه, عن غَيْلان, كما في مسند أبي عوانة(5065) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ، وَعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ : حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، قَالَ: وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مِمَّا أُطَهِّرُكَ؟، فَقَالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَبِهِ جُنُونٌ؟، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ: أَشْرِبَ خَمْرًا؟، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَزَنَيْتَ أَنْتَ؟، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ عَلَى أَسْوَإ عَمَلِهِ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلُ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ، مِنْ أَنْ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهِ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ..(10)
وحديث (7462 ) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ الْقُرَشِىَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ». قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ مَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِى تُذْكَرُ عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ قُلْتُ الَّذِى سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَقَالَ عَمْرٌو لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَجْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ وَخَيْرُ النَّاسِ لِمَسَاكِينِهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ..
قال الرَّشيد: عبد الكريم لم يُدْرك المُسْتورد ولا أبُوه الحارث لم يُدْركه, كما قال الدَّارقُطْني(11).
قال: وإنَّما أورده هكذا في الشَّواهد, وإلاَّ فقد وصلهُ من وجهٍ آخر عن اللَّيث عن مُوسى بن عُلَي, عن أبيه عن المُسْتورد كما في صحيح مسلم (7461 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ عُلَىٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِىُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ.
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 149)
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 148)
(3) - التقريب مع التدريب جـ 1 ـ ص 208 .
(4) - المختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4)
(5) - برقم ( 4685)
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 102) وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص 36
(7) - قلت فالحديث حسن لغيره
(8) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 148)
(9) - انظر المسند الجامع - (ج 16 / ص 1008)(12794)
(10) - وانظر المسند الجامع - (ج 3 / ص 442)(1867)
(11) - قال الدارقطنى : لم يدرك المستورد بن شداد ، و حديثه عنه منقطع . انتهى .
وحديثه عن المستورد عند مسلم متابعة ، وهو منقطع كما قال الدارقطنى . اهـ . تهذيب التهذيب 6 / 372(1/154)
وحديث عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة, عن أبي عَمْرو بن حفص في الطَّلاق مسلم(3777 ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ - قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلاَقِهَا وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ فَقَالاَ لَهَا وَاللَّهِ مَا لَكِ نَفَقَةٌ إِلاَّ أَنْ تَكُونِى حَامِلاً. فَأَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا. فَقَالَ « لاَ نَفَقَةَ لَكِ ». فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِى الاِنْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ أَيْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ». وَكَانَ أَعْمَى تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلاَ يَرَاهَا فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَتْهُ بِهِ فَقَالَ مَرْوَانُ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاَّ مِنِ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِى وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ فَبَيْنِى وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) الآيَةَ قَالَتْ هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ فَأَىُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلاَثِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً فَعَلاَمَ تَحْبِسُونَهَا.
قال: في سَمَاع عُبيد الله من أبي عَمْرو نظر, وقد وصلهُ من جهة أُخرى عن الشَّعبي وأبي سَلَمة عن فاطمة .
صحيح مسلم ( 3773 ) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ. فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَقَالُوا إِنَّ أَبَا حَفْصٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ». وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا « أَنْ لاَ تَسْبِقِينِى بِنَفْسِكِ ». وَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا « أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ فَانْطَلِقِى إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ ». فَانْطَلَقَتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.
(3778 ) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ وَحُصَيْنٌ وَمُغِيرَةُ وَأَشْعَثُ وَمُجَالِدٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ وَدَاوُدُ كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهَا فَقَالَتْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ. فَقَالَتْ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ - قَالَتْ - فَلَمْ يَجْعَلْ لِى سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً وَأَمَرَنِى أَنْ أَعْتَدَّ فِى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
وحديث منصُور بن المُعْتمر, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عبَّاس في الَّذي وقصتهُ ناقته صحيح مسلم (2959 )- وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ(1)فَمَاتَ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « اغْسِلُوهُ وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَلاَ تُغَطُّوا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّى »..
قال الدَّارقُطْني(2): إنَّما سَمعهُ منصور من الحكم بن عُتيبة, عن سعيد, كَمَا أخرجه البُخَاري وأبو داود والنَّسائي , وهو الصَّواب.
كما في مسند أبي عوانة(2492 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَسْقَلانِيُّ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ(ح) وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سُقَيْرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، نَا مَنْصُورٌ، قَالا جَمِيعًا: عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّ رَجُلا وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلا تَمَسُّوا لَهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يُلَبِّي، أَوْ قَالَ: يُهِلُّ، كِلاهُمَا قَالا: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، وَقَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ: يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا يُلَبِّي.
ووصلهُ مُسْلم, من طريق جعفر بن أبي وَحْشية وعمرو بن دينار, عن سعيد .
مسلم (2953 ) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْهِ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا ».
ومسلم (2957 ) - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بِشْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَقَعَ مِنْ نَاقَتِهِ فَأَقْعَصَتْهُ فَأَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَنْ يُكَفَّنَ فِى ثَوْبَيْنِ وَلاَ يُمَسَّ طِيبًا خَارِجٌ رَأْسُهُ. قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ حَدَّثَنِى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ خَارِجٌ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا.
(2958 ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - وَقَصَتْ رَجُلاً رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ - حَسِبْتُهُ قَالَ - وَرَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يُهِلُّ.(3)
وحديث مَكْحُول, عن شرحبيل بن السِّمط, عن سَلْمان: «رِبَاطُ يَوْمٍ...»
كما في صحيح مسلم (5047 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا لَيْثٌ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمِطِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ »..
في سَمَاع مَكْحُول منه نظر, فإنَّه معدودٌ في الصَّحابة المُتقدِّمين الوفاة,(حوالي سنة أربعين هجرية ، ووفاة مكحول سنة مائة وسبعة عشر هجرية ) والأصح: أنَّ مكحولا إنَّما سمع أنسًا وأبا مُرَّة وواثلة وأم الدَّرداء.
قلت : ذكر الطبراني له طرق كثيرة كما في المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 81)(6054) حَدَّثَنَا بَكْرُ بن سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بن الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن عُقْبَةَ بن نَافِعٍ، عَنْ شُرَحْبِيلِ بن السِّمْطِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،
(6056) حَدَّثَنَا بَكْرُ بن سَهْلٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بن يَحْيَى، عَنْ نَافِعِ بن يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بن يَزِيدَ بن شُرَحْبِيلٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن الْوَلِيدِ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ أَبِي زَكَرِيَّا، يُحَدِّثُ عَنْ شُرَحْبِيلِ بن السِّمْطِ، أَنَّهُ رَأَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَهُوَ مُرَابِطٌ بِسَاحِلِ حِمْصٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: مُرَابِطٌ، قَالَ سَلْمَانُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:"رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا، جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُومِنَ الْفَتَّانَ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا".
(6057) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بن هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن ثَابِتِ بن ثَوْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بن مَعْدَانَ، عَنْ شُرَحْبِيلِ بن السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: خَرَجْتُ أَبْتَغِي الدِّينَ فَوَافَقْتُ فِي الرُّهْبانِ بَقَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]، وَكَانُوا يَقُولُونَ: هَذَا زَمَانُ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ لَهُ عَلامَاتٌ، مِنْ ذَلِكَ شَامَةٌ مُدَوَّرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَلَحِقْتُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وخرج النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَأَيْتُ مَا قَالُوا كُلَّهُ، وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ، فَشَهِدَتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:"رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، قَائِمٌ لا يَفْتُرُ، وَصَائِمٌ لا يُفْطِرُ، وَإِنْ مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى عَلَيْهِ كَصَالِحِ عَمَلِهِ حَتَّى يُبْعَثَ، وَوُقِيَ عَذَابَ الْقَبْرِ" .
وقد استوعب طرقه كذلك أبو عوانة في مسنده(6009 ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: أنبأ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، بِمِثْلِهِ.
(6010 ) حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُجْرِيَ عَلَيْهِ أَجْرُ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأُومِنَ مِنَ الْفَتَّانِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الْفَزَعِ.
(6011 ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَابَطَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أُجْرِيَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الأَجْرِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ، وَأُومِنَ الْفَتَّانَ.
(6012 )حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ أَبُو الْفَتْحِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيَّ، يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُجْرِيَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ.
(6013 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ خُرَّزَاذَ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَبُو قِلابَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ(ح) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمِيرَةَ التِّنِّيسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ مُرَابِطٌ، جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: نا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى الْقُرَشِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بِنَحْوِهِ.
وحديث أيُّوب, عن عائشة: «إنَّ الله أرْسَلني مُبلِّغًا, ولم يُرْسلني مُتعنتًا» .
كما في صحيح مسلم (3769 ) قَالَ الزُّهْرِىُّ فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدَأَ بِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ « إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ - ثُمَّ قَالَ - يَا عَائِشَةُ إِنِّى ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِى فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ ». ثُمَّ قَرَأَ عَلَىَّ الآيَةَ ( يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ) حَتَّى بَلَغَ (أَجْرًا عَظِيمًا) قَالَتْ عَائِشَةُ قَدْ عَلِمَ وَاللَّهِ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِى بِفِرَاقِهِ قَالَتْ فَقُلْتُ أَوَفِى هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَىَّ فَإِنِّى أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِى أَيُّوبُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لاَ تُخْبِرْ نِسَاءَكَ أَنِّى اخْتَرْتُكَ فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِى مُبَلِّغًا وَلَمْ يُرْسِلْنِى مُتَعَنِّتًا ». قَالَ قَتَادَةُ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا مَالَتْ قُلُوبُكُمَا.
قال يحيى بن علي القرشي(4):" قلت وهذا مقطوع فإن أيوب السختياني لم يدرك عائشة رضي الله عنها لأن مولده سنة ست وستين من الهجرة وقيل سنة ثمان وستين وتوفيت عائشة رضي الله عنها سنة ثمان وخمسين وقيل سنة سبع وخمسين والأول أشهر ومسلم رحمه الله إنما أخرج هذه الزيادة تبعا للحديث المسند الذي وقعت هي في آخره ولم ير اختصارها منه على عادته التي بيناها من قبل ومع ذلك فهذه الزيادة متصلة في كتابه في حديث التخيير من رواية أبي الزبير عن جابر."
صحيح مسلم (3763 ) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ - قَالَ - فَأُذِنَ لأَبِى بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا - قَالَ - فَقَالَ لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِى النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا.
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « هُنَّ حَوْلِى كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِى النَّفَقَةَ ». فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلاَهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. فَقُلْنَ وَاللَّهِ لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ) حَتَّى بَلَغَ (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) قَالَ فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لاَ تَعْجَلِى فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِى أَبَوَيْكِ ». قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَلاَ عَلَيْهَا الآيَةَ قَالَتْ أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَىَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ وَأَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِى قُلْتُ.
قَالَ « لاَ تَسْأَلُنِى امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلاَّ أَخْبَرْتُهَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِى مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِى مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا ».(5)
__________
(1) - وقصت : كسرت عنقه
(2) - التتبع ص 505
(3) - وانظر الروايات في المسند الجامع - (ج 9 / ص 150)(6305)
(4) - غرر الفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 237)
(5) - وجأت : طعنت الواجم : من اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام(1/155)
قلت : وهذه الرواية فيها عنعنة أبي الزبير عن جابر ( والصواب أنه غير مدلس عنه ) ولكن على فرض أنه مدلس كما هو شائع ، فقد ذكرها أبوعوانة مصرحا بالتحديث كما مسند أبي عوانة(3713 ) حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا لَمْ يَخْرُجْ. قَالَ: فَحَضَرَ النَّاسُ الْمَسْجِدَ يَنْتَظِرُونَهُ. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالُوا: لَو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُدَّ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَرُدَّ فَجَلَسَا مَعَ النَّاسِ سَاعَةً، فَقَالَ الْقَوْمُ لأَبِي بَكْرٍ: عُدْ، فَعَادَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأُذِنَ لَهُ. فَدَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ حَوْلَهُ، وَهُوَ نَاكِسٌ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَفَعَ إِلَيْهِمْ بَصَرَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَو رَأَيْتَ ابْنَةَ زَيْدٍ سَأَلْتَنِي آنْفًا الْكِسْوَةَ وَالنَّفَقَةَ، فَعَمَدْتُ إِلَيْهَا، فَوَجَأْتُ رَقَبَتَهَا وَجْأَةً خَرَّتْ مِنْهَا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَا نَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمْ مُنْذُ الْيَوْمِ إِلا أَنَّهُنَّ يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَلَيْسَتْ عِنْدِي. قَالَ: فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ، فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَهَا، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ لِيَضْرِبَهَا، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالا: أَتَسْأَلانِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟ فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لا نَسْأَلَهُ شَيْئًا بَعْدَ الْيَوْمِ يَشُقُّ عَلَيْهِ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا وَخَرَجَا مَعَهُ، فَأُذِّنَ بِالصَّلاةِ فَصَلَّى، ثُمَّ نَزَلَ التَّخْيِيرُ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}، فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكِ أَمْرًا فَلا، تَعْجَلِي حَتَّى يَأْتِيَكِ أَبُوكِ وَأُمُّكِ، فَسَلِيهِمَا. فَلَمَّا عَرَضَ عَلَيْهَا قَالَتْ: أَنَا أَسْتَشِيرُ فِيكَ أَبِي وَأُمِّي. فَأَنَا أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأُحَرِّجُ عَلَيْكَ أَنْ تُخْبِرَ أَحَدًا مِنْ صَوَاحِبَاتِي مَاذَا قُلْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفًا، وَلا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا، وَلا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلا أَخْبَرْتُهَا أَنَّكِ اخْتَرْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُنَّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِنَّ، فَقُلْنَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ؟ فَأَخْبَرَهُنَّ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقُلْنَ: وَنَحْنُ قَدِ اخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ.
وحديث أبي سلاَّم الحبشي, عن حذيفة: إنَّا كُنَّا بِشَرٍّ, فَجَاء الله بخيرٍ .
صحيح مسلم(4891 ) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلاَّمٍ - حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلاَّمٍ عَنْ أَبِى سَلاَّمٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ كَيْفَ قَالَ « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ».
قال الدَّارقُطْني(1): هذا الحديث عندي مرسل أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال وقد قال فيه قال قال حذيفة فهذا يدل على إرساله.
قلت :
وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في صحيحه متصلا من وجه آخر صحيح مسلم(4890 ) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِى بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ » فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ». قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِى وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِى تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ». فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ « نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ». فَقُلْتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ».
وكذلك أخرجه البخاري في صحيحه أيضا صحيح البخارى(3606 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِى بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ » . قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ » . قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِى تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » . قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » . قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ » .
فإن ثبت أن أبا سلام لم يسمع من حذيفة فقد بينا أن هذا الحديث متصل في الصحيحين من حديث أبي إدريس عن حذيفة رضي الله عنه وبالله التوفيق.
وحديث مَطَر, عن زَهْدم, عن أبي مُوسَى في الدَّجَاج .
صحيح مسلم (4357 ) وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا الصَّعْقُ - يَعْنِى ابْنَ حَزْنٍ - حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ حَدَّثَنَا زَهْدَمٌ الْجَرْمِىُّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِى مُوسَى وَهُوَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ وَزَادَ فِيهِ قَالَ « إِنِّى وَاللَّهِ مَا نَسِيتُهَا ».
قال الدَّارقُطْني(2): الصعق ومطر ليسا بالقويين ومع هذا لم يسمعه مطر من زهدم إنما رواه عن القاسم بن عاصم عنه قال ذلك ثابت بن حماد عن مطر.
قلتُ : وهذا الحديث أيضا قد أخرجه مسلم في صحيحه من طرق صحاح متصلة عن زهدم عن أبي موسى رضي الله عنه
صحيح مسلم (4354 ) حَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ - قَالَ أَيُّوبُ وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ مِنِّى لِحَدِيثِ أَبِى قِلاَبَةَ - قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالْمَوَالِى فَقَالَ لَهُ هَلُمَّ. فَتَلَكَّأَ فَقَالَ هَلُمَّ فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ أَطْعَمَهُ فَقَالَ هَلُمَّ أُحَدِّثْكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ « وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ». فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلٍ فَدَعَا بِنَا فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى قَالَ فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ أَغْفَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ لاَ يُبَارَكُ لَنَا . فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أَتَيْنَاكَ نَسْتَحْمِلُكَ وَإِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلْتَنَا أَفَنَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ».
(4358 ) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ عَنْ ضُرَيْبِ بْنِ نُقَيْرٍ الْقَيْسِىِّ عَنْ زَهْدَمٍ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ « مَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ وَاللَّهِ مَا أَحْمِلُكُمْ ». ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثَةِ ذَوْدٍ بُقْعِ الذُّرَى فَقُلْنَا إِنَّا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ « إِنِّى لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ »(3).
" وطريق مطر التي انتقدها الدارقطني إنما أوردها مسلم في الشواهد لا في الأصول وإذا كان الحديث ثابتاً متصلاً من وجهٍ صحيحٍ ثم رويَ من وجه آخر دونه في الصحة وفي اتصاله نظرٌ فلا يؤثرُ ذلك في ثبوته واتصاله من الوجه الآخر ،على أن مطرا قد قال فيه حدثنا زهدم وليس هو ممن يتهم بالكذب لكنه سئ الحفظ عندهم، وقد سئل عنه يحيى بن معين فقال صالح وكذلك قال أبو حاتم الرازي(4)،ويحتمل أن يكون مطر قد سمعه من القاسم بن عاصم عن زهدم كما ذكره الدارقطني ،ثم لقي زهدما فسمعه منه فحدث به تارة هكذا وتارة هكذا والله عز وجل أعلم بالصواب ".
وحديث قَتَادة, عن سِنَان بن سَلَمة, عن ابن عبَّاس في قِصَّة البُدْن .
صحيح مسلم(3282 ) حَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ « إِنْ عَطِبَ(5)مِنْهَا شَىْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِى دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلاَ تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ ».
"قلتُ : وهذا الإسناد غير متصل عند جماعة من أهل النقل فإن قتادة لم يسمع هذا الحديث من سنان بن سلمة قاله الإمامان يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين(6)، وناهيك بهما جلالة ومعرفة بهذا الشأن ،وذكر الحافظ أبو الفضل المقدسي أيضا أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه عمدتها ما قاله يحيى القطان وابن معين .
قلتُ : ومما يؤيد ذلك أن سنان بن سلمة هذا هو سنان بن سلمة بن المحبق معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وله أيضا رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نصَّ الإمام أبو حاتم الرازي على أن قتادة لم يلق من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنس بن مالك وعبد الله بن سرجس ،وذكر البخاري في تاريخه أنه سمع أنسا وأبا الطفيل، ولم يذكر له من الصحابة غيرهما.
والعذر لمسلم رحمه الله أنه إنما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد في الشواهد ليبين والله أعلم أنه قد روي من غير وجه عن ابن عباس، وإلا فقد أخرجه قبل ذلك من حديث أبي التياح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس متصلا صحيح مسلم(3280 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ الضُّبَعِىِّ حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِىُّ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ مُعْتَمِرَيْنِ قَالَ وَانْطَلَقَ سِنَانٌ مَعَهُ بِبَدَنَةٍ يَسُوقُهَا فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ فَعَيِىَ بِشَأْنِهَا إِنْ هِىَ أُبْدِعَتْ كَيْفَ يَأْتِى بِهَا. فَقَالَ لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلَدَ لأَسْتَحْفِيَنَّ عَنْ ذَلِكَ.قَالَ فَأَضْحَيْتُ فَلَمَّا نَزَلْنَا الْبَطْحَاءَ قَالَ انْطَلِقْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَتَحَدَّثْ إِلَيْهِ. قَالَ فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ بَدَنَتِهِ. فَقَالَ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسِتَّ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ وَأَمَّرَهُ فِيهَا - قَالَ - فَمَضَى ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَىَّ مِنْهَا قَالَ « انْحَرْهَا ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهَا فِى دَمِهَا ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا وَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ ».(7)،
فثبت اتصاله في الكتاب. والله الموفق للصواب(8)
وحديث عِرَاك بن مالك, عن عائشة: جاءتني مِسْكينة تحمل ابنتين... .
صحيح مسلم (6863 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ - عَنِ ابْنِ الْهَادِ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِى زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ حَدَّثَهُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ».
قال رشيد الدين العطار(9):
" قلتُ: وفي سماع عراك من عائشة رضي الله عنها نظر ، فإنه إنما يروي عن عروة عن عائشة، وقد ذكر الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله أن حديثه عن عائشة مرسل ،وقال موسى بن هارون الحافظ(10):لا نعلم له سماعا من عائشة ،وقال أبو الفضل الحافظ حفيد أبي سعد الزاهد في كلامه على هذا الحديث: هذا عندنا حديث مرسل ،واستدل بما ذكرناه من قول أحمد بن حنبل وموسى بن هارون ،ولم يخرج البخاري لعراك عن عائشة شيئا ،وأخرج له ابن ماجه عنها حديثين ،وحديثه عن رجل عنها لا يدلُّ على عدم سماعه بالكلية منها، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد وعصر واحد، وهذا ومثله محمول على السماع عند مسلم رحمه الله حتى يقوم الدليل على خلافه،كما نصَّ عليه في مقدمة كتابه ،فسماع عراك من عائشة رضي الله عنها جائز ممكن ،وقد ثبت سماعه من أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم والله أعلم ."(11)
قلتُ :
وقد أخرجه مسلم بعد الحديث صحيح مسلم(6862 ) وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالاَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ جَاءَتْنِى امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فَسَأَلَتْنِى فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ».
وله شاهد في كتاب النفقة على العيال (385 ) وحدثني محمد بن إدريس ، حدثنا محمد بن بكار بن بلال ، قاضي دمشق ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي ميمونة ، عن أبي هريرة ، أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها بنتان لها وكان يطعم التمر فأطعمها ثلاث تمرات فأطعمت ابنتيها تمرتين وأمسكت الواحدة فلما أكلاها نظرا إليها فشقت التمرة بينهما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لقد غفر الله لها أعطت في حق وأطعمت في جهد » ( وهو حديث حسن في المتابعات )
فهذان الشاهدان يصححان الحديث لو افترضنا فيه انقطاع .
__________
(1) - التتبع ص 257-258 و غرر الفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 244)
(2) - التتبع ص 236 -237 و غرر الفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 247)
(3) - البقع : بيض الأسنمة - الذرى : جمع الذروة وهى أعلى الشىء والمراد السنام الذود : من الإبل ما بين الثنتين إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشر
(4) - مطر بفتحتين بن طهمان الوراق أبو رجاء السلمي مولاهم الخراساني سكن البصرة صدوق كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ضعيف من السادسة مات سنة خمس وعشرين ويقال سنة تسع خت م 4 . تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 534 ] (6699 )
(5) - عطب : قارب الهلاك
(6) - كما في جامع التحصيل للعلائي ص 313 وتهذيب الكمال 12/151
(7) - أبدع : كل وتعب - أبدع : كل وتعب أستحفين : أسألن عن ذلك سؤالا بليغا أزحف : أعيا البعير ووقف من التعب
(8) - انظر غرر الفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 252)
(9) - غرر الفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 255)
(10) - كما في المراسيل لابن أبي حاتم ص 162 -163 وجامع التحصيل ص 288
(11) - وقال العلائي بعد أن أورد هذا الخبر من "صحيح" مسلم عن عراك، عن عائشة: والظاهر أن ذلك على قاعدته المعروفة، أي: في الاكتفاء بالمعاصرة التي يمكن معها السماع في الرواية بالعنعة دون ملاقاة الراوي لمن عنعن عنه."جامع التحصيل" ص 288(1/156)
"ومما يشبه هذا الحديث في إسناده حديث أخرجه مسلم صحيح مسلم (6734 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِى كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ». قَالَ مُسْلِمٌ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
وقد ذكر بعض الحفاظ أن محمد بن قيس هذا لم يسمع من أبي هريرة.
قلتُ: وذكر غيرُ واحد من العلماء أن محمد بن قيس هذا حجازيٌّ وأنه سمع من عائشة، فسماعه من أبي هريرة جائزٌ ممكن، لأنهما متعاصران ويجمعهما قطر
واحد ،فعلى مذهب مسلم تحمل روايته عنه السماع إلا أن يقوم دليل بين على خلافة والله عز وجل أعلم "
أقول : ولكن الحديث مروي من طرق أخرى صحيحة عن عائشة رضي الله عنها وغيرها .
وحديث يزيد بن أبي حبيب, عن محمَّد بن عَمرو بن عَطَاء قال: سَمَّيتُ ابنتي برة... ).
صحيح مسلم(5733 ) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ سَمَّيْتُ ابْنَتِى بَرَّةَ فَقَالَتْ لِى زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِى سَلَمَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ هَذَا الاِسْمِ وَسُمِّيتُ بَرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ ». فَقَالُوا بِمَ نُسَمِّيهَا قَالَ « سَمُّوهَا زَيْنَبَ ».
سقطَ بين يزيد ومُحمَّد, محمَّد بن إسحاق, كذا رواهُ المِصْريون عن اللَّيث,
كما في سنن أبى داود (4955 ) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ سَأَلَتْهُ مَا سَمَّيْتَ ابْنَتَكَ قَالَ سَمَّيْتُهَا بَرَّةَ فَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ هَذَا الاِسْمِ سُمِّيتُ بَرَّةَ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ ». فَقَالَ مَا نُسَمِّيهَا قَالَ « سَمُّوهَا زَيْنَبَ ».
وفي الأدب المفرد للبخاري (850) حدثنا علي بن عبد الله ، وسعيد بن محمد ، قالا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة ، فسألته عن اسم أخت له عنده ؟ قال : فقلت : اسمها برة ، قالت : غير اسمها ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نكح زينب بنت جحش واسمها برة ، فغير اسمها إلى زينب ، ودخل على أم سلمة حين تزوجها ، واسمي برة ، فسمعها تدعوني : برة ، فقال : « لا تزكوا أنفسكم ، فإن الله هو أعلم بالبرة منكن والفاجرة ، سميها زينب » ، فقالت : فهي زينب ، فقلت لها : سمي ، فقالت : غيره إلى ما غير إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسمها زينب "
إلاَّ أنَّ مُسْلمًا وصلهُ (5732 ) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالاَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ حَدَّثَتْنِى زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ اسْمِى بَرَّةَ فَسَمَّانِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ. قَالَتْ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بَرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ. "
ـــــــــــــــ(1/157)
المُدَلَّسُ(1)
تعريفُ التدليس:
لغة : المدلَّس اسم مفعول من " التدليس " والتدليس في اللغة : كِتْمانُ عَيْبِ السلعة عن المشتري ، وأصلُ التدليس مشتقٌّ من " الدَّلس " وهو الظلمة أو اختلاط الظلام كما في القاموس(2)، فكأن المدلَّس لتغطيته على الواقف على الحديث أظلم أمره فصار الحديث مُدلَّسا .
اصطلاحاً: إخفاء عيب في الإسناد. وتحسينٌ لظاهره.
أقسامُ التدليس(3):
هو ثلاثة أقسامٍ(4):
القسمُ الأولُ : تدليسُ الإسنادِ :
وهو أنْ يُسقطَ اسمَ شيخِهِ الذي سمعَ منه ، ويرتَقي إلى شيخِ شيخِهِ ، أو مَنْ فوقَهُ ، فَيسندُ ذلك إليه بلفظٍ لا يقتضي الاتصالَ ، بل بلفظٍ مُوهمٍ ، كقولِهِ : عَنْ فلانٍ ، أو أنَّ فلاناً ، أو قالَ فلانٌ ، مُوهِماً بذلك أنّهُ سمعَ ممَّنْ رواه عنه ، وإنّما يكونُ تدليساً إذا كانَ المدلِّسُ قد عاصرَ المرويَّ عنه أو لقيَهُ ولم يسمع منه ، أو سمعَ منه ولم يسمعْ منه ذلكَ الحديثَ الذي دلَّسَهُ عنه . وقد فُهِمَ هذا الشرطُ مِنْ قولِهِ : ( يُوْهِمُ اتصَّالاً ) . وإنّما يقعُ الإيهامُ مع المعاصرةِ وقد حدَّهُ أبو الحسنِ ابنُ القطانِ في كتابِهِ " بيان الوهم والإيهام " : بأنْ يرويَ عمَّنْ قد سَمِعَ منه ما لم يسمعْ منهُ ، من غيرِ أنْ يذكرَ أنّهُ سمعَهُ منه ، قال : والفرقُ بينَهُ وبين الإرسالِ : هو أنَّ الإرسالَ روايتُهُ عمَّنْ لم يسمعْ منه ، وقد سبقَ ابنَ القطانِ إلى حدِّهِ بذلك الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عمرِو بنِ عبدِ الخالقِ البزَّارُ ، ذكرَ ذلك في جزءٍ له " في معرفةِ مَنْ يُتركُ حديثُهُ ، أو يقبلُ " .
أما إذا روى عمَّنْ لم يدركْهُ بلفظٍ موهمٍ فإنَّ ذلك ليس بتدليسٍ على الصحيحِ المشهورِ ..
وحكى ابن عبد البرِّ في " التمهيد(5)" عن قومٍ: أنَّهُ تدليسٌ، فجعلوا التدليسَ أنْ يُحَدِّثَ الرجلُ عن الرجلِ بما لم يسمعْهُ منه بلفظٍ لا يقتضي تصريحاً بالسماعِ ، وإلاَّ لكان كذباً . قالَ ابنُ عبد البرِّ : وعلى هذا فما سَلِمَ من التدليسِ أحدٌ لا مالكٌ ولا غيرُهُ .
فقولُهُ : في البيتِ الثاني : ( وقال ) ، معطوفٌ على قولِهِ : ( بِـ : عَنْ وأنْ ) ، أي : بهذهِ الألفاظِ الثلاثةِ ونحوِها ، ومثله أنْ يُسْقِطَ أداةَ الروايةِ ، ويسمّي الشيخَ فقط فيقولُ : فلانٌ ، وهذا يفعلُهُ أهلُ الحديثِ كثيراً . قال عليُّ بنُ خَشْرَمٍ(6): كُنَّا عند ابنِ عُيينةَ ، فقالَ : الزُّهْريُّ ، فقيل له : حدّثَكُمُ الزهريُّ ؟ فسكتَ . ثمَّ قالَ : الزهريُّ ، فقيل له : سمعتَهُ من الزهريِّ ؟ فقال : لا لم أسمعْهُ من الزهريِّ ولا ممَّنْ سمِعَهُ من الزهريِّ ، حدّثني عبدُ الرزاقِ ، عن مَعْمَرٍ ، عن الزهريِّ . وقد مَثَّلَ ابنُ الصَّلاحِ للقسمِ الأولِ بهذا المثالِ . ثم حكى الخلافَ فيمَنْ عُرفَ بهذا ، هل يُردُّ حديثُهُ مطلقاً ، أو ما لم يُصرّحْ فيه بالاتصال ؟! .
واعلمْ أنَّ ابنَ عبد البرِّ قد حكى عن أئمةِ الحديثِ أنَّهُم قالوا: يُقبلُ تدليسُ ابنِ عُيينةَ ؛ لأنَّهُ إذا وقفَ أحالَ على ابنِ جُريجٍ ومعمرٍ ونظائرِهما . وهذا ما رجّحَهُ ابنُ حبّانَ ، وقال : وهذا شيءٌ ليس في الدنيا إلاَّ لسفيانَ بنِ عيينةَ ، فإنّهُ كان يدلِّسُ ، ولا يدلِّسُ إلا عن ثقةٍ متقنٍ ، ولا يكادُ يوجدُ لابنِ عيينةَ خبرٌ دلَّسَ فيهِ ، إلاَّ وقدْ بَيَّنَ سماعَهُ عن ثقةٍ مثل ثقتِهِ ، ثم مَثَّلَ ذلك بمراسيلِ كبار الصحابةِ ، فإنَّهُم لا يرسلونَ إلاّ عن صحابيٍّ . وقد سبقَ ابنَ عبدِ البرِّ إلى ذلك الحافظانِ : أبو بكر البزّارُ ، وأبو الفتحِ الأزديُّ .
فقالَ البزّارُ في الجزءِ المذكورِ : إنَّ مَنْ كان يدلِّسُ عن الثقاتِ كانَ تدليسُهُ عند أهلِ العلمِ مقبولاً . ثم قال : فمَنْ كانت هذهِ صفتُهُ وَجبَ أنْ يكونَ حديثُهُ مقبولاً وإنْ كان مدلساً . وهكذا رأيتُهُ في كلامِ أبي بكرٍ الصَيْرفيِّ من الشافعية في كتابِ "الدلائلِ" فقالَ : كلُّ مَنْ ظهرَ تدليسُهُ عن غيرِ الثقاتِ لَمْ يُقبلْ خبرُهُ حَتَّى يقولَ : حدّثني ، أو سمعتُ . انتهى .
وقولُهُ : ( واختلفَ في أهْلِه ) أي : في أهلِ هَذَا القسمِ مِنَ التدليسِ ، وهم المعروفونَ بهِ . فقيلَ : يُرَدُّ حديثُهم مطلقاً ، سواءٌ بينوا السماعَ ، أو لَمْ يبينوا ، وأنَّ التدليسَ نفسَهُ جرحٌ ، حكاهُ ابنُ الصلاحِ عن فريقٍ من أهلِ الحديثِ والفقهاءِ ، وَهُوَ المرادُ بقولِهِ : ( فالردُّ مطلقاً ثُقِفْ ) أي : وُجِدَ عن بعضِهم .
والصحيحُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ ، التفصيلُ . فإنْ صَرَّحَ بالاتصالِ كقولِهِ : سمعتُ ، وحدّثنا ، وأخبرنا ، فهو مقبولٌ محتجٌّ به . وإنْ أتى بلفظٍ محتملٍ فحكمُه حكمُ المرسلِ . وإلى هذا ذهبَ الأكثرونَ كما حكيتُهُ عنهمْ .
وممَّنْ حكاهُ عن جمهورِ أئمةِ الحديثِ والفقهِ والأصولِ شيخُنا أبو سعيدٍ العلائيُّ في كتابِ " المراسيل "، وهو قولُ الشافعيِّ ، وعليِّ بنِ المدينيِّ ، ويحيى بنِ معين ، وغيرِهم .
وقد وجدتُ في كلامِ بعضِهم : أنَّ المدلّسَ إذا لم يُصَرِّحْ بالتحديثِ ، لم يُقبلْ اتّفاقاً . وقد حكاهُ البيهقيُّ في " المدخلِ " عن الشافعيِّ ، وسائرِ أهلِ العلمِ بالحديثِ .(7)وحكايةُ الاتفاقِ هنا غلطٌ أو هو محمولٌ على اتفاقِ مَنْ لا يحتجُّ بالمرسلِ .
أمّا الذين يحتجُّونَ بالمرسلِ فيحتجونَ بهِ كما اقتضاهُ كلامُ ابنِ الصلاحِ على أنَّ بعضَ مَنْ يحتجُّ بالمرسلِ لا يقبلُ عنعنةَ المدلسِ . فقد حكى الخطيبُ في " الكفايةِ "(8): "وقال خلق كثير من أهل العلم خبر المدلس مقبول لأنهم لم يجعلوه بمثابة الكذاب ولم يروا التدليس ناقضا لعدالته وذهب الى ذلك جمهور من قبل المراسيل من الأحاديث وزعموا أن نهاية أمره أن يكون التدليس ليس بمعنى الإرسال."
وفي الصَّحيحينِ وغيرِهما مِنَ الكتبِ الصحيحةِ عدّةُ رواةٍ من المدلّسينَ ، كالأعمشِ ، وهُشيمِ بنِ بَشِيرٍ ، وغيرِهما .
وفتشْ في الصحيحِ تجدْ جماعةً منهم ، كقتادةَ والسفيانَيْنِ ، وعبدِ الرزاقِ ، والوليدِ بنِ مسلمٍ ، وغيرِهِمْ . وقالَ النوويُّ(9): إنَّ ما في الصحيحينِ وغيرِهما من الكتبِ الصحيحةِ عن المدلسينَ بـ : عَنْ ، محمولٌ عَلَى ثبوتِ سماعِهِ من جهةٍ أخرى . وَقَالَ الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ الكريمِ الحلبيُّ في كتاب " القِدْح المُعَلّى": قالَ أكثرُ العلماءِ:إنَّ الَّتِي في الصحيحينِ مُنَزَّلةٌ بمنزلةِ السماعِ.
وذمّهُ شعبةُ فبالغَ في ذمِّهِ ، وإلاّ فَقَدْ ذمّهُ أكثرُ العلماءِ ، وَهُوَ مكروهٌ جدّاً ، فروَى الشافعيُّ عن شعبةَ قالَ : التدليسُ أخو الكذبِ ، وَقَالَ : لأنْ أزني أحبُّ إليَّ مِنْ أن أدلسَ . قَالَ ابنُ الصلاحِ : (( وهذا من شعبةَ إفراطٌ محمولٌ عَلَى المبالغةِ في الزجرِ عَنْهُ والتنفيرِ )) اهـ.
القسم الثاني :تدليسُ التسوية(10):
"وصورتُه أنْ يرويَ حديثاً عن شيخٍ ثقةٍ ، وذلكَ الثقةُ يرويه عنْ ضعيفٍ عن ثقةٍ ، فيأتي المدلِّسُ الذي سمعَ الحديثَ من الثقةِ الأولِ ، فيُسقطُ الذي في السندِ ، ويجعلُ الحديثَ عن شيخِهِ الثقةِ عن الثقةِ الثاني ، بلفظٍ محتملٍ ، فيستوي الإسنادُ ، كلُّهُ ثقاتٌ . وهذا شرُّ أقسامِ التدليسِ ؛ لأنَّ الثقةَ الأولَ قدْ لا يكونُ معروفاً بالتدليسِ ، ويجدُهُ الواقفُ على السندِ كذلكَ بعدَ التسويةِ قد رواهُ عن ثقةٍ آخرَ فيحْكَمُ له بالصحةِ ، وفي هذا غرورٌ شديدٌ . وممَّنْ نُقِلَ عنه أنَّهُ كان يفعلُ ذلكَ : بقيّةُ بنُ الوليدِ ، والوليدُ بنُ مسلمٍ .
أما بقيةُ ، فقال ابنُ أبي حاتمٍ في كتاب " العلل "(11): سمعتُ أبي ، وذكرَ الحديثَ الذي رواهُ إسحاقُ بنُ راهويهِ، عنْ بقيةَ(12)، حدّثني أبو وَهْبٍ الأسديُّ ، عن نافعٍ ، عنِ ابنِ عُمَرَ حديث : (( لا تحمدوا إسلامَ المرءِ حتى تعرفوا عقدةَ رأيِهِ )). فقال أبي : هذا الحديثُ له أمرٌ قَلَّ مَنْ يفهمُهُ، رَوَى هذا الحديثَ عبيدُ الله بنُ عمرٍو ، عن إسحاقَ بنِ أبي فروةَ ، عن نافعٍ ، عن ابنِ عمرَ ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . وعبيدُ الله بنُ عمرٍو كنيته أبو وَهْبٍ وهو أسديٌ . فكناهُ بقيةُ ونسبَهُ إلى بني أسدٍ لكي لا يُفطَنَ له . حتى إذا تُرِكَ إسحاقُ بنُ أبي فروةَ من الوسط لا يُهتدى له . - قال - : وكان بقيّةُ مِن أفعلِ الناسِ لهذا .
وأمَّا الوليدُ بنُ مسلمٍ(13)فقال أبو مُسْهِرٍ : كانَ الوليدُ بنُ مسلمٍ يحدّثُ بأحاديثِ الأوزاعيِّ عن الكذابينَ ، ثم يدلّسُها عنهم . وقال صالحٌ جَزَرَةُ : سمعتُ الهيثمَ بنَ خارجةَ يقولُ : قلتُ للوليدِ بنِ مسلمٍ : قد أفسدتَ حديثَ الأوزاعيِّ . قال : كيف ؟ قلتُ : تَروي عن الأوزاعيِّ ، عن نافعٍ ، وعن الأوزاعيِّ ، عن الزهريِّ ، وعن الأوزاعيِّ، عن يَحْيَى بنِ سعيدٍوغيرُكَ يُدْخلُ بَيْنَ الأوزاعيِّ وبينَ نافعٍ،عبدَ اللهِ بنَ عامرٍ الأسلميَّ وبينَهُ وبينَ الزهريِّ إبراهيمَ بنَ مُرَّةَ وقُرَّةَ ، قَالَ : أُنَبِّلُ الأوزاعيَّ أنْ يروِيَ عن مثلِ هؤلاءِ . قلتُ : فإذا رَوَى عن هؤلاءِ - وهم ضُعفاءُ - أحاديثَ مناكيرَ فاسقطتَهُمْ أنتَ وصَّيرتَها من روايةِ الأوزاعيِّ عن الثِّقاتِ ؛ ضُعِّفَ الأوزاعيُّ، فلم يلتفِتْ إلى قولي . وذَكَرَ الدارقطنيُّ عن الوليدِ أيضاً هذا النوعَ مِنَ التدليسِ . قال الخطيبُ :وكانَ الأعمشُ ، والثوريُّ ، وبقيّةُ ، يفعلونَ مثلَ هذَا . وقد سَمَّاهُ ابنُ القطّانِ وغيرُ واحدٍ تدليسَ التسويةِ . قال العلائيُّ في " المراسيلِ " : (( وبالجملةِ فهذا النوعُ أفحشُ أنواعِ التدليسِ مطلقاً وشرُّها )) .
وقال السيوطي(14):
"وقال شيخ الإسلام(15): لا شكَّ أنَّه جرح, وإن وُصِفَ به الثَّوري والأعْمش, فلا اعْتذار أنَّهما لا يَفْعلانه إلاَّ في حقِّ من يكون ثقة عندهما, ضعيفاً عند غيرهما.
قال: ثمَّ ابن القَطَّان إنَّما سَمَّاه تسوية, بدون لَفْظ التَّدليس, فيَقُول: سوَّاه فُلان, وهذه تسوية, والقُدماء يسمُّونه تجويدًا, فيقولون: جوَّده فُلان, أي ذكر من فيه من الأجواد, وحذف غيرهم.
قال: والتَّحقيق أن يُقَال: مَتَى قيلَ: تدليس التسوية, فلا بد أن يَكُون كل من الثِّقات الَّذين حذفت بينهم الوَسَائط في ذلك الإسْنَاد, قد اجتمعَ الشَّخص منهم بشيخِ شيخه في ذلكَ الحديث, وإن قيل: تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه, كمَا فعل مالك, فإنَّه لم يقع في التَّدليس أصْلاً, ووقعَ في هذا فإنَّه يروي عن ثور عن ابن عبَّاس, وثور لم يلقه, وإنَّما روى عن عكرمة عنهُ فاسقط عِكْرمة, لأنَّه غير حُجَّة عندهُ, وعلى هذا يُفارق المُنقطع بأن شرط السَّاقط هُنَا أن يَكُون ضَعيفًا, فهو مُنقطع خاص.
ثمَّ زاد شيخ الإسلام تدليس العطف, ومثَّله بما فعلَ هُشَيم, فيما نقلَ الحاكم والخَطِيب: أنَّ أصْحَابه قالُوا له: نُريد أن تُحدِّثنا اليوم شيئًا لا يَكُون فيه تدليس, فقال: خذوا, ثمَّ أملى عليهم مَجْلسًا يقول في كلِّ حديث منه: حدَّثنا فُلان وفلان, ثمَّ يَسُوق السَّند والمتن, فلمَّا فرغ قال: هل دلستُ لكم اليوم شيئا؟ قالوا: لا, قال: بلى, كل ما قلت فيه: وفلان فإنِّي لم أسمعهُ منه.
قال شيخ الإسلام(16): وهذه الأقسام كلها يشملها تدليس الإسْنَاد, فاللائق ما فعله ابن الصَّلاح من تقسيمه قسمين فقط.
قلتُ: ومن أقْسَامه أيضًا: ما ذكر محمَّد بن سعد, عن أبي حفص عُمر بن علي المُقدمي, أنَّه كان يُدلِّس تدليسًا شديدًا يقول: سمعتُ, وحدَّثنا, ثمَّ يسكت, ثمَّ يقول: هِشَام بن عُروة, الأعمش.
وقال أحمد بن حنبل: كان يقول: حَجَّاج سمعتهُ, يعني حديثا آخر.
وقال جَمَاعة: كان أبو إسحاق يقول: ليسَ أبو عُبيدة ذكره, ولكن عبد الرَّحمن بن الأسود عن أبيه, فقوله عبد الرَّحمن تدليس, يُوهم أنَّه سمعه منه.
وقسَّمهُ الحاكم(17)إلى سِتَّة أقْسَام:
الأوَّل: قومٌ لم يُميِّزُوا بين ما سمعوهُ وما لم يسمعوهُ.
الثَّاني: قومٌ يُدلِّسُون, فإذا وقعَ لهم من ينقر عنهم, ويلح في سماعاتهم ذكروا له, ومثَّلهُ بما حكى ابن خشرم عن ابن عُيينة.
الثَّالث: قومٌ دلَّسوا عن مَجْهولين, لا يُدرى من هُم, ومثَّله بما رُوي عن ابن المَدِيني قال: حدثني حُسين الأشْقر, حدَّثنا شُعيب بن عبد الله, عن أبي عبد الله, عن نوف, قال: بتُّ عند علي فذكر كلامًا, قال ابن المَدِيني: فقلتُ لحسين مِمَّن سمعتَ هذا؟ فقال: حدَّثنيه شُعيب عن أبي عبد الله, عن نوف, فقلتُ لشعيب: من حدَّثك بهذا؟ فقال أبو عبد الله الجَصَّاص, فقلت: عمَّن؟ قال: عن حمَّاد القَصَّار, فلقيتُ حمَّادًا فقلتُ له: من حدَّثك بهذا؟ قال: بلغني عن فَرْقد السَّبخي عن نوف.
فإذا هو قد دلَّس عن ثلاثة, وأبو عبد الله مجهول, وحمَّاد لا يدرى من هو, وبلغه عن فرقد, وفرقد لم يُدرك نوفًا.
الرَّابع: قومٌ دلَّسُوا عن قوم سمعُوا منهم الكثير, وربَّما فاتهم الشَّيء عنهم فيُدلِّسُونه.
الخامس: قومٌ رَوُوا عن شُيوخ لم يروهم, فيَقُولون: قال فُلان, فحمل ذلكَ عنهم على السَّماع, وليسَ عندهم سماع.
قال البَلْقيني: وهذه الخَمْسة كلها داخلة تحت تَدْليس الإسْناد, وذكر السَّادس, وهو تدليس الشُّيوخ الآتي. "
القسم الثالث- تدليسُ الشيوخ(18):
" وهو أنْ يصفَ المدلّسُ شيخَهُ الذي سمعَ ذلك الحديث منه بوصفٍ لا يُعْرَفُ به من اسمٍ ، أو كنيةٍ ، أو نسبةٍ إلى قبيلةٍ ، أو بلدٍ ، أو صنعةٍ أو نحوِ ذلك ، كي يُوْعِّرِ الطريقَ إلى معرفةِ السامعِ له ، كقول أبي بكرِ بن مجاهدٍ أحدِ أئمةِ القُرَّاْءِ : حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي عبدِ اللهِ ، يريدُ به : عبدَ اللهِ بنَ أبي داود السجستانيَّ ، ونحوَ ذلك . قال ابنُ الصلاحِ : وفيه تضييعٌ للمَرْوِيِّ عنه . قلتُ : وللمَرْوِيِّ أيضاً بأنْ لا يتنبهَ له فيصيرُ بعضُ رواتِهِ مجهولاً .
ويختلفُ الحالُ في كراهةِ هذا القسمِ باختلافِ المقْصَدِالحاملِ على ذلكَ.فشرُّ ذلكَ: إذا كانَ الحاملُ على ذلكَ كونَ المَرْوِيِّ عنهُ ضعيفاً ، فيدلّسُهُ حتى لا تظهرَ روايتُهُ عن الضعفاءِ.وقد يكونُ الحاملُ على ذلكَ كونَ المَرْوِيِّ عنه صغيراً في السِّنِّ،أو تأخّرتْ وفاتُهُ، وشاركَهُ فيه مَنْ هو دونَهُ. وقد يكونُ الحاملُ على ذلك إيهامَ كثرةِ الشيوخِ بأنْ يرويَ عن الشيخِ الواحدِ في مواضعَ ، يُعَرِّفُهُ في موضِعٍ بصفةٍ ، وفي موضعٍ آخرَ بصفةٍ أخرى يُوهِمُ أنّهُ غيرُهُ . وممَّنْ يفعلُ ذلك كثيراً الخطيبُ ، فقد كانَ لهِجَاً به في تصانيفهِ.
ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ حكمَ مَنْ عُرِفَ بهذا القسمِ الثاني من التدليسِ . وقد جزمَ ابنُ الصَّبَّاغُ في " العُدَّةِ " بأنَّ مَنْ فعلَ ذلكَ ؛ لكونِ مَنْ روى عنهُ غيرَ ثقةٍ عندَ الناسِ ، وإنّما أرادَ أنْ يُغيِّرَ اسمَهُ ليقبلوا خبرَهُ ، يجبُ أنْ لا يُقبلَ خَبرُهُ ، وإنْ كانَ هو يعتقدُ منهُ الثقةَ فقدْ غَلَطَ في ذلكَ ؛ لجوازِ أنْ يَعْرِفَ غيرُهُ مِنْ جِرْحهِ ما لا يَعرفُهُ هو ، فإنْ كانَ لصِغَرِ سنِّهِ، فيكونُ ذلكَ روايةً عن مجهولٍ،لا يجبُ قبولُ خَبَرِهِ حتَّى يعرفَ مَنْ رَوَى عنهُ."
" وقال الآمدي: إن فعلهُ لضعفه, فجرح, أو لضعف نسبه, أو لاختلافهم في قَبُول رِوَايته فلا.
وقال ابن السَّمْعَاني(19): إن كان بحيث لو سُئل عنه لم يُبينهُ فجرح, وإلاَّ فلا.
ومنع بعضهم إطلاق اسم التدليس على هذا, روى البيهقي في «المدخل» عن محمد بن رافع قال: قلتُ لأبي عَامر كان الثَّوري يُدلِّس؟ قال: لا. قلتُ: أليسَ إذا دخل كورة يعلم أنَّ أهلها لا يكتبون حديث رجل, قال: حدَّثني رَجُل, وإذا عُرِفَ الرَّجُل بالاسم كَنَّاه, وإذا عُرف بالكُنية سَمَّاهُ؟ قال: هذا تَزْيين, ليسَ بتدليس. "
من أقْسَام التَّدليس ما هو عكس هذا, وهو إعْطَاء شخص اسمٌ آخر مشهور تَشْبيهًا, ذكرهُ ابن السُّبكي في «جمع الجَوَامع»(20)قال: كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, يعني الذَّهبي, تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك, يعني به الحاكم, وكذا إبهام اللُّقَى والرِّحلة, كحدَّثنا من وراء النَّهر, يُوهم أنَّه جَيْحون, ويُريد نهر عيسى ببغداد, أو الجيزة بمصر, وليسَ ذلك بجرح قطعًا, لأنَّ ذلك من المَعَاريض, لا من الكذب.
قاله الآمدي في «الأحكام»(21)وابن دقيق العيد في «الاقتراح»(22).اهـ
أمكنة التدليس وعدمه:
قال الحاكم(23): "أهل الحجاز, والحرمين, ومِصْر, والعَوَالي, وخُراسان, والجبال وأصبهان, وبلاد فارس, وخوزستان, وما وراء النَّهر, لا نعلم أحدا من أئمتهم دلَّسوا.
قال: وأكثر المُحدِّثين تدليسًا: أهل الكُوفة, ونفر يَسيرٌ من أهل البَصْرة.
قال: وأمَّا أهل بغداد فلم يُذكر عن أحد من أهلها التدليس, إلاَّ أبا بكر محمَّد بن محمَّد بن سُليمان الباغندي الواسطي, فهو أوَّل من أحدثَ التدليس بها, ومن دلَّس من أهلها إنَّما تَبِعهُ في ذلك" .
وقد أفردَ الخطيب كِتَابًا في أسماء المُدلِّسين, ثمَّ ابن عَسَاكر."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 13) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 111) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 20) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 14) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 416) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 158) والموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 8) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 173) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 15) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 201)
(2) - القاموس جـ2 ـ ص 224 .
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 163)
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 77)
(5) - التمهيد 1/15
(6) - الكفاية ص 512
(7) - وفي المجموع شرح المهذب - (ج 4 / ص 546): وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ : عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ
وفي المجموع شرح المهذب أيضاً - (ج 7 / ص 159): وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ : ( عَنْ ) لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ .
(8) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 350)
(9) - التقريب للنووي مع تدريب الرأوي ص144 وتوضيح الأفكار - (ج 1 / ص 354)
(10) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 172) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 164) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 422) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 78)
(11) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي(1162) وعلل الحديث (1957)
(12) - بقية بن الوليد أبو يحمد الكلاعي الميتمي الحافظ عن بحير ومحمد بن زياد الألهاني وأمم وعنه بن جريج وشعبة وهما من شيوخه وكثير بن عبيد وأحمد بن الفرج الحجازي وخلق وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة مات 197 م 4 .الكاشف[ ج 1 - ص 273 ] (619 )
وقال ابن عدي في آخر ترجمته : "ولبقية حديث صالح غير ما ذكرناه ففي بعض رواياته يخالف الثقات وإذا روى عن أهل الشام فهو ثبت ،وإذا روى عن غيرهم خلط كإسماعيل بن عياش إذا روى عن الشامين فهو ثبت ،وإذا روى عن أهل الحجاز والعراق خالف الثقات في روايته عنهم، قال الشيخ قد تقدم ذكري في ذلك أن صفته في روايات الحديث كإسماعيل بن عياش إذا روى عن الشاميين فهو ثبت وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لا منه، وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم وربما كان الوهم من الراوي عنه وبقية صاحب حديث ومن علامة صاحب الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار ويروي عنه الكبار من الناس وهذا صورة بقية .الكامل في الضعفاء[ ج 2 - ص 80 ]
(13) - الوليد بن مسلم الحافظ أبو العباس عالم أهل الشام عن يحيى الذماري وثور بن يزيد وعنه أحمد وإسحاق ودحيم قال بن المديني ما رأيت من الشاميين مثله وقال بن جوصا كنا نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد صلح للقضاء وهي سبعون كتابا قلت كان مدلسا فيتقى من حديثه ما قال فيه عن مات 195 ع.الكاشف[ ج 2 - ص 355 ] (6094 )
(14) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 164)
(15) - النكت 2/617-632
(16) - النكت 2/622
(17) - معرفة علوم الحديث ص 103
(18) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 77)
(19) - النكت 2/632
(20) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 325و328) و غاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 98)
(21) - 2/101
(22) - ص 212-213
(23) - معرفة علوم الحديث ص 111(1/158)
رأي الزركشي في التدليس(1):
" [ تَدْلِيسُ الرُّوَاةِ ] وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بِتَدْلِيسِ الرُّوَاةِ مَعَ صِدْقِهِ فِي الْمُتُونِ كَشَرِيكٍ , وَهُشَيْمٍ , وَقَتَادَةَ , وَالْأَعْمَشِ , وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ - وَقِيلَ : إنَّ التَّدْلِيسَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ - فَلَهُ أَحْوَالٌ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ فِي إبْدَالِ الْأَسْمَاءِ بِغَيْرِهَا كَمَا يَقُولُ عَنْ اسْمِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَمْرِو بْنِ بَكْرٍ , فَهُوَ كَذِبٌ يُرَدُّ بِهِ حَدِيثُهُ . قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَ الرُّويَانِيُّ .
ثَانِيهَا : أَنْ يُسَمِّيَهُ بِتَسْمِيَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ , وَسَهَّلَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَمْرَهُ . وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : لَيْسَ يَجْرَحُ إلَّا أَنَّهُ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ , وَأَمَّا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ بَرْهَانٍ فَقَالَ : هُوَ جَرْحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَرْوِي بِاسْمِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ , وَلَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ اسْمِهِ الْمَشْهُورِ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْقَدْحِ . فَلَا تُرَدُّ بِذَلِكَ رِوَايَتُهُ , لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَبِلَ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ ا هـ .
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا إعْطَاءُ شَخْصٍ اسْمٌ آخَرَ تَشْبِيهًا لَهُ , كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَيَعْنِي بِهِ بَعْضَ مَشَايِخِهِ تَشْبِيهًا بِالْبَيْهَقِيِّ , يَعْنِي الْحَاكِمَ .
ثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ التَّدْلِيسُ فِي اطِّرَاحِ اسْمِ الرَّاوِي الْأَقْرَبِ وَإِضَافَةِ الْحَدِيثِ إلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ , فَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , فَلَا يَكُونُ بِهِ مَجْرُوحًا , لَكِنْ لَا يُقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ إذَا رُوِيَ عَنْ فُلَانٍ , حَتَّى يَقُولَ : حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي , قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ . وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ : مَنْ قَبِلَ الْمَرَاسِيلَ لَمْ يُرَ لَهُ أَثَرًا , إلَّا أَنْ يُدَلِّسَ لِضَعْفٍ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ , وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِمُطْلَقِ رِوَايَتِهِ , فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ سَمِعْته . وَفَصَّلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " بَيْنَ أَنْ يُعْرَفَ بِالتَّدْلِيسِ وَيَغْلِبَ عَلَيْهِ , وَإِذَا اُسْتُكْشِفَ لَمْ يُخْبِرْ بِاسْمِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ , فَهَذَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ , لِأَنَّهُ تَزْوِيرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ , وَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي صِدْقِهِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَىْ زُورٍ »(2). وَبَيْنَ أَنْ يَرَى اسْمَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ , إلَّا أَنَّهُ إذَا كُشِفَ عَنْهُ أَخْبَرَ بِاسْمِهِ وَأَضَافَ الْحَدِيثَ إلَى نَاقِلِهِ , فَهَذَا لَا يُسْقِطَ الْحَدِيثَ , وَلَا يَقْتَضِي الْقَدَحَ فِي الرَّاوِي , وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُدَلِّسُ , فَإِذَا سُئِلَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ بِالْخَبَرِ نَصَّ عَلَى اسْمِهِ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالتَّدْلِيسِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَالتَّحْدِيثِ , فَأَمَّا إذَا قَالَ عَنْ فُلَانٍ لَمْ يُقْبَلْ . وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِالتَّدْلِيسِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ إذَا حَدَّثَ بِالضَّعْفِ ; لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ وَالِاخْتِصَارِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ " : كُلُّ مَنْ ظَهَرَ تَدْلِيسُهُ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ , حَتَّى يَقُولَ : حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْت , وَمَنْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ : حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ , قُبِلَ خَبَرُهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَى عَنْهُ , وَإِنَّمَا تَوَقَّفْنَا فِي الْمُدَلِّسِ لِعَيْبٍ ظَهَرَ لَنَا فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ عَلَى سَلَامَتِهِ , وَلَوْ تَوَقَّيْنَاهَا لَتَوَقَّيْنَا فِي حَدَّثَنَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ قَبِيلَتَهُ وَأَصْحَابَهُ , كَقَوْلِ الْحَسَنِ : خَطَبَنَا فُلَانٌ بِالْبَصْرَةِ , وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا ; لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ لَاغٍ , فَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ سَمَاعُهُ إذَا كَانَ عَنْ مُدَلِّسٍ , وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ صَحَابِيٌّ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَذَا , فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ وَالْقَائِلُ بِخِلَافِ ذَلِكَ يَغْفُلُ .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ : الْمُدَلِّسُ هُوَ مَنْ يُوهِمُ شَيْئًا ظَاهِرُهُ بِخِلَافِ بَاطِنِهِ , وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ مِنَ الْكَذِبِ , مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّسُولِ وَاسِطَةٌ . فَإِذَا كَفَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ إخْبَارِهِ . وَقَدْ شَدَّدَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِيهِ , فَقَالَ شُعْبَةُ : لَأَنْ أَزني أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ . قَالَ : وَوَجَدْت ابْنَ أَخِي هِشَامٍ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ التَّدْلِيسَ , وَلَا يَقُولُ بِهِ . وَيَقُولُ : هَذَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ يَقُولُ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَدَيَّنَ بِالْحَدِيثِ , فَلَا يَكْتُبُ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ شَيْئًا إلَّا مَا قَالَا : حَدَّثَنَا , أَوْ أَخْبَرَنَا , وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ خَلٌّ وَبَقْلٌ . قَالَ : وَمَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ وُقِفَ فِي خَبَرِهِ . قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ : وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُحَدِّثَ إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ عَنْ فُلَانٍ إيهَامَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ فَهُوَ غِشٌّ , وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْفَتْوَى كَقِصَّةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجُنُبِ يَصُومُ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ . قَالَ : وَالْكَلَامُ فِي الصُّحُفِ وَغَيْرِهَا مِثْلُ هَذَا , وَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ الْكِتَابُ إلَّا أَنْ يَرْوِيَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , كَكِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ(3). فَأَمَّا إذَا كَانَ كِتَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا , فَيُقَالُ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا وَقَدْ صَحَّ شَرَائِطُهُ , وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يَقِفُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ . ا هـ .
قَالَ : وَمَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَرْفٌ , حَتَّى يُبَيِّنَ سَمَاعَهُ , وَيُقْبَلَ ذَلِكَ مِنَ الثِّقَاتِ , وَقَدْ يُعْرَفُ التَّدْلِيسُ بِأَنْ يُكْثِرَ عَنْ الْمَجْهُولِينَ , وَيَصِلَ الْوُقُوفَ , وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تُوَقِّفَ فِي خَبَرِهِ , وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ : مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ , لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ , حَتَّى يُخْبِرَ بِالسَّمَاعِ , فَيَقُولُ : سَمِعْت أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ حَدَّثَنِي وَنَحْوُهُ . فَأَمَّا إذَا قَالَ : قَالَ فُلَانٌ فَلَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ تَدْلِيسَهُ ظَهَرَ . فَالْوَاجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْهُ فِي خَبَرِهِ , وَإِنَّمَا يُسَامَحُ الثِّقَاتُ غَيْرُ الْمَعْرُوفِينَ بِالتَّدْلِيسِ فِي قَوْلِهِمْ عَنْ فُلَانٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالسَّمَاعِ فِي خَبَرِهِ , وَيُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى السَّمَاعِ عَلَى حَمْلِهِ مَا عُرِفَ مِنْهُمْ , فَصَيَّرَ ذَلِكَ كَاللُّغَةِ الْجَارِيَةِ , فَأَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِيهِ التَّدْلِيسُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَشْفِ , لِيُوقَفَ عَلَى مَنْ سَمِعَ مِنْهُ الْخَبَرَ لِيُنْظَرَ فِي أَحْوَالِهِ اهـ
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ , وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ : إنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ لَمْ يُقْبَلْ , حَتَّى يُصَرِّحَ بِالتَّحْدِيثِ , وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ قُبِلَ مِنْهُ قَوْلُهُ : قَالَ فُلَانٌ إذَا حَكَاهُ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ وَحُمِلَ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ . قَالَ سُلَيْمٌ : وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْمُدَلِّسِ بِحَالٍ , وَجَعَلَهُ جَرْحًا , وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ : اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ خَبَرِ الْمُدَلِّسِ , وَهُوَ الَّذِي يَعْزِي الرِّوَايَةِ إلَى رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَجُلٌ آخَرُ , فَعَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ , وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد عَلَى مَا حَكَاهُ الْجَزَرِيُّ , وَلَا شَكَّ أَنَّ رِوَايَتَهُ لَا تُقْبَلُ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِيمَنْ قَبِلَهَا , وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِ , حَتَّى قَالَ : لَا تُقْبَلُ مِنْهُ إذَا قَالَ : أَخْبَرَنِي , حَتَّى يَقُولَ : حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْت ; لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا لَبْسَ فِيهِ , وَالْأَوَّلُ فِيهِ لَبْسٌ .
قَالَ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَبُولَ رِوَايَتِهِ , وَالظَّاهِرُ عَلَى أُصُولِ مَالِكٍ عِنْدِي أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ , وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ حَدِيثِ الْمُدَلِّسِ , ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ يَقْدَحُ فِي وَرَعِهِ وَتَحَفُّظِهِ .
وَأَمَّا قَبُولُ حَدِيثِهِ أَوْ رَدِّهِ , فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى تَأْوِيلِهِ , وَغَرَضِهِ الْبَاعِثِ لَهُ عَلَى التَّدْلِيسِ , وَعَلَى الْفَطِنِ فِي مِقْدَارِ تَغْرِيرِهِ بِالسَّامِعِينَ مِنْهُ , وَهَلْ أَمِنَ أَنْ يَقَعُوا بِمَا حَدَّثَهُمْ فِي نَقْلِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ , لَوْ أَبْدَى لَهُمْ مَا كَتَمَ أَمْ لَا ؟ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " : التَّدْلِيسُ يَتَضَمَّنُ الْإِرْسَالَ لَا مَحَالَةَ ; لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي حَذْفِ الْوَاسِطَةِ . وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ التَّدْلِيسَ يُوهِمُ سَمَاعَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , وَهُوَ الْمُوهِنُ لِأَمْرِهِ , وَالْإِرْسَالُ لَا يَتَضَمَّنُ التَّدْلِيسَ ; لِأَنَّهُ لَا يُوهِمُ ذَلِكَ , وَالْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِهِ , وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ مَنْ قَبِلَ الْمُرْسَلَ , وَقِيلَ : لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَهُّمِ . وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلُ إذَا أَوْرَدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ السَّمَاعَ وَغَيْرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُوهِمْ ذَلِكَ قُبِلَ . وَقَالَ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ : حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي , فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِجَازَةِ قُبِلَ , وَمَنْ لَا يُجَوِّزُهُ لَمْ يَقْبَلْهُ لِإِيهَامِ إرَادَةِ مَا يُجَوَّزُ الْعَمَلُ بِهِ , وَهُوَ لَا يُجَوِّزُهُ . "
6- حكمُ التدليس :
أ) أما تدليس الإسناد: فمكروه جداً. ذمة أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذماً له فقال فيه أقوالا منها: "التدليس أخو الكذب ".(4)
ب) وأما تدليس التسوية : فهو أشد كراهة منه ، حتى قال العراقي :" وهو قادحٌ فيمنْ تعمدَ فِعْله. "(5)
ج) وأما تدليس الشيوخ : فكراهته أخف من تدليس الإسناد ،لأن المدلس لم يُسقط أحداً ، وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه ، وتوعير طريق معرفته على السامع وتختلف الحال في كراهته بحسب الغرض الحامل عليه .(6)
7- الأغراضُ الحاملة على التدليس(7):
أ) الأغراض الحاملة على تدليس الشيوخ أربعة هي:
1- ضعف الشيخ أو كونه غير ثقة .
2- تأخر وفاته بحيث شاركه في السماع منه جماعة دونه.
3- صغر سنه بحيث يكون أصغر من الراوي عنه .
4- كثرة الرواية عنه، فلا يحبُّ الإكثار من ذكر اسمه على صورة واحدة.
ب) الأغراض الحاملة على تدليس الإسناد خمسة وهي:
1- توهيم عُلُوِّ الإسناد .
2- فَوَات شيء من الحديث عن شيخ سمع منه الكثير .
3- 4- 5 ـ الأغراض الثلاثة الأولى المذكورة في تدليس الشيوخ.
8- أسباب ذم المدلَّس: ثلاثة هي
أ) إيهامه السماع ممن لم يسمع عنه .
ب) عدوله عن الكشف إلى الاحتمال .
ج) علمه بأنه لو ذكر الذي دلس عنه لم يكن مَرْضِيّا(8)
9- حكمُ رواية المدلِّس :
اختلف العلماء في قبول رواية المدلَّس على أقوال، أشهرها قولان.
رد رواية المدلس مطلقا وإن بين السماع، لأن التدليس نفسه جرح. ( وهذا غير معتمد ).
التفصيل: ( وهو الصحيح ) إن صرح بالسماع قبلت روايته ، أي إن قال " سمعت" أو نحوها قبل حديثه ،وان لم يصرح بالسماع لم تقبل روايته، أي إن قال " عن " ونحوها لم يقبل حديثه(9).
10- بم يعرف التدليس ؟
يعرف التدليس بأحد أمرين :
إخبار المدلس نفسه إذا سئل مثلا ، كما جرى لابن عيينة .
نَصُّ إمام من أئمة هذا الشأن بناء على معرفته ذلك من البحث والتتبع .
11 - أشهر المصنفات في التدليس والمدلسين :
هناك مصنفات في التدليس والمدلسين كثيرة أشهرها :
ثلاثة مصنفات للخطيب البغدادي ، واحدا في أسماء المدلسين ، واسمه التبيين لأسماء المدلسين(10)والآخران أفرد كلا ً منهما لبيان نوع من أنواع التدليس.(11)
التبيين لأسماء المدلسين : لبرهان الدين بن الحلبي (وقد طبعت هذه الرسالة ) .
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر ( وقد طبعت أيضا).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - جامع الفقه الإسلامي
(2) - صحيح البخارى(5219 )
(3) - المستدرك للحاكم (1445) والسنن الكبرى للبيهقي - (ج 4 / ص 90)(7508)
وقال الحاكم عقبه بعد روايته من طرق :هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَبِيرٌ مُفَسَّرٌ فِي هَذَا الْبَابِ يَشْهَدُ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَقَامَ الْعُلَمَاءُ فِي عَصْرِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ بِالصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرِي لَهُ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الدِّمَشْقِيُّ الْخَوْلانِيُّ مَعْرُوفٌ بِالزُّهْرِيِّ ، وَإِنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ غَمَزَهُ فَقَدْ عَدَّلَهُ غَيْرُهُ ، كَمَا أَخْبَرَنِيهِ أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ فِي الصَّدَقَاتِ ، فَقَالَ : سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلانِيُّ عِنْدَنَا مِمَّنْ لاَ بَأْسَ بِهِ ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَسَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ ذَلِكَ ، قَالَ الْحَاكِمُ : قَدْ بَذَلْتُ مَا أَدَّى إِلَيْهِ الاجْتِهَادُ فِي إِخْرَاجِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الْمُفَسَّرَةِ الْمُلَخَّصَةِ فِي الزَّكَاةِ ، وَلا يَسْتَغْنِي هَذَا الْكِتَابُ عَنْ شَرْحِهَا ، وَاسْتَدْلَلْتُ عَلَى صِحَّتِهَا بِالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الْخُلَفَاءِ وَالتَّابِعِينَ بَقَبُولِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ لِمَنْ أَنَاطَهَا ، وَقَدْ كَانَ إِمَامُنَا شُعْبَةُ يَقُولُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ فِي الْوُضُوءِ لأَنْ يَصِحَّ لِي مِثْلُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَمَالِي وَأَهْلِي ، وَذَاكَ حَدِيثٌ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ فَكَيْفَ بِهَذِهِ السُّنَنِ الَّتِي هِيَ قَوَاعِدُ الإِسْلامِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفَّقِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
(4) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 13) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 8) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 345) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 178) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 167) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 423)
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 165)
(6) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 450) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 167) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 421)
(7) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 15)
(8) - راجع الكفاية ص 358والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 347)
(9) - علوم الحديث ص 67 - 681
(10) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 350)
(11) - الكفاية ص 357(1/159)
المُرْسَلُ الخَفِيُّ(1)
1-تعريفُه:
لغة: المرسلُ لغة اسم مفعول من الإرسال بمعنى الإطلاق، كأن المرسِل أطلق الإسناد ولم يصله، والخفيَّ: ضد الجلي، لأن هذا النوع من الإرسال غير ظاهر، فلا يدرك إلا بالبحث.
اصطلاحاً:أن يَرْوِيَ عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه بلفظ يحتملُ السماع وغيره كـ"قال"
2- مثالُه :
ما رواه ابن ماجه في سننه(2)عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ ». فان عمر لم يطلق عقبة كما قال المزي في الأطراف .
ووصله في المستدرك للحاكم(2438)أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ قَيْسٍ الأَزْرَقُ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ " ( ولكن فيه صالح بن محمد بن زائدة فيه ضعف )
مثال آخر :
ما أخرجه الإمام أحمد في المسند (9597) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ »..
قال الإمام أحمد في المسند عقب الحديث رقم 8525 : وَلَكِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وأخرجه النسائي في سننه كتاب الطلاق ، بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَلْعِ رقم (3474) عن إِسْحَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عن الْمُغِيرَةَ بْنِ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ ، عن وُهَيْبٍ به .
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ : الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا .
وقال الترمذي في الاستئذان بَاب مَا جَاءَ فِي تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي ، في تعليقه على الحديث رقم (2703) : قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ : إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وقال الإمام الحاكم في معرفة علوم الحديث ص111 : إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ، ولا من جابر ، ولا من ابن عمر ، ولا من ابن عباس ، شيئا قط ".
قلت: لكن له طرق تصححه انظرها(3)
ومثاله : ما أخرجه الإمام الترمذي في سننه : كتاب الطهارة ، بَاب مَا جَاءَ فِي الاسْتِتَارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، حديث رقم (14)، قال : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلائِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ .
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَيُقَالُ لَمْ يَسْمَعِ الأَعْمَشُ مِنْ أَنَسٍ ، وَلا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ نَظَرَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : رَأَيْتُهُ يُصَلِّي . فَذَكَرَ عَنْهُ حِكَايَةً فِي الصَّلاةِ .
وقال الإمام الحاكم(4):" إن الأعمش لم يسمع من أنس ".
قلت : قد وصله في السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 96)469- وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ : عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُسْرَوْجِرْدِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى رَجَاءٍ الْمِصِّيصِىُّ شَيْخٌ جَلِيلٌ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ تَنَحَّى وَلاَ يَرْفَعُ ثِيَابَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ.(5)( فصحَّ الحديث والحمد لله )
ومثاله : ما أخرجه الإمام النسائي في سننه : كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، حديث رقم (1823) قال : أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ، قَالَتْ : مَنْ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ". قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ النَّسَائي : مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَنْبَسَةَ شَيْئًا .
وقال الإمام الحاكم(6):" إن عامة حديث مكحول عن الصحابة ؛ حوالة ".
حكمه : وهو نوع من المنقطع ، إلا أن الانقطاع فيه خفيّ ؛ لأن تعاصر الراويين يوهم إتصال السند بينهما ".(7)
قلت: لكنه لم يتفرد به ففي سنن النسائى (1823 ) أَخْبَرَنِى يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ الْعَطَّارُ قَالَ حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِى عَمْرٍو الأَوْزَاعِىِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ لَمَّا نُزِلَ بِعَنْبَسَةَ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ أَمَا إِنِّى سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ ». فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ.
(1824 ) أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ هِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ قَالَ حَدَّثَنِى أَيُّوبُ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ - عَنِ الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِىِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ أَخْبَرَتْنِى أُخْتِى أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ حَبِيبَهَا أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهَا قَالَ « مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُصَلِّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَتَمَسُّ وَجْهَهُ النَّارُ أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ». (فالحديث صحيح ، ولا يضر إعلال الرواية الأولى به )
قلتُ :
يجب الانتباه عند نقل قول محدِّثٍ حول إعلال حديث ما بالإرسال أو الانقطاع ، أو التدليس ونحو ذلك مما يعلُّ به ، فليس بالضرورة أن يكون متن الحديث ضعيفاً .
3-بما يعرفُ المرَسلُ الخفيُّ(8)؟
" يعرفُ خفيُّ الإرسالِ بأمورٍ :
أحدُها: أنْ يُعْرَفَ عدمُ اللقاءِ بينهما بنصِّ بعضِ الأئمةِ على ذلك، أوْ يُعْرَفَ ذلكَ بوجهٍ صحيحٍ، مسند أحمد(9371) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا هَوْذَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عَلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ بَنِى آدَمَ صَدَقَةٌ »..(9)
وقال أبو عبيد الآجرى : سئل أبو داود عن خلاس فقال : ثقة ثقة . قيل : سمع من على ؟ قال : لا . قال أبو داود : سمعت أحمد يقول : لم يسمع خلاس من أبى هريرة شيئا .
قلت : وإن كان تعاصرا فبينهما واحد ، وقد أخرج له البخارى(6669) حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِى عَوْفٌ عَنْ خِلاَسٍ وَمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهْوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ » . مقرونا بابن سيرين عن أبي هريرة
وقد أخرج له مسلم(1012 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَوْ تَعْلَمُونَ - أَوْ يَعْلَمُونَ - مَا فِى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً ». وبين الواسطة بينهما وهو أبو رافع
ومع ذلك فالحديث صحيح لمجيئه من طرق أخرى صحيحة، وقد صححه الشيخ ناصر رحمه الله لذاته في السلسلة الصحيحة (574و1025 ) ولم ينتبه للإنقطاع بينهما ، بينما أستاذنا الشيخ شعيب في تعليقه على مسند أحمد(9122 ) بيَّن أن فيها انقطاعاً فالحديث صحيح لغيره ، لا لذاته .
والثاني : بأنْ يُعْرَفَ عَدَمُ سماعِهِ منهُ مطلقاً بنصِّ إمامٍ على ذلكَ ، أوْ نحوِهِ، كأحاديثِ أبي عُبيدةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ عن أبيهِ ، وهي في السُّنَنِ الأربعةِ. فقد روى الترمذيُّ : أنَّ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ قالَ لأبي عُبيدةَ : هلْ تذكرُ مِنْ عبدِ اللهِ شيئاً ؟ قالَ : لا .
كما في النسائى (1184 ) أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّالْقَانِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ . قُلْتُ حَتَّى يَقُومَ قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ.(10)
وفي سنن الترمذى (367 ) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هُوَ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ حَرَّكَ سَعْدٌ شَفَتَيْهِ بِشَىْءٍ فَأَقُولُ حَتَّى يَقُومَ فَيَقُولُ حَتَّى يَقُومَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلاَّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ لاَ يُطِيلَ الرَّجُلُ الْقُعُودَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وَلاَ يَزِيدَ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا.
وَقَالُوا إِنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ. هَكَذَا رُوِىَ عَنِ الشَّعْبِىِّ وَغَيْرِهِ.
قلت : وأخرجه أحمد في مسنده في ستة مواضع من هذا الطريق .
وبالرغم من الانقطاع فقد حسنه الترمذي ، والسبب أن أبا عبيدة بن عبد الله كَانَ أعلم بحديث أبيه مِن حنيف بن مالك ونظرائه كما قال الدارقطنى ، وأخذ أحاديث أبيه عن أمه زينب الثقفية خاصة ومسروق(11).
وقال الدارقطنى : أبو عبيدة أعلم بحديث أبيه من حنيف بن مالك ونظرائه .
وقال ابن المدينى فِى حديث يرويه أبي عبيدة عن أبيه : هو منقطع ، وهو حديث ثبت.
وقال يعقوب بن شيبة : إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبى عبيدة عن أبيه فِى المسند - يعني فِى الحديث المتصل - لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها ، وأنه لَمْ يأت فيها بحديث منكر اهـ(12)
والثالثُ : بأنْ يُعْرَفَ عدمُ سماعِهِ منهُ لذلكَ الحديثِ فَقَطْ ، وإنْ سَمِعَ منهُ غيرُهُ ؛ إمَّا بنصِّ إمامٍ ، أو إخبارِهِ عن نفسِهِ بذلكَ في بعضِ طرقِ الحديثِ ، أو نحوِ ذلكَ .
وقال الدارقطني(13):
" أدرك الراوي شخصا وسمع منه لكنه لم يسمع منه أحاديث معينة.
فإذا رواها عنه بلا واسطة فعلتها أنه لم يسمعها منه.
كحديث: كما في مسند أحمد(12506) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ. وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ قَالَ أَنْبَأَنَا الدَّسْتَوَائِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَ « أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ »..
ولا شك أن يحيى بن أبي كثير رأى أنسا ولكنه لم يسمع منه هذا الحديث والدليل على ذلك ما رواه ابن المبارك عن هشام عن يحيى قال: حدثتُ عن أنس "
قلتُ :
وفي السنن الكبرى للإمام النسائي(14)(6874)أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير ، عن أَنَس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وتنزلت عليكم الملائكة .
قال أبو عبد الرحمن يحيى بن أبي كثير لم يسمعه من أنس .
(6875)أخبرنا سويد بن نصر قال أنا عبد الله عن هشام عن يحيى بن أبي كثير قد حدثت ، عن أَنَس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر عند أهل بيت ... وساق الحديث .اهـ
وقال البيهقي في السنن الكبرى بعد إيراده(15): "وَهَذَا مُرْسَلٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى عَنْ أَنَسٍ إِنَّمَا سَمِعَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ زُنَيْبٍ ، وَيُقَالُ ابْنُ زُبَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ."
قلت : ومع هذا فالحديث صحيح ، فقد روي موصولا ، كما سنن أبى داود (3856 ) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ » وهذا إسناد صحيح موصول
والرابعُ : بأنْ يَرِدَ في بعضِ طرقِ الحديثِ زيادةُ اسمِ راوٍ بينهما ، كحديثٍ رواهُ عبدُ الرزاقِ ، عن سفيانَ الثوريِّ ، عن أبي إسحاقَ ، عن زيدِ بنِ يُثَيْعٍ ، عن حُذَيْفَةَ مرفوعاً : (( إنْ وَلَّيتُمُوْهَا أبا بكرٍ ، فقويٌّ ، أَمينٌ )) ، فهو منقطعٌ في موضعينِ ؛ لأنَّهُ رُويَ عن عبدِ الرزاقِ ، قالَ : حدَّثَني النُّعمانُ بنُ أبي شيبةَ ، عن الثوريِّ ، ورُوِي أيضاً عن الثوريِّ ، عن شَرِيْكٍ ، عن أبي إسحاقَ."
قلت : كما في المستدرك للحاكم(4685) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ قَالاَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَزَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا ، رَاغِبٌ فِي الآخِرَةِ ، وَفِي جِسْمِهِ ضَعْفٌ ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عُمَرُ فَقِوِيُّ أَمِينٌ ، لاَ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ ، يُقِيمُكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
والثانية كما في تاريخ دمشق لابن عساكر- (ج 42 / ص 420) الحسن بن علوية القطان نا أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح نا ابن نمير نا سفيان الثوري عن شريك عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال ذكرت الإمارة أو الخلافة عنده فقال قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) إن تؤمروا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه قويا في أمر الله ......
قلتُ : ومع ذلك فالحديث صحيح(16)
قال العراقي(17):
"وهذا القسمُ الرابعُ محلُّ نظرٍ لا يُدْرِكُهُ إلاَّ الحفَّاظُ النقَّادُ، ويَشَتَبِهُ ذلكَ على كثيرٍ من أهلِ الحديثِ ؛ لأنَّهُ ربَّمَا كانَ الحكمُ للزائدِ ، وربَّما كانَ الحكمُ للناقصِ والزائدُ وَهْمٌ فيكونُ من نوعِ المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ ؛ فلذلكَ جمعتُ بينَهُ وبينَ نوعِ خفيِّ الإرسالِ ، وإنْ كانَ ابنُ الصلاحِ جعلَهُمَا نوعينِ ، وكذلكَ الخطيبُ أفردَهُما بالتصنيفِ ، فصنَّفَ في الأولِ كتاباً سمَّاهُ " التفصيل لمُبْهَمِ المراسيلِ " ، وصَنَّفَ في الثاني كتاباً سمَّاهُ "تمييز المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ " ، وفي كثيرٍ مما ذكرَهُ فيهِ نظرٌ. والصوابُ ما ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ من التفصيلِ واقتصرتُ عليهِ ، وهوَ : أَنَّ الإسنادَ الخالي عن الراوي الزائدِ ، إنْ كانَ بلفظةِ : (( عن )) في ذلكَ - وكذلكَ ما لا يقتضي الاتصالَ، كـ: قالَ ونحوِها - فينبغي أنْ يُحْكَمَ بإرسالِهِ ، ويُجْعَلَ مُعَلَّلاً بالإسنادِ الَّذِي ذُكِرَ فيهِ الرَّاوِي الزائدُ ؛ لأَنَّ الزيادةَ من الثقةِ مقبولةٌ . وإنْ كانَ بلفظٍ يقتضي الاتصالَ ، كـ: حَدَّثَنا ، وأخبرنا ، وسمعتُ ، فالحكمُ للإسنادِ الخالي عن الرواي الزائدِ ؛ لأنَّ معَهُ الزيادةَ ، وهيَ إثباتُ سماعِهِ منهُ .
ومثالُهُ حديثٌ رواهُ مسلمٌ (2295 ) وأبو داو د(3231 ) والترمذيُّ (1069 ) من طريق ابنِ المباركِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا »..
فَذِكْرُ أبي إدريسَ في هذا الحديثِ وَهَمٌ من ابنِ المباركِ ؛ لأنَّ جماعةً من الثقاتِ روَوْهُ عن ابنِ جابرٍ ، عن بسرٍ ، عن واثلةَ بلفظِ الاتصالِ بينَ بُسْرٍ وواثلةَ . رواهُ مسلمٌ (2294 ) والترمذيُّ أيضاً (1071 ) ، والنسائيُّ (768 ) و مسند أحمد (17678) حَدَّثَنِى بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو مَرْثَدٍ الغَنَوِىُّ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا »..
ورواهُ أبو داودَ (3231 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِىُّ أَخْبَرَنَا عِيسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ - عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِىَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا »..
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 327) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 20) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 423)
(2) -برقم (2874 ) ووصله في المستدرك برقم ( 2438 )
(3) - عدى 3/986 وصحيح الجامع ( 1938 ) وتفسير الطبري - (ج 4 / ص 569) ومسند البزار (4161) والسلسلة الصحيحة (632 ) ومصنف عبد الرزاق (11892) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 12 / ص 308)(14347) وسنن سعيد بن منصور (1344 و1345)
(4) - في المعرفة ص111
(5) - والصحيحة (1071) وصحيح الجامع (4652)
(6) - في المعرفة ص111
(7) - في منهج النقد في علوم الحديث ص387
(8) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 480) و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 202)
(9) - قال الشيخ أحمد رحمه الله : « ثم له في كل عضو من أعضاء بني آدم نعمة لا يقوم أحد بشكرها إلا بتوفيقه ، ومن شكرها المعرفة بأنها من الله جل ثناؤه ، ثم استعمالها في طاعة الله دون معصيته . وبالله التوفيق. شعب الإيمان للبيهقي - (ج 9 / ص 394)
(10) - الرضف : الحجارة المحماة على النار واحدته رَضْفَة
(11) - ، راجع التهذيب 5/75-76 وتهذيب التهذيب - (ج 5 / ص 66) ط دار الفكر
(12) - العلل لابن رجب 1/298
وقال د. إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن اللاحم : لكن بعض المراسيل هي من القوة بحيث تكون ملحقة بالحديث الصحيح. وإن كان لا يتوافر فيها شرط الحديث الصحيح.
ولهذا يقول العلماء: إنها قوية، إسناد قوي، مثلا: رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، هو لم يسمع من أبيه.
العلماء قالوا: إن هذه السلسلة منقطعة، ولكن قوّاها ابن المديني وقوّاها الطحاوي وقوّاها يعقوب بن شيبة، لأن الواسطة بين أبي عبيدة وبين أبيه في الغالب، أو هم من جنس علقمة الذي مر بنا، الذين هم أصحاب عبد الله بن مسعود.شرح اختصار علوم الحديث- (ج 1 / ص 22)
(13) - علل الدارقطني - (ج 1 / ص 45) و توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 3 / ص 25)
(14) - - ط الرسالة (ج 4 / ص 394)
(15) - (ج 4 / ص 239)(8393)
(16) - انظر طرقه في خط 3/302 و11/47وعدي 5/313 وعن علي الضياء 2/86(463) ومجمع 5/176 وطس (2166) وبز(783) وحم 1/108 والسنة عبد الله (1257) وتاريخ دمشق - (ج 42 / ص 420) و- (ج 44 / ص 235) وتاريخ بغداد - (ج 2 / ص 113)
(17) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 481) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 202)(1/160)
وقَالَ أَبُو عِيسَى (الترمذيُّ)(1):" قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدِيثُ ابْنِ الْمُبَارَكِ خَطَأٌ أَخْطَأَ فِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَ فِيهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ ،وَإِنَّمَا هُوَ بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ وَبُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ..اهـ
وفي العلل لابن أبي حاتم (213و1029)" وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ وَاثِلَةَ ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا
قَالَ أَبِي : يَرَوْنَ أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ وَهِمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، أَدْخَلَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيَّ ، بَيْنَ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ، وَبَيْنَ وَاثِلَةَ ،وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، وَصَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَاثِلَةَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
قَالَ أَبِي : بُسْرٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ ، وَكَثِيرًا مَا يُحَدِّثُ بُسْرٌ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، فَغَلَطَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ وَاثِلَةَ ، وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بُسْرٌ مِنْ وَاثِلَةَ نَفْسِهِ ، لأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِمْ."
وقالَ الدارقطنيُّ : زادَ ابنُ المباركِ في هَذَا أبا إدريسَ ولا أحسَبُهُ إلاَّ أَدخلَ حديثاً في حديثٍ . فَقَدْ حكمَ هؤلاءِ الأئمةُ عَلَى ابنِ المباركِ بالوَهْمِ في هَذَا .
قالَ ابنُ الصلاحِ(2): (( فجائزٌ أَنْ يكونَ سمعَ ذلكَ من رَجُلٍ عنهُ ، ثُمَّ سمعَهُ منهُ نفسُهُ ، قالَ : فيكونُ بسرٌ في هذا الحديثِ قد سمعَهُ من أبي إدريسَ عن واثلةَ ، ثمَّ لقيَ واثلةَ فسمعَهُ منهُ ، كما جاءَ مثلُهُ مُصَرَّحاً به في غيرِ هذا . اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ توجدَ قرينةٌ تدُلُّ على كونِهِ ، أي : الطريقُ الزائدُ - وَهَماً - كنحوِ ما ذكرهُ أبو حاتِمٍ الرازيُّ في المثالِ المذكورِ ، قالَ: وأيضاً ، فالظاهرُ ممَنْ وقعَ لهُ مثلُ هذا أَنْ يذكرَ السَّمَاعَيْنِ ، فإذا لم يجئ عنهُ ذِكْرُ ذلكَ حَمَلْنَاهُ على الزيادةِ المذكورةِ . وقد وقعَ في هذا الحديثِ وَهَمٌ آخرُ لمَنْ دونَ ابنِ المُباركِ بزيادةِ راوٍ آخرَ في السندِ ، فقالَ فيهِ: عن ابنِ المباركِ، قالَ: حَدَّثَنا سفيانُ عن ابنِ جابرٍ، حدَّثَني بُسْرٌ ، قالَ: سمعتُ أبا إدريسَ، قالَ : سمعتُ واثلةَ ، فَذِكْرُ سفيانَ في هذا وَهَمٌ ممَّنْ دونَ ابنِ المباركِ ؛ لأَنَّ جماعةً ثقاتٍ رَوَوْهُ عن ابنِ المباركِ ، عن ابنِ جابرٍ ، من غيرِ ذِكْرِ سُفْيَانَ ، منهم عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ ، وحسنُ بنُ الربيعِ ، وهنَّادُ بنُ السريِّ وغيرُهم . وزادَ فيهِ بعضُهُم التصريحَ بلفظِ الإِخبارِ بينهما .اهـ
وقال أستاذنا العتر حفظه الله(3):
" إلا أن في هذا المسلك الأخير لمعرفة الإرسال إشكالا كبيرا !! ، إذ يمكن أن يُعارض بكونه من " المزيد في متصل الأسانيد " ، لا من " المرسلِ الخفيِّ ". ووجه ذلك أننا لم نعرف عدم السماع بدليل خارجي ، وإنما اكتشفناه بورود الواسطة بين الرجلين في الإسناد ، فيمكن أن يكونا قد التقيا وسمع الرواي ممن فوق المحذوف ، فيكون السند متصلا بهما ، ورواية الزيادة من باب المزيد في متصل الأسانيد .
ويمكن حل هذا الإشكال ـ في رأينا ـ بمنهج دقيق نتبعه ، وهو أن نلاحظ في المزيد في متصل الأسانيد ثبوت السماع تاريخيا بين الراويين المتواليين في الإسناد المحذوف ، أما المرسل الخفيُّ فليس لدينا ما يثبت أنه قد وقع بين الراويين اللّذين حكمنا على رواية أحدهما عن الآخر بالإرسال .
وفرق آخر يتعلق بصيغة الرواية ، فإنها في المزيد في متصل الأسانيد تُثبت سماع الراوي للحديث ممن فوقه في الإسناد الخالي من الزيادة صراحة ، أو بالقرائن الدالة على السماع .
أما صيغةُ الرواية في المرسل الخفيِّ ، فإنها لا تثبتُ سماعه منه في الإسناد الناقص ، فإذا جاءت رواية بزيادة واسطة بينهما كان الحكم لها . والله تعالى أعلم"
4-حكمُه :
هو ضعيف ، لأنه من نوع المنقطع ، فإذا ظهر انقطاعه فحكمه حكم المنقطع .
ولكن كما ذكرت سابقاً ، فليس بالضرورة من ضعف السند ضعف المتن ، فقد يرد له متابعات أو شواهد ونحو ذلك .
5-أشهر المصنفات فيه :
ـ كتاب التفصيل لمبهم المراسيل للخطيب البغدادي .
ـــــــــــــــ
__________
(1) - عقب الحديث (1071)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 203)
(3) - في منهج النقد 389-390(1/161)
المعَنْعنُ والمؤَنَنُ(1)
1-تمهيدٌ:
لقد انتهت أنواع المردود الستة التي سبب ردِّها سَقْطٌ من الإسناد ، لكن لما كان المعنعن والمؤنن مُختَلفاً فيهما ، هل هما من نوع المنقطع أو المتصل ، لذا رأيت إلحاقهما بأنواع المردود بسبب سقط من الإسناد .
2-تعريفُ المعنعن :
لغة :المعنعن اسم مفعول من " عَنْعَن " بمعنى قال " عَنْ ، عَنْ " .
اصطلاحاً: هو قول الرَّاوي فُلان عن فُلان بلفظ: عن, من غير بيان للتحديث, والإخبار, والسَّماع..(2)
3- مثالُه:
ما رواه أبو داود(3)حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ ».
فسفيان يقول عن أسامة بن زيد ، وأسامة بن زيد يقول عن عثمان بن عروة ، وعروة عن عائشة ، فليس فيه التصريح بالتحديث
4- هل هو من المتصلِ أو المنقطع ؟(4):
" اختلفوا في حكمِ الإسنادِ المعنعنِ ، فالصحيحُ الذي عليهِ العملُ ، وذهبَ إليهِ الجماهيرُ من أئمة الحديثِ وغيرِهم ، أنَّهُ من قبيلِ الإسنادِ المتصلِ بشرطِ سلامةِ الراوي الذي رواهُ بالعنعنةِ من التدليسِ . وبشرطِ ثبوتِ ملاقاتِهِ لمَنْ رواهُ عنه بالعنعنةِ .
قالَ ابنُ الصلاحِ(5): (( وكادَ ابنُ عبد البرِّ يَدَّعي إجماعَ أئمةِ الحديثِ على ذلك )) . قلتُ : لا حاجةَ لقولِهِ : كاد ، فقد ادّعاهُ . وادّعى أبو عَمْرو الدانيُّ إجماعَ أهلِ النقلِ على ذلكَ ، لكنَّهُ اشترطَ أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنه ، .. . لكن قد يظهرُ عدمُ اتّصالِهِ بوجهٍ آخرَ ، كما في الإرسالِ الخفيِّ ..، وما ذكرناهُ من اشتراطِ ثبوتِ اللقاءِ هو مذهبُ عليِّ بنِ المدينيِّ ، والبخاريِّ وغيرِهما من أئمة هذا العلمِ .
وأنكرَ مسلمٌ في خُطبةِ صحيحِهِ اشتراطَ ذلك ، وادّعى أنَّهُ قولٌ مخترعٌ لم يسبقْ قائِلُه إليهِ ،حيث قال(6):
"وَهَذَا الْقَوْلُ - يَرْحَمُكَ اللَّهُ - فِى الطَّعْنِ فِى الأَسَانِيدِ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُسْتَحْدَثٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِلَيْهِ وَلاَ مُسَاعِدَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِى عَصْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِى خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا وَلاَ تَشَافَهَا بِكَلاَمٍ فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ وَالْحُجَّةُ بِهَا لاَزِمَةٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلاَلَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِىَ لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا فَأَمَّا وَالأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الإِمْكَانِ الَّذِى فَسَّرْنَا فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتَّى تَكُونَ الدَّلاَلَةُ الَّتِى بَيَّنَّا. فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِى وَصَفْنَا مَقَالَتَهُ أَوْ لِلذَّابِّ عَنْهُ قَدْ أَعْطَيْتَ فِى جُمْلَةِ قَوْلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ ثُمَّ أَدْخَلْتَ فِيهِ الشَّرْطَ بَعْدُ فَقُلْتَ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُمَا قَدْ كَانَا الْتَقَيَا مَرَّةً فَصَاعِدًا أَوْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا فَهَلْ تَجِدُ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِى اشْتَرَطْتَهُ عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ وَإِلاَّ فَهَلُمَّ دَلِيلاً عَلَى مَا زَعَمْتَ فَإِنِ ادَّعَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ بِمَا زَعَمَ مِنْ إِدْخَالِ الشَّرِيطَةِ فِى تَثْبِيتِ الْخَبَرِ طُولِبَ بِهِ وَلَنْ يَجِدَ هُوَ وَلاَ غَيْرُهُ إِلَى إِيجَادِهِ سَبِيلاً وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلاً يَحْتَجُّ بِهِ قِيلَ لَهُ وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ فَإِنْ قَالَ قُلْتُهُ لأَنِّى وَجَدْتُ رُوَاةَ الأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْوِى أَحَدُهُمْ عَنِ الآخَرِ الْحَدِيثَ وَلَمَّا يُعَايِنْهُ وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمُ اسْتَجَازُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا عَلَى الإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ - وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِى أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ - احْتَجْتُ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ سَمَاعِ رَاوِى كُلِّ خَبَرٍ عَنْ رَاوِيهِ فَإِذَا أَنَا هَجَمْتُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ لأَدْنَى شَىْءٍ ثَبَتَ عِنْدِى بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرْوِى عَنْهُ بَعْدُ فَإِنْ عَزَبَ عَنِّى مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِى مَوْضِعَ حُجَّةٍ لإِمْكَانِ الإِرْسَالِ فِيهِ فَيُقَالُ لَهُ فَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِى تَضْعِيفِكَ الْخَبَرَ وَتَرْكِكَ الاِحْتِجَاجَ بِهِ إِمْكَانَ الإِرْسَالِ فِيهِ لَزِمَكَ أَنْ لاَ تُثْبِتَ إِسْنَادًا مُعَنْعَنًا حَتَّى تَرَى فِيهِ السَّمَاعَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَيْنَا بِإِسْنَادِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَبِيَقِينٍ نَعْلَمُ أَنَّ هِشَامًا قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَأَنَّ أَبَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَمِعَتْ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَقُلْ هِشَامٌ فِى رِوَايَةٍ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنِى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِى تِلْكَ الرِّوَايَةِ إِنْسَانٌ آخَرُ أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْهَا هُوَ مِنْ أَبِيهِ لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيَهَا مُرْسَلاً وَلاَ يُسْنِدَهَا إِلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ وَكَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِى هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ أَيْضًا مُمْكِنٌ فِى أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَكَذَلِكَ كُلُّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ فِى الْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ سَمِعَ مِنْ صَاحِبِهِ سَمَاعًا كَثِيرًا فَجَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزِلَ فِى بَعْضِ الرِّوَايَةِ فَيَسْمَعَ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ بَعْضَ أَحَادِيثِهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ عَنْهُ أَحْيَانًا وَلاَ يُسَمِّىَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَيَنْشَطَ أَحْيَانًا فَيُسَمِّىَ الرَّجُلَ الَّذِى حَمَلَ عَنْهُ الْحَدِيثَ وَيَتْرُكَ الإِرْسَالَ وَمَا قُلْنَا مِنْ هَذَا مَوْجُودٌ فِى الْحَدِيثِ مُسْتَفِيضٌ مِنْ فِعْلِ ثِقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَسَنَذْكُرُ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِى ذَكَرْنَا عَدَدًا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىَّ وَابْنَ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعًا وَابْنَ نُمَيْرٍ وَجَمَاعَةً غَيْرَهُمْ رَوَوْا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحِلِّهِ وَلِحُرْمِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ. فَرَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِهَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُدُ الْعَطَّارُ وَحُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِى إِلَىَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. فَرَوَاهَا بِعَيْنِهَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَرَوَى الزُّهْرِىُّ وَصَالِحُ بْنُ أَبِى حَسَّانَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ فِى هَذَا الْخَبَرِ فِى الْقُبْلَةِ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ.
فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَهَذَا النَّحْوُ فِى الرِّوَايَاتِ كَثِيرٌ يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا كِفَايَةٌ لِذَوِى الْفَهْمِ. فَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ عِنْدَ مَنْ وَصَفْنَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ فِى فَسَادِ الْحَدِيثِ وَتَوْهِينِهِ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الرَّاوِىَ قَدْ سَمِعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ شَيْئًا إِمْكَانَ الإِرْسَالِ فِيهِ لَزِمَهُ تَرْكُ الاِحْتِجَاجِ فِى قِيَادِ قَوْلِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ إِلاَّ فِى نَفْسِ الْخَبَرِ الَّذِى فِيهِ ذِكْرُ السَّمَاعِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلُوا الأَخْبَارَ أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ تَارَاتٌ يُرْسِلُونَ فِيهَا الْحَدِيثَ إِرْسَالاً وَلاَ يَذْكُرُونَ مَنْ سَمِعُوهُ مِنْهُ وَتَارَاتٌ يَنْشَطُونَ فِيهَا فَيُسْنِدُونَ الْخَبَرَ عَلَى هَيْئَةِ مَا سَمِعُوا فَيُخْبِرُونَ بِالنُّزُولِ فِيهِ إِنْ نَزَلُوا وَبِالصُّعُودِ إِنْ صَعِدُوا كَمَا شَرَحْنَا ذَلِكَ عَنْهُمْ وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ الأَخْبَارَ وَيَتَفَقَّدُ صِحَّةَ الأَسَانِيدِ وَسَقَمَهَا مِثْلَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ وَابْنِ عَوْنٍ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِىٍّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَتَّشُوا عَنْ مَوْضِعِ السَّمَاعِ فِى الأَسَانِيدِ كَمَا ادَّعَاهُ الَّذِى وَصَفْنَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ إِذَا كَانَ الرَّاوِى مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِى الْحَدِيثِ وَشُهِرَ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِى رِوَايَتِهِ وَيَتَفَقَّدُونَ ذَلِكَ مِنْهُ كَىْ تَنْزَاحَ عَنْهُمْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى زَعَمَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ فَمَا سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَمَّيْنَا وَلَمْ نُسَمِّ مِنَ الأَئِمَّةِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِىَّ وَقَدْ رَأَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا يُسْنِدُهُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ فِى رِوَايَتِهِ عَنْهُمَا ذِكْرُ السَّمَاعِ مِنْهُمَا وَلاَ حَفِظْنَا فِى شَىْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ شَافَهَ حُذَيْفَةَ وَأَبَا مَسْعُودٍ بِحَدِيثٍ قَطُّ وَلاَ وَجَدْنَا ذِكْرَ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُمَا فِى رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ مَضَى وَلاَ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا أَنَّهُ طَعَنَ فِى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِى مَسْعُودٍ بِضَعْفٍ فِيهِمَا بَلْ هُمَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا عِنْدَ مَنْ لاَقَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ صِحَاحِ الأَسَانِيدِ وَقَوِيِّهَا يَرَوْنَ اسْتِعْمَالَ مَا نُقِلَ بِهَا وَالاِحْتِجَاجَ بِمَا أَتَتْ مِنْ سُنَنٍ وَآثَارٍ وَهِىَ فِى زَعْمِ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَاهِيَةٌ مُهْمَلَةٌ حَتَّى يُصِيبَ سَمَاعَ الرَّاوِى عَمَّنْ رَوَى وَلَوْ ذَهَبْنَا نُعَدِّدُ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ يَهِنُ بِزَعْمِ هَذَا الْقَائِلِ وَنُحْصِيهَا لَعَجَزْنَا عَنْ تَقَصِّى ذِكْرِهَا وَإِحْصَائِهَا كُلِّهَا وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ نَنْصِبَ مِنْهَا عَدَدًا يَكُونُ سِمَةً لِمَا سَكَتْنَا عَنْهُ مِنْهَا وَهَذَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِىُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ وَهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَصَحِبَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْبَدْرِيِّينَ هَلُمَّ جَرًّا وَنَقَلاَ عَنْهُمُ الأَخْبَارَ حَتَّى نَزَلاَ إِلَى مِثْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَذَوِيهِمَا قَدْ أَسْنَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَلَمْ نَسْمَعْ فِى رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا أَنَّهُمَا عَايَنَا أُبَيًّا أَوْ سَمِعَا مِنْهُ شَيْئًا وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِىُّ وَهُوَ مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَكَانَ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَيْنِ وَأَسْنَدَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وُلِدَ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْنَدَ قَيْسُ بْنُ أَبِى حَازِمٍ وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَةَ أَخْبَارٍ وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى لَيْلَى وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَصَحِبَ عَلِيًّا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَأَسْنَدَ رِبْعِىُّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ وَعَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَقَدْ سَمِعَ رِبْعِىٌّ مِنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ وَرَوَى عَنْهُ وَأَسْنَدَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْخُزَاعِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَأَسْنَدَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْنَدَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِىُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَأَسْنَدَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا وَأَسْنَدَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ فَكُلُّ هَؤُلاَءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ نَصَبْنَا رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ سَمَاعٌ عَلِمْنَاهُ مِنْهُمْ فِى رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا وَلاَ أَنَّهُمْ لَقُوهُمْ فِى نَفْسِ خَبَرٍ بِعَيْنِهِ وَهِىَ أَسَانِيدُ عِنْدَ ذَوِى الْمَعْرِفَةِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ مِنْ صِحَاحِ الأَسَانِيدِ لاَ نَعْلَمُهُمْ وَهَّنُوا مِنْهَا شَيْئًا قَطُّ وَلاَ الْتَمَسُوا فِيهَا سَمَاعَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ إِذِ السَّمَاعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُمْكِنٌ مِنْ صَاحِبِهِ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لِكَوْنِهِمْ جَمِيعًا كَانُوا فِى الْعَصْرِ الَّذِى اتَّفَقُوا فِيهِ وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِى أَحْدَثَهُ الْقَائِلُ الَّذِى حَكَيْنَاهُ فِى تَوْهِينِ الْحَدِيثِ بِالْعِلَّةِ الَّتِى وَصَفَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُعَرَّجَ عَلَيْهِ وَيُثَارَ ذِكْرُهُ إِذْ كَانَ قَوْلاً مُحْدَثًا وَكَلاَمًا خَلْفًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَلَفَ وَيَسْتَنْكِرُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ خَلَفَ فَلاَ حَاجَةَ بِنَا فِى رَدِّهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا شَرَحْنَا.
إِذْ كَانَ قَدْرُ الْمَقَالَةِ وَقَائِلِهَا الْقَدْرَ الَّذِى وَصَفْنَاهُ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى دَفْعِ مَا خَالَفَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ التُّكْلاَنُ."اهـ
قال ابنُ الصلاحِ(7): (( وفيما قالَهُ مسلمٌ نظرٌ . - قال - : وهذا الحكمُ لا أراهُ يَستمرُّ بعدَ المتقدّمينَ فيما وُجِدَ من المصنّفينِ في تصانيفهم مما ذكروهُ عن مشايخهِم قائلين فيه : ذكرَ فلانٌ ، قال فلانٌ ، ونحو ذلك . أي : فليسَ له حكمُ الاتصالِ ، إلا إنْ كان له من شيخِهِ إجازةٌ .. .اهـ
ولم يكتفِ أبو المظفرِ السمعانيُّ بثبوتِ اللقاءِ ، بل اشترطَ طولَ الصُّحبةِ بينهما . واشترطَ أبو عمرو الدانيُّ أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنه.واشترط أبو الحسنِ القابسيُّ أنْ يُدْرِكَهُ إدراكاً بَيِّنَاً . وهذا داخلٌ فيما تقدّمَ من الشروطِ ، وبيانُ الإدراكِ لابدَّ منه . وذهبَ بعضُهم إلى أنَّ الإسنادَ المعنعنَ من قبيلِ المرسلِ والمنقطعِ،حتى يتبينَ اتصالُهُ بغيرهِ،."
وقال السيوطي(8):
"ومنهم من شرطَ اللِّقاء وحدهُ, وهو قول البُخَاري وابن المَدِيني والمُحقِّقين من أئمة هذا العلم.(9)
قيل: إلاَّ أنَّ البُخَاري لا يشترط ذلك في أصل الصحَّة, بل التزمه في «جامعه» وابن المَدِيني يشترطه فيها.(10)
ونصَّ على ذلكَ الشَّافعي في «الرِّسالة».(11)
__________
(1) - صحيح مسلم - (ج 1 / ص 111) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 83) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 24) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 10)
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154) وقارن بمنهج النقد في علوم الحديث ص 351
(3) - برقم (676 ) وهو حديث صحيح لغيره
(4) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 154) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 583) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 160) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 75) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154)
(5) - في علوم الحديث ص 83 و مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 11)الوراق
(6) صحيح مسلم (8 ) باب صِحَّةِ الاِحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ
(7) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 12) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 155) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 676) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 165)
(8) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154)
(9) - في وصف النووي أصحاب هذا القول ب (المحققين) إشارة منه إلى أنه القول المختار عنده ، وقد صرح بذلك في مقدمة (شرح البخاري) له ص 12 فقال : وهو مذهب علي بن المديني والبخاري وأبي بكر الصيرفي الشافعي والمحققين ، وهو الأصح اهـ
(10) - صاحب هذا القول هو ابن كثير في اختصار علوم الحديث ص 43و44 وقد ردَّ عليه الحافظ ابن حجر في النكت 2/595 قائلاً : وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة عند البخاري ، فقد أكثر من تعليل الأحاديث بمجرد ذلك .
(11) - قيل للشافعي : فقال : فما بالُك قبِلْتَ ممن لم تعرفه بالتَّدْليسِ أن يقول : ( عن ) وقد يُمْكِنُ فيه أنْ يكونَ لمْ يسْمَعْه ؟
فقلت له : المسلمون العُدول عُدولٌ أصِحَّاءُ الأمْر في أنفسهم وحالُهُم في أنفسهم غيرُ حالهم في غيرهم ألا ترى أنِّي إذا عرَفتهم بالعدل في أنفسهم قَبِلْتُ شَهادَتهم وإذا شَهِدوا على شهادة غيرِهم لمْ أقْبلْ شهادَة غيرِهم حتى أعرف حاله ؟ ولم تكن معرفتي عدْلَهم معرفتي عدلَ من شَهِدوا على شهادَتِه ،وقولُهم عن خبر أنفسهم وتسميتُهم : على الصِّحة حتى نسْتَدِلَّ مِنْ فِعلهم بما يخالف ذلك فَنَحْتَرِسَ منهم في الموضع الذي خالَف فِعْلُهم فيه ما يجب عليهم
ولم نَعْرِفْ بالتدليس بِبَلدنا فيمن مضى ولا مَنْ [ أدْرَكْنا مِن أصحابنا إلاَّ حديثاً فإن منهم من قبله عن من لو تركه عليه كان خيراً له ،وكان قول الرجل : ( سمعتُ فلاناً يقول سمعت فلاناً ) وقولُه : ( حدّثَني فلانٌ عنْ فُلان ) : سَواءً عنْدهم لا يحدِّثُ واحد منهم عن من لَقِيَ إلاَّ ما سَمِع منه ممن عَنَاه بهذه الطريق قَبِلْنا منه : ( حدثني فلان عن فلان )
ومَن عرَفْناه دلَّس مَرَّةً فقَدْ أبَان لَنَا عوْرَته في رِوايتِه ،وليستْ تلك العورةُ بالكذب فنَرُدَّ بها حديثَه ولا النَّصيحَةِ في الصِّدق فنقْبَلَ مِنه ما قَبِلْنا مِن أهل النصيحة في الصدق .
فقلْنا : لا نقبل مِن مُدَلِّسٍ حديثاً حتى يقولَ فيه : ( حدثني ) أو ( سمعْتُ )..اهـ الرسالة للشافعي ص378-380
فذكر أنه إنما سمع العنعنة لما ثبت عنده أن المعنعن غير مدلس ، وإنما يقول عن (عن) فيما سمع ؛ فأشبه ما ذهب إليه البخاري من أنه إذا ثبت اللقي ولومرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع ، مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك أيضاً .
وهذا الذي فهمه الحافظ ابن حجر من كلام الإمام الشافعي ، فهم صحيح ، وقد سبقه إليه الإمام ابن رجب الحنبلي ، فقال في شرح العلل 1/360 بعد أن ذكر كلام الشافعي هذا :وظاهر هذا أنه لا يقبل العنعنة إلا عمن عرف منه أنه لا يدلس ولا يحدث إلا عمن لقيه ما سمع منه .
وهذا قريب من قول من قال : إنه لا يقبل العنعنة إلا عمن ثبت أنه لقيه ، وفيه زيادة أخرى عليه ، وهي اشترط أنه يعرف أنه لا يدلس عمن لقيه أيضاً ، ولا يحدث إلا بما سمعه .
وقد فسره أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة باشتراط ثبوت السماع لقبول العنعنة ، وأنه إذا علم السماع فهو على السماع حتى يعم التدليس ، وإذا لم يعلم سمع أو لم يسمع وقف . فإذا صح السماع فهو عليه حتى يعلم غيره . قال : وهذا الذي قاله صحيح )) انتهى .(1/162)
ومنهم من شَرَطَ طُول الصُّحبة بينهما, ولم يكتف بِثُبوت اللِّقَاء وهو أبو المُظفَّر السَّمعاني.
ومنهم من شَرَطَ معرفته بالرِّواية عنه وهو أبو عَمرو الدَّاني.
واشترطَ أبو الحسن القَابسي أن يُدْركه إدْرَاكًا بَيِّنًا, حكاهُ ابن الصَّلاح(1).
قال العِرَاقي: وهذا داخلٌ فيما تقدَّم من الشُّروط،فلذلكَ أسقطهُ المُصنِّف.
قال شيخ الإسْلام(2): من حَكَم بالانْقطاع مُطلقًا شدَّد, ويَلِيه من شَرَطَ طُول الصُّحبة, ومن اكتفَى بالمُعَاصرة سهَّل, والوَسَط الَّذي ليسَ بعده إلاَّ التعَنُّت مذهب البُخَاري ومن وافقهُ, وما أوردهُ مسلم عليهم من لزوم ردِّ المُعنعن دائمًا, لاحتمال عدم السَّماع ليسَ بواردٍ, لأنَّ المَسْألة مفروضة في غير المدلس, ومن عنعن ما لم يسمعهُ فهو مُدلِّس.
قال: وقد وجدتُ في بعضِ الأخبار ورُود: عن, فيمَا لم يكن سماعه من الشَّيخ, وإن كان الرَّاوي سمعَ منهُ الكثير, كما رواه أبو إسحاق السَّبيعي, عن عبد الله بن خبَّاب بن الأرَّت: أنهَّ خرجَ عليه الحَرُورية, فقتلُوه حتَّى جَرَى دمهُ في النَّهر, فهذا لا يُمكن أن يَكُون أبو إسحاق سمعهُ من ابن خبَّاب, كمَا هو ظاهر العِبَارة, لأنَّه هو المقتُول.
قلتُ: السَّماع إنَّما يَكُون مُعتبرا في القَوْلِ, وأمَّا الفِعْل فالمُعْتبر فيه المُشَاهدة, وهذا واضحٌ.
وكَثُرَ في هذه الأعْصَار اسْتعمالُ: عن, في الإجَازة, فإذا قال أحدُهم: قَرَأتُ على فُلان عن فُلان, فمُراده أنَّه رواهُ عنه بالإجَازة.اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - في علوم الحديث ص 88
(2) - النكت 2/596(1/163)
ترجيح مذهب البخاري وغيره
" وقد قيل : إن جمهور المتأخرين على مذهب مسلم من الاكتفاء بالمعاصرة مع إمكان اللقاء ، وهذا إن صحَّ فهو محمول على جمهور المحدثين والفقهاء والأصوليين من أهل الاختصاص وغيرهم ، وإلا فإن المبرزين من المتأخرين من أهل الاختصاص في الحديث وعلله ، يسيرون على مذهب المتقدمين وينتهجونه ويقدمونه ، بل منهم من تكفل بالرد على الإمام مسلم رحمه الله تعالى ، ومن تابعه ونقض أدلته ، وبيان ما فيها من ضعف ، ومنهم من حكى الإجماع على اشتراط العلم باللقاء ، على خلاف ما حكاه مسلم رحمه الله .
فهذا الإمام ابن عبد البر يقول في التمهيد(1):
" اعلم وفقك الله اني تأملت اقاويل ائمة أهل الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروط ثلاثة وهي:
عدالة المحدثين في أحوالهم.
ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة.
وأن يكونوا براء من التدليس. "اهـ
فتدبر الشرط الثاني تجده عين ما اشترطه المتقدمون ، وأنكره مسلم رحم الله الجميع .
وكذلك هو مذهب أبي عبد الله الحاكم النيسابوري على ما حققه ابن رشيد في (السنن الأبين ) في غضون كلامه عن المذهب الثالث .
وهذا الخطيب البغدادي يقول في الكفاية(2):
" أهل العلم بالحديث مجمعون على أن قول المحدث : ( حدثنا فلان عن فلان ) صحيح معمول به ، إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه ، ولم يكن هذا المحدث ممن يدلِّس ، ولا يعلم أنه يستجيز إذا حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك ، حديثاً نازلاً ، فسمى بينهما في الإسناد من حدثه به ، أن يسقط ذلك المسمى ويروي الحديث عالياً ، فيقول : ( حدثنا فلان عن فلان ) أعني الذي لم يسمعه منه ؛ لأن الظاهر من الحديث السالم رواية مما وصفناه الاتصال ، وإن كانت العنعنة هي الغالبة على إسناده ." اهـ
وهو مذهب ابن حبان أيضاً خلافاً لمن زعم غير ذلك ، فقد قال في الثقات في ترجمة نافع بن يزيد بن أبي يزيد المصري حيث أدخله في الطبقة الأخيرة من كتابه ، وهي طبقة من يروي عن أتباع التابعين ، قال(3):
" ولست أحفظ له سماعا عن تابعي فلذلك أدخلناه في هذه الطبقة ،فأما رؤيته للتابعين فليس بمنكر ، ولكن اعتمادنا في هذا الكتاب في تقسيم هذه الطبقات الأربع على ما صح عندنا من لقي بعضهم بعضا مع السماع، فأما عند وجود الإمكان وعدم العلم به فهو لا نقول به "
وهذا الإمام ابن الصلاح يقول في مقدمته(4):
"الإسناد المعنعن هو الذي يقال فيه " فلان عن فلان " عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع، حتى يتبين اتصاله بغيره.والصحيح - والذي عليه العمل - أنه من قبيل الإسناد المتصل. وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم. وأوعه ألمشرطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه، وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعى إجماع أئمة الحديث على ذلك. وادعى أبو عمرو الداني - المقرئ الحافظ - اجتماع آهل النقل على ذلك. وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة اليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضآً، مع براءتهم من وصمة التدليس، فحينئذ يحمل على ظإهر الأتصال إلا أن ظهر فيه خلاف ذلك."
وقال في كتابه صيانة صحيح مسلم(5):
" والذي صار إليه مسلم هو المستنكر ، وما أنكره قد قيل : إنه القول الذي عليه أئمة هذا العلم ، علي بن المديني والبخاري وغيرهما "
وهو أيضاً اختيار الإمام النووي كما تقدم .
وهذا الإمام الذهبي يقول في سير أعلام النبلاء(6):
"إِن مسلماً - لحدَة فِي خلقه - انحرف أَيْضاً عَنِ البُخَارِيّ، وَلَمْ يَذْكُر لَهُ حَدِيْثاً، وَلاَ سَمَّاهُ فِي (صَحِيْحِهِ)، بَلِ افتَتَح الكِتَاب بِالحط عَلَى مَنْ اشترط اللُّقِي لِمَنْ رَوَى عَنْهُ بصيغَة: عَنْ، وَادَّعَى الإِجْمَاع فِي أَنَّ المعَاصرَة كَافيَةٌ، وَلاَ يتوقف فِي ذَلِكَ عَلَى العِلْم بِالتقَائِهِمَا، وَوبخ مِنِ اشترط ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقُوْلُ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيّ، وَشَيْخه عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ، وَهُوَ الأَصوب الأَقْوَى ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِع بسط هَذِهِ المسَألَة. "
وجاء ابن رشيد صاحب السنن الأبين فعرض في كتابه هذا مذاهب العلماء في المسألة ، ورجح مذهب المحدثين ، وعقد باباً كاملاً عرض فيه الأدلة التي استدل بها مسلم في مقدمة صحيحه وأردفها بالنقض والردِّ ، متصرفاً في ذلك تصرف العالم البصير والحافظ الناقد ، مع بارع الأدب وجميل الاعتذار لمسلم بن الحجاج ، رحم الله الجميع "
وجاء الحافظ العلائي فتكلم في هذه المسألة في كتابه (جامع التحصيل في أحكام المراسيل )(7)وسار في تحقيق هذه المسالة على نفس الدَّرب الذي سار عليه ابن رشيد حتى إنه ليلوح لي أنه اعتمد على كتاب ابن رشيد في تحقيق هذه المسألة اعتمادا كليا أو شبه كلٍّي ، حتى إني لأراه يستخدم بعض ألفاظه ويستعمل بعض تعبيراته .
وقال فيما قال(8):
"اختيار ابن المديني والبخاري وأبي حاتم الرازي وغيرهم من الأئمة هو الراجح دون القول الآخر الذي ذهب إليه مسلم وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة وإمكان اللقاء "
وكذلك ابن رجب الحنبلي تكلم عن هذه المسألة باستفاضة في كتابه (شرح علل الترمذي ) ورجح فيه مذهب البخاري وابن المديني ، وأثبت أنه قول جمهور المتقدمين ، وردَّ على الإمام مسلم إنكار هذا المذهب حتى قال بعد أن ساق جملة من أقوال المتقدمين(9):
"فإذا كان هذا [ هو ] قول الأئمة الأعلام ، وهم أعلم وأهل زمانهم بالحديث وعلله وصحيحه وسقيمه ، ومع موافقة البخاري ، وغيره ، فكيف يصح لمسلم رحمه الله دعوى الإجماع على خلاف قولهم ؟! .
بل اتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ المعتد بهم على هذا القول ، أو القول بخلاف قولهم لا يعرف على أحد من نظرائهم ، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم . ويشهد لصحة ذلك حكاية أبي حاتم كما سبق اتفاق أهل الحديث على أن حبيب بن أبي ثابت لم السماع من عروة ، مع إدراكه له .
وقد ذكرنا من قبل أن كلام الشافعي إنما يدل على مثل هذا القول لا على خلافه ، وكذلك حكاية ابن عبد البر عن العلماء ، فلا يبعد حينئذ أن يقال : هذا هو قول الأئمة من المحدثين والفقهاء ."
وهذا الإمام العراقي - رحمه الله - يصحح قول جمهور المتقدمين كما في التقييد والإيضاح ، وفي ألفيته ، فراجعه إن شئت فإن قوله يكاد يتفق لفظه مع لفظ ابن الصلاح في المقدمة .
وجاء الحافظ ابن حجر رحمه الله - خاتمة الحفاظ- في نخبة الفكر وشرحها نزهة النظر(10):
" وعَنْعَنَةُ المُعاصِرِ مَحْمولَةٌ عَلى السَّماعِ ؛ بخلافِ غيرِ المُعاصِرِ ؛ فإِنَّها تكونُ مُرسَلةً ، أَو مُنقطِعَةً ، فشرْطُ حمْلِها [ على السَّماعِ ] ثُبوتُ المُعاصرةِ ؛ إِلاَّ مِنْ مُدَلِّسٍ ؛ فإِنَّها ليستْ محمولةً على السَّماعِ .
وقيلَ : يُشْتَرَطُ في حملِ عنعَنَةِ المُعاصرِ على السَّماعِ ثُبوتُ لِقائِهِمَا أَيْ : الشيخِ والرَّاوي عنهُ ، ولَوْ مَرَّةً واحدةً ليَحْصُلَ الأمنُ في باقي العنعَنَةِ عن كونِهِ مِن المُرسلِ الخفيِّ ، وهُو المُخْتارُ ؛ تبعاً لعليِّ بنِ المَدينيِّ والبُخاريِّ وغيرِهما مِن النُّقَّادِ . "
وقال في مقدمة طبقات المدلسين(11):
" ومن لم يوصف بالتدليس من الثقات ، إذا روى عمن لقيه بصيغة محتملة ، حملت على السماع ، وإذا روى عمن عاصره بالصيغة المحتملة لم يحمل على السماع في الصحيح المختار ، وفاقاً للبخاري وشيخه ابن المديني "
وكذاك في النكت على ابن الصلاح(12)أخذ يردُّ على الإمام مسلم رحمه الله وينقض بعض ما استدلَّ به ، وصرح برجحان مذهب البخاري وابن المديني والمحققين "(13)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (ج 1 / ص 12)
(2) - ص 421 (929 )
(3) - 9/209
(4) - ص 83 -84
(5) - ص 131
(6) - 12/573
(7) - ص 116-138
(8) - ص 125
(9) - 2/596
(10) - ص 138
(11) - ص 7
(12) - 2/595-598
(13) - انظر تدريب الراوي 1/333 فما بعدها الهامش(1/164)
الحكمُ باتصال حديثٍ من خلال القرائنَ
قد يحكم البخاري أو غيره بالاتصال مع عدم وجود التصريح به في رواية من روايات هذا الراوي عن شيخه ، وذلك حيث تنضمُّ قرينةٌ ، وهذا لا ينافي اشتراط العلم باللقاء ، لأن القرائن تعامل بحسبها .
من ذلك كما في صحيح البخارى (5027 ) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِى عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ عَنْ عُثْمَانَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » . قَالَ وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ ، قَالَ وَذَاكَ الَّذِى أَقْعَدَنِى مَقْعَدِى هَذَا .
وأكثر المتقدمين على أن أبا عبد الرحمن السلمي لم يسمع من عثمان ، إلا أن البخاري صرح في التاريخ الكبير(1)بأنه سمع منه ، وروى في الصغير(2)تلك الزيادة التي سبق الإشارة إليها في هذا الحديث .
قال الحافظ ابن حجر(3):
"وَفِي رِوَايَة خَلّاد بْن يَحْيَى عَنْ الثَّوْرِيّ بِسَنَدِهِ قَالَ " عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبَان بْن عُثْمَان عَنْ عُثْمَان " قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : هَذَا وَهْمٌ ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا اِحْتَمَلَ أَنْ يَكُون السُّلَمِيّ أَخَذَهُ عَنْ أَبَان بْن عُثْمَان عَنْ عُثْمَان ثُمَّ لَقِيَ عُثْمَان فَأَخَذَهُ عَنْهُ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن أَكْثَر مِنْ أَبَان . وَأَبَانُ اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعه مِنْ أَبِيهِ أَشَدّ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي سَمَاع أَبِي عَبْد الرَّحْمَن مِنْ عُثْمَان فَبَعُدَ هَذَا الِاحْتِمَال . وَجَاءَ مِنْ وَجْه آخَر كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن سَلَّام " عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَان سَمِعْت عَلْقَمَة يُحَدِّث عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبَان بْن عُثْمَان عَنْ عُثْمَان " فَذَكَرَهُ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيد بْن سَلَّام يَعْنِي عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَان قُلْت : وَسَعِيد ضَعِيف ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَد : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ شُعْبَة قَالَ لَمْ يَسْمَع أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ مِنْ عُثْمَان وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه عَنْ شُعْبَة ثُمَّ قَالَ : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّمْيِيز فِي سَمَاع أَبِي عَبْد الرَّحْمَن مِنْ عُثْمَان وَنَقَلَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين مِثْل مَا قَالَ شُعْبَة . وَذَكَرَ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء أَنَّ مُسْلِمًا سَكَتَ عَنْ إِخْرَاج هَذَا الْحَدِيث فِي صَحِيحه . قُلْت : قَدْ وَقَعَ فِي بَعْض الطُّرُق التَّصْرِيح بِتَحْدِيثِ عُثْمَان لِأَبِي عَبْد الرَّحْمَن ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن عَدِيّ فِي تَرْجَمَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي مَرْيَم مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْد الْكَرِيم عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن " حَدَّثَنِي عُثْمَان " وَفِي إِسْنَاده مَقَال ، لَكِنْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيّ اِعْتَمَدَ فِي وَصْلِهِ وَفِي تَرْجِيح لِقَاء أَبِي عَبْد الرَّحْمَن لِعُثْمَان عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ سَعْد بْن عُبَيْدَة مِنْ الزِّيَادَة ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن أَقْرَأَ مِنْ زَمَن عُثْمَان إِلَى زَمَن الْحَجَّاج ، وَأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْحَدِيث الْمَذْكُور ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَان ، وَإِذَا سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَلَمْ يُوصَف بِالتَّدْلِيسِ اِقْتَضَى ذَلِكَ سَمَاعه مِمَّنْ عَنْعَنَه عَنْهُ وَهُوَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا اُشْتُهِرَ بَيْن الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآن عَلَى عُثْمَان ، وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَة عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود وَغَيْره ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَع مِنْهُ ." اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - 3/2/73
(2) - 1/186
(3) - في الفتح 9/76 وفتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 245) الشاملة 2 وراجع الإرشاد للخليلي 2/496-497 و552 و629(1/165)
5- تعريفُ المُؤنَّن(1):
أ) لغة : اسم مفعول من " أَنَّن " بمعنى قال " أن ، أن " .
ب) اصطلاحاً: هو قول الراوي: حدثنا فلان أن فلاناً قال...
6- حكم المُؤَنَّن :
" إذا قال الرَّاوي كمالك مثلاً حدَّثنا الزُّهْري: أنَّ ابن المُسيب حدَّث بكذا, أو قال الزُّهْري: قال ابن المُسيب كذا, أو فعل كذا, أو قال : كان ابن المُسيب يفعل وشبهُ ذلك, فقال أحمد بن حنبل وجماعة منهم فيما حَكَاهُ ابن عبد البر عن البَرْديجي(2): لا تَلْتحق: أنَّ, وشبهُها بعن في الاتِّصال ، بل يكُون مُنقطعًا حتَّى يتبين السَّماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أُخْرَى.
وقال الجُمهُور فيما حَكاهُ عنهم ابن عبد البر منهم مالك(3): أنَّ, كَعَنْ في الاتِّصال ومُطْلقهُ مَحْمولٌ على السَّماع بالشَّرط المُتقدِّم من اللِّقاء والبَرَاءة من التَّدْليس.
قال ابن عبد البر: ولا اعْتبَار بالحروف والألفاظ, وإنَّما هو اللقاء والمُجَالسة والسَّماع والمُشَاهدة.
قال: ولا معنَى لاشْتراط تبين السَّماع لإجْمَاعهم على أنَّ الإسْنَاد المُتَّصل بالصَّحابي سواء أتَى فيه: بعن, أو بأن, أو بقال, أو بسمعتُ, فكله مُتَّصل.
قال العِرَاقي: ولقائل أن يُفَرِّق بأنَّ للصَّحابي مزيةً, حيث يُعمل بإرْسَاله, بخلاف غيره.
قال ابن الصَّلاح(4): ووجدتُ مثل ما حُكِي عن البَرْديجي للحافظ يعقوب بن شيبة في «مُسْنده» , فإنَّه ذكرَ ما رواه أبو الزُّبير, عن مُحمَّد بن الحنفية, عن عمَّار قال: أتيتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يُصلِّي فسلمتُ عليه, فردَّ عليَّ السَّلام, وجعلهُ مُسْندًا موصُولاً(5).
وذكر رِوَاية قيس بن سعد لذلكَ, عن عطاء بن أبي رَبَاح, عن ابن الحنفية: أنَّ عمَّارًا مرَّ بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يُصلِّي, فجعلهُ مُرْسلاً من حيث كونه قال: أنَّ عمَّارًا فعل, ولم يقل: عن عمَّار. انتهى.(6)
قال العِرَاقي(7): ولم يقع على مقصُود يعقوب, وبيان ذلك: وبيانُ ذلك أنَّ ما فعلَهُ يعقوبُ هو صوابٌ من العملِ ، وهو الذي عليه عملُ الناسِ ، وهو لم يجعلْهُ مرسلاً من حيثُ لفظُ : أنَّ ، وإنّما جعلَهُ مرسلاً من حيثُ أنّهُ لم يُسنِدْ حكايةَ القصةِ إلى عمّارٍ ، وإلا فلو قالَ : إنَّ عمّاراً قال : مررتُ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، لما جعلَهُ مرسلاً ، فلما أتى به بلفظِ : أنَّ عماراً مرَّ ، كانَ محمدُ بنُ الحنفيةِ هو الحاكي لقصّةٍ لم يُدركْهَا ؛ لأنَّهُ لَمْ يُدرِكْ مرورَ عمارٍ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فكانَ نَقْلُهُ لِذَلِكَ مرسلاً . ثُمَّ بينتُ ذَلِكَ بقاعدةٍ يُعرفُ بِهَا المتصلُ من المرسلِ بقولي : ( قلتُ ) ، وهو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ ، إلا حكايةَ كلامِ أحمدَ ويعقوبَ . وتقريرُ هذهِ القاعدةِ : أنَّ الراوي إذا رَوَى حديثاً فيه قِصّةٌ، أو واقعةٌ، فإن كان أدركَ ما رواهُ ، بأنْحكى قصةً وقعت بين النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبينَ بعضِ الصحابةِ ، والراوي لذلك صحابيٌّ أدركَ تلك الواقعةَ ، فهي محكومٌ لها بالاتصالِ ، وإنْ لم يُعلَمْ أنّهُ شاهدَها وإنْ لم يدركْ تلك الواقعةَ ، فهو مرسلُ صحابيٍّ . وإن كان الراوي تابعياً، فهو منقطعٌ ، وإن روى التابعيُّ عن الصحابيِّ قِصَّةً أدركَ وُقوعَها، كان متّصلاً ، وإن لم يدركْ وُقوعَها ، وأسندَها إلى الصحابيِّ كانت متّصلةً . وإنْ لم يدركْهَا ، ولا أسندَ حكايتَها إلى الصحابيِّ فهي منقطعةٌ كروايةِ ابنِ الحنفيةِ الثانيةِ ، عن عمّارٍ . ولابُدَّ من اعتبارِ السلامةِ من التدليسِ في التابعينَ ، ومَنْ بعدَهم .
وقد حكى أبو عبدِ اللهِ بنُ الموَّاقِ اتفاقَ أهلِ التمييزِ من أهلِ الحديثِ على ذلك في كتابه " بُغية النُّقاد " عند ذكرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلاَبِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ.(8). فقال : الحديثُ عندَ أبي داودَ مرسلٌ . وقد نبّهَ ابنُ السَّكَنِ على إرسالِه فقال : فذكرَ الحديثَ مرسلاً . قال ابنُ الموَّاقِ : وهو أمرٌ بَيِّنٌ لا خلافَ بين أهل التمييزِ من أهلِ هذا الشأنِ في انقطاعِ ما يُرْوَى كذلك ، إذا عُلمَ أنَّ الراويَ لم يدركْ زمانَ القِصَّةِ كما في هذا الحديثِ .
وأما كلامُ يعقوبَ فقد تقدمَ تنزيلُهُ عَلَيْهِ . وأما كلامُ أحمدَ فإنَّ الخطيبَ رَوَاهُ في " الكفاية " بإسنادِهِ إِلَى أبي داودَ قَالَ : سمعتُ أحمدَ قيلَ لَهُ : إنَّ رجلاً قَالَ عروةَ : أنَّ عائشةَ قالت : يا رسولَ اللهِ ، وعن عروةَ عن عائشةَ سواءٌ ؟ قال : كيفَ هذا سواءٌ ، ليس هذا بسواءٍ . فإنَّما فرّقَ أحمدُ بين اللفظينِ ؛ لأنَّ عروةَ في اللفظِ الأولِ لم يُسنِدْ ذلك إلى عائشةَ ، ولا أدرك القِصَّةَ فكانتْ مرسلةً . وأمَّا اللفظُ الثاني فأسْنَدَ ذلك إليها بالعنعنةِ ، فكانت متصلةً. انتهى. "
7- تنبيهاتٌ :
قال السيوطي رحمه الله(9):
" الأول- كَثُر اسْتَعمال: أنَّ, أيضًا في هذه الأعصار في الإجَازة وهذا وما تقدَّم في: عن, في المَشَارقة, أمَّا المغاربة فيستعملونها في السَّماع والإجَازة معًا, وهذان الفرعان حقهما أن يُفردا بنوع يُسمَّى المُعَنْعن, كما صنعَ ابن جماعة وغيره.
الثاني - الثَّالث: التعليق الَّذي يذكرهُ الحُميدي وغيره من المَغَاربة في أحاديث من كِتَاب البُخَاري, وسبقهم باسْتعماله الدَّارقُطْني, صُورته أن يحذف من أوَّل الإسناد واحدٌ فأكثر على التوالي بصيغة الجزم, ويُعزى الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته, وبينه وبين المُعضل عمومٌ وخُصُوص من وجه, فيُجَامعه في حذف اثنين فصاعدًا, ويُفَارقه في حذف واحد, وفي اخْتِصاصه بأوَّل السَّند.
وكأنَّه من تعليق الجِدَار أو الطلاق لقطع الاتِّصال فيهما.
واسْتعملهُ بعضهم في حَذْفِ كُلِّ الإسْنَاد, كقوله قال: رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , أو قال ابن عبَّاس, أو عطاء أو غيره كذا ، وإن لم يذكره أصحاب الأطراف, لأنَّ موضُوع كُتبهم بيان ما في الأسَانيد من اختلاف أو غيره.
وهذا التَّعليق له حُكْم الصَّحيح إذا وقعَ في كِتَاب التزمت صحَّته كَمَا تقدَّم ..
ولم يَسْتعملُوا التَّعليق في غير صيغة الجَزْم, كَيُروى عن فُلان كذا, أو يُقَال عنهُ, ويُذْكر, ويُحْكى وشبهها, بل خَصُّوا به صيغة الجَزْم, كَقَال, وفعلَ, وأمرَ, ونَهَى, وذكرَ, وحَكَى كذا قال ابن الصَّلاح(10).
قال العِرَاقي(11): وقد اسْتَعملهُ غير واحد من المتأخِّرين في غير المَجْزوم به, منهم الحافظ أبو الحَجَّاج المِزِّي, حيث أوردَ في «الأطراف» ما في البُخَاري من ذلكَ مُعلمًا عليه علامة التَّعليق.
بل المُصنِّف نفسهُ أوردَ في «الرِّياض» حديث عائشة: أُمِرنَا أن نُنزل النَّاس مَنَازلهم, وقال ذكرهُ مسلم في «صحيحه»(12)تعليقًا فقال: وذُكر عن عائشة.
ولم يَسْتعملوهُ فيمَا سقط وسطَ إسْناده ، لأنَّ له اسمًا يَخُصُّه من الانقطاع والإرْسَال والإعْضَال.
أمَّا ما عَزَاهُ البُخَاري لبعضِ شُيوخه بِصيغة: قال فُلان, وزاد فُلان, ونحو ذلكَ, فليسَ حُكْمه حكم التَّعليق عن شُيوخ شُيوخه ومن فوقهم, بل حُكمه حكم العنعنة من الاتِّصال, بشرط اللقاء والسَّلامة من التدليس, كذا جزم به ابن الصَّلاح(13).
قال : وبلغني عن بعض المُتأخِّرين من المَغَاربة, أنَّه جعلهُ قِسْمًا من التَّعليق ثانيًا, وأضاف إليه قَوْل البُخَاري: وقال لي فُلان, وزادنا فُلان, فوسمَ كل ذلك بالتَّعليق.
قال العِرَاقي(14): وما جَزَمَ به ابن الصَّلاح ههنا هو الصَّواب, وقد خالف ذلك في نَوْع الصَّحيح, فجعلَ من أمْثلة التَّعليق قول البُخَاري: قال عفَّان كذا, وقال القَعْنبي كذا, وهُمَا من شُيوخ البُخَاري, والَّذي عليه عمل غير واحد من المتأخِّرين, كابن دقيق العيد والمِزِّي: أنَّ لذلك حُكم العنعنة.
قال ابن الصَّلاح هنا: وقد قال أبو جعفر بن حَمْدان النَيْسابوري وهو أعرف بالبُخَاري: كل ما قال البُخَاري: قال لي فُلان, أو قال لنا, فهو عرض ومُنَاولة.
وقال غيرهُ: المُعتمد في ذلكَ ما حقَّقهُ الخَطِيب من أن: قال, ليست كعن, فإن الاصْطلاح فيها مُختلف, فبعضهم يَسْتعملها في السَّماع دائما, كحجَّاج بن محمَّد المِصِّيصي الأعْوَر, وبعضهم بالعَكْس لا يستعملها إلاَّ فيما لم يستعملهُ دائمًا, وبعضهم تارة كذا, وتارة كذا, كالبخاري, فلا يُحكم عليها بحكم مُطَّرد.
ومثل: قال, ذكر, استعملها أبو قُرَّة في «سننه» في السَّماع لم يذكر سِوَاها فيما سَمِعهُ من شُيوخه في جميع الكِتَاب
الثالث- ينبغي أن ينتبه إلى أمر هام ٍّ،وهو أننا كثيراً ما نجد في كتب العلل والرجال أحاديث يعلقها أصحاب هذه الكتب ، ولا يسندونها ، فيقولون مثلاً : هذا الحديث رواه فلان فقال كذا ، وخالفه فلان فقال كذا ، أو رواه فلان وفلان وفلان ، فيذكر اتفاقهم أو رواه فلان وتابعه فلانٌ ، وهكذا من غير أن يظهروا أسانيدهم إلى هؤلاء الرواة .
كما في علل الحديث لابن أبي حاتم (1)- سأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مِحْجَلٍ أَوْ مِحْجَنٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الصَّعِيدَ كَافِيكَ وَلَوْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سَنِينَ ، فَإِذَا أَصَبْتَ الْمَاءَ فَأَصِبْهُ بَشَرَتَكَ .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : هَذَا خَطَأٌ ، أَخْطَأَ فِيهِ قَبِيصَةُ ، إِنَّمَا هُوَ أَبُو قِلابَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وكما في علل الدارقطني - (ج 1 / ص 185):
س (11) وسئل عن حديث سلمان عن أبي بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في علامات المنافق فقال هو حديث يرويه علي بن عبد الأعلى الثعلبي واختلف عنه فرواه حكام بن سلم عن علي بن عبد الأعلى عن أبي نعمان عن أبي وقاص عن سلمان ورواه إبراهيم بن طهمان عن علي بن عبد الأعلى فأسنده عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو النعمان مجهول وعلي بن عبد الأعلى ليس بالقوي ،والحديث مضطرب غير ثابت ،وقيل إن أبا النعمان هو الحارث بن حصيرة والله أعلم اهـ
ومما لا شكَّ فيه أن هذه الروايات من مروياتهم ، وهي مسموعة لهم ، إلا أنهم لم يذكروا أسانيهم لها إما اختصاراً ، وإما لشهرتها ، وعليه فلا ينبغي أن يعاب ذلك على هؤلاء العلماء النقَّاد ،أو أن تردَّ أحكامهم على هذه الأحاديث لمجرد عدم علمنا نحن بهذه الأسانيد ، وإلا لضاع كمٌّ عظيمٌ من أقوال أهل العلم على الأحاديث وعللها ، اللهم إلا أن يتبين لنا في حديثٍ بعينه ضعف الإسناد إلى الراوي المتفرد أو المتابع أو المخالف ، فحينئذٍ يعامل ُ هذا الحديثُ بعينهِ بقدرهِ ، من غير أن يكون التشكيك فيما يذكره أهل العلم هو الأصل في الباب ، والله أعلم .(15)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 58) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 83) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 153) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 15) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 151) وعلوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد - (ج 1 / ص 17)
(2) - التمهيد 1/26
(3) - المصدر نفسه
(4) - مقدمة ابن الصلاح ص 87
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 75)(4858 وسنن أبى داود (926) وسنن النسائى (1197) وسنن ابن ماجه (1071) و السنن الكبرى للبيهقي(ج 1 / ص 203)(1019) من طرق عنه وهو حديث صحيح
قلت : ورواه السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (1112)أخبرنا محمد بن بشار , قال : حدثنا وهب , يعني ابن جرير ، قَالَ : حَدَّثَنَا أبي , عَنْ قيس بن سعد , عَنْ عطاء , عَنْ محمد بن علي , عَنْ عمار بن ياسر , أنه سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي , فرد عليه.
وكذا عند في مسند أبي يعلى الموصلي(1599) وكذا في تاريخ بغداد - (ج 2 / ص 23)
فلم يحدد من هو محمد بن علي هل هو ابن الحنفية أم محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو المعروف بمحمد الباقر
وفي تاريخ البخاري - (ج 1 / ص 101)[ 564 ] محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الهاشمي المدني القرشي سمع جابر بن عبد الله وأباه سمع منه عمرو بن دينار وابنه جعفر قال لي عبد الله بن محمد عن بن عيينة عن جعفر قال مات أبي وهو بن ثمان وخمسين وقال أبو نعيم مات سنة أربع عشرة ومائة وقال لي محمود حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء عن محمد بن علي بن حسين فلقيت أنا محمد بن علي فأخبرني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم عليه عمار فرد ،وقال بعضهم محمد بن علي عن عمار وتوهم بعضهم أنه محمدا بن الحنفية والأول أصح "
قلت : ولكنه ورد من طريق آخر في مسند البزار (1415) حدثنا صفوان بن المغلس قال حَدَّثَنَا موسى بن داود قال حَدَّثَنَا حماد يعني بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عَنِ ابْنِ الحنفية عن عمار قال أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي يعني إشارة.(1416) حدثنا محمد بن المثنى قال حَدَّثَنَا وهب بن جرير قال حَدَّثَنَا أبي قال سمعت قيس بن سعد يحدث عن عطاء عن محمد بن علي عن عمار أنه سلم على رسول الله فرد عليه وهو يصلي في المسجد .
قلت : وهذا إسناد صحيح كالشمس وهو متابعة صحيحة لحماد بن سلمة وأبي الزبير أن المروي عنه هو محمد بن الحنفية ، وكلاهما أوردهما البزار من رواية محمد بن الحنفية عن عمار ، والثانية رواتها مكيون فقيس بن سعد مكي وعطاء مكي وهو يرويه عن محمد بن الحنفية وقد سمع منه .
وفي تاريخ بغداد - (ج 2 / ص 23) أخبرنا أبو بكر بن الغيرة حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان إملاءً حدثنا أبو علي بشر بن موسى الأسدي حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق حدثنا بن لهيعة وحماد بن سلمة عن أبي الزبير أن محمد بن علي أخبره أن عماراً قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي.
تصريح أبي الزبير بالسماع من محمد بن علي أن عمارا قال : وهذا كله تصريح بالسماع لأن محمد بن الحنفية قد سمع من عمار وأدركه .
وقد زعم محقق التدريب زعمين غير صحيحين :
الأول -بقوله :" ولعل الخطأ من حماد بن سملة ، فإن أحاديثه عن أبي الزبير فيها مناكير ، ولم يعزو ذلك لمصدر !!!
ثم قال :الحديث مرسل على كل وجه ، لأن الباقر لم يدرك عماراً أصلاً ، وعن وأن في حقه سواء .
والزعم الثاني - قوله : وبكل حالٍ ، فهذا المثال بعد بيان تابعيه ، وأنه لم يدرك صحابي الحديث ، لا يصلح في هذه المسألة ..اهـ
قلت : لو استوعب طرق الحديث لما وقع في هذا الخلط العجيب ، ولما اتهم حماد بن سلمة رحمه الله ، بل والعلماء الذين مثلوا بهذا الحديث على تلك المسألة ، فالصواب صحة ما قالوا ، ونحن الذين نتطفل على موائدهم ، فتخطئتهم دونها خرط القتاد .
(6) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 11) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 159) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 591) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 162) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 75)
(7) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 75)
(8) - سنن أبى داود (4234 ) وفي سنن النسائى (5179 ) أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ أَبِى الأَشْهَبِ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ كَرِبٍ - قَالَ وَكَانَ جَدُّهُ - قَالَ حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَأَى جَدَّهُ قَالَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلاَبِ فِى الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ. فهو موصول والحديث صحيح
(9) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 159)
(10) - في علوم الحديث ص 93
(11) - التقييد ص 94
(12) - صحيح مسلم - (ج 1 / ص 2) بلا سند ووصله في شعب الإيمان للبيهقي (10561) من طريقين عن عائشة ولكن فيهما انقطاعاً فيقوى الحديث بهما
(13) - علوم الحديث ص 93
(14) - التقييد ص 95
(15) - انظر تدريب الراوي 1/345 هامش(1/166)
المبحثُ الثالثِ
المردودُ بسببِ طعن في الراوي(1)
1- المردودُ بالطعن في الراوي :
المراد بالطعن في الراوي جرحه باللسان، والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه.
2- أسبابُ الطعن في الراوي :
أسباب الطعن في الراوي عشرة أشياء، خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة منها تتعلق بالضبط.
ا)أما التي تتعلق بالطعن في العدالة فهي:
الكذب.
التهمة بالكذب .
الفسق.
البدعة.
الجهالة.
ب ) أما التي تتعلقُ بالطعنِ في الضبط فهي:
1- فُحْشُ الغلط .
2- سوء الحفظ .
3- الغفلة.
4- كثرةُ الأوهام.
5- مخالفةُ الثقات .
وسأذكر أنواع الحديث المردود بسبب من هذه الأسباب على التوالي مبتدئاً بالسبب الأشد طعناً.
المَوضوعُ(2)
إذا كان سبب الطعن في الراوي هو الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحديثه يسمَّى الموضوع.
1- تعريفُه:
أ) لغة: هو اسم مفعول من " وَضَعَ الشيء " أي " حَطَّهُ " سُمي بذلك لانحطاط رتبته.
ب) اصطلاحاً: هو الكذبُ المُخْتَلَق المصنوعُ المنسوب إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم.
2- رتبتُه :
هو شر الأحاديث الضعيفة وأقبحها . وبعض العلماء يعتبره قسماً مستقلا وليس نوعاً من أنواع الأحاديث الضعيفة ،و هذا هو الصوابُ
3- حكمُ روايته(3):
أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد عَلِمَ حالَهُ في أي معنى كان سواء الأحكام, والقَصَص, والتَّرغيب وغيرها ،إلا مع بيان وضعه، لحديث مسلم: « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ».(4)
4- طرقُ الوضاعين في صياغة الحديث :
أ)- إما أن يسندَ الواضعُ كلامًا لنفسه كأكثر الموضُوعات أو لبعض الحُكماء أو الزهَّاد, أو الإسْرائيليات, كحديث: المَعدة بيتُ الدَّاء, والحِمْية رأس الدَّواء. لا أصل لهُ من كلام النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , بل هو كلام بعض الأطباء, قيل: إنَّهُ الحارث بن كِلْدة طبيب العرب.(5)
ومثَّله العِرَاقي في «شَرْح الألفية» بحديث: «حبُّ الدِّنيا رأسُ كل خطيئة». قال: فإنَّه إمَّا من كلام مالك بن دينار, كما رواهُ ابن أبي الدُّنيا في «مكايد الشَّيطان» بإسْنَاده إليه, أو من كلام عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - , كما رواه البيهقي في «الزُّهد» ولا أصل له من حديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , إلاَّ من مراسيل الحسن البصري, كما رواه البيهقي في «شُعب الإيمان»(659/3) , ومراسيل الحسن عندهم شِبْه الرِّيح.
وقال شيخ الإسلام: إسْنَادهُ إلى الحسن حسن, ومراسيله أثْنَى عليها أبو زرعة وابن المديني, فلا دليل على وضعه. انتهى.(6)،والأمر كما قال.
ب)- وربَّما وقع الرَّاوي في شبه الوَضْع غلطًا منهُ بغير قَصْدٍ, فليس بموضوع حقيقة, بل هو بقسم المُدرج أولى, كما ذكرهُ شيخ الإسلام في «شرح النُّخبة» قال: بأن يَسُوق الإسْناد, فيعرض له عارض فيقول كلامًا من عِنْد نفسه, فيظن بعض من سمعهُ أنَّ ذلكَ متن ذلك الإسْنَاد, فيرويه عنه كذلك.
كحديث رواه ابن ماجه(1394 ) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِىُّ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُوسَى أَبُو يَزِيدَ عَنْ شَرِيكٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ ».
قال الحاكم: دخلَ ثابت على شَريك وهو يُمْلي ويقول: حدَّثنا الأعمش, عن أبي سُفيان, عن جابر قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , وسكت ليكتب المُسْتملي, فلمَّا نظرَ إلى ثابت قال: من كَثُرت صلاتهُ باللَّيل, حسنُ وجههُ بالنهَّار, وقَصَدَ بذلك ثابتًا لزُهدهِ وورعه, فظنَّ ثابت أنَّه متن ذلكَ الإسناد, فكان يحدِّث به.(7)
وقال ابن حبَّان(8): إنَّما هو قول شَريك, فإنَّه قاله عقب حديث الأعمش, عن أبي سُفيان, عن جابر: «يَعقد الشَّيطان على قَافيةِ رأسِ أحدكُم». فأدرجهُ ثابت في الخبر, ثمَّ سرقهُ منهُ جماعة من الضُّعفاء وحدَّثوا به عن شَريك, كعبد الحميد بن بجر, وعبد الله بن شُبرمة, وإسحاق بن بِشْر الكاهلي وجَمَاعة آخرين.(9)
ب) وإما أن يأخذ كلاماً لبعض الحكماء أو غيرهم ويضع له إسنادا .
5- كيف يُعْرَفُ الحديث الموضوع ؟
يعرف بأمور منها :
1- إقرار الواضع بالوضع :
"ووقع من بعض من عرفوا بالكذب اعترافهم بذلك ، كنوح بن أبي مريم ، وعبد الكريم بن أبي العوجاء ، وزياد بن ميمون ، وغيرهم .
قال أبو داود الطيالسي : " أتينا زياد بن ميمون ، فسمعته يقول : أستغفر الله ، وضعت هذه الأحاديث "(10)
" قلت : لكن كشف الحديث الموضوع المعين بهذا الطريق فيما في أيدي الناس من الحديث المروي لا يكاد يوجد ، إنما كان طريقاً تكشف به حال أولئك المخذولين"
"مثل إقرار أبي عِصْمَةَ نوحِ بن أبي مريم(11)بأنه وضع حديث فضائل سور القرآن سورة سورة عن ابن عباس .
وقال البُخَاري في «التاريخ الأوسط»(12): حدَّثني يحيى اليَشْكُري, عن علي بن جرير قال: سمعتُ عُمر بن صُبْح يقول: أنَا وضعتُ خُطْبة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد استشكلَ ابن دقيق العِيد الحكم بالوَضْعِ بإقْرَار من ادَّعى وضعهُ, لأنَّ فيه عَمَلاً بقوله بعد اعْترافهِ على نَفْسه بالوَضْع.
قال(13): وهذا كاف في ردِّهِ, لكن ليسَ بقاطع في كَوْنهِ موضوعًا لجِوَاز أن يكذب في هذا الإقْرار بِعَينه.
قيل: وهذا ليسَ باستشكال منه, إنَّما هو توضيح وبيان, وهو أنَّ الحكم بالوضع بالإقرار, ليس بأمر قطعيٍّ موافق لما في نفس الأمر, لجَوَاز كذبه في الإقرار, على حد ما تقدَّم أنَّ المُرَاد بالصحيح والضَّعيف, ما هو الظَّاهر, لا ما في نفس الأمر, ونَحَا البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح»(14)قريبًا من ذلك.
قال الحافظ ابن حجر(15):
" وفهِمَ منهُ بعضُهم أَنَّهُ لا يُعْمَلُ بذلك الإِقرارِ أَصلاً ، وليسَ ذلكَ مرادَهُ ، وإِنَّما نفى القَطْعَ بذلك ، ولا يلزَمُ مِن نفيِ القَطْعِ نفيُ الحُكْمِ ؛ لأنَّ الحُكْمَ يقعُ بالظَّنِّ الغالِبِ ، وهُو هُنا كذلك .(16)
ولولا ذلك لَما ساغَ قتْلُ المُقرِّ بالقتلِ ، ولا رَجْمُ المُعْتَرِفِ بالزِّنى ؛ لاحتمالِ أَنْ يكونا كاذِبَيْن فيما اعْتَرَفا به! اهـ(17)
قلت : ولعل الحافظ ابن حجر يشير بقوله (بعضهم ) إلى الإمام الذهبي حيث قال في الموقظة(18)معقباً على كلام ابن دقيق العيد قال :
" هذا فيه بعض ما فيه ، ونحن لو فتحنا باب التجويز والاحتمال البعيد ، لوقعنا في الوسوسة والسفسطة "
وقال السخاوي ردًّا عليه(19):
" بل هو في غاية التحقيق، وابن دقيق العيد نفي القطع بكونه موضوعاً بمجرد ذلك لا الحكم بكونه موضوعاً، لأنه إذا أقر يؤاخذه بإقراره، فيحكم بكون الحديث موضوعاً، أما انه يقطع بذلك فلا."
2- أو معنى إقْراره،عِبَارة ابن الصَّلاح(20), وما يَتنزَّل مَنْزلة إقْراره.
"وذلك كما قال يحيى بن معين في ( أبي داود النخعي ) : " رجل سوء كذاب ، يضع الأحاديث ، انصرفنا من عند هشيم في أبواب من الطلاق ، فقال : ليس منها شيء إلا وعندي بإسناد ، كان يدخل فيضع الحديث ثم يخرج " ، قال يحيى " سمعت أبا داود يقول : حدثني خصيف وخصاف ومخصف ، كذب كله "(21).
قلت : كأن ابن معين يقول : كان الكذب ظاهراً في وجهه .
وانكشف لكثير من النقاد حال طائفة من هؤلاء الكذابين ، فقضوا بأنهم وضعوا الحديث المعين أو الأحاديث ، مثل قطعهم بوضع ميسرة بن عبد ربه كتاباً في أحاديث في فضل العقل ، سرقه منه داود بن المحبر وغيره ، وحكمهم على نسخ مجموعة من قبل بعض الكذابين بكونها موضوعة ، كنسخة أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط ، وغيره ."(22)
قال العِرَاقي(23): كأن يُحدِّث بحديث عن شَيْخٍ, ويسأل عن مولده, فيذكُر تاريخًا يعلمُ وفَاة ذلك الشَّيخ قبلهُ, ولا يُعرف ذلك الحديث إلاَّ عندهُ, فهذا لم يعترف بوضعه, ولكن اعْترافه بوقتِ مَوْلده يتنزَّل مَنْزلة إقْرَاره بالوضع, لأنَّ ذلك الحديث لا يُعرف إلاَّ عن ذلك الشَّيخ, ولا يعرف إلاَّ برواية هذا عنه.اهـ
وكذا مثَّل الزَّركشي في مُخْتصره.
3- أو قرينة في الرَّاوي, أو المَرْوي, فقد وضعت أحاديث طويلة يَشْهد بوضْعها رَكَاكة لفْظْها ومَعَانيها.
قال الرَّبيع بن خُثَيم(24): إنَّ للحديث ضَوْءٌ كضوء النهَّار تعرفه, وظُلْمة كَظُلْمة اللَّيل تُنْكره.
وقال ابن الجَوْزي(25): الحديث المُنْكر يَقْشعر لهُ جلد الطَّالب للعلم, وينفرُ منهُ قلبه في الغالب.
وقال البَلْقيني(26): وشاهدُ هذا أنَّ إنْسَانًا لو خدمَ إنسانًا سنينَ, وعرف ما يُحب وما يكره, فادَّعى إنسان أنَّه كان يكره شيئا, يعلم ذلك أنَّه يُحبه, فبمجرد سَمَاعه يُبادر إلى تَكْذيبه.
وقال شيخُ الإسلام(27): المَدَار في الرِّكة على رِكَة المعنى, فحيثُما وُجِدتْ دلَّ على الوضع, وإن لم ينضم إليه ركةُ اللفظ, لأنَّ هذا الدِّين كله محاسنٌ, والرِّكةُ ترجعُ إلى الرَّداءة.
وقال: أمَّا رَكَاكة اللَّفظ فقط, فلا تدلُّ على ذلك, لاحتمال أن يَكُون رواهُ بالمعنى, فغيَّر ألفاظهُ بغير فصحيح, ثمَّ إن صرَّح بأنَّه من لَفْظِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فكاذبٌ.
قال: ومِمَّا يدخل في قرينة حال المَرْوي ما نُقل عن الخَطِيب, عن أبي بكر بن الطَّيب(28): أنَّ من جُمْلة دلائل الوَضْع أن يَكُون مُخَالفًا للعقل, بحيث لا يقبلُ التأويل, ويلتحق به ما يدفعهُ الحس والمُشَاهدة, أو يَكُون مُنَافيًا لدلالةِ الكتاب القَطْعية, أو السُّنة المُتواترة, أو الإجماع القَطْعي, أمَّا المُعَارضةُ مع إمْكَان الجَمْع فلا.اهـ
قال الخطيب(29):
" قال محمد بن عيسى بن الطباع : « كل حديث جاءك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغك أن أحدا من أصحابه فعله فدعه »
إذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد ردَّ بأمور :
أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ، لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول ، وأما بخلاف العقول ، فلا .
والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة ، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ. والثالث : أن يخالف الإجماع ، فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له ، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحا غير منسوخ ، وتجمع الأمة على خلافه ، وهذا هو الذي ذكره ابن الطباع في الخبر الذي سقناه عنه أول الباب.
والرابع : أن ينفرد الواحدُ براوية ما يجب على كافة الخلق علمه ، فيدل ذلك على أنه لا أصل له ، لأنه لا يجوز أن يكون له أصل ، وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم .
والخامس : أن ينفرد الواحد براوية ما جرت به العادة ، بأن ينقله أهل التواتر فلا يقبل ، لأنه لا يجوز ، أن ينفرد في مثل هذا بالرواية .اهـ
"وكالذي وقع من غياث بن إبراهيم حين دخل على الخليفة المهدي في زيادته في حديث : " لا سبق إلا في خف " ذكر الجناح ، حين علم أن المهدي يحب الحماح ، فأراد التزلف له ، فكشف المهدي حقيقة أمره من ساعته .
وهذا طريق كان معتبراً في كشف روايات الكذابين لمن كان يقظاً عند مباشرة السماع منهم "(30)
" وكذلك أن يستدل بما عرف عن الراوي من أنه كان يكذب ، بكون حديثه موضوعاً ، وذلك حين تثبت نكارته ، ولا يعرف له ما يدل على أن له أصلاً من غير طريقه .
وهذا طريق يستعمله عامة النقاد في الحكم على كثير من الأحاديث الموضوعة ، وهو الطريق الواجب اعتباره فيما لم تقم قرينة أخرى على اعتباره كذباً ؛ وذلك لإمكان إجرائه في الواقع .
وبيانه : أنك تجد الحديث يرويه رجل من المعروفين بالكذب بإسناد له ، لا يوجد له أصل من وجه آخر بحيث لا تبرأ عهدة ذلك الكذاب منه ، فتقول : هذا حديث موضوع ، آفته من جهة هذا الكذاب .
مثل : ما رواه أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي ، قال: حدثنا الحسين بن عيسى ، قال : أنبانا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من سقى مسلماً شربة من ماء في موضع يوجد فيه الماء فكأنما أعتق رقبة ، فإن سقاه في موضع لا يوجد فيه الماء فكأنما أحيا نسمة مؤمنة " .(31)
قال ابن عدي : " هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وحكم على ( أحمد بن علي ) رواية بقوله : " يضع الحديث عن الثقات "(32)
وهكذا ترى أحكامه وأحكام ابن حبان وابن الجوزي وغيرهم على الأحاديث الكثيرة بالوضع ، فإنما هو لكونها لم تعرف إلا من طريق من هو مذكور بالكذب ، وربما يكون كذب ذلك الراوي لهم قد انكشف بالمجيء بمثل تلك الأحاديث ، فصح لهم أن يستدلوا على كذبه بها ، وعلى كذبها به "(33)
4-ومنها: ما يُصرِّح بتكذيب رُواة جَمْع المُتواتر, أو يَكُون خبرًا عن أمر جَسِيم تتوفَّر الدَّواعي على نَقْله بمحضر الجمعِ, ثمَّ لا ينقله منهم إلاَّ واحد.
5- ومنها: الإفْراط بالوَعيد الشَّديد على الأمر الصَّغير, أو الوعد العظيم على الفِعْل الحَقِير, وهذا كثير في حديث القُصَّاص, والأخير راجعٌ إلى الرِّكة.
6- ومن القَرَائن كَوْن الرَّاوي رَافضيًا, والحديثُ في فضائل أهل البيت.
وقد أشارَ إلى غالب ما تقدَّم الزَّركشي في «مختصره» فقال(34): ويُعرف بإقرار واضعه, أو من حال الرَّاوي, كقوله: سمعتُ فُلانًا يَقُول, وعلمنا وفاة المَرْوي عنه قبل وجُوده, أو من حال المَرْوي, لرَكَاكة ألْفَاظه, حيث تَمْتنع الرِّواية بالمعنى, ومُخالفته القاطع, ولم يقبل التأويل, أو لتضمنه لما تتوفر الدَّواعي على نقله, أو لِكَونهِ أصلاً في الدِّين ولم يتواتر, كالنَّص الَّذي تزعم الرَّافضة أنَّه دلَّ على إمامة علي, وهل تثبت بالبينة على أنَّه وضعه, يُشبه أن يَكُون فيه التردُّد في أنَّ شهادة الزُّور هل تثبت بالبَيِّنة, مع القَطْع بأنَّه لا يعمل به. انتهى.
وفي «جمع الجوامع» لابن السُّبْكي أخذًا من «المحصُول» وغيره: كل خبر أوهم باطلاً, ولم يَقْبل التأويل فمكذُوب, أو نقص منه ما يزيل الوهم, ومن المقطوع بكذبه, ما نُقب عنه من الأخْبَار ولم يُوجد عند أهلهِ من صُدور الرُّواة, وبُطُون الكُتب, وكذا قال صاحب «المعتمد».
قال العِزُّ بن جماعة: وهذا قد يُنازع في إفضائه إلى القطع, وإنَّما غايتهُ غلبة الظَّن.
ولهذا قال العِرَاقيُّ: يُشْترط استيعاب الاستقراء بحيث لا يبقى ديوان, ولا راو, إلاَّ وكُشِفَ أمره في جميع أقْطَار الأرض, وهو عسر أو متعذَّر.اهـ
وفي السنن الكبرى للبيهقي(35)أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ح أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى الْمَعْرُوفِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَلِّمُ فِى الصَّلاَةِ تَسْلِيمَتَيْنِ تَسْلِيمَةً عَنْ يَمِينِهِ :« السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ». وَتَسْلِيمَةً عَنْ يَسَارِهِ :« السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ». حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدَّيْهِ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا. {ج} قَالَ : فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ الزُّهْرِىِّ فَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ : أَكُلَّ حَدِيثِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتَ؟ قَالَ الزُّهْرِىُّ : لاَ. قَالَ : فَثُلُثَيْهِ؟ قَالَ : لاَ. قَالَ : فَنِصْفَهُ؟ فَوَقَفَ الزُّهْرِىُّ عِنْدَ النِّصْفِ أَوْ عِنْدَ الثُّلُثِ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : اجْعَلْ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا لَمْ تَسْمَعْ.
وقال ابن عبد البر(36):
" وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا مطرف قال أخبرني ابن أبي حازم عن أبيه أنه حدث بحديث عند هشام وهو عامل المدينة وابن شهاب حاضر فقال ابن شهاب ما سمعت بهذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حازم أكل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته قال لا قال فنصفه قال أرى ذلك قال فاجعل هذا في النصف الذي لم تسمع فقال ابن شهاب أصلحك الله والله إنه لجاري منذ كذا وكذا وما عرفته هكذا قط فقال أبو حازم أما والله لو كنت من الأغنياء لعرفتني منذ زمان ولكني من الفقراء. "
وقال ابن الجَوْزي(37): "ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يُباين المعقُول, أو يُخَالف المنقُول, أو يُنَاقضُ الأصُول, فاعْلم أنَّه موضوعٌ ، فلا تتكلف اعتباره."
قال: ومعنى مُنَاقضته للأصُول أن يَكُون خارجًا عن دَوَاوين الإسْلام من المَسَانيد والكُتب المشهُورة.
وقال أيضاً(38): " فمتى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الاسلام، كالموطأ ومسند أحمد والصحيحين وسنن أبى داود ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير من الصحاح والحسان قرب أمره، وإن ارتبت فيه ورأيته يباين الأصول فتأمل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه."
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 11)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 18) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 10) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 126) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 236) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 21) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 16) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 16) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 435) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 124) والموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 5) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 223) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 20) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 94) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 225) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 29) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 256) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 68)
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 212)
(4) - صحيح مسلم برقم (1 ) ومقدمة مسلم بشرح النووي جـ 1 ـ ص 62 .
(5) - المقاصد الحسنة للسخاوي (1035 )
(6) - قلت : الصواب عدم وضعه ، بل صحيح مرسل ، انظر المقاصد المقاصد الحسنة للسخاوي(384 ) وكشف الخفاء (1099 ) وتخريج أحاديث الإحياء (3175)
(7) - وفي المقاصد الحسنة للسخاوي (1169 ) حديث: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، لا أصل له، وإن روي من طرق عند ابن ماجه بعضها، وأورد الكثير منها القضاعي وغيره، ولكن قد قرأت بخط شيخنا في بعض أجوبته: إنه ضعيف، بل قواه بعضهم، والمعتمد الأول، وقد أطنب ابن عدي في رده، ومثلوا به في الموضوع غير المقصود، قال ابن طاهر: ظن القضاعي أن الحديث صحيح لكثرة طرقه، وهو معذور، لأنه لم يكن حافظاً، انتهى. واتفق أئمة الحديث، ابن عدي والدارقطني والعقيلي وابن حبان والحاكم، على أنه من قول شريك قاله لثابت لما دخل عليه، وقال ابن عدي: سرقه جماعة من ثابت كعبد اللَّه بن شبرمة الشريكي وعبد الحميد بن بحر وغيرهما، وأوردت من الكلام عليه في شرح الألفية والحاشية ما يستفاد.
(8) - تهذيب التهذيب 3/16
(9) - ومثل له الخليلي في افرشاد 1/169 -170 بمثال آخر جعله مثل هذا المثال ، وهو حديث محمد بن الحسن بن زبالة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مرفوعاً (( افتتحت البلاد بالسيف ، وافتتحت المدينة بالقرآن )) قال الخليلي : لم يروه عن مالك إلا محمد بن الحسن بن زبالة ، وليس بالقوي ، لكن أئمة الحديث قد رووا عنه هذا ، وقالوا : هذا من كلام مالك بن أنس نفسه ،فعساه قرئَ على مالك حديث أخر عن هشام بن عروة فظنَّ هذا أن ذلك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فحمله على ذلك ، ومثل هذا قد يقع لمن لا معرفة له بهذا الشأن ولا إتقان اهـ وانزر المنتخب من العلل للخلال ص 68
(10) - أخرجه عبد الله بن أحمد في " العلل " لأبيه ( النص : 2997 ) بإسناد صحيح .
(11) - وفي تقريب التهذيب برقم (7210 ) نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم مشهور بكنيته ويعرف بالجامع لجمعه العلوم لكن كذبوه في الحديث وقال بن المبارك كان يضع من السابعة مات سنة ثلاث وسبعين ت فق
(12) - 2/151
(13) - الاقتراح ص 234
(14) - ص ؤ215
(15) - في نزهة النظر - (ج 1 / ص 109)
(16) - قلتُ: بل هذا ليس كذلك على كل حال، وإنما قد يقع هنا الظن الغالب، وقد لا يقع؛ إذ هو بحسب القرائن واختلاف الأحوال، وهذا أيضاً مِن محاسن منهجهم أنهم تنبهوا لهذا الأمر، واستخدموا العقل في موضعه.
(17) - هذا صحيح، ولكن مع ملاحظة الفارق بين الأمرين في وجْه الشبه الذي يوجب التفريق في الحكم؛ إذْ أنّ الاعتراف باختلاق الحديث مقتضاه الطعن في الدين وتحريفه، ولا يَعْلم الكذّاب يقيناً أنّ ذلك يُهْدر دمه، بخلاف الاعتراف بموجبٍ مِن موجبات الحدود على المعترف.
(18) - ص 15
(19) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 257)
(20) - معرفة علوم الحديث ص 131
(21) - من كلام أبي زكريا يحيى بن مَعين ( النص : 218 ) .
(22) - تحرير علوم الحديث 2/331
(23) - التقييد ص 132
(24) - معرفة علمو الحديث ص 62 والموضوعات لاين الجوزي 1/147
(25) - الموضوعات 1/146
(26) - في محاسن الاطلاع ص 215
(27) - النكت 2/844
(28) - الكفاية ص 15
(29) - الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (346 )
(30) - تحرير علوم الحديث 2/332
(31) - الموضوعات - (ج 2 / ص 170) وتذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 147)
(32) - الكامل ( 1 / 338 ) .
(33) - تحرير علوم الحديث 3/333
(34) - النكت 2/283
(35) - (ج 2 / ص 178)(3100) قلت لكن مصعب فيه ضعف
(36) - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (ج 21 / ص 95)
(37) - الموضوعات 1/151
(38) - الموضوعات - (ج 1 / ص 99)(1/167)
ومن أمْثلةِ ما دلَّ على وضعهِ قرينة في الرَّاوي, ما أسندهُ الحاكم, عن سيف بن عُمر التَّميمي, قال: كنتُ عند سَعْد بن طريف, فجَاء ابنهُ من الكُتَّاب يبكي, فقال: ما لك؟ قال: ضربني المُعلِّم. قال: لأُخزينهم اليوم, حدَّثني عكرمة, عن ابن عبَّاس مرفوعًا: «معلمُوا صِبْيانكم شِرَاركُم, أقلهُم رحمة لليتيم, وأغْلظهُم على المِسْكين».(1)
وقيل لمأمون بن أحمد الهَرَوي: ألا تَرَى إلى الشَّافعي ومن تبعهُ بخُرَاسان, فقال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله, حدَّثنا عُبيد الله بن معدان الأزدي, عن أنس مرفوعًا: «يَكُون في أمَّتي رجُل يقال له محمَّد بن إدريس, أضَر على أمَّتي من إبليس, ويَكُون في أمَّتي رجُل يقال له أبو حنيفة, هو سِرَاج أمَّتي»(2).
وقيل لمُحمَّد بن عُكَاشة الكِرْماني: إنَّ قومًا يرفعُون أيديهم في الرُّكوع وفي الرَّفع, منه, فقال: حدَّثنا المُسيب بن واضح, حدَّثنا ابن المُبَارك, عن يُونس بن يزيد, عن الزُّهْري, عن أنس مرفوعًا: «من رفعَ يديه في الرُّكوع فلا صَلاةَ لهُ»(3).
ومن المُخَالف للعقل ما رواه ابن الجَوْزي(4)من طريق عبد الرَّحمن بن زيد بن أسْلم, عن أبيه, عن جدِّه مرفوعًا: أنَّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا, وصلَّت عند المُقَام ركعتين.
وأسند من طريق محمَّد بن شُجَاع البَلْخي, عن حسَّان بن هِلال, عن حمَّاد بن سَلَمة, عن أبي المُهزم, عن أبي هُرَيْرة مرفوعًا: إنَّ الله خلق الفرس فأجراهَا فعرقت, فخلق نفسه منها(5).
هذا لا يضعهُ مُسْلم, بل ولا عاقل, والمتَّهم به محمَّد بن شُجَاع, كان زائغًا في دينه, وفيه أبو المُهزم, قال شُعبة: رأيتهُ ولو أُعطي دِرْهمًا وضع خمسين حديثًا.اهـ
7- أن يكون الحديث شبيهاً بحديث الكذابين ، وإن كان لا يتهم بوضعه معين في إسناده ، بل ربما كان من رواية مجهول ، أو مما أدخل على بعض الرواة الضعفاء ، أو دلس اسم الكذاب الذي تلصق به التهمة .
ومن مثال هذه الصورة ما ذكره عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثت أبي بحديث حدثنا خالد بن إبراهيم أبو محمد المؤذن ، قال : حدثنا سلام بن رزين قاضي أنطاكية ، قال : حدثنا الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : بينما أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرقات المدينة ، إذا أنا برجل قد صرع ، فدنوت فقرأت في أذنيه ، فاستوى جالساً ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ماذا قرأت في أذنه يا ابن أم عبد ؟ " ، قلت : فداك أبي وأني ، قرأت : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون : 115 ] ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " والذي بعثني بالحق ، لو قرأها موقن على جبل لزال "(6)
قال أحمد بن حنبل : " هذا الحديث موضوع ، هذا حديث الكذابين ، منكر الإسناد "(7)
قلت : هو حديث لم يتعين واضعه ، أو واضع إسناده ، وجائز أن تكون حجة أحمد من جهة أن الأعمش معروف الحديث ، وليس هذا عند أحد من أصحابه ، فكيف صار مثله إلى رجل مجهول كسلام هذا ، وجائز أن تكون الحجة أن الحديث معروف من حديث عبد الله بن لهيعة ، رواه عن عبد الله بن هبيرة ، عن حنش الصنعاني ، عن عبد الله بن مسعود(8).
ولم يأت من ابن لهيعة ذكره السماع في روايته ، ومعروف أنه وقعت في روايته المنكرات ، تارة من جهة حفظه ، وتارة من مظنة التدليس .
ومن أثبت الروايات عنه رواية عبد الله بن وهب ، وقد رواه عنه بإسناده إلى حنش ، مرسلاً(9)."
قلت : لكن الراوي لم يتفرد به كما رأينا ، فلا يجوز أن يحكم على هذا الحديث بالوضع . والله أعلم .
8- أن يدلَّ جمع الطرق وتتبع الروايات على عورة الكذاب فيه .
"وهذا طريق كشف عن حال كثير من الموصوفين بالكذب ، وخصوصاً أولئك الذين عرفوا بالكذب في الأسانيد ، كتوصيل منقطع يضع له أحدهم الإسناد يوصله به أو وضع إسناد مختلف لحديث صحيح معروف مروي بإسناد آخر صحيح .
ومثل هذا لا يقدح في متن الحديث ، ولا يحكم بسببه بكونه موضوعاً ، وإنما الموضوع هو الإسناد .
وذلك كحال ( خالد بن القاسم أبي الهيثم المدائني ) ، قال يحيى بن معين : " كان يزيد في الأحاديث الرجال ، يوصلها لتصير مسندة " ، ويفسر ذلك أبو زرعة الرازي فيقول : " هو كذاب ، كان يحدث الكتب عن الليث عن الزهري ، فكل ما كان : الزهري عن أبي هريرة ، جعله : عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وكل ما كان : الزهري عن عائشة ، جعله : عن عروة عن عائشة ، متصلاً ".(10)
وترى الحكم بالوضع بهذا الطريق وقع من طائفة من متقدمي الحفاظ ، كأبي حاتم الرازي في " علل الحديث " ."
9- أن يعرف بالتاريخ ، كأن يوجد من الراوي ذكر السماع من قوم لم يدركهم ، فيكون قرينة على كون ما حدث به عنهم كذباً ، وهو معدود فيمن يسرق الحديث.
ولا يلزم منه أن يكون المتن أو حتى سائر الإسناد موضوعاً ، إنما قد يكون الكل موضوعاً ، وقد يكون حكم الوضع مقصوراً على رواية ذلك الكذاب عن ذلك الشيخ الذي لم يلقه ، فتكون روايته تلك من طريقه ساقطة لا اعتداد بها ؛ لأجله .
والتاريخ من أبرز طرق كشف الكذب والكذابين في الحديث : يحدث الراوي عمن مات قبله ، أو كان يوم مات الشيخ في سن لا يحتمل السماع منه .
قال حفص بن غياث : " إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين " يعني : احسبوا سنه وسن من كتب عنه(11).
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين وذكر المعلى بن عرفان : " قال : حدثنا أبو وائل قال : خرج علينا ابن مسعود بصفين " فقال أبو نعيم : " أتراه بعث بعد الموت ؟ "(12)
قال البخاري : " وهذا لا أصل له ؛ لأن عبد الله مات قبل عثمان ، رضي الله عنه ، وقبل صفين بسنين "(13).
وقال إسماعيل بن عياش : " كنت بالعراق ، فأتاني أهل الحديث ، فقالوا : هذا رجل يحدث عن خالد بن معدان ، قال : فأتيته ، فقلت : أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ؟ قال : سنة ثلاث عشرة ، فقلت : أنت تزعم أنك سمعت من خالد بعد موته بسبع " ، قال إسماعيل : " مات خالد سنة ست ومئة "(14).
وقال صالح بن محمد الأسدي المعروف بـ ( جزرة ) في ( محمد بن مهاجر الطالقاني أخي حنيف ) : " أكذب خلق الله ، يحدث عن قوم ماتوا قبل أن يولد هو بثلاثين سنة ، وأعرفه بالكذب منذ خمسين سنة "(15).
وقال ابن أبي حاتم الرازي في ( محمد بن منده الأصبهاني ) : " لم يكن عندي بصدوق ، أخرج أولاً عن محمد بن بكير الحضرمي ، فلما كتب عنه استحلى الحديث ، ثم أخرج عن بكر بن بكار ، والحسين بن حفص ، ولم يكن سنه سن من يلحقها "(16).
وقال ابن عدي في ( أحمد بن محمد بن الصلت أبي العباس ) : " رأيته في سنة سبع وتسعين ومئتين يحدث عن ثابت الزاهد وعبد الصمد بن النعمان وغيرهما من قدماء الشيوخ ، قوم قد ماتوا قبل أن يولد بدهر ، وما رأيت في الكذابين أقل حياء منه ، وكان ينزل عند أصحاب الكتب يحمل من عندهم رزماً ، فيحدث بما فيها ، وباسم من كتب الكتاب باسمه ، فيحدث عن الرجل الذي اسمه في الكتاب ، ولا يبالي ذلك الرجل متى مات ، ولعله قد مات قبل أن يولد "(17).
ومثاله أيضاً : محمد بن عبدة بن حرب العباداني ، أدركه ابن عدي وكتب عنه ، وقال : " قوله : كتبت عن بكر بن عيسى كذب عظيم ، وذاك أنه كان يقول : ولد سنة ثماني عشرة ، وبكر مات أربع ومئتين ، فكيف يكتب عنه ؟ "(18).
وقال ابن حبان في ( أبي العباس أحمد بن محمد بن الأزهر ) وقد أدركه : " قد روى عن محمد بن المصفى أكثر من خمس مئة حديث ، فقلت له : يا أبا العباس ، أين رأيت محمد بن المصفى ؟ فقال : بمكة ، فقلت : في أي سنة ؟ قال : سنة ست وأربعين ومئتين ، قلت : وسمعت هذه الأحاديث منه في تلك السنة بمكة ؟ قال : نعم ، فقلت : يا أبا العباس ، سمعت محمد بن عبيد الله بن الفضيل الكلاعي عابد الشام بحمص يقول : عادلت محمد بن المصفى من حمص إلى مكة سنة ست وأربعين ، فاعتل بالجحفة علة صعبة ، ودخلنا مكة ، فطيف به راكباً ، وخرجنا في يومنا إلى منى ، واشتدت به العلة ، فاجتمع علي أصحاب الحديث ، وقالوا : أتأذن لنا حتى ندخل عليه ؟ قلت : هو لما به ، فأذنت لهم ، فدخلوا عليه ، وهو لما به لا يعقل شيئاً ، فقرأوا عليه حديث ابن جرير عن مالك في المغفر ، وحديث محمد بن حرب عن عبيد الله بن عمر : ليس من البر الصيام في السفر ، وخرجوا من عنده ، ومات فدفناه . فبقي أبو العباس ينظر إلي "(19).
قلت : فرواية الواحد من هؤلاء شيئاً عمن لم يدركوه يدَّعون السماع منه ، كذب ، وإسناد ذلك الراوي عن ذلك الشيخ موضوع ."
10- أن يختبر الراوي بسؤاله عن المكان الذي سمع فيه من شيخ معين ، أو عن صفة ذلك الشيخ ، فيذكر ما يخالف الحقيقة ، فيكون تحديثه بما حدث به عن ذلك الشيخ كذباً .
مثل : سهيل بن ذكوان ، فقد ادعى أنه سمع من أم المؤمنين عائشة ، فسئل : أين لقيت عائشة ؟ قال : بواسط ، وعائشة ما دخلت واسط(20).
كما قيل له : صف عائشة ، فقال : كانت أدماء ، أو : سوداء(21)، وكذب في ذلك
11- أن يكون معلوماً أن زيداً من الرواة غير معروف بالرواية عن فلان ، فيروي رجل حديثاً يذكر فيه رواية لزيد عن فلان هذا ، فيستدل به على تركيبه الأسانيد ، وأن ذلك الإسناد موضوع مركب .
مثل : ( عبد الله بن حفص الوكيل ) روى بإسناده عن سليمان التيمي عن حميد عن أنس حديثاً منكراً ، فقال ابن عدي : " هذا موضوع المتن والإسناد ، وذاك أن سليمان التيمي لا يحفظ له عن حميد شيء "(22).
والوكيل هذا متهم بالكذب ووضع الحديث(23)، ومثل هذه العلة دليل على أنه كان يركب الأسانيد .
12- أن يستدل بطراوة الخط في الكتاب العتيق أو بلون الحبر مثلاً على أن الراوي أضاف اسمه في طباق السماع ، فادعى لنفسه السماع واتصال ما بينه وبين من روى عنه ذلك الحديث أو الكتاب ، وإنما هو يكذب .
وصنيع هذا وقع من طائفة من المتأخرين بعدما صارت الرواية إلى الكتب ، ولذا يلزم تتبع ذلك من النقلة لكشف صحة السماع أو عدمه ، قال الحاكم : " يتأمل أصوله : أعتيقة هي أم جديدة ، فقد نبغ في عصرنا هذا جماعة يشترون الكتب فيحدثون بها ، وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت فيحدثون بها "(24).
قلت : ومن أمثلة من فضحه الله بتزوير السماع : محمد بن عبد الخالق اليوسفي(25)، وأبو البقاء محمد بن محمد بن معمر بن طبرزد(26).
ومنهم : محمد بن أيوب بن سويد الرملي ، قال أبو زرعة الرازي : " أتيناه ، فأخرج إلينا كتب أبيه أبواباً مصنفة بخط أيوب بن سويد ، وقد بيض أبوه كل باب ، وقد زيد في البياض أحاديث بغير الخط الأول ، فنظرت فيها ، فإذا الذي بخط الأول أحاديث صحاح ، وإذا الزيادات أحاديث موضوعة ليست من حديث أيوب بن سويد ، قلت : هذا الخط الأول خط من هو ؟ فقال : خط أبي ، فقلت : هذه الزيادات ، خط من هو ؟ قال : خطي ، قلت : فهذه الأحاديث من أين جئت بها ؟ قال : أخرجتها من كتب أبي ، قلت : لا ضير ، أخرج إلي كتب أبيك التي أخرجت هذه الأحاديث منها " ، قال أبو زرعة : " فاصفار لونه وبقي(27)، وقال : الكتب ببيت المقدس ، فقلت : لا ضير ، أنا أكتري فيجاء بها إلي . . " قال : " فبقي ولم يكن له جواب ، فقلت له : ويحك ! أما تتقي الله ؟ ما وجدت لأبيك ما تفقه به سوى هذا ؟ أبوك عند الناس مستور وتكذب عليه ؟ أما تتقي الله ؟ فلم أزل أكلمه بكلام من نحو هذا ولا يقدر لي على جواب "(28).
واعلم أنه ليس كل من ادُّعي عليه أنه يفعل ذلك يكون مما يقدح فيه ، فقد تكلم الحافظ ابن النجار ، في شيخه ( عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد عبد الكريم السمعاني ) فقال : " كانت سماعاته التي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدثين صحيحة ، فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه ، فإنه كان يلحق اسمه في طباق لم يكن اسمه فيها إلحاقاً ظاهراً ، ويدعي سماع أشياء لم يوجد سماعه منها ، وكان متسامحاً "(29).
فاعتذر عنه ابن حجر ، فقال : " وهذا الذي قاله بن النجار فيه لا يقدح بعد ثبوت عدالته وصدقه، أما كونه كان يلحق اسمه في الطباق فيجوز أنه كان يوجد اسمه فيه ،أما فقدان الأصول فلا ذنب للشيوخ فيه، وقد قال بن النجار في أول ترجمته بكونه مع والده في سماع الحديث وطاف به في بلاد خراسان وما وراء النهر وجمع له معجما ثلاثة عشر جزأ وعوالي في مجلدين وأشغله بالفقه والحديث والأدب حتى حصل من كل واحد طرفا صالحا وانتهت اليه رياسة أصحاب الشافعي ببلده ،قال : وكان فاضلا ممتعا نبيلا متدينا محبا للرواية ومكرما للغرباء" قلت : ومن كان بهذه الكثرة لا ينكر عليه أن يلحق اسمه بعد تحقق سماعه، والله أعلم "(30)."
13- أن يكون في نفس المروي قرينة تدل على كونه كذباً .
"كالأحاديث الطويلة التي يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ، أو تخالف البراهين الصريحة ولا تقبل تأويلاً بحال .
قال الشافعي : " لا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه ، إلا في الخاص القليل من الحديث ، وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أنه يكون مثله ، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه "(31).
وذكر ابن القيم(32)لتمييز الحديث الموضوع بهذا الطريق علامات ، إليكها ملخصة مقربة مع زيادة فائدة يقتضيها المقام :
[ 1 ] اشتمال الحديث على المجازفات في ترتيب الجزاء المبالغ في وصفه على العمل اليسير .
مثل : " من صلى الضحى كذا وكذا ركعة ، أعطي ثواب سبعين نبيا "(33).
[ 2 ] مخالفة الواقع المحسوس .
مثل : " الباذنجان شفاء من كل داء "(34).
قلت : كالذي روى العلاء بن زيدل ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال " العالم لا يخرف " .(35)
سئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث فقال : " العلاء ضعيف الحديث ، متروك الحديث ، قد وجدنا من ينسب إلى العلم : المسعودي ، والجريري ، وسعيد بن أبي عروبة ، وعطاء بن السائب ، وغيرهم "(36). قلت : يعني أنه كبروا فخرفوا .
[ 3 ] مناقضة السنن الإلهية في التشريع والتكليف .
مثل ما يروى في حرمة النار على من اسمه ( محمد ) أو ( أحمد )(37).
[ 4 ] أن يشمل على تحديد تاريخ مستقبل ، تقع فيه حوادث ، فيقال : " إذا كانت سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت "(38).
ومن هذا ما يذكر في عمر الدنيا ، وأنها سبعة آلاف سنة(39).
والمبين لكذب هذا النوع من الأخبار : خلو أخبار الوحي المعروفة من ذلك بالاستقراء ، مع ظهور كذب تلك الأخبار في الواقع المشاهد .
[ 5 ] أن تقوم الشواهد الصحيحة ، والعلم القاطع ، للدلالة على بطلانه .
مثل : " إن الأرض على صخرة ، والصخرة على قرن ثور ، فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة ، فتحركت الأرض ، وهي الزلزلة " .(40)
[ 6 ] أن يشمل على خلاف الصحيح الثابت .(41)
مثل حديث وضع الجزية عن أهل خيبر وهذا كذب من عدة وجوه :
أحدها أنه فيه شهادة سعد بن معاذ وسعد قد توفي قبل ذلك في غزوة الخندق
ثانيها أن فيه وكتب معاوية بن أبي سفيان هكذا ومعاوية إنما أسلم زمن الفتح وكان من الطلقاء .
ثالثها أن الجزية لم تكن نزلت حينئذ ولا يعرفها الصحابة ولا العرب ،وإنما أنزلت بعد عام تبوك وحينئذ وضعها النبي - صلى الله عليه وسلم - على نصارى نجران ويهود اليمن ولم تؤخذ من يهود المدينة، لأنهم وادعوه قبل نزولها ثم قتل من قتل منهم وأجلى بقيتهم إلى خيبر و إلى الشام وصالحه أهل خيبر قبل فرض الجزية فلما نزلت آية الجزية استقر الأمر على ما كان عليه ،وابتدأ ضربها على من لم يتقدم له معه صلح فمن هاهنا وقعت الشبهة في أهل خيبر .
رابعها أن فيه وضع عنهم الكلف والسخر ولم يكن في زمانه كلف ولا سخر ولا مكوس .
خامسها أنه لم يجعل لهم عهدا لازما، بل قال: نقركم ما شئنا، فكيف يضع عنهم الجزية التي يصير لأهل الذمة بها عهد لازم مؤبد ،ثم لا يثبت لهم أمانا لازما مؤبدا.
سادسها أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فكيف يكون قد وقع ولا يكون علمه عند حملة السنة من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث وينفرد بعلمه ونقله اليهود ؟!
سابعها أن أهل خيبر لم يتقدم لهم من الإحسان ما يوجب وضع الجزية عنهم فإنهم حاربوا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقاتلوه وقاتلوا أصحابه وسلوا السيوف في وجوههم وسموا النبي - صلى الله عليه وسلم - وآووا أعداءه المحاربين له المحرضين على قتاله، فمن أين يقع هذا الاعتناء بهم وإسقاط هذا الفرض الذي جعله الله عقوبة لمن لم يدن منهم بدين الإسلام ؟
ثامنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسقطها عن الأبعدين مع عدم معاداتهم له كأهل اليمن وأهل نجران، فكيف يضعها عن جيرانه الأدنين مع شدة معاداتهم له وكفرهم وعنادهم ، ومن المعلوم أنه كلما اشتد كفر الطائفة وتغلظت عداوتهم كانوا أحق بالعقوبة لا بإسقاط الجزية .
__________
(1) - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (ج 21 / ص 113) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 244) و والمجروحين لابن حبان 1/353
(2) - الموضوعات - (ج 1 / ص 43)و (ج 2 / ص 48) واللآلي المصنوعة - (ج 1 / ص 417) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 29)
(3) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 2 / ص 367) والدراية في تخريج أحأديث الهداية - (ج 1 / ص 151) واللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 17) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 78)
(4) - الموضوعات لابن الجوزي 1/142-143 و مصنف عبد الرزاق (9097) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 250)
(5) - الموضوعات - (ج 1 / ص 105)
(6) - الموضوعات - (ج 1 / ص 256) وتذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 79) والسلسلة الضعيفة (2189 ) وميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 175)(3341 ) وضعفاء العقيلي (673)
(7) - العلل ( النص : 5979 ) وعنه : العقيلي في " الضعفاء " ( 2 / 163 ) وابن الجوزي في " الموضوعات " ( رقم : 498 )
(8) - أخرجه أبو يعلى ( رقم : 5045 ) وابن السني في " اليوم والليلة " ( رقم : 631 ) والحكيم : الترمذي في " نوادر الأصول " ( رقم : 847 _ تنقيح ) والطبراني في " الدعاء " ( رقم : 1081 ) وأبو نُعيم في " الحلية " ( 1 / 38 رقم : 11 ) من طريقين عن ابن لهيعة به .
(9) - كذلك أخرجه ابنُ أبي حاتم في " تفسيره " ( 8 / 2513 ) ، وأيضاً هوَ مرسلٌ عند الخطيب في " تاريخه " ( 12 / 312 ) من طريق عفيف بن سالم الموصلي عن ابن لهيعة . وهو صحيح مرسل
(10) - الجرح والتعديل ( 1 / 2 / 347 ، 348 ) .
(11) - أخرجه الخطيب في " الكفاية " ( ص : 193 ) ومن طريقه : ابن عساكر في " تاريخه " ( 1 / 54 ) وإسناده لا بأس به .
وروُي في هذا المعنى عن سفيان الثوري قال : " لما استعمل الرواة الكذب ، استعملنا لهم التاريخ " أخرجه ابنُ عدي في " الكامل " ( 1 / 169 _ 170 ) ومن طريقه : الخطيب في " الكفاية " ( ص : 193 ) وابنُ عساكر ( 1 / 54 ) وفي إسناده من لم أقف عليه .
(12) - أخرجه مسلم في " مقدمته " ( ص : 26 ) وعنه : ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 4 / 1 / 330 ) وإسناده صحيح إلى أبي نعيم .
(13) - التاريخ الأوسط ( 2 / 78 ) .
(14) - أخرجه ابن حبان في " المجروحين " ( 1 / 71 ) والحاكم في " المدخل إلى كتاب الإكليل " ( ص : 60 _ 61 ) والخطيب في " الجامع " ( رقم : 145 ) وإسناده جيد .
(15) - أخرجه الخطيب في " تاريخه " ( 3 / 303 ) وإسناده صحيح .
(16) - الجرح والتعديل ( 4 / 1 / 107 ) .
(17) - الكامل ( 1 / 327 _ 328 ) .
(18) - الكامل ( 7 / 565 ) .
(19) - المجروحين من المحدثين ( 1 / 164 ) .
(20) - الجامع لأخلاق الراوي ، للخطيب ( رقم : 151 ) .
(21) - التاريخ الكبير ، للبخاري ( 2 / 2 / 104 ) ، العلل ، لأحمد بن حنبل ( النص : 988 ) ، تاريخ يحيى بن مَعين ( النص : 2486 ) .
(22) - الكامل ( 5 / 435 ) .
(23) - عبد الله بن حفص الوكيل السامري الضرير قال ابن عدي كتبت عنه وكان يسرق الحديث وأملى علي أحاديث موضوعة لا أشك أنه وضعها ... الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 150 ] (382 )
(24) - معرفة علوم الحديث ( ص : 16 ) .
(25) - انظر ترجمته في : ميزان الاعتدال ( 3 / 613 ) ولسان الميزان ( 5 / 246 ) وتكملة الإكمال لابن نُقطة ( 4 / 486 ) .
(26) - انظر ترجمته في : ميزان الاعتدال ( 4 / 30 _ 31 ) ولسان الميزان ( 5 / 365 ) .
(27) - أي أفحِم وسكت .
(28) - سؤالات البرذعي ( 2 / 390 - 391 ) .
(29) - المستفاد من ذيْل تاريخ بغداد ، لابن النجار ، انتقاء : الدمياطي ( ص : 289 ) .
(30) - لِسان الميزان ( 4 / 7 ) . ولسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 4 / ص 2) [ 10 ] ط مؤسسة الأعلمي
(31) - الرسالة ( الفقرة : 1099 ) .
(32) - في كتابه : " المنار المنيف في الصحيح والضعيف " .
(33) - وانظر : الموضوعات ، لابن الجوزي ( رقم : 992 ) .
(34) - وانظر : المقاصد الحسنة ، للسخاوي ( رقم : 279 ) .
(35) - قلت : رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (ج 14 / ص 54)36845- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : أَتَيْتُ طَاوُوسًا فَاسْتَأْذَنْت عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيَّ شَيْخٌ كَبِيرٌ ظَنَنْت ، أَنَّهُ طَاوُوسٌ ، قُلْتُ : أَنْتَ طَاوُوسٌ ؟ قَالَ : لاَ ، أَنَا ابْنُهُ ، قُلْتُ : لَئِنْ كُنْت ابْنَهُ فَقَدْ خَرِفَ أَبُوك ، قَالَ : يَقُولُ هُوَ : إنَّ الْعَالِمَ لاَ يَخْرَفُ ، قَالَ : قُلْتُ : اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى أَبِيك ، قَالَ : فَاسْتَأْذَنَ لِي ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : سَلْ وَأَوْجِزْ ، فَقُلْتُ : إنْ أَوْجَزْت لِي أَوْجَزْت لَك ، فَقَالَ : لاَ تَسْأَلْ ، أَنَا أُعَلِّمُك فِي مَجْلِسِكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ : خَفِ اللَّهَ مَخَافَةً حَتَّى لاَ يَكُونَ أَحَدٌ أَخْوَف عِنْدَكَ مِنْهُ ، وَارْجَه رَجَاءً هُوَ أَشَدُّ مِنْ خَوْفِكَ إيَّاهُ ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك.
قلت : ولا يصح هذا الخبر ، غير المرفوع
(36) - علل الحديث ، لابن أبي حاتم ( رقم : 2821 ) والسلسلة الضعيفة(269 ).
(37) - انظر : الموضوعات ، لابن الجوزي ( رقم : 326 ) .
(38) - انظر من ذلك ما في " الموضوعات " لابن الجوزي ( رقم : 1688 _ 1698 ) .
(39) - انظر الموضوعات ، لابن الجوزي ( رقم : 1791 ) .
(40) - المنار المنيف - (ج 1 / ص 78) والؤلؤ المرصوع للقاوقجي - (ج 1 / ص 52)
(41) - المنار المنيف - (ج 1 / ص 102) فما بعدها(1/168)
تاسعها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أسقط عنهم الجزية كما ذكروا لكانوا من أحسن الكفار حالا ولم يحسن بعد ذلك أن يشترط لهم إخراجهم من أرضهم وبلادهم متى شاء ، فإن أهل الذمة الذين يقرون بالجزية لا يجوز إخراجهم من أرضهم وديارهم ما داموا ملتزمين لأحكام الذمة ، فكيف إذا روعي جانبهم بإسقاط الجزية وأعفوا من الصغار الذي يلحقهم بأدائها فأي صغار بعد ذلك أعظم من نفيهم من بلادهم وتشتيتهم في أرض الغربة فكيف يجتمع هذا وهذا ؟
عاشرها أن هذا لو كان حقا لما اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون والفقهاء كلهم على خلافه ،وليس في الصحابة رجل واحد قال لا تجب الجزية على الخيبرية لا في التابعين ولا في الفقهاء بل قالوا أهل خيبر وغيرهم في الجزية سواء وعرضوا بهذا الكتاب المكذوب وقد صرحوا بأنه كذب كما ذكر ذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والقاضي أبو يعلى وغيرهم ،وذكر الخطيب البغدادي هذا الكتاب وبين أنه كذب من عدة وجوه وأحضر هذا الكتاب بين يدي شيخ الإسلام وحوله اليهود يزفونه ويجلونه وقد غشي بالحرير والديباج فلما فتحه وتأمله بزق عليه، وقال: هذا كذب من عدة أوجه وذكرها فقاموا من عنده بالذل والصغار.
[ 7 ] أن يكون سمج اللفظ ، أو يكون كلاماً تقبح إضافة مثله إلى نبي .
مثل : " لا تسبوا الديك ، فإنه صديقي ، ولو يعلم بنو آدم ما في صورته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب "(1).
ومثل : " أربع لا تشيع من أربع : انثى من ذكر ، وأرض من مطر ، وعين من نظر ، وأذن من خبر "(2).
ومن قبيح كذبهم : " عليكم بالوجوه الملاح ، والحدق السود ، فإن الله يستحيي أن يعذب وجهاً مليحاً بالنار "(3).
[ 8 ] أن يشتمل على ما يوجب اتفاق الأمة في زمن على الضلالة .
كادعاء أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل أمراً ظاهراً بمحضر من جميع الصحابة ، ثم اتفقوا على كتمانه ، مثل الذي تدعيه الرافضة في شأن الوصي(4)
[ 9 ] أن يكون كلاماً هو ألصق بكلام الأطباء أو أصحاب المهن أو الحكماء ، منه بكلام الأنبياء .
مثل : " كلوا التمر على الريق ، فأنه يقتل الدود "(5).
قلت : ومما يشكل على هذا الطريق : أن من الكذابين من كان يحاكي الكلمات النبوية ، ويأتي بالعبارات البليغة ، والحق من القول ، مركباً على الأسانيد التي ظاهرها السلامة ، فيحسبه بعض الناس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا من أغمض ما يكون ، إذ لا يتبينه إلا حاذق عارف ، يقارن بين المتون والأسانيد فيقيس على المحفوظ المعروف .
ومثال ذلك من هؤلاء الكذابين ( أبو جعفر عبد الله بن المسور الهاشمي ) ، فقد صح عن الثقة رقبة بن مصقلة العبدي قوله : " كان يضع أحاديث ، كلام حق ، وليست من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يرويها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "(6).
وثبت عن محمد بن سعيد الشامي المصلوب قوله : " إني لأسمع الكلمة الحسنة ، فلا أرى بأساً أن أنشئ لها إسناداً "(7).
قلت : ووجود مثل هذا يبطل عبارة يدعيها بعض الناس في بعض أحاديث الضعفاء المتهمين والمجهولين : ( هذه الكلمات حق ، لا بد أن تكون خارجة من مشكاة النبوة ) ، كذلك يبطل قبول خبر المجهول الذي لا يعرف له على خبره متابع معتبر( لفظاً أو معنًى ) على ما روى ؛ لجواز أن يكون على نفس صفة هذا الهالك ، حتى يتبين أمره في الثقة والأمانة ."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - الموضوعات - (ج 3 / ص 3) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 249) والفوائد المجموعة - (ج 1 / ص 171) وميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 444)
(2) - انظر : الموضوعات ، لابن الجوزي ( رقم : 462 _ 464 ) .والسلسلة الضعيفة (766 ) وقال : موضوع
(3) - انظر : الموضوعات ، لابن الجوزي ( رقم : 333 - 334 ) وتذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 162) والفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 100) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 174) والسلسلة الضعيفة(131)
(4) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 272)
(5) - انظر : الموضوعات ، لابن الجوزي ( رقم : 1392 ) وتذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 151) والفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 85) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 240) والسلسلة الضعيفة (232)
(6) - أخرجه مسلم في " مقدمته " ( 1 / 22 ) وأبو أحمد الحاكم في " الكنى " ( 3 / 46 ) والخطيب في " تاريخه " ( 10 / 172 ) بإسناد صحيح .
(7) - أخرجه أبوزرعه الدمشقي في " تاريخه " ( 1 / 454 ) ومن طريقه : ابن حبان في " المجروحين " ( 2 / 248 ) وابن الجوزي في " الموضوعات " ( رقم : 19 ) وابن عساكر في " تاريخه " ( 53 / 77 ) ، وبنحوه أخرجه يعقوب بن سفيان في " المعرفه والتاريخ " ( 1 / 700 ) وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 3 / 1 / 263 ) والبرذعي في " أسئلته لأبي زرعه " ( 2 / 726 ) وابن عدي ( 7 / 317 ) وابن عساكر ، وإسناده جيد .(1/169)
رأي الزركشي في ذلك(1)
"قال : فِيمَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَهُوَ أَقْسَامٌ :
أَحَدُهَا : الْخَبَرُ الْمَعْلُومُ خِلَافُهُ ، إمَّا بِالضَّرُورَةِ كَالْإِخْبَارِ بِاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ أَوْ ارْتِفَاعِهِمَا ، أَوْ بِالِاسْتِدْلَالِ كَإِخْبَارِ الْفَيْلَسُوفِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ .
الثَّانِي : الْخَبَرُ الَّذِي لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا ، إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ أَمْرًا غَرِيبًا ، كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ عَنِ الْمِنْبَرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ : مِنْهَا : بُطْلَانُ النَّصِّ الَّذِي تَزْعُمُ الرَّوَافِضُ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، فَعَدَمُ تَوَاتُرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ.
قَالَ : إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ الثَّقِيفَةِ ، وَلَتَحَدَّثَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى مِغْزَلِهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يُخَالِفَ أَوْ يُوَافِقَ .
وَبِهَذَا الْمَسْلَكِ أَيْضًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الْقُرْآنَ قَدْ عُورِضَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ جَرَى لَمَا خَفِيَ ، وَالنَّصُّ الَّذِي تَزْعُمُ الْعِيسَوِيَّةُ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آخِرُ مَبْعُوثٍ ، وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْحُكْمِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ وَاقْتِضَائِهَا الِاشْتِهَارَ فِي ذَلِكَ ، وَالشِّيعَةُ تُخَالِفُ فِي ذَلِكَ ، وَيَقُولُونَ : يَجُوزُ أَنْ لَا يَشْتَهِرَ لِخَوْفٍ أَوْ فِتْنَةٍ ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ .
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا مَا قَدَحَ بِهِ الرَّوَافِضُ عَلَيْنَا ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي نَفْسِ حَجَّتِهِ اخْتِلَافًا لَمْ يَتَحَصَّلِ الْمُخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى يَقِينٍ ، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ .
هَلْ كَانَ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً ؟ وَكَذَا الْإِقَامَةُ فِي طُولِ عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَثْنِيَتِهَا وَإِفْرَادِهِ ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ فِيهِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ .
قُلْنَا : أَمْرُ الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْكُلِّ جَوَازُ الْكُلِّ لَمْ يَعْتَنُوا بِالتَّفْتِيشِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُلَقِّنُ الْخَلْقَ إضَافَةَ الْحَجِّ ، فَنَاقِلُ الْإِفْرَادِ سَمِعَهُ يُلَقِّنُ غَيْرَهُ ذَلِكَ ، وَنَاقِلُ التَّمَتُّعِ كَذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ فَتْحُ مَكَّةَ ، نُقِلَ أَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الْعَنْوَةِ وَالْقَهْرِ ، وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ .
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَحْكَامٍ جُزْئِيَّةٍ كَمُصَالَحَةٍ جَرَتْ عَلَى الْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَنْعُ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ أَوْ تَجْوِيزُهُ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : وَصُورَةُ دُخُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَسَلِّحًا بِالْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ وَبَذْلُهُ الْأَمَانَ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ(2)، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَاعْتَصَمَ بِالْكَعْبَةِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا بِأَنَّهُ وَدَى قَوْمًا قَتَلَهُمْ خَالِدٌ ، وَنَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَغَيْرُ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْوِيلُ .
وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَتَثْنِيَتُهَا وَإِفْرَادُهَا لَيْسَ مِنْ عَظَائِمِ الْعَزَائِمِ ، وَلَوْلَا اشْتِهَارُهَا بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ ، لَمْ تَعْلَمْ الْعَامَّةُ تَفْصِيلَهَا ، فَإِنَّهَا لَا تَهُمُّهُمْ ، وَالْعُصُورُ تَنَاسَخَتْ ، وَتَعَلَّقَتْ الْإِقَامَةُ بِالْبَدَلِ ، وَشَعَائِرُ الْمُلُوكِ ، وَلَا كَذَلِكَ أَمْرُ الْإِمَامَةِ ، فَإِنَّهَا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَتَتَعَلَّقُ بِعَزَائِمِ الْخُطُوبِ ، وَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُ دُثُورِهَا عَلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِالرَّسُولِ.
وَأَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ(3)فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ ، وَهُوَ لَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْحَلِيمِيِّ .
هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ(4)وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : إنَّمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ ؛ لِأَنَّهُ آيَةٌ لَيْلِيَّةٌ ، تَكُونُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ غَافِلُونَ ، وَإِنَّمَا يَرَى ذَلِكَ مَنْ نَاظَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قُرَيْشٍ ، وَصَرَفَ هِمَّتَهُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا انْشَقَّ مِنْهُ شُعْبَةٌ فِي مِثْلِ طَرَفِ الْقَمَرِ ، ثُمَّ رَجَعَ صَحِيحًا ، وَكَمْ مِنْ انْقِضَاضٍ وَرِيَاحٍ تَحْدُثُ بِاللَّيْلِ ، وَلَا يَشْعُرُ بِهَا أَحَدٌ ، فَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ ظَاهِرًا ، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى انْشِقَاقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) [القمر/1] } وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ اقْتِرَابِ انْشِقَاقِهِ ، لَوَجَبَ أَنْ يَقُولَ : وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ ، وَلَوَجَبَ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ الرَّسُولُ أَنَّ مِنَ الْآيَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ انْشِقَاقَهُ .ا هـ .
وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَقَدْ رَوَاهُ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَعَنْهُمْ خَلْقٌ كَمَا أَوْضَحْته فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُخْتَصَرِ " .
وَمِنْهَا : أَنَّ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ(5)؛ لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَذَلُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي إحْيَاءِ مَعَالِمِ الدِّينِ يَمْنَعُ تَقَدُّرَ دَرْسِهِ ، وَارْتِبَاطَ مَسَائِلِهِ بِلَا حَاجَةٍ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَسْمَلَةِ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ أَمْ لَا ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ دُرُوسُ رَسْمِهَا وَنَظْمِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ ؛ لِنَقْلِ كَوْنِهَا مِنَ السُّوَرِ كَبِيرُ أَثَرٍ فِي الدِّينِ بَعْدَ الِاهْتِمَامِ بِهِ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَمِنْهَا مَا نُقِلَ مُتَوَاتِرًا ، وَمِنْهَا مَا نُقِلَ آحَادًا مَعَ أَنَّهَا أَعَاجِيبُ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ ، وَكَذَا إذَا كَثُرَتْ الْمُعْجِزَاتُ ، وَكَثُرَتْ فِيهَا عُسْرَتُهُمْ مِثْلُ تَشَوُّقِهِمْ إلَى نَقْلِ آحَادِهَا ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ ، وَلَمْ يَهْتَمَّ عُثْمَانُ بِجَمْعِ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ ، وَحَرَصَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ ؟ قُلْنَا : لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ رُكْنَ الدِّينِ اسْتَوَتْ الْأُمَّةُ فِي الِاعْتِنَاءِ بِهِ ، فَلَمْ نُجِزْ أَنْ يُنْقَلَ بَعْضُهُ مُتَوَاتِرًا وَبَعْضُهُ آحَادًا مَعَ اسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمُعْجِزَاتِ ، فَإِنَّهُمْ اعْتَنَوْا بِنَقْلِ مَا يَبْقَى رَسْمُهُ أَبَدَ الدَّهْرِ ، وَقَدْ صَنَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابِ الِانْتِصَارِ " ، وَمَا أَعْجَبَهُ مِنْ كِتَابٍ ، فَقَدْ أَزَالَ بِهِ الْحَائِكَ عَنْ صُدُورِ الْمُرْتَابِينَ .
وَمِنْهَا : لَوْ غَصَّ الْمَجْلِسُ بِجَمْعٍ كَثِيرٍ ، وَنَقَلَ كُلُّهُمْ عَنْ صَاحِبِ الْمَجْلِسِ حَدِيثًا ، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَهُوَ ثِقَةٌ بِنَقْلِ زِيَادَةٍ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا تُرَدُّ ، وَإِلَّا لَنَقَلَهَا الْبَاقُونَ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، فَإِنَّ انْفِرَادَ بَعْضِ النَّقَلَةِ بِمَزِيدِ حِفْظٍ لَا يُنْكَرُ ، وَالْقَرَائِحُ وَالْفِطَنُ تَخْتَلِفُ ، وَلَيْسَتِ الرِّوَايَاتُ مِمَّا تَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ ، حَتَّى لَا يَشِذَّ شَيْءٌ مِنْهَا ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبَنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ رَدَّ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَسِّ الذَّكَرِ ، وَالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ ، وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " : وَإِنَّمَا قُبِلَتْ مِنَ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْإِخْبَارُ بِهَا بِحَضْرَةِ مَنْ يَجِبُ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى النَّقْلِ وَالْإِظْهَارِ لِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُلْقِيهِ إلَى الْآحَادِ .
الثَّالِثُ : مَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ فَتَّشَ عَنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي بُطُونِ الْكُتُبِ ، وَلَا فِي صُدُورِ الرُّوَاةِ ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَغَيْرُهُ(6)، وَغَايَتُهُ الظَّنُّ لَا الْقَطْعُ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : " بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ " عَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ حَيْثُ كَانَتِ الْأَخْبَارُ مُنْتَشِرَةً ، وَلَمْ تَعْتَنِ الرُّوَاةُ بِتَدْوِينِهَا
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَفِيمَا ذَكَرُوهُ نَظَرٌ عِنْدِي ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا جَمِيعَ الدَّفَاتِرِ وَجَمِيعَ الرُّوَاةِ ، فَالْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مُتَعَذِّرَةٌ مَعَ انْتِشَارِ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَكْثَرَ مِنَ الدَّفَاتِرِ وَالرُّوَاةُ فَهَذَا لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ الْعُرْفِيَّ ، وَلَا يُفِيدُ الْقَطْعَ .
الرَّابِعُ : خَبَرُ مُدَّعِي الرِّسَالَةَ مِنْ غَيْرِ مُعْجِزَةٍ ، نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ : وَعِنْدِي فِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَأَقُولُ : إنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَلْقَ كُلِّفُوا مُتَابَعَتَهُ وَتَصْدِيقَهُ مِنْ غَيْرِ آيَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ ، فَإِنْ قَالَ : مَا أُكَلِّفُ الْخَلْقَ اتِّبَاعِي ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إلَيَّ ، فَلَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ .اهـ
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا قَبْلَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَنَقْطَعُ بِكَذِبِهِ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ .(7)
الْخَامِسُ : كُلُّ خَبَرٍ أَوْهَمَ بَاطِلًا وَلَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ ، إمَّا لِمُعَارَضَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَوِ الْقَطْعِيِّ النَّقْلِيِّ ، وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ - مُمْتَنِعٌ صُدُورُهُ عَنْهُ قَطْعًا ، كَأَخْبَارٍ رَوَتْهَا الزَّنَادِقَةُ تُخَالِفُ الْقَطْعَ قَصْدًا لِشَيْنِ الدِّينِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُنَافِرُ أَهْلَ الْحَدِيثِ ، كَحَدِيثِ : عَرَقِ الْخَيْلِ .
وَسَبَبُ الْوَضْعِ إمَّا نِسْيَانُ الرَّاوِي لِطُولِ عَهْدِهِ بِالْخَبَرِ الْمَسْمُوعِ ، وَإِمَّا غَلَطُهُ بِأَنْ أَرَادَ النُّطْقَ بِلَفْظٍ فَسَبَقَ ؛ لِسَانُهُ إلَى سِوَاهُ ، أَوْ وَضَعَ لَفْظًا مَكَانَ آخَرَ ظَانًّا أَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ ، وَإِمَّا افْتِرَاءُ الزَّنَادِقَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ الْوَاضِعِينَ أَحَادِيثَ تُخَالِفُ الْعُقُولَ تَنْفِيرًا عَنِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ .
السَّادِسُ : بَعْضُ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِطَرِيقِ الْآحَادِ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( سَيَكْذِبُ عَلَيَّ ) فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَزِمَ وُقُوعُ الْكَذِبِ ضَرُورَةً ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مَعَ كَوْنِهِ رُوِيَ عَنْهُ فَقَدْ حَصَلَ الْكَذِبُ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ ضَرُورَةً .(8)اهـ
وفي حاشية العطار(9):
" ( وَكُلُّ خَبَرٍ ) عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - ( أَوْهَمَ بَاطِلًا ) أَيْ أَوْقَعَهُ فِي الْوَهْمِ أَيِ الذِّهْنِ ( وَلَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ فَمَكْذُوبٌ ) عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعِصْمَتِهِ عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ ( أَوْ نَقَصَ مِنْهُ ) مِنْ جِهَةِ رَاوِيهِ ( مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ ) الْحَاصِلَ بِالنَّقْصِ مِنْهُ ، مِنَ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نَفْسَهُ(10)فَإِنَّهُ يُوهِمُ حُدُوثَهُ ، أَيْ يُوقِعَ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ ذَلِكَ ، وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنِ الْحُدُوثِ .
وَمِنَ الثَّانِي مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ(11)عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِى آخِرِ حَيَاتِهِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : « أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ » . فَوَهِلَ النَّاسُ فِى مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ » يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ .
قَوْلُهُ : فَوَهَلَ النَّاسُ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا فِي فَهْمِ الْمُرَادِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوا لَفْظَةَ الْيَوْمِ ، وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ لَمَا رَجَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تَأْتِى مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ ».(12)
وَحَدِيثُ سَالِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَبْلُغُ مِائَةَ سَنَةٍ ». فَقَالَ سَالِمٌ تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَهُ إِنَّمَا هِىَ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ يَوْمَئِذٍ.(13)رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ « مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِى عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهْىَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ »(14). وَقَوْلُهُ مَنْفُوسَةٌ أَيْ مَوْلُودَةٌ احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ ( وَسَبَبُ الْوَضْعِ ) لِلْغَيْرِ بِأَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ( نِسْيَانٌ ) مِنَ الرَّاوِيِّ لِمَا رَوَاهُ فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ ظَانًّا أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ ( أَوْ افْتِرَاءً ) عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ أَحَادِيثَ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ ( غَلَطٌ ) مِنَ الرَّاوِيِّ بِأَنْ يَسْبِقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا رَوَاهُ أَوْ يَضَعَ مَكَانَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ ( أَوْ غَيْرَهَا ) كَمَا فِي وَضْعِ بَعْضِهِمْ أَحَادِيثَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّرْهِيبِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ( وَمِنَ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خَبَرُ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ ) أَيْ قَوْلِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ ( بِلَا مُعْجِزَةٍ أَوْ ) بِلَا ( تَصْدِيقِ الصَّادِقِ ) لَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ عَنِ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِكَذِبِ مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُهَا بِلَا دَلِيلٍ ، وَقِيلَ : لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ، أَمَّا مُدَّعِي النُّبُوَّةِ أَيْ الْإِيحَاءِ إلَيْهِ فَقَطْ، فَلَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ( وَمَا نُقِّبَ ) أَيْ فُتِّشَ ( عَنْهُ ) مِنَ الْحَدِيثِ ( وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَهْلِهِ ) مِنَ الرُّوَاةِ مِنَ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِكَذِبِ نَاقِلِهِ ، وَقِيلَ : لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَ نَاقِلِهِ ، وَهَذَا مَفْرُوضٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ ،أَمَّا قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا كَمَا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ أَحَدُهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ( وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ) مِنَ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : سَيُكْذَبُ عَلَيَّ(15)فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ ، وَإِلَّا فِيهِ كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ ( وَالْمَنْقُولُ آحَادٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ) تَوَاتُرًا كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ عَنِ الْمِنْبَرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنَ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ ( خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ، وَقَدْ قَالُوا بِصِدْقِ مَا رَوَاهُ مِنْهُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوُ " أَنْتَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي " مُشَبِّهِينَ لَهُ بِمَا يَتَوَاتَرُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ كَحَنِينِ الْجِذْعِ وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَى ، قُلْنَا: هَذِهِ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً وَاسْتَغْنَى عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَى الْآنِ بِتَوَاتُرِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ مَا يُذْكَرُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ ،فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَلَوْ كَانَ مَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ(16)أَيْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ ، وَهِيَ صُفَّةٌ مُظَلَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ لَهُمْ ، ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . "(17)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - البحر المحيط - (ج 3 / ص 315) فما بعدها
(2) - صحيح مسلم (4722)
(3) - صحيح البخارى(3637) ومسلم (7254-7257) وهو متواتر
(4) - انظر البرهان 1/592.
(5) - انظر مختصر ابن الحاجب 2/21.
(6) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 188) وغاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 89) والإبهاج في شرح المنهاج - (ج 3 / ص 431) ونهاية السول شرح منهاج الوصول - (ج 2 / ص 38)
(7) - لقوله تعالى : مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) [الأحزاب/40، 41]
(8) - قلت : لم أجده في هذا اللفظ انظر المحصول - (ج 4 / ص 300) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 8) وفواتح الرحموت - (ج 2 / ص 121) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 223)
(9) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 187)
(10) - مر تخريجه
(11) - صحيح البخارى (601 ) ومسلم (6642 )
وهل : ذهب وهمه إلى غير الصواب وقيل غلط ونسى
(12) - صحيح مسلم (6649 )
(13) - صحيح مسلم(6650 )
(14) - صحيح مسلم (6646 )
(15) - مر تخريجه
(16) - انظر تفاصيلها في صحيح البخارى (3668 )
(17) - قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذه السنن يصدق بعضها بعضا ، وتدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر رضي الله عنه بأن يصلي بالناس في حياته إذا لم يحضر ، وفي مرضه إذا لم يقدر ، وقوله لما تقدم عمر رضي الله عنه فقال : » لا ، يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر « دليل على أنه لم يكن أفضل منه ، وعلى أنه الخليفة من بعده ، وكذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الخليفة الرابع وقد ذكر أبا بكر وشرفه وفضله وقال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فصلى بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا .الشريعة للآجري - (ج 3 / ص 427)(1/170)
6- دواعي الوضع وأصنافُ الوضاعين(1):
-التقرب إلى الله تعالى : والواضعون أقْسَام بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع أعظمهم ضَررًا قومٌ يُنسبون إلى الزُّهد وضعوهُ حِسْبة أي: احتسابًا للأجر عند الله في زَعْمهم الفاسد فقُبلت موضوعاتهم ثقة بهم وركونًا إليهم, لِمَا نُسبُوا إليه من الزُّهد والصَّلاح.
ولهذا قال يحيى القَطَّان: ما رأيتُ الكذب في أحد أكثرَ منه فيمن يُنسب إلى الخير. أي: لعدم علمهم بتفرقة ما يجُوز لهم وما يمتنع عليهم, أو لأنَّ عندهم حُسن ظن وسلامة صدر, فيحملون ما سمعُوهُ على الصِّدق, ولا يهتدُون لتمييز الخَطَأ من الصَّواب, لكن الواضعُونَ منهم, وإن خفي حالهم على كثير من النَّاس, فإنَّه لم يخف على جهابذة الحديث ونُقَّاده.
وقد قيل لابن المُبَارك(649): هذه الأحاديث الموضُوعة؟ فقال: يعيش لهَا الجَهَابذة { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
ومن أمثلة ما وُضع حِسْبة ما رواهُ الحاكم بِسَنده إلى أبي عَمَّار المَرْزوي, أنَّه قيلَ لأبي عِصْمة نُوح بن أبي مَرْيم(2): من أينَ لكَ: عن عِكْرمة, عن ابن عبَّاس في فضائل القرآن سُورة سُورة, وليسَ عندَ أصحاب عِكْرمة هذا؟ فقال: إنِّي رأيتُ النَّاس قد أعرضُوا عن القُرآن واشتغلُوا بفقه أبي حنيفة ومَغَازي ابن إسْحَاق, فوضعتُ هذا الحديث حِسْبة.(3)
وكان يُقَال لأبي عِصْمة هذا: نُوحٌ الجَامع, قال ابن حبَّان: جمعَ كل شيء إلاَّ الصِّدق.
وروى ابن حبَّان في «الضعفاء»(4)عن ابن مهدي قال: قلتُ لميسرة بن عبد ربِّه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال وضعتها أُرغِّبُ النَّاس فيها. وكان غُلامًا جليلاً يتزهَّد, ويَهْجُر شهوات الدُّنيا, وغُلِّقت أسواقُ بغداد لموته, ومع ذلك كان يضع الحديث, وقيل له عند موته: حسن ظنَّك؟ قال: كيف لا, وقد وضعتُ في فَضْلِ عليِّ سبعينَ حديثًا.(5)
وكان أبو داود النَّخعي(6)أطْول النَّاس قيامًا بليل, وأكثرهم صيامًا بنهار, وكان يضع.
قال ابن حبَّان(7): وكان أبو بِشْر أحمد بن مُحمَّد الفقيه المَرْزوي من أصلب أهل زَمَانه في السُّنة وأذَّبهم عنهَا, وأقْمعهُم لمن خالفهَا, وكان يضع الحديث.
وقال ابن عَدي(8): كان وهب بن حفص من الصَّالحين مَكثَ عِشْرينَ سنةً لا يُكلِّمُ أحدًا, وكان يكذب كذبًا فاحشًا.
وجوَّزت الكرامية وهم قومٌ من المُبتدعة, نُسِبُوا إلى محمَّد بن كَرَّام السِّجستاني(9)المُتكلِّم - بتشديد الرَّاء في الأشهر - الوضع في التَّرغيب والتَّرهيب دون ما يتعلَّق به حُكم من الثَّواب والعِقَاب, ترغيبًا للنَّاس في الطَّاعة, وترهيبًا لهم عن المعصية.
واستدلُّوا بما رُوي في بعض طُرق الحديث: «من كَذبَ عليَّ متعمدًا ليضل به النَّاس فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(10).
وحمل بعضهم حديث: «من كذبَ عليَّ...» أي: قال إنَّه شاعر أو مجنون.
وقال بعضهم: إنَّما نكذبُ له لا عليه.
وقال محمَّد بن سعيد المَصْلُوب الكذَّاب الوضَّاع(11): لا بأس إذَا كان كلام حسن أن يضعَ لهُ إسنادًا.(12)
وقال بعض أهل الرَّأي فيما حكاهُ القُرْطبي: ما وافقَ القِيَاس الجلي جازَ أن يُعزى إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهو خِلافُ إجْمَاع المُسْلمين الَّذين يُعتدُّ بهم, ووضَعت الزَّنادقة جُملاً, فبيَّن جَهابذة الحديث أمرَهَا, ولله الحمدُ.
قال المُصنَّف زيادة على ابن الصَّلاح: وهو وما أشبه خلاف إجماع المُسلمين, الذين يعتد بهم، بل بالغ الشَّيخ أبو محمَّد الجُويني فجزم بتكفير واضع الحديث.اهـ
ووضعت الزَّنادقة جُملا من الأحاديث يُفسدون بها الدِّين فبيَّن جَهابذة الحديث أي: نُقَّاده بفتح الجيم, جمع جهبذ بالكسر, وآخره معجمة أمرها ولله الحمد .
روى العُقيلي بسندهِ إلى حمَّاد بن زيد قال: وضَعَت الزَّنادقة على رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألف حديث.(13)
منهم: عبد الكريم بن أبي العَوْجَاء الَّذي قُتلَ وصُلب في زمن المَهْدي, قال ابن عَدِي: لمَّا أُخذ ليُضْرب عُنقه قال: وضعتُ فيكُم أربعة آلاف حديث, أحرِّم فيها الحلال, وأحلِّل الحرام(14).
وكبيان بن سمعان النَّهدي الَّذي قتلهُ خالد القَسْري وأحرقهُ بالنَّار.(15)
قال الحاكم: وكمحمَّد بن سعيد الشَّامي, المَصْلُوب في الزَّندقة, فروى عن حميد, عن أنس مرفوعًا: أنَا خاتم النَّبيين لا نبي بعدي إلاَّ أن يشاء الله(16). وضع هذا الاستثناء لمَا كانَ يدعُو إليه من الإلحاد والزَّندقة, والدَّعوة إلى التنبي.
وهذا القسم مُقابل القسم الأوَّل من أقسام الوضَّاعين, زادهُ المُصنِّف على ابن الصَّلاح.
- الانتصارُ للمذهب :
" ومنهم قسمٌ يضعُون انتصارًا لمَذْهبهم, كالخطَّابية, والرَّافضة, وقومٌ من السَّالمية.
روى ابن حبان في «الضعفاء»(17)بسنده إلى عبد الله بن يزيد المُقرىء: أنَّ رجلا من أهل البِدَع رجع عن بدعته, فجعل يقول: انظرُوا هذا الحديث عمَّن تأخذونهُ, فإنَّا كُنَّا إذا رأينا رأيًا جعلنا له حديثًا.
ورَوَى الخطيب بسندهِ عن حمَّاد بن سلمة قال: أخْبَرني شيخٌ من الرَّافضة أنَّهم كانوا يَجْتمعُون على وضْعِ الأحاديث.
وقال الحاكم: كان مُحمَّد بن القاسم الطايكاني من رؤوس المُرجئة, وكان يضع الحديث على مَذْهبهم.(18)
ثمَّ روى بسندهِ عن المَحَاملي قال: سمعتُ أبا العَيْنَاء(19)يقول: أنا والجاحظ وضعنَا حديث فَدَك, وأدخلناهُ على الشيوخ ببغداد فقبلُوه إلاَّ ابن أبي شيبة العلوي, فإنَّه قال: لا يُشبهُ آخر هذا الحديث أوَّله, وأبى أن يقبلهُ.
التَّزَلُّفُ إلى الحكام :
وقِسْمٌ تقرَّبوا لبعض الخُلفاء والأُمراء بوضع ما يُوافق فِعْلهم وآراءهم, كغِيَاث بن إبراهيم, حيثُ وضع للمهدي في حديث: «لا سَبْق إلاَّ في نَصْلٍ أو خُفِّ أو حَافرٍ»(20)فزادَ فيه: أو جناح. وكان المهدي إذ ذاكَ يلعبُ بالحَمَام, فتركهَا بعد ذلك وأمر بذبحها وقال: أنَا حملتهُ على ذلكَ, وذكرَ أنَّه لمَّا قام قال: أشهدُ أن قفاكَ قفا كذاب. أسندهُ الحاكم(21).
وأسند عن هارون بن أبي عُبيد الله, عن أبيه قال: قال المَهْدي ألاَّ ترى ما يَقُول لي مُقَاتل؟ قال: إن شئتَ وضعت لكَ أحاديث في العبَّاس؟ قلتُ: لا حَاجة لي فيها.(22)
-التكسُّب بذلك :
"وضربٌ كانُوا يتكسَّبُون بذلكَ ويرتزقُون به في قصصهم, كأبي سعيد المَدَائني.(23)
-وضربٌ امتُحنُوا بأولادهم, أو ربائب, أو ورَّاقين, فوضعوا لهم أحاديث, ودَسُّوها عليهم, فحدَّثُوا بها من غير أن يَشْعرُوا, كعبد الله بن محمَّد بن ربيعة القدامي(24), وكحمَّاد بن سلمة ابْتُلى بربيبه ابن أبي العَوْجَاء فكان يَدُس في كُتبه(25)اهـ
قلتُ : هذا الخبر عن حماد غير صحيح
قال الحافظ ابن حجر(26):
" وقال الدولابي ثنا محمد بن شجاع البلخي حدثني ابراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي(27)قال كان حماد بن سلمة لا يعترف بهذه الاحاديث التي في الصفات حتى خرج مرة إلى عبادان فجاء وهو يرويها فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حمادا كان لا يحفظ وكانوا يقولون إنها دست في كتبه وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه.
قرأت بخط الذهبي ابن البلخي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقد اتهم.
قلت: وعباد أيضا ليس بشئ ،وقد قال أبو داود: لم يكن لحماد بن سلمة كتاب غير كتاب قيس بن سعد يعني كان يحفظ علمه.
وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه ضاع كتاب حماد عن قيس بن سعد وكان يحدثهم من حفظه، وأورد له ابن عدي في الكامل عدة أحاديث مما ينفرد به متنا أو إسنادا قال وحماد من أجلة المسلمين وهو مفتي البصرة وقد حدث عنه من هو أكبر منه سنا وله أحاديث كثيرة وأصناف كثيرة ومشائخ ،وهو كما قال ابن المديني من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين ،وقال الساجي : كان حافظا ثقة مأمونا ،وقال ابن سعد :كان ثقة كثير الحديث وربما حدث بالحديث المنكر ،وقال العجلي: ثقة رجل صالح حسن الحديث ،وقال إن عنده ألف حديث حسن ليس عند غيره. " اهـ
وكمَعْمر, كان له ابن أخ رافضي, فدسَّ في كُتبه حديثًا عن الزُّهْري, عن عُبيد الله بن عبد الله, عن ابن عبَّاس قال: نَظَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علي فقال: أنتَ سيِّدٌ في الدُّنيا سيِّدٌ في الآخرة, ومن أحبَّكَ فقد أحبَّني, وحبيبي حبيبُ الله, وعدوكَ عدوي, وعدوي عدو الله, والويل لمن أبغضكَ بعدي . فحدَّث به عبد الرزاق, عن مَعْمر, وهو باطل موضوع كما قالهُ ابن معين.
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 16)
(2) - نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم مشهور بكنيته ويعرف بالجامع لجمعه العلوم لكن كذبوه في الحديث وقال بن المبارك كان يضع من السابعة مات سنة ثلاث وسبعين ت فق .تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 567 ](7210 )
(3) - قال حدثنا محمود بن غيلان قال سمعت المؤمل ذكر عنده الحديث الذى يروى عن أبى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل القرآن، فقال حدثنى رجل ثقة سماه، قال حدثنى رجل ثقة سماه قال أتيت المدائن فلقيت الرجل الذى يروى هذا الحديث، فقلت له حدثنى فإنى أريد أن آتى البصرة، فقال هذا الرجل الذى سمعته منه بواسط، فأتيت واسط فلقيت الشيخ، فقلت إنى كنت بالمدائن فدلني عليك الشيخ، إنى أريد أن آتى البصرة، فقال إن هذا الشيخ الذى سمعته منه هو بالكلا، فأتيت البصرة فلقيت الشيخ بالكلا، فقلت له حدثنى فإنى أريد عبادان، فقال إن الشيخ الذى سمعناه منه بعبادان، فأتيت عبادان فلقيت الشيخ فقلت اتق الله ما حال هذا الحديث الذى أتيت المدائن وقصصت عليه ثم واسطا ثم البصرة فدللت عليك فأخبرني بقصة هذا الحديث، فقال: إنا اجتمعنا فرأينا الناس قد رغبوا عن القرآن وزهدوا فيه وأخذوا في هذه الاحاديث، فقعدنا فوضعنا لهم هذه الفضائل حتى يرغبوا فيه.الموضوعات - (ج 1 / ص 242)
(4) - انظر قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 118) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 219)
(5) - وفي لسان الميزان [ ج 6 - ص 138 ] برقم ( 480 ) ميسرة بن عبد ربه الفارسي ثم البصري التراس الاكال قال بن أبي حاتم ميسره بن عبد ربه هو التراس روى عن ليث بن أبي سليم وابن جريج وموسى بن عبيدة والأوزاعي وعنه شعيب بن حرب ويحيى بن غيلان وداود بن المحبر وجماعة قال محمد بن عيسى بن الطباع قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا كان له كذا قال وضعته ارغب الناس قال بن حبان كان ممن يروى الموضوعات عن الاثبات ويضع الحديث وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل وقال أبو داود أقر بوضع الحديث وقال الدارقطني متروك وقال أبو حاتم كان يفتعل الحديث روى في فضل قزوين والثغور وقال أبو زرعة وضع في فضل قزوين أربعين حديثا وكان يقول انى احتسب في ذلك وقال البخاري ميسرة بن عبد ربه يرمى بالكذب داود بن المحبر حدثنا ميسرة بن عبد ربه عن موسى بن عبيدة عن الزهرى عن أنس رضي الله عنه مرفوعا من كانت له سجية من عقل وغريزة يقين لم تضره ذنوبه قيل وكيف ذاك يا رسول الله قال لأنه كلما أخطأ لم يلبث ان يتوب وقال بن حبان روى ميسرة عن عمر بن سليمان الدمشقي عن الضحاك عن بن عباس رضي الله عنهما مرفوعا لما أسرى بي الى السماء الدنيا رأيت فيها ديكا له زغب اخضر وريش أبيض ورجلاه في التخوم ورأسه عند العرش وذكر حديثا طويلا في المعراج نحو عشرين ورقة رواه حميد بن زنجويه عن محمد بن أبي خداش الموصلي عن معلى بن قتيبة عن ميسرة بن عبد ربه فذكره واما الاكال فان كان بن عبد ربه المذكور فيروى عن غلام خليل وهو متهم حدثنا زيد بن أرقم ثنا مسلم بن إبراهيم قال قلت لميسرة التراس أيش اكلت اليوم قال أربعة آلاف تينة ومائة رغيف وقوصرتين بصل ومسلوخ ونصف جرة سمن فما ابقوا شيئا حتى خبأوه منى وقال الأصمعي قال لي الرشيد كم أكثر شيء أكله ميسرة قلت مائة رغيف ونصف مكوك ملح فدعا بفيل فطرح له مائة رغيف فاكلها الا رغيفا وذكرت بإسناد في تاريخى الكبير ان بعض المجان انزلوه عن حماره ثم ذبحوه وشووه واطعموه إياه على أنه كبش ثم جمعوا له ثمن الحمار وقال الأصمعي نذرت امرأة ان تشبع ميسرة فاتته وقالت اقتصد فكان الذي اشبعه كفاية سبعين نفسا وقيل انه ان يزوق السقوف فطلبه رجل يزوق داره ثم دعا الرجل ثلاثين رجلا وصنع لهم طبائخ فلما فرغ الطباخ خرج لحاجة فرأى ميسرة خلوة فنزل فاكل الطعام جميعه وعاد الى عمله فجاء الطباخ وليس في المطبخ سوى العظام فاعلم صاحب الدار وقد حضر الناس فحار ولم يدر من أين اتى وأنكره القوم فصدقهم فنهضوا وعاينوا العظام فتحيروا وقيل هذا من فعل الجن فلمح رجل منهم ميسرة وكان يعرفه فقال وعندك ميسرة هو الدي افنى طعامك فانزلوه فاعترف وقال لو كان لي مثله لاكلته فان شئتم فجربوا وقال الدينوري في المجالسة حدثنا بن ديزيل ثنا مسلم بن إبراهيم قال سمعتهم يقولون لميسرة الاكول كم تأكل قال من مالي أو من مال الغير قالوا من مالك قال رغيفين قيل فمن مال غيرك قال اخبز واطرح انتهى والذي يتبادر الى ذهنى ان الاكال غيره فان بن عبد ربه قد وصفه جماعة بالزهد وضعفوه واما الاكال فكان ما جنا قال النسائي في التمييز ميسرة بن عبد ربه كذاب وقال الخطيب روى عنه شعيب بن حرب خطبة الوداع وداود بن المحبر أحاديث باطلة في كتاب العقل وذكره العقيلي في الضعفاء وذكره له حديث من كانت له سجية من عقل قال وروى داود بن المحبر أحاديث العقل وقال الحاكم يروى عن قوم من المجهولين الموضوعات وهو ساقط وقال أبو نعيم يروى الأباطيل وقال مسلمة بن قاسم كذاب روى أحاديث منكرة وكان ينتحل الزهد والعبادة فإذا جاء الحديث جاء شيء آخر
(6) - سليمان بن عمرو النخعي وهو بن عمرو بن عبد الله بن وهب النخعي أبو داود كوفى روى عن أبى حازم وأبى الحوثرة سمعت أبى يقول ذلك نا أبى قال سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول عن شريك انه قال ما لقينا من بن عم لنا سليمان بن عمرو النخعي من كثرة ما يكذب في الحديث انا عبد الله بن احمد بن حنبل فيما كتب الى قال سمعت أبى يقول أبو داود سليمان بن عمرو النخعي كذاب حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن حمويه بن حسن قال سمعت أبا طالب قال قلت لأحمد بن حنبل أبو داود النخعي قال كان يضع الأحاديث الكاذبة كان يرفع عن عثمان بن الأسود أحاديث يسندها ما سمعت بها من أحد وكان يروى عن يزيد بن أبى حبيب فقال له رجل أين سمعت من يزيد بن أبى حبيب فقال له اترانى أقول حدثني ولا اكون أعددت له جوابا رأيته بالباب والأبواب قال احمد ويزيد بن أبى حبيب أي شيء كان يصنع بالباب والأبواب حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين انه قال أبو داود النخعي ليس بشيء يكذب يضع الحديث حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول كان في النخع شيخان ضعيفان يضعان الحديث ويفتعلان أحدهما سليمان بن عمرو النخعي وهو ذاهب الحديث متروك الحديث كان كذابا وامتنع من قراءة حديثه حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن سليمان بن عمرو فقال كان اية وذكر عنه أشياء منكرة وغلظ القول فيه جدا .الجرح والتعديل[ ج 4 - ص 132 ] (576 )
(7) - أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب بن بشر بن فضالة أبو بشر المروزي الفقيه قال بن حبان كان ممن يضع المتون ويقلب الأسانيد فاستحق الترك ولعله قد قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث ثم ساق له بن حبان نيفا وثلاثين حديثا مقلوبة الأسانيد وقال الدارقطني كان يضع الحديث وفي طبقات الحفاظ للذهبي اختصار الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي الحنبلي عن الدارقطني كان يضع الحديث عن أبيه عن جده وعن غيرهم وقال أبو سعد الإدريسي منكر الحديث يضع الحديث على الثقات قال وسمعت أبا عبد الله محمد بن أبي سعيد الحافظ يقول كان أبو بشر المروزي يضع الحديث .الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 55 ] (90 )
(8) - الموضوعات - (ج 1 / ص 41) واللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 390)
(9) - محمد بن كرام السجستاني العابد المتكلم شيخ الكرامية ساقط الحديث على بدعته أكثر عن حميد والجويباري ومحمد بن تميم السعدي وكان كذابين .. لسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 5 / ص 112)[ 1158 ]
(10) - أخرجه البزار في مسنده (1876) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ طَلْحَةَ إِلاَّ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ يُونُسَ ، عَنِ الأَعْمَشِ مُرْسَلا.
قلت : المرسل أخرجه مسدد كما في اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 1 / ص 53)[311] قال مسدد: وثنا فضيل، عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كذب عليَّ متعمدًا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار". وإسنادهما صحيح
انظر الموضوعات - (ج 1 / ص 97) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 13) والاتحاف 1/246 والفتح 1/200 ومشكل الآثار للطحاوي (363)
(11) - محمد بن سعيد المصلوب شامي هالك عن مكحول ونحوه وعنه أبو معاوية وأبو بكر بن عياش كذبه النسائي وقال البخاري ترك حديثه ت ق .الكاشف[ ج 2 - ص 174 ] (4871 )
(12) - المجروحين لابن حبان 2/248 وتهذيب الكمال 25/266
(13) - الموضوعات - (ج 1 / ص 9) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 11) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 191) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 242) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 446) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 851) وأخرجه العقيلي في " الضعفاء " ( 1 / 14 ) والخطيب في " الكفاية " ( ص : 604 )
(14) - عبد الكريم بن أبي العوجاء خال معن بن زائدة زنديق مغتر قال بن عدي لما أخذ ليضرب عنقه قال وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام قتله الأمير محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة .الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 172 ](458 )
(15) - بيان الزنديق: قال ابن نمير: قتله خالد بن عبد الله القسري وأحرقه بالنار. قلت: هذا بيان بن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المائة وقال بإلاهية علي وأن فيه جزءاً إلهياً متحداً بناسوته ثم من بعده في ابنه محمد ابن الحنفية ثم في أبي هاشم ولد ابن الحنفية ثم من بعده في بيان هذا وكتب بيان كتاباً إلى أبي جعفر الباقر يدعوه إلى نفسه وأنه نبي وكتابنا هذا ليس موضوعاً لهذا الضرب إذ لم يرو شيئاً وإنما أطرده بهذا لظرفه.لسان الميزان - (ج 1 / ص 234) وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 357)(1335)
(16) - الموضوعات - (ج 1 / ص 279) واللآلي المصنوعة - (ج 1 / ص 243) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 321) وكشف الأسرار - (ج 4 / ص 425) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 851)
(17) - المجروحين 1/82
(18) - المجروحين[ ج 2 - ص 311 ] (1021)
(19) - أبو العيناء ذكر بن الجوزي في خطبة الموضوعات بإسناده عن المحاملي قال سمعت أبا العيناء يقول أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا بن شبة العلوي إلى آخر كلامه وفيه قال إسماعيل يعني بن محمد النحوي الراوي فيه عن المحاملي وكان أبو العيناء يحدث بهذا يعني يعترف بعدما تاب انتهى فلا ينبغي أن يذكر معهم لأن التوبة تجب ما قبلها .الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 289 ] (876 )
(20) - سنن الترمذى (1801 ) وسنن النسائى(3600 ) وهو حديث صحيح
(21) - الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للكهنوي - (ج 1 / ص 16) واللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 390) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 15) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 113) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 243) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 221)
(22) - تهذيب التهذيب - (ج 10 / ص 252)
(23) - الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - (ج 1 / ص 120)
(24) - عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي بضم القاف وتخفيف الدال كما تقدم في الديباجة نسبة إلى جده الأعلى المصيصي ذكره شيخنا الحافظ العراقي في شرح ألفيته في علوم الحديث فيما قرأ قرأته عليه غير مرة في الضرب الذين امتحنوا بأولادهم أو وراقين فوضعوا لهم أحاديث ودسوها فحدثوا من غير أن يشعروا انتهى وهذا الضرب لا ينبغي أن يذكروا مع هؤلاء لأنهم لا علم لهم ولا يقال للواحد منهم وضاع لأنه لم يضع شيئا الا أنه ليس بعمدة وأن كان عدلا لأنه قبل التلقين وقد ذكر هذا الرجل الذهبي فقال أحد الضعفاء عن مالك بمصائب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده فذكر حديثا في تقدم أبي بكر في الصلاة على فاطمة فتقدم أبو بكر وكبر أربعا وذكر له حديثا آخر عن بن عباس في فضل الحج ماشيا وحسنات الحرم قال الذهبي ضعفه بن عدي وغيره على أن القدماء ما رأيتهم ذكروه انتهى فهذا لم يذكره الذهبي بالوضع وكأنه لم ير كلام من نقل شيخنا كلامه فيه أو أنه رآه ولم يعده وضعا ولا شك أنه غير مأثور عليه أو أنه لم يعلم به وإلا هو حجة والله أعلم .الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 157 ] (404 ) ولسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 3 / ص 106)[ 1382 ]
(25) - تذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 7) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 11) والموضوعات لابن الجوزي 1/100 وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 75)
(26) - تهذيب التهذيب - (ج 3 / ص 13) وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 593)
(27) - إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال ابن عدي روى عن الثقات مناكير يمكن أن تكون من الراوي عنه يروى عن جعفر بن سليمان وطائفة.روى عنه فضل بن سهل الاعرج ، وأبو أمية الطرسوسي واسحق بن سيار النصيبي ( الجرح التعديل 2/112 ) وجرح الرواة وتعديلهم - (ج 14 / ص 1)(1/171)
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ المُذَكِّرُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: (أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ حَبِيْبِي، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ، فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي).
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ بِهِ ابْنُ الأَزْهَرِ بِبَغْدَادَ فِي حَيَاةِ أَحْمَدَ وَابْنِ المَدِيْنِيِّ وَابْنِ مَعِيْنٍ، فَأَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ، حَتَّى تَبَيَّنَ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ أَبَا الأَزْهَرِ برِيءُ السَّاحَةِ مِنْهُ، فَإِنَّ محلَّهُ مَحَلَّ الصَّادِقينَ.
وَقَدْ تُوبِعَ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُفْيَانَ النَّجَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ فذكرَهُ.
وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا حَدَّثَ أَبُو الأَزْهَرِ بِحَدِيْثِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي الفَضَائِلِ، أُخْبِرَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ بِذَلِكَ، فَبينَا هُوَ عِنْدَ يَحْيَى فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ الحَدِيْثِ، إِذْ قَالَ يَحْيَى: مَنْ هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا.فتبسَّمَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّك لَسْتَ بكذَّابٍ، وَتعجَّبَ مِنْ سَلاَمَتِهِ، وَقَالَ: الذنْبُ لِغَيرِكَ فِيْهِ.
وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي فضلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ بَاطِلٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَالسَّبَبُ فِيْهِ أَن مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافضيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرُ يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدْخَلَ هَذَا عَلَيْهِ.
وَكَانَ مَعْمَرُ رَجُلاً مَهِيْباً لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي السُّؤَالِ وَالمرَاجعَةِ، فسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ.
قُلْتُ: وَلِتَشَيُّعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سُرَّ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَهُ، وَمَا رَاجَعَ مَعْمَراً فِيْهِ، وَلَكِنَّهُ مَا جَسَرَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ لِمِثْلِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِيْنٍ وَعلِيٍّ، بَلْ وَلاَ خَرَّجَهُ فِي تَصَانِيْفِهِ، وَحدَّثَ بِهِ وَهُوَ خَائِفٌ يترقَّبُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ، سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ عبدَانَ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَبكَّرْتُ إِلَيْهِ يَوْماً، حَتَّى خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ البُكورِ.قَالَ: فوصلْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يخرجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ.فَلَمَّا خَرَجَ، رَآنِي، فَقَالَ: كُنْتَ البَارِحَةَ هَا هُنَا؟
قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنِّي خَرَجتُ فِي اللَّيْلِ، فَأَعجَبَهُ ذَلِكَ.فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ، دعَانِي، وَقَرَأَ عليَّ هَذَا الحَدِيْثَ، وَخَصَّنِي بِهِ دُوْنَ أَصْحَابِي(1)
-وضربٌ يلجأون إلى إقامة دليل على ما أفتُوا به بآرائهم, فيضعون, وقيل: إنَّ الحافظ أبا الخطَّاب بن دحية كان يفعل ذلك, وكأنَّه الَّذي وضع الحديث في قصر المغرب.(2)
-وضربٌ يَقْلبونَ سند الحديث ليُسْتغرب, فيُرغب في سماعه منهم, كابن أبي حيَّة,(3)وحَمَّاد النَّصيبي(4), والبهلُول بن عُبيد(5), وأصْرم بن حوشب.(6)
-وضربٌ دعتهم حاجة إليه فوضعُوه في الوقت كما تقدَّم عن سعد بن طريف, ومحمَّد بن عُكاشة, ومأمون الهروي.
قال النَّسائي : الكذَّابون المعروفُون بوضع الأحاديث أربعة: ابن أبي يَحْيى(7)بالمدينة, والوَاقدي ببغداد(8), ومُقاتل بخُراسان(9), ومحمَّد بن سعيد المصلوب بالشَّام(10).(11)
ـــــــــــــــ
__________
(1) -.اهـ سير أعلام النبلاء (12/366) فما بعد
وقال الامام أبو عمرو بن الصلاح - عقيب قول أحمد: من سمع من عبد الرزاق بعد العمى لا شئ، وجدت أحاديث رواها الطبراني، عن الدبرى، عن عبد الرزاق استنكرتها، فأحلت أمرها على ذلك.
قلت: أوهى ما أتى به حديث أحمد بن الازهر - وهو ثقة - أن عبد الرزاق حدثه خلوة من حفظه، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى علي فقال: أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبنى، ومن أبغضك فقد أبغضني.
قلت: مع كونه ليس بصحيح فمعناه صحيح سوى آخره، ففى النفس منها شئ، وما اكتفى بها حتى زاد: وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك، فالويل لمن أبغضه.
هذا لا ريب فيه، بل الويل لمن يغض منه أو غض من رتبته ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضى الله عنهم أجمعين .ميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 613)
(2) - عمر بن الحسن أبو الخطاب بن دحية الاندلسي المحدث،متهم في نقله، مع أنه كان من أوعية العلم، دخل فيما لا يعنيه ،ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 186)(6073 ) ولسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 4 / ص 93) [ 829 ]
(3) - إسماعيل بن أبي حية بالمثناة تحت المشددة كالدابة الخبيثة ذكر شيخنا العراقي فيما قرأته عليه في شرح الألفية في المقلوب أنه من الوضاعين انتهى الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 68 ] (137 )
(4) - حماد بن عمرو النصيبي عن زيد بن رفيع وغيره قال الجوزجاني كان يكذب وقال البخاري يكنى أبا إسماعيل منكر الحديث وقال النسائي متروك الحديث ...لسان الميزان[ ج 2 - ص 350 ] (1420 )
(5) - بهلول بن عبيد الله الكندي ذكر شيخنا الحافظ العراقي في شرح الألفية له في المقلوب فيما قرأته عليه أنه من الوضاعين .الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 78 ] (177 ) ولسان الميزان[ ج 2 - ص 67 ] (255 )
(6) - أصرم بن حوشب الهمداني الخراساني يروي عن زياد بن سعد وغيره روى عنه الحسن بن أبي الربيع كان يضع الحديث على الثقات سمعت يعقوب بن إسحاق يقول سمعت الدارمي يقول قلت ليحيى بن معين فأصرم بن حوشب تعرفه قال كذاب خبيث .المجروحين[ ج 1 - ص 181 ](121 )
(7) - إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمى مدني رافضي جهمى قدرى لا يكتب حديثه روى عنه الشافعي .الثقات للعجلي[ ج 1 - ص 209 ] (44 )
(8) - محمد بن عمر بن واقد الواقدي قال أحمد كذاب يقلب الأخبار وقال أبو حاتم والنسائى يضع الحديث .تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 111) ( 227 )
وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 666):واستقر الاجماع على وهن الواقدي.
(9) - مقاتل بن سليمان بن بسير الأزدي الخراساني أبو الحسن البلخي نزيل مرو ويقال له بن دوال دوز كذبوه وهجروه ورمى بالتجسيم من السابعة مات سنة خمسين ومائة ل .تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 545 ] (6868 )
(10) - محمد بن سعيد المصلوب شامي هالك عن مكحول ونحوه وعنه أبو معاوية وأبو بكر بن عياش كذبه النسائي وقال البخاري ترك حديثه ت ق .الكاشف[ ج 2 - ص 174 ] (4871 )
(11) - قلت : قارن بكتاب تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 11)الوضاعون أصناف(1/172)
7- فوائد من حديث :مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ
قال النووي رحمه الله(1):
"اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث يَشْتَمِل عَلَى فَوَائِد وَجُمَلٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ :
إِحْدَاهَا : تَقْرِير هَذِهِ الْقَاعِدَة لِأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ الْكَذِبَ يَتَنَاوَل إِخْبَار الْعَامِد وَالسَّاهِي عَنْ الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ .
الثَّانِيَة : تَعْظِيم تَحْرِيم الْكَذِب عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ فَاحِشَة عَظِيمَة وَمُوبِقَة كَبِيرَة وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا الْكَذِب إِلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ . هَذَا هُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذَاهِب الْعُلَمَاء مِنَ الطَّوَائِف . وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيّ وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي مِنْ أَئِمَّة أَصْحَابنَا : يَكَفُرُ بِتَعَمُّدِ الْكَذِب عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - ، حَكَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِده هَذَا الْمَذْهَب وَأَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي دَرْسه كَثِيرًا : مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَمْدًا كَفَرَ وَأُرِيقَ دَمه ، وَضَعَّفَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْقَوْلَ ، وَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَاب وَإِنَّهُ هَفْوَةٌ عَظِيمَةٌ . وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُور وَاَللَّه أَعْلَمُ .
ثُمَّ إِنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَمْدًا فِي حَدِيث وَاحِد فَسَقَ وَرُدَّتْ رِوَايَته كُلّهَا وَبَطَلَ الِاحْتِجَاج بِجَمِيعِهَا ، فَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَته ، فَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنَ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِب الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ فُقَهَاء أَصْحَابنَا الشَّافِعِيِّينَ وَأَصْحَاب الْوُجُوه مِنْهُمْ وَمُتَقَدِّمَيْهِمْ فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع : لَا تُؤَثِّر تَوْبَته فِي ذَلِكَ وَلَا تُقْبَل رِوَايَته أَبَدًا ، بَلْ يُحْتَمُ جَرْحُهُ دَائِمًا ، وَأَطْلَقَ الصَّيْرَفِيُّ وَقَالَ : كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَره مِنْ أَهْل النَّقْل بِكَذِبٍ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَر وَمَنْ ضَعَّفْنَا نَقْلَهُ لَمْ نَجْعَلْهُ قَوِيًّا بَعْد ذَلِكَ ، قَالَ : وَذَلِكَ مِمَّا اِفْتَرَقَتْ فِيهِ الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة وَلَمْ أَرَ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ وَيَجُوز أَنْ يُوَجَّه بِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا بَلِيغًا عَنِ الْكَذِب عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة بِخِلَافِ الْكَذِب عَلَى غَيْره وَالشَّهَادَة ، فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُمَا قَاصِرَة لَيْسَتْ عَامَّة .
قُلْت : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة ضَعِيف مُخَالِف لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّة وَالْمُخْتَار الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَته فِي هَذَا ، وَقَبُول رِوَايَاته بَعْدهَا إِذَا صَحَّتْ تَوْبَته بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَة ، وَهِيَ الْإِقْلَاع عَنِ الْمَعْصِيَة وَالنَّدَم عَلَى فِعْلهَا وَالْعَزْم عَلَى أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِد الشَّرْع ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة رِوَايَة مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَأَكْثَر الصَّحَابَة كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَة ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُول شَهَادَته وَلَا فَرْقَ بَيْن الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة فِي هَذَا . وَاَللَّه أَعْلَمُ .
الثَّالِثَة : أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيم الْكَذِب عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْن مَا كَانَ فِي الْأَحْكَام ، وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ كَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب وَالْمَوَاعِظ وَغَيْر ذَلِكَ فَكُلّه حَرَام مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر وَأَقْبَح الْقَبَائِح بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاع ، خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّة الطَّائِفَة الْمُبْتَدِعَة فِي زَعْمِهِمْ الْبَاطِل أَنَّهُ يَجُوز وَضْع الْحَدِيث فِي التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب ، وَتَابَعَهُمْ عَلَى هَذَا كَثِيرُونَ مِنْ الْجَهَلَة الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَنْفُسهمْ إِلَى الزُّهْد أَوْ يَنْسُبهُمْ جَهَلَة مِثْلهمْ ، وَشُبْهَة زَعْمهمْ الْبَاطِل أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة : مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار . وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا كَذِبٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الَّذِي اِنْتَحَلُوهُ وَفَعَلُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ غَايَة الْجَهَالَة وَنِهَايَة الْغَفْلَة ، وَأَدَلّ الدَّلَائِل عَلَى بُعْدهمْ مِنْ مَعْرِفَة شَيْء مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع ، وَقَدْ جَمَعُوا فِيهِ جُمَلًا مِنْ الْأَغَالِيط اللَّائِقَة بِعُقُولِهِمْ السَّخِيفَة وَأَذْهَانهمْ الْبَعِيدَة الْفَاسِدَة فَخَالَفُوا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء ،وَخَالَفُوا صَرِيح هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَوَاتِرَة وَالْأَحَادِيث الصَّرِيحَة الْمَشْهُورَة فِي إِعْظَام شَهَادَة الزُّور ، وَخَالَفُوا إِجْمَاع أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد . وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِل الْقَطْعِيَّات فِي تَحْرِيم الْكَذِب عَلَى آحَاد النَّاس فَكَيْف بِمَنْ قَوْله شَرْع وَكَلَامه وَحْي ، وَإِذَا نَظَرَ فِي قَوْلهمْ وَجَدَ كَذِبًا عَلَى اللَّه تَعَالَى ، قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) [النجم/3-5] } وَمِنْ أَعْجَب الْأَشْيَاء قَوْلهمْ : هَذَا كَذِب لَهُ ، وَهَذَا جَهْل مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَب وَخِطَاب الشَّرْع فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ عِنْدهمْ كَذِب عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ ؛ فَأَجَابَ الْعُلَمَاء عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَخْصَرُهَا أَنَّ قَوْله لِيُضِلَّ النَّاس ، زِيَادَة بَاطِلَة اِتَّفَقَ الْحُفَّاظ عَلَى إِبْطَالهَا وَأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ صَحِيحَةً بِحَالٍ .(2)
الثَّانِي : جَوَاب أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} (37) سورة الأعراف .
الثَّالِث : أَنَّ اللَّام فِي لِيُضِلَّ لَيْسَتْ لَام التَّعْلِيل بَلْ هِيَ لَام الصَّيْرُورَة وَالْعَاقِبَة ، مَعْنَاهُ أَنَّ عَاقِبَة كَذِبِه وَمَصِيرِه إِلَى الْإِضْلَال بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (8) سورة القصص، وَنَظَائِره فِي الْقُرْآن وَكَلَام الْعَرَب أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَر وَعَلَى هَذَا يَكُون مَعْنَاهُ فَقَدْ يَصِير أَمْرُ كَذِبه إِضْلَالًا ، وَعَلَى الْجُمْلَة مَذْهَبُهُمْ أَرَكُّ مِنْ أَنْ يُعْتَنَى بِإِيرَادِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُهْتَمَّ بِإِبْعَادِهِ، وَأَفْسَدُ مِنْ أَنْ يُحْتَاج إِلَى إِفْسَاده . وَاَللَّه أَعْلَمُ .
الرَّابِعَة : يَحْرُم رِوَايَة الْحَدِيث الْمَوْضُوع عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ، فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِل فِي هَذَا الْوَعِيد ، مُنْدَرِج فِي جُمْلَة الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيث السَّابِق " مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ " .
وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ رِوَايَة حَدِيث أَوْ ذَكَرَهُ أَنْ يَنْظُر فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كَذَا أَوْ فَعَلَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَقُلْ : قَالَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى وَشِبْهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْم بَلْ يَقُول : رُوِيَ عَنْهُ كَذَا أَوْ جَاءَ عَنْهُ كَذَا أَوْ يُرْوَى أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يُقَالُ أَوْ بَلَغَنَا وَمَا أَشْبَهَهُ . وَاَللَّه سُبْحَانه أَعْلَمُ .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَيَنْبَغِي لِقَارِئِ الْحَدِيث أَنْ يَعْرِف مِنَ النَّحْو وَاللُّغَة وَأَسْمَاء الرِّجَال مَا يَسْلَمُ بِهِ مِنْ قَوْله مَا لَمْ يَقُلْ ، وَإِذَا صَحَّ فِي الرِّوَايَة مَا يَعْلَم أَنَّهُ خَطَأ، فَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَف وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَلَى الصَّوَاب وَلَا يُغَيِّرهُ فِي الْكِتَاب ، لَكِنْ يَكْتُب فِي الْحَاشِيَة أَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَة كَذَا وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَا ، وَيَقُول عِنْد الرِّوَايَة : كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَوْ فِي رِوَايَتنَا وَالصَّوَاب كَذَا ، فَهُوَ أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ فَقَدْ يَعْتَقِدهُ خَطَأً وَيَكُون لَهُ وَجْهٌ يَعْرِفهُ غَيْرُهُ وَلَوْ فُتِحَ بَاب تَغْيِير الْكِتَاب لَتَجَاسَرَ عَلَيْهِ غَيْر أَهْله .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَيَنْبَغِي لِلرَّاوِي وَقَارِئ الْحَدِيث ، إِذَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ فَقَرَأَهَا عَلَى الشَّكِّ أَنْ يَقُول عَقِبَهُ أَوْ كَمَا قَالَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول السَّابِقَة الْخِلَاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِمَنْ هُوَ كَامِل الْمَعْرِفَة . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَيُسْتَحَبّ لِمَنْ رَوَى بِالْمَعْنَى أَنْ يَقُول بَعْده أَوْ كَمَا قَالَ أَوْ نَحْوَ هَذَا كَمَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ . وَاَللَّه أَعْلَمُ .
وَأَمَّا تَوَقُّف الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - فِي الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَالْإِكْثَار مِنْهَا ، فَلِكَوْنِهِمْ خَافُوا الْغَلَطَ وَالنِّسْيَانَ . وَالنَّاسِي وَإِنْ كَانَ لَا إِثْم عَلَيْهِ فَقَدْ يُنْسَب إِلَى تَفْرِيط لِتَسَاهُلِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ . وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالنَّاسِي بَعْضُ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة كَغَرَامَاتِ الْمُتْلَفَات وَانْتِقَاض وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَات . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ .اهـ
ـــــــــــــــ
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 4)
(2) - قلت : بل صحيحة(1/173)
7-خطأ بعض المفسرين في ذكر الأحاديث الموضوعة :
"ومن الموضُوع الحديث المروي عن أُبي بن كعب مرفوعًا في فضل القُرآن سُورة سُورة من أوَّله إلى آخره.
فروينَا عن المُؤمل بن إسْمَاعيل قال: حدَّثني شيخ به, فقلتُ للشَّيخ من حدَّثكَ؟ فقال: حدَّثني رَجُل بالمدائن, وهو حيٌّ, فصرتُ إليه فقلت: من حدَّثك؟ فقال: حدَّثني شيخ بواسط, وهو حي, فصرتُ إليه, فقال: حدَّثني شيخ بالبَصْرة, فصرتُ إليه فقال: حدَّثني شيخٌ بعبادان, فصرتُ إليه, فأخذَ بيدي فأدْخلني بيتًا, فإذا فيه قومٌ من المتصوفة ومعهم شيخ, فقال: هذا الشَّيخ حدَّثني, فقلتُ: يا شيخ من حدَّثك؟ فقال: لم يُحدِّثني أحد, ولكنَّا رأينا النَّاس قد رَغبُوا عن القرآن, فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن.
قلت: ولم أقف على تَسْمية هذا الشَّيخ, إلاَّ أنَّ ابن الجَوْزي أوردهُ في «الموضُوعات»(662) من طريق بَزِيع بن حسَّان, عن علي بن زيد بن جُدْعان, وعطاء بن أبي ميمونة, عن زِرِّ بن حُبَيش, عن أُبيٍّ, وقال: الآفة فيه من بزيع, ثمَّ أوردهُ من طريق مَخْلد بن عبد الواحد, عن عليِّ وعطاء وقال: الآفة فيه من مَخْلد.
فكأنَّ أحدهما وضعهُ, والآخر سرقهُ, أو كلاهما سرقه من ذلك الشَّيخ الواضع.
وقد أخطأ من ذكرهُ من المُفسِّرين في تفسيره, كالثَّعلبي, والواحدي, والزَّمخشري, والبَيْضَاوي.( وغيرهم )
قال العِرَاقيُّ: لكن من أبرز إسناده منهم كالأوَّلين فهو أبسط لعُذْره, إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده, وإن كان لا يجوز له السُّكوت عليه, وأمَّا من لم يُبرز سندهُ, وأورده بصيغة الجَزْمِ فخطُؤه أفْحش. "(1)
ـــــــــــــــ
__________
(1) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) ,تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 224)(1/174)
8-هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟
قال الإمام ابن القيم رحمه الله(1):
" فهذا سؤال عظيم القدر وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة واختلطت بلحمه ودمه وصار له فيها ملكة وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار ومعرفة سيرة رسول الله وهديه فيما يأمر به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول كواحد من أصحابه .
فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهديه وكلامه وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره وهذا شأن كل متبع مع متبوعه فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح ما ليس لمن لا يكون كذلك وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم والله أعلم."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - المنار المنيف - (ج 1 / ص 43)(1/175)
9-تنبيهات حول الحديث الموضوع
" الأوَّل: من الباطل أيضًا في فضائل القُرآن سُورة سُورة حديث ابن عبَّاس, وضعهُ مَيْسرة(1)كما تقدَّم, وحديث أبي أُمَامة الباهلي, أوردهُ الدَّيلمي من طريق سلام بن سُليم المَدَائني(2), عن هارون بن كثير(3), عن زيد بن أسلم, عن أبيه, عنه.
الثاني: ورد في فضائل السور مفرقة أحاديث, بعضها صحيح, وبعضها حسن, وبعضها ضعيف ليس بموضوع, .., لئلا يُتوهَّم أنَّه لم يصح في فضائل السور شيء, خُصوصًا مع قول الدَّارقُطْني: أصح ما ورد في فضائل القُرآن فضل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } , ومن طالع كتب السنن, والزَّوائد عليها, وجدَ من ذلكَ شيئًا كثيرًا.
وتفسير الحافظ عماد الدِّين بن كثير أجل ما يُعتمد عليه في ذلك, فإنَّه أورد غالب ما جَاء في ذلك مِمَّا ليس بموضُوع, وإن فاته أشياء.
وقد جمعتُ في ذلكَ كِتَابا لطيفًا سَمَّيتهُ ُ«خمائل الزهر في فضائل السور» واعلم أنَّ السور الَّتي صحت الأحاديث في فضائلها: الفاتحة, والزَّهْراوان, والأنعام, والسَّبع الطول مُجْمَلاً, والكهف, ويس, والدُّخان, والمُلك, والزَلْزلة, والنَّصر, والكافرون, والإخلاص, والمُعوِّذتان, وما عداها لم يصح فيه شيء.
الثَّالث: من الموضُوع أيضًا: حديث الأرز, والعَدْس, والبَاذنجان, والهَريسة, وفضائل من اسمهُ محمَّد وأحمد, وفضل أبي حنيفة, وعين سلوان, وعَسْقلان, إلاَّ حديث أنس الَّذي في «مسند» أحمد على ما قيلَ فيه من النكارة(4), ووصَايا علي, وضعها حمَّاد بن عَمرو النَّصيبي, ووصية في الجماع, وضعها إسحاق بن نجيح المَلْطي, ونُسخة العقل, وضعها داود المُحَبَّر, وأوردها الحارث بن أبي أُسامة في «مسنده» , وحديث القَس بن سَاعدة, أوردهُ البزار في «مسنده»(5), والحديث الطويل عن ابن عبَّاس في الإسراء, أوردهُ ابن مردويه في «تفسيره»(6), وهو نحو كُراسين, ونسخ ستة رووا عن أنس وهم: أبو هُدْبة, ودينار, ونُعيم بن سالم, والأشج, وخِرَاش, ونسطُور. "
ـــــــــــــــ
__________
(1) - ميسرة بن عبد ربه الفارسي ثم البصري التراس الأكال قال محمد بن عيسى بن الطباخ قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا كان له كذا قال وضعته أرغب الناس قال بن حبان كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ويضع الحديث وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل وقال د أقر بالوضع وقال أبو حاتم كان يفتعل الحديث وقال أبو زرعة وضع في فضل قزوين أربعين حديثا وكان يقول إني احتسب في ذلك ..الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 265 ] (800 )
(2) - سلام بتشديد اللام بن سليم أو سلم أبو سليمان ويقال له الطويل المدائني متروك من السابعة مات سنة سبع وسبعين ق .تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 261 ] (2702 )
(3) - هارون بن كثير عن زيد بن أسلم مجهول وزيد عن أبيه نكرة ...لسان الميزان[ ج 6 - ص 181 ] (639 )
(4) - مسند أحمد (13702) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى عِقَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عَسْقَلاَنُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفاً شُهَدَاءَ وُفُوداً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ رُءُوسُهُمْ مُقَطَّعَةٌ فِى أَيْدِيهِمْ تَثِجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَماً يَقُولُونَ (رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ) (إِنَّك لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) فَيَقُولُ صَدَقَ عَبِيدِى اغْسِلُوهُمْ بِنَهَرِ الْبَيْضَةِ. فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا نُقِيًّا بِيضاً فَيَسْرَحُونَ فِى الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا ». تعليق شعيب الأرنؤوط : موضوع
الموضوعات - (ج 2 / ص 53- 54) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 48) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 451) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 12) وتهذيب التهذيب - (ج 3 / ص 26)
قال ابن الجوزي في الموضوعات: "أما حديث أنس فجميع طرقه تدور على أبي عقال واسمه هلال بن يزيد بن يسار، قال ابن حبان يروي عن أنس أشياء موضوعة ما حدث بها قط، لا يجوز الاحتجاج به بحال". كتاب المجروحين (3/86) وقال الحافظ في التقريب 2/323: "متروك" وقد دافع عنه الحافظ في القول المسدد ص36- 37.
(5) - مسند البزار (5347) وحَدَّثنا أحمد بن داود الواسطي ، قال : حَدَّثنا أبو عَمْرو اللخمي بن الحجاج ، قال : حَدَّثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن عَبد الله بن عباس ، رَضِي الله عنهما ، قال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما فرغوا من شأنهم ، قال لهم : أفيكم أحدٌ يعرف القس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : نعم ، كلنا نعرفه ، قال : ما فعل ؟ قالوا : هلك ، قال : ما أنساه بسوق عكاظ ، في الشهر الحرام ، على جمل أحمر ، يخطب الناس ، وهو يقول : أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا ، كل من عاش مات ، وكل من مات فات ، وكل ما هو آت آت ، إن في السماء لخبًرا ، وإن في الأرض لعبرًا ، مهادٌ موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجومٌ تمور ، وبحار لا تغور ، وتجارة لا تبور ، أَقْسَمَ قسٌّ قسمًا حَقًّا ، لئن كان في الأمر رضًا ليكونن سخطًا ، وإن لله دينًا ، هو أحبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أَرَضُوا فأقاموا ، أم تُرِكُوا فناموا ؟ ثم انشأ يقول :
فِي الذَّاهِبِينَ الأَوَّلِينَ ... مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ ... لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا ... يَمْضِي الأَكَابِرُ وَالأَصَاغِرْ
لاَ يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلاَ مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لاَ مَحَالَةَ ... حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
قال أبو بكر : في غير هذا الحديث يروى أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر : كيف قال ؟ قال : فأنشأ أبو بكر يقول هذا الشعر الذي يذكر عن قس بن ساعدة.
وهذا الحديث لا نعلمه يُرْوَى عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه من الوجوه إلاَّ مِن هذا الوجه ، ولاَ نَعْلَمُ رواه عن مجالد إلاَّ مُحَمد بن الحجاج ومحمد بن الحجاج قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها ، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم ولما لم نجد هذا الحديث عند غيره لم نجد بدا من إخراجه عنه.
وفي مجمع الزوائد (16184 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ .
(6) - قلت : هو مطبوع بحوالي أريع وثلاثين صفحة ، وكله كذب لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس(1/176)
11-مصادر المتون الموضوعة(1):
"متون الأحاديث الموضوعة ترجع إلى واحد من مصادر ثلاثة :
الأول : من ذات واضعه ، وذلك بأن يصنعه بألفاظ نفسه .
والثاني : أن يكون مأثورا عن صحابي أو تابعي قولهما ، أو قولا من الحكمة أو أمثال الناس السارية ، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والثالث : أن يكون من الأخبار المستوردة من بني إسرائيل ، والتي تسمى ( الإسرائيليات ) ، فتضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما الأسانيد لتلك المتون ، فإن من وضع المتن فلا يعجزه أن يركب له الإسناد ، وقد يكون إسناداً لا يعرف إلا لذلك الخير ، يكون الواضع قد صنعه كما صنع المتن ، وهذا قليل ، مثل ما قاله ابنُ عدي في ( الحسن بن علي بن صالح العدوي ) : " يضع الحديث ، ويسرق الحديث ، ويُلزقه على قوم آخرين ، ويُحدث عن قوم لا يُعرفون ، وهو متهم فيهم ، فإن الله لم يخلقهم " ، قلت : ومن أمثلة هؤلاء ممن ذكر ابنُ عدي رجلٌ يُقال له : ( خِراشُ بن عبد الله ) اصْطنعه العَدوي هذا وزَعم أنه خادِم أنس بن مالك ، وبعد أن ساق ابن عدي له أحاديث عنه قال : " وهذه الأحاديث أربعة عشر حديثاً ، وخِراش هذا لا يُعرف ، ولم أسْمع أحداً يذْكر خراشاً غير العدوي ".(2)
وقد يكون إسناداً معروفاً نظيفاً ، ركب عليه الواضع ذلك المتن ، وهذا هو الأكثر ، ويفعلون لما يقع من الإغراء به لنظافة الإسناد في الظاهر ."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 262)
(2) - ( الكامل 3 / 195 ، 204 _ 205 )(1/177)
12- مسائل هامة حول الحديث الموضوع
المسألة الأولى : مصطلح ( حديث لا أصل له ) .
كان يستعمل في عرف السلف في الحديث يروى بإسناد ، لكنه خطأ أو باطل لا حقيقة له ولم يوجد أصلاً .
وإذا حكموا بذلك على الحديث أرادوا : لا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا حكموا على الإسناد أرادوا : لا أصل له عمن أضيف إليه في ذلك الطريق ممن لم يعرف من حديثه من الثقات ، وجائز أن يكون له أصل محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير ذلك الوجه .
والعبارة تساوي : ما هو كذب في نفسه متناً أو سنداً ، أو في كليهما ، ولذلك كثيراً ما تقترن بلفظ ( موضوع ) أو ( كذب ) .
وكثيراً ما يستعمل هذه العبارة أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والعقيلي وابن عدي وابن حبان ، وغيرهم من السالفين في الخبر له إسناد ، لكنه باطل أو كذب .
ومن أمثلته :
مثال ما ليس له أصل بإسناد معين ، ومتنه محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه آخر :
سئل أبو حاتم الرازي عن حديث رواه نوح بن حبيب ، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات " ؟(1)
فقال أبو حاتم(2): " هذا حديث باطل ، لا أصل له ، إنما هو : مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3)"
ومثال ما روي بإسناد ، ولا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه :
ما رواه الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الأَشْعَرِيُّ ، أنبا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلاثٍ : لأَنِّي عَرَبِيٌّ ، وَالْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ ، وَكَلامَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ "(4).
فهذا قال فيه العقيلي : " منكر ، لا أصل له "(5).
وسبقه أبو حاتم الرازي فقال : " هذا حديث كذب "(6).
والمتأخرون استعملوا العبارة أيضاً فيما يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من المتون الموضوعة ، ولا تروى عنه بإسناد ، ولا ريب أنه استعمال صحيح أيضاً ليس بخارج عما استعمله فيه السلف ، بل إطلاقه على هذه الصورة أولى .
وذلك كحكم ابن حجر العسقلاني وغيره على حديث : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " بقوله : لا أصل له "(7).
المسألة الثانية : الحديث الذي لا أصل له يكثر في أبواب الفضائل ، والترغيب والترهيب ، والقصص ، والتفسير ، والفتن والملاحم ، والسير والمغازي .
قال أحمد بن حنبل : " ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي ، والملاحم ، والتفسير "(8).
قال الخطيب : " وهذا الكلام محمول على وجه ، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ، ولا موثوق بصحتها ؛ لسوء أحوال مصنفيها ، وعدم عدالة ناقليها ، وزيادات القصاص فيها "(9).
قال : " أما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة ، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من وجوه مرضية ، وطرق واضحة جلية "(10).
قلتُ : ومن تأمل الكتب العتيقة المدونة في هذه الأبواب وجد الوهاء سمة مؤلفيها ، ككتب محمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الضبي في السير والمغازي(11)، وتفيسر الكلبي ومقاتل بن سليمان .
وإن كان المؤلف موصوفاً بالسلامة كمحمد بن إسحاق ، وكاتبه في السيرة هو أهمها وفيه الصحيح والحسن والضعيف والموصول والمرسل ، وفيه ما أصل له
قال يحيى بن سعيد القطان : " تساهلوا في التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث " ثم ذكر ليث بن أبي سليم ، وجرير بن سعيد ، والضحاك ، ومحمد بن السائب يعنى الكلبي ، وقال " هؤلاء لا يحمد حديثهم ، ويكتب التفيسر عنهم "(12).
ويبين البيهقي وجه هذا الترخص فيقول : " وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم ؛ لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد به لغات العرب ، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط "(13)."
ـــــــــــــــ
__________
(1) - أخرجه من هذا الوجه : أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 374 رقم : 8984 ) والخليلي في " الإرشاد " ( 1 / 233 ) والقضاعي في " مسند الشهاب " ( رقم " 1173 ) من طرق عن نوح به .
كما أخرجه الدار قطني في " غرائب مالك " ( كما في " تخريج أحاديث المختصر " لابن حجر 2 / 274 ) وابن حجر نفسه في الكتاب المذكور ، من طريق إبراهيم بن محمد العتيق ، عن ابن أبي رواد ، به ، كما ذكر ابن حجر ( 2 / 248 ) تخريج الحاكم له في " تاريخ نيسابور " من وجه ثالث عن ابن أبي رواد .
(2) - علل الحديث ، لابن أبي حاتم ( رقم : 362 ) .
وقال الخليلي في " الإرشاد " ( 1 / 167 ) : " عبد المجيد صالح ، محدث ابن محدث .. لكنه يخطئ ، ولم يخرج في الصحيح ، وقد أخطأ في الحديث الذي يرويه مالك والخلق عن يحيى بن سعيد الأنصاري " فذكره بإسناده المعروف إلى عمر بن الخطاب ، ثم قال : " وهذا أصل من أصول الدين ، ومداره على يحيى بن سعيد ، فقال عبد المجيد وأخطأ فيه : أخبرنا مالك ، عن زيد بن أسلم .. " فذكر هذا الإسناد ، وقال : " غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه ، فهذا مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة " .
(3) - كذلك هو مخرج في " الصحيحين " من طريق مالك : أخرجه البخاري ( رقم : 54 ، 4783 ) ومسلم ( رقم : 1907 ) ، وهو في " الموطأ " من رواية محمد بن الحسن ( رقم : 983 ).
ورواته عن يحيى بن سعيد الأنصاري خلق كثير ، مخرجة رواياتهم في أكثر الأصول .
(4) - أخرجه العقيلي في " الضعفاء " ( 3 / 348 ) والطبراني في " الكبير " ( 11 / 185 رقم : 11441 ) و " الأوسط " ( 6 / 271 رقم : 5579 ) وابن الأنباري في " الوقف و الابتداء " ( رقم : 19 ) والحاكم في " المستدرك " ( 4 / 87 رقم : 6999 ) و " معرفة علوم الحديث " ( ص : 161 _ 162 ) والبيهقي في " الشعب " ( 2 / 159 ، 230 رقم : 1433 ،1610 ) وأبو زكريا ابن مندة في " ذكر أبي القاسم الطبراني " ( ص : 357 - 359 ) من طريق العلاء المذكور ، به
وفي المقاصد الحسنة للسخاوي - (ج 1 / ص 53)(31) حديث: أحبوا العرب لثلاث، لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي، الطبراني في معجميه الكبير والأوسط، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في الشعب، وتمام في فوائده، وآخرون، كلهم من حديث العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا يحيى بن يزيد الأشعري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما رفعه بهذا. وابن يزيد والراوي عنه ضعيفان، وقد تفردا به كما قاله الطبراني والبيهقي، ومتابعة محمد بن الفضل التي أخرجها الحاكم أيضاً من جهته عن ابن جريج لا يعتد بها، فابن الفضل لا يصلح للمتابعة ولا يعتبر بحديثه للاتفاق على ضعفه واتهامه بالكذب، ولكن لحديث ابن عباس شاهد رواه الطبراني أيضاً في معجمه الأوسط من رواية شبل بن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً: أنا عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي، وهو مع ضعفه أيضاً أصح من حديث ابن عباس. ( قلت : فالصواب أنه حديث ضعيف وليس بموضوع ).
(5) - الضعفاء ( 3 / 349 ) .
(6) - علل الحديث ، لابن أبي حاتم ( رقم : 2641 ) .
(7) - المقاصد الحسنة ، للسخاوي ( رقم : 702 ) .
(8) - أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 1 / 212 ) ومن طريقه : الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " ( رقم : 1493 ) وإسناده صحيح .
(9) - الجامع لأخلاق الراوي ( 2 / 162 ) .
(10) - الجامع لأخلاق الراوي ( 2 / 162 - 163 ) .
(12) - أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " ( 1 / 35 - 37 ) والخطيب في " الجامع " ( رقم : 1588 ) وإسناده صحيح .
(13) - دلائل النبوة ( 1 / 37 ) .(1/178)
13-أشهر المصنفات فيه :
" اعلم أن الأحاديث الموضوعة في أزمان أولئك الكذابين كانت كثيرة ، ولكن الله نفى أكثرها بأئمة الهدى الذين سخرهم للذب عن دينه ، ففضح بهم أمر الكذابين ، وكشفوا عن حقيقة أمرهم ، وأبطلوا ما جاءوا به ، ثم صنفت التصانيف الموثقة في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعمد أصحابها إلى انتقاء الحديث فيها ، متقين ما انكشف وظهر بطلانه ووضعه ، وأكثروا تخريج أحاديث الثقات ، وانعدم تارة وندر أخرى فيما خرجوه أحاديث الكذابين ، خصوصاً تلك الكتب الأمهات المحتوية على تفاصيل السنن ، والتي لا يكاد يخرج عنها من الحديث الصحيح إلا ما ندر .
فحين ترى مثلاً ما جاء عن الرجل الواحد من رءوس الكذب أنه وضع الآلاف من الحديث ، فلا يغرنك هذا فتحسب له أثراً في حفظ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وذلك كقول الحاكم النيسابوري : " مُحمد بن تميم الفاريابي ، قد وضَعَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشْرة آلافِ حديث ، وهُو قريبٌ من الجوباري "(1).
وقول ابن حبان في ( محمد بن يونس الكديمي ) : " يضع على الثقات الحديث وضعاً ، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث "(2).
فهذا وشبهه جميعاً مما لم يبق له وجود من رواية هؤلاء وأمثالهم إلا الشيء اليسير المتميز الذي تسلم منه أمهات السنة بفضل الله ونعمته ، فله الحمد .
ولعل من حكمة بقاء ذلك اليسير أن يستدلَّ به على كذب هؤلاء وفضيحتهم ، وقد اعتنى ببيانه علماء الأمة ، ولا يزالون . "(3)
أ) كتاب الموضوعات لابن الجوزي
أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيٍّ الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَفْخَرُ العِرَاقِ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمَّادِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ النَّضْرِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَقِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ الفَقِيْهِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ خَلِيْفَةَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الوَاعِظُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ -أَوْ عَشْرٍ- وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ رَأْساً فِي التذكير بِلاَ مدَافعَة، يَقُوْلُ النَّظم الرَّائِق، وَالنّثر الفَائِق بديهاً، وَيُسهِب، وَيُعجِب، وَيُطرِب، وَيُطنِب، لَمْ يَأْت قَبْله وَلاَ بَعْدَهُ مِثْله، فَهُوَ حَامِل لوَاء الوعظ، وَالقيِّم بِفنونه، مَعَ الشّكل الحَسَن، وَالصّوت الطّيب، وَالوقع فِي النُّفُوْس، وَحُسْن السِّيْرَةِ، وَكَانَ بَحْراً فِي التَّفْسِيْر، علاَّمَة فِي السّير وَالتَّارِيْخ، مَوْصُوَفاً بِحسن الحَدِيْث، وَمَعْرِفَة فُنونه، فَقِيْهاً، عليماً بِالإِجْمَاعِ وَالاخْتِلاَف، جَيِّد المشَاركَة فِي الطِّبّ، ذَا تَفنُّن وَفَهم وَذكَاء وَحفظ وَاسْتحضَار، وَإِكْبَابٍ عَلَى الجمع وَالتَّصْنِيْف، مَعَ التَّصَوُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَحسن الشَّارَةِ، وَرشَاقَة العبَارَة، وَلطف الشَّمَائِل، وَالأَوْصَاف الحمِيدَة، وَالحرمَة الوَافرَة عِنْد الخَاص وَالعَام، مَا عَرَفْتُ أَحَداً صَنَّفَ مَا صَنَّفَ.
تُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلَهُ ثَلاَثَة أَعْوَام، فَرَبَّتْهُ عَمَّتُه، وَأَقَارِبُه كَانُوا تُجَّاراً فِي النُّحاسِ، فَرُبَّمَا كتبَ اسْمَهُ فِي السَّمَاعِ عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَلِيٍّ الصَّفَّار ،ثُمَّ لمَا ترعرع، حملته عَمَّته إِلَى ابْنِ نَاصِر، فَأَسمعَهُ الكَثِيْر، وَأَحَبّ الوعظ، وَلهج بِهِ، وَهُوَ مُرَاهِق، فَوَعَظ النَّاس وَهُوَ صَبِيّ، ثُمَّ مَا زَالَ نَافق السُّوق مُعظَّماً مُتغَالياً فِيْهِ، مُزدحماً عَلَيْهِ، مضروباً بِروَنق وَعظه المَثَل، كَمَالُه فِي ازديَاد وَاشتهَار، إِلَى أن مَاتَ -رَحِمَهُ الله وَسَامَحَهُ- فَلَيْتَهُ لَمْ يَخُض فِي التَّأْوِيْل، وَلاَ خَالف إِمَامه.
صَنّف فِي التَّفْسِيْر (المغنِي) كَبِيْر، ثُمَّ اخْتصره فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَسَمَّاهُ (زَاد المَسِيْر)، وَلَهُ (تذكرَة الأَرِيب) فِي اللُّغَة مُجَلَّد، (الوُجُوه وَالنَّظَائِر) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَفنَان) مُجَلَّد، (جَامِع المسَانِيْد) سَبْع مُجَلَّدَاتٍ وَمَا اسْتَوْعَبَ وَلاَ كَادَ، (الحدَائِق) مُجَلَّدَان، (نَقْي النّقل) مُجَلَّدَان، (عيون الحِكَايَات) مُجَلَّدَان، (التّحقيق فِي مَسَائِل الخلاَف) مُجَلَّدَان، (مشكل الصِّحَاح) أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، (المَوْضُوْعَات) مُجَلَّدَان، (الوَاهيَات) مُجَلَّدَان، (الضُّعَفَاء) مُجَلَّد، (تلقيح الفهوم) مُجَلَّد، (المنتظم فِي التَّارِيْخ) عَشْرَة مُجَلَّدَاتٍ، (المَذْهَب فِي المذهب) مُجَلَّد، (الانتصَار فِي الخلاَفِيَات) مُجَلَّدَان، (مَشْهُوْر المَسَائِل) مُجَلَّدَان، (اليَواقيت) وَعظ، مُجَلَّد، (نسيم السّحر) مُجَلَّد، (المنتخب) مُجَلَّد، (المدهش) مُجَلَّد، (صفوَة الصّفوَة) أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، (أَخْبَار الأَخيَار) مُجَلَّد، (أَخْبَار النِّسَاء) مُجَلَّد، (مثير العَزْم السَّاكن) مُجَلَّد، (المقعد المقيم) مُجَلَّد، (ذَمّ الهَوَى) مُجَلَّد، (تلبيس إِبليس) مُجَلَّد.
(صيد الخَاطر) ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، (الأَذكيَاء) مُجَلَّد، (المغفّلين) مُجَلَّد، (منَافِع الطِّبّ) مُجَلَّد، (صبَا نَجد) مُجَلَّد، (الظرفَاء) مُجَلَّد، (الملهب) مُجَلَّد، (المطرب) مُجَلَّد، (منتهَى المشتهَى) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَلبَاب) مُجَلَّد، (المزعج) مُجَلَّد، (سلوَة الأَحزَان) مُجَلَّد، (مِنْهَاج القَاصدين) مُجَلَّدَان، (الوَفَا بفَضَائِل المُصْطَفَى) مُجَلَّدَان، (مَنَاقِب أَبِي بَكْرٍ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب عُمَر) مُجَلَّد، (مَنَاقِب عليّ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب إِبْرَاهِيْم بن أَدْهَمَ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب الفُضَيْل) مُجَلَّد، (مَنَاقِب بشر الحَافِي) مُجَلَّد، (مَنَاقِب رَابِعَة) جزء، (مَنَاقِب عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ) جُزْءانِ، (مَنَاقِب الحَسَن) جُزْءانِ، (الثَّوْرِيّ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب أَحْمَد) مُجَلَّد، (مَنَاقِب الشَّافِعِيّ) مُجَلَّد، (مُوَافِق المرَافق) مُجَلَّد، مَنَاقِب غَيْر وَاحِد جزء جزء، (مُخْتَصَر فُنُوْن ابْن عَقِيْل) فِي بَضْعَة عشر مُجَلَّداً، (مَنَاقِب الحبش) مُجَلَّد، (لِبَاب زِين القصص)، (فَضل مَقْبَرَة أَحْمَد)، (فَضَائِل الأَيَّام)، (أَسبَاب البدَايَة)، (وَاسطَات العقود)، (شذور العقود فِي تَارِيخ العهود)، (الخوَاتيم)، (المَجَالِس اليَوسفِيَّة)، (كُنُوز العمر)، (إِيقَاظ الوسنَان بِأَحْوَال النّبَات وَالحيوَان)، (نسيم الرّوض)، (الثبَات عِنْد المَمَاتَ)، (المَوْت وَمَا بَعْدَهُ) مُجَلَّد، (دِيْوَانه) عِدَّة مُجَلَّدَاتٍ، (مَنَاقِب مَعْرُوف)، (العزلَة)، (الرِّيَاضَة)، (النَّصْر عَلَى مِصْرَ)، (كَانَ وَكَانَ) فِي الوعظ، (خطب اللآلئ)، (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ)، (موَاسم العمر)، (أَعْمَار الأَعيَان)، وَأَشيَاء كَثِيْرَة تركتهَا، وَلَمْ أَرَهَا.
وَكَانَ ذَا حظّ عَظِيْم وَصيت بعيد فِي الوعظ، يَحضر مَجَالِسه المُلُوْك وَالوُزَرَاء وَبَعْض الخُلَفَاء وَالأَئِمَّة وَالكُبَرَاء، لاَ يَكَاد المَجْلِس يَنقص عَنْ أَلوف كَثِيْرَة، حَتَّى قِيْلَ فِي بَعْضِ مَجَالِسه: إِن حُزر الجمع بِمائَةِ أَلْف.
وَلاَ رِيب أَنَّ هَذَا مَا وَقَعَ، وَلَوْ وَقَعَ، لَمَا قدر أَنْ يُسْمِعَهُم، وَلاَ المَكَان يَسعهُم.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ: سَمِعْتُ جَدِّي عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: بأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ كَتَبتُ أَلْفَي مُجَلَّدَةٍ، وَتَاب عَلَى يَدَيَّ مائَةُ أَلْفٍ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيَّ عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَكَانَ يَخْتِم فِي الأُسْبُوْع، وَلاَ يَخْرُج مِنْ بَيْته إِلاَّ إِلَى الجُمُعَةِ أَوِ المَجْلِس.
وَعنِي بِأَمره شَيْخه ابْن الزَّاغونِيّ، وَعَلّمه الوَعْظَ، وَاشْتَغَل بِفنُوْن العلُوْم، وَأَخَذَ اللُّغَة عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الجَوَالِيْقِيِّ، وَرُبَّمَا حضَر مَجْلِسه مائَة أَلْف، وَأَوقع الله لَهُ فِي القُلُوْب القبول وَالهَيْبَة.
قَالَ: وَكَانَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا، متقلّلاً مِنْهَا، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِع القَصْر وَالرُّصَافَة وَببَاب بدر وَغَيْرهَا...، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا مَازح أَحَداً قَطُّ، وَلاَ لعِب مَعَ صَبِيّ، وَلاَ أَكل مِنْ جِهَةِ لاَ يَتيقّن حلّهَا.
وَقَدْ نَالَتْهُ محنة فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَوَشَوْا بِهِ إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر عَنْهُ بِأَمر اخْتُلف فِي حَقِيْقته، فَجَاءَ مَنْ شَتَمَه، وَأَهَانه، وَأَخَذَه قبضاً بِاليد، وَختم عَلَى دَاره، وَشتّت عيَاله، ثُمَّ أُقعد فِي سَفِيْنَة إِلَى مدينَة وَاسِط، فَحُبس بِهَا فِي بَيْتٍ حرجٍ، وَبَقِيَ هُوَ يغسل ثَوْبه، وَيطبخ الشَّيْء، فَبقِي عَلَى ذَلِكَ خَمْس سِنِيْنَ مَا دَخَلَ فِيْهَا حَمَّاماً.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ فِي تَأْلِيْف لَهُ: كَانَ ابْن الجَوْزِيّ لطيف الصّورَة، حلو الشَّمَائِل، رخيم النّغمَة، موزون الحَرَكَات وَالنّغمَات، لذِيذ المفَاكهة، يَحضر مَجْلِسه مائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُوْنَ، لاَ يَضيّع مِنْ زَمَانه شَيْئاً، يَكتب فِي اليَوْمِ أَرْبَع كَرَارِيْس، وَلَهُ فِي كُلِّ علم مشَاركَة، لَكنّه كَانَ فِي التَّفْسِيْر مِنَ الأَعيَان، وَفِي الحَدِيْثِ مِنَ الحُفَّاظِ، وَفِي التَّارِيْخ مِنَ المتوسّعين، وَلَدَيْهِ فَقه كَاف، وَأَمَّا السّجع الوعظِيّ، فَلَهُ فِيْهِ ملكة قويّة، وَلَهُ فِي الطِّبّ كِتَابُ (اللقط) مُجَلَّدَان.
وَتُوُفِّيَ لَيْلَة الجُمُعَة، بَيْنَ العِشَاءيْنِ، الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي دَارِهِ بقَطُفْتَا.
وَحضر غسله شَيْخنَا ابْن سُكَيْنَة وَقت السّحر، وَغلّقت الأَسواق، وَجَاءَ الخلق، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو القَاسِمِ عليّ اتفَاقاً، لأَنَّ الأَعيَان لَمْ يَقدرُوا مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ، ثُمَّ ذهبُوا بِهِ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، فَصلُّوا عَلَيْهِ، وَضَاق بِالنَّاسِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَلَمْ يَصل إِلَى حفرته بِمَقْبَرَة أَحْمَد إِلَى وَقت صَلاَة الجُمُعَة، وَكَانَ فِي تَمُّوْز، وَأَفطر خلق، وَرَمَوا نُفُوْسهُم فِي المَاء...، إِلَى أَنْ قَالَ:وَمَا وَصل إِلَى حفرته مِنَ الكفن إِلاَّ قَلِيْل- كَذَا قَالَ- وَالعهدَة عَلَيْهِ، وَأُنْزِل فِي الحُفْرَة، وَالمُؤَذِّن يَقُوْلُ: الله أَكْبَر، وَحزن عليه الخلق، وَبَاتُوا عِنْد قَبْره طول شَهْر رَمَضَان يَخْتِمُوْنَ الختمَات، بِالشّمع وَالقَنَادِيْل، وَرَآهُ فِي تِلْكَ الليَلة المُحَدِّث أَحْمَد بن سَلْمَانَ السُّكَّرُ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَر مَنْ يَاقُوْت، وَهُوَ جَالِس فِي مَقْعَد صدق وَالمَلاَئِكَة بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَأَوْصَى جدّه أَنْ يُكتب عَلَى قَبْرَه:
يَا كَثِيْرَ العَفْوِ عَمَّنْكَثُرَ الذَّنْبُ لَدَيْهِ
جَاءكَ المُذْنِبُ يَرْجُو الصَّفْحَ عَنْ جُرْمِ يَدَيْهِ
أَنَا ضَيْفٌ، وَجزَاءُ الضَّيْفِ إِحْسَانٌ إِلَيْهِ(4)
" وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين, أعنى أبا الفرج بن الجوزي فذكر في كتابه كثيرًا ممَّا لا دليل على وضعه, بل هو ضعيف بل وفيه الحسن والصَّحيح, وأغرب من ذلك أنَّ فيها حديثا من «صحيح» مُسلم كما سأُبينه.
قال الذَّهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في «الموضُوعات» أحاديث حِسَانًا قوية.
قال: ونقلتُ من خطِّ السَّيد أحمد بن أبي المَجْد قال(5): صنَّف ابن الجَوْزي كتاب «الموضُوعات» فأصاب في ذكره أحاديث شَنيعة مُخَالفة للنَّقل والعقل, وما لم يُصب فيه إطْلاقهِ الوَضْع على أحاديث بكلام بعض النَّاس في أحد رُواتها, كقوله: فلانٌ ضعيف, أو ليس بالقوي, أو لين, وليس ذلك الحديث مِمَّا يشهد القلب ببطلانه, ولا فيه مُخَالفة, ولا مُعَارضة لكتاب, ولا سنة, ولا إجماع, ولا حُجَّة بأنَّه موضوع سوى كلام ذلك الرَّجل في راويه, وهذا عُدوان ومُجَازفة. انتهى.(6)
وقال شيخُ الإسْلام(7): غالب ما في كِتَاب ابن الجوزي موضوع, والذي يُنتقد عليه بالنسبة إلى ما لا يُنتقد قليل جدًّا.
قال: وفيه من الضَّرر أن يظن ما ليس بموضوع موضُوعًا, عكس الضَّرر «بمستدرك» الحاكم, فإنَّه يظن ما ليسَ بصحيح صحيحًا.
قال: ويتعيَّن الاعتناء بانتقاد الكِتَابين, فإنَّ الكلام في تساهلهما عدم الانتفاع بهمَا, إلاَّ لعالم بالفنِّ, لأنَّه ما من حديث إلاَّ ويمكن أن يَكُون قد وقع فيه تساهل.
قلتُ: قد اختصرتُ هذا الكِتَاب فعلقتُ أسانيدهُ وذكرتُ منها موضع الحاجة, وأتيتُ بالمُتون, وكلام ابن الجوزي عليها, وتعقَّبتُ كثيرًا منها, وتتبعتُ كلام الحُفَّاظ في تلك الأحاديث, خُصوصًا شيخ الإسلام في تصانيفه وأماليه, ثمَّ أفردتُ الأحاديث المتعقبة في تأليف, وذلك أنَّ شيخ الإسلام ألَّف «القول المُسدَّد في الذَّب عن المُسند» أورد فيه أربعة وعشرين حديثًا في «المسند» وهي في «الموضُوعات» وانتقدها حديثًا حديثًا.(8)
ومنها حديث في صحيح مسلم (7375 ) َدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِى سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِى لَعْنَتِهِ فِى أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ ».
قال شيخ الإسْلام: لم أقف في كتاب «الموضُوعات» على شيء حُكِمَ عليه بالوضع, وهو في أحد «الصَّحيحين» غير هذا الحديث, وإنَّها لَغَفْلة شديدة, ثمَّ تكلَّم عليه وعلى شواهده.(9)
وذيلتُ على هذا الكتاب بذيل في الأحاديث الَّتي بقيت في الموضُوعات من المُسْند, وهي أربعة عشر مع الكلام عليها, ثمَّ ألفتُ ذيلاً لهذين الكتابين سميتهُ «القولُ الحسن في الذَّب عن السُّنن» أوردتُ في مئة وبِضْعة وعِشْرين حديثًا ليست بموضُوعة.
منها: ما هو في «سُنن» أبي داود, وهي أربعة أحاديث:
منها: حديث صلاة التَّسبيح سنن أبى داود (1299 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ « يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلاَ أُعْطِيكَ أَلاَ أَمْنَحُكَ أَلاَ أَحْبُوكَ أَلاَ أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ عَشْرَ خِصَالٍ أَنْ تُصَلِّىَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِى أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِى سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِى كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى عُمُرِكَ مَرَّةً »..(10)
ومنها: ما هو في «جامع» التِّرمذي, وهو ثلاثة وعشرون حديثا.
ومنها: ما هو في «سنن» النَّسائي وهو حديث واحد.
ومنها: ما هو في ابن ماجه, وهو ستة عشر حديثًا.
ومنها: ما هو في «صحيح» البُخَاري رواية حمَّاد بن شاكر, وهو عن ابن عمر ، قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحين دخلنا على بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقط من الثمر ويأكل فقال لي : « يا ابن عمر ما لك لا تأكل ؟ » قال : قلت : يا رسول الله ، لا أستسيغه قال : « لا كل ، أشتهيه وهذه صبح رابعة لم أذق طعاما ولم أجده وإن شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك قيصر وكسرى ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين » فوالله ما برحنا مكاننا حتى نزلت ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ، ولا باتباع الشهوات يريد به حياة باقية ، وإن الحياة بيد الله تبارك وتعالى ، ألا وإني لا أكنز دينارا أو درهما ولا أخبئ رزقا بعد »(11)
هذا الحديث أوردهُ الدَّيلمي في «مسند الفِرْدوس» وعزاهُ للبُخَاري, وذكر سنده إلى ابن عُمر, ورأيتُ بخطِّ العِرَاقي أنَّه ليسَ في الرِّواية المشهورة, وأنَّ المِزِّي ذكر أنَّه في رواية حمَّاد بن شاكر, فهذا حديث ثان من أحاديث «الصَّحيحين».
ومنها: ما هو في تأليف البُخَاري غير الصَّحيح, «كخلق أفعال العباد» أو تعاليقهُ في الصَّحيح.
أو في مُؤلف أُطلق عليه اسم الصَّحيح, «كمُسند» الدَّارمي و«المُستدرك» و«صحيح» ابن حبَّان.
أو في مُؤلف مُعتبر, كتصانيف البيهقي, فقد التزم أن لا يُخرج فيها حديثًا يعلمهُ موضوعًا.(12)
ومنها: ما ليس في أحد هذه الكتب.اهـ(13)
والتحقيقُ : أن زعم أن يكون شيء مما أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " مما هو من قسم المقبول ، محل بحث في أكثره ، فقد يسلم فيه الحديث بعد الحديث ، لكن أغلب ذلك مما اجتهد في دفع الضعف عنه بتكلف لا يخفى على من تأمله .
وإنما يصدق النقد لابن الجوزي في أنه حكم على ما ضمنه كتابه بالوضع ، وفيه أحاديث كثيرة لا تهبط إلى ذلك القدر ، بل هي من قسم الضعيف ، ( أو الحسن )
وعلة أوهام ابن الجوزي في كثير منها ناتجة عن التقليد لمن تقدمه كابن عدي والعقيلي وابن حبان ، حيث يتابعهم في إيراد أحاديث انتقدوها على بعض الرواة ، ربما لم يحكموا عليها بأكثر من النكارة ، فيوردها ابن الجوزي على أنها موضوعة .
والثاني : أنه بنى في نقده على إعماله الجرح غير المحرر في الراوي المختلف فيه ، وأوهامه في هذا كثيرة في جميع كتبه التي تعرض فيها لنقد الأحاديث أو الرجال ، فإنه يذكر الجرح ويقصر في التعديل ، أو يغفله جملة ، وغاية أمر الراوي أن يكون ضعيفاً لا يتهم .
قال الذهبي وذكر قدر معرفة ابن الجوزي بنقد الحديث : " أما الكلام على صحيحه وسقيمه ، فما له فيه ذوق المحدثين ، ولا نقد الحفاظ المبرزين ، فإنه كثير الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة ، مع كونه كثير السياق لتلك الأحاديث في الموضوعات ، والتحقيق أنه لا ينبغي الاحتجاج بها ، ولا ذكرها في الموضوعات وربما ذكر في الموضوعات أحاديث حساناً قوية.
قلتُ : نعم ، أكثر ما في كتاب " الموضوعات " من الحديث الأحاديث الموضوعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(14):
" إنَّ الْمَوْضُوعَ فِي اصْطِلَاحِ أَبِي الْفَرَجِ هُوَ الَّذِي قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ بِهِ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْكَذِبَ ،بَلْ غَلِطَ فِيهِ ،وَلِهَذَا رَوَى فِي كِتَابِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ وَقَالُوا إنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ بَلْ بَيَّنُوا ثُبُوتَ بَعْضِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ .اهـ.
__________
(1) - سؤالات مسعود السجزي ( النص : 137 ) .
(2) - المجروحين ( 2 / 313 ) .
(3) ت تحرير علوم الحديث 2/334
(4) - سير أعلام النبلاء (21/365-385)(192 )
(5) - هو الحافظ سيف الدين أبو العباس أحمد بن مجد الدين عيسى بن موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ( المتوفى سنة : 643 ) .
(6) - تاريخ الإسلام ( حوادث وفيات 591 - 600 ) ( ص : 300 ) .
(7) - النكت 2/848-850
(8) - تذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 4) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 216)
(9) - انظر م(2857)53و54 والمجمع 5/234 وحم 2/323 وك 4/435 وهب(5358) وعن أبي أمامة طس(5251) وحم 5/250 والشاميين(542) وطب(7616و8000) والسنن الواردة في الفتن (434)
(10) - حم 1/209 و 6/339 و هق 3/52 و خزيمة (1216) و ش 12/216 و سنة 4/156 و د (1297) و ك 1/318 وصحيح الجامع (7937و7955) والصواب من القول أنه صحيح لغيره
(11) - تفسير ابن أبي حاتم (16427 ) و الموضوعات - (ج 2 / ص 282) وتذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 176) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 210) وفيه راو مجهول
(12) - قلت : في هذا الالتزام نظر ، فقد ضعف كثيرا من الأحدايث ، وبعضها موضوع
(13) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 217)
(14) - مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 248)(1/179)
وقبل ابن الجوزي وبعده كتب مفيدة في معرفة الأحاديث الموضوعة ، لكن ليس فيها ما استقصى ، وكأن هذا مطمع غير ممكن من أجل حظ الاجتهاد ، إذ ما يدخله التردد : هل هو موضوع ، أم شديد الضعف واه ، أم منكر ، في هذا الباب كثير .
وابن الجوزي ممن حاول الفصل بين الموضوع والواهي في كتابين منفصلين ، لكن عند غيره أشياء كثيرة مما يخالفه فيها في أي القسمين تكون ، أو هي خارجهما أصلاً . اهـ(1)
أمثلة من كتاب الموضوعات لابن الجوزي(2):
" اعلم أننا خرجنا رواة هذا الحديث على عادة المحدثين ليتبين أنهم وضعوا هذا، وإلا فمثل هذا الحديث لا يحتاج إلى اعتبار رواته، لان المستحيل لو صدر عن الثقات رد ونسب إليهم الخط.
ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سم الخياط لما نفعننا ثقتهم ولا أثرت في خبرهم، لانهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث رأيته يخالف المعقول، أو يناقض الاصول، فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره.
واعلم أنه قد يجئ في كتابنا هذا من الاحاديث ما لا يشك في وضعه، غير أنه لا يتعين لنا الواضع من الرواة، وقد يتفق رجال الحديث كلهم ثقاة والحديث موضوع أو مقلوب أو مدلس، وهذا أشكل الامور، وقد تكلمنا في هذا في الباب المتقدم.
القرآن كلام الله عزوجل، وكلامه من صفاته، وصفاته قديمة، وهذا يكفى في دليل قدمه.
وقد تحذلق أقوام فوضعوا أحاديث تدل على قدم القرآن:
الحديث الاول: أنبأنا عبد الرحمن بن محمد (القزاز) قال أنبأنا أحمد بن على بن ثابت قال أنبأنا على بن أحمد المحتسب قال أنبأنا الحسن بن الحسين الهمداني قال حدثنا أبو نصر محمد بن هارون النهرواني قال حدثنا محمد بن عبد بن عامر السمرقندى قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبدالله بن لهيعة عن أبى الزبير عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال القرآن مخلوق فقد كفر " هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الدارقطني: محمد بن عبيد يكذب ويضع الحديث.
الثاني: أنبأنا عبدالرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن على بن ثابت قال أنبأنا المسيب بن محمد بن المسيب [ الأرحباني ] قال حدثنا أبى قال حدثنا محمد بن يحيى بن رزين المصيصى قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال حدثنا كهمس عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " [ كل ] ما في السموات وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن وذلك أنه كلامه منه بدأ وإليه يعود، وسيجئ أقوام من أمتى يقولون القرآن مخلوق، فمن قاله منهم كفر بالله العظيم وطلقت امرأته من ساعته، لانه لا ينبغي لمؤمنة أن تكون تحت كافر إلا أن تكون سبقته بالقول ".
هذا حديث موضوع والمتهم به محمد بن يحيى بن رزين.
قال أبو حاتم السبتي: كان دجالا يضع الحديث لا يحل ذكره إلا بالقدح فيه.
الحديث الثالث: أنبأنا إسماعيل بن أحمد السمرقندى قال أنبأنا إسماعيل ابن مسعدة قال أنبأنا حمزة بن يوسف قال أنبأنا أبو أحمد بن عدى الحافظ قال حدثنا أحمد بن محمد بن حرب قال حدثنا ابن حميد عن جرير بن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " القرآن كلام الله لا خالق ولا مخلوق، ومن قال غير ذلك فهو كافر ".
هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن عدى: أحمد بن محمد بن حرب مشهور بالكذب ووضع الحديث.
وكذلك قال أبو حاتم بن حبان: كان كذابا يضع الحديث.
وقال الدارقطني متروك.
وأما ابن حميد فاسمه محمد بن حميد بن حيان ،وقد كذبه أبو زرعة وابن [ وارة].
وقال صالح بن محمد ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن [ الشاذكونى ].
الحديث الرابع: أنبأنا أبو منصور [ القزاز ] قال أنبأنا أبو بكر ابن ثابت الخطيب قال أنبأنا أبو القاسم طلحة بن على بن الصقر الكنانى قال حدثنا محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشافعي قال حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد ابن المهدى قال حدثنا أبو نافع أحمد بن كثير قال حدثنا جعفر بن محمد العابد قال
حدثنا أبو يعقوب الاعمى عن إسماعيل بن يعمر عن محمد بن عبدالله الدغشى قبيل من اليمن قال سمعت [ مخلد ] بن سعيد يقول سمعت مسروقا، يقول سمعت عبدالله بن مسعود يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يقول) " القرآن كلام الله (ليس) بخالق ولا مخلوق فمن زعم غير ذلك فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".
قل الخطيب: هذا الحديث منكر جدا وفي إسناده غير واحد من المجهولين.
قال الدارقطني: وأبو عمارة ضعيف جدا.
الحديث الخامس: أنبأنا عبدالرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن على بن ثابت الخطيب قال أخبرني الحسن بن أبى طالب قال حدثنا يوسف بن عمر القواس قال: قرئ على صدقة بن هبيرة وأنا أسمع قيل له: حدثك يوسف بن يعقوب المعدل قال: قال حدثنا حفص بن إبراهيم قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الاسكندرانى عن بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن أم الدرداء عن أبى الدرادء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " من مات وهو يقول القرآن مخلوق لقى الله يوم القيامة ووجه إلى قفاه ".
قال الخطيب: ومن بين ابن هبيرة وبقية لا يعرف وثور بن يزيد لم (يدرك) أم الدرداء.
قال المصنف: قلت وقد ذكرنا أن بقية كان يروي عن المجهولين والضعفاء وربما أسقط ذكرهم وذكر من رووا له عنه.
وقد روى في هذا الباب أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيها شئ يثبت عنه."
ب) اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة : للسيوطي
عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد سابق الدين الخضيري الأسيوطي المشهور بإسم جلال الدين السيوطي، (849 هـ/1445 م-911 هـ/1505 م) من كبار علماء المسلمين.
ولد السيوطي مساء يوم الأحد غرة شهر رجب من سنة849هـ، الموافق سبتمبر من عام 1445م، بالقاهرة، واسمه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري الأسيوطي، وكان سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه. وقد توفي والد السيوطي ولابنه من العمر ست سنوات، فنشأ الطفل يتيمًا، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه. وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم "الكمال بن الهمام الحنفي" أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا خاصة في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة.
وقام برحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي. ثم دَّرس الحديث بالمدرسة الشيخونية. ثم تجرد للعبادة والتأليف عندما بلغ سن الأربعين.
مؤلفاته
ألف جلال الدين السيوطي عدد كبير من الكتب و الرسائل إذ يذكر ابن إياس في "تاريخ مصر" أن مصنفات السيوطي بلغت ست مئة مصنف. وقد ألف في طيف واسع من المواضيع تشمل التفسير والفقه والحديث والأصول والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والأدب وغيرها. من هذه المصنفات:
• ... إسعاف المبطأ برجال الموطأ
• ... الآية الكبرى في شرح قصة الاسراء
• ... الأشباه والنظائر
• ... الإتقان في علوم القرآن
• ... الجامع الصغير من حديث البشير النذير
• ... الجامع الكبير
• ... الحاوي للفتاوى
• ... الحبائك في أخبار الملائك
• ... الدر المنثور في التفسير بالمأثور
• ... الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة
• ... الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج
• ... الروض الأنيق في فضل الصديق
• ... العرف الوردي في أخبار المهدي
• ... الغرر في فضائل عمر
• ... الفية السيوطي
• ... الكاوي على تاريخ السخاوي (ألفه بسبب خصومته مع السخاوي)
• ... اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة
• ... المَدْرَج إلى المُدْرَج
• ... المزهر في علوم اللغة وأنواعها
• ... المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب
• ... أسباب ورود الحديث
• ... أسرار ترتيب القرآن
• ... أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب
• ... إرشاد المهتدين إلى نصرة المجتهدين
• ... إعراب القرآن
• ... إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر
• ... تاريخ الخلفاء
• ... تحذير الخواص من أحاديث القصاص
• ... تحفة الأبرار بنكت الأذكار النووية
• ... تدريب الراوى في شرح تقريب النواوي
• ... تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك
• ... تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش
• ... تنوير الحوالك شرح موطأ مالك
• ... تنبيه الغبيّ في تبرئة ابن عربي
• ... حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة
• ... در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة
• ... ذم المكس
• ... شرح السيوطي على سنن النسائي
• ... صفة صاحب الذوق السليم
• ... طبقات الحفّاظ
• ... طبقات المفسرين
• ... عقود الجمان في علم المعاني والبيان
• ... عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث
• ... عين الإصابة في معرفة الصحابة
• ... كشف المغطي في شرح الموطأ
• ... لب اللباب في تحرير الأنساب
• ... لباب الحديث
• ... لباب النقول في أسباب النزول
• ... ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين
• ... مشتهى العقول في منتهى النقول
• ... مطلع البدرين فيمن يؤتى أجره مرتين
• ... مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة
• ... مفحمات الأقران في مبهمات القرآن
• ... نظم العقيان في أعيان الأعيان
• ... همع الهوامع شرح جمع الجوامع
• ... الفارق بين المصنف والسارق وهو أول كتاب فقهي حول الملكية الفكرية التي لم يتعرف عليها العالم إلا في سنة 1886م، من خلال أتفاقية برن لحقوق المؤلف.
أحداث زمانه
سقطت الخلافة العباسية في بغداد سنة [656هـ 1258م] في أيدي المغول وتحطم معها كل شيء بدءًا من النظام السياسي الذي سقط، والخليفة الذي قُتل هو والعلماء والرعية -إلا القليل- وانتهاءً بالمكتبة العربية الضخمة التي أُلقيت في نهر دجلة. وفي أقصى الغرب كانت المصيبة أفدح، حيث زالت دولة الإسلام بالأندلس بعد سقوط غرناطة سنة [897هـ 1492م] ثم جاءت معها محاكم التحقيق لتقضي على البقية الباقية من المسلمين هناك، ويحرق رهبان هذه المحاكم مكتبة الإسلام العامرة هناك، وبدا المشهد وكأن المغول والنصارى يطوون سجادة الإسلام من خريطة العالم، غير أن هذه الهزة السياسية العنيفة واكبها صعود ثقافي وعلمي للمسلمين حيث ظهر عصر الموسوعات الضخمة في العلوم والفنون والآداب، والذي أستمر أكثر من قرن ونصف. ومن أصحاب هذه الموسوعات الضخمة "ابن منظور" المتوفى [711 هـ 1311م] صاحب كتاب "لسان العرب" و"النويري" المتوفى [ 732 هـ 1331م] صاحب " نهاية الأرب"، و"ابن فضل الله العمري" المتوفى [748هـ 1347م]، صاحب "مسالك الأبصار" و"القلقشندي" المتوفى [821هـ 1418م] صاحب "صبح الأعشى".
شيوخه
عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، فابتدأ في طلب العلم سنة [ 864 هـ 1459م] ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس اللغة العربية، وألف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، فألف "شرح الاستعاذة والبسملة" فأثنى عليه شيخه "علم الدين البلقيني". وكان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه، فإذا ما توفي انتقل إلى غيره، وكان عمدة شيوخه "محيي الدين الكافيجي" الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة وأخذ منه أغلب علمه، وأطلق عليه لقب "أستاذ الوجود"، ومن شيوخه "شرف الدين المناوي" وأخذ عنه القرآن والفقه، و"تقي الدين الشبلي" وأخذ عنه الحديث أربع سنين فلما مات لزم "الكافيجي" أربعة عشر عامًا وأخذ عنه التفسير والأصول والعربية والمعاني، وأخذ العلم ـ أيضًا ـ عن شيخ الحنفية "الأفصرائي" و"العز الحنبلي"، و"المرزباني" "وجلال الدين المحلي" و"تقي الدين الشمني" وغيرهم كثير، حيث أخذ علم الحديث فقط عن (150) شيخًا من النابهين في هذا العلم. ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن "آسية بنت جار الله بن صالح"، و"كمالية بنت محمد الهاشمية" و "أم هانئ بنت أبي الحسن الهرويني"، و"أم الفضل بنت محمد المقدسي" وغيرهن كثير.
رحلاته
كانت الرحلات وما تزال طريقًا للتعلم، إلا أنها كانت فيما مضى من ألزم الطرق للعالم الذي يريد أن يتبحر في علمه، وكان السيوطي ممن سافر في رحلات علمية ليلتقي بكبار العلماء، فسافر إلى عدد من الأقاليم في مصر كالفيوم ودمياط والمحلة وغيرها، وسافر إلى بلاد الشام واليمن والهند والمغرب والتكرور (تشاد حاليًا) ورحل إلى الحجاز وجاور بها سنة كاملة، وشرب من ماء زمزم، ليصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر العسقلاني. ولما أكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء سنة [871 هـ1466م] وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق. ويقول: "وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى لا فخرًا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟!". وكانت الحلقات العلمية التي يعقدها السيوطي يقبل عليها الطلاب، فقد عُيّن في أول الأمر مدرسًا للفقه بالشيخونية، وهي المدرسة التي كان يلقي فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التي كانت تمتلئ برجال الصوفية. وقد نشب خلاف بين السيوطي وهؤلاء المتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة أن يقتلون الرجل، حينئذ قرر أن يترك الخانقاه البيبرسية، ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة.
اعتزال السيوطي الحياة العامة
قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كان ميدانها الحملات الشرسة في النقد اللاذع في الترجمة المتبادلة، ومن خصومه: البرهان الكركي، وأحمد بن محمد القسطلاني، والشمس الجوجري، غير أن أشد خصوماته وأعنفها كانت مع شمس الدين السخاوي، الذي اتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه. ولم يقف السيوطي مكتوف الأيدي في هذه الحملات، بل دافع عن نفسه بحماسة بالغة وكان من عادته أن يدعم موقفه وقراره بوثيقة ذات طابع أدبي، فألف رسالة في الرد على السخاوي، اسمها "مقامة الكاوي في الرد على السخاوي" نسب إليه فيها تزوير التاريخ، وأكل لحوم العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام. وكان لهذه العلاقة المضطربة بينه وبين بعض علماء عصره، وما تعرض له من اعتداء في الخانقاه البيبرسية أثر في اعتزال الإفتاء والتدريس والحياة العامة ولزوم بيته في روضة المقياس على النيل، وهو في الأربعين من عمره، وألف بمناسبة اعتزاله رسالة أسماها "المقامة اللؤلؤية"، ورسالة "التنفيس في الاعتذار عن ترك الإفتاء والتدريس". وقد تنبه بعض خصوم السيوطي إلى خطئهم فيما صوبوه إلى هذا العالم الجليل من سهام في النقد والتجريح وخصومات ظالمة، فأعلنوا عن خطئهم، وفي مقدمتهم الشيخ القسطلاني الذي أراد أن يسترضي هذا العالم الجليل الذي لزم بيته وعزف عن لقاء الناس، فتوجه إليه حافيًا معتذرًا، غير أن هذا الأمر لم يجعل السيوطي يقطع عزلته ويعود إلى الناس، ولكنه استمر في تفرغه للعبادة والتأليف.
أعتزال السلاطين
عاصر السيوطي (13) سلطانًا مملوكيًا، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم، وضع نفسه في مكانته التي يستحقها، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم، فقد ذهب يومًا للقاء السلطان الأشرف قايتباي وعلى رأسه الطيلسان [عمامة طويلة] فعاتبه البعض، فأنشأ رسالة في تبرير سلوكه أطلق عليها "الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان". وفي سلطنة طومان باي الأول حاول هذا السلطان الفتك بالسيوطي، لكن هذا العالم هجر بيته في جزيرة الروضة واختفى فترة حتى عُزل هذا السلطان. وكان بعض الأمراء يأتون لزيارته، ويقدمون له الأموال والهدايا النفيسة، فيردها ولا يقبل من أحد شيئا، ورفض مرات عديدة دعوة السلطان لمقابلته، وألف في ذلك كتابًا أسماه "ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين".
ريادة ثقافية في عصر العلماء
كان السيوطي من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث ملأ نشاطه العلمي في التأليف مختلف الفروع في ذلك الزمان من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب وغيرها، فقد كان موسوعي الثقافة والاطلاع. وقد أعانه على كثرة تأليفه انقطاعه التام للعمل وهو في سن الأربعين حتى وفاته، وثراء مكتبته وغزارة علمه وكثرة شيوخه ورحلاته، وسرعة كتابته، فقد اتسع عمره التأليفي (45) سنة، حيث بدأ التأليف وهو في السابعة عشرة من عمره، وانقطع له (22) عامًا متواصلة، ولو وُزع عمره على الأوراق التي كتبها لأصاب اليوم الواحد (40) ورقة، على أن القسم الأكبر من تأليفه كان جمعًا وتلخيصًا وتذييلا على مؤلفات غيره، أما نصيبه من الإبداع الذاتي فجِدّ قليل. وقد تمنى السيوطي أن يكون إمام المائة التاسعة من الهجرة لعلمه الغزير، فيقول: "إني ترجيت من نعم الله وفضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحر في أنواع العلوم". وزادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب ورسالة، عدّ له بروكلمان (415) مؤلفا، وأحصى له "حاجي خليفة" في كتابه "كشف الظنون" حوالي (576) مؤلفا، ووصل بها البعض كابن إياس إلى (600) مؤلف. ومن مؤلفاته في علوم القرآن والتفسير: "الاتقان في علوم التفسير"، و"متشابه القرآن"، و" الإكليل في استنباط التنزيل"، و"مفاتح الغيب في التفسير"، و"طبقات المفسرين"، و"الألفية في القراءات العشر". أما الحديث وعلومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما روى عن نفسه، وكان مغرما بجمع الحديث واستقصائه لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال، يشتمل الواحد منها على بضعة أجزاء، وفي أحيان أخرى لا يزيد عن بضع صفحات.. ومن كتبه: "إسعاف المبطأ في رجال الموطأ"، و" تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك"، و" جمع الجوامع"، و" الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة"، و" المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي"، و"أسماء المدلسين"، و"آداب الفتيا"، و" طبقات الحفاظ". وفي الفقه ألف "الأشباه والنظائر في فقه الإمام الشافعي"، و"الحاوي في الفتاوي"، و" الجامع في الفرائض" و" تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع". وفي اللغة وعلومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة منها: "المزهر في اللغة"، و"الأشباه والنظائر في اللغة"، و"الاقتراح في النحو"، و"التوشيح على التوضيح"، و"المهذب فيما ورد في القرآن من المعرب"، و"البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك". وفي ميدان البديع كان له: "عقود الجمان في علم المعاني والبيان"، و"الجمع والتفريق في شرح النظم البديع"، و"فتح الجليل للعبد الذليل". وفي التاريخ والطبقات ألف أكثر من (55) كتابًا ورسالة يأتي في مقدمتها: "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"، و"تاريخ الخلفاء"، و"الشماريخ في علم التاريخ"، و"تاريخ الملك الأشرف قايتباي"، و"عين الإصابة في معرفة الصحابة"، و"بغية الوعاة في طبقات النحاة"، و"نظم العقيان في أعيان الأعيان"، و"در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة"، و"طبقات الأصوليين". ومن مؤلفاته الأخرى الطريفة: "منهل اللطايف في الكنافة والقطايف"، و"الرحمة في الطب والحكمة"، و"الفارق بين المؤلف والسارق"، و"الفتاش على القشاش"، و"الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض". وقد شاءت إرادة الله أن تحتفظ المكتبة العربية والإسلامية بأغلب تراث الإمام السيوطي، وأن تطبع غالبية كتبه القيمة وينهل من علمه الكثيرون.
وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم "شمس الدين الداودي" صاحب كتاب "طبقات المفسرين"، و"شمس الدين بن طولون"، و"شمس الدين الشامي" محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير "ابن إياس" صاحب كتاب "بدائع الزهور".
وفاته
توفي الإمام السيوطي في منزله بروضة المقياس على النيل في القاهرة في 19 جمادى الأولى 911هـ، الموافق 20 أكتوبر 1505 م، ودفن بجواره والده.(3)
وكتابه هو اختصار لكتاب ابن الجوزي وتعقيب عليه ، وزيادات لم يذكرها ابن الجوزي
أمثلة من الكتاب(4):
"1- (الخطيب) أنبأنا علي بن أحمد المحتسب أنبأنا الحسن بن الحسين الهمداني أنبأنا أبو نصر محمد بن هارون النهرواني حدثنا محمد بن عمر وعبد بن عامر السمرقندي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير قال قال رسول الله من قال القرآن مخلوق فقد كفر ،لا يصح محمد يكذب ويضع
2-(الخطيب) أنبأنا محمد بن أحمد بن زرق أنبأنا المسيب بن محمد بن المسيب الأرغياني حدثنا أبي حدثنا محمد بن يحيى بن رزين المصيصي حدثنا عثمان بن عمر بن فارس حدثنا كهمس عن الحسن عن أنس مرفوعا كل ما في السموات والأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن وذلك أنه كلامه منه بدأ وإليه يعود وسيجيء أقوام من أمتي يقولون القرآن مخلوق فمن قاله منهم فقد كفر بالله العظيم وطلقت امرأته من ساعته لأنه لا ينبغي للمؤمنة أن تكون تحت كافر إلا أن تكون سبقته بالقول
__________
(1) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 2 / ص 334)
(2) - الموضوعات - (ج 1 / ص 106) فما بعدها
(3) - المصادر
•جلال الدين السيوطي: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم القاهرة ـ الطبعة الأولى 1387 هـ1967م.
•مصطفى الشكعة: جلال الدين السيوطي ـ مطبعة الحلبي 1401هـ 1981م.
•عبد الحفيظ فرغلي القرني: الحفاظ جلال الدين السيوطي ـ سلسلة أعلام العرب (37) ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1990.
•محمد عبد الله عنان: مؤرخو مصر الإسلامية ـ الهيئة العامة للكتاب ـ "سلسلة مكتبة الأسرة".
•موقع إسلام أون لاين: http://www.islamonline.net/arabic/history/1422/08/article09.shtml
وانظر البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - (ج 1 / ص 311)228
(4) - اللآلي المصنوعة - (ج 1 / ص 11) فما بعد(1/180)
موضوع آفته محمد بن يحيى بن رزين قال ابن حبان دجال يضع
3-الحديث (ابن عدي) حدثنا أحمد بن محمد بن حرب حدثنا ابن حميد عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا القرآن كلام الله لا خالق ولا مخلوق من قال غير ذلك فهو كافر
موضوع آفته ابن حرب وشيخه أيضا كذاب وهو محمد بن حميد بن حبان
4-(الخطيب) أنبأنا طلحة بن علي الكتاني حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد بن المهدي حدثنا أبو نافع بن كثير حدثنا جعفر بن محمد العابد حدثنا أبو يعقوب الأعمى عن إسماعيل بن يعمر عن محمد بن عبد الله الدغشي سمعت مجالد بن سعيد يقول سمعت مسروقا يقول سمعت عبد الله بن مسعود يقول سمعت رسول الله يقول القرآن كلام الله عز وجل ليس بخالق ولا مخلوق فمن زعم غير ذلك فقد كفر بما أنزل على محمد قال الخطيب منكرا جدا فيه مجاهيل وأبو عمارة قال الدارقطني ضعيف جدا (قلت) قال الذهبي في الميزان هو موضوع على مجالد انتهى
وللحديث طرق :
5-قال الديلمي في مسند الفردوس أنبأنا عبد الرحيم بن المرزبان الصيدلاني الرازي إذنا أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي بن حمدان الرازي حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد ابن بدر الكرجي البغدادي حدثنا محمد بن محمد بن قنبرة الباراني قدم بغداد حدثنا أبو هاشم عبد الله بن أبي سفيان الشعراني حدثنا الربيع بن سليمان قال ناظر الشافعي حفصا الفرد وكان حفص من غلمان بشر المريسي فقال في بعض كلامه القرآن مخلوق فقال له الشافعي كفرت بالله العظيم ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فاقتلوه فإنه كافر وقال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين قالوا سمعنا رسول الله يقول القرآن كلام الله غير مخلوق فمن قال غير هذا فقد كفر
6-وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق أنبأنا أبو الحسن علي بن السلم الفرضي حدثنا عبد العزيز أحمد الصوفي أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر حدثنا محمد بن هارون حدثنا أبو نصر منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك القزويني حدثنا أبو سليمان داود بن سليمان حدثنا الوليد بن مسلم الدمشقي عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن حسان بن عطية عن أبي الدرداء قال سألت رسول الله عن القرآن فقال هو كلام الله غير مخلوق
قال أبو نصر وكان أحمد بن حنبل يقول لأصحاب الحديث إذهبوا إلى أبي سليمان فاسمعوا منه حديث الوليد بن مسلم فإنه لم يروه غيره ،أبو سليمان عندنا ثقة مأمون انتهى
قال الذهبي في الميزان منصور بن إبراهيم القزويني لا شيء سمع منه أبو علي بن هارون بمصر حديثا باطلا قال الحافظ ابن حجر في لسانه هو هذا الحديث انتهى
7- وقد وجدت له متابعا قال الشيرازي في الألقاب أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي المكتب حدثنا محمد بن الفضل بن عبد الجرجاني حدثنا محمد بن الحارث الخولاني يلقب بورد حدثنا أحمد بن إبراهيم التغلبي حدثنا الوليد بن مسلم به وأخرجه الخطيب في كتاب المتفق من طريقه
وقال حسان لم يدرك أبا الدرداء وأحمد بن إبراهيم مجهول انتهى
8-ووجدت له متابعا آخر قال أبو القاسم بن بشر في أماليه حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان حدثنا محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي حدثنا أبو بكر بن محمد بن عيسى بن سلام الآدمي حدثنا عبد الملك بن عبد ربه الخواص حدثنا الوليد بن مسلم به قال في الميزان عبد الملك بن عبد ربه الطائي منكر الحديث وله عن الوليد بن مسلم خبر موضوع انتهى
9- فما رأيت لهذا الحديث من طب (وقال الخطيب) أنبأنا عبيد الله بن محمد بن عبيد الله النجار أنبأنا محمد بن المظفر حدثنا أحمد بن جعفر الدوري النقلبي أبو علي حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد أخبرني الحسن بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي قال سألت رسول الله عن القرآن فقال لي يا علي كلام الله غير مخلوق وقال ابن النجار في تاريخه عبد الوهاب بن عبد الواحد أبو القاسم بن أبي الفرج الأنصاري الواعظ شيخ الحنابلة بدمشق حدث عن والده بحديث منكر ثم قال أنبأنا يوسف ابن المبارك بن كامل بن أبي غالب الحفاف عن أبيه أنبأنا عبد الوهاب بن عبد الواحد الحنبلي سمعت والدي يقول حدثنا أبو العباس أحمد بن قيس المالكي أنبأنا علي بن أبي الحسن الصوفي حدثني أبو أحمد عبد الله بن عبد الحافظ حدثني هبيل بن محمد السليحي حدثني أبو بكر رؤبة بن عياش حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي حكيم الشامي مرفوعا خيركم من حفظ كتاب الله فعمل به وعلمه الناس وهو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فمن قال مخلوق فهو كافر وقال الشيرازي في الألقاب أنبأنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أنبأنا محمد بن أحمد بن سعيد أنبأنا الحسن بن علي التمار أنبأنا أبو علي الحسين بن إسماعيل القاضي أنبأنا إسحاق بن محمد المقزي أنبأنا الحسن بن علي الطحان المعروف بلولو حدثني محمد بن أبي السودا حدثنا وكيع عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود وحذيفة قالا كنا عند رسول فقال كيف أنتما إذا استخف الناس بالقرآن أما أنكما لن تدركا ذلك إذا استخف الناس بالقرآن وقالوا القرآن مخلوق برئ الله تعالى منهم وجبريل وكفروا بما أنزل علي
10-وقال ابن عدي حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا يحيى بن سليم حدثنا الأزور بن غالب عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال القرآن كلام الله وليس بمخلوق
قال ابن عدي هذا منكر وإن كان موقوفا لأنه لا يحفظ للصحابة الخوض في القرآن
وقال الذهبي الأزور منكر الحديث أتى بما لا يحتمل فكذب وهو هذا الأثر
11-وقال أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي في الإبانة أنبأنا إبراهيم بن علي بن عبد الله القرشي وكان صدوقا حدثنا عثمان بن محمد بن إبراهيم المادراي حدثنا أحمد بن محمد بن موسى حدثنا عبد الكريم بن موسى الهيثم الدير عاقولي حدثنا علي بن صالح الأنماطي حدثنا يوسف بن عدي عن محبوب بن محرز عن الأعمش عن إبراهيم بن يزيد عن الحارث بن سويد قال علي رضي الله عنه يذهب الناس حتى لا يبقى أحد يقول لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك ضرب يعسوب الدين ذنبه فيجتمعون إليه من أطراف الأرض كما تجتمع قزع الخريف ثم قال علي إني أعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم يقولون القرآن مخلوق وليس هو بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الرب عز وجل منه بدأ وإليه يعود هذا الإسناد رجاله ثقات "
قلت : قد وضعت أرقاما للأحاديث حتى أناقشها :
أول ملاحظة - أنه يأتي بمتابعات للحديث للرد على ابن الجوزي رحمه الله
ثايا- كثير من هذه المتابعات لا قيمة لها
ثالثا- كان متساهلا جدا في قبول الأخبار ، بعكس ابن الجوزي ، فكلاهما على طرفي نقيض
رابعاً - ليس لنا معه نقاش حول الأحاديث الأربعة الأولى لأنه نقل من تكلم فيها ، وأما قوله وللحديث طرق : فلننظر في هذه الطرق هل لها قيمة علمية أم لا ؟
الحديث الخامس من طريق الديلمي ، وغالب ما يرويه الديلمي منكر وواهي وموضوع ، وضعيف ، هذا أولاً ، وثانيا فيه مجاهيل ، وذكر هذه القصة مع الحديث الذي أسنده الشافعي وكأنها صحيحة
قال السخاوي(1):
"حديث: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، فمن قال غير هذا فقد كفر، الديلمي من حديث أبي هاشم عبد اللَّه بن أبي سفيان الشعراني عن الربيع بن سليمان قال: ناظر الشافعي حفصاً الفرد أحد غلمان بشر المريسي فقال في بعض كلامه: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت باللَّه العظيم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس رفعه: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، ومن قال مخلوق فاقتلوه، فإنه كافر، قال الشافعي: وحدثنا ابن عيينة عن الزهري وسعيد بن المسيب عن رافع بن خديج وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين قالوا: سمعنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قرأ آية ثم قال: فمن قال غير ذلك فقد كفر، انتهى. والمناظرة دون الحديث صحيحة، وتكفير الشافعي لحفص ثابت، أورده البيهقي في مناقب الشافعي ومعرفة السنن وغيرهما من تأليفه، ولكن الحديث من الوجهين، بل ومن جميع طرقه باطل، والسندان مختلقان على الشافعي قال البيهقي في الأسماء والصفات: ونقل إلينا عن أبي الدرداء مرفوعاً: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، وروى ذلك أيضاً عن معاذ وابن مسعود وجابر مرفوعاً، ولا يصح شيء من ذلك، أسانيده مظلمة لا ينبغي أن يحتج بشيء منها، ولا أن يستشهد بها، وسرد من الأدلة المرفوعة لمعنى كون القرآن كلام اللَّه غير مخلوق ما فيه الكفاية، وكذا ساق عن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ما فيه مقنع، قال: وعلى هذا مضى صدر الأمة، لم يختلفوا في ذلك، ثم نقل عن جعفر بن محمد الصادق فيمن قال إنه مخلوق: إنه يقتل ولا يستتاب، وكذا عن ابن المديني ومالك: إنه كافر، زاد مالك: فاقتلوه، وعن ابن مهدي وغيره أنه يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وقال البخاري في خلق أفعال العباد: تواترت الأخبار عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن كلام اللَّه، وأن أمر اللَّه قبل مخلوقاته قال: ولم يذكر عن أحد من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان خلاف ذلك، وهم الذين أدوا إلينا الكتاب والسنة قرناً بعد قرن، ولم يكن بين أحد من أهل العلم فيه خلاف إلى زمن مالك والثوري وحماد وفقهاء الأمصار، ومضى على ذلك من أدركناه من علماء الحرمين والعراقين والشام ومصر وخراسان، إلى آخر الكلام. وأطال أبو الشيخ وغيره في كتب السنة وغيرها بذكر الآثار في ذلك، ولكن الاختلاف في تكفير المتأولين المخطئين من أهل الأهواء شهير، ولبسط ذلك في تمامه في غير هذا المحل، وروينا في جزء الفيل عن أبي بكر يحيى بن أبي طالب قال: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، ومن زعم أن الإيمان مخلوق فهو مبتدع، والقرآن بكل جهة غير مخلوق، وفي غيره من عمرو بن دينار قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: كل شيء دون اللَّه مخلوق ما خلا كلامه، فإنه منه وإليه يعود. "
قلت : فانظر يارعاك الله إلى التحقيق العلمي الرصين الذي قام به الإمام السخاوي ، فالفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض
والحديث السادس بين آفته وأنه موضوع
والحديث السابع لا يصلح للمتابعة ففيه مجاهيل وانقطاع
والحديث الثامن موضوع ، وبقية المتابعات والشواهد كلها تدور إما على وضاعين أو مجاهيل ، فلا قيمة لها جميعاً ، والصواب قول الإمام السخاوي رحمه الله .
وقال القاري(2):
" حديث القرآن كلام الله غير مخلوق فمن قال بغير هذا فقد كفر قال الصغاني هذا موضوع وقال السخاوي هذا الحديث من جميع طرقه باطل وأورده ابن الجوزي في الموضوعات "
أما تعقباته على ابن الجوزي فسوف نناقشها في الكتاب الذي يليه إن شاء الله .
ج) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة : علي بن محمد بن عراق الكناني، الشافعي، المتوفى سنة (963) ،وهو أكمل كتاب، في هذا الباب، جمع فيه مجموعات ابن الجوزي، والسيوطي، ورتبه على ترتيبهما، وأهداه للسلطان سليمان خان، ويعتبر هذا الكتاب خلاصة جميع الموضوعات، مع التحرير والإنصاف والتحقيق العلمي، والاستقراء التام.
قلت : وقد قسَّم كتابه على الشكل التالي :
أولا- ذكر أسماء المراجع بالرموز للاختصار ، وقال بنهايتها :
" وإذا قلت قال ابن الجوزي أو السيوطي فلست أعني عبارتهما بلفظها وإنما أعني ملخصها ومحصولها، وإذا قال ابن الجوزي في حديث لا يصح أو منكر ونحوهما أوردت لفظه في ذلك، فإن صرح بكونه موضوعا أو باطلا أو كذبا أحد ممن بعد ابن الجوزي ذكرته، فإن كان في أوله قلت فمن زيادتي وإلا فمن مؤلف السيوطي، فأما إذا قال ابن الجوزي موضوع أولا أصل له أو كذب فلا أذكر ذلك غالباً اختصارا ،ولأن موضوع الكتاب بيان الموضوع ،فهو كاف في الحكم عليه بذلك إلا أن يقال ذلك في حديث لم يصرح بوصف أحد من رواته بكذب ولا وضع فأذكره ،وراجعت حال جمعي لهذا التلخيص موضوعات ابن الجوزي والعلل المتناهية له وتلخيصهما للحافظ الذهبي وتلخيص موضوعات الجوزقاني والميزان للذهبي أيضا ولسان الميزان وتخريج الرافعي وتخريج الكشاف والمطالب العالية وتسديد القوس وزهر الفردوس الستة للحافظ ابن حجر ،وتخريج الإحياء للحافظ العراقي والأمالي له ،وتلخيص الموضوعات للعلامة جلال الدين إبراهيم بن عثمان بن إدريس بن درباس فربما أزيد من هذه الكتب وغيرها ما يحتاج إليه وأميز ما أزيده غالبا بقولي في أوله قلت وفي آخره والله أعلم ،وقدمت قبل الخوض في المقصود فصولاً نافعة في معرفة مقدار هذا الفن لطالبيه ( وسميته ) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، والله المسؤل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعني به ومن طالعه بنية صادقة وقلب سليم "
ثانيا- ثم تكلم عن حقيقة الموضوع وأماراته وحكمه
فقال : " الموضوع لغة اسم مفعول من وضع الشيء يضعه بالفتح وضعا حطه وأسقطه ،وقال الحافظ ابن دحية الموضوع الملصق وضع فلان على فلان كذا ألصقه به ،واصطلاحا هو الحديث المختلق المصنوع مأخوذ من المعنى الأول لأن رتبته أن يكون مطرحاً ملقى لا يستحقُّ الرفع أصلا ،أو من المعنى الثاني لأنه ملصق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو شر أنواع الضعيف .
وله أمارات منها إقرار واضعه بوضعه كحديث فضائل القرآن اعترف بوضعه ميسرة بن عبد ربه فيردُّ حديثه ذلك سائر مروياته ،وليس هذا قبولا لقوله مع اعترافه بالمفسق وإنما هو مؤاخذة له بموجب إقراره كما يؤاخذ الشخص باعترافه بالزنى والقتل ونحوهما ،واستفيد من جعلنا هذا أمارة أنا لا نقطعُ على حديثه ذلك بالوضع لاحتمال كذبه في إقراره ،نعم إذا انضمَّ إلى إقراره قرائن تقتضي صدقه فيه قطعنا به ولا سيما إذا كان إخباره لنا بذلك بعد توبته .
ومنها ما ينزل منزلة إقراره ومثاله كما قال العلامة الزركشي والحافظ العراقي أن يعيِّنَ المتفردُ بالحديث تاريخ مولده أو سماعه بما لا يمكن معه الأخذ عن شيخه أو يقول إنه سمع في مكان يعلم أن الشيخ لم يدخله، وقال الحافظ ابن حجر في نكت ابن الصلاح الأولى أن يمثل لهذه الأمارة بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح أنهم اختلفوا بحضور أحمد ابن عبد الله الجويباري في سماع الحسن من أبي هريرة فروى لهم بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع الحسن من أبي هريرة، قلت إنما عرف كذب هذا الحديث بالتاريخ فلو قال الزركشي والعراقي في الصورة الأولى كأن يكذبه التاريخ لشمل هذا المثال والله أعلم.
ومنها أن يصرح بتكذيب راويه جمعٌ كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا .
ومنها قرينة في حال الراوي كقصة غياث بن إبراهيم النخعي مع المهدي وستأتي.
ومنها قرينةٌ في المروي كمخالفته لمقتضى العقل بحيث لا يقبل التأويل ،ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة أو العادة .
وكمنافاته لدلالة الكتاب القطعية أو السنة المتواترة أو الاجماع القطعي قال الزركشي: هذا إن لم يحتمل أن يكون سقط من المروي على بعض رواته ما تزول به المنافاة كحديث لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة، فإنه سقط على راويه لفظة منكم، قال الحافظ ابن حجر وتقييد السنة بالمتواترة احتراز عن غير المتواترة فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفة السنة مطلقا، وقد أكثر من ذلك الجوزقانى في كتاب الأباطيل ،وهذا إنما يتأتى حيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوهِ، أما مع إمكان الجمع فلا ،وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد مشيرا إلى هذه الأمارة: وكثيرا ما يحكمون بالوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث ،وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة مزاولة ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هيئة نفسانية وملكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبوة وما لا يجوز، كما سئل بعضهم كيف تعرف أن الشيخ كذاب قال: إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها علمت أنه كذاب، قلت وقد استأنس بعضهم لذلك بخبر أبي حميد أو أبي أسيد أَبِى أُسَيْدٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا سَمِعْتُُمُ الْحَدِيثَ عَنِّى تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلاَكُمْ بِهِ وَإِذَا سَمِعْتُُمُ الْحَدِيثَ عَنِّى تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ ».(3)رواه الإمام أحمد والبزار في مسنديهما وسنده صحيح كما قاله القرطبي وغيره، وبقوله: « ما حدثتم عني مما تعرفونه فخذوه ، وما حدثتم عني مما تنكرونه فلا تأخذوا به » ، « فإني لا أقول المنكر ، ولست من أهله » رواه ابن الجوزي(4)، وعن الربيع بن خثيم التابعي الجليل أنه قال: « إن للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه ، وظلمة كظلمة الليل تنكره » .
ومن أنواع هذه الأمارة أن يكون الحديث خبراً عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بحضرة الجم الغفير ثم لا ينقله إلا واحدٌ منهم .
( ومنها ) أن يكون فيما يلزم المكلفين علمه وقطع العذر فيه فينفرد به واحد.
( ومنها ) ركة لفظه ومعناه ، قال الحافظ ابن حجر: والمدار على ركة المعنى فحيث وجدت دلت على الوضع سواء انضم إليها ركة اللفظ أم لا، فإن هذا الدين كله محاسنٌ ،والركةُ ترجع إلى الرداءة فبينها وبين مقاصد الدين مباينة، وركة اللفظ وحدها لا تدل على ذلك لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمعنى فعبر بألفاظ غير فصيحة من غير أن يخلَّ بالمعنى ،نعم إن صرح الراوى بأن هذا لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - دلت ركة اللفظ حينئذ على الوضع انتهى.
قال شيخ شيوخنا البرهان البقاعى : ومما يرجع إلى ركة المعنى الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير ،وهذا كثير في حديث القصاص، قال ابن الجوزي :وإني لأستحي من وضع أقوام وضعوا من صلى كذا فله سبعون دارا في كل دار سبعون ألف بيت في كل بيت سبعون ألف سرير على كل سرير سبعون ألف جارية ،وإن كانت القدرة لا تعجز ،ولكن هذا تخليط قبيح ،وكذلك يقولون من صام يوما كان كأجر ألف حاج وألف معتمر وكان له ثواب أيوب ،وهذا يفسد مقادير موازين الأعمال .
( ومنها ) ما ذكره الإمام فخر الدين الرازى أن يروَى الخبر في زمن قد استقرئت فيه الأخبار ودونت فيفتش عنه فلا يوجد في صدور الرجال ولا في بطون الكتب، فأما في عصر الصحابة وما يقرب منه حين لم تكن الأخبار استقرئت فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره ،قال الحافظ العلائى وهذا إنما يقوم به أي بالتفتيش عنه الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو معظمه كالإمام أحمد وعلى بن المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخارى وأبي حاتم وأبي زرعة ومن دونهم كالنسائي ثم الدارقطني ،لأن المآخذ التي يحكم بها غالبا على الحديث بأنه موضوع إنما هي جمعُ الطرق والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم ،وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع هذا مما يأباه تصرفهم انتهى .
( قلت ) فاستفدنا من هذا أن الحفاظ الذين ذكرهم وأضرا بهم إذا قال أحدهم في حديث لا أعرفه أو لا أصل له كفى ذلك في الحكم عليه بالوضع والله أعلم.
( قال ) السيوطى في شرح التقريب: ومن الأمارات كون الراوى رافضيا والحديث في فضائل أهل البيت .
( قلت ) أو في ذمِّ من حاربهم ،وذكر بعض شيوخي أنه روى عن شيخه الحافظ المحدث البرهان الناجي بالنون أن من أمارات الموضوع أن يكون فيه وأعطى ثواب نبى أو النبيين ونحوهما والله تعالى أعلم .
( وهل ) يثبت الوضع بالبينة كأن يرى عدلان رجلاً يصنف كلاما ثم ينسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
قال الزركشي يشبه أن يجئ فيه التردد في أن شهادة الزور هل تثبت بالبينة مع القطع بأنه لا يعمل به .
وحكمُ الموضوع أن تحرم روايته في أي معنى كان بسند أو غيره مع العلم بحاله إلا مقروناً بالإعلام بأنه موضوع ،وكذا مع الظن لقوله - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ». رواه مسلم ، وقوله يرى هو بضم الياء بمعنى يظنُّ وفي الكاذبين راويتان فتحُ الموحدة على إرادة التثنية وكسرها على إرادة الجمع "
ثالثا- رده على من أنكر وقوع الوضع بالكلية ، بقوله :" قال الحافظ ابن كثير :وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً، أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية!!
وقد حاول بعضهم الرد عليه، بأنه قد ورد في الحديث أنه عليه السلام قال: " سيكذب عليَّ " ، فإن كان هذا الخبر صحيحاً، فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً فقد حصل المقصود. فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن، إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر!! وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم، والذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات، خشية أن تروج عليهم، أو على أحد من الناس، رحمهم الله ورضي عنهم. "
رابعا- ذكر أصنافِ الوضاعين
"( الصنف الأول ) الزنادقة وهم السابقون إلى ذلك والهاجمون عليه حملهم على الوضع الاستخفاف بالدين والتلبيس على المسلمين .....
(الصنف الثانى) أصحاب الأهواء والبدع وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم أو ثلبا لمخالفهم ......
(الصنف الثالث ) قوم اتخذوا الوضع صناعة وتسوقا جراءة على الله ورسوله حتى إن أحدهم ليسهر عامة ليله في وضع الحديث .....
(الصنف الرابع ) قوم ينسبون إلى الزهد حملهم التدين الناشئ عن الجهل على وضع أحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس بزعمهم على الخير ويزجروهم عن الشر وقد جوز ذلك الكرامية وكذا بعض المتصوفة كما قال الحافظ ابن حجر .......
(الصنف الخامس ) أصحاب الأغراض الدنيوية كالقصاص والشحاذين وأصحاب الأمراء .......
(
__________
(1) - المقاصد الحسنة للسخاوي - (ج 1 / ص 412)(767 )
(2) - المصنوع في معرفة الحديث الموضوع - (ج 1 / ص 129)(213 )
(3) - مسند أحمد (16483) وهو صحيح
(4) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (1302 )(1/181)
الصنف السادس ) قوم حملهم الشره ومحبة الظهور على الوضع فجعل بعضهم لذى الإسناد الضعيف إسنادا صحيحا مشهورا وجعل بعضهم للحديث إسنادا غير إسناده المشهور ليستغرب ويطلب ......
( الصنف السابع ) قوم وقع الموضوع في حديثهم ولم يتعمدوا الوضع كمن يغلط فيضيف إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - كلام بعض الصحابة أو غيرهم وكمن ابتلى بمن يدس في حديثه ما ليس منه ..... "
خامسا- بينَ جهودَ العلماء في كشف الوضاعين
قال : " قال ابن الجوزي لما لم يمكن أحدا أن يزيد في القرآن أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويضعون عليه ما لم يقل فأنشأ الله علماء يذبون عن النقل ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح ،وما يخلى الله منهم عصرا من الأعصار ،غير أنهم قلُّوا في هذا الزمان، فصاروا أعز من عنقاء المغرب .
وقد كانوا إذا عدوا قليلا فقد صاروا أقلَّ من القليل
قال سفيان الثورى: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض وقال يزيد بن زريع : لكل دين فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد، وروينا عن ابن المبارك أنه قيل له هذه الأحاديث الموضوعة فقال: تعيش لها الجهابذة .
( قلت ) وذكر الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ أن الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها ،فقال: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحق الفزارى وابن المبارك يتخللانها فيخرجانها حرفا حرفا ،وقال ابن قتيبة في كتابه اختلاف الحديث يمدح أهل الحديث :" فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا ن الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلبهم لآثاره وأخباره براً وبحراً وشرقاً وغرباً يرحل الواحد منهم راجلاً مقوياً في طلب الخبر الواحد أو السنة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة ثم لم يزالوا في التنقير عن الأخبار والبحث لها حتى فهموا صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الراي فنبوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عافياً وبسق بعد أن كان دارساً واجتمع بعد أن كان متفرقاً وانقاد للسنن من كان عنها معرضاً وتنبه عليها من كان غافلاً وحكم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان وأن كان فيه خلاف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف وطلبهم الغرائب وفي الغريب الداء ولم يحملوا الضعيف والغريب لأنهم رأوهما حقاً بل جمعوا الغث والسمين والصحيح والسقيم ليميزوا بينهما ويدلوا عليهما وقد فعلوا ذلك فقالوا في الحديث المرفوع شرب الماء على الريق يعقد الشحم هو موضوع وضعه عاصم الكوزي. وفي حديث ابن عباس أنه كان يبصق في الدواة ويكتب منها وضعه عاصم الكوزي. قالوا: وحديث الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجز طلاق المريض موضوع وضعه سهل السراج. قالوا: وسهل كان يرى أنه رأى الحسن يصلي بين سطور القبور وهذا باطل لأن الحسن روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بين القبور. قالوا: وحديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يزال الرجل راكباً ما دام منتعلاً باطل وضعه أيوب بن خوط. وحديث عمرو بن حريث رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يشار بين يديه يوم العيد بالحراب هو باطل وضعه المنذر بن زياد. وحديث ابن أبي أوفى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمس لحيته في الصلاة وضعه المنذر بن زياد. وحديث يونس عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن عشر كنى موضوع وضعه أبو عصمة قاضي مرو. وقالوا في أحاديث موجودة على ألسنة الناس ليس لها أصل منها من سعادة المرء خفة عارضيه، ومنها سموهم بأحب الأسماء إليهم وكنوهم بأحب الكنى إليهم، ومنها خير تجارتكم البز وخير أعمالكم الخرز، ومنها لو صدق السائل ما أفلح من رده، ومنها الناس أكفاء إلا حائكاً أو حجاماً مع حديث كثير لا يحاط به قد رووه وأبطلوه". انتهى .(1)
وقال ابن حبان: أخبرني الحسن بن عثمان بن زياد، حدثنا محمد بن منصور، قال: مر أحمد بن حنبل - رحمه الله - على نفر من أصحاب الحديث، وهم يعرضون كتابا لهم، فقال: ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
" لا تزال طائفة من أمتى على الحق حتى تقوم الساعة ".
قال أبو حاتم: ومن أحق بهذا التأويل من قوم فارقوا الاهل والاوطان، وقنعوا بالكسر والاطمار في طلب السنن والآثار، وطلب الحديث والاخبار، يجولون في البراري والقفار، ولا يبالون بالبؤس والاقتار، المتبعون لآثار السلف من الماضين، والسالكون ثبج محجة الصالحين ورد الكذب عن رسول رب العالمين، وذب الزور عنه حتى وضح للمسلمين المنار، وتبين لهم الصحيح من بين الموضوع والزور من الآثار،.(2)"
سادسا- رأيُه بكتاب ابن الجوزي :
قال : " قال السيف أحمد بن أبي المجد : أطلق ابن الجوزي الوضع على أحاديث لكلام بعض الناس في رواتها كقوله فلان ضعيف أو ليس بالقوى ونحوهما وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه ولا فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا إجماع ولا ينكره عقل ولا نقل ،ولا حجة معه لوضعه سوى كلام ذلك الرجل في رواته ،وهذا عدوان ومجازفة انتهى نقله شيخ شيوخنا العلامة المحدث شمس الدين السخاوى في شرح التقريب ،وقال عقبه: بل مجرد اتهام الراوى بالكذب مع تفرده لا يسوغ الحكم بالوضع ،ولذا جعله شيخنا يعنى الحافظ ابن حجر نوعاً مستقلا ،وسماه المتروك وفسَّرهُ بأن يرويه من يُتَّهم بالكذب, ولا يُعْرف ذلك الحديث إلاَّ من جهته, ويَكُون مُخَالفًا للقواعد المعلومة.
قال: وكذا من عُرف بالكذب في كلامه, وإن لم يظهر منهُ وقوعه في الحديث, وهو دون الأوَّل. انتهى. انتهى(3)
وخرج بقوله من يتهم بالكذب من عرف بالكذب في الحديث، وروى حديثا لم يروه غيره، فإنا نحكم على حديثه ذلك بالوضع إذا انضمت إليه قرينة تقتضى وضعه كما صرح به الحافظ العلائي وغيره . "
سابعاً- ذكرُ أصناف الوضاعين في الحديث النبوي :
وبدأه بقوله "فى سرد أسماء الوضاعين والكذابين ومن كان يسرق الأحاديث ويقلب الأخبار ومن اتهم بالكذب والوضع من رواة الأخبار ملخصا من الميزان والمغنى وذيله للحافظ الذهبى ،ولسان الميزان للحافظ ابن حجر مع زوائد من موضوعات ابن الجوزى مرتبا على حروف المعجم، وغرضى من ذلك أمران:
( أحدهما ) إذا كان في سند حديث من أحاديث هذا الكتاب أحد من المذكورين متفق على تكذيبه فإني أكتفى بقولي بعد تخريج الحديث فيه فلان أن من طريق فلان طلباً للاختصار، وهربا من التكرار، وإن كان غيرُ متفق على تكذيبه وتركه ذكرت من وثَّقه .
( وثانيهما ) عمومُ النفع بذلك فى غير هذا الكتاب ،حتى إذا مر بطالب الحديث رجلٌ من هؤلاء فى سند حديث توقفَ عن العمل به حتى ينظر إلى متابعاته وشواهده، ولما مررت بحلب في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة متوجها إلى الباب السلطاني لا زال مؤيدا بالعون الرباني وقفتُ فيها على كتاب للحافظ برهان الدين الحلبي سماهُ الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ،فألحقت منه ههنا ما تراه معزوا إليه ،ولم أذكر فيهم أحدا ممن روى له الشيخانِ ، وإن رميَ بذلك ،لأن مَن رويا له فقد جاز القنطرةَ كما قاله الامام علي بن المفضل المقدسي رحمه الله والله الموفق "
ثامناً- مثال مما ذكره في أسماء الوضاعين :
"حرفُ الهمزة
( 1 ) أبان بن جعفر النجيرمى عن محمد بن إسماعيل الصايغ قال ابن حبان كذاب وضع على أبى حنيفة أكثر من ثلثمائة حديث، قال الحافظ ابن حجر صحفه ابن حبان وإنما هو إباء بهمزة لا بنون وخفف الباء الخطيب، وقال ابن ماكولا هو بالتشديد والقصر.(4)
( 2 ) أبان بن سفيان المقدسى ويقال أبين عن الفضيل بن عياض قال ابن حبان: روى أشياء موضوعة وقيل أبين غير أبان، قال الذهبى فى المغنى وهو الصحيح وكلاهما له بلايا .(5)
( قلت ) قولهم فلان له بلايا أو هذا الحديث من بلايا فلان قال الحافظ برهان الدين الحلبي: هو كناية عن الوضع فيما أحسب ،لأن البلية المصيبة انتهى.
وأما قولهم :له طامات وأوابد ويأتي بالعجائب فلا أدري هل يقتضي اتهام المقول فيه ذلك بالكذب أم لا يفيد غير وصف حديثه بالنكارة ، وقد سألت بعض أشياخى عن ذلك فلم يفدني فيه شيئا ،نعم رأيت الحافظ ابن حجر قال فى بعض من قيل فيه ذلك: إنه لم يتهم بكذب والله أعلم
( 3 ) أبان بن أبى عياش متروك اتهم بكذب(6)
( 4 ) أبان بن المحبر عن نافع قال ابن حبان يأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم حتى لا يشك أنه كان يعملها(7)
( 5 ) أبان بن نهشل قال ابن حبان : يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم وقال الحاكم يروى عن الأعمش وإسماعيل بن أبى خالد أحاديث موضوعة(8)
( 6 ) إبراهيم بن أحمد الحراني الضرير وهو إبراهيم بن أبى حميد قال أبو عروبة كان يضع الحديث(9)
( 7 ) إبراهيم بن أحمد العجلى الإبزارى عن يحيى بن أبى طالب وغيره قال ابن الجوزى كان يضع الحديث(10)
( 8 ) إبراهيم بن إسحق بن إبراهيم الحنظلى قال ابن حبان كان يسرق الحديث ويقلب الأخبار(11)
( 9 ) إبراهيم بن إسحق بن إبراهيم أبو أحمد البغدادى اتهمه ابن عبد البر في التمهيد(12)
( 10 ) إبراهيم بن إسحق بن نخرة الصنعانى عن عبيد الله بن نافع اتهمه الدارقطنى(13)
( 11 ) إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك الأنصارى عن شعبة والحمادين قال ابن عدى والعقيلى وابن حبان والحاكم حدث عن الثقات بالبواطيل وقيل فى نسبه إبراهيم بن حيان بمثناة تحتية ابن البراء بن النضر بن أنس بن مالك وقيل إبراهيم بن حيان ابن النجار وقيل إبراهيم بن حيان البخترى قال الخطيب فى الموضح كثر الاختلاف في نسبه لضعفه ووهن روايته فغيروا نسبه تدليسا(14)
( 12 ) إبراهيم بن البراء عن سليمان الشاذكونى بخبر باطل والظاهر أنه غير الأول وجعلهما ابن حبان واحدا(15)
( 13 ) إبراهيم بن بكر الشيبانى الأعور الكوفى ويقال الواسطى عن شعبة روى مهنا عن أحمد بن حنبل أنه قال رأيته وأحاديثه موضوعة وقال الذهبى في المغنى قالوا كان يسرق الحديث(16)
(14 ) إبراهيم بن بيطار الخوارزمى القاضى ويقال له إبراهيم بن عبد الرحمن عن عاصم الأحول قال ابن حبان حدث بأحاديث لا أصول لها(17)
( 15 ) إبراهيم بن جريج الرهاوى عن زيد بن أبى أنيسة اتهمه الدارقطنى(18)
( 16 ) إبراهيم بن جعفر بن أحمد بن أيوب المصرى قال الدارقطنى مجهول أتى بخبر باطل(19)
( 17 ) إبراهيم بن الحجاج عن عبد الرزاق وعنه محمود بن غيلان نكرة لا يعرف وأكثر الذى رواه باطل(20)وما هو بالشامى ولا بالنيلى ذانك صدوقان "(21)
قلت : فصار كتابه هنا مرجعاً فريداً للرواة الوضاعين والمتهمين بالوضع ، حيث يمكن معرفتهم بسهولة ، وذلك لأنه مرتب على حروف المعجم .
تاسعاً - قسَّم كتابَه إلى ثلاثة أقسامٍ :
الأولُ- الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي في الموضوعات ،ووفقه غيره على أنها موضوعة ، يعني الأحاديث المتفق على وضعها .
والثاني- الأحاديث التي حكم ابن الجوزي عليها بالوضع ، ونازعه فيها غيره .
والثالث- الأحاديث الموضوعة التي لم يطلع عليها ابن جوزي رحمه الله .
وهذا عمل مهم جدًّا ، فغدا كتابه بهذا أفضل كتاب في الموضوعات .
أمثلة للنوع الأول المتفق على وضعه :
كتاب التوحيد -الفصل الأول(22)
( 1 ) حديث أبى هريرة قيل يا رسول الله مم ربنا قال من ماء مرور لا من أرض ولا سماء خلق خيلا فاجراها فعرقت فخلق نفسه من ذلك العرق ( عد ) من طريق محمد بن شجاع الثلجى وأبى المهزم والمتهم به الثلجى فلعنة الله على واضعه إذ لا يضع مثل هذا مسلم ولا بسيط ولا عاقل .
( 2 ) حديث ) من قال القرآن مخلوق فقد كفر ( خط ) من حديث جابر ولا يصح فيه محمد بن عبد بن عامر السمرقندى.
( 3 ) حديث كل ما في السموات والأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن ،وذلك أنه كلامه منه بدأ وإليه يعود وسيجئ أقوام من أمتى يقولون القرآن مخلوق فمن قاله منهم فقد كفر بالله العظيم وطلقت امرأته من ساعته لأنه لا ينبغى لمؤمنة أن تكون تحت كافر إلا أن تكون سبقته بالقول ( حب حظ ) من حديث أنس وفيه محمد بن يحيى ابن رزين المصيصى ( قال ) السيوطى ورواه الديلمى من طريق الربيع بن سليمان عن الشافعى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن أنس بلفظ القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فاقتلوه فإنه كافر ( قلت ) فى سنده مجاهيل وهو موضوع على الربيع بلا شك والله أعلم ( قال ) وروى الديلمى أيضا عن أنس رفعه قرآنا غير ذى عوج قال غير مخلوق ( قلت ) فى سنده عبد الرحمن بن محمد بن علويه الأبهرى والله أعلم .
( 4 ) حديث القرآن كلام الله لا خالق ولا مخلوق ومن قال غير ذلك فهو كافر ( عد ) من حديث أبى هريرة وفيه أحمد بن محمد بن حرب ومحمد بن حميد بن حيان وآفته ابن حرب .
( 5 ) حديث القرآن كلام الله عز وجل ليس بخالق ولا مخلوق فمن زعم غير ذلك فقد كافر بما أنزل على محمد ( خط ) من حديث ابن مسعود من طريق مجالد عن الشعبى عن مسروق عنه وقال الخطيب منكر جدا وفى إسناده مجاهيل
وقال السيوطى قال الذهبى هو موضوع على مجالد ( قلت ) يعنى لأن مجالدا روى له مسلم مقرونا بغيره والله أعلم.
( 6 ) حديث من مات وهو يقول القرآن مخلوق لقى الله يوم القيامة ووجهه إلى قفاه ( خط ) من حديث أبى الدرداء من طريق يوسف بن يعقوب المعدل عن حفص ابن إبراهيم عن إبراهيم بن العلاء الأسكندرانى عن بقية عن ثور بن يزيد عن أم الدرداء عنه وثور لم يدرك أم الدرداء والثلاثة الذين بعد بقية لا يعرفون قال السيوطى ورواه ابن عساكر من طريق حسان بن عطية عن أبى الدرداء بلفظ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القرآن فقال هو كلام الله غير مخلوق وفى سنده منصور بن إبراهيم القزوينى قال الذهبى فيه لا شئ سمع منه أبو على بن هرون حديثا باطلا ،قال الحافظ ابن حجر وهو هذا الحديث، قال الخطيب وحسان لم يدرك أبا الدرداء ،وله طريق ثان أخرجه الشيرازى فى الألقاب وفيه أحمد بن إبراهيم التغلبى مجهول ،وثالث أخرجه أبو القاسم بن بشران فى أماليه ( قلت ) والحاكم فى شعار أصحاب الحديث والله أعلم ، وفيه عبد الملك بن عبد ربه الخواص قال الذهبى: له عن الوليد بن مسلم خبر موضوع وهو هذا، ورابع أخرجه أبو عمرو الدانى فى طبقات القراء ( قلت ) هو من طريق أحمد بن عيسى الخشاب والله أعلم ،وخامس ولفظه من قال القرآن مخلوق فهو كافر يلقانى يوم القيامة وهو لا يعرفنى أخرجه الديلمى ( قلت ) فى سنده صالح بن قطن البخارى مجهول والله أعلم .
( 7 ) حديث علي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القرآن فقال لى يا على القرآن كلام الله غير مخلوق ( خط ) ، (قلت ) لم يبين علته وفي سنده أحمد بن جعفر الدورى قال بعض أشياخى وأظنه الذى اسم جده عبد الله وهو مشهور بالوضع والله أعلم، قال السيوطى وروى معناه من حديث رافع بن خديج وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين رواه الديلمى عن الربيع عن الشافعى عن ابن عيينة عن الزهرى عن ابن المسيب عنهم ( قلت ) هو بسند حديث أنس الذي سبق وهو موضوع على الربيع والله أعلم ،ومن حديث أبى حكيم الشامى رواه ابن النجار من طريق عبد الوهاب بن أبى الفرج الأنصارى الواعظ وقال حدث عن أبيه بحديث منكر وهو هذا ( قلت ) وفى سنده هبيل بن محمد السليحى وغيره لم أعرفهم والله تعال أعلم ، ومن حديث ابن مسعود وحذيفة معا رواه الشيرازى فى الألقاب ( قلت ) هو من طريق إسحق بن محمد المقرى وهو النخعى الأحمر الكذاب والله أعلم، ومن حديث معاذ رواه أبو نصر السجزى من طريق أبى داود وهو النخعى الكذاب ورواه الديلمى من طريق آخر ( قلت ) فى سنده عبد الرحمن بن محمد بن علويه الأبهرى القاضى والله أعلم ، ورواه الحاكم فى التاريخ مختصرا ( قلت ) فى سنده محمد بن العباس بن سهل والله أعلم ، وجاء عن ابن عمر قوله رواه اللالكائى فى السنة من طريق أبى العريان مروان بن أبى مروان قال السليمانى فيه نظر وقال فى اللسان مجهول، وعن أنس قوله رواه ابن عدى من طريق الأزور بن غالب وقال منكر وإن كان موقوفا لأنه لا يحفظ عن الصحابة الخوض فى القرآن وقال الذهبى فى الأزور أتى بما لا يحتمل فكذب ،وعن علي قوله رواه أبو نصر ورجاله ثقات ( قلت ) لا فيهم محبوب بن محرز ضعفه الدارقطنى وعلي بن صالح الأنماطى مجهول والله أعلم ، وعن ابن عباس من قوله رواه أبو نصر أيضا ورجاله ثقات ( قلت ) فيهم علي بن صالح المذكور وعلي بن عاصم ضعفوه وتركه النسائى والله أعلم، نعم روى اللالكائى في السنة عن عمرو بن دينار قال: أدركت تسعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، وروى عثمان الدرامي عن عمرو أيضا: أدركت أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون :الله الخالق وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود، فهذان صحيحان ."
قلتُ :
نلاحظ من خلال ما نقلنا عنه ، أنه دقيق في النقل ، وقد عقَّب على الإمام السيوطي رحمه الله كثيراً ، حيث كان السيوطي يورد الأحاديث محتجًّا بها للرد على ابن الجوزي دون أن يبينَ سندها ، فبينَ ابنُ عراق رحمه الله تعالى عللها جميعاً ، وهذا عملٌ عظيمٌ جدًّا ، ولا سيما أن تلك الشواهد ليست في الكتب المشهورة بين الناس .
وشتان بين نقل الروايات ، دون تمحيص لها ، وبين نقلها مع بيان عللها ، حتى لا ينخدع بها أحد ، ممن جاء بعده .
وأما الأثران اللذان صححهما ففي الأول نظر ، وهذا سنده كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي(329 ) أخبرنا الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه رحمه الله قال : أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ قال : حدثنا محمد بن هارون الحضرمي قال : حدثنا القاسم بن العباس الشيباني قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : أدركت تسعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : من قال القرآن مخلوق ؛ فهو كافر.
قلت : والقاسم بن العباس الشيباني لم أجد لم أجد له ترجمة ، فلايصح هذا الخبر ،وكذلك فالصحابة رضي الله عنهم لم يتكلموا في هذه المسألة بتاتاً ، لأنها قد حدثت في العصر العباسي ، وهم قد ماتوا جميعاً .
وأما الثاني فصحيح ففي كتاب الرد على الجهمية للدارمي (174 ) سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، يقول : قال سفيان بن عيينة : قال عمرو بن دينار : أدركت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون : « الله الخالق ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، منه خرج ، وإليه يعود »
قلت : وهذا إسناد صحيح كالشمس ، ولعل الأول محرف منه ، ولكن ليس فيه المدَّعى ، فليس فيه القرآن غير مخلوق ، ولا تكفير من قال بخلقه ، لأنه لا يشك أحد من المسلمين أن القرآن كلام الله تعالى ، وليس كلام أحد من خلقه .
وهذه أمثلة من النوع الثاني وهو ما ذكره ابن جوزي في الموضوعات ونوزع فيه(23):
( 19 ) حديث إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا طوبى لأمة ينزل هذا عليهم وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسن تكلم بهذا ( عد ) من حديث أبى هريرة وفيه إبراهيم بن المهاجر بن مسمار منكر الحديث متروكه ( تعقبه ) الحافظ ابن حجر فى أطراف العشرة فقال ليس بموضوع وإبراهيم لا بأس به ،وقال السيوطى أخرجه الدارمى فى مسنده وابن خزيمة فى التوحيد والبيهقى فى الشعب وقد قال إنه لا يخرج فى مصنفاته خبرا يعلمه موضوعا ومسند الدارمى أطلق جماعة عليه اسم الصحيح والحديث جاء أيضا من حديث أنس أخرجه الديلمى ( قلت ) فى سنده محمد بن سهل بن الصباح فإن يكن هو العطار شيخ أبي بكر الشافعى كما ظنه بعض أشياخى فقد مر فى المقدمة أنه وضاع وإلا فمجهول وعنه علي بن جعفر بن عبد الله الأنصارى الأصبهانى لم أعرفه وعن هذا محمد بن عبد العزيز قال الخطيب فيه نظر وحديث أبى هريرة عزاه العراقى فى تخريج الإحياء إلى مسند الدارمى وقال ضعيف وقال القاضى بدر الدين ابن جماعة وإن ثبت الخبر فمعناه ثبوتهما ووجودهما صفة من صفاته الذاتية عند من يقول بذلك والله أعلم .
-----------------
قلتُ :
قال ابن الجوزي في الموضوعات - (ج 1 / ص 110):هذا حديث موضوع.
قال ابن عدى: لم أجد لإبراهيم حديثا أنكر من هذا لأنه لا يرويه غيره.
قال البخاري: إبراهيم بن المهاجر ضعيف منكر الحديث.
وأما عمر بن حفص فقال أحمد بن حنبل [ حرقنا ] حديثه.
وقال يحيى بن معين: ليس بشئ، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ: هذا من موضوع.
__________
(1) - تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 21)
(2) - المجروحين - (ج 1 / ص 89)
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 230) وعلوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد - (ج 1 / ص 75)
(4) - انظر المجروحين[ ج 1 - ص 184 ] 125
(5) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 21 ](12) والمجروحين[ ج 1 - ص 99 ] (5 )
(6) - الكاشف[ ج 1 - ص 207 ] (110 ) وتقريب التهذيب[ ج 1 - ص 87 ] (142)
(7) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 25 ] (27) والجرح والتعديل[ ج 2 - ص 298 ] (1095 ) والمجروحين[ ج 1 - ص 98 ] (4) والكشف الحثيث[ ج 1 - ص 33 ](2)
(8) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 26 ] (30) والمجروحين[ ج 1 - ص 98 ] (3) والضعفاء للأصبهاني[ ج 1 - ص 63 ] (22)
(9) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 28 ] (39 و119)
(10) - الكشف الحثيث[ ج 1 - ص 34 ] (4)
(11) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 30 ] (54)
(12) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 31 ](55)
(13) - لسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 1 / ص 10)[ 60 ]
(14) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 37 ] (73) والكامل في الضعفاء[ ج 1 - ص 255 ] (85 ) وضعفاء العقيلي[ ج 1 - ص 45 ] (31)
(15) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 39 ] (74)
(16) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 40 ] (81) وضعفاء العقيلي[ ج 1 - ص 45 ] (32)
(17) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 41 ] (83)
(18) - لسان الميزان[ ج 1 - ص 43 ] (88) وضعفاء العقيلي[ ج 1 - ص 51 ] (38) والكشف الحثيث[ ج 1 - ص 34 ] (5)
(19) - لسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 1 / ص 14)[ 91 ]
(20) - لسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 1 / ص 14)[ 96 ]
(21) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 88 ](162) و (163)
(22) - تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 134)
(23) - تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 139) فما بعدها(1/182)
قلت : والأكثر على تضعيف إبراهيم، ففي ضعفاء العقيلي[ ج1 - ص 66 ] (65 ) إبراهيم بن المهاجر بن مسمار المديني حدثني آدم بن موسى قال سمعت البخاري يقول إبراهيم بن المهاجر بن مسمار المدني منكر الحديث ومن حديثه ما حدثناه محمد بن إسماعيل قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار عن عمر بن حفص بن ذكوان عن مولى الحراقة عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قرأ طه ويس وذكر الحديث(1)
قلت : أما العلل الأخرى التي ذكرها ابن الجوزي فلم يتعرضوا لها بنقد
فأما عمر بن حفص بن ذكوان فلم يوثقه أحد بل كلهم ضعفوه ففي لسان الميزان[ ج4 - ص 298 ] (832 ) عمر بن حفص أبو حفص العبدي عن ثابت البناني وعنه علي بن حجر وجماعة وهو عمر بن حفص بن ذكوان قال أحمد تركنا حديثه وحرقناه وقال علي ليس بثقة وقال النسائي متروك وقال الدارقطني ضعيف وقال بن حبان هو الذي يقال له عمر بن أبي خليفة ....(2)
قلت : وكلاهما قد تفرد بهذا الحديث
وقال الشيح ناصر رحمه الله عنه في السلسلة الضعيفة (1248) منكر
وقال العلامة ابن كثير رحمه الله بعد إيراده : هَذَا حَدِيث غَرِيب وَفِيهِ نَكَارَة وَإِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر وَشَيْخه تُكُلِّمَ فِيهِمَا . تفسير ابن كثير - (ج 9 / ص 389)
وهذا سند مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة فِي كِتَاب التَّوْحِيد عَنْ زِيَاد بْن أَيُّوب عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِر الْحِزَامِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر بْن مِسْمَار عَنْ عُمَر بْن حَفْص بْن ذَكْوَان عَنْ مَوْلَى الْحُرَقَة - يَعْنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، فهو من الطريق نفسه
وفي سنن الدارمى (3477) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ الْمِسْمَارِ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَوْلَى الْحُرَقَةِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
وفي المعجم الأوسط للطبراني (5033 ) قال بعد روايته : « لم يرو هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد ، تفرد به : إبراهيم بن المنذر»
وقال العلامة الذهبي في سير أعلام النبلاء (10/691) بعد إيراده :
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، فَابْنُ مُهَاجِرٍ وَشَيْخُهُ: ضَعِيْفَانِ.
ونقل كلام ابن حبان في ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 67)(224 ) وقال ابن حبان في حديث: قرأ طه ويس: هذا متن موضوع.
وأما ما ذكره السيوطي عن البيهقي ، فلا حجة فيه لأنه ذكر كثيرا من الأحاديث وعللها ، وليس كل ما سكت عليه فهو حسن أو صحيح ، بل فيه الصحيح والحسن والضعيف والمنكر والواهي والموضوع أحياناً .
فالصواب من القول ما قال االعلامة ابن الجوزي رحمه الله ، ولم يفد هذا التعقيب بشيء .
( 20 ) حديث " والذى نفسي بيده ما أنزل الله من وحى قط على [ نبى ] بينه وبينه إلا بالعربية.ثم يكون هو بعد يبلغه قومه بلسانهم " ( عد ) من حديث أبى هريرة ولا يصح فيه سليمان بن أرقم متروك ليس بشئ ( تعقب ) بأن الزركشى قال فى نكته على ابن الصلاح بين قولنا موضوع وقولنا لا يصح بون كبير فإن الأول إثبات الكذب والاختلاق والثانى إخبار عن عدم الثبوت ولا يلزم منه إثبات العدم وهذا يجئ فى كل حديث قال فيه ابن الجوزى لا يصح أو نحوه ( قلت ) وكأن نكتة تعبيره بذلك حيث عبر به أنه لم يلح له فى الحديث قرينة تدل على أنه موضوع غاية الأمر أنه احتمل عنده أن يكون موضوعا، لأنه من طريق متروك أو كذاب فأدخله فى الموضوعات لهذا الاحتمال ،وهذا إنما يتم عند تفرد الكذاب أو المتهم على أن الحافظ ابن حجر خصَّ هذا فى النخبة باسم المتروك ولم ينظمه فى سلك الموضوع ووافق فى القول المسدد على أنه يطلق عليه اسم الموضوع، وستعرف فى الأحاديث المتعقبة على ابن الجوزى أن كثيرا منها لم تتفرد بها رواتها التى أعلَّها بهم، فإن كان تعبيره بلا يصحُّ ونحوه للنكتة التي ذكرتها فهو اصطلاح حسن وقد نبه عليه الذهبي فى أواخر المغني ،فقال فى الكلام على المتفق على تركهم لكذبهم ما نصه: إذا انفرد الرجل منهم بحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تحلُّ روايته إلا بشرط أن يهتك راويه ويبين سقوطه وأن خبره ليس بصحيح فإن حفَّت بمتنه قرائنُ دالةٌ على أنه موضوعٌ نبَّه على ذلك وحذر منه انتهى والله أعلم.
وسليمان وإن كان متروكا لم يتهم بكذب ،وقد أخرج له أبو داود والترمذى والنسائى،وللحديث شاهد أخرج ابن مردويه فى تفسيره عن ابن عباس قال: كان جبريل يوحى إليه بالعربية وينزل هو إلى كل نبى بلسان قومه ، وأخرج أحمد عن أبى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث الله نبيا إلا بلغة قومه وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: كان جبريل يوحى إليه بالعربية وينزل هو إلى كل نبى بلسان قومه ،وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن خالد فى قوله وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه قال بلغة قومه إن كان عربيا فعربيا وإن كان عجميا فعجميا وإن كان سريانيا فسريانيا ليتبين لهم الذى أرسل به إليهم ليتخذ بذلك الحجة عليهم وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس فضل الله محمدا على أهل السماء وعلى الأنبياء الحديث وفيه إن الله يقول ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وقال لمحمد (وما أرسلناك إلا كافة للناس) فأرسله إلى الجن والإنس وأخرج ابن أبى حاتم عن سفيان الثورى قال لم ينزل وحى إلا بالعربية ثم يترجم كل نبى لقومه بلسانهم .
--------------------
قلت :
قال ابن الجوزي في الموضوعات(3):
" هذا حديث لا يصح وسليمان هو ابن أرقم قال أحمد ليس بشئ لا يروى عنه الحديث.
وقال يحيى ليس بشئ لا يساوى فلسا وقال عثمان بن على ليس بثقة.
وقال النسائي وأبو داود والدار قطني: هو متروك.
وقال ابن حبان: يروى عن الثقات الموضوعات وأما عباس بن الفضل فقال يحيى ليس حديثه بشئ.
وقال النسائي: متروك. "
وقال الحافظ ابن حجر(4): ضعيف
وقال الذهبي(5): متروك
وفي الجرح والتعديل[ ج4 - ص 100 ] (450 ) سليمان بن أرقم مولى قريظة أو النضير البصري روى عن الحسن والزهري ويحيى بن أبى كثير روى عنه الثوري حديثا واحدا سمعت أبى يقول ذلك حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهيم انه حدثه عمرو بن على بأن سليمان بن أرقم ويكنى بأبي معاذ ليس بثقة روى أحاديث منكرة وقال قال محمد بن عبد الله الأنصاري كانوا ينهونا عنه ونحن شباب وذكر أمرا عظيما حدثنا عبد الرحمن انا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب الى قال سمعت احمد بن حنبل يقول أبو معاذ الذي روى عنه سفيان الثوري عن الحسن اسمه سليمان بن أرقم ليس بشيء حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول سليمان بن أرقم أبو معاذ ليس يسوى فلسا وليس بشيء حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول سليمان بن أرقم متروك الحديث حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن سليمان بن أرقم فقال بصرى ضعيف الحديث ذاهب الحديث
قلت : فالصواب من القول أنه متروك كما قال الذهبي ، وما يتفرد به يمكن القول بوضعه .
وأما كلام الزركشي رحمه الله ، ففيه نظر ، فهناك فرق كبير بين قول العالم عن حديث في الأحكام لم يصح أو لا يصح ، وبين قوله عن حديث في الفضائل أو ما ورد في كتب الموضوعات والضعفاء ، فالصواب أنه يدلُّ على وضعه ، وقد فصل ذلك العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في مقدمة تعليقه على المصنوع للقاري الطبعة الثانية ص 32- 34
وأما توجيهه لكلام الزركشي وقوله في آخره ( وهذا إنما يتم عند تفرد الكذاب أو المتهم ) قلت : وقد تفرد به فانتهى الأمر .
واما إطلاق اسم المتروك على مثل سليمان بن أرقم ، فلا مشاحة في ذلك ، ولكن أي راو من هذا القبيل يتفرد بحديث ، ويخالف الثقات ، فلا شك أنه مكذوب موضوع .
قلت : أما قوله " وسليمان وإن كان متروكا لم يتهم بكذب ،وقد أخرج له أبو داود والترمذى والنسائى "
قلت : إخراج هؤلاء له لا يقوي أمره هذا أولا ،
وقد أخرج له أبو داو د حديثاً واحداً قد توبع عليه ، ووهمه فيه كما في سنن أبى داود (3294 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِى كَثِيرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ». قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ : إِنَّمَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . أَرَادَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ وَهِمَ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِىُّ وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ : رَوَى بَقِيَّةُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإِسْنَادِ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلَهُ.
وفي سنن الترمذى ثلاثة أحاديث (53 و1608 و1609) وضعفها جميعاً والعلة به هووقال عقب الأول : سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ
وأما النسائي فقد أخرج له حديثان (3855 و4871 ) وبين فيهما أن سليمان بن أرقم متروك . وكلها لها أصل
وفي مسند أحمد (22020) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ قَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ بِلُغَةِ قَوْمِهِ ». قلت : وفيه انقطاع ، ومع هذا فالحديث صحيح لأنه نص آية قرآنية . ولكنه لا يصلح للحجية ، فهو لا يدلُّ على نص الحديث الذي حكم ابن جوزي بوضعه
وحديث ابن مردويه فى تفسيره عن ابن عباس لا قيمة له ، لأنه مما تفرد به ابن مردويه ، وقد بين أنه من طريق الكلبي وهي سلسلة الكذب
وكذلك حديث خالد المقطوع لا حجة فيه لأنه شرح للآية القرآنية ، وليس فيه مكان الشاهد .
وفي سنن الدارمى(47) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَكِيمٍ حَدَّثَنِى الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَعَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ. فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبَّاسٍ بِمَ فَضَّلَهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ لأَهْلِ السَّمَاءِ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِينَ) الآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) قَالُوا : فَمَا فَضْلُهُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) الآيَةَ ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ) فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ. وهو حديث حسن ، ولكن لا يصلح لأن يكون شاهدا للحديث .
وقول سفيان هو في تفسير ابن أبي حاتم (16733) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ الرُّزَيْقِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ الضُّرَيْسِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ:"لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تَرْجَمَ كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ، وَاللِّسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَمَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ". وسنده إليه صحيح
ولكن لا يقبل هذا من سفيان رحمه الله ، لأن هذا من الغيب ، فمن حدثه بهذا ؟ فالمسألة توقيفية ، وسفيان من أتباع التابعين ، وكلامه مخالف لظاهر القرآن الكريم . فلا يعوَّلُ عليه .
وقد رد الشوكاني على السيوطي فقال(6):
"فنازع السيوطي بأن سليمان أخرج له د س ت ولم يتهم بكذب ولا وضع ، وأن له شاهداً ، أقول : سليمان ساقط ، قال أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما ( متروك الحديث ) وقال النسائي : ( لا يكتب حديثه ) والكلام فيه كثير ، وإنما ذكرت كلام الذين أخرجوا له ، ليعلم أن إخراجهم له لا يدفع كونه متروكاً ، والمتروك إن لم يكذب عمداً فهو مظنة أن يقع له الكذب وهماً ، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن ، لم يمتنع الحكم بوضعه ، ولاسيما مع التفرد المريب ، كتفرد سليمان هنا عن الزهري عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، وفوق هذا ، فالراوي عن سليمان ، وهو العباس ابن الفضل الأنصاري ، تالف ، ذكره أحمد ، وذكر حديثاً حدث به ، فقال (هو حديث كذب ) وذكره ابن معين ، فقال ( ليس بثقة روى .... حديثاً موضوعاً ) وقال أبو زرعه : ( كان لا يصدق ) وأما الشاهد فيكفي أنه عن الكلبي عن أبي صالح . عن ابن عباس قال ( كان جبريل ـ إلخ ) والكلبي كذاب ، وشيخه تالف ، وقد صح عن الكلبي أنه قال ( قال لي أبو صالح : كل ما حدثتك كذب ) وصح عنه أنه قال ( ما حدثت عن أبي صالح ، عن ابن عباس فهو كذب ، فلا ترووه ) . "
قلت : فالصواب مع ابن الجوزي كذلك .
فيجب الانتباه لمثل هذه التعقبات ، وعدم التعويل عليها إلا بعد التأكد من صحتها وحجيتها . فما صح هنا ليس بحجة على المطلوب
( 21 ) حديث لما كلم الله موسى يوم الطور كلمة بغير الكلام الذى كلمه به يوم ناداه فقال له موسى يا رب هذا كلامك الذى كلمتنى به قال يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولى قوة الألسن كلها وأنا أقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بنى إسرائيل قالوا يا موسى صف لنا كلام الرحمن قال سبحان الله إذن لا أستطيعه قالوا فشبه لنا قال ألم تروا إلى أصوات الصواعق التى تقتل فإنه قريب منه وليس به ( شا ) من حديث جابر وليس بصحيح فيه الفضل بن عيسى الرقاشى متروك ( تعقب ) بأن الفضل من رجال ابن ماجه ولم يتهم بكذب والحديث أخرجه البزار والبيهقى فى الأسماء والصفات وقد قدمنا قريبا عن البيهقى ما اشترطه فى مصنفاته ( قلت ) نعم ضعفه وقال فيه الفضل جرحه أحمد ابن حنبل والبخارى والله أعلم وأخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره وقد التزم فيه أن يخرج فيه أصح ما ورد ولم يخرج فيه حديثا موضوعا البتة وله شاهد عن كعب موقوفا أخرجه عبد الرزاق والبيهقى فى الأسماء والصفات وغيرهما ولبعضه شاهد عن محمد بن كعب القرظى موقوفا أخرجه الحاكم فى المستدرك ( قلت ) هذا الحديث أعله ابن الجوزى بالفضل وبراويه عنه على بن عاصم ونقل عن يزيد بن هرون أنه قال فى على ما زلنا نعرفه بالكذب واقتصر السيوطى على أعلاله بالفضل وتعقبه ولم يتعرض للآخر واقتصر الذهبى فى التخليص على إعلاله بعلى وذكر كلام ابن هرون فيه والله أعلم .
قلت : الصواب مع ابن الجوزي
( 22 ) حديث لو أن الإنس والجن والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى يوم فنائهم صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا ( عد ) من حديث أبى سعيد الخدرى فى تفسير قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) ولا يصح فيه بشر بن عمارة المكتب لا يتابع عليه وعطية العوفى وقد ضعفوه وكان سمع من الخدرى ثم جالس الكلبى فصار يكنيه أبا سعيد فيظن الخدرى وأظن هذا من عمل الكلبى ( تعقب ) بأن قضية ما ذكره أنه ضعيف وقد أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره وقد عرفت ما التزمه فيه وقال الذهبى فى تاريخه هذا حديث منكر لا يعرف إلا ببشر وهو ضعيف فثبت أنه ضعيف لا موضوع.
قلت : وفي تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 311) غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة والله أعلم.
وفي الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 217)
رواه ابن عدي ، وقد قال ابن الجوزي : إنه موضوع ، وأنه من عمل الكلبي ، قال في اللآلىء : أخرجه ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه في تفاسيرهم .وقال الذهبي في تاريخه : هذا حديث منكر ، لا يعرف إلا ببشر بن عمارة المكتب ، وهو ضعيف .
وفي تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 3 / ص 359) : وهذا حديث منكر، لا يعرف إلا ببشر، وفيه عطية ضعيف أيضاً.
قلت : الصواب أنه حديث منكر واهٍ ، وليس ضعيفاً كما زعم ابن عراق رحمه الله .
( 23 ) حديث إن بين الله وبين الخلق سبعين ألف حجاب وأقرب الخلق إلى الله تعالى جبريل وميكائيل وإسرافيل وإن بينهم وبينه أربعة حجب حجاب من نار وحجاب من ظلمة وحجاب من غمام وحجاب من الماء ( قط ) من حديث سهل بن سعد وفيه حبيب بن أبى حبيب تفرد به
( 24 ) وحديث دون الله تبارك وتعالى سبعون ألف حجاب من نور وظلمة وما تسمع من نفس شيئا من حس تلك الحجب إلا زهقت نفسها ( عق ) من حديث سهل وعبد الله عمرو بن العاص وفيه موسى بن عبيدة ليس بشئ وعمر بن الحكم بن ثوبان ذاهب الحديث ( تعقب ) فى الحديثين بأن حبيبا ليس هو الوضاع إنما هذا حبيب بالتصغير ابن حبيب بالتكبير وهو أخو حمزة الزيات وهو إن كان ضعيفا لم يتهم بوضع وموسى بن عبيدة وإن كان ضعيفا لم يتهم بكذب ولا وضع وأخرج له الترمذى وابن ماجه وعمر بن الحكم بن ثوبان تابعى من رجال مسلم والحديث أخرجه أبو يعلى والبيهقى فى الأسماء والصفات وضعفه وله شواهد كثيرة ومتابعات تقضى بأن له أصلا ويتعذر معها الحكم عليه بالوضع أكثرها عن أبى الشيخ فى العظمة ( قلت ) سبق الذهبى إلى تعقبه فقال فى تلخيص موضوعات الجوزقانى ينبغى أن يحول من الموضوعات إلى الواهية والله أعلم
قلت : وهو كما قال
( 25) حديث إن لله لوحاً ، أحد وجهيه درة ، والآخر ياقوتة ، قلمه النور ، فيه يخلق ، وبه يرزق ، وبه يحيى ، وبه يميت ، ويعز ، ويذل ، ويفعل ما يشاء ، في يوم وليلة ( فت ) من حديث أنس وفيه محمد بن عثمان الحرانى ( تعقب ) بأنه صح عن ابن عباس موقوفا أخرجه الحاكم فى المستدرك وله حكم الرفع وأخرجه الطبرانى ومحمد بن عثمان ابن أبى شيبة فى كتاب العرش من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وفيه ليث بن أبى سليم وقد روى له مسلم والأربعة وفيه ضعف يسير من سوء حفظه
قلت : وهو كما قال .....
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر لسان الميزان[ ج 1 - ص 114 ] (349 ) وتقريب التهذيب[ ج 1 - ص 94 ](255 )
(2) - وانظر الجرح والتعديل[ ج 6 - ص 103 ] (542 )
(3) - الموضوعات - (ج 1 / ص 112)
(4) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص 249 ] (2532)
(5) - الكاشف[ ج 1 - ص 456 ] (2068)
(6) - الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 362)(1/183)