وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد من منصور قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك،هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فكان يقال له: مهاجر أم قيس. ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها،فكنا نسميه مهاجر أم قيس.وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين،
وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث: قال أبو عبد الله: ليس في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث.واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي،فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني،على أنه ثلث الإسلام،ومنهم من قال ربعه،واختلفوا في تعيين الباقي.وقال ابن مهدي أيضا: يدخل في ثلاثين بابا من العلم.وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا،ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة.وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا: ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب.ووجه البيهقي كونه ثلث العلم،بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه،فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها،لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها،ومن ثم ورد: نية المؤمن خير من عمله،فإذا نظرت إليها كانت خير الأمرين.وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم،أنه أراد أحد القواعد الثلاثة التي ترد إليها جميع الأحكام عنده،وهي هذا و " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " و " الحلال بين والحرام بين " الحديث.ثم إن هذا الحديث متفق على صحته،أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ،ووهم من زعم أنه في الموطأ،مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك.وقال أبو جعفر الطبري: قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه فردا،لأنه لا يروى عن عمر إلا من رواية علقمة،ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم،ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد،وهو كما قال،فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وتفرد به من فوقه،وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وابن السكن وحمزة بن محمد الكناني،وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد،وهو كما قال لكن بقيدين: أحدهما: الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما.ثانيهما: السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية،كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم: "يبعثون على نياتهم"،وحديث ابن عباس: "ولكن جهاد ونية"،وحديث أبي موسى: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق عليهما،وحديث ابن مسعود: "رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته " أخرجه أحمد،وحديث عبادة: "من غزا وهو لا ينوي إلا عقالا فله ما نوى " أخرجه النسائي،إلى غير ذلك مما يتعسر حصره،وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أن حديث عمر متواتر،إلا إن حمل على التواتر المعنوي فيحتمل.نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد: فحكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفسا،وسرد أسماءهم أبو القاسم بن منده فجاوز الثلاثمائة،وروى أبو موسى المديني عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي قال: كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى.قلت: وأنا أستبعد صحة هذا،فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا،فما قدرت على تكميل المائة،وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل عمن تقدم،كما سيأتي مثال لذلك في الكلام على حديث ابن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالى(1)
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 9) فما بعد(1/350)
وهو كتاب مليء بالفوائد والتخريج والعلل والفقه والقواعد،ولا يدانيه كتاب في شرح الحديث على الاطلاق،فلا هجرة بعد الفتح .
هذا وإن التعليقات التي يضعها بعض العلماء الذين لهم عناية بالحديث وعلومه في هذا العصر أثناء تحقيقهم لبعض الكتب المشتملة على أحاديث غير معروفة المخرج يمكن الاستفادة منها لمعرفة مخارج تلك الأحاديث ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال: الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- وأخوه الشيخ محمود شاكر،والشيخ عبد الفتاح أبو غدة،والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي،والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي والشيخ ناصر الدين الألياني رحمهم الله جميعا وغيرهم جزى الله الكل أفضل جزاء وأجزل مثوبتهم!)
ـــــــــــــــ
الطريقة الثالثة
استخراج الحديث من خلال النظر في المتن
وهنا تنبيه : وهو أن مُستخدم هذه الطريقة يَلزمه أن يحاول استحضار جميع ألفاظ الحديث المختلفة لذلك المتن،مثل حديث ((إنما الأعمال بالنيات..)) فينبغي للباحث أن يضع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الحديث مروياً بها ؛ لأن اختلاف حرفٍ واحد في بداية الكلمات قد يُعسِّر عليك عملية الوقوف على الحديث . ثم قد يقف الباحث على الحديث من خلال طرقٍ سابقة أو لاحقة،ويجدُ هناك ألفاظاً مختلفة،فينبغي أن تُقيّد هذه الألفاظ المختلفة في البداية،فإذا جاء وقت البحث تكون الألفاظ موجودة بين يديك،فتستطيع أن تُقلبّ الفهرس أو الكتاب الذي رُتّب على بداية الحديث على جميع الوجوه حتى تقف على مُرادك .
ثم ينتبه لأمر آخر : وهو أن بعض الأحاديث قد تكون جزءاً من حديث طويل يأتي اللفظ في وسطه،فتبحث من خلال هذه الطريقة فلا تجده،وحينها يكون الحلُّ أن تخرّج بأحد الطرق السابقة أو اللاحقة،مثاله : الحديث المشهور ((صلوا كما رأيتموني أصلّي))(1)،لا تكاد تجده بهذا اللفظ في أحد الفهارس أو في الكتب التي رتبت على بداية الأحاديث ؛ لأنه جزءٌ من حديثٍ طويل فيه قصة،وهو حديث مالك بن الحويرث المشهور . وقد تكون هناك أحاديث مشهورة على ألسنة الفقهاء،وفي نصها اختلافٌ يسيرٌ مما يجعل عملية الوقوف على مصادرها أمراً صعباً،ولكن بمعرفة الألفاظ واختلافها،وهل هي جزء من حديث طويل أم لا ؟ يَسْهُلُ على الباحث الوقوف على الحديث من خلال هذه الطريقة . ومن هنا يحسن التنبيه على مَنْ يعمل بالتحقيق أو طلاب الرسائل الجامعية،أنه عند الفهرسة لِما ورد في الكتاب مِنْ أحاديث أن يشيروا لاختلاف الألفاظ في الفهرسة ولِما يدخل ضمن حديثٍ طويل،فيقول مثلاً : إنما الأعمال بالنيات = الأعمال بالنيات،ويفهرس جميع مقاطع الحديث ؛ حتى يستطيع الباحث أن ينتفع من هذا الفهرس انتفاعاً جيّداً،ويخدم طلبة العلم خدمة كبيرة بذلك .
أولا- استخراج الحديث من خلال كلمة بارزة فيه : أي كلمة بارزة من وسط المتن أو أوله أو آخره .
وأشهر ما يخدم هذه الطريقة :
1.(المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي)
__________
(1) - عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ ،فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ،وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَفِيقًا ،فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ « ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا - وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى ،فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ » .صحيح البخارى (631 ،628 ،630 ،658 ،685 ،819 ،2848 ،6008 ،7246 )(1/351)
الذي صنعه جماعة من المستشرقين،وطبع في ثمان مجلدات،والكتاب مفيدٌ على إعوازٍ كبير فيه،وقد خدم هذا المعجم الكتب التسعة : الستة المشهورة،إضافة إلى (موطأ مالك) و(سنن الدارمي) و(مسند أحمد)،وقد يوجد الحديث في هذه الكتب وتبحث في جميع ألفاظه في (المعجم المفهرس) ولا تجده،مما يدل على نقصٍ كبيرٍ في خدمة هذا المعجم،وإن كانت خدمته جليلة،وخاصة لمن أراد أن يؤلف في موضوع معيّن فإن الكتاب يستحضر له جملة كبيرة من الأحاديث تعينه في كتابة موضوعه .
وقد رَتّب هذا المعجمَ ونظّمه لفيفٌ من المستشرقين،ونشره أحدهم،وهو الدكتور أريندجان وينسنج عام 1939 للميلاد أستاذ العربية بجامعة ليدن،وذلك بمطبعة برايل بمدينة ليدن بهولندة. وشاركهم في إخراجه ونشره محمد فؤاد عبد الباقي،وقام هذا المشروع بمساعدات مالية من المجامع العلمية البريطانية،والدنمركية،والسويدية،والهولندية،وغيرها.
ويتألف هذا المعجم من سبعة مجلدات ضخمة،طبع الأول منها عام 1936 للميلاد،وطبع المجلد الأخير -وهو السابع- عام 1969 للميلاد؛ فكانت مدة طبعه 33 عام).
ثم إنهم عملوا -بعد ذلك- مجلدا ثامنا للفهارس،وكان بين صدور هذا الفهرس وبين صدور المجلد الأول أكثر من 50 سنة. وهذا جهد ودأب ليلَ نهارَ،ومعامل،وجامعات،ودعم من جهات متعددة،من بريطانيَة،والدنمارك،والسويد،وهولندة وغيرها؛ لإخراج مثل هذا المشروع.
وسنرى التطور الذي حصل عندنا -ولله الحمد- في الثلاثين سنة الماضية في خدمة السنة النبوية من خلال مراكز البحث،والجامعات،والمعاهد،والصحوة المباركة بفضل الله -سبحانه وتعالى- أثمرت وأخرجت أشياء تفوق هذا الجهد الذي أُنفق عليه ملايين،وبجهود متواضعة جدا،وقد تكون فردية في أغلب الأحيان. مثال على ذلك وهو "موسوعة أطراف الحديث النبوي" التي لو ظهرت مع ظهور المعجم؛ لردمت عليه ولأبطلت عمله. والحمد لله عندنا -بفضل الله- من عقولنا،وعلمائنا،وطلبة العلم المهتمين بالسنة النبوية من لديه من الطاقات،والإمكانيات،ما لو تيسرت لهم الأحوال؛ لأخرجوا مثل هذا الجهد وأضعافه عشرات المرات بفضل الله -سبحانه وتعالى-.
(ولم تطبع مع الكتاب مقدمة،تبين فيها طريقة ترتيب الكتاب وتنظيمه،ولا أدري ما السبب،مع أن الكتاب بحاجة ماسّة إليها. إلا أنه طُبع في أول المجلد السابع بعضُ التنبيهات،والإشارات،وبيان نظام ترتيب الألفاظ،وموادها فيه مع دليل للمراجعة.
لكن هذه التنبيهات والإشارات غير كافية،وفيها إعواز كبير. وترتيب مواد المعجم تقارب طريقة ترتيب المعاجم اللغوية بشكل عام،لكن ليس للأحرف وما شابهها،ولا لأسماء الأعلام،ولا للأفعال التي يكثر ورودها؛ كَـ:"قَالَ"،و"جاء"،وما تصرف منها ذِكْرٌ فيه.).
ترتيب المعجم على طريقة -مثلا- "لسان العرب" إذا اعتبرنا ترتيبه المعاصر الذي ليس هو الترتيبَ الأصليَّ للكتاب؛ لأن "لسان العرب" - كما نعلم- له طبعتان؛ طبعة تعتمد الترتيب الأصليّ لطريقة تأليفه،والطريقة التي تعتمد أول حرف للكلمة،وكذلك لو نظرنا في "النهاية في غريب الحديث والأثر"،و"الفائق في غريب الحديث" للزمخشري،و"مختار الصّحاح"،وغيرها من المعاجم اللغوية التي تعتمد على معرفة الحرف الأول،ثم الحرف الثاني إلى غير ذلك حتى تنتهي من المادة مادة الهمزة،ثم حرف الباء،ثم التاء،ثم الجيم،إلى آخر حرفٍ حرفِ الياء.
فطريقة ترتيب "المعجم المفهرس" هي طريقة ترتيب المعاجم اللغوية،إلا أنهم -في المعجم المفهرس- لا يعتبرون الحروف،ولا الأفعال التي يكثر مجيؤها في الكلام؛ كقال وجاء ... إلى غير ذلك.
((1/352)
وكثيرا ما يحيل عند ذكره مادةً من المواد إلى النظر في مواد أخرى؛ ليتم استيفاء ما قد يطلبه المراجع من الأحاديث التي فيها كلمة من هذه المادة نفسها. وهذا ما دعا كثيرًا من المراجعين فيه أن يقولوا إن فيه نقصا كبيرا،وإنه لم يُفَهْرِسْ كثيرًا من ألفاظ الأحاديث الموجودة في الكتب التي التزم فهرسة ألفاظها.).
ولنأخذ مثالا من الصفحة الخامسة في مادة "عقل"،ستجده يقول في "عقل": راجعْ: والعقل،وعقلا،وعقاله،وعقلها،ومعاقلهم؛ فهذه إحالات يحيلك إليها إن أردت المزيد من مواضع للاستخراج.
(والحقيقة أن هذه الإحالات -لاسيما مع كثرتها- تُتْعِب المراجع وتربكه،وتأخذ من وقته كثيرًا -في بعض الأحيان-،وربما يَمَلّ ويترك المراجعة،ولا يصل إلى مطلوبه؛ لأن بعض الإحالات طويلة جدا. فربما أحال المراجع إلى ما يزيد على خمسين مادة كما فعل -مثلاً- في مادة "قاتل"؛ فقد أحال المراجع إلى مراجعة ثمانية وستين مادة.)
وهذا الموضع موجود في 5/294 في ثلثي صفحة،والصفحات -عنده- مقسمة إلى شطرين ؛ فإذا أردت -مثلاً- أن تستخرج حديثا في مادة (قاتل)،ورجعت إلى الموضع في 5/294 تراه يقول: قاتل،راجع -أيضا- شاتمه،وشتمه،والمعصية،وعين،وغبت،وقاتل،راجع فقتل،وقتل،وقتلت،وقتلوا،فقتلنا،يقتلوا،فيقتلوا،تقتل،فتقتل،ليقتلن... إلى آخر الصفحة بهذه الطريقة.
هل وأنا أبحث عن حديث أرجع إلى كل هذا،ثم أفتش عن المواضع،وقد أجد،وقد لا أجد؟!! فهذا من الأشياء الشديدة جدا التي وقع فيها هذا الكتاب.
(وقد رُمِز لمصادر السنة التي فُهْرِست ألفاظُها بالرموز الآتية:
خ: البخاري،م: مسلم،ت: الترمذي،د: أبو داود،ن: النسائي،جه: ابن ماجه،ط: موطأ مالك،حم: مسند أحمد بن حنبل،دي: مسند الدارمي).
وهناك اختلاف بين عزو "المعجم المفهرس" وبين عزو السيوطي في "الجامع الصغير"
بالنسبة لابن ماجه كان اختصاره حرف الهاء فقط،وكثير من الكتب التي تلت "الجامع الصغير"،أو في نفس الطريقة؛ مثل "كشف الخفاء" و"المقاصد الحسنة" -مما أشرنا إليه- كان يرمز لابن ماجه برمز الهاء،وهنا رمز له بـ: جه؛ أي النصف الأخير من اسم ابن ماجه،ورمز دي لمسند الدارمي،وكان يُرْمز له بـ:مي في "الجامع الصغير".
ومما يعاب على المشتغلين بالفهرسة أنك أمام تراث،فإذا كان الأقدمون؛ كالسيوطي 911هـ،وذكر في كتابه رموزا؛ فاحتراما لجهود السابقين وعدم تشتيت العصور الآتية بالاختلاف بين رموز الكتاب الواحد؛ فينبغي على الفريق الذي عمل في هذا المعجم أن يلتزم رموز السيوطي -رحمه الله- فيذكر مثل ما ذكر؛ حتى لا يتشتت ذهن الطالب بين رمز هذا،ورمز ذاك.
فصاحب "موسوعة الأطراف" لما رمز؛ استخدم نفس الرموز التي أتى بها السيوطي،ثم زاد عليها ما لم يستخدمها أحد من قبل. فإذا جاء أحد وعمل على "موسوعة زغلول" إضافات جديدة؛ فينبغي أن يستخدم من الرموز ما استخدمه صاحب الموسوعة حتى لا يربك الباحث،ويشتت ذهنه في التفاوت،أو التنويع في الرمز للكتاب الواحد.
(وقد وضعت هذه الرموز،وما تدل عليه في أسفل كل صفحتين من المعجم؛ تسهيلا على المراجع ليكون على ذكر منها دائما.
وطريقة الدلالة على موضع الحديث في الكتب التسعة المذكورة بعد كتابة رمز الكتاب هو كتابة اسم الكتاب الموجود فيه ذلك الحديث؛ كقوله أدب إلا في مسند أحمد؛ لأنه مرتب على المسانيد،ثم الإشارة إلى رقم الباب.)
فإذا قال: كتاب وباب؛ فيعني الصحيحين والسنن الأربعة،وإذا جاء ذكر المسند؛ ذكر الجزء والصفحة.(1/353)
وعلى سبيل المثال: (كان - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أربعا قبل الظهر)،ومما يُعاب على طلبة العلم أن يذكروا اختصار - صلى الله عليه وسلم - بـ: ص أو صلعم أو نحو ذلك من الاختصارات؛ فهذا مما لا يليق من طالب الحديث،وإنما يذكر الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كاملة وهذا من نور الصفحة بذكر الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- (كان - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أربعا قبل الظهر).
قال في العزو: خ تهجد 24؛ أي أن الحديث مذكور في كتاب صحيح البخاري في كتاب التهجد الباب رقم أربعة وعشرين،ون قيام الليل 56؛ أي سنن النسائي كتاب قيام الليل باب 56،ودي؛ أي الدارمي صلاة؛ أي كتاب الصلاة الباب 144،وحم؛ أي مسند أحمد رقم كبير،وبعده رقم صغير؛ الرقم الكبير لرقم المجلد،والرقم الصغير لرقم الصفحة يكون 6/ 63. فهذه طريقة الاستخراج لمثل هذا الحديث؛ أحال على البخاري،والنسائي،والدارمي،ومسند الإمام أحمد.
(ثم الإشارة إلى رقم الباب داخل ذلك الكتاب بكتابة الرقم؛ مثل 15 وذلك فيما عدا صحيح مسلم،وموطأ مالك؛ فإن الرقم يشير إلى رقم الحديث المتسلسل من أول ذلك الكتاب)
لأن مسلما -رحمه الله تعالى- يذكر الكتاب،والتبويب الذي في مسلم ليس من صنيع مسلم،وإنما من صنيع الإمام النووي -رحمه الله تعالى-.
فمسلم -رحمه الله- كان يقول كتاب كذا ويذكر كل ما يتعلق بحديث الباب من أسانيد،وطرق،وألفاظ. فإذا انتهى منه؛ وضع ثلاثة أنجم؛ لتفصل بين الباب والباب،ثم ينتقل وهكذا إلى أن ينتهي من هذا الكتاب.
ثم جاء الإمام النووي -رحمه الله تعالى- فبوّب الكتاب هذا التبويب الموجود الآن،لكنّ مسلما -رحمه الله- كان يذكر أحاديث مسلسلة. فهو إذا قال: م الصلاة 15 فلا يريد الباب،وإنما يريد أنه في كتاب الصلاة الحديث رقم 15 من هذا الكتاب وكذلك الموطأ.
(أما المسند؛ فإنه يُشار إلى موضع الحديث فيه بكتابة رقم كبير،ورقم صغير؛ فالرقم الكبير يشير إلى الجزء،والرقم الصغير يشير إلى الصفحة من ذلك الجزء. وهذا مثال مطبوع في أول المجلد السابع وضعه مصنف المعجم؛ دليلا للمراجعة يثبته بنصه كاملا وهو دليل المراجعة: مثال واحد مأخوذ عن كل كتاب من الكتب التسعة ت أدب 15،جه تجارات 31،حم 4/157،خ شركة 3،16.
وقد ذكر في أول المجلد السابع بعض التنبيهات،والاصطلاحات،وإليك نصَّها:
أولا: أوردنا الفعل،ثم الاسم لكل مادة بمراعاة الترتيب حسَب تسلسل الاشتقاق،وتنوع المعنى طبقا لما هو مقرر في علميْ الصرف والنحو.
ثانيا: أوردنا الحديث وأتبعناه بالمكان الذي يوجد فيه لفظه،والأماكن الأخرى باعتبار المعنى فقط.
قد يوجد تفاوت بين أرقام الأبواب،والأحاديث المضبوطة في هذا الكتاب،وبين الترتيب الموجود في بعض النصوص المطبوعة. ولم يؤخذ من الموطإ سوى الحديث وحده دون ما ذهب إليه مالك وغيره من أهل الأثر والفقه.)
لأن مالكا -رحمه الله تعالى- يذكر مراسيل عن شيوخه؛ عن نافع،وغيره من الصحابة،ويذكر مذاهب الفقهاء،وعمل أهل المدينة،ويذكر كثيرًا من التابعين وغيرهم.
وهنا لم يأخذ من الموطإ إلا الأحاديث فقط،كذلك لم يأخذ من البخاري -رحمه الله تعالى- الأحاديث المعلقة،وإنما يذكر -فقط- الأحاديث الموصولة التي ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- إسنادها كاملة.
((1/354)
ولم يؤخذ من صحيح مسلم ما كان إسنادا فقط.) لأن مسلما -رحمه الله تعالى- يذكر الحديث،وأحيانا يتبعه بأسانيد،ويقول بمثله؛ أي بنفس اللفظ،لكن يغاير من أجل ذكر طرق أخرى،وأسانيد أخرى،لهذا الحديث؛ فيذكر الحديث،ولفظه،ثم يذكر إسنادا آخر،ويقول: بنحوه أو بمثله؛ فهذا الإسناد الآخر لا يُحال عليه؛ لأنه ليس فيه كلام والمعجم إنما يخدم المتون،ولا يخدم الأسانيد. وسنرى -إن شاء الله تعالى- في الطريقة التي بعد ذلك وهي الأطراف الإبداع الذي فعله المزي -رحمه الله تعالى- قبل ستة قرون من الزمان في فهرسة كتابه في مسألة الجمع وفي الإحالات بين المتون وبين أسانيدها،وكأن عقل الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- مثلُ الحاسب الآلي،أو أكثر .
(وهذا مثال تطبيقيّ قمت بالكشف عنه بنفسي،وهو حديث: « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ » هذا لفظ البخاري،وعدد كلمات هذا الحديث أربع وثلاثون كلمة بما فيها الحروف،وقد قمت بالمراجعة على جميع كلماته؛ فظهرت عندي النتيجة التالية:
أولا: ذُكرت مواضع الحديث في اثنتي عشرة كلمة من كلماته.
ثانيا: أُحيل على مواد أخرى في كلمتين من كلماته.
ثالثا: لم يذكر الحديث -أبدًا- في عشرين كلمة من كلماته؛ لعدم وجود تلك المواد إلا لأن كلماتها حروف،أو ما شابهها،أو لأنها أفعال أو كلمات يكثر تردادها.).
ويلاحظ أنه يبدأ -أحيانا- بذكر البخاري،ويبدأ -أحيانا- بذكر غيره،وذلك حسب اللفظ الذي أورده حتى يطابق أول مصدر يذكره،ثم يذكر باقي المصادر التي لا يشترط فيها المطابقة باللفظ إنما يكفي المطابقة بالمعنى.)
لو نظرنا إلى حديث عائشة -رضي الله عنها- ( لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ،إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ). وهذا يحتاج إلى تمرين،وإلى تدريب.
فعندنا (لم أعقل) هذا كلام عائشة -رضي الله عنها- في قصة الهجرة الطويلة. وإذا أردنا أن نكشف عن هذا الحديث،وننظر أحال المعجم على ماذا.
خ: البخاري،صلاة: كتاب الصلاة 86: باب 86،كتاب الكفالة الباب الرابع،وكتاب مناقب الأنصار باب 45،كتاب الأدب باب 64،حم: مسند الإمام أحمد 6 /198.
هذا موضع واحد،إذا أردنا أن نفعل كما في المثال السابق فما هي المواد التي يمكن أن ننظر فيها؟
قالت ( لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ) فلو رجعت إلى أب في الألف وبعدها الباء؛ سأجد الحديث لا محالة وأجد إحالات أخرى للترمذي،وأبي داود،و النسائي،وغيرها من الكتب التي لم يذكرها في هذا الموضع.
"قط" أيضا،وهذا موضع آخر من مواضع الإحالة التي يمكن البحث فيها. "إلا" حرف استثناء لا يذكره وكذلك الضمائر. وفي "دين" حرف الدال مع الياء،سأجد أيضا إحالات غير التي ذكر.
(كما يلاحظ أنه يشير في بعض كلمات الحديث إلى مصادر قد لا يشير إليها في بعض الكلمات الأخرى،ومَرَدُّ ذلك إلى الجملة التي يأتي بها في "المعجم" من هذا الحديث. فقد تكون في إحدى المصادر دون الأخرى.
وأخيرا؛ فإن الكتاب جيد في بابه،وإن لم يبلغ درجة الكمال؛ فإن الملاحظات التي يمكن ملاحظتها عليه تغتفر بجانب الفوائد الكبيرة التي يستفيدها المراجع).
هذا الكتاب حين ظهر،وصار له وجود في المجامع العلمية،وفي الجامعات،وفي معاهد التدريس خاصة في أقسام الحديث،وفي أقسام السنة كان هو المعوّل عليه؛ لكونه أكبر مرجع يحيل على تسعة كتب من كتب السنة. وكان صيحة؛ لأن من عنده المعجم يستطيع الوصول إلى أي حديث في لمح البصر.(1/355)
إضافة إلى أن كثيرا من كتب السنة؛ من المسانيد،والسنن،والمستدركات،والمعاجم،والمشيخات،كان وليد الثلاثين سنة الماضية،وكان كثير من كتب السنة ما طبعت،وكان الناس لا تعرف إلا الكتب التسعة،ومستدرك الحاكم،ومسند الحميدي،وأشياء يسيرة جدا.
أما ما تلا ذلك من الجهود المشكورة من الباحثين،وأهل العلم؛ فكثير جدا من كتب السنَّة. والحكمةُ ضالة المؤمن،متى وجدها أخذها،وأيُّ كتاب لابد أن تجد فيه فائدة أيا كان حجمُ هذا الكتاب،وأيا كان قدره؛ فلابد من فائدة فيه،ولا يخلو كتاب بعد كتاب ربنا -سبحانه وتعالى- من نقص،أو خلل مهما بلغ.
(ثم إن موضوع الكتاب موضوعُ فهرسة ألفاظٍ لأحاديثَ محصورةٍ معروفة؛ فلا مجال فيه للدس،أو الغمز؛ كالموضوعات الفكرية،أو الاستنتاجية.)
أي أن هذا الكتاب من عمل المستشرقين،ونحن نخاف أن يفعلوا شيئا؛ فهذه مواد مجردة،لا مجال فيها للدسِّ،أو استنتاج،أو إعمال فكر،أو نحو ذلك مما يُخاف من المستشرقين.
(ولا حرج من الاستفادة من هذا الكتاب،وإن سبق إلى ترتيبه جماعةٌ غير مسلمين؛ لحاجتهم الماسة إلى تلك الفهرسة في دراساتهم الاستشراقية،ولم يقصدوا بتصنيفه أن يقدِّموا خدمة للمسلمين -والله أعلم-؛ بقرينة أنهم لم يطبعوا من الكتاب هذا مع ضخامته وكثرة تكاليفه وحاجة الناس إليه سوى 500 نسخة،بحيث لا يستطيع شراءه إلا قليل من الناس إن كان يكفي لذلك القليل. لكن جزى الله من قام بتصويره،وإكثار نسخه حتى تُعَمّم فائدته.
- ملاحظاتٌ على الكتب التي تناولها المعجم بالفهرسة:
من المعلوم أن المؤلفين رقموا الأبواب في جميع المصادر المفهرسة ما عدا مسند أحمد،كما رقموا أحاديث صحيح مسلم،وموطأ مالك،كما أشاروا إلى أرقام الأجزاء والصفحات في مسند أحمد،فما هي الطبعات الموافقة لتلك الترقيمات يا ترى؟!
ومن المعلوم أن الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي قد انضمَّ إلى المستشرقين في إخراج هذا المعجم وقد عُرف أن كثيرا من الكتب المطبوعة يصعب الاهتداء إلى موضع الحديث فيها؛ لأنها غير مرقمة الأبواب أو الأحاديث؛ لذلك قام بإخراج بعض هذه الكتب مُرتبة مُبوّبة مُرقّمة مما يتناسب وطريقةَ المعجم لكن عاجلته المنية ولم يتيسر له إخراج جميع هذه الكتب.)
فالشيخ محمد فؤاد عبد الباقي- رحمه الله- له منَّةٌ في أعناق المشتغلين بعلم الحديث من جهة خدمته،وفهرسته لكثير من كتب السنة. وقد وضع فهارس لموطإ مالك،وصحيح مسلم،وسنن أبي داود،وغيرها من الكتب بما يتناسب مع الإحالات الموجودة في المعجم المفهرس؛ فمعظم الطبعات هي طبعة فؤاد عبد الباقي؛ طبعة ابن ماجه،ومسلم،وموطإ مالك،وغيرها وشارك في إخراج نسخة الشيخ أحمد شاكر الذي توفيَ -رحمه الله- ولم يتمها؛ فأكلمها الشيخ إبراهيم عطوة،وأكملها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي. والفهارسُ الموجودة في هذه الكتب متطابقةٌ تمام التطابق مع ما هو موجود من الإحالات في "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي".
الكلام على الجزء الثامن منه،وهو فهرس لهذا الكتاب. هذا مواده كلها من الألف إلى الياء مرتبة على حروف الهجاء في كل مجلد قدر من المواد التي حوت من أحاديث الكتب التسعة التي هي مظانّ البحث عنها في هذا المعجم.
بعد الانتهاء من طبع الكتاب صدر هذا المجلد الذي هو عبارة عن مختصر لهذا المعجم. وطريقة البحث في الفهرس أنه لم يفهرس الأحاديث،ولا المواد وإنما وضع أسماء الرواة الذين ورد ذكرهم في الأحاديث النبوية في الكتب التسعة؛ الصحابة،والأطراف المشاركة في قصة الحديث.(1/356)
بمعنى لو أن عندي حديث كان فيه ذكر عمر،وعثمان،وعلي،وأبي بكر،وجمع من الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فهذه الأسماء التي وردت في هذا الحديث رتبت في الفهرس على حروف ألف باء. فبدأ في أسماء الأعلام؛ فذكر أم أبان بنت عثمان بن عفان،أبان بن سعيد بن العاص وله ذكر في حديث أبيه = في حديث: (من ظلم شبرا من الأرض؛ طوّقه الله -تعالى- في سبع أرضين يوم القيامة)،وهو الذي روى عن أبيه فهو رتب أسماء الصحابة وأحيانا يذكر اسم التابعي الذي روى الحديث عن هذا الصحابي؛ فسيكون الحديث مذكورا في اسم الصحابي ومذكورا في اسم ذاك التابعي. ومن أراد البحث فإذا كان عندي في أسماء الرواة أنس،عائشة،أبو سعيد الخدري،عبد الله بن عمرو بن العاص،عبد الله بن عمر بن الخطاب هؤلاء المكثرون؛ فمعنى ذلك أنك تحتاج إلى فحص خمس صفحات هي عبارة عن أرقام فقط التي هي الإحالات. هذه الصفحة التي ترى كلها أرقام وهي إحالات أحاديث أنس بن مالك التي ورد ذكرها في المعجم. فأنت ببادئ النظر لا ترهق نفسك بمعنى أنك إذا بحثت عن حديث لأنس في هذا الفهرس؛ فمعناه أنك ستضل لا محالة؛ لأن أحاديث أنس عبارة عن صفحتين متقابلتين وصفحتين متقابلتين وقدر من صفحة. هذه كل أحاديث أنس بن مالك التي ورد ذكرها في هذا الكتاب؛ فإياك والبحث عن حديث لأحد من المكثرين. إنما -مثلاً- لو أن الحديث الذي عندي فيه أبان بن أبي عياش،فيه -مثلاً- أبان بن عثمان بن عفان،فيه -مثلاً- من الصحابة المقلين؛ مثل آبي اللحم تجد إحالات في عبارة عن كل الأحاديث التي وردت عن آبي اللحم وهو أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يأبى أن يأكل اللحم؛ فسُمّي بآبي اللحم. فكل الأحاديث الواردة في المعجم المفهرس لآبي اللحم عبارة عن سبع أو ثمانية إحالات؛ فتستطيع الوصول لكل أحاديث بمنتهى السهولة.
فإذا بحثت؛ ليكن بحثك في المقلين من الصحابة،أما المكثرون؛ أمثال عائشة،وأبو هريرة،وعبد الله بن عمرو بن العاص،وهؤلاء. فالبحث فيهم مضنٍ جدا ولن تصل إلى بغيتك بسهولة. وبحثك في المعجم أيسر من البحث في الفهرس.
فهو رتب أسماء الرواة من الصحابة،والتابعين،وأتباع التابعين أحيانا على حروف ألف باء. وعادة المفهرسين أو المصنفين في علم الرجال عادتهم أنهم ينتهون من الأسماء،ثم يذكرون الكنى،والألقاب،والأنساب،ثم أسماء النساء فيذكر الأسماء ثم الكنى،ثم الألقاب،ثم الأنساب،من النساء.
هو في الفهرس لم يفعل هذا ولم يعزل الرجال عن النساء،وإنما أورد ذكر -مثلاً- صفية بنت حُيَيّ بعد صفوان بن المعطل،وصفوان بن يعلى بن أمية؛ فجاء بعد صفوان بن يعلى بصفية بنت حيي وهكذا. فهو لم يجعل النساء في جانب كما هي عادة المصنفين في كتب الرجال،وإنما يذكر أسماء الرجال فإذا كانت الصحابية الراوية الوارد ذكرها في حرف العين يدرجها في حرف العين مع الرجال في وضعها المناسب حتى ينتهي تماما من حرف آخر حرف الياء.
هذا نوع من الفهرسة الموجودة في هذا الكتاب. وبعد ذلك لو أني -مثلاً- أبحث عن حديث ولا أريد البحث في المواد،وإنما أريد الوصول في سرعة أكبر فهو هنا أتى بأسماء الأماكن = فهرس جغرافي ذكر فيه -مثلاً- أسماء الأماكن التي حصلت فيها أحاديث للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ مثل (أحرم بالحج أو العمرة من ذي الحليفة)؛ فذو الحليفة اسم موضع ورد في أحاديث الإحرام،و(استسقى عند أحجار الزيت في المدينة)؛ فورد ذكر أحجار الزيت في بعض الروايات؛ فإذا أردت أن أخرجها بدلا من أن أجرد أحجار وأقول: حجر،وزيت،وأبحث في موادها من المعجم؛ فلو ذهبت إلى فهرس الأماكن الذي هو الفهرس الجغرافي أستخرج الأحاديث بشكل أسرع من الكتاب الأصلي.(1/357)
ثنية الوداع،بَيْرُحَاء -وهي البئر التي تصدق بها َ أَبُو طَلْحَةَ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسْتَعذب له الماء منها ويجلس فيها،وهناك قصص طويلة مع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه البئر المباركة،وهي كانت قبالة القبلة في المسجد النبوي-،بئر رومة،بئر بُضاعة،الجحفة،الصفا،عرفات،مؤتة،النار؛ لأن النار -أعاذنا الله وإياكم منها!!- اسم موضع؛ فالأحاديث التي ورد فيها ذكر النار أيضا موجودة لكنها كثيرة جدا،نجران،وغير ذلك من أسماء الأماكن التي ورد لها ذكرٌ في الأحاديث النبوية إذا جئت للفهرس الجغرافي الذي هو فهرس الأماكن؛ تستطيع أن تستخرج الحديث منه بسهولة.
بعد أن ذكر فهرس أسماء الرواة مرتبين على حروف ألف باء وفهرس الأماكن مرتب -أيضا- على حروف ألف باء ذكر فهرسا لأسماء سور القرآن الكريم وآياته. الفهرس المذكور هنا لأسماء سور القرآن الكريم روعي فيه -أيضا- التريتب الألف بائي؛ لم يرتب الفهرس على ترتيب سور المصحف؛ لم يذكر الفاتحة،والبقرة،وآل عمران،والنساء،لا وإنما ذكر الأحرف.
ذكر أولا الأحزاب؛ لأنها حرف الألف مع الحاء،وبعدها الأحقاف الألف مع الحاء،بعدها القاف،بعدها الإخلاص،بعد ذلك الإسراء،بعد ذلك الأعراف حتى انتهى من سور القرآن الكريم على هذا الترتيب.
وهذه السور ورد ذكرها في بعض الأحاديث إذا كان عندك حديث وتريد أن تستخرجه من المعجم؛ فبدلاً من البحث في المواد؛ تبحث في الفهرس في أسماء السور؛ فتصل بشكل أسرع من البحث في المواد.
فهذه الفهرسة تشمل: أسماء الرواة،أسماء الأماكن،قبائل أو بلدان،أو مساجد،أو مواضع،ثم فهرس لأسماء سور القرآن الكريم،وبعد ذلك السور مع الآيات لكن البحث في الآيات مضن ومتعب؛ لكثرة الإحالات التي هي فيه،وهذا الفهرس صدر بعد طبع الكتاب وكان هذا بعد بداية الطبع سنة 1936ميلادي بخمسين سنة.(1)
ـــــــــــــــ
2.الفهارس الحديثة التي صنعها بعض الكتَّاب على الألفاظ :
نفس الفكرة السابقة قام باتباعها بعض الكُتّاب المعاصرين،فصنعوا فهارس للألفاظ النبوية لكتب معينة،فمثلاً (سنن ابن ماجة) أخرجه الدكتور مصطفى الأعظمي مذيلاً بفهارس على الألفاظ في آخر الكتاب،فجعل (سنن ابن ماجة) في مجلدين،والفهارس مجلدين أيضاً،وهي فهارس متقنة ودقيقة،حيث فهرس جميع الكلمات الواردة في (سنن ابن ماجة)،أيضاً كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ سنن الدارقطني) صنعه الدكتور يوسف المرعشلي،وأيضاً فهرس على الألفاظ لـ(مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) لأبي هاجر بسيوني زغلول .
ـــــــــــــــ
3.كتاب (مفتاح كنوز السنّة):
الذي ترجمه محمد فؤاد عبدالباقي،وهو كتابٌ مهم،وإن كانت أهميته ضعفت مع صدور الفهارس الحديثة،ولكن لازالت فائدته قائمة،وميزته التي تُبقي فائدته مع كثرة الفهارس،أنه فهرس للألفاظ و للموضوعات في آن واحد،فمثلاً إذا ذكر لفظة "صلاة التطوع" تجده يذكر كل الأحاديث المتعلقة بصلاة التطوع في الكتب التي خدمها وهي الكتب التسعة،مضافاً إليها (مسند زيد بن علي) -وهذا المسند لا قيمة له ؛ لأنه مكذوب على زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- وأيضاً كتاب (المغازي) للواقدي و(الطبقات) لابن سعد و(سيرة ابن هشام)،هذه الكتب التي فُهرست في (مفتاح كنوز السنّة).
ـــــــــــــــ
__________
(1) - انظر أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية - (ج 1 / ص 86) وشرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 32)(1/358)
4.كتب غريب الحديث :
وهي تعتني بالألفاظ الغريبة لغةً،أي التي لا يعرف معناها بسبب قلة استخدامها . ومن أشهر كتب الغريب كتاب (غريب الحديث) لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم،وأيضاً كتاب (غريب الحديث) لإبراهيم الحربي،وجاء بعد أبي عُبيد من ذيّل على كتابه وهو ابن قتيبة في كتاب سماه (غريب الحديث) وله كتاب آخر اسمه (إصلاح غلط أبي عبيدُ) تعقب فيه أبا عُبيد في المواضع التي يرى ابن قتيبة أنه أخطأ فيها،ثم جاء بعد ابن قتيبة من ذيّل على ابن قتيبة وهو الإمام الخطابي في كتابه (غريب الحديث)،ثم جاء بعد هؤلاء جميعاً أبو عُبيد الهروي صاحب (الغريبين) -غريب القرآن والحديث-،وذيّل على صاحب (الغريبين) أبو موسى المديني في كتابه (المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث)،لكن كتاب أبي موسى لا يدخل في مصادر التخريج ؛ لأنه غير مسند،أما كتاب أبي عبيد و تتماته وكتاب الحربي وكتاب أبي عبيد الهروي فهي من مصادر التخريج،لأنها كتبٌ مسندة . وطريقة استخدام هذه الكتب هي أنه إذا وقف الباحث على كلمة غريبة لغوياً،فيغلب على الظن أن يذكرها العلماء الذين صنفوا في غريب الحديث،وقد يُعين الباحث قبل أن يبحث الرجوعُ إلى كتاب (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير،فإذا وجد أن ابن الأثير ذكر هذا الحديث وبيّن معنى هذه اللفظة فلا بد أن تكون في أحد مصادره،ومِنْ مصادره الكتب السابقة،فيصبح كتاب (النهاية) كالفهرس . وأيضاً فالكتب السابقة لها فهارس مُعِينة،فكتاب (غريب الحديث) لأبي عبيد صدر له فهرسٌ منفرد على الأطراف وعلى المسانيد وعلى الألفاظ،وأيضاً كتاب إبراهيم الحربي له فهرسٌ في آخره .
ـــــــــــــــــ
5. "موسوعة أطراف الحديث النبوي"
لأبي هاجر محمد السعيد زغلول وهذه الموسوعة تقع في أحد عشر مجلدا .
و"المعجم المفهرس لأطراف الحديث النبوي" الذي عمله مجموعة من المستشرقين حين طبع؛ أثار ضجة في الأوساط العلمية خاصة طالبي علم الحديث والسنة. وهو -في الحقيقة- يخدم تسعة كتب.
هذه الموسوعة -ولله الحمد- تخدم 150 كتابا من كتب السنة،وفي صفحة 16 من المجلد الأول إلى صفحة 21 منه رموز الكتب المستخدمة في هذه الموسوعة،وهي مرتبة على حروف المعجم؛ فتجد -مثلا- إتحاف؛ أي: "إتحاف السادة المتقين"،إتحافات؛ أي: "الإتحافات السنية"،أخلاق؛ أي: "أخلاق النبوة"،أذكار؛ أي: "الأذكار النبوية"،أذكياء؛ أي: "كتاب الأذكياء" لابن الجوزي... وهكذا إلى أن يأتي إلى الكتب المتخصصة؛ مثل "مسند الحميدي" رمز له بـ: حميدي،"مسند أبي حنيفة" رمز له بـ: حنيفة،والرموز المشهورة التي سبق الكلام عليها في "الجامع الصغير" هي هي؛ البخاري: خ،ومسلم: م،والنسائي: ن؛ فنفس الرموز المستخدمة في "الجامع الصغير" لم يُخِلّ بها؛ لأن هذا هو الواجب؛ فإذا كان الأئمة في القديم استخدموا رموزا معينة وهي الدائرة على لسان أهل العلم؛ فمن يأتي بعدهم ليصنف في الموسوعات ينبغي أن يتبع نفس المنهج ونفس الطريقة ويستخدم نفس الرموز،فإذا زاد؛ فلا مانع أن يأتي برموز من عنده. لكن الذي استُخْدِم قبل ذلك على لسان أهل العلم في كتب الأقدمين ينبغي أن لا يخلَّ بها،وألا يغيَّرَ فيها.
أقول: إن المعجم المفهرس حين طبع؛ أثار ضجة في الأوساط العلمية؛ لأنه سهَّل الوقوف على مصادر السنة, فالآن الموسوعة -بفضل الله- تخدم قرابة 150 كتابا من كتب السنة ولو أنها ظهرت إبّان ظهور المعجم المفهرس؛ لكان لها شأن آخر.(1/359)
ثم جاء الحاسب الآلي بعد ذلك فغطَّى على جهد "الموسوعة"؛ لكنّها -على أية حال- عملٌ مبارك،ولا ينبغي أن يُغفل عنها ولا أن نَترك الاستفادة منها خاصة للذين لا يستخدمون الحاسب الآلي في الاستقراء والبحث،أو أن الباحث إذا أراد أن يعمل بيده وهذا هو الأفضل؛ أعني أن مسألة الرجوع إلى المصادر هي الباقية وهي المثمرة وهي التي يَشبع منها طالبُ العلم ويرى جهد نفسه؛ فمثلا وأنا أعمل بيدي فتأتيني الإحالات فأرجع للمصادر الأصلية فتأتيني فوائد ما كنت أقصدها،ولكني أقصد البحث عن حديث بعينه،وعندي كراس أُدَوِّن كل الفوائد التي تقابلني وهو البحث غير المقصود؛ فيخرج الباحث أو طالب العلم بفوائد جمّة وغزيرة قد حصلها في كراسه الخاصة بهذه الفوائد،ثم ينظر في بُغْيَته من البحث الذي هو بصدده.
كما قلت إن الموسوعة تخدم قرابة 150 كتابا من كتب السنة،وفيها عدة مزايا ليست في غيرها من الكتب،كما أن فيها عيوبا -سنذكرها- وهذا لا يخلو منه عمل بشري.
تتميز "موسوعة أطراف الحديث النبوي" لأبي هاجر محمد سعيد زغلول بالشمولية والاستيعاب؛ لأنها تستوعب جُلَّ الأحاديث النبوية؛ قولية وفعلية،فإذا كان السيوطي -رحمه الله تعالى- في "الجامع الصغير" جعل كتابه وقفا على الأحاديث القولية؛ فالموسوعة ذكرت القولية والفعلية.
- وصف الموسوعة:
"موسوعة أطراف الحديث النبوي" تقع في أحد عشر مجلدا،وعلى كل مجلد أحرف الأطراف؛ فمثلا المجلد الأول فيه حرف الألف،ولو فتحنا المجلد الأول نجد نهايته حرف الألف مع الظاء؛ فإذا أردنا أيَّ حديث يبدأ بحرف الألف مع الباء مع التاء مع الثاء إلى الظاء؛ فهو في المجلد الأول.
بعد ذلك المجلد الثاني نجده يبدأ من الألف مع الظاء إلى الألف مع النون،والمجلد الثالث في حرف "إنَّ"؛ لأن "إن" الأحاديث فيها كثيرة جدًّا؛ مثل :
(إن الله لم يمسخ شيئا؛ فيدع له نسلا)،
(إن الله لما خلق آدم؛ قبض)
(إن هذه النخلة إنما حنّت شوقا لرسول الله لما فارقها)،
(إني رأيت الجنة وقد عُرضت عليّ)،
(إنما الماء من الماء)،
(إنما الناس كإبل مائة)،
(إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)؛ فهذا كله في حرف "إن" وملحقاتها في المجلد الثالث من الموسوعة.
المجلد الرابع منها مكتوب عليه " إلى آخر حرف "أل"،وذكر الألف مع الهاء؛ مثل
(أها هنا أحد؟)،والهمزة مع "اللام ألف"؛ (ألا آذنتموني بهذا؟!)،(إلا آل فلان)،(ألا آمرك بكلمات؟!)،(ألا أبشرك برضوان الله الأكبر؟!)... إلى غير ذلك،ثم حرف الباء والتاء إلى تقريبا آخر المجلد الرابع ينتهي مع حرف الخاء.
والخامس من الدال إلى القاف،والسادس الكاف واللام،والسابع لام ألف والثامن والتاسع في حرف الميم،والعاشر من النون إلى الواو،والحادي عشر في حرف الياء.
فهذا وصف موجز للموسوعة وهذه أجزاؤها؛ فما عليك يا طالب العلم إذا أردت البحث عن حديث يبدأ بحرف الباء مثلا إلا أن تبحث عن الجزء الذي فيه حرف الباء وتبحث عنه وكما سنبين الآن طريقة البحث؛ فمثلا عندك حديث (يا معشر الشباب!) يبدأ بحرف الياء والألف؛ فيكون في المجلد الحادي عشر؛ فتأتي به وتبحث فتقف عما تريده من الأحاديث.
فأول ميزة من ميزات "الموسوعة" أنها تشمل كمًّا هائلا من الأحاديث النبوية الشريفة،ومن هذه الميزات أنه قطّع الأحاديث في أكثر من موضع.
كيف ذلك؟
أنا -مثلاً- أريد أن أستخرج من الموسوعة حديث: (يا معشر الشباب!! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج)؛ فأذهب إلى حديث: (يا معشر الشباب!!)،وهو يقع في الجزء الحادي عشر صفحة 241،وأجده أعطاني إحالات على كتب السنة كما يلي: (يا معشر الشباب!!) الإحالات: البخاري خ (7/ 3) ؛أي: البخاري الجزء السابع طبعة دار الشعب،وهو في المجلد الأول يذكر الطبعات التي يستخدمها في الموسوعة؛ فمثلا يقول:
"إتحاف السادة المتقين" للزَّبيدي،الطبعة: تصوير بيروت.(1/360)
"الإتحافات السنية"،الطبعة: الكليات الأزهرية.
"أخلاق النبوة"،الطبعة: النهضة المصرية.
"الأذكار النووية"،الطبعة: عيسى الحلبي.
فيذكر مع كل كتاب الطبعة الذي يستخدمها في الإحالة عليه،فهنا يقول (يا معشر الشباب!!) في الجزء الحادي عشر صفحة 241: خ (7/ 3)،م نكاح 1،2 ؛أي: مسلم كتاب النكاح الحديث الأول والثاني،ن: رمز النسائي (4/ 169) و(4/ 171) و (6/ 58)،ابن ماجه رقم 1845،مسند أحمد المجلد الأول صفحة 387 و424 , 425 و 432،سنن البيهقي المجلد الرابع صفحة 296.
وهذا التخريج لا يكفي؛ لأن حديث (يا معشر الشباب!!) من الأحاديث المشهورة؛ فمعنى ذلك أنه موجود في كتب كثيرة من كتب السنة؛ فأعيد النظر وأفكر... (يا معشر الشباب!!) ما الذي بعده؟ (مَنْ استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج)؛ فأذهب إلى (من استطاع...)؛ فأجده في المجلد الثامن من الموسوعة صفحة 76 إحالات أخرى لمواضع أخرى غير التي ذكرها.
(8/ 76) سأجد في هذه الصفحة كل حديث يبدأ بـ (مَنْ استطاع)،(من استطاع أن تكون له خبيئة من عمل صالح؛ فليفعل)،(من استطاع ألا يأكل إلا طيبا؛ فليفعل)،(من استطاع ألا ينام يوما..)،(من استطاع أن يتقي النار..)،(من استطاع أن يطيل..)... إلى أن قال: (من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج) الذي هو موضوع بحثي.
ما هي الإحالات التي أتى بها؟
أعطاني: خ 3/43 ؛ أي: موضع آخر فأكتب مرة أخرى،وأقول هنا:(3/ 43) في نفس الموضع الذي ذكر فيه البخاري،وم نكاح 1،وهذا مكرر؛ لأنه ذكره قبل ذلك وهذا من عيوب الموسوعة التي سننبه عليها ومنها إمكانية أن تُخْتصر من أحد عشر مجلدا إلى ستة مجلدات إذا حذفنا المكررات. فهو هنا قال: مسلم كتاب النكاح 1 فكرّر هنا ولم يذكر أبا داود وذكر البخاري،ومسلما،والنسائي،وابن ماجه،ومسند أحمد،وسنن البيهقي؛ فأين أبو داود؟
ذكره في الموضع الثاني؛ فقال: أبو داود النكاح باب 1،ثم أتى بـ "مصنف عبد الرزاق"،و"مصنف ابن أبي شيبة"،و"الطبراني الكبير"،و"سنن البغوي"،و"الدر المنثور"،و"إرواء الغليل" للشيخ الألباني،وابن كثير،و"أمالي الشجري"؛ فيذكر في الموضع الثاني إحالات لم يذكرها في الموضع الأول الذي ذكر فيه (يا معشر الشباب!!) فأعطاني بهذا الشكل ست إحالات على ستة كتب؛ فهنا أعطاني إحالات جديدة؛ أكثر من ثمان إحالات زيادة على ما ذكر في المرة الأولى.
فأنا بحثت هنا مرة في (يا معشر الشباب!!)،والمرة الثانية بحثت في (من استطاع)؛ فهل يمكن مع التأمل في متن الحديث أن نقف على موضع آخر لنستخرج منه فوائد أخرى؟
نعم،أنا وجدت (ومن لم يستطع) في المجلد الثامن من الموسوعة صفحة 574 أعطاني في: (من لم يستطع فعليه بالصوم)... وهكذا في كل مرة إذا بحثت في (يا معشر الشباب!!)،ثم (من استطاع منكم الباءة)،ثم (ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم)،ثم (فإنه له وجاء)؛ ففي كل مقطع من مقاطع الحديث أستطيع الرجوع لموضعه وأجدها مرتبة على حروف الهجاء،فأستخرج الموضع والإحالات،وأنتقل إلى موضع آخر حتى أنتهي من الحديث،ثم بعد ذلك أرجع إلى الكتب الأصلية المسندة؛ النسائي،أبي داود... وغيرها من الكتب؛ فأستخرج مواضع الحديث ثم أبدأ المرحلة العملية في التخريج وهي مقارنة الأسانيد والبحث عن مواطن العلة.
ولنأخذ حديثا آخر،وليكن -مثلاً- حديث: (تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك)،هذا حديث من الأحاديث المنتقاة بلا سابق إعداد فننظر في فقرات هذا الحديث.
ما هي مظان البحث عن هذا الحديث في الموسوعة؟
يكون البحث بادي النظر في أول الحديث عن فقرة (تنكح المرأة لأربع)،وأبحث في حرف اللام (لجمالها)،و(لحسبها)،و(لدينها).
هذه كلها موارد بحث قد أجد وقد لا أجد،لكن أنا -كطالب حريص على تحصيل الفائدة ينبغي أن أبحث عن كل ما يظنُّ أنه ذكر لي إحالات،ثم الفقرات الأكبر يكون فيها عزو أكثر غالبا.
((1/361)
تنكح المرأة لأربع) بهذا اللفظ فقط "خ": 7/ 9،و"م" باب الرضاع 53،و"هق" ؛ أي: البيهقي في السنن الكبرى 7/ 79،"غليل"؛ أي: "إرواء الغليل" للألباني.
وهذه من مزايا الموسوعة؛ أنها استوعبت -على مدار الزمان- كتب السنَّة حتى كتب المعاصرين.
وهذه ميزة مهمة ؛ لأنه يأتيني بجهود المعاصرين والمتأخرين على كتب السنة ويأتيني بكلام الأئمة؛ مثل "التلخيص الحبير"،و"نصب الراية"،و"الدراية"... وغيرها من الكتب التي تعتني بنقل كلام النقاد على الأحاديث وهذا الذي يحتاجه طالب العلم في المرحلة الثانية = مرحلة التخريج؛ لأن همّه هو البحث عن التصحيح والتضعيف.
لكن يعاب عليها -كما سنذكر في المآخذ بعد ذلك- أنها تعزو إلى "تفسير القرطبي"؛ فما الفائدة والقرطبي يقول: أخرجه ابن ماجه؛ فهذا عزو لا فائدة من ورائه.
ولنرجع مرة أخرة لبحثنا:
غليل؛ أي: "إرواء الغليل" للشيخ الألباني 6/ 194،ومنصور؛ أي: "سنن سعيد بن منصور" 506،وفتح؛ أي: "فتح الباري" 9/ 132.
إتحاف؛ أي: "إتحاف السادة المتقين لشرح إحياء علوم الدين" للزبيدي 5/ 340،مشكاة؛ أي: "مشكاة المصابيح" 4082،كنز؛ أي: "كنز العمال" للمُتقي الهندي 44552،منثور؛ أي: "الدر المنثور" للسيوطي 1/ 257،البغوي؛ أي: "شرح السنة" للبغوي 1/ 220،كحال 2/ 18،27،حلية؛ أي: الحلية لأبي نعيم 8/ 383،ترغيب؛ أي: "الترغيب والترهيب" 3/ 45،مطالب؛ أي: "المطالب العالية" 1570،كثير؛ أي: ابن كثير 1/ 377،قرطبي؛ أي: "تفسير القرطبي"4/ 37،4/ 16،347،عر؛ أي: "المغني عن حمل الأسفار" للحافظ العراقي الذي هو تخريج الإحياء 2/ 39،قط؛ أي: الدارقطني 3/ 303.
وإذا احتجت إلى أن أوسع الدائرة أكثر؛ آتي بالموسوعة،ثم أنظر مرة أخرى في ما يُظن أنه مورد لعزوٍ جديدٍ؛ فأنظر -مثلاً- (اظفر بذات الدين) في المجلد الأول صفحة 575 من الموسوعة أعطاني أيضا.
(اظفر بذات الدين): خ البخاري 4/ 117،ومسلم في الرضاعة 53،البيهقي 7/ 79،حم مسند أحمد 2/ 428،كمال " الأحكام النبوية في الصناعة الطبية " للكحال 2/ 31.
ولنذكر فقرة أخرى في الحديث؛ (تربت يداك)؛ فلو أتيت على حرف التاء؛ سأجد -لا محالة- في الموسوعة وعندي حرف التاء فأستطيع أن أرجع إلى المجلد الرابع من الموسوعة وحرف التاء منها؛ تاء مع راء: (تربت يداك) مسلم في الرضاع 4/8،"التمهيد" لابن عبد البر وهذا موضع جديد ويفيد في أشياء كثيرة؛ لأن ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- يسوق في كتابه مذاهب السلف،ويذكر أقوال الصحابة مسندة سواء في "التمهيد" أو في "الاستذكار"؛ فأستفيد فائدة جديد أني أجد كلام الصحابة في المسألة. فذكر "التمهيد" 8/ 336،و"إتحاف السادة المتقين" 10/387.
لو أتينا إلى حديث (خلوف فم الصائم...)،مسلم كتاب الصيام باب 30 رقم 161،ترمذي 764،ن كتاب الصيام باب 40،ابن ماجه 1638،إتحاف المجلد الأول 61،فتح المجلد العاشر 369،ترغيب المجلد الثاني 80،غليل المجلد الأول 106،شج أمالي الشجري المجلد الأول 281والمجلد الثاني 31،39،92،آمالي الشجري،خط الخطيب المجلد السابع 213.
تفصيلُ القول في المآخذ على "موسوعة أطراف الحديث النبوي"
قلنا إن الموسوعة تخدم قرابة 150 كتابا من كتب السنة،وهذه الشمولية ليست متوفرة في غيرها -على الإطلاق- من كتب التخريج،أو الاستخراج،أو الفهارس التي بين أيدينا؛ لا المعجم المفهرس،ولا غيره كما سنعلم -إن شاء الله وتعالى- فيما بعد.
والموسوعة كما أنها تتسم بالشمولية وتُخرج منها من حوالي 150 كتابا،فكذلك من فوائدها أنها تُحيل على مصادر السنَّة مباشرة؛ بمعنى إنك إذا رجعت إلى كتب مثل: "كشف الخفاء" للعجلوني،و"المقاصد الحسنة" السخاوي،و"الجامع الصغير" للسيوطي... وغيرها من الكتب. فهو يرشدك إلى أن هذا الحديث مُخَرّج في هذه الكتب.(1/362)
أما "الموسوعة"؛ فهي تُعطيك مكان الحديث في المصدر الأصلي؛ يقول -مثلاً النسائي 5/ 120،ابن ماجه حديث رقم 1420 إلى غير ذلك من العزو المباشر إلى كتب السنة. فتوفر عليك مسألة الرجوع إلى الفهارس؛ فترجع إلى موضع الحديث في الكتاب مباشرة،ويبقى عليك أن تعد لنفسك أوراق العمل؛ لتضع كل إسناد في ورقة،أو كل جملة أسانيد في ورقة؛ لتُجريَ بينها المقارنات وتعرف مواطن الالتقاء في الأسانيد،ومواطن التفرد،والتركيز على الرواة المدارات ؛ لأن من المهمات الوقوفَ على مدار الحديث؛ أي الراوي الذي التقت جميع الطرق عنده؛ فالموسوعة توفر الوقت في هذا الباب توفيرا جيدا.
ولكنْ أبى الله إلا أن تكون العصمة لكتابه؛ فلا يوجد كتاب إلا وفيه ميزات كثيرة وفيه بعض الأخطاء. ومن ذلك أن "الموسوعة" تُكرّر العزو في الحديث الواحد أكثر من مرة في الصفحة الواحدة. وسنذكر مثالين.
- المثال الأول:
في أول صفحة من الموسوعة -بعد المقدمة التي شغلت 70 صفحة من الكتاب- حديث هو أول مثال لنا: (آئبون -إن شاء الله- تائبون) عب؛ أي: عبد الرزاق 9243،وبعدها (آئبون تائبون) أصبهان،وبعده (آئبون تائبون -إن شاء الله- عابدون)،وبعده (آئبون تائبون عابدون حامدون)،وبعده (آئبون تائبون حامدون)،وبعده (آئبون تائبون عابدون -إن شاء الله- لربنا حامدون)،وبعده (آئبون تائبون عابدون ساجدون)،وذكر بعدها خمسة مواضع كما ترونه في أول صفحة.
لماذا التكرار والحديث واحد؟
هو حديث العودة من السفر؛ فإذا رجع الإنسان إلى بيته؛ قال: (آيبون تائبون عابدون حامدون لربنا ساجدون)(1)،فهذا حديث جاء: (آئبون -إن شاء الله- تائبون)،(آئبون تائبون)؛ فسواء قدّم أو أخر،ذكر (لربنا حامدون) أو لم يذكر؛ فهذا -كله- حديث واحد؛ فما المانع لمن أراد أن يختصر هذا الجهد أن يضع مرة واحدة ويذكر جميع العزو تحته بدلا من تكرار الحديث في أحد عشر موضعا.
هذا من الأخطاء التي وقعت فيها الموسوعة ويمكن لطالب العلم أن يستدرك،ويجتهد في توفير الجهد،والطاقة،والأوراق على نفسه؛ فيذكر الحديث مرة واحدة ويذكر تحت هذا الحديث جميع مواطن العزو الواردة مع حذف المكررات؛ فأقول:
عب: عبد الرزاق 9242،أصفهان: تاريخ أصفهان 2/367،سني: "عمل اليوم والليلة"،ش: "مصنف بن أبي شيبة" 12/ 520،هق: البيهقي في السنن 259،طب: الطبراني في الكبير 12/ 369،وذكر في الموضع السادس سنن البيهقي مرة أخرى وهذا تكرار،ثم ذكر عبد الرزاق مرة ثانية 9240 وذاك 9242؛ فهذا موضع إضافي،سعد: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/1/ 57،و8/89،ش: ابن أبي شيبة 12/ 519؛ فهذا موضع آخر لابن أبي شيبة،ثم ذكر بعد ذلك سني: "عمل اليوم والليلة" لابن السني صفحة 525،520؛
فذكر الحديث 11 مرة وفي كل مرة يذكر العزو إلى كتاب،أو كتابين،أو ثلاثة،أو أربعة،أو خمسة. فلماذا أذكر الحديث 11 مرة بينما من الممكن أن أذكره مرة واحدة. ففي مسألة متون الأحاديث لابد لي من النظر في المصادر الأصلية،وأميز بين رواية ابن السني،ورواية تاريخ أصفهان،ورواية عبد الرزاق،ورواية ابن سعد في الطبقات،ورواية ابن أبي شيبة،ورواية الطبراني. وأنا مهمتي في المتون هي النظر في الألفاظ؛ فلان رواه بلفظ كذا،وفلان رواه بلفظ كذا.
فهذا هو المأخذ الأول من مآخذ الموسوعة أنه يكرر الحديث بألفاظه وفي كل مرة يأتي بعزو،أو اثنين،أو ثلاثة.
- المثال الثاني:
__________
(1) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ كَبَّرَ ثَلاَثًا قَالَ « آيِبُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَائِبُونَ عَابِدُونَ حَامِدُونَ لِرَبِّنَا سَاجِدُونَ ،صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ ،وَنَصَرَ عَبْدَهُ ،وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ » . صحيح البخارى (3084 )(1/363)
حديث: (الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ.)،وتجده في: (إِنَّ المُختلعاتِ هُنَّ المُنافقاتُ)؛ فذكره مرة في: (إن المختلعات...)،ومرة في: (المختلعات هن...) المحلى بـ"أل"؛ فكان تخريج الحديث في موضع واحد هو الأولى من التكرار،والعزو في أكثر من مكان ولا يكاد يوجد حديث في الموسوعة إلا وقطّعه في خمسة أو ستة مواضع؛ فمن أراد أن يستفيد فلابد -قبل الدخول على المصادر الأصلية- أن يُسمك بالموسوعة ويقرأ مظان الحديث في جميع الأجزاء التي يمكن أن يكون الحديث موجودا فيها؛ فتقرأ الحديث،وتقطعه على فقرات،وتقرأ،وتُسجل العزو في أوراقك،وبعد أن تنتهي من البحث في الموسوعة في خمسة مواضع،أو ستة مواضع ترجع للكتب الأصلية. فتوفيرا للجهد وتوفيرا للطالب على نفسه هذا الوقت الطويل وخاصة لأن العزو يتكرر أحيانا في مواضع هي هي.
ومن المآخذ ذكره كتباً دون أسانيد؛ فما فائدة الرجوع إلى كتب لا أسانيد لها؛ ككتاب "الأذكار" للنووي،و"رياض الصالحين"،و"تفسير القرطبي"،وتفسير "الدر المنثور" للسيوطي؛ فلو أتينا -مثلاً- لصفحة 16 إلى 21 المذكور بها رموز الموسوعة؛ ستجده يعزو إلى 150 كتابا ومن الممكن أن نستغني عن 40 كتابا منها؛ مثل: "الإتحافات السنية"،و"عقد الدرر بأخبار المنتظر"،و"الأذكار" للنووي،و"الأذكياء" لابن الجوزي،و"الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة" لملا علي القاري،و"الاستذكار" لابن عبد البر،و"طبقات علماء إفريقيا" لأبي العرب،و"الانتقاء في مناقب الأئمة الثلاثة الفقهاء" لابن عبد البر،و"تجريد التمهيد" لابن عبد البر،و"جامع التحصيل" للعلائي،و"تذكرة الموضوعات" للفتني،و"الترغيب والترهيب" للمنذري،و"تغليق التعليق" للحافظ ابن حجر العسقلاني،و"تلبيس إبليس" لابن الجوزي،و"تنزيه الشريعة" لابن عراق،وكتب السيوطي؛ مثل: "جمع الجوامع"،و"الحاوي للفتاوي"،و"الحبائك في أخبار الملائك"،و"مسند الربيع بن حبيب"،و"الفتاوى الحديثية" لابن حجر الهيثمي،و"الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي،و"إصلاح خطإ المحدثين" للخطابي،و"تحذير الخواص من أحاديث القصاص" للسيوطي،و"فهرسة ابن خير"،و"الطب النبوي" لابن القيم،و"بدائع المنن" للساعاتي،و"تبيين العجب بما ورد في شهر رجب" للحافظ ابن حجر،،و"تذكرة الموضوعات" لابن القيصراني،و"تفسير ابن كثير"،و"الأحكام النبوية في الصناعة الطبية" للكحال،و"تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر" لابن بدران،و"لسان الميزان" للحافظ ابن حجر،و"مختصر العلو للذهبي" للألباني،و"منحة المعبود" للساعاتي،و"مناهل الصفا"،و"أسباب النزول" للواحدي؛ فهذه الكتب لا حاجة إليها عند التخريج من الموسوعة.
فتحذف توفيرا للجهد بلا طائل من ورائه. فهذه المسألة الثانية وهي حذف العزو للمصادر الفرعية التي لم تنصَّ على أسانيد أو على كلام لأهل العلم.
وقد يقول قائل: أنت ذكرت كتب الألباني -كلها- وهو معاصر وجميع كتبه لم تَحْذف شيئا منها؛ فما الداعي لـ: "إرواء الغليل"،و"التوسل"،و"آداب الزفاف"... وغيرها؟!
الجواب: لأن الشيخ ينقل كلام أهل العلم النقاد على الأحاديث صحة وضعفا؛ فطالب العلم في أمَسِّ الحاجة إلى هذه الفائدة،وخاصة أن الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- كان واقفا على تراث الأمة كله في المكتبة الظاهرية -مكتبة الأسد حاليا-،ووقف على مخطوطات لم يقف عليها غيره. والشيخ -رحمه الله تعالى- في كتبه؛ كالإرواء والسلسلة الصحيحة،والسلسلة الضعيفة كثيرًا ما يُخرّج من هذه الكتب المخطوطة. فطلبة العلم في الوقت الحاضر استفادوا كثيرًا من إحالات الشيخ على مخطوطات ما سمعوا بها من آبائهم الأولين؛ فهذه فوائد تعدمها في غيرها من الكتب.(1/364)
وكذلك "نصب الراية"،و"التلخيص الحبير"،وغيرها من الكتب التي تنص على كلام أهل العلم النقاد في الحكم على الأحاديث صحة وضعفا مع كتب المعاصرين التي تخدم في هذا الباب؛ ككتب الشيخ الألباني أبقيناها في البحث لمهمة عظيمة وهي كلام أهل النقل على الأحاديث صحة وضعفا وهذه مسألة تعتبر الباب الأعظم في مهمتنا وهي الكلام على الأحاديث صحة وضعفا.
ومن العيوب الهامة جدا أن الموسوعة قد أغفلت كثيرا من المصادر الحديثية الهامة،كشعب الإيمان للبيهقي وغيره من كتب كثيرة مسندة.
وكذلك في موضوع التخريج،فهي لا تذكر جميع المصادر في مكان واحد،بل لا بد من النظر بجميع ألفاظ الحديث حتى نقف على من أخرجه كاملاً،وهذه مشكلة ليست بالقليلة .
وهذا الكلام ليس معناه هدمَ الموسوعة،ولا إهدارَ قيمتها،وإنما نريد لمن أراد خدمة الحديث النبوي أن يصنع هذا الصنيع؛ حذف المكررات،وجمع العزو للحديث في موضع واحد،وحذف المصادر الفرعية التي لا تذكر الأسانيد،ولا تذكر كلام أهل العلم النقاد.
ـــــــــــــــــ
ثانيا- استخراج الحديث عن طريق موضوعه أو الأحكام المستنبطة منه :
ولا يستطيع أن ينتفع بهذه الوسيلة إلا من فهم معنى الحديث،وعرف أظهر حكمٍ يمكن أن يستفاد من هذا الحديث،بل كلما كان فهم الباحث دقيقاً كانت استفادته من هذه الطريقة أنفع،ومما يدل على ذلك أن البخاري ربما أورد الحديث تحت باب معيّن يحارُّ الباحث في العلاقة بين الترجمة وبين إيراد الحديث تحتها،مما جعل عدداً من العلماء يتوقف في معرفة مقصد البخاري في بعض التراجم .
والكتب التي يستعان بها في هذه الطريقة :
1.الكتب المرتبة على الموضوعات : ومن أشهرها كتب الجوامع،كـ(الجامع الصحيح) للبخاري،و (المسند الصحيح) لمسلم،وكتب السنن كذلك -ويفرقون بين كتب الجوامع وكتب السنن،بأن كتب الجوامع تعتني بجميع أبواب العلم،بخلاف السنن فأكثر عنايتها بأبواب الفقه فقط،أي بأحاديث الأحكام التي يُستنبط منها حكم،وقد يوردون غيرها ولكنه قليل-،ويدخل ضمن كتب الجوامع والسنن جميع كتب الصحاح المؤلفة مثل : (صحيح ابن خزيمة)،و(صحيح ابن حبان) وخاصة ترتيبه المسمى (الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان) -وهو مطبوع-،وأيضاً كتب المستخرجات كـ(مستخرج أبي عوانة) و(مستخرج أبي نُعيم)،و(مختصر الأحكام) المستخرج على جامع الترمذي،و(المستدرك) للحاكم،وكتب السنن الأربعة -إلا أن كتاب الترمذي جامع وأُطلق عليه "سنن" تغليباً،وأيضاً كتاب (السنن الكبرى) للبيهقي،وهو من أمهات السنّة،وجميع ما سبق مرتبٌ على أبواب الفقه .
2.الكتب المُفردة في موضوعات معيّنة،مثل : كتب التفسير بالمأثور خاصة المسندة،وغير المسندة مفيدة في بيان من أخرج الحديث،فمثلاً من كتب التفسير المسندة : (تفسير ابن جرير الطبري) و(تفسير ابن أبي حاتم) و(تفسير الثوري) و(تفسير عبدالرزاق) و(تفسير مجاهد)،وهناك كتبٌ في التفسير بالمأثور لكنها إما ناقلة بالأسانيد كـ(تفسير ابن كثير)،أو كتب تعزو إلى من أخرج الحديث مثل (الدر المنثور) للسيوطي . وهذه الكتب شاملة للمرفوع والموقوف والمقطوع .
يدخل ضمن التفسير كتب أسباب النزول -خاصة المسندة منها- مثل : (أسباب النزول) للواحدي -وهو الأصل لكتب أسباب النزول-،وأيضاً كتاب (العُجاب في بيان الأسباب) للحافظ ابن حجر،لكنه لم يتمه بل توقفَ في أثناء "سورة النساء"،وهو كتاب جليل وعظيم الفائدة في أسباب النزول،وهو كتاب مطبوع .
أيضاً كتب الناسخ والمنسوخ في القرآن المسندة،مثل : كتاب (الناسخ والمنسوخ) لابن الجوزي،و(ناسخ القرآن ومنسوخه) لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم،وهي تُورد الأحاديث التي يُستدل بها على النسخ بأسانيدها .(1/365)
ومن المواضيع المُفردة : كتب العقيدة المسندة بأنواعها،فمنها مثلاً ما يتعلق بالإيمان،مثل (شعب الإيمان) للبيهقي،و (الإيمان) لابن مندة،وكتاب (تعظيم قدر الصلاة) لابن نصر المروزي -وقد تَعْرِضُ لمسائل الإيمان-،ومنها ما يتعلق بالأسماء والصفات مثل كتاب (التوحيد) لابن خزيمة،وكتاب (التوحيد) لابن مندة،و كتاب (الأسماء والصفات) للبيهقي،ومنها الكتب المتعلقة بالرد على أهل الأهواء والبدع،ككتاب (الرد على الجهمية)،و(الرد على بشر المرّيسي) كلاهما لعثمان بن سعيد الدارمي،ومنها الكتب الشاملة مثل (السنّة) لعبدالله ابن الإمام أحمد،ولابن أبي عاصم،وللخلال .
ومن المواضيع المفردة : الكتب التي أُلفت في موضوع فقهي،مثل كتاب (الصلاة) لأبي نُعيم الفضل بن دكين،وكتاب (البسملة) لابن طاهر المقدسي،وكتاب (الإنصاف) لابن عبدالبر،وكتاب (الطُّهور) لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم،وكتاب (الأموال) -أيضاً-لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم،وكتاب (الأموال) لحُميد بن زنجويه،وكتاب (الخراج) ليحيى بن آدم،(والقراءة خلف الإمام) للبخاري،(وجزء رفع اليدين) له أيضاً،و(القراءة خلف الإمام) أيضاً للبيهقي،وكل هذه مسندة . وهي أجزاء كثيرة طُبع منها الكثير،وبقي الأكثر لم يُطبع .
ومن المواضيع المفردة : الكتب التي أُلفت في السيرة والشمائل المحمدية مثل : (سيرة ابن إسحاق)،وقد طُبع جزء منها -وهو المعروف الآن-،و (تهذيب سيرة ابن هشام) . وتُذكر أيضاً هنا : كتب الدلائل النبوية،مثل (دلائل النبوة) لأبي نُعيم،و(دلائل النبوة) للبيهقي،و(دلائل النبوة) للفريابي،و(دلائل النبوة) لأبي القاسم التيمي المشهور بقوام السنّة .
ومن كتب الشمائل : كتاب (الشمائل المحمدية) للترمذي -وهو من أصولها-،وكتاب (الأنوار في شمائل النبي المختار) لأبي الشيخ الأصبهاني،وكلها مطبوعة.
ومن المواضيع المفردة : الكتب المتعلقة بفضائل الصحابة،والمسند منها : كتاب (فضائل الصحابة) للإمام أحمد،و( فضائل الصحابة ) لخيثمة الطرابلسي،وكتاب (فضائل الخلفاء الأربعة) لأبي نُعيم الأصبهاني .
وهناك كتب فضائل صحابة على الخصوص،مثل : كتاب (خصائص علي) للنسائي -وهو موجود ضمن (السنن الكبرى)-،كتاب (فضائل أبي بكر الصديق) لابن بَلْبَان الفارسي،وكتاب (فضائل علي بن أبي طالب) لابن المغازلي الواسطي،وكلها مطبوعة .
ومن الكتب المفردة : كتب الآداب ومحاسن الأخلاق،مثل : كتاب (الأدب المفرد) للبخاري،وكتاب (الآداب) للبيهقي،وكتاب (مكارم الأخلاق) لابن أبي الدنيا،وكتاب (مكارم الأخلاق) للطبراني،وكتاب (مكارم الأخلاق) للخرائطي -وهو أوسع هذه الكتب-،وكتاب (مساوئ الأخلاق) للخرائطي أيضاً،وكتاب (التوبيخ والتنبيه) لأبي الشيخ الأصبهاني،ويدخل ضمن كتب الآداب كتب متعددة كثيرة لابن أبي الدنيا،مثل : كتاب (الصمت) و (ذم البغي) و (ذم الكذب) و (ذم الغضب) و (التواضع والخمول) و (الإخوان) و (الصبر) و (الحلم)،وغيرها كلها لابن أبي الدنيا يسند في كل ما يورده .
كتب الأمثال النبوية،مثل : (الأمثال) لأبي الشيخ الأصبهاني،(الأمثال) للرامهرمزي،(الأمثال) لأبي هلال العسكري،(مسند الشهاب) للقضاعي .
ومن المواضيع المفردة : كتب الزهد والرقائق،وطبع منها عدد كبير،ومنها : (الزهد) للإمام أحمد،(والزهد) لوكيع،ولابن المبارك و للبيهقي،ولأسد بن موسى . ويدخل فيها أيضاً كتب لابن أبي الدنيا مثل : (ذم الدنيا)،و(الجوع) و (المحتضرين) و (الرقة والبكاء) وغيرها.(1/366)
ومن المواضيع المفردة : كتب أحاديث الأحكام،يدخل من بينها كتب السنن والجوامع،لكن هناك كتب اختصت بالأحاديث التي احتج بها الفقهاء،ومن أقدم هذه الكتب : (شرح معاني الآثار) للطحاوي،وهو محدث وحافظ وحنفي،فأسند أدلة أبي حنيفة وذكرها بإسناده،وأيضاً كتاب (الخلافيّات) للبيهقي،أورد فيه أدلة الشافعية مسندة،طبع منه ثلاثة مجلدات -وهو كتاب ضخم-،وأيضاً كتاب (التحقيق) لابن الجوزي،وقد أسند فيه أدلة المذهب الحنبلي،ومن كتب الأحكام التي تذكر الأسانيد كتاب (الأوسط) لابن المنذر . يأتي بعدها كتب تخريج أحاديث الأحكام،من أمثال (نصب الراية) للزيلعي،و(التلخيص الحبير) للحافظ ابن حجر،و(البدر المنير) لابن الملقن،و(تنقيح التحقيق) لابن عبدالهادي،وأيضاً (تنقيح التحقيق) للذهبي -ولم يطبع-،و(إرواء الغليل في تخريج أحاديث السبيل) للألباني،فالأول في الفقه الحنفي،والثاني والثالث في الفقه الشافعي،والرابع والخامس في الفقه الحنبلي،أما الفقه المالكي فكتب التخريج فيه قليلة جداً،لكن هناك رسالة مطبوعة وهي (تخريج أحاديث المدونة) للدرديري،وكذلك كتاب (الهداية في تخريج أحاديث البداية) لأبي الفيض الغماري،فيمكن أن يعتبر من تخريج أدلة الفقه المالكي،باعتبار أن ابن رشد مالكي المذهب .
أيضاً يدخل في كتب الأحكام،كتب أحاديث الأحكام المحذوفة الأسانيد،مثل (بلوغ المرام) لابن حجر،ففيه عزو،وبعض الأحيان فيه حكم على الحديث،وأيضاً كتب الأحكام الثلاثة التي صنفها عبدالحق الإشبيلي وهي: (الأحكام الكبرى) -ولم تطبع-،و(الأحكام الوسطى) -طُبعت في خمسة مجلدات،و(الأحكام الصغرى) -وطُبعت أيضاً في مجلدين-،والأحكام الصغرى اشترط فيها مؤلفها أن لا يورد فيها إلا الأحاديث الصحيحة،فميزة الأحكام الصغرى أن جميع الأحاديث الواردة فيه هي صحيحة عند عبدالحق الإشبيلي،وهو لا يذكر فيها إسناداً ولا تعليلاً ولا كلاماً على الحديث . والأحكام الوسطى يذكر فيها الكلام على الحديث،ولم يكتفِ فيها بالأحاديث الصحيحة،وهي التي ألف عليها ابن القطان الفاسي كتابه المشهور (بيان الوهم والإيهام الواقعَين في كتاب الأحكام) فهو على الأحكام الوسطى . وأما الأحكام الكبرى فيذكر فيه عبدالحق أسانيد المؤلفين كاملة،وهذه ميزة الكتاب -وهو لم يطبع حتى الآن-،وهو موجود وضخم،وميزة أخرى للكتاب أنه ينقل من كتب مفقودة بالنسبة لنا الآن مثل : (أمالي البزار)،و(المنتقى) للقاسم بن أصبغ،وكتب أخرى لبعض الأندلسيين مفقودة،ينقل منها بأسانيد مصنفيها،فهو كتاب مهم لو طُبع،ومخطوطته موجودة في جامعة أم القرى .
أيضاً من الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية : (كنز العمال) للمتقي الهندي،وأيضاً جلُّ كتب الزوائد مرتبة على الأبواب الفقهية،وأجلُّ كتب الزوائد كتابان : الأول (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للهيثمي،وهو غير مسند،ولكن غالب الكتب التي صنع عليها الزوائد طُبعت ماعدا الأجزاء المفقودة من (معجم الطبراني الكبير)،أو الأحاديث التي أخذها من (مسند أبي يعلى الكبير)،وأيضاً (مسند البزار) لكن (كشف الأستار) يعين عليه،وهو مرتبٌ على الأبواب الفقهية . والكتاب الثاني : (المطالب العالية) للحافظ ابن حجر،وهو مرتب على الأبواب الفقهية أيضاً .
ومن كتب الزوائد أيضاً : (كشف الأستار عن زوائد مسند البزار)،و كتاب (المقصد العليُّ في زوائد مسند أبي يعلى الموصلي)،وصدر مؤخراً (زوائد تاريخ بغداد) في عشرة مجلدات،لكنه غير مرتب على الأبواب الفقهية،وكتاب (بغية الباحث في زوائد مسند الحارث) للهيثمي،وهو مطبوع،وله طبعتان .(1/367)
من الكتب التي رتبت على الأبواب الفقهية شروح الحديث المسند التي يُسند فيها الشارحون بعض الأحاديث،من أمثال (أعلام الحديث) للخطابي،وهو شرح لصحيح البخاري،ويُسند فيه الخطابي بعض الأحاديث بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وأيضاً كتاب (الإستذكار) لابن عبدالبر،وهو شرح للموطأ،حيث يورد فيه ابن عبدالبر أحاديث بإسناده،و(التمهيد) لابن عبدالبر أكثر منه رواية للأسانيد،لكنه غير مرتب على الأبواب الفقهية بل هو مرتب على شيوخ مالك،إلا أنه من السهولة أن تقف على الحديث من خلال الموضوع حينما ترجع إلى الموطأ فتنظر في الباب الذي أورد فيه الإمام مالك الحديث،وتنظر في الشيخ،ثم ترجع إلى (التمهيد) فتستخرج الحديث من خلال الشيخ السابق . وهناك طريقة أخرى فيما إذا كان لديك كتاب (الإستذكار) فإنه في أي موطن يذكر الحديث من الموطأ يقوم المحقق بتحديد موطن الحديث في (التمهيد) بذكر الصفحة والمجلد،وهما كتابان ضخمان،حيث يقع (الإستذكار) في ثلاثين مجلد،و(التمهيد) في ستة وعشرين مجلد .
أيضاً كتاب(مفتاح كنوز السنّة) بترجمة محمد فؤاد عبدالباقي،فكما أنه على الألفاظ فهو أيضاً على الموضوعات.
أيضاً (المعجم المفهرس للمسائل الفقهية)،حيث قام أحد المحققين والمفهرسين وهو الدكتور : يوسف المرعشلي في كتاب (شرح معاني الآثار) رتب الأحاديث على المسائل الفقهية،ورتب المسائل الفقهية على حروف الهجاء.
أيضاً من الكتب التي رُتبت على الأبواب الفقهية : الكتب التي رُتبت على المسانيد،حيث إن بعض العلماء أخذ بعض المسانيد المرتبة على أسماء الصحابة فرتبها على الأبواب الفقهية،ومن أقدم هذه الكتب كتاب (الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد بن حنبل على أبواب البخاري) لمؤلفه : ابن زكنون -من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية-،وكتابه ضخم،الموجود منه الآن مائة مجلد،وقد توفى مؤلفه ولم يتمه،والموجود منه الآن لا يمثل شيئاً من مسند الإمام أحمد،وكان من منهجه أنه إذا أتى على مسألة من مسائل الحديث وفيها كلام لشيخ الإسلام،أو كتاباً في مجلد أو مجلدين أورد المجلدين كلها ضمن الكتاب،ويقول : قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كذا ...،ويذكر كتابه كاملاً،وكذا إذا كان هناك كتاباً لابن قيم الجوزية متعلق بمسألة من مسائل الحديث فإنه يورده كاملاً في شرح هذا الحديث ضمن كتابه السابق . وأيضاً أورد كتاب (توضيح المشتبه في المؤتلف والمختلف) في مجلدين من (الكواكب الدراري) -وقد طُبع كتاب (توضيح المشتبه) في عشر مجلدات،وكله في تراجم الرواة،وفي المؤتلف والمختلف-،والمقصود أنه كتاب ضخم جداً حفظ لنا الكثير من الكتب،ولم يتمه المؤلف،ولم يصل لنا كاملاً بل جزءٌ يسير منه . جاء بعده أحمد البنا -المشهور بالساعاتي،وهو من الذين توفوا في العصر الحديث-،وألّف كتاب (الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني) حيث رتب المسند على أبواب الفقه،وله أيضاً كتاب (عون المعبود في ترتيب مسند أبي داود) -يقصد مسند أبي داود الطيالسي-،وله أيضاً (بدائع المِنَن في ترتيب المسند والسنن) للشافعي،حيث أخذ المسند من سنن الشافعي ورتبه على أبواب الفقه .
ــــــــــــــــ
ثالثا-.استخراج الحديث من خلال وصف يتعلق بالمتن :
1.إذا كان الحديث مُشكلاً في ظاهره مع آية قرآنية أو مع حديث نبوي آخر أو مع العقل أو مع الحس،فقد ُألِّفت كتبٌ في هذا الباب منها: كتاب (اختلاف الحديث) للإمام الشافعي،وكتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة،وأوسع هذه الكتب -وهو موسوعة مهمة جداً،ونافعة جداً كذلك- كتاب (شرح مشكل الآثار) للطحاوي،وهو مطبوع في ستة عشر مجلداً.
2. إذا كان الحديث معللاً فنرجع إلى كتب العلل،من أمثال (العلل) لابن المديني -وهو مطبوع-،و(العلل) لابن أبي حاتم،و(العلل الكبير) للترمذي،و(العلل) للدارقطني .(1/368)
وإذا كان الحديث في الصحيحين وهو مما انتقد فنرجع إلى كتاب (التتبع) للدارقطني،أو كتاب (علل الأحاديث في صحيح مسلم) لابن عمّار،أو لغيره .
3.إذا كان في متن الحديث إدراج فنرجع إلى كتاب (الفصل للوصل المُدرج في النقل) للخطيب،وكتاب (المَدْرَج إلى المُدْرَج) للسيوطي .
4.إذا كان الحديث قدسياً فنرجع إلى الكتب المؤلفة في الأحاديث القدسية،مثل : (المقاصد السَّنية في الأحاديث الإلهية) لابن بَلْبَان الفارسي -وهو مطبوع-،وكتاب (الإتحافات السنَّية في الأحاديث الإلهية) لعبدالرؤوف المناوي،جامع الأحاديث القدسية،جمعها الشيخ أبو عبدالرحمن عصام الدين الصابطي في ثلاث مجلدات وذكر الحديث الصحيح من الضعيف من الحسن وبعض الأحاديث توقف فيها.،وهو أوفاها .
5.إذا كان الحديث من الزوائد فنرجع إلى كتب الزوائد . في المرة السابقة رجعنا لها ؛ لأنها مرتبة على الأبواب الفقهية،أمّا الآن فنرجع إليها ؛ لأن الحديث موصوف بأنه من الزوائد،فمثلاً : إذا بحثت عن حديث في الكتب الستة فلم تجده فيها،فترجع مباشرة إلى كتب الزوائد ؛ لأن الحديث من الزوائد على الكتب الستة،فترجع مثلاً إلى كتاب (مجمع الزوائد) أو (المطالب العالية) فغالباً ستجد حديثك فيها،فإن لم تجده فيها فليكن أول ما يتبادر إلى ذهنك أنك أخطأت،وأنه موجود في الكتب الستة ؛ وذلك لأن الكتب المؤلفة في الزوائد استوعبت كتباً ضخمة كـ(مسند أحمد) و (مسند أبي يعلى) و (مسند البزار) ومعاجم الطبراني الثلاثة،فهذه في مجمع الزوائد وحده،وعشرة مسانيد أخرى في (المطالب العالية)،فيَقِلُّ أن يفوتها حديث .
6.إذا كان الحديث موصوفاً بأنه متواتر فنرجع إلى الكتب التي أُلفت في بيان الأحاديث المتواترة،مثل : كتاب (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) للكتاني،و(قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) للسيوطي،وكتاب (لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة) للزبيدي .
7.إذا كان الحديث موصوفاً بأنه ناسخٌ أو منسوخ فنرجع إلى المؤلفات في الأحاديث الناسخة أو المنسوخة المسندة من أمثال : كتاب (الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) للحازمي -وهو من أجلِّ كتب الناسخ والمنسوخ-،وكتاب (ناسخ الحديث ومنسوخه) لابن شاهين -وهو أيضاً كتابٌ مسندٌ مطبوع- .
8.إذا كان في متن الحديث رجلٌ مبهم فنرجع إلى كتب المبهمات في المتن،ومن أقدمها كتاب الخطيب البغدادي (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة)،وكتاب (الغوامض والمبهمات) لابن بشكوال،وكتاب (إيضاح الإشكال) لابن طاهر المقدسي،و(الغوامض والمبهمات) لعبدالغني بن سعيد،وكتاب (المُستفاد في مبهمات المتن والإسناد) لأبي زرعة العراقي،وكل هذه الكتب مطبوعة .(1)
ـــــــــــــــ
الطريقة الرابعة
[استخراج الحديث من خلال الاستعراض والجَرْد لكتب السنّة](2)
وذلك بأن تأخذ الكتاب من أوله إلى آخره قراءةً حتى تستخرج الحديث . وهذه الطريقة هي الطريقة التي كان يسير عليها الحُفّاظ والعلماء والمُخرجون الأوّلون في عصر ماقبل الطباعة .
*من مزايا هذه الطريقة :
1) أنها الطريقة الوحيدة التي نستطيع أن نجزم من خلالها أن هذا الحديث موجود في هذا الكتاب أو غير موجود فيه ؛ لأن جميع الطرق السابقة قد لا تدلُّ على الحديث في الكتاب وهو موجود فيه،فقد يبحث الباحث في الكتاب بالطرق السابقة فلا يجد الحديث،ثم يقف على عبارة أحد العلماء أنه موجود فيه،فيَجزم بوجوده في الكتاب،فحين البحث والقراءة بهذه الطريقة يُوقف على الحديث ؛ لأنه قد يسقط من الفهارس،وقد ينساه المُفهرس،وهكذا .
__________
(1) - انظر التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 48)
(2) - انظر التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 50)(1/369)
2) أنها تكاد تكون الطريقة الوحيدة لاكتشاف العلة الخفية ؛ لأنه قد يقف أثناء الاستعراض على رواية قد تُعِلُّ الرواية التي يبحث عنها من خلال وهم الراوي في متن الحديث أو في إسناده،وهذه لا تدلُّك عليها الطرق السابقة،ومن مارس التخريج يعرف ذلك تماماً .
3) التعرف على مناهج العلماء،وأسباب التأليف .
4) الفوائد الجانبية الكبيرة التي يستفيدها طالب العلم أثناء القراءة،وينبغي تقييد هذه الفوائد في جلدة الكتاب برقم الصفحة،خاصة الفوائد التي توجد في غير مظنتها . وقد ينقدح في ذهن طالب العلم استنباط من أحد الأحاديث التي مرّ عليها فينبغي تقييد هذا الاستنباط بجانب هذا الحديث،ووجه الاستنباط ؛ حتى لا يُنسى مع مرور الزمن .
5) أنها الطريقة الصحيحة لاستحضار متون السنّة النبوية .
ـــــــــــــــ
الطريقة الخامسة
[استخراج الحديث من خلال الحاسب الآلي(الكمبيوتر)](1)
الحاسب الآلي يُعتبر فِهرساً يُنتفع به كما يُنتفع بالفهارس على جميع الوجوه السابقة على : اسم الراوي،أو الصحابي،أو لفظة في الحديث،وغيرها،ولا يعدو الحاسب الآلي إلا أن يكون فِهرساً،ويستحيل أن يكون قادراً على الاستقلال في الحكم،فالحكم على الحديث ليس عملاً آلياً،بل هو عملٌ يحتاج إلى فقه واستنباط وإعمال ذهن و لا يتأتى جميع ذلك للكمبيوتر .
وقد عملت برامج كثيرة للسنة النبوية،من برامج دار التراث والعريس،وحرف وهي خيرها وأدقها
أما برنامج المكتبة الألفية في السنة النبوية :
فهو لمعظم كتب السنة النبوية،فعن طريق هذا البرنامج نستطيع الوصول للحديث بسرعة هائلة سواء عن طريق اللفظ أو الصحابي أو السند أو كتاب معين .
ولكن المكتبة الألفية فيها نقص بإدخال النصوص،وعدم تشكيل لها وأخطاء كثيرة في إدخال النصوص،ممما يقلل من فائدتها .
وبرنامج العريس يشبه برنامج المكتبة الألفية،ولكنه قليل الأخطاء في إدخال النصوص،ولكن برنامج الألفية أسهل منه .
وأخرجت دار التراث برنامج الجامع الكبير جمع جل كتب الحديث وغيرها المطبوعة فيه أكثر من ألفين وخمس مائة عنوان،والأخطاء فيه أقلُّ من الأول نوعاً ما وهو موافق للمطبوع .
وأما برنامج الكتب التسعة لحرف فهو أفضل تلك البرامج سابقاً وهو مدقق ومشكل،وفيه شرح الكتب الستة،وبه فهارس كثيرة تعين طالب العلم على الرجوع للحديث النبوي .
ومثله موسوعة الأزهر،من عمل جمعية المكنز وهي أدق طبعة للكتب التسعة وسنن البيهقي ومسند الحميدي
وللبحث عن حديث الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ :
فنجده في البخاري 1 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىُّ قَالَ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » . أطرافه 54،2529،3898،5070،6689،6953 تحفة 10612 - 2/1
__________
(1) - انظر التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 49)(1/370)
وأبو داود 2203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ».
وابن ماجة 4367 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالاَ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ».
والحميدي 31- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ».
والبيهقي في السنن الكبرى 184- أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَابَاذِىُّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ».
298- باب الاِغْتِسَالِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ جَمِيعًا إِذَا نَوَاهُمَا مَعًا لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ».(1/371)
2347- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الأَصْبَهَانِىَّ يَعْنِى ابْنَ مَنْدَهْ يَقُولُ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ هَارُونَ بْنِ سُفْيَانَ الْقَاضِى يَقُولُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ الرَّمَادِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْبُوَيْطِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الشَّافِعِىَّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ : يَدْخُلُ فِى حَدِيثِ :« الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ». ثُلُثُ الْعِلْمِ.
274 - باب مَنْ قَالَ يَنْوِى بِالسَّلاَمِ التَّحْلِيلَ مِنَ الصَّلاَةِ. لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - :« تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ». وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ». وَيَنْوِى السَّلاَمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِى الْمَأْمُومُ مَعَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الإِمَامِ.
673- باب الظُّهْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّى الْعَصْرَ {ت} قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.
44- باب مَنْ أُغْمِىَ عَلَيْهِ فِى أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلاَ يَجْزِى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فِيهَا. {ش} قَالَ الشَّافِعِىُّ : لأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِى الصَّوْمِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا : وَقَدْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ». وَقَالَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى الصَّائِمِ :« يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى ».
66- باب مَنْ لَبَّى لاَ يُرِيدُ إِحْرَامًا لَمْ يُصِرْ مُحْرِمًا. {ت} قَالَ الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهِ : رُوِىَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَقِىَ رُكْبَانا بِالسَّالِحِينَ مُحْرِمِينَ فَلَبَّوْا وَلَبَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ دَاخِلٌ الْكُوفَةَ. وَقَدْ مَضَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ».
15391- اسْتِدْلاَلاً بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ : أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ الْبَزَّازُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ». رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِىِّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَعَنِ ابْنِ أَبِى عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ.
ونلاحظ أنه يعتمد على اللفظ بالضبط،ولا نجد رواية لمسلم هنا،لأنه لم يخرجه بهذا اللفظ(1/372)
بينما لو بحثنا عنه بلفظ : بالنية لوجدناه في تسعة وثلاثين موضعاً من هذه الكتب
ولفظ كانت هجرته في واحد وثلاثين موضعاً
وبلفظ فهجرته إلى الله ورسوله في تسعة عشر موضعاً وهكذا
ومن عيوبها أنك عند نسخك للحديث لا تنسخ لك اسم الكتاب،كما أنها خالية من الشرح لأية كلمة غريبة .
وأهم برنامج صدر إلى الآن هو المكتبة الشاملة 2+ 3،فهذا البرنامج المجاني هوأحدث وأهم برنامج في هذا القرن على الإطلاق،حيث نستطيع إدخال أي كتاب على الورد فيه،ونفهرسه ونؤرشفه،بل ونصحح أخطاءه إن كانت فيه أخطاء،وقد قام بعمله الأخ الفاضل نافع،واشترك في إدخال الكتب المئات من طلاب العلم أنا وغيري،ففيه كل كتب السنة وشروحها وكل الكتب التي تحدثنا عنها وما لم نتحدث عنها وغيرها،وهو يعتمد على أحدث وأدق الطبعات،بشكل مستمر،وتوضع فيه الطبعات المدققة والموافقة للمطبوع بشكل دوري ....
هذا البرنامج نستطيع من خلاله استخراج أي حديث سواء عن طريق أي لفظ فيه أوعن طريق راويه أو عن طريق السند أو عن طريق مخرجه بشكل سريع جدا جدا،مما يوفر على طالب العلم الجهد الكبير والوقت الثمين،وقد كنت أعاني المرين عندما كنت أريد استخراج حديث من كتب السنة غير المفهرسة أيام زمان.
مثلا لو أردنا استخراج أي حديث وليكن قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
نجده في :
مصنف ابن أبي شيبة (ج 14 / ص 300)
37720- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ،قَالَ : حدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ،عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ،وَأَنَا فِي بَيَّاعَةٍ أَبِيعُهَا،قَالَ : فَمَرَّ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ لَهُ حَمْرَاءُ،وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا،وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ بِالْحِجَارَةِ،قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ،وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ،لاَ تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ،قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا غُلاَمُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،قُلْتُ : فَمَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ ؟ قَالُوا : عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى،وَهُوَ أَبُو لَهَبٍ.
مسند أحمد - (ج 34 / ص 210)
16446ز- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبُو سُلَيْمَانَ الضَّبِّىُّ َاوُدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الْمُسَيَّبِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدِّيلِىِّ - وَكَانَ جَاهِلِيًّا أَسْلَمَ - فَقَالَ َأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَ عَيْنِى بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». وَيَدْخُلُ فِى فِجَاجِهَا وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ عَلَيْهِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً يَقُولُ شَيْئاً وَهُوَ لاَ يَسْكُتُ يَقُولُ « أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». إِلاَّ أَنَّ ورَاءَهُ رَجُلاً أَحْوَلَ وَضِىءَ الْوَجْهِ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ. فَقُلْتُ َنْ هَذَا قَالُوا ُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ. قُلْتُ مَنْ هَذَا الَّذِى يُكَذِّبُهُ قَالُوا َمُّهُ أَبُو لَهَبٍ.
قُلْتُ ِنَّكَ كُنْتَ يَوْمَئِذٍ صَغِيراً. قَالَ َ وَاللَّهِ إِنِّى يَوْمَئِذٍ لأَعْقِلُ. معتلى 2359
مسند أحمد - (ج 35 / ص 423)(1/373)
17055- قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ قَالَ حَدَّثَنِى شَيْخٌ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». قَالَ وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِى عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ وَتَتْرُكُوا اللاَّتَ وَالْعُزَّى. قَالَ وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ قُلْنَا انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ مَرْبُوعٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ حَسَنُ الْوَجْهِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ سَابِغُ الشَّعَرِ. معتلى 10984 مجمع 6/22
مسند أحمد - (ج 41 / ص 262)
19520- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِى الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِى رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ مِنْ بَنِى الدِّيلِ وَكَانَ جَاهِلِيًّا قَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْجَاهِلِيَّةِ فِى سُوقِ ذِى الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِىءُ الْوَجْهِ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ. يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَذَكَرُوا لِى نَسَبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالُوا لِى هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ.
معتلى 2359
__________
معانى بعض الكلمات :
الغديرة : الشعر المضفور
مسند أحمد - (ج 50 / ص 357)
23851- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً فِى إِمْرَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً فِى سُوقِ عُكَاظٍ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَقُولُ إِنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَنْ آلِهَتِكُمْ. فَإِذَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو جَهْلٍ. معتلى 10984 ل
مسند أحمد - (ج 50 / ص 398)
23892- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ قَالَ وَحَدَّثَنِى شَيْخٌ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». قَالَ وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِى عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ وَلِتَتْرُكُوا الَّلاَتَ وَالْعُزَّى. قَالَ وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ قُلْنَا انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ مَرْبُوعٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ حَسَنُ الْوَجْهِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ سَابِغُ الشَّعَرِ. معتلى 10984 مجمع 6/22
__________
معانى بعض الكلمات :(1/374)
المربوع : بين الطويل والقصير
المستدرك للحاكم (ج 1 / ص 11)
39ـ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حِمْدَانَ الْجَلابُ بِهَمْدَانَ،حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ،حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ،حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ،أَخْبَرَنِي أَبِي،حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ الدُّؤَلِيُّ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا،قَالَ : يُرَدِّدُهَا مِرَارًا وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ يَتَّبِعُونَهُ،وَإِذَا وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ وَضِئُ الْوَجْهِ،يَقُولُ : إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ،فَسَأَلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدْتُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ اقْتِدَاءً بِهِمَا فَقَدِ اسْتَشْهَدَا جَمِيعًا بِهِ
المستدرك للحاكم (ج 4 / ص 3)(1/375)
4219ـ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ،حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ،عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَأَنَا فِي بِيَاعَةٍ لِي،فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا،وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَهُ،وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ،لاَ تُطِيعُوا هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّابٌ،فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقِيلَ : غُلامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،فَلَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ خَرَجْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ،فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودًا إِذْ أَتَانَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا،فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ الْقَوْمُ ؟ فَقُلْنَا : مِنَ الرَّبَذَةِ،وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ،فَقَالَ : تَبِيعُونِي هَذَا الْجَمَلَ ؟ فَقُلْنَا : نَعَمْ،فَقَالَ : بِكَمْ ؟ فَقُلْنَا : بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،قَالَ : أَخَذْتُهُ،وَمَا اسْتَقْصَى،فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَذَهَبَ بِهِ حَتَّى تَوَارَى فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ،فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ ؟ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدٍ يَعْرِفُهُ،فَلامَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،فَقَالُوا : تُعْطُونَ جَمَلَكُمْ مَنْ لاَ تَعْرِفُونَ ؟ فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ : فَلا تَلاوَمُوا،فَلَقَدْ رَأَيْنَا رَجُلا لاَ يَغْدِرُ بِكُمْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ،فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَتَانَا رَجُلٌ،فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،أَأَنْتُمُ الَّذِينَ جِئْتُمْ مِنَ الرَّبَذَةِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ،قَالَ : أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا التَّمْرِ حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا،فَأَكَلْنَا مِنَ التَّمْرِ حَتَّى شَبِعْنَا،وَاكْتَلْنَا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا،ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ مِنَ الْغَدِ،فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ : أُمَّكَ،وَأَبَاكَ،وَأُخْتَكَ،وَأَخَاكَ،وَأَدْنَاكَ،أَدْنَاكَ،وَثَمَّ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ،فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،هَؤُلاءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعَ الَّذِينَ قَتَلُوا فُلانًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَخُذْ لَنَا بِثَأْرِنَا،فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ،فَقَالَ : لاَ تَجْنِي أُمٌّ عَلَى وَلَدٍ،لاَ تَجْنِي أُمٌّ عَلَى وَلَدٍ،هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 449)
4448- حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُوسَى،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ،ح(1/376)
وَحَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ،وَيَحْيَى بن أَيُّوبَ الْعَلافُ،قَالا : حَدَّثَنَا،سَعِيدُ بن أَبِي مَرْيَمَ،حَدَّثَنَا،ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ،حَدَّثَنِي أَبِي،أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بن عَبَّادٍ الدِّيلِيُّ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ،وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا،فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا مِرَارًا وَالنَّاسُ مُتَصَفُّونَ عَلَيْهِ يَتَّبِعُونَهُ،وَإِذَا وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ وَضِيءُ الْوَجْهِ،يَقُولُ : إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ،مَرَّتَيْنِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا،فَقَالُوا : هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ .
المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 366)(1/377)
8100 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ،حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ،عَنْ أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بن شَدَّادٍ،حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِ طَارِقُ بن عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: إِنِّي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ،إِذْ مَرَّ رَجُلٌ شَابٌّ عَلَيْهِ حُلَّةٌ مِنْ بُرْدٍ أَحْمَرَ،وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا،وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَرْمِيَهِ قَدْ أَدْمَى عُرْقُوبَيْهِ وَسَاقَيْهِ،يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ كَذَّابٌ،فَلا تُطِيعُوهُ،فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا غُلامُ بني هَاشِمٍ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى،فَلَمَّا هَاجَرَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ،وَأَسْلَمَ النَّاسُ ارْتَحَلْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ يَوْمَئِذٍ مَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا،فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ،وَأَدَنَّا حِيطَانَهَا،لَبِسْنَا ثِيَابًا غَيْرَ ثِيَابِنَا إِذَا رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ،فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ؟ قُلْنَا: نَمِيرُ أَهْلَنَا مِنْ تَمْرِهَا،وَلَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ قَائِمٌ مَخْطُومٌ،قَالَ: تَبِيعُونِي جَمَلَكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ،قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،فَمَا اسْتَنْقَصَنَا مِمَّا قُلْنَا شَيْئًا،وَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ خِطَامَ الْجَمَلِ،ثُمَّ أَدْبَرَ بِهِ،فَلَمَّا تَوَارَى عَنَّا بِالْحِيطَانِ،قُلْنَا: وَاللَّهِ،مَا صَنَعْنَا شَيْئًا وَبَايَعْنَا مَنْ لا نَعْرِفُ،قَالَ: تَقُولُ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلا كَأَنَّ وَجْهَهُ شَبَهُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،وَاللَّهِ لا يَظْلِمُكُمْ،وَلا يَحْتَرِيكُمْ وَأَنَا ضَامِنَةٌ لِجَمَلِكُمْ،فَأَتَى رَجُلٌ،فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،إِلَيْكُمْ هَذَا تَمْرُكُمْ،فَكُلُوا وَاشْبَعُوا وَاكْتَالُوا،قَالَ: فَأَكَلْنَا وَشَبِعْنَا،وَاكْتَلْنَا،وَاسْتَوْفَيْنَا،ثُمَّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ،فَأَتَيْنَا الْمَسْجِدَ،فَإِذَا هُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ،فَسَمِعْنَا مِنْ قَوْلِهِ يَقُولُ:"تَصَدَّقُوا،فَإِنَّ الصَّدَقَةَ خَيْرٌ لَكُمْ،وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أَبَاكَ وَأُمَّكَ،وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ،وَأَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ"،فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ،فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،هَؤُلاءِ بنو يَرْبُوعٍ قَتَلُوا رَجُلا مِنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَأَعْدِنَا عَلَيْهِمْ،قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَلا إِنَّ أَبًا لا يَجْنِي عَلَى وَلَدٍ،أَلا إِنَّ أَبًا لا يَجْنِي عَلَى وَلَدٍ،أَلا إِنَّ أَبًا لا يَجْنِي عَلَى وَلَدٍ"ثَلاثًا.
المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 275)(1/378)
17193 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ،ثنا سُلَيْمَانُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ،ثنا عُتْبَةُ بن حَمَّادٍ،ثنا مُنِيبُ بن مُدْرِكِ بن مُنِيبٍ الأَزْدِيُّ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ يَقُولُ لِلنَّاسِ:قُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا،فَمِنْهُمْ مَنْ تَفَلَ فِي وَجْهِهِ،وَمِنْهُمْ مَنْ حَثَا عَلَيْهِ التُّرَابَ،وَمِنْهُمْ مَنْ سَبَّهُ،حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ،فَأَقْبَلَتْ جَارِيَةٌ بِعُسٍّ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَوْ يَدَيْهِ وَقَالَ:يَا بنيَّةُ،لا تَخْشَى عَلَى أَبِيكِ عَيْلَةً وَلا ذِلَّةً،فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: زَيْنَبُ بنتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهِيَ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ ).
دلائل النبوة للبيهقي - (ج 2 / ص 60)
492 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئِ بْنِ الْحَمَّامِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِبَغْدَادَ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ،عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ،رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ كَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ يَقُولُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا " وَإِذَا وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ : إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ . قَالَ : فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وَرَاءَهُ فَقِيلَ لِي : هَذَا أَبُو لَهَبٍ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ : أَنَا يَوْمَئِذٍ أَزْفَرُ الْقِرْبَةَ لِأَهْلِي
دلائل النبوة للبيهقي - (ج 2 / ص 61)
493 وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ بِهَا قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ،عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ،عَنْ رَجُلٍ مِنْ كَنَانَةَ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا " وَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ يُسْفِي عَلَيْهِ التُّرَابَ فَإِذَا هُوَ أَبُو جَهْلٍ،وَإِذَا هُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ،لَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ تَتْرُكُوا عِبَادَةَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى "
دلائل النبوة للبيهقي - (ج 5 / ص 478)(1/379)
2120 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ،أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ،حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ،حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ،حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ الْمُحَارِبِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ : " إِنِّي لَقَائِمٌ بِسُوقِ الْمَجَازِ إِذْ أَقْبَلُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ لَهُ وَهُوَ يَقُولُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا،وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تُصَدِّقُوهُ،فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ،قَالَ : فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُ بِهِ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى،قَالَ : فَلَمَّا أَسْلَمَ النَّاسُ وَهَاجَرُوا خَرَجْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا،فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ حِيطَانِهَا وَنَخْلِهَا،قُلْنَا : لَوْ نَزَلْنَا فَلَبِسْنَا ثِيَابًا غَيْرَ هَذِهِ إِذَا رَجُلٌ فِي طِمْرَيْنِ لَهُ فَسَلَّمَ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ ؟ قُلْنَا : مِنَ الرَّبَذَةِ،قَالَ : وَأَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قُلْنَا : نُرِيدُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ،قَالَ : مَا حَاجَتُكُمْ فِيهَا ؟ قُلْنَا : نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا،قَالَ : وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا وَمَعَهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ مَخْطُومٌ،فَقَالَ : أَتَبِيعُونَ جَمَلَكُمْ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،قَالَ : فَمَا اسْتَوْضَعَنَا مِمَّا قُلْنَا شَيْئًا،فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَانْطَلَقَ،فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهُ بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَنَخْلِهَا،قُلْنَا : مَا صَنَعْنَا وَاللَّهِ مَا بِعْنَا جَمَلَنَا مِمَّنْ نَعْرِفُ،وَلَا أَخَذْنَا لَهُ ثَمَنًا،قَالَ : تَقُولُ الْمَرْأَةُ الَّتِي مَعَنَا : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ وَجْهَهُ شَقَّةُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،أَنَا ضَامِنَةٌ لِثَمَنِ جَمَلِكُمْ . إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ،فَقَالَ : أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُمْ،هَذَا تَمْرُكُمْ فَكُلُوا وَاشْبَعُوا وَاكْتَالُوا وَاسْتَوْفُوا،فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا،وَاكْتَلْنَا وَاسْتَوْفَيْنَا،ثُمَّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ،فَأَدْرَكْنَا مِنْ خُطْبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ : " تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ خَيْرٌ لَكُمْ،الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ "،إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ أَوْ قَالَ : رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ،فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،لَنَا فِي هَؤُلَاءِ دِمَاءٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَقَالَ : " إِنَّا لَا نَجْنِي عَلَى وَلَدٍ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "
السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 1 / ص 76)(1/380)
361- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِىِّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِسُوقٍ ذِى الْمَجَازِ وَأَنَا فِى بِيَاعَةٍ لِى،فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ،يَعْنِى أَبَا لَهَبٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 6 / ص 20)
11424- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلاَءً حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِىِّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ وَأَنَا فِى بِيَاعَةٍ لِى فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تُطِيعُوا هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّابٌ.(1/381)
فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ : هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقُلْتُ : فَمَنْ هَذَاالَّذِى يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ؟ قِيلَ : عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ خَرَجْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَبَيْنَا نَحْنُ قَعُودٌ إِذْ أَتَانَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَقَالَ :« مِنْ أَيْنَ الْقَوْمُ؟ ». فَقُلْنَا : مِنَ الرَّبَذَةِ وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ. فَقَالَ :« تَبِيعُونِى الْجَمَلَ؟ ». قُلْنَا : نَعَمْ فَقَالَ : :« بِكَمْ؟ ». فَقُلْنَا : بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَ :« قَدْ أَخَذْتُهُ ». وَمَا اسْتَقْصَى فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَذَهَبَ بِهِ حَتَّى تَوَارَى فِى حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ فَلَمْ يَكُنْ مِنَّا أَحَدٌ يَعْرِفْهُ فَلاَمَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقَالُوا : تُعْطُونَ جَمَلَكُمْ مَنْ لاَ تَعْرِفُونَ فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ : فَلاَ تَلاَوَمُوا فَلَقَدْ رَأَيْنَا وَجْهَ رَجُلٍ لاَ يَغْدِرُ بِكُمْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهُ أَأَنْتُمْ الَّذِينَ جِئْتُمْ مِنَ الرَّبَذَةِ؟ قُلْنَا : نَعَمْ قَالَ : أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ِلَيْكُمْ وَهُوَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا التَّمْرِ حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا فَأَكَلْنَا مِنَ التَّمْرِ حَتَّى شَبِعْنَا وَاكْتَلْنَا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ مِنَ الْغَدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :« يَدُ الْمُعْطِى الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ». وَثَمَّ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ الَّذِينَ قَتَلُوا فُلاَنًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَخُذْ لَنَا بِثَأْرِنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ فَقَالَ :« لاَ تَجْنِى أُمٌّ عَلَى وَلَدٍ لاَ تَجْنِى أُمٌّ عَلَى وَلَدٍ ». وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. {ت} وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِىُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ.
سنن الدارقطنى - (ج 7 / ص 283)
3020 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِىِّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ وَأَنَا فِى بَيَاعَةٍ لِى - هَكَذَا قَالَ - أَبِيعُهَا فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُنَادِى بِأَعْلَى صَوْتِهِ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا » وَرَجُلٌ يُتْبِعُهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ.(1/382)
قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قُلْتُ فَمَنْ هَذَا الَّذِى يُتْبِعُهُ يَرْمِيهِ قَالُوا هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَهُوَ أَبُو لَهَبٍ فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلاَمُ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْبَلْنَا فِى رَكْبٍ مِنَ الرَّبَذَةِ وَجَنُوبِ الرَّبَذَةِ حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ أَتَانَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ « مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ » قُلْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ وَجَنُوبِ الرَّبَذَةِ قَالَ وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ قَالَ « تَبِيعُونِى جَمَلَكُمْ » قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ « بِكَمْ » قُلْنَا بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَ فَمَا اسْتَوْضَعَنَا شَيْئًا وَقَالَ « قَدْ أَخَذْتُهُ ». ثُمَّ أَخَذَ بِرَأْسِ الْجَمَلِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَتَوَارَى عَنَّا فَتَلاَوَمْنَا بَيْنَنَا وَقُلْنَا أَعْطَيْتُمْ جَمَلَكُمْ مَنْ لاَ تَعْرِفُونَهُ فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ لاَ تَلاَوَمُوا فَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ مَا كَانَ لِيَخْفِرَكُمْ مَا رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ إِنِّى رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وَإِنَّهُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا قَالَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا وَاكْتَلْنَا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ « يَدُ الْمُعْطِى الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ قَتَلُوا فُلاَنًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَخُذْ لَنَا بِثَأْرِنَا.فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ فَقَالَ « أَلاَ لاَ يَجْنِى وَالِدٌ عَلَى وَلَدٍ ».
صحيح ابن خزيمة - (ج 1 / ص 294) 160 - أخبرنا أَبُو عَمَّارٍ،أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى،عَنْ زَيْدِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ،عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ،وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ،وَهُوَ يَقُولُ : يَأَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا،وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيَهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ،وَهُوَ يَقُولُ : يَأَيُّهَا النَّاسُ،لا تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ،فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : غُلامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ ؟ قَالُوا : هَذَا عَبْدُ الْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلالَةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكَعْبَ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي جَانِبَيِ الْقَدَمِ،إِذِ الرَّمْيَةُ إِذَا جَاءَتْ مِنْ وَرَاءِ الْمَاشِي لا تَكَادُ تُصِيبُ الْقَدَمَ،إِذِ السَّاقُ مَانِعٌ أَنْ تُصِيبَ الرَّمْيَةُ ظَهَرَ الْقَدَمِ .اهـ
وهو في أمكنة أخرى كمعرفة الصحابة وإتحاف المهرة وغيرها،بل نستطيع استخراجه من كتب الحديث والشروح والتراجم والتفسير والفقه والأصول والأدب والأخلاق واللغة وغيرها .(1/383)
*مزايا الحاسب الآلي :
1) السرعة الهائلة في البحث وما يوفره من الوقت والجهد الكبيرين،مما يؤدي بدوره إلى السرعة في الإنجاز والتحصيل .
2) تنوع أساليب استخدامه بحيث شملت كل الأساليب السابقة ونافت عليها الكثير الكثير .
3) استيعابه لكل مصادر السنة النبوية وغيرها .
4) توفير الوقت الكبير الذي كنا نقوم به في كتابة الحديث على الورق،وحفظ النتائج التي وصلنا إليها بكل التقنيات الحديثة .
5) تغيير الخط واللون بالشكل الذي نريد مما لا يتوفر على الورق
6) الحكم على الحديث بسهولة سواء بالنظر في رجاله أو بنقل أقوال أهل العلم القدامى والمحدثين فيه.
7) جمع وتأليف أي كتاب في أي موضوع في وقت قصير جدا إذا ما قيس بالوقت السابق قبل وجود الحاسوب والبرامج العلمية .
وغير ذلك من فوائد هائلة،لا يقدرها قدرها إلا من عاصر ما قبل الحاسوب وما بعد الحاسوب،واشتغل بالاثنين .
*عيوبه :
1) قد يضرُّ كثرة الجلوس على الحاسوب بالنظر،ولا سيما إذا لم تكن الشاشة مفلترة .
2) قلل من رواج الكتب بشكل كثير عما كانت عليه من قبل،مما قد يبعد القارئ عن التعرف على المصادر ومناهجها،وقد ظنَّ بعض طلاب أنه يمكن أن يستغني بهذه البرامج عن الكتب مطلقاً،وهذا غير صحيح،فالكمبيوتر مستحيل أن يحل محلّ الكتاب بكل خصائصه،فالكتاب هو الوسيلة الأسهل للتعلّم .
3) قد يحدث أي خطأ في الحاسوب فتذهب جميع المعلومات إذا لم تكن قد حفظت في أمكنة متعددة،وعلى طلاب العلم الانتباه لذلك جيدا.
4) لا يستفيد من هذه البرامج إلا طالب العلم،حيث يميز الغث من السمين،وهذا صحيح،فلو وضعنا جاهلا في مكتبة وقلنا له اقرأ،فلن يستطيع التمييز بين النافع والضار . والمفيد وغير المفيد،والذي يلزمه،والذي لا يلزمه .
5) هناك فريق من أهل العلم - والذي لم يستخدم هذه الوسيلة العلمية الخطيرة - يشككُ بالحاسوب وبهذه البرامج،بل يطلب من طلابه عدم الرجوع إليه،وإذا كلفهم بحلقة بحث أو رسالة علمية،طلب منهم عدم الرجوع إليه،بل لا بد من الرجوع للكتب المطبوعة ورقيًّا،وذلك لظنه أن الكتب المدخلة على الحاسوب غير مدققة أوناقصة،أو فيها زيادة ونحو ذلك من أوهام سوَّلها بعض الجهال من الناس الذي يعادي كل جديد،بصرف النظر عن كونه نافعاً أم ضارًّا .
ولكن يقال لهؤلاء : الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها،فهذه الأوهام التي رسخت في أذهانكم ربما كان لها شيء من الصحة في البداية،ولكنها اليوم لا رصيد لها على أرض الواقع بتاتا .
وكان عليكم أن تقولوا لطلابكم اعتمدوا على الحاسوب أولا ثم دققوا ما نقلتموه من الكتب المطبوعة،فيكون بذلك قد جمعتم الخيرين،ووفرتم على طلابكم الوقت والمال،حيث إن غالب طلاب العلم لا يستطيعون الحصول على الكتب التي يريدونها سواء عن طريق الشراء إما لندرتها أو لضيق ذات اليد أو لقلتها في المكاتب العامة .
وقد جمعت مكتبة ضخمة خلال ثلاثين عاماً،كلفتني الكثير الكثير،وبرنامج الشاملة 2 فيه أضعاف هذه الكتب بعشرات المرات،ولا يكلف طالب العلم المال الكثير،بل هو برنامج مجاني،يوزع في كل مكان .
وقد وفرت عليَّ هذه الموسوعات ولا سيما الشاملة 2 ثلاثة أرباع عمري،وكتبت أضعات ما كتبت على الورق بمئات المرات خلال بضع سنوات فقط .
ولا شك أن هذه الوسيلة الخطيرة عوضتنا عن الحفظ الذي كان يقوم به علماؤنا السابقون،وذلك لكثرة المشاغل التي تشغل طالب العلم اليوم،مع كثرة الهموم التي تضغط عليه ليل نهار .
ولذا يُنصح من يستخدم الحاسب الآلي أن يستغلّ المزايا التي فيه استغلالاً جيداً،وأن يتجنب العيوب السابقة التي هي في الحقيقة عيوب في المستخدم لا في الكمبيوتر .والآن الكمبيوتر أصبح واقعاً ولابد من الاستفادة منه،وليس هناك داعٍ لمعاداته .(1/384)
بقيت نقطة مهمة جدا،وهي أنه أصبح على النت مواقع إسلامية كثيرة ومنها مواقع تخدم السنة النبوية بكل الأشكال السابقة .
ومن أهمها :
موقع جامع الحديث النبوي
http://www.sonnaonline.com
وهو أهم موقع لجمع السنة النبوية
التعريف به :
هي شركة برمجيات مصرية تأسست عام 2002م،وقد قامت الشركة بإصدار موسوعة الحديث "جامع الحديث النبوي" وهو باكورة إنتاج الشركة،حيث جمعت الشركة في هذه الموسوعة ما يزيد على أربعمائة كتاب من مصادر الحديث النبوي الشريف وقد تضمنت أكثر من نصف مليون حديث وأثر . ويعد البرنامج انطلاقة ضخمة للشركة،حيث يتبعها المزيد من المشروعات في المستقبل القريب بمشيئة الله.
جامع الحديث النبوي :
برنامج موسوعي خيري يضم في قاعدة بياناته حتى الآن أكثر من 400 كتابٍ مسندٍ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،تحمل بين طياتها ما يزيد على 550.000 حديث،بخدماتها التحليلية والفهرسية المتكاملة،وهو بهذا القدر الكبير من البيانات يعد اليوم أضخم وأكبر البرامج الحديثية القائمة على منهج التحليل الشامل للمعلومات،حيث أخذت الشركة على عاتقها في المقام الأول مبدأ الجمع الشامل للسنة النبوية المطهرة،مع البدء في هذه المرحلة بالمصادر التي تعنى بجمع الصحيح من الحديث النبوي الشريف،بالإضافة للمصادر التي تغلب الصحة على محتواها،مع إرجاء غير قليل من المراجع المتخصصة في الأحاديث الضعيفة أو التي يغلب على محتواها الضعف إلى المرحلة التالية من المشروع بإذن الله . لقد حاولنا في برنامج جامع الحديث النبوي تسخير إمكانات وتقنيات الحاسب الآلي لتقديم العديد من الخدمات الرائدة والمفيدة لطلاب العلم الشرعي بوجه عام مهما تنوعت اهتماماتهم وتخصصاتهم،فضلاً عن طلاب الحديث الشريف بوجه خاص،فالبرنامج إلى جانب موسوعيته يقدم من الإمكانات ما ييسر التعامل مع هذا الكم الضخم من الأحاديث حيث يقدم كل من : خدمات البحث الصرفي،والبحث في الرواة والأسانيد،والتعريف بأكثر من خمسة عشر ألف راوٍ،في إطار مرحلة أولى من موسوعة شاملة للرواة،يتم فيها ربط كل راوٍ بترجمته في أكثر من ثلاثين مرجعاً من أهم كتب الرجال،بالإضافة إلى إمكانية استعراض جميع النصوص المتعلقة بأحد الرواة . كما يوفر البرنامج خدمة من أهم الخدمات الرائدة في مجال علم الحديث ألا وهي خدمة التخريج على مستوى الحديث والآية. ويوفر كذلك شرحًا لغريب الألفاظ،حيث يقوم بشرح ما يزيد على 750.000 كلمة. ومن أهم الوظائف كذلك في الموسوعة خدمة التقسيم الموضوعي والفقهي المتميز لنصوص الموسوعة في إطار مكنز موضوعي يشتمل على أكثر من خمس وعشرين ألف واصفة . ومن الوظائف العلمية المؤثرة في الموسوعة أيضاً خدمة عرض الناسخ والمنسوخ من الأحاديث . بالإضافة إلى خدمة أحكام الحفاظ على الأحاديث مثل أحكام الشيخ الألباني،والتي تفيد عموم المستفيدين من البرنامج سواء المتخصصون منهم وغير المتخصصين.(1/385)
كذلك من الخدمات المهمة : ربط نصوص الموسوعة بمجموعة من أهم الكتب الخدمية مثل كتب الأطراف وكتب التخريج والعلل . ويتميز جامع الحديث كذلك بتوفير خدمة العرض،والتي تتيح استعراض وتصفح أي كتاب من كتب الموسوعة لغرض القراءة،ونسخ النصوص. كما يتميز جامع الحديث بتنويع مجال وأسلوب العرض،إذ يتيح عرض مكتبته وفقًا لاسم الكتاب أو نوع الكتاب،أو اسم المصنف أو طبقته أو سنة وفاته . كما يوفر جامع الحديث خدمة تصنيف الأحاديث وفقاً لأنواعها من مرفوع وموقوف وأثر مقطوع،هذا ويتميز جامع الحديث بالفهارس التحليلية الشاملة للآيات القرآنية،والقراءات،وأطراف الأحاديث،وأسماء الرواة،والأعلام،والأبيات الشعرية،والأقوال،والأماكن والمواضع وآثار الأمم السابقة وغير ذلك. كما يقدم جامع الحديث العديد من الدراسات الإحصائية عن الأسانيد والرواة وطرق الرواية،وعلم الجرح والتعديل. ويقدم البرنامج أيضاً مجموعة من الدراسات المهمة التي تتعلق بحجية السنة في الأحكام الشرعية واستقلالها بالتشريع،والدفاع عن السنة والإجابة على العديد من الشبهات التي يثيرها أعداء السنة النبوية المطهرة،كما تشمل الدراسات التعريف الوافي بمصادر الموسوعة،وكذا الترجمة لمؤلفيها . كما يشمل البرنامج تعريفًا بالمنهج العلمي والعملي المتبع في إخراج هذه الموسوعة،وما بذل فيها من جهد واضح . ويتميز جامع الحديث بدعمه لعلم مصطلح الحديث بتقديم بعض الخدمات التعليمية والتطبيقية في هذا العلم من خلال تعريفات علم مصطلح الحديث،والدراسات الحديثية المختلفة لا سيما فيما يتعلق بالرواة . وبعد: فإن برنامج جامع الحديث النبوي هو نتاج عمل متواصل،وجهد عدد كبير من الباحثين في مجال علم الحديث،رغبة منهم في إنجاز العمل على أعلى مستويات الدقة .
منهج العمل في جامع الحديث
- منهج جامع الحديث: يحتوي هذا القسم على معلومات عن المنهج العلمي الذي تم اتباعه في كل خدمة من خدمات البرنامج.
منهج العمل في الرواة.
* منهج العمل في تعيين الرواة.
* منهج العمل في قاعدة بيانات الرواة.
منهج العمل في تخريج الأحاديث.
منهج العمل في التقسيم الموضوعى.
منهج العمل في فهارس المشروع.
منهج العمل في غريب الحديث.
منهج العمل في ناسخ الحديث.
منهج العمل في أحكام الحفاظ والمصنفين.
منهج العمل في بناء الأسانيد.
منهج العمل في الكتب الخدمية المساعدة.
منهج العمل في ضبط النصوص.
منهج العمل في تعيين الرواة
تمهيد:
لقد كان بناءُ منهجٍ علميٍ قويٍ لتعيين الرواة في موسوعة جامع الحديث النبوي أمراً على قدرٍ كبيرٍ من ذلك أنَّ تمييز الرواة - ذلك الفن الدقيق - كان ولا يزال يمثّل جانباً من أهم جوانب علم الحديث الشريف،كيف لا وإنما يتوقف تمييز الصحيح من السقيم من الروايات أول ما يتوقف على التمييز الصحيح والتحديد الدقيق للرواة ولطالما زلَّت أقدام البعض قديماً وحديثاً من علماء لهم شأْنُهم ووَزْنُهم العلمي في مواطن دقيقة من هذا الفن الذي يحتاج إلى جميع الأدوات الممكنة من حيث سعة الحفظ والاستحضار والاستيعاب،والضبط والإتقان،وسائر الملكات النقدية الدقيقة التي تجعل المحدِّث يدرك الصواب ويوجِّه الخطأ حتى ولو كان ذلك خلافاً لظاهر النص الذي بين يديه
والكلام عن معرفة وتمييز وتعيين الرواة يستلزم بالضرورة التطرق إلى الكلام عن الجمع والتفريق بين الرواة،فلا ريب أن فن الجمع والتفريق بين الرواة منبثق عن فن تمييز الرواة،ومتفرع منه،ومترتب عليه،ولهذا نجد أن عددًا من العلماء الكبار من المتقدمين والمتأخرين قد وقعت لهم مآخذ في هذا الشأن،كما وقعت كذلك من بعضهم في تمييز بعض الرواة في بعض الأسانيد.
ولعِظَم هذا الأمر،وكذلك للضرر المترتب على الخطأ في هذا الباب ألَّف جماعة من العلماء عدة مؤلفات تزيل اللبس،والإشكال عن اختلاط الرواة على أهل العلم والاختصاص فضلاً عن غيرهم.(1/386)
ونظراً لضخامة عدد مواضع الرواة الذين ينبغي تعيينهم وتمييزهم تمييزًا صحيحًا،والذي يزيد على (ثلاثة ملايين) موضعِ راوٍ،في خضم أكثر من ( خمسمائة ألف ) إسنادٍ،فقد قامت الشركة بتحديد مراحل العمل في الرواة،وأهداف كل مرحلة بما يخدم ويتناسق في الوقت ذاته مع أطر العمل الأخرى في الموسوعة مثل: التخريج،والتبويب الموضوعي،وتراجم الرواة،وبناء الأسانيد،وغير ذلك من هذا المنطلق فقد كان من الطبيعي أن تبدأ الشركة أعمالها في الرواة بتعيين رواة أسانيد الكتب الأمهات الأصول،المخدومة علميًّا من قِبَلِ كثير من العلماء قديما،وكذا من قبل بعض الجهات والمراكز العلمية حديثًا.وهذه الكتب الأصول هي: موطأ مالك،الكتب الستة ومسند أحمد.
وكان الهدف من وصول إلى بناء كيان مبدئي قوي للرواة المعينين تعيينا صحيحًا بما يزيد على السبعين ألف إسنادٍ،وبما يزيد على التسعة آلاف راوٍ.
هذا البناء أصبح ـ بعد اكتماله ـ يمثل نواة مركزية قوية صحيحة للوصول إلى الهدف الأكبر ـ فيما يتعلق بالرواة - إلا وهو:-
( بناء قاعدة البيانات الشاملة للرواة،التي يتم فيها تعيين الرواة تعيينا صحيحًا في الأسانيد،بما يسمح بحصر جميع مروياته م في الموسوعة،مع ربط كل راوٍ بترجمته في كتب الرجال والتراجم).
ولكي يمكن إنجاز هذا المشروع الضخم الذي يحتاج إلى إمكانات كبيرة،وعدد من الباحثين المؤهلين،فضلاً عن الخدمات العلمية والبرمجية،فقد كان من الضروري اللجوء إلى التعيين الآلي للأسانيد،والذي أصبح بالفعل ممكنًا بعد تحقيق وإنشاء قاعدة بيانات كافية من الرواة المعينين،وصالحة للاعتماد عليها في حصر الأنماط المختلفة من سلاسل الرواة،وغير ذلك من الخدمات الأخرى سواء تلك التي تختص بالرواة اختصاصًا مباشرًا،أو تلك الخدمات المرتبطة بتمييز الرواة مثل التخريج الآلي للأسانيد،وذلك بالاعتماد على أدوات متقدمة للبحث الصرفي،وغير ذلك من الخدمات،والإمكانات المساعدة .
ولا شك أن الأعمال الآلية في المشروع إنما هي خطوة أساسية للإسراع بإنجاز المشروع،ولكن أيضًا كان من الضروري أن تأخذ أعمال المراجعة والتحقيق العلمي دورها ووقتها الطبيعي،وهو بلا شك وقت غير قليل بالنظر إلى هذا الكمِّ الهائل من الأسانيد والرواة الذين تشتمل عليهم الموسوعة .
المنهج:
1ـ من المعلوم أن أول المراحل العلمية العملية لخدمة كتاب ما هي: نسخ النص من الأصل المعتمد عليه.وكانت هذه المرحلة هي مرحلة الإدخال الآلي للبيانات المتمثلة في نصوص نُسخ الكتب المطبوعة المتاحة ـ على الحاسوب.
2ـ مقابلة،وعرض ما تم نسخه على الأصل المنسوخ منه. هذه المقابلة تهدف إلى الوصول للتطابق التام بين الأصل،وبين النص المنسوخ منه.وتمت هذه المرحلة عن طريق مقابلة النص المنسوخ آليا على الأصل المطبوع المنسوخ منه
3ـ المقابلة على المتاح من النسخ المطبوعة الأخرى وذلك لإثبات فروق النسخ التي من شأنها: الوصول لأقرب وأدق نص على مراد مصنفه،ومن ثم تسهيل كل المراحل التي تلي هذه المرحلة.
وتمت هذه المرحلة بمقابلة النص المنسوخ آليا،والذي قد تمت مقابلته على أصله بما أتيح لنا من نسخ مطبوعة أخرى،وإثبات الصواب الذي ترجح لنا مع التعليق عليه في حاشية الكتاب.
4 ـ تم جمع طرق الحديث بطريقة التخريج على المسانيد،وهي إحدى طرق التخريج المعروفة عند أهل هذا الفن كما تم و ضع رموز،واصطلاحات الترميز على أيدي المتخصصيين،وكان وضع منهج الترميز يهدف إلى تحقيق الخدمة الشرعية على ما هو متعارف عليه في فن تحقيق النصوص وضبطها والعناية بها ولكن بصورة آلية إليكترونية
5 ـ مرحلة تعيين الرواة:
بين يدي التعيين:(1/387)
مما تجدرالإشار إليه أن الغرض من التعيين هو: إثبات صحة وجود الرواية بين كل شيخ وتلميذ في السند،وليس صحة السماع والاتصال؛ فهناك من التلاميذ من حفظت رواياتهم عن شيوخ لم يسمعوا منهم كما هو مدون معروف عند أئمة هذا الفن. ولم يكن على الباحث الشرعي إلا أن يثبت أن المصنف أراد هذا الراوي عن هذا الشيخ في هذا الموضعأو أنه وقع خلل من سقط أو تصحيف أو تحريف في الرواية. وأما صحة السماع،والاتصال: فهي مهمات يعتني بها من يريد الحكم على الحديث من جهة الثبوت وعدمه وهي مرحلة الحكم على الحديث والتي هى من مستهدفات المشروع مستقبلا.
خطوات التعيين:
إجمالا يمكن أن يقال: إن كيفية التعيين هي: النظر في شيوخ وتلاميذ كل راوٍ في السند،وتمييزهم ـ بحيث يكون كل راوٍ قد تحمل الحديث عن شيخه في السند،بطريقة من طرق التحمل المعتبرة،وأداه إلى تلميذه بطريقة من طرق الأداء المعتبرة عند أئمة هذا الفن دون النظر إلى صحة الاتصال أو السماع هذا التحمل يضمن عدم سقوط حلقة من حلقات السند،فإن حصل وإلا دل ذلك على وجود خلل ما في الرواية.
* فإن وقع أحد الرواة منسوبا نسبا يميزه عن غيره فلا إشكال.
* وإن وقع أحد الرواة مهملا،أو منسوبا نسبا لا يميزه عن غيره: فقد لا يخلو الأمر من إحدى هذه الاحتمالات:
الأول: أن يشترك غيره معه في الاسم والطبقة،مع الرواية عن نفس الشيخ.
الثاني: الاشتراك في الاسم والطبقة،مع عدم الرواية عن نفس الشيخ.
الثالث: الاشتراك في الاسم دون الطبقة،مع الرواية عن نفس الشيخ.
الرابع: الاشتراك في الاسم دون الطبقة،مع عدم الرواية عن نفس الشيخ.
فأما الاحتمالات: الثاني،والثالث،والرابع: فلا إشكال.
وأما الأول: فهو أكثر الاحتمالات التي هي محل النظر والإشكال وفي هذه الحالة ينظر الباحث ويعتمد على مرجحات التعيين التي منها:
1 ـ النظر في طرق الحديث بحيث قد يظهر في بعضها نسبة هذا الراوي.
2 ـ النظر في الطبقات،وسبر المرويات؛ فقد يروي الكبير أو المتقدم عن الشيخأو المتأخر بالواسطة،ونحو ذلك.
3 ـ اعتماد قول الأئمة المتقدمين المعروفين بالتدقيق،والتبحر في هذا الفن.
4 ـ اختصاص الحديث بأحد الرواة المشتبهين: فيحمل عليه.
5 ـ سبر مرويات الشيخ،واستقراؤها ؛ فقد تظهر منها: معرفة من المختص بالشيخمن جهة قدم الطلب أو كثرة الرواية أو البلدية ـ عند من يرجح بها ـ أو القرابة،أو من يهمل الشيخ،ومن ينسبه،ونحو ذلك من المرجحات الكثيرة،والكثيرة جدا.
6 ـ فإن تعذر الحمل على أحد المرجحات،أو انقدح في نفس الباحث الميل لأحد المرجحات توقف الباحث عن تعيين الراوي،أو أقدم على التعيين مع التعليق المناسب المنضبط بأصول أهل الصناعة في الحاشية
* وأما إن وقع أحد الرواة مبهما: فليس إلا النظر في طرق الحديث لعله سمي في بعضها،أو النظر في كلام الأئمة عنه في كتب تعيين المبهمات المشهورة،وإلا توقف الباحث عن تعيينه مع التعليق المناسب في الحاشية.
*** وأما إذا وقع الراوي منسوبا،وتعذر الوقوف على ترجمته: يتوقف الباحث عن تعيينه مع التعليق المناسب في الحاشية.
*** وأما إذا وقع الراوي على غير المشهور من اسمه أو نسبته: يقوم الباحث بتعيينه مع التعليق المناسب في الحاشية إن لزم الأمر.
هذه هي الملامح العامة التي تم اتباعها إجمالا في هذه الخدمة المباركة ـ بإذن الله تعالى ـ هذا وقد تم مراعاة بعض الضوابط في التعيين،وكان منها:
1 - عدم التسرع في التعيين وفق المتبادر للذهن أو الشائع عند الإطلاق قبل التأكد من عدم وجود مانع من تخريج مخالف،أو نص معتبر لإمام،أو استقراء صحيح
2 - عدم التسرع بالاعتماد على تعيين أحد الأئمة لبعض رواة الإسناد قبل التأكد من عدم وجود مخالف معتبر،أو عدم وجود أي معلومة تؤكد أن التعيين الصحيح للراوي خلاف ما ذكره الإمام(1/388)
3 - مراعاة أن بعض المصادر والمراجع الحديثية لها أسانيد خاصة قد تتشابه مع غيرها في ظاهر الأمر لكنها تختلف في الحقيقة،ويكون إهمال بعض الرواة في الأسانيد راجع بالضرورة إلى تمييزه من خلال قرينة أو قرائن أخرى قد تتضح للبعض وتخفى على البعض الآخر
4 - تطبيق المبادئ والضوابط العامة لتعيين وتمييز الرواة في حالة قصور التخريج عن خدمة الإسناد
5 - مراعاة تحرير الجمع والتفريق باعتباره ضابطًا من ضوابط التعيين الصحيح للراوي،حتى وإن لم يترتب على ذلك أثر واضح في الجرح والتعديل أو الحكم على الأسانيد
6 - عدم الاعتماد على ذكر المزي للشيوخ والتلاميذ إلا في حدود الكتب الستة
7 - مراعاة اختلاف روايات أو نسخ بعض المراجع،وأثر ذلك في تعيين الرواة،وكيفية الترجيح بين اختيارات الأئمة،وكذلك التعامل مع التحريفات والتصحيفات الواردة في الأسانيد،وبالله التوفيق.
-----------------
منهج العمل في بناء قاعدة بيانات الرواة :
تمهيد:
لقد كان بناء قاعدة البيانات الشاملة للرواة التي يتم فيها تعيين الرواة تعيينا صحيحًا في الأسانيد بما يسمح بحصر جميع مروياتهم في الموسوعة،مع ربط كل راوٍ بترجمته في كتب التراجم كان ولا يزال أمرا حتميا ولازما لتجميع شتات التراجم التي تقع بين تضاعيف عشرات الكتب المعنية وغير المعنية بتراجم الراوة،وكان هذا يتطلب جهدا علميا وبرمجيا لإخضاع ما تيسر من كتب التراجم لقاعدة بيانات واحدة رغم اختلاف مناهج مصنفي كتب التراجم.
المنهج:
تم بناء قاعدة بيانات أولية تحتوي على أكثر من أربعة عشر ألف راو،وكان "تهذيب الكمال" للحافظ المزي هو العمدة التي بنيت عليه هذه القاعدة إضافة إلى كتابي "اللسان"،و"التعجيل" للحافظ ابن حجر العسقلاني. هذه القاعدة تخدم في المقام الأول "الكتب الستة" وفروعها مع باقي الأصول التسعة المشار إليها في منهج التعيين.
ومما تجدر الإشارة إليه أننا في هذه القاعدة نعتمد أساسا على عرض اسم الراوي كما ورد في مصدر الترجمة المعتمد عليه مقرونا بتاريخ ميلاده،ووفاته،وطبقته،وشيوخه،وتلاميذه،ثم تذييله بأقوال العلماء المتمثلة في الجرح والتعديل المتعلق بهذا الراوي. وأحيانا نتعامل مع الترجمة ككتلة بحيث نعرض اسم الراوي ثم نذيله ببياناته السابقة ولكن ككتلة وليس على سبيل التفصيل والتحليل.
هذا وقد انتهجنا منهجا خاصا في إعداد تراجم لبعض مواضع الراوة التي يتعلق بها إشكال ما،وقد وقفنا على عدد ليس بالقليل من مواضع بعض الرواة في "الكتب التسعة" لم نجد من تكلم عليها،وفصل فيها،وما لم يحرر إلا تحريرا بسيطا لا يفي بغرض التعيين.
وكان مجمل أهداف هذه الخدمة شيئين:
الأول: إعداد قاعدة تحليلة بغرض تحليل،وتحرير،وضبط اسم الراوي،ومتعلقاته من حيث:الاسم،الكنية،اللقب،واسم الشهرة،النسبة،ابن فلان،من يعرف بكنيته فقط.
الثاني: الترجمة الشاملة للراوي،والمتضمنة لاسمه،ومولده ووفاته،وأقوال الأئمة فيه.
هذا ويجري العمل الآن في تغذية هذه القاعدة بعدد أكثر من الرواة،وفقا لمنهج عام وشامل نأمل منه الوصول إلى أكبر قاعدة بيانات رواة إليكترونية في العالم الإسلامي حتى الآن،والله الموفق
منهج العمل في تخريج الأحاديث :
تمهيد:
الهدف من هذه الخدمة هو تخريج أحاديث جامع الحديث النبوي،بحيث يقف المستخدم على طرق وروايات كل حديث بحيث يسهل على أهل الاختصاص معرفة درجة الحديث من جهة الصحة والضعف كذا حصر روايات وأطراف الحديث لمعرفة فقهه وما يستنبط منه،ونحو ذلك من فوائد علم تخريج الأحاديث والتي يعرفها أهل الاختصاص.
المنهج:(1/389)
هو ما أُشيرَ إليه إجمالا في الكلام على تعيين الرواة من إعتماد طريقة التخريج على المسانيد،والتي هي طريقة من طرق تخريج الأحاديث المتبعة المعروفة عند أهل الصناعة بحيث تم تربيط أحاديث المشروع بدلالتي: مخرج الحديث ( الرواي الأعلى)،وبأطرافه الموجودة في بطون كتب المشروع بحيث ترتبط هذه الطرق والروايات بعضها ببعض،وعند إعطاء أمر التخريج لأي رواية منها تستدعى كل الطرق والروايات.
وهذه هي طريقة التخريج المتبعة عند أهل الصناعة؛ إذ وفرنا على المستخدم النظر بالعين المجردة في مئات المجلدات لاستخراج طرق،وروايات حديث واحد؛ بل نقوم بتقديمها له في موضع واحد،وعليها خدمات المشروع،والله الموفق.
وقد استخدمت بعض الأدوات والنظم البرمجية الآلية،التي تعاملت مع النصوص الحديثية،وتربيطها وفقا لمعايير دقيقة،من خلالها يتم ربط الأحاديث بالدلالات المشار إليها سابقا،ثم مراجعات يدوية لنتائج التربيط بهدف استبعاد الأخطاء،والنتائج غير المتوقعة،والتي لابد من وقوعها.
هذا وقد تم ذلك على جل المرفوعات،وغالب الموقوفات بواقع تخريج أكثر من ( 388404 ) من إجمالي أحاديث المشروع،وتبقى ( 131353 منها ) ـ تقريبا ـ لم تخرج،هذه الأحاديث يتوقع عدم وجود تخريج لأكثر من ( مائة ألف ) حديث منها،وهي الأحاديث المقطوعة والتي تتمثل غالبا في آثار التابعين. والذي له ممارسة لهذه الآثار يدرك أن تخريجها يحتاج إلى جهد خاص؛ لأن كثيرا من الآثار تعزى لقائليها بالمعنى،أو بالاختصار التام فيقولون ـ مثلا ـ : " وبه قال الحسن والشعبي "،أو يقولون: " وبنحوه عن سعيد بن المسيب "،ونحو هذه العبارات التي يستحيل معها ضبط الطرف،ونسبته إلى قائله. هذا ونسعى لوضع منهج لتخريج الآثار لعله لم يسبق إليه حتى الآن فنسأل الله الإعانة والتوفيق.
-------------------
منهج العمل في التقسيم الموضوعي :
تمهيد:
فكرة التقسيم الموضوعي فكرة قديمة،موجودة عند الأئمة في المصنفات التي عُنِيت بهذا الموضوع كالبخاري،والترمذي،وابن حبان،وغيرهم،تقوم هذه الفكرة على تقسيم الكتاب حسب الموضوعات إلى:
الكتب: ( الطهارة _ الصلاة _ الزكاة _...إلخ )؛ الطهارة مثلاً: يندرج تحتها مجموعة من الأبواب:( المياه _ تطهير النجاسة _ الأواني _ أحكام التخلي ...إلخ ) باب المياه مثلاً يندرج تحته مجموعة من التراجم: ( الوضوء بماء البحر _ الوضوء بالماء المسخن _ الوضوء بالنبيذ... إلخ ) يندرج تحت هذه التراجم الأحاديث المناسبة لها.
المنهج:
1- قمنا بعمل تبويبات موسعة على طريقة الكتب الجوامع.
2- قمنا بربط هذه الأبواب بما يناسبها من أحاديث.
3- تعاملنا مع الأحاديث والآثار داخل الموسوعة ككتاب واحد؛ بحيث يشمل كل أحاديث الموسوعة.
4- لتصبح موسوعة كبيرة تشمل العقائد،والأحكام،والتفسير،والأخلاق،والآداب،والزهد،والرقائق،والسيرة... إلخ.
5- راعينا في هذا العمل الجمع بين طريقتي الفقهاء والمحدثين.
6- نظرًا لاختلاف الطريقتين،وأن الفقيه ربما يعتمد في ترجمته على أصل من أصول التشريع - والتي هي الإجماع،أو القياس،أو قول الصحابي ... إلخ - رأينا الاكتفاء في مثل هذه الحالة بتراجم المحدثين.
7- راعينا التجرد في اختيار العبارات والألفاظ التي تشتمل عليها الترجمة،بعيدًا عن المذهبية،وكذلك عدم ذكر الأحكام الشرعية التكليفية؛ من وجوب،واستحباب،وإباحة،وكراهة،وتحريم،وكذلك الوضعية؛ من ركن،وشرط،وصحة،وفساد،... إلخ؛ بل نذكر الترجمة مجردة عن كل هذا.
مثال ذلك : ما أورده البخاري في "صحيحه": (باب : سنة الأضحية)،وكذلك الدارمي في "السنن" (باب : ما يستدل به من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأضحية ليس بواجب). فقمنا بحذف الحكم واقتصرنا على (باب مشروعية الأضحية).(1/390)
8- اجتناب التفريع بطريق الاستنباط الخفي،والتي ربما تلاحظ عند الإمامين الجليلين البخاري،والبيهقي في "السنن الكبرى"؛ بحيث تكون علاقة الأثر ببابه إما نصًّا أو ظاهرًا،وإن وجدنا ترجمة خفية نرجع إلى الكتاب المذكورة فيه،ثم نأخذ الأحاديث المدرجة تحتها كما هي بدون تصرف.
9- إن وجدت الترجمة في عدة كتب،نقوم باختيار أشملها من حيث المعنى،وأوضحها من حيث الدلالة.
10- تجنبنا التراجم المبنية على الأحاديث الموضوعة.
11- ترتيب الأحاديث تحت التراجم كالآتي :
المرفوعات،ثم الموقوفات،ثم المقطوعات.
*استعنّا في عملنا بالكتب التالية:
أـ "موطأ" الإمام مالك - رحمه الله.
ب ـ "شرح معاني الآثار" للطحاوي - رحمه الله.
ج ـ "السنن الكبرى" و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي - رحمه الله.
د ـ "منتقى الأخبار" للمجد ابن تيمية - رحمه الله.
هـ ـ ثم الكتب الستة الأصول: ( "البخاري" - "مسلم" - "أبو داود" - "الترمذي" - "النسائي" مع إضافة "سنن النسائي الكبرى" إلى "المجتبى" - "ابن ماجة") - رحمهم الله جميعًا.
و ـ "صحيح ابن حبان" بترتيب ابن بلبان - رحمهما الله.
ز ـ كتب الزوائد حيث تفرع للآثار التي لم تذكر في الكتب التي زيدت عليها وتم اختيار: "مجمع الزوائد" للهيثمي و"المطالب العالية" لابن حجر - رحمهما الله - "مصنفي" عبد الرزاق،وابن أبي شيبة.
--------------
منهج العمل في فهارس المشروع :
تمهيد:
الفهارس هي كشافات ميسرة للوصول إلى عنصر مفرق ومكرر في كتاب ما،الأمر الذي يعني سهولة حصر هذا العنصر المكرر،والدخول على كل مواضع تكراره.
وعادة المصنفين في إنشاء الفهارس هي عرضها بأسهل الطرق التي تساعد على الوصول إلى العنصر المراد حصره في أسرع وقت مهدر،وأقل جهد مبذول،لذلك يضعون هذه الفهارس وفقا لدلالات تحقق هذا الهدف،ثم يضعون دلالة فرعية أخرى تتناسب مع طبيعة العنصر محل البحث،ونوعيته.
المنهج:
تم وضع فهارس عامة تشتمل على عناصر المشروع الرئيسية وهي:
الآيات القرآنية،والسور القرآنية،والقراءات،والأحاديث والآثار،وأخبار الأنبياء،والأمم السابقة،والرواة،والأعلام،والأشعار.
وتمت الفهرسة في جل فهارس المشروع وفقا لدلالتين:
إحداهما عامة ألا وهي دلالة الترتيب الألفبائي،ودلالة خاصة تتناسب مع نوع عنصر الفهرس،فمثلا الدلالة الخاصة للراوة هي الطبقة،وللأحاديث هي نوع الحديث من جهة رفعه أو وقفه،وللأشعار هي البحر وهكذا
-----------------
منهج العمل في غريب الحديث النبوي :
تمهيد:
مما لا شك فيه أن الأحاديث النبوية تحتوي على كثير وكثير جدا من الألفاظ التي تحتاج إلى شرح وبيان لمعانيها،وقد أخذ المشروع على عاتقه أن يقدم للمستخدم علاوة على خدمات المشروع الأساسية ـ أن يقدم شرحا مختصرا مبسطا لغريب ألفاظ الحديث النبوي الشريف اعتمادا على المصنفات المعتبرة في هذا الباب.
المنهج:
تم شرح أكثر من (600000 ) كلمة من غريب ألفاظ حديث المشروع اعتمادا على كتب غريب الحديث،وفي مقدمتها كتاب "النهاية" لابن الأثير،ثم المعاجم اللغوية،وفي مقدمتها كتاب "اللسان" لابن منظور . هذه الشروح،وعن طريق آلية عمل يدوية،ونظم وأدوات برمجية تظهر للمستخدم بمجرد وقوفه أو مروره بالمؤشر على اللفظ المشروح دون طلب أمر مباشر،ومن ثم نقدم الحديث النبوي إلى المستخدم وقد كفيناه البحث عن شرح لغريب ألفاظه في بطون كتب شرح الغريب،والحمد لله رب العالمين.
----------------
منهج العمل في ناسخ الحديث ومنسوخه :
تمهيد:(1/391)
يهدف مشروع جامع الحديث النبوي إلى تمييز ناسخ الحديث من منسوخه بحيث يعرف المستخدم بمجرد الوقوف على حديث ما: هل هو منسوخ أم لا؟ ولا يخفى على كل ذي اهتمام بدراسة علوم الشريعة المطهرة ما يترتب على معرفة حديث منسوخ في باب الأحكام الشرعية،وفي باب الخلافات الفقهية ونحو هذه المهام. وتم اختيار كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" لأبي بكر الحازمي،لأنه من أجمع الكتب في هذا العلم،ثم تربيطه بمظانه من أحاديث المشروع. ومما تجدر الإشارة إليه أن المشروع عندما يوفر وظيفة الحكم على الحديث سوف تظهر كثير من الأحاديث التي ظنها البعض ناسخة رغم ضعفها سندا أو متنا،ولعل ذلك سبقا نخدم به علم الناسخ والمنسوخ لم نسبق إليها في عالم الكتب الإليكترونية الشرعية. ونأمل في تربيط المشروع بكل أو جل الكتب المصنفة في هذا الباب،والله الموفق.
المنهج:
من المعلوم أن الحكم بنسخ حديث لا يعدو أن يكون أمرا منصوصا،أو اجتهاديا،ولما كان المشروع يهدف إلى تقديم خدمة بيان ناسخ الحديث من منسوخه،ولما كانت بعض الأحاديث الناسخة ضعيفة،وبعضها اختلف العلماء في صحة دلالتها على النسخ،ولما كان المشروع لايريد أن يتحمل تبعة الحكم بنسخ حديث ما: انتهج المشروع منهجا وسطا في ذلك يهدف إلى تفعيل الوظيفة،وعدم تحمل تبعتها؛ حيث اعتمدنا كتابا في هذا الباب،ثم قمنا بتربيطه بمظانه من أحاديث المشروع عن طريق آلية عمل يدوية قامت بصف،ونسخ ومقابلة الكتاب،ثم ترميزه ترميزا يسمح عن طريق آلية عمل برمجية باستدعائه،وتربيطه بأحاديث المشروع. ومن ثم يظهر الحديث للمستخدم وعليه الحكم بكونه منسوخا لأنه ورد في كتابنا المعتمد كذلك.
--------------
منهج العمل في أحكام الحفاظ والمصنفين :
تمهيد:
خلاصة أهداف جامع الحديث النبوي هي تنقية السنة من الدخيل عليها مما ليس منها عن طريق جمعها،وسبر مروياتها،وتنقيحها؛ وصولا لمعرفة ما صح مما لم يصح منها.
ولما كان هذا الهدف يختلف باختلاف المدارك العلمية للناس،وكان البعض لا يعنيه سوى معرفة درجة الحديث من حيث الصحة أو الضعف،وبعضهم يعنيه ـ لزوما ـ معرفة حيثيات الحكم: قمنا بتفريع هذه الخدمة إلى خدمتين،اصطلحنا على تسمية الأولى: الحكم على الحديث،ونعني بها تنزيل حكم مشاهير الأئمة على الحديث إن وجد لأحدهم حكم عليه.
وعلى تسمية الثانية: أقوال الحفاظ،ونعني بها:
* أقوال الأئمة المبسوطة والمطولة
* أقوال الأئمة الموجودة في بطون الكتب.
وقد اعتمدنا في المرحلة الحالية: النوع الأول،وهو الحكم على الحديث.
وبعد تتبع الأئمة المتقدمين،والمتأخيرين لم نجد مَن توسع في خدمة الحكم على الأحاديث غير الشيخ الألباني من المعاصرين فاعتمدنا أحكامه على التفصيل الذي سيأتي ذكره إن شاء الله.
* والمستهدف عندنا أن نلحق بكل حديث أحكام الأئمة المعتبرين المشهورين عليه إن تيسر ذلك كما سبقت الإشارة إليه،والله المستعان.
المنهج:
تبين بالنظر في كتب الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ أنها تنقسم إلى نوعين: ( هذا الكلام على سبيل الإجمال وإلا فبعض كتب الشيخ تدخل تحت أكثر من توصيف )
الأول: كتب مباشرة: أي الكتب المصنفة خصيصا لوظيفة التخريج،والحكم على الأحاديث مثل "السلسلة الصحيحة" و"السلسلة الضعيفة"،و"الجامع الصغير"،و"الترغيب والترهيب"،وكتب تخريج الأجزاء الحديثية،ونحو ذلك.
هذه النوعية من الكتب تنقسم إلى:
1- كتب يستهلها الشيخ بالحديث والحكم عليه على وجه الاختصار كـ"الجامع الصغير".
2- كتب يستهلها الشيخ بالحديث والحكم عليه على وجه التفصيل كـ"إرواء الغليل"،و"السلسلتين".
الثاني: كتب غير مباشرة: أي الكتب المصنفة في مواضيع غير التخريج والحكم على الحديث،لكن يضمنها الشيخ جمهرة من الأحاديث،ويحكم عليها نصا إو إحالة أو عزوا.(1/392)
وبالنظر في كتب القسم الأول من النوع الأول أي التي تُعنى بالاختصار: وجدنا أن هناك من كتب الشيخ كتبا تعد هي المعول عليها عند الشيخ نفسه ـ رحمه الله تعالى ـ في أحكامه على الأحاديث في كتبه الأخرى فاعتمدناها.هذه الكتب هي:
السنن الأربعة
صحيح الجامع
ضعيف الجامع
صحيح الترغيب والترهيب
ضعيف الترغيب والترهيب
مشكاة المصابيح
هذا وقد بدأنا بالـ"سنن الأربعة"،وتم الانتهاء منها،والحمد لله وحده.
هذا وكانت خطوات العمل تتلخص في نقطتين رئيسيتين:
الأولى ـ بناء قاعدة بيانات للأحاديث التي خدمها الشيخ تحتوي على:
الرقم المصدر الطرف الحكم المخرج ( الراوي الأعلى )
الثانية ـ تربيط هذه القاعدة من خلال بعض الأدوات والنظم البرمجية بأحاديث المشروع المخرجة،هذا التربيط تم بدلالة طرف الحديث،والمخرج بهدف خروج حكم الشيخ على كل طريق من طرق الحديث،وإذا وقع طريق فيه زيادات في متنه أو سنده أو كان السياق مغايرا للسياق الذي حكم الشيخ عليه نعمل على إظهار اللفظ الذي أنزل الشيخ عليه حكمه مقرونا بالرواي الأعلى،والمصدر؛ وذلك حتى لا نحمل الشيخ حكما على طريق أو رواية لم يحكم عليها،وإن كان قد حكم على أصل الحديث.
هذا وقد ألزمنا أنفسنا بتقديم جهد الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ كما هو دون أي تصرف يذكر منا،وحتى أحكام الشيخ التي تستنبط من سياق ما: نستدعي السياق كما هو؛ حفاظا على تراث الشيخ من أي تصرف،والحمد لله رب العالمين.
هذا ومن المستهدف في هذه الخدمة أن نقدم للأمة الإسلامية الأحاديث التي ذكرها الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ كشواهد للأحاديث المعتمدة في بعض كتبه،وقد حكم عليها كما في طيات "السلسلتين"،و"الإرواء"؛ إذ تضمنت هذه الكتب أحاديث ذكرها الشيخ كشواهد للأحاديث الأصلية في هذه الكتب،ثم حكم عليها أو نقل أحكاما عليها واعتمدها أو سكت عنها،كذلك بعض المتابعات التي حكم عليها الشيخ العلامة رحمه الله بحكم خاص. هذه الأحاديث قل من انتبه إليها ممن يبحث عن أحكام الشيخ على الأحاديث رحمه الله. لذلك نأمل ـ مستقبلا ـ أن نستخرج هذه الأحاديث وحكم الشيخ عليها،ونقوم بتربيطها بمظانها في المشروع،والله المستعان.
---------------
منهج العمل في بناء الأسانيد:
تمهيد:
يهدف المشروع إلى بناء أسانيد كل حديث من أحاديثه في صورة شجرية يمكن من خلالها الوقوف على سند الحديث بعينه،وأسانيد أطرافه في نفس الكتاب الوارد فيه،وأسانيد أطراف طرقه الأخرى ( أسانيد تخريجه). هذه الخدمة هي صورة إليكترونية لطريقة جمع الأطراف من جهة ضبط مخارجها التي يعرفها أئمة هذا الشأن،فيمكن ـ وبحق ـ أن نعتبر هذه الخدمة هي كتاب "تحفة الأشراف" للحافظ المزي ولكن ليس على الأصول الستة،وملحقاتها بل على أكثر من خمسمائة ألف حديث نبوي!
المنهج:
تم وضع آلية عمل برمجية تهدف إلى استدعاء كل حديث تم تخريجه،ثم إعادة بناء إسناده في صورة شجرية،تظهر سنده كشجرة إسنادية أفقية منبثقة من خانة تحتوي على اسم المصدر الوارد فيه الحديث.
وبه يقف المستخدم على كل طرق الحديث،كما تظهر له مواضع التقاء الحديث ليسهل عليه تحديد مداره،وغير ذلك مما يهتم به أهل هذا الشأن. ليس هذا فحسب بل؛ تظهر له بعض شواهد الحديث وهي على الصورة الشجرية كذلك،وبهذا يكون أمام المستخدم طرق إسناد الحديث،ومتابعاته،وبعض شواهده في محل واحد،وبالله التوفيق.
--------------
منهج العمل في الكتب الخدمية المساعدة " كتب التخريج والأطراف "
تمهيد:
مما لا شك فيه أن بغية المستفيد من الحديث هي الوقوف على درجته من جهة الصحة والضعف لما يترتب على ذلك من فوائد لا مجال لسردها في هذا المقام.. الأمر الذي يفرض عليه تتبع الطرق العلمية لاستخراج الحديث من بطون أمهات الكتب بأسانيده،وطرقه،وجميع رواياته ثم تعيين رجاله وتطبيق قواعد المصطلح على كل ذلك للوصول إلى البغية المشار إليها آنفا.(1/393)
والمشروع يوفر على الباحث خطوة الاستخراج المتضمنة لكل أو جُل طرق،وأسانيد،وروايات الحديث،وليست المتعلقة بالراوي الأعلى فقط (مخرج الحديث ) ـ كما هو منهج التخريج في مشروعنا " جامع الحديث النبوي "ـ،أي لتلافي القصور الحاصل من تخريج الحديث من مسند راوٍ واحد فقط،وذلك لأن المستفيد يهتم بالوقوف على صحة الحديث وثبوته،وقد يأتي الحديث عن صحابي من طرق ضعيفة،وتكون له شواهد من حديث صحابي آخر يتقوى بها إجمالا. وخدمتنا هذه تعالج هذا الأمر،والحمد لله رب العالمين.
يضاف إلى ذلك ما توفره هذه الخدمة من الوقت والجهد والأموال مقارنة بمن يقوم بها يدويا من خلال الكتب المطبوعة. وكان هدفنا هو تربيط أحاديث كتب المشروع بالكتب التي قامت على خدمتها من ناحية ضبط الأطراف،ومخارجها،وتخريج الطرق وشواهدها،وتعيين المهملات،والمبهمات،ونحو ذلك.
من أجل هذا الهدف قمنا بعمل مراحل لهذه الخدمة تحتوي كل مرحلة على مجموعة من الكتب. تم انتخابها لتحقيق الهدف.
المنهج:
قمنا بتقسيم الكتب الخدمية المأمول تربيطها بالمشروع إلى مراحل تتضمن كل مرحلة عدة كتب تخدم الحديث النبوي في بابي التخريج،والأطراف،ونأمل في التربيط بكتب العلل،والموضوعات،وكل الكتب التي تعتني بكتب السنة،وكانت المرحلة الأولى تتضمن كتاب "تحفة الأشراف" للحافظ المزي،وكتاب "إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي" للحافظ ابن حجر،وهما في باب ضبط الأطراف ومخارجها،أما الأول فيتعلق بالأصول الستة وملحقاتها،وأما الثاني فيتعلق بـ"مسند الإمام أحمد"،وكان كتاب "نصب الراية" للزيلعي،وكتاب "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر،وهما في باب تخريج الأحاديث وشواهدها.
هذا وقد تم التربيط المجمل لأصول الكتب تجهيزا للعرض المبدئي لهذه الخدمة المباركة بإذن الله تعالى ـ وجاري العمل في التربيط المفصل للكتب الأربعة.
تم ذلك عن طريق آلية عمل يدوية وبرمجية كانت محصلتها صف هذه الكتب،وإدخالها على الحاسوب ومقابلتها،وترميزها ترميزا يسهل معه استدعاؤها في مرحلة التربيط. ثم قمنا بتربيطها بواسطة بعض الأدوات والنظم البرمجية المساعدة بأحاديث المشروع التي تم تخريجها؛ ومن ثم نتحقق من أن كل طريق من طرق الحديث قد وقع في هذه الكتب الخدمية يظهر منضبط الأطراف إن وقع في "التحفة" أو "أطراف المسند"،ويظهر مخرجا تخريجا بالشواهد والمتابعات إن وقع في "النصب" أو "التلخيص"،والله الموفق.
----------------
منهج العمل في ضبط النصوص :
تمهيد:
مما لا شك فيه أن الكتب المطبوعة التي نتعامل معها كأصول للمشروع،بها كثير،وكثير جدا من الأخطاء،والتصحيفات،والتحريفات،والإقحامات،والأوهام ونحو ذلك.
الأمر الذي يجعل اعتبارها أصولا غير مفيد،ولا مجدٍ،ومن المعلوم أنه لا مفر من التعامل مع هذه المطبوعات؛ إذ ليس لها بدائل ميسرة. وانطلاقا من هذا المفهوم أخذنا على عاتقنا ما يلي:
1 ـ ضبط النسخ المتاحة ـ قدر المستطاع ـ عن طريق مقابلتها على ما تيسر لدينا من نسخ أخرى،أو الاكتفاء بضبط النسخة المتوفرة لدينا.
2 ـ تصويب التصحيفات والتحريفات التي تمتلئ بها النسخ مع الإشارة إلى المثبت في المطبوع،وذكر الحيثيات إن لزم الأمر،أو الإبقاء على محل الإشكال مع التحشية بحسب القرائن التي تحف كل موضع يتطلب تدخل أو تصرف منا.
3 ـ إثبات بعض الفوائد في تعيين الرواة من جهة الجمع والتفريق والمشتبه والمفترق ونحو هذه الفنون الحديثية الدقيقة.
4 ـ بعض الفوائد المتعلقة بضبط بعض ألفاظ المتون،والخلف الحاصل فيها،ونحوذلك.(1/394)
هذه النقاط قمنا بصياغتها،ومنهجيتها عن طريق آلية عمل يدوية،وبرمجية بحيث تظهر في صورة حواشي يتزين بها المشروع،وتثري مادته العلمية. ومن المتوقع أن تصبح هذه الحواشي مرجعا علميا لضبط النسخ المطبوعة الرديئة في سوق المطبوعات،ولعلها تساهم في تنقيح التراث الإسلامي المطبوع،والذي يعرف كل من تعامل معه مدى احتياجه للتنقيح،والضبط،والتحرير.
المنهج:
تم تحرير فروق النسخ المشار إليها في خدمة ضبط النص،وكذلك ما يتعلق بمواضع إشكال تعيين بعض الرواة،وكذا الفوائد التي نقع عليها في أي فرع يتعلق بالأحاديث سواء كانت فائدة على سند،أو راو فيه،أو على متن،أو لفظة فيه،أو على الحديث كله سندا ومتنا. وكان ذلك عن طريق بعض الأدوات البرمجية المساعدة التي من خلالها يتم استدعاء هذه النقاط التي كان يسجلها الباحث أثناء عمله،ثم تحريرها،مراعين في ذلك ما يجب أن يتوفر في الحواشي من:
* الإفادة
* حسن الصياغة
* وحدة الأسلوب
* الاختصار غير المخل.
وقد ندعم ذلك ـ مستقبلا ـ بإلحاق بعض الكتب المعنية بتعيين بعض المهملات أو المبهمات،أو وصل المعلقات،وكذا فوائد الجمع والتفريق،والمفترق والمفترق،ونحو هذه الفنون التي يعتني بها أهل الصناعة. والله الموفق.
وقد تمت هذه الخدمة من خلال مراحل أربعة سبقت الإشارة إليها ـ عرضا ـ في منهج التعيين،هذه المراحل هي:
مرحلة النسخ:
وهي مرحلة نسخ الكتب على الحاسوب ثم مقابلة المنسوخ على الحاسوب على الكتاب لضمان تطابق النسخ.
مرحلة العرض والمقابلة:
وهي مرحلة مقابلة النص المنسوخ على الحاسوب بما تيسر لنا من نسخ أخرى،أو الاكتفاء بالنسخة المتوفرة لدينا. هذا وقد اعتمدنا في خدمة المقابلة على طريقة النسخة الأم،ومن له اشتغال بهذا العلم الشريف يعرف أن أهل الصناعة لهم منهجان مشهوران في مقابلة وعرض النسخ،
الأول: منهج النسخة الأم: وهو المنهج الذي يعنى باعتماد نسخة كأصل،وتنزيل الفروق فروق النسخ الأخرى عليها،مع التحشية.
الثاني: منهج النص المختار: وهو المنهج الذي يعنى بإثبات الصواب أينما وجد مع الإشارة.
مرحلة التحشية وإثبات الفروق:
وهي مرحلة إثبات فروق النسخ الواقعة بين الأصول المعتمدة عندنا،وبين ما تيسر من نسخ أخرى على نحو ما سبقت الإشارة إليه،وكذلك التحشية بتصويب التصحيفات،والتحريفات،والأوهام،والتي أظهرتها مرحلة العرض والمقابلة،كذلك إثبات الفوائد المشار إليها في التمهيد،والتحشية بها.
مرحلة تحرير الفروق،والحواشي:
وهي مرحلة تحرير فروق النسخ المثبتة عن طريق استدعائها بأدوات وطرق ونظم برمجية مساعدة،وذلك لإثبات الصواب مع التعليق على ما كان مثبتا في الأصل المعتمد،والإشارة إلى المصدر الذي تم التصويب منه. هذا إن كان الفرق المثبت،أو التصحيف مما لا تستنكر النفوس أن يصوب في أصل متن الأصل المعتمد عليه كنسخة أم،وإلا أبقينا محل الإشكال على ما هو عليه،وأشرنا في الحاشية إلى الحيثيات.
هذا وقد اعتنى المشروع بضبط نصوصه رسما،وشكلا بحيث يخرج النص مشكولا من أجل أن يسهل على المستخدم قراءته،ومعرفة بيان المراد منه،وهي خدمة كبيرة جليلة نقدمها للأمة الإسلامية،ولم نسبق إليها من جهة كم النصوص التي تعاملنا معها،والحمد لله وحده،وبالله التوفيق. اهـ
فنلاحظ من خلال هذا التعريف به أنه برنامج ضخم جدا،ودقيق جدا،وقد وضع على قرص ليزري،وهو موجود على النت ولكن دون تشكيل،والبرنامج على النت أفضل بكثير , ونتمنى من الإخوة القائمين على الموقع،بما أنه برنامج خيري تيسير نسخه لطلاب العلم عامة،والمشتغلين بالسنة النبوية خاصة
ومن سلبيات البرنامج على النت أنك لا تستطيع نسخ كتاب،بل حديث حديث!!
- - - - - - - - - - - - - - - -(1/395)
الباب الثاني
دراسة الأسانيد
إن دراسة الأسانيد لا تَقِلُّ قيمةً عما قبلها ؛ بل هي العمودُ الفقريُّ أو الأساس في الحكم على الحديث،صحةً وضعفاً .
إنك أيها الطالب بعد أن تستخرج الحديث من مواطنه من الكتب الأصلية؛ فإنك ترجع إلى الكتاب الأصلي وتسجل في مدونتك،في كراستك،في الكروت التي تعمل فيها تسجل أسانيد هذه الأحاديث بمتونها.
أنت استخرجت يعني جمعت من الموارد الحديث الذي تريد البحث فيه فبعد أن وضعت الحديث أمامك كل حديث من الكتاب بطريق مستقل قد يشتركون في بعض الطرق وقد لا يشتركون،لكن أمامك حديث مخرج من خمسة كتب أو عشرة كتب أو تقل أو تكثر؛ فما هي المرحلة التالية بعد أن استخرجت الحديث من الكتاب الأصلي؟
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما؛ فإنه محكوم بصحته عند عامة أهل العلم،وإذا كان الحديث المخرج من صحيح ابن خزيمة أو من صحيح ابن حبان؛ فإنهم شرطوا الصحة فلا يخرجون إلا الصحيح مع تفاوت في مقدار هذه الصحة قلةً وكثرةً. والترمذي -رحمه الله تعالى- لا يترك حديثا في الغالب إلا ويُعقب عليه بحكم؛ صحةً أو حسنًا أو ضعفًا أو تعارضًا في الوصل والإرسال أو الرفع والوقف إلى غير ذلك مما تراه في كل صفحة من صفحات سنن الترمذي.
فمن هذه الكتب تستطيع أن تحكم على الحديث: الصحيحان،صحيح ابن حبان،صحيح ابن خزيمة،مستدرك الحاكم،سنن الترمذي. لكن إذا كان الحديث في غير هذه الكتب ولم يصرح الإمام المصنف صاحب الكتاب بمنهجه كمسند أحمد مثلاً تستخرج منه وأنت لا تدري هذا الحديث صحيح أم ضعيف،أنت لا تدري تخرج الحديث من سنن أبي داود،تخرج الحديث من سنن النسائي،من مسند أبي يعلى. ما درجة هذا الحديث من حيث الاحتجاج ومن حيث العمل؟
فلن تستطيع الوصول إلى الحكم على الحديث إلا بدراسة إسناده،وهذا الذي نريد أن نلقي عليه الضوء الآن كيف أستطيع الوصول إلى الحكم على الإسناد الذي هو طريق مُوصِل إلى المتن؟.
الطريق الموصل إلى المتن هو الإسناد،هذا الإسناد لا بد له من حكم،وهذا الإسناد مركب على الحدِّ الأدنى جدًا ثلاثة رواة في الثُّلاثيات وهذا نادر وقليل،ثلاثة عشر حديثا في البخاري كله،الرباعيات كثيرة خماسيات،يعني عدد رواة الإسناد الموصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يكون خمسة رجال بالصَّحابي أو خمسة غير الصحابي يقلُّ أو يكثرُ.
ولذلك كان هذا العلم وهو علم الأسانيد منقبةً ومفخرةً عظيمةً وشرفًا عظيمًا لهذه الأمة؛ لأن أنبياء الأمم السابقة حصل انفصالٌ تاريخيٌّ بينهم وبين أتباعهم فتجد بين عيسى -عليه السلام- وبين الروايات التي تُحكَى عنه مئات السنين.
أما نحن بفضل الله -سبحانه وتعالى- من مفخرة هذا الأمة،وهذه يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء كلمة المستشرق اليهودي المجري "مارجليوث": "ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم".
وكان للسلف من التابعين فضل السبق في هذا،لَمَّا وقعت الفتن وحصلت المعارك في "صفين" و"الجمل" وغير ذلك من الفتن وظهرت البدع تطلُّ بقرونها على الأمة من تشيع وخوارج ونواصب وغير ذلك؛ فعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ.(1)
فلا يقبلون من أحد قولاً إلا بتسميةِ عمن يروي،و" الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ".(2)
__________
(1) - صحيح مسلم (27 )
(2) - صحيح مسلم(32 ) عن عبد الله بن المبارك(1/396)
إنما مَنْ يروي حديثا أو ينقل خبرا يقول له: عَمَّنْ سمعت؟ فإن قال: عن فلان؛ يُنْظَرُ هل بينه وبين فلان إمكانية لقاء أم لا يمكن أن يلتقيا؟ وإن لم يذكر إسنادا؛ فكلامه مطروح لا يقبل. ولذلك كان هذا العلم = علم الإسناد هو الذي حفِظَ على الأمة دينَها؛ لأنه لا يمكن حفظ السنَّة إلا من خلال حفظ الأسانيد،ولا يمكن فهم القرآن إلا بالسنَّة. فهذا هو الأصل العظيم الذي مَنَّ الله -تعالى- به على هذه الأمة،ولما كثر الكذابون في زمن ابن المبارك؛قيل له هذه الأحاديث الموضوعة؟! قال: "تعيش لها الجهابذة"،{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].(1)
فمِنْ مِنَّةِ الله على هذه الأمة بقاءُ هذا العلم يُدَرَّسُ ويُتَلَقَّى ويجب أن تَتَضَافَر الجهود وتُشْحَذُ الهممُ لإشاعة هذا العلم الشريف بين عوامِّ الأمة،لا أقول بين خواصها؛ لأنه من أعظم أسباب حفظ الدِّين ومن أعظم حفظ الروايات علمُ الأسانيدِ.
ثم ما يحتاج إليه من علم الجرح والتعديل وتراجم الرواة سنتكلم على الراوي.هذا الراوي ما هي الضوابط لقبول روايته؟ هذا الراوي الذي نريد أن ندرس سيرته،وأن نتعرف على موطنه من الصحة والضعف أو القوة أو غير ذلك ما هي الضوابط والأصول التي سنتعملها في الحكم على الرواة؟ وكيف نعرف عدالة الراوي؟ كيف نعرف ضبطه؟ بما تثبت العدالة؟ بما يثبت الضبط؟ هل يقدم الجرح على التعديل أم يُقدم التعديل على الجرح؟ هل يُكتفى بقول واحد في الجرح والتعديل أم لا يكتفى بقول واحد كما في الشهادة لا بدَّ من اشتراط اثنين في الشهادة؟
وهذا البحث ينقسم لبابين رئيسين :
المبحث الأول- مراحل دراسة الأسانيد
المبحث الثاني - الكتب المصنفة في الرجال
المبحث الأول
مراحلُ دراسة الأسانيد
الأولى : استخراج الحديث بطرق التخريج المذكورة آنفاً :
بحيث تجمع كل طرق الحديث التي وقفت عليها من جميع مصادر السنّة التي استطعت أن تطَّلع عليها،وتقف على الحديث فيها .
الثانية : الاستعراض الكامل لهذه الطرق لملاحظة نقاط الاتفاق بين الرواة ونقاط الاختلاف بينهم .
ويندر أن تجد حديثاً إلا وفيه اختلاف في المتن -في اللفظ-،أو في الإسناد،أو فيهما معاً،خاصة في الأحاديث التي كثرت مصادرها،وتعددت أسانيدها،فينبغي استحضار نقاط الاتفاق والاختلاف في ذهنك أو في ورقة ؛ لأن دراستك للأسانيد لابدَّ أن تكون بناءاً على هذه النقاط،فإذا لم يمكن استحضار الاتفاقات والاختلافات في ذهنك،فيمكن عمل مُشجّرة للأسانيد ؛ لتوضيح نقاط الاتفاق والاختلاف،أو أن تقوم بعرض هذه النقاط بصورة مبسطة كما هو صنيع الدارقطني في العلل،فتُبين الصحابي الذي روى الحديث ثم من رواه عنه،وهل وقع اختلاف بين الرواة عنه،فإن لم يقع فتنظر في الرواة عن التابعين هل وقع بينهم اختلاف،وهكذا..،فتبين وجوه الاتفاق والاختلاف،وكلُّ وجه مَنْ رواه،هل هم عددٌ أم واحد،فيمكن ذلك عن طريق مُشجّرة أو عرضها باختصار،ثم يتبين لك بعد ذلك ماهي الأسانيد التي ينبغي تحريرها أكثر من غيرها .
الثالثة : الترجمةُ للرواة :
وهي مرحلة مهمة،وتعتبر عثرةً من العثرات التي تواجه الباحث،فلطولها ينبغي تقسيمها إلى خطوات :
1) تعيينُ الرواة :
__________
(1) - التلخيص الحبير - (ج 1 / ص 35) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 245) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 96) والكامل لابن عدي - (ج 1 / ص 103)(1/397)
أي معرفة أعيانهم،حتى تقف على ترجمته ومرتبته بدقة،وبماذا يستحقُّ أن يوصف . فإذا أخطأت في تعيين الراوي فسوف يكون الحكم على الحديث مخالفاً للواقع،فالخطأ في هذه المرحلة ينبني عليه الخطأ في الحكم على الحديث بكامله،فلذا ينبغي أن يُعتنَى بهذه المرحلة عناية كبيرة جداً ؛ لأن الخطأ في عين الراوي في الإسناد يُورث الخطأ في الحكم على الحديث إلا إذا أبدلت راوٍ ثقة بثقة آخر،أو ضعيف بضعيف فلا يختلف الحكم،ولكن قد يحصلُ العكس،من إبدال راوٍ ثقة بضعيف،أو ضعيف بثقة،ومن ثمَّ ينتج الخطأُ .
ولهذه الخطوة حالات تتلخص فيما يلي :
(أ) إذا كان في الإسناد راوٍ مبهمٌ :
وهو الراوي الذي لم يسمَّ،كأن يقول الراوي : عن رجل،أو عن أحد من الناس،أو حدثني فلان،فإذا أُبهم الراوي فلا بدَّ من تعيين هذا الراوي،حتى يُتمكن من الحكم على هذا الإسناد .
ومن المعلوم أن الراوي إذا كان مبهماً ولم يُعرف فإن الحديث يكون ضعيفاً،ويسميه الحاكمُ وغيره منقطع،والمنقطع من أقسام الضعيف .
*مسألةُ التعديل على الإبهام : ويُقصد بها فيما إذا قال الراوي : حدثني الثقة -ولم يسمِّه-،أو قال : حدثني من لا أتهم،أو قال : حدثني رضيٌّ-من الرضا- من الناس،فهل نقبل هذا التوثيق ؟ فهو لم يسمِّه لكنه وصفه بأنه ثقة .
ومن أكثر الأئمة الذين اشتهروا بهذه المسألة الإمام الشافعي،فإنه كثيراً ما يقول : حدثني الثقة كما في سنن أبى داود (2097 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ حَدَّثَنِى الثِّقَةُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آمِرُوا النِّسَاءَ فِى بَنَاتِهِنَّ ».
وكما في سنن النسائى (5702 ) أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ حَدَّثَنِى الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ.
وكما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 104) (16798) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنِى الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا وَلاَ مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ.
وفي مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لِلْبَيْهَقِيِّ ( 4270 ) قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَدَّثَنِي الثِّقَةُ،عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ مَسْرُوقٍ،عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَفَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا ؟ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ الشِّيرَازِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ : لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ،فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : نَزَلَتْ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ،بَعْدَ تَخْيِيرِهِ أَزْوَاجَهُ ".(1/398)
أو حدثني مَنْ لا أتهم كما في مصنف عبد الرزاق( 19749) عَنِ الزُّهْرِيِّ،قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ مِنَ الأَنْصَارِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَوْ تَنَخَّمَ ابْتَدَرُوا نُخَامَتَهُ،وَوَضُوءَهُ،فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَجُلُودَهُمْ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لِمَ تَفْعَلُونَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَلْتَمِسُ بِهِ الْبَرَكَةَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحِبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلْيَصْدُقِ الْحَدِيثَ،وَلْيُؤَدِّ الأَمَانَةَ،وَلا يُؤْذِ جَارَهُ "
وكما في مصنف ابن أبي شيبة(ج 3 / ص 98) ( 9820) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ،قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ،قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ،عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا رَأَى الْهِلاَلَ،قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،الْحَمْدُ لِلَّهِ،وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ،اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَ هَذَا الشَّهْرِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْقَدَرِ،وَمِنْ شَرِّ يَوْمِ الْحَشْرِ.
وكما في مسند أحمد (23484) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِى مَنْ لاَ أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى الْهِلاَلَ قَالَ « اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الشَّهْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْقَدَرِ وَمِنْ سُوءِ الْحَشْرِ ».
وكما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 289)( 13072) وَفِيمَا رَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِىُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ حَدَّثَنِى مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فِى هِجْرَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ : وَأَمَرَ تَعْنِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِمَكَّةَ حَتَّى يُؤَدِّىَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْوَدَائِعَ الَّتِى كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ.(1)
وتكلم العلماء كثيراً على مراد الشافعي في هذا المبهم هل هو الإمام أحمد أو إسماعيل بن عُليّة أو حماد بن سلمة أم أنه ابن أبي يحيى الأسلمي -الراوي المتروك المشهور- .
__________
(1) - وقد ألحق ابن السبكي يحدثني الثقة من مثل الشافعي دون غيره،حدثني من لا أتهم في مطلق القبول،لا في المرتبة،وفرق بينهما الذهبي،وقال: إن قول الشافعي أخبرني من لا أتهم ليس بحجة،لأن من أنزله من رتبة الثقة إلى أنه غير متهم فهو لين عنده،ولابد وضعيف عند غيره،لأنه عندنا مجهول ولا حجة في مجهول.
ونفى الشافعي التهمة عمن حدثه لا يستلزم نفي الضعف،فإن ابن لهيعة ووالد علي بن المديني وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وأمثالهم ليسوا ممن نتهمهم على السنن وهم ضعفاء لا نقبل حديثهم للاحتجاج به.فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 298)(1/399)
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه (نزهة النظر) وفي غيره أن الرواية في التعديل على الإبهام لا تقبل،وبيّن سبب ذلك فقال : لأنه قد يكون ثقة عند المُعدِّل والموثق،ويكون ضعيفاً عند غيره،فلهذا الاحتمال لا نستطيع أن نقبل التوثيق على الإبهام .(1)
*الطرق التي نعرف من خلالها الراوي المبهم :
1- التخريج الموسع،فقد يكون مبهماً في رواية ثم يأتي في رواية أخرى فيبينه هذا الذي أبهمه فيعينه ويسميه، وعليه نعرف المبهم ونستطيع الحكم عليه .
كما في سنن النسائى (5702 ) أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ حَدَّثَنِى الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. خَالَفَهُ أَبُو عَوْنٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىُّ.
فقد بينه في الرواية الأخرى التي بعده (5703 ) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ح وَأَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِى عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْحَكَمِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا.
بل ورد من طريق آخر كما في المعجم الكبير للطبراني (12466) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن حَرَّاسٍ الْحَنَفِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بن الْقَاسِمِ , عَنِ الأَعْمَشِ , عَنْ يَحْيَى أَبِي عُمَرَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ:حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا , قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا , وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ.اهـ فالحديث صحيح
وكما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 104)( 16798) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنِى الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا وَلاَ مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ.
فقد بينه في السنن الكبرى للبيهقي(ج 8 / ص 104)( 16796) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَدِ اخْتَلَفُوا فِى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ وَلاَ عَبْدًا فَقَالَ لِى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ حُرًّا يَقُولُ فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلاَهُ شَىْءٌ مِنْ جِنَايَةِ عَبْدِهِ وَإِنَّمَا جِنَايَتُهُ فِى رَقَبَتِهِ وَاحْتَجَّ فِى ذَلِكَ بِشَىْءٍ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا وَلاَ مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ.
__________
(1) - انظر مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 21) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 11) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 244)(1/400)
ولكن قد لا نستطيع معرفة هذا الراوي لأنه لم يصرح به في جميع الروايات،كما في سنن أبى داود (2097) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ حَدَّثَنِى الثِّقَةُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آمِرُوا النِّسَاءَ فِى بَنَاتِهِنَّ »(1).
ولكن ليس بالضروري الحكم على مثل هذا الحديث بالضعف،فلا بد من اليحث عن شواهد له بلفظه أو بمعناه قبل الحكم عليه .
2- الرجوع إلى كتب المبهمات،مع العلم أن مبهمات الأسانيد لم يُعتن بها كما اعتني بمبهمات المتون في إفرادها بالتصنيف، ومن أوسع الكتب في العناية بمبهمات الأسانيد هو كتاب (المُستفاد في مبهمات المتن والإسناد) لأبي زُرعة العراقي .
3- الرجوع إلى "فصل المبهمات" عند المزي في (تهذيب الكمال)،وعند الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب)،واختصاره (تقريب التهذيب)،وفي (تعجيل المنفعة) أيضاً للحافظ ابن حجر،وقد يسميه لك الحافظ وقد يقول : لم أجده،فمع بحثك وقول ابن حجر أنه لم يجده،ففي الغالب أن الإنسان يطمئن على جهده أنه لم يفته شئ،بدليل اتفاق جهده مع جهد إمام سابق مُطلع،فسواءً سُميَ فهذه فائدة،وإن لم يسمَّ فهذه فائدة أيضاً .
(ب) إذا كان في الإسناد راوٍ مهمل،وهو الراوي الذي سُمي ولم تُعرف عينه،ويدخل فيه المنسوب إلى جده،مثل : سعيد بن كثير بن عُفير(2)،فكثيراً ما يقال : سعيد بن عُفير كما في صحيح البخارى (71 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ،وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِى،وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ » .
فحينما تذهب تبحث عن ترجمة سعيد بن عُفير لا تجد له ترجمة أو تجد رجلاً آخر اسمه سعيد بن عُفير،مع أن المقصود سعيد بن كثير بن عُفير .
__________
(1) - وهو عند عبد الرزاق (10311و10312) ومسند أحمد (5018) ومعرفة السنن والآثار للبيهقي( 4317) والمسند الجامع - (ج 10 / ص 656) (7679)
(2) - وفي الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة( 1947) سعيد بن كثير بن عفير الحافظ أبو عصمان الانصاري المصري عن مالك والليث وعنه البخاري وعثمان بن خرزاذ وأبو الزنباع قال أبو حاتم صدوق ليس بالثبت كان يقرأ من كتب الناس توفي 226 عن ثمانين سنة خ م س(1/401)
ومثله أحمد بن عبد الله بن يونس(1)،كثيراً ما يُنسب إلى جده فهذا يمكن أن نعتبره من المهملين،ويكون أحمد بن يونس،فمن نُسب إلى جده فهذا يمكن أن نعتبره من المهملين،وإن كان الظاهر أنه منسوب ومبيّن،باعتبار أنك لا تستطيع الوقوف على عينه بسبب نسبته إلى جده،فكلُّ من سُميَّ ولم تُعرف عينه فهو مهملٌ ولو كان ظاهر النسبة . وأيضاً يدخل في المهملين المُدَّلس تدليس شيوخ،فقد يسمَّى أو يُكنى أو يُلقب بغير ما عُرف به،فلو جاءك إسنادٌ قيل فيه : حدثنا ابن المغيرة الجعفي،قد يغيب على ذهنك أن المقصود محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي البخاري الإمام المشهور،لكن لما نسبه إلى جده الأعلى فهذا فيه نوع تدليس شيوخ،فمادام أنه عُمّي ولم تُعرف عينه فنستطيع إدخاله ضمن المهملين،وإن كان الأصلُ في الراوي المهمل أنه هو الذي يُسمَّى باسمه فقط كأن يُقال : محمد فقط،وهذا الاسم في الرواة كثير،وهذه الحالة كثيراً ما تتكرر في الأسانيد،فكثيراً ما تجد رواةً مهملين،فلا تكاد تخلو بضع أسانيد على بضع رواة مهملين أيضاً .
*طرق معرفة الراوي المهمل :
1- التخريج الموسع،فقد يأتي معيناً باسمه الكامل في طريق أخرى،وميزة هذه الطريقة أنها تكاد تكون أوثق الطرق في تعيين الرواة فعلاً .
كما في صحيح البخارى (365) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ « أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ » . ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا،جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ،صَلَّى رَجُلٌ فِى إِزَارٍ وَرِدَاءٍ،فِى إِزَارٍ وَقَمِيصٍ،فِى إِزَارٍ وَقَبَاءٍ،فِى سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ،فِى سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ،فِى سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ،فِى تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ،فِى تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ - قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - فِى تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ .
فمحمد جاء هنا مبهما غير معين الأب أو الكنية،فنبحث عنه في الروايات الأخرى عند البخاري وغيره حتى نعرف اسمه كاملاً
وقد وجدناه في صحيح مسلم (1178 ) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ نَادَى رَجُلٌ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَيُصَلِّى أَحَدُنَا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ « أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ».
__________
(1) - وفي الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ( 53) أحمد بن عبد الله بن يونس الحافظ أبو عبدالله اليربوعي الكوفي عن بن أبي ذئب وعاصم بن محمد والثوري وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وعبد وخلق قال أحمد بن حنبل لرجل أخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الاسلام مات 227 ع(1/402)
ومثال آخر كما في صحيح البخارى(369 ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ،وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ . قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا،فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِىٌّ فِى أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ،وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .
فعندنا هنا ابن أخي الزهري ولم يذكر اسمه،فنبحث عنه في سائر روايات الحديث حتى نجده،ولكن بعد البحث لم نجد التصريح باسمه في كل الروايات(1)
ولكن يمكن معرفته إما عن طريق الرواة الذين رووا عن الزهري أو من خلال رواية أخرى تحدد لنا من هو، وقد وجدتها في صحيح مسلم ( 7194 ) وَحَدَّثَنِى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ ابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ(2)عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِىَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ.
__________
(1) - وانظر المسند الجامع - (ج 17 / ص 240) (13377)
(2) - وفي سير أعلام النبلاء (7/197) 73 - ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ (ع) الإِمَامُ،العَالِمُ،الثِّقَةُ،أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ،المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ كَثِيْراً،وَعَنْ أَبِيْهِ.وَعَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى،وَالوَاقِدِيُّ،وَيَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ،وَالقَعْنَبِيُّ،وَآخَرُوْنَ.وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ.وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.قُلْتُ: تَفَرَّدَ عَنْ عَمِّهِ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ تُستَغْرَبُ.
وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 9 / ص 598) : وقد تفرد الزهري بثلاثة أحاديث. أحدها،عن سالم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كل أمتي معافى إلا المهاجرون الحديث. وثانيها عن سالم عن أبي هريرة أنه قال في خطبته: كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يجعل الله لعجلة أحد ولا خلف لأمر الله ما شاء الله كان،ولو كره الناس لا مبعد لما قرب ولا مقرب لما بعد ولا يكون شيء إلا بإذن الله عز وجل. رواهما إبراهيم بن سعد عنه. وروى الواقدي الخبر الثاني عنه ولكن الواقدي تالف. والثالث رواه حمزة بن رشيد الباهلي نا إبراهيم بن سعد ابن أخي ابن شهاب عم امرأته أم الحجاج بنت محمد بن مسلم قال: كان أبي يأكل بكفه فقلت: لو أكلت بثلاث أصابع،قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل بكفه كلها. فهذا منقطع.(1/403)
2- دراسة التلاميذ والشيوخ،مثاله : حديث للحميدي عن سفيان عن عمرو ابن دينار،كما في مسند الحميدى(761) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ : بَاعَ شَرِيكٌ لِى بِالْكُوفَةِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ،فَقُلْتُ : مَا أَرَى هَذَا يَصْلُحُ. فَقَالَ : لَقَدْ بِعْتُهَا فِى السُّوقِ فَمَا عَابَ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَدٌ. فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ،قَالَ : قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَتِجَارَتُنَا هَكَذَا،فَقَالَ :« مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ بِهِ،وَمَا كَانَ نَسِيئَةً(1)فَلاَ خَيْرَ فِيهِ ». وَائْتِ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ تِجَارَةً مِنِّى. فَأَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : صَدَقَ الْبَرَاءُ. قَالَ الْحُمَيْدِىُّ : هَذَا مَنْسُوخٌ وَلاَ يُؤْخَذُ بِهَذَا.
فالحميدي معروف هو عبدالله بن الزبير،وعمرو بن دينار اسمه معيّن كذلك،ولكن المهمل هو سفيان،فأذهب إلى ترجمة عمرو بن دينار وأنظر في تلاميذه فإذا وقفت على أنهم ذكروا في تلامذة عمرو بن دينار : سفيان بن عيينة،حينها أعرف أن المقصود به في الإسناد في الغالب أنه سفيان بن عيينة،فإن لم أقف على من يُسمي سفيان في ترجمة عمرو بن دينار،فأرجع إلى ترجمة عبدالله بن الزبير الحُميدي وأنظر فيها : هل سموا في شيوخه أحداً يُقال له سفيان،فإن سموا سفيان بن عيينة فهذه قرينة على أن المقصود في الإسناد سفيان بن عيينة،فإن لم أجد في كلا الترجمتين،تأتي الطرق الأخرى الدالة . لكن هناك إشكال وهو أني أجد -مثلاً- في ترجمة عمرو بن دينار في تلاميذه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري فهنا -وإن ضاق الإحتمال- أيضاً يقع إشكال،فأرجع إلى الحميدي فيُسمي واحداً منهما في ترجمته فأعرف أن المراد هو سفيان بن عيينة .(2)
وأوسع الكتب في حصر التلاميذ والشيوخ هو كتاب (تهذيب الكمال للمزِّي)،ويُرتب الشيوخ على حروف المعجم،ثم إنه يذكر رموز أصحاب الكتب الستة الذين روى هذا المُترجم عن هؤلاء الشيوخ فيهم،فيُبين لك من أخرج لهذا الشيخ مما يحصر لك الاحتمال في تحديد الراوي،وقد حاول المزيّ في (تهذيب الكمال) الاستقصاء في ذكر الشيوخ والتلاميذ،لكن الاستقصاء التام ليس من قدرة البشر،لكنه غالباً استقصى الكتب الستة أي:الموجود فيها،مضيفاً إضافات كثيرة جداً من خارج الكتب الستة،فهو أوسع كتاب مفيد في هذه الناحية،وهناك من جاء وتمّم هذا العمل،وأضاف إضافات في الشيوخ والتلاميذ،وهو الحافظ : مغلطاي بن قليج الحنفي الذي ألّف كتاباً سمّاه : (إكمال تهذيب الكمال) فاعتنى بتعقب المزي وبالزيادة في هذا الكتاب في نواحٍ متعددة،في رواةٍ على شرطه لم يذكرهم،في زيادة تلاميذ وشيوخ لم يوردهم،في إضافة ألفاظ جرح وتعديل فاتت المزي أن يذكرها في الرواة الذين ذكرهم،وينصح طالب العلم أنه إذا وجد شيخاً لراوٍ معيّن لم يجده مذكوراً في (تهذيب الكمال) أن يدرجه في التهذيب في حاشية الكتاب ضمن ترتيبه في المعجم،مع الحرص على ذكر المصدر الذي سُميّ فيه الراوي،وكذا التلاميذ .
__________
(1) - النسيئة : الأجل المعلوم
(2) - انظر ترجمة الحميدي في تهذيب الكمال للمزي - (ج 14 / ص 512)3270(1/404)
3- من خلال الرجوع إلى كتب الأطراف،مثل :(تحفة الأشراف) للمزي و(إتحاف المهرة) للحافظ ابن حجر،فمثلاً تجد في الإسناد : عن سعيد عن أبي هريرة .. الحديث،فالراوي المهمل سعيد،فترجع إلى تحفة الأشراف فتجد الحافظ المزي يضع عنواناً لحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثم يذكر أحاديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة،ويذكر من بينها الحديث الذي تبحث عنه،فتعرف أن الراوي المهمل في الإسناد هو سعيد بن المسيب،كما في صحيح البخارى(1189) حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الأَقْصَى » .
فنبحث في تحفة الأشراف تحفة الأشراف - (ج 11 / ص 399) سفيان بن حسين،عن الزهري،عن سعيد،عن أبي هريرة
فنجد الحديث *13130 (خ م د س) حديث: لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد... الحديث. خ في آخر الصلاة (515: 1) عن علي بن عبد الله م في الحج (95: 1) عن عمرو الناقد وزهير بن حرب د فيه (المناسك 96) عن مسدد س في الصلاة (131) عن محمد بن منصور المكي خمستهم عنه به.
وقد يتوسع المزي فيُعَنْون للطبقة الثانية بعد التابعين،بل وللطبقة الثالثة في بعض الأحيان،فيُعينك جداً في طبقة حماد بن زيد وحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس،ويبين لك هل هذا الحديث من حديث حماد بن سلمة أو من حديث حماد بن زيد،مادام هذا الحديث ضمن الكتب التي خدمها،ومثله (إتحاف المهرة) لابن حجر .
4- من خلال الرجوع إلى شروح الكتب،فمثلاً لا يخفى على كل من طالع (فتح الباري) أن للحافظ ابن حجر جهوداً في تعيين الرواة المهملين في (صحيح البخاري)،بل إنه ملأ الكتاب بالقواعد في تعيين الرواة،فيقول مثلاً : إذا روى البخاري عن الفريابي عن سفيان فهو الثوري،فيبين لك أن رواية البخاري عن الفريابي إذا أُهمل بعدها سفيان فهو الثوري،وهكذا ..
قال الحافظ في مقدمة الفتح(1): " حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي حدثنا سفيان هو الثوري وإنما نبهت على هذا هنا وإن كان واضحا لأن البخاري روى عن محمد بن يوسف البيكندي وهو يروي عن سفيان بن عيينة وهو يروي أيضا عن حميد لكن هذا الحديث إنما هو من رواية الفريابي عن الثوري جزم بذلك خلف وأبو نعيم وغيرهما ..."
وفي صحيح البخارى( 1189 ) حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الأَقْصَى » .
قال الحافظ ابن حجر(2): " قَوْله : ( وَحَدَّثَنَا عَلِيّ ) هُوَ اِبْنُ اَلْمَدِينِيّ،وَسُفْيَان هُوَ اِبْن عُيَيْنَةَ،وَسَعِيد هُوَ اِبْن اَلْمُسَيِّب،وَوَقَعَ عِنْد اَلْبَيْهَقِيّ وَجْه آخَر عَنْ عَلِيّ بْن اَلْمَدِينِيّ قَالَ " حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَان مَرَّةً بِهَذَا اَللَّفْظِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ بِلَفْظِ تُشَدُّ اَلرِّحَال " .
5- من خلال الرجوع إلى كتب التخريج والعلل،مثل (نصب الراية) و(التلخيص الحبير) و( البدر المنير) وغيرها،وذلك لأنها تدرس الأسانيد فتسمّي لك الرواة المهملين وتحكم عليهم،وكذلك كتب العلل مثل : (العلل) للدارقطني و(العلل) لابن أبي حاتم .
__________
(1) - مقدمة الفتح - (ج 1 / ص 250)
(2) - فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 190)(1/405)
قال الحافظ ابن حجر(1): " وَرَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: "بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ،لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ"،وَوَصَلَهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ،عَنْ الزُّهْرِيِّ،عَنْ سَعِيدٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ،عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ الزُّهْرِيِّ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا،وَزَادَ:"فَقَالَ عُمَرُ لِلْيَهُودِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَلْيَأْتِ بِهِ،وَإِلَّا فَإِنِّي مُجْلِيكُمْ"."
فبين لنا من هو المقصود بسعيد الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وقال ابن الملقن(2): " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» أَيْضا و«الْمعرفَة» من حَدِيث حبَان - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة - بن عَلّي (الْعَنزي)،عَن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «الرِّكَاز (الذَّهَب) الَّذِي ينْبت فِي الأَرْض» . وَعبد الله بن (سعيد) هَذَا هُوَ المَقْبُري،وَهُوَ واه . "
وقال أيضاً(3): " الطَّرِيق الرَّابِع : طَرِيق أبي هُرَيْرَة،رَفعه : «تهادوا ؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب وَحْرَ الصُّدُور» .رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث نجيح أبي معشر السِّندي،عَن سعيد،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ،ثمَّ قَالَ : (هَذَا) حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه . وَقد تكلم بعض أهل (الْعلم) فِي أبي معشر من قبل حفظه . وَقَالَ ابْن الْقطَّان : نجيح هَذَا ضَعِيف،وَمِنْهُم من يوثقه،فَالْحَدِيث من أَجله حسن . وَقَالَ عبد الْحق فِي حَدِيث «لَا تَقولُوا رَمَضَان» من ضعفه أَكثر مِمَّن وَثَّقَهُ،وَمَعَ ضعفه يُكتب حَدِيثه . وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي الْكتاب السالف : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد،عَن رجل،عَن سعيد المَقْبُري،عَن أبي هُرَيْرَة،وَهُوَ غير ثَابت،وَالرجل الَّذِي (كفَّ) عَنهُ اللَّيْث هُوَ : أَبُو معشر السندي،وَهُوَ ضَعِيف ."
6- من خلال ما كُتب عن الرواة المهملين في بعض الكتب،ومن أعظم الكتب التي خُدمت في تعيين رواتها المهملين (صحيح البخاري)،فهناك من صنّف كتاباً في الرواة المهملين في (صحيح البخاري)،وهناك من عقد فصلاً في كتاب له،كالحاكم في كتابه (المدخل إلى معرفة الصحيح) عقد فصلاً خاصاً في الرواة المهملين من شيوخ البخاري،وأيضاً فعل مثله الكلاباذي في كتابه (رجال صحيح البخاري)،ففي آخر الكتاب عقد فصلاً في بيان الشيوخ المهملين والرواة المهملين عموماً في (صحيح البخاري) مع تعيين أسمائهم،وقام بجمع هذه الجهود مع جهود أخرى الحافظ أبو علي الغساني الجيّاني في كتابه (تقيّيد المهمل وتميّيز المُشكل) في فصلٍ عنوانه : "التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه وأهمل أنسابهم وذكْر ما يُعرفون به من قبائلهم وبلدانهم"،جمع فيه جهد الحاكم مع جهد الكلاباذي مع جهد ابن السكن وغيرهم ممن تعرّض لتعيين الرواة المهملين في (صحيح البخاري)،والكتاب مطبوع .
__________
(1) - كما في التلخيص الحبير - (ج 4 / ص 316)1915
(2) - البدر المنير - (ج 5 / ص 607)
(3) - البدر المنير - (ج 7 / ص 115)(1/406)
7-من خلال فصول عقدها العلماء -في كتب متناثرة- حول بيان الرواة المهملين،وممن عقد فصلاً للرواة المهملين الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) -وهو كتاب جليل عظيم الفائدة،وقد أهمله كثير من طلبة العلم-،فقد عيّن الرواة المهملين فيما يقارب السبعين صفحة في فصل كامل . وقد صنّف الرامهرمزي هذا الكتاب رداً على بعض المعتزلة وعلى من يقول : أن علم الحديث علمٌ غير مهم ..،فصنّف الرامهرمزي كتابه ليبين لهم عمق هذا العلم،وأنه لا يدركه إلا من تبحّر فيه،ومن ذلك عَقْدُه لفصل المهملين،وقد اختار أمثلة في غاية الدِّقة، وهو الْقَوْلُ فِي تَرْجَمَةِ الْمُشْكَلُ الْمَقْصُورُ عِلْمُهُ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ،وهذه أمثلة منه :
191 حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْحَضْرَمِيُّ،ثَنَا سُقَيْرُ بْنُ عَدَّاسٍ أَبُو عُرْوَةَ الْمَالِكِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ،يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ عَاصِمٍ،عَنْ زِرٍّ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكُ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ قَالَ عِتْرَتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي "
192 حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ السُّلَمِيُّ،ثَنَا مُسَدَّدٌ،ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،عَنْ سُفْيَانَ،حَدَّثَنِي عَاصِمٌ،عَنْ زِرٍّ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي دَارِ الدُّنْيَا،فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ آخِرَ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا "
فَالْأَوَّلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ،وَالثَّانِي يَذْكُرُونَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ،حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الْمُقْرِئُ الْوَاسِطِيُّ،ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ،عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،عَنْ عَاصِمٍ،عَنْ زِرٍّ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ " فَذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الرَّقِّيُّ،ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ،ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ عَاصِمٍ،عَنْ زِرٍّ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - "
193 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ الثَّغْرِيُّ،ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ،ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ،ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ رَأَى أَحَدًا بِهِ بَلَاءٌ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ،وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَنْ كَانَ "(1/407)
194 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ،ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ،ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ،أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ،أَنَّ يَحْيَى بْنَ جَعْدَةَ أَخْبَرَهُ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ : خَرَجَ عَشْرَةُ رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ أَبُو رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَآمَنُوا،فَأُوذُوا،فَنَزَلَتِ : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ،قَبْلَ الْقُرْآنِ : وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ "
فَأَمَّا الْأَوَّلُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،قَهْرَمَانُ آلُ الزُّبَيْرِ،رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ،وَيُكْنَى أَبَا يَحْيَى،وَالثَّانِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ "
195 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ،ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ،عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنْ بِلَالٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،صَلَّى فِي جَوْفِ الْبَيْتِ"
196 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الزَّرِيقِيُّ،ثَنَا عَارِمٌ،ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ دَخَلَ سُوقًا فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ حَسَنَةٍ،وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ،وَبَنِي لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ "
وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ،ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ،ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ"
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ،وَالثَّانِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَهْرَمَانُ آلُ الزُّبَيْرِ "
197 حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي،ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ،ثَنَا سُفْيَانُ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،وَابْنِ جُرَيْجٍ،عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَمْتَلِئُ جَهَنَّمُ حَتَّى تَقُولَ كَذَا،وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ،وَتَقُولُ : قَطِّي قَطِّي " تَعْنِي : حَسْبِي حَسْبِي "
198 حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي،ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ،ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،عَنْ عِمْرَانَ أَبِي الْعَوَّامِ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً مِنَ الْخَيْرِ "
199 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَايِدِيُّ،ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ،ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ،عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ "(1/408)
200 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ،ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ،ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَطَّابِ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " جُنْدُ اللَّهِ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ،وَبَقَاؤُهُمْ نُورٌ فِي الْإِسْلَامِ،وَفَنَاؤُهُمْ ظُلْمَةٌ "
201 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ،ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو،عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ فِي : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ : وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ مِينَا"
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ الْمَكِّيُّ،وَالثَّانِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ،وَالثَّالِثُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ،وَالرَّابِعُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ،وَالْخَامِسُ عَطَاءُ بْنُ مِينَا " اهـ
أيضاً الذهبي في (سير أعلام النبلاء) في آخر ترجمة حماد بن زيد عقد فصلاً في التفريق بين حماد بن زيد وحماد بن سلمة،فقال(1):
" فَصْلٌ: اشْتَرَكَ الحَمَّادَانِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ المَشَايِخِ،وَرَوَى عَنْهُمَا جَمِيْعاً جَمَاعَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ،فَرُبَّمَا رَوَى الرَّجُل مِنْهُم عَنْ حَمَّادٍ،لَمْ يَنْسِبْهُ،فَلاَ يُعْرَفُ أَيُّ الحَمَّادَيْنِ هُوَ إِلاَّ بِقرِيْنَةٍ،فَإِنْ عَرِيَ السَّنَدُ مِنَ القَرَائِنِ - وَذَلِكَ قَلِيْلٌ - لَمْ نَقطَعْ بِأَنَّهُ ابْنُ زَيْدٍ،وَلاَ أَنَّهُ ابْنُ سَلَمَةَ،بَلْ نَتَرَدَّدُ،أَوْ نُقدِّرُه ابْنَ سَلَمَةَ،وَنَقُوْلُ: هَذَا الحَدِيْثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،إِذْ مُسْلِمٌ قَدِ احْتَجَّ بِهِمَا جَمِيْعاً.
فَمِنْ شُيُوْخِهِمَا مَعاً: أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ،وَأَيُّوْبُ،وَالأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ،وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ،وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ،وَبِشْرُ بنُ حَرْبٍ،وَبَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ،وَثَابِتٌ،وَالجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ،وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ،وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ،وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ،وَالجُرَيْرِيُّ،وَشُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ،وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ،وَابْنُ عَوْنٍ،وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَنَسٍ،وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ،وَعَلِيُّ بنُ زَيْدٍ،وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ،وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ،وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ،وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ،وَأَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ،وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ،وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ،وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ،وَيَحْيَى بنُ عَتِيْقٍ،وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ.
وَحَدَّثَ عَنِ الحَمَّادَيْنِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ،وَوَكِيْعٌ،وَعَفَّانُ،وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ،وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ،وَشَيْبَانُ،وَالقَعْنَبِيُّ،وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ،وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ،وَأَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ،وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ - لَكِنْ مَا لَهُ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ - وَمُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،وَهُدْبَةُ،وَيَحْيَى بنُ حَسَّانٍ،وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ،وَغَيْرُهُم.
وَالحُفَّاظُ المُخْتَصُّوْنَ بِالإِكثَارِ،وَبِالرِّوَايَةِ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: بَهْزُ بنُ أَسَدٍ،وَحِبَّانُ بنُ هِلاَلٍ،وَالحَسَنُ الأَشْيَبُ،وَعُمَرُ بنُ عَاصِمٍ.
وَالمُخْتَصُّوْنَ بِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ،الَّذِيْنَ مَا لَحِقُوا ابْنَ سَلَمَةَ،فَهُم أَكْثَرُ وَأَوضَحُ:
__________
(1) - سير أعلام النبلاء(7/464) فما بعدها(1/409)
كَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ،وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ،وَأَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ،وَبِشْرِ بنِ مُعَاذٍ العَقَدِيِّ،وَخَالِدِ بنِ خِدَاشٍ،وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ،وَزَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ،وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ،وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ،وَالقَوَارِيْرِيِّ،وَعَمْرِو بنِ عَوْنٍ،وَقُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ،وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ،وَلُوَيْنَ،وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ،وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ،وَمُسَدَّدٍ،وَيَحْيَى بنِ حَبِيْبٍ،وَيَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ،وَعِدَّةٍ مِنْ أَقْرَانِهِم.
فَإِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ مِنْ هَؤُلاَءِ الطَّبَقَةِ قَدْ رَوَى عَنْ حَمَّادٍ وَأَبْهَمَهُ،عَلِمتَ أَنَّهُ ابْنُ زَيْدٍ،وَأَنَّ هَذَا لَمْ يُدرِكْ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ،وَكَذَا إِذَا رَوَى رَجُلٌ مِمَّنْ لَقِيَهُمَا،فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،وَسَكَتَ،نَظَرَتَ فِي شَيْخِ حَمَّادٍ مَنْ هُوَ؟ فَإِنْ رَأَيتَهُ مِنْ شُيُوْخِهِمَا عَلَى الاشْتِرَاكِ،تَردَّدْتَ،وَإِنْ رَأَيتَه مِنْ شُيُوْخِ أَحَدِهِمَا عَلَى الاخْتِصَاصِ وَالتَّفرُّدِ،عَرَفْتَه بِشُيُوْخِه المُخْتَصِّيْنَ بِهِ،ثُمَّ عَادَةُ عَفَّانَ لاَ يَرْوِي عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ إِلاَّ وَيَنسِبُهُ،وَرُبَّمَا رَوَى عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ فَلاَ يَنسِبُهُ،وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ،وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ.
فَأَمَّا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ،فَعَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ،وَكَذَلِكَ عَارِمٌ يَفْعَلُ،فَإِذَا،قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،فَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ،وَمَتَى قَالَ مُوْسَى التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،فَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ،فَهُوَ رِوَايَتُهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.وَيَقَعُ مِثْلُ هَذَا الاشْتِرَاكِ سَوَاءً فِي السُّفْيَانَيْنِ،فَأَصْحَابُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِبَارٌ قُدَمَاءُ،وَأَصْحَابُ ابْنِ عُيَيْنَةَ صِغَارٌ،لَمْ يُدْرِكُوا الثَّوْرِيَّ،وَذَلِكَ أَبْيَنُ،فَمَتَى رَأَيتَ القَدِيْمَ قَدْ رَوَى،فَقَالَ:حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،وَأَبْهَمَ،فَهُوَ الثَّوْرِيُّ،وَهُمْ كَوَكِيْعٍ،وَابْنِ مَهْدِيٍّ،وَالفِرْيَابِيِّ،وَأَبِي نُعَيْمٍ.
فَإِنَّ رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُم عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بَيَّنَهُ،فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَلْحَقِ الثَّوْرِيَّ،وَأَدْرَكَ ابْنَ عُيَيْنَةَ،فَلاَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْسِبَهُ،لِعَدَمِ الإِلْبَاسِ،فَعَلَيْكَ بِمَعْرِفَةِ طَبَقَاتِ النَّاسِ. "
إذا روى فلان وفلان .. عن حماد فهو كذا،وهكذا،وقد عقد فصلاً جميلاً فيما يقارب الثلاث صفحات حول حماد بن زيد وحماد بن سلمة .
8- من خلال التوسع في الترجمة للرواة،فقد تجدُ في ترجمة الشيخ أو في ترجمة التلميذ عبارة صريحة من أحد الأئمة،مثلاً : إذا روى فلان عن حماد فهو حماد بن سلمة وإذا أراد حماد بن زيد فإنه يسميه،ومن أمثلة ذلك يقول العجلي في معرفة الثقات(1): حماد بن سلمة يكنى أبا سلمة بصري ثقة رجل صالح حسن الحديث يقال إن عنده ألف حديث حسن ليس عند غيره حدثني أبي عبد الله قال كان حماد بن سلمة لا يحدث حتى يقرأ مائة آية نظرا في المصحف حدثنا أبو مسلم ثنا أبي قال وكان حجاج إذا حدث عن حماد يعني ابن سلمة قال ثنا حماد وإذا حدث عن حماد بن زيد قال ثنا حماد بن زيد وكان الواشحي(سليمان بن حرب) إذا حدث عن حماد بن سلمة قال ثنا حماد بن سلمة وإذا حدث عن حماد بن زيد قال ثنا حماد ".
فهذه الفائدة جاءت في (تاريخ العجلي) ولا تجدها في ترجمة حماد بن سلمة في (التهذيب) ولا ترجمة سليمان بن حرب ولا ترجمة حجاج بن المنهال في(التهذيب)،مع أن (التهذيب) من أوسع الكتب في التراجم .
__________
(1) - (ج 1 / ص 319) رقم(354)(1/410)
ومثله : جاء في (معجم ابن الأعرابي)- 397 -نا الدَّقِيقِيُّ،نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ،أَمْلَى عَلَيْنَا بِوَاسِطَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ،نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،نا ثَابِتٌ،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الْآيَةَ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قَالَ : " هَكَذَا " وَأَشَارَ عَفَّانُ بِطَرَفِ إِصْبَعِهِ الْخِنْصَرِ وَسَاخَ الْجَبَلُ،قَالَ حُمَيْدٌ لِثَابِتٍ : تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا،قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : قَالَ لَنَا عَفَّانُ عَنْ مُسْلِمٍ كُلُّ شَيْءٍ أَقُولُ حَمَّادٌ فَلَا أَقُولُ ابْنُ زَيْدٍ فَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ قَالَ الدَّقِيقِيُّ : قَالَ لِي عَفَّانُ : كُلُّ شَيْءٍ قُلْتُ حَمَّادٌ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ حَمَّادٍ"
مع أن (معجم ابن الأعرابي) ليس له علاقة بهذه القضية،وليس له علاقة بالمذكورين بل عرضاً جاء في الكتاب،فينبغي تقييد مثل هذه العبارات فإنه لا يستغنَى عنها .
9- من خلال الرجوع إلى الكتب الخاصة بالرواة عن شخص معيّن،فبعض العلماء أفرد حافظاً من الحفّاظ بمصنف يورد فيه كل من يعرفه من تلامذة هذا الرجل،وأشهر كتاب في ذلك (الرواة عن مالك) للخطيب البغدادي،فقد ذكر فيه مئات الرواة عن مالك بن أنس،واختصر هذا الكتاب رشيد الدين ابن العطار في كتاب سمّاه (مجرد أسماء الرواة عن مالك،للخطيب البغدادي)،ويقصد بالتجريد أنه حذف الأسانيد ؛ لأن الخطيب لا يورد ترجمة إلا وبعدها يسوق إسناداً يدلل به أن فلاناً -المترجم له- روى عن مالك،وقد طُبع هذا الكتاب،أيضاً هناك كتاب لمحمد بن مَخْلَد الدوري باسم (ما رواه الأكابر عن مالك ) وهو جزء صغير خصّ فيه الأكابر الذين رووا عنه،أي : أقران مالك تقريباً أو من هم طبقة شيوخ مالك.
وللإمام مسلم كتاب سمّاه (رجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين) يذكر فيه تلامذة جماعة من التابعين منهم عروة بن الزبير،ومنهم الزهري،ومنهم شعبة،ومنهم سليمان بن يسار،ومنهم علي بن الحسين بن علي،وجماعة آخرون،وأحياناً التلامذة عن هذا الشيخ على الطبقات،الأوثق فالثقة،ثم الأقل ثقة،مثل ما فعل في شعبة بن الحجاج،وهو مطبوع .
بعض المعاصرين قام بمثل هذا العمل،مثل كتاب (رواة محمد بن إسحاق) لمؤلفه: مطاع الطرابيشي،في مجلد ضخم،جمع فيه جمعاً جيّداً .
ويأتي أيضاً الحاسب الآلي فيحصر لك التلاميذ والشيوخ بشكل دقيق وسهل،وذلك من خلال ذكر اسم الشخص سواء في كتاب معيَّن أو في كتب متعددة.
10- من خلال الدراسات الحديثية في مقدمات الكتب المحققة،عندما يحاول أن يستقصي المحقق أسماء التلامذة والشيوخ لصاحب الكتاب المحقق -وهذه الطريقة فرعٌ عن الطريقة السابقة-،فتجد المحقق يحاول أن يستقصي في معرفة شيوخ المؤلف وتلاميذه من خلال كتابه الذي يحققه،ومن كتبه الأخرى المطبوع منها والمخطوط،وهذه الطريقة نافعة جداً خاصة في الرواة الذين ليسوا من أصحاب الكتب الستة،فلا تجدهم في (تهذيب الكمال)،فيوفر الوقت هذا المحقق بالبحث عن التلامذة والشيوخ لهذا الراوي،بحيث قد لا تجدها عند غيره،ومن أمثلة ذلك ما فعله محمد بن ناصر العجمي في جمعه لشيوخ ابن أبي عاصم في مقدمة كتاب (الأوائل) لابن أبي عاصم،ثم جاء أحد المحققين وهو باسم بن فيصل الجوابرة فأضاف شيوخاً آخرين في مقدمة كتاب (الآحاد والمثاني) لابن أبي عاصم،من الذين فاتوا المحقق الأول،وفعل مثل هذا الأمر بدر البدر في مقدمة كتاب (جُزْءُ مَا رَوَاهُ أبي الزُّبَيْرُ عَنْ غَيْرِ جَابِرٍ) لأبي الشيخ،فحصر جميع شيوخ أبي الشيخ الذين وقف عليهم وترجم لهم،وإن كان فاته شيء .(1/411)
وهذا نوعٌ من البحوث يُنصح به طلبة العلم وهو أن يأخذ أحد المصنفين المكثرين الذين ليس لهم معجم شيوخ مثل أبي الشيخ الأصبهاني،فتذهب لكل كتبه المطبوعة وتستعرض الروايات وتقوم بحصر شيوخه من خلال كتبه المطبوعة،وإذا أردت التوسع والإتقان أبحث عن تلامذة أبي الشيخ ومن روى عنه،وعن المصنفين من تلامذته،فتجد أبا نُعيم الأصبهاني من أكثر الناس رواية عن أبي الشيخ،فأستعرض أيضاً كتب أبي نُعيم الأصبهاني؛لأستعرض شيوخ أبي الشيخ،فيحصل عندي عدد كبير .
وفائدة هذا البحث : أن كثيراً من الحُفّاظ قد يعتاد اختصار أسماء شيوخه أو تكنيتهم،فمن غير طريقة حصر الشيوخ لا أعرف من هو المقصود بالكنية ؛ لأن هؤلاء الشيوخ في طبقة لم تُخدم كما خُدم أصحاب الكتب الستة،فهذه البحوث هامّة ونافعة،ويمكن أن تُخرج هذا العمل إذا أُتقن .
وفي المعجم الكبير للطبراني (221) حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ،حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ،قَالَ : كَانَ الزُّبَيْرُ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .
ونريد أن نعرف اسم شيخه هذا فنبحث عنه في الروايات التي قبلها،فنجد ذكره صراحة كما (6) حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيّ .....
وكما في حديث (3719) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ،حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ،حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ،عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ،عَنْ قَيْسِ بن أَبِي حَازِمٍ،قَالَ : رَأَيْتُ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ أُتِيَ بِسُمٍّ،فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : سُمٌّ،فَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ وازْدَرَدَهُ .
فنريد أن عرف من هو شيخه هذا،فنجدها في الراوية التي قبلها (3718) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ،حَدَّثَنَا هَارُونُ بن إِسْحَاقَ،حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ يُونُسَ بن أَبِي إِسْحَاقَ،عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،أَنَّ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ لَمَّا أَتَى الْحِيرَةَ،قَالَ : ائْتُونِي بِالسُّمِّ،فَأُتِيَ بِهِ فَجَعَلَهُ فِي كَفِّهِ،ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ فَاقْتَحَمَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ .
وكقوله في حديث (395) حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ،حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ،حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ،عَنْ عَطَاءِ بن السَّائِبِ،عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أُسَامَةَ،قَالَ : أَوْجَرْتُ رَجُلا الرُّمْحَ وَهُوَ،يَقُولُ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأُسَامَةَ : كَيْفَ لَكَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ.
ونريد أن نعرف ما اسم شيخه هذا،فنجد أنه وصفه بالقاضي في حديث (394) حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ الْقَاضِي،حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ،حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ،عَنْ عَمْرِو بن عُثْمَانَ،عَنْ أُسَامَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ،وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ،وَلا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ.(1/412)
ثم نجده بعد ذلك قد صرح باسمه كما في حديث (987) حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ مُحَمَّدُ بن الْحُسَيْنِ الْقَاضِي،وَالْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ،قَالا : حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ،حَدَّثَنَا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ،عَنْ يَزِيدَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي خَالِدٍ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ اللَّهِ،مَوْلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنْ أَبِي رَافِعٍ،قَالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ،فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً،فَلَمَّا مَضَى،قَالَ : يَا أَبَا رَافِعٍ،الْحَقْهُ وَلا تَدَعْهُ مِنْ خَلْفَهِ،وَلْيَقَفْ وَلا يَلْتَفِتْ حَتَّى أَجِيئَهُ،وَأَتَاهُ فَأَوْصَاهُ بِأَشْيَاءَ،فَقَالَ : يَا عَلِيُّ،لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَلَى يَدِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ."
11- الرجوع إلى مشيخته إذا كانت له مشيخة،فالطبراني -مثلاً- إذا وجدت عنده اسم مهمل،فإني أرجع إلى معجمه الصغير باعتبار أنه المعجم الذي خصه ببيان شيوخه،وأبو بكر الإسماعيلي -صاحب (المستخرج)- إذا وقفت على حديث من طريقه فأرجع إلى مشيخته،وأبو يعلى كذلك نرجع إلى معجم شيوخه إذا كان الراوي المهمل شيخاً له .
ففائدة المشيخات أنها تسمّي لك الراوي التسمية الكاملة،وقد يضيف فائدة أخرى في توثيقه أو تجريحه . وبعضهم يشترط شرطاً عاماً في مشيخته مثل : أبو بكر الإسماعيلي اشترط أن لا يذكر في معجمه إلا من كان مقبولاً عنده .
قال في مقدمة كتابه المذكور : " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ،وَكَمَا يَقْتَضِيهِ تَتَابُعُ نِعَمِهِ وَأَفْضَالِهِ،وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَالرِّسَالَةِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي اسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَصْرِ أَسَامِي شُيُوخِي الَّذِينَ سَمِعْتُ مِنْهُمْ وَكَتَبْتُ عَنْهُمْ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْحَدِيثَ،وَتَخْرِيجِهَا عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ ؛ لِيَسْهُلَ عَلَى الطَّالِبِ تَنَاوُلُهُ،وَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ فِي اسْمٍ إِنِ الْتَبَسَ أَوْ أَشْكَلَ،وَالِاقْتِصَارُ مِنْهُمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ يُسْتَغْرَبُ أَوْ يُسْتَفَادُ أَوْ يُسْتَحْسَنُ أَوْ حِكَايَةٍ،فَيَنْضَافُ إِلَي مَا أَرَدْتُهُ مِنْ ذَلِكَ جَمْعُ أَحَادِيثَ تَكُونُ فَوَائِدَ فِي نَفْسِهَا،وَأُبَيَّنُ حَالَ مَنْ ذَمَّمْتُ طَرِيقَهُ فِي الْحَدِيثِ بِظُهُورِ كَذِبِهِ فِيهِ أَوِ اتِّهَامِهِ بِهِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِلْجَهْلِ بِهِ وَالذِّهَابِ عَنْهُ،فَمَنْ كَانَ عِنْدِي ظَاهِرَ الْأَمْرِ مِنْهُمْ ؛ لَمْ أُخْرِجْهُ فِيمَا صَنَّفْتُ مِنْ حَدِيثِي،وَأَنْ أُثْبِتَ أَسَامِي مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ فِي صِغَرِي إِمْلَاءً بِخَطِّي فِي سَنَةِ ثَلَاثِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ،فَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ،فَضَبَطْتُهُ ضَبْطَ مِثْلِي مِنْ حَيْثُ يُدْرِكُهُ الْمُتَأَمِّلُ لَهُ مِنْ خَطِّي،وَذَلِكَ عَلَى أَنِّي لَمْ أُخَرِّجْ مِنْ هَذِهِ الْبَابَةِ شَيْئًا فِيمَا صَنَّفْتُ مِنَ السُّنَنِ وَأَحَادِيثِ الشُّيُوخِ،وَاللَّهُ أَسْأَلُ التُّوْفِيقَ لِاسْتِتْمَامِهِ فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ،وَأَنْ يَنْفَعَنِي وَغَيْرِي بِهِ،"
مثالين من كتابه :(1/413)
3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرَاثِيُّ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ الْخَرَّازُ،حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ،وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ
4 أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَنْجِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو،حَدَّثَنَا شَرِيكٌ،عَنِ الْمُخْتَارِ،عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ : " شَوَّالٌ،وَذُو الْقَعْدَةِ،وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ "
12- من خلال ملاحظة القرائن التالية :
أ) اتحاد البلد : فلو وجدت راوياً مهملاً يروي عن مكي،أي أن شيخه الذي يروي عنه في الإسناد مكي،وتلميذه مكي أيضاً فيغلب على ظني أن هذا الراوي المهمل -بينهما- مكيٌ أيضاً،فينحصر البحث في المكيين،فأنظر فيمن سُمي بهذا الاسم من المكيين .
كما في صحيح البخارى(809 ) حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أُمِرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ،وَلاَ يَكُفَّ(1)شَعَرًا وَلاَ ثَوْبًا الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ.
فهذا حديث رواته مكيون،وأريد أن أعرف من هو عمرو بن دينار،ومن هو سفيان،فسفيان هنا هو ابن عيينة لأنه استوطن مكة المكرمة،وشيخه عمرو بن دينار مكي أيضاً فهو عمرو بن دينار المكي،أبو محمد الأثرم،الجمحي.
ب) المعاصرة،وقد تكون دليلاً قاطعاً فيما إذا لم تحقق في الراوي الآخر،فإذا وجدت راويين كلاهما يقال له: سَعِيدٌ الْقَيْسِيُّ،وأُهمل الاسم ولم يبيّن،لكن أحدهما عاصر الشيخ الذي في ذلك الإسناد المُسمَّى،والآخر لم يعاصره،فأصبح يقيناً أن الراوي هو المعاصر . كما في الأدب المفرد للبخاري ( 7 ) حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ،عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،عَنْ سَعِيدٍ الْقَيْسِيِّ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ لَهُ وَالِدَانِ مُسْلِمَانِ يُصْبِحُ إِلَيْهِمَا مُحْتَسِبًا،إِلَّا فَتْحَ لَهُ اللَّهُ بَابَيْنِ - يَعْنِي : مِنَ الْجَنَّةِ - وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ،وَإِنْ أَغْضَبَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَرْضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ "،قِيلَ : وَإِنْ ظَلَمَاهُ ؟ قَالَ : " وَإِنْ ظَلَمَاهُ "
فعندنا اثنان بهذا الاسم ففي تهذيب التهذيب - (ج 4 / ص 92): 180 - بخ (البخاري في الأدب المفرد) سعيد القيسي. روى عن ابن عباس.
وعنه سليمان التيمي.
ومثله (181 ) تمييز سعيد القيسي. روى عن عكرمة. وعنه ابن المبارك ومعن بن عيسى.ذكره ابن حبان في الثقات وهو متأخر عن الذي قبله. اهـ
فيكون المقصود هو الأول،وليس الثاني .
__________
(1) - يكف : يحتمل يمنعهما من الاسترسال حال السجود ويحتمل بمعنى يضم ويجمع(1/414)
وكما في سنن النسائي (2405 ) أَخْبَرَنِى أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قُلْتُ أَىْ عَمِّ حَدِّثْنِى عَمَّا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَا ابْنَ أَخِى إِنِّى كُنْتُ أَجْمَعْتُ عَلَى أَنْ أَجْتَهِدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى قُلْتُ لأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَانِى حَتَّى دَخَلَ عَلَىَّ فِى دَارِى فَقَالَ « بَلَغَنِى أَنَّكَ قُلْتَ لأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ ». فَقُلْتُ قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ». قُلْتُ إِنِّى أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ « فَصُمْ مِنَ الْجُمُعَةِ يَوْمَيْنِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ». قُلْتُ فَإِنِّى أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ « فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمًا صَائِمًا وَيَوْمًا مُفْطِرًا وَإِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ وَإِذَا لاَقَى لَمْ يَفِرَّ ».
فهناك أكثر من راو اسمه أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ،وكلاهما من الطبقة العاشرة التي روى عنها النسائي،فلابد والحالة هذه من الرجوع لسنن النسائي لنرى هل حدد له وصفاً أكثر يدلُّ عليه أم لا،فإن لم نجد نبحث في شيوخ النسائي الذين روى عنهم لنحدد هذا الشخص بالضبط .
ونجد في الحديث رقم ( 1373 ) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ الْحَرَّانِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ النَّوْفَلِىِّ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ انْصَرَفَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ سَرِيعًا حَتَّى تَعَجَّبَ النَّاسُ لِسُرْعَتِهِ فَتَبِعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَدَخَلَ عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ « إِنِّى ذَكَرْتُ وَأَنَا فِى الْعَصْرِ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ ».
قد حدد له وصفاً أكير وهو الحراني
وفي تقريب التهذيب "
15- أحمد بن بكار ابن أبي ميمونة الأموي مولاهم أبو عبدالرحمن الحراني صدوق كان له حفظ من العاشرة مات سنة أربع وأربعين س
16- أحمد بن بكار الباهلي أبو هانئ البصري صدوق من العاشرة تمييز.
فتبين لدينا أن المقصود الأول وليس الثاني وإن كان كلاهما صدوق
جـ) أن يكون هذا الراوي المهمل معروفاً بكثرة الرواية عن شيّخ معين مثل ماذكر آنفاً أن عبدالله بن الزبير الحميدي إذا قال : سفيان،فالمقصود به ابن عيينة ؛ لأن من أكثر من روى عن سفيان بن عيينة هو الحميدي،وإذا قال البيهقي : حدثنا أبو عبدالله،فالمقصود الحاكم ؛ لأنه يكثر الرواية عن الحاكم،هذا إذا لم يكن قد حدده في الأحاديث التي قبله .(1/415)
وإلا لو رجعنا لمسند الحميدي لوجدناه قد ذكر اسم شيخه كلام في الحديث الأول (1) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِىِّ عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ رضى الله عنه يَقُولُ : كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى مِنْهُ،وَإِذَا حَدَّثَنِى غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ،فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ،فَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ،ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ».
وكذلك البيهقي أيضاً فقد ذكره في الحديث الأول (1) ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِى أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو زَكَرِيَّا : يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِىُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ : الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ الرُّوذْبَارِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِى كِتَابِ السُّنَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ دَاسَةَ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ ابْنِ الأَزْرَقِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِى بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ،فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا،أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ». وَقَدْ تَابِعَ الْجُلاَحُ أَبُو كَثِيرٍ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ.
13- وهي خاصة فيما إذا كان الراوي مذكوراً بكنيته،فهذا يمكن تعيينه من خلال كتب الكنَى،ومن أقدمها كتاب (الكنى) للإمام أحمد برواية ابنه صالح،وهو جزء صغير مطبوع،وكتاب (الكنى) للبخاري المطبوع في آخر كتابه (التاريخ الكبير)،وهذا الكتاب في غالبه لمن لم يُعرف اسمه ؛ لجهلنا به أو لكون كنيته هي اسمه،مثل ما قيل في أبي بكر بن عيّاش بأن اسمه هو أبو بكر،أيضاً لمسلم كتاب (الكنى والأسماء) وهو مطبوع،وكتاب (الكنى والأسماء) للدولابي-تلميذ البخاري- وهو كتاب مهم مطبوع في مجلدين ضخمين .
وابتدأ الدولابي كتابه بذكر اسْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكُنْيَتِهِ،ثم ذِكْرُ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكُنَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ذِكْرُ مَنِ ابْتُدِئَ كُنْيَتُهُ بِالْأَلْفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فمن بعدهم وهكذا حتى الياء ...
أمثلة :
((1/416)
1 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَوَّازُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَبُو يَحْيَى قَالَا :،ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ :،ثَنَا الزُّهْرِيُّ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ وَأَنَا الْعَاقِبُ " وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ "
( 6 ) حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ :،ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ،عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ اللَّهُ يَرْزُقُ وَأَنَا أَقْسِمُ "
( 33 ) حَدَّثَنِي أَبُو أُسَامَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ الْحَلَبِيُّ قَالَ :،ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي مَنِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ : " اسْمُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَتِيقُ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ "
أَبُو أُمَامَةَ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْحَارِثِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : أَبُو أُمَامَةَ الْحَارِثِيُّ اسْمُهُ : إِيَاسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ،يُقَالُ : إِنَّهُ مِنَ الْأَوْسِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ
( 79 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ :،ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ :،ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَخَاهَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا يَقْتَطِعُ رَجُلٌ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ "،فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا ؟ قَالَ : " وَإِنْ سِوَاكٌ مِنْ أَرَاكٍ "
وكتاب (الكنى) لأبي أحمد الحاكم الكبير،وقد طُبع جزء منه في أربع مجلدات،و كتاب (المقتنى في سرد الكنى) للذهبي،وهو أوسع هذه الكتب وقد طبع في مجلدين ضخمين،أيضاً كتاب (الكنى) لابن مندة،المطبوع باسم (فتح الباب في الكنى والألقاب)،وهو خاص بالكنى وليس فيه من الألقاب شئ،والذي طُبع جزء منه وهو خاص بالكنى،فلعلّ الجزء المتبقي منه يتكلم عن الألقاب،أيضاً للحافظ ابن عبدالبر كتاب (الاستغنا في معرفة من روى من أهل العلم المعروفين بالكنى) . أيضاً من الكتب التي تخدم هذه الطريقة عموم كتب التراجم،مثل (تهذيب الكمال) ففي آخره فصلٌ خاص بالكنى(1)،وكذا (تهذيب التهذيب) فيه فصلٌ خاص بالكنى،ولا يكاد يخلو كتابٌ خاصٌ بالتراجم إلا وفيه فصلٌ خاص بالكنى،حتى (تاريخ بغداد) و(تاريخ دمشق) و(تاريخ جُرجان) والتواريخ المحليّة .
__________
(1) - انظر تهذيب الكمال للمزي - (ج 33 / ص 5) كتاب الكنى يعني للرجال وتهذيب الكمال للمزي - (ج 35 / ص 326) باب الكنى من كتاب النساء(1/417)
أيضاً من الطرق المفيدة في الكنى : الفهارسُ المتقنة للأعلام في أواخر الكتب المحققة،وتظهر فائدتها جليّة خاصة في الرجال الذين ليسوا من أهل الكتب الستة،فلا يكون مخدوماً بذكر كنيته في كتب الكنى،أو لايكون مشهوراً بكنيته،فيساعدك المحقق البارع بتعيين هذا الراوي أثناء التحقيق،ويأتي في الفهرس فيذكر الكنية ويضع مقابلها إحالة على اسمه الصريح في الفهرس .
14- إذا كان الراوي مذكوراً بلقبه،فهناك كتبٌ تخدم الألقاب،ومن أهم الكتب في ذلك (كشف النقاب) لابن الجوزي،وهو مطبوع في مجلدين،وأيضاً مختصر كتاب (الألقاب) لابن الفرضي،وهو مطبوع،وكتاب (مجمع الآداب) لابن الفوطي،وهوكتاب ضخم لا يوجد منه إلا أجزاء يسيره طُبعت في ست مجلدات كبار،وهذا الكتاب غالبه خاصٌ بالألقاب المضافة مثل :[ عزّ الدين،شرف الدين،تقي الدين،قوّام السنّة،بهاء الدولة ]،سواءً للعلماء أو للأفراد أو للقوّاد فيذكرهم ويترجم لهم .
أيضاً كتاب (الألقاب في الصحيحين) لأبي عليّ الجيّاني،وهو مطبوع،وكتاب (ذات النقاب في الألقاب) للذهبي،وهو جزء صغير مطبوع،ومن أوسع الكتب في الألقاب كتاب (نزهة الألباب في معرفة الألقاب) للحافظ ابن حجر،وهو كتاب لا يُستغنى عنه،ومن أمسّ الكتب لمن أراد التخريج ؛ لأنه يذكر الرواة خاصة،ويُعتبر مختصراً لكتاب (الألقاب الكبير) للشيرازي،وهو كتاب كبير مُسند،اختصره الحافظ ابن حجر في كتابه الآنف الذكر .
أيضاً -مما صدر حديثاً- كتابٌ خاص بلقب معيّن (تسمية من لُقب بالطويل) فإذا مرَّ معك في الإسناد راوٍ ملقب بالطويل فترجع لهذا الجزء تجده مسمىً فيه .
أيضاً من الطرق المعينة في معرفة أصحاب الألقاب: الفهارس،كما ذكرنا سابقاً في الكنى،وكذا كتب التراجم التي تُعنى بذكر فصولٍ خاصة في الألقاب وأصحابها وتسميتهم .
15- أيضاً قد يأتي نسب الراوي لا لقبه،فنحتاج إلى كتب الأنساب،وأوسع هذه الكتب كتاب (الأنساب) للسمعاني،طُبع عدة طبعات أجود هذه الطبعات الطبعة التي خرجت في ثلاثة عشر مجلدا،أو التي في عشر مجلدات ؛ لأنها في مجلداتها الأوْل حققها الشيخ عبدالرحمن المعلمي،ثم أتمها بعد ذلك جماعة من علماء الهند،فكتاب (الأنساب) مهمٌ من عدة نواحي،منها : تعيين الرواة المهملين،وأيضاً أنه كتاب تراجم،فقد نقف فيه على تراجم لبعض العلماء لا نجدها في كتاب آخر ؛ لأنه إمام قديم،واستوعب في كتابه كتباً مفقودة بالنسبة لنا،فاستوعب مثلاً كتاب (تاريخ نيسابور) للحاكم -وهو مفقود-،واستوعب ذيلاً على تاريخ بغداد للسمعاني نفسه .
مثال منه(1):" الآجري: بفتح الألف وضم الجيم وتشديد الراء المهملة،هذه النسبة إلى عمل الآجر وبيعه،ونسبة إلى درب الآجر أيضا،والمشهور بهذا الانتساب من القدماء أبو بكر محمد بن خالد بن يزيد الآجري،حدث عن أبي نعيم الفضل بن دكين وسعيد بن داود الزنبري وسريج بن النعمان وعفان،روى عنه أبو بكر الشافعي وأبو عمرو بن السماك وأبو سهل بن زياد وكان ثقة،وربما سماه أبو بكر الشافعي أحمد بن خالد.
وإبراهيم الآجري،يعد في الزهاد وله كرامات مأثورة.
وأبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري ساكن مكة،له مصنفات كثيرة وروايات عن أبي شعيب الحراني وأحمد بن يحيى الحلواني وغيرهما،روى عنه أبو الحسن علي بن أحمد بن الحمامي المقري والاخوان أبو الحسين علي وأبو القاسم عبد الملك ابنا محمد بن عبد الله بن بشران السكري وأبو النعيم أحمد بن عبد الله الحافظ الاصبهاني،وكان الآجري ثقة صدوقا دينا وله تصانيف كثيرة،وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى توفي بها في المحرم سنة ستين وثلاثمائة.
__________
(1) الأنساب للسمعاني - (ج 1 / ص 59)(1/418)
وأبو حفص عمر بن أحمد بن هارون بن الفرج بن الربيع المقري المعروف بابن الآجري من أهل بغداد،سمع أبا عمر محمد بن يوسف بن يعقوب القاضي وأبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري وأبا نصر محمد بن حمدويه المروزي وأبا عبد الله بن المحاملي وابن مخلد وغيرهم،روى عنه الازهري والخلال والتنوخي وغيرهم،وكان ثقة صالحا دينا أمينا،ومات في رجب سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.
وأبو حفص عمر بن أحمد بن هارون بن الآجري المقري(1)،روى عنه عبيدالله بن أحمد بن بكير التميمي وجماعة سواه.
وأبو حفص عمر بن أحمد بن عبد الله الآجري البصري،سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي وزكريا بن يحيي الساجي ومحمد بن الحسين بن مكرم وأقرانهم ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ وقال: كان سمع معنا من الشيوخ،سكن نيسابور سنين ثم خرج على أن ينصرب إلى العراق فجاءنا نعيه من الري سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
وأما أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن الروز بهان الآجري البغدادي كان ينزل درب الآجر ناحية نهر طابق كان صدوقا،سمع أبا عمر وعثمان بن أحمد بن السماك وأبا بكر أحمد بن سلمان النجاد وأبا محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي وعلي بن الفضل السامري وغيرهم،روى عنه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ وكان أبو القاسم اللالكائي يثني عليه إذا ذكره،ومات في رجب سنة ثمان عشرة وأربعمائة ودفن في مقبرة باب الدير بالقرب من قبر معروف الكرخي.
ومحمد بن خالد الآجري شيخ يحكي عنه جعفر بن محمد الخلدي كثيرا،وكان عبدا صالحا متصوفا،وحكي عنه أنه قال: كنت أعمل الآجر فبينما أنا أمشي بين أشراج الآجر المضروبة إذ سمعت شرجا يقول لشرج: عليك السلام،الليلة أدخل النار،قال: فنهيت الاجراء أن يطرحوه في النار وصارت الكتل باقية على حالها وما عملت يعني طبخ الآجر بعد ذلك . "
وله مختصر مهم للسيوطي سماه (لب اللباب،في تحرير الأنساب ) قال في مقدمته : "هذا ما اشتدت إليه حاجة المحدث اللبيب من مختصر في الأنساب،واف بالمقصود كاف عن التطلاب،خال عن التطويل مما يخرج عن ذا الباب،نقحت فيه اللباب لابن الأثير،واستوفيت ضبط ألفاظه مع مزيد عليه كثير،وتتبعت فيه أشياء أهملها،واستدركت ألفاظاً أغفلها،وميزت زوائدي بانتهى آخرها وقلت أولها،وسميته لب اللباب،في تحرير الأنساب،جعله الله خالصاً لوجهه،سالماً من الخطل والخلل وشبهه،إنه قريب مجيب عليه توكلت وإليه أنيب. "
وهذا مثال منه :
" الآجرُّي: بضم الجيم وتشديد الراء إلى عمل الآجر وبيعه وإلى درب الآجر. "
قلت : هناك فرق كبير بينهما كما ترى،حيث لم يزد هنا ضبط الكلمة،ولم يأت بمن ينسب إليها وهو الأهم،وبقلة كما في الآدمي: أبو بكر أحمد بن محمد بن آدم الشاشي إلى جده وأبو القاسم علي بن عمر الأستراباذي لقّب بآدم فنسب إليه. اهـ
أيضاً من كتب الأنساب المهمة كتاب (الأنساب المتفقة) لابن طاهر المقدسي،وهو جزء صغير ولطيف،فيقول -مثلاً- : الحُلْواني،نسبة إلى حُلْوان بجانب بغداد،وحُلْوان في مصر،والمنسوبين إلى حُلْوان التي من بغداد فلان وفلان وفلان،والمنسوبين إلى حُلْوان التي في مصر فلان وفلان وفلان.وهذه دقةٌ منه وفائدة هذا : أنه يفيد في تعيين الرواة من خلال ضبط بلدانهم .
ومن كتب الأنساب كتاب (عجالة المبتدي) للحازمي،وهو مطبوع في مجلد واحد . وأيضاً من الكتب المعينة في معرفة الأنساب فصول الأنساب في كتب التراجم السابقة .
وإذا كانت نسبته إلى بلد فنرجع إلى (معجم البلدان) لياقوت الحموي،فهو يذكر البلد ويضبطه،ويذكر أبرز الأعلام الذين سكنوا هذا البلد،وقد صدر فهرسٌ للأعلام على حروف المعجم للكتاب مما يُسهل الوقوف على الأعلام من خلال أسمائهم أو بلدانهم .
__________
(1) - هو الذي قبله،راجع تاريخ بغداد 11 / 264.(1/419)
ففي معجم البلدان(1): ُشتُ: بالضم. بلد بنواحي نيسابور. قال أبو الحسن بن زيد البيهقي سميت بذلك لأن بشتاسف الملك أنشأها وهي كورة قصبتُها طريثيث،وقيل سميت بذلك لأنها كالظهر لنيسابور والظهر باللغة الفارسية يقال له بشت تشتمل على مائتين وست وعشرين قرية منها كندرُ التي منها الوزير أبو نصر الكندري وزير طُغرُلبَك السلجوقي كان قبل نظام الملك فقام نظام الملك مقام الكندري وقد ذُكِرَت وقد يقال لها أيضاً بشت العرب لكثرة أدبائها وفضلاثها،وقد ينسب إليها جماعة كثيرة في . فنون من العلم. منهم إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبويعقوب البشتي سمع قتيبة بن سعيد وإبراهيم بن المستمر وأبا كريب محمد بن العلاء ومحمد بن أبي عمرو ومحمد بن المصطفى وهشام بن عمرو وحميد بن مسعدة وإسحاق بن ابراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع وغيرهم روى عنه أبو جعفر محمد بن هانيء بن صالح وأبو الفضل محمد بن إبراهيم الموصلي وجماعة من الخراسانيين. وحسان بن مُخَلد البُشتي سمع عبد الله بن يزيد المقري وسعيد بن منصور ويحيى بن يحيى روى عنه جعفر بن محمد بن سوار وإبراهيم بن محمد المروزي مات في شعبان سنة 259،وسعيد بن شاذان بن محمد النيسابوري وهو سعيد بن أبي سعيد البشتي سمع محمد بن رافع وإسحاق بن منصور وحم بن نوح وعيسى بن أحمد العسقلاني وغيرهم روى عنه أبو القاسم يعقوب. وأبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان موسى بن عبد الرحمن البشتي حدث عن الحسن بن علي الحلواني روى عنه بِشر بن أحمد الاسفراييني،وأبو سعيد أحمد بن شاذان البشتي حدث عن الحسن بن سفيان وأحمد بن نصر الخفاف وابن أبي كيلان حدث عنه أبو سعد الإدريسي. وأحمد بن الخليل بن أحمد البشتي روى عن الليث بن محمد روى عنه أبو زكرياء يحيى بن محمد العنبري،ومحمد بن يحيى بن سعيد البشتي أبو بكر المؤدب حدث عن عبد الله بن الحارث الصنعاني روى عنه الحاكم أبو عبد الله ومحمد بن إبراهيم بن عبد الله أبو سعيد البشتي حدث عن محمد ابن المؤمل،ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو صالح البشتي النيسابوري كان كثير الصلاة والعبادة سمع أبا زكرياء النيسابوري وأبا بكر الجيزي مات بأصبهان سنة 483،وأبوعلي الحسن بن علي بن العلاء بن عبدَوَيه البشتي روى عن أبي طاهر محمد بن محمد بن محمش وغيره،وعبيد الله بن محمد بن نافع البشتي الزاهد،وأحمد بن محمد البشتي الخارزنجي اللغوي ذكرتُهُ في كتاب الأدباء وغيرهم وبُشت. أيضاً من قرى باذغيس من نواحي هراة منها. أحمد بن صاحب البشتي حدث عن أبي عبد الله المحاملي روى عنه أبو سعد الماليني وأخوه محمد بن صاحب البشتي الباذغيسي. اهـ
ومما يُعين في الأنساب فهارس الأعلام المتقنة في أواخر الكتب المحققة -كما سبق بيانه- .
16- إذا كان الراوي المهمل شيخ المصنف،فله حالات خاصة منها : الرجوع إلى معجم شيوخه -كما سبق-،فإن لم يكن له مشيخة،فيمكن أن نستعرض مصنفات هذا الإمام،وفي الغالب أنه في نفس المُصنّف الذي أُهمل فيه فأستعرضه من أوله،حيث إن كثيراً من العلماء إذا صنّف كتاباً فإنه إذا مرّ عليه شيخه أول مرّة في الكتاب فإنه يسميه تسمية واضحة كاملة،ثم إذا تكرر فإنه قد يختصره باسمه منفرداً أو بكنيته أو بلقبه،فلا تعرفه ولكن إذا استعرضت أوّل الكتاب تجده مذكوراً باسمه وكنيته ولقبه ونسبه كاملاً،ثم إنه ليس من العادة أن يختصر في البداية ويسمّي في النهاية ؛ لأنه خلاف الحكمة . وهذه الطريقة ناجعة جداً .
وقد مرَّ معنا سابقاً أمثلة لهذا كشيخ الحميدي سفيان،وشيخ البيهقي أبي عبد الله الحاكم .
ولكن أبا نعيم الأصبهاني صاحب الحلية يروي عن شيخه الطبراني كثيرا وهو يقول في الحلية : حدثنا سليمان بن أحمد في (717) موضعاً،ولم يذكر الطبراني فيها بتاتا !!!
وفي معرفة الصحابة (1399) موضعاً كذلك !!!!
__________
(1) - - (ج 1 / ص 304)(1/420)
17- فإذا كان الراوي مُسمىً باسم واضح،فينبغي التأكد من ضبط شكل الإسم ؛ لأنه قد يشتبه بغيره،مثاله : محمد بن عبدالله المَخْرَمي(1)هو غير محمد بن عبدالله المُخَرِّمي(2)،والخطأ في هذا قد يُؤدي إلى الخلط بين تراجم المتشابهين في كتابة الاسم مما يؤدي إلى الاختلاف في الحكم،فينبغي التعامل مع الأسانيد بمبدأ الرّيبة حتى تتيقن،ويُرجع في ضبط الأسماء إلى كتب المؤتلف والمختلف،وأقدم هذه الكتب التي صنفها المحدثون كتاب (المؤتلف والمختلف) لعبدالغني بن سعيد الأزدي،وكتاب (المؤتلف والمختلف) للدارقطني،وهما مطبوعان،وكتاب (المؤتنف في تكملة المؤتلف والمختلف) للخطيب،وهو مخطوط بخط الخطيب إلى الآن،وكتاب(الإكمال)لابن ماكولا،جمع فيه الكتب السابقة مع تحرير وإضافات،وأفرد أوهام هذه الكتب الثلاثة في كتاب مستقل سماه (تهذيب مستمر الأوهام) وهو مطبوع أيضاً،وهذا الكتاب وهو (الإكمال) يُغني عن الكتب السابقة مثال منه(3):
" حرف الهمزة -باب أبي وأبي وأبي
__________
(1) - وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 18 / ص 442) : محمد بن عبد الله بن عمار ن. الحافظ أبو جعفر الموصلي،مفيد الموصل ومحدثها. سمع: المعافى بن عمران،وأبا بكر بن عياش،وسفيان بن عيينة،وعيسى بن يونس،وطبقتهم.
وله كتاب جليل في معرفة العلل والشيوخ. وعنه: ن.،والحسين بن إدريس الهروي،وجعفر الفريابي،ومحمد بن محمد الباغندي،وأبو يعلى الموصلي،وعبد الله بن أحمد،وخلق. وكان تاجرا فقدم بغداد مرات وحدث بها. وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره. قال النسائي: ثقة،صاحب حديث. قلت: توفي سنة اثنتين وأربعين،وقد كمل ثمانين عاما. وقال فيه الخطيب: كان أحد أهل الفضل المتحققين بالعلم،حسن الحفظ،كثير الحديث. روى عنه: الحسين الهروي كتابا في علل الحديث ومعرفة الشيوخ. وقال ابن عدي: سمعت أبا يعلى يسيء القول في ابن عمار ويقول: شهد على خالي بالزور. وذكر الخطيب أنه مخرمي نزل الموصل. قلت: فهو أبو جعفر محمد بن عبد الله المخرمي الحافظ. سيعاد مع أبي جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي الحافظ المذكور في الطبقة الآتية،إن شاء الله. وقال ابن قانع: توفي سنة إحدى وثلاثين،وهو وهم.
(2) - وفي السير (12/266) 101 - المُخَرِّمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ (خ،د،س) الإِمَامُ،العَلاَّمَةُ،الحَافِظُ،الثَّبْتُ،أَبُو جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمُ،البَغْدَادِيُّ،المُخَرِّمِيُّ،المَدَائِنِيُّ،قَاضِي حُلْوَانَ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.,قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ: كَانَ المُخَرِّمِيُّ حَافِظاً،مُتْقِناً. وَقَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ،قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ المَأْمُوْنِيْنَ.قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ عَنْهُ أَبِي،وَهُوَ ثِقَةٌ،صَدُوْقٌ،سُئِلَ أَبِي عَنْهُ،فَوَثَّقَهُ.قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ حَافِظاً،ثِقَةً. قَالَ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانعٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وفي سير أعلام النبلاء (12/360) 152 - المُخَرِّمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ الإِمَامُ،المُحَدِّثُ،الفَقِيْهُ،الوَرِعُ،أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ صَبِيْحٍ البَغْدَادِيُّ،المُخَرِّمِيُّ.قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي،وَهُوَ صَدُوْقٌ،قُلِّدَ القَضَاءَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ،وَاخْتَفَى.قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
(3) - الإكمال لابن ماكولا - (ج 1 / ص 2)(1/421)
أما أبي بعد الهمزة ألف فهو أبي اللحم الغفاري له صحبة ورواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،اختلف في اسمه فقيل: عبد الله بن عبد الملك؛ وقيل: خلف بن عبد الملك؛ وقيل: الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك بن عبد الله بن حارثة بن غفار. قتل يوم حنين؛ وقال ابن الكلبي: أبي اللحم هو خلف بن مالك بن عبد الله بن غفار لا من ولد حارثة بن غفار،وكان لا يأكل ما ذبح للأصنام،ومن ولده الحويرث بن عبد الله بن ءابي اللحم؛ وكأن هذا هو الأشبه ومن قال فيه: عبد الله بن حارثة،فقد وهم. ومولاه عمير له صحبة ورواية أيضاً.
وأما أبي مقصور بفتح الهمزة وكسر الباء وتشديد الياء فهو محمد بن يعقوب بن أبي،وهو ابن أخت الدقيقي،حدث عن خاله،يروي عنه القاضي أبو الطاهر السدوسي.
وأما أبي بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء أيضاً فكثير. " اهـ
وجاء بعده ابن نقطة فذيّل عليه بكتاب (تكملة الإكمال) وهو مطبوع،جاء بعده ابن الاسكندراني فذيّل على كتاب ابن نقطة،مثال منه(1):
" باب أحيذ وأجيد
أما الأول بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة فهو
34 أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن محمد بن أحيد الخطيب حدث عن أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي حدث عنه أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسين بن حمزة السمرقندي
35 وأحمد بن الحسين بن أحيد أبو العباس الخفاف البخاري وروى عن أبي نصر أحمد بن سهل بن حمدويه وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى الخلال الرازي في آخرين قال شيرويه في طبقات أهل همذان روى عنه أبو سعد بن أبي الليث وحميد بن المأمون " اهـ
وجاء بعده ابن الصابوني فذيّل على كتاب ابن الاسكندراني،وكتابه مطبوع،جاء بعدهم الذهبي فألّف كتابه (المشتبه) في مجلد واحد،ثم جاء بعده مَنْ شرح هذا الكتاب،الأول ابن ناصر الدين الدمشقي في كتاب ضخم اسمه (توضيح المشتبه) في عشرة مجلدات،مثاله(2):
" { حرف الباء }
قال حرف الباء قلت الموحدة الباباني بموحدتين مفتوحتين بعد كل واحدة ألف وبعد الألف الثانية نون مكسورة عبدة بن عبد الرحيم المروزي الباباني نسبة إلى محلة بأسفل مرو حدث عن عبد الله بن المبارك وغيره وعنه النسائي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما توفي بدمشق يوم عرفة سنة أربع وأربعين ومئتين
والبايائي بمثناتين تحت إحداهما بدل الموحدة الثانية والأخرى بدل النون أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن علي بن البايائي حدث عن أبي الخطاب ابن البطر توفي سنة أربع - وقيل سنة ثلاث - وثلاثين وخمس مئة وأبو الحسن علي بن الحسن الواسطي البايائي الطحان حدث عن عبد الله بن محمد بن السقا الحافظ والباياني بنون قبل ياء النسب والباقي سواء نسبة إلى سكة بنسف يقال لها بايان منها أبو يعلى محمد بن أبي الطيب أحمد بن نصر الباياني ذكره أبو سعد بن السمعاني باباج بموحدتين مفتوحتين تلي كلا منهما ألف وآخره جيم هو جد لابي نصر أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن نصر بن باباج بن لأزركيان روى عن أبيه وعنه ابنه أبو عبد الله محمد وأبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي و ناباج بنون بدل الموحدة الأولى والباقي سواء .
__________
(1) - تكلمة الإكمال لابن نقطة - (ج 1 / ص 15)
(2) - توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم - (ج 1 / ص 85)(1/422)
علي بن ناباج واسمه خالد البخاري روى عن محمد بن زياد الضرير وعنه حامد بن مجاهد فيما ذكره جعفر بن محمد المستغفري قال بابك الخرمي قلت هو بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف قتل في أيام المعتصم قال وعبد الصمد بن بابك شاعر مشهور في النون قلت يعني أنه مذكور في حرف النون مع ما يشتبه به قال باب قلت بموحدتين بينهما ألف قال ابن عمير روى عنه يحيى بن أبي كثير وخالد بن باب عن شهر بن حوشب ونصر بن باب شيخ لأحمد بن حنبل وعبيد بن باب شيخ لابن عون وابنه عمرو بن عبيد شيخ الاعتزال قلت الراوي عنه ابن عون ليس والد عمرو بن عبيد فيما ذكره يحيى بن معين وحكاه الأمير، وباب الحميري أحد فرسان أبي موسى الاشعري في وقائعه بتستر وغيرها قال وناب بالنون قلت بدل الموحدة الأولى قال ليلى بنت ناب والدة الصحابي عتبان بن مالك و ثات بمثلثة ثم مثناة قلت المثناة فوق قال ثات أحد أجداد إبراهيم بن يزيد قاضي مصر روى إبراهيم عن يزيد بن أبي حبيب قلت وجاء أنه رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي الصحابي
وثات المذكور هو قبيل من حمير وهو جد القاضي إبراهيم المذكور على بعد لأنه إبراهيم بن يزيد بن مرة بن شرحبيل بن حمية بن زكة بن عمرو بن شرحبيل بن هرم بن أزاذ بن شرحبيل بن حمرة بن ذي بكلان بن ثات بن زيد بن رعين الرعيني ثم الثاتي يكنى " اهـ
والثاني هو الحافظ ابن حجر في كتابه (تبصير المُنتبه بتحرير المشتبه) في أربعة مجلدات -وهو من الكتب التي يَعْتَزُّ بها الحافظ- .قال في المقدمة(1):
" أما بعد فإنني لما علَّقت كتاب المشتبه الذي لخصه الحافظ الشهير أبو عبد الله الذهبيِّ رحمه الله وجدْت فيه إعوازاً من ثلاثة أوجه: أحدها - وهو أهمّها: تحقيقُ ضَبْطه،لأنه أحال في ذَلِكَ عَلَى ضبط القلم،فما شفى من ألَم.
ثانيها: إجحافه في الاختصار،بحيث إنه يعمد إلى الاسمين المشتبهين إذا كثرا فيقول في كل منهما: فلان وفلان وفلان وغيرهم - وهذا لا يُروى الغُلَّة،ولا يَشْفى العِلَّة،بل يُبقى اللبس عَلَى المستفيد كما هو،وكان ينبغي أن يستوعب أقلّهما.
وثالثها - وفيه ما لا يرد عليه إلا أن ذَلِكَ من تَتِمَّة الفائدة - ما فاته من التراجم المستقلَّة التي لم يتضَمَّنَها كتابُه مع كونها في أصل ابن ماكولا وذَيل ابن نقطة اللذين لخّصهما،وزاد من ذَيل أبي العلاء الفرضي وغيره ما استُدرك عليهما.
فاستخرْت الله تعالى في اختصار ما أسهب فيه،وبَسْط ما أجحف في اختصاره،بحيث يكون ما أقتصرُ عليه من ذَلِكَ أزيد من حجمه قليلاً.
فأعان الله عَلَى ذَلِكَ،وله الحمد.
فكلُّ اسم كان شهيراً بَدأْت به،ولا أحتاجُ إلى ضبطه؛ بل أَضبِط ما يشتبه به بالحروف.
وكل حرف لم أتعرّض له فهو نظيرُ الذي قبله،إهمالاً وإعجاماً،وحركة وسكوناً.
وعبَّرت عن الباء بالموحّدة،وعن التاء بالمثنّاة،وعن الثاء بالمثلثة،وأما الياء - آخر الحروف - فبالياء بلا وَصْفٍ غالباً.
وقد مِزْت ما زدْتُه عليه بقولي في أوله: قلت،وفي آخره: انتهى،إلا الضبط فإنه مُدْمَج.
واعتمدت عَلَى نسخة المصنف التي بخطه،وعلى الأصول التي تقل هو منها،وعلى غيرها ممَّا غلب ظَنّي أنه لم يراجعه حالة تصنيفه؛ كالأنساب للرُّشاطى ولابن السمعاني،وكالذيل الذي ذيّل به الحافظ منصور بن سليم الإسكندراني عَلَى ذيل ابن نقطة،وكالذيل الذي ذيّل به العلاّمة علاء الدين مغلطاي أجزاء،وهو ذيل كبير لكنه كثير الأوهام والتنكرات والإعادة والإيراد لما لا تمسّ الحاجةُ إليه غالباً.
فتحرَّيت فيه الصوابَ بجهدي مع اعترافي بفَضْلِ المتقدّم،ولم أُغيِّر ترتيبه إلا نادراً.
ولكني أسرد في كل حرْفٍ الأسماءَ وغيرها عَلَى الولاء،ثم أسرد الأنساب،منفردة متوالية أيضاً؛ وسميته: " تبصير المنتبه بتحرير المشتبه " .
__________
(1) - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه - (ج 1 / ص 1)(1/423)
والله أسأل أن ينفع به كاتبه وناظره،وأم يجمع لكل منا خيري الدنيا والآخرة،إنه قريب مجيب،عليه توكلت وإليه أنيب.
حرف الألف
أَحْمَد الجادّة قلت: والمشهور أنّ أول مَنْ سُمِّيَ به بعد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - والد الخليل بن أحمد.
لكن زعم الواقديّ أنه كان لجعفر بن أبي طالب ابنٌ اسمه أحمد.
أفاد ذَلِكَ أبو بكر بن فتْحون في ذيله عَلَى الاستيعاب. وحكى أن اسم أبي حفص أحمد،وفي والد أبي السفر أن اسمه أحمد.
قال الترمذي: أبو السفر هو سعيد ين يَحْمِد. ويقال ابن أحمد. انتهى.
وبالجيم: أَجْمد بن عُجْيان،شهد فتح مصر،وأبوه بوزن عثمان،وقيل وزن عُلَيّان.
وأَحْمر،بالراء المهملة،غير ملتبِس.
أَبَان،بَيّن.
وبضمّ ومثلثة: أُثَان بن نُعيم،أَدرك عليا.
وبياء مشددة وفتح أوله أيّان: أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم أَيّان الدَّشْتي،حدَّث عن أبي القاسم بن رواحة.
قلت: وأيّان أيضاً في نَسب خالِه محمود الدّشتي الذي سمع أبو بكر بإفادته.
أبّا،بفتح الهمزة وتشديد الموحدة،وقيل بتخفيفها مقصور: هو ابن جعفر النَّجِيْرَمي أحد الضعفاء.
وأبّا الذي ينسَبُ إليه نهر أَبّا.
وسالم بن عبد الله بن أَبّا،أندلسي،روى عن ابن مُزَين.
وبالمد: أبّاءُ بن أبيّ بن نَضْلة بن جابر،كان شريفاً في زمانه.
وأُبَى بن أبَّاء بن أُبَيّ له خبر مع الحجاجِ،ذكره أبو العيناء،ولعله ولَدُ الذي قبله.
وبياء أخيرة بلا مدّ أَيَّا: علي بن محمد بن الحسين بن عبدوس بن إسماعيل بن أيّا بن سَيْبُخت،شيخ ليحيى الحضرمي،ذكره في مؤلفه في هذا الفن.
أبْرَجَة،بالفتح وسكون،الموحدة وفتح الراء وتخفيف الجيم: لقب إبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني الحافظ المعروف بابن نائلة،وهي أُمّه.
وإبراهيم بن يوسف الأصبهاني أَبْرَجَةَ،روى عنه ابنه أبو علي.
وبضم الهمزة والراء ومثنّاة وتثقيل الجيم: أُتْرُجَّة - لقب لعبد الله بن محمد بن داود،ولعيسى بن خُشنام المدائني،ولداود بن عيسى الهاشمي الذي كان يصحَبُ المستعين،انتهى أبة،بالفتح وتثقيل الموحدة: إبراهيم بن محمد بن فيرة الأصبهاني الطيان يعرف بابن أبة.؟؟ قلت: الصواب يقال له: أبَّة. انتهى."
ومن كتب الضبط المُعينة كتب الاشتقاق،وطبع منها كتابان (الاشتقاق) للأصمعي،و (الاشتقاق) لابن دُريد،وأهمية هذه الكتب أنها تُبيّن لك ما هو اشتقاق الأسماء العربية،ولم تؤلف في الرواة ولكنها تنفع في الرواة،فلو -مثلاً- وقفت على راوٍ كالصحابي عبدالله بن مغفل،هناك كثير من طلبة العلم يقولون : عبدالله بن مُغَفِّل -حياءً من أن يوصف الصحابي بالتغفيل(1)-،فإذا رجعت لكتب الاشتقاق تبيّن لك أن العرب يُسمون مُغَفَّل -بفتح الفاء-،وأيضاً مثل : عياض بن حمار،هل هو حِمار أو حَمّار أو حُمار،فتُبيّن لك أن العرب تُسمي حِمار(2)-بكسر الحاء-،وكذا صباح،فالأصل عند العرب أنهم يسمون : صبَّاح -بتشديد الباء- بعكس ما يفعلونه اليوم من تخفيف الباء،فالأصل في هذا الاسم أنه بالتشديد،وعليه فإذا وجدت راوياً بهذا الاسم فالأصل أن اسمه صبّاح بالتشديد،إلا في رواة قلّة نُصَّ عليهم،وكتاب ابن دريد ضخم،وكتاب الأصمعي صغير،وكلاهما مطبوع .
مثال من كتاب ابن دريد(3):
" اشتقاق اسم محمد
__________
(1) - انظر تاج العروس - (ج 1 / ص 7379-7382 ) ولسان العرب - (ج 11 / ص 497)
(2) - تاج العروس - (ج 1 / ص 2719) ولسان العرب - (ج 4 / ص 208)
(3) - الاشتقاق - (ج 1 / ص 2)(1/424)
محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - ،مشتق من الحمد،وهو مُفعَّل،ومفعَّل صفة تلزم من كثر منه فعلُ ذلك الشيء. روى بعض نَقَلة العلم،أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وُلِد أمَرَ عبدُ المطّلب بجوزرٍ فنُحِرت،ودعا رجالَ قريش،وكانت سُنَّتهم في المولد إذا وُلِد في استقبال الليل كفَؤُوا عليه قدراً حتى يصبح،ففعلوا ذلك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ،فأصبحوا وقد انشقَّت عنه القِدرُ وهو شاخصٌ إلى السماء. فلما حضَر رجالُ قريشٍ وطَعِموا قالوا لعبد المطَّلب: ما سمَّيتَ ابنك هذا؟ قال: سمَّيتُه محمّداً. قالوا: ما هذا من أسماء آبائك. قال: أردت أن يُحمَد في السموات والأرض. فمحمَّد مفعّل،لأنه حُمِد مرّةً بعد مرة. كما تقول كرَّمته وهو مكرَّم،وعظّمته وهو معظَّم،إِذا فعلتَ ذلك به مراراً. والحمدُ والشكر متقارِبانِ في المعنى،وربمّا تبايَنَا. ألا ترى أنّك تقول: حَمِدتُ فلاناً على فعلهِ وشكرت له فعلَه،وقد اشتَبَها في هذا الموضع. وتقول: حَمِدتُ فلاناً على فعلهِ وشكرت له فعلَه،وقد اشتَبَها في هذا الموضع. وتقول: جاورتُ بني فلانٍ فحمِدتُهم،ولا تقول شكرتُهم. وتقول: أتيتُ أرض بني فلان فحمِدتُها،ولا تقل شكرتها. وتقول: فلانٌ محمودٌ في العشيرة،ولا تقول مشكورٌ في العشيرة. والدليل على أنَّ محموداً حُمِد مرّةً واحدة،ومحمداً حُمِدَ مرّةً بعد مرّة،قول الشاعر:
فلستَ بمحمودٍ ولا بمحمَّدٍ ... ولكمَا أنت الحَبَنْطَى الحُباتِرُ
يعني القصير المتداخلَ الأعضاء.
وقد سمَّت العربُ في الجاهلية رجالاً من أبنائها محمداً،منهم محمدّ ابن حُمْرانَ الجعفي الشاعر،وكان في عصر امرئ القيس بن حُجْر،وسمّاه شويعراً وقال:
أبلغَا عنِّيَ الشُّويعِرَ أنِّي ... عَمْدَ عينٍ جلَّلتُهنَّ حَرِيما
أي قصدتُ ذاك.
ومحمّد بن بِلال بن أُحَيحة بن الجُلاح،وأحيحةُ كان زوجَ سَلمى بنت عمرو بن لبيد النَّجَّارية،فخَلَف عليها بعده هاشم بن عبد مناف،فولدَتْ له عبدَ المطَّلب بنَ هاشم،فهي جَدَة رسول الله عليه السلام،أمُّ جدِّه.
ومحمّد بن سفيان بن مُجاشع بن دارم،ومحمَّد بن مَسْلَمة الأنصاري سمِّي في الجاهلية محمداً،وأبو محمَّد مسعودُ بن أوس بن أصْرَم بن زيد بن ثَعْلَبة،شَهِد بدراً. ومحمد بن خَوْلىّ،وخَولىّ: بطنٌ من هَمْدان.
وقد سَمَّت العربُ في الجاهليّة أحمد. منهم أحمد بن ثمُامةَ بن جَدْعاء: بطنٌ من طيِّئ،وأحمد بن دُوَمان بن بَكِيل: بطنٌ من هَمْدان،وأحمد ابن زَيد بن خِداش: بطن من السَّكاسك. وبنو أحمد: بطنٌ من طيئ. ويَحْمَد: بطنٌ من الأزد. ويُحْمِد: بُطَين من قُضاعة.
وسمَّوا حامداً وحُميداً. فحُمَيدٌ يمكن أنة يكونَ تصغير حَمْد أو تصغير أحمد،من الباب الذي يسمِّيه النَّحويون ترخيم التَّصغير،كما صغروا أسودَ سويداً،وأخضر خُضَيراً. وسَّمُوا حُميدَانَ وحَمّادا.
ويقولن: حُمادَاكَ أن تفعل كذا وكذا،في معنى قُصاراك،ولفلانٍ عندي مَحْمِدةٌ ومَحمَدَة،لغتان،إذا كانت له عندك يدٌ تحمَده عليها. والمحامد لله تبارَكَ وتعالى: أياديه وتفضُّله. " اهـ
ومن الكتب المهمة في الضبط كتاب (تاج العروس) للزبيدي،وهو معجم لغوي ضخم،ومع ذلك يعتبر مصدراً من مصادر التراجم،وحريٌّ أن تُخرَج التراجم الموجودة في (تاج العروس) في مصنفٍ مستقل -وهناك من يعمل على ذلك،عسى أن يخرج عمله قريباً- .
مثال(1): " أَتْأَةُ بالمُثنَّاةِ الفَوْقِيَّة كَحَمْزَةَ أَوردهُ ابن بَرِّيٍّ في الحَواشي : اسمُ امرَأَة من بني بَكْرِ بنِ وائِل بن قاسِط بن هِنْب بن أَفْصَى بن عبدِ القَيْس وهي أُمُّ قَيْسِ بن ضِرارٍ قاتل المِقْدامِ وحَكاهُ أَبو عَلِيٍّ في التَّذْكِرة عن مُحمَّدِ بن حبيب وأَنشَدَ ياقوتٌ في أَجَأَ لجَرير :
أَتَبِيتُ لَيْلَكَ يا ابنَ أَتْأَةَ نائِماً ... وبَنو أُمامَةَ عنكَ غَيْرُ نِيامُ
__________
(1) - تاج العروس - (ج 1 / ص 66)(1/425)
وتَرَى القِتالَ معَ الكِرامِ مُحَرَّماً ... وتَرَى الزِّناءَ عليكَ غَيْرَ حَرامِ
وأيضاً ومن الكتب المُعينة في التعيين والضبط فيما إذا كان الراوي مشتبهاً : كتب المشتبه،وأهمها كتاب (تلخيص المتشابه) للخطيب البغدادي -والمشتبه : علمٌ دمج بين المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف-،وذيّل الخطيب على كتابه السابق بكتاب سمّاه (تالي تلخيص المتشابه في الرسم) . ومن الكتب المُعينة في التعيين كتاب (غُنية المُلتمس في إيضاح الملتبس) للخطيب،وقد عقد كتابه على فصلين،الأول : من سُمّي من الرواة وكُني أبوه باسمه،فيذكر اسمين متشابهين وفيهما اختلاف يسير في الكنية وهما لشخص واحد،والفصل الثاني : لمن تشابهت أسمائهم وأشخاصهم مختلفة،وهكذا .
18- إذا كان اسم الراوي منطبق على راوٍ آخر تماماً بالرسم والشكل،فهذه تُبينها كتب المتفق والمفترق،وفي مقدمتها كتاب الخطيب (المتفق والمفترق) وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات،وقال فيه(1): " الحمد لله الذي هدانا لمعرفة دينه ووفقنا لاتباع سنن رسوله وعلمنا ما لم نكن نعلمه وفضلنا على كثير من خلقه وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته وصحابته أجمعين وتابعيهم بالإحسان إلى يوم الدين أما بعد فإني ذاكر في كتابي هذا نوعا من علم الحديث قد يقع الإشكال في مثله على من لم ترتفع في العلم رتبته ولم تعل في تدبيره طبقته وهو بيان أسماء وأنساب وردت في الحديث متفقة متماثلة وإذا اعتبرت وجدت مفترقة متباينة فلم يؤمن وقوع الإشكال فيها ولو في بعضها لاشتباهها وتضاهيها وقد وهم غير واحد من حملة العلم المعروفين بحسن الحفظ والفهم في شيء من هذا النوع الذي ذكرناه فحدانا ذلك على أن شرحناه ولخصناه ونسأل الله العصمة من الخطأ في جميع الأمور والعفو عن زللنا برأفته إنه رحيم غفور.
__________
(1) - المتفق والمفترق - (ج 1 / ص 1)(1/426)
(1) أخبرنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن شاذان الصيرفي بنيسابور قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول سمعت العباس بن محمد الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول قد روى مالك بن أنس عن شيخ له يقال له عبدالملك بن قريب وهو الأصمعي ولكن في كتاب مالك عبدالملك بن قرير وهو خطأ إنما هو الأصمعي قال الشيخ أبو بكر قد غلط بن معين في هذا القول غلطا ظاهرا وأخطأ خطأ فاحشا وحديث مالك صحيح رواه عنه كافة أصحابه وساقه في موطأه عن عبدالملك بن قرير عن محمد بن سيرين ويرى أن الوهم دخل فيه على يحيى لاتفاق لااسمين وتقارب الأبوين أعني من عبدالملك بن قرير وعبدالملك بن قريب مع ما أخبرنا به أبو سعيد الصيرفي قال سمعت محمد بن يعقوب الأصم يقول سمعت العباس الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول سمعت الأصمعي يقول سمع مني مالك بن أنس فلما صح سماع يحيى هذا من الأصمعي واسمه عبدالملك بن قريب وانتهت إليه رواية مالك عن عبدالملك بن قرير ظنه الأصمعي فقضى على مالك بالخطأ وألزمه الوهم ولو أمعن يحيى النظر لعلم أن الأصمعي لا يروى عن محمد بن سيرين وعبدالملك بن قرير الذي روى عنه مالك هو العبدي أخو يقنع الرجل أن يكتب من الحديث فقال لي يا أبا إسحاق خدمة الحديث أصعب من طلبه قلت وما خدمته قال النظر فيه .عبدالعزيز بن قرير من أهل البصرة ولا أعلم روى عن عبدالملك غير مالك وأما عبدالعزيز فروى عنه سفيان الثوري وعطاف بن خالد وهو يروى عن الأحنف بن قيس وعن محمد بن سيرين أيضاً فإذا كان يحيى بن معين لم يسلم من الوهم مع ثبوت قدمه في هذا العلم لأدنى شبهة دخلت عليه من قبل كلام وقع إليه فكيف يكون حال من هو دونه إذا ورد اسمان في كل جهة متفقان نسبا وتسمية وطبقة ورواية إن وقوع الإشكال يكون أكثر إلا من أمعن النظر فيه وتدبر وإلى هذا أشار أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله بقولة في الخبر الذي حدثته عن أبي بكر عبدالعزيز بن جعفر الحنبلي حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الخلال أخبرني محمد بن علي قال سمعت إسحاق بن الحسن الحربي يقول قلت لأبي عبدالله كم يقنع الرجل أن يكتب من الحديث فقال لي يا أبا إسحاق خدمة الحديث أصعب من طلبه قلت وما خدمته قال النظر فيه . "
وكتاب (الموَضّح لأوهام الجمع والتفريق)،وميزة هذا الكتاب أنه تتبع أوهام العلماء الذين أخطئوا ففرقوا المتفق أو عكسه،وهو كتابٌ مهم .
قال في مقدته(1): " " الحمد لله وحده مستحق الحمد ووليه وصلواته على خيرته من خلقه وصفيه رآه محمد خاتم الرسل المبعوث بأفضل الأديان والملل وعلى مجيبي دعوته ومصدقي كلمته المتبعين لشريعته والمتمسكين بسنته وعليه وعليهم أفضل السلام ومتتابع الرحمة والتحية والإكرام قد أوردنا في هذا الكتاب ذكر جماعة كثيرة من الرواة انتهت إلينا تسمية كل واحد منهم وكنيته والأمور التي يعزى إليها كنسبته على وجوه مختلفة في روايات مفترقة ذكر في بعضها حقيقة اسمه ونسبه واقتصر في البعض على شهرة كنيته أو لقبه وغير في موضع اسمه واسم أبيه وموه ذلك بنوع من أنواع التمويه ومعلوم أن بعض من انتهت إليه تلك الروايات فوقوع الخطأ في جمعها مأمون عليه ولما كان الأمر على ما ذكرته بعثني ذلك أن بينته وشرحته ونسأل الله التوفيق لسلوك قصد السبيل فإنه تبارك وتعالى حسبنا ونعم الوكيل اهـ
ـــــــــــــــــ
2) الخطوة الثانية من مراحل الترجمة للرواة :معرفة تاريخ مولد ووفاة الرواة أو طبقاتهم
ولمعرفة المولد والوفاة فوائد من أهمها :
__________
(1) - موضح أوهام الجمع والتفريق - (ج 1 / ص 3)(1/427)
التثبت من عدم وجود سقط ظاهر في الإسناد،والسقط قد يكون قديماً،أي أن حقيقة الرواية منقطعة من الأساس،ولا توجد في المصنفات إلا منقطعة ولا تُعرف إلا بذلك السقط،وقد يكون السقط حديثاً أي مطبعياً أو أثناء نسخ المخطوطة سقط من الناسخ،فالنظر في المواليد والوفيات للرواة يقينا من أن يخفى علينا سقطٌ وقع في إسناد أحد الأحاديث ؛ لأن السقط الظاهر الجليَّ في الإسناد يُدرك ويُعلمُ من خلال عدم إدراك الراوي لمن روى عنه في الزمن وعدم معاصرته له،ولذلك اعتنى العلماء بتقييد سنوات الوفيات والولادة،لكن للأسف الشديد أنه لم يعتن علماء القرن الأول والثاني والثالث بالتأليف في هذا الباب مع عنايتهم بالعلم بقضاياه،وكانوا يعتمدون في نقل هذه القضايا على الرواية الشفهية،فلما تطاول الزمن اعتنى العلماء في القرن الرابع الهجري بتقييد تواريخ الوفيات والمواليد،ومن أجل ذلك تجد أن العلماء اختلفوا كثيراً في تواريخ وفيات الصحابة،ومن باب أولى في سنوات ولادتهم بخلاف القرن الرابع والخامس فلا يكاد يُختلف في تعيين وفيات وولادة علمائها،فكلما تقدم الزمن كان الخلاف في التواريخ أكثر،وكلما تأخر الزمن عن القرن الأول كلما قلّ الخلاف وانضبطت تواريخ الولادة والوفاة .(1/428)
من أقدم الكتب في ذلك،كتاب (الوفيات) لأبي نُعيم الفضل بن دكين (ت219هـ) وهو موجود،وأيضاً كتاب (الوفيات) لعبدالباقي بن قانع (ت351هـ) وصل في التاريخ فيه إلى سنة (346هـ)،وهذا الكتاب غير موجود إلا أن جميع النقول التي فيه استوعبت في الكتب المتأخرة . من الكتب المهمة كتاب (تاريخ وفيات الشيوخ الذين أدركهم أبو القاسم البغوي) وهو إمامٌ متقدم توفي (317هـ)،وأصل الكتاب مسودة كان أبو القاسم البغوي يُقيِّد فيها وفيات من عاصرهم من العلماء وكان محتفظاً بها لنفسه،فلما توفي أبو القاسم وَرِث الأوراق المسودة أحد أبناء عمومته،فسلّمها لأحد كبار الحفاظ من القرن الرابع الهجري وهو محمد بن المظفر البغدادي،فقام هذا الحافظ بترتيبها وإخراجها،والكتاب مطبوع بترتيب وتبييض الحافظ محمد بن المظفر . ثم أُلِف كتابٌ في الوفيات أصبح عمدة للعلماء يذيّلون عليه،وهو كتاب (تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم) لابن زبر الرَبَعي،وهو مطبوع،توفي مؤلفه في (379هـ)،ووصل في التاريخ فيه إلى سنة (357هـ)،ثم ذيّل عليه عبدالعزيز بن أحمد الكتاني(ت466هـ)،وابتدء من سنة (338هـ)،ووصل فيه إلى سنة (462هـ)،وهو مطبوع،ثم كتاب (ذيلُ ذيلِ تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم) لهبة الله ابن الأكفاني (ت524هـ)،وابتدء من سنة (463هـ)،ووصل فيه إلى سنة (485هـ)،ثم ذيّل عليه أيضاً أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي (ت611هـ) ووصل فيه إلى تاريخ (581هـ) وسمّى كتابه (وفيات النقلة) - ولم يطبع حتى الآن - ثم ذيّل عليه الحافظ المنذري فألّف كتاب (تكملة وفيات النقلة)،وهو مطبوع في أربعة مجلدات،ووصل فيه إلى سنة (642هـ)،وهو كتابٌ مهم حيث أنه أضاف إلى كونه كتاب وفيات أيضاً ضبط الأسماء المذكورة فيه وأنسابهم أيضاً،فيعتبر من كتب الضبط،ثم إن المحقق الدكتور بشار عواد خدم هذا الكتاب خدمة فائقة جداً،ثم ألف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني كتاب (صلة التكملة لوفيات النقلة) - ولم يطبع - ثم ذيّل عليه أحمد بن أيبك الدمياطي (ت749هـ) (ذيّل الصلة) ولم يطبع،ثم ذيّل عليه العراقي -شيخ ابن حجر-،وذيّل على كتاب العراقي ابنه : أبو زرعة العراقي،ثم توقف التذييل على هذا الكتاب،لكن خرجت كتب أخرى متممة ومذِيّلة،وهي الكتب التي تتكلم عن علماء قرن بكامله،مثل كتاب (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) للحافظ ابن حجر،ثم جاء بعده السخاوي في كتابه (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع)،ثم جاء بعد السخاوي في القرن العاشر : الغزيّ في كتابه (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة)،وأيضاً للعيدروس كتاب (النور السافر في أعيان القرن العاشر)،ثم جاء بعد القرن العاشر : المحبي فألّف (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)،ثم جاء المرادي فألف (سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر) . ثم أُلِّفت كتبٌ مختلفة في أعيان كل بلد،فمثلاً لعلماءِ الحجاز يوجد كتاب من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر،وفي أعيان نجد كتاب الشيخ عبدالله البسام(علماء نجد خلال ستة قرون)،وفي علماء المغرب (النشر المثاني)،ولا يكاد يخلو قطرٌ من الأقطار الإسلامية إلا وهناك كتاب يؤرخ لعلمائه في الفترة المتأخرة،ويجمع أهم مافي هذه الكتب كتاب (الأعلام) للزركلي،حيث اعتنى بالمتأخرين عناية كبيرة،وذُيّل على كتاب (الأعلام) بتذييلين،الأول (تتمة الأعلام) لمحمد خير رمضان يوسف،والثاني: (ذيل الأعلام) لأحمد العلاونة،وقد طُبع مؤخراً .
ومن الكتب التي تعتني بذكر الوفيات : كتب التراجم عموماً،ككتاب (التاريخ الكبير) و(التاريخ الأوسط) للبخاري،وكتب التواريخ المحلية،مثل: (تاريخ بغداد)،و(تاريخ دمشق)،و(تاريخ جرجان) و(واسط) إلخ..(1/429)
فإن لم تُعرف الوفاة ولا الولادة فنلجأ إلى محاولة معرفة طبقة الراوي،ومعرفة طبقة الراوي مهمةٌ لأغراض كثيرة،من أهمها : ماسبق من التثبت من عدم وجود سقط ظاهر في الإسناد،بل ربما بلغت أهمية الطبقة إلى درجة أنه يُصحَّح تاريخ الولادة والوفاة من خلال الطبقة . وهناك كتابٌ جيّدٌ يُنصح بقرائته حول علم الطبقات،وهو كتاب (علم طبقات المحدثين) لأسعد تيّم،وهو كتابٌ عميقٌ خدم علم الطبقات خدمة لم يسبق إليها من حيث التقعيد وذكر الأصول والضوابط المتعلقة بهذا العلم .
وكتب الطبقات كثيرة ومتعددة،من أقدمها وأهمها كتاب (الطبقات) لابن سعد،المشهور بالطبقات الكبرى لابن سعد،وهو كتاب مسند،والكتاب مطبوع،وطبعت له تتمات ثلاث،فينبغي العناية باقتنائها،فطبعت تتمة بتحقيق زياد منصور،وتتمة طبعت بتحقيق د.محمد بن صامل السلمي،وتتمة ثالثة بتحقيق د.عبدالعزيز السلومي . ثم طبع الكتاب مؤخراً طبعةً كاملة،بتحقيق:علي بن محمد عمر .
أيضاً من كتب الطبقات المهمة كتاب (الطبقات) لخليفة بن خيّاط -شيخ البخاري-،وكتاب (التاريخ الأوسط) للبخاري مرتب على الطبقات،وكتاب (الطبقات) لمسلم وهومطبوع،وكتاب (الثقات) لابن حبان مرتبٌ على طبقات واسعة جداً ؛ لأنه اعتبر الصحابة كلهم طبقة واحدة،والتابعين كلهم طبقة واحدة،وأتباع التابعين طبقة واحدة،والطبقة الأخيرة طبقة أتباع أتباعِ التابعين . ومن كتب الطبقات : كتبٌ متعددة للذهبي،مثل كتاب (تذكرة الحفاظ) - ويعتبر كتاب (طبقات علماء الحديث) لابن عبدالهادي مختصر لـ(تذكرة الحفاظ) - وكتاب (سير أعلام النبلاء) للذهبي،وكتاب (تاريخ الإسلام) للذهبي،وهو كتاب ضخم جدا وهو أوسع كتاب في بابه.
فإن لم يُوقف على طبقة الراوي أو لم تحدد تحديداً دقيقاً فأبحث عن ترجمةٍ لهذا الراوي -والترجمة لا يلزم أن يُذكر فيها تاريخ الولادة أو الوفاة أو الطبقة- وأنظر في شيوخ هذا الراوي،وأقيس هذا الراوي بالرواة الآخرين الذين رووا عن هؤلاء الشيوخ أنفسهم،فإذا كان الشيخ من الطبقة الخامسة،فإن التلميذ الذي روى عنه في الطبقة السادسة أو السابعة،ويمكن أيضاً من خلال النظر في تلامذة ذلك الراوي،فإذا وجدت أن شيوخهم من الطبقة السادسة أو السابعة فلا يخلو أن يكون شيخهم من تلك الطبقة .
من خلال ما سبق نستطيع أن نتجنب السقط الظاهر،لكن بقي احتمال وجود سقط خفي وهو ما كان من رواية راوٍ حدّث عنه بما لم يسمعه منه،أو رواية راوٍ عاصر من روى عنه ولم يسمع منه،وهما عبارة عن التدليس والإرسال الخفي -كما عند الحافظ ابن حجر- .
فإذا أردت أن أتثبت من عدم وجود سقطٍ خفي أنظر : هل صرّح الرواة بالسماع ؟ فإن صرّحوا بالسماع،وصحّ هذا التصريح عنهم بالسماع،ولم يحتمل وجود تأول في هذا التصريح،فلا أشك في اتصال هذا الإسناد .
والمقصود بالتصريح بالسماع هو أن يقول : حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا أو سمعت أو ذكر لنا أو قال لنا ...الخ،وأما صحة التصريح فإن بعض الرواة قد يَهِمُ ويقول : حدثنا - وهو لم يحدثه - ؛ لكونه تعوّد على عبارة حدثنا كجرير بن حازم،قال عنه يحيى بن معين : "جرير بن حازم كان سجيّة فيه أن يقول حدثنا حدثنا " وإن لم يقل شيوخه حدثنا،فيقع ذِكْرُ التصريح بالسماع منه وهماً لا تعمُّداً . بل إن بعض الرواة ضعّفهم أهل العلم لأنهم يذكرون صيغ السماع بين رواة معروفٌ عند أهل العلم أنهم لم يلتقوا،ومن هؤلاء سالم الخيّاط سُئل عنه أبو حاتم،فقيل :" سمع الحسن من أبي هريرة ؟ قال : لا،قالوا : فإن سالم الخيّاط يقول عن الحسن سمعتُ أباهريرة ! فقال أبو حاتم : هذا مما يبين ضعف سالم"(1).
__________
(1) - تهذيب التهذيب - (ج 2 / ص 234)(1/430)
ويُتنبه إلى أن توهيم الرواة في صيغ السماع له قيود وضوابط،ليست هي ضوابط وقيود مسألة الشذوذ . فإذا صحتْ صيغةُ السماع يبقى احتمال أن الراوي تأول في صيغة السماع،فقد يقول الراوي : حدثنا،ويقصد حدث أهل بلدنا،وغزا بنا،يقصد: غزا بأهل بلدنا أو غزا بالناس،وهذا فعله الرواة،وورد أيضاً عن أبي هريرة في الصحيحين حينما قال : ((افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ،وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً))(1)،ومعلومٌ أنه لم يصل إلى خيبر إلا بعد فتحها،وكذلك الرجل الذي يخرج للدجال في آخر الزمان ويقول :(( أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِى حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ حَدِيثَهُ))(2)،ومعلومٌ أنه لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فيكون قصده بحدثنا أي حدَّث المسلمين .
فالمقصود : أنه قد يتأول بعض الرواة،لكن الرواة الذين تأوّلوا قلةٌ جداً،وتأوّلهم أيضاً قليل جداً،فليس لهذه القضية حكم مُطّردٌ،فلا يقال : مادام أن الرواة قد تأوّلوا فلا يكون لـ(حدثنا) دلالة على السماع،بل هي دالّة على السماع إلا في حدود ضيقة،ليس هذا المقام مجال ذكرها .
فإذا ثبتت هذه الاحتمالات : تصريح صحيح غير متأول عرفنا أن الرواية متصلة ليس فيها انقطاع .
__________
(1) - كما في صحيح البخارى ( 4234 )عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِى ثَوْرٌ قَالَ حَدَّثَنِى سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ ،وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً ،إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ،ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى وَادِى الْقُرَى ،وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ ،أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِى الضِّبَابِ ،فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ ،فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ،إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِى أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا » . فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ ،فَقَالَ هَذَا شَىْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ » .
(2) - عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ فَقَالَ فِيمَا يُحَدِّثُنَاهُ قَالَ « يَأْتِى الدَّجَّالُ وَهُوَ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ - أَوْ مِنْ خَيْرِهِمْ - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِى حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِى الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يَحْيَا وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً فِيكَ مِنِّى الآنَ . قَالَ فَيُرِيدُ قَتْلَهُ الثَّانِيَةَ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ». مسند أحمد (11626) صحيح(1/431)
تنبيه : التوقف عن قبول رواية الرواة إلا أن يصرحوا بالسماع ليس في عموم الرواة،لكن في مَنْ وُصِفَ بأنه مدلس،فهذا هو الذي نطلبُ منه أن يصرح بالسماع،ثم إنه ليس كل مدلس نطلب منه أن يصرح بالسماع .
وهنا تنبيه آخر : وهو أن الراوي قد يكون غير موصوف بالتدليس،لكن مع ذلك يلزمنا التحرِّي في سماعه ؛ لأنه قد يكون هذا الراوي روى عمّن عاصره ولم يلقه،أوعمّن لم يعاصره أصلاً،لكنَّ عدم المعاصرة ليس واضحاً ؛ لكون تاريخ الولادة والوفاة مجهولاً بالنسبة للشيخ والتلميذ،وقد تكون الطبقة محتملة كطبقة التابعين مع طبقة الصحابة،فالأمر هذا يكثر في طبقة التابعين،ويقلُّ في أتباع التابعين،ويكاد يندر فيمن سواهم . فنرجع إلى كتب المراسيل للتأكد من أن هذا الراوي لم يُحكم بعدم سماعه ممن روى عنه . ومن هذه الكتب وهو أجلّها : كتاب (المراسيل) لابن أبي حاتم،ثم تممّ هذا العمل العلائي في كتابه (جامع التحصيل)،مثال منه(1):
" حرف الألف
[ 1 ] أبان بن عفان رضي الله عنه له عن أبيه في صحيح مسلم حديث لا ينكح المحرم ولا ينكح وذكر بن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أبي بكر الأثرم أنه سأل أحمد بن حنبل أبان سمع من أبيه قال لا من أين سمع منه
[ 2 ] أبان عن أبي بن كعب وعنه محمد بن جحادة قال أبو حاتم هو مرسل
[ 3 ] إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي قال يحيى بن معين وأبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئا وقال أبو زرعة إبراهيم بن جرير عن علي رضي الله عنه مرسل
[ 4 ] إبراهيم بن طهمان لم يدرك الحكم قاله الذهبي في مختصر المستدرك
[ 5 ] إبراهيم بن عبد الله بن عبد القاري المدني عن علي رضي الله عنه قال أبو زرعة وغيره مرسل وعن يزيد بن عبد الله بن خصيفة وقيل بينهما رجل حكاه شيخنا الحافظ أبو الحجاج في كتابه تهذيب الكمال
[ 6 ] إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر في كتب الصحابة لذلك ولا رؤية له بل هو تابعي يروي عن أبيه وعمر رضي الله عنهما
[ 7 ] إبراهيم بن أبي عبلة قال بن أبي حاتم سمعت أبي يقول لم يدرك عبادة بن الصامت وذكر في التهذيب أنه روى عن بن عمر رضي الله عنهما ولم يدركه بل هو مرسل " اهـ
ثم تممّ هذا العمل أيضاً أبو زرعة العراقي في كتابه (تحفة التحصيل برواة المراسيل) وكلُّ هذه الكتب مطبوعة .
وأيضاً كتب التراجم كـ(تهذيب الكمال) و(تهذيب التهذيب)،كثيراً ما تنصّ على السماع وعدمه وعلى المراسيل . وأيضاً عموم كتب العلل والسؤالات القديمة والتواريخ القديمة،مثل : (تاريخ يحيى بن معين) برواية الدوري،أو (تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين)،وغيرها .
فإذا بحثنا فلم نجد ما سبق،ننظر هل وُصف بالتدليس؟ فإن لم يوصف بالتدليس،ولم نقف على حكم بعدم سماعه،والطبقة تحتمل السماع،فنقبل روايته ولو عنعن فإنا نقبل هذه العنعنة.
أما إذا وُصِفَ بالتدليس،فأنظر -أولاً- : ماهو نوع تدليسه الذي وصف به ؟ فإن كان تدليسه تدليس شيوخ أو تدليس بلدان،فلا يؤثر ذلك على قبول عنعنته ؛ لأن تدليس الشيوخ لا علاقة له بصيغ الأداء وإنما هو تعمية اسم الراوي أو كنيته أو لقبه،وذكره بغير ما يعرف به،فإذا كان ذلك فعلينا أن نعيّن الراوي فقط،فإذا عرفناه حكمنا عليه بما يلزم،وإذا لم نعرفه نتوقف في الحكم على الحديث؛لأن هذا الراوي أشبه عندنا المجهول الذي لا نستطيع أن نحكم على حديثه لا بصحة ولا بضعف .
__________
(1) - جامع التحصيل - (ج 1 / ص 28)(1/432)
وإن كان تدليسه تدليس رواية الراوي عمّن سمع منه ما لم يسمعه،فهنا نقف مع الراوي وقفات متعددة،أولاً : ننظر هل ذُكر في مراتب المدلسين في مرتبة من تُقبل عنعنته أم مَنْ تُرَدُّ عنعنته . وكتب مراتب المدلسين يأتي في مقدمتها كتاب (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس) للحافظ ابن حجر،حيث رتب فيه المدلسين على خمسة طبقات،الأولى والثانية تُقبل عنعنتهم،والثالثة يُرجح الحافظ بأنها تُرد عنعنتهم،والرابعة يجزم بردّ عنعنتهم،والخامسة حديثهم ضعيف سواءً صرحوا بالسماع أم لم يصرّحوا .
ومن الكتب التي خدمت هذه الناحية كتاب العلائي (جامع التحصيل)،فقد رتب في مقدمة هذا الكتاب نماذج من المدلسين على طبقات يبيّن فيها من تُقبل عنعنته ومن لا تقبل،وفعل هذا الفعل نفسه الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت على ابن الصلاح)،ولا يغني كتابه السابق عن أحكامه في النكت ؛ لأنه ربما تغيّر اجتهاد الحافظ ابن حجر فيذكر راوٍ في طبقة معينة ثم يجعله في النكت في طبقة أخرى،والظاهر أن كتاب (النكت) آخر الكتابين،فتنظر على ماذا استقر رأي الحافظ في هذا الراوي،فإن اختلفت آراؤه ترجح بالمرجحات الأخرى .
قال الحافظ ابن حجر في النكت(1):
" وكذلك المدلسون الذين خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك،بل هم على مراتب:
الأولى: من لم يصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع،والغالب: أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس.
ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن،فيكون التحقيق بخلافه كما بينا ذلك في حق شعبة قريبا1 وفي حق محمد بن إسماعيل البخاري في الكلام على التعليق 2 - والله أعلم -.
فمن هذا الضرب:
1-أيوب السختياني.
2-وجرير بن حازم.
3- والحسين بن واقد.
4-وحفص بن غياث.
5- وسليمان التيمي.
6-وطاووس.
7-وأبو قلابة .
8- وعبد الله بن وهب.
9- وعبد ربه بن نافع أبو شهاب.
10-والفضل بن دكين أبو نعيم.
11- وموسى بن عقبة.
12- وهشام بن عروة.
13- وأبو مجلز لاحق بن حميد.
14- ويحيى بن سعيد الأنصاري.رحمة الله عليهم.
الثانية: من أكثر الأئمة من إخراج حديثه إما لإمامته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كأن لا يدلس إلا عن ثقة.
فمن هذا الضرب:
15- إبراهيم بن زيد النخعي
16- وإسماعيل بن أبي خالد.
17- وبشير بن مهاجر.
18- والحسن بن ذكوان.
19- والحسن البصري.
20- والحكم بن عتبة.
21- وحماد بن أسامة.
22- وزكريا بن أبي زائدة .
23- وسالم بن أبي الجعد.
24- وسعيد بن أبي عروبة.
25- وسفيان الثوري.
26- وسفيان بن عيينة.
27- وشريك القاضي.
28- وعبد الله بن عطاء المكي.
59- وعكرمة بن خالد المخزومي.
30- ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير.
31- ومخرمة بن بكير.
32- ويونس بن عبيد
رحمة الله تعالى عليهم.
الثالثة: من أكثروا من التدليس وعرفوا به وهم:
33- بقية بن الوليد.
34- وحبيب بن أبي ثابت.
35-وحجاج بن أرطأة.
36-وحميد الطويل.
37- وسليمان الاعمش.
38- وسويد بن سعيد.
39- وأبو سفيان المكي.
40-وعبد الله بن أبي نجيح.
41-وعباد بن منصور.
42- وعبد الرحمن المحاربي.
43- وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.
44- وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
45-وعبد الملك بن عمير.
46- وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف.
47- وعكرمة بن عمار.
48- وعمر بن عبيد الطنافسي.
49- وعمر بن علي المقدمي.
50- وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي.
51- وعيسى بن موسى غنجار.
52- وقتادة.
53- ومبارك بن فضالة.
54- ومحمد بن إسحاق.
55- ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي.
56- ومحمد بن عجلان.
57- ومحمد بن عيسى بن الطباع.
58- ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير.
59- ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري.
60- ومروان بن معاوية الفزاري.
__________
(1) - النكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 636)(1/433)
61- والمغيرة بن مقسم.
62- ومكحول الشامي.
63- وهشام بن حسان.
64- هشام بن بشير.
65- والوليد بن مسلم الدمشقي.
66- ويحيى بن أبي كثير.
67- وأبو حرة الرقاشي.
رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.
فهذه الأسماء من ذكر بالتدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا أو أحدهما له أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا.
(وإذا سردنا) ذلك فلا بأس بسرد أسماء باقي الموصوفين بالتدليس من باقي رواة الحديث لتمام الفائدة ولتمييز أحاديثهم.
فقد سرد المصنف أسامي من ذكر بالاختلاط ليتميز حديثه وقد ذكرتهم على قسمين:
أحدهما: من وصف بذلك مع صدقه.
وثانيهما: من ضعف منهم بأمر آخر غير التدليس - والله الموفق -.
فمن الأول:
68- جنيد بن العلاء بن أبي وهرة.
69- وحميد بن الربيع الخزار.
70- وإسماعيل بن عياش.
71- وسلمة بن تمام الشقري.
72- وشباك الضبي.
73- وشعيب بن أيوب الصيرفيني.
74- وعبد الله بن مروان الحراني.
75- وعبد العزيز بن عبد الله البصري.
76- وعبد الجليل بن عطية القيسي.
77- وعبيدة بن الأسود.
78- وعثمان بن عمر الحنفي.
79- وعطية العوفي.
80- وعلي بن غراب
81- ومحمد بن الحسين البخاري.
82- ومحمد بن صدقة الفدكي.
83- ومحمد بن عبد الملك الواسطي أبو إسماعيل.
84- ومحمد بن عيسى بن سميع.
85- ومحمد بن يزيد بن خنيس العابد.
86- ومحرز بن عبد الله الجزري أبو رجاء.
87- ومصعب بن سعيد أبو خيثمة.
88- وميمون بن موسى المرئي.
89- ويزيد بن أبي زياد.
90- ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك.
91- ويزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني.
92- ومن المتأخرين محمد بن محمد بن سليمان الباغندي.
93- والحسن بن مسعود أبو علي ابن الوزير الدمشقي.
94- وعمر بن علي بن أحمد بن الليث أبو مسلم البخاري - رحمة الله تعالى عليهم -.
ومن القسم الثاني:
95- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى .
96- وإسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي.
97- وبشير بن زاذان.
98- وتليد بن سليمان.
99- وجابر بن يزيد الجعفي.
100- والحسن بن عمارة.
101- والحسين بن عطاء بن يسار.
102- وخارجة بن مصعب.
103- وسعيد بن المرزبان أبو سعيد البقال
104- وعبد الله بن معاوية بن عاصم الزبيري.
105- وعبد الله بن زياد بن سمعان.
106- وعبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني.
107- وعبد الله بن لهيعة المصري.
108- وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم.
109- وعلي بن غالب البصري.
110- ومالك بن سليمان الهروي.
111- والهيثم بن علي الطائي.
112- ويحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي - رحمة الله تعالى عليهم -.
هذه أسماء من وقفت عليه ممن وصف بالتدليس (أي تدليس الإسناد). " اهـ
وقد يختلف العلماء في الرواة من حيث ترتيبهم في مراتب التدليس وقبول عنعنتهم،بل قد يختلف رأي الإمام الواحد،وليس بصحيح أن نأخذ بالقول المتأخر،فقد يكون الأول هو الصواب ولا يكون المتأخر هو الصواب .
وأيضاً قد نجد تطبيقات العلماء مخالفة للمرتبة المذكورة لهذا الراوي في أحد هذه الكتب،فمثلاً العلماء متفقون على قبول عنعنة الزهري،ومنهم الحافظ ابن حجر نفسه،لكن نجد أن الحافظ ذكر الزهري في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين،التي رجح بأن عنعنة أصحابها تُردّ،فهذا دليل على خطأ اجتهاد ابن حجر في عنعنة الزهري ومجانبته للصواب في ترتيبه . ثم إن لأهل العلم مناهج وأقوال مختلفة في قبول رواية المدلس،فيجب على طالب العلم أن يراعي هذه الأقوال ؛ لأنها ليست مُطْرحة كما يظنُّ بعض طلبة العلم،وبعضهم يتعامل مع رواية المدلس بعمل آلي فإن صرّح بالسماع قبل روايته،وإن لم يصرح بالسماع نظر في مراتب المدلسين،وحكم على الرواية من خلال مرتبة المدلس من حيث القبول والرد،وهذا التعامل الآلي خطأ،فهناك مناهج مختلفة حتى مع الراوي المُكثر من التدليس فقد يقبل العلماءُ عنعنته في حدود معينة وبشروط محددة .
ـــــــــــــــ(1/434)
3) الخطوة الثالثة : معرفة مرتبة الراوي في الجرح والتعديل
وقبل مراجعة كتب الجرح والتعديل ؛ لمعرفة مرتبة الراوي فيها وأقوال أهل العلم فيه،يجب على طالب العلم أن يُتقن بابين من أبواب مصطلح الحديث تتعلق بهذا الأمر :
الباب الأول : باب معرفة مَنْ تقبل روايته ومَنْ تُردّ .
الباب الثاني : باب مراتب الجرح والتعديل .
فلا بد من إتقان وضبط هذين البابين ؛لأن العلماء قد يختلفون في الجرح والتعديل. فبدراسة هذين البابين أستطيع التعامل مع هذا الخلاف،وترجيح الصحيح .
*من المسائل المهمة التي ينبغي التنبيه عليها :
أنه لا يحتج بالراوي إلا إذا كان عدلاً ضابطاً . والضبط إما أن يكون ضبطاً تاماً،أو ضبطاً خفيفاً في حيّز القبول .
والعدل : "هو المسلم العاقل البالغ السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة"،وهذه هي العدالة الباطنة،وهي التي لا تُعرف إلا من خلال طول المعاشرة والمخالطة،وليس المقصود بالباطنة مافي قلبه ؛ لأنه ليس من قدرة البشرِ العلمُ بها،أما العدالة الظاهرة فهي ما تعرف بظاهر الأمر،ويمكن التفريق بين العدالة الباطنة والعدالة الظاهرة بأن نقول:إن العدالة الباطنة:هي العلم بعدم المُفسّق،والعدالة الظاهرة: هي عدم العلم بالمُفسّق ،فالأولى: نعلم ونتيقن بعدم وجود أمر يفسق الراوي به،أما الثانية : فلا نعلم عن الراوي شيئاً يفسق به.
وشرط البلوغ يشترطه العلماء حين الأداء لا حين التحمل،فقد يتحمَّلُ الراوي صغيراً،لكن يشترط أن لا يقبل حديثُه إلا إذا رواه كبيراً .
إنَّ ابن داسة سمع سنن أبي داود وعنده خمس سنوات،والسيوطي أبوه أحضره مجلس الحافظ ابن حجر وله ثلاث سنوات،والراجح في قول أهل العلم أنه يصح تحمل الصغير؛ ابن خمس سنوات يتحمل،واستدلوا على ذلك بحديث مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ : عَقَلْتُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِى وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ ".(1)
__________
(1) - صحيح البخارى(77 ) = المجة : اللفظة = مج : لَفَظ ما فى فمه(1/435)
وكذلك شرطُ الإسلام،فالكافر يمكن أن يتحمل في حال كفره،لكنه لا يقبل منه إلا أن يرويه بعد إسلامه،كما حصل مع بعض الصحابة الذين سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - حال كفرهم،ورووه بعد إسلامهم. كما في صحيح البخارى (4553 )عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِىَّ قَالَ انْطَلَقْتُ فِى الْمُدَّةِ الَّتِى كَانَتْ بَيْنِى وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ - فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِىءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى هِرَقْلَ قَالَ وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِىُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ،فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى - هِرَقْلَ - قَالَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ فَقَالُوا نَعَمْ . قَالَ فَدُعِيتُ فِى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ ،فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا . فَأَجْلَسُونِى بَيْنَ يَدَيْهِ ،وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِى خَلْفِى ،ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ ،فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَايْمُ اللَّهِ ،لَوْلاَ أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَىَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ . ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ . قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قَالَ قُلْتُ لاَ بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ ،بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ،سَخْطَةً لَهُ قَالَ قُلْتُ لاَ .(1/436)
قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قَالَ قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالاً ،يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ . قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قَالَ قُلْتُ لاَ وَنَحْنُ مِنْهُ فِى هَذِهِ الْمُدَّةِ لاَ نَدْرِى مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا . قَالَ وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِى مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ . قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ . ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إِنِّى سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ ،فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ ،وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى أَحْسَابِ قَوْمِهَا ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِى آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ ،وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ،وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ،فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ،وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ،وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالاً ،يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ ،وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ،ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ ،وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ،فَقُلْتُ لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ . قَالَ ثُمَّ قَالَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ قَالَ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ . قَالَ إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِىٌّ ،وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ،وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ ،وَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ ،وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ ،وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَىَّ . قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُ ،فَإِذَا فِيهِ « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ،إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ ،سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ،أَمَّا بَعْدُ ،فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ،أَسْلِمْ تَسْلَمْ ،وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ،فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ ،وَ ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ ) إِلَى قَوْلِهِ ( اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) .(1/437)
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ ،وَكَثُرَ اللَّغَطُ ،وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ ،أَنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ . قَالَ الزُّهْرِىُّ فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِى دَارٍ لَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ،هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ ،وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ،فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِقَتْ ،فَقَالَ عَلَىَّ بِهِمْ . فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ إِنِّى إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ،فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِى أَحْبَبْتُ . فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ .(1)
والمقصود بالمفسقات : ارتكاب الكبيرة،والإصرار على الصغيرة .
المروءة : هي موافقة أحكام الشرع والعقل السليم وأعراف المسلمين .
فكلُّ من ارتكب أمراً يخالف الشرع فهو من خوارم المروءة،أو ارتكب أمراً لا يدلُّ على العقل السليم كالمجنون،فليس عنده مروءة،وكالطفل الصغير أيضاً فليس عنده مروءة - لكن لا يقال أنهما من أهل الفسق؛لأنهما غير مكلفين - وكذلك لا يرتكب أمراً يخالف أعراف المسلمين والصالحين .
وبعد بيان العدالة الظاهرة والباطنة،فهل يُشترط في قبول الراوي العدالة الباطنة فقط،أم أنه قد تقبل العدالة الظاهرة في بعض الأحيان ؟
الصواب : أنه مَنْ كان عدلاً في الظاهر قد نقبله في بعض الأحيان،وهذه الحالات هي :
1- مَنْ تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم؛لتقادم العهد بهم،فكلُّ من تعذرت الخبرةُ الباطنة بحاله نكتفي منه بالعدالة الظاهرة،وهذا هو الذي سار عليه أهل العلم بعامة.
2- المتأخرون من رواة النسخ الحديثية،فهؤلاء لا يشترط فيهم شئ كثير ؛ لأنهم مجرد رواة لكتب ترويها الأمة كلها،كمن يروي (صحيح البخاري)،وعنده إجازة بروايته بإسناده إلى مؤلفه،فكتاب البخاري تناقلته الأمة كلها،وليس هناك مزيّة في هذه الرواية إلا بقاء اتصال الإسناد،فيُقبل من أيّ شخصٍ مادام أن ظاهره الإسلام،ولم يكذب في دعواه،فيُقبل منه وإن كان في الباطن ليس عدلاً.
والمقصود أن المتأخرين يُتساهل فيهم،ونصّ على هذا التساهل الإمام الذهبي في مقدمة كتابه (ميزان الاعتدال)،واعتبر الحدّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من هذه الناحية -وهي : الاكتفاء بالظاهر،وعدم معرفة بواطن أحوالهم- سنة ثلاثمائة للهجرة،فمن جاء بعد سنة ثلاثمائة للهجرة يُتساهل فيما يتعلق بهم-وهم المتأخرون-،ومن أجل ذلك قال : لن أذكر كل من تُكُلِمَ فيه بعد سنة ثلاثمائة للهجرة،إلا من طُعن فيه بقادح شديد،أما من سواهم فيُتساهل معهم ؛ لأنهم رواة نسخ .
وعليه كلما تقادم العهد يتساهل في رواة النسخ،حيث لم يبق إلا مزية الإسناد،وهو شرفٌ مهم .(2)
وتُعرف العدالة الباطنة -لنا الآن- من خلال :
1. الشهرة والاستفاضة،فمن كان مستفيض العدالة فليس هناك حاجةٌ في البحث عن عدالته،كالأئمة المشهورين:كالإمام أحمد ويحيى بن معين والبخاري ومسلم،فهؤلاء لا يُسأل ولا يُبحث عن مثلهم،بل هؤلاء يُسألون عن الناس فيكون عند الراوي من الشهرة والاستفاضة ما يُغني عن السؤال عنهم.
2. التنصيص : بأن ينصَّ الأئمة على توثيق فلان،أو على ضعفه .
__________
(1) - الأريسيون : الفلاحون = البشاشة : مخالطة الإيمان انشراح الصدور = الحيصة : الفرار = حاص : جال جولة يطلب الفرار = السجال : مرة لنا ومرة علينا
(2) - ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 4)(1/438)
3. التصحيح والتحسين : فإذا وقفت -مثلاً- على راوٍ أخرج له البخاري في صحيحه،ولم أقف على جرحٍ في هذا الراوي ولا تعديل،إلا أن البخاري أخرج له في صحيحه،فحكم هذا الراوي أنه ثقة ؛ لأن أحد شروط الحديث الصحيح : أن يكون رواته عدولاً ضابطين .
ويُحتمل أن يكون هذا الراوي ممن أخرج له البخاري في الشواهد والمتابعات،لكن حتى من أخرج له البخاري في الشواهد والمتابعات -على الصحيح- أنه لا ينزل عن مرتبة القبول عند من صحح له.ثم إن الذين أخرج لهم البخاري في المتابعات والشواهد قلة،والأصل أن يخرِّج للراوي استقلالاً.وكذلك من أخرج له الإمام مسلم فهو ثقة.وقد تكلم عن هذه القضية الإمام الذهبي في كتابه (الموقظة)،وقسّم العلماء إلى ثلاث طبقات على حسب تشددهم وتساهلهم،فقال:من لم يُوثّق ولم يُجرح،وأخرج له البخاري ومسلم،فهو ثقة لا شك فيه،ومن صحح له الترمذي وابن خزيمة فحديثه : جيّد،ومن صحح له الدارقطني أو الحاكم فأقل أحواله حُسن حديثه . هذا كله فيمن لم يُجرح ولم يُعدّل،لكن هل تنحصر فائدة التصحيح السابق فيمن لم يجرح ولم يعدل فقط ؟
الجواب : لا،يمكن أن يستفاد من ذلك أيضاً بضوابطٍ ليس هذا محل ذكرها .
وهناك أمرٌ يجعلنا نحتجُّ بالتصحيح والتحسين مع وجود ما يخالفهما من العبارات الصريحة،وذلك في مثل ما لو صرّح الإمام أنه يُصحِّحُ الإسناد،فلو قال : هذا إسناد صحيح،فالأصل فيه أنه يقصد : أن هذا الإسناد تحققت فيه شروط الصحة،وأنه لم يصححه بالمتابعات والشواهد،وإنما صححه لاجتماع شروط الصحة فيه؛لأن الوصف أصبح للإسناد،لا للحديث بمجمله حتى نقول بالمتابعات والشواهد.فإذا صُحح الإسناد -وهذا كثيراً ما يفعله الحاكم- فيمكن أن يحتج بذلك على توثيق رواة ذلك الإسناد،ويُعتبر أن الحاكم يوثقهم،وإن كان غيره يضعفهم،فتُعَدُّ هذه المسألة من مسائل تعارض الجرح والتعديل حينها .
ففي المستدرك (3) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ،حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ أَبِي بَلْجٍ وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ،حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ،حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ أَبُو بَلْجٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ،قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُحَدِّثُ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ،فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ " هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحَيْنِ،وَقَدِ احْتَجَّا جَمِيعًا بِعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَبِي بَلْجٍ،وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لاَ يُحْفَظُ لَهُ عِلَّةٌ"
وكما في سنن الدارقطنى1/38 (88) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ غُرَابٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِى قُمْقُمَةٍ(1)وَيَغْتَسِلُ بِهِ. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. اهـ
__________
(1) - القمقم : ما يسخن فيه من نحاس وغيره(1/439)
وكما في سنن الترمذى( 7 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ « غُفْرَانَكَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ. وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِى مُوسَى اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِىُّ. وَلاَ نَعْرِفُ فِى هَذَا الْبَابِ إِلاَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ رضى الله عنها عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .
(11) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَقِيتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. " اهـ
أيضاً يمكن أن نحتجَّ بالتصحيح فيما لو قال الإمام الترمذي : حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث فلان،فهذا قد يكون أقوى من تصحيح الإسناد ؛ لأن الغرابة لا تقبل إلا ممن اجتمعت فيهم صفات القبول،وصفات معيّنة قويّة تجعله حريّاً بأن يُعتمد عليه حتى عند تفرده،فالحكم على الحديث بالصحة مع الغرابة فيه دلالة قوية على توثيق رواته .
كقول الترمذى(1116) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى شَوَّالٍ وَبَنَى بِى فِى شَوَّالٍ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ يُبْنَى بِنِسَائِهَا فِى شَوَّالٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِىِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ.اهـ
4. من ذَكَرَ العلماء أنه لا يروي إلا عن ثقة،فإن روى عن رجلٍ يكون هذا توثيقاً له،كما ذكروا عن عبدالرحمن بن مهدي أنه لايروي إلا عن ثقة،وكذلك عن مالك،وعن يحيى بن سعيد الأنصاري،وعن البخاري،وعن يحيى بن سعيد القطان،وعن أحمد بن حنبل،وغالب النقاد الكبار هم من هذا القبيل،ولا يعترض على هذا الكلام بأنه قد يكون ثقة عنده،أو أن العلماء قد ضَعفوا هذا الراوي الذي روى عنه هذا الإمام،فيقال عن هذا : إن رواية الإمام عن الراوي مثل حكمه عليه تصريحاً،فلو حَكَمَ أحد الأئمة على راوٍ بأنه ضعيف أو ثقة،وكان الراجح والصواب خلافه،فهل هذا يعني أن نطرح قول الإمام ولا نعتبره في الجرح والتعديل ؟
الجواب : لا،بل نعتبر قوله ونحكم به ؛ لأن هذه الحالات نادرة،ولا نجعل النادر قاضياً على الغالب،وعليه فالأصل في رواية الإمام عن رجل أنه توثيق له،وهذا الأمر قد اعتمده العلماء قديماً،وعليه فيصحُّ أن تقول عن الراوي المذكور في إسناد الإمام : وثقه فلان،أي الإمام الذي روى عنه،وهذا المُرجح يذكر في حالة عدم وجود جرح ولا تعديل .
بم تثبت العدالة ؟
تثبت العدالة بأحد أمرين:
بتنصيصُ معدّلِينَ على عدالتِهِ،كما في الشهادةِ .
واختلفوا هل تثبتُ العدالةُ والجرحُ بالنسبةِ إلى الروايةِ بتعديلِ عدلٍ واحدٍ وجَرحِه،أو لا يثبتُ ذلك إلا باثنينِ،كما في الجرحِ والتعديلِ في الشهادات ؛ على قولينِ . وإذا جُمعتِ الروايةُ مع الشهادةِ صارَ في المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ :(1/440)
أحدُها : أنّهُ لا يقبلُ في التزكيةِ إلا رجلانِ،سواءٌ التزكيةُ للشهادةِ والروايةِ وهو الذي حكاهُ القاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ عن أكثرِ الفقهاءِ من أهلِ المدينةِ وغيرِهم .
والثاني : الاكتفاءُ بواحدٍ في الشهادةِ والرواية معاً،وهو اختيارُ القاضي أبي بكرٍ المذكورِ ؛ لأنَّ التزكيةَ بمثابةِ الخبرِ . قال القاضي : والذي يوجبُهُ القياسُ وجوبُ قَبولِ تزكيةِ كُلِّ عدلٍ مَرْضِيٍّ،ذكرٍ،أو أنثى،حرٍّ أو عبدٍ،لشاهدٍ ومُخبِرٍ .
والثالثُ:التفرقةُ بين الشهادةِ والروايةِ،فيشترطُ اثنانِ في الشهادةِ ويُكتفى بواحدٍ في الروايةِ.ورجَّحَهُ الإمامُ فخرُ الدينِ،والسيفُ الآمديُّ ونقلَهُ عن الأكثرينَ . وكذلك نقلَهُ أبو عمرٍو بنُ الحاجبِ عن الأكثرينَ،وهو مخالفٌ لما نقلهُ القاضي عنهم . قال ابنُ الصلاحِ:والصحيحُ الذي اختارهُ الخطيبُ وغيرُهُ أنَّهُ يثبتُ في الروايةِ بواحدٍ؛ لأنَّ العددَ لَمْ يُشترطْ في قبولِ الخبرِ،فَلَمْ يشترطْ في جرحِ راويهِ وتعديلهِ بخلافِ الشهاداتِ.(1)
وإما بالاستفاضة والشهرة،فمن اشْتُهرت عَدَالته بين أهل العلم من أهل الحديث أو غيرهم وشَاع الثَّناء عليه بها, كفى فيها أي في عدالته, ولا يحتاج مع ذلك إلى مُعدِّل ينص عليها, كمالك والسُّفيانين, والأوزاعي, والشَّافعي, وأحمد بن حنبل وأشباههم.
قال ابن الصَّلاح(2): هذا هو الصَّحيح في مذهب الشَّافعي, وعليه الاعتماد في أصول الفقه.
ومِمَّن ذكره من أهل الحديث الخطيب(3),فقال : " بَابٌ فِي أَنَّ الْمُحَدِّثَ الْمَشْهُورَ بِالْعَدَالَةِ وَالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَزْكِيَةِ الْمُعَدِّلِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَشُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَأَبَا عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَحَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَعَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ وَالِاشْتِهَارِ بِالصِّدْقِ وَالْبَصِيرَةِ وَالْفَهْمِ , لَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ , وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ كَانَ فِي عِدَادِ الْمَجْهُولِينَ , أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ . "
- مذهب ابن عبد البَرِّ في ثبوت العدالة(4):
وتوسَّع الحافظ أبو عُمر ابن عبد البر(5)فيه, فقال: كلُّ حامل علم معروف العِنَاية به فهو عدل مَحْمولٌ في أمره أبدًا على العَدَالة حتَّى يتبين جرحه.
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 105) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل - (ج 1 / ص 5)
(2) - علوم الحديث ص 137
(3) - في الكفاية ص 147
(4) - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 11) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 282) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 236)
(5) في التمهيد1/28(1/441)
ووافقهُ على ذلك ابن المَوَاق من المُتأخِّرين, لقوله - صلى الله عليه وسلم - : يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ , يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ , وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ , وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ "(1).
وقوله: هذا غير مرضي والحديث من الطريق الَّذي أوردهُ مرسل, أو معضل.
وإبراهيم هو الَّذي أرسله, قال فيه ابن القطَّان: لا نعرفه ألبته.
ثمَّ على تقدير ثُبوته, إنَّما يصح الاستدلال به لو كان خبرًا, ولا يصح حمله على الخبر, لوجود من يحمل العلم, وهو غير عدل وغير ثقة, فلم يبق له محمل إلاَّ على الأمر, ومعناه أنَّه أمر للثِّقات بحمل العلم, لأنَّ العلم إنَّما يُقبل عنهم.
والدَّليل على ذلك: أنَّ في بعض طُرقه عند ابن أبي حاتم: «ليحمل هذا العِلْم...»(2). بلام الأمر.
وأما الضبط،فهو ضبطان: ضبط صدر،وضبط كتاب:
صدر: أي يحفظ بحيث إذا طُلب منه الأداء؛ يكون حاضرا. هذا ضبط الصدر.
ضبط الكتاب: أن يكون معتمدا على كتابه في الرواية فيصون كتابه من أن يدخل فيه ما ليس منه. ويستحضر كتابه ويفتحه،وكان مالك -رحمه الله تعالى- لا يروي إلا من الكتاب،وكان الطلبة يقرؤون عليه ويعرضون عليه الموطأ . هذا فيما يتعلق بالضبط.
يعرف ضبط الرَّاوي بمُوافقة الثِّقات المتقنين الضَّابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم, فإن وافقهم في روايتهم غالبًا ولو من حيث المعنى, فضابط ولا تضر مُخالفته لهم النَّادرة فإن كثرت مُخالفته لهم, وندرت الموافقة اختلَّ ضبطه ولم يحتج به في حديثه..
ذكر الحافظ أبو الحَجَّاج المِزِّي في «الأطراف»(3)أنَّ الوهم تارة يَكُون في الحفظ, وتارة يَكُون في القول, وتارة في الكِتَابة.
قال: وقد روى مسلم(4)حديث: « لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ ». عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وأبي كريب, ثلاثتهم عن أبي مُعَاوية, عن الأعْمش, عن أبي صالح, عن أبي هُرَيْرة, ووهم عليهم في ذلك, إنَّما رووه عن أبي مُعَاوية, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي سعيد, كذلك رواه عنهم النَّاس, كما رواه ابن ماجه(5)عن أبي كُريب أحد شُيوخ مسلم فيه.
قال: والدَّليل على أنَّ ذلكَ وهمٌ وقع منه في حال كِتَابته, لا في حفظه, أنَّهُ ذكر أولاً حديث أبي مُعَاوية, ثمَّ ثنَّى بحديث جرير, وذكر المتن وبقية الإسْناد, ثمَّ ثلَّث بحديث وكيع, ثمَّ ربَّع بحديث شُعبة, ولم يذكر المتن ولا بقية الإسْنَاد عنهما, بل قال: عن الأعمش بإسناد جرير وأبي مُعَاوية بمثل حديثهما, فلولا أنَّ إسْنَاد جرير وأبي مُعَاوية عندهُ واحد لما جمعهما في الحوالة عليهما.
ويعرف العلماء الضبط من خلال أمور :
1. النظر في روايات الراوي التي شارك فيها الرواة الآخرين الثقات،فإن وافقهم ولم يخالفهم في زيادة أو نقص أو تغيير،فهذا دليل ضبطه،وإن كان الغالب فيه عدم الموافقة وكثرة المخالفة،فهذا يدلُّ على عدم ضبطه،وعلى حسب نسبة المخالفة يُعرف مقدار الضبط عند هذا الراوي .
__________
(1) -الإبانة الكبرى لابن بطة برقم (34) ومسند الشاميين - (ج 1 / ص 344)برقم (599) ومشكل الآثار للطحاوي برقم (3269) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني برقم (694) وعدي 1/152 و153 و3/904 والبداية والنهاية لابن كثير 10/337 والعقيلي 1/9 و10 و4/256 وشرف أصحاب الحديث برقم 14و 52 و 53 و 55 و 56 وهو حديث حسن لغيره وصححه الشيخ ناصر في التعليق على مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 53) برقم (248 )
(2) - الجرح والتعديل 2/17
(3) - 3/343-344
(4) - صحيح مسلم(6651 ) النَّصيف : النصف
(5) - سنن ابن ماجه (166)(1/442)
2. أن لا يكثر التفردُ،أمّا إن كان غالبُ أحاديثه مفاريد لا يشاركه فيها أحد في أصل الرواية،فهذا دليلٌ على أنه ليس بصحيح الرواية،بل قد يُتهم بالكذب بكثرة تفرده،وعدم رواية غيره لها .
3. أن لا يتفرد بالمناكير،فقد لا يكون كثير التفرد،لكنه يتفرد فقط بالمناكير،وإن كانت معدودة . والنكارة قد تكون ظاهرة لا تخفى على أيّ طالب علم،كما يعبر عنها ابن حبان فيقول : هذا حديث لا يخفى على من ليس الحديث صناعته أنه ليس بصحيح،ومثل ما قيل لشعبة :" كيف تعرف أن الحديث كذب ؟ قال : إذا كان في الحديث أنك لا تأكل القَرْعة حتى تذبحها،فهو كذب" . لكن قد تخفى النكارة فلا يعرفها إلا المتمرس من الحفاظ الكبار،الذين يلهمهم الله -جل وعلا- اكتشاف ومعرفة الأحاديث التي يمكن أن تنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،والأحاديث التي لا يمكن أن تنسب إليه - صلى الله عليه وسلم - .
4. ملاحظة طبقة الراوي،ومقدار تفرده : فكلما تأخرت طبقة الراوي لا نقبل منه التفرد،فالتفرد في طبقة التابعين أسهل وممكن من طبقة أتباع التابعين،وفي هذه الطبقة أشد من التي قبلها،وإمكانية التفرد فيها أكبر من طبقة أتباع أتباع التابعين،أما طبقة أتباع أتباع أتباع التابعين فلا يكاد يُقبل تفرد أحد فيها،بل ولا يُتصور حديث صحيح يرويه ثقة لا يجد مَنْ ينقله عبر هذه السنين إلا واحد،فهذا أدعَى لردّ تفرده،وتضعيف حديثه .
وبالنسبة للتفرّد تُلاحظ في الحكم على حديث الراوي المقبول (في أي درجة من درجات القبول) إذا تفرد بحديث أمورٌ :
ا -درجة ضبط الراوي وموازنتها بدرجة التفرّد (والتي تزداد درجتها كلما كان الحديث المتفرَّد به الدواعي على نقله أوفر) .
ب. وموازنة ذلك بطبقة الراوي كما سبق .
ج. وموازنة ذلك بطبقة الراوي في الشيخ الذي تفرّد عنه - كما ذكر ذلك مسلمٌ في مقدمة صحيحه،في طريقة معرفة المنكر من الحديث - .
واختلال الضبط يُقسمه العلماء إلى قسمين :
1. اختلال ضبط طارئ .
2. اختلال ضبط لازم .
أما اختلال الضبط اللازم : فهو سيء الحفظ من صغره،فمثل هذا له مراتب على حسب نسبة الخطأ عنده،وعلى هذا يُفرّق بين الرواة . وعموماً من لم يكن جَرْحُهُ إلا اختلال الضبط،فمهما فحش الغلط منه فهو في حيّز الاعتبار،وينفع في المتابعات والشواهد . قد يقول العلماء عمّن فحش غلطه : إنه متروك،لكن تأتي عبارة أخرى لعالم يقول :هو فاحش الغلط،لكنه لم يكن يكذب -أي عن الراوي المتروك في العبارة السابقة- . فبذلك نعرف أن قولهم متروك يعني : أن أحاديثه متروكٌ الاحتجاج بها،أي : ضعيفة،فلما قيل : لا يتهم بالكذب،عرفنا أنه برئ من الكذب،وإنما ضَعْفُه من خلال اختلال الضبط ،وإنما قلنا باعتبار رواية فاحش الغلط غير المتهم بالكذب ؛ لأنه قد يأتي راوٍ فاحش الغلط -غير متهم بالكذب- فيروي حديثاً بإسناده ومتنه،ويأتي آخر مثله يسوق نفس الحديث بإسناده ومتنه،فيتوافقان في الصفات والرواية،فمن النادر جداً أن يتوافق الاثنان على الخطأ بهذه الدقة،فهؤلاء يُعتبر بحديثهما ويتعاضدان .
لكن يُقَسَّمُ أصحابُ اختلال الضبط إلى طبقات،فمن كان خطؤه فاحشاً فلا بد من متابعة تامة قوية حتى تشدّ من روايته،أما من كان خطؤه أقلّ من ذلك فيمكن أن يتقوى بأيّةِ متابعة .
أمَّا الخطأ الطارئ وهو في الرواة المختلطين،فهناك كتب تخدم الباحث عن الرواة المختلطين،مثل كتاب (الكواكب النيّرات فيما اختلط من الرواة الثقات) لابن كيّال،وكتاب (المختلطين) للعلائي،وكتاب (الاغتباط فيمن رُمي من الرواة بالاختلاط) لسبط ابن العجمي،وأجلُّ هذه الكتب هما الكتابان الأوّلان،خاصة أن كتاب (الكواكب النيّرات) قد ملأه محققه بالتعليقات المفيدة في هذا الباب،كذلك كتاب (المختلطين) خَدَمَهُ محققه خدمة جليلة .(1/443)
*حكم الراوي المختلط : إذا لم يُميّز فحديثه مردود . والمقصود بالتمييز : أي تمييز من سمع منه قبل الاختلاط ممن سمع منه بعد الاختلاط .
أما إذا تميّز،فمن سمع منه قبل الاختلاط فحديثه مقبول،ومن سمع منه بعد الاختلاط فحديثه مردود،إلا إذا توافق مع راوٍ سمع منه قبل الاختلاط،فلا يُتصور أن الراوي المختلط يُخطئ في جميع أحاديثه،فقد يكون هناك أحاديث يرويها على الصواب .
تنبيهٌ : بعض العلماء قد يُغاير بين معنى التغيّر والاختلاط ؛ لأنه بلا شك أن كل الرواة إذا كبر سنُّهم لا بدَّ وأن يختل حفظهم،وهذا من طبيعة البشر،لكن من الرواة من يختلُّ حفظهم إلى درجة أن يكثر هذا الاختلال فيكون مختلطاً،ومنهم من يحصل له الاختلال لكنه لا يزال متماسكاً،فكأنه نزل من تام الضبط إلى خفيف الضبط،فينزل حديثه من الصحة إلى الحسن،ومنهم من لا يختلُّ إلا بدرجة يسيرة جداً،لا تؤثر في إنزاله عن مرتبة تمام الضبط . وقد يُنبه العلماء أحياناً على هذا الأمر،كما قال الذهبي في ترجمة أبي إسحاق السبيعي :(تغيّر تغيُرَ السِّنِّ،ولم يختلط)،فبيّن أن اختلاطه يسير ؛ لكبر السِّن،وليس اختلاطاً فاحشاً .
ما الذي يجعل الراوي غيرَ ضابطٍ؟
هي خمسة أسباب:
1- فحش الغلط؛ أي كثير الغلط.
2- سوء الحفظ.
3- الوهم.
4- الغفلة.
5- المخالفة للثقات.
نأتي على المخالفة للثقات ينشأ عنها من أسباب الضعف خمسة أشياء؛ أي ما الذي يجعل الراوي يُحكم عليه بأنه مخالف للثقات؟
1- إما التصحيف والتحريف.
2- المزيد في متصل الأسانيد.
3- المدرج.
4- المضطرب.
5- المقلوب.
يعني ينشأ من كون الراوي مخالفا للثقات خمسة أنواع من أنواع الأحاديث الضعيفة،وهي الأحاديث المصحَّفة والمحرَّفة وفيها كتب مصنفة أحسنها كتاب أبي أحمد العسكري،والمزيد في متصل الأسانيد،وللخطيب البغدادي فيها كتاب والمدرج وله فيها أيضا كتاب في مجلدين اسمه "الفصل للوصل المدرج في النقل" للخطيب البغدادي، والمضطرب وفيه كتاب للحافظ ابن حجر. والمقلوب هذه أنواع الأحاديث الضعيفة التي تنشأ من مخالفة الراوي للثقات.
*مسألة الرواية عن أهل البدع : قد اختلف فيها أهل العلم كثيراً،فمنهم من منع الرواية عن المبتدعة مطلقاً،ومنهم من قبلها عنهم مطلقاً،ومنهم من فصّل،واختلفوا أيضاً في هيئة هذا التفصيل .
والراجح في رواية المبتدع أنها لا تقبل إلا بالشروط الآتية :
الشرط الأول : أن لا يكون مُكفراً ببدعته،فمن كفَّرَهُ أهل السنّة والجماعة بعينه،فهذا لا يستحقُّ أن يذكر في زمرة المسلمين فضلاً عن أن يكون من الرواة المقبولين .
الشرط الثاني : أن لا يكون فيه سببٌ لردّ الحديث سوى البدعة،أي أن يكون معروفاً بالتقوى والورع،ومُعظماً لحرمات الدين،وضابطاً ...إلخ،فالمقصود : أن لا يكون فيه طعنٌ سوى البدعة .
الشرط الثالث : أن يكون غير معاندٍ متبع للهوى،وهي التي يُعبر عنها العلماء بقولهم : أن لا يكون داعية،وقد عبّر عنها الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بقوله : أن لا يكون معانداً . فعبّر بالمعاند ولم يُعبر بمطلق الداعية .
ومَنْ نقل الإجماع كابن حبان والحاكم على عدم قبول الداعية،فيغلب على الظن أنهم يقصدون الداعية المعاند الذي يتبع الهوى،فيعرف الحقَّ ويُصرُّ على الباطل استكباراً وعناداً،فهذا غير متأول،فلا نقبل روايته مطلقاً،أما المتأول فيُتساهل مع روايته دون الأول .(1/444)
الشرط الرابع : أن لا يروي حديثاً منكراً يؤيد بدعته . وينبغي التنبه لكون الحديث منكراً،فلا يكفي أنه يؤيد بدعته،فقد يروي المبتدع حديثاً يؤيد بدعته،لكن لا يكون منكراً،فحينها إذا اجتمع مع بقية الشروط قبلنا هذه الرواية،كما أخرج الإمام مسلم حديث عدي بن ثابت وهو من الرافضة عَنْ زِرٍّ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ : وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَىَّ أَنْ لاَ يُحِبَّنِى إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضَنِى إِلاَّ مُنَافِقٌ.(1)
،فهذه روايةٌ في صحيح مسلم لأحد المبتدعة الدعاة،يؤيد فيها بدعته،لكن ليس فيها نكارة،فلا يشك أحدٌ أن علي بن أبي طالب لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق،بل هذا نقوله في جميع الصحابة ؛ فلذلك أخرج هذه الرواية الإمام مسلم .
*وهنا يرد سؤال،وهو أنه هل يحقُّ لنا أن نردَّ روايةً لمبتدع ؛ لأنها منكرة تؤيد بدعته،ومع ذلك نقبل بقية مروياته ؟
فهو إما أن يُتهم بالكذب ؛ لروايته لذلك الحديث المنكر،وعليه فلا يُقبل له حديثٌ مطلقاً،وإما أن تقبل جميع أحاديثه،حتى الرواية التي نزعم أنها منكرة!
فالجواب : أن هذا السؤال بهذا الاستثناء صحيح،وهذا الحكم مشابه لما يفعله القاضي في ردّ شهادة من له مصلحة أو قرابة للمشهود له،كشهادة الأب لابنه ؛ لأنها مظنة أن يروي سوى الحق،وإن كان الشاهد عدلاً في نفسه،ومن أهل الديانة،مع أن القاضي قد يقبل شهادة الرجل نفسه،في قضية أخرى تنتفي فيها تلك المظنة .فمثل ذلك رواية الراوي المبتدع،فيما إذا روى ما يؤيد بدعته،إذا كان منكراً .
تنبيهٌ : على طالب العلم أن يتنبه إلى أن كثيراً من ألفاظ العلماء حول المبتدعين تتعلق بهم في حياتهم -من حيث الرواية-،فيقول -مثلاً- : لا يُروى عن فلان . يقصد بذلك تحذير الناس من هذا الرجل مادام حيّاً،وهجره وتأديبه بذلك ؛ ولكي لا يذهب إليه الناس فيروي لهم الروايات ويُدخل عليهم شُبه البدعة . فكثيراً من تلك العبارات كانت من باب الدعوة لهجر المبتدع،لا لبيان حكم روايته،ومن ذلك ماجاء عن الإمام أحمد أنه ذكر أحد المبتدعة وحذّر الناس منه،وكان لا يروي عنه في حياته،فلما مات روى الإمام أحمد عن رجل عنه ؛ وذلك لانقطاع الخوف من فتنته،وكان رجلَ صدقٍ،ضابطاً للرواية،فبقيت مصلحة الرواية عنه،وذهبت مفسدة انتشار بدعته،وإشهار أمره .
ـــــــــــــــ
*مسألةُ : مراتب الجرح والتعديل :
أول من قسّم هذه المراتب تقسيماً واضحاً هو ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه (الجرح والتعديل) ثم تتابع بعد ذلك بعض أهل العلم في بيان هذه المراتب،مابين مختصر ومطوّل،فمن أكثر الكتب التي أطالت في بيان هذه المراتب كتاب (فتح المغيث) للسخاوي،وأكثَر من ذكر ألفاظ الجرح والتعديل .
لكن يمكننا أن نقسّم هذه المراتب إلى مراتب أربع أساسية،يدخل تحت كل مرتبة مراتب فرعية :
المرتبة الأولى : مراتب التصحيح بجميع ألفاظها،والمقصود الرواة الذين يُصحح حديثهم .
المرتبة الثانية : مراتب التحسين،وهم الرواة الذين يُحسن حديثهم لذاته .
المرتبة الثالثة : مراتب التضعيف،والمقصود خفيف الضعف لا الشديد .
المرتبة الرابعة : مراتب التضعيف الشديد .
ففي مراتب التصحيح تأتي عبارة:أمير المؤمنين،الحافظ الحجة،أوثق الناس،وبعدها بمرتبة تأتي عبارة : ثقة،ثبت،حجة .
ومراتب التحسين تأتي فيها مرتبة : صدوق،ثم مرتبة لا بأس به،وتحتها بقليل مرتبة أرجو أنه لا بأس به،وتحتها صالح،وتحتها شيخ،على خلاف فيهما .
ومراتب التضعيف : ليس بالقوي،ضعيف،ليّن،وما أشبهها.
ومراتب التضعيف الشديد:لفظ متروك،منكر الحديث،ساقط الحديث،ذاهب الحديث،واهٍ بمرة،ضعيف جداً،كذاب،ركن الكذب،دجّال الدجاجلة في آخر المراتب.
__________
(1) صحيح مسلم(249 ) -(1/445)
يلاحظ أننا لم نذكر مرتبة للوضع،فلم نقل مراتب الحكم بالوضع ؛ وذلك لأن الوضع حكمٌ على الحديث،وليس حكماً على الراوي،ولذلك نبّه العلماء فقالوا : ربما صدق الكذوب .فلا يكفي للحكم على الحديث بأنه موضوع مجرد أن يكون فيه راوٍ كذاب،أو يكون فيه راوٍ من مراتب الضعف الشديد،بل أكتفي بالحكم على إسناد الحديث بأنه إسناد شديد الضعف أو ضعيف جداً،ولا أقول : موضوع حتى تكون هناك قرينة .
هناك كتب أُلّفت في قضايا الجرح والتعديل،ومراتبه، من أشهرها (الرفع والتكميل) للكنوي،وكتاب (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) لأبي الحسن المصري،وكتاب (ضوابط الجرح والتعديل) للشيخ د/ عبدالعزيز العبدالطيف،وهو كتاب جيّد على اختصاره،وكتب المصطلح عموماً تعتني ببيان مراتب الجرح والتعديل .
*تنبيهات حول قضايا الجرح والتعديل :
الأول : وجوب التنبه إلى الاصطلاحات الخاصة لبعض الأئمة
حيث إن الاصطلاحات قد يكون لها معنىً خاص عند إمام،يختلف هذا المعنى عند الجمهور،كما ذكروا عن البخاري أن عبارة "سكتوا عنه"(1)عنده تدلُّ على التضعيف الشديد،مع أن ظاهر العبارة أنهم ما تكلموا فيه،مع أن المراد العكس أي أنهم تكلموا فيه كلاما جارحاً شديداً،فقصد بتلك العبارة أنهم أصبحوا لا يعتبرونه شيئاً . وكما ذكروا أيضاً عن يحيى بن معين أنه إذا قال :"ليس بشيء"،فإنه يقصد قليل الحديث،وإن كان هذا القول ليس على إطلاقه،وأن الصواب أن يحيى بن معين يقول هذه العبارة في الغالب،والأصل أنه يقصد بها التضعيف الشديد،إلا أنه أطلقها مرّات وأراد بها قلة الحديث .
وقد نبّه على أهمية قضية الاصطلاحات الخاصة الإمام الذهبي في كتابه (الموقظة)،حيث قال(2):" نحن نفتَقِرُ إلى تحرير عباراتِ التعديلِ والجرح وما بين ذلك،من العباراتِ المُتَجَاذَبَة ،ثم أهَمُّ من ذلك أن نَعلمَ بالا ستقراءِ التامِّ : عُرْفَ ذلك الإمامِ الجِهْبِذ،واصطلاحَه،ومقاصِدَه،بعباراتِه الكثيرة .
أما قولُ البخاري:( سكتوا عنه)،فظاهِرُها أنهم ما تعرَّضوا له بجَرْح ولا تعديل،وعَلِمنا مقصدَه بها بالا ستقراء : أنها بمعنى تركوه .
وكذا عادَتُه إذا قال : ( فيه نظر )،بمعنى أنه متَّهم،أو ليس بثقة .فهو عنده أسْوَأُ حالاً من ( الضعيف )
وبالاستقراءِ إذا قال أبو حاتم : ( ليس بالقوي )،يُريد بها : أنَّ هذا الشيخ لم يَبلُغ درَجَة القويِّ الثَّبْت . والبخاريُّ قد يُطلقُ على الشيخ : ( ليس بالقوي )،ويريد أنه ضعيف .
ومن ثَمَّ قيل : تجبُ حكايةُ الجرح والتعديل،فمنهم من نَفَسُهُ حادٌّ في الجَرْح،ومنهم من هو معتدِل،ومنهم من هو متساهل .
__________
(1) - ففي تاريخ البخاري (ج 1 / ص 60) [ 331 ] محمد بن شجاع بن نبهان مولى قريش المروزي سكتوا عنه
وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 577) 7663 - محمد بن شجاع النبهاني.عن أبي هارون العبدى،وغيره.قال ابن المبارك: ليس بشئ ،وقال غير واحد: متروك،وقال البخاري: محمد بن شجاع بن نبهان مروزى سكتوا عنه.قلت: روى عنه نعيم بن حماد،وهدبة بن عبد الوهاب.
وفي لسان الميزان للحافظ ابن حجر - (ج 7 / ص 78) [ 4620 ] محمد بن شجاع بن نبهان النبهاني المروزي نزيل المدائن عن زيد العمي قال ابن المبارك ليس بشيء وعنه نعيم بن حماد وزيد بن الحباب وعيسى غنجار"
وقوله في الأعم الأغلب عن راوٍ فيه نظر أو سكتوا عنه يعني به الجرح الشديد وغالبه وافقه عليه غيره ،وبعضه مما خالفه غيره والصواب مع غيره أمثلة :
تمام بن نجيح وراشد بن داود الصنعاني وثعلبة بن زيد الحماني وجعدة المخزومي وجميع بن عمير وحبيب بن سالم وحريث بن خرّيت وسليمان بن داود الخولاني وطالب بن حبيب المدني الأنصاري وصعصعة بن ناجية وعبد الرحمن بن سلمان الرّعيني وغيرهم فقد قال فيهم ما ذكرناه ،ووثقهم غيره ،والصواب معهم فتنبه.
(2) - الموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 19)(1/446)
فالحادُّ فيهم : يحيى بنُ سعيد،وابنُ معين،وأبو حاتم،وابنُ خِراش،وغيرُهم .
والمعتدلُ فيهم : أحمد بن حنبل،والبخاري،وأبو زُرْعَة .
والمتساهلُ كالترمذيِّ،والحاكم،والدارقطنيِّ في بعض الأوقات . وقد يكون نَفَسُ الإمام ـ فيما وافَقَ مذهبَه،أو في حالِ شيخِه ـ ألطفَ منه فيما كان بخلاف ذلك . والعِصمةُ للأنبياءِ والصديقين وحُكَّام القِسْط .
ولكنَّ هذا الدِّين مؤيَّد محفوظ من الله تعالى،لم يَجتمع علماؤه على ضلالة،لا عَمْداً ولا خطأ،فلا يَجتمِعُ اثنانِ على توثيقِ ضعيف،ولا على تضعيفِ ثقة،وإنما يقعُ اختلافُهم في مراتبِ القُوَّةِ أو مراتبِ الضعف . والحَاكمُ منهم يَتكلَّمُ بحسبِ اجتهادِهِ وقُوَّةِ مَعارِفِه،فإن قُدِّرَ خطؤه في نقده،فله أجرٌ واحد،والله الموفق " .
وهذا يقوله الإمام الذهبي،ويُظهر افتقاره إلى معرفة اصطلاحات الأئمة في ألفاظهم،وبهذا يُعلم مدى الحاجة إلى خدمة قضايا ومراتب وألفاظ الجرح والتعديل،فلم تُخدم بما فيه الكفاية،وكذلك قرّر الشيخ عبدالرحمن المعلّمي،في مقدمة (الفوائد المجموعة)،حيث تكلّم فيها عن أن كثيراً من معاني ألفاظ الجرح والتعديل المقررة في كتب المصطلح،تخالف معانيها الحقيقية .
الثاني : التنبيه إلى مراتب العلماء تشدداً وتساهلاً واعتدالاً في الجرح والتعديل :
تكمن أهمية معرفة المتشدد من المتساهل من أئمة الجرح والتعديل فيما إذا تعارض قول متعنت في الجرح متشدد مع من هو معتدل في حكمه على الرجال فيقدم حكم المعتدل على المتعنت لتشدده ولايقبل جرحه إلا مفسرا،وكذلك فيما لو تعارض قول متساهل في الرجال مع من هو معتدل في حكمه فيقدم حكم المعتدل على المتساهل...كما أنك إذا رأيت المتعنت في الجرح وثق أحد الرواة فتمسك بتوثيقه .
ولنضرب مثالا على ذلك بـ أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي،المتوفى سنة 277هـ
قال الذهبي في ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (172)عن الرواة (قسم منهم متعنت في الجرح متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه فهذا إذا وثق شخصاً فعضَّ على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه لايقبل تجريحه إلا مفسراً).
وفي السير (13/260)( إِذَا وَثَّقَ أَبُو حَاتِمٍ رَجُلاً فَتَمَسَّكْ بِقَولِهِ،فَإِنَّهُ لاَ يُوَثِّقُ إِلاَّ رَجُلاً صَحِيْحَ الحَدِيْثِ،وَإِذَا لَيَّنَ رَجُلاً،أَوْ قَالَ فِيْهِ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ،فَتَوَقَّفْ حَتَّى تَرَى مَا قَالَ غَيْرُهُ فِيْهِ،فَإِنْ وَثَّقَهُ أَحَدٌ،فَلاَ تَبْنِ عَلَى تَجْرِيْحِ أَبِي حَاتِمٍ،فَإِنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الرِّجَالِ،قَدْ قَالَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ رِجَالِ (الصِّحَاحِ): لَيْسَ بِحُجَّةٍ،لَيْسَ بِقَوِيٍّ،أَوْ نَحْو ذَلِكَ.)
وهذا يفيد طالب الحديث فائدة كبيرة،وإليك الآن بعض الأمثلة على المتشددين والمعتدلين والمتساهلين من أهل العلم باحديث:
* أمثلةعلى المتشددين :
1- يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد البصري المتوفى سنة 198هـ قال الذهبي في السير (9/ 183)( كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مُتَعَنِّتاً فِي نَقدِ الرِّجَالِ،فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ وَثَّقَ شَيْخاً،فَاعْتمِدْ عَلَيْهِ،أَمَّا إِذَا لَيَّنَ أَحَداً،فَتَأَنَّ فِي أَمرِهِ حَتَّى تَرَى قَوْلَ غَيْرِهِ فِيْهِ،فَقَدْ لَيَّنَ مِثْلَ إِسْرَائِيْلَ وَهَمَّامٍ،وَجَمَاعَةٍ احْتَجَّ بِهِمُ الشَّيْخَانِ).
وفي السير (7/194)( هَذَا مِنْ تَعَنُّتِ يَحْيَى فِي الرِّجَالِ،وَلَهُ اجْتِهَادُه،فَلَقَدْ كَانَ حُجَّةً فِي نَقْدِ الرُّوَاةِ.).
وفي الميزان (2/171)(يحيى متعنت جداً في الرجال)،وانظر الموقظة (83)(1/447)
2- أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي،المتوفى سنة 233هـ الموقظه (83)،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)
3- أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي،المتوفى سنة 277هـ الميزان (2/43و355)،السير (13/ 260) و(6/320)،وفي المغني في الضعفاء (1/137) قال الذهبي (قد يقول أبو حاتم فلان مجهول،ويكون قد روى عنه جماعة)،الموقظة (83) وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (172)
4-أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي،المتوفى سنة 322هـ قال في كتابه الضعفاء(3/962)عن الإمام علي بن المديني(جنح إلى ابن أبي دواد والجهمية،وحديثه مستقيم إن شاء الله) قال الذهبي في الميزان (3/138) (ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ماصنع) وفي (3/140) قال (أفما لك عقل يا عقيلي،أتدري فيمن تتكلم)
5- إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني،المتوفى سنة 365 هـ (193)(وهو ممن يبالغ في الجرح)،الميزان(2/66)(أبوإسحاق الجوزجاني في عبارته فظاظة وهذه عادته).
6- عبد الرحمن بن يوسف بن خراش،المتوفى سنة 283هـ الموقظة (83) قال السخاوي عنه (قوي النفس كأبي حاتم )(1)
7- شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي أبوبسطام الواسطي المتوفى سنة160هـ قال الذهبي في المغني في الضعفاء (1/538)(شعبة متعنت)
8- أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي،المتوفى سنة 303هـ قال الذهبي في السير (9/228)( وَعَبْدُ اللهِ - بن وهب- حُجَّةٌ مُطْلَقاً،وَحَدِيْثُهُ كَثِيْرٌ فِي الصِّحَاحِ،وَفِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ،وَحَسْبُكَ بِالنَّسَائِيِّ وَتَعَنُّتِهِ فِي النَّقْدِ حَيْثُ يَقُوْلُ: وَابْنُ وَهْبٍ ثِقَةٌ،مَا أَعْلَمُهُ رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ حَدِيْثاً مُنْكَراً.).،وانظر المغني في الضعفاء(1/538)،الميزان(1/437) والسير (5/38).
9- أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي،المتوفى سنة 394هـ في الميزان (1/8)(أبو الفتح الأزدي يسرف في الحرح)،وفي الميزان (1/61)(لايلتفت إلى قول الأزدي فإن في لسانه في الجرح رهقاً).
10- أبو نعيم الفضل بن دكين،المتوفى سنة 218هـ وقيل 219هـ السير (10/250)
11 - أبو محمد علي بن حزم الأندلسي،المتوفى سنة 456هـ في المغني في الضعفاء(2/653)(ابن حزم ضعيف لايلتفت إلى تضعيفه بلا حجة)،وفي ذيل الضعفاء والمتروكين(44)(ابن حزم متشدد،لايقبل قدحه).
أمثله على المعتدلين :
1- أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)،السير(16/156)( وَهُوَ مُنْصِفٌ فِي الرِّجَالِ بِحَسبِ اجتهَادِهِ)
2- أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري،المتوفى سنة 256هـ الموقظه (83)،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)
3- أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل،المتوفى سنة 241هـ الموقظه (83)،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)
4-أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي،المتوفى سنة 264هـ الموقظه (83)،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)
5- أبو عبد الله محمد بن سعد،المتوفى سنة 230هـ قال الذهبي في ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (172) (تكلم محمد بن سعد الحافظ في كتاب الطبقات له بكلام جيد مقبول).
أمثلة على المتساهلين :
1- أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النسيابوري،المتوفى سنة405هـ الموقظه (83)،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)
1- أبو الحسن أحمد بن عبد الله العجلي الكوفي،المتوفى سنة 261 هـ وهذا بين لمن اطلع على كتابه معرفة الثقات..
قلت : الصواب أنه ليس من المتساهلين ، بل من المعتدلين ، كما فصلت ذلك في الكلام على كتابه .
2- أبو حفص بن شاهين،المتوفى سنة 385 هـ وهذا بين لمن اطلع على كتابه معرفة الثقات..
4- أبو جعفر أحمد بن صالح المصري،المتوفى سنة 248هـ تهذيب التهذيب (2/412)
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 90)(1/448)
5- أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي،المتوفى سنة 458هـ ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( 172)
6- أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني،المتوفى سنة 385هـ الموقظه (83) وقيده الذهبي بقوله في بعض الأوقات.
7- محمد بن عيسى بن سورة الترمذي،المتوفى سنة275هـ قال الذهبي في الميزان (3/ 407)( فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِد الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ)(1)،
__________
(1) - قلت : هو يعني حديثا معينا وهو الصلح بين المسلمين ،وفي نيل الأوطار - (ج 5 / ص 324) وَالْحَدِيث الثَّانِي الْمَذْكُور فِي الْبَابِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ،وَفِي إسْنَاده كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ،وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّة الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيل عَلَى ضَعْفه ،وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ شَرَطَ فِي حَدّ الْحَسَن أَنْ لَا يَكُون فِي إسْنَاده مَنْ يُتَّهَم بِالْكَذِبِ ،وَكَثِيرٌ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ وَأَبُو دَاوُد : إنَّهُ رُكْن مِنْ أَرْكَان الْكَذِبِ ،وَقَدْ حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ مَعَ هَذَا عِدَّة أَحَادِيثَ وَصَحَّحَ لَهُ حَدِيثَ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ } قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَان : فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِد الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : لَا يُقْبَل هَذَا الطَّعْن مِنْهُ فِي حَقّ التِّرْمِذِيِّ ،وَإِنَّمَا جَهَّلَ التِّرْمِذِيَّ مَنْ لَا يَعْرِفهُ كَابْنِ حَزْمٍ وَإِلَّا فَهُوَ إمَام مُعْتَمَد عَلَيْهِ ،وَلَا يَمْتَنِع أَنْ يُخَالِف اجْتِهَاده اجْتِهَاد غَيْره فِي بَعْض الرِّجَال ،وَكَأَنَّهُ رَأَى مَا رَآهُ الْبُخَارِيُّ ،فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه فِي تَكْبِير الْعِيدَيْنِ : إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَن ،وَلَعَلَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُسْنِ بِاعْتِبَارِ الشَّوَاهِد ،فَإِنَّهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُور فِي الْبَابِ ،فَارْتَفَعَ بِوُجُودِ حَدِيثٍ شَاهِد لَهُ إلَى دَرَجَة الْحُسْن وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ،وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيق مُغِيرَةَ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ ،وَإِسْنَاده قَوِيّ . اهـ
وانظر الرد المفصل عليه في توضيح الأفكار - (ج 1 / ص 169) فما بعدها(1/449)
وفي الميزان (4/416) (عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلاً فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: « رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لأَوَّاهًا تَلاَّءً لِلْقُرْآنِ »(1). وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.،حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه،فلا يغترَّ بتحسين الترمذي،فعند المحاققة غالبها ضعاف.)(2).
وقال الذهبي في السير(13/276) عن جامع الترمذي (قُلْت: (جَامعُهُ) قَاضٍ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَحِفْظِهِ وَفِقْهِهِ،وَلَكِنْ يَتَرَخَّصُ فِي قَبُوْلِ الأَحَادِيْثَ،وَلا يُشَدِّد،وَنَفَسُهُ فِي التَّضْعِيفِ رَخْوٌ)،الموقظه (83)،ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل(158)(3)
فهذه القضية مهمة وعميقة أيضاً،ومما يدلُّ على دقتها وعمقها أننا ينبغي أن نعرف منزلة الإمام الذي وصف الأئمة بالتشدد والتساهل،هل هو متشدد أو متساهل ؟ فالمسألة دقيقة تحتاج إلى دراسة،فلا يُعتبر حكم فلان من الأئمة على فلان هو الحكم الفصْل الذي لا محيد عنه ؛ فلعله لكونه متشدداً يصف غيره بالتساهل،فالمسائل هذه لا يمكن الجزم فيها،بل تحتاج إلى دراسةٍ وبحثٍ وتحري .
وهنا تنبيه يتعلق بهذه المسألة : وهو أن بعض طلبة العلم يظنُّ أن وصف العالم بالتشدد أو بالتساهل أو بالتوسط،أنه يعني أن لا يُقبل من إمام متشدد أن يحكم بالتضعيف،ونعتبر هذا من تشدده،كما أنه لا يقبل توثيق المتساهل مطلقاً،وهذا الظنُّ غيرُ صحيح،ولم يقلْ به أهل العلم،ولا الذهبي نفسه،الذي وصف العلماء بالتشدد والتساهل،فلم يفعل هذا الفعل . بل وُصِفَ العلماء والأئمة بهذه الأوصاف ؛ لتنتفع بها عند تعارض أقوال الجرح والتعديل فقط،أما من يظن أنه يردّ قول المتشدد في التضعيف،والمتساهل في التوثيق،فهذا خطأ في المنهج ؛ لذلك تجد بعضهم حينما يقف على حكم للحافظ ابن حجر يعتمد فيه على توثيق ابن حبان،تجدهم يتعجبون من صنيع الحافظ،مع أنه هو الذي وصف ابن حبان بالتساهل في التوثيق،وهذا خطأ فمن الذي قال : أن وصف الإمام بالتساهل يقتضي ردّ قوله في التوثيق،وكذا العكس ؟!!.
__________
(1) - ففي سنن الترمذى( 1077 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ قَالاَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلاً فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ « رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لأَوَّاهًا تَلاَّءً لِلْقُرْآنِ ». وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ أَخُو زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَكْبَرُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَقَالُوا يُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلُّ سَلاًّ. وَرَخَّصَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ. السل : انتزاع الشىء فى رفق
وفي الدراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 1 / ص 240) وفي سبل السلام - (ج 3 / ص 170) وفي نيل الأوطار - (ج 6 / ص 279) منهم قد ذكروا تحسين الترمذي وسكتوا عليه
(2) - قلت : هذا الكلام مردود من الإمام الذهبي رحمه الله
(3) - في هذا الكلام نظر كبير(1/450)
وكذلك تجدُ أن أعرف الناس بـ(المستدرك) للحاكم هو الذهبي -الذي اختصره-،وهو الذي تعقب الحاكم في مرّات بألفاظ لاذعة وشديدة جداً،لمّا صحح بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة،مع ذلك قال الذهبي في تصحيح الحاكم العبارة السابقة،وهي : " وإن صَحَّحَ له كالدارقطنيِّ والحاكم،فأقلُّ أحوالهِ : حُسْنُ حديثه "(1).
وكذلك الذهبي انتقد الترمذي بالتساهل،وقال فيه -كما سبق- :" وإن صَحَّح له مثلُ الترمذيِّ وابنِ خزيمة فجيِّدُ أيضاً " .
كما أن هذا المنهج الخاطئ يقتضي وصف الأئمة والعلماء بعدم العلم ؛ لأنك لو قلت : فلان لا يقبل توثيقه،فمعنى ذلك أنك أهدرت أحكامه،والأحكام لا تهدر إلا لمن كان الغالب عليه الخطأ،أما من كان عالماً فتكون غالب أحكامه صواب،ويجب عليك قبول أحكامه،إلا إذا جاء ما يدلّ على أنه خالف الصواب .
فائدة وصف العلماء بالتشدد والتساهل والاعتدال عند التعارض،فلو أن جارحاً متشدداً وصف راوياً بأنه ضعيف،ووصفه معتدل بأنه صدوق،ووثقه متساهل،فيصبح الصواب أنه صدوق .
الثالث : التنبيه إلى أن كثيراً من ألفاظ الجرح والتعديل غير محررة المعاني:
فمثلاً : قول الإمام البخاري في الراوي "فيه نظر"،معناه : أنه شديد الضعف،وذكر ذلك الذهبي وابن كثير وغيرهم،وأثبتت الدراسة الاستقرائية لأحد الدارسين،الذي استقصى لفظ البخاري "فيه نظر"،وخرج بأنه يقصد بها : الضعف الخفيف،وأيّد هذه الدراسة بأقوال أئمة ثلاثة،أوّلهم الترمذي،فقد نقل عن شيخه البخاري قوله في راوٍ "فيه نظر" فقال الترمذي مُعبّراً عن ذلك : "فلم يجزم فيه بشئ"،ففهم الترمذي من عبارة "فيه نظر" أن البخاري متردد،والرواة الذين يستحقون التردد هم من كان في آخر مراتب الحسن،وأعلى مراتب الضعف . والثاني : ابن عدي،في كتابه (الكامل) -في أكثر من موضع- حيث يفهم من كلام البخاري "فيه نظر" أنه ضعف خفيف .
وآخر هؤلاء هو الحافظ ابن حجر،حيث ذكر هذه القضية عَرَضاً في كتابه (بذل الماعون في فضل الطاعون)،فقال:"قال البخاري : فيه نظر،وهذه عبارته فيمن يكون وسطاً"،أي بين القبول والردّ،وهذا هو الصحيح .(2)
الرابع : التنبيه إلى أن عبارات الأئمة المتقدمين ليست دائماً متقيدة بالمراتب:
ولكنهم يتوسعون في التعبير على الرواة،فقد يُسئل الإمام عن الراوي،فيهتم ببيان أنه مقبول الرواية أو لا،دون أن يعتني بتفصيل الحكم،ومما يدل على صحة هذا الكلام،أنه إذا سئل الإمام عن راويين أحدهما أوثق من الآخر تجده يقول : الحُجْةُ سفيان الثوري وفلان وفلان،وهذا -أي الآخر- ثقة . فهنا يبين الفرق بين لفظ حجة،ولفظ ثقة،لكن إذا سئل مُفرداً،فقد يجيب بجواب عام لا يقصد به التقيد بمرتبة معينة .
وهنا أمر آخر يدّلُ على أنه قد يحصل نوع من التوسع،أن الصحيح في أول من استخدم "الحسن" بالمعنى الاصطلاحي هو الإمام الترمذي.اهـ
قلت : وهذا غير مسلَّم ،إذ أنَّ إطلاق الحسَن على الحديث وعلى الراوي أيضا واردٌ على لسان عدد من العلماء السابقين للإمام الترمذي من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه ،بل ورد هذا الإطلاق على لسان الإمام أحمد نفسه، قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح :" وأمَّا علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في مسندهِ وفي علله،وظاهرُ عبارته قصدُ المعنى الاصطلاحي،وكأنهُ الإمام السابقُ لهذا الاصطلاح،وعنه أخذ البخاريُّ ويعقوب بن شيبة وغيرُ واحد ،وعن البخاريِّ أخذَ الترمذيُّ " .النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 144و426 )
ولهذا قال ابن الصلاح : " ويوجدُ -أي التعبير بالحسن الاصطلاحي- في متفرقاتٍ من كلام مشايخ الترمذي ،والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما" مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 5)
__________
(1) - الموقظة في علم مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 17)
(2) - قلت : وقد نبهت على ذلك قبل قليل(1/451)
وقد عبَّر الإمامُ أحمد بالحسن عما هو حسن اصطلاحاً ،فقد قال في ابن إسحاق -صاحب المغازي - حسَنُ الحديث كما في الميزان للذهبي 3/469،ولم يردْ أنه ثقةُ الحديث بدليل ما قاله فيه :هو كثير التدليس جدا ،قيل له فإذا قال أخبرني وحدثني فهو ثقة ؟ قال : "هو يقول( أخبرني ) ويخالف"،وظاهرٌ أنَّ هذا الكلام لا يقوله الإمام أحمد فيمن يعتبرهُ ثقةً صحيحَ الحديثِ.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : سألت أحمد , يعني ابن حنبل , عن حارثة بن مضرب . فقال : هو حسن الحديث. ( (الجرح والتعديل)) 3/ (1137).
وقال أبو داود : سمعت أحمد . قال : زيد بن أبي أنيسة , ليس به بأس. ( (سؤالاته)) (324).
وقال أحمد بن محمد بن هانىء : قلت لأبي عبد الله : زيد بن أبي أنيسة كيف هو عندك ؟ فقال : إن حديثه لحسن مقارب , وإن فيها لبعض النكارة ،وهو على ذلك حسن الحديث. ( (ضعفاء العقيلي)) (519).
قال الميموني: حدثنا أحمد. قال: حدثنا وكيع. قال: حدثنا سعيد بن السائب،حسن الحديث. ( (سؤالاته)) (501).اهـ
ولكن لو قيل : إن أول من عرف الحديث الحسن لغيره وأبرزه وأكثر منه هو الإمام الترمذي لكان هذا القول هو الصواب ، لأن تعريف الحسن لذاته لم يعرف قبل الخطابي ، وهو متأخر عن الترمذي كثيرا .
بل حتى استخدام الترمذي للحسن بالمعنى الاصطلاحي يحتاج إلى مزيد دراسة وبحث وتثبت من مُراد الترمذي بالحسن،الذي عرّفه في كتابه (العلل الصغير)،إلا أن العلماء اختلفوا في تفسير تعريفه،وهنا يُلاحظ مدى بعدنا عن فهم كلام الأئمة المتقدمين،فهذا إمام عرّف المصطلح،ومع ذلك اختلف العلماء في فهم التعريف،فكيف بالمصطلحات التي لم تُعرّف أصلاً .
فالمقصود أنه اختلف العلماء في تفسير الحديث الحسن،ولازال الاختلاف قائماً،وتجد تفسير ابن رجب مخالفٌ لتفسير ابن حجر،ومخالفٌ أيضاً للتفسير الذي ذكره ابن كثير،ومخالفٌ أيضاً للتفسير الذي ذكره الذهبي،حتى قال الذهبي في (الموقظة) : "أنا على إياسٍ أن أحدُّ تعريفاً مكتملاً للحديث الحسن".
أمرٌ آخر قد يدلُّ على معاني المصطلحات وألفاظ الجرح والتعديل وهو السياق،أي سياق العبارة،ومن هنا نتنبه إلى ضرورة الرجوع إلى الكتب الأصلية،التي ساقت ألفاظ الجرح والتعديل،فلا يصحُّ أن نكتفي بـ(تهذيب التهذيب) فقط ؛ لأن الحافظ ابن حجر يذكر العبارة الخاصة بالراوي فقط،مع أنك لو رجعت إلى الكتاب الأصلي،قد تجده ذكر هذه العبارة في سياقٍ معيّن يدلُّ على مُراد الإمام،كما لو قُرِنَ الراوي خفيف الضعف براوٍ كذاب،فسئل عنهما الإمام،فيقول : فلان صالح،ليس كفلان الكذاب . وهو لا يقصد بـ"صالح" أنه يُحسّنُ حديثه،لكن لما قُرِنَ بالكذاب،رأى أنه من الظلم أن يُقرن بينهما،وكأنهما في مرتبة واحدة،وأن الواجب التفريق بين هذين الراويين،فيأتي الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) فيقول :"قال يحيى بن معين : فلان صالح" . فإذا رجعت إلى الكتاب الأصلي وجدت أن ابن معين ذكر هذا في سياق معيّن .وهناك سياق آخر،ويحصل كثيراً في مثل كتاب (تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين)،حيث ذكر في مقدمة الكتاب طبقات الرواة عن شيّخ معيّن،فيسأله عن أوثق الرواة عن شعبة،فيقول : أوثقهم فلان وفلان وفلان،فيقول : ثمَّ من ؟،فيقول : ثم فلان وفلان،ثم يسأله عنهم،فيقول : فلان ثقة وفلان ضعيف،وهو من عبارته توثيق الراوي في هذا الشيخ،وتضعيفه في هذا الشيخ،أي أنه في روايته عن شعبة ضعيف . ثم يأتون في كتب المصطلح أو بعض كتب التراجم فيقولون :"قال يحيى بن معين : ضعيف"،وكأنه أطلق العبارة مع أنه ذكرها في سياق مراتب الرواة في هذا الشيخ المعيّن،فهذا يدلُّ على أهمية الرجوع إلى الكتب الأصلية في الجرح والتعديل،ولا يُكتفى بالفرعية ما أمكن ذلك .(1/452)
بل استخدم الإمام الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء وفي ديوان الضعفاء وفي الكاشف،وأحياناً في الميزان عبارات مختصرة ومبتسرة غيرت الحكم على الراوي،ولو قارنا بين قوله في الراوي هنا وبين قوله في الميزان لرأينا تناقضاً صارخاً .
- كقوله في ترجمة أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي (9) صاحب مالك،قبله بعضهم،وقال ابن عدي حدث بالبواطيل اهـ وقال في الميزان 1/83 : ولم ينقم على أبي حذافة متن،بل إسناد ولم يكن ممن يتعمد..) وفي التقريب (9) سماعه للموطأ صحيح،وخلّط في غيره اهـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى عن شعبة : قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة (11) .
وفي الميزان 1/48 قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة وله عن غير شعبة أحاديث مستقيمة اهـ
وقال ابن عدي عنه : بعد كلامه ذلك ولم أر في حديثه شيئاً منكراً،إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابة اهـ 1/171 .
- وكقوله في ترجمة أحمد بن بديل اليامي مشهور قال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه اهـ (12).
وفي الميزان : 1/84 : قال النسائي لابأس به،وقال ابن عدي حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث أنكرت عليه وهو ممن يكتب حديثه،وقال الدارقطني : فيه لين اهـ وفي الكاشف (10) قال س: لابأس به،ولينه ابن عدي والدارقطني وكان عابداً اهـ . وفي التقريب (12) صدوق له أوهام اهـ
- أو كقوله في أحمد بن بشير عن الأعمش وغيره،قال عثمان الدارمي : له مناكير اهـ (13) .
وقال عنه في المغنى : لابأس به،قال الدارقطني : ضعيف يعتبر بحديثه،وقال س : ليس بذاك القوي 1/34
وفي الكاشف (11) قال ابن معين : ليس بحديثه بأس اهـ .
- أو كقوله عن أحمد بن سليمان بن أبي الطيب عن هشيم : ضعفه ابن أبي حاتم اهـ (44) .
وفي الميزان 1/102 : وثق،وضعفه ابن أبي حاتم وحده وقال أبو زرعة : حافظ محله الصدق اهـ .
وفي الكاشف (35) وصفه بالحافظ وسكت عليه .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن عاصم البلخي قال أبو حاتم : مجهول (53) وقال في الميزان 1/106 تعقيباً على كلام أبي حاتم : بل مشهور روى عنه البخاري في الأدب المفرد اهـ .
- أو كقوله في أحمد بن عبد الله بن أبي المضاء شيخ للنسائي:لايعرف (66) وفي التقريب (59) ثقة .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن أبي ابن وهب شيخ مسلم قال ابن عدي : رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه،حدث بما لا أصل له اهـ (69) .
أقول : قال ابن عدي بعد أن ضعفه : ومن كتب عنه من الغرباء غير أهل بلده لا يمتنعون من الرواية عنه،وحدثوا عنه،منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم فمن دونهما،وسألت عبدان عنه فقال : كان مستقيم الأمر في أيامنا،وكان أبو الطاهر بن السرح يحسن القول فيه،وقال : وكل ما أنكروه عليه فمحتمل وإن لم يكن يرويه عن عمه غيره ولعله خصّه به ... اهـ الكامل 1/184-186.
وفي التقريب (67) صدوق تغير بآخره،وفي الجرح والتعديل صدوق 1/60 .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن مروان الدينوري صاحب الحجالة اتهمه الدارقطني اهـ (105) .
وفي الميزان 1/156 قال : ضعفه الدارقطني ومشّاه غيره اهـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن نفيل الكوفي شيخ النسائي : لا يعرف اهـ (115) وفي المغني : شيخ للنسائي لا يعرف،لكن النسائي نظيف الشيوخ وقد قال لا بأس به اهـ 1/61 . وفي التقريب (121) صدوق اهـ
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن هاشم عن عباد بن صهيب : اتهمه الدارقطني اهـ (116)
وفي الميزان 1/162 ووثقه الحاكم اهـ
وفي التقريب (122) صدوق في حفظه شيء .
وهكذا الكثير،فلا يجوز الاعتماد عليه لوحده ولابد من مقارنته بالميزان أولاً،ثم بكتب الجرح والتعديل.
وهذه أمثلة من الميزان :
ففي ميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 31) 88 - إبراهيم بن الزبرقان،عن مجالد،وثقه ابن معين،وقال أبو حاتم: لا يحتج به.(1/453)
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 100) قال: وسألت أبي عنه فقال: محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به... اهـ
الخامس : قضية كلام الأقران في بعضهم البعض:
تكلم عن هذه القضية العلماء قديماً وحديثاً،لكنَّ المُلاحِظَ لكلام العلماء قديماً مع كلامهم حديثاً،يُلاحظ بَوْناً من ناحية زيادة تسليط الأضواء في العصر الحاضر على هذه القضية،وكأن علماء الجرح والتعديل كانوا يتكلمون بأهوائهم،حتى كأنه أيّ قرين لهم يجرحونه من باب الحسد،فيتصورُ طالب العلم أنه لا يُقبل كلام القرين في القرين بتاتاً،مع أن العكس هو الصواب ؛ لأن الأقران هم أعرف الناس ببعض،وأئمة الجرح والتعديل كانوا أورع وأتقى لله -عز وجل- من أن يكون هذا الغالب من شأنهم،فإذا وجدنا مثالاً أو مثالين خالفت هذا المنطق،فلا نجعلها الصفة الغالبة .
قال السبكي(1): " " أول ما نقدمه أنه ينبغى لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم فى بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحا عما جرى بينهم فإنك لم تخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ودع مالا يعنيك ولا يزال طالب العلم عندى نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضى لبعضهم على بعض ، فإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري أو بين مالك وابن أبي ذئب أو بين أحمد بن صالح والنسائي أو بين أحمد ابن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقىي الدين بن الصلاح، فإنك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل ربما لم يفهم بعضها ، فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم، كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم"
أما قاعدة "كلام الأقران في بعضهم لا يقبل"،فهي قاعدة صحيحة،لكن بقيّد تجاهله وتعامى عنه أولئك،حتى لكأنه لا عبرة به،وهذا القيد هو أن نقول : كلام القرين في القرين لا يقبل إذا كان المُتَكلّمُ فيه ثابت العدالة بكلام عامة أهل العلم،أي لا يقبل كلام الأقران فيمن ثبتت عدالته . مثاله : لما تكلم النسائي في أحمد بن صالح المصري،مع أن أحمد بن صالح إمامٌ في الجرح والتعديل مثل يحيى بن معين،فكلام النسائي فيه لا يقبل،خاصةً إذا عرفنا القضية التي جعلت النسائي يتكلم في أحمد بن صالح المصري،الإمام الذي أثنى عليه العلماء،ولم يجرحه إلا النسائي،فحينها تعلم أن جرح النسائي ليس في محله ولا يقبل منه .
أيضاً الكلام بسبب اختلاف المذاهب،يقال فيه مثل ما قيل في كلام الأقران . وقد ورد عن بعض العلماء أنهم جرحوا أناساً ؛ لمجرد اختلاف المذهب،مثل الجوزجاني ففيه تحامل على من فيه تشيّع ؛ وذلك لأن الجوزجاني فيه نصب . وأيضاً كلام من فيه تشيّع على من فيه نصب،مثل ما سبق،وهذا وارد عن العلماء،لكنه ليس هو الأصل ؛ وذلك لأن غالب أئمة السنّة عقائدهم صافية سليمة،وإن استثنينا البعض القليل،وأمرٌ آخر وهو أننا عرفنا من أهل السنّة والجماعة أنهم أكثر الناس إنصافاً واعتدالاً،فهذا البخاري يروي عن عمران بن حطّان -الخارجي الداعية-،لكن لما عرف صدقه روى عنه،ويروي عن من رُمي بالقدر،ويروي عن المُرجي،وعن الشيعي،بل حتى عن الرافضي،فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أن أكثر الناس اعتدالاً وإنصافاً هم أهل السنّة والجماعة ؛ لأنهم هم الأمة الوسط بين الإفراط والتفريط . وأما قضية أن المحدثين يتكلمون في أهل الرأي،والعكس ؛ لاختلاف المذاهب،فهذا غير صحيح .(2)
__________
(1) - طبقات الشافعية الكبرى - (ج 2 / ص 204) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل - (ج 1 / ص 21)
(2) - قلت : في كلامه نظر ،فقد تكلم ابن عدي في الإمام أبي حنيفة وصاحبيه كلاما في غاية الشطط !!!(1/454)
السادس : أن الجرح والتعديل لا يقبلان إلا من ثقةٍ عارفٍ بأسبابهما:
فلا يُقبل الجرح والتعديل من ضعيف،كما أنه لا يقبل من جاهلٍ بأسباب الجرح والتعديل،وإن كان ثقة في نفسه .
وأسباب الجرح كثيرةٌ متعلقة بالعدالة والضبط،كما أن أسباب التعديل كثيرةٌ متعلقة بالعدالة والضبط،فمن كان لا يضبط حديثه،فلا يستطيع أن يحكم في أحاديث غيره،هل هي مضبوطة أم لا ؟!
ومن كان مجروحاً في عدالته،فلا يؤمنُ حكمُه في الناس ؛ ولأجل أهمية هذه القضية ألّف العلماء كتباً حولها،مثل كتاب (ذِكْرُ مَنْ يُعتمد قوله في الجرح والتعديل) للذهبي،وكتاب ( المتكلمون في الرجال) للسخاوي،وهناك مُقدّمات لبعض الكتب،تتضمن ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل،وهناك رسالة علمية خرجت بعنوان (المُزكون لرواة الأخبار)(1).
السابع : مسألة تعارض الجرح والتعديل:
وهذه المسألة مهمةٌ جداً ؛ لأنها كثيرة الحصول واقعاً،فكثيرٌ هم الرواة الذين اختُلف فيهم جرحاً وتعديلاً .
والمسألة اختلف فيها اختلافاً طويلاً وكبيراً بين العلماء،والراجح فيها ضمن النقاط التالية :
1) تقديم الجرحِ المُفسّر بجارحٍ حقيقي،إلا إذا ردّ أحدُ العلماء بما يدلُّ على عدم صحة هذا الجرح .
والمقصود بالجرح المُفسّر الذي بُيّن سببه،والجارح الحقيقي هو الذي يستحقُّ أن يُجْرَحَ به في عدالته أو في ضبطه،لا كما جرح أحدهم راوياً،فسُئل : لماذا ؟،فقال :"رأيته يركب على برذون يجري به في السوق"،فهذا ليس بجارحٍ حقيقي،وكذا من جرح راوياً آخر،فسُئل لماذا؟،فقال :" سمعت في بيته طنبوراً" . أي مزماراً،فهذا محتمل أن يكون من طفلٍ صغير أو غيره،بغير علم الشيخ،فتجريحه بهذا ليس بصحيح . كذلك يحصل في التعديل،كمن وثّق أحد الناس،فسُئل عن توثيقه،فقال :" لو رأيت لحيته وهيئته ". فهذا غير صحيح،فلا يصح الاكتفاء بالهيئة في التعديل .(2)
المقصود : أنه إذا بيّن الجارحُ أو المُعدِّلُ سبباً لا يكفي للجرح أو للتعديل،فلا يُقبل في الجرح ولا في التعديل ؛ لذا اشترطنا الجارح الحقيقي الذي يستحقُ أن يُقبل،فهذا مُقدّمُ إلا في حالةٍ واحدة،وهي أن يأتي إمامٌ آخر ويقول :" أنا أعرف أن فلاناً قد تكلم في فلان بكذا،والصواب ليس كذلك"،ويبيّن القضية . وهذا يحصل كثيراً،ونجده أيضاً في (ميزان الاعتدال) للذهبي،فهناك مِنْ الرواة مَنْ ضُعِفُوا بأسبابٍ جارحةٍ في ظاهرها،ودافع عنهم الذهبي،كمن ضُعف بأنه يشرب الخمر،فيأتي الذهبي ويقول : لم يكن يشرب الخمر،بل كان يشرب النبيذ،وهو من أهل الكوفة،حيث كان يشربه بناءً على مذهب أهل الكوفة في جواز شرب النبيذ،فالراوي ثقةٌ وعدلٌ وليس فيه شئ .
وقد يجرحه في الضبط،فيقول مثلاً : روى حديث كذا،وتفرّد به،وهو منكر الحديث،فيأتي ابن عدي -مثلاً- فيقول : لم يتفرد به،بل تابعه فلان وفلان،فالحديث مقبول،ولا يدّل ذلك على جرح هذا الراوي . مع أننا لو لم نقف على هذه المتابعات،ولا على مثل هذا الدفاع،فالأصل أن يكون هذا الجرح مقبولاً . ثم إن الردّ والدفاع لا بد أن يكون في محله،فإذا لم يكن في محله،فإنه لا يقبل .
__________
(1) - ولحاتم شريف العوني خُلاَصَةُ التَأصِيْلِ لِعِلْمِ الجَرْحِ وَالتَعْدِيْلِ :انظرها هنا http://www.as4ev.com/vb/showthread.php?p=39348
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 240) وجرح الرواة وتعديلهم - (ج 10 / ص 25)(1/455)
2) تقديم الجرح المبهم -غير المفسر- على التعديل : هذا هو الأصل ؛ لأن مع الجارح زيادة علم . ويتضح هذا بأنك لو قدمت قول الجارح على قول المُعدِّل،فكأنك تقول : أنا لاأكذب المُعدِّل،لكن الجارح ظهر له من أمر المُعدِّل مالا يعرفه المُعدِّل،وكلاً منهما أخبر بحسب علمه . لكن إذا قدمت قول المُعدِّل على قول الجارح،فهذا يقتضي تكذيب الجارح بأنه ليس هناك سببٌ يقتضي الجرح،ولم يصدق الجارح في جرحه،أو أقل أحواله أنه مخطئ،وهذا ليس بصحيح ؛ لأن الأصل حمل كلام العلماء على الأصوب،ومن أجل ذلك نقدّم الجرح المبهم على التعديل . ثم إنه ينبغي أن نتذكر أن كلامنا عن الجارح والمُعدِّل العارف بأسباب الجرح والتعديل،فالأصل فيه أن يجرح بسبب حقيقي .
ما سبق هو الحكم الأصلي،ونخرج عنه بقرائن،وهي كثيرة جداً،من أمثلتها :
أ) كثرة المُعدّلين : فإذا وثقه جماعة،وضعفه واحد بجارحٍ مبهم،فنقدم قول الأكثرين،ونحمل التضعيف على أنه ليس بجارح حقيقي .
ب) معاصرة المُعدّلين،وعدم معاصرة الجارح أو الجارحين ؛ لأن المعاصر أعرف وأعلم بمن في عصره،فتعديله يُقدم على الجرح المبهم .
جـ) عِظَمُ علمِ المُعدّلين على علم الجارحين .
د) بلدية المُعدّلين : أي أن يكون من أهل بلد الراوي الذي تُكلّم فيه،فلو كان هناك راوٍ بصري،وعدّله البصريون،وجرحه عالمٌ من أهل خراسان،فيقدم من كان من أهل بلده وهم البصريون ؛ لأنهم أعرف بأهل بلدهم . وكان من آداب الرحلة عند المحدثين،أن المحدث لا يرحل حتى يستوفي ويستوعب حديث بلده،ويكون عارفاً به .
هـ) قوة عبارة المُعدّلين على عبارة الجارحين،فلو جاءت عبارة تعديلٍ كقوله :"ثقة حجة" أمام عبارة جرح كقوله "أحسبه ليناً"،فعبارة الجرح تضعف عن عبارة التعديل التي هي الأقوى،فلا شك أننا نقدم العبارة القوية على الضعيفة .
و) هناك ألفاظ قد يتبادر إلى الذهن أنها جرح،وهي في الحقيقة تعديل،مثل ما قال شعبة عن أحد الرواة :"إنه شيطان"،فظاهر العبارة أنها ذم،مع ذلك فقد أراد شعبة أنه باقعة في الحفظ،وشيء عجيب فيه،حتى لكأنه ليس بإنسي في قوة حافظته،ومن المعروف أن من عادة العرب أنهم ينسبون الأشياء المستغربة إلى الجن . كذا ما قاله ابن وارة عن عبدالرحمن بن مهدي،لما رأى قوة حفظه،قال :" ماذا خرج من ظهر مهدي،كأنه جني " .
وهناك عبارات على الضد مما سبق،فقد يدل ظاهرها على التعديل،والصواب : أنها جرحٌ،كعبارة :"هو على يديْ عدل "،فهمها العراقي على أنها تعديل،ومعناها : أنه على يدِيْ عدلٌ،وتعقبه الحافظ ابن حجر وبيّن أنها عبارة جرح،وضبطها :"هو على يدَي عدلٍ"،و"عدل" هذا رجل كان من حُجاب أحد الحكام الظلمة في اليمن،وكان كلما أراد أن يقتل إنساناً،قال : يا عدل -ينادي حاجبه- تعال خذ هذا واقتله . حتى صار ذلك مثلاً عند العرب،فإذا قيل : فلان على يدي عدل،يعني : أنه هالك،فيقصد بها إذا أطلقت على الراوي أنه هالك .(1)
__________
(1) - قال السخاوي : وأفاد شيخنا أيضاً أن شيخه الشارح كان يقول في قول أبي حاتم. هو على يدي عدل. أنها من ألفاظ التوثيق،وكان ينطق بها هكذا بكسر الدال الأولى،بحيث تكون اللفظة للواحد ويرفع اللام وتنوينها. قال شيخنا: كنت أظن ذلك كذلك إلى أن ظهر لي أنها عند أبي حاتم من ألفاظ التجريح،وذلك أن ابنه قال في ترجمة جبارة بن المغلس سمعت أبي يقول: هو ضعيف الحديث،ثم قال: سألت أبي عنه فقال: هو على يدي عدل،ثم حكى أقوال الحفاظ فيه بالتضعيف،ولم تنقل عن أحد فيه توثيقاً ومع ذلك فما فهمت معناها،ولا أتجه لي ضبطها،ثم بان لي أنها كناية عن الهالك وهو تضعيف شديد. اهـ فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 363) وجرح الرواة وتعديلهم - (ج 11 / ص 27) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 115) وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 15 / ص 454)(1/456)
ز) اختلاف اجتهاد الناقد : فقد تأتي عبارة لأحد النقاد يُضعِّفُ فيها الراوي،وآخرون يوثقونه،وتأتي عبارة أخرى لنفس الناقد يوثق فيها ذلك الراوي في رواية أخرى عنه،فهذه قرينة تجعلني أُقدّم التوثيق على الجرح .
ح) عداوة المُعدِّل للمُعدّل له،سواءً في المذهب أو في غيره،وهذه لا نجعلها قاعدة مطردة،ولكنها قد تكون قرينة من القرائن،فإذا علمت أن هناك عداوة قد تجعلني أقدم التعديل على الجرح .
كما أنني قد أردُّ التعديل -كما في الجرح- إذا كان صادراً من إنسانٍ غالٍ في محبة إنسان آخر . وهذه القرينة ليست دائماً،بل قد يُعملُ بها على حسب الحال .
الثامن : من مسائل الجرح والتعديل المهمة،مسألة المجهول :
لأن المجهول ليس مُعدّلاً ولا مجروحاً،فهو حالة وسط يُجهل حالها .
وقد قسّم العلماء المجهول إلى أقسام،أشهرها تقسيم ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام(1):
1- المستور : وهو من روى عنه عدلان،أو روى عنه إمام حافظ -نصّ على هذه الاضافة ابن رجب،في شرح العلل- . فالمستور عُلمت عدالته الظاهرة،وجُهلت عدالته الباطنة .
2- مجهول الحال : مَنْ جُهلت عدالته الظاهرة والباطنة،لكن عُرفت عينه . وهو من لم يرو عنه إلا رجل واحد ليس من النقاد .
3- مجهول العين : مَنْ جُهلت عدالته الظاهرة والباطنة،ولم تعرف عينه،وهو كالمبهم .
أما حكم مستور الحال : فمن ناحية العدالة يُكتفى بالعدالة الظاهرة،مع الرواة الذين تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم ؛ لتقادم العهد بهم.وأيضاً نكتفي بالعدالة الظاهرة للرواة المتأخرين،وهم رواة النسخ،أما سوى ذلك فلا يكتفي العلماء بالعدالة الظاهرة.
أما مجهول الحال والعين : فنتوقف عن قبول حديثهم،ومآل هذا التوقف عدم العمل بالحديث،لذلك تجد العلماء يقولون : حديث ضعيف،فيه فلان وهو مجهول،مع أن الأدق أن يقال : حديثه تُوُقِّفَ فيه ؛ لأن فيه فلاناً وهو مجهول،لكن لما كان التوقف مآله عدم العمل،أصبح هو والتضعيف متقاربان،فأطلق العلماء الضعف عليه تجوّزاً،وهو في محله،وليس خطأ تضعيفه .
لكن الأمر الدقيق : ما هي مرتبة ضعف حديث المجهول ؟ هل هو في مرتبة الاعتبار به،ويتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد،أم لا يتقوى بنفسه،ولا يُقوّي غيره ؟ فهل هو شديد الضعف أو خفيف الضعف ؟
فالجواب : أننا لا نستطيع أن نحكم بحكم عام على جميع المجهولين حالاً أو عيناً،بل نقول هؤلاء حكمهم يختصُّ بالحديث الذي يروونه،فإذا رووا حديثاً شديد النكارة،فهذا لا يتقوَّى أبداً،كأن تظهر فيه علامات الوضع وغيرها،ومجهول الحال أخفُّ حالاً من مجهول العين .
تنبيه : حكمُ الإمام على راوٍ بالجهالة لا يعتبر تعارضاً مع حكم إمامٍ آخر بالتوثيق لنفس الراوي ؛ وذلك لأن الإمام الذي وصفه بالجهالة وصفه بذلك لأنه لا يعرفه وهو مجهول عنده،أمَّا الإمام الآخر فإنه يعرفه ويحكم عليه. فهذه المسألة لا تعتبر من مسائل تعارض الجرح والتعديل،وللأسف أنّا نجد من يُقدّم الحكم بالجهالة على التعديل،وهذا خطأ ؛ لأن الحكم بالجهالة هو إعلام من الناقد بعدم علمه بهذا الراوي،أما الحكم بالتوثيق فإخبارٌ من الإمام أنه يعرف هذا الراوي وأنه ثقة . فلا تعارض بين الحكم بالجهالة والحكم بالتعديل أو بالتجريح،ولا يُشَكُ في تقديم حكم المُعدّل أو المُجرّح على مَنْ حكم بالجهالة .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 21) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 11) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 247) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 517) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 246) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 114) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 256)
ــــــــــــــــ(1/457)
التاسع- هل يُقبل الجرح والتعديل من غير بيان ؟
أ) يُقبل التَّعديل من غير ذكر سببه على الصَّحيح المشهور لأنَّ أسْبَابه كثيرة, فيَثْقل ويشق ذكرها, لأنَّ ذلك يحوج المُعدل إلى أن يَقُول لم يفعل كذا, لم يرتكب كذا, فعل كذا وكذا, فيُعدِّد جميع ما يفسق بفعله, أو بتركه, وذلك شاق جدًّا..
ب) ولا يقبل الجَرْح إلاَّ مُبين السَّبب لأنَّه يحصل بأمر واحد, ولا يَشُق ذكره, ولأنَّ النَّاس مُختلفون في أسْبَاب الجرح, فيُطلق أحدهم الجَرْح بناء على ما اعتقده جرحًا, وليسَ بجرح في نفس الأمر, فلا بد من بيان سببه, لينظُر هل هو قادح أو لا؟
قال ابن الصَّلاح: وهذا ظاهر مُقرر في الفقه وأُصوله.
وذكر الخَطِيب : أنَّه مذهب الأئمة من حُفَّاظ الحديث, كالشَّيخين وغيرهما.
ولذلك احتجَّ البُخَاري بجماعة سبق من غيره الجَرْح لهم, كعكرمة, وعَمرو ابن مرزوق, واحتجَّ مسلم بِسُويد بن سعيد وجَمَاعة اشتهر الطَّعن فيهم, وهكذا فعل أبو داود, وذلك دال على أنَّهم ذهبُوا إلى أنَّ الجرح لا يثبُت إلاَّ إذا فُسِّر سببهُ, ويدل على ذلك أيضًا أنَّه رُبَّما استفسرَ الجارح, فذكر ما ليسَ بجرح. "(1)
قال الصَّيرفي: وكذا إذَا قالوا: فُلان كذَّاب, لا بد من بيانه, لأنَّ الكذب يُحتمل الغلط, كقوله: كذب أبو مُحمَّد.
ولمَّا صَحَّح ابن الصَّلاح(2)هذا القَوْل, أوردَ على نفسهِ سُؤالاً فقال: ولقائل أن يَقُول: إنَّما يعتمد النَّاس في جرح الرُّواة ورد حديثهم, على الكُتب الَّتي صنَّفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل, وقلَّما يتعرضون فيها لبيان السَّبب, بل يقتصرون على مُجَرد قولهم: فُلان ضعيف, وفلان ليسَ بشيء, ونحو ذلك, وهذا حديثٌ ضعيف, أو حديث غير ثابت, ونحو ذلك, واشْتراط بيان السَّبب يُفْضي إلى تعطيل ذلك, وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.
ثمَّ أجَاب عن ذلك بما ذكرهُ المُصنِّف في قوله: وأمَّا كُتب الجرح والتَّعديل الَّتي لا يُذكر فيها سبب الجرح فإنَّا وإن لم نعتمدها في إثْبَات الجرح, والحُكْم به ففائدتها التَّوقف فيمن جَرحوهُ عن قَبُول حديثه لما أوقع ذلك عندنا من الرِّيبة القوية فيهم فإن بحثنَا عن حاله, وانْزَاحت عنهُ الرِّيبة, وحصلت الثِّقة به, قبلنا حديثهُ كجماعة في «الصَّحيحين» بهذه المثابة كما تقدَّمت الإشارة إليه.
ومُقَابل الصَّحيح أقوال:
أحدها: قَبُول الجرح غير مُفسَّر, ولا يُقبل التَّعديل إلاَّ بذكر سببه, لأنَّ أسباب العَدَالة يَكْثُر التصنع فيها, فيبني المُعدل على الظَّاهر, نقله إمام الحَرَمين, والغزالي, والرازي في «المحصول».
الثَّاني: لا يُقْبلان إلاَّ مُفسَّرين, حكاهُ الخطيب والأُصوليون, لأنَّه كما قد يجرح الجارح بِمَا لا يَقْدح, كذلك يُوثق المُعدَّل بما لا يقتضي العدالة, كما روى يعقوب الفسوي في «تاريخه»(3)قال: سمعتُ إنسانًا يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العُمَري ضعيف, قال: إنَّما يُضعفه رافضي مُبْغض لآبائه, لو رأيت لحيتهُ وهيئته, لعرفت أنَّه ثقة.
فاستدلَّ على ثقته بما ليس بحجَّة, لأنَّ الحسن الهيئة يشترك فيه العدل وغيره.
الثَّالث: لا يجب ذكر السَّبب في واحد منهما, إذا كان الجارح والمُعدِّل عالمين بأسباب الجرح والتعديل, والخلاف في ذلك بصيرًا مرضيًا في اعتقاده وأفعاله, وهذا اختيار القاضي أبي بكر, ونقله عن الجمهور, واختاره إمام الحرمين والغَزَالي, والرَّازي, والخَطِيب, وصَحَّحه الحافظ أبو الفَضْل العِرَاقي(4), والبلقيني في «محاسن الاصطلاح»(5).
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 238)
(2) - علوم الحديث ص 141
(3) - المعرفة والتاريح 2/665
(4) - في التقييد ص 142
(5) - ص 221(1/458)
واختار الحافظ ابن حجر تفصيلاً حسنًا,فقال(1): " ولكنَّ محلَّهُ إِن صَدَرَ مُبَيَّناً مِن عَارِفٍ بأَسْبَابِهِ ؛لأنَّه إِنْ كانَ غيرَ مفسَّرٍ لم يَقْدَحْ فيمَنْ ثبَتَتْ عدالَتُه ،وإِنْ صدَرَ مِن غيرِ عارفٍ بالأسبابِ لم يُعْتَبَرْ بهِ أيضاً(2).
فإِنْ خَلا المَجْروحُ عَنِ التَّعديلِ ؛ قُبِلَ الجَرْحُ فيهِ مُجْمَلاً غيرَ مبيَّنِ السَّببِ إِذا صدَرَ مِن عارفٍ عَلى المُخْتارِ(3)؛ لأنَّهُ إِذا لمْ يكُنْ فيهِ تعديلٌ ؛ [ فهو ] في حيَّزِ المَجهولِ،وإِعمالُ قولِ المُجَرِّحِ أَولى مِن إِهمالِه .
ومالَ ابنُ الصَّلاحِ في مثلِ هذا إلى التوقُّفِ [ فيهِ ](4)".
وقالَ الذَّهبيُّ - وهُو مِن أَهْلِ الاستِقراءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجالِ -(5)( لمْ يجْتَمِعِ اثْنانِ مِن عُلماءِ هذا الشَّأنِ قطُّ على تَوثيقِ ضَعيفٍ،ولا [ على ] تَضعيفِ ثِقةٍ)
وهذا من الاستقراء والذهبي وهو إمام له كتاب الميزان فلم يجتمع اثنان على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة بل إذا سبرت أقوالهم تجدها موثقة في تضعيف الضعفاء وتوثيق الثقات .
قلت : كلام الذهبي رحمه الله ليس على إطلاقه؛ فقد قَسّمَ المتكلمين على الجرح والتعديل إلى ثلاث فئات: المتشددين،والمعتدلين،والمتساهلين. ويَقْصد بالإجماع هنا اجتماع اثنين من طبقتين مختلفتين من هذه الطبقات الثلاث،وقد ذَكَر هذا في رسالته: ذِكْر مَن يُعْتمد قوله في الجرح والتعديل،وهي مطبوعة.
وقد اختلف في تفسير كلمة الذهبي هذه كثيرا ،والذي ترجح لي أن معناها : لم يقع الاتفاق من العلماء على توثيق (ضعيف) ،بل إذا وثقه بعضهم ضعفه آخرون ،كما لم يقع الاتفاقُ من العلماء على تضعيف (ثقة) فإذا ضعفه بعضهم وثقه آحرون ،فلم يتفقوا على خلاف الواقع في جرح راوٍ أو في تعديله ،فهم بمجموعهم محفوظون من الخطأ ،ولفظ (اثنان) هنا المرادُ به الحميعُ كقولهم : هذا أمرٌ لا يختلف فيه اثنانِ ) أي يتفق عليه الجميع ولا ينازع فيه أحد.كما أفاده الشيخ عبد الفتاح رحمه الله .
__________
(1) - نزهة النظر - (ج 1 / ص 258) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 35)
(2) - فلا بد أن يكون عارفٍ بأسبابه كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم وأبي زرعة وأحمد ومالك والشافعي والبخاري وغيرهم .
(3) - إذا كان الجرح في إنسان لم يوثق قُبِل مجملاً ، فإذا كان الإنسان لم يوثقه أحد مطلقاً قبل فيه الجرح مطلقاً ولو لم يفسر ويبين إذا كان من إمام عارف بأسبابه؛ لأنه ليس هناك شيء يقابله من التعديل ،فإذا كان هناك إنسان مجهول ثم جرح قبل فيه الجرح .
(4) - والصواب ما قاله الحافظ ابن حجر إذا خلا الراوي عن التعديل قبل فيه الجرح وقيل ضعيف لأنه اجتمع فيه الجهالة مع الجرح فلا يعتد بروايته .
(5) - قلت : قال ذلك الذهبي في جزء المصابيح في صلاة التراويح المدرج في كتاب الحاوي للفتاوي 1/348 .
وقال تلميذ الذهبي الإمام تارج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 5/216 من طبعة الحسينية و9/101 من طبعة البابي الحلبي المحققة : قال السبكي : أما شيخنا وأستاذنا الإمامُ أبو عبد الله محدِّثُ العصر : فبحرٌ لانظير له ، وكنزٌ هو الملجأ إذا نزلت المعُضلة ،إمامُ الوجود حفظاً ،وذهبُ العصر معنىً ولفظاً ،وشيخُ الجرح والتعديل ،ورجلُ الرجالِ في كل سبيل ،كأنما جمعت الأمة في صعيدٍ واحدٍ فنظرها ،ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها ،وهو الذي خرَّجنا في هذه الصناعة ،وأدخلنا في عداد الجماعة ،جزاه الله أفضل الجزاء ،وجعل حظَّهُ من غرفاتِ الجنان موفَّرَ الأجزاء اهـ طبقات الشافعية(1/459)
وقال القاري : "والأظهر أن معناه لم يتفق اثنان من أهل الجرح والتعديل غالباً على توثيق ضعيف وعكسه،بل إن كان أحدهما ضَعَّفَهُ،وثَّقَهُ الآخر،أو ثقة أحدهما ضَعَّفَهُ الآخر،بسبب الاختلاف ما قرره المصنف بأن يكون سببُ ضعفٍ الراوي شيئين مختلفين عند العلماء في صلاحية الضعف وعدمه فكل واحد منهما تعلق بسبب فنشأ الخلاف،فعلم من هذا التقرير أن التلميذ لم يُصِب في التحرير،ولم يُفهم المراد مع أنه المطابِق لما ذكره في المال،والمُفَاد".(1)
ولهذا كانَ [ مذهَبُ ] النَّسائيِّ أَنْ لا يُتْرَكَ حديثُ الرَّجُلِ حتَّى يجتَمِعَ الجَميعُ على تَرْكِهِ(2).
عاشرا- هل يثبت الجرح والتعديل بواحد ؟(3)
الصَّحيح أنَّ الجرح والتعديل يثبتان بواحد لأنَّ العدد لم يشترط في قَبُول الخبر, فلم يشترط في جرح راويه وتعديله, ولأنَّ التَّزْكية بمنزلة الحُكْم, وهو أيضًا لا يُشترط فيه العدد.
وقيل: لا بد من اثنين كما في الشَّهادة وقد تقدَّم الفرق.
قال الحافظ ابن حجر(4): ولو قيلَ: يُفصل بين ما إذا كانت التَّزكية مسندة من المزكي إلى اجتهاده, أو إلى النَّقل عن غيره, لكان مُتَّجهًا, لأنَّه إن كان الأوَّل فلا يشترط العدد أصلاً, لأنَّه بمنزلة الحكم, وإن كان الثَّاني فيجري فيه الخلاف, ويتبيَّن أيضًا أنَّه لا يشترط فيه العدد, لأنَّه أصل النَّقل لا يُشترط فيه, فكذا ما تفرع منه. انتهى.
وليسَ لهذا التَّفصيل الَّذي ذكرهُ فائدة, إلاَّ نفي الخِلاف في القسم الأوَّل, وشَمِلَ الواحد العبد والمَرْأة,.(5)
ــــــــــــــــ
الحادي عشر- اجتماع الجرح والتعديل في راو واحد :
" وإذا اجتمعَ فيه أي الرَّاوي جرحٌ مُفسَّر وتعديل, فالجَرْح مُقَّدم ولو زاد عدد المُعدِّل, هذا هو الأصح عندَ الفُقهاء والأصُوليين, ونقلهُ الخطيب(6)عن جُمهور العُلماء, لأنَّ مع الجارح زِيَادة علم لم يطِّلع عليها المُعدِّل, ولأنَّه مُصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله, إلاَّ أنَّه يُخبر عن أمر باطن خفي عنه.
__________
(1) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 737)
(2) - وهذا مذهب فيه نظر ولهذا وقع في بعض الأحاديث في السنن بعض التساهل ولكن الصواب أنه متى جرح جرحاً بيناً عارفاً بأسبابه قدم على التعديل من باب الاحتياط والتوثق للدين .، وفي شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 737) :فإن التعارض،يوجب التساقط،وكأن النسائي ذهب إلى أن العدالة مقدمةٌ على الجرح عند التعارض،بناء على أن الأصل هو العدالة بخلاف الجمهور كما سيجيء،وبهذا يندفع ما قال محشِ اعتراضاً على التعليل: فيه أن ما يتفرع على قول الذهبي إنما هو هذا: لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع على تركه اثنان،أو: يترك حديث الرجل إذا اجتمع على تركه اثنان،لا ما ذكره من قوله:يجتمع الجميع على تركه انتهى. وقد ذكر شارح هنا ما لا طائل تحته،ولما كان منشأ تضعيفٍ الثقة،وتوثيق الضعيف،إنما هو التساهل في تحقيق سببه،وإلا لما وقع الخلاف فيما يتعلق به" .
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 317) وغاية الوصول في شرح لب الأصول - (ج 1 / ص 98) وإجابة السائل شرح بغية الآمل - (ج 1 / ص 117) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 26)
(4) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 733)
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241)
(6) - الكفاية ص 177(1/460)
وقال الخطيب في الكفاية : " بَابُ الْقَوْلِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إِذَا اجْتَمَعَا , أَيُّهُمَا أَوْلَى اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَرَحَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ , وَعَدَّ لَهُ مِثْلُ عَدَدِ مَنْ جَرَحَهُ , فَإِنَّ الْجَرْحَ بِهِ أَوْلَى , وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ عَنْ أَمْرٍ بَاطِنٍ قَدْ عَلِمَهُ , وَيُصَدِّقُ الْمُعَدِّلَ وَيَقُولُ لَهُ : قَدْ عَلِمْتُ مِنْ حَالِهِ الظَّاهِرَةِ مَا عَلِمْتَهَا , وَتَفَرَّدْتُ بِعِلْمٍ لَمْ تَعْلَمْهُ مِنَ اخْتِبَارِ أَمْرِهِ , وَأَخْبَارُ الْمُعَدِّلِ عَنِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لَا يَنْفِي صِدْقَ قَوْلِ الْجَارِحِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ , فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَرْحُ أَوْلَى مِنَ التَّعْدِيلِ .اهـ
وقَالَ الْخَطِيبُ : " وَلِأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِقَوْلِ الْجَارِحِ لَمْ يَتَّهِمِ الْمُزَكِّي وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا , وَمَتَى لَمْ نَعْمَلْ بِقَوْلِ الْجَارِحِ كَانَ فِي ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لَهُ , وَنَقْضٌ لِعَدَالَتِهِ , وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ حَالَهُ فِي الْأَمَانَةِ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ , وَلِأَجْلِ هَذَا وَجَبَ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ , وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ آخَرَانِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ , أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِقَضَاءِ الْحَقِّ أَوْلَى , لِأَنَّ شَاهِدَيِ الْقَضَاءِ يُصَدِّقَانِ الْآخَرَيْنِ , وَيَقُولَانِ : عَلِمْنَا خُرُوجَهُ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ , وَأَنْتُمَا لَمْ تَعْلَمَا ذَلِكَ , وَلَوْ قَالَ شَاهِدَا ثُبُوتِ الْحَقِّ : نَشْهَدُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْحَقِّ , لَكَانَتْ شَهَادَةً بَاطِلَةً . "(1).
وقيَّد الفُقهاء ذلك بما إذَا لم يقل المُعدِّل عرفت السَّبب الَّذي ذكرهُ الجارح, ولكنَّه تابَ وحَسُنت حاله, فإنَّه حينئذ يُقدم المُعدِّل, قاله البَلْقيني(2),
وقيَّده ابن دقيق العِيد بأن يبنى على أمر مجزوم به, لا بطريق اجتهادي, كمَا اصْطَلح عليه أهل الحديث في الاعْتِماد في الجَرْح على اعتبار حديث الرَّاوي بحديث غيره, والنَّظر إلى كَثْرة المُوَافقة والمُخَالفة.
وردَّ بأنَّ أهل الحديث لم يعتمدوا ذلك في معرفة العدالة والجرح, بل في معرفة الضَّبط والنقل, واستثنى أيضًا ما إذا عيَّن سببًا, فنفاهُ المُعدِّل بطريق مُعتبر, كأن قال: قُتل غُلامًا ظُلمًا يوم كذا, فقال المُعدِّل: رأيتهُ حيًّا بعد ذلك, أو كان القاتل في ذلك الوقت عندي, فإنَّهما, يتعارضان, وتقييد الجَرْح بكونهِ مُفسرًا جار على ما صحَّحه المُصنِّف وغيره, كما صرَّح به ابن دقيق العِيد وغيره.(3)
__________
(1) - الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 105)
(2) - محاسن الاطلاع ص 224
(3) - في الاقتراح ص 330 -331(1/461)
وقال الخطيب: "إِذَا عَدَّلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا وَجَرَحَهُ أَقَلُّ عَدَدًا مِنَ الْمُعَدِّلِينَ , فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْجَرْحِ وَالْعَمَلَ بِهِ أَوْلَى , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلِ الْحُكْمُ لِلْعَدَالَةِ , وَهَذَا خَطَأٌ , لِأَجَلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجَارِحِينَ يُصَدِّقُونَ الْمُعَدِّلِينَ فِي الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ , وَيَقُولُونَ : عِنْدَنَا زِيَادَةُ عِلْمٍ لَمْ تَعْلَمُوهُ مِنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ , وَقَدِ اعْتَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُعَدِّلِينَ تُقَوِّي حَالَهُمْ , وَتُوجِبُ الْعَمَلَ بِخَبَرِهِمْ , وَقِلَّةُ الْجَارِحِينَ تُضَعِّفُ خَبَرَهُمْ , وَهَذَا بُعْدٌ مِمَّنْ تَوَهَّمَهُ , لِأَنَّ الْمُعَدِّلِينَ وَإِنْ كَثُرُوا لَيْسُوا يُخْبِرُونَ عَنْ عَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْجَارِحُونَ , وَلَوْ أُخْبِرُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ , لَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ تَعْدِيلٍ أَوْ جَرْحٍ , لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ عَلَى نَفْيِ مَا يَصِحُّ , وَيَجُوزُ وُقُوعُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوهُ , فَثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وقيل: يُرجَّح بالأحفظ, حكاهُ البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح»(1).
وقيل: يتعارضان فلا يترجَّح أحدهما إلاَّ بمُرجِّح, حكاهُ ابن الحاجب وغيره, عن ابن شعبان من المالكية.
قال العِرَاقيُّ(2): وكلامُ الخطيبِ يقتضي نفي هذا القولِ الثالثِ.فإنّهُ قالَ : اتّفقَ أهلُ العلمِ على أنَّ مَنْ جَرَّحَهُ الواحدُ والاثنانِ،وعَدَّلَهُ مثلُ عددِ مَنْ جَرَّحَهُ،فإنَّ الجرحَ به أولى. ففي هذهِ الصورةِ حكايةُ الإجماعِ على تقديمِ الجرحِ،خلافَ ما حكاهُ ابنُ الحاجبِ .(3).
ــــــــــــــ
الثاني عشر- إذا قال حدثني الثقة ونحوه لا يقبل قوله :
" إذا قال: حدَّثني الثِّقة, أو نحوه من غير أن يُسميه لم يُكتف به في التَّعديل على الصَّحيح حتَّى يُسمية, لأنَّه وإن كان ثقة عنده, فرُبَّما لو سمَّاه, لكان مِمَّن جرحهُ غيره بجرح قادح, بل إضرابه عن تَسْميته, ريبة توقع تردُّدًا في القلب.
__________
(1) - ص 224
(2) - التصبرة ص 313 و شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 111) الشاملة 2
(3) - انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241).(1/462)
وقال الخطيب في الكفاية: " قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يَقُولُ : " إِذَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ , فَرِوَايَتُهُ حُجَّةٌ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَوَّلًا يَتَسَهَّلُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ , ثُمَّ شَدَّدَ بَعْدُ , كَانَ يَرْوِي عَنْ جَابِرٍ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ ثُمَّ تَرَكَهُ " وَهَكَذَا إِذَا قَالَ الْعَالِمُ : كُلُّ مَنْ رَوَيْتُ عَنْهُ فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِنْ لَمْ أُسَمِّهِ , ثُمَّ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ , فَإِنَّهُ يَكُونُ مُزَكِّيًا لَهُ , غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْمَلُ عَلَى تَزْكِيَتِهِ , لِجَوَازِ أَنْ نَعْرِفَهُ إِذَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ , وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُرْسَلِ مِنَ الْأَخْبَارِ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَأَمَّا إِذَا عَمِلَ الْعَالِمُ بِخَبَرِ مَنْ رَوَى عَنْهُ لِأَجْلِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ إِلَّا وَهُوَ رِضًا عِنْدَهُ عَدْلٌ , فَقَامَ عَمَلُهُ بِخَبَرِهِ مَقَامَ قَوْلِهِ : هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الْخَبَرِ , وَلَوْ عَمِلَ الْعَالِمُ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَالرُّجُوعُ إِلَى تَعْدِيلِهِ , لِأَنَّهُ إِذَا احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ أَنْ يَعْمَلَ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ , احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ أَنْ يُزَكِّيَ وَيُعَدِّلَ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ ..(1)
وقيل: يُكتفي بذلك مُطلقًا, كما لو عيَّنه, لأنَّه مأمون في الحالتين معا فإن كان القائل عالمًا أي: مُجْتهدًا, كمالك والشَّافعي, وكثيرًا ما يفعلان ذلك كفى في حقِّ موافقه في المَذْهب لا غيره عند بعض المُحقِّقين.
قال ابن الصبَّاغ: لأنَّه لم يُورد ذلك احتجاجًا بالخبر على غيره, بل يذكر لأصْحَابه قيام الحُجَّة عنده على الحكم, وقد عرف هو من رَوَى عنه ذلك.
ـــــــــــــــ
الثالث عشر- حكم رواية العَدْل عن شخص :
أ) إذا روى العدلُ عمَّن سمَّاه لم يكن تعديلاً عند الأكثرين من أهل الحديث وغيرهم وهو الصَّحيح لجِوَاز رِوَاية العَدْل عن غير العدل, فلم تتضمن روايته عنه تعديله.
وقد روينا عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ , وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا(2).
وقيل: تعديلٌ مطلقاً ؛ إذ لو علمَ فيه جرحاً لذكرَهُ،ولكان غاشاً في الدينِ،لو علِمَهُ ولم يذكرْهُ حكاه الخطيبُ وغيرُهُ . قال أبو بكر الصَّيْرفيُّ : وهذا خطأٌ ؛ لأنَّ الروايةَ تعريفٌ لهُ والعدالةُ بالخبرةِ .
وأجاب الخطيبُ(3): بأنَّهُ قد لا يَعلمُ عدالتَهُ،ولا جرحَهُ .
__________
(1) - الخطيب في الكفاية( 242 ) ،وقال المعلمي في التنكيل 1/362 : " قول المحدث : شيوخي كلهم ثقات ،أو شيوخ فلان كلهم ثقات ،لا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحقُّ أن يقال له بمفرده على الاطلاق : (هو ثقة ) وإنما إذا ذكروا الرجلفي جملة من أطلقوا عليهم ثقات ،فاللازم أنه ثقة في الجملة ،أي :له حظ من الثقة ،وهم ربما يتجوَّزون في كلمة (ثقة) فيطلقونها على من هو صالح في دينه ،وإن كان ضعيف الحديث أو نحو ذلك ، وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم (ضعفاء ) وإنما اللازم أن له حظًّا ما من الضعف ،كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء كثيرا من الثقات الذين تكلم فيهم أيسر كلام "
(2) - معرفة السنن والآثار (5026)
(3) - الكفاية ص 150(1/463)
وقيل: إنْ كانَ ذلكَ العَدْلُ الذي روي عنه لا يَروي إلا عن عدلٍ كانت روايتُهُ تعديلاً،وإلاّ فلا . وهذا هو المختارُ عن الأصوليينَ،كالسيفِ الآمديِّ،وأبي عمرِو بنِ الحاجبِ،وغيرِهما . أما إذا رَوَى عَنْهُ من غيرِ تصريحٍ باسمِهِ،فإنهُ لا يكونُ تعديلاً،بَلْ وَلَوْ عدلهُ عَلَى الإبهامِ لَمْ يكتفِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ..(1)
ب) وَعَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّتِهِ،وَلَا بِتَعْدِيلِ رِوَايَةٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِيَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَصَحَّحَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ،وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَالِكِ الِاحْتِيَاطِ وَفَرَّقَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ،وَلَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ،وَلَا فِي رِوَايَتِهِ ،وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ حَدِيثَ الْخِيَارِ،وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ،وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي نَافِعٍ رِوَايَةً، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ(2)فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي فُتْيَاهُ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ اسْتَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ إجْمَاعٍ،وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمُ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَدِلَّتِهِ بَلْ،وَلَا بَعْضَهَا وَلَعَلَّ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ وَاسْتَأْنَسَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ رُبَّمَا كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَتَقْدِيمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ ..(3)
ومِمَّا لا يدل على صِحَّة الحديث أيضًا, كما ذكرهُ أهل الأصُول, مُوَافقة الإجْمَاع له على الأصح, لجَوَاز أن يَكُون المُسْتند غيره, وقيل: يَدُلُّ, وكذلك بقاء خبر تتوفَّر الدَّواعي على إبْطَاله.
وقال الزيدية: يدلُّ, وافتراق العُلماء بين متأول للحديث ومحتج به.
قال ابن السَّمعاني وقوم: يدلُّ, لتضمنه تلقيهم له بالقَبُول.(4)
وأُجيب باحتمال أنَّه تأوَّله على تقدير صِحَّته فرضًا, لا على ثُبوتها عندهُ.
ــــــــــــــ
الرابع عشر - حكم رواية التائب من الفسق(5):
تُقبل رِوَاية التائب من الفِسْق ومن الكذب في غير الحديث النَّبوي كَشَهادته, للآيات والأحاديث الدَّالة على ذلك إلاَّ الكذب في أحاديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تُقبل رواية منه أبدًا, وإن حَسُنت طريقته, كذا قاله أحمد بن حنبل, وأبو بكر الحُميدي شيخ البُخَاري, وأبو بكر الصَّيرفي الشَّافعي.
بل قال الصَّيرفي زيادة على ذلك في «شرح الرِّسالة» : كُل من أسْقطنَا خبرهُ من أهل النَّقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله, بتوبة تَظْهر ومن ضعَّفناهُ لم نُقوِّه بعدهُ بخلاف الشَّهادة.
ــــــــــــــ
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 113)
(2) - اختصار علوم الحديث ص 81
(3) - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 327)
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 247)
(5) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 260)(1/464)
الخامس عشر- حكم رواية من أخذ على التحديث أجراً(1):
من أخذَ على التَّحديث أجْرًا, لا تُقْبل رِوَايتهُ عندَ أحمد بن حنبل وإسْحَاق بن رَاهويه وأبي حاتم الرَّازي.
وتُقبل عند أبي نُعيم الفضل بن دُكَين شيخ البُخَاري وعليِّ بن عبد العزيز البغوي وآخرين ترخصًا.
وأفْتَى الشَّيخ أبو إسْحَاق الشِّيرازي أبا الحُسين بن النقور بجوازها لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التَّحديث،ويشهد له جَوَاز أخذ الوَصِي الأُجْرة من مالِ اليتيم إذا كانَ فقيرًا, أو اشتغلَ بحفظهِ عن الكَسْب, من غير رُجُوع عليه لِظَاهر القرآن.
ـــــــــــ
السادس عشر- حكمُ رواية من عُرِفَ بالتساهل أو بقبول التلقين أو كثرة السهو(2).
لا تُقبل رواية من عُرف بالتَّساهل في سَمَاعه أو إسْمَاعه, كمن لا يُبَالي بالنَّوم في السَّماع منه أو عليه أو يُحدِّث لا من أصل مُصحَّح مُقَابل على أصلهِ, أو أصل شَيْخه أو عُرف بقبول التَّلقين في الحديث بأن يُلقَّنَ الشَّيء فيُحدِّث به من غير أن يعلم أنَّه من حديثه, كما وقع لموسى بن دينار(3)ونحوه أو كثرة السَّهو في روايته, إذا لم يُحدِّث من أصْلٍ صحيح, بخلاف ما إذَا حدَّث منهُ فلا عِبْرة بكثرة سَهْوه, لأنَّ الاعتماد حينئذ على الأصل, لا على حفظه أو كثرة الشَّواذ والمناكير في حديثه.
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 23) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 267)
(2) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 204) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 152) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 345) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 268)
(3) - ففي الضعفاء للعقيلي : " مُوسَى بْنُ دِينَارٍ مَكِّيٌّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ،حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى ،يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَا وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , وَأَبُو شَيْخٍ جَارِيَةُ بْنُ هَرِمٍ , فَكَتَبَ عَنْهُ فَجَعَلَ حَفْصُ يَضَعُ الْحَدِيثَ , فَيَقُولُ حَدَّثَتْكَ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ , عَنْ عَائِشَةَ بِكَذَا وَكَذَا , فَيَقُولُ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ , عَنْ عَائِشَةَ بِكَذَا وَكَذَا , وَيَقُولُ لَهُ وَحَدَّثَكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ , وَيَقُولُ حَدَّثَكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ , فَلَمَّا فَرَغَ ضَرَبَ حَفْصٌ بِيَدِهِ إِلَى لَوْحِ جَارِيَةٍ , فَمَحَا مَا فِيهَا , قَالَ : فَقَالَ تَحْسُدُونِي بِهِ ؟ فَقَالَ لَهُ حَفْصٌ : لَا , وَلَكِنْ هَذَا يَكْذِبُ . قِيلَ لِيَحْيَى : مَنِ الرَّجُلُ ؟ فَلَمْ يُسَمِّهِ , قُلْتُ لَهُ يَوْمًا : يَا أَبَا سَعِيدٍ , لَعَلَّ عِنْدَ هَذَا الشَّيْخِ شَيْئًا , قَالَ : أَعْرِفُهُ , فَقَالَ : هُوَ مُوسَى بْنُ دِينَارٍ , قَالَ أَبُو حَفْصٍ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُحَدِّثُ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ إِلَّا رَجُلَيْنِ : ابْنَ نُدْبَةَ , وَيُوسُفَ الشَّعْبِيَّ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ،حَدَّثَنَا صَالِحٌ ،حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى ،يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْنِ دِينَارٍ الْمَكِّيِّ أَنَا , وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ،فَجَعَلْتُ لَا أُرِيدُهُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا لَقَّنَهُ , فَخَرَجْنَا فَأَتْبَعَنَا أَبُو شَيْخٍ , فَجَعَلْتُ أُبَيِّنُ لَهُ أَمَرَهُ , فَلَا يَقْبَلُ "(1/465)
قَالَ شُعْبَةُ(1): " لَا يَجِيئُكَ الْحَدِيثُ الشَّاذُّ إِلَّا مِنَ الرَّجُلِ الشَّاذِّ " .
وقال نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ , يَذْكُرُ عَنْ شُعْبَةَ , قِيلَ لَهُ مَنِ الَّذِي يُتْرَكُ حَدِيثُهُ ؟ قَالَ : " الَّذِي إِذَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ مَا لَا يَعْرِفُهُ الْمَعْرُوفُونَ فَأَكْثَرَ , طُرِحَ حَدِيثُهُ "(2).
وكذلك رَدُّوا روايةَ مَنْ عُرِفَ بكثرةِ السَّهوِ في رواياتِهِ إذا لم يحدِّثْ من أصلٍ صحيحٍ .
قال عبد الله بن المُبَارك, وأحمد بن حنبل, والحُميدي, وغيرهم: من غلطَ في حديث, فبُيِّن له غلطه فأصرَّ على روايته لذلك الحديث ولم يرجع سَقَطت رواياته كلها ولم يُكتب عنه .
قال ابن الصَّلاح(3): وفي هذا نظرٌ،وهو غيرُ مستنْكَرٍ،إذا ظهرَ أنَّ ذلك منه على جِهَةِ العِنَادِ،أو نحوِ ذلكَ .
قال ابن مهدي لشعبة(4): من الَّذي تُترك الرِّوَاية عنه؟ قال: إذا تَمَادى في غَلطٍ مُجْمع عليه, ولم يتَّهم نفسهُ عندَ اجْتماعهم على خِلافه.
قال العِرَاقي(5): وقيَّد ذلكَ بعض المُتأخِّرين بأن يَكُون المُبيِّن عَالمًا عند المُبيَّن له, وإلاَّ فلا حرج إذَنْ.
قلتُ : " المصرُّ على الخطإِ نوعان :
نوع أول : وهو من غلط في رواية حديثٍ ما،وبين له عالم مجتهد من أئمة الحديث غلطه في هذا الحديث،ثم لم يرجع،وأصرَّ على روايته لذلك الحديث،آنفاً من الرجوع عمَّا خرج منه،وإن كان شيئاً يسيراً،فقد وجب جرحه بهذا،وتركُ حديثهِ لتعدِّيه ما ليس له .
نوع ٌآخر : وهو من حدّثَ بالشيء الذي أخطأ فيه،وهو لا يعلم أنه خطأ،ثم تبين له وعلِمَ فلم يرجع عنه،وتمادى في روايته بعد علمه أنه أخطأ فيه في أول الأمر،وهذا يكون بذلك كذابًّا،أو في حكم الكذاب،لروايته ما يعلم هو أنه خطأٌ.
والفرق بين الرجلين : أن الأول ليس متيقناً أنه أخطأ،لأنه يرى الحديث في كتابه مثلاً،ولا يتصور هو أنه أدخل عليه وهو لا يعلم،فكان جانب التوقُّفِ في تصحيح المصحح عنده قويًّا،غير أنه يدخل في جملة المتروكين،لتعديه ما ليس له،لأنه ليس من أهل هذا الشأن الذين يميزون الصواب من الخطإ،وواجب عليه أن يخضع لأهل العلم بهذا الشأن إذا بينوا له خطأه،وعدم خضوعه لهم يوجب ترك حديثه .
وفي الكفاية (1128) أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ،أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ،قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْحَافِظَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ " وَقِيلَ لَهُ : لِمَ رَوَيْتَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ وَتَرَكْتَ سُفْيَانَ بْنَ وَكِيعٍ ؟ فَقَالَ : " لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ رَجَعَ عَنْهَا عَنْ آخِرِهَا إِلَّا حَدِيثَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ إِذَا احْضِرَ الْعِشَاءُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي دَرْحٍ مِنْ كُتُبِ عَمِّهِ فِي قِرْطَاسٍ،وَأَمَّا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ فَإِنَّ وَرَّاقَهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ أَحَادِيثَ فَرَوَاهَا وَكَلَّمْنَاهُ فِيهَا فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ وَتَرَكْتُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ "
وذلك،لأنه أصرَّ على روايتها آنفاً من الرجوع عنها،بعدما بيَّن له أهل العلم أنه أخطأ فيها،فهذا هو حال الراوي الأول،أو النوع الأول من المصرِّين على الخطإ.
__________
(1) - الكفاية ( 385 )
(2) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 346) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 264) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 119) وتوضيح الأفكار - (ج 2 / ص 258) و الكفاية (391)
(3) - علوم الحديث ص 155
(4) - المجروحين 1/79
(5) - في التقييد ص 157(1/466)
أما النوع الثاني : وهو من حدَّث بالشيء الذي أخطأ فيه،وهو لا يعلم ثم تبين وعلم فلم يرجع عنه،وتمادى في روايته لذلك الخطإ،بعد علمه،فهذا قد علم فعلاً أنه أخطأ وتيقن من ذلك،فتماديه في رواية ما يعلم هو أنه خطأ يكون كذباً متعمَّداً،لأنه يخبر بخلاف الواقع،وهو يعلم أنه كذب،ومثل هذا كذبٌ صريحٌ،والله أعلم .(1)
ـــــــــــ
السابع عشر- حكمُ رواية من حَدَّثَ ونَسِيَ(2):
إذا رَوَى ثقة عن ثقة حديثا, ثمَّ نفاه المسمع لمَّا رُوجع فيه،فالمُخْتار عند المُتأخِّرين أنَّه إن كان جَازمًا بنفيه, بأن قال: ما رويته أو كذب عليَّ ونحوه, وجب ردُّه لتعارض قولهما, مع أنَّ الجاحد هو الأصل،ولكن لا يقدح ذلك في باقي روايات الرَّاوي عنه ولا يثبت به جرحه, لأنَّه أيضًا مُكذِّبٌ لشيخه في نفيه لذلك, وليس قَبُول جرح كلٍّ منهما أولى من الآخر فتساقطا, فإن عاد الأصْل وحدَّث به, أو حدَّث فرع آخر ثقة عنه, ولم يُكذبه فهو مقبول. صرَّح به القاضي أبو بكر والخطيب وغيرهما(3)
قلت : لكن ينبغي أن يتنبه هنا إلى أمرٍ هام ،وهو أن هذا الحكم إنما يكون إذا كان كلٌّ من الشيخ والراوي عنه ثقة ،أما إذا كان أحدهما ضعيفاً ،فلا تقبل دعواه ،ويقدم قول الثقة .
فمثال ضعف الشيخ : قال الحاكم في معرفة علوم الحديث (367 )حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ : ثنا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَطَاءٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ مَاتَ مَرِيضًا ،مَاتَ شَهِيدًا ،وَوُقِيَ فَتَّانَ الْقَبْرِ ،وَغُدِيَ ،وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : " حَدِيثُ : " مَنْ مَاتَ مَرِيضًا ،مَاتَ شَهِيدًا " ،كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِيهِ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى "
وروى ابن الجوزي في الموضوعات (1739) بإسناده إلى ابن أبي سكينة الحلبي ،قال : سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول : حدَّثتُ ابن جريج بهذا الحديث : ( من مات مرابطا) فروى عني (من مات مريضا) وما هكذا حدثته .
قال ابن الجوزي:ابن جريج هو الصادق ،وذلك لأن ابن أبي يحيى الأسلمي ضعيف ،وابن جريج ثقة .
ومثال ضعف الراوي : عن شعبة قال روى الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي سبعة أحاديث فلقيت الحكم فسألته عنها فقال ما حدثت بشيء منها.
والحسن بن عمارة ضعيف ،بل متروك ،والحكم بن عتيبة ثقة حافظ .
وهذه القصة تدلُّ على سوء حفظ الحسن بن عمارة ،لأنه روى عن الحكم أحاديث لا أصل لها عنه ،ولذا لما سئل الحكم عنها قال : ما سمعت بهذا شيئاَ .
__________
(1) - انظر المجروحين لابن حبان 1/78-79 ،وهامش التدريب 1/570 -571 و سير أعلام النبلاء (12/319) وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 114)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 22) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 330) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 144) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 37)
(3) - البرهان في أصول الفقه - الرقمية - (ج 1 / ص 250) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 264) " التدريب هامش 1/561-562(1/467)
فإن قيل : قد روى الخطيب في الكفاية (280 )أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ ،ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ ،ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ،ثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ , قَالَ : سَأَلْتُ أَيُّوبَ بْنَ سُوَيْدٍ عَنِ الَّذِي كَانَ شُعْبَةُ يَطْعَنُ بِهِ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَقَالَ لِي : " كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ , وَالْحَسَنُ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً , قَالَ : فَقُلْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَقَالَ : إِنَّ الْحَكَمَ أَعْطَانِي حَدِيثَهُ عَنْ يَحْيَى فِي كِتَابٍ لِأَحْفَظَهُ فَحَفِظْتُهُ "(1)
فإن قيل : أليس هذا كافياً في تبرئة الحسن بن عمارة ،إذ أنه صرح بأنه حفظ عن الحكم ما لم يحفظه غيره ؟!
قلت : كلا ،لأمور :
الأول: أنه رجل سيئ الحفظ ،فمهما ادعى من شيء فلن يسمع له .
الثاني : أنه لم يحدث بها من الكتاب ،بل من حفظه كما يفهم من كلامه ،وقد مرَّ أنه سيئ الحفظ ،فلا يؤمن عليه أن يخطئ فيدخل حديثا في حديث ،أو يقلب بعض الأسانيد عن غير قصد .
الثالث: أن الحكم بن عتيبة لما سئل عن هذه الأحاديث أنكرها ،وهو ثقة حجَّةٌ ،فلا يردُّ قوله لقول الحسن بن عمارة الضعيف .
الرابع : أن هذه الأحاديث التي تفرد بها عن الحكم يحيى بن الجزار ،وجدها الأئمة أحاديث منكرة غير مستقيمة ،وهذا أكبر دليل على أن الحكم لم يحدث بها ،لأن الأحاديث المناكير لا تأتي إلا من الرجال المناكير كالحسن بن عمارة وأمثاله"
ومُقَابل المُختار في الأوَّل عدم رد المَرْوي.
واختارهُ السَّمعاني, وعزاهُ الشَّاشي للشَّافعي, وحكى الهِنْدي الإجْمَاع عليه.
وجزمَ المَاوردي والرُّوياني بأنَّ ذلك لا يقدح في صِحَّة الحديث, إلاَّ أنَّه لا يَجُوز للفرع أن يرويه عن الأصْل, فحصلَ ثلاثة أقْوَال.
وثَمَّ قولٌ رابع: أنَّهما يتعارضَان, ويُرجَّح أحدهما بطريقه, وصار إليه إمام الحرمين.
ومن شواهد القبول ما رواهُ الشَّافعي في المسند( 175 )أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ،عَنْ عَمْرٍو،عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّكْبِيرِ " . قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : ثُمَّ ذَكَرْتُهُ لِأَبِي مَعْبَدٍ بَعْدُ،فَقَالَ : لَمْ أُحَدِّثْكَهُ . قَالَ عُمَرُ : وَقَدْ حَدَّثَنِيهِ قَالَ : وَكَانَ مِنْ أَصْدَقِ مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَأَنَّهُ نَسِيَهُ بَعْدَمَا حَدَّثَهُ إِيَّاهُ .
__________
(1) - التدريب هامش 1/561-562(1/468)
قال الخطيب في الكفاية : " (1191 )أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ،ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْمَتُّوثِيُّ،ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ،ثنا وَهْبٌ يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ،أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ , قَالَ : " كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا " , قَالَ شُعْبَةُ : لَقِيتُهُ بِوَاسِطَ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ " وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ بِمِثْلِ هَذَا وَشِبْهِهِ , فَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا , وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ : إِنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ , إِذَا كَانَ سَامِعُهُ حَافِظًا وَالنَّاسِي لَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَدْلًا , وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ , وَزَعَمَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ الْخَبَرِ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ , وَلَا الْعَمَلُ بِهِ , قَالُوا : وَلِهَذَا لَزِمَ اطِّرَاحُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي الْمَرْأَةِ تُنْكَحُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا , وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتَرِفَا بِهِ لِمَا ذَكَرَاهُ , وَاعْتَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "
ـــــــــــــــ
المرحلة الرابعة -من مراحل دراسة الأسانيد- : الحكمُ على الإسناد المُفرد دون المجموع .
فأنظرُ في كلِّ إسناد منفرد عن بقية طرق الحديث،وأحكم على الإسناد بحسب ما يستحقُّه على الإنفراد،وهذا الحكم لن تكون له قيمة كبيرة إلا في الأخير،وذلك لأُميّز الإسناد الذي يقوي ويتقوَّى،أو لا يستطيع ذلك،كالإسناد الشديد الضعف .
تنبيه : الأقلُّ في هذا العلم يقضي على الأكثر -قاعدة مطردة-،فالإسناد الذي كل رواته ثقات إلا راوٍ واحد ضعيف،فحكم هذا الإسناد ضعيف،والإسناد الذي كل رواته أئمةٌ حفاظ كبار إلا راوٍ واحد دجّال،فحكمه شديد الضعف،فتنظر في أقل راوٍ في هذا الإسناد،فتحكم عليه باعتبار درجة هذا الراوي .
ففي تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج - (ج 1 / ص 459) (548 ) وَعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ الْحَارِث بن عبيد عَلَى أحد الْأَقْوَال فِيهِ قَالَ أَلا أحدثكُم بِصَلَاة رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ فَأَقَامَ الصَّلَاة فَصف يَعْنِي الرِّجَال وصف خَلفهم الغلمان ثمَّ صَلَّى بهم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد حسن
(549 ) وَعنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - َ يَلِيهِ فِي الصَّلَاة الرِّجَال ثمَّ الصّبيان ثمَّ النِّسَاء رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث لَيْث بن أبي سليم عَن شهر بن حَوْشَب عَنهُ بِهِ ثمَّ قَالَ هَذَا الْإِسْنَاد ضَعِيف وَالْأول يَعْنِي رِوَايَة أبي دَاوُد أَقْوَى.
قلت : والعلة في الثانية ليث بن أبي سليم صدوق اختلط ولم يميز حديثه
ويُنتبه إلى خطورة الاكتفاء بهذا الحكم المُفرد على الأسانيد،فلا يُظنَّ أن العمل قد انتهى،بل لا بد من مراعاة المراحل الآتية،التي هي في غاية الأهمية،ويغفل عنها كثيرٌ من طلبة العلم .
ـــــــــــــــ
المرحلةُ الخامسة : النظرُ في اختلاف الطرق -إن وجدت-
فأنظر هل الاختلافُ في هذه الرواية من ناحية المتن أو الإسناد ؟ كأن يُبدلَ راوٍ براوٍ آخر،أو يروَى الحديثُ مرّة متصلاً وأخرى مرسلاً،ومرة مرفوعاً وأخرى موقوفاً،أو اختلافات في المتن من نقص أو زيادة أو تقديم أو تأخير يؤثر في المعنى مطلقاً .(1/469)
فإن لم يوجد اختلاف لا في الإسناد ولا في المتن،عندها يُنظر هل حُكِمَ على هذا الحديث بالتفرّد ؟،فإن لم يحكم عليه بالتفرد،فعندها من الممكن أن أحكم حكماً مبدئياً على هذا الإسناد بما يستحقُّه من صحة أو ضعف،فإن ظهر لي أن الحديث تفرّد به الراوي،والتفرد يظهر بأحد أمرين :
1- إمَّّا بالنصّ من أحد الأئمة المُطلعين الحُفاظ،كأن يقول : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فلان، كما في سنن الترمذى (763) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ وَاصِلٍ عَنْ نَهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِى الْحِجَّةِ يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ وَاصِلٍ عَنِ النَّهَّاسِ. قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلَ هَذَا. وَقَالَ قَدْ رُوِىَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً شَىْءٌ مِنْ هَذَا. وَقَدْ تَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِى نَهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
أو هذا حديث فرْدٌ ،كما في سنن أبى داود( 1162 ) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ح وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنَ الْفَرْوِيِّينَ - وَسَمَّاهُ الرَّبِيعُ فِى حَدِيثِهِ عِيسَى بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَبِى فَرْوَةَ - سَمِعَ أَبَا يَحْيَى عُبَيْدَ اللَّهِ التَّيْمِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِى يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْعِيدِ فِى الْمَسْجِدِ.(1).
__________
(1) - وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 315) وهذا حديث فرد منكر،قال ابن القطان: لا أعلم عيسى هذا مذكورا في شئ من كتب الرجال ولا في غير هذا الاسناد.(1/470)
أو لا أعرفه إلا من هذا الوجه، كما في مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لِلْبَيْهَقِيِّ (6355) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ ،أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ ،حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيُّ ،عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَحَدَّثَنَا الزَّنْجِيُّ بْنُ خَالِدٍ ،عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَمُوتُ ،فَقَالَ لَهُ : " يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِصَاحِبِنَا أَفْجَعْتَ بِالْأَحِبَّةِ " قَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى لِسَانِ الْأَنْصَارِيِّ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي بِكُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ رَفِيقٌ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ : وَهَذَا لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَحْمَدُ : الْمَعْرُوفُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثُ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَهْمًا مِنْ أَبِي نَصْرٍ أَوْ سُلَيْمَانَ فَهُوَ حَدِيثٌ آخَرُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ،وَلَا أَرَاهُ إِلَّا وَهْمًا ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
وغيرها مما يدل على التفرّد والغرابة .
2- قد أحكم بالتفرد دون وجود هذا النصّ،وذلك حين اجتماع أمرين :
أ) عند الاستقصاء الواسع من الباحث في التخريج،ويكون من أهل الاستقصاء،وهو مَنْ يعرف المراجع والمصادر،بحيث أنّه في ظنّه لن يغيب عن علمه واطلاعه أمرٌ ذو بال .(1/471)
ب) أن يوافق ذلك قرائن تدلُّ على أن العلماء والحفّاظ لم يعرفوا هذا الحديث إلا من هذا الوجه،مثل : فيما لو جئت مثلاً إلى (العلل) للدارقطني فذكر هذا الحديث -ومن شأن الدارقطني أنه يبسط طرق الحديث-،فلم يذكر إلا طريقاً واحداً لهذا الحديث،فهذه قرينة ؛ لأنه لو وجد الدارقطني طرقاً أو روايات أخرى لذكرها،ثم قد يوافق الدارقطني ابن أبي حاتم،فيذكر الحديث في علله،ويذكر ما حصل فيه من اتفاق واختلاف،وأيضاً يذكر أن مرجعه إلى راوٍ واحد . وبعض الأحيان تأتي عبارات،مثل أن يقول العالم :" هذا الحديث يُعرف بفلان " كما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 83) (4258) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِىُّ بِمَرْوٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى نَعَامَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ،فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ ،فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ :« لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ ». قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا. قَالَ :« إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِى فَأَخْبَرَنِى أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا ،فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ ،فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا خَبَثٌ ،فَإِنْ وَجَدَ خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالأَرْضِ ،ثُمَّ لَيُصَلِّ فِيهِمَا ». هَذَا الْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى نَعَامَةَ عَبْدِ رَبِّهِ السَّعْدِىِّ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ. {ت} وَقَدْ رُوِىَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِى عَامِرٍ الْخَزَّازِ عَنْ أَبِى نَعَامَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِىِّ
وكما في السنن الكبرى للبيهقي(ج 5 / ص 327) (11098) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ حَدَّثَنِى عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ يَعْنِى أَبَا وَهْبٍ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ قَالَ : أَلاَ أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجَ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ :« هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً عَبَّادٌ يَشُكُّ لاَ دَاءَ لَهُ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ ». قَالَ الشَّيْخُ هَذَا الْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِعَبَّادِ بْنِ اللَّيْثِ.
وفي سنن الترمذى(1260 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِىِّ الْبَصْرِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ لِى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ أَلاَ أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ قُلْتُ بَلَى. فَأَخْرَجَ لِى كِتَابًا « هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ لَيْثٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. -الخبثة : الحرام = الغائلة : الخديعة أو المسروقة(1/472)
وكما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 9) (13517) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ : عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَعَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا سَاعِيًا فَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَوَضَعَهَا فِى فُقَرَائِنَا وَأَمَرَ لِى بِقَلُوصٍ. {ج} هَذَا الْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِأَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِىِّ.
وهذه الروايات قد تفرد بها من ذكر ولم ترو عن الصحابي نفسه إلا بهذا السند
،فهذه ليست صريحة بالتفرد،لكنه اشتهر بروايته،حتى كأنه تفرّد به . ثم يوافق ذلك عدم وقوفي على الحديث من وجه آخر،فحينها يمكن أن أميل لترجيح أن هذا الراوي تفرّد بهذا الحديث .
فإن ثبت أن هذا الحديث تفرّد به فلان،فأنظر هل هذا الحديث مما يُحتمل أن يتفرد به هذا الراوي أم لا ؟ ؛ لأن العلماء نصّوا -وعلى رأسهم ابن الصلاح،وغيره- أن من أقسام الحديث الشاذ والمنكر المردودة : تفرّد من ليس فيه من الضبط والإتقان ما يقع جابراً لتفرده . فقد يكون الراوي ثقة أو صدوقاً فيتفرد بأصل،والمقصود بالأصل : هو الحكم أو الخبر الغريب الذي لا نكاد نجده بهذا الوضع إلا في هذا الحديث،ومسألة التفرد بأصلٍ مسألةٌ شائكةٌ،ولا يمكن لأي إنسان أن يدخل فيها،ويحكم بأن هذا الحديث أصلٌ،وتفرّد به- وقد سبق ذكر قرائن وملاحِظِ الحكم على التفرّد -،فإذا تفرّد الثقة أو الصدوق بأصل،وكان ممن لا يحتمل التفرّدَ،فهذا نردّه،ونقول : لعله من أوهامه،إذ لو كان صحيحاً لتصدّى الأئمة الكبار لحفظ هذا الأصل وضبطه . ومن أمثلة ذلك : حديث أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ. وَالْوَهَمُ فِيهِ مِنْ هَمَّامٍ وَلَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ هَمَّامٌ..(1)
وبيّن العلماء سبب نكارته : أنه تفرّد به راوٍ اسمه : همّام بن يحيى،وهو ثقة من رجال الشيخين،لكن رأى أبو داود أنه لا يحتمل التفرّد بهذا الحديث،وكذلك قال النسائي عن هذا الحديث :" هذا حديث غير محفوظ "؛ والسبب في هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتماً في آخر عمره،ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخلعه كلما أراد الخلاء ؛ لكَثُر الناقلون عنه ؛ لأنها قضية متكررة في اليوم والليلة،فتفرد همّام بن يحيى بهذا الحديث عن شيخه،وشيخه عن شيخه إلى الصحابي مثيرٌ للريبة،فكيف لا يرويه إلا همّام بن يحيى في طبقة أتباع التابعين ؟! ألا يرويه من الأمة أحد غيره !!.
فجعل العلماء يستنكرون بذلك الحديث،وأنه لا يصح .
قلت : وفي البدر المنير - (ج 2 / ص 336) الحَدِيث الْخَامِس عشر -«أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» .
__________
(1) - سنن أبى داود(19 ) -الورق : الفضة(1/473)
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الأول والأخير فِي هَذَا الْبَاب و (الثَّانِي فِي) اللبَاس وَالثَّالِث فِي الزِّينَة ،من رِوَايَة أنس رَضي اللهُ عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ،وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيحه (وتضعيفه) فضعفه جمَاعَة ،قَالَ أَبُو دَاوُد : هَذَا حَدِيث مُنكر ،وَإِنَّمَا يُعرف عَن ابْن جريج ،عَن زِيَاد بن سعد ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خَاتمًا من وَرِقٍ ثمَّ أَلْقَاهُ» وَالوهم فِيهِ من همام ،وَلم يروه إِلَّا همام .وَقَالَ النَّسَائِيّ : هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث يروه هَكَذَا همام عَن ابْن جريج ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس مَرْفُوعا ،رَوَاهُ عَنهُ كَذَلِك سعيد بن عَامر وهدبة بن خَالِد ،وَخَالَفَهُمَا عَمْرو بن عَاصِم ؛ فَرَوَاهُ عَن همام ،عَن ابْن جريج ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس (مَرْفُوعا) ،وَلم يُتَابع عَلَيْهِ . قَالَ : وَرَوَاهُ جماعات عَن ابْن جريج ،عَن زِيَاد بن سعد ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس «أَنه رَأَى فِي يَد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - خَاتمًا من ذهب فَرَمَى بِهِ وَقَالَ : وَالله لَا ألبسهُ أبدا» قَالَ : وَهُوَ الْمَحْفُوظ وَهُوَ الصَّحِيح عَن ابْن جريج . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : هُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن جريج دون حَدِيث همام .
وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» (وَقَالَ : هُوَ وهم) وَقَالَ الْحَازِمِي : لم يرو هَذَا الحَدِيث بِهَذَا السِّيَاق إِلَّا همام . وَوهم فِي ذَلِك .
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث ضعفه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ ،وَخَالفهُم التِّرْمِذِيّ فصححه . (و) قَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : وَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ . انْتَهَى من ضعفه .
وَالصَّوَاب أَنه حَدِيث صَحِيح بِلَا شكّ وَلَا مرية ،قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي ؛ فَإِن رُوَاته كلهم ثِقَات أثبات . وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى «مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد» : همام هَذَا هُوَ (أَبُو) عبد الله همام بن يَحْيَى بن دِينَار الْأَزْدِيّ العوذي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ ،وَإِن كَانَ قد تكلم فِيهِ بَعضهم فقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بحَديثه ،وَقَالَ يزِيد بن هَارُون : همام قوي فِي الحَدِيث . وَقَالَ يَحْيَى بن معِين : (ثِقَة) صَالح . وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل : ثَبت فِي كل الْمَشَايِخ . وَقَالَ ابْن عدي الْجِرْجَانِيّ : همام أشهر وأصدق من أَن يذكر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا ،أَو لَهُ حَدِيث مُنكر ؟ ! وَأَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة عَن قَتَادَة ،وَهُوَ مقدم أَيْضا فِي يَحْيَى بن أبي كثير ،وَعَامة مَا يرويهِ مُسْتَقِيم . قَالَ (الْحَافِظ) أَبُو مُحَمَّد (وَهُوَ) الْمُنْذِرِيّ : فَإِذا كَانَ حَال همام كَذَلِك فيترجح مَا قَالَه (التِّرْمِذِيّ) (وتفرده بِهِ لَا يوهن الحَدِيث ،وَإِنَّمَا يكون غَرِيبا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ) .(1/474)
قلت : لم يتفرد همام بِهِ ،وَكَأن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ تبع فِي ذَلِك مقَالَة أبي دَاوُد الَّتِي قدمناها عَنهُ ،قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : تَابعه عَلَيْهِ يَحْيَى بن الضريس ،عَن ابْن جريج . وَيَحْيَى بن الضريس ثِقَة ،وَتَابعه أَيْضا يَحْيَى بن المتَوَكل وَهُوَ ثِقَة - كَمَا سَيَأْتِي - فعلَى هَذَا انْتَفَى دَعْوَى التِّرْمِذِيّ غرابته . ويرجح مَا جنح إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ من تَصْحِيحه أَيْضا مَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَهُوَ ضعف الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى وهم همام ؛ فَإِن انْتِقَال الذِّهْن من قَوْلنَا : «اتخذ خَاتمًا من ورق ثمَّ أَلْقَاهُ» إِلَى قَوْله : «كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» لَا يكون إِلَّا عَن غَفلَة شَدِيدَة لَا يحْتَمل (مثل) همام مثلهَا ،نعم فِي رِوَايَة هدبة [ بن ] خَالِد ،عَن همام : وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس ،وَهَذِه عبارَة تشعر بِعَدَمِ تَيَقّن ،فَإِن كَانَ قَائِل هَذَا الْكَلَام (هُوَ) هدبة فَلَا يضر ،وَإِن كَانَ هُوَ همام فقد يضم إِلَى مُخَالفَة الْجُمْهُور لَهُ ويوقع شَيْئا فِي الْوَهم ،وَعَلَى الْجُمْلَة فالجاري عَلَى قَوَاعِد الْفِقْه وَالْأُصُول قبُول رِوَايَة الثِّقَة فِي مثل هَذَا ،مَعَ أَن لَهُ شَاهدا من رِوَايَة يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي ،عَن يَحْيَى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ ،عَن ابْن جريج ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خَاتمًا نقشه : مُحَمَّد رَسُول الله . فَكَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وَضعه» . أخرجه الْبَيْهَقِيّ ،وَقَالَ : هَذَا شَاهد ضَعِيف .
قلت : (فِيهِ) نظر إِذْ لَيْسَ فِي إِسْنَاده من تكلم فِيهِ ،وَيَحْيَى بن المتَوَكل لَا أعلم فِيهِ إِلَّا قَول ابْن حبَان : إِنَّه يُخطئ . وَصَححهُ الْحَاكِم من طَرِيقه - كَمَا سَيَأْتِي - وَلَيْسَ هَذَا بِيَحْيَى بن المتَوَكل الَّذِي (يُقَال) لَهُ أَبُو عقيل ،ذَاك ضَعِيف كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَأحمد [ و ] ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَغَيرهم ،وَقد فرق بَينهمَا الْمزي وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ .
وَله شَاهد ثَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن نَبِي الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء نزع خَاتمه» رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الجوزقاني فِي كتاب «الموضوعات» رادًّا بِهِ عَلَى حَدِيث عَلّي الَّذِي سأذكره آخر الْبَاب من حَدِيث (أبي) مُعَاوِيَة ،عَن الْأَعْمَش ،عَن الْمنْهَال (بن عَمْرو) ،عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ .
وَقد صحّح الحَدِيث الْمَذْكُور مَعَ التِّرْمِذِيّ إمامان جليلان ،أَحدهمَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فَإِنَّهُ أخرجه بعد أَن ترْجم «الْخَبَر الدَّال عَلَى نفي إجَازَة دُخُول الْخَلَاء بِشَيْء فِيهِ ذكر الله» عَن عمرَان بن مُوسَى بن مجاشع ،ثَنَا هدبة بن خَالِد ،ثَنَا همام بن يَحْيَى ،عَن ابْن جريج ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» .
ثمَّ قَالَ : ذكر السَّبَب الَّذِي (من أَجله) كَانَ يضع (خَاتمه عِنْد دُخُول الْخَلَاء ،أَنا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي [ عون ] ثَنَا أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ ،ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ ،ثَنَا أبي ،عَن ثُمَامَة ،عَن أنس قَالَ : «كَانَ نقش خَاتم رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاث أسطر : مُحَمَّد سطر ،وَرَسُول سطر ،وَالله سطر» .
((1/475)
وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ فِي «أَخْلَاق سيدنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - » من حَدِيث أنس أَيْضا ،وَلَفظه «كَانَ فص خَاتم النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - حبشِي وَكَانَ مَكْتُوب عَلَيْهِ : لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله . لَا إِلَه إِلَّا الله سطر ،وَمُحَمّد رَسُول الله سطر» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ثُمَامَة ،عَن أنس قَالَ : «كَانَ نقش خَاتم رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَة أسطر : مُحَمَّد سطر ،وَرَسُول سطر ،وسطر الله» .) .
وَالثَّانِي : الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَإِنَّهُ أخرجه فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» عَن عَلّي بن حمشاذ الْعدْل ،ثَنَا عبد الله بن أَيُّوب بن زَاذَان ح .قَالَ : وَأخْبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَالَوَيْهِ ،نَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَا : ثَنَا هدبة بن خَالِد ،نَا همام (نَا) ابْن جريج ،عَن الزُّهْرِيّ - قَالَ : وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن الزُّهْرِيّ - عَن أنس «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» .
قَالَ الْحَاكِم : وثنا عَلّي بن حمشاذ ،ثَنَا عبيد بن عبد الْوَاحِد ،ثَنَا يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي ،ثَنَا يَحْيَى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ ،عَن ابْن جريج ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن أنس «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس (خَاتمًا) نقشه : مُحَمَّد رَسُول الله . فَكَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وَضعه» . قَالَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْبَاب : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم ،وَإِنَّمَا أخرجَا حَدِيث نقش الْخَاتم فَقَط .
فتلخص من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة أَنه حَدِيث صَحِيح مُحْتَج بِهِ ،وَهُوَ الْحق - إِن شَاءَ الله - لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد فِي آخر كِتَابه «الاقتراح» فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث رَوَاهَا من أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث . اهـ
أما في حالة : إذا اختلف الرواة،فحينئذ ينبغي أن أُحدّد -أولاً- موطن الاختلاف،والراوي الذي اختلف عليه،فمثلاً أجد روايات حديث ما التقت عند الزهري،ثم اختلف في الراوية على الزهري على الأوجه المُختلف عليها،فمثلاً بعضهم يرويه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة،وبعضهم يرويه عن الزهري عن سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وبعضهم عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وبعضهم يرويه من كلام الزهري . من هذا المثال يتضح أن موطن الخلاف هو الزهري .
فإذا عينت الراوي المختلف فيه،أنظرُ هل هو ثقة أو ليس بثقة،فإن كان ثقة،فأنظر في الرواة المختلفين عنه،لعل الرواة عنه فيهم ضعيف،فيكون هو الذي خالف،فإذا وقفت -مثلاً- على أن الرواة عنه : واحدٌ منهم ثقة،والبقية ضعفاء،فتكون الوجوه كلها خطأ من هؤلاء الضعفاء،والصحيح هو الوجه الذي رواه ذلك الثقة،وأعتبر رواية الصدوق شاذة . والمقصود هنا المخالفة الحقيقية،كاختلاف الوصل مع الإرسال . وإذا كان غالب الرواة على وجه،وجاء راوٍ أو اثنين وتفرّدا بوجه آخر،فعندها نرجح رواية الأكثر عدداً،خاصة إذا كان الراوي أو الراويين أقل درجة من الأكثرين .
وفي البدر المنير - (ج 7 / ص 553) الحَدِيث السَّابِع = عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ،فنكاحها بَاطِل ،فنكاحها بَاطِل ! فَإِن دخل بهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا ،وَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ» .(1/476)
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي ،وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ،قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن ،(وَقد رَوَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ ،وَيَحْيَى بن أَيُّوب ،وسُفْيَان الثَّوْريّ ،وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن ابْن جريج نَحْو هَذَا) قَالَ : وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن جريج ،عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن [ عُرْوَة ] عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ ،وَرَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَاة وجعفر بن ربيعَة ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن عُرْوَة ،عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ ،وَرَوَاهُ هِشَام بن عُرْوَة ،عَن أَبِيه ،عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ ،قَالَ : وَقد تكلم بعض أهل الْعلم فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ ،عَن عُرْوَة ،عَن عَائِشَة ،قَالَ ابْن جريج : ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته ،فَأنكرهُ . فضعفوا هَذَا الحَدِيث من أجل هَذَا . قَالَ : وَذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ : لم يذكر هَذَا الْحَرْف عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن علية . قَالَ يَحْيَى : وَسَمَاع ابْن علية من ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ مَا سمع من ابْن جريج ،وَإِنَّمَا صحّح كتبه عَلَى كتب [ عبد الْمجِيد ] بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد ،وَضعف يَحْيَى رِوَايَة ابْن عُلية عَن ابْن جريج . وَقَالَ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» : هَذَا حَدِيث مَحْفُوظ من حَدِيث ابْن جريج ،عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشرق ،وَقَالَ فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم ،قَالَ : وَقد تَابع أَبَا عَاصِم عَلَى ذكر سَماع ابْن جريج من سُلَيْمَان بن مُوسَى وَسَمَاع سُلَيْمَان بن مُوسَى من الزُّهْرِيّ عبد الرَّزَّاق بن همام [ و ] يَحْيَى بن أَيُّوب ،وَعبد الله بن لَهِيعَة ،وحجاج بن مُحَمَّد [ المصيصى ] ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده ،ثمَّ قَالَ : فقد صَحَّ وَثَبت بروايات الْأَئِمَّة الْأَثْبَات سَماع رِوَايَة الروَاة بَعضهم من بعض ،فَلَا تعلل هَذِه الرِّوَايَات بِحَدِيث ابْن علية وسؤاله ابْن جريج عَنهُ وَقَوله : إِنِّي سَأَلت الزُّهْرِيّ عَنهُ فَلم يعرفهُ ،فقد ينسَى الثِّقَة الْحَافِظ الحَدِيث بعد أَن حدث بِهِ ،وَقد فعله غير وَاحِد من حفاظ الحَدِيث .
قَالَ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس : سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول : وَذكر عِنْده أَن ابْن علية يذكر حَدِيث ابْن جريج فِي «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» قَالَ ابْن جريج : فَلَقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَنهُ فَلم يعرفهُ ،وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَان بن مُوسَى ،قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل : كَانَ ابْن جريج لَهُ كتب مدونة وَلَيْسَ هَذَا فِي كتبه - يَعْنِي : حِكَايَة ابْن علية عَن ابْن جريج . وَقَالَ الدوري : سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول فِي حَدِيث «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» : الذى يرويهِ ابْن جريج ،فَقلت لَهُ : إِن ابْن عُلية يَقُول : قَالَ ابْن جريج : فَسَأَلت عَنهُ الزُّهْرِيّ فَقَالَ : لست أحفظه . قَالَ يَحْيَى : لَيْسَ يَقُول هَذَا إِلَّا ابْن علية ؛ وَإِنَّمَا عرض ابْن علية كتب ابْن جريج عَلَى عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد ،فأصلحها لَهُ وَلَكِن لم يبْذل نَفسه للْحَدِيث .
وَقَالَ شُعَيْب بن [ أبي ] حَمْزَة : قَالَ الزُّهْرِيّ : إِن مَكْحُولًا (مَا ينسَى) وَسليمَان بن مُوسَى ولَعَمْرُو اللَّهِ إِن سُلَيْمَان لأَحفظهما .
وَقَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن جريج ،عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن عُرْوَة ،عَن عَائِشَة .(1/477)
وَرَوَاهُ عَن ابْن جريج ابْن الْمُبَارك ،وَعِيسَى بن يُونُس ،وحجاج بن مُحَمَّد ،وَيَحْيَى بن أَيُّوب ،وَيَحْيَى بن سعيد ،وسُفْيَان الثَّوْريّ ،وَعبيد الله بن مُوسَى ،وَأَبُو قُرَّة ،وَعبد الرَّزَّاق ،وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل ،وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ ،ومعاذ بن معَاذ الْعَنْبَري ،وَعبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد ،وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي ،وَالْفضل بن مُوسَى [ السينَانِي ] وَعبد الْوَارِث بن سعيد ،وَأَبُو يُوسُف القَاضِي ،وَيَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي ،وَسَعِيد بن سَالم القداح ،وَابْن عُلية .
وَرَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى معمر بن رَاشد ،وَعبيد الله بن زحر .
وَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ الْحجَّاج بن أَرْطَاة ،وَأَبُو بكر الْهُذلِيّ ،وَمُحَمّد بن أبي قيس ،وقرة بن عبد الرَّحْمَن بن جِبْرِيل ،وَأَيوب بن مُوسَى ،وَعُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن ،وَهِشَام بن سعد ،ومُوسَى بن عقبَة ،وَابْن إِسْحَاق ،وَسليمَان بن يسَار ،وَمَالك بن أنس ،وهشيم بن بشير ،وَمُعَاوِيَة بن سَلمَة الْبَصْرِيّ ،وَعبد الرَّحْمَن بن رُزَيْق النَّوْفَلِي ،وجعفر بن ربيعَة ،وَإِبْرَاهِيم بن سعد ،وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ،وَابْن جريج .
وَرَوَاهُ أَبُو مَالك الجَنْبي عَمْرو بن هِشَام ،عَن هِشَام بن عُرْوَة ،عَن أَبِيه ،عَن عَائِشَة .
وَتَابعه فِيهِ نوح بن دراج ،وَالْحجاج بن أَرْطَاة ،وَإِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد ،وَسَعِيد بن خَالِد العثماني ،وَيزِيد بن سِنَان ،وَالْحسن بن علوان ،وَصدقَة بن عبد الله ،وَأَبُو الخصيب نَافِع بن ميسرَة ،وَأَبُو الزِّنَاد ،وجعفر بن برْقَان ،وَزَمعَة بن صَالح ،وَابْن جريج ،ومندل بن عَلّي ،وَعبد الله بن الْحَارِث الْحَاطِبِيُّ ،وَعبد الله بن حَكِيم ،وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار ،كلهم عَن هِشَام .
وَرَوَاهُ أَبُو الْغُصْن ثَابت بن قيس ،عَن عُرْوَة ،وَعبد الرَّحْمَن غير مَنْسُوب ،عَن عُرْوَة .
وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي مليكةَ ،عَن عَائِشَة .
وَعبيد الله بن زَمعَة ،عَن عَائِشَة .
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن ،عَن عَائِشَة .
وَعبد الله بن شَدَّاد عَنْهَا ،وَأم سَلمَة عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : هَذَا الْخَبَر (وهم) من لم يحكم صناعَة الحَدِيث أَنه مُنْقَطع أَو لَا أصل لَهُ بحكاية حَكَاهَا ابْن علية فِي عقب هَذَا الْخَبَر ،قَالَ : ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَذكرت ذَلِك لَهُ فَلم يعرفهُ ،قَالَ : وَلَيْسَ مِمَّا [ يهي ] الْخَبَر بِمثلِهِ ،وَذَلِكَ أَن الْخَيْر الْفَاضِل المتقن الضَّابِط من أهل الْعلم قد يحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينساه ،وَإِذا سُئِلَ عَنهُ لم يعرفهُ ،فَلَيْسَ بنسيان الشَّيْء الَّذِي حدث بِهِ بدال عَلَى بطلَان أصل الْخَبَر ،قَالَ : والمصطفى عَلَيْهِ السَّلَام خير الْبشر وَوَقع لَهُ النسْيَان فِي الصَّلَاة فَقيل لَهُ : يَا رَسُول الله ،أقصرت الصَّلَاة أم نسيت ؟ ! فَقَالَ : «كل ذَلِك لم يكن» فَلَمَّا جَازَ عَلَيْهِ النسْيَان فِي أَعم الْأُمُور حَتَّى نسي فَلَمَّا [ استثبتوه ] أنكر ذَلِك ،وَلم يكن نسيانه بَدِالٍّ عَلَى بطلَان الحكمُ الَّذِي نَسيَه - كَانَ من بعده من أمته فِيهِ أجوز .(1/478)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج ،عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى ،عَن الزُّهْرِيّ وَكلهمْ ثِقَة حَافظ . وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : الْعجب أَن من يُسَوِّي الْأَخْبَار عَلَى مذْهبه يَحْكِي عَن ابْن جريج [ أَنه ] سَأَلَ ابْن شهَاب عَن هَذَا الحَدِيث فَأنكرهُ [ ثمَّ يرويهِ عَن ابْن أبي عمرَان عَن يَحْيَى بن معِين عَن ابْن علية عَن ابْن جريج ] وَلَو ذكر حِكَايَة ابْن معِين عَلَى وَجههَا علم أَصْحَابه أَن لَا مغمز فِي رِوَايَة سُلَيْمَان ،وَيَحْيَى بن معِين إِنَّمَا ضعف رِوَايَة منْدَل عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه ،وَصحح رِوَايَة سُلَيْمَان .
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِن قيل : قد قَالَ ابْن جريج : لقِيت الزُّهْرِيّ وأخبرته بِهَذَا الحَدِيث فَأنْكر [ قُلْنَا ] هَذَا الحَدِيث صَحِيح ،وَرِجَاله رجال الصَّحِيح ،وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ ،وَمَا ذكر عَن ابْن جريج فَلَيْسَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ ،قَالَ التِّرْمِذِيّ - أَي حِكَايَة عَن يَحْيَى بن معِين - : لم يذكرهُ عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن عليّة ،وسماعه من ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ . ثمَّ رَوَى ابْن الْجَوْزِيّ الحَدِيث من طَرِيق أَحْمد فِي «مُسْنده» وَفِي آخِره قَالَ ابْن جريج : فَلَقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَن هَذَا الحَدِيث ،فَلم يعرفهُ . قَالَ : وَكَانَ سُلَيْمَان بن مُوسَى [ ذُكر ] فَأَثْنَى عَلَيْهِ . قَالَ : وَإِذا ثَبت هَذَا عَن الزُّهْرِيّ كَانَ نِسْيَانا مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يدل عَلَى الطعْن فِي سُلَيْمَان ؛ لِأَنَّهُ ثِقَة . قَالَ : وَيدل عَلَى أَنه نسي أَن الحَدِيث قد رَوَاهُ عَنهُ جَعْفَر بن ربيعَة وقرة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن إِسْحَاق ،فَدلَّ عَلَى ثُبُوته عَنهُ ،وَالْإِنْسَان قد يحدث وينسى ،قَالَ أَحْمد : كَانَ ابْن عُيَيْنَة يحدث بأَشْيَاء ثمَّ يَقُول : هَذَا لَيْسَ من حَدِيثي وَلَا أعرفهُ ! وَرُوِيَ عَن سُهَيْل بن أبي صَالح أَنه ذكر لَهُ حَدِيث فَأنكرهُ ،فَقَالَ ربيعَة : أَنْت حَدَّثتنِي بِهِ عَن أَبِيك ! [ فَكَانَ ] سُهَيْل يَقُول : حَدثنِي ربيعَة عني ! ذَلِك [ وَقد ] جمع الدَّارَقُطْنِيّ جُزْءا فِيمَن حدث وَنسي .
وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب [ كَذَا ] قَالَ ابْن معِين : وَإِن كَانَ بعض أهل الْعلم قد تكلم فِيهِ وَذَلِكَ أَنه رَوَاهُ سُلَيْمَان ،عَن الزُّهْرِيّ ،عَن عُرْوَة ،عَن عَائِشَة ،وَذكر ابْن جريج أَنه سَأَلَ الزُّهْرِيّ عَن هَذَا فَأنكرهُ ،وضَعَّفَ الحديثَ من ضَعفَهُ من أجل هَذَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : بل نسي الزُّهْرِيّ ،وَلَا يُنكر عَلَى الْحَافِظ أَن يحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينسَى ،فَإِذا حدث بِهِ عَنهُ ثِقَة وَثَبت عَلَى حَدِيثه أَخذ بِهِ ،وَسليمَان ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث وَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد من الْمُتَقَدِّمين إِلَّا البُخَارِيّ وَحده ؛ فَإِنَّهُ تكلم فِيهِ من أجل أَحَادِيث انْفَرد بهَا ،وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ : لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا البُخَارِيّ . وَذكره دُحَيْم فَقَالَ : فِي حَدِيثه بعض الِاضْطِرَاب قَالَ : وَلم يكن فِي أَصْحَاب مَكْحُول (أثبت) مِنْهُ . وَقَالَ النَّسَائِيّ : وَفِي حَدِيثه شَيْء . وَقَالَ الْبَزَّار : أجل من ابْن جريج . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : إِنَّه أحفظ من مَكْحُول .
وَقَالَ ابْن عبد الْبر : لم يقل أحدٌ من حكايته وَلم يعرجوا عَلَيْهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا فِي «حاويه» : الْجَواب عَمَّا أعل بِهِ [ من ] وُجُوه :(1/479)
أَحدهَا : أَنه رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ أَرْبَعَة أنفس ؛ أحدهم : سُلَيْمَان بن مُوسَى ،وَرَوَى عَن عروةَ ثَلَاثَة ؛ أحدهم : الزُّهْرِيّ ؛ فَلَا يَصح إِضَافَة إِنْكَاره إِلَى الزهْري مَعَ هَذَا الْعدَد ،وَلَو صَحَّ إِنْكَاره لَهُ لما أثر فِيهِ مَعَ رِوَايَة غير الزُّهْرِيّ لَهُ عَن عُرْوَة .
ثَانِيهَا : أَن الزُّهْرِيّ أنكر سُلَيْمَان بن مُوسَى وَقَالَ : لَا أعرفهُ ،وَإِلَّا فَالْحَدِيث أشهر من) أَن يُنكره الزُّهْرِيّ وَلَا يعرفهُ وَلَيْسَ جهل (الْمُحدث) بالراوي عَنهُ مَانِعا من قبُول رِوَايَته عَنهُ ،وَلَيْسَ اسْتِدَامَة ذكره شرطا فِي صِحَة حَدِيثه .
قلت : لَكِن سُلَيْمَان مَعْرُوف كَمَا مر .
ثَالِثهَا : أَنه لَا اعْتِبَار بإنكار الْمُحدث للْحَدِيث بعد رِوَايَته وَلَيْسَ اسْتِدَامَة ذكره شرطا فِي صِحَة حَدِيثه . ثمَّ ذكر قصَّة ربيعَة فِي حَدِيث (ابْن عَبَّاس) فِي الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد ،وَسَيَأْتِي - إِن شَاءَ الله - هُنَاكَ .
وَقَول الْمَاوَرْدِيّ : لَا اعْتِبَار بإنكار الْمُحدث أطلقهُ ،وَقد قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره : إِذا كذَّب الأَصْلُ الفَرْعَ سَقَطَ كِكَذِبِ وَاحِدٍ غيرِ مُعيَّنٍ . وَلَا يقْدَح فِي عدالتهما ؛ فَإِن قَالَ : لَا أَدْرِي ،فالأكثر يعْمل بِهِ خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة ،وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ ،وَمحل الْخَوْض فِي الْمَسْأَلَة عُلُوم الحَدِيث أَيْضا ،وَقد أوضحناها فِي مختصري لكتاب ابْن الصّلاح الْجَامِع بَين عُيوُبه وَالزِّيَادَة الْمُهِمَّات عَلَيْهِ ،وَحَاصِل كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْحفاظ الَّذين أطلنا ذكرهم - وَهُوَ من الْمُهِمَّات - صِحَّته والاحتجاج بِهِ ،لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وَحده ،قَالَ : وَبَعْضهمْ يعله بِمَا خُولِفَ فِي تَأْثِيره . وَاعْترض بَعضهم بِوَجْه آخر ،فَقَالَ : قد صحَّ عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أنكحت بنت أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن وَهُوَ مُسَافر بِالشَّام قريب (الأوبه) بِغَيْر إِذْنه ؛ بل أنكر إِذْ بلغه» فَلم تَرَ عَائِشَة ذَلِك مُبْطلًا لما وَقع ؛ بل قَالَت للَّذي زَوجهَا مِنْهُ - وَهُوَ الْمُنْذر بن الزبير - : «اجْعَل أمرهَا إِلَيْهِ . فَفعل فأنفذه عبد الرَّحْمَن» وبوجه آخر وَهُوَ أَن الزُّهْرِيّ رَاوِي هَذَا الحَدِيث أفتَى بِخِلَاف ذَلِك .
فروَى عبد الرَّزَّاق عَن معمر أَنه قَالَ : (سَأَلت) الزُّهْرِيّ ،عَن الرجل يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن ولي ،فَقَالَ : إِن كَانَ كُفؤًا لَهَا لم يفرق بَينهمَا .
وَالْجَوَاب عَن الأول : أَنه قد تقرر أَن الْعَمَل بِمَا رَوَاهُ الرَّاوِي لَا بِمَا رَآهُ ،كَيفَ وَقد رَوَى الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهَا أَنَّهَا أنكحت رجلا من بني أَخِيهَا جَارِيَة من بني أَخِيهَا فَضربت بَينهُنَّ سترا ،ثمَّ تَكَلَّمت حَتَّى إِذا لم يبْق إلاّ النِّكَاح أمرت رجلا (فأنكح) ثمَّ قَالَت : «لَيْسَ إِلَى النِّسَاء النِّكَاح»
وَعَن الثَّانِي : أَنه مُخْتَلف عَلَيْهِ فِيهِ ،وَالْعَمَل بِمَا رَوَاهُ لَا بِمَا (رَآهُ) .اهـ(1/480)
قد تأتي حالة لا أستطيع أن أوهّم فيها الرواة عن الشيخ،كأن أجد أن كل وجه من الوجوه اتفق على روايته عددٌ من الثقات،فاتفاق هؤلاء الثقات على رواية هذا الوجه يُبعد احتمال أن يكونوا جميعاً أخطأوا على هذا الشيخ،وكذلك الثقات الآخرون الذين رووا الوجه الآخر وغيرهم على وجه ثالث،فعندها أنظر إن كان هذا الراوي المُختلف عليه إمامٌ واسع الرواية يُحتمل أن يكون هذا الحديث عنده من جميع هذه الوجوه ؛ لأنه حافظ وشيوخه كثيرون،فتكون هذه الروايات عنه صحيحة،لكن إذا كان الراوي المُختلف عليه صدوق في ضبطه شئ،فيعتبر النقاد اختلاف الوجوه عنه دليل على اضطراب حفظه،فإما أن نجد قرينة من غير الروايات عنه تُرَجِحُ أحد هذه الوجوه أو يقول النقاد :" هذا حديث مضطرب،لم يُعرف الصواب فيه" . فإذا وجدنا ما يدل على صحة أحد هذه الوجوه من دليل خارجي،غير روايات هذا الرجل حكمنا به،وإن لم نجد : نحكم بالإضطراب على هذه الرواية .
كما في البدر المنير - (ج 2 / ص 412) الحَدِيث الرَّابِع -عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ : «كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح ،رَوَاهُ الْأَئِمَّة من حَدِيث (عَلّي) بن عَيَّاش - بالشين الْمُعْجَمَة - ثَنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة ،عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر ،عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ .
(رَوَاهُ) كَذَلِك أَبُو دَاوُد (عَن) مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ ،عَن عَلّي بِهِ ،إِلَّا أَنه قَالَ : «غيرت» بدل «مست» .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير وَالصَّغِير» عَن عَمْرو بن مَنْصُور ،عَن عَلّي بِهِ بِاللَّفْظِ الأول الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ .
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن ابْن خُزَيْمَة إِمَام الْأَئِمَّة ،عَن مُوسَى بن سهل الْمَذْكُور أَولا . وبلفظ النَّسَائِيّ ،ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : هَذَا اخْتِصَار من الحَدِيث الأول ؛ يَعْنِي من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر ،عَن جَابر حَيْثُ «قَرَّب للنَّبِي (خبْزًا وَلَحْمًا فَأكل ،ثمَّ دَعَا بِوضُوء فتوضَّأ (ثمَّ صَلَّى) الظّهْر ،ثمَّ دَعَا بِفضل طَعَامه فَأكل ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ) .
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي : حَدِيث «ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» فَقَالَ : هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الْمَتْن ؛ إِنَّمَا هُوَ «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أكل كَتفًا وَلم يتَوَضَّأ» كَذَا رَوَاهُ الثِّقَات ،عَن ابْن الْمُنْكَدر ،عَن جَابر ؛ وَيُمكن أَن يكون شُعَيْب حدث بِهِ من حفظه فَوَهم فِيهِ ،وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِنَّمَا هُوَ «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه «الإِمَام» : الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد أقرب مِمَّا قَالَه أَبُو حَاتِم ؛ فَإِن المتنين متباعدي اللَّفْظ (أَعنِي) قَوْله : «آخر الْأَمريْنِ» وَقَوله : «أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» وَلَا يجوز التَّعْبِير بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر (والانتقال) من أَحدهمَا إِلَى الآخر ؛ إِنَّمَا يكون عَن غَفلَة شَدِيدَة ،وَأما مَا ذكره أَبُو دَاوُد من (أَنه) اخْتِصَار من حَدِيثه الأول (فأقرب) لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون (قد) عبَّر بِهَذِهِ الْعبارَة عَن مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى .(1/481)
قلت : وَفِي التَّعْبِير أَيْضا بذلك نظر ،إِلَّا أَن تكون تِلْكَ الْحَالة آخر الْأَمر عِنْده ؛ فَعبر بهَا . (ونحا) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» إِلَى مقَالَة أبي دَاوُد السالفة ،فَقَالَ : هَذَا (خبر) مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل ،اخْتَصَرَهُ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة مُتَوَهمًا نسخ إِيجَاب الْوضُوء (مِمَّا مسته النَّار مُطلقًا ،وَإِنَّمَا هُوَ نسخ لإِيجَاب الْوضُوء) مِمَّا مست النَّار خلا لحم الْجَزُور .
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» : حَدِيث جَابر هَذَا وَمَا رُوِيَ مثله كَحَدِيث مُحَمَّد بن (مسلمة) كَانَ آخر الْأَمريْنِ من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار . (وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِفِعْلِهِ ،وَلم يتَوَضَّأ مفصحة بالنسخ ودالة عَلَى أَن مَا عارضها مَنْسُوخ ،كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع : «توضئوا مِمَّا مسته النَّار») .
وَحَدِيث عَائِشَة : «مَا ترك رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الْوضُوء مِمَّا مست النَّار حَتَّى قبض» . وَقَالَ (الْجوزجَاني) فِي «مَوْضُوعَاته» : حَدِيث عَائِشَة هَذَا بَاطِل ،وَحَدِيث جَابر يُخَالِفهُ وَهُوَ صَحِيح .
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ : وَقد رُوِيَ لنا حَدِيث يدل عَلَى أَن المُرَاد (بِالْوضُوءِ) : غسل الْيَد ؛ فَحِينَئِذٍ لَا يتَوَجَّه نسخ ،ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث النَّضر بن طَاهِر ،عَن عبيد الله بن عكراش ،عَن أَبِيه «أَنه أكل مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي قَصْعَة من ثريد ،ثمَّ أُتِي بِمَاء فَغسل يَده وفمه ،وَمسح بِوَجْهِهِ وَقَالَ : يَا عِكْراش ،هَذَا الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» . رَوَاهُ ابْن شاهين ،عَن هَارُون بن أَحْمد النجراني ،عَن النَّضر بِهِ .
قلت : وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل ،عَن عبيد الله بِهِ ،وَفِيه : «فَغسل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (يَده) ثمَّ مسح ببلل كفيه وَجهه وذراعيه وَرَأسه ،ثمَّ قَالَ : يَا عِكْراش ،هَكَذَا الْوضُوء مِمَّا غيرت النَّار» . وَعبيد الله هَذَا ضَعِيف . قَالَ البُخَارِيّ : فِيهِ نظر ،وَقَالَ (أَبُو) حَاتِم : مَجْهُول . وَقَالَ ابْن حبَان : مُنكر الحَدِيث .
وَأخرج التِّرْمِذِيّ طرفا مِنْهُ وَهُوَ : أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ فِي الثَّرِيد : «كل من مَوضِع واحدٍ» . ثمَّ قَالَ : غَرِيب تفرد بِهِ الْعَلَاء .
قلت : هُوَ صَدُوق ؛ لَكِن قَالَ ابْن حبَان : كَانَ (مِمَّن) ينْفَرد بأَشْيَاء مَنَاكِير عَن أَقوام مشاهير ،لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بأخباره الَّتِي انْفَرد بهَا ،فَأَما مَا وَافق الثِّقَات فَإِن اعْتبر بهَا مُعْتَبر لم (أر) بذلك بَأْسا .اهـ
تنبيه : أهمية الاستعانة بكتب العلل:(1/482)
ولولا أن كتب العلل الموجودة الآن لا تستوعب كل الأحاديث لقلنا : بوجوب الرجوع إلى كتب العلل،والاستفادة منها في كل حديث . فينبغي أن تراجع كتب العلل،ويُنظر هل تكلّم العلماء عن هذه الرواية بشيء أو لا ؟،فقد تكون هناك علة باطنة،أو تكون هناك روايات فاتت على الباحث،خاصةً إذا كان الحديث مشهوراً،أو كثير الاختلاف فيه بين العلماء،فمثل هذا بنسبة كبيرة أن العلماء قد تعرضوا له في كتب العلل،ثم إن كتب العلل ليست قليلة كما يُظن،فـ(العلل) للدارقطني لوحده موسوعة عظيمة،حيث طُبع منه أحد عشر مجلداً،وبقي منه ما يوصله إلى العشرين مجلداً،ثم يُنتبه في أثناء البحث في كتاب (العلل) للدارقطني،فقد تكون الرواية التي تبحث عنها من رواية أبي هريرة،وتجد الدارقطني ذكرها في مسند ابن عمر ؛ لأنه في أحد طرق هذا الحديث روي من طريق ابن عمر،فيذكر طرق ذلك الحديث في مسند ابن عمر،فعليه ينبغي أن تُقلب الحديث من جميع وجوهه،وتبحث عنه في كل مظنة له .
ثم إن بعض التعليلات تأتي متناثرة في بعض الكتب،ككتب السنن وغيرها،وأيضاً كتاب البزار،كتاب عظيم جداً،قال فيه ابن كثير :"ويوجد في (مسند البزار) من التعليلات ما لا يوجد في غيره" .
كما في الأحاديث التالية :
( 2) - وَحَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ ،قَالَ : أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ،عَنِ الزُّهْرِيِّ ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ ،عَنْ عُمَرَ ،أَنَّهُ اسْتَنْشَدَ طَلْحَةَ ،وَالزُّبَيْرَ ،وَعَلِيًّا ،وَالْعَبَّاسَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : لاَ نُورَثُ ،مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ.
وَقَدْ تَابَعَ عَمْرًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ،عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ فَاجْتَزَأْنَا بِعَمْرٍو ،عَنِ الزُّهْرِيِّ ،إِذْ كَانَ ثِقَةً
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ ،وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ ،عَنْ عُمَرَ ،وَلَمْ يَذْكُرَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ .
وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ حَافِظٌ ،وَقَدْ زَادَ عَلَى مَنْ سَمَّيْنَا ،وَزِيَادَةُ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ إِذَا زَادَهَا عَلَى حَافِظٍ فَإِنَّمَا زَادَهَا بِفَضْلِ حِفْظِهِ .
وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ ،وَأَبُو هُرَيْرَةَ ،وَغَيْرُهُمَا "
(8) حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ،قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ ،عَنْ أَسْمَاءَ ،أَوْ أَبِي أَسْمَاءَ شُعْبَةُ شَكَّ ،عَنْ عَلِيٍّ ،قَالَ : كُنْتُ امْرءًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي ،وَإِذَا حَدَّثَهُ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ ،فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ ،وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ ،وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ،ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ،ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ شُعْبَةُ ،وَمِسْعَرٌ ،وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ،وشريك ،وأبو عوانة بن الربيع ولا نعلم أَحَدًا شك في أسماء أو أبي أسماء إلا شعبة.
((1/483)
9) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيُّ ،قَالَ : ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ،قَالَ : ثنا مِسْعَرٌ ،وَسُفْيَانُ ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ ،عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ ،عَنْ عَلِيٍّ ،عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
رَفَعَهُ سُفْيَانُ ،وَمِسْعَرٌ فَلَمْ يَرْفَعْهُ وَذَكَرَ نَحْوه.
(10) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَةَ ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ ،عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ ،عَنْ عَلِيٍّ ،عَنْ أَبِي بَكْرٍ ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
(11) وَحَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ،قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ : ثنا شَرِيكٌ ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ ،عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ ،عَنْ عَلِيٍّ ،عَنْ أَبِي بَكْرٍ ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا الْكَلامُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،إِلاَّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ،وَقَوْلُ عَلِيٍّ : كُنْتُ امْرَأً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا ،إِنَّمَا رَوَاهُ أَسْمَاءُ بْنُ الْحَكَمِ وَأَسْمَاءُ مجهول لم يُحَدِّثْ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ،وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ إِلاَّ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ ،وَالْكَلامُ فَلَمْ يُرْوَ عَنْ عَلِيٍّ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. اهـ
قلت : أسماء بن الحكم صدوق كما في التقريب (408).
وكلامه صحيح حيث نجد فيه تعليلاتٍ،وأحكاماً خفيّة في تعليل الأحاديث لا نجدها في غيره،أيضاً إضافة إلى كتب العلل الأخرى،كـ(العلل الكبير) للترمذي، كما في الحديث( 6 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ , حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ , وَقَالَ وَكِيعٌ : عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ , وَتَابَعَهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ , فَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ : أَيُّهُمَا أَصَحُّ ؟ فَقَالَ : كِلَاهُمَا مُرْسَلٌ , وَلَمْ يَقُلْ : أَيُّهُمَا أَصَحُّ " اهـ
قلت : لأن الأعمش لم يسمع من أنس شيئاً .
و(العلل) لابن أبي حاتم، ففيه :(5) وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ ،عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ،عَنْ قَتَادَةَ ،عَنْ أَنَسٍ ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : هَذَا خَطَأٌ ،إِنَّمَا هُوَ قَتَادَةُ ،عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ ،عَنْ عَائِشَةَ ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اهـ
و(العلل) لعلي ابن المديني .
أيضاً هناك كتب ينبغي أن تراجع بعد الانتهاء من التخريج وهي للعلماء السابقين : كـ(تلخيص الحبير) و(نصب الراية ) وكل كتب التخريج الموجودة،تُراجع ولا سيما( كتاب البدر المنير) لابن الملقن،ففيه من الفوائد والفرائد في التخريج والعلل ما لا نجده عند غيره .
لعل عند أحدهم زيادة طريق،أو زيادة توضيح،إلى غير ذلك .
ـــــــــــــــ(1/484)
المرحلة السادسة والأخيرة : هي الحكم على الحديث بناءً على المراحل السابقة بما يستحقه هذا الحديث :
تنبيه : ينبغي النظر في المعضدات،فقد أحكم على هذا الحديث بحكمٍ معين،لكن قد أجد ما يعضده ويقويه من طرق وشواهد أخرى .
وليس بصحيحٍ ما يقوله بعض المتأخرين بأن التقوية بالمعضدات ليس من منهج المتقدمين،بل الصحيح أنه منهج المتقدمين،والدليل عليه ما نصّ عليه الشافعي،من ذكر المعضدات التي تقوي الحديث المرسل -وهو من أقسام الضعيف عنده-،والشافعي -رحمه الله- من أئمة المتقدمين .
يرَى الْحَنَفِيَّة قبُول الْخَبَر الْمُرْسل إِذا كَانَ مرسله ثِقَة،كالخبر الْمسند،وَعَلِيهِ جرت جمهرة فُقَهَاء الْأمة،من الصَّحَابَة،وَالتَّابِعِينَ،وتابعيهم،إِلَى رَأس الْمِائَتَيْنِ،وَلَا شكّ أَن إغفال الْأَخْذ بالمرسل - وَلَا سِيمَا مُرْسل كبار التَّابِعين - تَرْكٌ لشطر السُّنَّة. قَالَ أَبُو دَاوُد صَاحب "السّنَن" فِي رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة المتداولة بَين أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ: "وَأما الْمَرَاسِيل،فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء،فِيمَا مَضَى،مثل سُفْيَان الثَّوْريّ. وَمَالك بن أنس،وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي،فَتكلم فِيهِ"،وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: "لم يزل النَّاس عَلَى الْعَمَل بالمرسل،وقبوله،حَتَّى حدث بعد الْمِائَتَيْنِ القَوْل برده" كَمَا فِي "أَحْكَام الْمَرَاسِيل" - للصلاح العلائي،وَفِي كَلَام ابْن عبد الْبر مَا يَقْتَضِي أَن ذَلِك إِجْمَاع،ومناقشة من ناقشهم بِأَنَّهُ يُوجد بَين السّلف من يُحَاسب بعض من أرسل محاسبة غير عسيرة،مناقشة فِي غير محلهَا،لِأَن تِلْكَ المحاسبة إِنَّمَا هِيَ من عدم الثِّقَة بالراوي الْمُرْسل،كَمَا ترَى مثل هَذِه المحاسبة فِي حق بعض المسندين،فَإِذن لَيست الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة إِسْنَاد وإرسال،بل هِيَ مَسْأَلَة الثِّقَة بالراوي،وَالشَّافِعِيّ،لما رد الْمُرْسل،وَخَالف من تقدمه اضْطَرَبَتْ أَقْوَاله،فَمرَّة قَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِحجَّة مُطلقًا،إِلَّا مَرَاسِيل ابْن المسيِّب،ثمَّ اضْطر إِلَى رد مَرَاسِيل ابْن المسيِّب نَفسه فِي مسَائِل،ذكرتها فِيمَا علقت عَلَى طَبَقَات الْحفاظ،ثمَّ إِلَى الْأَخْذ بمراسيل الآخرين،ثمَّ قَالَ بحجية الْمُرْسل عِنْد الاعتضاد،وَلذَلِك تَعب أَمْثَال الْبَيْهَقِيّ فِي التَّخَلُّص من هَذَا الِاضْطِرَاب،وركبوا الصعب،وَفِي "مُسْند" الشَّافِعِي نَفسه مَرَاسِيل كَثِيرَة،بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ الَّذِي هُوَ الْمَعْرُوف بَين السّلف،وَفِي "موطأ مَالك"،نَحْو ثَلَاثمِائَة حَدِيث مُرْسل،وَهَذَا الْقدر أَكثر من نصف مسانيد "الْمُوَطَّأ" وَمَا فِي أَحْكَام الْمَرَاسِيل للصلاح العلائي من البحوث فِي الْإِرْسَال،جُزْء يسير،مِمَّا لأهل الشان من الْأَخْذ وَالرَّدّ فِي ذَلِك،وَفِيمَا علقناه عَلَى شُرُوط الْأَئِمَّة الْخَمْسَة،وَجه التَّوْفِيق بَين قَول الْفُقَهَاء بتصحيح الْمُرْسل،وَقَول متأخري أهل الرِّوَايَة بتضعيفه،مَعَ نوع من الْبسط فِي الِاحْتِجَاج بالمرسل،بل البُخَارِيّ نَفسه ترَاهُ يسْتَدلّ فِي كتبه بالمراسيل،وَكَذَا مُسلم فِي الْمُقدمَة،وجزء الدّباغ،وَلَا يتَحَمَّل هَذَا الْموضع لبسط الْمقَال فِي ذَلِك بِأَكْثَرَ من هَذَا.( مقدمة نصب الراية )
وقال النووي في مقدمة المجموع(1):
__________
(1) - المجموع شرح المهذب - (ج 1 / ص 60)(1/485)
" فَصْلٌ الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ , وَجَمَاعَةٍ . مِن الْفُقَهَاءِ , وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِ الْأُصُولِ وَالنَّظَرِ , وَحَكَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْبَيِّعِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ , وَأَحْمَدُ وَكَثِيرُونَ مِن الْفُقَهَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ : يُحْتَجُّ بِهِ , وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْجَمَاهِيرِ . قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ غَيْرَ مُتَحَرِّزٍ , يُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ . وَدَلِيلُنَا فِي رَدِّ الْمُرْسَلِ مُطْلَقًا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ رِوَايَةُ الْمَجْهُولِ الْمُسَمَّى لَا تُقْبَلُ لِجَهَالَةِ حَالِهِ , فَرِوَايَةُ الْمُرْسَلِ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ مَحْذُوفٌ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالِ . ثُمَّ إنَّ مُرَادَنَا بِالْمُرْسَلِ هُنَا مَا انْقَطَعَ إسْنَادُهُ فَسَقَطَ مِن رُوَاتِهِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ , وَخَالَفَنَا فِي حَدِّهِ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالُوا : هُوَ رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ الشَّافِعِيُّ - رحمه الله - : " وَأَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا أُسْنِدَ مِن جِهَةٍ أُخْرَى , أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ مِمَّنْ يُقْبَلُ عَنْهُ الْعِلْمُ , أَوْ وَافَقَ قَوْلَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ , أَوْ أَفْتَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِمُقْتَضَاهُ . قَالَ : وَلَا أَقْبَلُ مُرْسَلَ غَيْرِ كِبَارِ التَّابِعِينَ , وَلَا مُرْسَلَهُمْ إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي وَصَفْتُهُ " هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا , وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ مِن أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ , كَالْبَيْهَقِيِّ وَالْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ وَآخَرِينَ , وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا عِنْدَهُ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ , هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ . وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي آخِرِ بَابِ الرِّبَا : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ : أَعْطُونِي بِهَذِهِ الْعَنَاقِ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : لَا يَصْلُحُ هَذَا . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ , قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَبِهَذَا نَأْخُذُ . قَالَ : وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا . حَسَنٌ " هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ نَقَلْتُهُ بِحُرُوفِهِ , لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِن الْفَوَائِدِ .(1/486)
فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : " إرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ " عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ , وَحَكَاهُمَا أَيْضًا الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ " الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ " " وَالْكِفَايَةُ " وَحَكَاهُمَا جَمَاعَاتٌ آخَرُونَ , أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ أَنَّهَا حُجَّةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِن الْمَرَاسِيلِ . قَالُوا : لِأَنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً , وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ , بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ , وَقَالُوا : وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ بِمُرْسَلِهِ , وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ جَائِزٌ . وَقَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ ( الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ ) وَالصَّوَابُ : الْوَجْهُ الثَّانِي , وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَكَذَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ . الْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا مِن الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِن وَجْهٍ يَصِحُّ . قَالَ : وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ , كَمَا اسْتَحْسَنَ مُرْسَلَ سَعِيدٍ , هَذَا كَلَامُ الْخَطِيبِ . وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ : فَالشَّافِعِيُّ , يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لَمْ يَقْبَلْهَا , سَوَاءٌ كَانَ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ غَيْرِهِ . قَالَ : وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَاسِيلَ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَقْبَلْهَا الشَّافِعِيُّ حِينَ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , وَمَرَاسِيلُ لِغَيْرِهِ قَالَ بِهَا حَيْثُ انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا , قَالَ : وَزِيَادَةُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَصَحُّ التَّابِعِينَ إرْسَالًا فِيمَا زَعَمَ الْحُفَّاظُ , فَهَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ , وَهُمَا إمَامَانِ حَافِظَانِ فَقِيهَانِ شَافِعِيَّانِ , مُضْطَلِعَانِ مِن الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ , وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ . وَمَعَانِي كَلَامِهِ , وَمَحَلُّهُمَا مِن التَّحْقِيقِ وَالْإِتْقَانِ , وَالنِّهَايَةِ فِي الْعِرْفَانِ , بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى , وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا , وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ ( شَرْحُ التَّلْخِيصِ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ الصَّغِيرِ : مُرْسَلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ , فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ وَالْمُحَقِّقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(1/487)
قُلْتُ : وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ مَنْ قَالَ : إنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ حُجَّةٌ بِقَوْلِهِ : إرْسَالُهُ حَسَنٌ ; لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ , بَلْ اعْتَمَدَهُ لَمَّا انْضَمَّ إلَيْهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمَنْ حَضَرَهُ وَانْتَهَى إلَيْهِ قَوْلُهُ مِن الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِن قَوْلِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ , وَهُمْ أَرْبَعَةٌ مِن فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ , وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحُكْمَ عَنْ تَمَامِ السَّبْعَةِ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ . فَهَذَا عَاضِدٌ ثَانٍ لِلْمُرْسَلِ , فَلَا يَلْزَمُهُ مِن هَذَا الِاحْتِجَاجُ بِمُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ , فَإِنْ قِيلَ : ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا أُسْنِدَ مِن جِهَةٍ أُخْرَى اُحْتُجَّ بِهِ , وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَسَاهُلٌ ; لِأَنَّهُ إذَا أُسْنِدَ عَمِلْنَا بِالْمُسْنَدِ , فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي الْمُرْسَلِ وَلَا عَمَلَ بِهِ . فَالْجَوَابُ : أَنَّ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ , وَأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ , فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ حَتَّى لَوْ عَارَضَهُمَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِن طَرِيقٍ وَاحِدٍ , وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ قَدَّمْنَاهُمَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ "
والمُعضد قد يكون متابعة من رواية نفس الصحابي،وقد يكون شاهداً من رواية صحابي آخر،على أن يكون المعنى منطبقاً بين الروايتين . وقد يكون فتوى عامة أهل العلم،أو العمل بمقتضى هذا الحديث،فهذه مُعضدات،ولا يلزم أن يكون كل مُعضد في كل مرة يقوي الحديث،ولكن قد يقوي الحديث في بعض الأحيان،من أجل ذلك نجد أن الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) -وهو الذي لا يقبل المرسل- قال مرة في حديث (لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ):" ووَجدْنا أهلَ الفُتْيَا ومَنْ حَفِظْنَا عنه مِنْ أهل العلم بالمَغَازِي مِنْ قُريش وغيرهمْ : لا يختلفون في أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عامَ الفَتْحِ : " لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " ويَأْثُرُونه عَنْ مَنْ حَفظوا عنه مِمَّنْ لَقُوا من أهل العلم بالمغازي،فكان هذا نَقْلَ عامَّةٍ عنْ عامَّة وكان أقوى في بعض الأمْرِ من نقْلِ واحد عن واحد وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مُجتمعين ".(1)
واحتج به الشافعي،ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة الشافعي هل هذا الحديث له أسانيد صحيحة أو لا ؟.
فالصحيح أن له أسانيد صحيحة،كما بيّن الشيخ : أحمد شاكر في تعليقه على كتاب (الرسالة)،لكننا نناقش مذهب الشافعي في هذه القضية،ونبيّن لك أن من منهج العلماء أنهم يقوّون الحديث الضعيف إذا كان عامة أهل العلم يعملون به،ونصّ على هذه القضية الشافعي في كلامه على المرسل،ونصّ عليه ابن عبدالبر وغيره.
__________
(1) - وقال أيضا: "فاستدللنا بما وصفتُ من نقْلِ عامَّة أهل المغازي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن : " لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " على أنَّ المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المُنْقَطع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماعِ العامَّة على القول به "الرسالة للشافعي - (ج 1 / ص 52و53)
قلت : لكن الحديث موصول ومتواتر ،ولكن لم تصل الطرق الموصولة إليه(1/488)
وفي سنن الترمذى( 289 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَضُ فِى الصَّلاَةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ يَنْهَضَ الرَّجُلُ فِى الصَّلاَةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ.
وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. قَالَ وَيُقَالُ خَالِدُ بْنُ إِيَاسٍ أَيْضًا. وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ. وَأَبُو صَالِحٍ اسْمُهُ نَبْهَانُ وَهُوَ مَدَنِىٌّ. اهـ
فإذا كان الحديث في إسناده شيء من الضعف لكن اتفق أهل العلم على العمل به -وليس المقصود إجماعاً-،ولم يُعلم لهم مخالف فعندها نُعضّد الحديث،وندخله في حيّز القبول مادام أنه خفيف الضعف،وفي الإمكان أن يرتقي .
وينتبه إلى أن الحديث الذي يُعضّد هو الحديثُ خفيفُ الضعف . أمَّا الحديث شديد الضعف فلا يرتقي ولا يُعضّد،ولو روي من مائة وجه،فهذا هو الصحيح،وكم من حديث يرويه العلماء من طرق متعددة -كابن عدي- ويقول :"هذا الحديث تهافت عليه الكذابون،فرواه فلان وفلان ... "،ويُفتضح الراوي عندهم برواية هذا الحديث،فقد يكون الراوي مستور الحال،فإذا روى هذا الحديث،قال:" هو كذّاب"،فلو كانوا يقولون بمطلق مجموع الطرق لأصبح هذا الراوي عندهم "ثقة"،بدلاً من أن يكون ضعيفاً أوكذّاباً .
وأخيراً : نرجع بالنصيحة في الاكتفاء بالحكم على الإسناد،وعدم التطرق بالحكم على الحديث بذاته،إلا إذا سُبقت من إمام مطلع،ووافق حكمي على الإسناد إطلاع ذلك الإمام،فعندها ممكن أن أحكم على الحديث .
وأخيراً أيضاً : إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ.(1)،فالقضية خطيرة،فلا يُظنَّ أن الحكم على الراوي أمرٌ سهل وهيّن،أو أن الحكم على الأحاديث أمرٌ هيّن .
وينبغي أن يُعلم أن الجرح والتعديل في الأصل هو غيبة،ولولا ضرورة هذه الغيبة وأن مفسدتها أقلُّ من مفسدة عدم الغيبة،لما رضي العلماء بالجرح أبداً،والضرورة تُقدر بقدرها،فيجب عليّ أن لا أتجاوز موطن الضرورة،ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم الذي قد يسمع-مثلاً- أن شريك بن عبدالله القاضي فيه ضعف،فإذا ذكره فإنه يذكره بسخرية،ولو كان حيّاً لما استطاع أن يواجهه بهذه الطريقة،مع أن شريك بن عبدالله القاضي كان عالماً من علماء السنّة،آمراً بالمعروف،ناهياً عن المنكر،وكان من أشدِّ الناس في قمع أهل البدع،وفلان من الناس قد يكون عابداً من العباد أو زاهداً من الزهاد،ضُعّف لسوء حفظه،فيجب عليك أن تنتبه لألفاظك وعباراتك مع هؤلاء . وهذا يُبيّن ضرورة مراجعة كتب التراجم المطوّلة،حتى تتبيّن حال الرواة،وتُنزّل الناس منازلهم .
__________
(1) - صحيح مسلم(26 )عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ(1/489)
وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1624) أنا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضَالَةَ النَّيْسَابُورِيُّ،قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الرَّبِيعِ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ الْبَلْخِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مَهْرَوَيْهِ بْنِ سِنَانٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ،يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ،يَقُولُ : " إِنَّا لَنَطْعُنُ عَلَى أَقْوَامٍ لَعَلَّهُمْ قَدْ حَطُّوا رِحَالَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ قَالَ ابْنُ مَهْرَوَيْهِ : فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ كِتَابَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَحَدَّثْتُهُ بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ فَبَكَى وَارْتَعَدَتْ يَدَاهُ حَتَّى سَقَطَ الْكِتَابُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَسْتَعِيدُنِي الْحِكَايَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ شَيْئًا أَوْ كَمَا قَالَ " وَكَلَامُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذَا فِيهِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِ الرُّوَاةِ أَمْرًا لَا يَجُوزُ مَعَهُ قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِظْهَارُهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُكْتَفَى فِي قَبُولِهِ لِمُجَرَّدِ الصَّلَاحِ وَالْعِبَادَةِ كَمَا لَا يُكْتَفَى بِذَلِكِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ " اهـ(1)
قال العراقي: "وليحذرِ المتصدي لذلكَ منَ الغَرَضِ في جانبَي التوثيقِ،والتجريحِ،فالمقامُ خَطَرٌ . ولقدْ أحسنَ الشيخُ تقيُّ الدينِ بنُ دقيقِ العيدِ،حيثُ يقولُ : أعراضُ المسلمينَ حُفرةٌ منْ حفرِ النارِ،وقفَ على شفيرها طائفتانِ منَ الناسِ : المحدِّثونَ والحُكَّامُ،ومعَ كونِ الجرحِ خَطَرَاً،فلاَ بُدَّ منهُ للنصيحةِ في الدينِ،وقيلَ : إنَّ أبا تُرَابٍ النَّخْشَبِيَّ،قالَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ : لا تغتابْ العلماءَ،فقالَ لهُ أحمدُ : ويحكَ ! هذا نصيحةٌ،ليسَ هذا غيبةً . انتهى "(2)
والمقصود أن الذي يتكلم في الحديث على شفير جهنم،إلا أن يوفقه الله -عز وجل- ؛ وذلك لأن تضعيف راوٍ واحد،قد يكون ثقة،معناه أنك حكمت على جميع أحاديثه بأنها ليست سنَّةً،وليست ديناً،وليست وحياً من رب العالمين،ولانوراً يُهتدى به . وحكمك على راوٍ بأنه ثقةٌ،معناه أن أحاديثه يجب أن تلتزم بها،وأنها وحي وحقٌ وخير يجب أن تعمل به،وكذلك الحكم على الحديث خطيرٌ جداً .
وهذا العلم يحتاج إلى المُتفرّغ له،والمُشتغل به،فليس من حق أي إنسان أن يتكلم في الأحاديث،وليس من حق من لم يشتغل بعلم الحديث اشتغالاً كافياً أن يحكم عليه،فهذا العلم لا يقبل الشركة،بل يلزم أن تتخصص فيه وحده،وإذا انقطعت عنه فترة ضَعُفت معرفتك به؛لأنه خبرة تتكون من خلالها حاسة يُتَمكن بها تذّوق الأحاديث،وتمييز صحيحها من سقيمها. اهـ
ـــــــــــــــ
المبحث الثاني
الكتبُ المصنَّفة في الرجال
__________
(1) - وانظر تاريخ الإسلام للإمام الذهبي (ج 24 / ص 209) وتهذيب الكمال للمزي (ج 31 / ص 564) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 6 / ص 412) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 92)
(2) - التلخيص الحبير - (ج 1 / ص 31) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 87) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 248) و الاقتراح 344وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 284) والبدر المنير - (ج 1 / ص 278)(1/490)
هنك ارتباط وثيق بين فروع علوم الحديث. فعلوم الحديث ليس التخريج في ناحية والأسانيد في ناحية،والقواعد الضابطة للرواية قواعد علوم الحديث،قواعد المصطلح التي وضعت على أدقِّ وأسدِّ المناهج في مناهج البحث العلمي عامة،وعلم العلل وكلام النقاد،كلُّ هذه مسائلٌ مرتبطةٌ ببعضها غايةَ الارتباط،فالدارسُ للتخريج ودراسة الأسانيد تعلَّم كيف يستخرجُ،ثم نحن نتعلمُ الآن كيف ندرسُ حال الراوي من خلال وصف الكتب التي يُعتمد عليها في بيان حال هؤلاء الرواة.
إنَّ الطالبَ لا بد أن يكون مُميزاً دارساً فاهماً عارفاً ما له علاقة بالجرح والتعديل وما هو وصف للأسانيد،هذه القواعد التي تمثِّلُ علوم الحديث والمصطلح لا بد أن يكون الطالب دارساً لها واعياً فاهماً لقضاياها حتى يستطيع أن يفهم كلام أهل العلم على الرواة،فليس مجرد قراءة بضع صفحات في قضايا الجرح والتعديل هي التي ستمكن الطالب من فهم كلام أهل العلم،لكن هذا بابٌ واسعٌ يحتاج الطالب إلى دراسة القواعد للجرح والتعديل بشكل دقيق مع غيره من مسائل المصطلح؛ مثل: قضايا الاتصال والانقطاع،الإرسال والتدليس،والانقطاع والإعضال،والتعليق،قضايا - ما يتعلق بالضبط كما في مسائل مخالفة الثقات،قضايا متعلقة بالبدعة والجهالة وأحوال الرواة في جانب العدالة،وغير ذلك الشذوذ والعلة،وهذا باب متلاطمُ الأمواجِ،الكلام في النكارة والشذوذ والعلَّة بحرٌ متلاطمُ الأمواجِ صعبٌ جداً،يعني أنَّ المسألة تحتاج إلى تقعيد جيد من الطالب قبل الدخول في الممارسة العملية،فنحنُ من باب التسديد والمقاربة نُعرِّفُ أهمَّ أنواع الكتب المؤلفة في الرجال ونقسِّمها إلى أنواع.
أولا
المصنَّفات في معرفة الصحابة رضي الله عنهم
لا شكَّ أن التصنيف في معرفة تراجم الصحابة أمرٌ مهمٌّ مفيد من نواح كثيرة،لكنَّ أهمَ هذه الفوائد هو معرفة الحديثِ المرسل من الحديث الموصول؛ لأن مَن لا يعرفُ الشخص الذي يُضيف الكلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منتهى الإسناد أهو صحابي أم تابعي لا يستطيع معرفة ذلك الحديث أهو موصول أم مرسل.
قد يقول قائل: إذا كنا متفقين على عدالة الصحابة،لأنَّ الصحابة معدلون بتعديل الله -عز وجل- لهم،قال الله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) } [التوبة: 100]
فهذه تزكية الله تعالى لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -
وقال تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح: 29] وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تُعدِّلُ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تستثني واحداً منهم،فإذا كنا لا نسألُ عن عدالتهم؛ فما الداعي لدراسة أحوالهم؟ .(1/491)
نقول: إن دراسة الصحابة -رضي الله عنهم- لا من أجل كونهم عدولاً أو غير عدول ولكن من جهة الاتصال والانقطاع،بمعنى إذا قلنا هذا الحديث رواه التابعيُّ،وليكن كبار التابعين الذين لازموا الصحابة عمراً مديداً؛ أمثال عطاء بن أبي رباح،وعكرمة مولى ابن عباس،وسعيد بن المسيب مع أبي هريرة،وعروة بن الزبير مع خالته عائشة،كل صحابي كان له تلامذة يحملون لواء مدرسته،عبد الله بن مسعود عنده علقمة،إلى غير ذلك من المدارس العلمية التي كانت متناثرة في أرجاء الأرض بعد الفتح الإسلامي وبعد توسع الفتوح ونزول الصحابة ببلاد الشام ومصر واليمن وغير ذلك من البلدان.
فإذا كان هذه الطبقة الكبار أمثال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح وغيرهم هم الذين يروون،ما الذي يضمن لي أن هذا التابعي روى الحديث عن تابعي مثله؟
والتابعي الذي روى عنه يكون أيضاً قد روى عن تابعي وحصر الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- أكثر ما يوجد من رواية التابعين بعضهم عن بعض ست أنفس،ست يروون بعضهم عن بعض في حديث واحد،فلذلك قال العلماء: إن معرفة الصحابي شرطٌ في دراسة الإسناد،لأنه قد يكون هذا الراوي الذي هو التابعي الكبير المفترض أن يروي الحديث عن الصحابي لم يروه عن صحابي،وإنما رواه عن تابعي،هذا التابعي الذي روى عنه مجهول غير مذكور عندي في الإسناد،أنا لا أعرف إذا كان عدلا أم غير عدل،فنحنُ إذا مررنا بطبقة الصحابة رضي الله عنهم لا نسألُ عنهم؛ ولكننا نسأل عمن جاء بعدهم،حتى ولو كانوا تابعين،فليس كلُّ التابعين عدولاً .
صحيحٌ أن طبقة التابعين الكبار كان الكذبُ فيهم قليلاً،والديانةُ فيهم عاليةً،إلا أن هذه قواعد لا مجاملة فيها،فلا بدَّ من معرفة عمَّن روى التابعي،فإذا كان روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً،ولم يذكر الصحابي،هذا يسمَّى حديثاً مرسلاً،يعني الحديث منقطع ليس فيه الاتصال،وهذه علةٌ تجعل حديثه مختلفاً عن الحديث الموصول؛ فلأجل ذلك اشترط أهل العلم المعرفة بالصحابي،ولو أن التابعي أبهم الصحابي فلا يضره ذلك،لأن جميع الصحابة عدولٌ .
فلو قال سعيد بن المسيَّب مثلاً عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فطالما أنه عزا الحديث وأسنده إلى رجل من الصحابة مبهم؛ نقول له: لا يعنينا؛ لأن الصحابة كلهم عدول،سواء أكان الصحابي أبا ذر أو أبا هريرة أو غيرهما .
ومن هنا فقد اشترط العلماء دراسة الصحابة ومعرفة أحوالهم وطبقاتهم؛ لأنهم موزعون على طبقات؛ فيهم السابقون الأولون ومن جاء بعدهم ومن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مجرد رؤيا أو جالسه مرة أو ثبت له شرف الصحبة لكن لم يلازمه طويلاً على قول جمهور أهل العلم في اشتراط الصحبة.
والمصنفات المفردة في تراجم الصحابة كثيرة أشهرها:
1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر الأندلسي:
هو الإمام الرباني،العلامة العلم أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي.
ولد يوم الجمعة -والإمام يخطب- لخمس بقين من شهر ربيع الآخرة سنة 368هـ. كما نقل صاحبه أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري،عن ابن عبد البر نفسه1. وقيل غير ذلك.
نشأ رحمه الله بمدينة قرطبة،وكانت عاصمة الخلافة بالأندلس في ذلك الحين.
وكانت الأندلس مدينة العلم،واحتضنت عددًا كبيرًا من العلماء،إذ نزلها جماعة من التابعين وتابعيهم حتى أصبحت مركز الحضارة الإسلامية في المغرب.
ففي هذا الأفق العلمي الزكي نشأ وترعرع رحمه الله تعالى،وتفقه على كثير من الشيوخ.
لم يغادر العلامة أبو عمر بلاد الأندلس،ولكنه تنقل في أرجائها شرقًا وغربًا.
فرحل عن وطنه قرطبة أيام الفتنة العظمى بها،فجال في غربي الأندلس،ثم تحول إلى شرقيها كذلك فتردد فيه ما بين دانية وبلنسية وشاطبة.(1/492)
وكانت له اليد الطولى في ذلك،وألف المؤلفات المفيدة في شتى أنواع وفروع العلم.
ومن مؤلفاته:
1- البيان عن تلاوة القرآن. 2- المدخل إلى علم القرآن.3- الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو بن العلاء.4- الإنصاف فيما بين العلماء في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم من الخلاف.5- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد.6- الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار. 7- التقصي،أو تجريد التمهيد. 8- اختلاف أصحاب مالك بن أنس،واختلاف رواياتهم عنه. 9- الكافي في الفقه المالكي. وغيرها كثير
اتفق المؤرخون على الإشادة بعلمه،والاعتراف بفضله،وفيه يقول تلميذه الحميدي: أبو عمر،حافظ مكة،عالم بالقراءات،وبالخلاف في الفقه،وبعلوم الحديث والرجال،قديم السماع،كثير الشيوع.
- وقال ابن فرحون: شيخ علماء الأندلس،وكبير محدثيها،وأحفظ من كان فيها لسنة مأثورة،ساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان.
وفي سير أعلام النبلاء (18/153) 85 - ابْنُ عَبْدِ البَرِّ أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّمَرِيُّ ،الإِمَامُ،العَلاَّمَةُ،حَافظُ المَغْرِبِ،شَيْخُ الإِسْلاَمِ،أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَرِّ بنِ عَاصِمٍ النَّمَرِيُّ،الأَنْدَلُسِيُّ،القُرْطُبِيُّ،المَالِكِيُّ،صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ الفَائِقَة.....
وفاته: انتهى المطاف بأبي عمر -رحمه الله- إلى مدينة شاطبة،وبها أدركته المنية ليلة الجمعة آخر ربيع الثاني سنة 463هـ.(1)
هذا الكتاب من أَجلِّ كتب معرفة الصحابة،ويلاحظ على مؤلفه أنه كدَّره بإيراده كثيراً مما شجرَ بين الصحابة،وسماه بـ: "الاستيعاب"؛ لظنه أنه استوعب الأصحاب،مع أنه فاته شيء كثير .
قاعدة أهل السنة في التعامل مع ما جرى بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلاف في "الجمل" وفي "صفين": أن هذه أعراض صاننا الله -عز وجل- عنها،ودماء لم نشارك فيها؛ فلا نلغْ فيها بألسنتنا،وعقيدة أهل السنَّة السكوتُ عما وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- وأن لمصيبهم أجرين،ولمخطئهم أجرا،وكانوا كلهم مجتهدين يبتغون الوصول إلى الحقِّ،فالتعرُّض لمثل هذا لا يستفيدُ الطالب منه كثيراً إلا تشويش ذهنه،وتكدر قلبه،وقد سئل ابن المبارك قيل له: معاوية أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل من ألف مثل عمر بن عبد العزيز،صلى معاوية خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ،النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (سمع الله لمن حمده) ومعاوية يقول: ربنا ولك الحمد.
هذا المحضر وهذا المشهد الذي هو الصلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوجود معه لا يوازيه عملٌ على وجه الأرض فيمن جاء بعد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فمما يعيب كتاب الاستيعاب أنه تعرض كثيراً لما وقع بين الصحابة من خلاف.
وعدد تراجم الصحابة التي أوردها فيه بلغت ثلاثة آلاف وخمسمائة ترجمة،وقد رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من الاسم،لكنه لم يهتم بعد ذلك بباقي الحروف،ثم ذكر بعد الانتهاء من الأسماء من اشتهر بكنيته،ورتب الكنَى على الحروف أيضاً،ثم ذكر أسماء الصحابيَّات،ثم من اشتهرت منهن بكنيته.
__________
(1) - انظر مقدمة جامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان - (ج 1 / ص 11)(1/493)
وهذا منهج سائد ومطرد في معظم كتب الرجال،أنهم يرتبون الكتب على حروف ألف باء فيذكر حرف الألف ثم الباء إلى آخر حرف "الياء" ثم يأتي بالكنى،من اشتهر بكنيته كأبي هريرة وغيره وأبي ذر،ثم يذكر الألقاب والأنساب،ثم يبدأ بذكر النساء ومن اشتهرت منهن بكنيتها كأم سلمة -رضي الله عنها- وغيرها،ثم يختم الكتاب،فهذا منهج سائد يعني سنصطحبه في جل الكتب التي سنبحث فيها باستثناء كتب الطبقات؛ لأن الطبقات يعني الأزمنة أو التدرج الزماني،فمعظم الكتب غير كتب الطبقات والتاريخ الكبير للبخاري وبعض الكتب لها ترتيب بشكل معين،أمَّا عامة كتب الرجال؛ فالبحث فيها إنما يعتمد على الترتيب الألفبائي فنستصحب هذا الأصل معنا طوال دراسة الأسانيد.
ـــــــــــــــ
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير
ابْنُ الأَثِيْرِ،عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ ، الشَّيْخُ،الإِمَامُ،العَلاَّمَةُ،المُحَدِّثُ،الأَدِيْبُ،النَّسَّابَةُ،عِزُّ الدِّيْنِ،أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الجَزَرِيُّ،الشَّيْبَانِيُّ،ابْنُ الشَّيْخِ الأَثِيْرِ أَبِي الكَرَمِ،مُصَنِّفِ التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ المُلَقَّبِ بِـ(الكَامِلِ)،وَمُصَنِّفِ كِتَابِ (مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ).
مَوْلِدُهُ: بِجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ،فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ،وَنَشَأَ هُوَ بِهَا،وَأَخَوَاهُ العَلاَّمَةُ مَجْدُ الدِّيْنِ وَالوَزِيْرُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ،ثُمَّ تَحَوَّلَ بِهِم أَبُوْهُم إِلَى المَوْصِلِ،فَسَمِعُوا بِهَا،وَاشْتَغَلُوا،وَبَرَعُوا،وَسَادُوا.
سَمِعَ مِنَ: الخَطِيْبِ أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ،وَيَحْيَى بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ،وَمُسْلِمِ بنِ عَلِيٍّ السِّيْحِيِّ،وَبِبَغْدَادَ لَمَّا قدِمَهَا رَسُوْلاً مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ،وَيَعِيْشَ بنِ صَدَقَةَ،وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ سُكَيْنَةَ،وَبِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى،وَزَينِ الأُمَنَاءِ.
وَكَانَ إِمَاماً،عَلاَّمَةً،أَخْبَارِيّاً،أَديباً،مُتَفَنِّناً،رَئِيْساً،مُحْتَشِماً،كَانَ مَنْزِلُهُ مَأْوَى طَلَبَةِ العِلْمِ،وَلَقَدْ أَقْبَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَلَى الحَدِيْثِ إِقبالاً تَامّاً،وَسَمِعَ العَالِي وَالنَّازلَ......
قَالَ القَاضِي سَعْدُ الدِّيْنِ الحَارِثِيُّ: تُوُفِّيَ عِزُّ الدِّيْنِ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ،سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.(1)
__________
(1) - وفي سير أعلام النبلاء(22/354) 220 -(1/494)
قال في مقدمة كتابه : " ولا خفاء على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان من المهاجرين والأنصار السابقين إلى الإسلام والتابعين لهم بإحسان الذين شهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسمعوا كلامه وشاهدوا أحواله ونقلوا ذلك إلى من بعدهم من الرجال والنساء من الأحرار والعبيد والإماء أولى بالضبط والحفظ،وهم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون بتزكية الله،سبحانه وتعالى لهم وثنائه عليهم،ولأن السُّنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين،إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها،وأولهم والمقدر عليهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلاً،وأعظم إنكاراً،فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيرهم من الرواة،حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم،وتقوم به الحجة؛ فإن المجهول لا تصح روايته،ولا ينبغي العمل بما رواه،والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل؛ فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح؛ لأن الله - عز وجل - ورسوله زكياهم وعدلاهم،وذلك مشهور لا نحتاج لذكره،ويجيء كثير منه في كتابنا هذا،فلا نطول به هنا.
وقد جمع الناس في أسمائهم كتباً كثيرة،ومنهم من ذكر كثيراً من أسمائهم في كتب الأنساب والمغازي وغير ذلك،واختلفت مقاصدهم فيها،إلا أن الذي انتهى إليه جمع أسمائهم الحافظان أبو عبد الله بن منده وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانيان،والإمام أبو عمر بن عبد البر القرطبي - رضي الله عنهم،وأجزل ثوابهم،وحمد سعيهم،وعظم أجرهم وأكرم مآبهم - فلقد أحسنوا فيما جمعوا،وبذلوا جهدهم وأبقوا بعدهم ذكراً جميلاً؛ فالله تعالى يثيبهم أجراً جزيلاً؛ فإنهم جمعوا ما تفرق منه.
فلما نظرت فيها رأيت كلاً منهم قد سلك في جمعه طريقاً غير طريق الآخر،وقد ذكر بعضهم أسماء لم يذكرها صاحبه،وقد أتى بعدهم الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الأصفهاني،فاستدرك على ابن منده ما فاته في كتابه،فجاء تصنيفه كبيراً نحو ثلثي كتاب ابن منده.فرأيت أن أجمع بين هذه الكتب،وأضيف إليها ما شذ عنها ما استدركه أبو علي الغساني،علي أبي عمر بن عبد البر،كذلك أيضاً ما استدركه عليه آخرون وغير من ذكرنا فلا نطول بتعداد أسمائهم هنا،ورأيت ابن منده وأبا نعيم وأبا موسى عندهم أسماء ليست عند ابن عبد البر،وعند ابن عبد البر أسماء ليست عندهم. فعزمت أن أجمع بين كتبهم الأربعة . "
وقال أيضاً : " وأنا أذكر كيفية وضع هذا الكتاب،ليعلم من يراه شرطنا وكيفيته،والله المستعان فأقول.
إني جمعت بين هذه الكتب كما ذكرته قبل،وعلمت على الاسم علامة ابن منده صورة " د " وعلامة أبي نعيم صورة " ع "،وعلامة ابن عبد البر صورة " ب " وعلامة أبي موسى صورة " س " فإن كان الاسم عند الجميع علمت عليه جميع العلائم،وإن كان عند بعضهم علمت عليه علامته،وأذكر في آخر كل ترجمة اسم من أخرجه؛ وإن قلت أخرجه الثلاثة فأعني ابن منده وأبا نعيم وأبا عمر بن عبد البر؛ فإن العلائم ربما تسقط من الكتابة وتنسى،ولا أعني بقولي أخرجه فلان وفلان أو الثلاثة أنهم أخرجوا جميع ما قلته في ترجمته؛ فلو نقلت كل ما قالوه لجاء الكتاب طويلاً؛ لأن كلامهم يتداخل ويخالف بعضهم البعض في الشيء بعد الشيء،وإنما أعني أنهم أخرجوا الاسم.(1/495)
ثم إني لا أقتصر على ما قالوه إنما أذكر ما قاله غيرهم من أهل العلم،وإذا ذكرت اسماً ليس عليه علامة أحدهم،فهو ليس في كتبهم. ورأيت ابن منده وأبا نعيم قد أكثرا من الأحاديث والكلام عليه،وذكرا عللها،ولم يكثرا من ذكر نسب الشخص،ولا ذكر شيء من أخباره وأحواله،وما يعرف به،ورأيت أبا عمر قد استقصى ذكر الأنساب وأحوال الشخص ومناقبه،وكل ما يعرفه به،حتى إنه يقول: هو ابن أخي فلان وابن عم فلان وصاحب الحادثة الفلانية،وكان هذا هو المطلوب من التعريف؛ أما ذكر الأحاديث وعللها وطرقها فهو بكتب الحديث أشبه؛ إلا أني نقلت من كلام كل واحد منهم أجوده وما تدعو الحاجة إليه طلباً للاختصار،ولم أخل بترجمة واحدة من كتبهم جميعها بل أذكر الجميع،حتى إنني أخرج الغلط كما ذكره المخرج له،وأبين الحق والصواب فيه إن علمته؛ إلا أن يكون أحدهم قد أعاد الترجمة بعينها،فأتركها وأذكر ترجمة واحدة،وأقول: قد أخرجها فلان في موضعين من كتابه.
وأما ترتيبه ووضعه فإنني جعلته على حروف أ،ب،ت،ث،ولزمت في الاسم الحرف الأول والثاني الثالث وكذلك إلى آخر الاسم،وكذلك أيضاً في اسم الأب والجد ومن بعدهما والقبائل أيضاً. "
"وأقدم الاسم في النسب على الكنية،إذا اتفقا،مثاله: أقدم عبد الله بن ربيعة على: عبد الله بن أبي ربيعة،وأذكر الأسماء المشتبهة في الخط وأضبطها بالكلام لئلا تلتبس؛ فإن كثيراً من الناس يغلطون فيها،وإن كانت النعتية التي ضبطها تعرف الاسم وتبينه،ولكني أزيده تسهيلاً ووضوحاً،مثال ذلك: سلمة في الأنصار،بكسر اللام،والنسبة إليه سلمي،بالفتح في اللام والسين،وأما سليم فهو ابن منصور من قيس عيلان.
وأشرح الألفاظ الغريبة التي ترد في حديث بعض المذكورين في آخر ترجمته. "
"أذكر فيه أسانيد الكتاب الكبار التي خرجت منها الأحاديث وغيرها،وقد تكرر ذكرها في الكتاب؛ لئلا يطول الإسناد ولا أذكر في أثناء الكتاب إلا اسم المصنف وما بعده "
مثال : باب الهمزة مع الألف وما يثلثهما(1)
آبي اللحم الغفاري
ب د ع آبي اللحم الغفاري. قديم الصحبة،وهو مولى عمير من فوق.
وقد اختلف في اسمه مع الاتفاق على أنه من غفار؛ فقال خليفة بن خياط: هو عبد الله بن عبد الملك.
وقال الكلبي: آبي اللحم هو خلف بن مالك بن عبد الله بن حارثة بن غفار،من ولده الحويرث بن عبد الله بن آبي اللحم؛ فقد جعل الكلبي الحويرث من ولد آبي اللحم.
وقال الهيثم: اسمه خلف بن عبد الملك،وقيل: اسمه الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك بن عبد الله بن حارثة بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
وقيل: عبد الله بن عبد الله بن مالك بن عبد الله بن ثعلبة بن غفار.
وإنما قيل له: آبي اللحم لأنه كان لا يأكل ما ذبح على النصب،وقيل: كان لا يأكل اللحم.
شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر،وروى عنه مولاه عمير.
__________
(1) - أسد الغابة - (ج 1 / ص 20)(1/496)
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مهران،وإسماعيل بن عبيد الله بن علي،وأبو جعفر عبيد الله بن علي بن علي البغدادي،قالوا: أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي،بإسناده إلى أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِى اللَّحْمِ عَنْ آبِى اللَّحْمِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ يَسْتَسْقِى وَهُوَ مُقْنِعٌ بِكَفَّيْهِ يَدْعُو..(1)
وقتل يوم حنين. أخرجه الثلاثة. اهـ
ـــــــــــــــ
3- الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 للهجرة
أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد العسقلاني حافظ الوقت العلامة شيخ الاسلام شهاب الدين أبو الفضل ابن القاضي نور الدين المعروف بابن حجر المصري الشافعي.
كان أبوه رئيسا محتشما من أعيان تجار المكارم معتنيا بالعلم ذا حظ في الأدب وغيره فمات وترك ولده الحافظ شهاب الدين المذكور طفلا فحبب الله اليه العلم وتولع بالنظم وما زال يتبع خاطره حتى برع فيه ونظم الشعر الكثير المليح قصائد وغير ذلك.
وهو في خلال ذلك ينظر في كتب التاريخ فعرف منه كثير ثم حبب الله اليه الحديث فاقبل عليه بكلتيه فلم تمض مدة يسيرة حتى اتسعت معارفه وهو مع ذلك يشتغل بالفقه والعربية وغير ذلك....
وقد اتسعت روايته كثيرا وظهرت فضائله لعلماء الشام فاغتبطوا به ولما عاد الى القاهرة عني بما كان معتنيا به قبل ذلك من كتابة الحديث والتصنيف فيه ولم يهمل السماع لاشياء ينتخبها.
وكان مما ظهر من تصانيفه الفائقة قريبا من هذا التاريخ كتابة الذي سماه تعليق التعليق وصل فيه كلما ذكره البخاري معلقا ولم يفته من وصل ذلك إلا القليل وهو له مفخرة ومنها كتابه المسمَّى لسان الميزان اختصر فيه الميزان للذهبي وزاد فيه أكثر من ستمائة ترجمة و مختصر تهذيب الكمال للحافظ المزي في ست مجلدات وزاد فيه أشياء كثيرة وتخريج أحاديث الرافعي أجاد فيه لتحريره فيه ما لم يحرره من خرج أحاديثه قبله وأطراف عشرة من الكتب منها: المسند لأحمد،وكتاب في الصحابة رضي الله عنهم سماه الأصابة في أسماء الصحابة وكتابه مشبته النسبة وذكر فيه ما ذكره الذهبي وضبط بالحروف فإن الذهي انما اشار الى ضبط أكثره بالقلم وزاد عليه هذا ما يحضرني مما كمل من مؤلفاته الكبار.
وأما مؤلفاته الصغار فكثيرة جدا ومن محاسنها نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر جمع فيها من أنواع الحديث زيادة على ابن الصلاح شيئا كثيرا وهي في ورقتين وشرحها في كراريس أربعة،وشرحه للبخاري ... ورأيت مقدمته فإذا هي كثيرة الفوائد.
وبالجملة فهو أحفظ أهل العصر للأحاديث والآثار وأسماء الرجال المتقدمين منهم والمتأخرين والعالي من ذلك والنازل مع معرفة قوية بعلل الأحاديث وبراعة حسنه في الفقه وغيره وتولَّى تدريس الفقه بالمدرسة المؤيدة المنشأة بباب زويلة ويبدئ في دروسه بهاأشياء حسنة.
وهو سريع الكتابة حسنها سريع القراءة ...وقد انتفعت به في علم لحديث وغيره كثيرا جزاه الله عنا خيرا.
وله من حسن البشر وحلاوة المذاكرة والمروءة وكثيرة العناية بقضاء حوائج أصحابه ما كثر الحمد له بسببه زاده الله توفيقا وفضلا.
__________
(1) - سنن الترمذى(560 ) قَالَ أَبُو عِيسَى كَذَا قَالَ قُتَيْبَةُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آبِى اللَّحْمِ وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ وَعُمَيْرٌ مَوْلَى آبِى اللَّحْمِ قَدْ رَوَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ وَلَهُ صُحْبَةٌ.(1/497)
ثم ولي صاحب هذه الترجمة قضاء الديار المصرية مرتين وكثر حمد الناس له .....وأقبل على الله تعالى وعلى ما هو بصدده من الأشعال والإفادة والإسماع حتى درج الى رحمة الله فمات بعد صلاة العشاء الآخرة من ليلة السبت ثامن عشرين من ذي الحجة الحرام سنة اثنين وخمسين وثمانمائة بالقاهرة ،وصلي عليه قبيل صلاة الظهر بالرميلة ودفن بالقرافة الصغرى بتربة بني الجزولي بين مقام الامام الشافعي ومقام الشيخ مسلم السلمي وكان له مشهد عظيم حضر الصلاة عليه السلطان الظاهر جقمق وحمل نعشه بنفسه ثم من دونه من الرؤساء والعلماء ومات رحمة الله ولم يخلق في الدينا بعده مثله فرحمه الله رحمة واسعة وكان مولده بمصر شاطئ النيل في العشر الأخير من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة كذا ألفيته بخطه رحمه الله تعالى اهـ(1)
هذا الكتاب هو أجمع كتاب في أسماء الصحابة وأشمله،وقد اطلع مؤلفه على كتب من تقدمه في هذا النوع من التصنيف واستفاد منها،فهذبها ورتبها،وتجنَّب ما فيها من أوهام وزاد عليها زيادات رآها في بعض طرق الحديث أو المصنفات الأخرى،فجاء كتاباً حافلاً نافعاً،وقد رتبه ترتيباً دقيقاً على حروف المعجم كما فعل ابن الأثير،ورتب الأسماء ثم الكنى للرجال،ثم أسماء النساء،ثم كناهن،إلا أنه أتى بتقسيم جديد لكل حرف في الاسم أو الكنية زيادة على الترتيب على حروف المعجم فقسم كل حرف إلى أربعة أقسام وهي:
القسم الأول: فيمن وردتْ صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره،أو وقع ذكره بما يدلُّ على الصحبة بأي طريق كان.
القسم الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض الصحابة ممن مات - صلى الله عليه وسلم - وهو في دون سن التمييز.
القسم الثالث: فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عن زمن الحافظ ابن حجر من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام،ولم يردْ في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رأوه،وهؤلاء ليسوا صحابة بالاتفاق،وإنما ذكروا؛ لمقاربتهم لطبقة الصحابة.( يعني المخضرمون )
القسم الرابع: فيمن ذُكر في الكتب المتقدمة في أسماء الصحابة على سبيل الوهم والغلط،مع بيان ذلك الوهم والغلط.
فالصحابة رضوان الله عليهم هم خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نشر الدعوة وحمل أعبائها، ومن ثم لم يقع خلاف "بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوكد علم الخاصة، وأرفع علم الخبر، وبه ساد أهل السير(2)
1 - تعريف الصحابي:
أ ) لغة: الصحابة لغة مصدر بمعنى " الصحبة " ومنه " الصحابي " و " الصاحب ويجمع على أصحاب وصَحْب ، وكثر استعمال " الصحابة " بمعنى "الأصحاب" . وأصل الصحبة في اللغة يطلق على مجرد الصحبة، دون اشتراط استمرارها طويلا، وعلى ذلك درج المحدثون.
ب) اصطلاحاً: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلماً ومات على الإسلام ، ولو تخللت ذلك ردة على الأصح .
قال العراقي(3): " وقد اخْتُلِفَ في حدِّ الصحابيِّ مَنْ هو ؟ على أقوالٍ :
أحدُها : وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في حالِ إسلامهِ .
__________
(1) - وفي ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد - (ج 1 / ص 352) 691- و راجع ترجمته في: الضوء اللامع 2/36, الدليل الشافي 1/64, شذرات الذهب 7/270, البدر الطالع 1/87, طبقات الحفاظ ص 552, حسن المحاضرة 1/206.
(2) - الاستيعاب في أسماء الأصحاب: 1: 8.
(3) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 204)(1/498)
هكذا أطلقهُ كثيرٌ من أهلِ الحديثِ ومرادُهُم بذلكَ مَعَ زوالِ المانعِ منَ الرؤيةِ ، كالعمى ، وإلاَّ فمَنْ صحبَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ولم يرَهُ لعارضٍ بنظرهِ كابن أُمِّ مكتومٍ ونحوهِ معدودٌ في الصحابةِ بلا خلافٍ . قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ(1): مَنْ صحبَهُ سنةً ، أو شهراً ، أو يوماً ، أو ساعةً ، أو رآهُ؛ فهو من الصحابةِ . وقالَ البخاريُّ في صحيحهِ(2): مَنْ صَحِبَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، أو رآهُ من المسلمينَ فهوَ من أصحابهِ .
وفي دخولِ الأعمى الذي جاءَ إلى النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مسلماً ، ولم يصحبْهُ ، ولم يجالسْهُ ؛ في عبارةِ البخاريِّ نظَرٌ .
فالعبارةُ السالمةُ مِنَ الاعتراضِ أنْ يقالَ : الصحابيُّ مَنْ لقيَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مسلماً ثمَّ ماتَ على الإسلامِ ؛ ليخرجَ مَنِ ارتدَّ وماتَ كافراً ، كابنِ خَطَلٍ ، وربيعةَ بنِ أميةَ ، ومِقْيَسِ بنِ صُبَابَةَ ، ونحوهم . وفي دخولِ مَنْ لقيهُ مسلماً ثمَّ ارتدَّ ثمَّ أسلمَ بعدَ وفاةِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الصحابة نظرٌ كبيرٌ ، فإنَّ الرِّدَّةَ مُحبِطةٌ للعملِ عندَ أبي حنيفةَ ، ونصَّ عليهِ الشافعيُّ في " الأمِّ " ، وإنْ كانَ الرافعيُّ قدْ حكى عنهُ : أنَّها إنَّما تُحْبَطُ بشرطِ اتصالها بالموتِ ، وحينئذٍ فالظاهرُ أنَّها محبطةٌ للصُّحْبَةِ المتقدمةِ ، كقُرَّةَ بنِ هُبَيْرةَ ، وكالأشعثِ بنِ قيسٍ .
أما مَنْ رَجَعَ إلى الإسلامِ في حياتِهِ ،كعبدِ اللهِ بنِ أبي سَرْحٍ، فلا مانعَ من دخولِهِ في الصُّحبةِ بدخولهِ الثاني في الإسلامِ ، واللهُ أعلمُ .
والمرادُ برؤية النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، رؤيتُهُ في حالِ حياتِهِ ، وإلاَّ فلو رآهُ بعدَ موتِهِ قبلَ الدفنِ ، أو بعدهُ ، فليسَ بصحابيٍّ على المشهورِ ، بلْ إنْ كانَ عاصَرَهُ ففيهِ الخلافُ الآتي ذِكْرُهُ . وإنْ كانَ وُلِدَ بعدَ موتِهِ فليستْ لهُ صحبةٌ بلا خلافٍ .
__________
(1) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (109)
(2) - صحيح البخارى 1 - باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . ( 29 ) وَمَنْ صَحِبَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ .(1/499)
واحترزتُ بقولي : ( مسلماً ) عمَّا لو رآهُ وهوَ كافرٌ ثم أسلمَ بعدَ وفاتِهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، فإنهُ ليسَ بصحابيٍّ على المشهورِ ، كرسولِ قيصرَ ، وقدْ خَرَّجَهُ أحمدُ في " المسندِ(1)" ، وكعبدِ اللهِ بنِ صَيَّادٍ ، إنْ لَمْ يكنْ هو الدَّجالُ.(2)وقد عدَّهُ في الصحابةِ ، كذلكَ أبو بكرِ بنُ فتحونَ في ذيلِهِ على " الاستيعابِ ". وحُكيَ: أنَّ الطبريَّ، وغيرهُ ترجمَ بهِ هكذا.(3)
وقولهم : مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، هلْ المرادُ رآهُ في حالِ نبوَّتِهِ ، أو أعمُّ مِنْ ذلكَ ؟ حتَّى يدخلَ مَنْ رآهُ قبلَ النبوةِ ، وماتَ قبلَ النبوةِ على دينِ الحنيفية كزيدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ . فقد قالَ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) : " إنَّهُ يُبْعَثُ أمَّةً وحدَهُ "(4). وقد ذكرَهُ في الصحابةِ أبو عبدِ اللهِ بنُ منده .
وكذلكَ لو رآهُ قبلَ النبوَّةِ ثمَّ غابَ عنهُ ، وعاشَ إلى بعدِ زمنِ البعثةِ ، وأسلمَ ثمَّ ماتَ ، ولمْ يرهُ . ولمْ أرَ مَنْ تَعرَّضَ لذلكَ ، ويدلُّ على أنَّ المرادَ : مَنْ رآهُ بَعْدَ نبوَّتِهِ أنَّهم ترجموا في الصحابةِ لمنْ وُلِدَ للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) بعدَ النبوةِ ، كإبراهيمَ ، وعبد اللهِ ، ولم يترجموا لمنْ ولِدَ قبلَ النبوةِ وماتَ قبلها كالقاسمِ . وكذلكَ أيضاً ما المرادُ بقولهم : مَنْ رآهُ ؟ هلِ المرادُ رؤيتُهُ لهُ معَ تمييزهِ ، وعقلهِ ؟ حتى لا يدخلَ الأطفالُ الذينَ حَنَّكَهُمْ ولمْ يروهُ بعدَ التمييزِ ، ولا مَنْ رآهُ وهو لا يعقلُ ، أو المرادُ أعمُّ مِنْ ذلكَ ؟
__________
(1) - مسند أحمد ( 17148و17149) وحديثه حسن
(2) - قلت قطعاً ليس هو الدجال ، ففي صحيح مسلم( 7534 ) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ - قَالَ - فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ - قَالَ - وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِى. فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ - قَالَ - فَفَعَلَ - قَالَ - فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ. مَا بِى إِلاَّ أَنِّى أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ - أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلاً فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِىَ النَّاسُ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِىَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا خَفِىَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ كَافِرٌ ». وَأَنَا مُسْلِمٌ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ عَقِيمٌ لاَ يُولَدُ لَهُ ». وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِى بِالْمَدِينَةِ أَوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ ». وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ.ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الآنَ. قَالَ قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ.
(3) - انظر الإصابة( 6614 )
(4) - هو في مسند البزار( 1331) مطولا وسنده حسن(1/500)
ويدلُّ على اعتبارِ التمييزِ معَ الرؤيةِ ما قالَهُ شيخُنا الحافظُ أبو سعيدٍ بنُ العلائي في كتابِ " المراسيل " في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ : حنَّكهُ النبيُّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ودعا لهُ(1). ولا صحبةَ لهُ بلْ ولا رؤيةَ أيضاً ، وحديثهُ مرسلٌ قطعاً .
والقول الثاني : أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ .
حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ ، عنِ الأصوليينَ ، وقالَ : إنَّ اسمَ الصحابيِّ يقعُ على ذلكَ مِنْ حيثُ اللغةُ والظاهرُ ، قال : وأصحابُ الحديثِ يطلِقونَ اسمَ الصحبةِ على كلِّ مَنْ روى عنهُ حديثاً ، أو كلمةً ، ويتوسَّعُونَ حتَّى يَعدُّونَ مَنْ رآهُ رؤيةً مِنَ الصحابةِ ، قال : وهذا لِشَرَفِ منزلةِ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، أَعطوا كلَّ مَنْ رآهُ حكمَ الصحبةِ .
هكذا حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ عن الأصوليينَ، وهوَ قولٌ لبعضهمْ ، حكاهُ الآمديُّ وابنُ الحاجبِ ، وغيرُهما . وبه جزمَ ابنُ الصبَّاغِ في " العدَّةِ " فقالَ : الصحابيُّ هوَ الذي لقِيَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وأقامَ عندَهُ ، واتَّبَعَهُ ، فأمَّا مَنْ وَفِدَ عليهِ وانصرفَ عنهُ منْ غيرِ مصاحبةٍ ، ومتابعةٍ ، فلا ينصرفُ إليهِ هذا الاسمُ . وقالَ القاضي أبو بكرِ بنُ الطيبِ الباقلانيُّ : لا خلافَ بينَ أهلِ اللغةِ أنَّ الصحابيَّ مشتقٌ منَ الصحبةِ ، وأنَّهُ ليسَ بمشتقٍ مِن قدرٍ منها مخصوصٍ ، بلْ هوَ جارٍ على كلِّ مَنْ صَحِبَ غيرَهُ قليلاً كانَ ، أو كثيراً ، يقالُ : صحِبْتُ فلاناً حولاً ودهراً وسنةً وشهراً ويوماً وساعةً ، قالَ : وذلكَ يوجبُ في حكمِ اللغةِ إجراءها على مَنْ صحِبَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ساعةً مِن نهارٍ . هذا هوَ الأصلُ في اشتقاقِ الاسمِ . ومعَ ذلكَ فقد تقررَ للأئمةِ عرفٌ في أنَّهُمْ لا يستعملونَ هذهِ التسميةَ إلاَّ فيمَنْ كَثُرَتْ صحبتُهُ ، واتَّصَلَ لقاؤُهُ . ولا يُجْرُونَ ذلكَ على مَنْ لقِيَ المرءَ ساعةً ،
ومشى معهُ خُطًى وسمعَ منهُ حديثاً . فوجبَ لذلكَ ألاَّ يجريَ هذا الاسمُ في عرفِ الاستعمالِ إلا على مَنْ هذهِ حالهُ .
وقالَ الآمديُّ : الأشبهُ أنَّ الصحابيَّ مَنْ رآهُ وحكاهُ عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ ، وأكثرِ أصحابنا ، واختارهُ ابنُ الحاجبِ أيضاً ؛ لأنَّ الصحبةَ تعمُّ القليلَ والكثيرَ ، نَعَم .. في كلامِ أبي زُرْعَةَ الرازيِّ ، وأبي داودَ ما يقتضي : أنَّ الصحبةَ أخصُّ منَ الرؤيةِ ، فإنهما قالا في طارقِ بنِ شهابٍ : لهُ رؤيةٌ ، وليستْ لهُ صحبةٌ(2). وكذلك ما رويناه عن عاصمٍ الأحولِ قال : قدْ رأى عبدُ اللهِ بنُ سَرْجِسَ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) غيرَ أنَّهُ لم تكنْ لهُ صحبةٌ(3)، ويدلُّ على ذلكَ أيضاً ما رواهُ محمدُ بنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " عن عليِّ بنِ محمدٍ عن شعبةَ ، عن موسى السيلانيِّ ، قال : أتيتُ أنسَ بنَ مالكٍ ، فقلتُ : أنتَ آخرُ مَنْ بقيَ من أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ؟ قالَ : قدْ بقيَ قومٌ مِنَ الأعرابِ ، فأمَّا مِنْ أصحابهِ فأنا آخرُ مَنْ بقيَ انتهى(4).
__________
(1) - انظر ترجمته في الإصابة (6173 )
(2) - وفي التقريب( 3000 ) طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي قال أبو داود رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ع
(3) - وفي التقريب( 3345 ) عبد الله بن سرجس بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة م 4
(4) - تهذيب الكمال للمزي (ج 3 / ص 376) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق (ج 10 / ص 190)(2/1)
قال ابنُ الصلاحِ(1): إسنادُهُ جيِّدٌ حدَّثَ بهِ مسلمٌ بحضرةِ أبي زُرْعَةَ .
والجوابُ عن ذلكَ : أنَّهُ أرادَ إثباتَ صحبةٍ خاصةٍ ليستْ لتلكَ الأعرابِ، وكذا أرادَ أبو زُرْعَةَ وأبو داودَ نفيَ الصحبةِ الخاصةِ دونَ العامةِ .
وليسَ هو الثبتُ الذي عليهِ العملُ عندَ أهلِ الحديثِ والأصولِ .
والقولُ الثالثُ : وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو سنتينِ ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ .
قالَ ابنُ الصلاحِ(2): " وكأنَّ المرادَ بهذا إنْ صحَّ عنهُ راجعٌ إلى المحكيِّ عنِ الأصوليينَ ؛ ولكنْ في عبارتِهِ ضيقٌ يوجبُ ألاَّ يُعَدَّ مِنَ الصحابةِ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ البَجَليُّ ومَنْ شارَكَهُ في فَقْدِ ظاهرِ ما اشترَطَهُ فيهم ، ممَّنْ لا نعلمُ خلافاً في عدِّهِ من الصحابةِ ".
قلتُ : ولا يصحُّ هذا عن ابن المسيِّبِ . ففي الإسنادِ إليهِ محمدُ بنُ عمرَ الواقديُّ ضعيفٌ في الحديثِ .
والقولُ الرابعُ : أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ .
حكاهُ الآمديُّ عن عمرِو بنِ يحيى ، فقال(3): ذهبَ إلى أنَّ هذا الاسم إنَّما يسمى بهِ مَنْ طالتْ صحبتُهُ للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وأخذَ عنهُ العلمَ . وحكاهُ ابنُ الحاجبِ أيضاً قولاً ، ولم يعزهُ لعمرِو بنِ يحيى ؛ ولكنْ أبدلَ الروايةَ بالأخذِ عنهُ ، وبينهما فرقٌ .
وعمرٌو هذا الظاهِرُ أنَّهُ الجاحظُ ، فقدْ ذكرَ الشيخُ أبو إسحاقَ في "اللمع": أنّ أباهُ اسمُهُ يحيى ، وذلكَ وهمٌ ، وإنَّما هو عمرُو بنُ بحرٍ أبو عثمان الجاحظُ من أئمةِ المعتزلةِ ، قالَ فيهِ ثعلبٌ: إنَّهُ غيرُ ثقةٍ ، ولا مأمونٍ(4)،ولم أرَ هذا القولَ لغيرِ عمرٍو هذا. وكأنَّ ابنَ الحاجبِ أخذَ هذا القولَ مِن كلامِ الآمديِّ، ولذلكَ أسقطتُهُ منَ الخلافِ في حدِّ الصحابيِّ تبعاً لابنِ الصلاحِ .
والقولُ الخامسُ: أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً .
حكاهُ الواقديُّ عن أهلِ العلمِ فقالَ: رأيتُ أهلَ العلمِ يقولونَ : كلُّ مَنْ رأى رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وقدْ أدركَ الحلمَ ، فأسلمَ ، وعقلَ أمرَ الدينِ ورضيهُ فهوَ عندنا ممَّنْ صحبَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ولوْ ساعةً من نهارٍ ، انتهى . والتقييدُ بالبلوغِ شاذٌّ .
والقول السادس : أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو مسلمٌ ، وإنْ لم يرَهُ .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 64) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 2 / ص 484)
(2) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 64) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 2 / ص 484) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي (ج 1 / ص 52)
(3) - الإحكام في أصول الأحكام (ج 1 / ص 336) والتقرير والتحبير (ج 4 / ص 167) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى (ج 3 / ص 24)
(4) - وفي سير أعلام النبلاء (11/527) (149) الجَاحِظُ أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ بَحْرٍ العَلاَّمَةُ، المُتَبَحِّرُ، ذُوْ الفُنُوْنَ، أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ بَحْرِ بنِ مَحْبُوْبٍ البَصْرِيُّ، المُعْتَزِلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وقال بنهاية ترجمته :قُلْتُ: كَفَانَا الجَاحِظُ المَؤُونَةَ، فَمَا رَوَى مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ النَّزْرَ اليَسِيْرَ، وَلاَ هُوَ بِمُتَّهَمٍ فِي الحَدِيْثِ، بَلَى فِي النَّفْسِ مِنْ حِكَايَاتِهِ وَلَهْجَتِهِ، فَرُبَّمَا جَازَفَ، وَتَلَطُّخُهُ بِغَيْرِ بِدْعَةٍ أَمْرٌ وَاضِحٌ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ عَلاَّمَةٌ، صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَأَدَبٍ بَاهِرٍ، وَذَكَاءٍ بَيِّنٍ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -. وانظر تاريخ الإسلام للذهبي (ج 4 / ص 431) ت 344(2/2)
وهو قولُ يحيى بنِ عثمان ابن صالحٍ المصريِّ فإنَّهُ قال : وممَّنْ دُفِنَ ، أي : بمصرَ من أصحابِ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ممَّن أدركهُ ولمْ يسمعْ منهُ أبو تميمٍ الجيشانيُّ ، واسمهُ عبدُ اللهِ بنُ مالكٍ(1)انتهى.
وإنَّما هاجرَ أبو تميمٍ إلى المدينةِ في خلافَةِ عمرَ باتفاقِ أهلِ السِّيَرِ. وممَّنْ حكى هذا القولَ منَ الأصوليينَ القرافيُّ في " شرح التنقيح " وكذلكَ إن كانَ صغيراً محكوماً بإسلامهِ تبعاً لأحدِ أبويهِ ، وعلى هذا عملَ ابنُ عبدِ البرِّ في " الاستيعاب " وابنُ منده في " معرفةِ الصحابةِ " ، وقدْ بيَّنَ ابنُ عبدِ البرِّ في ترجمةِ الأحنفِ بنِ قيسٍ : أنَّ ذلكَ شرطُهُ .
وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في مقدمةِ كتابهِ : وبهذا كلِّهِ يستكملُ القَرْنُ الذي أشارَ إليهِ رسولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) على ما قالهُ عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى صاحبُ رسولِ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ). يريدُ بذلِكَ تفسيرَ القَرْنِ .
قلتُ : وإنَّما هوَ قولُ زُرَارةَ بنِ أوفى من التابعينَ : القَرْنُ مائةٌ وعشرونَ سنةً ، وهكذا رواهُ هوَ قبلَ ذلكَ بأربعِ ورقاتٍ، كلُّ ذلكَ في مقدمةِ " الاستيعابِ ". وقد اختلفَ أهلُ اللغةِ في مُدَّةِ القَرْنِ ، فقالَ الجوهريُّ : هوَ ثمانونَ سنةً ، قالَ: ويقالُ ثلاثونَ . وحكى صاحبُ "المحكمِ" فيهِ ستةَ أقوالٍ : قيلَ : عشرُ سنينَ ، وقيلَ : عشرونَ ، وقيلَ : ثلاثونَ ، وقيلَ : ستونَ ، وقيلَ : سبعونَ ، وقيلَ : أربعونَ ، قالَ : وهوَ مقدارُ أهلِ التوسطِ في أعمارِ أهلِ الزمانِ ، فالقرنُ في كلِّ قومٍ على مقدارِ أعمارهم .
فعلى هذا يكونُ ما بينَ الستينَ والسبعينَ ، كما رواهُ الترمذيُّ (3896 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَعْمَارُ أُمَّتِى مَا بَيْنَ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
وأما ابتداءُ قرنِهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) فالظاهرُ أنَّهُ من حينِ البعثةِ ، أو من حينِ فُشُوِّ الإسلامِ . فعلى قولِ زرارةَ بنِ أوفى قد استوعبَ القرنُ جميعَ مَن رآهُ ، وقد روى ابنُ مَنْدَهْ في " الصحابةِ " من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ مرفوعاً : " القرنُ مائةُ سنةٍ " .
__________
(1) - انظر الإصابة (9642 ) وفي الثقات للعجلي( 2104 ) أبو تميم الجيشاني مصرى تابعي ثقة(2/3)
وقال الحافظ ابن حجر(1): " وَالْقَرْن أَهْل زَمَان وَاحِد مُتَقَارِب اِشْتَرَكُوا فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور الْمَقْصُودَة ، وَيُقَال إِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِمَا إِذَا اِجْتَمَعُوا فِي زَمَن نَبِيّ أَوْ رَئِيس يَجْمَعهُمْ عَلَى مِلَّة أَوْ مَذْهَب أَوْ عَمَل ، وَيُطْلَق الْقَرْن عَلَى مُدَّة مِنْ الزَّمَان ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدهَا مِنْ عَشَرَة أَعْوَام إِلَى مِائَة وَعِشْرِينَ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالسَّبْعِينَ وَلَا بِمِائَةٍ وَعَشَرَة ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ قَائِل . وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيّ بَيْن الثَّلَاثِينَ وَالثَّمَانِينَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر عِنْد مُسْلِم مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقَرْن مِائَة وَهُوَ الْمَشْهُور ، وَقَالَ صَاحِب الْمَطَالِع : الْقَرْن أُمَّة هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَد ، وَثَبَتَتْ الْمِائَة فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر وَهِيَ مَا عِنْد أَكْثَر أَهْل الْعِرَاق ، وَلَمْ يَذْكُر صَاحِب " الْمُحْكَم " الْخَمْسِينَ وَذَكَرَ مِنْ عَشْر إِلَى سَبْعِينَ ثُمَّ قَالَ : هَذَا هُوَ الْقَدْر الْمُتَوَسِّط مِنْ أَعْمَار أَهْل كُلّ زَمَن ، وَهَذَا أَعْدَل الْأَقْوَال وَبِهِ صَرَّحَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَقَالَ : إِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ الْأَقْرَان ، وَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل عَلَيْهِ الْمُخْتَلَف مِنْ الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة مِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْقَرْن أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا ، أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ دُون ذَلِكَ فَلَا يَلْتَئِم عَلَى هَذَا الْقَوْل وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ
2- بم تعرف صحبة الصحابي ؟
تعرف الصحبة بما يلي :
= إمَّا بالتواترِ ، كأبي بكرٍ ، وعمرَ ، وبقيةِ العشرةِ في خَلْقٍ منهم ،
= وإمَّا بالاستفاضةِ والشهرةِ القاصرةِ عنِ التواترِ ، كعُكَاشَةَ بنِ مِحْصنٍ ، وضِمَامِ بنِ ثعلبةَ ، وغيرِهما .
=وإمَّا بإخبارِ بعضِ الصحابةِ عنهُ أَنَّهُ صحابيٌّ ، كحُمَمَةَ بنِ أبي حُمَمَةَ الدَّوسِيِّ ، الذي ماتَ بأصبهانَ مبطوناً ، فشهدَ لهُ أبو موسى الأشعريُّ أنَّهُ سمِعَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وحكمَ لهُ بالشهادةِ ذكرَ ذلكَ أبو نُعَيْمٍ في "تاريخِ أصبهان"(2).
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر (ج 10 / ص 445) وانظر غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (ج 4 / ص 385)
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (2113)(2/4)
وروينا قصتَهُ في مسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ ، ومعجمِ الطبرانيِّ . على أنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ أبو موسى إنَّما أرادَ بذلكَ شهادةَ النبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) لِمَنْ قتلهُ بطنُهُ وفي عمومِهِم حممةٌ ، لا أنَّهُ سمَّاهُ باسمِهِ ، واللهُ أعلمُ(1).
= وإمَّا بإخبارهِ عنْ نفسهِ أَنَّهُ صحابيٌّ بعدَ ثُبوتِ عدالتِهِ قبلَ إخبارهِ بذلكَ . هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ تَبَعَاً للخطيبِ ، فإنهُ قالَ في " الكفايةِ "(2): وقد يُحكمُ بأنَّهُ صحابيٌّ إذا كانَ ثقةً أميناً مقبولَ القولِ ، إذا قالَ صحبتُ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) وكَثُرَ لقائي لهُ، فيحكم بأنَّهُ صحابيٌّ في الظاهرِ ، لموضعِ عدالَتِهِ ، وقبولِ خبرِهِ ، وإنْ لمْ يقطعْ بذلكَ كمَا يعملُ بروايتِهِ . هكذا ذكرهُ في آخرِ كلامِ القاضي أبي بكرٍ، والظاهرُ أنَّ هذا كلامُ القاضي.
قلت : ولا بدَّ من تقييدِ ما أطلِقَ منْ ذلكَ بأنْ يكونَ ادِّعاؤهُ لذلكَ يقتضيهِ الظاهرُ . أما لو ادَّعاهُ بعدَ مضيِّ مائةِ سنةٍ من حينِ وفاتهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، فإنهُ لا يُقبلُ وإنْ كانتْ قدْ ثبَتَتْ عدالتُهُ قبلَ ذلكَ ، لقولهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الحديثِ الصحيحِ : « أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ »(3).،
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 13) (34489) وأحمد(20187 ) وشعب الإيمان للبيهقي (4144 ) والطيالسي( 507 ) والإصابة في معرفة الصحابة (ج 1 / ص 243) كلهم عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيَّ ؛ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُقَالَ لَهُ : حُمَمَةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , خَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ غَازِيًا فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ حُمَمَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَك , فَإِنْ كَانَ حُمَمَةُ صَادِقًا فَاعْزِمْ لَهُ بِصِدْقِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَاعْزِمْ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَرِهَ , اللَّهُمَّ لاَ تَرُدُّ حُمَمَةَ مِنْ سَفَرِهِ هَذَا ، قَالَ : فَأَخَذَهُ الْمَوْتُ , فَمَاتَ بِأَصْبَهَانَ ، قَالَ : فَقَامَ أَبُو مُوسَى ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , أَلاَ إِنَّا وَاللهِ مَا سَمِعْنَا فِيمَا سَمِعْنَا مِنْ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا بَلَغَ عِلْمُنَا إِلاَّ أَنَّ حُمَمَةَ شَهِيدٌ. 0 وهو حديث حسن)
(2) - الكفاية في علم الرواية (ج 1 / ص 51)
(3) - صحيح البخارى ( 116 ) وصحيح مسلم (6642 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِى آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ ». قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَهَلَ النَّاسُ فِى مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ. أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ.
ينخرم : ينقطع وينقضى = وهل : ذهب وهمه إلى غير الصواب وقيل غلط ونسى(2/5)
يريدُ انخرامَ ذلكَ القرنِ . قالَ: ذلكَ في سنةِ وفاتِهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهذا واضحٌ جليٌّ . وقد اشترطَ الأصوليونَ في قبولِ ذلكَ منهُ أن يكونَ قدْ عُرِفَتْ معاصرَتُهُ للنبيِّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، قالَ الآمديُّ(1): فلوْ قالَ مَنْ عاصرَهُ أنا صحابيٌّ معَ إسلامهِ ، وعدالتِهِ ، فالظاهرُ صدقُهُ ، وحكاهما ابنُ الحاجبِ احتمالينِ من غيرِ ترجيحٍ ، قالَ : ويحتملُ أن لا يُصَدَّقَ لكونهِ متَّهماً بدعوى رتبةٍ يثبتها لنفسِهِ .(2)
وصنف في ذلك العلائي كتاباً بديعاً اسمه "تحقيق منيف الرتبة لمن له شرف الصحبة" هذا من أَجلِّ الكتب المدونة في الصحابة.
فالحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- لمَّا رتب الكتاب؛ جاء على حرف الألف فذكر الصحابة المشاهير كما ذكر هنا: (من صحتْ صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره،أو وقع ذكره بما يدلُّ على الصحبة بأي طريق كان)
النوع الثاني: الصحابةُ الذين ولدوا في الإسلام ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم دون سن التمييز؛ كمثل محمد بن أبي بكر،أسماء بنت عميس ولدته وهي في طريق الحج،والنبي - صلى الله عليه وسلم - مات بعد الحج بثلاثة أشهر أو بمائة يوم،فيكون محمد قد مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وله من السِّنِّ أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر ونصف؛ فهل هذا صحابي أم لا ؟ هذا معدود في الصحابة.
ثم ذكر المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام وهم مسلمون ولم يثبت من طريق أنهم نالوا شرف رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم أدركوا زمن النبوة وزمن ما قبل النبوة يعني عاشوا في الجاهلية وعاشوا في الإسلام ولم يثبت من طريق صحيح ولا ضعيف أن هؤلاء نالوا شرف لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم المخضرمون،هم تابعون بإجماع أهل العلم، وكلهم ثقات .
ثم مَن ذُكِرَ على سبيل التوهم أنه صحابي،هذا يذكره في كل حرف،فيبدأ الحرف = حرف الألف بهؤلاء الذي ثبتت لهم الصحبة يستقصيهم ثم يذكر الصغار،ثم يذكر المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ثم يذكر بعد ذلك من ادعي أنه صحابي ولم يثبت ذلك من طريق صحيح،فهذا يُراعى؛ لأن مثلاً أنت تبحث عن أنس بن مالك أو تبحث عن أي صحابي من المشاهير فعادة والكتاب مرتب على حروف ألفباء تقول مثلاً: حمزة بن عبد المطلب في حرف الحاء،تأتي بحرف الحاء فيقع نصيبك على أول حرف الحاء في القسم الثاني،فلا تجد حمزة،فتذكر القسم الثالث والقسم الرابع،ثم تقول: أنا مررت على حرف الحاء كله لا أجد الصحابي أين يوجد في الإصابة؟
نقول له في القسم الأول،هذه طريقة الحافظ -رحمه الله تعالى- فينبغي أن يتنبه لها عند البحث فيها؛ لأنه قد تقع عينك على الحرف من أوله،هو فعلاً أول حرف الحاء لكن لا يوجد فيه ذلك الصحابي،لأنه تقدم في القسم الأول،فيتنبه لمثل هذا الفارق،فينبغي التنبه إلى كل قسم عند البحث عن اسم صحابي؛ ليعرف الباحث أن هذا الشخص صحابي أم ليس بصحابي،وينبغي أن يُعلم أن القسم الأول هو أكبر الأقسام بكثير.
هذا،وقد بلغ عدد التراجم في هذا الكتاب اثني عشر ألفاً ومائتين وسبعاً وستين ترجمة،منها تسعة آلاف وأربعمائة وسبعاً وسبعين ترجمة لمن عُرفوا بأسمائهم من الرجال،ومنها ألف ومائتين وثمان وستين ترجمة لمن عُرفوا بكناهم،ومنها ألف وخمسمائة واثنين وعشرين ترجمة لأسماء وكنى النساء .
__________
(1) - الإحكام في أصول الأحكام (ج 1 / ص 337)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 207)(2/6)
يعني هذا الكتاب يعتبر أربعة أضعاف كتاب ابن عبد البر، ،فلا شك أنه استقصى واطلع الحافظ -رحمه الله تعالى- على كتب الصحابة لأبي نعيم وابن منده وابن الأثير وابن عبد البر والذيول التي صُنفت على كتاب ابن عبد البر؛ كذيل أبي موسى المديني على الاستيعاب وغيره من الكتب الكثيرة فجمع كل هذا في هذا الوعاء الضخم الذي هو كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" فهو كتاب جليل القدر جداً،لا يعرفه إلا من مارس.
مثال من القسم الأول - باب الهمزة بعدها ألف
أبى اللحم الغفاري: صحابي مشهور روى حديثه الترمذي والنسائي،والحاكم وروى بسنده عن أبي عبيدة قال أبي اللحم اسمه عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله ابن غفار وكان شريفاً شاعراً وشهد حنيناً ومعه مولاه عمير؛ وإنما سمي أبي اللحم لأنه كان يأبى أن يأكل اللحم، وقال الواقدي كان ينزل الصفراء وكذا قال خليفة بن خياط في اسمه ونسبه. وقال الهيثم بن عدي وهشام بن الكلبي: اسمه خلف بن عبد الملك وقال غيرهما: اسمه عبد الله بن عبد الله بن مالك. وقيل: اسمه الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك وقال المرزباني: اسمه عبد الله ابن عبد الملك كان شريفاً شاعرا أدرك الجاهلية.
قلت: رأيته بخط الرضي الشاطبي عبد ملك بفتح اللام مجرداً عن الألف واللام وروى مسلم في صحيحه عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى عُبَيْدٍ - قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى آبِى اللَّحْمِ قَالَ أَمَرَنِى مَوْلاَىَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا فَجَاءَنِى مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلاَىَ فَضَرَبَنِى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَاهُ. فَقَالَ « لِمَ ضَرَبْتَهُ ». فَقَالَ يُعْطِى طَعَامِى بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ. فَقَالَ « الأَجْرُ بَيْنَكُمَا » "(1)
وقال ابن عبد البر: هو من قدماء الصحابة وكبارهم ولا خلاف أنه شهد حنيناً وقتل بها.
ومثال من القسم الثاني من حرف الألف في ذكر من له رؤية
باب الهمزة بعدها الألف
آدم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ذكر ابن حزم وغيره أنه الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه " وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ"(2)وسماه الزبير بن بكار أيضاً.
وقد قال البلاذري: كان حذيفة بن أنس الهذلي الشاعر خرج بقومه يريد بني عدي بن الديل فوجدهم قد رحلوا عن منزلهم ونزله بنو سعد بن ليث فأغار عليهم.
وآدم بن ربيعة مسترضع له فيهم فقتل فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه يوم الفتح ويقال هو تصحيف.
قال الدارقطني في كتاب " الأخوة " : وإنما هو دم بن ربيعة كذا قال وفيه نظر وقيل: اسمه إياس ذكره أبو سعد النيسابوري وقيل: غير ذلك.وسيأتي في المبهمات إن شاء الله تعالى.
ومثال من القسم الثالث من حرف الألف
الهمزة بعدها باء
أبا يوه الفارسي يأتي خبره في جد جميرة.
الأباء بوزن الفعال بن قيس الأسدي شاعر مخضرم ذكره المرزباني في معجمه وقال: كان في الردة وله يمدح خالد بن الوليد:
لن يهزم الله قوما أنت قائدهم ... يا بن الوليد ولن يشقى بك الدبر
كفاك كف عذاب عند سطوتها ... على العدو وكف مرة غفر
وهكذا ذكره الزبير بن بكار في ترجمة خالد بن الوليد من كتاب النسب.
ومثال من القسم الرابع من حرف الألف
الألف بعدها الباء
أبان العبدي فرق ابن منده بينه وبين المحاربي وهو هو ومحارب بطن من عبد القيس.
أبجر المزني أخرجه ابن منده برواية فيها شك قال راويها عن أبجر والصواب بن أبجر وهو غالب بن أبجر سيد مزينة أخرج حديثه أبو داود في الحمر الأهلية.
إبراهيم بن عبد الرحمن العذري تابعي.
__________
(1) - صحيح مسلم (2416 )
(2) - سنن ابن ماجه (3190) صحيح ،وهو في حديث صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - الطويل عن جابر رضي الله عنه(2/7)
أرسل حديثاً فذكره ابن منده وغيره في الصحابة قال روى الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن معان بن رفاعة قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العذري وكان من الصحابة قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ".
قال ابن منده: ولم يتابع بن عرفة على قوله وكان من الصحابة.
قلت: قد رويناه في كتاب الغرر من الأخبار لوكيع القاضي قال حدثنا الحسن بن عرفة فذكره ولم يقل فيه وكان من الصحابة ثم أخرجه ابن منده من طريق بقية عن معان عن إبراهيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأورده أبو نعيم ثم قال: وهكذا رواه الوليد عن معان ورواه محمد بن سليمان بن أبي كريمة عن معان عن أبي عثمان عن أسامة.
قلت: ووصل هذا الطريق الخطيب في شرف أصحاب الحديث وقد أورد بن عدي هذا الحديث من طرق كثيرة كلها ضعيفة.
وقال في بعض المواضع: رواه الثقات عن الوليد عن معان عن إبراهيم قال حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره.
إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الزرقي أورده عبدان في الصحابة وأورد له من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن أبي حميد عن ابن المنكدر عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة قال صنع أبو سعيد الخدري طعاماً فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الحديث.
قال أبو موسى: هذا مرسل ثم أخرجه من وجه آخر عن ابن أبي حميد فقال عن إبراهيم بن عبيد عن أبي سعيد.
قلت: ولإبراهيم رواية عن أبيه عن جده رفاعة في شهوده بدراً وهو تابعي صغير وأبوه لا تصح له صحبة بل قيل: إنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . اهـ
ـــــــــــــــ
ثانياً
كتبُ الطبقات
الطبقات كتب صنفت على الترتيب الزماني،يذكر الرواة فيها ليس على حروف ألفباء وإنما على طريقة أن يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويذكر سيرته،ثم يذكر الخلفاء الراشدين،ويذكر السابقين الأولين من الإسلام،فيذكر المهاجرين،ثم يذكر أهل بدر،وهكذا من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعد الفتح،وغير ذلك يرتب الكتاب بهذا الشكل،فأنت إذا أردت البحث في كتاب الطبقات؛ فعندما نبحث في كتب الطبقات فالشرط الأساسي عند البحث معرفة أول الاسم والطبقة التي ينتمي إليها،مثلاً الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- له كتابان أو ثلاثة كتب رتبت على الطبقات: "سير أعلام النبلاء"،وكتاب "تاريخ الإسلام" وكتاب "تذكرة الحفاظ" هذه الكتب الثلاثة مرتبة على الطبقات،فلو أنَّ عندي إسناداً يرويه - مثلاً - البخارى (1067) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ قَرَأَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا،وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ،غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِينِى هَذَا . فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا .(2/8)
فإذا أردت ترجمة شيخ البخاري أنظر في "سير أعلام النبلاء" فلو نظرت في الفهارس وفرت كل هذا،يعني تجعل الجزء الأخير الخامس والعشرين من سير أعلام النبلاء فتأتي على المجلد الأخير من السير والتراجم فيه مرتبة على حروف ألفباء يحيلك على الجزء والصفحة التي فيها ترجمة الراوي،لكن بدون الفهارس،الطالب الذي يريد أن يربي ملكات عليه أن يعرف مثلاً أنَّ البخاري قد مات سنة 256 هـ،إذن شيوخه مثلاً في 220 تقريباً،شيوخ شيوخه يكونون قبل المائتين،التابعي الصغير يكون مثلاً في المائة وهكذا،فأنا حين النظر في كتاب "سير أعلام النبلاء" أعتبر أن مثلاً الثلاث مجلدات الأول للصحابة،التابعون أخذوا من الرابع مثلاً إلى الثامن،أتباع التابعين أخذوا من الثامن للثاني عشر،وأتباع أتباع التابعين أخذوا من اثني عشر إلى ستة عشر مثلاً،وبعد ذلك ما جاء بعد قرون التدوين بعد القرن الثالث،فأنت وأنت تبحث في كتاب مثل "السير" أو "تاريخ الإسلام" أو "تذكرة الحفاظ" أو "طبقات ابن سعد" باعتباره من الكتب المتقدمة في التصنيف على الطبقات،وطبعا مسلم -رحمه الله تعالى- له كتاب مصنف في مجلدين الطبقات لمسلم بن الحجاج،فأنت تراعي حين البحث في الطبقات سِنِيِّ الوفاة،هذه قصة كتب الطبقات وطريقة التصنيف فيها لا تعتمد على أول الحرف ولا الترتيب الهجائي الألف باء ولا شيء من هذا،إنما تراعي سني الوفاة،ليس إلا.
هذا النوع من الكتب يشتمل على تراجم الشيوخ طبقة بعد طبقة،وعصراً بعد عصر إلى زمن المؤلف،ومنها في طبقات الرجال عامة،ومنها في طبقات أناس مخصوصين كطبقات الحفاظ للسيوطي،وطبقات القراء لأبي عمر الداني،وطبقات الشافعية للسبكي وغيرها،وسأذكر أشهر كتب الطبقات في الرجال عامة،وفي الحديث خاصة؛ لأنها هي التي تهمنا في مجال البحث في أسانيد الرواة أكثر من غيره "
1-الطبقات الكبرى لأبي عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي،المتوفى سنة 230 للهجرة
مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ مَنِيْعٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ ،الحَافِظُ،العَلاَّمَةُ،الحُجَّةُ،أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ،كَاتِبُ الوَاقِدِيِّ،وَمُصَنِّفُ: (الطَّبَقَاتِ الكَبِيْرِ) فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّداً،وَ(الطَّبَقَاتِ الصَّغِيْرِ)،وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ،فَقِيْلَ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
وَطَلَبَ العِلْمَ فِي صِبَاهُ،وَلَحِقَ الكِبَارَ.
سَمِعَ مِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ،وَابْنِ عُيَيْنَةَ،وَأَبِي مُعَاوِيَةَ،وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ،وَوَكِيْعٍ،وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ اللَّيْثِيِّ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ،وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ،وَزَيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ،وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ،وَمُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيِّ،وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الوَاقِدِيِّ،وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ،وَأَبِي مُسْهِرٍ،وَعَفَّانَ،وَخَلْقٍ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ،وَمَنْ نَظَرَ فِي (الطَّبَقَاتِ)،خَضَعَ لِعِلْمِهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ ابْنِ سَعْدٍ،فَقَالَ: صَدُوْقٌ،رَأَيْتُهُ جَاءَ إِلَى القَوَارِيْرِيِّ،وَسَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيْثَ،فَحَدَّثَه.
وقال الخَطِيْبُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ العَدَالَةِ،وَحَدِيْثُه يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ،فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فِي كَثِيْرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ .
قَالَ ابْنُ فَهْمٍ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ صَاحِبُ الوَاقِدِيِّ،هُوَ مَوْلَى الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلبِ،تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ،فِي يَوْمِ الأَحَدِ،لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ،سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ،وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.(2/9)
قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ العِلْمِ،كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالرِّوَايَةِ،كَثِيْرَ الكُتُبِ،كَتَبَ الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ وَالغَرِيْبَ.(1)
جمع المؤلف في هذا الكتاب تراجم الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى زمنه،فأجاد وأفاد،وقد طُبِع الكتاب في ثمانية مجلدات،خصص المجلد الأول للسيرة النبوية الشريفة،وخصص المجلد الثاني لغزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر مرض موته ووفاته،ثم ذكر من كان يفتي بالمدينة ومن جمع القرآن من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عهده وبعده،ثم ذكر من كان يفتي بالمدينة بعد أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار،وخصص المجلد الثالث لتراجم البدريين من المهاجرين والأنصار،وخصص المجلد الرابع لتراجم المهاجرين والأنصار ممن لم يشهدوا بدراً ولهم إسلام قديم،وللصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة،وخصص المجلد الخامس لذكر التابعين من أهل المدينة،والصحابة الذين نزلوا مكة والطائف واليمن واليمامة والبحرين ثم من كان بعد هؤلاء الصحابة في تلك المدن من التابعين فمن بعدهم،وخصص المجلد السادس للكوفيين من الصحابة،ثم من كان في الكوفة بعدهم من التابعين فمن بعدهم من أهل الفقه والعلم إلى زمنه،وخصص المجلد السابع لمن نزل أصقاعاً وبلاداً كثيرة من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم إلى زمنه لكنه أكثر ذكر من نزل البصرة والشام ومصر،وأما باقي البلاد فذكر منها عدداً قليلاً،وخصص المجلد الثامن للنساء الصحابيات فقط.
كأن كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد في أوله يمشي على الطبقات في مجلدين لحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - والثالث للبدريين من المهاجرين والأنصار،والرابع لمن لم يشهد بدراً من المهاجرين والأنصار ولهم إسلام قديم،والذين أسلموا قبل فتح مكة،بعد المجلد الرابع يعتبر كتاب بلدان؛ لأنه بدأ بمن نزل المدينة من الصحابة ثم التابعين وأتباع التابعين،المدينة ومكة والطائف وما حولها من اليمن واليمامة،فذكر المدينة ومكة وما جاورها من البلدان المتاخمة لها التي تعتبر لاصقة فيها.
ثم ذكر بعد ذلك الكوفيين والبصريين ومَن نزل الشام ومصر وغيرها من أصقاع فيعتبر كتاب بلدان مع كونه كتاب طبقات،بمعنى مدرسة ابن مسعود كانت في الكوفة،فإذا أردت الترجمة لمدرسة ابن مسعود وأنت نازل علقمة وتلامذة علقمة إبراهيم النخعي والأعمش تلميذ النخعي ومنصور بن المعتمر وجماعة أصحاب الأعمش الكثر الذين يملؤون سمع الدنيا وبصرها،فإذا أردت تراجم الكوفيين من تلامذة الأعمش وشيخهم وشيخ الأعمش إبراهيم النخعي وعلقمة،والطبقات هذه في كل طبقة كم هائل من الرواة فإذا أردت الكوفيين ستنظر مباشرة في المجلد السادس،لأنه خصَّ السادس بالكوفيين ممن نزل الكوفة من الصحابة ثم التابعين وأتباع التابعين إلى بعد ذلك.
كذلك إذا أردت أن تنظر مثلاً الصحابة الذين نزلوا مصر عقبة بن عامر -رضي الله عنه- وغيرهم -رضي الله عنهم- وعمرو بن العاص وولده عبد الله بن عمرو كان ملازما لأبيه،وهؤلاء الذين نشروا علم الحديث في مصر فهؤلاء إذا أردت التراجم لهم مباشرة تنظر في المجلد السابع فتجد الصحابة الذين نزلوا مصر ومدرستهم وتلاميذ تلاميذهم إلى الليث بن سعد،الذي يعتبر في طبقة شيوخ شيوخ مسلم وهكذا،فهو كتاب يعتبر من بداية المجلد الخامس كتاب طبقات مع كونه كتاب بلدان،الكوفة والبصرة والشام ومصر وغير ذلك من البلاد.
هذا وقد اعتبر العلماء كلام ابن سعد في الجرح والتعديل مقبولاً،لذا يعتبر كتابه هذا مصدراً معتمداً من مصادر تراجم رجال الحديث.
__________
(1) - سير أعلام النبلاء(10/664) فما بعد - 242 -(2/10)
فابن سعد إمام ثقة له كلام في الجرح والتعديل،لكن ليس حكماً،يعني هناك أناس تتكلم في الجرح والتعديل،وهناك حكام في الجرح والتعديل؛فأحياناً يتعارضُ كلام هؤلاء المتكلمين مثلاً ابن حبان وابن سعد والعجلي وابن عدي وغيرهم من الترمذي يجرحون ويعدِّلون ويتكلمون في الرواة عامة،ثم كلام هؤلاء إذا تعارض مثلاً مع كلام أحمد،ابن معين تنقلب الكفة،يعني الموضوع ينتهي،إذا تعارض مثلاً مع كلام عبد الرحمن بن مهدي وأبي حاتم وأبي زرعة هؤلاء الطبقة من النقاد الذين هم المرجع الأول في هذا الشأن،نقدم قول هؤلاء في الأعمِّ الأغلب،لأنهم أدرى بأصول الجرح والتعديل من غيرهم بلا ريب .
ـــــــــــــــ
2-تذكرة الحفاظ للذهبي (748 هـ)
قال السيوطي : " الذهبي الإمام الحافظ محدث العصر وخاتمة الحفاظ ومؤرخ الإسلام وفرد الدهر والقائم بأعباء هذه الصناعة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان قايماز التركماني ثم الدمشقي المقرئ.
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة. فسمع الكثير ورحل وعني بهذا الشأن وتعب فيه وخدمه إلى أن رسخت فيه قدمُه وتلا بالسبع وأذعن له الناسُ ،وحكيَ عن شيخ الإسلام أبي الفضل ابن حجر أنه قال: شربتُ ماء زمزم لأصلَ إلى مرتبة الذهبي في الحفظ ،وليَ تدريس الحديث بتربة أم الصالح وغيرها وله من المصنفات تاريخ الإسلام التاريخ الأوسط الصغير،سير النبلاء ،طبقات الحفاظ التي لخصناها في هذا الكتاب وذيلنا عليها،طبقات القراء ،مختصر تهذيب الكمال ،الكاشف مختصر ذلك المجرد في أسماء رجال الكتب الستة ،التجريد في أسماء الصحابة،الميزان في الضعفاء ،المغني في الضعفاء وهو مختصر نفيس وقد ذيلت عليه بذيل مشتبه النسبة،مختصر الأطراف لشيخه المزي،تلخيص استدراك مع تعقب عليه ،مختصر سنن البيهقي،مختصر المحلى ،وغير ذلك ،وله معجم كبير وصغير ومختص بالمحدثين ،والذي أقوله: إن المحدِّثين عيالٌ الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي والذهبي والعراقي وابن حجر.
توفي الذهبي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق وأضر قبل موته بيسير. ورثاه التاج بن السبكي بقصيدة أولها:
من للحديث وللسارين في الطلب ... من بعد موت الإمام الحافظ الذهبي
من للرواية للأخبار ينشرها ... بين البرية من عجم ومن عرب
من للدراية والآثار يحفظها ... بالنقد من وضع أهل الغي والكذب
من للصناعة يدري حل معضلها ... حتى يريك جلاء الشك والريب
ومنها:
هو الإمام الذي روت روايته ... وطبق الأرض من طلابه النجب
ثبت صدوق خبير حافظ يقظ ... في النقل أصدق أنباء من الكتب
الله أكبر ما أقرا وأحفظه ... من زاهد ورع في الله مرتقب(1)
وقد سمَّى كتابه كذلك؛ لأنه جمع فيه المشهورين بالحفظ الأئمة الحفاظ،نعرف الحافظ لقبٌ من ألقاب المشتغلين بعلم الحديث،فهناك محدِّث وهناك مسنِدٌ الذي يروي الحديث بإسناده يُقال له مسند،يعني لا يروي الحديث إلا بإسناد،ثم إذا حَصَّلَ جملة من الأسانيد،إذا حفظ مائة ألف حديث وعرف أسماء عشرة آلاف راوٍ وحَصَّل الكتب التسعة وحوالي مثلاً ألف جزء حديثي وغير ذلك حفظاً هذا يُقال له محدِّث،يعني لا يكون في زماننا محدِّثاً حتى يلج الجملُ في سَمِّ الخياط هذا الكلام قاله الإمام السيوطي في القرن التاسع،ونحن عندما نسمي مثلاً هذا من باب حسن الظنِّ بالعلماء ومراعاة أحوال الزمن،فإذا حَصَّلَ هذا القدر يُقال له محدَّث.
والحافظ مسألة أعلى من ذلك بكثير،إلى أن نصل إلى الحجَّة،وفيه كلام على مرتبة الحجة أو الحاكم عند النقاد ثم أمير المؤمنين في الحديث،وهي مرتبة البخاري وأحمد بن حنبل وابن معين وابن مهدي..
__________
(1) - طبقات الحفاظ للسيوطي - (ج 1 / ص 108)(2/11)
إن الأمور قديما كان لها اعتبارٌ قويٌّ جداً،ومسألة اهتمامات الأمة فيها عالية،فتجد العلماء الذين هم أمراء المؤمنين في الحديث هؤلاء الكبار الطبقة التي فيها أحمد وابن معين وابن مهدي وهؤلاء لا يكاد يمرُّ حديث من كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلا ولهم عليه كلام،إما بالتصريح وإما بالإشارة؛ لأن ألغازا كثيرة في كلامهم،كانوا يفهمونها.
البخاري -رحمه الله تعالى- من أكثر أئمة العلم يذكر ألغازا في التعليل،يقول: حديث فلان عن فلان مرسل،هذه علة،وهذه طريقته كتاب عشر مجلدات يعلل بهذه الطريقة،فإذا وصل الواحد إلى مرتبة أمير المؤمنين في الحديث،معناه أنه لا يوجد في السنَّة حديث ولا راوٍ في الغالب إلا وله به دراية وله به علم.
وقال في مقدمة كتابه : "هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوي ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف،والتصحيح والتزييف،وبالله أعتصم وعليه أعتمد وإليه أنيب".
وقال في آخره : "وإلى هنا انتهى بنا كتاب التذكرة،ولعل فيمن لم نوردهم غفلة أو نسيانا من هو في رتبة المذكورين علما وحفظا،وقد كنت ألفت معجما لي يختصُّ بمن طلب هذا الشأن من شيوخي ورفاقي فاستوعبت من له أدنَى عمل وبينت أحوالهم. "
وقد ذكر في هذا الكتاب مشاهير حملة السنَّة وأصحاب الاجتهاد في الجرح والتعديل من طبقة الصحابة إلى طبقة شيوخه،وقسمهم إلى إحدى وعشرين طبقة،وبلغ عدد التراجم في هذا الكتاب ست وسبعين ومائة وألف ترجمة، وهذا الكتاب مفيد جداً في معرفة مشاهير حملة السنَّة في كل طبقة من عصر الصحابة إلى عصر الذهبي؛ أي: إلى منتصف القرن الثامن،وقد ذَيَّل على هذا الكتاب تتميماً للفائدة ثلاثة من العلماء الكبار وهم: الحسيني المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة للهجرة،وابن فهد المكي المتوفى سنة واحد وسبعين وثمانمائة للهجرة،وجلال الدين السيوطي المتوفى سنة أحد عشر وتسعمائة للهجرة،فَجُمِعَ في هذا الكتاب مع ذيوله الثلاثة تراجم مشاهير حملة السنَّة وحفاظها من القرن الأول إلى أوائل القرن العاشر .
فالذهبي ليس مجرد حافظ أو راوية،وإنما الذهبي -رحمه الله تعالى- كلامه نقش في حجر،ويفصِّلُ في قضايا كثيرة،وله أسلوبه البديع في التعليق على حملة السنَّة ترى هذا واضحاً في سائر كتبه .
ـــــــــــــــ
3-سيرأعلام النبلاء له :
وقد قسَّمه إلى طبقات تبدأ بكُبَرَاءُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم يعني بقية العشرة المبشرين بالجنة،وأفرد الخلفاء الراشدين بكتاب خاص .ثم السَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ،ثم شُهَدَاءُ بِئْرِ مَعُوْنَةَ،ثم أَعْيَانُ البَدْرِيِّيْنَ،ثم مِنْ شُهَدَاءِ اليَمَامَةِ،ثم شُهَدَاءُ أَجْنَادِيْنَ وَاليَرْمُوْكِ،ثم زَوْجَاتُهُ - صلى الله عليه وسلم - ،ثم بقية الصحابيات،فِي بَقِيَّةِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ،ثم مشاهير التابعين،ثم مشاهير أتباع التابعين،فما بعدهم،من العلماء والفقهاء والمحدثين،والأمراء والشعراء والزهاد،الوقواد وغيرهم،وانتهى حوالي سنة (660) هجرية .
وهذا الكتاب من أعظم كتب الإمام الذهبي - رحمه الله - فقد ملأه بالفوائد النادرة،والتي ينبغي جمعها،وفصلها في كتاب مستقلٍّ .
وهو يذكر عادة اسم الشخص ولقبه وسنة ولادته،وعمن روى،ومن روى عنه،وأين رحل،وأهم يما يتميز به،ثم يذكر حديثاً أو أكثر من طريقه مسندا،ثم يذكر ماله وما عليه من جرح وتعديل وصفات وأخلاق،ثم يذكر متى توفِّي .
والكتاب طبع طبعة جيدة بمؤسسة الرسالة،وبإشراف أستاذنا الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله .
وأول ترجمة في الكتاب هي 1 - أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ (م،ق).(2/12)
ابْنِ الجَرَّاحِ بنِ هِلاَلِ بنِ أُهَيْبِ بنِ ضَبَّةَ بنِ الحَارِثِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ القُرَشِيُّ،الفِهْرِيُّ،المَكِّيُّ.
أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ،وَمَنْ عَزَمَ الصِّدِّيْقُ عَلَى تَوْلِيَتِهِ الخِلاَفَةَ،وَأَشَارَ بِهِ يَوْمَ السَّقِيْفَةِ؛ لِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ.
يَجْتَمِعُ فِي النَّسَبِ هُوَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فِهْرٍ.
شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالجَنَّةِ،وَسَمَّاهُ: أَمِيْنَ الأُمَّةِ،وَمَنَاقِبُهُ شَهِيْرَةٌ جَمَّةٌ.
رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً،وَغَزَا غَزَوَاتٍ مَشْهُوْدَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ،وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ،وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ،وَسَمُرَةُ بنُ جُنْدَبٍ،وَأَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،وَآخَرُوْنَ.
لَهُ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) حَدِيْثٌ وَاحِدٌ،وَلَهُ فِي (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) حَدِيْثٌ،وَفِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.
وذكر حديثا من طريقه،وقال : وَقَدْ شَهِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَدْراً،فَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ أَبَاهُ،وَأَبْلَى يَوْمَ أُحُدٍ بَلاَءً حَسَناً،وَنَزَعَ يَوْمَئِذٍ الحَلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ دَخَلَتَا مِنَ المِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ضَرْبَةٍ أَصَابَتْهُ،فَانْقَلَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ،فَحَسُنَ ثَغْرُهُ بِذَهَابِهِمَا،حَتَّى قِيْلَ: مَا رُؤِيَ هَتْمٌ قَطُّ أَحْسَنُ مِنْ هَتْمِ أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ وَقْتَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَقِيْفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ: قَدْ رَضِيْتُ لَكُم أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ،وَأَبَا عُبَيْدَةَ.
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْدُوْداً فِيْمَنْ جَمَعَ القُرْآنَ العَظِيْمَ.
وَثَبَتَ مِنْ وُجُوْهٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً،وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ).
عَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أَيُّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ،ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ.
عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ مَعَ خَالِدٍ،الَّذِيْنَ أَمَدَّ بِهِم أَبَا عُبَيْدَةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ دِمَشْقَ،فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِم قَالَ لِخَالِدٍ: تَقَدَّمْ،فَصَلِّ،فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ؛ لأَنَّكَ جِئْتَ تَمُدُّنِي.
فَقَالَ خَالِدٌ: مَا كُنْتُ لأَتَقَدَّمَ رَجُلاً سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ،وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ).
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَوْصُوْفاً بِحُسْنِ الخُلُقِ،وَبِالحِلْمِ الزَائِدِ،وَالتَّوَاضُعِ.
قَالَ القَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،عَنْ زِيَادِ بنِ فَيَّاضٍ،عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ: أَنَّ عُمَرَ لَقِي أَبَا عُبَيْدَةَ،فَصَافَحَهُ،وَقَبَّلَ يَدَهُ،وَتَنَحَّيَا يَبْكِيَانِ.(2/13)
عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،عَنْ أَبِيْهِ،قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حُصِرَ بِالشَّامِ،وَنَالَ مِنْهُ العَدُوُّ،فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ،فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ شِدَّةٌ،إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَهَا فَرَجاً،وَإِنَّهُ لاَ يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}،الآيَةَ [آلُ عِمْرَانَ: 200].
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ،فَإِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}،إِلَى قَوْلِهِ: {مَتَاعُ الغُرُوْرِ} [الحَدِيْدُ: 20].
قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ بِكِتَابِهِ،فَقَرَأَهُ عَلَى المِنْبَرِ،فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ! إِنَّمَا يُعَرِّضُ بِكُم أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْ بِي،ارْغَبُوا فِي الجِهَادِ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ حِيْنَ قَدِمَ الشَّامَ،قَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ.
قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ عِنْدِي؟ مَا تُرِيْدُ إِلاَّ أَنْ تُعَصِّرَ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ.
قَالَ: فَدَخَلَ،فَلَمْ يَرَ شَيْئاً،قَالَ: أَيْنَ مَتَاعُكَ؟ لاَ أَرَى إِلاَّ لِبْداً وَصَحْفَةً وَشَنّاً،وَأَنْتَ أَمِيْرٌ،أَعِنْدَكَ طَعَامٌ؟
فَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى جَوْنَةٍ،فَأَخَذَ مِنْهَا كُسَيْرَاتٍ،فَبَكَى عُمَرُ،فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّكَ سَتَعْصِرُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ،يَكْفِيْكَ مَا يُبَلِّغُكَ المَقِيْل.
قَالَ عُمَرُ: غَيَّرَتْنَا الدُّنْيَا كُلَّنَا،غَيْرَكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ.
وَهَذَا -وَاللهِ- هُوَ الزُّهْدُ الخَالِصُ،لاَ زُهْدُ مَنْ كَانَ فَقِيْراً مُعْدِماً.
عَنْ أَبِي الحَسَنِ عِمْرَانَ بنِ نِمْرَانَ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ كَانَ يَسِيْرُ فِي العَسْكَرِ،فَيَقُوْلُ: أَلاَ رُبَّ مُبَيِّضٍ لِثِيَابِهِ،مُدَنِّسٍ لِدِيْنِهِ! أَلاَ رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِيْنٌ! بَادِرُوا السَّيِّئَاتِ القَدِيْمَاتِ بِالحَسَنَاتِ الحَدِيْثَاتِ.
عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ وَجَعَ عَمَوَاسَ كَانَ مُعَافَىً مِنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَهْلُهُ،فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَصِيْبَكَ فِي آلِ أَبِي عُبَيْدَةَ!
قَالَ: فَخَرَجْتُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ،فِي خَنْصَرِهِ بَثْرَةٌ،فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا،فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ.فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُبَارِكَ اللهُ فِيْهَا،فَإِنَّهُ إِذَا بَارَكَ فِي القَلِيْلِ،كَانَ كَثِيْراً.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ،وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً،وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ،وَكَانَ لَهُ عَقِيْصَتَانِ. اهـ
قلت : وهذه شذره من درره في التعليق على التراجم أو الأحداث أو الأحاديث :
قال في ترجمة طلحة بين عبيد الله رضي الله عنه :
" قُلْتُ: كَانَ مِمَّنْ سَبَقَ إِلَى الإِسْلاَمِ،وَأُوْذِيَ فِي اللهِ،ثُمَّ هَاجَرَ،فَاتَّفَقَ أَنَّهُ غَابَ عَنْ وَقْعَة بَدْرٍ فِي تِجَارَةٍ لَهُ بِالشَّامِ،وَتَأَلَّمَ لِغَيْبَتِهِ،فَضَرَبَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَهْمِهِ،وَأَجره. "
- "عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مَائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ،يَقُوْلُوْنَ: عَلِيٌّ،وَعُثْمَانُ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ.(2/14)
قُلْتُ: لأَنَّهُم مِنَ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ،وَمِنَ البَدْرِيِّيْنَ،وَمِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ،وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ،وَلأَنَّ الأَرْبَعَةَ قُتِلُوا وَرُزِقُوا الشَّهَادَةَ،فَنَحْنُ مُحِبُّوْنَ لَهُم،بَاغِضُوْنَ لِلأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ قَتَلُوا الأَرْبَعَةَ."
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،عَنْ أَبِيْهِ،قَالَ: رَأَيْتُ الجَنَّةَ،وَأَنِّي دَخَلْتُهَا حَبْواً،وَرَأَيْتُ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ الفُقَرَاءُ.
قُلْتُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ،فَهُوَ وَغَيْرُهُ مَنَامٌ،وَالمَنَامُ لَهُ تَأْوِيْلٌ،وَقَدِ انْتَفَعَ ابْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَا رَأَى،وَبِمَا بَلَغَهُ،حَتَّى تَصَدَّقَ بِأَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ،أَطْلَقَتْ لَهُ -وَلِلَّهِ الحَمْدُ- قَدَمَيْهِ،وَصَارَ مِنْ وَرَثةِ الفِرْدَوْسِ،فَلاَ ضَيْرَ.(1)
عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَقَعُ فِي عَلِيٍّ،وَطَلْحَةَ،وَالزُّبَيْرِ،فَجَعَلَ سَعْدٌ يَنْهَاهُ،وَيَقُوْلُ: لاَ تَقَعْ فِي إِخْوَانِي،فَأَبَى،فَقَامَ سَعْدٌ،وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ،وَدَعَا.
فَجَاءَ بُخْتِيّ يَشُقُّ النَّاسَ،فَأَخَذَهُ بِالبلاَطِ،فَوَضَعَهُ بَيْنَ كِرْكِرَتِهِ وَالبلاَطِ حَتَّى سَحَقَهُ،فَأَنَا رَأَيْتُ النَّاسَ يَتْبَعُوْنَ سَعْداً،يَقُوْلُوْنَ: هَنِيْئاً لَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ! اسْتُجِيْبَتْ دَعْوَتُكَ.
قُلْتُ: فِي هَذَا كَرَامَةٌ مُشْتَرَكَة بَيْنَ الدَّاعِي وَالَّذِيْنَ نِيْلَ مِنْهُم.(2)
وقال في ترجمة سعيد بن زيد رضي الله عنه :" قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ سَعِيْداً مُتَأَخِّراً عَنْ رُتْبَةِ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي السَّابِقَةِ وَالجَلاَلَةِ،وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِئَلاَّ يَبْقَى لَهُ فِيْهِ شَائِبَةُ حَظٍّ،لأَنَّهُ خَتَنُهُ وَابْنُ عَمِّهِ،وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَهْلِ الشُّوْرَى لَقَالَ الرَّافِضِيُّ: حَابَى ابْنَ عَمِّهِ،فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَلَدَهُ وَعَصَبَتَهُ،فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ العَمَلُ لِلِّهِ."(3)
وهذا الكتاب مليء بالدرر،لا يستغني عنه طالب علم،وقد اختصرته منذ سنوات،ورتبة المختصر على الأحرف.
ـــــــــــــــ
4- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي أيضاً
قال في مقدمته :" أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع،جمعته وتعبت عليه واستخرجته من عدة تصانيف يعرف به الإنسان مهم ما مضى من التاريخ من أول تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا،من وفيات الكبار من الخلفاء والقراء والزهاد والفقهاء والمحدثين والعلماء والسلاطين والوزراء والنحاة والشعراء،ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم،بأخصر عبارة وألخصِ لفظٍ وما تمَّ من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة والعجائب المسطورة،من غير تطويل ولا استيعاب،ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم،وأترك المجهولين ومن يشبههم،وأشير إلى الوقائع الكبار،إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلدة بل أكثر لأن فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلدا.
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (ج 1 / ص 63)
(2) - سير أعلام النبلاء (ج 1 / ص 92)
(3) - سير أعلام النبلاء(ج 1 / ص 113)(2/15)
وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنفات كثيرة ومادته من: دلائل النبوة للبيهقي. وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن إسحاق. ومغازيه لابن عائذ الكاتب. والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقدي،وتاريخ أبي عبد الله البخاري. وبعض تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة. وتاريخ يعقوب الفسوي. وتاريخ محمد بن المثنى العنزي وهو صغير. وتاريخ أبي حفص الفلاس. وتاريخ أبي بكر بن أبي شيبة. وتاريخ الواقدي. وتاريخ الهيثم بن عدي. وتاريخ خليفة بن خياط. والطبقات له،وتاريخ أبي زرعة الدمشقي. والفتوح لسيف بن عمر. وكتاب النسب للزبير بن بكار. والمسند للإمام أحمد. وتاريخ المفضل بن غسان الغلابي. والجرح والتعديل عن يحيى بن معين. والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم. ومن عليه رمز فهو في الكتب الستة أبو بعضها لأنني طالعت مسودة (تهذيب الكمال) لشيخنا الحافظ أبي الحجاج يوسف المزي ثم طالعت المبيضة كلها. فمن على اسمه (ع) فحديثه في الكتب السنة ومن عليه (4) فهو في السنن الأربعة ومن عليه (خ) فهو في البخاري ومن عليه (م) ففي مسلم ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي ومن عليه (ن) ففي سنن النسائي ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجه. وإن كان الرجل في الكتب إلا فرد كتاب فعليه (سوى ت) مثلا أو (سوى د).
وقد طالعت أيضا عليه من التواريخ التي اختصرتها. تاريخ أبي عبد الله الحاكم. وتاريخ أبي سعيد بن يونس. وتاريخ أبي بكر الخطيب. وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ. وتاريخ أبي سعد بن السمعاني. والأنساب له. وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلكان. وتاريخ العلامة شهاب الدين أبي شامة. وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني وتاريخه ذيل على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي وهما على الحوادث والسنين. وطالعت أيضا كثيرا من: تاريخ الطبري،وتاريخ ابن الأثير. وتاريخ ابن الفرضي. وصلته لابن بشكوال. وتكملتها لابن الأبار. والكامل لابن عدي. وكتبا كثيرة وأجزاء عديدة وكثيرا من: مرآة الزمان. ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي،بل اتكلوا على حفظهم فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعي فكتبنا أسماءهم على الطبقات تقريبا،ثم اعتنى المتأخرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتنا لهم،فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين.
وأيضا فإن عدة بلدان لم يقع إلينا أخبارها إما لكونها لم يؤرخ علماءها أحد من الحفاظ أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا. وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب وأن يغفر لجامعه وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين". اهـ
وقسمه إلى سبعين طبقة،وبدأه بالرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد البشر،وانتهى به في هذه الترجمة 828 - أبو جَلَنْك. هو الفقيه،الأديب،الشاعر،شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحلبي. مشهور بالعشرة والنوادر والفضيلة،وفيه همة وشجاعة. نزل من قلعة حلب في طائفة للإغارة والكسب،فلاطخوا التتار،فوقعت في فرسه،نشابه،فوقف وبقي هو راجلاً. وكان ضخماً،سميناً،فأسروه وأحضر بين يدي المقدم،فسأله عن عسكر المسلمين،فكثرهم ورفع شأنهم،فأمر به فضربت عنقه،وحصلت له خاتمة صالحة. فالله يختم لنا بخير في عافية،ويرزقنا الإخلاص،ويمدنا بالتوفيق،إنه كريم وهاب. ومات في سنة سبعمائة خلق بدمشق.
وفيها وُلد: الخطيب بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني،والمولى شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله،كاتب السر،والأمير عماد الدين محمد بن قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى،وزين الدين عمر بن عبد العزيز الفارقي،المؤذن. وهذا آخر الطبقة السبعين،وهنا نقف ونحمد الله عوداً على بدء ونسأله أن - صلى الله عليه وسلم - على محمد وآله.
ـــــــــــــــــ(2/16)
ثالثا
كتب رواة الحديث عامة
هذه الكتب اشتملت على تراجم رواة الحديث عامة؛ أي لم تختص بتراجم رجال كتب خاصة، كما أنها لم تختص بتراجم الثقات وحدَهم أو الضعفاء وحدَهم، وإنما كانت عامة في تراجم رواة الحديث.
يعني عندنا في كتب التراجم سترى كتبَ تراجمَ مختصةً برجالِ الكتب الستة كما سنرى، أو مختصة برجال البخاري، أو برجال مسلم، أو برجال الصحيحيْن، فهذان الكتابان: "التاريخ الكبير" و"الجرح والتعديل" كتابا رواةٍ عامَّة؛ فيهما الثقات، وفيهما الوسط، وفيهما الضعفاء، وفيهما الكذابون والمجروحون إلى غير ذلك مما تناولتْه الأسانيد الصحيحة أو الضعيفة أو الموضوعة.
لكن بعد ذلك سنرى أن هناك كتبا تخدم في جزئية معينة كما رأينا كتاب "الإصابة" يخدم في معرفة الصحابة، سنعرف بعد ذلك "تهذيب الكمال" يخدم في رجال الكتب الستة، وكذلك أصوله وفروعه من الكتب.
وأشهر هذه الكتب المطبوعة هي:
الأول
التاريخ الكبير" للإمام البخاري (256 هـ)
أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ت، س) ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .(2/17)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي، فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ....... توفي رحمه الله في سنة (256) هجرية .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.(2/18)
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.(1)
هذا الكتاب كبير فعلاً، فقد اشتمل على خمسة عشر وثلاثمائة واثني عشر ألف ترجمة، كما في النسخة المطبوعة المرقَّمة، وقد رتبه البخاري -رحمه الله تعالى- على حروف المعجم لكن بالنسبة للحرف الأول من الاسم والحرف الأول من اسم الأب، لكنه بدأ الكتاب بأسماء المحمدين؛ لشرف اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما أنه قَدَّمَ في كل اسم أسماء الصحابة أولاً بدون النظر إلى أسماء آبائهم، ثم ذكر بعد ذلك بقية الأسماء ملاحِظًا ترتيب أسماء آبائهم.
__________
(1) - وفي سير أعلام النبلاء (12/392 ) فما بعدها- 171 -(2/19)
البخاري -رحمه الله تعالى- له ثلاث تواريخ: له "التاريخ الصغير"، وله "التاريخ الأوسط" الذي طُبِعَ باسم "التاريخ الصغير" يعني الصغير الموجود للبخاري المطبوع هو الأوسط والأوسط غير موجود، ثم "التاريخ الكبير" هذا، كتاب "التاريخ الكبير" للبخاري هو كتاب في الأصل يُدرج ضمن كتب العلل؛ لأن الطالب المبتدئ لا يصلح له النظر أساسًا في كتاب "التاريخ الكبير" لأنه لن يفهمه؛ فالطالب المبتدئ في دراسة الأسانيد إنما يحتاج إلى كلام كثير صريح عن الراوي، والبخاري -رحمه الله تعالى- لا يُكْثِر ولا يُصَرِّح يأتي بالترجمة في سطرين أو ثلاثة على الأكثر ويُلغز، كلامه عبارة عن ألغاز.
هذه الألغاز التي يذكرها البخاريّ والإشارات التي يُنَبِّه بها على ما وراءها هي عللٌ يعرفها الراسخون في العلم، أو الذين تجاوزوا مرحلة البداية والوسط. لكن المبتدئ يحتاج إلى كلام كثير، يحتاج إلى اسم الراوي، وكنيته، ولقبه، ومن يشتبه به من الأسماء الأخرى، ويحتاج إلى كلام صريح أن الراوي مجروح أم مُعَدَّل؟ ثقة أم صدوق أم ضعيف؟
البخاري لا يفعل هذا؛ تراه يقول: "فيه نظر" هذا النظر إلى أي مدى؟ هذا جرح شديد عند البخاري، أم خفيف يقول: "روى عن فلان مرسل" "روى عن فلان فأوقف الحديث"، هذه كلها إشارات تفيد بأن الحديث مُعَلٌّ وليس له إلا هذا، ليس معنى ذلك أن الراوي إذا رأيت حديثه الذي أرسله الذي قال عنه البخاري يُرسل، إذا رأيته موصولا مع موصول في مكان آخر معنى هذا أن الحديث صحيح. لا، معناها أن الحديث يعني الكلام الفصل فيه هو ما قاله البخاري في "التاريخ الكبير".
فالبخاري -رحمه الله تعالى- صَنَّفَ هذا الكتاب بهذه الطريقة، وكان له يومئذ من السن ثمانية عشر عامًا، في اثني عشرة ألف ترجمة يعني تأمل معي أن طالبا سنَّه ثمانية عشر عامًا يكتب على ضوء القمر عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألف ترجمة، ولا يوجد راوٍ من رواة كتاب "التاريخ الكبير" إلا وله قصة عند البخاري، يعني لو أراد البخاري -رحمه الله تعالى- أن يذكر كلامًا كثيرًا عن الراوي؛ لذكر، لأنه ما ذكر السطرين ولا الثلاثة من باب قلة المعلومات أو الشحّ بها، ولكن عنده في أحوال الرواة كلام كثير جدًّا فاختصر الكتاب ليخرج في هذه العشر مجلدات، تأمل وسنُّه ثمانية عشر عامًا.
ورتب الكتاب كما سنرى على حروف "ألفباء" مقدمًا المحمدين؛ إعظامًا وإجلالاً لاسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن في بداية كل حرف يقِّدم الصحابة الذين تبتدئ أسماؤهم بهذا الحرف، فيراعي الحرف الأول من الاسم، والحرف الأول من اسم الأب، يعني الدقة ليس كـ"المعجم العربي"، ليس كـ"تهذيب الكمال، كـ"تقريب التهذيب" هناك دقة شديدة في ترتيب الأسماء. لكن البخاري -رحمه الله تعالى- كان يعتمد الحرف الأول من الاسم والحرف الأول من اسم الأب، ثم يتجاوز فيما وراء ذلك، فيحتاج إلى نوع من الصبر في البحث فيه.
وهو يستعمل عبارات لطيفة ، ليس معناها أن الجرح الذي في الراوي لطيف مثلها، لكنها عبارات لطيفة والجرح شديد، فيقول مثلاً: "فيه نظر" أو: "سكتوا عنه" يعني هذا مطروح بمرة، فليس معنى لطف العبارة عند البخاري أن الجرح لطيف في الراوي لكنه شديد فسكتوا عنه والذي فيه نظر ونحو ذلك هذا كلام إنما يكون شديدًا جدًّا في الراوي.
وأشد ما يقوله من العبارات في الجرح: "منكر الحديث" واصطلاح البخاري في هذه العبارات هو أنه يقول: "فلان فيه نظر" أو: "فلان سكتوا عنه فيمن تركوا حديثه على الأغلب " .(2/20)
والمتروك الحديث معناه الذي لا يصلح في المتابعات ولا يُتابع، الراوي المتروك إذا قلنا إن عندنا حديثا ضعيفا ضعفا يُحتملُ يحتاج إلى تقوية يعني الراوي من أهل الاعتبار يعتبر بحديثه، لكن لن يتقوَّى حديث هذا الراوي إلا بمتابعة، فلو وجدت متابعة لحديث الراوي الضعيف الذي يُحتاج إلى هذه المتابعة لينجبر وليرتقي إلى الاحتجاج من قالوا فيه: تركوا حديثه؛ فهذا لا يصلح في التقوية، ولا هو نفسه يُقَوَّى ، ولا يُقَوِّي حديث الآخرين؛ لأن هذا مزلة أقدام، موضوع المتابعات والشواهد ، إنما رُمِيَ مَنْ رُمِيَ مِنْ أهل العلم بالتساهل من هذه الجزئية - مسألة الاعتبار والمتابعات الشواهد- أنه يأتي على راوٍ لا يُتابع فيأتي له بمتابعات، أو يأتي بمتابعات لا تصلح لتقوية حال الراوي، هو لا يدري هي المحكُّ الشديد عند أهل النقد في مسألة التصحيح والتضعيف؛ لأن الصحيح الظاهر لا كلام فيه، والضعيف الظاهر لا كلام فيه؛ فمن أين يأتي الاعتراض أو من أين يأتي الاختلاف بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف؟!
من حيثية أن الراوي الذي جاء به ليتابع بحديثه لا يصلح، أو الراوي نفسه الذي سيتابع لا يصلح.
وكثيرًا ما يسكتُ عن الرجل فلا يذكر فيه توثيقًا ولا تجريحًا، لو علم فيه جرحاً لذكره ، والراجح عندي أن ما سكت عنه البخاري وأبو حاتم ونحوهما يعتبر توثيقاً ضمنيًّا، ولا سيما إذا وثقه ابن حبان أو غيره من أهل العلم
والراجح عندي كذلك أن من ترجم له وسكت عليه أنه ثقة أو صدوق(1)، إذ لو كان يعلم فيه جرحاً لذكره ، وسواء في ذلك روى عنه واحد أو أكثر ويلحق بذلك رواية بعض الأئمة عن راو وسكوتهم عن جرحه توثيق له مثل الإمام مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن معين ويحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة وأبو حنيفة والشافعي والنسائي ومسلم وأبو داود وبقي بن مخلد وحريز بن عثمان وشيوخ الطبراني الذين لم يضعفوا في الميزان وغيرهم.(2)
بل إن الشيخ شاكرًا -رحمه الله تعالى- الذي يعتبر خاتمة مُحَدِّثِي الديار المصرية كان قد اعتبر قاعدة عنده في عمله: "أن الرواة المسكوت عنهم في "التاريخ الكبير" مع ذكر ابن حبان لهم في الثقات؛ يعتبرون ثقاتٍ" .
وقد سقت أدلة كثيرة على صحة هذه القاعدة ، في كتابي( الدفاع عن كتاب رياض الصالحين) .
أمثلة مقارنة مما سكت عنه:
عبد الله بن باباه رقم (102) قال عنه في التقريب (3220) ثقة
وعبد الله بن بشر الخثعمي (104) قال عنه في التقريب (3232) صدوق
وعبد الله بن بشر عن الزهري قال عنه في التقريب (3231) مختلف فيه
وذكر أن أبا زرعة والنسائي قالا فيه : لا بأس به ..
وعبد الله بن بحير اليماني (107) قال عنه في التقريب (3222) وثقه ابن معين ، واضطرب فيه كلام ابن حبان
وعبد الله بن بدر (108) قال عنه في التقريب (3223) ثقة
وعبد الله بن بريدة قال عنه في التقريب (3227) ثقة وهؤلاء كلهم قد سكت عنهم البخاري .
- والرواة الذين ترجم لهم ، منهم من روى عنه جماعة ، ومنهم من ذكر له راوٍ واحد ،ومثل هذا الأخير كثير .
- انظر القسم الأول من الجزء الثالث الأرقام التالية (85) و(87) و(88) و(92) و(93) و(97) و(99) و(106) و(107) .
- وقسم ذكرهم وذكر لهم رواية معينة عن راوٍ معين ثم قال : لا يصح حديثه ، وهذا يعني تضعيفه لهذه الرواية فقط وليس التعميم .
أمثلة : (91) عبد الله بن إنسان عن عروة بن الزبير عن أبيه روى عنه ابنه محمد ، لم يصح حديثه .
ورقم (216) عبد الله بن خليل الحضرمي عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرعة ... ولا يتابع عليه
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 223
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 216-227(2/21)
ورقم (231) عبد الله بن ذكوان قال : عبد الصمد ثنا عبد الله ثنا محمد بن المنكدر ... منكر الحديث في الأذان .
ورقم (264) عبد الله بن زيد بن أسلم ... سمع منه ... وعبد الرحمن ، ولا يصح حديث عبد الرحمن . فيجب الانتباه أثناء نقل رأي الإمام البخاري لراوٍ ، فقد يكون النقل عنه محرفاً .
وقوله في الأعم الأغلب عن راوٍ فيه نظر أو سكتوا عنه يعني به الجرح الشديد وغالبه وافقه عليه غيره ، وبعضه مما خالفه غيره والصواب مع غيره أمثلة :
تمام بن نجيح وراشد بن داود الصنعاني وثعلبة بن زيد الحماني وجعدة المخزومي وجميع بن عمير وحبيب بن سالم وحريث بن خرّيت وسليمان بن داود الخولاني وطالب بن حبيب المدني الأنصاري وصعصعة بن ناجية وعبد الرحمن بن سلمان الرّعيني وغيرهم فقد قال فيهم ما ذكرناه ، ووثقهم غيره ، والصواب معهم فتنبه، ومن قال فيه : منكر الحديث ، يعني لا تحلُّ الرواية عنه ، أي متهم بالكذب وهذا من أدبه رحمه الله(1).
وقد ذكر أثناء التراجم عدداً كبيراً من الأحاديث بصيغة الجزم ، وأكثرها مسنده ، وسكت على كثير منها، انظر الأرقام (3) و(4) و(5) و(9) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) و(21) و(22) و(25) و(27) و(28) ... والصواب عندي أنها مقبولة تدور بين الصحيح والحسن إذ لو كان فيها علة لذكرها .
أمثلة من الكتاب :
[ 1 ] محمد بن مسلمة الحارثي الأنصاري المديني قال لي إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن محمد أو أبا عبس بن جبر وعباد بن بشر قتلوا كعب بن الأشرف فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نظر إليهم : أفلحت الوجوه.
وقال لنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي بردة قال مررنا بالربذة فإذا فسطاط محمد بن مسلمة فقلت : لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا محمد بن مسلمة ستكون فرقة وفتنة واختلاف فاكسر سيفك واقطع وترك واجلس في بيتك ففعلت الذي أمرني به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال لي إسحاق أخبرنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان وشعبة عن الأشعث عن أبي بردة عن ضبيعة قال شعبة أو بن ضبيعة قال حذيفة أني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروب وإذا هو محمد بن مسلمة فسألناه فقال لا يشتمل عليَّ شيء من أمصارهم حتى ينجلي الأمر عما انجلى .
وقال أبو عوانة عن أشعث عن أبي بردة عن ضبيعة بن حصين سمع حذيفة فلما مات أتينا محمد بن مسلمة نحوه، قال أبو عبد الله الصحيح ضبيعة بن حصين حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن أشعث عن أبي بردة عن ثعلبة بن ضبيعة، قال أبو عبد الله ومات حذيفة بعد عثمان بأربعين يوما.
[ 2 ] محمد بن عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة مديني أسدي له صحبة، قتل أبوه بأحد.
حدثني إبراهيم بن موسى قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرنا العلاء عن أبي كثير عن محمد بن جحش قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفة فقال غط فخذيك فإن الفخذ عورة، وقال لنا أبو اليمان عن شعيب في حديثه عبد الله بن جحش القرشي الأسدي، قال أبو عبد الله رحمه الله: ويقال عن ابن إسحاق حليف بني أمية هاجر مع أبيه وعمه أبي أحمد بن جحش اهـ
وفي آخر ترجمة :
[ 3651 ] ابن يعقوب قاله يحيى بن موسى، أنا أبو عامر العقدي نا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن ابن يعقوب قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْمُفَرِّدُونَ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يُهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ .
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 254-257 و401(2/22)
قال يحيى عن محمد بن بشر العبدي عن عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، وقال: يَضعُ الذكرُ عَنهمْ أَثقالهمْ فَيَأْتُونَ يَومَ الْقيامةِ خِفافاً، والأول أصح ،ورواه يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
والكتاب مطبوع طبعة واحدة ، صورت مرات عديدة وعليها بعض التعليقات في الهامش . وهو بحاجة لضبط وتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه ، ومقارنة رواته بكتب الجرح والتعديل .
ــــــــــــــ
الثاني
الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (327) هجرية
ابْنُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ ،العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيُّ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَةٍ عَمِلَهَا لابْنِ أَبِي حَاتِمٍ:
كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- قَدْ كَسَاهُ اللهُ نُوْراً وَبَهَاءً، يُسَرُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رَحَلَ بِي أَبِي سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَا احتَلَمْتُ بَعْدُ، فَلَمَّا بَلغْنَا ذَا الحُلَيْفَة، احْتَلَمْتُ، فَسُرَّ أَبِي، حَيْثُ أَدْرَكْتُ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ، فَسَمِعْتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: أَخَذَ أَبُو مُحَمَّدٍ عِلْمَ أَبِيْهِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَكَانَ بَحْراً فِي العُلُوْمِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ.
صَنَّفَ فِي الفِقْهِ، وَفِي اختِلاَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَعُلَمَاءِ الأَمصَارِ.
قَالَ: وَكَانَ زَاهِداً، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابٌ نَفِيْسٌ فِي (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ)، أَرْبَعُ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَابُ (الرَّدِ عَلَى الجَهْمِيَّةِ) مُجَلَّدٌ ضَخْمٌ، انتَخَبْتُ مِنْهُ، وَلَهُ (تَفْسِيْرٌ) كَبِيْرٌ فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، عَامَّتَهُ آثَارٌ بِأَسَانِيْدِهِ، مِنْ أَحسَنِ التَّفَاسِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ: صَنَّفَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (المُسْنَدَ) فِي أَلفِ جُزْءٍ، وَكِتَابَ (الزُّهْدِ)، وَكِتَابَ (الكُنَى)، وَكِتَابَ (الفَوَائِدِ الكَبِيْرِ)، وَفَوَائِدَ (أَهْلِ الرَّيِّ)، وَكِتَابَ (تَقْدِمَة الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ).
قُلْتُ: وَلَهُ كِتَابُ (العِلَلِ)، مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ، المَذْكُوْرُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المِصْرِيَّ - وَنَحْنُ فِي جَنَازَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ - يَقُوْلُ: قَلَنْسُوَة عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا هُوَ بَعَجَبٍ، رَجُلٌ مُنْذُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً عَلَى وَتِيْرَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَنْحَرِفْ عَنِ الطَّرِيْقِ.
وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَرَضِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِمَّن عَرَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ذَكَرَ عَنْهُ جَهَالَةً قَطُّ.
وَسَمِعْتُ عَبَّاسَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ قَالَ: وَمَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لاَ أَعْرِفُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَنْباً.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَدَعْنِي أَبِي أَشتَغِلُ فِي الحَدِيْثِ حَتَّى قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى الفَضْلِ بنِ شَاذَانَ الرَّازِيِّ، ثُمَّ كَتَبْتُ الحَدِيْثَ.(2/23)
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ السُّنَّةَ بِالرَّيِّ خُتِمَتْ بِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَمَرَ بِدَفْنِ الأُصُوْلِ مِنْ كُتُبِ أَبِيْهِ وَأَبِي زُرْعَةَ، وَوَقَفَ تَصَانِيْفَهُ، وَأَوْصَى إِلَى الدَّرِسْتينِي القَاضِي.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الخُوَارِزْمِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ يَقُوْلُ: كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، لَمْ نَأْكُلْ فِيْهَا مَرَقَةً، كُلُّ نَهَارِنَا مُقَسَّمٌ لِمَجَالِسِ الشُّيُوْخِ، وَبَاللَّيْلِ: النَّسْخُ وَالمُقَابَلَةُ، قَالَ: فَأَتَيْنَا يَوْماً أَنَا وَرَفِيْقٌ لِي شَيْخاً، فَقَالُوا: هُوَ عَلِيْلٌ، فَرَأَينَا فِي طَرِيْقِنَا سَمَكَةً أَعْجَبَتْنَا، فَاشتَرِيَنَاهُ، فَلَمَّا صِرنَا إِلَى البَيْتِ، حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِسٍ، فَلَمْ يمكنَا إِصْلاَحه، وَمَضَينَا إِلَى المَجْلِسِ، فَلَمْ نَزَلْ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَكَادَ أَنْ يَتَغَيَّرَ، فَأَكَلْنَاهُ نِيْئاً، لَمْ يَكُنْ لَنَا فَرَاغٌ أَنْ نُعْطِيَهْ مَنْ يَشْوِيه، ثُمَّ قَالَ: لاَ يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ: قَالَ: وَجَدْتُ أَلْفَاظَ التَّعْدِيْلِ وَالجَرْحِ مَرَاتِبَ: فَإِذَا قِيْلَ: ثِقَةٌ: أَوْ: مُتْقِنٌ، احْتُجَّ بِهِ.
وَإِن قِيْلَ: صَدُوْقٌ، أَوْ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، أَوْ: لاَ بَأْسَ بِهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَيُنْظَرُ فِيْهِ وَهِيَ المَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ.
وَإِذَا قِيْلَ: شَيْخٌ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَهُوَ دُوْنَ مَا قَبْلَهُ.
وَإِذَا قِيْلَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثَهُ وَهُوَ دُوْنَ ذَلِكَ، يُكْتَبُ للاعتِبَارِ.
وَإِذَا قِيْلَ: لَيِّنٌ، فَدُوْنَ ذَلِكَ.
وَإِذَا قَالُوا: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، فَلاَ يُطْرَحُ حَدِيْثُهُ، بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ.
فَإِذَا قَالُوا: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ، أَوْ: ذَاهِبُ الحَدِيْثِ، أَوْ: كَذَّابٌ، فَلاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيُّ الزَّاهِدُ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ يَقُوْلُ: وَقَعَ عِنْدَنَا الغَلاَءُ، فَأَنْفَذَ بَعْضُ أَصْدِقَائِي حُبُوْباً مِنْ أَصْبَهَانَ، فَبِعْتُهُ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَسَأَلَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ دَاراً عِنْدَنَا، فَإِذَا جَاءَ يَنْزِلُ فِيْهَا، فَأَنْفَقْتُهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: اشتَرَيْتُ لَكَ بِهَا قَصْراً فِي الجَنَّةِ، فَبَعَثَ يَقُوْلُ: رَضِيْتُ، فَاكتُبْ عَلَى نَفْسِكَ صَكّاً، فَفَعَلْتُ، فَأُرِيْتُ فِي المَنَامِ: قَدْ وَفَّينَا بِمَا ضَمِنْتَ، وَلاَ تَعُدْ لِمِثْلِ هَذَا.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَهْرَوَيْه الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِنَّا لَنَطْعَنُ عَلَى أَقْوَامٍ، لَعَلَّهُم قَدْ حَطُّوا رِحَالَهُم فِي الجَنَّةِ، مِنْ أَكْثَرِ مِنْ مائَتَيْنِ سَنَة.
قُلْتُ: لَعَلَّهَا مِنْ مائَةَ سَنَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَبْلُغُ فِي أَيَّامِ يَحْيَى هَذَا القَدَرِ.(2/24)
قَالَ ابْنُ مَهْرَوَيْه: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ كِتَابَ: (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا، فَبَكَى، وَارتَعَدَتْ يَدَاهُ، حَتَّى سَقَطَ الكِتَابُ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَسْتَعِيْدُنِي الحِكَايَةَ.
قُلْتُ: أَصَابَهُ عَلَى طَرِيْقِ الوَجَلِ وَخَوْفِ العَاقِبَةِ، وَإِلاَّ فَكَلاَمُ النَّاقِدِ الوَرِعِ فِي الضُّعَفَاءِ مِنَ النُّصْحِ لِدِيْنِ اللهِ، وَالذَّبِّ عَنِ السُّنَّةِ.
تُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِالرَّيِّ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.(1)
هذا الكتاب اقتص فيه مؤلفه أثر البخاري في "التاريخ الكبير"، وقد أجاد فيه كل الإجادة، وذلك؛ لأنه اعتنى بذكر ما قيل في كل راوٍ من "الجرح والتعديل"، وَلَخَّصَ تلك الأقوال وبَيَّنَ ما أدى إليه اجتهاده في كثير منها، والكتاب يعتبر بحق كتابَ جرحٍ وتعديلٍ كما سماه به مؤلفه؛ لأنه عادة في الأعم الغالب لا يُذكر راوٍ في "الجرح والتعديل" إلا مقرونًا ببيان حاله، مثلاً: صدوق، ثقة، ضعيف ونحو ذلك من الاعتبارات.
وهو كتاب كبير طُبِعَ في ثمانية مجلدات مع مقدمته، وتراجمه قصيرة غالبًا؛ إذ تتراوح بين السطر والخمسة أسطر، وقد رتبه مؤلفه على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول ثم من الاسم واسم الأب.
بالنسبة للحرف الأول فقط من الاسم واسم الأب، لكنه يقدم أسماء الصحابة أولاً داخل الحرف الواحد، وكذلك يقدم الاسم الذي يتكرر كثيرًا، ويذكر في كل ترجمة اسم الراوي واسم أبيه وكنيته ونسبته، وأشهر شيوخه وتلاميذه وقليلاً ما يُورد حديثًا من مرويات صاحب الترجمة، ويذكر بلد الراوي ورحلاته والبلد الذي نزل فيه واستقرَّ، كما يذكر شيئًا عن عقيدته إن كانت مخالفة لعقيدة أهل السنة، ويذكر بعض مصنفاته إن كانت له مصنفات وهكذا .
وهذا كتاب مصنَّفٌ تصنيفًا مستقلا تمامًا، والرواة في الغالب يتكررون، يعني الذي في "التاريخ الكبير" هو الذي في "الجرح والتعديل" مع زيادات ونقص هنا أو هنا، لكن هذا تصنيف مستقلٌّ تمامًا، نَفَسُ أبي حاتم وأبي زرعة واضحٌ فيه وجليّ وظاهر بخلاف البخاريّ هذا وجه وطريقة في التصنيف ومنهج وكلام أبي حاتم وأبي زرعة في الكتاب هذا وجه ومنهج.
والكتاب طبعا باسم ابن أبي حاتم الذي هو عبد الرحمن، وهو يسأل أباه وأبا زرعة، يقول: "سألت أبي عن فلان فقال: كذا، وسألت أبا زرعة عن فلان فقال: كذا" فالكتاب مدونة نادرة لكلام أبي حاتم وأبي زرعة الرازييْن في الرواة، بل ولكلام أئمة الجرح والتعديل عموما بأصح الأسانيد عنهم .
مما يجعل هذا الكتاب عمدة لجميع الكتب المؤلفة بعده .
وقد قَدَّمَ للكتاب بمقدمة نفيسة كبيرة هي "تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل.
وهي تقع في مجلد كامل مُقدِّمة للكلام على مشاهير الرواة الذين دارت عليهم الأسانيد؛ كالسفيانيْن والزهريّ ومالك وأحمد، وغيرهم من الأئمة الكبار.
وهي عبارة عن مدخل للكتاب ذكر فيها أبحاثًا مهمة، فيما يتعلق بالجرح والتعديل.
أمثلة من المقدمة(2):
" معرفة السنة وأئمتها
فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل رضي الله تعالى عنهم.
فإن قيل: فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟
قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة ،ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان.
__________
(1) - وفي سير أعلام النبلاء (13/263) فما بعدها - 129 -
(2) - مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 4) فما بعدها(2/25)
حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي نا أبي قال أخبرني عبدة بن سليمان المروزي قال قيل لابن المبارك هذه الأحاديث المصنوعة قال: يعيش لها الجهابذة.
فإن قيل: فما الدليل على صحة ذلك؟
قيل له : اتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك ،ولم ينزلهم الله عز وجل هذه المنزلة إذ أنطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك إلا وقد جعلهم أعلاماً لدينه ومناراً لاستقامة طريقه، وألبسهم لباسَ أعمالهم.
فإن قيل : ذكرت اتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك وقد علمت بما كان بين علماء أهل الكوفة وأهل الحجاز من التباين والاختلاف في المذهب فهل وافق أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن جماعة من ذكرت من أهل العلم في التزكية لهؤلاء الجهابذة النقاد أو وجدنا ذلك عندهم؟
قيل نعم: قال سفيان الثوري: ما سألت أبا حنيفة عن شيء ،ولقد كان يلقاني ويسألني عن أشياء. فهذا بين واضح ، وإذا كان صورة الثوري عند هذه الصورة أن يفزع إليه في السؤال عما يشكل عليه أنه قد رضيه إماماً لنفسه ولغيره.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو بكر الجارودي محمد بن النضر النيسابوري قال سمعت أحمد بن حفص يقول سمعت أبي يقول سمعت إبراهيم بن طهمان يقول أتيت المدينة فكتبت بها ثم قدمت الكوفة فأتيت أبا حنيفة في بيته فسلمت عليه ، فقال لي:عمن كتبت هناك فسميت له، فقال : هل كتبت عن مالك بن أنس شيئا ً؟ فقلت : نعم، فقال: جئني بما كتبت عنه، فأتيته به فدعا بقرطاس ودواة فجعلت أملي عليه وهو يكتب، قال أبو محمد: ما كتب أبو حنيفة عن إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس ومالك بن أنس حي إلا وقد رضيه ووثقه، ولا سيما إذ قصد من بين جميع من كتب عنه بالمدينة مالك بن أنس ،وسأله أن يملي عليه حديثه ،فقد جعله إماماً لنفسه ولغيره، وأما محمد بن الحسن فحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعي يقول قال لي محمد بن الحسن: أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم يعني أبا حنيفة ومالك بن أنس؟ قلت على الإنصاف؟ قال : نعم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن صاحبنا أو صاحبكم؟ قال : صاحبكم يعني مالكاً، قلت: فمن أعلمُ بالسنَّة صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمتقدمين صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: صاحبكم، قال الشافعي: فقلت لم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فمن لم يعرف الأصول فعلى أي شيء يقيس؟!.
قال عبد الرحمن: فقد قدَّم محمد بن الحسن مالك بن أنس على أبي حنيفة وأقرَّ له بفضل العلم بالكتاب والسنَّة والآثار، وقد شاهدهما وروى عنهما، حدثنا عبد الرحمن قال وقد حدثنا أبي رحمه الله نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعي يقول: كان محمد بن الحسن يقول: سمعت من مالك سبعمائة حديث ونيفاً إلى الثمانمائة لفظاً، وكان أقام عنده ثلاث سنين أو شبيهاً بثلاث سنين، وكان إذا وعد الناس أن يحدثهم عن مالك امتلأ الموضع الذي هو فيه وكثر الناس عليه، وإذا حدث عن غير مالك لم يأته إلا النفير، فقال لهم: لو أراد أحد أن يعيبكم بأكثر مما تفعلون ما قدر عليه إذا حدثتكم عن أصحابكم فإنما يأتيني النفير أعرف فيكم الكراهة ،وإذا حدثتكم عن مالك امتلأ على الموضع.
فقد بان بلزوم محمد بن الحسن مالكاً لحمل العلم عنه وبثِّه في الناس رضاً منه وموافقة لمن جعله إماماً ومختاراً.
التمييز بين الرواة:(2/26)
قال أبو محمد فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من جهة النقل والرواية وجبَ أن نميِّز بين عدول النقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة. ولما كان الدِّين هو الذي جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بنقل الرواة حقَّ علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن النقلة والبحث عن أحوالهم ،وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والتثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم علماء بدينهم أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثيرٌ من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهامُ فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبَّه عليهم بالأغلوطات، وأن يعزلَ عنهم الذين جرحهم أهلُ العدالة، وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم ،وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثره الغلط والسهو والاشتباه، ليعرف به أدلة هذا الدِّين وإعلامه، وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنَّةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم هؤلاء أهل العدالة فيتمسك بالذي رووه ويعتمد عليه ويحكم به وتجري أمور الدين عليه، وليعرف أهل الكذب تخرصاً وأهل الكذب وهماً وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءه الحفظ، فيكشف عن حالهم وينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها، إنْ كذبَ فكذبٌ ، وإنْ وهم فوهمٌ، وإنْ غلِط فغلطٌ، وهؤلاء هم أهل الجرح فيسقطَ حديثُ من وجب منهم أن يسقطَ حديثُه ، ولا يعبأُ به ولا يعملُ عليه، ويُكتبُ حديثُ مَن وجبَ كتبُ حديثه منهم على معنى الاعتبار، ومن حديثِ بعضهم الآدابُ الجميلةُ والمواعظُ الحسنةُ والرقائقُ والترغيبُ والترهيبُ هذا أو نحوه.
طبقاتُ الرواة:
ثم احتيج إلى تبين طبقاتهم ومقادير حالاتهم، وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقير، والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح، ويعرف من كان منهم عدلاً في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه، فهؤلاء هم أهل العدالة، ومنهم الصدوقُ في روايته الورع في دينه الثبتُ الذي يهِم أحياناً، وقد قبله الجهابذةُ النقاد، فهذا يحتجُّ بحديثه أيضاً، ومنهم الصَّدوقُ الورِع المغفَّلُ الغالبُ عليه الوهمُ والخطأ والسهو والغلط، فهذا يكتبُ من حديثه الترغيبُ والترهيبُ والزهدُ والآدابُ، ولا يحتجُّ بحديثه في الحلال والحرام(1)،ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلَّسها بينهم ممن قد ظهرَ للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذبُ، فهذا يتركُ حديثُه ويطرحُ روايتُه ويسقطُ ولا يشتغل به.(2)
الصحابةُ(3):
__________
(1) - يعني بأصول الحلال والحرام ، وإلا فقد احتج أكثر العلماء بالحديث الضعيف في الأحكام إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه ، لأنه خير من رأي الرجال .
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 1) وقال : وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلَّسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ،ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولي المعرفه منهم الكذبُ، فهذا يترك حديثه ويطرحُ روايته الأئمةُ " الجرح والتعديل [ ج 1 -ص 10 ]
(3) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 7)(2/27)
فأما أصحابُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبه نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابةٌ، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه - صلى الله عليه وسلم - ما بلَّغهم عن الله عز وجل وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدَّب ،ووعوه وأتقنوه ففقهوا في الدِّين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله ، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عز وجل بما منَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز ، وسماهم عدولُ الأمة فقال عز ذكره في محكم كتابه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } (143) سورة البقرة، ففسر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله عزَّ ذكره قوله وسطاً قال: عدلاً ، فكانوا عدول الأمة وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنَّة، وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجري على منهاهجم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم ،فقال {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء، ووجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حض على التبليغ عنه في أخبار كثيرة ،ووجدناه يخاطب أصحابه فيها منها أن دعا لهم فقال: " نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا ، فَحَفِظَهُ ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ.ثَلاَثُ خِصَالٍ ، لاَ يَُغَِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلم أَبَدًا : إِخْلاَصُ الْعَمَلِ ِللهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ. "(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته: " فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ"(2).
وقال: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ(3).
ثم تفرقت الصحابة رضي الله تعالى عنهم في النواحي والأمصار والثغور وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبثَّ كل واحد منهم في ناحية وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول - صلى الله عليه وسلم - وحكموا بحكم الله عز وجل ،وأمضوا الأمور على ما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظائرها من المسائل، وجردوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله تقدس اسمه، لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسُّنَن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين.
التابعون(4):
__________
(1) - مسند أحمد(22211) صحيح
(2) - مسند أحمد (16821) صحيح
(3) - حديث صحيح انظر تخريجه في المسند الجامع - (ج 11 / ص 427)(8665)
(4) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 8)(2/28)
فخلف بعدهم التابعون الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وآثاره، فحفظوا عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نشروه وبثوه من الأحكام والسُّنَن والآثار وسائر ما وصفنا الصحابة به رضي الله تعالى عنهم، فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه، فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل ونصبهم له إذ يقول الله عز وجل " {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة .
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن يحيى انا العباس بن الوليد النرسي نا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة قوله عز وجل "والذين اتبعوهم بإحسان" التابعين فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز أو تدركهم وصمة، لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه وإقامة سنَّته وسبله، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماماً مبرزاً مقدماً في الفضل والعلم ووعي السُّنَن وإثباتها ولزوم الطريقة واحتبائها رحمه الله ومغفرته عليهم أجمعين، إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلَّسها بينهم ممن ليس يلحقهم ،ولا هو في مثل حالهم لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان ولا ثبت، ممن قد ذكرنا حالهم وأوصافهم ومعانيهم في مواضع من كتابنا هذا فاكتفينا بها وبشرحها في الأبواب مستغنية عن إعادة ذكرها مجملة أو مفسرة في هذا المكان.
أتباع التابعين(1):
ثم خلفهم تابعو التابعين وهم خلف الأخيار وأعلام الأمصار في دين الله عز وجل ونقل سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظه وإتقانه والعلماء بالحلال والحرام والفقهاء في أحكام الله عز وجل وفروضه وأمره ونهيه فكانوا على مراتب أربع.
مراتب الرواة:
فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث، فهذا الذي لا يختلف فيه ويعتمد على جرحه وتعديله ويحتجُّ بحديثه وكلامه في الرجال.
ومنهم العدلُ في نفسه الثبت في روايته الصدوق في نقله الورعُ في دينه الحافظ لحديثه المتقن فيه ،فذلك العدل الذي يحتجُّ بحديثه ويوثَّق في نفسه.
ومنهم الصدوق الورع الثبت الذي يهم أحياناً وقد قبله الجهابذةُ النقاد، فهذا يحتجُّ بحديثه.
ومنهم الصدوقُ الورع المغفَّلُ الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيبُ والترهيبُ والزهدُ والآدابُ ولا يحتجُّ بحديثه في الحلال والحرام. وخامسٌ قد ألصقَ نفسه بهم ودلَّسها بينهم ، ممن ليس من أهل الصدق والأمانة، ومَن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولي المعرفة منهم الكذبَ، فهذا يتركُ حديثُه ويطرحُ روايته.
الأئمة:
فمن العلماء الجهابذة النقاد الذين جعلهم الله علماً للإسلام، وقدوة في الدين، ونقاداً لناقلة الآثار من الطبقة الأولى بالحجاز: مالكُ بنُ أنس وسفيانُ بن عيينة ،وبالعراق سفيانُ الثوريُّ وشعبةُ بنُ الحجاج وحمادُ بن زيد، وبالشام الأوزاعيُّ.
حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: أئمة الناس في زماننا أربعةُ سفيانُ الثوري بالكوفة ومالكٌ بالحجاز والأوزاعيُّ بالشام وحمادُ بن زيد بالبصرة.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا حماد بن زاذان قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: شعبة بن الحجاج إمامٌ في الحديث.
__________
(1) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 9)(2/29)
حدثنا عبد الرحمن قال وسمعت أبي يقول: الحجَّةُ على المسلمين الذين ليس فيهم لبس سفيانُ الثوريُّ وشعبةُ وحمادُ بن زيد وسفيانُ بن عيينة وبالشام الأوزاعيُّ"(1).
أمثلةٌ من التراجم :
بابُ تسمية من رويَ عنه العلم ممن يسمَّى أحمد وابتداء اسم أبيه على الألف
1 - أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي، روى عن حماد بن زيد وصالح بن عمر وسلام أبي المنذر وأبي إسماعيل المؤدب،روى عنه أبو زرعة وعمر بن شبَّة النميري وموسى بن إسحاق القاضي .
حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال: سألت يحيى - يعني ابن معين- عن أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال: ليس به بأس، حدَّث عن حماد بن زيد.
2 - أحمد بن إبراهيم أبو صالح الخراساني، روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المديني، روى عنه صالح بن بشر بن سلمة الطبراني ، حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي عنه فقال: شيخ مجهول، والحديث الذي رواه صحيح.
3 - أحمد بن إبراهيم بن الدورقي وهو ابن كثير النكري، روَى عن هشيم وإسماعيل بن علية يعد في البغداديين، روى عنه أبي وأبو زرعة سمعتهما يقولان ذلك.
حدثنا عبد الرحمن قال: سئل أبي عنه فقال : صدوق. اهـ
قلت : وعدد التراجم حوالي (18000) ترجمة .
وقد سعى أبلغ السّعيي في استيعاب جميع أحكام أئمة الجرح والتعديل في الرواة إلى عصره ، ينقل ذلك عنهم بالأسانيد الصحيحة المتصلة بالسماع أو القراءة أوالمكاتبة ، فغدا كتابه أصلاً لكل من ألّف في هذا الفن بعده .
وأما ترتيبه فمن حيث المبدأ على الأحرف الهجائية ، ولكنه ليس دقيقاً فيشبه إلى حدّ ما ترتيب تاريخ البخاري.
وتراجمه بشكل عام مختصرة ، وهو يذكر المترجم له وكنيته ، ويذكر شيوخه وكذلك من روى عنه من طلابه ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، كما مرَّ في الترجمتين السابقين .
- وأما أبو حاتم فهو من المتشددين في الجرح والتعديل ، فما قال عنه صدوق فهو ثقة عند غيره .
كقوله عن أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي صدوق وفي التقريب 1/9-10 ثقة حافظ .
- وقد يقول أبو حاتم عن الراوي ثقة : كقوله في ترجمة أحمد بن إسحاق الحضرمي ثقة . وقد يقول عن الراوي ثقة مأمون ، كما قال عن أحمد بن إسماعيل ابن أبي ضرار الرازي .
- وقد لا يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولكنه يشير إلى رواية والده عنه أو أبو زرعة أو يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل ، ورواية هؤلاء عنه تعدّ تعديلاً له . كما ذكر ذلك 2/36 كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن موسى الرملي أبو بكر السراج . فقد روى عنه أبو حاتم .
وأحمد بن أيوب بن راشد البصري روى عنه أبوزرعة الرازي .
وأحمد بن أسد بن بنت مالك بن مغول البجلي أبو عاصم روى عنه أبو زرعة .
- وهناك رواةٌ ذكرهم ولم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً ولم يرو عنهم من ذكرناه سابقاً.
فالراجح عندي أنهم مقبولون ، إذ لو علم فيهم جرحاً لذكره(2).
- كقوله في ترجمة أحمد بن أيوب الضبي روى عن إبراهيم بن أدهم روى عنه إبراهيم بن الشماس .
أقول : روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان الثقات 8/4 وسكت عليه البخاري التاريخ 1/2/2 .
- وقوله عن أحمد بن أبي عبيد الوراق بن بشر أبو عبد الله البصري وذكر أنه روى عن جماعة وسكت عليه وفي التقريب 1/21 ثقة .
- وقوله في ترجمة أحمد بن ثعلبة الدمشقي روى عن أبي معاوية الأسود ، وروى عنه أحمد بن أبي الحواري .(3)
- وقد يقول عن راوٍ كذاب كما قاله عن أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي المعروف بفرخويه .
- وقد يقول عنه : متروك الحديث كما في ترجمة أحمد بن الحارث الغساني أبو عبد الله الواقدي البصري .
وقال عنه البخاري فيه بعض النظر 1/2/2 .
__________
(1) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 11)
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 223 و403 و404
(3) - لي بحث مفصل حول الرواة المسكوت عنهم ، سيمر بإذن الله تعالى .(2/30)
وقد يذكر أقوالاً مختلفة في راوٍ واحد ،كأن يضعفه أبوه ويقويه غيره ، وبعد التتبع والاستقراء تبين لنا أن الراجح مع من وثقه لأن أبا حاتم من المتشددين .
- كقوله في ترجمة أحمد بن سليمان بن أبي الطيب ضعيف الحديث مع أن أبا زرعة وثقه وروى عنه البخاري راجع الجرح 2/52 والميزان 1/102 والتقريب 1/17 .
- وقد يقول عنه : شيخ وهي تعديل كقوله عن أحمد بن عبد الله أبو عبيدة ابن أبي السفر الكوفي قال أبو حاتم : شيخ ا هـ .
- وقد يقول عن راوٍ بأنه مجهول كقوله عن أحمد بن عمر القصبي قال سألت أبي عنه فقال : مجهول اهـ .
- وقد يكون في كلامه نظر عن المجاهيل كقوله عن أحمد بن عاصم البلخي مجهول ، والصواب أنه معروف وثقة انظر الميزان 1/106 والتاريخ الكبير 1/2/5 .
وكذلك إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي ، وأسباط أبو اليسع ، وبيان بن عمرو ، ومحمد بن الحكم المروزي جهلهم أبو حاتم ، وعرفهم غيره(1).
لذا قال الإمام ابن دقيق العبد : لا يكون تجهيل أبي حاتم حجَّةً ما لم يوافقه غيره ، نقله الزيلعي(2).
وقال السيوطي(3): " جَهَّل جَمَاعة من الحُفَّاظ قومًا من الرُّواة لعدم علمهم بهم, وهم معروفون بالعَدَالة عند غيرهم, وأنا أسرد ما في «الصَّحيحين» من ذلك:
أحمد بن عاصم البَلْخيُّ, جهَّله أبو حاتم, لأنَّه لم يخبر بحاله, ووثَّقه ابن حبَّان, وقال: روى عنه أهل بلده.
إبراهيم بن عبد الرَّحمن المخزوميُّ, جهَّله ابن القَطَّان, وعرفه غيره, فوثقه ابن حبَّان, وروى عنه جماعة.
أُسَامة بن حفص المَدنيُّ, جهَّله السَّاجي, وأبو القاسم اللالكائي, قال الذَّهبي: ليسَ بمجهولٍ, روى عنه أربعة.
أسْبَاط أبو اليَسَع, جَهَّله أبو حاتم, وعرفهُ البُخَاري.
بَيَان بن عَمرو, جهَّله أبو حاتم, ووثَّقه ابن المديني, وابن حبَّان, وابن عَدي, وروى عنه البُخَاري, وأبو زُرْعة, وعُبيد الله بن واصل.
الحُسين بن الحسن بن يسار, جهَّله أبو حاتم, ووثَّقه أحمد وغيره.
الحكم بن عبد الله البَصْريُّ, جهَّله أبو حاتم, ووثَّقه الذُّهْلي, وروى عنه أربعة ثقات.
عبَّاس بن الحُسين القَنْطري, جهَّله أبو حاتم, ووثَّقه أحمد وابنه, وروى عنه البُخَاري, والحسن بن علي المَعْمري, وموسى بن هارون الحَمَّال, وغيرهم.
محمَّد بن الحكم المَرْوزيُّ, جهَّله أبو حاتم, ووثَّقه ابن حبَّان, وروى عنه البُخَاري."
لذا يجب تحقيق هذا الكتاب القيّم وضبطه ومقارنته مع غيره من كتب الجرح والتعديل
ـــــــــــــــ
رابعا
المصنَّفاتُ في رجال كتب مخصوصة
هناك بعض المصنفات عَمَدَ مؤلفوها إلى تراجم رواة في كتب مخصوصة، فترجموا رواة ذلك الكتاب أو تلك الكتب فقط، ولم يتعرضوا لغيرها، ولهذه الكتب مَزِيَّةٌ على غيرها في كونها اشتملت على تراجم جميع الرواة في ذلك الكتاب أو تلك الكتب المعينة.
هنا الكلام على كتب صُنِّفَتْ في تراجمِ رواةِ كتابٍ بعينه. البخاري مثلاً أورد في كتابه ألوفا من الرواة، فجاء الأئمة؛ منهم من ترجم في هذا الكتاب رواة صحيح البخاري، ومنهم من ترجم لرواة صحيح مسلم، ومنهم من جمع بين رواة الكتابيْن.
هنا رجال في البخاري هُم هُم في صحيح مسلم، فأتى بهم، وأتى بالزيادات الرواة الذين خرج لهم البخاري، زادهم والرواة الذين خَرَّجَ لهم مسلم وجمعهم في كتاب واحد كما سنرى، فهذا النوع من المصنفات في ترجمةِ رواةِ كتبٍ بعينها، أما إذا كان الحديثُ مُخَرَّجا عندي في الصحيحيْن، وأريد الوصول إلى تراجم رواة البخاري ومسلم من أقصر طريق؛ فهذه الكتب تخدم في هذه القضية.
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 223 و403 و404
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 266-268
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 251) وندوة علوم الحديث علوم وآفاق - (ج 16 / ص 17) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل - (ج 1 / ص 7)(2/31)
فيستطيع الباحث العثور على ترجمة أي راوٍ يريده من رواة ذلك الكتاب، كما أن لها مَزِيَّةَ حصرِ التراجم في رواة ذلك الكتاب بعينه، وعدم التطويل بالتعرّض لترجمة أيِّ راوٍ من رواة الحديث، وفي هذا تسهيل على الباحث الذي يريد رواةً في كتب مخصوصة، ومن أشهر هذه المصنفات لا سيما المطبوع منها:
أولاً: "الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد" لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي المتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة للهجرة، وهذا الكتاب خاص برجال صحيح البخاري.
ثانيًا: "رجال صحيح مسلم" لأبي بكر أحمد بن علي الأصفهاني المعروف بابن منجويه المتوفى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة للهجرة.
ثالثًا: "الجمع بين رجال الصحيحين" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القَيْسراني، المتوفى سنة سبع وخمسمائة للهجرة، وقد جمع في هذا الكتاب بين كتابيْ الكلاباذي وابن منجويه المذكورَيْنِ آنفًا، واستدرك ما أغفلاه وحذف بعض الاستطرادات وما يمكن الاستغناء عنه، والكتاب مرتبٌ على حروف المعجم، وقد ذكر المؤلف طريقته في مقدمة الكتاب، فبين أنه جمع بين رجال صحيحيْ البخاري ومسلم، وأشار إلى ما انفرد به كل واحد منهما، وقد طُبِعَ الكتاب في الهند، وتولت طباعته دائرة المعارف العثمانية سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة.
هذا الكتاب وإن كان حصر رجال الصحيحيْن بشكل جيد لم يفته واحدٌ منهما، إلا أنَّ الطالب -حقيقةً- وهو يدرس ويتعلم ويحتاج إلى نَفَسٍ طويل في بيان حال الراوي، ويجمع كلام أئمة العلم عليه، فلا يُشبع نهمة الطالب إلا إن وقف على الراوي، فإذا فتح كتاب ابن القيسراني وهو أوسع من الكتابيْنِ السابقيْنِ فيكون قد وقف على الراوي الذي له رواية في البخاري.
فعادة الباحث أو الطالب المبتدئ أو غير المبتدئ حين يريد البحث عن رجل من رجال البخاري أو مسلم أو كليْهما فإنه يعمد إلى الموسوعة الأم وهي "تهذيب الكمال" للمزي كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
ـــــــــــــــ
خامسا
كتب التراجم الخاصة برجال الكتب السِّتَّة
لقد صَنَّفَ العلماء عددًا من الكتب جمعوا فيها تراجمَ رجالِ الكتب الستة مع تراجمَ لرجال بعض مصنفات صغيرة ألَّفها أصحاب الكتب الستة.
ومن هذه الكتب:
كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي:(2/32)
وبما أن هذا الكتاب أشهر الكتب التي جمعت تراجم رجال الكتب الستة، وبما أنه لقي عناية من العلماء لم يلقها غيرُه من التهذيب والتعليق والاختصار لذا؛ سأتكلم عنه وعن تهذيباته ومختصراته بشيء من التفصيل، وقبل الكلام على الكتاب وتهذيباته ومختصراته إليك أشهرَ أسماء العلماء الذين هذَّبوا هذا الكتاب أو استدركوا عليه، أو اختصروه مع أسماء مؤلفاتهم على...الكمال في أسماء الرجال" لعبد الغني المقدسي الكتاب واسع جدًّا وفيه بعض الإشكاليات، وفيه بعض الاستدراكات، وبعض القصور، فجاء الإمام المزيُّ -رحمه الله تعالى- فاختصر "الكمال" في كتاب سماه "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للحافظ المزي، والحق يُقال: إن قبل طباعة "تهذيب الكمال" للمزي كان الباحثون في حيرة شديدة، لأنك مثلاً إذا أردت البحث في إسناد يقول البخاري مثلاً: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر -هو محمد بن جعفر-، حدثنا شعبة مثلاً عن أبي إسحاق عن عقبة بن عامر مثلاً، هذا إسناد. وأنا أريد دراسة الإسناد، الطالب وهو يبحث عن محمد بن بشار، أو يبحث عن محمد بن جعفر. أنت تأتي باسم محمد بن جعفر وترجع إلى الكتاب، كيف تستدل على محمد بن جعفر؟ أنت عندك مثلاً ثلاثة أو أربعة في "تهذيب الكمال" اسمهم محمد بن جعفر، فأبحث بالشيخ والتلميذ، يعني أبحث عمَّن اسمه محمد بن جعفر أرى في شيوخه شعبة وفي تلاميذه محمد بن بشار، فالمزي -رحمه الله تعالى- طريقة التصنيف في هذه الكتب يقول مثلاً: محمد بن جعفر ويذكر بقية الاسم والنسب والكنية والقبيلة إلى غير ذلك إلى آخر الاسم ثم يقول شيوخه، فيأتي بجميع شيوخ الراوي مرتبين على حروف "ألفباء" في هذه المنطقة، ثم بعد ذلك يقول تلاميذه، فيأتي بجميع تلاميذ الراوي مرتبين على حروف "ألفباء" في هذه النقطة، فأنا وأنا أبحث عن محمد بن جعفر أنظر في شيوخه في حرف "الشين" إن وجدت شعبة؛ إذن هذا هو محمد بن جعفر الذي أبحث عنه، أتأكد أكثر حين أجد في التلاميذ محمد بن بشار، هذا كلام أغلبيٌّ يمثل ثمانين بالمائة من أحوال التراجم.
قد يأتي لك راوٍ اسمه محمد بن جعفر وشيخه شعبة وتلميذه محمد بن بشار تجد اثنين بهذا الوصف، فتحتاج إلى الترجيح بقرائن، لكن ثمانين بالمائة من التراجم إنما يُبحث عنها بالشيوخ والتلاميذ، فقبل طبع كتاب "تهذيب الكمال" لا يمكن لك الوقوف على حال الراوي إلا بوجود الشيوخ والتلاميذ معك، فكنا نرجع إلى المخطوطات، فالآن صار الأمر سهلا.
فـ"تهذيب الكمال" كتابٌ لا يُستغنى عنه أبدًا في مكتبة طالب الحديث، لا يستطيع الطالب أن يكون طالبَ حديث من غير النظر في "تهذيب الكمال" .
فالمزي -رحمه الله تعالى- أتى فاختصر "الكمال" لعبد الغني هذبه، الكتاب مطبوع في خمسة وثلاثين مجلدا بتحقيق بشار عواد.
ثم لطول الكتاب وكِبَر حجْمه جاء حافظان من الحفاظ الكبار الأسْبق في الزمان الحافظ المزيّ ويليه الحافظ الذهبيّ، ويليه في الترتيب الزمانيّ الحافظ ابن حجر.
يقول الإمام الذهبي : " التمس مني بعض الأخلاء اختصارً لتهذيب الكمال ، والإتيان بالأهم فالأهمِّ ، وإن كان كلُّه في حكم المهم ، قلت : لوصنفتُ شرحاً لكان أولى من أن أوليه تنقيصاً وجرحاً ، ثم فكرت، فإذا الأعمار مولية ، والهمم قصيرة ، وضروريات الكتاب محتاج إليها في الجملة ، فاختصرته مثبتا لذلك تاركاً التطويل "(2/33)
ورغم هذا ، فإنَّ كتاب التذهيب للحافظ الذهبي جاء مشتملاً على إضافات نفيسة ، وتعليقات مفيدة ، ولطائف من كل فنون علم الحديث المتصلة بدراسة الرجال ، فقد عنيَ فيه بإبراز المؤتلف والمختلف من أسماء الرجال ، وهو ما يتفق في الخطِّ ويختلف في النطق ، وكذلك عنيَ ببيان وفاة كثير من المترجم لهم ، وغير ذلك من الإضافات التي التقطها الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب ، حيث يقول في مقدمته : " وقد ألحقت في هذا المختصر ما التقطنه من تذهيب التهذيب للحافظ الذهبي "(1).
وعلى كلٍّ ، فرغم أن تذهيب التهذيب كان اختصارا لتهذيب الكمال ، إلا أنه بعد إضافات الإمام الذهبي النافعة ، والتي ذهبَ بها مختصره ، وما بثَّه في ذلك المختصر من روحه العلمية ، ما جعل الكتاب يكاد أن يصبح مؤلفاً مستقلًّا ، وإضافة أصيلة في علم الرجال .
ثم اختصر "تذهيب التهذيب" في الكاشف في أسماء الرجال، في ثلاثة مجلدات وهو كتاب نفيس في بابه .
والحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- اختصر "تهذيب الكمال" في "تهذيب التهذيب" بين التسمية هذه وهذه حرف، هذا "تذهيب" وهذا "تهذيب" اسمه "تهذيب التهذيب" مطبوع في اثني عشر مجلدا من غير الفهارس، مطبوع قديمًا.
فالحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- اقتصر على مشاهير شيوخ الراوي وتلاميذه، يعني المزي هنا يأتي بكل الرواة الذين رَوَى عنهم الراوي، وكل التلاميذ الذين رَوَوْا عنه. جاء الحافظ ابن حجر هنا فاختصر في مسألة الشيوخ والتلاميذ هذه رفع من كل راوٍ النصف أو الثلثين، وأبقى الثلث منه ، أو يذكر سبعة ثمانية رواة من الذين تدور عليهم أحاديث الراوي، والمزي -رحمه الله تعالى- زاد على "الكمال" وهو يصنِّف كتابه "التهذيب" أنه بعدما يورد ترجمة الراوي يأتي بحديث من مروياته يقول: حدثنا فلان عن فلان إلى أن يذكر هذا الشيخ الذي يترجم له، يعني مثلاً يترجم لشعبة في ، بعدما ينتهي من الكلام على ترجمة شعبة يقول: وقد وقع لي من حديثه عاليًا: حدثنا فلان عن فلان عن فلان إلى أن يأتي على شعبة ويذكر ما فوق شعبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويذكر حديثا أو حديثيْنِ أو ثلاثة أحيانًا، فزاد حجم الكتاب جدًّا.
ومرويات المزيّ في "تهذيب الكمال" تمثل تقريبًا من ربع إلى ثلث الكتاب، فالحافظ ابن حجر رفع هذا من الكتاب التي هي مرويات المزي التي ساقها بأسانيده عَقِبَ ترجمة كل راوٍ أو معظم الرواة؛ لأن هناك رواة لم يذكر لهم أحاديث، وزاد الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- على كلام المزي في "التهذيب" كلام المغاربة على الرواة، علماء المغرب لهم كتب، وعلماء الأندلس، فجاء بكلام المغاربة كلامٍ في الجرح والتعديل زيادة على ما أتى به المزي -رحمه الله تعالى- لكن يبقى للمزي مَزِيَّةٌ ليست لغيره، وهي: أن المزي -رحمه الله تعالى- يورد جميع تلاميذ الراوي وشيوخه، أنا إن لم أنظر في "تهذيب الكمال"؛ لن أستطيع تعيين الراوي، فقد تجد راويا اسمه متشابهٌ مع سبعة رواة في اسم الأب والجد؛ فمن الذي يفصل لك في تعيين الراوي أن هذا فلانٌ بعينه؟
"تهذيب الكمال" وليس "تهذيب التهذيب" رغم الاختصار، ورغم الإتيان بكلام هو كلام في الحقيقة لا يَفْصل، لا يقدم ولا يؤخر في حال الراوي؛ لأنه كلام متأخرين والعمدة في الجرح والتعديل على كلام المتقدمين.
__________
(1) - تهذيب التهذيب 1/7(2/34)
جاء الحافظ ابن حجر فاختصر "تهذيب التهذيب" في "تقريب التهذيب"، و"تقريب التهذيب" طُبِعَ في مجلدين طبعة قديمة بعناية الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، ثم هناك نسخة لصلاح عبد الموجود، ونسخة لواحد أفغاني أو باكستاني اسمه شغيف أحمد وقدَّم لها الشيخ بكر أبو زيد وهي تعتبر أتقنَ النسخ.و"تقريب التهذيب" يضع يدك على حال الراوي في جملة واحدة، يعني بعد أن يذكر اسم الراوي، ومثلاً الطبقة أنه في الطبقة الثانية في التابعين أم في أتباع التابعين أم كما سنبين عند الكلام عليه يقول لفظا واحدا: ثقة، صدوق، ضعيف، صدوق يهم، صدوق له أوهام، كذاب، فيأتي في حال الراوي يفصل فيه بكلمة واحدة، وقَلَّ أن تجد راويًا من رواة التقريب سكت عنه الحافظ لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
ــــــــــــــ
الأول
الكمالُ في أسماء الرجال للمقدسي
عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ ،الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الصَّادِقُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، الأَثَرِيُّ، المُتَّبَعُ، عَالِمُ الحُفَّاظِ، تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرِ بنِ رَافِعِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَنْشَأ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ (الأَحكَامِ الكُبْرَى)، وَ(الصُّغْرَى).
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِجُمَّاعِيلَ، أَظنُّهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، قَالَتْ وَالِدتِي: هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيْهَا الشَّيْخِ المُوَفَّقِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالمُوَفَّقُ وُلِدَ فِي شَعْبَان.
سَمِعَ الكَثِيْرَ بِدِمَشْقَ، وَالإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَبَيْتَ المَقْدِسِ، وَمِصْرَ، وَبَغْدَادَ، وَحَرَّانَ، وَالمَوْصِلَ، وَأَصْبَهَانَ، وَهَمَذَانَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ.
وَلَمْ يَزَلْ يَطلبُ، وَيَسْمَع، وَيَكْتُبُ، وَيسهَرُ، وَيدأَبُ، وَيَأْمرُ بِالمَعْرُوفِ، وَيَنَهى عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتقِي اللهَ، وَيَتعبَّدُ، وَيَصُوْمُ، وَيَتهجَّدُ، وَيَنشرُ العِلْمَ، إِلَى أَنْ مَاتَ.
رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ مرَّتينِ، وَإِلَى مِصْرَ مرَّتينِ، سَافرَ إِلَى بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، فَكَانَا يَخْرُجَانِ مَعاً، وَيَذْهَبُ أَحدُهُمَا فِي صُحْبَة رفِيقِهِ إِلَى دَرْسِهِ وَسَمَاعِهِ، كَانَا شَابَّيْنِ مُخْتَطّين، وَخوَّفَهُمَا النَّاسُ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ الحَافِظُ مَيْلُهُ إِلَى الحَدِيْثِ، وَالمُوَفَّقُ يُرِيْدُ الفِقْهَ، فَتفقَّهَ الحَافِظُ، وَسَمِعَ المُوَفَّقُ مَعَهُ الكَثِيْرَ، فَلَمَّا رَآهُمَا العُقَلاَءُ عَلَى التَّصَوُّنِ وَقِلَّةِ المُخَالَطَةِ أَحَبُّوهُمَا، وَأَحْسَنُوا إِلَيهُمَا، وَحصَّلاَ عِلْماً جمّاً، فَأَقَامَا بِبَغْدَادَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَنَزَلاَ أَوَّلاً عِنْد الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَأَحْسَنَ إِلَيهِمَا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ قُدُومِهِمَا بخَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ اشْتَغَلاَ بِالفِقْهِ وَالخِلاَفَةِ عَلَى ابْنِ المنِّي.
تَصَانِيْفُهُ:(2/35)
كِتَابُ (المِصْبَاح فِي عُيونِ الأَحَادِيْثِ الصِّحَاحِ) مشتملٌ عَلَى أَحَادِيْثِ (الصَّحِيْحَيْنِ)، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيْدِهِ، فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ جُزْءاً، كِتَابُ (نِهَايَة المُرَادِ) فِي السُّنَن نَحْوُ مائَتَيْ جزءٍ لَمْ يَبَيِّضْهُ، كِتَابُ (اليَواقيت) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (تُحْفَة الطَّالبينَ فِي الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِيْنَ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (فَضَائِل خَيْرِ البرِيَّةِ) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، كِتَابُ (الرَّوْضَة) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (التَّهجُّد) جزآن، كِتَابُ (الفَرَج) جزآنِ، كِتَابُ (الصِّلاَت إِلَى الأَمْوَاتِ) جزآنِ، (الصِّفَات) جزآنِ، (مِحْنَة الإِمَامِ أَحْمَدَ) جزآن، (ذَمّ الرِّيَاءِ) جزء، (ذَمّ الغِيبَةِ) جزء، (التَّرغِيب فِي الدُّعَاءِ) جزء، (فَضَائِل مَكَّةَ) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، (الأَمْر بِالمَعْرُوفِ) جزءٌ، (فَضل رَمَضَانَ) جزء، (فَضل الصَّدَقَةِ) جزء، (فَضل عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ) جزءٌ، (فَضَائِل الحَجِّ) جزءٌ، (فَضل رَجَب)، (وَفَاة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ) جزءٌ، (الأَقسَام الَّتِي أَقسمَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - )، كِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ) بِسندٍ وَاحِدٍ، (أَرْبَعِيْنَ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ العَالِمِينَ)، كِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ) آخرُ، كِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ) رَابعُ، (اعْتِقَاد الشَّافِعِيِّ) جزءٌ، كِتَابُ (الحِكَايَاتِ) سَبْعَةُ أَجزَاءٍ، (تَحَقِيْق مُشْكِلِ الأَلْفَاظِ) مجلَّدَيْنِ، (الجَامِعُ الصَّغِيْرِ فِي الأَحكَامِ) لَمْ يَتِمَّ، (ذِكْر القُبُوْرِ) جزءٌ، (الأَحَادِيْث وَالحِكَايَات) كَانَ يَقرؤهَا لِلْعَامَّةِ، مائَة جزءٍ، (مَنَاقِب عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ) جزءٌ، وَعِدَّةُ أَجزَاءٍ فِي (مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ)، وَأَشيَاءَ كَثِيْرَةً جِدّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيْعُ بِأَسَانِيْدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيْحِ الشَّدِيدِ السُّرعَةِ، وَ(أَحكَامه الكُبْرَى) مُجَلَّدٌ، وَ(الصَّغرَى) مُجَيْلِيْدٌ، كِتَابُ (درر الأَثرِ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (السَّيرَة) جزءٌ كَبِيْرٌ، (الأَدعيَة الصَّحيحَة) جزءٌ، (تَبيين الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) جزآن، تَدُلُّ عَلَى برَاعتِهِ وَحفظِهِ، كِتَابُ (الكَمَال فِي مَعْرِفَةِ رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ) فِي أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، يَرْوِي فِيْهِ بِأَسَانِيْدِهِ.
فِي حِفْظِهِ:
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ: كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ لاَ يَكَادُ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إِلاَّ ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سقمَهُ، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إِلاَّ قَالَ: هُوَ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ الفُلاَنِيُّ، وَيذكرُ نسبَهُ، فَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظِ أَبِي مُوْسَى، فَجرَى بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ منَازعَةً فِي حَدِيْثٍ، فَقَالَ: هُوَ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ).
فَقُلْتُ: لَيْسَ هُوَ فِيْهِ.
قَالَ: فَكَتَبَهُ فِي رُقْعَةٍ، وَرفعهَا إِلَى أَبِي مُوْسَى يَسْأَلُهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي أَبُو مُوْسَى الرُّقْعَةَ وَقَالَ: مَا تَقُوْلُ؟
فَقُلْتُ: مَا هُوَ فِي (البُخَارِيِّ)، فَخجِلَ الرَّجُلُ.
يَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى عفَا اللهُ عَنْهُ: قَلَّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا يَفهَمُ هَذَا الشَّأْنَ كفَهْمِ الشَّيْخِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيِّ، وَقَدْ وُفِّقَ لِتبيينِ هَذِهِ الغلطَات، وَلَوْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمثَالُهُ فِي الأَحْيَاءِ لَصَوَّبُوا فَعلَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَفهَمُ فِي زَمَانِنَا مَا فَهِمَ زَادَهُ اللهُ عِلْماً وَتوفِيقاً.(2/36)
فِي إِفَادَتِهِ وَاشتِغَالِهِ:
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ- رحمَهُ اللهُ- مُجْتَهِداً عَلَى الطَّلَبِ، يُكرِمُ الطَّلبَةَ، وَيُحسِنُ إِلَيْهِم، وَإِذَا صَارَ عِنْدَهُ طَالبٌ يَفهَمُ أَمرَهُ بِالرِّحلَةِ، وَيَفرحُ لَهُم بِسَمَاعِ مَا يَحصِّلُونَهُ، وَبسَبَبه سَمِعَ أَصْحَابُنَا الكَثِيْرَ.
أَوْقَاتُهُ:
كَانَ لاَ يُضيِّع شَيْئاً مِنْ زَمَانه بِلاَ فَائِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الفَجْر، وَيلقّن القُرْآن، وَرُبَّمَا أَقرَأَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ تلقيناً، ثُمَّ يَقوم فَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي ثَلاَث مائَة رَكْعَة بِالفَاتِحَة وَالمعوّذتين إِلَى قَبْل الظُّهْر، وَيَنَام نَوْمَة، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْر، وَيَشتغل إِمَّا بِالتّسمِيْع، أَوْ بِالنّسخ إِلَى المَغْرِب، فَإِنْ كَانَ صَائِماً، أَفطر، وَإِلاَّ صَلَّى مِنَ المَغْرِب إِلَى العشَاء، وَيُصَلِّي العشَاء، وَيَنَام إِلَى نِصْف اللَّيْل أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَامَ كَأَنَّ إِنْسَاناً يُوقظه، فَيُصَلِّي لَحْظَةً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إِلَى قُرب الفَجْر، رُبَّمَا تَوضَأَ سَبْع مَرَّاتٍ أَوْ ثَمَانِياً فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ: مَا تَطِيبُ لِي الصَّلاَة إِلاَّ مَا دَامت أَعضَائِي رطبة، ثُمَّ يَنَام نَوْمَة يَسِيْرَة إِلَى الفَجْر، وَهَذَا دَأْبُهُ.
قِيَامُهُ فِي المُنْكَرِ:
كَانَ لاَ يَرَى مُنْكراً إِلاَّ غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَكَانَ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم.
قَدْ رَأَيْتُهُ مرَّة يهرِيق خمراً، فَجبذ صَاحِبُهُ السَّيْف فَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ، وَكَثِيْراً مَا كَانَ بِدِمَشْقَ يُنكِرُ وَيَكسر الطَّنَابِيرَ وَالشَّبابَات.
وَمِنْ شَمَائِله:
قَالَ الضِّيَاء: مَا أَعْرف أَحَداً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ رَآهُ إِلاَّ أَحَبّه وَمَدَحَهُ كَثِيْراً؛ سَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ الحَرَّانِيّ بِأَصْبَهَانَ، قَالَ: كَانَ الحَافِظ يَصطف النَّاس فِي السُّوق يَنظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ بِأَصْبَهَانَ مُدَّة وَأَرَادَ أَنْ يَملكهَا، لملكهَا.
مَا ابْتُلِيَ الحَافِظُ بِهِ:
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَأَلت الله أَنْ يَرْزُقنِي مِثْل حَال الإِمَام أَحْمَد، فَقَدْ رزقنِي صلاَته قَالَ: ثُمَّ ابْتُلِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُوذِي.
وَبِكُلِّ حَال: فَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالعِلْم وَالتَأَلّه وَالصّدع بِالْحَقِّ، وَمَحَاسِنه كَثِيْرَة، فَنَعُوذ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَالمِرَاء وَالعصبيَّة وَالافترَاء، وَنبرَأُ مِنْ كُلِّ مُجَسِّم وَمُعطِّل.
مِنْ فِرَاسَةِ الحَافِظِ وَكَرَامَاتِهِ:
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاء: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ وَالِدِي بِمِصْرَ وَهُوَ يذكر فَضَائِل سُفْيَان الثَّوْرِيّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِن وَالِدِي مِثْله.
فَالْتَفَت إِلَيَّ، وَقَالَ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَولئك؟
وَسَمِعْتُ الرَّضِيَّ عَبْد الرَّحْمَانِ يَقُوْلُ: كَانَ رَجُل قَدْ أَعْطَى الحَافِظ جَامُوْساً فِي البَحْرَةِ، فَقَالَ لِي: جِئْ بِهِ، وَبِعْهُ.
فَمضيت، فَأَخَذتهُ، فَنفر كَثِيْراً، وَبَقِيَ جَمَاعَة يَضحكُوْن مِنْهُ.
فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ بِبركَة الحَافِظ سهّل أَمره، فَسُقته مَعَ جَامُوْسَيْنِ، فَسهُل أَمره، وَمَشَى فَبعته بقَرْيَة.
وَفَاتُهُ:(2/37)
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: مَرِضَ أَبِي فِي رَبِيْع الأَوَّلِ مرضاً شدِيداً منعه مِنَ الكَلاَم وَالقِيَام، وَاشتدَّ سِتَّةَ عشرَ يَوْماً، وَكُنْت أَسْأَلُهُ كَثِيْراً: مَا يَشتهِي؟ فَيَقُوْلُ: أَشتهِي الجَنَّة، أَشتهِي رَحْمَة الله.
لاَ يَزِيْد عَلَى ذَلِكَ، فَجِئْته بِمَاء حَارّ، فَمدَّ يَده، فَوضأته وَقت الفَجْر، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! قُمْ صلّ بِنَا، وَخفّف.
فَصَلَّيْت بِالجَمَاعَة، وَصَلَّى جَالِساً، ثُمَّ جلَسْت عِنْد رَأْسه، فَقَالَ: اقْرَأْ يَس.
فَقرَأتهَا، وَجَعَلَ يَدعُوا وَأَنَا أُؤمّن، فَقُلْتُ: هُنَا دواء تَشْرَبُهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ! مَا بَقِيَ إِلاَّ المَوْت.
فَقُلْتُ: مَا تَشتهِي شَيْئاً؟
قَالَ: أَشتهِي النَّظَر إِلَى وَجه الله- سُبْحَانه-.
فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ عَنِّي رَاض؟
قَالَ: بَلَى وَاللهِ.
فَقُلْتُ: مَا تُوصي بِشَيْءٍ؟
قَالَ: مَا لِي عَلَى أَحَد شَيْء، وَلاَ لأَحدٍ عَلَيَّ شَيْء.
قُلْتُ: تُوصينِي؟
قَالَ: أُوصيك بتَقْوَى الله، وَالمحَافِظَة عَلَى طَاعته، فَجَاءَ جَمَاعَة يَعُوْدُوْنَهُ، فَسلّمُوا، فَردّ عَلَيْهِم، وَجَعَلُوا يَتحدثُونَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ اذكرُوا الله، قَوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله.
فَلَمَّا قَامُوا، جَعَلَ يذَكَرَ الله بِشفتيه، وَيُشِيْر بِعَيْنَيْهِ، فَقُمْت لأنَاول رَجُلاً كِتَاباً مِنْ جَانب المَسْجَد، فَرَجَعت وَقَدْ خَرَجت روحه -رَحِمَهُ الله- وَذَلِكَ يَوْم الاثْنَيْنِ، الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ، وَبَقِيَ لَيْلَة الثُّلاَثَاء فِي المَسْجَدِ، وَاجْتَمَعَ الخلق مِنَ الغَدِ، فَدَفَنَّاهُ بِالقرَافَة.
قَالَ الضِّيَاء: تَزَوَّجَ الحَافِظ بِخَالتِي رَابِعَة ابْنَة خَاله الشَّيْخ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة، فَهِيَ أُمّ أَوْلاَده مُحَمَّد وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرَّحْمَانِ وَفَاطِمَة، ثُمَّ تسرَّى بِمِصْرَ.
قُلْتُ: أَوْلاَده عُلَمَاء:
فَمُحَمَّدٌ: هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الإِمَام الرَّحَّال عِزّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ.
وَعَبْد اللهِ: هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ المُصَنِّف جَمَال الدِّيْنِ أَبُو مُوْسَى، رحل وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَخَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، مَاتَ كَهْلاً، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَعَبْد الرَّحْمَانِ: هُوَ المُفْتِي أَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، سَمِعَ مِنَ البُوْصِيْرِيّ وَابْن الجَوْزِيِّ، عَاشَ بِضْعاً وَخَمْسِيْنَ، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
مِن المَنَامَاتِ:
أَوْرَد لَهُ الشَّيْخ الضِّيَاء عِدَّة مَنَامَات، مِنْهَا: سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْد الغَنِيِّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ وَأَنَا أَمْشِي خلفه إِلاَّ أَنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلاً.
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي صنِيعَة الملك هِبَة اللهِ بن حَيْدَرَةَ، قَالَ:
لَمَّا خَرَجت لِلصَّلاَة عَلَى الحَافِظ، لَقِيَنِي هَذَا المَغْرِبِيُّ، فَقَالَ: أَنَا غَرِيْب، رَأَيْت البَارِحَة كَأَنِّيْ فِي أَرْض بِهَا قَوْم عَلَيْهِم ثِيَاب بيض، فَقُلْتُ: مَا هَؤُلاَءِ؟ قِيْلَ: مَلاَئِكَة السَّمَاء نَزلُوا لِمَوتِ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقِيْلَ لِي: اقعدْ عِنْد الجَامِع حَتَّى يَخْرُج صنِيعَة الملك، فَامض مَعَهُ، قَالَ: فَلقيته وَاقفاً عِنْد الجَامِع.(2/38)
سَمِعْتُ الشَّيْخ عَبْد اللهِ بن حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الكُرْدِيّ بِحَرَّانَ يَقُوْلُ: قَرَأْت فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة، وَجَعَلت ثوَاب عشر مِنْهَا لِلْحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ترَى يَصل هَذَا إِلَيْهِ؟
فَرَأَيْت فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عِنْدِي ثَلاَثَة أَطباق رطب، فَجَاءَ الحَافِظ، وَأَخَذَ وَاحِداً مِنْهَا.(1)
إن من أقدم ما وصلنا من كتب التراجم الخاصة برجال الكتب الستة كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسيّ الْجُمَّاعِيليّ الحنبليّ المتوفى سنة ستمائة للهجرة. ويعتبر هذا الكتاب أصلاً لمن جاء بعده في هذا الباب، غير أنه أطال فيه مع أنه يحتاج إلى استدراك لبعض التراجم، وتحرير لبعض المسائل، وتهذيب لكثير من الأقوال والأمثلة، وهو مع ذلك -كما قال الحافظ ابن حجر- من أَجَلِّ المصنفات في معرفة حملة الآثار وَضْعًا، وأعظم المؤلفات في بصائر ذوي الألباب وَقْعًا.
ــــــــــــــ
الثاني
تهذيب الكمال للمزي
يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك ابن علي بن أبي الزهر الكلبي القضاعي الدمشقي ،شيخنا وأستاذنا وقدوتنا ،الشيخ جمال الدين أبو الحجاج المزي ،حافظ زماننا حامل راية السنَّة والجماعة والقائم بأعباء هذه الصناعة والمتدرع جلباب الطاعة ،إمام الحفاظ كلمة لا يجحدونها وشهادة على أنفسهم يؤدونها ورتبة لو نشر أكابر الأعداء لكانوا يودونها ، واحد عصره بالإجماع وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقول الأسماع ، والذي ما جاء بعد ابن عساكر مثله وإن تكاثرت جيوش هذا العلم فملأت البقاع، جد طول حياته فاستوعب أعوامها واستغرق بالطلب لياليها وأيامها وسهر الدياجي في العلم إذا سهرها غيره في الشهوات أو نامها ، ذكره شيخنا الذهبي في تذكرة الحافظ وأطنب في مدحه وقال : نظر في اللغة ومهر فيها وفي التصريف وقرأ العربية، وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها لم تر العيون مثله انتهى.
وذكره في المعجم المختص وأطنب ثم قال : يشارك في الفقه والأصول ويخوض في مضايق المعقول فيؤدي الحديث كما في النفس متنا وإسنادا وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم انتهى.
وقد قدمنا في ترجمة الشيخ الإمام الوالد أني سمعت شيخنا الذهبي يقول: ما رأيت أحفظ منه ،وأنه بلغني عنه أنه قال : ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي وترتيبهم حسبما قدمناه ، وأنا لم أر من هؤلاء الأربعة غير المزي، ولكن أقول: ما رأيت أحفظ من ثلاثة المزي والذهبي والوالد .
وبالجملة كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه يقرأ عليه القارئ نهارا كاملا والطرق تضطرب والأسانيد تختلف وضبط الأسماء يشكل وهو لا يسهو ولا يغفل، يبين وجه الاختلاف ويوضح ضبط المشكل ويعين المبهم ،يقظ لا يغفل عند الاحتياج إليه وقد شاهدته الطلبة ينعس فإذا أخطأ القارئ ردَّ عليه كأنَّ شخصا أيقظه وقال له قال هذا القارئ كيت وكيت هل هو صحيح وهذا من عجائب الأمور.
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (21/444) فما بعدها - 235 -(2/39)
وكان قد انتهت إليه رئاسة المحدثين في الدنيا ،وكنت أنا كثير الملازمة للذهبي أمضي إليه في كل يوم مرتين بكرة والعصر، وأمَّا المزي فما كنت أمضي إليه غير مرتين في الأسبوع، وكان سبب ذلك أن الذهبي كان كثير الملاطفة لي والمحبة فيَّ بحيث يعرف من عرف حال معه أنه لم يكن يحبُّ أحدا كمحبته فيَّ، وكنت أنا شابا فيقع ذلك مني موقعا عظيماً، وأمَّا المزي فكان رجلا عبوسا مهيبا، وكان الوالد يحب لو كان أمري على العكس أعني يحبُّ أن ألازم المزي أكثر من ملازمة الذهبي لعظمة المزي عنده.(1)
وشغر مرة مكان بدار الحديث الأشرفية فنزلني فيه فعجبت من ذلك، فإنه كان لا يرى تنزيل أولاده في المدارس، وها أنا لم أل في عمري فقاهة في غير دار الحديث ولا إعادة إلا عند الشيخ الوالد ،وإنما كان يؤخرنا إلى وقت استحقاق التدريس على هذا ربانا رحمه الله، فسألته فقال ليقال: إنك كنت فقيها عند المزي.
ولما بلغ المزي ذلك أمَرهم أن يكتبوا اسمي في الطبقة العليا، فبلغ ذلك الوالد فانزعج وقال: خرجنا من الجدِّ إلى اللعب لا والله عبد الوهاب شاب ولا يستحق الآن هذه الطبقة، اكتبوا اسمه مع المبتدئين، فقال له شيخنا الذهبي: والله هو فوق هذه الدرجة وهو محدِّثٌ جيدٌ ،هذه عبارة الذهبي، فضحك الوالد وقال : يكون مع المتوسطين .
وقال الذهبي في التذكرة : إن المزي كان يقرر طريقة السَّلف في السنَّة فيعضد ذلك بقواعد كلامية ومباحث نظرية ، قال: وجرى بيننا مجادلات ومعارضات في ذلك تركها أسلم انتهى .
وكان للمزي ديانةٌ متينةٌ وعبادةٌ وسكونٌ وخيرٌ.
مولده في ليلة العاشر من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب سمع منه ابن تيمية والبرزالي والذهبي وابن سيد الناس والشيخ الإمام الوالد وخلق لا يحصون ،وصنف تهذيب الكمال المجمع على أنه لم يصنف مثله وكتاب الأطراف توفي في يوم السبت ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بدار الحديث الأشرفية ودفن بمقابر الصوفية اهـ(2)
وحيث إن الكتاب يحتاج إلى تهذيب وإكمال وتحرير؛ فقد قام الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزيّ بتهذيبه وإكماله في كتاب سَمَّاه "تهذيب الكمال" وقد أجاد في هذا الكتاب وأحسن، كما وصفه الحافظ ابن حجر، لكنه أطال فيه أيضًا، ويقول ابن السبكي في وصفه: أُجْمِعَ على أنه لم يُصَنَّف مثله ولا يُستطاع.
وذَيَّل على كتاب المزي وأكمله الحافظ علاء الدين مُغْلطاي المتوفى سنة اثنين وستين وسبعمائة للهجرة، وسَمَّى تذييله هذا "إكمال تهذيب الكمال" وهو كتاب كبير جليل نافع، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه انتفع بكتاب مغلطاي هذا.
__________
(1) - انظر يا رعاك الله على هذا الأدب الجم ، فمع اختلافه مع الإمام الذهبي لم يمنع ابنه من الانتفاع به ، وحضور مجالسه ، وهذا إن دلَّ على شبء فإنما يدلُّ على تدخل القدر في ذلك ، ففي صحيح البخارى(4949 ) عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ « اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ » . ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) الآيَةَ .
(2) - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي - (ج 10 / ص 196) فما بعدها - 1417-(2/40)
طُبِعَ كتاب مغلطاي في قرابة اثني عشر مجلدًا قبل ثلاث أو أربع سنوات في مطبعة الفاروق بتحقيق الشيخ عادل محمد -حفظه الله تعالى-.
وقد سار المزيّ في كتابه "تهذيب الكمال" على النحو التالي:
أولاً: ترجم لرجال الكتب الستة، ولرجال المصنفات التي صَنَّفَهَا أصحاب الكتب الستة إلا أنه ترك مصنفاتهم المتعلقة بالتواريخ؛ لأن الأحاديث التي تَرِدُ فيها غير مقصودة بالاحتجاج.
ثانيًا: رَمَزَ في كل ترجمة رموزًا تدلُّ على المصنفات التي روت أحاديثَ من طريق صاحب الترجمة.
فالمزي -رحمه الله تعالى- حين يورد الترجمة يقول مثلاً: ترجمة الإمام أحمد مثلاً، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ويسوق طبعًا النسب والمولد ونحو ذلك قبل أن يورد الاسم يقول مثلاً "ع" إذا قال "ع" معناها أنه أخرج له الجماعة، وإذا قال مثلاً "خ م" معناه أنه أخرج له البخاري ومسلم كما صنع تمامًا بتمام في كتاب "تحفة الأشراف" يقول مثلاً إذا ذكر أنه خَرَّجَ له أبو داود والنسائي فيذكر "دس" أو يذكر ابن ماجه "هـ" مثلاً و"ت" للترمذي وهكذا في كل راوٍ مع بداية الكلام على اسم الراوي يذكر من خَرَّجَ له من أصحاب السُّنَن، إذا كان السُّنَن الأربعة فيذكر رقم أربعة، وهكذا إلى آخر الكتاب، فيذكر أولاً من خَرَّجَ له من أصحاب الكتب السِّتة إما مجتمعين أو متفرقين.
ثالثًا: ذكر في ترجمة كل راوٍ شيوخه وتلاميذه على الاستيعاب قَدْرَ ما تيسر له، وقد حصل من الشيء المبدع أن المزي -رحمه الله تعالى- كأنه حاسبٌ آليٌّ أنه يذكر داخل الشيوخ والتلاميذ كأنه لا يكتفي بذكر أن هذا الراوي الذي يترجم له مُخَرَّج له في الصحيحين أو في الكتب الستة أو في السُّنَن الأربعة أو في بعضها لا، هو يأتي في الشيوخ ويقول مثلاً: محمد بن جعفر، الذي هو غندر في ترجمة غندر، يقول: خَرَّجَ له شعبة، وبجانب شعبة مثلاً الكتب التي خَرَّجت لمحمد بن جعفر عن شعبة،ولمحمد بن جعفر روى عن الأعمش يذكر بجوار الأعمش مسلما مثلاً، أو السُّنَن الأربعة أو غير ذلك، فيذكر في الشيوخ والتلاميذ أحاديث الراوي المترجم له عن ذلك الشيخ في أيِّ كتاب، وأحاديث الراوي المترجم له روى عنه تلميذه في أي كتاب، وهذه عبقرية فذَّة، نعم هو اقتصر على الكتب الستة، وذكر رواة كثيرين ليسوا في الكتب الستة، روى عنهم الشيخ أو رووا عنه، ويمكن الاستدراك بذكر مثلاً أين توجد رواية هذا الراوي عن ذلك الشيخ إذا كانت خارج الكتب الستة، لكن كونه يذكر أن الراوي روى عن شيخه في أي كتاب والتلميذ روى عن شيخه في أي كتاب، فهذه تدلُّ على براعة ودقةٍ وإتقان من المزِّي قَلَّ أن توجد في غيره من المصنفين -رحمه الله تعالى ورحم الله جميع علمائنا!.
رابعًا: رتَّب كلا من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه على حروف المعجم.
خامسًا: ذكر سنة وفاة الرجل، وذكر الخلاف وأقوال العلماء فيها بالتفصيل.
بالنسبة للوفيات في "تهذيب الكمال" المتفق على سنة وفاتهم يذكره، الراوي المختلف في سنة وفاته هو يذكر الخلاف، فيقول مثلاً البخاري قال في "التاريخ الكبير" إنه مات سنة كذا، وذكر الواقديُّ أنه مات سنة كذا، وذكر ابن سعد وذكر غيره، فيذكر كلام أهل العلم بالأسانيد في الوفيات، وهذا مما يحتاج إلى تحرير أيضًا في "تهذيب الكمال".
سادسًا: ذكر عددًا من التراجم ولم يُعَرِّف بأحوالهم، ولم يزد على قوله: روى عن فلان، أو روى عنه فلان، أخرج له فلان، والظاهر أنه لم يعرف شيئًا من أحوالهم، وليس ذلك بغريب، فالإحاطة بأحوال آلاف من الرواة ليس بالأمر الهيِّنِ، ومع ذلك؛ فعدد من لم يُعَرِّف بأحوالهم قليل جدًّا بالنسبة للأعداد الكثيرة جدًّا في هذا الكتاب.(2/41)
معنى ذلك أن الكلام عليه قليلٌ، وأن الراوي هذا مجهول، أو قريب من الجهالة، وأنت إذا وَسَّعْتَ دائرة البحث؛ لن تجد كلاما يشفي غليلك؛ لأن المزي إنما صَنَّفَ وهو في أواسط القرن الثامن الهجري، والأمور استوت تمامًا والمصنفات كثيرة جدًّا، والوقوف على كلام الأئمة كان سهلاً ميسورًا بخلاف أزمنتنا، فالحاصل هو أن الرواة الذين الكلام عليهم قليل في "تهذيب الكمال" سيكون عليهم قليلا أيضًا في كتب غيره من أئمة الجرح والتعديل، فلن تجد مثلاً أن هناك راويا والمزي أغفل الكلام عليه، وأنت ذهبت وأتيت بصفحة مليئة بالكلام عليه جرحا وتعديلا؛ فهذا لن تراه، إن أتيت بسطرين من كلام غيره كالدارقطني أو غيره من الزوايا المخفية ولن تجد هذا إلا بصعوبة في البحث.
سابعًا: أطال الكتاب بإيراده كثيرًا من الأحاديث التي يُخَرِّجُهَا من مروياته العالية من الموافقات والأبدال وغير ذلك من أنواع العلوم.
إن المزي إمام بارع واسع الرواية جدًّا، قَلَّ أن يأتي راوٍ من المشاهير أو من الوسط ويمرر ترجمته من غير أن يستعرض -رحمه الله تعالى- فيقول: وقد وقع لي من حديثه بدلاً عاليًا وقد وافقته في كذا، ويذكر الإسناد طويلا مثلاً، يعني المزي عندما يروي بإسناده وهو في منتصف القرن الثامن قلْ مثلاً يعني الحد الأدنى من الرواة المذكورين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر راويًا، وهذا من محفوظاته.
وَتُقَدَّرُ هذه الأحاديث من حيث الحجم بنحو ثلث حجم الكتاب.
ثامنًا: رَتَّبَ أسماء التراجم على أَحرف المعجم، بما فيها أسماء الصحابة مخلوطةً مع أسماء غيرهم خلافًا لصاحب "الكمال" الذي ترجم لأسماء الصحابة وحدهم غير مخلوطين بغيرهم، إلا أنه ابتدأ في حرف "الهمزة" بمن اسمه أحمد، وفي حرف الميم بمن اسمه محمد.
إذن المزي -رحمه الله تعالى- حين تبحث عن ترجمة مثلاً لعبد الله بن عمرو، أو عبد الله بن عباس، أو حذيفة أو غيره تأتي إلى حرف "الحاء" وتجده في ترتيبه الطبيعي، يعني لم يُصَدِّر حرف "الحاء" بالصحابة، فلما انتهى منهم أتى على غيرهم،
حرف الحاء مع الألف الحاء مع الباء مع التاء مع الثاء إلى أن تصل إلى حرف الحاء مع الذال فتجد ترجمة حذيفة في موضعها الطبيعي من الكتاب.
تاسعًا: نَسَبَ بعض الأقوال في الجرح والتعديل إلى قائليها من أئمة الجرح والتعديل بالسند، وذَكَرَ بعض تلك الأقوال بدون سند، وقال: "وما في كتابنا هذا مما لم نذكر له إسنادًا؛ فما كان بصيغة الجزم؛ فهو مما لا نعلم بإسناده إلى قائله المَحْكِيِّ عنه بأسًا، وما كان بصيغة التمريض؛ فربما كان في إسناده نظر.
فحينما يذكر كلام أبي حاتم أو كلام يحيى بن معين، أو كلام يحيى القطان، أو كلام شعبة، أو كلام الطبقة التي أنزل منها؛ كابن مهدي وابن المديني وغيره يأتي بالإسناد، فيذكر مثلاً تواريخ ابن معين كثيرة، يعني ابن معين روى عنه تلامذته سألوه كثيرًا مثلاً تاريخ ابن معين برواية عباس الدوري أربعة مجلدات بتحقيق الدكتور أحمد سيف، رواية الدقاق، رواية ابن طهمان، رواية ابن الجنيد هذه كلها تلامذة ابن معين سألوه في رواة فأجاب عنهم، فيقول مثلاً يأتي المزي فيقول: وقال ابن معين في رواية الدقاق أو قال في رواية ابن طهمان، أو في رواية الدوري أو غيره، فيذكر السؤال بإسناده، وهذا يعتبر وعاءً كبيرا لأسانيد كتب الجرح والتعديل.
فإذا حذف الإسناد وقال: قال أبو حاتم كذا، معناه أن إسناده صحيح، إذا قال: ويقال فيه كذا، إذن إسناد كلام أبي حاتم فيه نظر.
عاشرًا: نَبَّهَ على ترتيبات بعض الأسماء المبهمة أو المكنية، وما أشبه ذلك فقال:(2/42)
"فإذا كان في أصحاب الكنى من اسمه معروف من غير خلاف فيه؛ ذكرناه في الأسماء، ثم نبهنا عليه في الكنى، وإن كان فيهم مِنْ لا يُعرف اسمُه، أو اخْتُلِفَ فيه؛ ذكرناه في الكنى ونبهنا على ما في اسمه من الاختلاف، ثم النساء كذلك...
وقد ترجم لأبي هريرة رضي الله عنه في الكنى، لأنه مُخْتَلَف في اسم أبي هريرة اختلافًا كثيرًا، فيذكره في الكنى وحين يذكره في الكنى ينبه على الاختلاف الوارد في الاسم.
"وربما كان بعض الأسماء يدخل في ترجمتيْن فأكثر، فنذكره في أولى التراجم به ثم ينبه عليه في الترجمة الأخرى، وبعد ذلك فصول فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جده، أو أمه أو عمه أو نحو ذلك وفيمن اشتهر بالنسبة إلى قبيلة أو بلدة أو صناعة، وفيمن اشتهر بلقب أو نحوه وفيمن أُبْهِمَ مثل: فلان عن أبيه أو عن جده أو أمه أو عمه أو خاله أو عن رجل أو امرأة ونحو ذلك، مع التنبيه على اسم مع عُرِفَ اسمه منهم والنساء كذلك".
والخصيصة التي تَمَيَّزَ بها كتاب المزي على غيره أنه استوعب شيوخ الراوي، وتلاميذه.
فهذه هو النقطة الأساسية أو المرحلة الأولى عند دراسة الأسانيد هي تعيين الراوي؛ أي تمييزه عن غيره، وهي التي تُسمى عند علماء الحديث بالترجمة المعرفية. تراجم الرواة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ترجمة معرفية، وترجمة منقبية، وترجمة نقدية.
الترجمة المعرفة: هي التي تُميز الراوي بذكر اسمه، واسم أبيه، وجده، ونسبه، ولقبه، وكنيته إلى غير ذلك من الخصائص التي تميز الراوي عن غيره، هذه تسمَّى ترجمة معرفية.
وكلمة ترجمة -على أية حالة- عربية صريحة، وليست منقولة من لغات الأخرى.
ثم هناك ترجمة، وهي الترجمة المنقبية: هي التي تذكر الصفات الخاصة بالراوي فيما يتعلق بتزكيته وتعديله.
ثم بعد ذلك هناك تَرْجَمَة تسمَّى الترجمة النقدية وهي التي تُعنى بكلام أهل العلم في الراوي جرحا وتعديلا، وتمييزا لها عن غيرها. وهذه يُستفاد بها عند الترجيح بين الروايات المتعارضة، وهذه يُراعى فيها عدةُ أشياء ليس هذا محل الكلام عليها.
فكتاب المزي -رحمه الله تعالى- اعتنى بهذه الجوانب الثلاثة: في تمييز الراوي من غيره، وذكر كلام أقرانه، وشيوخه، وتلاميذه، والطبقات التي بعده في بيان حسناته، ومزاياه، ثم بعد ذلك كلام أهل العلم في الجرح والتعديل.
الحادي عشر؛ أي من خصائص كتاب المزي -رحمه الله- ذكر ثلاثة فصول أحدها في شروط الأئمة الستة، والثاني في الحث على الرواية عن الثقات، والثالث في الترجمة النبوية .
المزي -رحمه الله تعالى- بدأ كتابه أولا: بذكر شروط الأئمة؛ البخاري ما شرطه في كتابه؟ مسلم ما شرطه في كتابه؟ أصحاب السُّنَن الأربعة ما شرط كل واحد في الكتاب؟ منهجه الذي أبان عنه في ذكر رواة الأحاديث وهم رجال الإسناد، وفي ذكر الأحاديث نفسها.
وصنف في شروط الأئمة ابنُ طاهر المقدسيُّ صاحب كتاب "الجمع بين رجال الصحيحيْن" الذي هو ابن القيسراني، وصنف فيها أيضا الإمام الحازميّ، أحدهم ذكر شروط الأئمة الخمسة، والآخر ذكر شروط الأئمة الستة، وكلاهما مفيد لطالب العلم.
ثم بعد أن ذكر المزي شروط الأئمة؛ أي منهجه في كتابه ذكر فصلا في الحثِّ على الرواية عن الثقات، وترك الرواية عن الضعفاء والمطروحين، ثم ذكر فصلا كاملا يزيد عن مائتي صفحة تقريبا أو مائة وخمسين صفحة في الكلام على ترجمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر مناقبه، وفضائله، ومعجزاته إلى غير من الأشياء الجيدة الجميلة التي طَرَّزَ بها المزيّ وزيَّن بها كتابه.(2/43)
الثاني عشر: حذف عدة تراجم من أصل "الكمال" ممن ترجم لهم صاحب الكمال؛ بناءً على أن بعض الستَّة أخرج لهم. لكنه لم يقف -هو- على روايتهم في شيء من الكتب الستة، وهذه الرموز التي ذكرها المزيّ في كتابه، وعددها سبعة وعشرون رمزا: ع: للستة و 4 لأصحاب السُّنَن، و خ للبخاري وم لمسلم؛ فلا داعي لذكر الكلام عليها.
ــــــــــــــ
الثالث
تذهيب التهذيب للذهبي
أهم الفوائد التي يقدمها التذهيب ما يلي :
1- زاد الإمام الذهبي في أسماء الأعلام المترجم لهم أكثر من أربعين علماً ، لا ذكر لهم في التهذيب .
2-كذلك كانت للإمام الذهبي إضافات قيمة في بيان أعمار المترجم لهم ، وسني وفاتهم ، وتلك الإضافات من الكثرة بما لا تحتاج إلى ذكر هنا أو تمثيل ، ولا تخفى فائدة مثل تلك الإضافات في تعيين الرواة ، وبيان إمكانية التلاقي بينهم وبين من يروون عنهم ، مما يكشف عن انقطاع السند أو اتصاله .
3- كذلك كانت للإمام الذهبي إضافاتٌ بديعة عندما رتَّب الرواة - من الشيوخ والتلاميذ- بحسب طبقتهم بدلاً من ترتيبهم أبجديًّا كما هو الحال في تهذيب الكمال.
4- كذلك أجاد الذهبي عندما ذهَّبَ أكثر تراجم الكتاب بتعليقات واستدراكات وتنبيهات غاية في الأهمية ، مما يؤكد على غزارة علمه واتساع حافظته وجودة فكره ، ويمكن تقسيم تلك التعليقات بحسب فائدتها إلى ما يلي :
أولا- توضيح مبهم :
مثال على ذلك :
قال المزي في ترجمة : أحمد بن إسماعيل بن نبيه : حدث ببواطيل عن مالك .
هكذا دون بيان تلك البواطيل .
فقال الذهبي : ومما نُقِمَ عليه حديثه عن مالك : ( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)(1)
وفي ترجمة بقية بن الوليد بن صائد نقل المزي عن علماء الجرح والتعديل أن لبقية روايات منكرة ، هكذا دون بيان أو تفصيل .
فقال الذهبي : ولبقية مناكير وغرائب ، وله نسخة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فيها عجائب مرفوعة ، منها حديث (" تَرِّبُوا الْكِتَابَ أَنْجَحُ لَهُ ")(2)وحديث ( من أدمن على حاجبيه بالمشط عوفي من الوباء ) وحديث "إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى"(3)ثم نقل كلام ابن حبان فقال : ثنا بقية عن ابن جريج في نسخة كتبناها بهذا الإسناد كلها موضوعة، يشبه أن يكون بقية سمعه من إنسان ضعيف عن ابن جريج فدلس عليه فالتزق كل ذلك به،.(4)
وفي ترجمة حفص بن عمر بن أبي العطاف ، ذكر المزي أن له رواية عند ابن ماجة ، فقال الذهبي : حديثه « تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ شَىْءٍ يُنْتَزَعُ مِنْ أُمَّتِى ».(5).
وفي ترجمة الحكم بن مصعب المخزومي ، قال المزي : وله رواية عند أبي داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة ، هكذا بما يوهم أن له أكثر من حديث ، فقال الذهبي : له حديث واحد في الكتب ،« مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ».(6)
ثانيا- تفصيلُ مجملٍ :
__________
(1) - قلت : هو حديث صحيح مشهور ولكنه منسوخ انظر : كشف الخفاء ومزيل الإلباس (461 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي (139)
(2) - انظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس ( 257 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي (74)
(3) - نصب الراية - (ج 4 / ص 248)
(4) - المجروحين - (ج 1 / ص 202)
(5) - سنن ابن ماجه (2823 ) حسن لغيره
(6) - سنن أبى داود( 1520) والمسند الجامع - (ج 9 / ص 721) 6788 وسنن ابن ماجه( 3951 ) حسن(2/44)
قال المزي في ترجمة أحمد بن شعيب النسائي : سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة من جماعة يطول ذكرهم ، قد ذكرنا روايته عنهم في تراجمهم من كتابنا هذا ، وهكذا أجمل المزي شيوخه ، فقال الذهبي : ومن كبار شيوخه قتيبة ، وابن راهويه ،وهشام بن عمار ، وعيسى بن حماد زغبة ، ومحمد بن النضر المروزي.
ثالثا- إزالة شكٍّ :
كما في ترجمة أحمد بن صالح البغدادي ، قال المزي : روى عن يحيى بن محمد بن قيس ، ورى عنه النسائي كذا وقع ، وقيل : إنه محمد بن صالح كليجة. ، فقال الذهبي: كليجة لم يدرك يحيى بن محمد بن قيس ، وأقدم شيخ لقيه عفان .
رابعا- دفع خطأٍ :
كما في ترجمة خزيمة بن ثابت بن الفاكه ، قال المزي : هو أحد البدريين ، فقال الذهبي : الثبتُ أنه لم يشهدْ بدراً ، وشهدَ أحُداً .(1)
خامسا- دفعُ وهمٍ :
كما في ترجمة أيوب بن سويد الرملي ، قال المزي : قال عبد الله بن أيوب : غرق أيوب بن سويد في البحر سنة ثلاث وتسعين ومائة ، فقال الذهبي : هذا وهم ، والأصحُّ قول ابن أبي عاصم : أنه مات سنة اثنتين ومائتين .(2)
وفي ترجمة الحسن بن موسى الأشيب ، قال المزي : وروى عبد الله بن المديني عن أبيه قال : كان ببغداد ، وكأنه ضعَّفه ، فقال الذهبي : هذا توهمٌ من عبد الله لا أصل له .
وفي ترجمة حميد ين هلال العدوي ، قال المزي : قال ابن المديني : حميد لم يلق أبا رفاعة العدوي ، فقال الذهبي : روايته عنه في مسلم والنسائي .(3)
وفي ترجمة زهير بن معاوية بن حديج ، قال أبو زرعة : ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط ، فقال الذهبي : حديثه عن أبي إسحاق في الكتب السِّتَّة.
سادسا- بيان عقيدة المترجم له :
كما في ترجمة الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري ، قال الذهبي : كان من أئمة السنَّة والهدَى.
وفي ترجمة أحمد بن شعيب النسائي ، ذكر الذهبي أن ابن المبارك كفَّرَ من قال بأنَّ القرآنَ مخلوقٌ ، وأن النسائي صدَّقهُ على ذلك .
سابعاً - بيان صحة حديثه أو ضعفه :
كما في ترجمة جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ، ذكر المزي في مناقب جعفر حديث :« نَحْنُ وَلَدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا وَحَمْزَةُ وَعَلِىٌّ وَجَعْفَرٌ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْمَهْدِىُّ ».(4)
فقال الذهبي : هذا حديث منكر ، وعبد الله لم أر لهم فيه كلاماً ، وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِجَعْفَرٍ « أَشْبَهْتَ خَلْقِى وَخُلُقِى »(5)
__________
(1) - وفي سير أعلام النبلاء (2/485) قِيْلَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ شَهِدَ أُحُداً وَمَا بَعْدَهَا.
(2) - وفي سير أعلام النبلاء (9/432) : قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: غَرِقَ أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ فِي البَحْرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، قُلْتُ: الأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيْحُ.
(3) - وفي سير أعلام النبلاء (5/310) وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَلْقَ عِنْدِي أَبَا رِفَاعَةَ العَدَوِيَّ.
قُلْتُ: رِوَايَتُه عَنْهُ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ)، وَقَدْ أَدْرَكَه، ثُمَّ هُوَ رَجُلٌ مِنْ قَبِيْلَتِه وَمَعَهُ فِي وَطَنِه.
(4) - انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (ج 10 / ص 221)( 4688)
(5) - صحيح البخارى(2699) مطولا(2/45)
وفي ترجمة داود بن المحبر أورد المزي حديث « سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الآفَاقُ وَسَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا قَزْوِينُ مَنْ رَابَطَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كَانَ لَهُ فِى الْجَنَّةِ عَمُودٌ مِنْ ذَهَبٍ عَلَيْهِ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ عَلَيْهَا قُبَّةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى كُلِّ مِصْرَاعٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ».فقال الذهبي : هذا حديث موضوع .(1)
ثامناً- زيادة إيضاحٍ لاسم العلم المترجم له :
كما في ترجمة بقية بن الوليد بن صائد ، قال الذهبي : قال الدارقطني : كنيته أبو محمد .
تاسعاً- زيادة بعض الشيوخ والتلاميذ إلى الترجمة :
كما في ترجمة أحمد بن محمد بن موسى المروزي زاد الذهبي في شيوخه الذين روى عنهم النضر بن محمد المروزي ، وزاد في تلاميذه الذين رووا عنه ، محمد بن عمر الذهلي وعبد الله بن محمد المروزي .
عاشراً- ذكر بعض مناقب صاحب الترجمة بما يدلل على عدالته في ميزان الجرح والتعديل :
كما في ترجمة أحمد بن بكار بن أبي ميونة الأموي ، قال الذهبي : كان إماماً في السنَّة والأحكام ، لازم مالكاً مدةً .
وفي ترجمة بشر بن منصور أبو محمد السلمي ، قال الذهبي : قَالَ غَسَّانُ الغَلاَبِيُّ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ وَجْهَ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ ذَكَرتُ الآخِرَةَ، رَجُلٌ مُنْبَسِطٌ، لَيْسَ بِمُتَمَاوِتٍ، فَقِيْهٌ، ذَكِيٌّ..(2)
وفي ترجمة داود بن أبي هند ، قال الذهبي : كان مفتي أهل البصرة .
الحادي عشر-فوائد في الجرح والتعديل والحكم على بعض الرواة :
كما في ترجمة روح بن عبادة ، قال الذهبي : تكلم فيه القواريري بلا حجة ، وقال الخطيب : ثقة ، فاعتمد الذهبي توثيق الخطيب ، وهو بذلك يقرر تقديم التوثيق على الجرح عير المعلل .(3)
وفي ترجمة أحمد بن منصور بن سيار، قال المزي : قال أبو داود : رأيته يصحب الواقفة -أي الذين توقفوا في مسألة خلق القرآن - فلم أحدِّثْ عنه(4)، فقال الذهبي : هذا لا يوجب ترك الاحتجاج به ، وهو نوع من الوسواس .
وفي ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري ، قال المزي : قال البخاري : لا يتابع على حديثه ، فقال الذهبي : ما ذكره البخاري لا يقدح في صحة الحديث ، إذ المتابعة ليست شرطاً في صحة كل حديثٍ ، لأن في الصحيح عدة أحاديث لا تعرف إلا من ذلك الوجه ، كحديث : « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »(5).
وفي ترجمة أزهر بن عبد الله بن جميع لم يذكر المزي في حاله شيئاً ،فقال الذهبي : كان أزهر بن عبد الله ناصبيًّا يسبُّ .
__________
(1) - مصباح الزجاجة - (991) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 49) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة(ج 1 / ص 548)371
(2) - سير أعلام النبلاء (8/360)
(3) - وفي سير أعلام النبلاء [ (9/406) وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيْهِ: وَهِمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيْثٍ،وَهَذَا تَعَنُّتٌ، وَقِلَّةُ إِنصَافٍ فِي حَقِّ حَافِظٍ قَدْ رَوَى أُلُوْفاً كَثِيْرَةً مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَهِمَ فِي إِسْنَادٍ، فَرَوْحٌ لَوْ أَخْطَأَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيْثَ فِي سَعَةِ عِلْمِهِ، لاَغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ أُسْوَةُ نُظَرَائِهِ، وَلَسْنَا نَقُوْلُ: إِنَّ رُتْبَةَ رَوْحٍ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَرُتْبَةِ يَحْيَى القَطَّانِ، بَلْ مَا هُوَ بِدُوْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلاَ أَبِي النَّضْرِ.
(4) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 1 / ص 494)
(5) - صحيح البخارى( 1 )(2/46)
وفي ترجمة أبي بن عباس بن سهل ، قال المزي : ليس بالقوي ، ولم يذكر سوى ذلك من حاله ، فقال الذهبي : وضعفه ابن معين ، وقال أحمد : منكر الحديث .
وقد امتلأ التذهيب بالفوائد والتعليقات القيمة والنافعة والزيادات الهامة كما سلف بيانه ، مما دفع العلماء من بعده إلى الحرص على الانتفاع به ، والاستفادة بما زاده الحافظ الذهبي فيه .
وممن استفاد به الحافظ ابن حجر في كتابه ( تهذيب التهذيب) حيث يقول : وقد ألحقت في هذا المختصر ما التقطته من تذهيب التهذيب للحافظ الذهبي فإنه زاد قليلا فرأيت أن أضمَّ زياداته لكمال الفائدة"(1)
كذلك قام الحافظ تقي الدين محمد بن فهد المكي - صاحب لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ- بجمع زيادات الذهبي من التذهيب وأضاف عليها زيادات ابن حجر في تهذيب التهذيب ، ودمج بين تلك الزيادات على ما في التهذيب في كتاب سماه : نهاية التقريب في تكميل التهذيب .
كما استفاد منه كثير من العلماء ونقلوا عنه في مؤلفاتهم في علم الرجال والتاريخ وغيرها .
ومن هؤلاء الحافظ العراقي في كتابه ( ذيل ميزان الاعتدال ) وسبط ابن العجمي في ( التبيين لأسماء المدلسين ) و( الكشف الحثيث) وأبو البركات في ( الكواب النيرات) وإبراهيم بن محمد الطرابلسي في ( من رميَ بالاختلاط) والحافظ ولي الدين العراقي في ( تحفة التحصيل) والإمام عمر بن علي الوادياشي في ( تحفة المحتاج في أدلة المنهاج ) ، وابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) وابن تغري بردي في ( النجوم الزاهرة ) وغيرهم خلق كثير .
ومما سبق يتبين لنا ما بلغه كتاب التذهيب من مكانة جليلة بين مؤلفات علم الرجال وغيرها ، وكيف استطاع الإمام الذهبي أن ينفذ إلينا بشخصيته العلمية الثاقبة من خلال مساحات ضيقة عبر مختصره تذهيب التهذيب .
أمثلة من الكتاب :
1- د فق : أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي ، نزيل بغداد(2).
عن : إبراهيم بن سعد ، وحماد بن زيد ، وشريك، وعبثر بن القاسم ، وأبي الأحوص ، وخلق .
وعنه : (د) فرد حديث ، وأبو زرعة الرازي ، وتمتام ، وعبد الله بن أحمد ، وأبو يعلى الموصلي ، والبغوي ، وخلق ، وكتب عنه يحيى بن معين وقال : ليس به بأس.
قال موسى بن هارون : مات في ثامن ربيع الأول سنة ست وثلاثين ومائتين .
ــــــــــــــ
الرابع
الكاشف للذهبي
يقول محمد بن أحمد بن الذهبي، سامحه الله تعالى: هذا مختصر نافع في رجال الكتب الستة: الصحيحين، والسُّنَن الأربعة، مقتضب من تهذيب الكمال- لشيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، اقتصرت فيه على ذكر من له رواية في الكتب، دون باقي تلك التواليف التي في التهذيب- ودون من ذكر للتمييز، أو كرر للتنبيه.
والرموز فوق اسم الرجل: خ- للبخاري، و م- لمسلم و د- لأبي داود، و ت- للترمذي، و س- للنسائي، و ق- لابن ماجة، فإن اتفقوا فالرمز ع- وإن اتفق أرباب السُّنَن الأربعة، فالرمز 4). وعلى الله أعتمد، وإليه أنيب.(3)
1 - إن كتاب " الكاشف " أحد الكتب التي دبجتها يراعة الإمام الحافظ الناقد الذهبي، وكان فراغه من تأليفه في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 720 هـ، وذلك بعد حوالي عام من فراغه من " التذهيب" ويكفي " الكاشف " أنه من مصنفات هذا الإمام، لا سيما أن تأليفه له كان بعد اكتماله في هذا الفن، فقد ألفه وله من العمر سبع وأربعون سنة، وسبقه قليلا تأليفه " تذهيب التهذيب " كما تقدم، وألف في العام نفسه " المغني في الضعفاء ".
ويكفيه أن مصنِّفه الإمام قال عنه في مقدمته: " هذا مختصر نافع..".
و " الكاشف " هو الكتاب الرابع المتفرع عن الكتاب الأول " الكمال في أسماء الرجال " للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي، المتوفى سنة 600، رحمه الله تعالى.
__________
(1) - تهذيب التهذيب - (ج 1 / ص 7)
(2) - تهذيب الكمال 1/245-247
(3) - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة - (ج 1 / ص 187)(2/47)
ويلي كتاب " الكمال: " تهذيب الكمال " للإمام الحافظ أبي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 رحمه الله تعالى.فهو الثاني.
ويليه: " تذهيب تهذيب الكمال " للمصنف الذهبي.فهو الثالث.
ويأتي من بعده: " الكاشف " رابع هذه السلسلة.
ويساويه في التسلسل: " خلاصة تذهيب تهذيب الكمال " للخزرجي المتوفى بعد سنة 923.
كما تفرع عن " تهذيب الكمال " صنو " " التهذيب "، هو " تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر، المتوفى سنة 852 رحمه الله تعالى.
وتفرع عن " تهذيب التهذيب ": " تقريب التهذيب " لابن حجر نفسه.
فتكون هذه الكتب الثلاثة بمرتبة واحدة في التسلسل، وهي: " الكاشف " و " التقريب " " الخلاصة ".
2 - مكانة الكتاب:
إن " الكاشف " كتاب تقتحمه العين من صغر حجمه إذا ما قيس بالكتب الكبيرة في هذا العلم الشريف، لكنه في حقيقته معلِّمٌ مدرَّبٌ، ومحررٌ معتمدٌ.
وللحقيقة والإنصاف أقول: إنه كتاب دربة وتعليم وتأسيس، أكثر من كونه مرجعا لحكم نهائي في الجرح والتعديل، وأما " التقريب " فهو على خلاف ذلك،، هو مرجع لأخذ خلاصة في الجرح والتعديل أكثر منه مدرباً معلماً.
ولا ريب أن الرجوع إلى الكتابين معا خير ما يسلكه المبتدئ في هذا العلم.
قال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى وهو يعدد مصنفات شيخه الذهبي:(1)" و " الكاشف "، وهو مجلد نفيس ".
وهذا ثناء من تلميذ، لكنه ناقد إمام، وخبير بالكتاب، وسيرى القارئ الكريم في آخر هذه الدراسات - إن شاء الله تعالى - تناول التاج السبكي كتاب " الكاشف " من يد مؤلفه.
ومما يدلُّ على نفاسته: اعتناء العلماء بسماعه من مؤلفه، وقراءتهم له عليه، ونسخهم منه نسخا، واختصره بعضهم، وذيل عليه آخر، وعمل بعضهم عليه " حاشية " و " نكتا " فهذه خمسة أعمال علمية.
وهو مختصر لكتابه تذهيب التهذيب ، واقتصر فيه على من له رواية في الصحيحين والسُّنَن الأربعة .
وهو مرتب على الأحرف الهجائية ، ويذكر اسم صاحب الترجمة ثم يبين عمن روى ثم من روى عنه ، ثم يبين رأيه فيه بشكل دقيق ، ومعتدل :
كقوله في ترجمة أحمدبن إبراهيم الموصلي أبو علي : عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهما ، وعنه د و البغوي وأبو يعلى وخلق ، وثق ، مات 236
أو كقوله في ترجمة : أحمد بن إبراهيم البغدادي الدورقي الحافظ عن هشيم ويزيد بن زريع والناس ، وعنه م د ت ق وحاجب بن أركين وخلق ، وله تصانيف توفي 246 ا هـ
أو كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبو عبد الملك ، البُسري الدمشقي عن أبي الجماهر ، ومحمد بن عائذ ، وخلق ، وعنه : س ، وابن أبي العقب والطبراني وطائفة صدوق ، توفي 289 ا هـ .
- وقد يذكر رأي أحد علماء الجرح والتعديل فيه ويسكت عليه كقوله في ترجمة أحمد بن بشير الكوفي : عن الأعمش وهشام بن عروة وعدة ، وعنه ابن عرفة وأبو سعيد الأشج وطائفة . قال ابن معين : ليس بحديثه بأس ، توفي 197 ا هـ
أو كقوله في ترجمة أحمد بن خالد أبو سعيد الوهبي أخو محمد عن ابن إسحاق وجماعة ، وعنه الذهلي ، والبخاري ، ومحمد بن عوف وطائفة ، وثقه ابن معين مات 214 ا هـ .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن سعيد الهمداني أبو جعفر المصري عن ابن وهب وطائفة ، وعنه د وابن أبي داود وعدة ، قال س : ليس بالقوي مات 253 ا هـ
- وقد يبين أنه مختلف فيه :
كقوله في ترجمة أحمد بن بديل أبو جعفر اليمامي قاضي الكوفة ... قال س : لا بأس به ، ولينه ابن عدي والدارقطني ، وكان عابداً توفي 258 .
وكقوله في ترجمة أحمد بن أبي الطيب سليمان المروزي البغدادي وثق ، وضعفه أبو حاتم وحده .
- وهناك رواة سكت عنهم
كقوله في أحمد بن إسحاق السلمي السرماري البخاري من يضرب بشجاعته المثل : قتل الفاً من الترك : سمع يعلي بن عبيد وطبقته وعنه خ وأهل بلده توفي 242 ا هـ
وكقوله في ترجمة أحمد بن ثابت الجحدري عن ابن عيينة وغندر وعنه ق ، وابن خزيمة وعدة .
__________
(1) - في " طبقاته الكبرى " 9: 100(2/48)
وهذا الكتاب يعتبر أهم كتاب في الجرح والتعديل للإمام الذهبي ، وهو معتدل فيه بشكل عام أكثر من كتبه الأخرى . والكتاب مطبوع وعليه حاشية قديمة .
وقد قام بتحقيقه العامة محمد عوامة بشكل ممتاز
ـــــــــــــــ
خامساً
تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني (852) هجرية
جاء الحافظ ابن حجر فعمل على اختصار وتهذيب كتاب "تهذيب الكمال" للمزي في كتاب سماه "تهذيب التهذيب"، وقد كان اختصاره للكتاب وتهذيبه له على الوجه التالي:
الأول: اقتصر على ما يُفيد الجرح والتعديل.
لأن الحافظ المزيَّ -رحمه الله تعالى- في "تهذيب الكمال" يُورد في الراوي كلاما كثيرا من التراجم المنقبية. والتراجم منها تراجمُ معرفية تُمَيِّزُ الراوي من غيره، وهناك تراجم منقبية تذكر عبادة الراوي، وحسن خلقه، وتواضعه، وأدبه مع شيوخه ومع تلاميذه، وعبادته وصدقه، وتصدقه وجوده، وجهاده في سبيل الله إلى غير ذلك من هذه الأشياء التي تُبين مناقب الراوي، ولذلك قلنا ترجمة منقبية.
جاء الحافظ ابن حجر وهو يختصر الكتاب رفع كل هذا ما يتعلق بأخلاق الراوي، وعبادته، والقصص والحكايات التي داخل الترجمة حذف هذا الكلام، وأبقى الكلام في الجرح والتعديل؛ لأنه الْمُعَوَّلُ عليه.
الثاني: حذف ما أطال الكتاب من الأحاديث التي يخرجها المزي في مروياته العالية وهو حوالي ثلث حجم الكتاب
الثالث: حذف كثيرًا من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه الذين قصد المزيُّ استيعابهم، واقتصر على الأشهر والأحفظ والمعروف منهم إذا كان الراوي مُكْثرًا
الرابع: لم يحذف شيئا من التراجم القصيرة في الغالب.
الخامس: لم يرتب شيوخ وتلاميذ صاحب الترجمة على الحروف، وإنما رتبهم على التقدم في الِّسنِّ، والحفظ، والإسناد، والقرابة، وما إلى ذلك.
فالحافظ ابن حجر لما اختصر لم يرتب؛ لأنه لم يذكر إلا ستة أو سبعة من الشيوخ فقراءتهم أمرٌ سهلٌ، فذكر الأحفظ، الأكثر ملازمة للراوي، الأقرب من حيث النسب وغير ذلك من الاعتبارات .
السادس: حذف كلاما كثيرًا أثناء بعض التراجم؛ لأنه لا يدلُّ على توثيق ولا تجريح.
السابع: زاد في الترجمة ما ظفر به من أقوال الأئمة في التجريح والتوثيق من خارج الكتاب، ولا سيما عن علماء المغرب والأندلس.
الثامن: أورد في بعض المواطن بعض كلام الأصل بالمعنى مع استيفاء المقاصد، وقد يزيد بعض الألفاظ اليسيرة للمصلحة.
التاسع: حذف كثيرًا من الخلاف في وفاة الرجل إلا في مواضعَ تقتضي المصلحةُ عدمَ حذف ذلك.
العاشر: لم يحذف من تراجم "تهذيب الكمال" أحدا.
الحادي عشر: زاد بعض التراجم التي رأى أنها على شرطه، وميز التراجم التي زادها على الأصل بأن كتب اسم صاحب الترجمة، واسم أبيه بالأحمر.
الثاني عشر: زاد في أثناء بعض التراجم كلاما ليس في الأصل لكن صدره بقوله: قلت؛ فليتنبه القارئ إلى أنَّ جميعَ ما بعد كلمة "قلت"؛ فهو من زيادة الحافظ ابن حجر إلى آخر الترجمة.
الثالث عشر: التزم الرموز الذي ذكرها المزي لكنه حذف منها ثلاثة وهي: "مق" و"سي" و"ص". كما التزم إيراد التراجم في الكتاب على الترتيب ذاته الذي التزامه المزيُّ في تهذيبه.
الرابع عشر: حذف الفصول الثلاثة التي ذكرها المزيُّ في أول كتابه، وهي ما يتعلق بشروط الأئمة الستة، والحث على الرواية عن الثقات، والترجمة النبوية؛ أي السيرة النبوية.
الخامس عشر: زاد بعض الزيادات التي التقطها من كتاب "تذهيب التهذيب" للذهبي، وكتاب "إكمال تهذيب الكمال" لعلاء الدين مغلطاي.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - مبينا سبب تأليفه للكتاب وطريقته فيه :(2/49)
" أما بعد فإن كتاب الكمال في أسماء الرجال الذي ألفه الحافظ الكبير أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي وهذبه الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي من أجل المصنفات في معرفة حملة الآثار وضعا ، وأعظم المؤلفات في بصائر ذوي الألباب وقعا ولا سيما التهذيب فهو الذي وفق بين اسم الكتاب ومسماه وألف بين لفظه ومعناه، بيد أنه أطال وأطاب ووجد مكان القول ذا سعة فقال وأصاب، ولكن قصرت الهمم عن تحصيله لطوله فاقتصر بعض الناس على الكشف عن الكاشف الذي اختصره منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي ولما نظرت في هذه الكتب وجدت تراجم الكاشف إنما هي كالعنوان تتشوق النفوس إلى الاطلاع على ما وراءه، ثم رأيت للذهبي كتابا سماه تذهيب التهذيب أطال فيه العبارة ولم يعدُ ما في التهذيب غالبا وإن زاد ففي بعض الأحايين وفيات بالظن والتخمين أو مناقب لبعض المترجمين، مع إهمال كثير من التوثيق والتجريح الذين عليهما مدار التضعيف والتصحيح ،هذا وفي التهذيب عدد من الأسماء لم يعرف الشيخ بشيء من أحوالهم بل لا يزيد على قوله روى عن فلان روى عنه فلان أخرج له فلان ،وهذا لا يروي الغلَّة ولا يشفي العلَّة فاستخرت الله تعالى في اختصار التهذيب على طريقة أرجو الله أن تكون مستقيمة وهو أنني اقتصر على مايفيد الجرح والتعديل خاصة وأحذف منه ما أطال به الكتاب من الأحاديث التي يخرجها من مروياته العالية من الموافقات والأبدال وغير ذلك من أنواع العلو فإن ذلك بالمعاجم والمشيخات أشبه منه بموضوع الكتاب، وإن كان لا يلحق المؤلف من ذلك عاب حاشا وكلا ؛ بل هو والله العديم النظير المطلع النحرير، لكن العمر يسير والزمان قصير ، فحذفت هذا جملة وهو نحو ثلث الكتاب ثم إن الشيخ رحمه الله قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة واستيعاب الرواة عنه ورتب ذلك على حروف المعجم في كل ترجمة وحصل من ذلك على الأكثر لكنه شيء لا سبيل إلى استيعابه ولا حصره ، وسببه انتشار الروايات وكثرتها وتشعبها وسعتها فوجد المتعنت بذلك سبيلا إلى الاستدراك على الشيخ بما لا فائدة فيه جليلة ولا طائلة فإن أجل فائدة في ذلك هو في شيء واحد وهو إذا اشتهر أن الرجل لم يرو عنه إلا واحد فإذا ظفر المفيد له براو آخر أفاد رفع جهالة عين ذلك الرجل برواية راويين عنه ،فتتبع مثل ذلك والتنقيب عليه مهمٌّ ، وأما إذا جئنا إلى مثل سفيان الثوري وأبي داود الطيالسي ومحمد بن إسماعيل وأبي زرعة الرازي ويعقوب بن سفيان وغير هؤلاء ممن زاد عدد شيوخهم على الألف فأردنا استيعاب ذلك تعذر علينا غاية التعذر فإن اقتصرنا على الأكثر والأشهر بطل ادعاء الاستيعاب ولا سيما إذا نظرنا إلى ما روى لنا عن من لا يدفع قوله أن يحيى بن سعيد الأنصاري راوي حديث الأعمال(1)
__________
(1) - قال البخاري (1 ) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىُّ قَالَ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » ..أطرافه 54 ، 2529 ، 3898 ، 5070 ، 6689 ، 6953 تحفة 10612 - 2/1(2/50)
حدث به عنه سبعمائة نفس ،وهذه الحكاية ممكنة عقلا ونقلا لكن لو أردنا أن نتبع من روى عن يحيى بن سعيد فضلا عن من روى هذا الحديث الخاص عنه لما وجدنا هذا القدر ،ولاما يقاربه فاقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه إذا كان مكثرا على الأشهر والأحفظ والمعروف ، فإن كانت الترجمة قصيرة لم أحذف منها شيئا في الغالب، وإن كانت متوسطة اقتصرت على ذكر الشيوخ والرواة الذين عليهم رقم في الغالب وإن كانت طويلة اقتصرت على من عليه رقم الشيخين مع ذكر جماعة غيرهم ،ولا أعدل من ذلك إلا لمصلحة مثل أن يكون الرجل قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنني أذكر جميع شيوخه أو أكثرهم كشعبة ومالك وغيرهما ولم ألتزم سياق الشيخ والرواة في الترجمة الواحدة على حروف المعجم لأنه لزم من ذلك تقديم الصغير على الكبير فأحرص على أن أذكر في أول الترجمة أكثر شيوخ الرجل وأسندهم وأحفظهم إن تيسر معرفة ذلك إلا أن يكون للرجل ابنٌ أوقريب فإنني أقدمه في الذكر غالبا وأحرص على أن أختم الرواة عنه بمن وصف بأنه آخر من روى عن صاحب الترجمة ، وربما صرحت بذلك وأحذف كثيرا من أثناء الترجمة إذا كان الكلام المحذوف لا يدلُّ على توثيق ولا تجريح ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته ، وفائدة إيراد كل ما قيل في الرجل من جرح وتوثيق يظهر عند المعارضة وربما أوردت بعض كلام الأصل بالمعنى مع استيفاء المقاصد ، وربما زدت ألفاظا يسيرة في أثناء كلامه لمصلحة في ذلك وأحذف كثيرا من الخلاف في وفاة الرجل إلا لمصلحة تقتضي عدم الاختصار ولا أحذف من رجال التهذيب أحدا بل ربما زدت فيهم من هو على شرطه فما كان من ترجمة زائدة مستقلة فإنني أكتب اسم صاحبها واسم أبيه بأحمر ومازدته في أثناء التراجم قلت في أوله قلت فجميع ما بعد قلت فهو من زيادتي إلى آخر الترجمة .(2/51)
فصل- وقد ذكر المؤلف الرقوم فقال للستة ع وللأربعة 4 وللبخاري خ ولمسلم م ولأبي داود د وللترمذي ت وللنسائي س ولابن ماجة ق وللبخاري في التعاليق خت وفي الأدب المفرد بخ وفي جزء رفع اليدين ي وفي خلق افعال العباد عخ وفي جزء القراءة خلف الإمام ز ولمسلم في مقدمة كتابه مق ولأبي داود في المراسيل مد وفي القدر قد وفي الناسخ والمنسوخ خد وفي كتاب التفرد ف وفي فضائل الأنصار صد وفي المسائل ل وفي مسند مالك كد و للترمذي في الشمائل تم وللنسائي في اليوم والليلة سي وفي مسند مالك كن وفي خصائص علي ص وفي مسند علي عس ولابن ماجة في التفسير فق هذا الذي ذكره المؤلف من تآليفهم وذكر أنه ترك تصانيفهم في التواريخ عمدا لأن الأحاديث التي تورد فيها غير مقصودة بالاحتجاج وبقي عليه من تصانيفهم التي على الأبواب عدة كتب منها بر الوالدين للبخاري و كتاب الانتفاع بأهب السباع لمسلم و كتاب الزهد و دلائل النبوة و الدعاء و ابتداء الوحي و أخبارالخوارج من تصانيف أبي داود وكأنه لم يقف عليها والله الموفق، وأافرد عمل اليوم والليلة للنسائي على السنن وهو من جملة كتاب السنن في رواية بن الأحمر وابن سيار وكذلك أفرد خصائص علي وهو من جملة المناقب في رواية بن سيار ولم يفرد التفسير وهو من رواية حمزة وحده ولا كتاب الملائكة والاستعاذة و الطب وغير ذلك وقد تفرَّد بذلك راو دون راو عن النسائي فما تبين لي وجه إفراده الخصائص وعمل اليوم والليلة والله الموفق ، ثم ذكر المؤلف الفائدة في خلطه الصحابة بمن بعدهم خلافا لصاحب الكمال وذلك أن للصحابي رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الله عليه وآله وسلم وعن غيره فإذا رأى من لا خبرة له رواية الصحابي عن الصحابي ظن الأول تابعا فيكشفه في التابعين فلا يجده فكان سياقهم كلهم مساقا واحدا على الحروف أولي ،قال: وما في كتابنا هذا مما لم نذكر له إسنادا فما كان بصيغة الجزم فهو مما لا نعلم بإسناده إلى قائله المحكي عنه بأسا وما كان بصيغة التمريض فربما كان في إسناده نظر ،ثم قال : وابتدأت في حرف الهمزة بمن اسمه أحمد وفي حرف الميم بمن اسمه محمد فإن كان في أصحاب الكنى من اسمه معروف من غير خلاف فيه ذكرناه في الأسماء ثم نبهنا عليه في الكنى وإن كان فيهم من لا يعرف اسمه أو اختلف فيه ذكرناه في الكنى ونبهنا على ما في اسمه من الاختلاف ثم النساء كذلك، وربما كان بعض الأسماء يدخل في ترجمتين فأكثر فنذكره في أولى التراجم به ثم ننبه عليه في الترجمة الأخرى وبعد ذلك فصول فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جده أو أمة أو عمه ونحو ذلك وفيمن اشتهر بالنسبة إلى قبيلة أو بلدة أو صناعة وفيمن اشتهر بلقب أو نحوه وفيمن أبهم مثل فلان عن أبيه أو عن جده أو أمه أو عمه أو خاله أو عن رجل أو امرأة ونحو ذلك مع التنبيه على اسم من عرف اسمه منهم والنساء كذلك ، هذا المتعلق بديباجة الكتاب ، ثم ذكر المؤلف بعد ذلك ثلاثة فصول أحدها في شروط الأئمة الستة والثاني في الحث على الرواية عن الثقات والثالث في الترجمة النبوية فأما الفصلان الأولان فإن الكلام عليهما مستوفى في علوم الحديث، وأما الترجمة النبوية فلم يعدِ المؤلف ما في كتاب ابن عبد البر ، وقد صنف الأئمة قديما وحديثا في السيرة النبوية عدة مؤلفات مبسوطات ومختصرات فهي أشهر من أن تذكر وأوضح من أن تشهر، ولها محل غير هذا نستوفي الكلام عليها فيه إن شاء الله تعالى، وقد ألحقت في هذا المختصر ما التقطته من تذهيب التهذيب للحافظ الذهبي فإنه زاد قليلا فرأيت أن أضم زياداته لكمال الفائدة، ثم وجدت صاحب التهذيب حذف عدة تراجم من أصل الكمال ممن ترجم لهم بناء على أن بعض الستة أخرج لهم فمن لم يقف المزي على روايته في شيء من هذه الكتب حذفه، فرأيت أن أثبتهم وأنبه على ما في تراجمهم من عوز و ذكرهم على الاحتمال أفيد من حذفهم، وقد نبهت(2/52)
على من وقفت على روايته منهم في شيء من الكتب المذكورة وزدت تراجم كثيرة أيضا التقطتها من الكتب الستة مما ترجم المزي لنظيرهم تكملة للفائدة أيضا ،وقد انتفعت في هذا الكتاب المختصر بالكتاب الذي جمعه الإمام العلامة علاء الدين مغلطاي على تهذيب الكمال مع عدم تقليدي له في شيء مما ينقله وإنما استعنت به في العاجل وكشفت الأصول التي عزا النقل إليها في الآجل فما وافق أثبته وما باين أهملته فلو لم يكن في هذا المختصر إلا الجمع بين هذين الكتابين الكبيرين في حجم لطيف لكان معنى مقصودا هذا مع الزيادات التي لم تقع لهما والعلم مواهب والله الموفق" .
أمثلة من الكتاب :
ذكر من اسمه أحمد
1 - د فق أبي داود وابن ماجة في التفسير أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد روى عن محمد بن ثابت العبدي وفرج بن فضالة وحماد بن زيد وعبد الله بن جعفر المديني ويزيد بن زريع وأبي عوانة وإبراهيم بن سعد وغيرهم روى عنه أبو داود حديثا واحدا وروى بن ماجة في التفسير عن ابن أبي الدنيا عنه وأبو زرعة الرازي ومحمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن هارون وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وآخرون وكتب عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال لا بأس به وقال صاحب تاريخ الموصل كان ظاهر الصلاح والفضل قال موسى بن هارون مات ليلة السبت لثمان مضين من ربيع الأول سنة 236، قلت : وذكره ابن حبان في الثقات وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين ثقة صدوق.
وفي تذهيب التهذيب للذهبي :
(1)- د فق : أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي ، نزيل بغداد .
عن : إبراهيم بن سعد ، وحماد بن زيد ، وشريك ، وعبثر بن القاسم ، وأبي الأحوص ، وخلق .
وعنه : (د) فرد حديث ، وأبو زرعة الرازي ، وتمتام ، وعبد الله بن أحمد ، وأبو يعلى الموصلي ، والبغوي ، وخلق ، وكتب عنه يحيى بن معين وقال : ليس به بأس.
قال موسى بن هارون : مات في ثامن ربيع الأول سنة ست وثلاثين ومائتين .
وفي تهذيب التهذيب:
2 - كن مسند مالك أحمد بن إبراهيم بن فيل الأسدي أبو الحسن البالسي نزيل أنطاكية والد القاضي أبي طاهر روى عن أحمد بن أبي شعيب الحراني وأبي جعفر النفيلي وأبي النضر الفراديسي ودحيم وأبي مصعب الزهري في آخرين وسمع أبا توبة وعنه النسائي ثلاثة أحاديث من حديث مالك وأبو عوانة الإسفرائيني وأبو سعيد بن الأعرابي وخيثمة بن سليمان وأبو القاسم الطبراني وآخرون مات سنة 284 قال ابن عساكر كان ثقة وقال في التاريخ روى عنه النسائي ولم يذكره في الشيوخ النبل ،قلت: وروى عنه محمد بن الحسن الهمداني وقال إنه صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي في أسامي شيوخه رواية حمزة لا بأس به وذكر من عفته وورعه وثقته.
وفي تذهيب التهذيب للذهبي :
(2)- كن : أحمد بن إبراهيم بن فيل أبو الحسن الأسدي البالسي ، نزيل أنطاكية.
عن : أحمد بن عبد الله بن يونس ، وأبي جعفر النفيلي ، وعبد الوهاب بن نجدة ، وأبي مصعب ، وطبقتهم .
وعنه : (كن) وأبو عوانة الإسقراييني، وحفيده أبو بكر محمد بن أبي الطاهر الحسن بن أحمد ، وأبو سعيد بن الأعرابي ، وخيثمة الأطرابلسي ، وسيمان الطبراني ، وجماعة .
وثقه ابن عساكر ، ومات سنة أربع وثمانين ومئتين . وهو والد ( صاحب حر) بن فيل .( والصواب والد أبي الطاهر الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل السير 14/536-527 )
وتستطيع المقارنة بينهما بسهولة .
ويلاحظ على تهذيب التهذيب أنه ينقل كلام علماء الجرح والتعديل ، ولكنه لا يذكر رأيه فيه بتاتاُ ، فلا بد من الرجوع لكتابه التقريب له ، لنعرف رأيه في الراوي ولا سيما المختلف فيه .(2/53)
والحقيقة التي لا مِرْيَةَ فيها أن كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر كتاب قَيِّمٌ مُحَرَّرٌ مفيدٌ، وقد بذل الحافظ ابن حجر فيه جهدا كبيرا واضحا، وقد اختصرَ ما يستحق الاختصار، وزاد ما يستحق الزيادة ،وحَرَّر وهَذَّبَ واستعان -مع اطلاعه الواسع- بعددٍ من المصنفاتِ في إخراج هذا الكتاب بشكل مرضيٍّ؛ فجزاه الله خيرا على صنيعه هذا، وأجزل مثوبته!!
وهو أجودُ الكتبِ وأدقُّها بين الكتب التي عَملت على اختصار وتهذيب كتاب الحافظ المزي، وعلى وجه الخصوص هو أجود من كتاب "تذهيب التهذيب" للذهبي؛ للميزات الكثيرة التي تُميزه عنه التي أشار إليها ابن حجر في مقدمة كتابه "تهذيب التهذيب".
وما قاله الحافظ عن كتاب "الكاشف"؛ ففيه نظر وسوف نقارن بينهما أثناء الكلام على مرتاب التقريب، وأما ما يقوله البعض في هذه الأيام من أن الحافظ ابن حجر قد اختصر كتاب المزيِّ فأخلَّ بكثير من مقاصده بل ربما بالغ بعضهم؛ فقال: لقد نَسَخَ ابنُ حجر كتابَ المزيّ وأفسده محتجين بأن الحافظ ابن حجر قد حذف كثيرًا من شيوخ وتلاميذ كثيرٍ من المترجَمين وأنَّ ذِكْرَ هؤلاء الشيوخ والتلاميذ له فائدة كبيرة لا تخفى على المشتغلين بالحديث وعلم الرجال.
فالجواب: أننا لا ننكر فائدة ذكر هؤلاء الشيوخ والتلاميذ، لكن يقال: إن موضوع الاختصار والتهذيب هوهذا وليس كل مراجع يستفيد من معرفة كل هؤلاء الشيوخ والتلاميذ، ومن أراد التوسع أو احتاج إلى معرفة بعضهم؛ فليرجع إلى الأصل؛ إذ من المعروف أنه لا تغني المختصرات عن أصولها في كل شيء.
ومن جهة ثانية؛ فليس في الكتاب ما يُنْتَقَدُ إلا هذا، مع أن في اختصار كثير من الشيوخ والتلاميذ لبعض المترجمين وجهةَ نظر وليست خطأً وقع فيه ابن حجر.
وأخيراً؛ فلو أنصف المرء فذكر حسنات الكتاب الكثيرة لا سيما حذفه كثيرًا من الأحاديث العوالي التي أوردها المزي من روايته؛ لأَقَرَّ بأن عمل الحافظ ابن حجر في هذا الكتاب عملٌ نافعٌ مشكورٌ، وأن الكتاب من خيرة الكتب في معرفة تراجم رجال الكتب الستة والله أعلم.
إن "تهذيب التهذيب" على جلالة قدر مصنفه، وفائدة الكتاب العظيمة في تحرير بعض الوفيات، وزيادات في الجرح والتعديل ونحو ذلك إلا أن الطالب الذي يبحث عن تعيين راوٍ لا يمكن له أبداً استخدام "تهذيب التهذيب"، ولو استخدمه؛ سيضل ولا يصل إلى الحقيقة بحال من الأحوال ، فلا بد أن يرجع للأصل وهو تهذيب الكمال للمزي رحمه الله .
ـــــــــــــــ
سادساً
تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر
هو اختصار لكتابه القيم تهذيب التهذيب : وهو بنفس ترتيبه ، وفيه اسم صاحب الترجمة ، والحكم عليه جرحاً وتعديلاً ، وذكر طبقته ، ومتى توفي .
ومن المعلوم أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - من أهل الاستقراء التام في علم الحديث ، على وجه الخصوص علم الرجال ، لأن هذا العلم هو أول العلوم الحديثية التي قرأها ودرسها ،إذ عانها وهو لا يزال في المكتب ، وعلى وجه التحديد سنة (786 هـ) وعمره لم يتجاوز الثلاثة عشر عاماً .
قال السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر : " إنه حبب إليه النظر في التواريخ وأيام الناس ، حتى إنه كان يستأجرها ممن هي عنده ، فعلق بذهنه الصافي الرائق شيء كثير من أحوال الرواة ، وكان ذلك بإشارة من أهل الخير . "(1)
ولقد كان للتقريب مكانة خاصة عند ابن حجر ، إذ بقي الكتاب بين يديه طيلة (23) عاماً ، يضيف إليه ، ويحذف منه ، ويعدِّلُ فيه ، ويعيد ضبط ما ضبطه قبل أو بضبط ما لم يضبطه ...
وهكذا نرى أن ( التقريب ) هو خلاصة ما توصل إليه الحافظ ابن حجر من أحكام على رواة الكتب الستة وما ألحق بها ، وعصارة فكر متواصل البحث والدراسة والتحقيق والتحرير مدة زادت على الستين عاماً من حياة عالم موسوعيٍّ ويقظٍ ذكيٍّ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - انظر منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها د- وليد العاني رحمه الله ص 22(2/54)
المطلب الأول
نقل نص المقدمة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة التقريب:
"الحمد لله الذي رفع بعض خلقه على بعض درجات، وميز بين الخبيث والطيب بالدلائل [المحكمات] والسمات، وتفرد بالملك فإليه منتهى الطلبات والرغبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات، الناقد البصير لأخفى الخفيات، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يخفى عنه مقدار ذلك في الأرض والسموات.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالآيات البينات، والحجج النيرات، الآمر بتنزيل الناس ما يليق بهم من المنازل والمقامات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الأنجاب الكرماء الثقات.
أما بعد: فإنني لما فرغت من تهذيب (تهذيب الكمال) في أسماء الرجال، الذي جمعت فيه مقصود (التهذيب) لحافظ عصره أبي الحجاج المزي، من تمييز أحوال الرواة المذكورين فيه، وضممت إليه مقصود (إكماله) للعلامة علاء الدين مغلطاي، مقتصراً منه على ما اعتبرته عليه، وصححته من مظانه، من بيان أحوالهم أيضاً، وزدت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما، ويستغرب خفاؤه عليهما: وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعاً حسناً عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل، (والثلث كثير).
فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة، فلم أوثر ذلك، لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته، على وجه يحصل مقصوده بالإفادة، ويتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة، وهي:
أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة، وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسه.
وباعتبار ما ذكرت انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة
فأما المراتب:
فأولها : الصحابة: فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية : من أُكد مدحه : إما : بأفعل : كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً: كثقة ثقة، أو معنى : كثقة حافظ .
الثالثة: من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثَبْت، أو عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة: بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس.
الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، كالتشيع والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم، مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
السابعة : من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال.
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف.
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مجهول.
العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة: بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع.
وأما الطبقات:
فالأولى : الصحابة، على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره.
الثانية: طبقة كبار التابعين، كابن المسيب، فإن كان مخضرماً صرحت بذلك.
الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين.(2/55)
الرابعة: طبقة تليها: جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة.
الخامسة : الطبعة الصغرى منهم، الذين رأوا الواحد والاثنين، ولم يثبت لبعضهم السَّماع من الصحابة، كالأعمش.
السادسة: طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج.
السابعة: طبقة كبار أتباع التابعين، كمالك والثوري.
الثامنة: الطبقة الوسطى منهم، كابن عيينة وابن علية.
التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين: كيزيد بن هارون، والشافعي، وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق.
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التباعين، كأحمد بن حنبل.
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك، كالذهلي والبخاري.
الطبقة الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع، كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة، الذين تأخرت وفاتهم قليلاً، كبعض شيوخ النسائي.
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته.
وقد اكتفيت بالرقم على أول اسم كل راوٍ، إشارة إلى من أخرج حديثه من الأئمة.
فالبخاري في صحيحه (خ) ، فإن كان حديثه عنده معلقاً (خت) ، وللبخاري في الأدب المفرد (بخ) ، وفي خلق أفعال العباد (عخ) ، وفي جزء القراءة (ر) ، وفي رفع اليدين(ي) ،ولمسلم(م) .[ولمقدمة صحيحه مق]،ولأبي داود (د) ، وفي المراسيل له (مد) ، وفي فضائل الأنصار (صد) ، وفي الناسخ (خد) ، وفي القدر (قد) ، وفي التفرد (ف) ، وفي المسائل (ل) ، وفي مسند مالك(كد) ،وللترمذي (ت) ، وفي الشمائل له(تم) ،وللنسائي (س) ، وفي مسند علي له (عس) ، وفي مسند مالك(كن) .[ وفي كتاب العمل اليوم والليلة(سي)، وفي خصائص علي (ص)]،ولابن ماجه (ق) ، وفي التفسير له(فق) .
فإن كان حديث الرجل في أحد الأصول الستة، أكتفي برقمه، ولو أخرج له في غيرها.وإذا اجتمعت فالرقم (ع) ، وأما علامة (4) فهي لهم سوى الشيخين.
ومن ليست له عندهم رواية مرقوم عليه: (تمييز) ، إشارة إلى أنه ذكر ليتميز عن غيره.
ومن ليست عليه علامة نبه عليه، وترجم قبل أو بعد وسميته (تقريب التهذيب)
والله سبحانه وتعالى أسأل أن ينفع به قارئه وكاتبه والناظر فيه، وأن يبلغنا من فضله وإحسانه ما نؤمله ونرتجيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، لا إله إلا هو، عليه توكلت وإليه أنيب.اهـ(1).
والحافظ ابن حجر رحمه الله من المعتدلين في الجرح والتعديل بشكل عام ، وخاتمة الحفاظ ـ فغدا كتابه هذا مرجعاً لكلِّ من جاء بعده .
ومعلومٌ أن الجرح والتعديل من أدقِّ علوم الحديث ، وهناك اختلاف كبير فيه ، وغالبه قائم على الاجتهاد وغلبة الظنِّ ، وليس على القطع واليقين ، والحافظ ابن حجر رحمه الله له باع طويل في الجرح والتعديل ، وقد كتب في كل الرجال تقريبا ، كما في التقريب والتعجيل واللسان .
ونلاحظ على هذه العبارات الاختصار الشديد ، كما أنه لم يذكر شيوخ الراوي أو طلابه ، ولكنه استغنى عن ذلك بذكر طبقته ، ومع هذا فلا تغني الطبقة عن ذكر أهم مشايخه وطلابه في كثير من الأحيان ، بسبب الاشتباه في الأسماء أو الطبقات.
وقد التزم الحافظ ابن حجر ( رحمه الله ) بهذه التفاصيل التي ذكرها من حيث المبدأ.
ــــــــــــــ
المطلب الثاني
أمثلة من كتاب التقريب
وهذه أمثلة من كتابه ( التقريب ) حسب ما ورد في ترقيم الكتاب :
(1) أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي ، نزيل بغداد ، صدوق ، من العاشرة مات سنة 36 اهـ أي 236 ، دفق .
(3) أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدّورقي النُّكري : البغدادي ، ثقة حافظ ، من العاشرة ، مات سنة (246) م د ت ق .
(
__________
(1) - انظر التقريب 1/73-76 طبعة دار الرشيد بحلب الطبعة الأولى 1406هـ تحقيق محمد عوامة(2/56)
5) أحمد بن الأزهر بن منيع أبو الأزهر العبدي النيسابوري ، صدوق كان يحفظ ، ثم كبر فصار كتابه أثبت من حفظه ، من الحادية عشرة مات سنة (263) س ق.
6- أحمد بن إسحاق ابن الحصين ابن جابر السلمي أبو إسحاق السرماري بضم المهملة وبفتحها وحكي كسرها وإسكان الراء صدوق من الحادية عشرة مات سنة اثنتين وأربعين خ
7- أحمد بن إسحاق ابن زيد ابن عبدالله ابن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ثقة كان يحفظ من التاسعة مات سنة إحدى عشرة م د ت س
8- أحمد بن إسحاق ابن عيسى الأهوازي البزاز صاحب السلعة أبو إسحاق صدوق من الحادية عشرة مات سنة خمسين د
9- أحمد بن إسماعيل ابن محمد السهمي أبو حذافة سماعه للموطأ صحيح وخلط في غيره من العاشرة مات سنة تسع وخمسين ق
10- أحمد بن إشكاب الحضرمي أبو عبد الله الصفار واسم إشكاب مجمع وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة سبع عشرة أو بعدها خ
11- أحمد بن أيوب ابن راشد الضبي الشعيري بفتح المعجمة أبو الحسن مقبول من العاشرة بخ
12- أحمد بن بديل بن قريش أبو جعفر اليامي بالتحتانية قاضي الكوفة صدوق له أوهام من العاشرة مات سنة ثمان وخمسين ت ق
ونلاحظ عليها جميعاً الإيجاز ، والدقة .
فقد ذكر اسم الراوي كاملاً ، وبلده ، وصفته التي تميزه عن غيره ،وحكمه فيه جرحاً وتعديلاً ، و طبقته ، ومتى توفي ، ومن أخرج له من أصحاب الكتب الستة .
وقال الذهبي عنهم في الكاشف :
1- أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهما وعنه أبو داود والبغوي وأبو يعلى وخلق وثق مات 236 د
2- أحمد بن إبراهيم البغدادي الدورقي الحافظ عن هشيم ويزيد بن زريع والناس وعنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وحاجب بن أركين وخلق وله تصانيف توفي 246 م د ت ق
3- أحمد بن إبراهيم أبو عبدالملك البسري الدمشقي عن أبي الجماهر ومحمد بن عائذ وخلق وعنه النسائي وابن أبي العقب والطبراني وطائفة صدوق توفي 289 س
4- أحمد بن الأزهر بن منيع أبو الأزهر العبدي مولاهم النيسابوري الحافظ عن ابن نمير وأبي ضمرة و عبد الرزاق وخلق وعنه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابنا الشرقي وخلق صدوق قاله أبو حاتم وجزرة مات 261 س ق
5- أحمد بن إسحاق السلمي السرماري البخاري من يضرب بشجاعته المثل قتل ألفا من الترك سمع يعلى بن عبيد وطبقته وعنه البخاري وأهل بلده توفي 242 خ
6- أحمد بن إسحاق الحضرمي البصري أخو يعقوب ثقة سمع عكرمة بن عمار وهماما وعنه أبو خيثمة وعبد والصاغاني وآخرون توفي 211 م د ت س
7- أحمد بن إسحاق الأهوازي البزاز عن أبي أحمد الزبيري وعدة وعنه أبو داود وابن جرير وطائفة صدوق مات 25 د
8- أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي المدني، آخر أصحاب مالك وسمع الزنجي وإبراهيم بن سعد وطبقتهم وعنه ابن ماجة والمحاملي وابن مخلد، ضعِّف توفي 259 ق
9- أحمد بن إشكاب الكوفي الصفار نزل مصر عن شريك وطائفة وعنه البخاري والصاغاني وبكر بن سهل وكان حجة مكثرا مات 217 أو في 218 خ
10- أحمد بن بديل أبو جعفر اليامي قاضي الكوفة ثم همذان سمع أبا بكر ابن عياش وحفص بن غياث وعدة وعنه الترمذي وابن ماجة وابن صاعد وابن عيسى الوزير وخلق قال النسائي لا بأس به ولينه بن عدي والدارقطني وكان عابدا توفي 258 ت ق
فالذهبي يذكر اسم الراوي كاملا ، وكنيته ، وصفته ، وبلده ، ويذكر أهم من سمع منهم ، وأهم من روى عنه، وقد يذكر رأيه صريحاً في الراوي جرحا وتعديلاً ، وقد يذكر رأي غيره ، ويسكت عليه دةن ترجيح، وقد يذكر رأيه في الراوي ، ثم يبين أن فيه خلافاً ، فيذكر بعض من ضعَّفه ،وقد لا يذكر فيه شيئاً من الجرح والتعديل، ويذكر بعض صفاته الخاصة ، ومتى توفي ، ومن أخرج له من الأئمة الستة .(2/57)
الكلام على مراتب الرواة عند الحافظ ابن حجر
المرتبة الأولى
الصحابة رضي الله عنهم
الصحابة رضوان الله عليهم هم خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نشر الدعوة وحمل أعبائها، ومن ثم لم يقع خلاف "بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوكد علم الخاصة، وأرفع علم الخبر، وبه ساد أهل السير(1)
1 - تعريف الصحابي:
أ ) لغة: الصحابة لغة مصدر بمعنى " الصحبة " ومنه " الصحابي " و " الصاحب ويجمع على أصحاب وصَحْب ، وكثر استعمال " الصحابة " بمعنى "الأصحاب" . وأصل الصحبة في اللغة يطلق على مجرد الصحبة، دون اشتراط استمرارها طويلا، وعلى ذلك درج المحدثون.
ب) اصطلاحاً: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلماً ومات على الإسلام ، ولو تخللت ذلك ردة على الأصح .
قال العراقي(2): " وقد اخْتُلِفَ في حدِّ الصحابيِّ مَنْ هو ؟ على أقوالٍ :
أحدُها : وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) في حالِ إسلامهِ .
والقول الثاني : أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ .
والقولُ الثالثُ : وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو سنتينِ ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ .
والقولُ الرابعُ : أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ .
والقولُ الخامسُ: أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً .
والقول السادس : أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو مسلمٌ ، وإنْ لم يرَهُ .
تعرف الصحبة بما يلي :
= إمَّا بالتواترِ ، كأبي بكرٍ ، وعمرَ ، وبقيةِ العشرةِ في خَلْقٍ منهم ،
= وإمَّا بالاستفاضةِ والشهرةِ القاصرةِ عنِ التواترِ ، كعُكَاشَةَ بنِ مِحْصنٍ ، وضِمَامِ بنِ ثعلبةَ ، وغيرِهما .
=وإمَّا بإخبارِ بعضِ الصحابةِ عنهُ أَنَّهُ صحابيٌّ ، كحُمَمَةَ بنِ أبي حُمَمَةَ الدَّوسِيِّ ، الذي ماتَ بأصبهانَ مبطوناً ، فشهدَ لهُ أبو موسى الأشعريُّ أنَّهُ سمِعَ النبيَّ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وحكمَ لهُ بالشهادةِ ذكرَ ذلكَ أبو نُعَيْمٍ في "تاريخِ أصبهان"(3).
__________
(1) - الاستيعاب في أسماء الأصحاب: 1: 8.
(2) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 204)
(3) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (2113)(2/58)
وقال الخطيب في الكفاية : بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْدِيلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلصَّحَابَةِ , وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُمْ , وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَنْ دُونَهُمْ كُلُّ حَدِيثٍ اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , لَمْ يَلْزَمِ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رِجَالِهِ , وَيَجِبُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ , سِوَى الصَّحَابِيِّ الَّذِي رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , لِأَنَّ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ ثَابِتَةٌ مَعْلُومَةٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ لَهُمْ وَإِخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَتِهِمْ , وَاخْتِيَارِهِ لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , وَقَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا , وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَالْمُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ , وَقِيلَ : وَهُوَ وَارِدٌ فِي الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ , وَقَوْلُهُ : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا , وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحسان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ , وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ , وَقَوْلُهُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ , وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قِبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ , فِي آيَاتٍ يَكْثُرُ إِيرَادُهَا وَيَطُولُ تَعْدَادُهَا , وَوَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّحَابَةَ مِثْلَ ذَلِكَ , وَأَطْنَبَ فِي تَعْظِيمِهِمْ , وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ , فَمِنَ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى "
ومذهب أهل السنة والجماعة فيهم وسط بين طرفيها الإفراط والتفريط، وسط بين المفرطين الغالين، الذين يرفعون من يعظمون منهم إلى ما لا يليق إلا بالله أو برسله، وبين المفرِّطين الجافين الذين ينقصونهم ويسبونهم، فهم وسط بين الغلاة والجفاة، يحبونهم جميعا وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم وقلوبهم عامرة بحبهم وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون إما مصيبون فلهم أجر الاجتهاد والإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا معصومين بل هم بشر يصيبون ويخطئون ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم ولهم من الله المغفرة والرضوان، وكتب أهل السنة مملوءة ببيان هذه العقيدة الصافية النقية في حق هؤلاء الصفوة المختارة من البشر لصحبة خير البشر - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم أجمعين .
2-أمثلة مما ورد في التقريب عن هذه المرتبة(2/59)
لقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله الصحابة الذين ورد ذكرهم في الكتب الستة ، ولكنهم أقسام :
قسم متفق على صحبته
وقسم مختلف في صحبته
وقسم مخضرمين
وقسم ذكروا في الصحابة خطأ
وسوف نذكر أمثلة عن كل قسم ، وما يتعلق به
أولا- المتفق على صحبته :
(131) آبِي اللَّحْمِ بالمد بلفظ اسم الفاعل من الإباء صحابي غفاري يقال إن اسمه خلف وقيل غير ذلك استشهد بحنين ت س
الكاشف (232) آبة اللحم الغفاري له صحبة وعنه مولاه عمير في الاستسقاء قتل يوم حنين ت س
(282) أُبَيِّ بنِ عُمَارَةَ بكسر العين على الأصح مدني سكن مصر له صحبة وفي إسناد حديثه اضطراب د ق
الكاشف(230) أبي بن عمارة له صحبة وله حديث في المسح وعنه عبادة بن نسي وأيوب بن قطن د ق
( 283) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء ويكنى أبا الطفيل أيضا من فضلاء الصحابة اختلف في سنة موته اختلافا كثيرا قيل سنة تسع عشرة وقيل سنة اثنتين وثلاثين وقيل غير ذلك ع
الكاشف(231) أبي بن كعب بدرسيد القراء عنه أنس وسهل بن سعد وأبو العالية وخلق في موته أقوال ع
وهناك ملاحظة هامة ، فمن كانت صحبته ثابتة بلا ريب قالا عنه ( صحابي ) ، وإنما كانت غير مشهورة ، قالا عنه ( له صحبة )
وهناك بعض الصحابة تكلم فيهم بعض أئمة الجرح والتعديل ، ومع ذلك لم يعوِّل الحافظان على كلامهم فيهم ، مثل بسر بن أبي أرطأة
ففي التقريب( 663) بسر بن أرطاة ويقال ابن أبي أرطاة واسمه عمر [عمير] ابن عويمر ابن عمران القرشي العامري نزيل الشام من صغار الصحابة مات سنة ست وثمانين د ت س
الكاشف(558) بسر بن أرطاة أو ابن أبي أرطاة العامري صحابي له حديثان عنه جنادة بن أبي أمية
فقد تكلم فيه ابن معين ، وذلك لأنه نسب له أعمال سيئة في اليمن وفي المدينة المنورة أثناء الفتنة, والصواب أن هذه الأعمال لم يثبت منها شيء ، ومن حدث بها إما من لم يلقه ، أو ساقط الرواية ، ولا يجوز الاتهام بلا برهان واضح ، والصواب أنه من الصحابة المفترى عليهم ، وقد أجمعوا على عدالة الصحابة من لازم الفتنة ومن لم يلازمها .
وما فعله الحافظان الجليلان هنا هو الصواب الذي لا محيد عنه .
ثانيا-المختلف في صحبته :
(590) إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين الدوسي نزيل مكة مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين د س ق
الكاشف(500) إياس بن عبدالله بن أبي ذباب الدوسي مختلف في صحبته عنه ولد لابن عمر د س ق
(840) ثعلبة بن زهدم الحنظلي حديثه في الكوفيين مختلف في صحبته وقال العجلي تابعي ثقة د س
الكاشف(705) ثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته عنه الأسود بن هلال د س
(842) ثعلبة بن صعير أو ابن أبي صعير بمهملتين مصغر العذري بضم المهملة وسكون المعجمة ويقال ثعلبة ابن عبدالله ابن صعير ويقال عبدالله ابن ثعلبة ابن صعير مختلف في صحبته د
الكاشف(707) ثعلبة بن صعير أو بن أبي صعير له صحبة عنه ابنه عبد الله د
(845) ثعلبة بن أبي مالك القرظي حليف الأنصار أبو مالك ويقال أبو يحيى المدني مختلف في صحبته وقال العجلي تابعي ثقة خ د ق
وكل من اختلفوا في صحبته ، فهو ثقة لا يسأل عنه ،ففي المستدرك للحاكم (6893) عَنْ أَبِي بَقَّالٍ الْمُرِّيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَبَاحَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، يَقُولُ : حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : لاَ صَلاةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِي ، وَلا يُحِبُّ الأَنْصَارَ" .(2/60)
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 43)(197)عَنْ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى جَدَّتِى عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَلاَ يُؤْمِنُ بِى مَنْ لاَ يُحِبَّ الأَنْصَارَ ». أَبُو ثِفَالٍ الْمُرِّىِّ يُقَالَ اسْمُهُ ثُمَامَةُ بْنُ وَائِلٍ ، وَقِيلَ ثُمَامَةُ بْنُ حُصَيْنٍ ، وَجَدَّةُ رَبَاحٍ هِىَ أَسْمَاءُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير معلقا :" قال ابْنُ الْقَطَّانِ : إنَّ جَدَّةَ رَبَاحٍ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ اسْمُهَا ، وَلَا حَالُهَا "كَذَا قَالَ ،فَأَمَّا هِيَ فَقَدْ عُرِفَ اسْمُهَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مُصَرِّحًا بِاسْمِهَا ،وَأَمَّا حَالُهَا فَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الصَّحَابَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا صُحْبَةٌ فَمِثْلُهَا لَا يُسْأَلُ عَنْ حَالِهَا "(1).
ثالثاً- المخضرمون :
قال النووي في التقريب : "ومن التابعين المخضرمون، واحدهم مخضرم " بفتح الراء " وهو الذي أدرك الجاهلية وزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره وأسلم بعده، وعدهم مسلم عشرين نفساً، وهم أكثر"(2).
وهذه أمثلة منهم :
(286)- أحزاب بن أسيد بفتح أوله على المشهور يكنى أبا رهم بضم الراء السمعي بفتح المهملة والميم مختلف في صحبته والصحيح أنه مخضرم ثقة د س ق
الكاشف (235) أحزاب أبورهم السماعي والسمعي بفتحتين والسمعي بالكسر والسكون مختلف في صحبته وله عن أبي أيوب والعرباض وعنه أبو الخير مرثد وجماعة د س ق
(288) الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبو بحر اسمه الضحاك وقيل صخر مخضرم ثقة [من الثانية] قيل مات سنة سبع وستين وقيل اثنتين وسبعين ع
الكاشف (237) الأحنف بن قيس أبو بحر التميمي عن عمر وعثمان وعلي وعنه الحسن وحميد بن هلال وجماعة وكان سيدا نبيلا توفي سنة 67 وقيل 72 ع
قلت : نلاحظ أن الحافظ ابن حجر قد ضبط هذه المرتبة ضبطاً محكما ، فقد نصَّ على أنهم مخضرمون، ونص على ثقتهم ، والذهبي لم يذكر شيئا من ذلك سوى النص على ثقة واحد منهم ، وهنا يتميز التقريب على الكاشف .
خامسا- الذين ذكروا في الصحابة خطأ :
وهناك رواة أخطأ بعض من كتب في الصحابة ، فعدهم في الصحابة ، فنبه الحافظ ابن حجر رحمه الله ذلك ، وهذه بعض الأمثلة مع المقارنة :
(1022) الحارث بن زياد الشامي لين الحديث من الرابعة وأخطأ من زعم أن له صحبة د س
الكاشف (853) الحارث بن زياد عن أبي رهم السماعي وعنه يوسف بن سيف د س
(1073) حبان بن زيد الشرعبي بفتح المعجمة ثم راء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم موحدة أبو خداش بكسر المعجمة وآخره معجمة ثقة من الثالثة أخطأ من زعم أن له صحبة بخ
الكاشف (895) حبان بن زيد الشرعبي عن عبد الله بن عمرو وعنه حريز بن عثمان شيخ د
نلاحظ أن الحافظ ابن حجر قد ضبط هذا النوع ضبطا دقيقاً ، بعكس الحافظ الذهبي ، وقد نص الحافظ ابن حجر على حكمهم جميعاً ، بينما الذهبي سكت على الأكثر ، وقال عن حبان بن زيد ( شيخ) وهي لفظة تعديل ولكنها في آخر السلَّم ، بينما قال عنه الحافظ ابن حجر ( ثقة) وشتان ما بين العبارتين والمرتبتين .
وفي تهذيب التهذيب، قلت: وذكره ابن حبان في الثقات وقد تقدم أن أبا داود قال:" شيوخ حريز كلهم ثقات"(3).
قلت : ولهذا السبب حكم الحافظ ابن حجر بثقته .
__________
(1) - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (ج 1 / ص 133)
(2) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 22)
(3) - تهذيب التهذيب (ج 2 / ص 150)(2/61)
وهذا يبين أيضاً أن قاعدة لا ترتفع جهالة الراوي إلا برواية ثقتين عنه مختلف فيها ، وكذلك مختلف في حكم مجهول العين ، فهذا الراوي لم يرو عنه سوى حريز ، فهو على قاعدتهم مجهول العين ، ومع هذا رفعت جهالته ، بل ووثقه الحافظ ابن حجر ، وذلك لأن الراوي عنه حريز لا يروي إلا عن الثقات ، ومن ثم فروايته عنه أغنت عن الراوي الثاني وعن الحكم عليه.
ــــــــــــــ
المرتبة الثانية
من أُكد مدحه بأكثر من عبارة
وهي قول الحافظ رحمه الله :" من أُكد مدحه : إما : بأفعل : كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً: كثقة ثقة، أو معنى : كثقة حافظ" .
وهي أعلى مرتبة من مراتب التعديل بلا خلاف ، وعدد من قيل فيهم كذلك ليس بالكثير ، وأحاديثهم هي أصح الأحاديث كذلك .
أمثلة لهذه المرتبة مع المقارنة بالتهذيب أصل الكتاب :
أما عبارة( أوثق الناس ) فلم أجد راويا في التقريب قيل عنه ذلك، والذين ذكروا في تهذيب التهذيب هم :
إبراهيم بن ميسرة :
وفي التهذيب : " قال البخاري عن علي له نحو ستين حديثا وأكثر، وقال الحميدي عن سفيان أخبرني إبراهيم بن ميسرة من لم تر عيناك والله مثله ،وقال حامد البلخي عن سفيان كان من أوثق الناس وأصدقهم، وقال أحمد ويحيى والعجلي والنسائي ثقة وقال ابن سعد مات في خلافة مروأن ابن محمد، وقال البخاري مات قريبا من سنة 132 قلت : بقية كلام ابن سعد وكان ثقة كثير الحديث، وقال ابن المديني قلت لسفيان أين كان حفظ إبراهيم بن طاوس من حفظ ابن طاوس، قال: لو شئت أن أقول لك إني أقدِّمُ إبراهيم عليه في الحفظ لقلت، وقال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات."(1).
وفي تقريب التهذيب (260) إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ من الخامسة مات سنة اثنتين وثلاثين ع
وفي الكاشف (212) إبراهيم بن ميسرة المكي عن أنس وابن المسيب وخلق وعنه شعبة والسفيانان له ستون حديثا قال الحميدي قال لي سفيان: لم تر عيناك مثله ع
وأما الذين قال عنهم ثقة ثقة فهم :
تقريب التهذيب (2066) زياد بن حسان ابن قرة الباهلي المعروف بالأعلم ثقة ثقة قاله أحمد من الخامسة خ د س
تقريب التهذيب (2608) سليمان ابن أبي مسلم المكي الأحول خال ابن أبي نجيح قيل اسم أبيه عبد الله ثقة ثقة قاله أحمد من الخامسة ع ......
وفي قوله ثقة حافظ ،فقد ذكر في هذه المرتبة (126) مائة وستة وعشرين راوياً .
أمثلة :
(3) أحمد بن إبراهيم ابن كثير بن زيد الدورقي النكري بضم النون البغدادي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة ست وأربعين م د ت ق
(10) أحمد بن إشكاب الحضرمي أبو عبدالله الصفار واسم إشكاب مجمع وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة سبع عشرة أو بعدها خ
(25) أحمد بن الحسن بن جنيدب بالجيم والنون مصغر الترمذي أبو الحسن ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة خمسين تقريبا خ ت
وقوله ثقة ثبت في (137) راوياً، وهذه أمثلة منهم :
( 182) إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل من الثامنة ت ق
( 384) إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة إحدى وخمسين خ م ت س ق
( 425) إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد ابن العاص ابن سعيد ابن العاص ابن أمية الأموي ثقة ثبت من السادسة مات سنة أربع وأربعين وقيل قبلها ع
قلت : وهؤلاء الرواة قد اتفق العلماء على عدالتهم ، فقد بلغوا الذروة العليا في التعديل.
وهناك عبارات أخرى في هذه المرتبة استخدمها الحافظ ابن حجر لبعض الرواة ، وهذه أهمها :
أعلى عبارة وردت للحافظ ابن حجر رحمه الله في التزكية عن الإمام البخاري رحمه الله :
__________
(1) - تهذيب التهذيب (ج 1 / ص 150)(313)(2/62)
ففي التقريب ( 5727) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث من الحادية عشرة مات سنة ست وخمسين في شوال وله اثنتان وستون سنة ت س
وقال عن الإمام مالك (6425) مالك بن أنس ابن مالك بن أبي عامر ابن عمرو الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر من السابعة مات سنة تسع وسبعين وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وقال الواقدي بلغ تسعين سنة ع
وقال عن الإمام الشافعي (5717) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب المطلبي أبو عبد الله الشافعي المكي نزيل مصر رأس الطبقة التاسعة وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين مات سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة خت 4
وقال عن أبي حاتم الرازي (5718) محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي أحد الحفاط من الحادية عشرة مات سنة سبع وسبعين [خ] د س فق
وقال عن أبي زرعة الرازي (4316) عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد ابن فروخ أبو زرعة الرازي إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة مات سنة أربع وستين وله أربع وستون م ت س ق
وعن أبي حنيفة (7153) النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة الإمام يقال أصلهم من فارس ويقال مولى بني تيم فقيه مشهور من السادسة مات سنة خمسين [ومائة] على الصحيح وله سبعون سنة ت س
وقال عن الإمام أحمد (96) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة وهو رأس الطبقة العاشرة مات سنة إحدى وأربعين وله سبع وسبعون سنة ع
ــــــــــــــ
المرتبة الثالثة
من أفرد بصفة تعديل كثقة ..
وهي قوله ": من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثَبْت، أو عدل. "
أقول : إن الرواة الثقات الذين لا يختلف في عدالتهم قد كفانا الحافظ مؤنتهم وأعطانا عبارة دقيقة في التعديل تدلُّنا على ثقتهم ، وتغنينا عن مراجعة ما قاله الأقدمون فيهم .
وهذه أمثلة لهذه المرتبة :
من قال فيه (ثقة)
(7) أحمد بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ، ثقة كان يحفظ من التاسعة ...
ولو رجعنا إلى التهذيب لوجدنا أنهم اتفقوا على ثقته . فقد قال أحمد : كان عندي إن شاء الله صدوقاً ... ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي ومحمد بن سعد وابن منجوية وابن حبان(1).
(21) أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره مهملة الحنفي أبو عاصم الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة ثمان وثلاثين م د
وأما من قال فيه (متقن) فلم أجدها مفردة وإنما جاءت مسبوقة بثقة في الغالب كقوله :
(386) إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي [الأنصاري] أبو موسى المدني قاضي نيسابور ثقة متقن من العاشرة مات سنة أربع وأربعين م ت س ق
(1817) داود بن أبي هند القشيري مولاهم أبو بكر أو أبو محمد البصري ثقة متقن كان يهم بأخرة من الخامسة مات سنة أربعين وقيل قبلها خ ت م 4
وقوله (ثبت) لم يفردها وحدها بل جاءت مع صيغ المبالغة في التوثيق نحو :
(182) إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل من الثامنة ت ق
(260) إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ من الخامسة مات سنة اثنتين وثلاثين ع
(384) إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة إحدى وخمسين خ م ت س ق
وأما كلمة (عدل) فلم يصف بها أحدا من الرواة بهذا الوصف .
وهكذا جميع الرواة المتفق على عدالتهم انظر الأرقام التالية من التقريب مع مقارنتها بالتهذيب (3) و(7) و(10) و(21) و(23) و(25) و(29) و(31) و(32) و(37) و(39) و(43) و(44) و(49) و(55) و(56) ...
__________
(1) - التهذيب 1/14(2/63)
وهذا يشمل كل من قال عنه : ثقة حافظ ، ثقة ثبْت ، ثقة متقن ... وكل من قال فيه ثقة أو حافظ أو ثبْت ... وعددهم كثير ، وحديثهم جميعاً صحيح لذاته.
وهناك عبارات أخرى من هذه المرتبة لم ينص الحافظ ابن حجر رحمه الله عليها ، وقد استخدمها بقلة ، منها (ثقة له أفراد) :
(143) أبان بن يزيد العطار البصري أبو يزيد ثقة له أفراد من السابعة مات في حدود الستين خ م د ت س
وفي الكاشف (111 ) أبان بن يزيد العطار البصري عن الحسن وأبي عمران الجوني وعدة وعنه القطان وعفان وهدبة قال أحمد ثبت في كل المشايخ مات خ م د ت س
قلت : الراجح أنه ثقة بإطلاق
(2118) زيد بن أبي أنيسة الجزري أبو أسامة أصله من الكوفة ثم سكن الرها ثقة له أفراد من السادسة مات سنة تسع عشرة وقيل سنة أربع وعشرين وله ست وثلاثون سنة ع
وفي الكاشف (1723 ) زيد بن أبي أنيسة أبو أسامة الرهاوي شيخ الجزيرة عن شهر وعطاء والحكم وعنه مالك وعبيد الله بن عمرو حافظ إمام ثقة توفي 124 ع
قلت : فقول الحافظ ابن حجر رحمه الله فيه ( ثقة له أفراد ) فيه نظر ، فليس عنده أفراد،وفي تذكرة الحفاظ (131 ) ع زيد بن أبي أنيسة الحافظ الإمام أبو أسامة الرهاوي أحد الأثبات ...
وقال عن بعض الرواة ثقة يغرب في أحد عشر راويا وهم :
( 183) إبراهيم بن سويد بن حيان مدني ثقة يغرب من الثامنة خ د
وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 11 / ص 29)( 4 )(إبراهيم بن سويد المدني)عن: أنيس بن أبي يحيى الأسلمي، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعمرو بن أبي عمرو، ويزيد بن أبي عبيد وعنه: ابن وهب، وسعيد بن أبي مريم. وثقه ابن معين.
والظاهر أن قول الذهبي في بعضهم( ثقة بإطلاق) هو الأرجح، والله أعلم .
وقال عن ثلاثة ( ثقة يهم ) وهم :
(162) إبراهيم بن الحجاج بن زيد السامي بالمهملة أبو إسحاق البصري ثقة يهم قليلا من العاشرة مات سنة إحدى وثلاثين أو بعدها س
وفي الكاشف(127 ) إبراهيم بن الحجاج السامي البصري لا النيلي عن الحمادين وأبان بن يزيد وخلق وعنه عثمان بن خرزاذ وأبو يعلى وخلق وثقه ابن حبان مات 231 س
وقال عن رواة (ثقة ربما وهم ) وهم عشرة رواة وهم :
(1320) الحسين بن ذكوان المعلم المكتب العوذي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها معجمة البصري ثقة ربما وهم من السادسة مات سنة خمس وأربعين ع
وفي الكاشف(1087 ) الحسين بن ذكوان المعلم البصري الثقة عن ابن بريدة وعطاء وعمرو بن شعيب وعنه القطان وغندر ويزيد ع
وقال عن بعض الرواة (ثقة ربما أخطأ) في راو واحد :
(2415) سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو عثمان البغدادي ثقة ربما أخطأ من العاشرة مات سنة تسع وأربعين خ م د ت س
وفي الكاشف (1974) سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان الأموي عن أبيه وابن المبارك وعنه من عدا ابن ماجة وابن صاعد والمحاملي ثقة توفي 249 خ م د ت س
وقال عن بعض الرواة (ثقة ربما خالف) في راويين :
(2464) سلم بن جنادة بن سلم السوائي بضم المهملة أبو السائب الكوفي ثقة ربما خالف من العاشرة مات سنة أربع وخمسين وله ثمانون سنة ت ق
وفي الكاشف(2010 ) سلم بن جنادة أبو السائب السوائي الكوفي عن أبيه وابن إدريس وأبي معاوية وعنه الترمذي وابن ماجة والمحاملي وابن مخلد ثقة مات 254 ت ق
(3336) عبدالله بن سالم أو ابن محمد ابن سالم الزبيدي بالضم أبو محمد الكوفي القزاز المفلوج ثقة ربما خالف من كبار الحادية عشرة مات سنة خمس وثلاثين د عس ق
وفي الكاشف (2737 ) عبد الله بن سالم الزبيدي الكوفي القزاز المفلوج عن وكيع وطبقته وعنه أبو داود وابن ماجة وأبو يعلى الموصلي ثقة عابد توفي 235 د ق
وقال عن بعض الرواة ( ثقة يرسل) وعددهم ثمانية وهم :
(1570) حميري بن بشير أبو عبدالله الجسري بالجيم المفتوحة بعدها مهملة معروف بكنيته أيضا وهو ثقة يرسل من الثالثة بخ م ت س(2/64)
وفي الكاشف(1268 ) حميري بن بشير أبو عبد الله الحميري الجسري عن جندب ومعقل بن يسار وعنه قتادة والجريري ثقة ففي الكتب عن الجريري عن أبي عبد الله العنزي عن عبد الله بن الصامت م ت
(1625) خالد بن دريك ثقة يرسل من الثالثة 4
قلت : فهؤلاء كلهم ثقات وحديثهم صحيح ، وأما من أخطأ في رواية بعينها ، ولم نجد لها عاضداً فنردُّ هذا الحديث فقط .
وأما من أرسل ، فحديثه الموصول صحيح ، والمرسل إن وجدنا ما يعضده لفظاً أو معنى قويناه ، وإلا كان من الصحيح المرسل ، وهو حجَّةٌ عند كثير من أهل العلم ما لم يعارضه ما هو أقوى منه ، وقدِّم على رأي الرجال.
وأمَّا الخلافُ بين الحافظين في الحكم ، فلا بد من البحث في حال هذا الراوي الذي اختلفا فيه في الكتب الأساسية في الجرح والتعديل ، ثم الموازنة بينها ، ثم الترجيح ، فقد نرجح رأي الحافظ ابن حجر ، وقد نرجح رأي الحافظ الذهبي ، وأما ما اتفقا في الحكم عليه فعضَّ عليه بالنواجذ .
ــــــــــــــ
المرتبة الرابعة
من قال عنه صدوق أو ليس به بأس أو لا بأس به
لقد أكثر الحافظ ابن حجر رحمه الله من هذه المرتبة ، فقد ذكر كلمة (صدوق) أكثر من ألف وثمانمائة مرة ، وكلمة( لا بأس به ) حوالي مائة وثمانية عشر مرة ، وكلمة (ليس به بأس) حوالي ثمانية عشر مرة .
وقد اختلف العلماء الذين جاءوا من بعده بمقصد الحافظ ابن حجر رحمه الله بذلك ، وذلك تبعاً لاختلاف السلف والخلف في هذه الألفاظ، فقد ذهب بعض المعاصرين إلى أنها لا تدلُّ على حسن حديث من قيلت فيه ، وذهب البعض الآخر إلى أنها وكلمة (ثقة) تماماً لا فرق بينهما إلا بالاسم فقط ومن ثمَّ فقد صححوا جميع أحاديث هذه المرتبة، وذهب الأكثرون إلى أنها تدلُّ على حسن الحديث إذا تفرد به من هذه صفته فقط ، وعلى صحته إذا اعتضد .
والصواب من القول أن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد استعمل هذه المرتبة في الأكثر لصاحب الحديث الحسن ، وبعضها لصاحب الحديث الصحيح ، وقد اضطرب في هذه المرتبة اضطراباً كثيراً ، لأنه قد دمج الثقة بالصدوق .
فلو قارنا بين التقريب والتهذيب في كثير ممن قال فيهم صدوق لوجدنا أنهم ثقات ، والأكثر أنهم بالمعنى الاصطلاحي للصدوق.
ولذا أرى أن الحافظ الذهبي رحمه الله قد ضبط هذه المرتبة بشكل أدقَّ، ولم يوقع من جاء بعده بحيرة كما حصل مع الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ــــــــــــــ
المرتبة الخامسة
من قال فيه صدوق سيء الحفظ أو يهم أو يخطئ ...
( الراوي المختلف فيه )
الخامسة عند الحافظ ابن حجر:" من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، كالتشيع والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم، مع بيان الداعية من غيره."
لقد أوقع الحافظ ابن حجر رحمه الله من جاء بعده في حيرة شديدة إزاء هذه المرتبة ، حيث اعتبرها بعض العلماء أنها من مراتب الردِّ، فأيُّ حديثٍ فيه راو من هذه المرتبة لم يتابع ردُّوا حديثه كائناً من كان .
ومنهم من يقبلها أحيانا ويردها أحياناً دون قواعد ولا ضوابط ، ومنهم من لا يعوِّل على كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ولا أدلَّ على هذا الاضطراب من تناقض العلماء المعاصرين في أحكامهم على رواة هذه المرتبة ، فتجد مثلا للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله أقوالا متناقضة فيهم ، فأحياناً يصحح لهم ، وأحيانا يحسن لهم ، وفي أحيان أخرى يضعف حديثهم ، وكل ذلك في الصحيحة والضعيفة، ومثله شيحنا الشيخ شعيب الأرناؤوط ولا سيما في تعليقه على مسند أحمد ، فنفس السند يصححه ويحسنه ويضعفه !!!
فكيف بغيرهم ممن لم يبلغ مرتبتهم ؟!!
نماذج من هذه المرتبة:(2/65)
وهذه بعض الأمثلة من هذه الطبقة لكل الأصناف الذين ذكرهم الحافظ ابن حجر فيها ،مقارنة بتهذيب التهذيب لبعضهم وبقول الإمام الذهبي ولا سيما في الكاشف، لتتميز نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما :
12 - أحمد بن بديل بن قريش أبو جعفر اليامي بالتحتانية قاضي الكوفة صدوق له أوهام من العاشرة مات سنة ثمان وخمسين ت ق.
وفي التهذيب(1): "قال النسائي لا بأس به وقال ابن أبي حاتم محله الصدق وقال ابن عقدة رأيت إبراهيم بن إسحاق الصواف ومحمد بن عبد الله بن سليمان وداود بن يحيى لا يرضونه وقال ابن عدي حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث أنكرت عليه وهو ممن يكتب حديثه على ضعفه وقال الدارقطني لين وقال صالح جزرة كان يسمَّى راهب الكوفة فلما تقلد القضاء، قال خذلت على كبر السن، وقال النضر قاضي همدان ثنا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ الْيَامِيُّ ، ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(2)فذكرته لأبي زرعة فقال: من حدثك قلت ابن بديل قال :شرٌّ له قال الدارقطني تفرد به أحمد عن حفص قال مطين مات 258 قلت ذكره النسائي في أسماء شيوخه وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث ."
وفي الكاشف"أحمد بن بديل أبو جعفر اليامي قاضي الكوفة ثم همذان سمع أبا بكر بن عياش وحفص بن غياث وعدة وعنه الترمذي وابن ماجة وابن صاعد وابن عيسى الوزير وخلق قال: النسائي لا بأس به ،ولينه ابن عدي والدارقطني وكان عابدا توفي 258 ت ق(3)
1903 - الربيع بن يحيى بن مقسم الأشناني بضم الألف وسكون المعجمة أبو الفضل البصري صدوق له أوهام من كبار العاشرة مات سنة أربع وعشرين خ د
وفي التهذيب(4):" قال أبو حاتم ثقة ثبت وذكره ابن حبان في الثقات(5)، قال ابن قانع مات سنة 224 ،قلت : وقال ابن قانع إنه ضعيف، وقال الدارقطني ضعيف ليس بالقوي يخطىء كثيرا حدث عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولا جمل وهذا يسقط مائة ألف حديث، وقال أبو حاتم في العلل: هذا باطل عن الثوري "(6)
وفي الكاشف" الربيع بن يحيى الأشناني عن مالك بن مغول وشعبة وعنه البخاري وأبو داود والكجي قال أبو حاتم ثقة ثبت توفي 224 خ د(7)
وفي ميزان الاعتدال " الربيع بن يحيى الاشنانى [ خ، د ]عن شعبة وغيره،صدوق،روى عنه البخاري،وقد قال أبو حاتم مع تعنته: ثقة، ثبت: وأما الدارقطني فقال: ضعيف يخطئ كثيرا، قد أتى عن الثوري بخبر منكر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر في الجمع بين الصلاتين،قال بعض الحفاظ: هذا يسقط كذا كذا ألف حديث،مات سنة أربع وعشرين ومائتين.(8)
__________
(1) - تهذيب التهذيب [ج 1 -ص15 ] وانظر تهذيب الكمال[ج1 -ص 270 ](13)
(2) - فَضَائِلُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِلْحَسَنِ الْخَلَّالِ(34 )
(3) - الكاشف [ ج1 - ص190 ](10 )
(4) - تهذيب التهذيب[ج3 - ص218 ]
(5) - وفي الثقات لابن حبان[ ج8 - ص240 ] (13218 ) الربيع بن يحيى أبو الفضل الأشناني من أهل البصرة يروى عن شعبة وزائدة روى عنه يعقوب بن سفيان والعراقيون يخطىء.
(6) - وفي علل الحديث (313) وَسَمِعْتُ أَبِي ، وقيل لَهُ : حَدِيث مُحَمَّد بْن المنكدر ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الجمع بين الصلاتين فَقَالَ : حَدَّثَنَا الربيع بْن يَحْيَى ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، غير أَنَّهُ باطل عِنْدِي هَذَا خَطَأٌ لم أدخله فِي التصنيف أَرَادَ : أبا الزبير ، عَنْ جَابِرٍ ، أو : أبا الزبير ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، والخطأ من الربيع
(7) - الكاشف[ ج1 - ص392 ] (1542 )
(8) - ميزان الاعتدال (ج 2 / ص 43) ( 2747)(2/66)
243- إبراهيم ابن محمد الزهري الحلبي نزيل البصرة صدوق يخطىء من الحادية عشرة ق
وفي الكاشف (199) إبراهيم بن محمد الحلبي ثم البصري عن الخريبي وعدة وعنه ابن ماجة وابن ناجية وأبو عروبة صدوق ق
440- إسماعيل بن خليفة العبسي بالموحدة أبو إسرائيل الملائي الكوفي معروف بكنيته وقيل اسمه عبدالعزيز صدوق سيء الحفظ نسب إلى الغلو في التشيع من السابعة مات سنة تسع وستين وله أكثر من ثمانين سنة ت ق
وفي الكاشف (370)إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي عن الحكم وطلحة بن مصرف وعنه أبو نعيم وأسيد الجمال وعدة ضعف توفي 169 ت ق
1718- خُصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيء الحفظ خلط بأخرة ورمي بالإرجاء من الخامسة مات سنة سبع وثلاثين وقيل غير ذلك 4
وفي الكاشف (1389) خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون مولى بني أمية عن سعيد بن جبير ومجاهد وعنه سفيان وابن فضيل صدوق سئ الحفظ ضعفه أحمد توفي 4 136
3623- عبدالله بن مطر [السعدي] أبو ريحانة البصري مشهور بكنيته صدوق تغير بأخرة من الثالثة ويقال اسمه زياد م د ت
وفي الكاشف (2988) عبدالله بن مطر أبو ريحانة البصري عن سفينة وابن عباس وعنه بشر بن المفضل وابن علية قال ابن معين وغيره صالح م د ت ق
701- بشر بن محمد السختياني أبو محمد المروزي صدوق رمي بالإرجاء من العاشرة مات سنة أربع وعشرين خ
وفي الكاشف (592) بشر بن محمد المروزي عن ابن المبارك والسيناني وعنه البخاري والفريابي خ
وفي ميزان الاعتدال(1221 ) بشر بن محمد بن أبان الواسطي السكرى، أبو أحمد،عن شعبة، وورقاء.وعنه أبو حاتم، وإبراهيم الحربى، وجماعة.صدوق إن شاء الله
وقد ذكرنا أمثلة أصحاب هذه المرتبة ، ونقلنا رأي الحافظ الذهبي كذلك لاشتراكهما في الموضوع نفسه ، ونلاحظ أن الاختلاف بينهما في الحكم على الراوي واضحٌّ جليٌّ ، سواء بالمرتبة أو بالتهمة التي نسبت إليه ، وهذا الاختلاف يؤدي بدوره إلى الاختلاف في الحكم على حديث الراوي ، بين عملاقي الجرح والتعديل ،ومن ثم لزم التفصيل والبيان في أصحاب هذه المرتبة .
=================
أسباب اختلاف العلماء في الجرح والتعديل
هناك ثلاثة اتجاهات في الجرح والتعديل:
الاتجاه المتشدد ، وهو الذي يردُّ حديث الراوي لأدنى جرح فيه ، وبالتالي يردُّ كثرا من سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما فعل الإمام ابن الجوزي في الموضوعات ، وكثير من المعاصرين بحجَّة حماية السنَّة النبوية .
والاتجاهُ المتساهل الذي لا يعوِّلُ على كثير مما جرح به الراوي ، فيصحح أو يحسن كثيرا من الأحاديث التي لا تستحقّ ُذلك، كما في فعل الإمام السيوطي رحمه الله في الجامع الصغير وغيره من كتبه .
والاتجاهُ الثالث ، المعتدل ، الذي يصحح أو يحسن أحاديث الرواة المختلف فيهم ، ما لم يثبت أنهم أخطؤوا في حديث بعينه ، ولم يقوَى بوجه من الوجوه المعتبرة .
وغالبية أهل الجرح والتعديل- بحمد لله تعالى- من هذا القبيل .
قال الترمذي(1): " وَقَدِ اخْتَلَفَ الأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى تَضْعِيفِ الرِّجَالِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِى سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ ذُكِرَ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ ضَعَّفَ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكِّىَّ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِى سليمان وَحَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَتَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ ثُمَّ حَدَّثَ شُعْبَةُ عَمَّنْ هُوَ دُونَ هَؤُلاَءِ فِى الْحِفْظِ وَالْعَدَالَةِ حَدَّثَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِىِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْهَجَرِىِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِىِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُضَعَّفُونَ فِى الْحَدِيثِ ".
وقال ابن تيمية رحمه الله مبينا أسباب اختلاف الفقهاء(2):
__________
(1) - سنن الترمذى (ج 14 / ص 199) وشرح علل الترمذي لابن رجب (ج 1 / ص 201)
(2) - مجموع الفتاوى (ج 20 / ص 240)(2/67)
" السَّبَبُ الثَّالِثُ : اعْتِقَادُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِاجْتِهَادِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مَعَهُمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ .
وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ :
مِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا ؛ وَيَعْتَقِدُهُ الْآخَرُ ثِقَةً .
وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ عِلْمٌ وَاسِعٌ(1)؛ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْمُصِيبُ مَنْ يَعْتَقِدُ ضَعْفَهُ ؛ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ جَارِحٍ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ الْآخَرِ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ غَيْرُ جَارِحٍ ؛ إمَّا لِأَنَّ جِنْسَهُ غَيْرُ جَارِحٍ ؛ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجَرْحَ .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَلِلْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عُلُومِهِمْ(2).
وَمِنْهَا : أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمُحَدِّثَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ(3)وَغَيْرُهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ لِأَسْبَابِ تُوجِبُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٍ(4).
وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَدِّثِ حَالَانِ :
حَالُ اسْتِقَامَةٍ وَحَالُ اضْطِرَابٍ مِثْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ(5)
__________
(1) - قلت : نصف السنَّة النبوية قائم على رجال مختلف فيهم ، فمنهم من وثقه قوم ، ومنهم من ضعفه قوم ، والعلماء في الجرح والتعديل ثلاثة أصنافٍ :متشددون في الجرح ، يجرحون الراوي لأدنى شبهة ويردون حديثه، والنوع الثاني متساهلون في الجرح والتعديل، والنوع الثالث معتدلون في الجرح والتعديل ، وعلى ضوء ذلك يختلف الحكم على الحديث ، فمن أخذ بقول المتشددين في الحديث ترك كثيرا من الأحاديث لعدم صحتها عنده , ومن أخذ بقول المتساهلين يكون قد صحح أو حسَّن أحاديث واحتج بها وهي لا تستحقُّ ذلك على الصحيح، ومن أخذ بقول المعتدلين كان وسطا بين الطرفين ، وهم الغالبية العظمى من علماء الجرح والتعديل أمثال البخاري وأحمد وابن سعد والترمذي وأبو داود والنسائ وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وابن عدي والمنذري والبيهقي والحافظ العراقي والحافظ ابن حجر العسقلا ني والسخاوي والشوكاني.
(2) - انظر مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
(3) - يعني فيكون الحديث منقطعا، لأنه روى عمن لم يره أولم يلقه.
(4) - وذلك للاختلاف في سنِّه مثلا كالاختلاف في سنة ولادته ، أو سنة موته ، وكذلك كون الراوي عنه مدلِّسا أم غير مدلس ، فإن كان الأول فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح فيه بالتحديث إذا كان يروي عن ثقات وغير ثقات ، وأما إذا كان لا يروي إلا عن ثقات فيقبل حديثه ، أو كان الذي يروي عنه من أهل بلده الذين لازمهم كثيرا أوعن شيوخه الكبار ، فروايته عن هؤلاء بالعنعنة لا تضرُّ ، وتحمل روايته على السماع .. وإذا لم يكن مدلِّساً فتقبل عنعنته مطلقا إذا أمكن اللقاء بينه وبين شيخه، ومثل هذا كثير في الرواة.
(5) - مثال على ذلك عطاء بن السائب ، فقد وثقه أكثر المحدثين ، ولكن قد اختلط قبل موته ، ومن ثم فقد اختلفوا في حديثه ،فمن روى عنه قبل الاختلاط فحديثه حديث الثقات يحتجُّ به ، ومن روى بعد الاختلاط يتوقف فيه ، فإن كان له شاهدٌ أو متابع قبلناه وإلا فلا .
وقد اختلفوا في رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب : قَالَ العقيلي : سمع حماد من عطاء بعد اختلاطه --والصحيح أَنه سمع منه قبل الاختلاط وهومَا ذكره ابن الجارود فِى الضعفاء فقَالَ : حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عنه جيد --وقال يعقوب بن سفيان : هو ثقة حجَّة وما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة سماع هؤلاء قديم ---التهذيب للحافظ ابن حجر 7/206-207 وهو مَا رجحه ابن حجر فِى الفتح وغيره والهيثمى وأحمد شاكر وهو الحقُّ ،والذين رووا عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم : سفيان الثورى وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن سلمة ، حماد بن زيد ، أيوب وسفيان ابن عينية --وحديثهم صحيح فهو ثقة اختلط بآخره ، وما رواه بعد الاختلاط يتوقف فيه.(2/68)
أَوْ تَحْتَرِقَ كُتُبُهُ(1)،فَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ صَحِيحٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاضْطِرَابِ ضَعِيفٌ فَلَا يَدْرِي ذَلِكَ الْحَدِيثَ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ ؟ وَقَدْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ(2).
وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ قَدْ نَسِيَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ،فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا بَعْدُ أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ تُوجِبُ تَرْكَ الْحَدِيثِ . وَيَرَى غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ . وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ(3).
__________
(1) - ومثاله عبد الله بن لهيعة المصري ، فقد احترقت كتبه بآخر عمره سنة 169 أو170 هـ ومات سنة 174 هـ فخلط بعدها، وقد اختلفوا فيه، وخلاصة الأمر فيه ما قاله ابن عدي : وحديثه أحاديث حسان ، وما قد ضعفه السلف هو حسن الحديث يكتب حديثه ، وقد حدث عنه الثقات : الثوري وشعبة ومالك وعمرو بن الحارث والليث ابن سعد "قلت : وقالوا رواية عبد الله بن وهب عنه وابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وقتيبة بن سعيد أعدل من غيرها عنه ، وينبغي أن يضاف لهؤلاء ما رواه عنه أبو الأسود والحسن بن موسى وقد روى الإمام أحمد في مسنده أحاديث ابن لهيعة من طريق الحسن بن موسى وأبي الأسود غالباً .،راجع تهذيب الكمال [ ج15 - ص487 ] برقم(3513 ) ، وتهذيب التهذيب [ ج5 - ص327 ] برقم(648 ) ،والجرح والتعديل [ ج5 - ص145 ] برقم(682)،والكامل في الضعفاء [ ج4 - ص144 ] برقم (977 ) وتذكرة الحفاظ [ ج1 - ص237 ] برقم (224)،وتاريخ دمشق [ ج32 - ص136 ] برقم(3474)
(2) - ومثله سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري ،ففي تقريب التهذيب (2365 ) سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف [لكنه] كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة من السادسة مات سنة ست وقيل سبع وخمسين ع.
وقال ابن عدي في آخر ترجمته : "وسعيد بن أبي عروبة من ثقات الناس وله أصناف كثيرة وقد حدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه وحدث بأصنافه عنه أرواهم عنه عبد الأعلى السامي والبعض منها شعيب بن إسحاق وعبدة بن سليمان وعبد الوهاب الخفاف وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه وثبتا عن كل من روى عنه إلا من جلس عنهم وهم الذين ذكرتهم ممن لم يسمع منهم وأثبت الناس عنه يزيد بن زريع وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد ونظراؤهم قبل اختلاطه وروى الأصناف كلها سعيد بن أبي عروبة عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف .الكامل في الضعفاء [ ج3 - ص396 ]
(3) - انظر البحر المحيط (ج 5 / ص 379) مَسْأَلَةٌ [ إنْكَارُ الشَّيْخِ مَا حَدَّثَ بِهِ ](2/69)
وَمِنْهَا : أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ يَرَوْنَ أَلَّا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ عِرَاقِيٍّ أَوْ شَامِيٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ،حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ : نَزِّلُوا أَحَادِيثَ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِمَنْزِلَةِ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ(1)،وَقِيلَ لِآخَرَ : سفيان عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ حُجَّةٌ ؟ قَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ فَلَا(2)، وَهَذَا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ ضَبَطُوا السُّنَّةَ فَلَمْ يَشِذَّ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِيهَا(3). وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ يَرَى أَلَّا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ الشَّامِيِّينَ(4).
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ التَّضْعِيفِ بِهَذَا، فَمَتَى كَانَ الْإِسْنَادُ جَيِّدًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً سَوَاءٌ كَانَ الْحَدِيثُ حِجَازِيًّا أَوْ عِرَاقِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
__________
(1) - قلت : هذه المقولة باطلة ، ولا أساس لها من الصحة ، بل وجد في الكوفة والبصرة وبغداد فيما بعد آلاف المحدثين الثقات الأثبات ،فكيف يقال هذا الكلام الباطل بحقهم ؟؟!!!
(2) - قلت : هذا من أصح الأسانيد ، فكيف يقال هذا بحقه ، فقد أخرج البخاري حديثا بهذا السند في صحيح البخارى برقم(4886 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ..
بل هذا أصح أسانيد الكوفيين، وقد روى سائر أئمة الحديث بهذا السند أحاديث كثيرة، وفي الكفاية :قال إبراهيم بن محمد الشافعي سمعت الفضيل بن عياض يقول منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مثل هذه السارية ،قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى (ج 1 / ص 404) و المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي (ج 1 / ص 238) والكفاية في علم الرواية (ج 1 / ص 386) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 2 / ص 71)
(3) - قلت : وهذا فيه نظر فكل إقليم فيه علماء أفذاذ ضبطوا السنَّة ونقَّوها مما علق بها ، وميزوا صحيحها من منخولها ، وهناك علماء آخرون لم يضبطوا ذلك ، فكيف يتهم أصحاب إقليم ما بهذه التهمة الموجودة عند الجميع بما فيهم الحجازيين ؟؟!!.
(4) - قلت : هذا من التعصب المذموم للإقليم أو الشخص أو المذهب، فالحديث متى استوفى شروط الصحة وجب العمل به سواء رواه أهل الحجاز أو أهل الشام أو أهل العراق ، أو غيرها من بلدان المسلمين ، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في أمصار المسلمين فاتحين وبعدها يعلمون الناس أصول دينهم ، فما وصل لأهل هذا الإقليم لم يصل إلى غيرهم ، وحصر الأحاديث في إقليم واحد يدلُّ على جهل قائله ، فأكثر من ثمانين بالمائة من الصحابة لم يموتوا في مكة أو المدينة بل خارجهما ، بل حتى أصحاب الإقليم الواحد لم يحصوا أحاديث إقليمهم كلها ، ولا أقاويلهم كالإمام مالك رحمه الله ، الذي يقدِّم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد مثلا ، فقد رد عليه الشافعي وغيره ، وبينوا له أن المسائل التي يقول بها إنها عمل أهل المدينة أن بعض علماء أهل المدينة قد خالفوها فكيف بغيرهم من الأمصار الأخرى؟! .(2/70)
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو داود السجستاني كِتَابًا فِي مفاريد أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنَ السُّنَنِ يُبَيِّنُ مَا اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي لَا تُوجَدُ مُسْنَدَةً عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِثْلَ الْمَدِينَةِ ؛ وَمَكَّةَ ؛ وَالطَّائِفِ ؛ وَدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا . إلَى أَسْبَابٍ أُخَرَ غَيْرِ هَذِهِ ".
وقال الذهبي(1): "هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوي ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف وبالله أعتصم وعليه أعتمد وإليه أنيب."
وقال النووي: " عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء، ولا عيب عليه في ذلك ،وجوابه من أوجه ذكرها ابن الصلاح أحدهما أن يكون ذلك في ضعيف عند غيره ثقة عنده ،ولا يقال الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا "(2)
================
أمثلة كثيرة عن أصحاب هذه المرتبة تبين حالهم
قال المنذري رحمه الله : " فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات ، وفيهم من اختلف فيه : إسناده حسن ، أو مستقيم أو لا بأس به "(3).
وقال أيضاً في حكم ما يرويه محمد بن إسحاق بن يسار: " وبالجملة فهو ممن اختلف فيه ، وهو حسن الحديث لا بأس به "(4).
وقال ابن دقيق العيد: " وَسِنَأن ابن رَبِيعَةَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ لُيِّنَ فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، فَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، "(5).
وقال الحافظ ابن حجر في سنان هذا : صدوق فيه لين(6)، وقال الذهبي : صدوق(7).
وقال ابن القطان الفاسي:" والحديثُ مختلفٌ فيه، فيبغي أَنْ يُقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" "(8).
وقال ابن الصلاح : " فمحمد بن عمرو بن علقمة: من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان، حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن.. "(9).
وقال الحافظ ابن حجر عنه : صدوق له أوهام(10)
وكذلك عبدالله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث مختلف فيه،وقال ابن القطان: "هو صدوق، ولم يثبت عليه ما يسقط له حديثه إلا أنه مختلف فيه، فحديثه حسن".(11)
وفي التقريب : صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة(12)
وترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ ورى حديثا من طريقه وقال عقبه :" هذا حديث حسن الإسناد "(13).
__________
(1) - تذكرة الحفاظ (ج 1 / ص 1)
(2) - شرح مسلم 1/24 والرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ج 1 / ص 6) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 54) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (ج 3 / ص 8) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 132)
(3) - الترغيب والترهيب 1/4
(4) - الترغيب والترهيب 6/456
(5) - نصب الراية (ج 1 / ص 18)
(6) - تقريب التهذيب[ج1 - ص256 ] 2639
(7) - الكاشف[ ج1 - ص467 ] (2154 )
(8) - نصب الراية (ج 1 / ص 62)
(9) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 5) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 117) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 52)
(10) - تقريب التهذيب[ج1 - ص499 ](6188)
(11) - تهذيب الكمال للمزي (ج 15 / ص 108) وتهذيب التهذيب (ج 5 / ص 228)
(12) - تقريب التهذيب[ج1 - ص308 ] 3388 -
(13) - تذكرة الحفاظ[ ج1 - ص389 ](2/71)
وقال في السير عنه : " وَبِكُلِّ حَالٍ، فَكَانَ صَدُوْقاً فِي نَفْسِهِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، أَصَابَهُ دَاءُ شَيْخِهِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَتَهَاوَنَ بِنَفْسِهِ حَتَّى ضَعُفَ حَدِيْثُهُ، وَلَمْ يُتْرَكْ بِحَمْدِ اللهِ، وَالأَحَادِيْثُ الَّتِي نَقَمُوهَا عَلَيْهِ مَعْدُوْدَةٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى. "(1).
وقال الحافظ ابن حجر : " هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن(2)"
وفي التقريب : صدوق له أوهام(3)، وقال الذهبي بعد أن نقل الاختلاف فيه : " قلت حسن الحديث "(4).
وقال الحافظ في التلخيص تعليقه على حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيِّ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ وَفَدْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ زُرْنَاك فَادْعُ الله لَنَا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّمْرِ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ شَهِدْنَا الْجُمُعَةَ مَعَهُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًى أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ غَيْرُهُ ،وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، فِيهِ شِهَابُ بْنُ خراش وقد اختلف فهي وَالْأَكْثَرُ وَثَّقُوهُ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ "(5).
وقال عنه في التقريب: " صدوق يخطئ "(6)، وفي ميزان [ صح ] شهاب بن خراش [ د ].صدوق مشهور، له ما يستنكر، وهو أبو الصلت ابن أخي العوام بن حوشب.(7)
وقال ابن الملقن في تعليقه على حديث ورد من طريقه(8): " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَلم يُضعفهُ فَهُوَ حسن عِنْده ، وَأخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» لَكِن فِي سَنَده شهَاب بن خرَاش وَهُوَ من الْمُخْتَلف (فيهم) ، وَوَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك وَغير وَاحِد كَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَأحمد وَيَحْيَى بن معِين ، وَقَالَ ابْن عدي : فِي بعض رواياته مَا يُنكر . وَلم (أر) للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما ، وَقَالَ ابْن حبان : يُخطئ كثيرا . وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَلَى هَذِه القولة فِيهِ .
وَأما الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «الْمُغنِي» : لم يُضعفهُ أَحْمد قطّ . وَرَأَيْت بِخَط ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» إِثْر (سياقته لَهُ بِإِسْنَادِهِ) : هَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ . "
وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن أبي صالح السمان عن أبيه وسعيد بن جبير وعنه بن أبي ذئب وهشيم مختلف في توثيقه وحديثه حسن م د ت ق(9)
وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد لقبه شقوصا اختلف فيه قول أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال النسائي أرجو أنه لا بأس به ووثقه أبو داود وقال أبو حاتم صالح ،وقال ابن عدي هو حسن الحديث يكتب حديث.(10)
وقال الذهبي : " ،صدوق شيعي، لقبه شقوصا. "(11)، وفي التقريب :صدوق يخطئ قليلاً(12).
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (10/405)
(2) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 464) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 190)
(3) - تقريب التهذيب[ج1 - ص572 ] 7294
(4) - الكاشف[ ج2 - ص336 ] (5964 )
(5) - التلخيص الحبير (ج 2 / ص 158)
(6) - تقريب التهذيب[ج1 - ص269 ]2825
(7) - ميزان الاعتدال (ج 2 / ص 281)[ 3750 ]
(8) - البدر المنير (ج 4 / ص 633)
(9) - الكاشف[ج1 - ص562 ]2782
(10) - مقدمة الفتح (ج 1 / ص 388)
(11) - ميزان الاعتدال (ج 1 / ص 228)878
(12) - تقريب التهذيب[ج1 - ص107 ]445(2/72)
وقال الحافظ في الفتح: " عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزِّنَاد قَدْ قَالَ فِيهِ اِبْن مَعِين " لَيْسَ مِمَّنْ يَحْتَجّ بِهِ أَصْحَاب الْحَدِيث ، لَيْسَ بِشَيْءٍ " وَفِي رِوَايَة عَنْهُ " ضَعِيف " وَعَنْهُ " هُوَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ " وَقَالَ يَعْقُوب بْن شَبَّة " صَدُوق وَفِي حَدِيثه ضَعْف " سَمِعْت عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ يَقُول " حَدِيثه بِالْمَدِينَةِ مُقَارِب وَبِالْعِرَاقِ مُضْطَرِب " وَقَالَ صَالِح بْن أَحْمَد عَنْ أَبِيهِ " مُضْطَرِب الْحَدِيث " وَقَالَ عَمْرو بْن عَلِيّ نَحْو قَوْل عَلِيّ ، وَقَالَا " كَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ يَحُطّ عَلَى حَدِيثه " وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيُّ " لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ " وَوَثَّقَهُ جَمَاعَة غَيْرهمْ كَالْعِجْلِيِّ وَالتِّرْمِذِيّ فَيَكُون غَايَة أَمْره أَنَّهُ " مُخْتَلَف فِيهِ " فَلَا يَتَّجِه الْحُكْم بِصِحَّةِ مَا يَنْفَرِد بِهِ بَلْ غَايَته أَنْ يَكُون حَسَنًا ، وَكُنْت سَأَلْت شَيْخَيَّ الْإِمَامَيْنِ الْعِرَاقِيّ وَالْبُلْقِينِيّ عَنْ هَذَا الْمَوْضِع فَكَتَبَ لِي كُلّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُمَا " لَا يَعْرِفَانِ لَهُ مُتَابِعًا " وَعَوَّلَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ عِنْد الْبُخَارِيّ " ثِقَة " فَاعْتَمَدَهُ وَزَادَ شَيْخنَا الْعِرَاقِيّ أَنَّ صِحَّة مَا يَجْزِم بِهِ الْبُخَارِيّ لَا يَتَوَقَّف أَنْ يَكُون عَلَى شَرْطه وَهُوَ تَنْقِيب جَيِّد ، ثُمَّ ظَفِرْت بَعْد ذَلِكَ بِالْمُتَابِعِ الَّذِي ذَكَرْته فَانْتَفَى الِاعْتِرَاض مِنْ أَصْله وَلِلَّهِ الْحَمْد "(1).
وفي التقريب: " صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها "(2).
وقال الذهبي في ترجمته : " وقد روى أرباب السُّنن الأربعة له، وهو إن شاء الله حسن الحال في الرواية"(3).
وقال في فُلَيْحِ بن سليمان(4):" وَهُوَ مُضَعَّفٌ عِنْدَ اِبْنِ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ فَحَدِيثه مِنْ قَبِيل الْحَسَن ".
وقال في التقريب: "صدوقُ كثير الخطأ "(5)، وقال الدارقطني: "يختلفون فيه، ولا بأس به"(6).
وقال في القول المسدد(7): " وأمَّا قزعة بن سويد فهو باهلي بصري يكنى أبا محمد روى أيضا عن جماعة من التابعين وحدث عنه جماعة من الأئمة واختلف فيه كلام يحيى بن معين فقال عباس الدوري عنه ضعيف ،وقال عثمان الدارمي عنه ثقة، وقال أبو حاتم محله الصدق وليس بالمتين يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي له أحاديث مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به، وقال البزار لم يكن بالقوي وقد حدث عنه أهل العلم ،وقال العجلي لا بأس به وفيه ضعف، فالحاصل من كلام هؤلاء الأئمة فيه أن حديثه في مرتبة الحسن والله أعلم "
__________
(1) - 13/187 و فتح الباري لابن حجر (ج 20 / ص 233) الشاملة 2
(2) - تقريب التهذيب[ج1 - ص340 ] 3861
(3) - ميزان الاعتدال (ج 2 / ص 576)(4908 )
(4) - فتح الباري لابن حجر (ج 3 / ص 416)
(5) - تقريب التهذيب [ ج1 - ص448 ] 5443)
(6) - ميزان الاعتدال (ج 3 / ص 366)
(7) - القول المسدد (ج 1 / ص 30)(2/73)
وفي الفتح(1): "فَفِي حَدِيث الطَّبَرَانِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق قَزَعَة بْن سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيّ " حَدَّثَنِي أَبِي سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ ، حَدَّثَنِي خَالِي ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَخَالُهُ : صَخْرُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ : لَقِيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ ، فَقُلْتُ : مَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ ؟ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ؟ فَقَالَ : " أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ الْمَسْأَلَةَ ، لَقَدْ عَظُمَتْ وَأَطْوَلَّتْ أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَحُجَّ الْبَيْتَ ، وَمَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسُ بِكَ ، فَافْعَلْهُ بِهِمْ ، وَمَا كَرِهْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسَ بِكَ فَدَعِ النَّاسَ مِنْهُ ، خَلِّ خِطَامَ النَّاقَةِ "(2)وَإِسْنَاده حَسَن ."
وفي السير : " قَزَعَةُ بنُ سُوَيْدِ بنِ حُجَيْرٍ البَاهِلِيُّ (ت، ق) شَيْخٌ، عَالِمٌ، بَصْرِيٌّ، صَالِحُ الحَالِ"(3).
وفي ميزان الاعتدال [ محمد بن قيس الأسدي [ م، د، س ].عن سلمة بن كهيل،مختلف فيه،وروى أيضا عن الشعبى وأبى الضحى،وعنه شعبة، وأبو نعيم،وثق، وهو إلى الاحتجاج أقرب،حديثه حسن"(4). وفي الكاشف صدوق(5)
وفي مصباح الزجاجة (418) هذا إسناد حسن. يزيد بن أبي زياد مختلف فيه
وفي تقريب التهذيب(7717 ) يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان شيعيا من الخامسة مات سنة ست وثلاثين خت م 4
وفي الكاشف (6305) "شيعي عالم فهم صدوق رديء الحفظ لم يترك .." .
وفي مصباح الزجاجة (535) هذا إسناد حسن أبو حريز اسمه عبد الله بن حسين مختلف فيه.
وفي تقريب التهذيب (3276 )عبد الله بن حسين الأزدي أبو حَرِيز البصري قاضي سجستان صدوق يخطىء من السادسة خت 4.
وفي الكاشف (2686 ) "مختلف فيه وقد وثق "(6)
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 422) إسناده حسن من أجل أبي حريز -واسمه عبد الله بن حسين- فإنه مختلف فيه.، ومثله في (ج 11 / ص 418و ص 507)( 5107)
وفي مصباح الزجاجة(549) هذا إسناد حسن يعقوب بن حميد مختلف فيه ، وفي (582) هذا إسناد حسن يعقوب بن حميد مختلف فيه" .
وفي تقريب التهذيب (7815 ) يعقوب بن حميد بن كاسب المدني نزيل مكة وقد ينسب لجده صدوق ربما وهم من العاشرة مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين عخ ق
وفي مصباح الزجاجة (852) هذا إسناد فيه مقال مطر الوراق مختلف فيه، ومحمد بن ثعلبة بن سواء قال فيه أبو حاتم: أدركته ولم أكتب عنه انتهى. ولم أر لغيره من الأئمة فيه كلاماً وباقي رجال الإسناد ثقات، رواه الطبراني في معجمه الكبير من هذا الوجه وقال الحافظ المنذري: هذا إسناد حسن".
وفي تقريب التهذيب (6699) مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء السلمي مولاهم الخراساني سكن البصرة صدوق كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ضعيف من السادسة مات سنة خمس وعشرين ويقال سنة تسع خت م 4
وفي ميزان الاعتدال (8587 ) "مطر من رجال مسلم، حسن الحديث".
وفي مصباح الزجاجة (1084) هذا إسناد حسن محمد بن عثمان العثماني مختلف فيه"
وفي تقريب التهذيب (6128 ) محمد بن عثمان ابن خالد الأموي أبو مروان العثماني المدني نزيل مكة صدوق يخطىء من العاشرة مات سنة إحدى وأربعين س ق
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر (ج 4 / ص 483)
(2) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (3408 ) والمعجم الكبير للطبراني (ج 7 / ص 16)(7131) وذكرت الحديث بطوله
(3) - سير أعلام النبلاء (8/196)(34 )
(4) - ميزان الاعتدال (ج 4 / ص 16)(8089 )
(5) - الكاشف[ ج2 - ص212 ] (5123 )
(6) - وانظر الجرح والتعديل[ ج5 - ص34 ](153)(2/74)
وفي الكاشف (5040 ) وثقه أبو حاتم، ووثقه في ميزان الاعتدال (7928 )
وقال الألباني في الصحيحة عن سند فيه محمد هذا ( 1379) فالحديث حسن على أقل الدرجات " .
وفي مصباح الزجاجة (1089)" هذا إسناد حسن عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه" .
وفي تقريب التهذيب (3592 ) " صدوق في حديثه لين ويقال تغير بأخرة " .
وفي سير أعلام النبلاء. (6/205): "قُلْتُ: لاَ يَرتَقِي خَبَرُه إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَالاحْتِجَاجِ".
وفي مصباح الزجاجة (1182)"هذا إسناد حسن أيوب بن هانىء مختلف فيه تفرد ابن جريج بالرواية عنه".
وفي تقريب التهذيب (628 ) أيوب بن هانئ الكوفي صدوق فيه لين من السادسة ق.
وفي الكاشف (530 ) أيوب بن هانئ عن مسروق وعنه ابن جريج صدوق ق
وفي مصباح الزجاجة(1202) "هذا إسناد حسن بكر بن يونس مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات".
وفي تقريب التهذيب (754 ) بكر بن يونس بن بكير الشيباني الكوفي ضعيف من التاسعة ت ق.
وفي الكاشف (639 ) بكر بن يونس بن بكير عن الليث وموسى بن علي وعنه ابن نمير وابن أبي غرزة ضعفوه ت ق(1)
وفي مصباح الزجاجة (1372)" هذا إسناد صحيح صدقة بن أبي عمران مختلف فيه"
وفي تقريب التهذيب (2916 ) صدقة بن أبي عمران الكوفي قاضي الأهواز صدوق من السابعة خت م ق.
وفي الكاشف (2385 ) صدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم وإياد بن لقيط وعنه أبو أسامة ومحمد بن بكر ليِّن م ق.
وفي ميزان الاعتدال (3873 ) [ صح ] صدقة بن أبى عمران [ م، ق ] الكوفى، قاضى الأهواز. صدوق.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد ( 506) عبد الحميد بن جعفر - وهو الأنصاري - مختلف فيه حسن الحديث" .
قلت: وله اثنتان وأربعون رواية في مسند أحمد .
وفي تقريب التهذيب (3756 ) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري صدوق رمي بالقدر وربما وهم من السادسة مات سنة ثلاث وخمسين خت م 4.
وفي الكاشف (3098 ) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري الأوسي المدني عن عم أبيه عمر بن الحكم ونافع وعنه القطان وابن وهب ثقة غمزه الثوري للقدر مات 153 م 4.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (16285 و16286 و16287...) حديث صحيح لغيره وهذا إسناد حسن من أجل قيس بن طلق فقد اختلف فيه"
قلت : وله أحد عشر رواية عنده .
وفي ميزان الاعتدال (6916 ) قيس بن طلق [ عو ] بن على الحنفي،عن أبيه،ضعفه أحمد، ويحيى في إحدى الروايتين عنه،وفي رواية عثمان ابن سعيد، عنه: ثقة،ووثقه العجلى،وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى وأبا زرعة عنه، فقالا: ليس ممن تقوم به حجة،قال ابن القطان: يقتضي أن يكون خبره حسنا لا صحيحا" .
وفي تقريب التهذيب (5580 ) قيس بن طلق بن علي الحنفي اليمامي صدوق من الثالثة وهم من عده من الصحابة 4
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (8742 4) وهذا إسناد حسن عباد بن راشد : هو البصري مختلف فيه حسن الحديث" .
قلت : وله سبعة روايات في المسند .
وفي تقريب التهذيب (3126 ) عباد بن راشد التميمي مولاهم البصري البزار آخره راء قريب داود بن أبي هند صدوق له أوهام من السابعة خ د س ق.
وفي ميزان الاعتدال (4113 ) عباد بن راشد [ خ، د، س، ق ] البصري،صدوق.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (37) عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب مختلف فيه حسن الحديث" .
قلت : وله في المسند أربعة وأربعون حديثاً.
وفي تقريب التهذيب (5083 ) عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم من الخامسة مات بعد الخمسين ع
وفي الكاشف (4202) عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس وعكرمة وعنه مالك والداروردي وعدة صدوق قال أحمد ليس به بأس وقال ابن معين وأبو داود ليس بالقوي ع.
__________
(1) - وانظر تهذيب التهذيب[ ج1 -ص 429 ] (902)(2/75)
وفي ميزان الاعتدال (6414 ) عمرو بن أبي عمرو [ ع ]، مولى المطلب،صدوق،حديثه مخرج في الصحيحين في الأصول.
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (14855 و25967) أسامة بن زيد الليثي مختلف فيه حسن الحديث " ,
ورى له أحمد في المسند كثيراً .
وفي تقريب التهذيب (317 ) أسامة بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني صدوق يهم من السابعة ...خت م 4
وفي سير أعلام النبلاء (6/343)(145) أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ (4، م، تَبَعاً)
الإِمَامُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، وَقَدْ يَرتَقِي حَدِيْثُه إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَأَخْرَج لَهُ مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ".
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (14162) إسناده حسن من أجل محمد بن مسلم وهوالطائفي " .
وفي تقريب التهذيب (6293 ) محمد بن مسلم الطائفي واسم جده سوس وقيل سوسن بزيادة نون في آخره وقيل بتحتانية بدل الواو فيهما وقيل مثل حنين صدوق يخطىء من حفظه من الثامنة مات قبل التسعين خت م 4
وفي الكاشف (5151 ) محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار وابن أبي يحيى وعنه ابن مهدي ويحيى بن يحيى فيه لين وقد وثق له في مسلم حديث واحد توفي 177 م 4
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (1069) هذا إسناد حسن معاوبة بن هشام : وهو القصار مختلف فيه وهو حسن الحديث" .
قلت : وله أربعة وعشرون حديثا في المسند وهو أحد شيوخ الإمام أحمد .
وفي تقريب التهذيب (6771 ) معاوية بن هشام القصار أبو الحسن الكوفي مولى بني أسد ويقال له معاوية بن أبي العباس صدوق له أوهام من صغار التاسعة مات سنة أربع ومائتين بخ م 4.
وفي الكاشف (5535) معاوية بن هشام القصار كوفي ثقة عن حمزة والثوري وعنه أحمد والحسن بن علي بن عفان وكان بصيرا بعلم شريك قال ابن معين صالح وليس بذاك توفي 205 م 4 .
وفي تعليقات الشيخ شعيب على مسند أحمد (1672) هذا إسناد حسن من أجل سليمان ابن موسى"
قلت : وروى له كثيرا .
وفي تقريب التهذيب (2616 ) سليمان ابن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق صدوق فقيه في حديثه بعض لين وخولط قبل موته بقليل من الخامسة م 4
وفي ميزان الاعتدال - (ج 2 / ص 226) قلت: كان سليمان فقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي، وهذه الغرائب التي تستنكر له يجوز أن يكون حفظها.
وفي سير أعلام النبلاء (5/436) وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فَقِيْهٌ، رَاوٍ، حَدَّثَ عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَهُوَ أَحَدُ العُلَمَاءِ،رَوَى أَحَادِيْثَ يَنْفَرِدُ بِهَا، لاَ يَروِيهَا غَيْرُه، وَهُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ، صَدُوْقٌ.
وفي مسند البزار(58(م)) ـ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الأَرُزِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سليمان ابن حَرْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : تَمَثَّلْتُ فِي أَبِي:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَقَالَ : ذَاكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلاَ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ أَسْنَدَ عَنِ الْقَاسِمِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلاَ رَوَى هَذِهِ الصِّفَةَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وفي تقريب التهذيب (4734 ) علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان ينسب أبوه إلى جد جده ضعيف من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين وقيل قبلها بخ م 4(2/76)
وفي الكاشف (3916 ) علي بن زيد بن جدعان التيمي البصري الضرير أحد الحفاظ وليس بالثبت سمع سعيد بن المسيب وجماعة وعنه شعبة وزائدة وابن علية وخلق قال الدارقطني لا يزال عندي فيه لين قال منصور بن زاذان لما مات الحسن قلنا لابن جدعان اجلس مجلسه مات 131 م 4
وقال ابن عدي في الكامل في الضعفاء [ج 5 -ص200 ] بنهاية ترجمته : "
ولعلي بن زيد غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة ولم أر أحدا من البصريين وغيرهم امتنعوا من الرواية عنه وكان يغالي في التشيع في جملة أهل البصرة ومع ضعفه يكتب حديثه" .
عتبة بن أبي حكيم ،ففي تقريب التهذيب (4427 ) عتبة بن أبي حكيم الهمداني بسكون الميم أبو العباس الأردني بضم الهمزة والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون صدوق يخطىء كثيرا من السادسة مات بصور بعد الأربعين عخ 4
وفي الكاشف (3661 ) عتبة بن أبي حكيم عن مكحول وعبادة بن نسي وطائفة وعنه يحيى بن حمزة وابن شابور وابن المبارك مختلف في توثيقه وقال أبو حاتم صالح الحديث مات بصور 147 4
وفي ميزان الاعتدال ( 5469 ) وهو متوسط حسن الحديث.
صالح بن رستم المزني ، ففي تقريب التهذيب (2861) صالح بن رستم المزني مولاهم أبو عامر الخزاز بمعجمات البصري صدوق كثير الخطأ من السادسة مات سنة اثنتين وخمسين خت م 4
وفي الكاشف (2338 ) صالح بن رستم أبو عامر الخزاز عن أبي قلابة والحسن وعنه القطان والأنصاري لينه بن معين وغيره ووثقه أبو داود خت 4 م تبعا
وفي ميزان الاعتدال (3791 ) [ صح ] صالح بن رستم [ م، عو ]، أبو عامر الخزاز، وهو كما قال أحمد بن حنبل: صالح الحديث.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 4 / ص 593)(1695) إسناده حسن؛ حيي بن عبد الله مختلف فيه" .
وفي الكاشف (1296 ) حيي بن عبد الله المعافري المصري عن أبي عبد الرحمن الحبلي وغيره وعنه الليث وابن وهب قال ابن معين ليس به بأس وقال البخاري فيه نظر 4
وفي التقريب( 1605) حيي بضم أوله ويائين من تحت الأولى مفتوحة ابن عبدالله ابن شريح المعافري المصري صدوق يهم من السادسة مات سنة ثمان وأربعين 4
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان (ج 5 / ص 209)(1888 )
إسناده حسن. عبد الحميد بن أبي العشرين: هو عبد الحميد بن حبيب، وهو كاتب الأوزاعي، ولم يرو عن غيره، مختلف فيه، وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ، فمثله يكون حسن الحديث. وباقي رجاله ثقات.
وفي تقريب التهذيب (3757 ) عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين الدمشقي أبو سعيد كاتب الأوزاعي ولم يرو عن غيره صدوق ربما أخط قال أبو حاتم كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث من التاسعة خت ت ق
وفي الكاشف (3099 ) عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي عنه وعنه أبو الجماهر وهشام بن عمار وثقه أحمد وضعفه دحيم خت ت ق
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان (ج 7 / ص 191)(2929 ) إسناده حسن. إبراهيم السكسكي - وهو ابن عبد الرحمن بن إسماعيل-: مختلف فيه
وفي تقريب التهذيب (204 ) إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي أبو إسماعيل الكوفي مولى صخير بالمهملة ثم المعجمة مصغرا صدوق ضعيف الحفظ من الخامسة خ د س
وفي الكاشف (163) إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن ابن أبي أوفى وأبي وائل وعنه مسعر والمسعودي وعدة ضعفه أحمد خ د س
وفي ميزان الاعتدال (135 ) إبراهيم بن عبدالرحمن [ خ، د، س ] السكسكى،عن عبدالله بن أبى أوفى.،كوفي صدوق.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 467)(5076 ) إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمربن أبي سلمة بن عبد الرحمن، فقد روى له أصحاب السنن، وهو مختلف فيه، وهو حسن الحديث" .
وفي تقريب التهذيب (4910 ) عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة صدوق يخطىء من السادسة قتل بالشام سنة اثنتين وثلاثين مع بني أمية خت 4(2/77)
وفي الكاشف (4065 ) عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه وعنه أبو عوانة وهشيم قال أبو حاتم صدوق لا يحتج به ووثقه غيره 4
وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 201) وقد صحح له الترمذي حديث: لعن زوارات القبور، فناقشه عبد الحق، وقال: عمر ضعيف عندهم، فأسرف عبد الحق.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 488)(5091)
إسناده حسن. كثير بن زيد: هو الأسلمي، مختلف فيه، وهو حسن الحديث لابأس به".
وفي تقريب التهذيب (5611 ) كثير بن زيد الأسلمي أبو محمد المدني بن مافنه بفتح الفاء وتشديد النون صدوق يخطىء من السابعة مات في آخر خلافة المنصور ر د ت ق.
وفي الكاشف ( 4631 ) كثير بن زيد الأسلمي أبو محمد المدني عن المقبري وطائفة وعنه بن أبي فديك وآخرون قال أبو زرعة صدوق فيه لين د ت ق........
ومما تقدم يتبين لنا بجلاء أن حديث المختلف فيه حكم عليه سائر الأئمة ومنهم الحافظ ابن حجر بالحسن الذاتي ، الذي لا يفتقر إلى عاضدٍ والله أعلم ، وإذا وجد له عاضد صحَّ ، ومن ثم نقول : كل راو اختلف فيه جرحا وتعديلاً ، فحديثه إذا انفرد به من قبيل الحسن لذاته ، هذا إذا لم ينكر عليه هذا الحديث بعينه ، ولم نجد له ما يعضده لفظاً ولا معنى .
وخلاصة القول : أن أحاديث المرتبة الخامسة عند الحافظ ابن حجر يُحكَمُ بتحسينها تحسيناً ذاتيًّا، وإذا جاء ما يعضدها يحكم له بالصحَّة المنجبرة ،إلا إذا تبين لدينا أن هذا الرواي قد أخطأ في هذه الرواية بعينها ، ولم نجد ما يعضدها لفظا ولا معنى ، والله أعلم .
ــــــــــــــــــ
ملاحظات على أقوال الحافظ ابن حجر على هذه المرتبة
لقد كان الحافظ ابن حجر رحمه الله دقيقاً على حدٍّ بعيد في حكمه على رواة هذه المرتبة ، ولكن مما يؤخذ عليه ما يلي :
الملاحظة الأولى- لو قمنا بمقارنة بين التقريب وبين أصله التهذيب ، لوجدنا أن عديدا من رواة هذه المرتبة لم يضبطها الحافظ ابن حجر رحمه الله بشكل دقيق ، وغلب على أحكامه التوفيق بين الأقوال المختلفة ، دون التحقيق العميق فيها، لأنه ليست كل تهمة توجَّه للراوي تكون صحيحة ، وكان ينبغي على الحافظ رحمه الله أن يحقق في هذه التهمة ، حتى لا يغترَّ بها من جاء بعده ، فيردُّ حديث الراوي من أجلها.
مثال على ذلك أول ترجمة في التقريب :
1- أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي نزيل بغداد صدوق من العاشرة مات سنة ست وثلاثين د فق
وفي تهذيب التهذيب [ج 1 -ص 8 ] (1) د فق أبي داود وابن ماجة في التفسير أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد روى عن محمد بن ثابت العبدي وفرج بن فضالة وحماد بن زيد وعبد الله بن جعفر المديني ويزيد بن زريع وأبي عوانة وإبراهيم بن سعد وغيرهم.
روى عنه أبو داود حديثا واحدا وروى ابن ماجة في التفسير عن ابن أبي الدنيا عنه وأبو زرعة الرازي ومحمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن هارون وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وآخرون ،وكتب عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال :لا بأس به، وقال صاحب تاريخ الموصل :كان ظاهر الصلاح والفضل، قال موسى بن هارون مات ليلة السبت لثمان مضين من ربيع الأول سنة 236 ،قلت: وذكره ابن حبان في الثقات ،وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: ثقة صدوق."
قلت: فهذا الراوي يروي عن جماعة من الثقات ، ويروي عنه أئمة الحديث المعتبرين.
ويقول عنه الإمام يحيى بن معين (لا بأس به) وهي تساوي عنده ثقة كما مرّعنه في تفسيرها ، ويذكره ابن حبان في الثقات، ويقول عنه يحيى بن معين أيضاً : ثقة صدوق ، وهي على الصحيح من صيغ المبالغة ، وليس المقصود بها التردد في الحكم على الراوي ، فلماذا لا نقول عنه : (ثقة) ؟!!
وهل الثقة يحتاج لأكثر من هذا التعديل ؟!(2/78)
وفي سير أعلام النبلاء(11/35)(15) أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَالِدٍ المَوْصِلِيُّ (د) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ،عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَشَرِيْكٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ، وَطَائِفَةٍ،حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
فالصواب من القول أن يقول عنه ثقة ، وعنئذ يكون حديثه صحيحاً لذاته ، وليس حسناً لذاته .
الملاحظة الثانية - في بعض من وصفهم في هذه المرتبة (صدوق يهم ، يخطئ ، سيء الحفظ، يدلس، يرسل، اتهم بكذا ..) فيه نظر ، وهذه بعض الأمثلة على ذلك :
قوله مثلا في دراج أبي السمح.
(1824 ) دراج بتثقيل الراء وآخره جيم بن سمعان أبو السمح بمهملتين الأولى مفتوحة والميم ساكنة قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقب السهمي مولاهم المصري القاص صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف من الرابعة مات سنة ست وعشرين بخ 4
والصواب أن حديثه عنه حسن كما هو رأي الإمام يحيى بن معين وابن شاهين ، وابن عدي ، وقد صحح حديثه أو حسنه عن أبي الهيثم الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ...(1)
الملاحظة الثالثة - أحيانا نجد في قوله في مبالغة في غير محلها ، كقوله في ترجمة (2830 ) شهر بن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة بخ م 4
قلت : الصواب أنه صدوق يرسل، وأما الأوهام المزعومة ، فأكثرها غير صحيح ، والموجود منها ، ليس بوهم على الصحيح ،(2)
وفي السير" شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشْعرِيُّ (4، م مَقْرُوْناً)الشَّامِيُّ، مَوْلَى الصَّحَابِيَّةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيَّةِ، كَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ. وبعد أن استفاض في ترجمته قال قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سفيان: شَهْرٌ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ عَوْنٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ،قُلْتُ: الرَّجُلُ غَيْرُ مَدْفُوْعٍ عَنْ صِدْقٍ وَعِلْمٍ، وَالاحْتِجَاجُ بِهِ مُتَرَجِّحٌ".(3)
وكقوله في (6291 ) محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة ست وعشرين ع
أقول : بعد الرجوع لترجمته تبين لدىَّ أن رميه بالتدليس ليس صحيحا . وغاية ما تمسك به متهموه ، أن الليث بن سعد لقيه، وكان عنده كتاب عن جابر فقال له : هذا كله سمعته من جابر ؟ قال : لا ، قلت : فأعلم لي على ماسمعت ، قال : فاعلم لي على هذا الذي كتبته عنه .
__________
(1) - انظر تهذيب التهذيب [ ج3 - ص180 ](397 ) والكامل 3/112-115 .
(2) - الكاشف (2336) وديوان الضعفاء (1903) وانظر الجامع في الجرح والتعديل (1838) والميزان : 2/284 والجرح والتعديل [ ج4 - ص382 ] (1668) والثقات للعجلي [ ج1 - ص461 ] (741) والتاريخ الكبير[ ج4 - ص258 ] (2730) وتهذيب الكمال[ ج12 - ص578 ] (2781) وتهذيب التهذيب[ ج4 - ص324 ] (635 )
(3) - سير أعلام النبلاء (4/372)(151 ) فما بعد(2/79)
أقول : ما الدليل على أن الأحاديث التي لم يسمعها من جابر ، كان يرويها عن جابر مباشرة ؟ وكذلك ممن سمع هذه الأحاديث؟ ولم يظهر لنا إلى الآن بالروايات المعنعنة عن جابر أن هناك واسطة بينهما ولا في رواية واحدة . علما أن طلاب جابر كانوا يقدمون أبا الزبير ليحفظ لهم أحاديث جابر ، فقد شهدوا له أنه أحفظهم لأحاديث جابر ، وقد لازمه مدة طويلة. كما أن الجماعة عدا البخاري أخرجوا لأبي الزبير عن جابر بالعنعنة ولم يعلوها بالإنقطاع ، علما أن ابن حبان اشترط في مقدمة صحيحه أن لايخرج لمدلس إلا إذا صرح بالتحديث وأخرج لأبي الزبير عن جابر بالعنعنة أحاديث فدلَّ على أن تهمة التدليس ليست ثابتة في حقِّه(1).
ــــــــــــــ
المرتبة السادسة
من قال فيه مقبول عند المتابعة وإلا فلين
هذا مصطلح جديد لم يسبق إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ومن ثم فقد أوقع من جاء بعده بحيرة شديدة ، وغموض !
وقد احتار من جاء بعده ماذا يقصد بهذه المرتبة التي أسرف في استعمالها وعدد الرواة الذين وصفهم بهذا الوصف ناف على (1588) راوياً .
إن العاني - رحمه الله - هو أول من قام بدراسة بعض مصطلحات الحافظ ابن حجر في التقريب ، ولاسيما هذه المرتبة والتي دونها ،وردَّ كثيرا من الأخطاء الشائعة حولهما ، وهوعمل جليل ونادر،نسأل الله تعالى أن يثيبه عليه خير الجزاء
ولا شك أنه قد بذل جهدا كبيرا في تبيان معنى المقبول عند الحافظ ابن حجر ، ووصل إلى نتائج طيبة بلا ريب ، ولا سيَّما فيما يتعلقُ برجال الصحيحين .
فأما ما نوافقه عليه فهو من قال عنه الحافظ ابن حجر من رجال الصحيحين: ( مقبول) فلا شكَّ أن حديثهم يدور بين الصحَّة والحسن ، وذلك لإجماع الأمة على صحة أحاديث الصحيحين ، ولكلام العلماء كالذهبي وغيره عن هؤلاء المقلِّين ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ عديدٌ مستورون ، ماضعفهم أحدٌ ، ولاهم بمجاهيل .
فكلام العاني عنهم في غاية الروعة والدقةِ ، وفي هذا ردٌّ على من يعتمدون على كتاب التقريب وحده ويضعِّفون أحاديث في الصحيحين بحجة أن ابن حجر ذكر فيهم كلاما أو قال عنهم ( مقبولون) ونحو ذلك ، فلم يقصد الحافظ ابن حجر تضعيف روايتهم في الصحيحين ، بل دافع عن رجال الصحيحين دفاعاً رائعاً ولا سيما في مقدمة فتح الباري-هدي الساري- والفتح وغيرهما من كتبه النفيسة والمحررة
قلت : من الاستقراء المبدئي الذي قمت به نلاحظ أنَّ غالب هؤلاء يدور حديثهم بين الصحة والحسن ، وقد توبعوا إلا نادراً.
وهذا فيه تأكيد لقول العاني رحمه الله ، ولكن الأمر يحتاج لتفصيل كامل حول كلِّ راو ، لأن حديث الثقة غير حديث الصدوق ، فما قاله العاني من عدم تصحيح الحديث إذا تفردوا به فيه نظر كبير ، كما رأينا .
ويمكن أن نقيس عليهم بقية الرواة الذين قال فيهم ذلك .والله أعلم
يعني أن حديثهم على حديثهم على الأقل حسناً لذاته ، ليس ضعيفاً .
إن مقصود الحافظ ابن حجر أنهم مقبولون استوفوا الشروط التي وضعها في التعريف بهم ، ومن ثمَّ فتضعيف الحديث الذي يرد من طريقهم عند عدم التابعة فيه نظر .
وهذا مثال أخير يدلُّ على تصحيح حديث المقبول أحياناً عند الحافظ ابن حجر ، وغيره ، وهو حديث من طريق نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنها ، وقد تفرد به ولم يتابع .
__________
(1) - وقد تولَّى بالرد على من اتهمه بالتدليس صاحب كتاب تنبيه المسلم إلى تعدي الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- على صحيح مسلم فأفاد وأجاد(2/80)
وهو في سنن أبى داود(4114 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى نَبْهَانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا لأَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً أَلاَ تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَدْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ « اعْتَدِّى عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ ».
وفي سنن الترمذى (3005 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةُ قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1)
وقال النووي :" وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة"(2).
قلت : أما نبهان فالصواب أنه صدوق(3)
ورجال إسناده ثقات مشاهير كلهم ؛ غير نبهان مولى أم سلمة وقد وثق،وكفاه في توثيقه وعدالته أمران :
(
__________
(1) - وانظر طريقه في المسند الجامع (ج 20 / ص 1061) (17622) وسنن البيهقي 7/92 والفتح 1/550 و12/37 وشرح السنة 9/24 والإتحاف 6/491 والخطيب في التاريخ 3/16 و8/339 وموارد الظمآن (1968) والإحسان(5575) والنسائي في الكبرى(9241) وإسحاق في مسنده(34) وأبو يعلى (6922) والتمهيد لابن عبد البر 19/154و156وابن سعد 8/175و178 وعشرة النساء للنسائي(341-7997 بتحقيقي) ،وقال ابن الملقن في البدر المنير (ج 7 / ص 512) هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
(2) - شرح النووي على مسلم (ج 5 / ص 240) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة (ج 10 / ص 2426) رقم الفتوى 72743 تعليل اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم
(3) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 559 ](7092 ) وقال : مكاتب أم سلمة مقبول من الثالثة وفي الكاشف[ ج 2 -ص 316 ](5795 ) ثقة، وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ ج 8 -ص 135 ] (2466 ) والثقات لابن حبان [ ج 5 -ص 486 ](5854) وسكت عليه في الجرح والتعديل [ ج 8 -ص 502 ] ( 2300 )(2/81)
أولهما ) تابعيته وكونه مولىً لأم المؤمنين أم سلمة زوج النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولهذا ذكره ابن حبان في الثقات قال : " نبهان أبو يحيى مولى أم سلمة . يروى عن أم سلمة . روى عنه الزهرى . وكانت أم سلمة قد كاتبته،وأدى كتابته فعتق"(1). وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " مقبول من الثالثة "(2)،يعنى من أوساط التابعين الذين يتلقَّى حديثهم بالقبول تبعاً لقاعدة الحافظ الذهبي - رحمه الله- حيث قال في ديوان الضعفاء : " وأما المجهولون من الرواة،فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقي بحسن الظنِّ ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ " .
ولهذا صرَّح الذهبي بتوثيقه من غير تورية،فقال في الكاشف:" نبهان . عن مولاته أم سلمة . وعنه : الزهري،ومحمد بن عبد الرحمن . ثقة "(3).
وفى هذا التصريح بتوثيقه وتعديله ؛ ردٌّ على من زعم أن ذكر الذهبي في ذيل الضعفاء تجهيل ابن حزم إيَّاه إقرار منه بأنَّه مجهول !! .
وهاهنا ينبغي تنبيه الناظر في بعض كتب الحافظ الذهبي،وبخاصةٍ ميزان الاعتدال،أنَّه ربما ذكر كلَّ ما يقال عن الراوي من تضعيف أو تجهيل،وينسبه لقائله من غير تعقيب أو نفيٍ لجهالةٍ،فيظنُّ من لا يعلمُ خطَّة الذهبي وشرطه في المذكورين أن ذلك إقرارٌ منه بالضعف أو التجهيل،وهذا بخلاف مقصد الذهبي وغايته من صنيعه هذا ! .
قال أبو الحسنات اللكنوي في الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل : " قد أكثر علماء عصرنا من نقل جروح الرواة من ميزان الاعتدال ؛ مع عدم اطلاعهم على أنَّه ملخَّص من الكامل لابن عدي،وعدم وقوفهم على شرطهما فيه في ذكر أحوال الرجال،فوقعوا به في الزلل،وأوقعوا النَّاس في الجدل،فإنَّ كثيراً ممن ذكر فيه ألفاظ الجرح : معدود في الثقات ؛ سالم من الجرح،فليتبصر العاقل،وليتنبه الغافل،وليجتنب المبادرة إلى جرح الرواة بمجرد وجود أالفاظ الجرح في حقِّه في الميزان،فإنه خسران أيُّ خسران . قال الذهبي في ديباجة ميزانه: "وفيه من تُكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنَى لينٍ،وبأقلِّ جرحٍ،فلولا أن ابن عدي وغيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروه لما ذكرته لثقته،ولم أر أن أحذف اسم واحدٍ ممن له ذكرٌ بتليينٍ في كتب الأئمة المذكورين،خوفاً من أن يُتعقب عليَّ،لا أني ذكرته لضعفٍ فيه عندي "(4)بتمامه .
( ثانيهما ) رواية الزهري عنه،ولا يضرُّه تفرده،فقد تفرَّد الزهري عن جماعة من تابعي المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره،ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "وَهُوَ حَدِيث أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْهَا وَإِسْنَاده قَوِيّ،وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة،فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته"(5)
قلت : وهذا أحد المواضع التي تبين معنى قول ابن حجر عن الراوي : " مقبول" بأنَّه- ثقةٌ أو صدوقٌ-عنده ؛ خلافاً للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين،فليتنبه لمثله !! .
ـــــــــــــــــ
القسم الثاني من المرتبة السادسة عند ابن حجر لين الحديث
إن لفظة ( لين الحديث ) عندما يطلقها أهل النقد من المحدثين في الراوي ، تفيد ضعفاً يسيراً لا يسقط حديثه بسبب هذا اللين .
__________
(1) - الثقات (5/486/
(2) - التقريب (1/559/ 7092 )
(3) - الكاشف (2/316/5759)
(4) - الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل ( ص142)
(5) - فتح الباري (ج 15 / ص 48)(2/82)
قال العاني رحمه الله بعد ذكر بعض النماذج :" ومن خلال هذه النماذج نقول : إن حكم حديث لين الحديث عند ابن حجر ، لا يقلُّ مرتبة عن رتبة حديث المقبول ، وإنما فرَّق بينهما في الاصطلاح لما قدمناه ، ولما يترتب على ذلك عند التعارض
فحديث ليِّن الحديث عند ابن حجر حسن لذاته ، أمَّا إذا اعتضد بالشواهد ارتفع إلى الصحيح لغيره ، كما علمنا من صنيع ابن حجر ، ومن تصريح السخاوي ، والله أعلم"(1).
وقال العاني - رحمه الله - : " والخلاصة : أن ليَّن الحديث عند ابن حجر اصطلاح خاصٌّ به لا يقابل ليِّن الحديث عند غيره من النقاد ، بل يعني تفرد المقبول برواية ما ، وإن ليَّن الحديث عند ابن حجر حسَّن لأصحابها غير واحد من العلماء ، وجعلها السخاوي مثالاً للحسن الذاتي ، واحتجَّ أصحاب الصحيح سوى البخاري بها"(2).
إن ما ذهب إليه العاني رحمه الله يجعل كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في حكمه على الراوي بأنه ليِّن الحديث عبثاً لا قيمة له بتاتاً ، صحيح أنه لم ينص على مرتبة من هذا القبيل كما ذكرت من قبل ، ولكنه نصَّ على رواة بأنهم ( مقبولون ) ورواة بأنهم ( ليِّنو الحديث ، أو فيهم لين ) فلا يمكن اعتبارهما شيئاً واحدا حسب تقسيمه هو، فلمَّا فرَّق بينهما ، فلا يجوز اعتبارهما شيئاً واحداَ ، ولا سيما أن هذا مخالف لقواعد الاصطلاح واللغة والمنطق السليم .
وفي الحقيقة هذا تقويل له ما لم يقل ، لأنه بيَّن لنا الراوي المقبول من الراوي لين الحديث صراحة لا ضمنا ، فلماذا هذا التعسُّف في فهم كلامه ، وهو واضح هنا لا لبس فيه .؟!!.
ومن ثمَّ فلا نستطيع الجزم بهذه النتيجة من خلال هذه الأمثلة القليلة التي ساقها العاني رحمه الله ، وسوف أورد ما قاله عن هذه المرتبة وما قاله غيره لنرى بعدها النتيجة سلباأم إيجاباً .
وهناك رواة قال عنهم صدوق لين الحديث أو صدوق فيه لين ، فهؤلاء بعد التتبع والاستقراء غالبهم أحاديثهم حسان ، ولهم أخطاء قليلة جدا ، ولو قلنا بأن حديثهم يحسن لذاته بالمقارنة مع أحكام غير الحافظ ابن حجر عليهم ، لكان قولنا سديداً، سوى الأحاديث التي أخطئوا فيها ولم نجد لها عاضداً .
انظر هذه الأمثلة من التقريب مع مقارنتها بالكاشف وغيره :
(254) إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي صدوق لين الحفظ من الخامسة م 4
وفي الكاشف (209)- إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي عن إبراهيم النخعي وطارق بن شهاب وخلق وعنه شعبة وزائدة وعدة قال القطان والنسائي ليس بالقوي وقال أحمد لا بأس به م 4
(276 )إبراهيم بن يوسف الحضرمي الكوفي الصيرفي صدوق فيه لين من العاشرة أيضا مات سنة تسع وأربعين أو بعدها س
وفي ميزان الاعتدال (260 ) إبراهيم بن يوسف الحضرمي الكندى الكوفى الصيرفى.،عن ابن المبارك، وعبيدالله الاشجعى،وعنه النسائي في اليوم والليلة، ويحيى بن صاعد، وعمر بن بحير. قال مطين وغيره: صدوق،وقال النسائي: ليس بالقوى.
أمَّا من قال فيهم ليِّن أو ليِّن الحديث أو فيه لين فهذا أمثلة عنهم تبين أحوالهم مرتبة من البداية:
(78 ) أحمد بن عبيد بن ناصح أبو جعفر النحوي يعرف بأبي عصيدة قيل إن أبا داود حكى عنه وهو لين الحديث وهو من الحادية عشرة مات بعد السبعين د
__________
(1) - انظر منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني ص(83-84)
(2) - انظر منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني ص(85)(2/83)
وفي التهذيب : أبي داود أحمد بن عبيد بن ناصح بلنجر البغدادي أبو جعفر النحوي المعروف بأبي عصيدة روى عن أبي عامر العقدي وأبي داود الطيالسي والواقدي وغيرهم وعنه عبد الله بن إسحاق الخراساني وأبو بكر محمد بن جعفر الآدمي والقاسم بن محمد الأنباري وغيرهم قال ابن عدي حدث عن الأصمعي ومحمد بن مصعب بمناكير وقال الحاكم أبو أحمد لا يتابع في جل حديثه مات بعد السبعين ومائتين روى أبو داود في السنن عن أحمد بن عبيد عن محمد بن سعد كلاما فقيل هو هذا قلت وقال الحاكم أبو عبد الله هو إمام في النحو وقد سكت مشائخنا عن الرواية عنه وقال ابن حبان في الثقات ربما خالف وقال ابن عدي هو عندي من أهل الصدق وقال النديم كان مؤدب المنتصر وأورد الذهبي عنه في ترجمة الأصمعي حديثا منكرا وقال أحمد بن عبيد ليس بعمدة(1)
قلت: فمن كانت هذه حاله، فهل يكون حديثه دائما حسناً لذاته، عند الحافظ ابن حجر؟
(252 ) إبراهيم بن مسلم العبدي أبو إسحاق الهجري بفتح الهاء والجيم يذكر بكنيته لين الحديث رفع موقوفات من الخامسة ق
وفي الكاشف ( 206) إبراهيم بن مسلم الهجري الكوفي عن ابن أبي أوفى وغيره وعنه شعبة وجعفر بن عون وعدة ضعف ق
قلت: فمن كانت هذه حاله فهل يكون حديثه دائما حسناً لذاته عند الحافظ ابن حجر ؟!
والخلاصة أننا لا نستطيع الجزم بما جزم به العاني رحمه الله من تحسين مرتبة لين الحديث دائما ، وإلا كانت لا قيمة لها أصلا ، فلماذا أفردها الحافظ ابن حجر بكلام مفصول عن مرتبة المقبول ؟!!!
لا يمكن أن تكون مرادفة لها لا لغة ولا اصطلاحا ولا واقعاً . فالصواب من القول أنه استخدمها كما استخدمها غيره من علماء الجرح والتعديل.
ــــــــــــــ
المرتبة السابعة
من قال فيه مجهول الحال أو مستور
من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال.
قال الحافظ العراقي رحمه الله(2):
"اختلفَ العلماءُ في قَبولِ روايةِ المجهولِ ، وهو على ثلاثةِ أقسامٍ : مجهولِ العينِ ، ومجهولِ الحالِ ظاهراً وباطناً ، ومجهولِ الحال باطناً .
القسمُ الأولُ : مجهولُ العَيْنِ ، وهو مَنْ لم يروِ عنه إلا راوٍ واحدٌ . وفيه أقوالٌ :
الصحيحُ الذي عليه أكثرُ العلماءِ من أهلِ الحديثِ ، وغيرِهم ، أنّهُ لا يقبلُ .
والثاني: يقبلُ مطلقاً.وهذا قولُ مَنْ لم يشترطْ في الراوي مزيداً على الإسلامِ.
والثالثُ : إن كان المنفردُ بالروايةِ عنه لا يروي إلا عَنْ عَدْلٍ ، كابنِ مهديٍّ ، ويحيى بنِ سعيدٍ ، ومَنْ ذُكرَ معهُما ، واكتفينا في التعديلِ بواحدٍ قُبلَ ، وإلاّ فلا .
والرابعُ : إنْ كان مشهوراً في غيرِ العلمِ بالزُّهْدِ ، أو النَّجْدةِ قُبلَ ، وإلاّ فلا . وهو قولُ ابنِ عبدِ البرِّ ، وسيأتي نقلهُ عنه .
والخامسُ : إنْ زَكَّاه أحدٌ من أئمةِ الجرحِ والتعديلِ مع روايةِ واحدٍ عنهُ قُبل ، وإلاّ فلا . وهو اختيارُ أبي الحسنِ بنِ القطّانِ في كتابِ " بيان الوهمِ والإيهامِ " .
والقسمُ الثاني : مجهولُ الحالِ في العدالةِ في الظاهرِ والباطنِ ، مع كونِهِ معروفَ العَيْنِ بروايةِ عدلينِ عنه . وفيه أقوالٌ :
أحدُها : وهو قولُ الجماهيرِ ، كما حكاهُ ابنُ الصلاحِ أنَّ روايتَهُ غيرُ مقبولةٍ.
والثاني : تقبلُ مطلقاً ، وإنْ لم تقبلْ روايةُ القسمِ الأولِ . قال ابنُ الصلاحِ : وقد يَقبلُ روايةَ المجهولِ العدالةِ مَنْ لا يَقبلُ روايةَ المجهولِ العينِ .
والثالثُ : إنْ كانَ الراويانِ ، أو الرواةُ عنه فيهم مَنْ لا يَروِي عن غيرِ عَدْلٍ قُبِلَ ، وإلاَّ فلاَ .
__________
(1) - تهذيب التهذيب[ ج1 - ص52 ](103)
(2) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 114)(2/84)
والقسمُ الثالثُ : مجهولُ العدالةِ الباطنةِ ، وهو عدلٌ في الظاهرِ ، فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ ، وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ ، قال : لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي ؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ ، فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ . وتُفَارِقُ الشهادَةَ ، فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ،ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ ، فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ.
قالَ ابنُ الصّلاحِ : ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم ، وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم ، واللهُ أعلمُ ."
ما ترتفع به جهالة العين:
والمقصود بجهالة العين أن الراوي لم يروِ عنه إلا واحد .
ذهب الخطيب البغدادي إلى أن (أَقَلُّ مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْجَهَالَةُ أَنْ يَرْوِيَ عَنِ الرَّجُلِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ كَذَلِكَ)(1)
بينما ذهب فريق من العلماء كيحيى بن معين والذهبي وابن حجر في ،حد رأييه وغيرهم إلى أن جهالة العين ترتفع بأن يروي عنه اثنان فصاعداً دون أن يشترط فيهما أن يكونا مشهورين في أهل العلم .
وذهب ابن خزيمة وابن حبان من بعده إلى أن مجهول العين ترتفع جهالته برواية واحدٍ مشهور .
ثانيا: ما ترتفع به جهالة الحال:
والمقصود من جهالة الحال أن لا يعرف الراوي بجرح ولا تعديل .
ذهب جمهور المحدثين إلى أن من وردت روايته في كتب الصحيح ارتفعت جهالة حاله
وذهب الدارقطني فيما نقله عنه السخاوي أن: ( من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته )(2).
وذهب ابن حبان إلى أن كلَّ من روى عنه راو مشهور قد ارتفعت جهالة عينه وكل من ارتفعت جهالة عينه ولم يعرف فيه جرح فهو عدل ، أي أن جهالة الحال ترتفع مع جهالة العين إذا لم يعرف فيه جرحٌ للعلماء
4- اعتباراتٌ هامةٌ في حكم رواية المجهول:
الاعتبار الأول - حكم رواية المجهول باعتبار نوع الجهالة المتعلقة به:
ويمكن معرفة هذه الأحكام من خلال معرفتنا لأنواع الجهالة التي تلحق الراوي . وهي:
1- جهالة العين:
وللعلماء في حكم الراوي الذي جهلت عينه مذاهب وهي:
أولا: ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول رواية مجهول العين مطلقاً وحجتهم أن العدالة شرط في صحة الرواية فمن جهلت عينه جهلت عدالته من باب أولى.
يقول ابن كثير: (فأما المبهم الذي لم يسمّ اسمه أو من سمي ولا تعرف عينه فهذا من لا يقبل روايته أحد علمناه)(3)
وصرح ابن حجر بهذا فقال في اللسان: (إذ المجهول غير محتج به)(4)
ثانيا: ذهب الحنيفة ومن معهم إلى قبول روايته مطلقا لأنهم لم يشترطوا في الرواة مزيداً على الإسلام .
ثالثا: إذا تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن ثقة كعبد الرحمن بن مهدي قبلت روايته وإلا فلا: قال الخطيب: ( إِذَا قَالَ الْعَالِمُ : كُلُّ مَنْ أَرْوِي لَكُمْ عَنْهُ وَأُسَمِّيهِ فَهُوَ عَدْلٌ رِضًا مَقْبُولُ الْحَدِيثِ , كَانَ هَذَا الْقَوْلُ تَعْدِيلًا مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَسَمَّاهُ , وَقَدْ كَانَ مِمَّنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ)(5).
رابعا: ذهب علي بن عبد الله بن القطان إلى أن مجهول العين إذا زكاه مع راويه الواحد أحد أئمة الجرح والتعديل قبلت روايته . وإلا فلا(6).
__________
(1) -الكفاية/ 111 .
(2) -فتح المغيث/ السخاوي 1/320 .
(3) -اختصار علوم الحديث/ابن كثير 81 وانظر الموجز 157 والجرح والتعديل (بحث في الرسالة الإسلامية/ د. حارث سليمان الضاري 83-84 .
(4) - لسان الميزان لابن حجر 1/4 .
(5) -الغاية/ 115 .
(6) -نزهة النظر/ 50 .(2/85)
خامسا: ذهب ابن عبد البر إلى قبول رواية مجهول العين إذا كان مشهوراً بشيء من مكارم الأخلاق من نجدة أو كرم أو ما إلى ذلك من غير العلم . وإلا فلا .(1)قال ابن الصلاح: بلغني عن أبي عمر ابن عبد البر وجادة قال: (كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أمور يكون رجلاً مشهوراً في غير حمل العلم واشتهار مالك بن دينار بالزهد وعمرو بن معد مكرب بالنجدة)(2).
2- جهالة الباطن:
وهي أن يكون الراوي عدلاً في ظاهره ، مجهول العدالة من حيث الباطن . وهو ما يسمى بالمستور عند المحدثين .
وللعلماء في قبول رواية المستور مذاهب يمكن إجمالها فيما يلي:-
أولا: ذهب الجمهور إلى عدم قبول روايته ما لم تثبت عدالته . وهو قول الشافعي . ومبناه أن أمور رواية الراوين عنه تعريف به لا توثيق له وأن قبول الرواية مبني على التوثيق لا على التعريف .(3).
ثانيا: ذهب أبو حنيفة وبعض الشافعية إلى قبول روايته ما لم يعلم الجرح فيه .
قال السيوطي(4): (وروايةُ المَسْتُور, وهو عدل الظَّاهر, خفيُّ البَاطن أي: مجهول العَدَالة باطنًا يحتجُّ بها بعض من ردَّ الأوَّل, وهو قول بعض الشَّافعيين كسليم الرَّازي.
قال: لأنَّ الإخبار مَبْنيٌّ على حُسْن الظَّن بالرَّاوي, ولأنَّ رِوَاية الأخبار تَكُون عند من يتعذَّر عليه معرفة العَدَالة في الباطن, فاقتصر فيها على مَعْرفة ذلك في الظاهر, بخلاف الشَّهادة, فإنَّها تَكُون عند الحُكَّام, فلا يتعذَّر عليهم ذلك.
قال الشَّيخ ابن الصَّلاح(5): ويشبهُ أن يَكُون العمل على هذا الرأي في كثير من كُتب الحديث المشهورة في جَمَاعة من الرُّواة تقادم العهد بهم, وتعذَّرت خبرتهم باطنًا وكذا صحَّحه المُصنِّف في «شرح المُهذَّب».) .
الاعتبار الثاني: موقف العلماء من رواية المجهول بالنظر إلى طبقته :
ومن العلماء من تعامل مع المجاهيل ومروياتهم من جهة قربهم أو بعدهم عن عصر الرسالة .
وبهذا الاعتبار فأنهم صنفوا المجاهيل إلى أربع طبقات ، كل طبقة لها حكمها الخاص بها . وهذه الطبقات هي:-
1-المجاهيل من الصحابة:
والمقصود بالمجهول من الصحابة هو من جهل اسمه أو جهل اشتهاره بالعلم . والعلماء مجمعون على أن الجهالة مرفوعة عن الصحابة لأن عدالتهم ثابتة بتعديل الله تبارك وتعالى لهم.
2-المجاهيل من كبار التابعين وأوساطهم:
وهم الذين تتلمذوا على أيدي الصحابة الكرام فأمثال هؤلاء يقبل حديثهم إذا سلم من المخالفة . قال الذهبي: (وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقِّي بحسن الظنِّ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ)(6).
3.إذا كان من صغار التابعين:
وأما إذا كان الراوي من صغار التابعين فإن العلماء قالوا في روايته ما يلي:- (وأما إن كان الرجل منهم - أي من المجاهيل - من صغار التابعين فسائغ رواية خبره ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي وتحريه)(7).
الاعتبار الثالث: حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنهم:-
ومن العلماء من كان ينظر إلى المجاهيل وحكم مروياتهم من خلال النظر إلى مرتبة من يروي عن أولئك المجاهيل . من حيث الوثاقة والاعتبار . ومن هذا المنظار فان رواية المجاهيل يمكن تصنيفها كالأتي:-
1-حكم رواية المجهول إذا روى عنه الضعفاء:-
__________
(1) - فتح المغيث 1/316 .
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 496 .
(3) -مقدمة ابن الصلاح/ 225 ، وتدريب الراوي 1/316-317 .
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)
(5) -مقدمة ابن الصلاح/ 225 .
(6) -ديوان الضعفاء والمتروكين/ الذهبي 374 .
(7) -المصدر السابق 374 .(2/86)
فهؤلاء لم أجد من العلماء من ذهب إلى اعتبار روايته سواء المتشددون منهم أو المتساهلون ، فهذا ابن حبان على الرغم من تساهله في التوثيق فإنه يقول: (وأما المجاهيل الذين لم يروِ عنهم إلا الضعفاء فإنهم متروكون على الأحوال كلها)(1)،لأن الضعف قد انتاب روايتهم من طرفين الأول جهالة الراوي والثاني ضعف الناقلين لتلك الرواية .
2-حكم رواية المجهول إذا روى عنه المشهورون:-
أما إذا روى عن المجهول أناس عدول أو مشهورون فإن للعلماء في قبول روايته مذاهب قدمناها آنفاً عند حديثنا على رواية مجهول الحال .
3. حكم رواية المجهول إذا روى الأثبات عنه:-
أما إذا انفرد الثقات الأثبات بالرواية عن ذلك المجهول فإن حكم روايته عند العلماء كما يلي:-
1.ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول روايته حتى تثبت عدالته لجواز أن يروي الثقة عمن ليس بثقة ظناً منه أنه ثقة . وهو مبني على أن رواية الثقة عن غيره ليست توثيقاً له(2).
2.مذهب من يرى أن رواية الثقة عن غيره تعديل له إن من روى عن المجهول وهو ثقة قبلت روايته عنه .
يقول الدكتور فاروق حمادة (وهذا في الحقيقة لازم لكل من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها تعديل له ، بل عزاه النووي في مقدمة شرحه على مسلم لكثير من المحققين وكذلك محمد بن إسحق بن خزيمة ذهب إلى أن جهالة العين ترتفع براو واحد مشهور وإليه يومئ قول ابن حبان: العدل من لم يعرف فيه جرح فمن لم يجرح فهو عدل حتى يثبت جرحه)(3).
وصرح ابن حبان بهذا وهو يتكلم عن منهجه في ثبوت العدالة فقال: (إذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو ثقة)(4).
ـــــــــــــــــ
المطلب الثاني
من قال فيه مجهول الحال
من قال عنه مجهول الحال (62) راوياً، فهو كما قال ،كقوله في ترجمة أبان ابن طارق بصري مجهول الحال من السادسة د (139)
وفي التهذيب أبان بن طارق البصري،روى عن نافع وكثير بن شنظير وعنه خالد بن الحارث ودرست بن زياد قال أبو زرعة مجهول، وقال أبو أحمد ابن عدي لا يعرف إلا بهذا الحديث: « مَنْ دُعِىَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا »(5). وليس له أنكر منه ،وله غيره حديثان أو ثلاثة. (أبو داود)(6)
قلتُ : ومما يؤخذ عليه على سبيل المثال ،كقوله في ترجمة إبراهيم بن إسماعيل اليشكري مجهول الحال (152)
أقول : روى عنه: أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني (ق)، ومعمر بن سهل الأهوازي.وروى أبو بكر عبد الرحمن بن عبدالملك بن شيبة الحزامي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن نصر التبان، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة فيحتمل أن يكونا واحدا، والله أعلم ..(7)
وكقوله في ترجمة إسحاق بن كعب بن عجرة مجهول الحال (380) .
قلت : روى عنه ابنه سعد بن إسحاق ، ووثقه ابن حبان وقال ابن القطان : مجهول الحال ما روى عنه غير ابنه سعد التهذيب(8).
__________
(1) -لسان الميزان 1/14 .
(2) -الكفاية/ 112 .
(3) -المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل/ د. فاروق حمادة/ 306 .
(4) -الصحيح/ لابن حبان 1/115 .
(5) - وقال ابو داود عقبه (3743):أَبَانُ بْنُ طَارِقٍ مَجْهُولٌ.، قلت : قد وردت شواهد للحديث تحسنه
(6) - تهذيب التهذيب (ج 1 / ص 83)(170 )
(7) - تهذيب الكمال للمزي (ج 2 / ص 50)(151 ) وراجع التهذيب 1/107 (186)
(8) - تهذيب التهذيب (ج 1 / ص 217) (465)(2/87)
أقول : وروى عنه أبو معشر كما في مسند أحمد4/29 (16795) وبهذا تزول جهالته . وصحح البوصيري إسنادا من طريقه(1)
وفي ميزان الاعتدال (781 ) إسحاق بن كعب [ د، ت، س ] بن عجرة.تابعي مستور،وسكت عليه أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري(2)
وقد قال الحافظ الذهبي في ديوان الضعفاء: (وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثُه وتلقِّيَ بحسن الظنِّ ؛ إذا سلِم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ) " .
قلت : وهؤلاء ينطبق عليهم كلام الحافظ الذهبي ، وأوردهم الحافظ ابن حجر في التقريب ، وقال عنهم ( مجهول الحال)
ـــــــــــــــــ
المطلب الثالث
من قال فيه مستور
والسادس : من قال عنه مستور
" لقد قسّم العلماء المجهول إلى أقسام ، أشهرها تقسيم ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام:
1- المستور : وهو من روى عنه عدلان ، أو روى عنه إمام حافظ -نصّ على هذه الإضافة ابن رجب ، في شرح العلل- . فالمستور عُلمت عدالته الظاهرة ، وجُهلت عدالته الباطنة .
2- مجهول الحال : مَنْ جُهلت عدالته الظاهرة والباطنة ، لكن عُرفت عينه . وهو من لم يرو عنه إلا رجل واحد ليس من النقاد .
3- مجهول العين : مَنْ جُهلت عدالته الظاهرة والباطنة ، ولم تعرف عينه ، وهو كالمبهم .
أما حكم مستور الحال : فمن ناحية العدالة يُكتفى بالعدالة الظاهرة ، مع الرواة الذين تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم ؛ لتقادم العهد بهم . وأيضاً نكتفي بالعدالة الظاهرة للرواة المتأخرين ، وهم رواة النسخ ، أما سوى ذلك فلا يكتفي العلماء بالعدالة الظاهرة .
أما مجهول الحال والعين : فنتوقف عن قبول حديثهم ، ومآل هذا التوقف عدم العمل بالحديث ، لذلك تجد العلماء يقولون : حديث ضعيف ، فيه فلان وهو مجهول ، مع أن الأدق أن يقال : حديثه تُوُقِّفَ فيه ؛ لأن فيه فلاناً وهو مجهول ، لكن لما كان التوقف مآله عدم العمل ، أصبح هو والتضعيف متقاربان ، فأطلق العلماء الضعف عليه تجوّزاً ، وهو في محلِّه ، وليس خطأ تضعيفه .
لكن الأمر الدقيق : ما هي مرتبة ضعف حديث المجهول ؟ هل هو في مرتبة الاعتبار به ، ويتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد ، أم لا يتقوَّى بنفسه ، ولا يُقوّي غيره ؟ فهل هو شديد الضعف أو خفيف الضعف ؟
فالجواب : أننا لا نستطيع أن نحكم بحكم عام على جميع المجهولين حالاً أو عيناً ، بل نقول هؤلاء حكمهم يختص بالحديث الذي يروونه ، فإذا رووا حديثاً شديد النكارة ، فهذا لا يتقوَّى أبداً ، كأن تظهر فيه علامات الوضع وغيرها ، ومجهول الحال أخفُّ حالاً من مجهول العين .
قلتُ : ورواية مستور الحال يحتجُّ بها لدى طائفةٍ معتبرةٍ من العلماء ، قال الحافظ السيوطي في تدريب الراوي(3):
__________
(1) - اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (ج 3 / ص 29)[2292] و وقد حسن له الألباني بعض أحاديثه في تعليقه على سنن أبي داود برقم (1302 ) ولكن لغيره ،وصحح له الحاكم بعض أحاديثه (2406 و7256 ) ووافقه الذهبي في الثاني وأعلَّ الأول بغيره ، وصحح له حديثا ابن خزيمة (1137) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/116: رجاله ثقات.
(2) - ميزان الاعتدال (ج 1 / ص 196)781 و الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 2 / ص 232) والتاريخ الكبير [ ج1 - ص400] (1275)
(3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)(2/88)
"وروايةُ المَسْتُور, وهو عدل الظَّاهر, خفيُّ البَاطن أي: مجهول العَدَالة باطنًا يحتجُّ بها بعض من ردَّ الأوَّل, وهو قول بعض الشَّافعيين كسليم الرَّازي،قال: لأنَّ الإخبار مَبْنيٌّ على حُسْن الظَّن بالرَّاوي, ولأنَّ رِوَاية الأخبار تَكُون عند من يتعذَّر عليه معرفة العَدَالة في الباطن, فاقتصر فيها على مَعْرفة ذلك في الظاهر, بخلاف الشَّهادة, فإنَّها تَكُون عند الحُكَّام, فلا يتعذَّر عليهم ذلك،قال الشَّيخ ابن الصَّلاح(1): ويشبهُ أن يَكُون العمل على هذا الرأي في كثير من كُتب الحديث المشهورة في جَمَاعة من الرُّواة تقادم العهد بهم, وتعذَّرت خبرتهم باطنًا وكذا صحَّحه المُصنِّف في «شرح المُهذَّب».
وقال الحافظ ابن حجر في تعليقه على حديث(2): " كَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ إِذَا سَمِعَ أَحَدَنَا يَقْرَأُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ : " صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَخَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمَا فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"(3).
وهو حديث حسن، لأن رواته ثقات ولم يصب من ضعفه بأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يسم ، فقد ذكره البخاري في "تأريخه" فسماه: يزيد ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا، فهو مستور اعتضد حديثه، وقد احتجَّ أصحابنا وغيرهم بما هو دون ذلك."
وقد صحح بعض أهل العلم حديث المستور ، كما في مسند البزار(740) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : ائْذَنُوا لِلطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلاَّ عَنْ عَلِيٍّ ، وَهَانِئُ بْنُ هَانِئٍ لاَ نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إِلاَّ أَبُو إِسْحَاقَ.
وفي تقريب التهذيب (7264 ) هانئ بن هانئ الهمداني بالسكون الكوفي مستور من الثالثة بخ 4
وفي الكاشف ( 5938 ) هانئ بن هانئ الهمداني عن علي وعنه أبو إسحاق قال النسائي ليس به بأس د ت ق
وفي تهذيب الكمال ( 6548 ) بخ د ت ص ق هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي روى عن علي بن أبي طالب بخ د ت ص ق روى عنه أبو إسحاق السبيعي بخ د ت ص ق ولم يرو عنه غيره قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ،روى له البخاري في الأدب والنسائي في خصائص علي وفي مسنده والباقون سوى مسلم."
فهو في الحقيقة مجهول العين ، لأنه لم يرو عنه إلا واحد ، لكن ورد توثيقه من معتبر ، فرتفع إلى مجهول الحال أو مستور.(4)،والراجح أنَّ حديثه حسن .
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 21)
(2) - النكت على ابن الصلاح (ج 2 / ص 768)
(3) - سنن النسائى(916) ومسند أحمد(21100) حسن
(4) - ورواه الترمذي(4167) وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي المستدرك للحاكم (5662) وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي،وفي صحيح ابن حبان (7075 ) وقال الشيخ شعيب :إسناده حسن.. وفي الأحاديث المختارة للضياء (ج 1 / ص 437)( 775) إسناده لا بأس به ، وفي فتح الباري لابن حجر (ج 17 / ص 373):" وَأَخْرَجَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عَلِيّ " اِسْتَأْذَنَ عَمَّار بْن يَاسِر عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّب " وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَالْمُصَنِّف فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَصَحَّحَهُ اِبْن حبان وَالْحَاكِم " .(2/89)
ومن الأمثلة على ذلك : عبد الرحمن بن كيسان مولى خالد بن أسيد قال عنه في التقريب ( مستور ) وقال في الإصابة في ترجمة والده كيسان روى عنه عبد الرحمن حديثاً أخرجه ابن ماجة بسند حسن(1)
قلت : هو في مسند أحمد(15843و15844) وسنن ابن ماجه(1103 ) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبِى كَيْسَانَ مَا أَدْرَكْتَ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ رَأَيْتُهُ يُصَلِّى عِنْدَ الْبِئْرِ الْعُلْيَا بِبِئْرِ بَنِى مُطِيعٍ مُلَبَّباً فِى ثَوْبٍ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَصَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ. وقال الشيخ شعيب : إسناده محتمل للتحسين، وحسنه الألباني في التعليق على سنن ابن ماجة.
قلت : لا بد من التفصيل في المستور ، فلا يمكن اعتبار مستور القرن الثاني والثالث ، كمستور القرن الأول ، لأن مساتير القرن الأول تعذرت الخبرة بباطنهم ، والصواب قبول حديثهم.
ـــــــــــــــــ
القول الفصل في الرواة المسكوت عنهم
أقول : لقد تبين لديَّ بالاستقراء أنَّ كلَّ راوٍ سكتَ عليه الإمامُ البخاري في التاريخ وآبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل،وقال عنه الإمام الذهبي وُثِّقَ أو الحافظ ابن حجر (مقبول ) أو كانوا من الطبقة الثالثة حتى السادسة ممن قيل فيه مجهول الحال أو مستور ، فحديثه حسنٌ إن شاءَ اللهُ تعالى إذا لم يخالف أو ينكر عليه.
وهو الذي يحِّسنُ له عادة الإمام الترمذي أو يصحح له ابن حبان أو ابن خزيمة أو الحاكم في المستدرك،ويحسِّنُ له الإمام المنذري في الترغيب والترهيب أو الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد أو الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء،وهو عادة يكون من الرواة المقلين،فليس له سوى حديث أو حديثين،وغالب هؤلاء في التابعين .
وقد غفل عن هذه القاعدة أكثر الباحثين اليوم،فتراهم من كان بهذه الشاكلة يضعفون حديثه،فكم من حديث حسنه أو صححه الأقدمون بناء على هذه القاعدة فجاء المعاصرون فضعَّفوه،وذلك لعدم فهمهم هذه القاعدة،التي جرى عليها العمل في الجرح والتعديل .
قال الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في تعليقه على كتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي رحمه الله :
"وعلى هذا، فيكون اعتبار السكوت من باب التعديل أولى من اعتباره من باب التجهيل،وهو الذي مشى عليه جمهور كبار الجهابذة المتأخرين .
وفي كتاب الجرح والتعديل ":باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه،وعن المطعون عليه أنها لا تقويه حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه ؟ قال إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه ؟ قال أي لعمري،قلت: الكلبي روى عنه الثوري،قال إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء،وكان الكلبي يُتكلَّمُ فيه،والتعجب فتعلقوا عنه روايته(2).
فهذا نصٌّ في أن الثقة إذا روى عن رجلٍ لم يضعَّف،نفعه ذلك،فسكوت البخاري ِّ وابن أبي حاتم وغيرهما يدلُّ على تقوية الرجل إذا روى عنه الثقة،ولذلك يقول ابن حجر مراراً : إنَّ البخاريَّ أو ابن أبي حاتمَ ذكره وسكت عليه،أو لم يذكر فيه جرحاً .
وخالف الجمهور في ذلك : الحافظُ ابن القطان أبو الحسن علي بن محمد الفاسي المغربي،المشهور بابن القطان المتوفى سنة 628 هـ رحمه الله،فاعتبر سكوت أحد هؤلاء الحفاظ النقاد عن الراوي تجهيلاً لهُ !!
__________
(1) - الإصابة في معرفة الصحابة (ج 3 / ص 12)
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 2 / ص 36)(2/90)
وابن القطان هذا معروف بتعنته وتشدده في الرجال،كما ذكر ذلك الإمام الذهبي في مواضع من كتبه،منها في ترجمته في تذكرة الحفاظ 4/1407،ومنها في ترجمته في تاريخ الإسلام كما نقله الدكتور عواد بشار معروف في كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص 173،ومنها في الميزان 4/301 في ترجمة (هشام بن عروة ) ونكَّتَ عليه فيه،وعاب تشدده وخلْطهُ الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلِّطين
وفي نصب الراية : "حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجِلْدِ : أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ أَوْ جِلْدٍ..اهـ(1)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْجِلْدِ انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ مُوسَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ،قَالَ : وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،وَلَمْ يُعَرِّفْ مِنْ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ،فَهُوَ عِنْدَهُ مَجْهُولٌ،وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا مَجْهُولٌ،قَالَ : وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ مِمَّنْ يَذْكُرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ،وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِأَحَدِهِمْ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْهُ بِالصُّحْبَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ(2).
وفي نصب الراية : "قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " : كُلُّ مَنْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَعْرُوفٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ،وَمَجْهُولُ الْحَالِ،وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ .
والدراوردي يَقُولَانِ : عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَقَالَ عثمان ابن عُمَرَ أَنْبَأَ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ،وَذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْبُخَارِيُّ،وَلَمْ يُعْرَفْ هُوَ،وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ،فَهُوَ عِنْدَهُمَا مَجْهُولٌ انْتَهَى كَلَامُهُ(3).
وقد حمَّل ابنُ القطان البخاريُّ وابن أبي حاتم ما لم يقولاه،أما البخاري فإنه ما نصَّ على شيء في حكم سكوته عن الراوي،فمن أين أضاف إليه :( فهو عنده مجهول )؟
والعلماء الحفاظُ الجهابذة مثلُ المجد ابن تيمية والمنذري والذهبي وابن القيم وابن عبد الهادي والزيلعي وابن كثير والزركشي والهيثمي وابن حجر وغيرهم ... فهموا من تتبع صنيع البخاري وعادته ودراسة أحكامه في الرجال : أن من سكت عنه لا يعدُّ مجروحاً،ولا مجهولاً،فقول ابن القطان بأنَّ من سكت عنه البخاري (فهو مجهول ) تقويلٌ وتحميلٌ غير سائغٍ .
وأما ابن أبي حاتم فإنه قال : على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتابُ على كلِّ من رويَ عنه العلمُ،رجاءَ وجودِ الجرحِ والتعديل فيهم،فنحن ملحقوها بهم إن شاءَ اللهُ تعالى) اهـ(4)
والجهالة جرحٌ بلا ريبٍ،فلا يصحُّ لابن القطان رحمه الله أن يضيفه إلى ابن أبي حاتم فيقول : ( فهو عنده مجهول )،فإن ابن أبي حاتم قال : ( رجاء وجود الجرح فيهم ) فابن أبي حاتم لم يجعل توقفه فيمن توقف فيه ( جرحاً) له،فجعل ابن القطان هذا التوقف ( جرحاً ) عند ابن أبي حاتم : تقويلٌ له ما لم يقلْه.
__________
(1) - سنن الدارقطني (155)
(2) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 491)
(3) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 2 / ص 65)
(4) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 1 / ص 13) والجرح و (ج 2 / ص 38)(2/91)
يضافُ إلى ذلك أن ابن أبي حاتم أو والده،حين يصرح أحدهما في حكمه على الراوي بقوله ( مجهول) فقد جزمَ بجهالته عنده،وأما حين يسكت عن الراوي فإنه لم يجزم بجهالته،فكيف يجعلُ ابنُ القطان سكوتَ أحدهما عن الراوي مثل تصريحه،ولا نصَّ عنهما في ذلك ؟ فهذا منه رحمه الله تعالى تقويلٌ لهما ما لم يقولاهُ .واضطرب فيها مسلك الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في هذه المسألة،فمشى مرةً على نحو مسلك ابن القطان،ومرةَ على مسلك الجمهور :
قال الزيلعي رحمه الله :" أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الْكَامِلِ " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُدْخِلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ،وَقَالَ : إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك،وَأَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى،وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ،قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً }(1)،قَالَ ( يعني ابن دقيق العيد) فِي " الْإِمَامِ " : وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَدِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ،فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ،وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَذَكَرَ تَضْعِيفَهُ،وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ،انْتَهَى .(2)
ويقال في الردِّ عليه ما قيل على ابن القطان .
وقال أيضا كما في نصب الراية : "قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْإِمَامِ " : وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ وَقَالَ : كَانَ ثِقَةً،وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا،وَذَكَرَهُ ابْنُ حبان فِي " الثِّقَاتِ " أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ،وَرَوَى لَهُ فِي " صَحِيحِهِ "،وَيُوسُفُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."(3)
وهذا الحديث نفسه أورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 3/282 وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات اهـ
وهذا يدلُّ على أن سكوت ابن أبي حاتم ليس جرحاً ولا جهالة عند الحافظ الهيمثي،فلذا قال في هذا الحديث (ورجاله ثقات) فمن سكت عليه ابنُ أبي حاتم - ومثله البخاري ...- يعدُّ ثقةً عند الحافظ الهيثمي رحمه الله .
ولكن ابن دقيق العيد رحمه الله له أقوال تدلُّ على أخذه بمذهب الجمهور،فقد ذهب إلى أن خلوَّ كتب الضعفاء - ومنها الكامل لابن عديٍّ -عن ذكر الراوي المذكور بالرواية : يقتضي توثيقه،فقد جاء في نصب الراية :"{ حَدِيثٌ آخَرُ } : أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " عَنْ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ لاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ".
قَالَ الْحَاكِمُ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ حَمَّادٍ انْتَهَى(4).
__________
(1) - سنن ابن ماجه (759 )
(2) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 2 / ص 102)
(3) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 5 / ص 441)
(4) - المستدرك(643) وسنن الدارقطنى( 795 ) ، تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم تفرد به عبدالغفار وهو ثقة والحديث شاذ(2/92)
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " سنن الدارقطنى(793 ) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رضى الله عنه يَقُولُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. ،قَالَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " : إسْنَادُهُ قَوِيٌّ،وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى صَدُوقٌ،وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى .
وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّحْقِيقِ " بِشَيْءٍ،وَإِنَّمَا قَالَ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الثَّلَاثِ،قَالَ الشَّيْخُ فِي" الْإِمَامِ " قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : هَذَا مِمَّنْ انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ،وَأَسَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ،قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَدَمُ تَفَرُّدِ أَسَدٍ بِهِ،كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ ثَنَا حَمَّادٌ .
الثَّانِي : أَنَّ أَسَدًا ثِقَةٌ،وَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ لَهُ ذِكْرٌ،وَقَدْ شَرَطَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنْ يَذْكُرَ فِي " كِتَابِهِ "كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ،وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْحُفَّاظِ،وَلَمْ يَذْكُرْ أَسَدًا،وَهَذَا يَقْتَضِي تَوْثِيقَهُ،وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَوْثِيقَهُ عَنْ الْبَزَّارِ،وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ "(1)
ومثل ذلك قول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره حيث قال عقب روايته لقصة هاروت وماروت - والتي لا يصح رفعها بحال- قال: " وَهَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه وَرِجَاله كُلّهمْ ثِقَات مِنْ رِجَال الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا مُوسَى بْن جُبَيْر هَذَا وَهُوَ الْأَنْصَارِيّ السُّلَمِيّ مَوْلَاهُمْ الْمَدِينِيّ الْحَذَّاء وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف وَنَافِع وَعَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك وَرَوَى عَنْهُ اِبْنه عَبْد السَّلَام وَبَكْر بْن مُضَر وَزُهَيْر بْن مُحَمَّد وَسَعِيد بْن سَلَمَة وَعَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة وَعَمْرو بْن الْحَرْث وَيَحْيَى بْن أَيُّوب وَرَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم فِي كِتَاب الْجَرْح وَالتَّعْدِيل وَلَمْ يَحْكِ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا فَهُوَ مَسْتُور الْحَال "(2)
وتابعه على هذا المسلك - وهو اعتبار المسكوت عليه مستور الحال- تلميذه الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه الدرر المنثورة في الأحاديث المشهورة - مخطوط- فقال في الباب السابع في القصص والأخبار في كلامه على هذا الحديث : أخرجه أحمد في مسنده من جهة موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً،وموسى بن جبير ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ( الجرح والتعديل ) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،فهو مستور الحال "
والشاهد من هذا النصِّ عن الإمام ابن كثير خصوصُ حكمه في قوله ( ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،ولم يحكِ فيه شيئاً،فهو مستور الحال) بصرف النظر عما حول الحديث وراويه مما أشرت إليه آنفاً .
__________
(1) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 376)
(2) - تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 353)(2/93)
ورواية مستور الحال يحتجُّ بها لدى طائفةٍ معتبرةٍ من العلماء،قال الحافظ العراقي(1): " مجهولُ العدالةِ الباطنةِ،وهو عدلٌ في الظاهرِ،فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ،وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ،قال : لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي ؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ،فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ . وتُفَارِقُ الشهادَةَ،فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ،ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ،فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ(2): ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم،وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم،واللهُ أعلمُ . وأطلقَ الشافعيُّ كلامَهُ في اختلافِ الحديثِ أنَّهُ لا يحتجُّ بالمجهولِ،وحكى البيهقيُّ في " المدخلِ " : أنَّ الشافعيَّ لا يحتجُّ بأحاديثِ المجهولينَ . ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القسمَ الأخيرَ،قال : وهو المستورُ،فقد قال بعضُ أئمتِنا : المَسْتُورُ مَنْ يكونُ عَدْلاً في الظَّاهرِ،ولا تُعْرَفُ عدالتُهُ باطناً . انتهى كلامُه . وهذا الذي نَقَلَ كلامَهُ آخراً،ولم يسمِّهِ،هو البغويُّ،فهذا لفظُهُ بحروفِهِ في " التهذيبِ "،وتَبِعهُ عليه الرافعيُّ. وحكى الرافعيُّ في الصومِ وجهين في قبولِ روايةِ المستورِ من غيرِ ترجيحٍ. وقالَ النوويُّ في " شرحِ المهذّبِ " : (إنَّ الأصحَّ قبولُ روايتِهِ)"
قلتُ : قال الإمام النووي رحمه الله: " وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُغَفَّلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ , وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَنْ نَقْبَلُهُ .
وَأَمَّا الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ , فَإِنْ قُلْنَا : يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ اُشْتُرِطَتْ , وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ , قَالُوا : وَهُمَا جَارِيَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ , الْحَدِيثَ ( وَالْأَصَحُّ ) قَبُولُ رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ , وَكَذَا الْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا وَالصِّيَامُ بِهِ , وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْأبانةِ وَالْعُدَّةِ وَالْمُتَوَلِّي "(3).
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 114) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)
(2) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 21) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 247)
(3) - المجموع شرح المهذب (ج 6 / ص 277)(2/94)
وأقدم من تكلم بهذا الأمر وهو اعتبار سكوت النقاد عن الراوي يعدُّ من باب التعديل،هو الإمام مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية الجدُّ المتوفى سنة 656 هجرية رحمه الله تعالى،وهذا نصُّ عبارته كما في زاد المعاد: " التّأْوِيلُ السّادِسُ أَنّهُ كَانَ قَدْ تَأَهّلَ بِمِنًى وَالْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ وَتَزَوّجَ فِيهِ أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ زَوْجَةٌ أَتَمّ وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - . فَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلّى عثمان بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا وَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ لَمّا قَدِمْتُ تَأَهّلْت بِهَا وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إذَا تَأَهّلَ الرّجُلُ بِبَلْدَةٍ فَإِنّهُ يُصَلّي بِهَا صَلَاةَ مُقِيم رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي " مُسْنَدِهِ " وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ الْحُمَيْدِيّ فِي " مُسْنَدِهِ " أَيْضًا وَقَدْ أَعَلّهُ الْبَيْهَقِيّ بِانْقِطَاعِهِ وَتَضْعِيفِهِ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ . قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيّةَ : وَيُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِسَبَبِ الضّعْفِ فَإِنّ الْبُخَارِيّ ذَكَرَهُ فِي " تَارِيخِهِ " وَلَمْ يَطْعَنْ فِيهِ وَعَادَتُهُ ذِكْرُ الْجَرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ "(1).
وقد أقرَّا كلام أبي البركات بن تيمية كما رأيت،ومشى على هذا المسلك أيضاً : الحافظ المنذريُّ المتوفَّى سنة 656هجرية رحمه الله تعالى،فقال في كتابه الترغيب والترهيب في كتاب الصوم باب الترغيب في صيام رمضان احتساباً فقال عند الحديث رقم(32) الحديث رقمه العام(1502 ) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا أَقْبَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَاذَا تَسْتَقْبِلُونَ ؟ مَاذَا يَسْتَقْبِلُكُمْ ؟ " فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَحْيٌ نَزَلَ أَوْ عَدُوٌّ حَضَرَ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ لِكُلِّ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ " قَالَ : وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَهُزُّ رَأْسَهُ فَيَقُولُ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " كَأَنَّهُ ضَاقَ صَدْرُكَ بِمَا سَمِعْتَ ؟ " قَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَكَرْتُ الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " الْمُنَافِقُ كَافِرٌ وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ فِي ذَا شَيْءٌ " "(2)
__________
(1) - زاد المعاد (ج 1 / ص 444) ونيل الأوطار (ج 5 / ص 237)
(2) - الترغيب والترهيب للمنري (ج 2 / ص 64) وهو في فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ (50 ) والْكُنَى وَالْأَسْمَاءُ لِلدُّولَابِيِّ(100036)(2/95)
قلت : وهو في صحيح ابن خزيمة باب ذكر تفضل الله عز وجل على عبادة المؤمنين في أول ليلة من شهر رمضان بمغفرته إياهم كرما وجودا (1778) ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ،ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ،حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ الْقَيْسِيُّ،ثنا خَلَفٌ أَبُو الرَّبِيعِ،إِمَامُ مَسْجِدِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ،ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَسْتَقْبِلُكُمْ وَتَسْتَقْبِلُونَ " - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَحْيٌ نَزَلَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : عَدُوٌّ حَضَرَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : فَمَاذَا ؟ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِكُلِّ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ "،وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهَا،فَجَعَلَ رَجُلٌ يَهُزُّ رَأْسَهُ وَيَقُولُ : بَخٍ بَخٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا فُلَانُ،ضَاقَ بِهِ صَدْرُكَ ؟ " قَالَ : لَا،وَلَكِنْ ذَكَرْتُ الْمُنَافِقَ،فَقَالَ : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْكَافِرُونَ،وَلَيْسَ لِكَافِرٍ مِنْ ذَلِكِ شَيْءٌ "
وهذا الحديث عند المنذري صحيح أو حسن أو قريب منه،لأنه أورده بلفظة (عن أنس) ولم يورده بلفظة (رويَ عن أنس) كما هو مصطلحه في الأحاديث الصحاح والحسان،والأحاديث الضعاف،كما ذكر ذلك في مقدمة الترغيب والترهيب حيث قال : " فإذا كان إسناد الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما صدَّرتُهُ بلفظة (عن) وكذلك أصدِّرهُ بلفظة( عن) وإذا كان ... ثم أشيرُ إلى إرساله وانقطاعه ... وإذا كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضاع أو متهم أو مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو ساقطٌ أو ليس بشيء أو ضعيف جدا أو ضعيفٌ فقط،أو لم أر فيه توثيقاً بحيث لا يتطرق إليه احتمال التحسين،صدَّرتهُ بلفظة (رويَ ) ولا أذكر ذلك الراوي،ولا ما قيل فيه البتة،فيكون للإسناد الضعيف دلالتانِ : تصديره بلفظة (رُويَ) وإهمالُ الكلام عليه في آخره " اهـ باختصار.
وهذه أمثلة من كتابه المذكور :
(2049 ) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " حَجَّةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةٍ وَغَزْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةٍ " . يَقُولُ : إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَغَزْوَةٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةً،وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةٍ . "
رواه البزار ورواته ثقات معروفون،وعنبسة بن هبيرة وثقه ابن حبان ولم أقف فيه على جرح.
(2086 ) عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : صَعِدَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَر فَقَالَ " لَا أُقْسِم لَا أُقْسِم " ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ : " أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا مَنْ صَلَّى الصَّلَوَات الْخَمْس وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِر السَّبْع نُودِيَ مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة اُدْخُلْ " قَالَ عَبْد الْعَزِيز : لَا أَعْلَمهُ قَالَ إِلَّا " بِسَلَامٍ " وَقَالَ الْمُطَّلِب : سَمِعْت مَنْ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرهُنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ " عُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَقَتْل النَّفْس وَقَذْف الْمُحْصَنَات وَأَكْل مَال الْيَتِيم وَالْفِرَار مِنْ الزَّحْف وَأَكْل الرِّبَا " . "رواه الطبراني وفي إسناده مسلم بن الوليد بن العباس لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة.
(163 ) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ قَالَ : " مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ،وَزَادَ فِي عَمَلِكُمْ مَنْطِقُهُ،وَذَكَّرَكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ "(2/96)
رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح إلا مبارك بن حسان.
وقال في آخر كتابه 6/357 في باب ذكر الرواة المختلف فيهم : مبارك بن حسان قال الأزدي : يرمَى بالكذب،وقال أبو داود : منكر الحديث،وذكره البخاري ولم يجرحه،و قال النسائي : ليس بقوي،وقال ابن معين : ثقةٌ اهـ
وكل ذلك يدلُّ على التعديل وليس على الجرح .
وقد تلاه على هذا المسلك الحافظ ابن عبد الهادي في التنقيح في كلامه على ( عثمان ابن محمد الأنماطي)(1):
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ،فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " أَيْضًا،وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْمَاطِىِّ حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ». قَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ انْتَهَى(2).
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّحْقِيقِ " : وَعثمان بن مُحَمَّدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ،وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " تَابِعًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي " الْإِمَامِ " وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ : إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ،لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ،وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد ،وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ .وَغَيْرُهُمَا،ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " كِتَابِهِ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ومشى على هذا المسلك أيضاً شيخ الزيلعيِّ الحافظُ الذهبيُّ في ميزان الاعتدال في ترجمة مبارك بن حسان [ ت ].عن عطاء.قال الأازدي: يرمى بالكذب. وقال ابن معين: ثقة،وذكره البخاري فما ذكر فيه جرحا. وقال أبو داود: منكر الحديث.وقال النسائي: ليس بالقوى."(3)
وقال الحافظ الذهبي أيضاً في رسالته (الموقظة) في المصطلح ما يمكن اعتباره نصًّا صريحاً في الموضوع،حيث قال رحمه الله تعالى:"وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين،إطلاقُ اسم ( الثقة ) على من لم يُجْرَح،مع ارتفاع الجهالةِ عنه . وهذا يُسمَّى : مستوراً،ويُسمىَّ :محلهُّ الصدق،ويقال فيه : شيخ "(4).
ومشى على هذا المسلك أيضاً الحافظ ابن حجر رحمه الله في مواضع كثيرة من كتبه،مثل (هدي الساري ) حيث قال في ترجمة أحد رجال صحيح البخاري :خ س ق -الحسن بن مدرك السدوسي أبو علي الطحان قال النسائي في أسماء شيوخه لا بأس به وقال ابن عدي كان من حفاظ أهل البصرة وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود كان كذابا يأخذ أحاديث فهد بن عوف فيقلبها على يحيى بن حماد " قلت : إن كان مستند أبي داود في تكذيبه هذا الفعل فهو لا يوجب كذبا لأن يحيى بن حماد وفهد بن عوف جميعا من أصحاب أبي عوانة،فإذا سأل الطالب شيخه عن حديث رفيقه ليعرف إن كان من جملة مسموعه فحدثه به أولا فيكف يكون بذلك كذابا ؟ وقد كتب عنه أبو زرعة وأبو حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وهما ما هما في النقد،وقد أخرج عنه البخاري أحاديث يسيرة من روايته عن يحيى بن حماد مع أنه شاركه في الحمل عن يحيى بن حماد وفي غيره من شيوخه وروى عنه النسائي وابن ماجة " اهـ(5).
__________
(1) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 151)
(2) - سنن الدارقطنى(704) 1/182
(3) - ميزان الاعتدال3/430 [ 7038] وانظر تاريخ الإسلام للإمام الذهبي (ج 9 / ص 584)
(4) - الموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 18)
(5) - 2/123(2/97)
وفي (88) موضعاً من كتابه ( تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة ) ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً،قرن بينهما في أكثر المواضع،وأفرد أحدهما في بعضها،ولكنه في أغلب تلك المواطن ذكر سكوتهما عن الجرح من باب التوثيق والتعديل،وردَّ به على من زعم جهالة ذلك الراوي،أو ضعفه،بل توسَّع في الاستدلال بالسكوت على وثاقة الراوي،فاستدل بسكوت ابن يونس المصري،وأبي أحمد الحاكم النيسابوري،وابن حبان البستي،وابن النجار البغدادي،وغيرهم .
وسأورد جملة ملتقطة من كتابه المذكور لصلتها بكلامه في الكتاب،ثم أورد بعدها طائفة من عبارته في الكتاب،كنماذج في الموضع لما قدمته،وأشير إلى باقي المواضع فيه بأرقام الترجمات التي تضمنت عبارته المشار إليها،قال رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه تعجيل المنفعة(1):
"(أما بعد) فقد وقفت على مصنف للحافظ أبى عبد الله محمد بن على بن حمزة الحسينى الدمشقي سماه (التذكرة برجال العشرة) ضم إلى من في (تهذيب الكمال) لشيخه المزى من في الكتب الأربعة وهى (الموطأ) و (مسند الشافعي) و (مسند أحمد) و(المسند الذى خرجه الحسين بن محمد بن خسرو) من حديث الإمام أبى حنيفة،وحذا حذو الذهبي في الكاشف في الاقتصار على من في الكتب الستة دون من أخرج لهم في تصانيف لمصنفيها خارجة عن ذلك كالأدب المفرد) للبخاري و (المراسيل) لأبي داود و (الشمائل) للترمذي،فلزم من ذلك أن ينسب ما خرج له الترمذي أو النسائي مثلا إلى من أخرج له في بعض المسانيد المذكورة وهو صنيع سواه أولى منه،فإنَّ النفوس تركنُ إلى من أخرج له بعض الأئمة الستة أكثر من غيرهم،لجلالتهم في النفوس،وشهرتهم،ولأن أصل وضع التصنيف للحديث على الأبواب أن يقتصر فيه على ما يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد،بخلاف من رتب على المسانيد فإن أصل وضعه مطلق الجمع،..ثم عثرت في أثناء كلامه على أوهام صعبة فتعقبتها * ثم وقفت على تصنيف له أفرد فيه رجال أحمد سماه (الإكمال عن من في مسند أحمد من الرجال) ممن ليس في (تهذيب الكمال) فتتبعت ما فيه من فائدة زائدة على التذكرة *
ثم وقفت على جزء لشيخنا الحافظ نور الدين الهيثمى استدرك فيه ما فات الحسينى من رجال أحمد لقطه من المسند لما كان يكتب زوائد أحاديثه على الكتب الستة وهو جزء لطيف جدا وعثرت فيه مع ذلك على أوهام وقد جعلت على من تفرد به (هب)
ثم وقفت على تصنيف للإمام أبى زرعة ابن شيخنا حافظ العصر أبى الفضل ابن الحسين العراقى سماه (ذيل الكاشف) تتبع الأسماء التى في (تهذيب الكمال) ممن أهمله الكاشف،وضم إليه من ذكره الحسينى من رجال أحمد وبعض من استدركه الهيثمى وصير ذلك كتابا واحدا واختصر التراجم فيه على طريقة الذهبي فاختبرته فوجدته قلد الحسينى والهيثمي في أوهامهما وأضاف إلى أوهامهما من قبِله أوهاماً أخرى * وقد تعقبت جميع ذلك مبينا محررا مع أني لا أدعي العصمة من الخطأ والسهو،بل أوضحت ما ظهر لى فليوضح من يقف على كلامي ما ظهر له فما القصد إلا بيان الصواب طلبا للثواب "
وقال أيضاً :"فأقول عقب كل ترجمة عثرت فيها على شئ من ذلك (قلت) فما بعد قلت فهو كلامي وكذا أصنع فيما أزيده من الفوائد من جرح أو تعديل أو ما يتعلق بترجمة ذلك الشخص غالبا وبالله أستعين فيما قصدت وعليه أتوكل فيما اعتمدت .."(2)
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ..وقد ذكره ابن أبى حاتم فلم يذكر فيه جرحا،وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء ولم يذكر لذكره فيه مستندا.
((
__________
(1) - ص 2-4
(2) - في ص 8(2/98)
فع ا) إبراهيم بن أبي خداش.عن عتبة بن أبي لهب.وعنه ابن عيينة مجهول كذا قرأت بخط الحسينى . وصحح اسمه وقال :والدليل على صحة ما قلته أن ابن أبي حاتم قال إبراهيم بن أبى خداش بن عتبة بن أبي لهب الهاشمي اللهبى روى عن ابن عباس روى عنه ابن جريح وابن عيينة ولم يذكر فيه جرحا،وقال : وإذا عرف ذلك كيف يسوغ لمن يروي عنه ابن جريح وابن عيينة ونسبه بهذه الشهرة أن يقال في حقه مجهول ؟!!(1)
[ 15 ] ا إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع الحضرمي عن أبيه وعنه فرج بن فضالة مجهول قلت لم يذكره ابن أبي حاتم وحديثه بهذا السند في تحريم الخمر والميسر والمزر الحديث عن عبد الله بن عمرو وقد ذكره ابن يونس فقال أحسبه إبراهيم بن عبد الرحمن بن فروخ التنوخي ولم يذكر له راويا غير فرج ولم يذكر فيه جرحا
[ 30 ] ا أخشن السدوسي عن أنس وعنه أبو عبيدة عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات زاد في الإكمال وهو مجهول قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا وصرح في روايته سماعه من أنس
[ 33 ] ا أسامة بن سلمان النخعي شامي روى عن أبي ذر وابن مسعود وعنه عمر بن نعيم العنسي وغيره ذكره ابن حبان في الثقات قلت لم يذكر البخاري ولا بن أبي حاتم فيه جرحا ولم يذكروا له راويا غير عمر
[ 41 ] ا إسحاق بن أبي الكهلة ويقال ابن أبي الكهتلة كوفي روى عن ابن مسعود وأبي هريرة وعنه الوليد بن قيس وسعد بن إسحاق قال البخاري حديثه في الكوفيين ولم يذكر فيه جرحا وتبعه بن أبي حاتم وذكره ابن حبان في الثقات
[ 63 ] ا أمية بن شبل يماني روى عن عثمان ابن بوذويه وعروة بن محمد بن عطية والحكم بن أبان وعنه إبراهيم بن خالد وهشام بن يوسف وغيرهما قال ابن المديني ما بحديثه بأس قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا وذكره ابن حبان في الثقات
[ 75 ] ا أيمن بن مالك الأشعري عن أبي أمامة وأبي هريرة وعنه قتادة وثقه ابن حبان قلت وأخرج حديثه في صحيحه وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحا
[ 87 ] ا بسطام بن النضر أبو النضر الكوفي عن أعرابي لأبيه صحبة وعنه عمر بن فروخ ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات
[ 95 ] ا بشير بن أبي صالح عن أبي هريرة ..وفي تاريخ البخاري جبير أبو صالح عن أبي هريرة روى عنه يزيد بن أبي زياد ولم يذكر فيه جرحا
[ 106 ] فه بلال بن أبي بلال عن أبيه وعنه أبو حنيفة لا يعرف قلت كذا أفرده ...وقد ذكر البخاري في التاريخ أن بلال بن مرداس فزاري يروى عن خيثمة البصري وشهر بن حوشب ويروى عنه عبد الأعلى الثعلبي وليث بن أبي سليم والسدي ولم يذكر فيه جرحا وتبعه بن أبي حاتم
[ 200 ] ا حزام بكسر أوله وبالزاى المعجمة المنقوطة بن إسماعيل العامري كوفي روى عن أبي إسحاق الشيباني والأعمش ومغيرة وعاصم الأحول روى عنه أبو معاوية والحسن بن ثابت وأبو النضر بن هاشم بن القاسم وعطاء بن مسلم قاله الدارقطني وضبطه بالزاي المنقوطة وقال وكذا ذكره البخاري وابن أبي حاتم فيمن اسمه حزام بالزاي ولم يذكرا فيه جرحا
[ 207 ] ا الحسن بن يحيى المروزي عن ابن المبارك والنضر بن شميل وغيرهما وعنه أحمد وغيره فيه نظر قلت روايته عند أحمد مقرونة بعلي بن إسحاق كلاهما عن ابن المبارك وعلاها عبد الله بن أحمد عن أحمد بن جميل عن ابن المبارك وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد وذكر أنه يروي عنه أيضا يزيد بن يحيى الزهري ولم يذكر فيه جرحا ووقع في الطبقة الثالثة من الثقات لابن حبان الحسن بن يحيى المروزي عن كثير بن زياد وعنه بن المبارك فما أدري أهو هو انقلب أو هو آخر غيره
[
__________
(1) - تعجيل المنفعة لابن حجر (ج 1 / ص 5)(2/99)
210 ] هب حصين بن حرملة المهري عن أبي مصبح عن جابر في فضل الخيل وعنه عتبة بن أبي حكيم استدركه شيخنا الهيثمي على الحسيني وقال ذكره ابن حبان في الثقات وله في المسند حديثان من طريق عبد الله بن المبارك أحدهما عن حصين غير منسوب والآخر نسب فيه حصينا فقال عن عتبة عن حصين بن حرملة وقد ذكره البخاري فقال يعد في الشاميين ولم يذكر فيه جرحا وتبعه ابن أبي حاتم
[ 237 ] ا حميد بن علي أبو عكرشه العقيلي عن الضحاك بن مزاحم يقال مرسلا وعنه مروأن ابن معاوية قال الدارقطني لا يستقيم حديثه ولا يحتج به وقال أبو زرعه كوفي لا باس به قلت لم يذكر البخاري فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات
وذكر ذلك في الأرقام التالية (242 و303 و327 و330 و332 و338 و394 و434 و470 و491 و497 و499 و503 و531 و534 و 537 و544 و553 و555 و562 و602 و604 و608 و640 و667 و675 و723 و755 و762 و772 و782 و787 و789 و800 و805 و816 و835 و838 و 846 و857 و862 و867 و874 و879 و886 و910 و939 و940 و963 و973 و975 و984 و1046 و 1049 و1084 و 1113 و 1116 و 1137 و1152 و1153 و 1155 و 1170 و 1193 و 1210 و1259 و1263 و 1343 و 1380 و1381 و 1382 و 1418 )
وقد أعقب الحافظ ابن حجر في بعض التراجم قوله : لم يذكر ....فيه جرحا،بقوله وذكره ابن حبان في الثقات،وهذا منه ليس للتعقب على ما قبله،بل هو من باب استيفاء ما ذكرَ في الراوي،لأن الحافظ قد نقد طريقة ابن حبان في كتابه ( الثقات) في مقدمة كتابه ( لسان الميزان )(1)
وسلك الحافظ ابن حجر أيضاً هذا المسلك في كتابه (لسان الميزان ) وأكتفي بالإشارة إلى بعض ما جاء من ذلك في الجزء الأول منه فقط،انظر التراجم ذوات الأرقام التالية : (50و71 و 106 و107 و137 و145 و189 و351و381 و390 و461و563و674 و756 و770 و1005و1044 و1057و1095و1208و1233و1244و1267و1310و1384 و1398و1399و1415و1438و1452و1456 و1466و1495و1505و1516)
وأما قول الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب(2)721 - عس (مسند علي).إياس بن نذير الضبي الكوفي والد رفاعة،روى حديثه حسين بن حسن الأشقر عن رفاعة بن إياس بن نذير الضبي عن أبيه عن جده قال كنت مع علي يوم الجمل فبعث إلي طلحة أن القني الحديث هكذا رواه النسائي وقال ابن أبي حاتم إياس بن نذير روى عن شبرمة بن الطفيل عن علي روى عنه أبو حيان التيمي. يعد في الكوفيين.
قلت:وذكره ابن حبان في الثقات وذكره ابن أبي حاتم وبيض فهو مجهول.
ففيه أولاً : أن المزي قد نقل ترجمة ( إياس ) هذا عن ابن أبي حاتم،وهي في كتابه الجرح والتعديل(3)،ولم ينتبه الحافظ إلى هذا،فقال : (قلت : وذكره ابن أبي حاتم ...)
وثانياً : قال الحافظ ابن حجر: ( وبيَّضَ فهو مجهول ) والذي في الجرح والتعديل ليس فيه تبييض،وقد ذكره الحافظ تبعاً للذهبي في الميزان(4)،لكن عبارة الذهبي في الميزان هكذا : وذكره ابن أبي حاتم،وبيَّضَ،مجهول )اهـ وليس فيها تفريع الجهالة على التبييض كما هي عبارة ابن حجر،فانتفى أن يكون هذا النص شاهداً على اعتبار ابن حجر ما سكت عنه ابن أبي حاتم مجهولاً .
وثالثاً :أن لفظ ( مجهول ) في كلام الذهبي،إنما هو من حكمه وإنشائه،إذ لم يذكر ذلك أبو حاتم ولا ابنه في كتابه .
وقال الحافظ السخاوي في كتابه الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - وهو شرح له على منظومة ( الهداية في علم الرواية ) لابن الجزري المقرئ -(5):
(
__________
(1) - 1/14-15
(2) ج 1 / ص 342)
(3) - الجرح والتعديل[ ج2 - ص282 ] 1019
(4) - 1/283
(5) ج 1 / ص 60)(2/100)
ثالثها ) مجهول الحال فى العدالة باطنا لا ظاهرا لكونه علم عدم الفسق فيه ولم تعلم عدالته لفقدان التصريح بتزكيته،فهذا معنى إثبات العدالة الظاهرة ونفي العدالة الباطنة،لأن المراد بالباطنة ما في نفس الأمر،وهذا هو المستور والمختار قبولُه وبه قطع سليمُ الرازيُّ،قال ابنُ الصلاح :ويشبه أن يكون عليه العمل في كثير من كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة انتهى.
قلتُ : وعلى هذا يترجح العمل بالرأي القائل بقبول (رواية ) المستور على مقابله،لأنه قد تعذرت الخبرة في كثير من رجال القرن الأول والثاني والثالث،ولم يعلم عنهم مفسِّقٌ،ولا تعرف في روايتهم نكارة،فلو رددنا أحاديثهم أبطلنا سنناً كثيرة،وقد أخذت الأمة بأحاديثهم،كما أشار إليه الحافظ ابن الصلاح في كلمته الآنفة الذكر .
وعليه جرى عملُ الإمامين البخاريُّ ومسلمٌ في كتابيهما ( الصحيحين ) كما قال ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في الميزان في ترجمة حفص بن بُغيل [ د ].عن زائدة وجماعة.وعنه أبو كريب،وأحمد بن بديل.قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف.
قلتُ: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا،فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدلُّ على عدالته.
وهذا شئ كثير،ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون،ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل.".(1)
وقال في ميزان الاعتدال -مالك بن الخير الزبادى .مصرى.محله الصدق،يروى عن أبي قبيل،عن عبادة - مرفوعا: ليس منا من لم يبجل كبيرنا،روى عنه حيوة بن شريح،وهو من طبقته،وابن وهب،وزيد بن الحباب،ورشدين،قال ابن القطان:هو ممن لم تثبت عدالته - يريدُ أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة،وفي رواة الصحيحين عددٌ كثيرٌ ما علمنا أن أحدا نصَّ على توثيقهم،والجمهور على أنَّ منْ كان منَ المشايخ قد روى عنه جماعةٌ ولم يأت بما ينكر ُعليه أنَّ حديثَهُ صحيحٌ ."(2)
وهذا الذي ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله من مسلك الشيخين قد مشَى عليه الإمامُ أبو حنيفة ومن وافقه من أتباعه وغيرهم،قال المحقق الآمديُّ الشافعيُّ في كتابه الإحكام في أصول الأحكام(3):
المسألة الأولى- مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم أن مجهول الحال غير مقبول الرواية،بل لا بد من خبرة باطنة بحاله ومعرفة سيرته وكشف سريرته أو تزكية من عرفت عدالته وتعديله له.
وقال أبو حنيفة وأتباعه: يكتفَى في قبول الرواية بظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهراً. اهـ
وقال به لفيف من أهل العلم ومنهم العلامة عبد الغني البحراني الشافعي في كتابه قرة العين:" لا يقبل مجهول الحال،وهو على ثلاثة أقسامٍ :
أحدها : مجهول العدالة ظاهرا وباطناً،فلا يقبل عند الجمهور .
ثانيها: مجهول العادلة باطناً لا ظاهراً،وهو المستور،والمختار قبوله،وقطع به سليم الرازي- أحد أئمة الشافعية وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي- وعليه العملُ في أكثر كتب الحديث المشهورة،فيمن تقادم عهدهم وتعذَرتْ معرفتهم ) اهـ(4)
وقال العلامة المحقق البارع محمد حسن السنبهلي الهندي في مقدمة كتابه النفيس ( تنسيق النظام في مسند الإمام )- أي الإمام أبي حنيفة -ص 68: ( قال القسطلاني في إرشاد الساري: وقبلَ المستورُ قومٌ ورجحه ابن الصلاح )(5)وقال ابن حجر في شرح النخبة : وقبلَ روايتهَ جماعةٌ بغير قيدٍ )اهـ كلام السنبهلي .
وقال العلامة علي القاري في شرح شرح النخبة(6):
__________
(1) - الميزان1/556 (2109 )
(2) - ميزان الاعتدال (ج 3 / ص 426)(7015 )
(3) ج 1 / ص 324)
(4) - قرة العين في ضبط رجال الصحيحين ص 8
(5) - إرشاد الساري 1/16
(6) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 518)(2/101)
"(وقد قبل روايته) أي المستور،(جماعة) منهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه،(بغير قيد) يعني بعصر دون عصر ذكره السخاوي. وقيل: أي بغير قيد التوثيق وعدمه،وفيه أنه إذا وثق خرج عن كونه مستورا،فلا يتجه قوله: بغير قيد. واختار هذا القول،ابن حبان تبعا للإمام الأعظم ؛ إذ العدل عنده: من لا يعرف فيه الجرح،قال: والناس في أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح،ولم يكلف الناس ما غاب عنهم،وإنما كلفوا الحكم للظاهر،قال تعالى: : {{ولا تجسسوا}} ولأن أمر الأخبار مبني على الظن،و(إن بعض الظن إثم)،ولأنه يكون غالبا عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن،فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر،وتفارق الشهادة،فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن. قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي،في كثير من كتب الحديث المشهورة،في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم،وتعذرت الخبرة الباطنة بهم،فاكتفي بظاهرهم،وقيل: إنما قبل أبو حنيفة رحمه الله في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة،فأما اليوم فلا بد من التركيز لغلبة الفسق،وبه قال صاحباه أبو يوسف،ومحمد.وحاصل الخلاف:أن المستور من الصحابة،والتابعين وأتباعهم،يقبل بشهادته صلى الله تعالى عليه وسلم لهم بقوله: " خير القرون قرني،ثم الذين يلونهم " وغيرهم لا يقبل إلا بتوثيق،وهو تفصيل حسن." ..اهـ
والأخذ بهذا المذهب فيمن سكتوا عنه وجيهٌ للغاية جدًّا،وأما من كان بعد خير القرون الثلاثة بعد فشوِّ الكذب وقيام الحفاظ بالرحلة وتأليف الكتب في الرجال والرواة،فينبغي أن لا يقبلَ إلا من ثبتتْ عدالتهُ وتحققت فيه شروطُ قبول الرواية التي رسمها المتأخرون .
فإذا علمَ هذا كله،اتضحت وجاهةُ ما أثبتُّه من أنَّ مثلَ البخاري،أو أبي حاتم،أو ابن أبي حاتم،أو أبي زرعة،أو ابن يونس المصري،أو ابن حبان،أو ابن عديٍّ،أو الحاكم الكبير أبي أحمدَ،أو ابن النجار البغدادي،أو غيرهم ممن تكلم في الرجال،إذا سكتوا عن الراوي الذي لم يجرح،ولم يأتِ بمتنٍ منكرٍ : يعدُّ سكوتهُم عنه من باب التوثيق والتعديل،ولا يعدُّ من باب التجريحِ والتجهيل ِ،ويكون حديثه لا ينزلُ عن مرتبة الحسَنِ،إذا سلِمَ من المغامز،والله تعالى أعلم .
وقد سار على هذا المسلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد(1)وفي تعليقه على مختصره لتفسير ابن كثير الذي سماه عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير(2)،وكذلك الشيخ العلامة ظفر أحمد التهانوي في كتابه قواعد في علوم الحديث(3)وحبيب الرحمن الأعظمي في كتبه وتعليقاته الكثيرة .(4)
ــــــــــــــ
المرتبة الثامنة
من قال عنه ضعيف
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف"
قلت : أما من قال فيه ضعيف (399) راوياً، ففي أكثره قد أصاب .
وهذه أمثلة عشرة من التقريب بحسب ورودها به ممع مقارنتها بكلام الذهبي :
(64) أحمد بن عبدالجبار بن محمد العطاردي أبو عمر الكوفي ضعيف وسماعه للسيرة صحيح من العاشرة لم يثبت أن أبا داود أخرج له مات سنة اثنتين وسبعين وله خمس وتسعون سنة د
وفي ميزان الاعتدال(443 ) أحمد بن عبد الجبار العطاردي.روى عن أبى بكر بن عياش وطبقته.ضعفه غير واحد.
(
__________
(1) - انظر الجزء السابع الحديث رقم(5544)
(2) - انظر منه 1/60 و88 و165 و168
(3) - ص 358 و404
(4) - انظر الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي بتعليق العلامة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله من ص 230 فما بعدها الهامش بحث (( سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ، ولم يأت بمتنٍ منكر : يعدُّ تعديلاً ) وقد اقتبست منه كثيرا وزدت عليه زيادات كثيرة .(2/102)
146) إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري [وقد ينسب إلى جده] الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني ضعيف من السابعة مات سنة خمس وستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ت س
وفي الكاشف (114 ) إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن موسى بن عقبة وجماعة وعنه القعنبي وجماعة قوام صوام قال الدارقطني وغيره متروك توفي 165 ت ق......
فهؤلاء حديثهم يقوى عند الحافظ ابن حجر لو ورد من طريق آخر ولو كان ضعيفا ، بينما لا يقوى عند الإمام الذهبي .
- وأما من اختلف فيه ورجح الحافظ ضعفه ، ففي بعضها نظر:
ففي التقريب (524 ) أشعث بن سوار الكندي النجار الأفرق الأثرم صاحب التوابيت قاضي الأهواز ضعيف من السادسة مات سنة ست وثلاثين بخ م ت س ق
وفي الكاشف [ 440 ] أشعث بن سوار الكندي عن الشعبي وطائفة وعنه هشيم وابن نمير وخلق صدوق لينه أبو زرعة توفي 136 م ت س ق
وفي ميزان الاعتدال(996 ) قال ابن عدى: لم أجد لأشعث متنا منكرا، إنما يغلط في الأحايين في الأسانيد، ويخالف.
قلت : وقد صحح له الترمذي (3239)
وقوله في التقريب (674 ) بشار بن موسى الخفاف شيباني عجلي بصري نزل بغداد ضعيف كثير الغلط كثير الحديث من العاشرة فق
وفي ميزان الاعتدال(1180 ) قال أثناء ترجمته :"ولم أر في حديثه شيئا منكرا.وقول من وثقه أقرب."
وقوله في التقريب ( 685) بشر بن رافع الحارثي أبو الأسباط النجراني بالنون والجيم فقيه ضعيف الحديث من السابعة بخ د ت ق
وفي الكاشف [ 577 ] بشر بن رافع أبو الأسباط عن يحيى بن أبي كثير وجماعة وعنه عبد الرزاق وجماعة ضعفه أحمد وقواه بن معين د ت ق
ونحو ذلك فالراجح فيهم قول الإمام الذهبي .
ــــــــــــــ
المرتبة التاسعة
حكمُ من قال عنه مجهول
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "والرابع : من قال عنه مجهول حوالي(422) راوياً فهو كما قال،وهذه أمثلة مع المقارنة بكلام الذهبي :
(147)-إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك ابن أبي محذورة مجهول وضعفه الأزدي من السابعة د
وفي الكاشف [ 115 ] إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة عن جده وعنه أبو جعفر النفيلي د
( 208)-إبراهيم بن عبد الرحمن ابن يزيد ابن أمية المدني مجهول من السابعة ت
وفي الكاشف(167 ) إبراهيم بن عبد الرحمن عن نافع وعنه سلم بن قتيبة لا يدري من ذا ت
( 225)- إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري المدني مجهول من الثامنة ت
وفي الكاشف (182 ) إبراهيم بن أبي عمرو عن أبي بكر بن المنكدر وعنه عبد الله بن إبراهيم الغفاري ت
( 278)- إبراهيم عن كعب ابن عجرة مجهول من الثالثة وليس هو النخعي ت
وفي الكاشف [ 228 ] إبراهيم عن كعب بن عجرة لا يدري من ذا فلعله النخعي أرسل وعنه زبيد اليامي ت
فنلاحظ من خلال المقارنة اتفاقاً تاماً بينهما .
- وهناك بعض من قال عنهم مجهول فيه نظر مثل إبراهيم بن طريف الشامي ، مجهول تفرد عنه الأوزاعي وقد وثّق (188) .
قلت : وقد روى عنه أيضا سفيان بن عيينة كما في أخبار مكة للأزرقي (322) والسنن الكبرى للبيهقي (9483) ، وقد وثقه ابن حبان وأحمد بن صالح المصري وابن شاهين(1).وقد سكت عليه البخاري وأبو حاتم ،والأوزاعي إمام ثقة حجة .
ولذا فإن من يروي عنه أمثال الأوزاعي والزهري وغيرهما من التابعين ، الذين تعذرت الخبرة بباطنهم ، وسكت عليهم أئمة الجرخ والتعديل ، ووثقهم ابن حبان إذا كانوا من التابعين من الطبقة الثالثة حتى السادسة ، فحديثهم مقبول ولولم يرو عنهم إلا واحد، ويمكن تحسينه ما لم يثبت أنه أنكر عليهم ، ولم نجد له عاضداً .
وقوله عن إبراهيم بن صبيح الأودي مجهول ، ويقال هو ابن يزيد (295) .
أقول : ورجحه في التهذيب 1/165 وإبراهيم بن يزيد الأودي ثقة التقريب (296)
ــــــــــــــ
__________
(1) - تهذيب التهذيب 1/128(2/103)
المرتبة العاشرة
من قال فيه متروك أو واهي أو ساقط الحديث
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة: بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
وعدد الذين قال عنهم متروك (146) راويا منهم ثلاثة عشر راويا قال عنهم ( متروك الحديث)
وواهي الحديث لم أجد أحدا قال عنه ذلك ، وساقط الحديث لم أجد راويا قال عنه ذلك ، واكتفى بمتروك ، وهي مرتبة الضعيف جدا . والذي لا يحتج بحديثه .
أمثلة مقارنة :
( 14)- أحمد بن بشير البغدادي آخر متروك خلطه عثمان الدارمي بالذي قبله وفرق بينهما الخطيب فأصاب من العاشرة تمييز
وفي ميزان الاعتدال ( 307) أحمد بن بشير، بغدادي.عن عطاء بن المبارك.أشار الخطيب إلى تضعيفه وإلى تقوية الكوفى سميه
( 142)- أبان بن أبي عياش فيروز البصري أبو إسماعيل العبدي متروك من الخامسة مات في حدود الأربعين د
وفي الكاشف [ 110 ] أبان بن أبي عياش العبدي مولاهم البصري عن أنس وأبي العالية وجمع وعنه فضيل ويزيد بن هارون وسعيد بن عامر وخلق قال أحمد متروك وقرنه أبو داود بآخر د
(215)- إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة أبو شيبة الكوفي قاضي واسط مشهور بكنيته متروك الحديث من السابعة مات سنة تسع وستين ت ق
وفي الكاشف [ 174 ] إبراهيم بن عثمان أبو شيبة العبسي الكوفي قاضي واسط عن خاله الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وعنه علي بن الجعد وجبارة بن المغلس وخلق ترك حديثه وقال البخاري سكتوا عنه وقال يزيد بن هارون وكان كاتبه ما قضى على الناس في زمانه أعدل منه توفي 169 ت ق
قلت : نلاحظ اتفاقا تاما بين هذين العملاقين في هذه المرتبة .
ــــــــــــــ
المرتبة الحادية عشرة
من اتهم بالكذب
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
وعدد هؤلاء قليل ، وهذه أمثلة مقارنة لهم :
(494)- إسماعيل بن يحيى الشيباني ويقال له الشعيري متهم بالكذب من الثامنة ق
وفي الكاشف [ 413 ] إسماعيل بن يحيى الشيباني عن أبي سنان ضرار وعنه إبراهيم بن أعين وغيره متهم ق
(1660)- خالد بن عمرو بن محمد بن عبدالله ابن سعيد ابن العاص الأموي أبو سعيد الكوفي رماه ابن معين بالكذب ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع من التاسعة د ق
وفي الكاشف [ 1343 ] خالد بن عمرو الأموي السعيدي عن هشام الدستوائي ويونس بن أبي إسحاق وعنه الرمادي وأحمد بن أبي الخناجر تركوه د ق
( 3326) عبدالله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي [وقد ينسب إلى جده] أبو عبدالرحمن المدني قاضيها متروك اتهمه بالكذب أبو داود وغيره من السابعة مد ق
وفي الكاشف [ 2727 ] عبد الله بن زياد بن سمعان المدني الفقيه أحد المتروكين في الحديث عن مجاهد والأعرج وعنه بن وهب وعبد الرزاق وعدة كذبه مالك ق
( 5021)- عمرو بن خالد القرشي مولاهم أبو خالد كوفي نزل واسط متروك ورماه وكيع بالكذب من السابعة مات بعد سنة عشرين ومائة ق
وفي الكاشف [ 4150 ] عمرو بن خالد القرشي الكوفي نزل واسط عن الباقر وحبيب بن أبي ثابت وعنه إسرائيل ويوسف بن أسباط وعدة كذبوه ق
قلت : نلاحظ اتفاقا تاماً بينهما على هذه المرتبة .
ــــــــــــــ
المرتبة الثانية عشرة
من أطلق عليه اسم الكذب أو الوضع
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع.
قلت : الرواة المتفق على ضعفهم ، قد أعطانا عبارة مختصرة دقيقة جدا تبين حالهم ، وقد أصاب المحِّزَ إلى حدٍّ بعيد ولاسيما من قال فيه متروك ، أو متهم ، أو كذاب ، أو كان يضع .
متهم ،(8) رواة ، أو كذاب (56) راويا ، أو كان يضع (2) راويان.
كقوله في ترجمة إسماعيل بن يحيى الشيباني ويقال له الشعيري متهم بالكذب من الثامنة ق (494) وانظر الأرقام (706 و725و1519 و2907و5901 و6284 و6805 )
وكقوله في ترجمة أحمد بن الخليل ابن حرب القومسي نسبه أبو حاتم إلى الكذب من الحادية عشرة تمييز (34)(2/104)
انظر الأرقام التالية (257 و388 و446 و 494 و 1087 و 1088 و1660 و 1785 و2101 و2726 و3139 و3186 و3326 و3737 و3750 و3989 و4055 و4083 و4131 و4257 و4263 و4389 و4493 و4594 و4896 و4922 و5021 و5239 و5320 و5468 و5815 و 5866 و 5890 و5901 و5907 و6019 و6090 و6217 و6225 و6229 و6268 و6284 و6310 و6868 و6997 و7059 و7181 و7198 و7210 و7761 و7835 و7862 و7874 و 7915 و8083 و8145 ) وهذا جميعهم
أو كقوله - طلحة بن زيد القرشي أبو مسكين أو أبو محمد الرقي أصله دمشقي متروك قال أحمد وعلي وأبو داود كان يضع الحديث من الثامنة ق (3020)
والثاني نوح ابن أبي مريم أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم مشهور بكنيته ويعرف بالجامع لجمعه العلوم لكن كذبوه في الحديث وقال ابن المبارك كان يضع من السابعة مات سنة ثلاث وسبعين ت فق(7210)
وانظر الأرقام (411 و1519 و2241 و2333 و2662 و3601 و4389 و5206 و5254 و5256 و6467 و6570 و6805 و7599 و7618 و7973) وهؤلاء أيضا رموا بالوضع
والذهبي قد وافقه في كل أصحاب هذه المرتبة .
ـــــــــــــــ
المبحث السابع
الرواة الذين لم ينص صراحة على توثيقهم
هناك عدد من الرواة لم ينص الحافظ ابن حجر على توثيقهم ، وهو قد قال في المقدمة:(إنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة، وأخلص إشارة ).
فهل هو خالف هذه القاعدة أم أن هناك اعتبارات أخرى ؟.
أمثلة :
2086- زياد بن عبدالله بن علاثة بضم المهملة وبالمثلثة العقيلي بضم المهملة أبو سهيل [سهل] الحراني ناب في القضاء عن أخيه بها وثقه ابن معين من الثامنة ق
وفي الكاشف 1697- زياد بن عبدالله بن علاثة الحراني أبو سهل العقيلي نائب أخيه محمد على القضاء عن عبد الكريم الجزري وغيره وعنه هاشم بن القاسم أبو النضر ومظفر بن مدرك ثقة ق
2099- زياد بن أبي مريم الجزري وثقه العجلي من السادسة ولم يثبت سماعه من أبي موسى وجزم أهل بلده بأنه غير ابن الجراح ق
وفي الكاشف 1708- زياد بن أبي مريم الجزري عن عبدالله بن معقل وعنه عبد الكريم بن مالك ثقة ق
2289- سعيد بن حيان التيمي الكوفي والد يحيى وثقه العجلي من الثالثة د ت
3127- عباد بن زياد أخو عبيد الله يكنى أبا حرب [من الرابعة] وثقه ابن حبان وكان والي سجستان سنة ثلاث وخمسين ومات سنة مائة م د س
وفي الكاشف 2562- عباد بن زياد بن أبيه أخو عبيد الله عن عروة بن المغيرة وعنه مكحول والزهري وثق مات سنة مائة م د س
3110- عامر بن مصعب شيخ لابن جريج لا يعرف قرنه بعمرو ابن دينار وقد وثقه ابن حبان على عادته من الثالثة خ س
وفي الكاشف 2547- عامر بن مصعب أرسل عن عائشة وله عن طاوس وعنه بن جريج وغيره خ س
395- إسحاق بن يعقوب بن محمد البغدادي سكن الشام وثقه النسائي من الحادية عشرة س
وفي الكاشف- إسحاق بن يعقوب عن عفان وعنه النسائي ووثقه س
1915- ربيعة بن عمرو ويقال بن الحارث الدمشقي وهو ربيعة ابن الغاز بمعجمة وزاي أبو الغاز الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته قتل يوم مرج راهط سنة أربع وستين وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره 4
وفي الكاشف 1554- ربيعة الجرشي الدمشقي مختلف في صحبته وله عن عائشة وسعد وعنه ابنه أبو هشام الغاز وعطية بن قيس قال أبو المتوكل الناجي سألته وكان فقيه الناس في زمن معاوية قتل يوم مرج راهط 64.4
من خلال نقلنا ما قيل فيهم عند الإمام الذهبي نلاحظ أنه قد حكم على بعضهم بأنه ثقةٌ ، وبعضهم وثِّق ، وبعضهم نقل كلام غيره وسكت عليه، وبعضهم لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ولا يلام هو ولا الحافظ ابن حجر إذا لم يجزموا بالحكم على جميع الرواة ، فهذا أمر عسرٌ جدًّا .
ولا يعتبر مخالفاً للقاعدة التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله .(2/105)
وكل راو مختلف في صحبيته فهو ثقة بلا خلاف(1)
ويلاحظ على هؤلاء بشكل عام قلة الأحاديث ، وقلة الرواة عنهم ، فالغالب لم يرو عنهم سوى راو واحد ،ووجد فيهم توثيق معتبر .
أما ما كان في الصحيحين أن أحدهما فلا شك في صحة حديثه . مثاله :
ففي الصحيحين راو واحد وهو سلم بن زرير
ففي صحيح البخارى (3241و 6449) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » .
وأما غيرهم ، فحديثهم حسن إذا تفردوا به ، وغذا توبعوا فصحيح لغيره .
أمثلة :
2086- زياد بن عبدالله بن علاثة بضم المهملة وبالمثلثة العقيلي بضم المهملة أبو سهيل [سهل] الحراني ناب في القضاء عن أخيه بها وثقه ابن معين من الثامنة ق
وفي الكاشف 1697- زياد بن عبدالله بن علاثة الحراني أبو سهل العقيلي نائب أخيه محمد على القضاء عن عبد الكريم الجزري وغيره وعنه هاشم بن القاسم أبو النضر ومظفر بن مدرك ثقة ق
ــــــــــــــ
سابعا
خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي
ثم جاء الحافظ صفيُّ الدين أحمد بن عبد الله الخزرجيّ الأنصاريّ الساعديّ المولود سنة تسعمائة للهجرة، فاختصر كتاب "تذهيب التهذيب" للذهبي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة للهجرة في كتاب "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.
في مجلد كبير طُبع سنة واحد وثلاثمائة وألف للهجرة بالمطبعة الأميرية بالقاهرة، وقد قال مصنفه في مقدمته الصغيرة:"وبعد؛ فهذا مختصر في أسماء الرجال اختصرته من "تذهيب تهذيب الكمال"، وضَبَطْتُ ما يحتاج إلى ضبطه في غالب الأحوال، وزدت فيه زياداتٍ مفيدةً، وَوَفَيَاتٍ عديدةً من الكتب المعتمدة، والنقول المسندة أسأل الله -تعالى-التوفيق، والهدى إلى سواء الطريق بمنه وكرمه! آمين".
وقد مشى المصنف في هذا الكتاب على النحو التالي:
أولا: ترجم للرواة المخرج لهم في الكتب الستة، وأشهرِ مصنفات أصحابها التي ترجم الذهبيّ في "تذهيبه" لرجالها، ومجموع تلك المصنفات مع الكتب الستة الأصول خمسة وعشرون، وهي المصنفاتُ التي ذكرها المزيّ في "تهذيبه" نفسها.
ثانيا: ذكر رموز تلك المصنفات في المقدمة، وعددها سبعة وعشرون رمزا، وهي الرموز التي ذكرها المزي، ثم الذهبي في "تذهيبه" لكنه زاد عليها رمزا آخر، وهو كلمة "تمييز"، وتُذكر مع الراوي الذي ليس له روايةٌ في المصنفات المترجم لرواتها في هذا الكتاب.
ثالثا: قَسَّمَ الكتاب إلى كتابين:
الكتاب الأول: وخصصه لتراجمِ الرجال.
والكتاب الثاني: وخَصَّصَه لتراجمِ النساء.
وقَسَّمَ كتابَ الرجال إلى قسمين وخاتمة؛ فالقسم الأول جعله في ترتيبهم على الأسماء، والقسم الثاني جعله في ترتيبهم على الكُنَى وجعله نوعين..
والكتاب عليه حاشية قيمة
( حرف الألف )
( من اسمه أحمد
( دفق ) أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد عن إبراهيم بن سعد وحماد بن زيد وشريك وعبثر بن القاسم وخلق وعنه د فرد حديث وكتب عنه ابن معين وقال ليس به بأس قال موسى بن هارون الحمال مات في سنة ست ( 2 ) وثلاثين ومائتين
( كن ) أحمد بن إبراهيم بن فيل بكسر الفاء أبو الحسن الأسدي البالسي بموحدة نزيل أنطاكية عن أحمد بن يونس وعبد الوهاب بن بجدة وأبي مصعب الزهري وطبقتهم وعنه ( كن ) وثقه ابن عساكر مات سنة أربع وثمانين ومائتين
(
__________
(1) - انظر الكلام عن المرتبة الأولى - الصحابة -ثانيا-المختلف في صحبته(2/106)
م ت د ق ) أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح العبدي النكري بضم النون البغدادي الدورقي ( 3 ) الحافظ أخو ( 4 ) يعقوب عن هشيم ويزيد بن زريع وحفص بن غياث وابن مهدي وخلق وعنه ( م د ت ق ) قال أبو حاتم صدوق وقال جزرة صالح ثقة قال السراج مات ( 5 ) سنة ست وأربعين ومائتين عن ثمان وسبعين سنة
( س ) أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن بسر بضم الموحدة ابن أبي أرطاة البسري أبو عبد الملك الدمشقي عن أبي الجماهير ( 6 ) وإسحاق الفراديسي وأبي مصعب وإبراهيم بن المنذر الحزامي وخلق صدوق له رحلة ومعرفة وعنه ( س ) ( 7 ) مات في شوال سنة تسع وثمانين ومائتين
( س ق ) أحمد بن الأزهر بن منيع العبدي مولاهم أبو الأزهر النيسابوري الحافظ عن عبد الله بن نمير وأسباط بن محمد وأبي أسامة وعبد الرزاق وطبقتهم وعنه س ق وأبو زرعة وابن خزيمة وخلق قال أبو حاتم وصالح ( 8 ) جزرة صدوق وقال النسائي لا بأس به ( 9 ) ونقم عليه حديثه عن عبد الرزاق في فضائل علي لكنه توبع عليه قال أحمد بن سيار مات سنة إحدى وستين وقال ( 10 ) الغساني سنة ثلاث وستين ومائتين
( خ ) أحمد بن إسحاق بن الحصين بن جابر السلمي المطوعي أبو إسحاق البخاري السرماري بسكون المهملة الثانية وبضم الأولى أحد فرسان الإسلام كان عديم النظير في الشجاعة ( 11 ) مع العلم والزهد عن يعلى بن عبيد وعبيد الله بن موسى وجماعة وعنه ( خ ) ووثقه وعبيد الله بن واصل وقال مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين
( م د ت س ) أحمد بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم أبو إسحاق البصري أخو يعقوب القاري عن عكرمة بن عمار وهمام ووهيب وحماد بن سلمة وطائفة وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة ( 12 ) وأحمد بن الحسن الترمذي وعبد بن حميد وجماعة وثقه أبو حاتم ( 13 ) وغيره قال ابن سعد مات سنة إحدى عشرة هامش
( 1 ) المراد بالتمييز حيث يتفق اسم راويين واسم أبيهما وكان أحدهما من رجال الكتب المتقدم ذكرها والآخر ليس كذلك فذكره للتمييز اه
( 2 ) وقيل خمس اه ابن الملقن
( 3 ) الدورقي نسبة إلى بلد بالأهواز قاله أبو أحمد الحاكم وغيره ويعرف ببرق ووقع في التهذيب أن الدورقية نوع من القلانس وكذا ذكره الدمياطي وقال لا معنى له إنما هي بلد وكذا وقع في اللالكائي لأنه كان يلبس القلانس الطوال وقال في الكمال كان أبوه ناسكا في زمانه ومن كان ينسك في ذلك الزمان يسمى دورقيا ثم حكى الأول وقال السمعاني أنها بلد بفارس وقيل بخوزستان وقال ابن خلفون في ثقاته موضع بالبصرة اه ابن الملقن
( 4 ) وكان أصغر منه بسنتين اه
( 5 ) بالعسكر يوم السبت اه ملقن
( 6 ) محمد بن عثمان اه
( 7 ) وقال لابأس به والطبراني وقال أبو القاسم ثقة اه
( 8 ) جزرة محركة لقب صالح ابن محمد الحافظ اه قاموس
( 9 ) وقال الحاكم أبو أحمد ما حدث من أصل كتابه فهو أصح ورأيت ابن خزيمة إذا حدث عنه قال حدثنا أبو الأزهر وكتب في كتابه حدثنا أبو الأزهر من أصله وحدثنا تلقينا وذلك أنه قد كبر فربما تلقن ما يخشى اه تهذيب
( 10 ) في التهذيب القباني وبقوله جزم ابن عساكر في نبله اه
( 11 ) قال ابن الملقن في كتابه في الرجال يضرب بشجاعته المثل قتل ألفا من الترك اه
( 12 ) زهير بن حرب
( 13 ) والنسائي وقال أحمد بن حنبل لم يكن به بأس تركته من أجل ابن أكتم دخل له في شيء اه ميزان
ــــــــــــــ(2/107)
ثامنا
التذكرة برجال العشرة
لأبي عبد الله محمد بن علي الحسيني الدمشقي المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة للهجرة. هذا الكتاب يشتمل على تراجم رواةِ عشرةٍ من كتب السنة، وهي الكتب الستة التي هي موضوع كتاب "تهذيب الكمال" للمزي بالإضافة إلى أربعة كتب لأصحاب أئمة المذاهب الأربعة، وهي: "الموطأ" "ومسند الشافعي"، و"مسند أحمد" "والمسند الذي خَرَّجه الحسين بن محمد بن خُسْرو من حديث أبي حنيفة".
لكنه لم يذكر رجال بعض المصنفات التي لأصحاب الكتب الستة، كما فعل شيخه المزي، وإنما اقتصر على رجال الكتب الستة فقط بالإضافة إلى رجال الكتب الأربعة المذكورة ورمز لمالك "ك"، وللشافعي "فع"، ولأبي حنيفة "فه"، ولأحمد "أ"، ولمن أخرج له عبد الله بن أحمد عن غير عن أبيه "عب"، وترك رموز الستة على حالها كما رمز لها المزي).
لم يضف ما أضافه المزي من زيادات كتب لأصحاب الكتب الستة؛ كـ: "مقدمة مسلم"، "والتمييز" لمسلم، "وخصائص عليّ" للنسائي، "وعلل الترمذي"، لم يذكر هذه، وإنما اقتصر على الكتب الستة فقط، وكتب أصحاب المذاهب الأربعة: "موطأ مالك"، و"مسند الشافعي"، و"مسند أبي حنيفة"، و"مسند أحمد" -رحمهم الله-.
وغايته من هذا التصنيف أن يجمع أشهر الرواة في القرون الثلاثة الفاضلة الذين اعتمدهم أصحاب المصنفات الستة المشهورة وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة.
وهو كتاب جيد نافع توجد منه نسخ مخطوطة كاملة لكنه.. وطبع فيما بعد
ــــــــــــــ
تاسعا
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة" للحافظ ابن حجر العسقلانيّ:
هذا الكتاب أفرده الحافظ ابن حجر للرجال الموجودين في المصنفات الحديثيّة المشهورة التي لأصحاب المذاهب الأربعة ممن لم يترجم لهم المزي في "تهذيبه".
وقد اطلع مؤلفه على كتاب "التذكرة" للحسيني، واستفاد منه، والتقط منه تراجم الرجال الذين لم يترجم لهم المزي في "تهذيبه". لكنه تعقبه في بعض أوهامه، وزاد عليه تراجم تتبعها من كتاب "الغرائب عن مالك" الذي جمعه الدارقطني، وكتاب "معرفة السُّنَن والآثار للبيهقي"، وكتاب "الزهد" لأحمد، "وكتاب الآثار" لمحمد بن الحسن، والتي ليست في كتب أصحاب المذاهب الأربعة التي ذكرها الحسينيّ، وترك الرموز للأئمة الأربعة على ما اختاره الشريف الحسيني في كتابه "التذكرة"، وزاد رمزا واحدا، وهو "هب" وهو رمز لكل راوٍ استدركه نور الدين الهيثمي على الحسيني في كتابه "الإكمال عن من في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في "تهذيب الكمال".
وقد قال مؤلفه في مقدمته: " ... وبانضمام هذه المذكورات يصير "تعجيل المنفعة" إذا انضمَّ إلى رجال التهذيب حاويًا -إن شاء الله تعالى- لغالب رواة الحديث في القرون الفاضلة إلى رأس الثلاثمائة" وهو كما قال رحمه الله وأثابه والحافظ الحسيني وأمثالهما من علماء المسلمين!
يعني إذا ضَمَّ إلى "تهذيب الكمال" كتابَ "تعجيل المنفعة لزوائد الأربعة" للحافظ ابن حجر؛ فقد ضَمَّ ذلك جُلَّ رواة الحديث في القرون الثلاثة التي عليها شأن علم الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف.
حرف الألف
1 - ا أبان بن خالد الحنفي عن عبيد الله بن رواحة عن أنس وعنه اخوه عبد المؤمن لينه الأزدي قلت وذكره بن حبان في الثقات وقال روى عنه موسى بن إسماعيل التبوذكي وقال الذهبي في الميزان خبره منكر
2 - ا إبراهيم بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري وعنه إسرائيل وغيره مجهول وخبره منكر.(2/108)
قلت: أما هو فمعروف ومترجم في التهذيب إلا أن صاحب التهذيب لم ينبه على أن أباه يسمى إسحاق بل ذكره على ما وقع في أكثر الروايات أنه إبراهيم بن الفضل وقد نبه أبو أحمد الحاكم في الكنى على أن إبراهيم بن الفضل يقال له إبراهيم بن إسحاق ويؤيد ذلك أن الحديث الذي أشار اليه الحسيني بأنه منكر أورده أحمد هكذا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِجِدَارٍ أَوْ حَائِطٍ مَائِلٍ فَأَسْرَعَ الْمَشْىَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ « إِنِّى أَكْرَهُ مَوْتَ الْفَوَاتِ »(1).
وبهذا الإسناد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ هَمًّا أَوْ غَمًّا ، أَوْ أَنْ أَمُوتَ غَرَقًا وَأَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ أَمُوتَ لَدِيغًا "(2).
وقد أخرج بن عدي الحديث الأول في ترجمة إبراهيم بن الفضل وساقه من طريق عبيد الله بن موسى قال ثنا إسرائيل ثنا إبراهيم بن الفضل عن سعيد به.
ومن طريق أبي معاوية عن إبراهيم بن الفضل به.
فتبين أنه هو كما قال الحاكم أبو أحمد ،وقد وافقه ابن حبان على ذلك ووقفت على سلفهما وهو البخاري، فإنه قال في ترجمة إبراهيم بن الفضل روى إسرائيل عن إبراهيم بن الفضل، فقال إبراهيم بن إسحاق وكذا نقله ابن عدي، وفات المزي أن ينبه في ترجمة إبراهيم بن الفضل على أنه يقال له إبراهيم بن إسحاق، وكان السبب في الاختلاف في اسم أبيه إما أن يكون أحدهما جده فنسب إليه أو أحدهما لقبه والآخر اسمه أو أن بعض الرواة صحف كنيته فجعلها اسم أبيه كأنه كان في الأصل حدثنا إبراهيم أبو إسحاق فصارت أبو ابن، وهذا الذي يترجح عندي والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب اهـ
وقد يتعقبهم انظر الأرقام (2 و3 و4 و 5 و6 و7 و8 ...) وهو متمم لرجال الكتب الستة بشكل دقيق ، وفيه حوالي (1732) ترجمة .
وفيه الثقة والصدوق والضعيف والواهي والمجهول .والكتاب بحاجة لتحقيق وضبط وتخريج الأحاديث التي ذكرها ضمن التراجم ، ومقارنة رجاله مع غيره من كتب الجرح والتعديل .
ــــــــــــــ
سادسا
المصنفات في الثقات خاصة:
الأول
"كتاب الثقات" للعجلي (261)
العِجْلِيُّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الأَوحدُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحِ بنِ مُسْلِمٍ العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزيلُ مَدينَةِ أَطرَابلسَ المَغْرِبِ، وَهِيَ أَوّلُ مَدَائِنِ المَغْرِبِ، بَينَهَا وَبَيْنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَسِيْرَةُ شَهرٍ، ثُمَّ مِنْهَا يَسِيرُ غَرباً إِلَى مَدِيْنَةِ تُونُسَ الَّتِي هِيَ اليَوْمَ قَاعِدَةُ إِقْلِيمِ إِفْرِيْقِيَةَ.
مَوْلِدُهُ: بِالْكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَوَالِدِهِ؛ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئِ، وَعَفَّانَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعْنَاقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ حَدِيْدٍ الإِلْبِيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ إِسْحَاقَ.
__________
(1) - مسند أحمد (8900) ضعيف -الفوات : الفجأة
(2) - مسند أحمد(8667 ) ضعيف(2/109)
وَلَهُ مُصَنَّفٌ مُفِيدٌ فِي (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)، طَالَعْتُهُ، وَعلَّقتُ مِنْهُ فَوائِدَ تَدُلُّ عَلَى تَبحُّرِهِ بِالصَّنعَةِ وَسَعَةِ حِفْظِهِ.
وَقَدْ ذُكِرَ لِعَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيِّ، فَقَالَ: ذَلِكَ كُنَّا نَعُدُّه مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَرَّ إِلَى المَغْرِبِ لَمَّا ظَهرَ الامْتِحَانُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَاسْتَوطَنَهَا، وَوُلِدَ لَهُ بِهَا.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: لَمْ يَكُنْ لأَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ عِنْدَنَا بِالمَغْرِبِ شَبِيهٌ وَلاَ نَظِيرٌ فِي زَمَانِهِ فِي مَعْرِفَةِ الغَرِيْبِ وَإِتقَانِه، وَفِي زُهْدِه وَوَرَعِه.
وَقَالَ المُؤَرِّخُ العَالِمُ أَبُو العَرَبِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ تَمِيْمٍ القَيْرَوَانِيُّ: سَأَلْتُ مَالِكَ بنَ عِيْسَى العفصيَّ الحَافِظَ: مَنْ أَعلَمُ مَنْ رَأَيْتَ بِالحَدِيْثِ؟
قَالَ: أَمَّا فِي الشُّيُوْخِ فَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَانِمٍ الحَافِظُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُعتبٍ - مَغربِيٌّ ثِقَةٌ - يَقُوْلُ:
سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ ابْنُ ثِقَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا سَكَنَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِأَطرَابلسَ لِلتَفَرُّدِ وَالعِبَادَةِ، وَقَبرُهُ هُنَاكَ عَلَى السَّاحِلِ، وَقَبرُ وَلدِه صَالِحٍ إِلَى جَنْبِهِ. )
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: رحلتُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَمَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي البَصْرَةَ بِيَوْمٍ.
مَاتَ أَحْمَدُ: سنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ ابْنُه صَالِحٌ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.(1)
منهج الإمام العجلي من حيث التراجم وذكره للرواة فكما يلى:
- إنه يذكر اسم الرجل واسم أبيه وكنيته ونسبته إلى البلد أو إلى القبيلة، ويبين إن كان منهم أو من مواليهم، وقد يهمل ذكر الوالد لا سيما إذا كان اسمه مختلفا فيه.
وقليلا ما يذكر الأساتذة والتلامذة.
- يذكر طبقة الراوي: إن كان صحابيا بينه، وإن كان تابعيا بينه، ومن كان بعدهم فهو من عامة المسلمين.
ومن كان من التابعين فمن بعدهم فيذكر درجتهم من حيث الثقة والضعف.
- يحرص على ذكر بلد الراوي في أغلب التراجم حتى في الجزء الذي هو مرتب على البلدان فيقول: مدني تابعي ثقة، أو كوفي تابعي ثقة، أو بصري ثقة، أو حجازي ثقة، وهكذا.
- يذكر الرجل فيذكر معه أباه أو أخاه.
فمثلا لما ذكر مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: " بصري تابعي ثقة، وكان من كبار التابعين رجل صالح.
وأبوه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخوه يزيد بن عبد الله بن الشخير، بصري ثقة، وأخوه هانئ، بصري ثقة ". ومثل هذا كثير.
- قد يذكر الرجل وإخوانه في سياق واحد.مثلا: عمارة بن عبد وسليم بن عبد ورزين بن عبد، كوفيون سلوليون ثقات.
- قد يذكر الأخوين ويقارن بينهما من حيث الضبط أو العبادة أو كثرة الرواية وقلتها،فمثلا: ربيع بن أبي راشد، ثقة ثبت صالح..وأخوه جامع بن أبى راشد، وكان ثقة ثبتا، إلا أن ربيعا أرفع منه في العبادة، وهما في عداد الشيوخ وليس حديثهما بكثير.
- يذكر الرجل وأولاده ويقارن بينهم من حيث السِّن والفضل، فمثلا ذكر سعيد بن مسروق الثوري فأتبعه بذكر ابنه سفيان بن سعيد وعمرو بن سعيد، وقارن بينهما.
ومبارك بن سعيد وهو أصغرهم.
- بعد ذكر اسم الرجل وبلده ومنزلته يذكر مذهبه في كثير من الأحيان، ويذكر أعماله إن كان قاضيا أو كان على الشرط أو غير ذلك.
__________
(1) - وفي سير أعلام النبلاء (12/5065) فما بعد - 185 -(2/110)
- يذكر كثيرا من الروايات والحكايات في المناقب والأخبار والنكت والطرائف وغيرها.
- تتصف التراجم بالوضوح والإيجاز والبت، فقد لا تزيد الترجمة على بضع كلمات.
التكرار في بعض التراجم: تكررت بعض التراجم مرتين أو ثلاث مرات،وقد حصل منه أيضا شيء من الإشكال والحيرة عند المرتبين، والمستفيدين في تحديد الرجل الذي يقصده العجلي، لأنه قليلا ما يذكر شيوخ الرجل والرواة عنه وكثيرا ما تتشابه الأسماء في طبقة واحدة، فقد يتكرر ذكر الرجل فيظن القارئ أنهما رجلان، وقد يكونان رجلين فعلا يتفقان في الاسم واسم الأب فيتوهم القارئ أنهما واحد تكرر مرتين فأكثر.
وقد وقع في هذا الإشكال كلٌّ من السبكي والهيثمي وابن حجرالعسقلاني
الإمام العجلي ومنهجه في الجرح والتعديل :
العجلى الناقد: والنقد - وإن شئت فسمِّه الجرح والتعديل، أو التمييز أو معرفة الرجال - هو أهم العلوم التي اشتهر بها الإمام العجلي.
وكما سبق أن ذكرت أن الإمام العجلي كانت لديه ثروة هائلة من الأحاديث، ولما كان جمع الروايات والمقارنة بينها من أهم طرق معرفة الثقة الضابط من الضعيف الواهم.
فإن الإمام العجلي استعمل ثروته الحديثية في هذا المجال.
وفيه تظهر براعة العجلي ومهارته، حتى شهد له أئمة هذا الشأن بطول الباع وسعة الاطلاع، كما سبق عن الذهبي وغيره.
ولما كان الإمام العجلي لم يصرح بشيء من منهجه وأسلوبه في الجرح والتعديل، فلم يكن لدينا سبيل سوى الاستقراء والتتبع لكتابه لمعرفة منهجه ومرئياته في بعض الأمور المتعلقة بهذا الفن.
طبقات الرواة:
لقد رتب كثير من المحدثين والمؤرخين كتبهم على الطبقات مراعين في ذلك الفضل والسبق في الإسلام، والتقدم الزمني من حيث الوفيات أو العلو في الأسانيد، أي الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين.
ولكن لم يكن هناك مفهوم محدد للطبقات من حيث الفترة الزمنية، ولذلك رتب كل مصنِّف كتابه وحدد طبقاته حسب اجتهاده.
فالذهبي مثلا رتب كتابه تذكرة الحفاظ على إحدى وعشرين طبقة من عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى عصره، وابن حجر في التقريب وزع رجال الكتب الستة على اثنتي عشرة طبقة.
إلا أن التقسيم العام للطبقات عند كثير منهم هو الصحابة فالتابعون فأتباع التابعين، بغض النظر عن التفاضل الذي يوجد فيما بينهم، كما فعل ابن حبان في الثقات ومشاهير علماء الأمصار وغيره.
والإمام العجلي لم يرتب كتابه على الطبقات، ولكنه مع ذلك يحرص على إظهار فضل الصحابة والتابعين، فينصُّ في ترجمة الصحابي على أنه من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وينصُّ في التابعي بأنه تابعي، وقد يميز بينهم فيقول: من كبار التابعين أو خيار التابعين، وأما من بعدهم فيكتفي ببيان مرتبتهم من حيث الجرح والتعديل، وعلى هذا يمكن أن نوزع التراجم الموجودة في الكتاب على أربع طبقات وهى:
1 - الصحابة.
2 - كبار التابعين.
3 - التابعون.
4 - أتباع التابعين فمن بعدهم.
موقفه من تعريف الصحابي:
إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فضل كبير ومرتبة عظيمة، فهم حملة الرسالة الإسلامية وبهم انتشر الإسلام في سائر أنحاء الأرض، وقد بذلوا أنفسهم ونفيسهم وقاتلوا وجاهدوا وأنفقوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله تعالى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده.
ولذلك اتفقت الأمة من أهل السنَّة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول، ولم يخالفهم في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.
قال الخطيب البغدادي: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن.
وبعد اتفاق أهل السنَّة والجماعة على عدالة الصحابة وفضلهم تعددت تعبيرات العلماء فيمن هو الصحابي ؟ لأن الصحبة تطلق على الكثير والقليل.(2/111)
ولكن الذي اتفق عليه جمهور أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين: هو أن الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ومات على الإسلام ".
فيدخل فيه من لقيه من المسلمين ممن طالت مجالسته أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغز، من رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ويدخل في هذا العموم الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأوه في حال الطفولة.
فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على إحضار أولادهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ولادتهم ليحنكهم ويسميهم ويبرك عليهم. فعَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ وُلِدَ لِى غُلاَمٌ ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَىَّ ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِى مُوسَى .(1)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ؛ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ وَضَعَتْهُ ، وَطَلَبُوا تَمْرَةً حَتَّى وَجَدُوهَا فَحَنَّكَهُ بِهَا ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (2).
وعَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُم"(3).
ومثل هؤلاء يدخلون في شرف الصحبة مع فرق المراتب.
قال ابن حجر: " لا خفاء برجحان مرتبة من لازمه - صلى الله عليه وسلم - وقاتل معه أو قتل تحت رايته على من لم يلازمه أو لم يحضر معه مشهدا وعلى من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولة، وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع.
ومن ليس له منهم سماعٌ منه، فحديثه مرسل من حيث الرواية وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوا من شرف الرؤية.
والذي يظهر من صنيع الإمام العجلي أنه مع الذين لا يعتبرون الرؤية في الصغر كافية لإثبات الصحبة بل يتشددون في ذلك.
فكثيرا ما نرى ناسا اختلف العلماء في صحبتهم، ويأتي العجلي فيبتُّ بكونهم تابعين.
وهكذا الأمر فيمن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صغره فالعجلي يجزم بكونهم تابعين.
وعلى سبيل المثال: محمود بن الربيع الأنصاري الذى ثبت في الصحيح عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْتُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِى وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ(4). .
وقال ابن حجر في التقريب: " صحابي صغير وجلُّ روايته عن الصحابة ".
وقال العجلى: " مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين " وهكذا.
بل قد يظهر من صنيع العجلي أنه يشترط البلوغ لإثبات الصحبة.
فعلى الرغم من أنه ينصُّ في ترجمة عبد الله بن الزبير على أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ترجمة زينب بنت أبي سلمة بأنها " تابعية مدنية ثقة " وزينب هذه ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت أم المؤمنن أم سلمة رضي الله عنها، وقيل: إنها ولدت في أرض الحبشة وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمها وهي ترضعها،وقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة سنة ثلاث أو أربع من الهجرة، وهذا يعني أن عمر زينب عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سبع سنين،ولم يذكرها العلائي في جامع التحصيل.
وقد علق الهيثمي على قول العجلي " هي ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروت عنه ".
__________
(1) - صحيح البخارى(5467 )
(2) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 7 / ص 378)(23949) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 7 / ص 378)(23950) صحيح
(4) - صحيح البخارى(77) - المجة : اللفظة - مج : لَفَظ ما فى فمه(2/112)
وقال ابن حجر في الإصابة: " ذكرها العجلي في ثقات التابعين، كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ ".
وعبد الله بن عياش بن أبى ربيعة المخزومي، قال ابن حجر: صحابي شهير ولد بأرض الحبشة، إذ هاجر أبوه إليها،وقال ابن حبان: أدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين،وقال العجلي: مدني تابعي ثقة.
وكأني بالأئمة رحمهم الله أنهم نظروا إلى القضية من زاويتين:
فمن اعتبر شرف اللقاء والرؤية ولو كانت في الصغر أو كانت بدون سماع أثبت لهم الصحبة، لأنهم قد حصل لهم من الفضل ما لم يحصل لمن بعدهم.
ومن لاحظ جانب الرواية ورأى أنهم لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو لم يحفظوا عنه فروايتهم مرسلة، لم يعدَّهم من الصحابة.
فمنهم من اكتفى بنفي الصحبة وإثبات الرؤية، ومنهم من جزم بإطلاق القول عليهم بأنهم تابعون.
ومنهم العجلي رحمه الله، كما ظهر من بعض الأمثلة التي سقتها وغيرها كثير في الكتاب.
ولما كان الصحابة كلهم عدول عند جمهور الأمة، فإنه لا يسأل عنهم ولا تستعمل فيهم كلمات التعديل والتوثيق كغيرهم من الرواة، فإنهم معدلون بتعديل الله ورسوله، ولذلك فالإمام العجلي يكتفي في ذكرهم بأنهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأحيانا يذكر شيئا من مناقبهم.
فمثلا في باب السين قال:" سعد بن عبيد الأنصاري، مدني من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قتل يوم القادسية ".
وبعده بترجمة واحدة ذكر سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه، فذكر نسبه ثم قال: " شهد بدرا، ويكنَّى أبا إسحاق، جمع له النبي - صلى الله عليه وسلم - أبويه رضي الله عنه.
وكان أول من رمَى بسهم في سبيل الله، وافتتح القادسية واختط الكوفة وكان أميرا عليها ".
كبارُ التابعين:
وكثيرا ما يستعمل الإمام العجلي هذا الوصف في أقواله، ولكنه لم يذكر الفارق الأساسي الذى يميز به بين كبار التابعين وصغارهم.
والمعروف في كتب هذا الفن أن كبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة.
وكثيرا ما يذكر الإمام العجلي في كبار التابعين، الأطفال والصغار الذين رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صغرهم قبل أن يبلغوا سن التمييز، أو قبل سن البلوغ أو رأوه كبارا لكن لم يسمعوا منه، أو ممن ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والغالب أنهم حملوا إليه - صلى الله عليه وسلم - في صغرهم على عادة الصحابة.
فمثلا عاصم بن عمر بن الخطاب، ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال العجلى: لم يكن له صحبة، مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين.
وأبو الطفيل عامر بن واثلة: قال العجلي: مكي ثقة، وكان من كبار التابعين.
والأمثلة على هذا كثيرة.
وأحياناً يذكر العجلي أمثال هؤلاء دون أن يصفهم بأنهم من كبار التابعين.
فمثلا: جارية بن قدامة التميمي، قال ابن حجر فيه: صحابي على الصحيح.
قال العجلي: بصري تابعي ثقة.
وجعدة بن هبيرة المخزومي، قال فيه ابن حجر: صحابي صغير له رؤية.
وقال العجلى: تابعي مدني ثقة.
وأمثلة هذا أيضا كثيرة في الكتاب.
وبعد كبار التابعين تأتي طبقة متوسطي التابعين وصغارهم، ولكن العجلي لا يفرق بينهم.
أمَّا من كان من أتباع التابعين أو بعدهم، فلا يذكر العجلي شيئا عن طبقاتهم، بل يكتفي ببيان مرتبتهم من حيث العدالة والجرح، إلا إذا كان بمناسبة.
فمثلا سئل في ترجمة مطر بن طهمان هل هو تابع أم لا ؟ فقال: لا.
المخضرمون: " وهم الذين أدركوا الجاهلية قبل البعثة، أو بعدها صغارا كانوا أو كبارا، في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن لم يره بعد البعثة أو رآه، لكن غير مسلم وأسلم في حياته أو بعده ".بل يعتبرون من كبار التابعين.
والإمام العجلى لم يستعمل كلمة (مخضرم) في كتابه،ولكنه استعمل كلمة (جاهلي) في عدة تراجم.(2/113)
كالأسود بن هلال المحاربي قال فيه: " ثقة وكان جاهليا من أصحاب عبد الله، وكان رجلا صالحا " والأسود بن يزيد: " كوفي تابعي ثقة جاهلي "، وشقيق بن سلمة: " رجل صالح جاهلي " وهكذا سويد بن غفلة وعبد الله بن عكيم الجهني وقال فيه: " كوفي جاهلي " وهكذا سويد بن غفلة وعبد الله بن عكيم الجهنى وقال فيه: " كوفي جاهلي أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع من عمر " ومثل هذا: " عبيدة السلماني، كوفي تابعي ثقة جاهلي أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
وأبو رجاء العطاردي: " بصرى تابعي ثقة وكان جاهليا ".
وقد تتبعت تراجم هؤلاء فوجدتهم كلهم أسلموا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن لم يتمكنوا من رؤيته إلا الأسود بن هلال المحاربي، فقد هاجر زمن عمر، ولكن لم أعرف متَى كان إسلامه.
ويبدو لي - والله أعلم - أن مفهوم كلمة (جاهلي) عند العجلي يقارب مفهوم كلمة (مخضرم) عند الآخرين.
ولكنه لا يدخل فيهم إلا من أسلم في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وكان ما ذكره في ترجمة عبد الله بن عكيم وعبيدة السلمانى " أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - " هو تفسير لكلمة (جاهلي) عنده.
ولكنه في ترجمة أويس القرني ذكر أنه من كبار التابعين وعبادهم، ولم يذكر أنه (جاهلي) مع أن المشهور أن أويس القرني أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ألفاظ الجرح والتعديل في كتابه :
ثقة ثبت في الحديث حسن الحديث.
ثقة ثبت مأمون.
ثقة مأمون.
ثقة ثقة ثقة رفيع.
ثقة رجل صدق.
ثقة من خيار الناس.
ثبت في الحديث.
ثبت نقي الحديث.
ثقة.
ثقة لا بأس به.
ثقة حسن الحديث.
صدوق.
صدوق ثقة.
صدوق جائز الحديث.
حسن الحديث.
لا بأس به.
جائز الحديث لا بأس به.
جائز الحديث حسن الحديث.
جائز الحديث.
شيخ صدوق.
جائز الحديث وليس بالقوى في عداد الشيوخ.
جائز الحديث لا بأس به يكتب حديثه.
لا بأس به يكتب حديثه.
صويلح لا بأس به.
ثقة كان لا يتهم بالكذب.
لا بأس به يكتب حديثه.
ليس بالقوى.
ضعيف الحديث.
ضعيف الحديث وهو يكتب حديثه.
ضعيف الحديث وهو صدوق.
يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث.
ضعيف
جائز الحديث يكتب حديثه.
الناس يضعفونه.
ضعيف الحديث يكتب حديثه وفيه ضعف.
ليس بحجة.
ضعيف الحديث ليس بشيء.
ليس بشيء.
مجهول.
مجهول بالنقل.
لا يقيم الحديث حديثه يدلك على ضعفه.
واهي الحديث.
لا يكتب حديثه.
ضعيف الحديث متروك.
متروك الحديث.
السكوت على بعض التراجم:
هناك عدد قليل جدا من الرواة الذين ورد ذكرهم في الكتاب دون أن يصفهم العجلي بأي كلمة من كلمات الجرح والتعديل.
ولا أدري هل هذا السكوت بسبب ورود ذكرهم استطرادا بمناسبة أو أخرى أو أن العجلي لم يجزم برأي فيهم.
ومنهم: إبراهيم السعدي، أشعث بن عبد الملك.عمار بن معاوية الدهني، وغيرهم.
تعدد أقواله في بعض التراجم:
تتصف أقوال العجلي في الجرح والتعديل بالوضوح والإيجاز، ولا يوجد فيها تعارض أو تناقض.
ولكن تعددت أقواله في بعض التراجم وهي تقارب خمس عشرة ترجمة.
ويمكن الجمع بينها بكلِّ سهولة بحيث يكون أحد القولين تفسيرا للآخر.
فمثلا قال في ترجمة " إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق " ثقة. وقال مرة: جائز الحديث.
وإذا جمعنا بين قوليه يكون " ثقة جائز الحديث " وهذا يقارب قوله " لا بأس به " أو ما في معناه.
وهكذا في ترجمة أصبغ بن الفرج " لا بأس به " وفي موضع آخر " ثقة صاحب سنة " والأمر بين القولين قريب.(2/114)
ومن هذا القبيل في عدة تراجم منها: الأجلح الكندي، وثوير بن أبي فاختة، عباد بن منصور الناجي، عطاء بن السائب بن زيد، علي بن زيد بن جدعان، علي بن مبارك، عمر بن عبيد الطنافسى، سيف بن سليمان ، و يقال : ابن أبى سليمان ، ، محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، مطر الوراق، الوليد بن شجاع، يوسف بن يونس ابن أبي إسحاق.
أوصاف ومميزات أخرى:
بعد تحديد مرتبة الراوي من حيث العدالة والضبط، هناك أوصاف أخرى يتميز بها الإنسان، كأن يكون من كبار الأئمة ذوي المكانة والفضل والصبر والجهاد في سبيل الله، أو يكون من الفقهاء والقضاة أو ممن اهتموا بالتمييز والتحقيق في الحديث، أو ممن اهتموا بالتفسير والقراءات، أو امتاز بالزهد والعبادة أو بالشعر والأدب، أو بالذكاء والفراسة أو غيرها من الأوصاف.
فحينذاك يأتي الإمام العجلي بكلمات تدلُّ على عظمته وفضله وأوصافه واهتماماته.
فعلى سبيل المثال قال في ترجمة الإمام أحمد: ثقة ثبت في الحديث، نزه النفس، فقيه في الحديث، متبع، يتبع الآثار، صاحب سنَّة وخبر.
وقال في ترجمة إبراهيم بن الزبرقان التميمي: كان ثقة راوية تفسير القرآن، حسن الحديث وكان صاحب سنَّة، وصاحب تفسير.
وقال في حفص بن غياث الكوفي: ثقة مأمون فقيه وكان على قضاء الكوفة.
وفي إسحاق بن منصور الأسدي: ثقة متعبد رجل صالح.
وفى شعبة بن الحجاج: ثبت نقي الحديث.
وفى يحيى بن سعيد القطان: بصري ثقة نقي الحديث.
والأمثلة على هذا كثيرة جدا.
وغالبا ما يأتي العجلي بروايات وأخبار تدلُّ على أوصاف ومميزات الرواة، وأخبار القضاة والحكماء والأمراء والزهاد وغيرهم.
ومثل هذه الحكايات لها قيمة تاريخية كبيرة، لا تخفى على أصحاب الفن.
البدع وأثرها في علم الجرح والتعديل وموقف الإمام العجلي تجاهها :
لقد اهتم المحدثون أشد الاهتمام بموضوع البدع وآثارها على السنَّة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم، وأخذوا جانب الحذر والاحتياط في الرواية عن أصحاب البدع والأهواء.
ولقد كانوا ينظرون إلى هذه القضية من زاويتين مهمتين:
1 - أن كثيرا من أهل البدع لا يتورعون عن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من أجل نشر وترويج عقائدهم الباطلة، ولا سيما الرافضة منهم، ومثل هؤلاء لا تجوز الرواية عنهم ولا كرامة، فقد سئل الإمام مالك عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون.
وقال الإمام الشافعي: تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
2 - هناك ناس من أهل البدع لم يجربْ عليهم الكذب، ولكن في الرواية عنهم رفع لمكانتهم وشأنهم - لاسيما من كان منهم داعيا إلى بدعته - وهذا يؤدي إلى رواج بدعتهم، لأن عامة المسلمين إذا رأوا أصحاب الحديث وأئمة السنَّة يحضرون مجالسهم ويأخذون منهم، فيظنون أنهم على حق حتى في أفكارهم المنحرفة مع صدقهم وورعهم.
وطالما وجد العلم الذي لديهم لدى أناس من أهل السنَّة فلا داعي للرواية عنهم.
وقد سئل الإمام أحمد: يكتب عن القدري ؟ قال: إذا لم يكن داعيا.
وقال عبد الرحمن بن مهدى: من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل، ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحقَّ الترك.
وليس هذا في الأخذ فقط، بل حتى إن كثيرا منهم كانوا لا يسمحون لأهل البدع أن يحضروا مجالسهم ويسمعوا منهم.
ولذلك فقد اهتمَّ أئمة الجرح والتعديل ببيان عقائد الرواة وأفكارهم عند ذكرهم.
والإمام العجلي أيضا في كتابه هذا يهتمُّ اهتماما واضحا بذكر عقائد الرجال ومذاهبهم، فهو بعد ذكر مراتبهم من حيث الثقة والضعف يذكر مذهبهم وعقيدتهم، ويوضح من كان منهم لين القول في بدعته أو كان غاليا أو كان داعيا إليها، ومع أن من لم ينسب إلى بدعة فهو من أهل السنَّة ولكنه مع ذلك يصف العلماء والأئمة الذين قاموا بالدفاع عن السنَّة بأنهم أصحاب سنَّة.
ويذكر هذا الوصف في تراجمهم باعتزاز.(2/115)
وفيما يلي أذكر بعض النماذج عن الإمام العجلي، فيما يتعلق بأهل السنَّة وأهل الأهواء والبدع.
أصحاب السنة:
وهم كثيرون - والحمد لله - في كتاب العجلي وأذكر بعض التراجم للنموذج فقط:
أحمد بن حنبل: ثقة ثبت صاحب سنة.
أحمد بن صالح: مصري ثقة صاحب سنة.
إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري: كوفي ثقة، وكان رجلا صالحا قائما بالسنَّة.
العثمانيون والعلويون:
اتفق عامة أهل السنة أن أفضل هذه الأمة بعد نبي الله: أبو بكر وعمر وعثمان بن عفان رضى الله عنهم.
وفي صحيح البخارى (3655 )عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضى الله عنهم .
ولكن يبدو أن بعض الناس كانوا يهتمون بهذا الموضوع اهتماما خاصا، فسمُّوا بالعثمانيين.
وكان مقابلهم ناس آخرون يفضِّلون عليا رضي الله عنه على عثمان فسمُّوا بالعلويين.
ولم يكن الأمر يصلُ بينهم إلى التشيع أو النصب، وإنما خلافهم كان فيمن هو الأفضل مع الاعتراف بفضلهما وصحة خلافتهما.
والإمام العجلي في كثير من التراجم، ينبه على آرائهم هذه.
فعلى سبيل المثال روى في ترجمة أبي وائل شقيق بن سلمة بسنده عن عاصم قال: قيل لأبي وائل: أيهما أحبُّ إليك علي أو عثمان ؟ قال: كان علي أحبَّ إليَّ من عثمان، ثم صار عثمانُ أحبَّ إليَّ من عليٍّ.
وطلحة بن مصرف اليامي: كوفي ثقة، وكان يحرم النبيذ، وكان عثمانيا يفضِّل عثمان على علي، وكان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم.
وزبيد بن الحارث اليامي، كوفي ثقة ثبت في الحديث، وكان علويًّا وكان يزعم أن شرب النبيذ سنَّةٌ.
ومن الطرائف التى ذكرها الإمام العجلي في هذا الصدد، ما ذكر في ترجمة طلحة بن مصرف اليامي فقال: " وكان طلحة مصرف وزبيد اليامي متواخيين، وكان طلحة عثمانيا وزبيد علويا، وكان طلحة يحرِّمُ النبيذ، وكان زبيد يشربُه ومات طلحة فأوصى إلى زبيد.
وكان عبد الله بن إدريس الأودي، وعبثر بن القاسم أبو زبيد الزبيدي متواخيين.
وكان عبد الله بن إدريس عثمانيا وكان عبثر علويا.
وكان ابن إدريس يحرِّم النبيذ وكان عبثر يشربُه، ومات عبثر فقام ابن إدريس يسعَى في دَين عليه حتى قضاه.
وكان عبد الله بن عكيم الجهني..وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري متواخيين، وكان عبد الله بن عكيم عثمانيا وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى علويا، وما سمع يتذاكران شيئا من ذلك.
إلا أن ابن عكيم قال لعبد الرحمن بن أبي ليلى يوما: أمَّا إن صاحبك (يعني عليا) لو صبر لأتاه الناس.
وماتت أم عبد الرحمن ابن أبى ليلى فقدَّم عليها ابن عكيم فصلَّى عليها ".
ويظهر من هذه الروايات أنهم مع اختلافهم في وجهات نظرهم كانوا إخوانا متحايين في الله ، متعاونين في البر والتقوى لا قطيعة بينهم ولا تنافر.
وقد ذكر الذهبي عن الأعمش قال: أدركت أشياخنا زرا وأبا وائل فمنهم مََن عثمانُ أحبَّ إليه مِن عليٍّ، ومنهم مَنْ عليٌّ أحبَّ إليه من عثمانَ، وكانوا أشدَّ شيء تحابًّا وتوادًّا.
ومن فرق أهل الأهواء التى يشير إليها العجلي: الشيعة. النواصب، القدرية، المرجئة، الجهمية، الخوارج.
ومع الإشارة إلى عقائدهم يطلق عليهم ما يستحقون من مراتب الجرح والتعديل، كثقة أو لا بأس به، أو ضعيف، أو غير ذلك.
وهذا يدلُّ على أن الإمام العجلي كغيره من المحدِّثين لا يترك الرواية عن أحد لمجرد ما وجد فيه من خلاف عقدي أو فكري، بل المدارُ على الصدق والعدالة والضبط.
فإذا كان الراوي متصفا بالورع والتقوى والصدق والضبط فيصدق في خبره إلا إذا أدت بدعته إلى الكفر أو الكذب فحينذاك تسقط عدالتُه.
وقد فصل أهل العلم القوم في قبول رواية أهل البدع بما لا مجال لذكره هنا.
التنبيه على علل أخرى :(2/116)
بعد ذكر مرتبة الراوى ينبه الإمام العجلي على علل أخرى قد تستوجب ضعف الإسناد أو التوقف فيه حتى بعد ثبوت عدالة رجاله.
ومن هذه العلل: الاختلاط: وهو " فساد العقل " وعدم انتظام الأقوال والأفعال إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عرض، من موت ابن أو سرقة مال، كالمسعودي آو ذهاب كتب كابن لهيعة، أو احتراقها ...
فإذا أصيب الثقة بالاختلاط لأي سبب من الأسباب، فحينذاك يقبل المحدِّثون من حديثه رواية مَن روى عنه قبل الاختلاط ، ولا يقبلون مَن روى عنه بعد الاختلاط أو أشكل أمره، فلم يعرف هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده.
والذين أصيبوا بهذا من الرواة الثقات قليلون جدا، وقد تتبعهم النقاد واحدا واحدا، ليعرفوا من روى عنهم قبل الاختلاط، ومن روى عنهم بعده.
وذلك لما له من تأثير في صحة الحديث أو ضعفه.
والإمام العجلي يأتي بفوائد مهمة في هذا الموضوع، نقلها عنه الباحثون في تراجم هؤلاء،كالذهبي في ميزان الاعتدال، وعنه ابن الكيال في الكواكب النيرات، وكذلك ابن رجب في شرح علل الترمذي وغيرهم.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره في ترجمة سعيد بن إياس الجريرى، إذ قال: " بصري ثقة واختلط بأخرة.
روى عنه في الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك وابن أبي عدى، كما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط.
إنما الصحيح عنه حماد بن سلمة وإسماعيل بن علية وعبد الأعلى أصحهم سماعا سمع منه قبل أن يختلط بثماني سنين وسفيان الثوري وشعبة صحيح ".
ومثل هذا في تراجم حجاج بن نصير الفساطيطي، وعارم بن الفضل السدوسي، وعطاء بن السائب بن يزيد، وعبد الرحمن المسعودي، وأبي إسحاق السبيعي، وسعيد بن أبي عروبة، وزكريا بن أبي زائدة.
التدليس:
وهو رواية الراوي عمن سمعه ما لم يسمعه منه موهما بالسماع.
ولما كان المدلسون من الرواة يسقطون الواسطة بينهم وبين شيخهم ليكون ظاهر الإسناد أنه متصل، بينما هو في الحقيقة منقطع ويستلزم ضعف الإسناد.
فقد تتبع النقاد مثل هؤلاء الرواة - وهم قليلون - وبينوا أساليبهم وطرقهم.
والإمام العجلي أيضا نبه على مثل هذا في تراجم تليد بن سليمان، وجابر بن يزيد الجعفي، والحجاج بن أرطاة، وهشيم بن بشير، وغيرهم.
ومن القواعد المهمة التي ذكرها العجلي في هذا الباب ما ذكره ابن رجب في شرح علل الترمذي بعنوان: ذكر من كان يدلس بعبارة دون عبارة.
ثم قال: قال العجلي: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو سمع جابرا فصحيح.
وإذا قال سفيان: سمع عمرو جابرا فليس بشيء.
يشير إلى أنه إذا قال: عن عمرو فقد سمعه منه، وإذا قال: سمع عمرو جابرا فلم يسمع ابن عيينة عن عمرو.
الإرسال:
ويطلق في الغالب على رواية التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واستعمله العجلي وغيره في المعنى اللغوي أيضا في كل من روى عمن لم يلقه، وهذا أيضا من علل الإسناد، وقد نبه الإمام العجلي على هذا في بضع وعشرين ترجمة ، كقوله في عباس بن ذريح ثقة روى عن الشعبي وهو يرسل عن عائشة لم يدركها في عداد الشيوخ وروى عنه شريك وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما .
والإمام ابن رجب كثيرا ما يهتم بذكر هذه الفوائد عن العجلي في شرح علل الترمذي.
وهناك علل أخرى من أخطاء الرواة وغيرها، بينها العجلي في ترجمة إبراهيم بن مرزوق، وعاصم بن أبي النجود، ويحيى بن أبي بكير قاضي كرمان وغيرهم.
وقد ذكر الإمام العجلى في ترجمة عامر الشعبي: (مرسل الشعبي صحيح لا يكاد يرسل إلا صحيحا وأهل اليمن أرق قوم).
وقال العجلي في ترجمة حجاج بن أرطاة: " كان جائز الحديث إلا أنه صاحب إرسال وكان يرسل عن يحيى بن أبى كثير ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن مكحول ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن الزهري ولم يسمع منه شيئا، فإنما يعيب الناس منه التدليس، وروى نحوا من ستمائة حديث ".(2/117)
ومثل هذا في تراجم كثيرة منها إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي، والحكم بن عتبة، وسلمة بن دينار، وسليمان بن حرب البكري، وعارم بن الفضل السدوسى، وعبد العزيز بن جريج المكي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعى، وغيرهم.
• توثيق العجلي واتهامه بالتساهل فيه :
تقدم من ألفاظ الأئمة في الثناء على العجلي ، ما بين أنه إمام من أئمة النقد ، وأنه من كبار الحفاظ مع التدين المتين والورع والزهد ، حتى إنه كان يقرن في ذلك بيحيى بن معين والإمام أحمد بن حنبل إمامي السنَّة والجرح والتعديل .
وثناء الأئمة عليه بذلك استمر من عصره وفي حياته،إلى زمن الإمام الذهبي وابن ناصر الدين،بل إلى ما بعد ذلك ، حتى العصر الحديث حين اتهم بالتساهل كما يأتي !!
بل لقد مضى الأئمة على اعتماد أقوال العجلي ،والنص على أنه من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين ،وعلى الثناء على كتابه في الجرح والتعديل .
فكتاب العجلي أحد موارد الخطيب البغدادي ،والحميدي (ت488هـ ) وابن عساكر ، والمزي ، والذهبي ،وابن رجب الحنبلي ،والحافظ ابن حجر ، والسخاوي ، والسيوطي ، وابن العماد الحنبلي ،وغيرهم(1).
وقد ذكره الإمام الذهبي في كتابه ( ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)(2)وذكره السخاوي في ( المتكلمون في الرجال )(3).
وقال الذهبي في ترجمته في ( سير أعلام النبلاء ) : " وله مصنف مفيد في الجرح والتعديل ، طالعته ، وعلقت منه فوائد يدل على تبحّره بالصنعة وسعة حفظه "(4)
وقال نحو هذه العبارة الصفدي في (الوافي بالوفيات)(5).
وقال ابن ناصر الدين : " وكتابه في الجرح والتعديل يدلُّ على سعة حفظه وقوة باعه الطويل(6).
وعلى هذا لم أجد أحداً من الأئمة السابقين – قبل العصر الحديث – من وسم العجلي بالتساهل في التوثيق وأنه لا يعتمد على توثيقه إذا انفرد به لراو لم نجد فيه قولاً لغيره.
وأول من وجدته وصف العجلي بالتساهل في التوثيق :العلامة المحقق عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي (ت1386هـ ) حيث قال في ( طليعة التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل ) : " والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجاهيل من القدماء "(7).
وقال أيضاً في ( الأنوار الكاشفة ) : " وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع "(8).
وتبعه على ذلك محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني ، في مواطن كثيرة من كتبه ، منها قوله في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) : " العجلي معروف بالتساهل في التوثيق ، كابن حبان تماماً ، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم "(9).
ثم انتشر هذا القول بتساهل العجلي بين طلبة العلم وأصحاب التأليف ، حتى شاع واشتهر ، ولم تعد ترى فيهم من يدفعه أو يخالفه ، بل من يناقشه بالدليل والبرهان ، فأصبح من الأمور المسلَّمة عندهم ، لا يحتاج إلى استدلال ، بل ربما لا يجوز ذلك فيه !! .
وخطأ ذوي الفضل – كالمعلمي والألباني – يزيد من فضلهم ، لأنه أجر واحد من مجتهد معذور ، يضاف إلى ما سبقت به أعمالهم – تقبلها الله – لكن تقليدهما فيه ، والتعصب لذلك جهلاً واستكباراً هو المأخوذ على صاحبه .
ولمناقشة هذه المسألة ، أذكر أدلة من اتهموا العجلي بالتساهل ، ثم أتبعها بالرد عليها ، قالوا : يدلُّ على تساهله أموراً ثلاثة :
__________
(1) - انظر مقدمة تحقيق كتاب العجلي للبستوي (1/80-89)
(2) - ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي رقم 286
(3) - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي (344)
(4) - سيرأعلام النبلاء للذهبي (12/506) .
(5) - الوافي بالوفيات للصفدي (7/79) .
(6) - شذرات الذهب لابن العماد (3/266).
(7) - التنكيل للمعلمي (1/69) .
(8) - الأنوار الكاشفة للمعلمي (68) .
(9) - سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ( 2/218رقم 633) .(2/118)
الأول : كثرة توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً .
الثاني : مخالفته لغيره من أئمة النقد بتوثيقه رواة جهلهم غيره أو ضعفهم أو تركهم .
الثالث : عدم اعتماد الحافظ ابن حجر لتوثيق العجلي إذا انفرد .
والرد على هذه الشبه من وجوه :
الأول : أما توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً ، فما وجه دلالته على تساهله ؟
وهل تزيد على أن أعلنا جهلنا ؟
وأننا عجزنا أن نعرف حال الراوي إلا من طريق العجلي ؟!
ثم إن كان هذا دليلاً على تساهل العجلي ، فلن ينجو إمام من أئمة الجرح والتعديل من أن يكون متساهلاً كالعجلي ، لأنه لا يخلو إمام – خاصة المكثرون من نقد الرواة – من أن نجد له توثيقاً لراو لم يتكلم فيه غيره ، فصف يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، بالتساهل إذن بنفس الحجة التي وصفت بها العجلي بذلك !!! .
الثاني : أمَّا مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة جهلهم غيره من الأئمة فمتى يكون من عنده زيادة علم مقدماً على غيره إذا لم نقبل توثيق العجلي في هذه الحالة؟!! .
إن قول الإمام عن راو : إنه ( مجهول ) إعلام من الإمام عن عدم معرفته له ، وإعلان منه أنه لا يخبر حاله ، فإذا قال إمام آخر عن ذلك الراوي : إنه (ثقة) فليس في ذلك مخالفة أصلاً ، ولا هذه المسألة من مسائل تعارض الجرح والتعديل ، لأن من جهل الراوي توقف عن الحكم عليه بالثقة والضعف أيضاً ، لعدم معرفته له ،ومن وثقه عرفه ، وعرف من حاله ما يستحقُّ التوثيق ، فأصدر هذا الحكم عليه .
وهنا نقول : مََن كان عنده علمٌ حجةً على من لم يكنْ عنده علمٌ .
والعجلي إمامٌ كبير ، أكبر سِنًّا وأعلى إسناداً من الإمام البخاري ، وكان يقرن بالإمام أحمد ويحيى بن معين في العلم ، كما سبق ، فمثله لا ينكر عليه أن يعرف من يجهله غيره من أئمة النقد ، ولا يستغرب منه أن يكون حجَّة على عدم علم غيره من حفاظ الحديث .
الثالث : أما مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة ضعفهم غيره أو تركهم سواء فمن نجا من الأئمة من مثل ذلك ؟ !! .
إن اختلاف اجتهادات الأئمة في الرواة جرحاً وتعديلاً واقع واضح وضوح الشمس لكثرته تكرره ، ولجميع الأئمة، فلن تجد إماماً إلا وقد وثق من ضعفه غيره أو ضعف من وثقه غيره ، وربما كان الصواب مع من وثقه ،وربما كان العكس ، فلا كون الصواب مع الموثق بالدليل الكافي لوسم المضعِّف بالتشدد ،ولا كون الصواب مع المضعِّف بالبرهان الصحيح على اتهام الموثِّق بالتساهل وإلا لن يخلو إمام من أن يكون متشدداً متساهلاً في آن واحد !! لأنه لن يخلو إمام من أن يوثق مََنِ الصوابُ ضعفُه أو يضعِّفَ مََنِ الصوابُ توثيقُه .
الرابع : أما عدم اعتماد الحافظ ابن حجر على توثيق العجلي ، فليس بصحيح مطلقاً ، بل اعتمده مرات كثيرة خاصة مع توثيق ابن حبان .
فها هو قد ذكر حفص بن عمر بن عبيد الطنافسي في التقريب وقال عنه : ثقة(1)مع أنه لم يذكر في التهذيب له موثقاً غير العجلي(2).
وهاهو يقول عن أم الأسود الخزاعية في ( التقريب ) : (ثقة)(3)مع أنه لم يذكر أن أحداً تكلم عنها في ( التهذيب )(4)غير توثيق العجلي .
ولما ذكر الحافظ في ( التهذيب ) : البراء بن ناجية الكاهلي ، وتوثيق العجلي وابن حبان له ، مع قول الذهبي عنه : فيه جهالة لا يعرف ، تعقب الحافظ قول الذهبي بقوله : قد عرفه العجلي وابن حبان فيكفيه(5)وأمثلة ذلك كثيرة جداً.
__________
(1) - التقريب (رقم 1426) .
(2) - التهذب (2/409) .
(3) - التقريب ( رقم 8800) .
(4) - التهذيب (12/459) .
(5) - التهذيب (1/427-428).(2/119)
نعم .. هناك مواطن أخرى ينقل الحافظ بن حجر في ( التهذيب ) توثيق العجلي ، مع ذلك لا يقول عن ذلك الراوي الذي نقل فيه توثيق العجلي في (التقريب) : " ثقة " بل يقول : " مقبول "(1).
ولذلك أيضاً أمثلة كثيرة ، فليس عدم اعتماد الحافظ لتوثيق العجلي في مواطن قاضياً على اعتماده عليه في مواطن أخرى بل العكس هو الصواب، لأن العجلي إمام من جلة أئمة الجرح والتعديل كما سبق من كلام الأئمة عنه فبأيِّ حُجَّة نعرض عن اعتماد قوله في راو لا مخالف له فيه أصلاً ؟
ونقول في هؤلاء الرواة الذي لم يعتمد الحافظ فيهم توثيق العجلي ما نقوله تماماً في رواة وثقهم يحيى بن معين(2)وعلي بن المديني(3)وأبو حاتم(4)وأبو داود(5)والنسائي(6)وغيرهم(7)وذكر الحافظ ذلك عنهم في ( التهذيب ) مع ذلك قال الحافظ عن هؤلاء الرواة الذين وثقهم أولئك الأئمة وأمثالهم في بعض الأحيان : " مقبول "(8)فهل نقول إن الحافظ لا يعتمد توثيق أولئك الأئمة ؟!
أم نلتمس الأعذار للحافظ ؟ ونقول : لعل له اجتهاداً ، أو لعله سبق قلم ، أو هو خطأ معذور صاحبه مأجور إن شاء الله تعالى .
قلت : الصواب أنه قال ذلك ، لأن هؤلاء الرواة قليلو الراوية ، ولم يرو عنهم سوى واحد في الأكثر ، وهي متربة تعديل كما أشرت وليست مرتبة جرح!!
المهم أن لا يكون عدم اعتماد الحافظ لتوثيق العجلي سبباً لعدم اعتمادنا نحن توثيقه ،وإلا ألجأنا القياس الصحيح على ذلك إلى عدم اعتمادنا توثيق يحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي حاتم وأبي داود والنسائي وهذا هو الباطل !! .
ثم لنفترض أن الحافظ لم يكن يعتمد توثيق العجلي ، فهل الحافظ حجة على غيره من الأئمة ، الذين وصفوا العجلي بالإمامة في الحديث ، حتى قرنوه بابن معين والإمام أحمد ؟!.
ويمكن أن نعارض الحافظ بتصرف غيره من الحفاظ كابن رشيد السبتي (ت721هـ) الذي اعتمد توثيق العجلي لعمارة بن حديد(9)في مقابل جهالة أبي زرعة وأبي حاتم وابن عبد البر وغيرهم له(10)ليؤكد لنا بذلك عظيم اعتداده بتوثيق العجلي ، وليعطينا مثالاً واقعياً لما سبق أن ذكرناه ، من أن توثيق الإمام مقدم على جهل غيره من الأئمة لأن مع الموثق زيادة علم .
وبذلك نكون قد رددنا على أدلة وشبه من اتهم العجلي بالتساهل في التوثيق وبينا أن هذا القول قول مستَحدَثٌ وأن جميع الأئمة السابقين على رأي واحد وهو: اعتقاد إمامة العجلي في علم الحديث وأنه أحد نقاد الآثار وصيارفة العلل ،وأئمة الجرح والتعديل ، لا يغمز بشيء في علمه ، ولا يخطأ في منهجه ، وأنه يقرن بالإمام أحمد ويحيى بن معين .
__________
(1) - وقد فهم كثير من علماء العصر هذه العبارة للإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله على غير مراده ، والصواب أنها من مراتب التعديل ، وأن صاحبها يدور حديثه بين الحسن والصحيح ، كما تبين لي في كتابي(( الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب)) - الكلام عن المرتبة السادسة .
(2) - انظر التهذيب (12/14) مع التقريب ( رقم 8002) والتهذيب (10/385) مع التقريب ( رقم 7085) والتهذيب (10/297) مع التقريب ( رقم 6928) .
(3) - انظر التهذيب (9/415) مع التقريب ( رقم 6288) .
(4) - انظر التهذيب (5/178) مع التقريب ( رقم 3278) والتهذيب ( 9/537) مع التقريب (6456) .
(5) - انظر التهذيب (2/410) مع التقريب ( رقم 1428) والتهذيب (12/162) مع التقريب (8302) .
(6) - انظر التهذيب (9/455) مع التقريب ( رقم 6341) والتهذيب (10/353) مع التقريب ( رقم 7032).
(7) - استعنت لذكر هذه الأمثلة بكتاب ( إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر ) لعطاء بن عبد اللطيف بن أحمد (80-134) .
(8) - انظر كلامي على المقبول ، قبل قليل .
(9) - ملء العبية لأبي رشيد – الاسكندرية ومصر عند الورود – ( 3/31) .
(10) - المصدر السابق ، والتهذيب (7/414) .(2/120)
فلا أرى - بعد ذلك - عدم الاعتماد على توثيقه بدعوى تساهله ، إلا قولاً مرجوحاً ضعيفاً ، فيه إهدار لأحكام جليلة من إمام جليل عليه رحمة الله .
أما الأسماء التي أطلقها الأئمة على الكتاب ، فمختلفة :
فسموه بـ( الثقات) و ( الجرح والتعديل ) و( التاريخ ) و ( معرفة الرجال ) ، و( السؤالات) وقال عبد العليم البستوي في مقدمة تحقيقه : " يظهر بعد هذا أن كل هذه الأسماء العديدة لكتاب واحد ، وقد وصفه كل حسب ما بدا له بالنظر إلى موضوعه ومحتوياته فهو كتاب ( الثقات ) لغلبتهم عليه ، وهو كتاب ( الجرح والتعديل ) كما هو واضح ، وهو كتاب ( التاريخ ) بالمعنى المعروف عند المحدثين"(1).
قلت : لكن تسمية الكتاب بـ( الثقات) جرت إلى خطأ كبير عن هذا الكتاب ، فلم يفهم على أن تسميته بـ (الثقات) لأن الثقات هم أغلب من ذكر فيه ، بل فهم على أنه كتاب مختص بـ( الثقات ) فقط ، كثقات ابن حبان وابن شاهين !! .
فمن الحفاظ : يقول خاتمتهم الحافظ ابن حجر في ( نزهة النظر ) : " ومنهم من أفرد الثقات بالذكر ، كالعجلي ، وابن حبان وابن شاهين "(2).
ومن المعاصرين : يقول فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في ( موارد الخطيب البغدادي ) :" أما كتب الثقات ، فأول من صنف فيها : أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي "(3).
إلا أن الصواب : أن كتاب العجلي ليس مختصاً بـ( الثقات ) ففيه جماعة جرحهم العجلي نفسه ، بالضعف تارة(4)وبالترك أخرى(5)، وبالكذب أحياناً(6)، وبالزندقة أيضاً(7)، بل لقد بوّب لكتابه باباً بعنوانه : " ومن المتروكين " كما في الجزء المتبقي من أصل كتاب العجلي(8).
إذن فكتاب العجلي ليس مختصاً بالثقات ، ولذلك فإني أعتبر تسمية كتابه بـ ( الثقات) خطأ ، جرّ إلى خطأ اعتقاد اختصاصه بالثقات ! .
وقد يجرُّ إلى خطأ آخر وهو أن بعض الرواة الذين ذكرهم العجلي في كتابه لم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً(9)فمن ظنَّ أن الكتاب مختصٌّ بالثقات اعتبرهم ثقات عند العجلي ، قياساً على ثقات ابن حبان .
وأقرب الأسماء إلى الصواب : إما (السؤالات ) ، أو ( معرفة الثقات ... ومن الضعفاء ..) كما سبق عن نسخة ترتيب تقي الدين السبكي .
ويظهر من هذه التسمية الراجحة : أن شرط العجلي في كتابه أوسع من اختصاصه بـ ( الثقات ) كما سبق ، بل هو كتاب في ( الجرح والتعديل ) وفي ( تاريخ الرواة ) وفي (معرفة الرجال ) مطلقاً ، وهذه كلها تسميات أولى من : (الثقات) لأنها أصدق وصفاً لمضمون الكتاب . اهـ(10)
ــــــــــــــ
__________
(1) - معرفة الثقات للعجلي - مقدمة التحقيق - (1/65-70) .
(2) - نزهة النظر لابن حجر (ص 199) .
(3) - موارد الخطيب للعمري( ص31) .
(4) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 85، 90، 109 ، 111، 288، 329 ، 329 ، 566، 1364 ، 1407، 1466، 1623، 1639، 1826، 1869 ، 1909 )
(5) - انظر معرفة الثقات ( رقم 347، 849، 1496) وتحقيق القلعجي ( رقم 1876) .
(6) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 1924، 245) .
(7) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 2066)
(8) - معرفة الثقات للعجلي - مقدمة التحقيق -( ا/74) .
(9) - انظر معرفة الثقات للعجلي ( رقم 818، 850، 870، 629، 1104، 1190)
(10) - انظر تساهل العجلي بين المثبتين والنافين..حاتم الشريف"(2/121)
الثاني
كتاب الثقات" لابن حبان البُسْتِيّ المتوفى سنة 354 للهجرة.
ابْنُ حِبَّانَ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ ،الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو حَاتِمٍ، مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ بنِ حِبَّانَ بنِ مُعَاذِ بنِ معبدِ بنِ سَهِيدِ بنِ هَديَّةَ بنِ مُرَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُرَّةَ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دَارمِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ منَاة بنِ تَمِيمٍ التَّمِيْمِيُّ الدَّارِمِيُّ البُسْتِيُّ، صَاحبُ الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ:كَانَ عَلَى قَضَاءِ سَمَرْقَنْدَ زمَاناً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّينِ، وَحفَّاظِ الآثَارِ، عَالِماً بِالطّبِّ، وَبَالنُّجُوْمِ، وَفُنُوْنِ العِلْمِ.
صَنَّفَ المُسْنَدَ الصَّحِيْحَ، يَعْنِي بِهِ:كِتَابَ (الأَنواعِ وَالتقَاسيمِ)، وَكِتَابَ (التَّاريخِ)، وَكِتَابَ (الضُّعَفَاءِ)، وَفقَّهَ النَّاسَ بِسَمَرْقَنْدَ.
وَقَالَ الحَاكِمُ:كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ أَوعيةِ العِلْمِ فِي الفِقْهِ، وَاللُّغةِ، وَالحَدِيْثِ، وَالوعظِ، وَمِنْ عقلاَءِ الرِّجَالِ.
قَدِمَ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَسَارَ إِلَى قَضَاءِ نَسَا، ثُمَّ انصرفَ إِلَيْنَا فِي سَنَةِ سبعٍ، فَأَقَامَ عِنْدنَا بِنَيْسَابُوْرَ، وَبنَى الخَانقَاهَ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ جُمْلَةٌ مِنْ مصنَّفَاتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ نَيْسَابُوْرَ إِلَى وَطنِهِ سِجِسْتَانَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ، وَكَانَتِ الرحلَةُ إِلَيْهِ لسمَاعِ كتُبِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ:كَانَ ابْنُ حِبَّانَ ثِقَةً نبيلاًَ فَهِماً.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَثنَاءِ كِتَابِ (الأَنواعِ):لَعَلَّنَا قَدْ كَتَبْنَا عَنْ أَكثرَ مِنْ أَلفَي شَيْخٍ.
قُلْتُ:كَذَا فلتكنِ الهممُ، هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الفِقْهِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالفضَائِلِ البَاهرَةِ، وَكَثْرَةِ التَّصَانِيْفِ.
قَالَ الخَطِيْبُ:ذكرَ مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ السِّجْزِيُّ تَصَانِيْفَ ابْنِ حِبَّانَ، فَقَالَ:(تَاريخُ الثِّقَاتِ)، (عِلَلُ أَوهَامِ المُؤرخينَ)مجلدٌ، (عِلَلُ منَاقبِ الزُّهْرِيِّ)عِشْرُوْنَ جزءاً، (عِلَلُ حَدِيْثِ مَالِكٍ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (عِلَلُ مَا أَسندَ أَبُو حَنِيْفَةَ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ.
(مَا خَالفَ فِيْهِ سُفْيَانُ شُعبَةَ)ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (مَا خَالفَ فِيْهِ شُعبَةُ سُفْيَانَ)جزءان.
(مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ المدينةِ مِنَ السُّنَن)مجلدٌ، (مَا انفردَ بِهِ المكيُّونَ)مجيليدٌ، (مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ العِرَاقِ)مجلدٌ، (مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ خُرَاسَانَ)مجيليدٌ، (مَا انفردَ بِهِ ابْنُ عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، أَوْ شُعبَةُ عَنْ قَتَادَةَ)مجيليدٌ.
(غَرَائِبُ الأَخبارِ)مجلدٌ، (غَرَائِبُ الكُوْفِيِّينَ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (غَرَائِبُ أَهْلِ البَصْرَةِ)ثمَانيَةُ أَجْزَاءٍ، (الكِنَى)مجيليدٌ، (الفصلُ وَالوصلُ)مجلدٌ، (الفصلُ بَيْنَ حَدِيْثِ أَشعثَ بنِ عَبْدِ الملكِ، وَأَشعثَ بنِ سَوَّارٍ)جزءان، كِتَابُ (موقُوفِ مَا رُفعَ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ.
(منَاقبُ مَالِكٍ)، (منَاقبُ الشَّافِعِيِّ)، كِتَابُ (المُعْجَمِ عَلَى المدنِ)عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (الأَبْوَابُ المتفرِّقةُ)ثَلاَثَةُ مجلدَاتٍ، (أَنواعُ العلومِ وَأَوصَافِهَا)ثَلاَثَةُ مجلدَاتٍ، (الهدَايَةُ إِلَى علمِ السُّنَن)مجلدٌ، (قُبولُ الأَخبارِ)، وَأَشيَاءٌ.(2/122)
قَالَ مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ:وَهَذِهِ التَّوَالِيفُ إِنَّمَا يُوجدُ مِنْهَا النَّزْرُ اليَسِيْرُ، وَكَانَ قَدْ وَقَفَ كتُبَهُ فِي دَارٍ، فَكَانَ السَّبَبُ فِي ذهَابِهَا مَعَ تطَاولِ الزَّمَانِ ضعفُ أَمرِ السُّلْطَانِ، وَاسْتيلاَءُ المفسدينَ.
وَقَدِ اعترفَ أَنَّ (صحيحَهُ)لاَ يقدرُ عَلَى الكشفِ مِنْهُ إِلاَّ مَنْ حِفْظَهُ، كمنْ عِنْدَهُ مصحفٌ لاَ يقدرُ عَلَى مَوْضِعِ آيَةٍ يريدُهَا مِنْهُ إِلاَّ مَنْ يحفظُهُ.
وَقَالَ فِي (صَحِيْحِهِ :شرطُنَا فِي نقلِهِ مَا أَودعنَاهُ فِي كتَابِنَا أَلاَّ نحتجَّ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ شَيْخٍ فِيْهِ خَمْسَةُ أَشيَاءَ:
العدَالةُ فِي الدِّينِ بِالسَتْرِ الجمِيلِ.
الثَّانِي:الصِّدْقُ فِي الحَدِيْثِ بِالشُّهرَةِ فِيْهِ.
الثَّالِثُ:العقلُ بِمَا يُحَدِّثُ مِنَ الحَدِيْثِ.
الرَّابِعُ:العِلْمُ بِمَا يحيلُ المعنَى مِنْ معَانِي مَا رَوَى.
الخَامِسُ:تَعرِّي خبرَهُ مِنَ التَّدْلِيسِ.
فَمَنْ جمعَ الخِصَالَ الخمسَ احتجَجْنَا بِهِ.
تُوُفِّيَ ابْنُ حِبَّانَ بِسِجِسْتَانَ بِمدينَةِ بُسْتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشرِ الثَّمَانِيْنَ......(1)
قال في مقدمة كتابه : " فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومولده ومبعثه وهجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته ثم نذكر بعده الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلى أن قتل علي رحمة الله عليه ثم نذكر صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا على المعجم، إذ هم خير الناس قرناً بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأقاليم كلها على المعجم ،إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا ، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين، ثم نذكر القرن الرابع الذين هم أتباع التابعين على سبييل من قبلهم وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا ، ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاجُ بخبرهم، واقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب التاريخ الكبير الذي خرَّجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات، ولأن ما نمليه في هذين الكتابين إنْ يسَّر اللهُ ذلك وسلم من توصيف الأسماء بقصد ما يحتاج إليه يكون أسهل على المتعلم إذا قصد الحفظ، وأنشط له في وعيه إذا أراد العلم من التكلُّف بحفظ ما لو أغضى عنه في البداية لم يخرج في فعله من التكلف لحفظ ذلك ، فكلُّ من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوقٌ يجوزُ الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس ، فإذا وجد خبر منكرٌ عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا، فإن ذلك الخبر لا ينفكُّ من إحدى خمس خصال:
إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرتُ اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتجُّ بخبره .
أو يكون دونه رجلٌ واهٍ لا يجوزُ الاحتجاج بروايته .
أو الخبر يكون مرسلاً لا يلزمنا به الحجَّة.
أو يكون منقطعاً لا يقوم بمثله الحجَّةُ .
أو يكون في الإسناد رجلٌ مدلِّسٌ لم يبينْ سماعه في الخبر منَ الذي سمعه منه، فإن المدلِّس ما لم يبين سماع خبره عمن كتب عنه لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر لأنه لا يدرى لعله سمعه من إنسان ضعيف يبطل الخبر بذكره، إذا وقف عليه وعرف الخبر به فما لم يقل المدلِّسُ في خبره - وإن كان ثقة - سمعت أو حدثني فلا يجوز الاحتجاجُ بخبره.
فذكرت هذه المسألة بكمالها بالعلل والشواهد والحكايات في كتاب شرائط الأخبار فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب .
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (16/93) فما بعدها - 70 -(2/123)
وإنما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ وقد ضعَّفه بعضُ أئمتنا ووثَّقه بعضُهم، فمَنْ صحَّ عندي منهم أنه ثقةٌ بالدلائلَ النيرةِ التي بينتُها في كتاب ( الفصلُ بين النقلة) أدخلته في هذا الكتاب، لأنه يجوزُ الاحتجاجُ بخبره ، ومن صحَّ عندي منهم أنه ضعيفٌ بالبراهين الواضحة التي ذكرتُها في كتاب( الفصل بين النقلة) لم أذكرْه في هذا الكتاب ، لكني أدخلته في كتاب الضعفاء بالعلل ؛ لأنه لا يجوزُ الاحتجاجُ بخبره، فكلُّ مَنْ ذكرتُه في كتابي هذا إذا تعرَّى خبرُهُ عن الخصالِ الخمسِ التي ذكرتُها فهو عدلٌ يجوزُ الاحتجاجُ بخبرهِ، لأنَّ العدلَ مَنْ لم يعرفْ منهُ الجرحَ ضدَّ التعديل، فمَن لم يعلمْ يجرحٍ فهو عدلٌ، إذا لم يبينْ ضدهُ، إذ لم يكلَّفِ الناسُ من الناسِ معرفةَ ما غابَ عنهم، وإنما كُلِّفوا الحكمَ بالظاهرِ من الأشياء، غيرِ المغيَّبِ عنهُم، جعلنا الله ممَنْ أسبلَ عليه جلاليبَ السِّتْرِ في الدنيا واتَّصلَ ذلك بالعفوِ عن جناياتِه في العقبَى إنه الفعالُ لِما يريدُ "
وقد رتبه مؤلفه على الطبقات، ثم رتب أسماء كل طبقة على حروف المعجم داخل تلك الطبقة، وقد جعله من ثلاثة أجزاء. جعل الجزء الأول لطبقة الصحابة، والجزء الثاني لطبقة التابعين، والجزء الثالث لطبقة أتباع التابعين.
وبدأه بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين .
وقد رتبه مؤلفه على حروف المعجم، واقتصر في الترجمة على اسم الشخص واسم أبيه، ونَقَلَ أقوالَ أئمةِ الجرحِ والتعديلِ فيه، وربما ذَكَرَ بَعْضَ شيوخِ وتلاميذِ صاحبِ الترجمة.
أمثلة من الصحابة :
[ 1 ] أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أبو أمامة من الستة الرهط الذين استجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دعاهم إلى الإسلام وشهد العقبتين وكان نقيبا ،وكان أول من جمع بالمدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ 2 ] أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن كنانة بن عوف بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيته أبو زيد وقد قيل أبو محمد ويقال أبو زيد توفي بعد أن قتل عثمان بن عفان ونقش خاتمه حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قبضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن عشرين سنة وكان قد نزل وادي القرى وأمه أم أيمن اسمها بركة مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وآخرهم [ 1593 ] أم ورقة بنت حمزة بن عبد المطلب بنت عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في اسمها فمنهم من قال عمارة ومنهم من قال أمامة وقد قيل أم الفضل .
أمثلة من التابعين :
أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهُمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ(1).
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 211)(7227) صحيح - بل متواتر(2/124)
قال أبو حاتم : خير الناس قرنا بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظ عنهم الدِّين والسُّنَن، وإنما نملى أسماءهم وما نعرف من أنبائهم من الشرق إلى الغرب على حروف المعجم إذ هو أدعى للمتعلم إلى حفظه وأنشط للمبتدىء في وعيه ، ولست أعرج في ذلك على تقدم السنِّ ولا تأخره ولا جلالة الإنسان ولا قدره؛ بل أقصد في ذلك اللقاء دون الجلالة والسِّنِّ لأن اللقاء يشملهم جميعا غير أنا نذكر ما نعرف من أنسابهم وأقدارهم، وأذكر عند كل شيخ منهم شيخا فوقه وآخر دونه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس من وراءهما عليهما حتى لا يتعذر على سالك سبيل العلم الوقوف على أنبائهم إن الله تعالى قضى ذلك وشاء.
قال أبو حاتم ومن التابعين الذين شافهوا الصحابة ورووا عنهم ممن ابتدأ اسمه على الألف :
[ 1594 ] إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى القرشي كنيته أبو إسحاق يروي عن أبيه روى عنه الزهري وهو أخو حميد بن عبد الرحمن بن عوف أمهما أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مات إبراهيم سنة ست وتسعين بالمدينة وهو ابن خمس وسبعين سنة .
[ 1595 ] إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني يروي عن أبيه وأسامة بن زيد روى عنه حبيب بن أبي ثابت.
[ 1596 ] إبراهيم بن أبى موسى الأشعري يروي عن أبيه والمغيرة بن شعبة روى عنه الشعبي والحكم بن عتيبة
[ 1597 ] إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي المدني يروي عن أبى هريرة وعائشة روى عنه محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة وعبد الله بن محمد بن عقيل مات بالمدينة سنة عشر ومائة وكان أعرج اسم أمه خولة بنت منظور بن زبان.
[ 1598 ] إبراهيم بن البراء بن عازب الأنصاري أخو الربيع بن البراء كوفي يروي عن أبيه روى عنه سلمة بن كهيل.
[ 1599 ] إبراهيم بن رافع بن خديج الأنصاري مدني يروي عن أبيه روى عنه ابن أخيه رفاعة بن هرير.
[ 1600 ] إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي يروي عن أبيه روى عنه شعبة بن الحجاج تأخر موته حتى كتب عنه شريك .
[ 1601 ] إبراهيم بن عكرمة بن يعلى بن أمية الثقفي يروي عن ابن عباس روى عنه عبد الله بن عثمان بن خثيم .
[ 1602 ] إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر يروي عن أبيه روى عنه مهدى بن ميمون .
[ 1603 ] إبراهيم بن عبد الله بن قارظ القرشي الحجازي يروي عن عمر وعلي روى عنه الزهري وهو الذي يروي عن السائب بن يزيد وأبي سلمة .
[ 1604 ] إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب كنيته أبو أسماء كوفي يروي عن أنس بن مالك، روى عنه الحكم وسلمة بن كهيل وأهل الكوفة مات في سنة ثنتين وتسعين وكان عابدا صابرا على الجوع الدائم ، وقد قيل إنه مات في حبس الحجاج بن يوسف بواسط سنة ثلاث وتسعين، وكان قد طرح عليه الكلاب لتنهشه(1). ثنا الفريابي قال ثنا جرير عن الأعمش قال: كان إبراهيم يصوم الشهر لا يفطر فإذا أفطر أفطر على شربة سويق أو شربة لبن لا يزيد عليه، قال يزيد فحدثت به المغيرة فقال : إني سمعت قراءته، قلت: هذا قراءة رجل أكول .(صحيح)
حتى الترجمة رقم [ 6464 ] أم كلثوم بنت أسماء تروي عن أم سلمة وعائشة روى موسى بن عقبة عن أمه عن أم كلثوم.
__________
(1) - هذا الكلام بعيد عن التصديق(2/125)
قال أبو حاتم: قد أملينا ما حضرنا من ذكر ثقات التابعين وأسمائهم وما عرف من أوقاتهم وأنسابهم بما أرجو الغنية فيها للمتأمل إذا تأملها، فكلُّ شيخٍ ذكرته في هذا الكتاب فهو صدوقٌ يجوز الاحتجاج بروايته إذا تعرى خبره عن خصال خمس فإذا وجد خبر منكر عن شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرت أسمائهم فيه كان ذلك الخبر لا ينفك عن إحدى خصال خمس: إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرته في هذا الكتاب شيخ ضعيف سوى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الله عز وجل وعلا نزه أقدارهم عن إلزاق الضعف بهم، أو دونه شيخ واه لا يجوز الاحتجاج بخبره، أو الخبر يكون مرسلا لا تلزمنا به الحجَّة، أو يكون منقطعا لا تقوم بمثله الحجَّة، أو يكون في الإسناد شيخٌ مدلِّسٌ لم يبين سماع خبره عمن سمع منه، فإذا وجد الخبر متعريًّا عن هذه الخصال الخمس، فإنه لا يجوز التنكبُ عن الاحتجاج به، ثم إنا ذاكرون بعد هذا القرن، القرن الثالث الذين شافهوا التابعين في الأقاليم كلها على سبيل ما ذكرنا قبلهم من الطبقتين الأوليين إن قضى الله ذلك وشاء وهو وليُّ التوفيق.
وقال في بداية أتباع التابعين :" بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ،أول كتاب أتباع التابعين، قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي رضي الله تعالى عنه: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لاَ - ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَفْشُو فِيهِمُ السِّمَنُ.(1).
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 123)(6729) صحيح مشهور(2/126)
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه: خير الناس قرنا بعد التابعين من لا يكون بينهم وبين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قرنا واحدا وهم أتباع التابعين الذين شافهوا من شافه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حفظوا عنهم العلم والآثار وكثرت عنايتهم في جميع الأخبار، وأمعنوا في طلب الأحكام والتفقه فيها وضبط أقاويل السلف فيما لم ترد فيه سنَّة ،مع الاستنباط الصحيح من الدلائل الواضحة في الأصول التي هي مفزع العالم في الأحوال، وردّ سائر الفروع إلى ما تقدم من الأصول حتى حفظ الله جل وعلا بهم الدِّين على المسلمين، وصانه على ثلب القادحين، وجعلهم أعلى من يقتدي بهم في الأمصار ويرجع إلى أقاويلهم في الآثار، وإنا نملي أسماء الثقات منهم وأنسابهم وما يعرف من الوقوف على أنبائهم في هذا الكتاب على الشرط الذي ذكرناه فيما قبل من الطبقتين الأوليين عند تعري أخبارهم عن الخصال الخمس التي ذكرناها قبل، ولست أعرج على جلالة الإنسان ولا قدره ولا تقدم السِّنِّ ولا تأخره؛ لأن القصد في ذكرهم اللقيَّ دون الفضل والسِّنِّ على ما أصلنا الكتاب عليه ،فكلُّ مَن كان أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللقَى وإن تأخر موته ضممناه إلى من استوى معه في اللقَى وإن تقدم موته، غير أني أذكر عند ذكر كل شيخ منهم شيخا دونه وآخر فوقه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس عليهما من ورائهما، فكلُّ خبرٍ وجدَ من روايه شيخ ممن أذكره في هذا الكتاب فهو خبر صحيح إذا تعرَّى عن الخصال الخمس التي ذكرناها، فيجب أن يعتبر ما قلنا حتى لا يلزق الوهن بأهل الصدق من الثقات وتعرَّى عنه أهل الأوابد والطامات ،وإنا نفصل أسماء أتباع التابعين ونذكر ما نعرف من أنساب المشهورين منهم وأوقات موتهم ونقصد في نظم أسمائهم المعجم ليكون أسهل عند البغية لمن أراد ،لعلمي بتعذر حفظ الكلِّ منه على أكثر الناس ،وبالله بلوغ الحق فيه وهو مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ،والحمد لله رب العالمين .
أمثلة من أتباع التابعين :
قال أبو حاتم: فمن أتباع التابعين الذين رووا عن التابعين ممن ابتدأ اسمه على الألف:
[ 6465 ] أحمد بن عطية العبسي يروي عن ابن أبي مليكة روى عنه منصور بن سلمة الخزاعي .
[ 6466 ] أحمد بن موسى البصري أبو عبد الله صاحب اللؤلؤ يروي عن حميد الطويل وابن عون روى عنه المعلى بن أسد.
[ 6467 ] إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أخو عبد الله بن حسن من أهل المدينة يروي عن أبيه وفاطمة بنت الحسين، روى عنه فضيل بن مرزوق ويحيى بن المتوكل.
[ 6468 ] إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي بن محمد بن الحنفية أخو الحسن وعبد الله يروي عن أبيه روى عنه محمد بن إسحاق وعمر مولى غفرة.
[ 6469 ] إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت الأنصاري من جلة أهل المدينة وكان جميلا يروي عن جماعة من التابعين، روى عنه أهل المدينة توفي في ولاية أبي العباس السفاح.
[ 6470 ] إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يروي عن أبيه عن عائشة روى عنه عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
[ 6471 ] إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن أبيه روى عنه أهل المدينة مات سنة ثمان وسبعين ومائة .
[ 6472 ] إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي من أهل المدينة يروي عن أبيه عن سعد، روى عنه يونس بن أبي إسحاق السبيعي والمسعودي.
[ 6473 ] إبراهيم بن مالك بن الحارث بن الأشتر النخعي يروي عن أبيه روى عنه مجاهد .
[ 6474 ] إبراهيم بن محمد بن جحش الأسدي من أهل المدينة يروي عن جماعة من التابعين ، وقد قيل إنه رأى زينب بنت جحش وليس يصح ذلك عندي، روى عنه عبيد الله بن عمر العمري .
[ 6475 ] إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عداده في الكوفيين يروي عن سعيد بن المسيب، روى عنه شعبة بن الحجاج.
[(2/127)
6476 ] إبراهيم بن موسى بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي من أهل المدينة، يروي عن عكرمة بن خالد، روى عنه محمد بن إسحاق.
وانتهى بالترجمة رقم [ 12019 ] أم الضحاك مولاة خالد بن معدان تروي عن خالد بن معدان روى عنها إسماعيل بن عياش.
وقال أبو حاتم رضي الله تعالى عنه في كلامه عن أتباع أتباع التابعين : " قد أملينا ما حصرنا من ذكر أسامي أتباع التابعين من الثقات على حسب ما منَّ الله عز وجل من التوفيق وله الحمد على ذلك، وفصَّلنا أسماءهم على المعجم ليكون أسهل عند البغية لمن رام حفظها والوقوف على أنبائها، وإنما نملي بعد هذا القرن الرابع على حسب ما ذكرنا الطبقات الأول، وقد نذكر ما نحبُّ من أنبائهم إن قضى الله ذلك وشاء، جعلنا الله ممن لم يجعل الحكم بينه وبين الله جلَّ وتعالى عند الحوادث إلا رسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليما كثيرا ، ثم نستمر لحفظ السُّنَن والتفقه فيها والله عزَّ وجلَّ المانُّ على أوليائه والمتفضلُ على أحبابه .
قال أبو حاتم محمد بن حبان التميمي رضي الله تعالى عنه: أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوَلَةَ ، قَالَ : كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَكُونُ فِيهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ(1).
قال أبو حاتم : هذه اللفظة ثم الذين يلونهم في الرابعة تفرد بها حماد بن سلمة وهو ثقة مأمون، وزيادة الألفاظ عندنا مقبولة عن الثقات، إذ جائز أن يحضر جماعة شيخا في سماع شيء ثم يخفى على أحدهم بعض الشيء ويحفظه من هو مثله أو دونه في الإتقان، كما بيناه في غير موضع من كتبنا ،وهذه اللفظةُ تصرح عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأن خير الناس بعد أتباع التابعين القرن الرابع الذين شافهوهم وصحبوهم، وهم تبع الأتباع الذين جدوا في الرحل والأسفار وأمعنوا في طلب العلم والأخبار، وواظبوا على الدرس والمذاكرة والحفظ والمدارسة ،ولم يقنعوا في جمع السُّنَن ببلدته دون أخرى ولا بشيخ واحد دون ،الرحلةُ في جميع الأمصار والدورانُ في المدن والأقطار حتى حفظوا السُّنَن على المسلمين وصانوا على ثلب القادحين، فصاروا أعلاما يقتدَى بهم في الآثار ويرجع إلى أقاويلهم في الأمصار، وإنما نملي أسماءهم وما يعرف من أنبائهم في كتابنا هذا كما أملينا أسامي من تقدمهم من الطبقات الثلاث، فكلُّ خبرٍ رواهُ شيخٌ من هؤلاء الشيوخ الذين نذكرهم بمشية الله وتوفيقه في كتابنا هذا فإن ذاك الخبر صحيح لا محالة إذا يعترى من الخصال الخمس التي ذكرتها، وإنا نقصد في إملاء أسمائهم على المعجم على حسب ما ذكرنا من قبلهم ،حتى يكون المتعلم أنشط بحفظها وأرغب في وعيها، وليكون أسهل عند البغية لمن أراده، وبالله توفيقنا وعليه نتوكل في جميع أمورنا وهو { مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (128) سورة النحل.
أمثلة من أتباع أتباع التابعين :
قال أبو حاتم رضي الله تعالى عنه: وممن روى عن أتباع التابعين وشافههم من المحدثين ممن ابتدأ اسمه على الألف :
[
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 12 / ص 177)(33081) صحيح(2/128)
12020 ] أحمد بن أبي طيبة الدارمي الجرجاني يروي عن أبيه واسم أبي طيبة عيسى بن سليمان بن دينار، روى عنه عمار بن رجاء الاستربادي وأهل بلده مات سنة ثلاث ومائتين، حدثنا مهران بن هارون بالري ثنا عمار بن رجاء حدثنا أحمد بن أبي طيبة عن مالك عن نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ فِى خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا فِى غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ نُزُولَ الْغَيْثِ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ السَّاعَةَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ »(1).
[ 12021 ] أحمد بن محمد بن كريب مولى بن عباس يروي عن أبيه عن جده عن ابن عباس ،روى عنه الوليد بن مسلم، حدثنا ابن قتيبة ثنا هشام بن عمار ثنا الوليد بن مسلم ثنا أحمد بن محمد بن كريب مولى بن عباس عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ لَهُ:يَا غُلامُ، إِيَّاكَ وَسَبَّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فإن سبهم مفقرة، وإياك والنظر في النجوم، فإنها تدعو إلى الكهانة والتكذيب بالقدر فإنه يدعو إلى الزندقة"(2).
[ 12022 ] أحمد بن إسحاق الحضرمي أخو يعقوب بن إسحاق كنيته أبو إسحاق من أهل البصرة، يروي عن وهيب بن خالد والبصريون وكان أكبر من أخيه يعقوب ،روى عنه أحمد بن سعيد الدارمي وإبراهيم بن سعيد الجوهري مات في البصرة في شهر رمضان سنة إحدى عشرة ومائتين ،وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء وكان يحفظ حديثه .
[ 12023 ] أحمد بن أيوب السمرقندي يروي عن أبي حمزة السكري وكان قد سكن مرو، روى عنه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي والنضر بن سلمة شاذان مستقيم الحديث يعتبر حديثه من غير رواية النضر بن سلمة عنه، حدثنا محمد بن معاذ ثنا الفرياناني ثنا إبراهيم بن شماس عن أحمد بن أيوب عن إبراهيم بن أدهم قال: السائل يزيد الآخرة يجىء إلى باب أحدكم ويقول هل توجهون إلى أهاليكم بشيء
وانتهى بالترجمة رقم [ 16508 ] أبو بكر بن أبي النضر يروي عن أبيه هاشم بن القاسم وعبد الله بن موسى حدثنا عنه محمد بن إسحاق الثقفى .
__________
(1) - مسند أحمد(5251) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 101)(11992) وولسان الميزان[ج 1 -ص298 ] (878) واستنكره ، وأخبار أصبهان (1131 ) والشريعة للآجري(1929) ومعجم ابن المقرئ (817 ) مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه(2/129)
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه: قد أملينا ما حضر من من ذكر تبع الأتباع على حسب ما من الله عز وجل به من التوفيق لذلك وله الحمد على حسب ما ذكرنا من قبلهم من الطبقات الثلاث فربما قدم موت إنسان ذكرته من هذه الطبقة وتأخر موته وبينهما مائة سنة أو أقل أو أكثر فأدخلناهما في قرن واحد لطبقة واحدة لاستوائهما في اللقي، وكلُّ من كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل وأحد أدخلناه في كتاب التابعين سواء تأخر موته أو تقدم ،وكلُّ من بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللقي رجلان أدخلناه في كتاب تبع التابعين بعد أن يكون ثقات ،وكلُّ من كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنفس في اللقي أدخلناه في كتاب تبع الاتباع، هذا ولم أعتبر برواية المدلِّسين عنه ولا الضعفاء ،وربما ذكرت في هذه الطبقة رجلان أحدهما ضعيف فلم أدخله في كتاب أتباع التابعين ولكن أدخلته في هذه الطبقة لأن بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنفس ثقات، ولم أعتبر ذلك الضعيف لأن رواية الواهي ومن لم يرو سيان ، وأدخلنا أصحاب أبي الوليد الطيالسي وأبي نعيم في هذه الطبقة؛ لأن أبا نعيم سمع هشام بن عروة والأعمش وابن أبي خالد وهؤلاء من التابعين ،وكلُّ من كتب عن أبي نعيم فهو من تبع الاتباع وأبو الوليد الطيالسي سمع من عكرمة بن عمار وعكرمة سمع الهرماس بن زياد والهرماس رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على نافته ،وأدخلنا علي بن حجر في أتباع التابعين، لأنه سمع من معروف الخياط ،ومعروف حفظ من واثلة بن الأسقع أشياء، ومعروف صدوق روى عنه الوليد بن مسلم غير شيء، وليعلم أنَّ جميع هذا الجنس من العلم أفضل من سائر الأجناس للخواص، لأن الحديث لا يكتبه كلُّ إنسان ولا يحفظه كلُّ من يكتبه ولا يميزه كلُّ حافظٍ، وليس للمسلمين قوامٌ لدينهم إلا به، ولا الإسلام عمادٌ غيره؛ لأنه يدفعُ الكذب عن رسول رب العالمين - صلى الله عليه وسلم - ، وانما نملي بعد هذا كتاب الضعفاء جعلنا الله ممن تكلَّف الجهد في حفظ السُّنَن ونشرها وتمييز صحيحها من سقيمها ،والتفقه فيها والذبِّ عنها، إنه المانُّ على أوليائه بمنازل المقربين والمتفضلُ على أحبابه درجة الفائزين ،والحمد لله رب العالمين .
سكوت ابن حبان عن راو:
إذا ذكر ابن حبان راويا وسكت عنه؛ أي لم يقل فيه جرحا ولا تعديلا؛ فبعضُ أهل العلم؛ كالشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- ينتهجُ منهجا وهو أن المسكوت عنهم الذين سكت عنهم ابن حبان في كتابه "الثقات" مع إيراد البخاري لهم في "التاريخ الكبير" يعتبر أن هذا توثيقاً للراوي.
هل ابن حبان كان من المتساهلين في التعديل ؟
قال محققا تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله ( تحرير التقريب ) :
(" هذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم ، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب ، سوى الابتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه ، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً ، بحيث ضعَّف ثقات ، ووثق ضعفاء ، وقبل مجاهيل ، واستعمل عبارات غير دقيقة في المختلف فيهم مما سيجده القارئ الباحث في مئات الانتقادات والتعقبات التي أثبتناها في " تحرير أحكام التقريب ") .
ثم قالا :أمَّا القاعدة الصحيحة في الموقف من توثيق ابن حبان ، فهي كما يلي :(2/130)
1- ما ذكره في كتابه " الثقات " وتفرد بالرواية عنه واحد – سواء أكان ثقة أم غير ثقة – ولم يذكر لفظاً يفهم منه توثيقه ، ولم يوثقه غيره ، فهو يعد مجهول العين ، وهي القاعدة التي سار عليها ابن القطان الفاسي وشمس الدين الذهبي ، ولهما فيها سلف عند الجهابذة ، فقد قال علي بن المديني في جري بن كليب السدوسي البصري : (مجهول لا أعلم روى عنه غير قتادة) ، وقال في جعفر بن يحيى بن ثوبان : (شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم ( الضحاك بن مخلد النبيل )) ، وقال أبو حاتم الرازي في حاضر بن المهاجر الباهلي : (مجهول) مع أن شعبة بن الحجاج روى عنه .
2- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال.
3- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد .
4- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .
5 - إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدلُّ على التوثيق فمعنى هذا أنه فتش حديثه فوجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل .
6- أما تضعيفه ، فينبغي أن يعدَّ مع الجهابذة المجودين ، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر ، وربما يعترض معترض علينا في عدم اعتبار ذكر ابن حبان لراو تفرد عنه الواحد والاثنان في " الثقات " ، فنقول : إن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدلُّ على توثيق أصلاً ، فقد قال في " الثقات " مثلاً : (سلمة ، يروي عن ابن عمر ، روى عنه سعيد بن سلمة ، لا أدري من هو ولا ابن من هو) !
وقال في موضع آخر : (جميل ، شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة روى عنه عبد الله بن عون ، لا أدري من هو ولا ابن من هو) !
وقال في ترجمة الحسن بن مسلم الهذلي : (يروي عن مكحول روى عن شعبة ، إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو) اهـ
قلت :قال الدكتور ماهر الفحل حفظه الله ردًّا عليهما :
قولهما (قاعدة صحيحة) في الموقف من توثيق ابن حبان ، تنطوي على أمور في المنتهى من الغرابة ، أوجز الرد عليها بما يأتي :
1- إن مَنْ يُنَظِّر شيئاً ينبغي عليه أن يكون أول العاملين به ، وهذا مما أخلَّ به المحرران ، فقد نصَّا في الفقرة الأخيرة من كلامهما على : (أن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدلُّ على توثيق أصلاً) والمحرران بهذا يرميان إلى التفريق بين ذكر ابن حبان للراوي فقط دون النصِّ على توثيقه ، وبين ذكره مع النص على توثيقه ، وهذا أمر نتفق معهم على بعضه ؛ لكن المحررين نسيا هذه القاعدة البتة أثناء عملهما في المجلد الأول من تحريرهما ، ولم تخطر هذه القاعدة لهما على بالٍ إلا في ثلاثة تراجم ( 420 ، 964 ، 1694 ) وستجد الكثير مما أشرت إليه في كتابي" كشف الإيهام "،وكذلك نسيا هذه القاعدة في كثير من المواضع للمجلدات الأخرى .
2- تكلم المحرران في الفقرة (6) عن تضعيف ابن حبان فقالا : (أمَّا تضعيفه فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجوِّدين، لما بينه في كتابه من الجرح المفسَّر)
أقول :
إن كان ابن حبان في جرحه للرواة في مصاف الجهابذة المجوِّدين ، فهل يصحُّ أن نهمل أو نغمر جرح من هو جهبذ مجود ، كلما عنَّ ذلك لسبب أو لغير سبب ؟!
وإليك نماذج لتراجم تركا فيها قول ابن حبان ، فقالا بغير قوله من غير التفات إلى ما ذكرا :
أ- الترجمة (2723) لم يعتدا بجرح ابن حبان وغمزا قوله : (ربما خالف)
ب- الترجمة ( 3282 ) وصفا جرحه بالتعنت ، وقرعا بالحافظ لاعتداده بجرحه.
ج- الترجمة ( 3336 ) غمزا فيها جرح ابن حبان .
د- الترجمة ( 3745 ) ردا فيها جرح ابن حبان .(2/131)
فكيف سيكون قولك إذا علمت أن ابن حبان لم ينفرد بجرحه ؟
بل جرح المترجمَ سيدُ النقاد الإمام البخاري بالصفة نفسها التي جرحه بها ابن حبان ، والمحرران يلمحان إلى ردِّ نقدهما فقالا : (أمَّا قول ابن حبان في َّالثقات: يخطئ ويهم ، فنظنه أخذه من البخاري) .
فكيف الأمر وقد ردَّا جهبذين مجودين ؟!!!
هـ- الترجمة ( 4275 ) أقذعا القول فيها لابن حبان ، فقالا : (فهذا – يردان جرحه للراوي – من قعقة ابن حبان) .
و- الترجمة ( 5846 ) غمزا ابن حبان ، فقالا : (وذكره ابن حبان وحده في " الثقات " ، وقال : يخطئ ويخالف ، وهذا من عجائبه !) .
فحتى وإن سلَّمنا جدلاً بأن ابن حبان أخطأ في بعض هذا فلسنا ندَّعي عصمته ، فقد كان لازماً عليهما أن يتحدثا عنه بكلٍّ أدب واحترام .
3- اضطرب موقف المحررين من توثيق ابن حبان – حسب ما يستجد لهما من قرائن ، وليت استقراء القرائن عندهما كان دقيقاً ، فهما يعمِّيان الأمر على القارئ ، فإذا أرادا توثيق الراوي قالا : وثقه ابن حبان ، وحقيقة الأمر أنه إنما ذكره فقط ، وإذا تكلما في الراوي ضربا عن توثيقه صفحاً ، وإليك مثُل ذلك :
أ- الترجمة ( 2906 ) قالا :( ولم يوثقه سوى ابن حبان ، وتوثيقه شبه لا شيء)
ففي التقريب (2906) صخر بن عبد الله ابن بريدة ابن الحصيب بمهملتين مصغرا الأسلمي المروزي مقبول من السادسة د
وفي الكاشف( 2377 ) صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه وعكرمة وعنه حجاج بن حسان وعبد الله بن ثابت وثق د
وسكت عليه البخاري تخ (2948 ) ووثقه حب (8648 ) وفي الثقات للعجلي( 758 ) - صخر بن عبد الله ثقة !!!
وسكت عليه أبو حاتم في كما الجرح والتعديل [ج 4 -ص427 ]( 1876)
وفي مشاهير علماء الأمصار[ج1 -ص 197 ]( 1583 ) صخر بن عبد الله بن بريدة الأسلمى صحب أبا جعفر محمد بن علي وعكرمة عداده في أهل مرو وروى عنه أهلها .
والصواب أنه صدوق حسن الحديث.
ب- الترجمة ( 3343 ) قالا : (ولم يوثقه سوى العجلي وابن حبان وتوثيقهما شبه لا شيء عند انفرادهما) .
ففي التقريب( 3343) عبدالله بن سراقة الأزدي البصري وثقه العجلي وقال البخاري لا يعرف له سماع من أبي عبيدة من الثالثة د ت
وفي الكاشف( 2743 ) عبد الله بن سراقة عن أبي عبيدة بن الجراح وعنه عبد الله بن شقيق حسن له الترمذي يقال له صحبة د ت
وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ج5 -ص97 ](279)
وفي الثقات للعجلي( 893 ) عبد الله بن سراقة بصرى تابعي ثقة
وسكت عليه أبو حاتم في الجرح والتعديل [ج 5 -ص 68 ](320)
وفي الثقات لابن حبان(748 ) عبد الله بن سراقة له صحبة
وفي تهذيب الكمال للمزي - (ج 15 / ص 11) قال المفضل بن غسان الغلابي: روى عبدالله بن شقيق العقيلي عن عبدالله بن سراقة الأزدي من أهل دمشق، له شرف، وله رواية تصحح، وهو من أشراف أهل دمشق، له ذكر.
وقال يعقوب بن شيبة، عن علي بن عاصم: أخبرني خالد الحذاء، قال: حدثني عبدالله بن شقيق العقيلي، قال: حدثني عبدالله بن سراقة الأزدي، قال: خطبنا أبو عبيدة ابن الجراح بالجابية، فذكر حديث الدجال، قال يعقوب: عبدالله بن سراقة، عدوي، عدي قريش، ثقة.
ورواه عمران القطان، عن قتادة، عن عقبة بن وساج ، عن عبدالله بن سراقة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية قال: " تسحروا ولو بالماء "، فيحتمل أن يكون عبدالله بن سراقة هذا هو الراوي، عن أبي عبيدة ابن الجراح، لأن الرواة عنه بصريون،ويحتمل أيضا أن يكون له صحبة، لأن من شهد خطبة أبي عبيدة، وهو رجل يشهد مثله المغازي قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن أبا عبيدة توفي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثمانية أعوام، ولا يلتفت إلى قول من قال: لا يعرف له سماع من أبي عبيدة، بعد قوله: خطبنا أبو عبيدة بالجابية، كما حكيناه فيما تقدم من رواية يعقوب بن شيبة، عن علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، والله أعلم.(2/132)
قلت : وقد نص ابن حبان على صحبته ، فالحديث صحيح بلا ريب .
ج- الترجمة ( 3349 ) جهلا الراوي وقالا : (حينما ذكره ابن حبان وحده في "الثقات " قال : يخطئ) .
وفي تقريب التهذيب(3349) عبدالله بن سعد بن فروة البجلي مولاهم الدمشقي الكاتب مقبول من السادسة د
قلت : له حديث واحد فرد ،ففي سنن أبى داود(3658 )عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الصُّنَابِحِىِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْغَلُوطَاتِ.
وقد ضعفه الألباني في التعليق على سنن أبي داود ، وكذا الشيخ شعيب في التعليق على مسند أحمد ، وذلك لجهالة حال عبد الله بن سعد.
والحافظ ابن حجر قال عنه في التقريب ( مقبول ) يعني حيث توبع ، وهو كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، فالصواب أن حديثه حسن لوجود متابعات له ، فاتت الشيخين الألباني وشعيب.
ففي الإبانة الكبرى لابن بطة(312 ) عن الأوزاعي ، عن عبادة بن نسي ، قال : تذاكروا عند معاوية المسائل فرد بعضهم على بعض ، فقال : ألم تسمعوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « نهى عن الأغلوطات »
وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 316)(16280 ) ومسند الشاميين(2108) عَنْ رَجَاءَ بن حَيْوَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأُغْلُوطَاتِ"
وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(5168 )عن الأوزاعي ، عن عبادة بن نسي ، عن قيس بن خارجة ، قال : « نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأغلوطات »
د- الترجمة ( 3360 ) اعتدا فيها بذكر ابن حبان له في الثقات .
هـ- الترجمة ( 3617 ) ضعفا الراوي ثم قالا : (وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : يخطئ ويخالف) وهذا اعتداد منهما بالجرح دون التوثيق .
ففي التقريب( 3617) عبدالله بن مسلم السلمي أبو طيبة المروزي قاضيها صدوق يهم من الثامنة د ت س
وفي الكاشف(2983 ) عبد الله بن مسلم أبو طيبة السلمي المروزي قاضيها عن بن بريدة وأبي مجلز وعنه زيد بن الحباب وعبدان بن عثمان قال أبو حاتم: لا يحتج به وقواه غيره د ت س
وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ج5 -ص 190 ](604)
وفي الجرح والتعديل[ج5 -ص165 ](761) عبد الله بن مسلم أبو طيبة السلمي المروزي قاضى مرو روى عن بن بريدة وأبى مجلز وإبراهيم بن عبيد روى عنه أبو تميلة والفضل بن موسى وعيسى بن موسى البخاري المعروف بغنجار نا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول ذلك قال أبو محمد وروى عنه عبدان عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي نا عبد الرحمن قال وسألت أبي عنه فقال: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به.
وفي الثقات لابن حبان( 8953 ) أبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم العامري من أهل مرو يروي عن ابن بريدة روى عنه عيسى بن عبيد وأهل مرو يخطىء ويخالف.
وفي صحيح ابن حبان(5488) حديثا من طريقه !!
4- بخصوص نص ابن حبان على توثيق الرواة ، قالا : (إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدلُّ على التوثيق ، فمعنى هذا أنه فتش حديثه ووجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يُوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل) .
أقول : مَنْ أسس قاعدة ثم هدمها بمعول مخالفته لها ، حريٌّ بمَن بعده عدم الأخذ بها ، وأكتفي هنا بمثالين ، جاءت إدانتهما فيه من قلميهما ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الترجمة ( 3660 ) : (عبد الله بن نافع الكوفي ، أبو جعفر الهاشمي مولاهم : صدوق ، من الثالثة . د عس) .
فتعقباه بقولهما : (بل مجهول ، تفرد بالرواية عنه الحكم بن عتيبة ، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال : صدوق) فأين المنزلة الرفيعة ؟ وأين أنزلا توثيق ابن حبان من توثيق الأئمة الكبار ؟؟(2/133)
وهل الأمر سوى محاولة تعقب الحافظ ابن حجر ؟ نسأل الله السلامة .
وفي الثقات لابن حبان( 8977 ) عبد الله بن نافع مولى بنى هاشم يروى عن أبيه عن عمر روى عنه الحكم بن عيينة وليس هذا بعبد الله بن نافع مولى بن عمر ذاك مجروح وهذا صدوق.
وفي التاريخ الكبير[ج5 - ص 213 ] ( 686 ) عبد الله بن نافع مولى بني هاشم عن أبيه سمع عمر رضي الله عنه قوله قاله آدم حدثنا شعبة عن الحكم
وفي الجرح والتعديل [ج 5 -ص 183 ]( 855 )عبد الله بن نافع مولى بنى هاشم روى عن أبيه سمع عمر رضي الله عنه روى عنه الحكم بن عتيبة ثنا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول ذلك.
وفي خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى - (ج 1 / ص 477) ( د عس ) عبد الله بن نافع الهاشمي مولاهم أبو جعفر الكوفي عن مولاه الحسن بن علي وعنه الحكم بن عتيبة قال ابن حبان: صدوق
قلت : الصواب أنه صدوق كما قال ابن حبان
والمثال الثاني : قال الحافظ ( 1221 ) الحسن بن جعفر البخاري : (ثقة) وقد تعقباه بقولهما : (بل مقبول ، روى عنه اثنان ولم يوثقه سوى ابن حبان) .
أقول : وابن حبان قد صرح بتوثيقه ( 8 / 173 ) فقال : (الحسن بن جعفر من أهل بخارا ، ثقة) وتصريح ابن حبان في توثيقه للمترجم نقله الإمام المزي في " تهذيب الكمال " ( 6 / 73 ) ، وابن حجر في " تهذيب التهذيب " ( 2 / 260 ) .
وحديثه في الأدب المفرد برقم(499 ) حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي مَسْخٌ ، وَقَذْفٌ ، وَخَسْفٌ ، وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْمَظَالِم"
ثالثاً : مسألة كثرة الرواة عن الشخص هل تعني توثيقاً ؟ أو تحسن من حال الراوي ؟ وهي مسألة أحب الدخول معهم بصددها في نقاش علمي ، ولذا سيتمحور ردي في كل فقرة منه على محورين ، الأول : إبطال ما قعداه ، الثاني إيراد أمثلة عملا فيها بخلاف ما قعداه ؛ ولكنني وقبل الولوج في هذا أود أن أتناول قاعدة لهج بها المحرران كثيراً في كتابهما ، ألا وهي رواية الجمع ، فقد كررا القول مراراً : (روى عنه جمع) فهل رواية الجمع تنفع الراوي أم لا ؟ .
أقول : لا بد في كل راوٍ – لكي تقبل روايته – من معرفة حاله ، وخبرة سيرته حتى يتسنَّى للناقد الحكم بقبول رواية ذلك الراوي أو ردها ، إلا أن بعض الرواة لم يستطع العلماء أن يتعرفوا حالهم ، وهم الذين يدعون ( بالمجاهيل ) وليسوا في طبقة واحدة ، بل المشهور أنهم ثلاثة : مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، ومجهول العدالة باطناً وهو الذي يسمى ( مجهول الحال ) ، ومجهول العين .
وقد نصت كتب المصطلح أن من روى عنه شخص واحد ، ولم يعلم حاله فهو مجهول العين فإن روى عنه آخر صار مجهول الحال ، فزيادة العدد هنا قد حسنت من حال الراوي ، لكن ينبغي التنبه لثلاثة أمور :
الأول : إن هذه الزيادة لم تخرجه عن حيز الجهالة ، بل غاية نفعها أنها أزالت عنه شيئاً من جهالته ، فنقلته من مرتبة جهالة إلى مرتبة جهالة أخرى أخف منها .
الثاني : إن هذه الزيادة حتى وإن عظمت فبلغت أكثر من اثنين غير مقتضية لإثبات العدالة ، وقد نصَّ الخطيب البغدادي وغيره على ذلك ، فقال : أقلُّ ما ترتفع به الجهالة – يعني : جهالة العين – أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك ؟ ... إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه)(1)
__________
(1) - الكفاية : ص :150(2/134)
الثالث : إن العبرة أصلاً ليست بكثرة الرواة وقلتهم ، بل بالمعرفة والسبر وللحافظ ابن القطان الفاسي كلام نفيس في كتابه " بيان الوهم والإيهام " حول قبول رواية المستور فقال – رحمه الله -(1): (والحقُّ في هذا أنه لا تقبل روايته ، ولو روى عنه جماعة ، ما لم تثبت عدالته ، ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه مهملاً من الجرح والتعديل ، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك ، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم) .
وقال الإمام السيوطي في شرحه لألفية العراقي ( ص 244 ) : (الرواية تعريف له – [ يعني : للراوي ] والعدالة بالخبرة ، وبأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه)
وقال أحد الباحثين : (ذكرت في المبحث السابق عن عدد من أئمة النقد أنهم قد يعدون الراوي مجهولاً إذا لم يرو عنه إلا راوٍ واحد ، وقد يعدّونه ثقة ، وقد يجهلون من روى عنه جماعة ، وقد يوثقونه ، أو يذكرون أنه معروف ، وهذا يعني أن العبرة عندهم ليست في عدد الرواة عن الشيخ ، وإنما العبرة بمعرفته واستقامة روايته)(2).
والآن حان الوقت للدخول في مناقشة كلام المحررين :
1- إن من ذكره ابن حبان في ثقاته ، وكان له راوٍ واحد ، فهو مجهول العين وهذه قاعدة تكاد تكون محل اتفاق المحدثين(3)، إلا أن المحررين لم يلتزما ذلك رغم كونها عميقة الأصالة لدى المحدثين ، وسأسوق أمثلة على ذلك :
أ- الترجمة ( 188 ) ، تفرد بالرواية عنه الأوزاعي ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6 / 21 ) ، وقال ابن حجر : مجهول ، تعقباه بأنه : ثقة !!
ففي تقريب التهذيب(188) إبراهيم بن طريف الشامي مجهول تفرد عنه الأوزاعي وقد وُثِّق من السابعة مد
وفي الجرح والتعديل [ج2 -ص 108 ] (309 ) إبراهيم بن طريف الشامي روى عن بن محيريز روى عنه الأوزاعي
وفي الثقات لابن حبان(6551 ) إبراهيم بن طريف شيخ يروى عن يحيى بن سعيد الأنصاري روى عنه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي
وفي تهذيب التهذيب [ج1 -ص 112 ] (230 ) مد أبي داود في المراسيل إبراهيم بن طريف الشامي عن عبد الله بن محيريز ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن كعب القرظي، وعنه الأوزاعي، قلت ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: شيخ ،ونقل بن شاهين في الثقات عن أحمد بن صالح قال: كان ثقة.
قلت : فالصواب أنه ثقة وله حديثان في كتب السنَّة ، ولكن الحافظ ابن حجر رحمه الله لم ينص على ثقته صراحة ، لأنه مخالف للقاعدة العامة ، حيث لم يرو عنه غير واحد .
ب- الترجمة ( 1385 ) ، تفرد بالرواية عنه الزهري ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 4/159 ) وقال ابن حجر : صدوق الحديث ، ولم يتعقباه !!
ففي تقريب التهذيب(1385) حصين بن محمد الأنصاري السالمي المدني صدوق الحديث من الثانية لم يرو عنه غير الزهري خ م س
وفي تهذيب التهذيب [ج 2 -ص 336 ] (678 ) خ م سي البخاري ومسلم والنسائي في اليوم والليلة حصين بن محمد الأنصاري السالمي المدني ،وكان من سراتهم سأله الزهري عن حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك فصدَّقه، قال ابن أبي حاتم عن أبيه روى عن عتبان وعنه الزهري مرسل ، وذكره ابن حبان في الثقات ..،وقال الحاكم : قلت للدارقطني حصين بن محمد السالمي الذي يروي عنه الزهري قال: ثقة إنما حكى عنه الزهري حديثين.
وفي ميزان الاعتدال(2092 ) حصين بن محمد الأنصاري [ خ، م ] السالمي فيحتجُّ به في الصحيحين، ومع هذا فلا يكاد يعرف.
فرد عليه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان[ج 7 -ص199 ] (2686 ) .. قلت: ذكره ابن حبان في الثقات، وإنما رويا له عن محمود بن الربيع
__________
(1) - 4 / 13 عقيب الحديث 1432
(2) - رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ص ( 194 )
(3) - قلت : ليست محل اتفاق ، بل كما ذكر العمش قبل قليل ، فقد يكون حديثه صحيحا وقد يكون حسنا ، وقد يكون ضعيفاً(2/135)
قلت : فالصواب مع الحافظ ابن حجر ومعهما حيث وافقاه ،وقد تفرد الزهري عن رواة فقد تفرَّد الزهري عن جماعة من تابعي المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره،ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "وَهُوَ حَدِيث أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْهَا وَإِسْنَاده قَوِيّ،وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة،فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته"(1)
قلت : وهذا أحد المواضع التي تبين معنى قول ابن حجر عن الراوي : " مقبول" بأنَّه– ثقةٌ أو صدوقٌ-عنده ؛ خلافاً للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين،فليتنبه لمثله !! .
وأعجب شئٍ في تضعيفهم لحديث نبهان،تقليدُ من ضعَّفه لأبي محمد بن حزمٍ،الذي زعم جهالة نبهان لتفرد الزهري بالرواية عنه !! .
فإن كنت لا تعلم ما في هذا التقليد من الخطأ والجفاء لمذاهب الأئمة الفحول،فاعلم أنَّه : قد تفرد أبو بكرٍ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزهرىُّ المدني عن جماعةٍ من المدنيين وغيرهم،ممن لم يرو عنهم غيرُه . ولست أعلم أحداً أحصى ما للزهرى من أفرادٍ على وجه التحديد،وسأذكر في هذه العجالة عشرين راوياً ممن هم في عداد المجاهيل،على طريقة أهل الإصطلاح،تفرد أبو بكرٍ الزهرى بالرواية عنهم،وتلقَّى الأئمة أحاديثهم بالقبول واحتجُّوا بها(2)
(1) إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس .
(2) ثابت بن قيس الأنصارى الزرقي المدنى .
(3) حسين بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري .
(4) حصين بن محمد الأنصارى السالمى المدنى .
(5) حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن .
(6) سحيم ـ بمهملتين مصغراً ـ مولى بنى زهرة .
(7) صالح بن بشير بن فديك أبو الفديك .
(8) عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم،ابن أخي سراقة بن مالك المدلجي
(9) عبيد الله بن خليفة الخزاعي الكوفى .
(10) عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشى العامرى المدنى .
(11) عقبة ويقال عتبة بن سويد الأنصاري .
(12) عكرمة بن محمد الدؤلى .
(13) عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
(14) عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان القرشى الأموى .
(15) عمرو بن عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام الجهنى .
(16) محمد بن سويد بن كلثوم بن قيس القرشى الفهرى،ابن ابن أخى الضحاك بن قيس
(17) محمد بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمى النوفلى .
(18) محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري .
(19) أبو عثمان بن سنة الخزاعي الكعبي الدمشقي .
(20) أبو الأحوص مولى بنى ليث أو غفار .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً،ليزداد يقينك فى توثيق وتعديل أمثال من روى عنه الزهرى،فنذكر أنموذجين من هؤلاء المذكورين :
[ الأول ] ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى .
__________
(1) - فتح الباري - (ج 15 / ص 48)
(2) - انظر الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي(2/136)
أخرج حديثه أحمد (2/267)(7846) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ،وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ،فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ : مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ ؟،فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا،فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ،فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ،فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ،وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ،تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ،وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ،فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلا تَسُبُّوهَا،وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا،وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا " .(1)
قلت : هذا حديث صحيح،رجاله ثقات كلهم رجال الصحيحين،خلا ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى،وهو ثقة ممن تفرد عنهم الزهرى .
وذكره ابن حبان في الثقات(2). وقال الحافظ المزي في تهذيب الكمال: " ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . روى عن أبي هريرة حديث ( الريح من روح الله) . روى عنه : الزهري . قال النسائي : ثقة . وقال أبو عبد الله ابن منده : مشهور من أهل المدينة"(3).
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : " ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . ثقة من الثالثة "(4).
[ الثانى ] عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
أخرج حديثه البخارى في كتاب الجهاد والسير (2821 ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ : أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَعَهُ النَّاسُ،مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ،فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ،حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ،فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ،فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : " أَعْطُونِي رِدَائِي،لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ،ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً،وَلا كَذُوبًا،وَلا جَبَانًا " .(5)
__________
(1) - وأخرجه كذلك الشافعي المسند (ص81) ، وعبد الرزاق في جامع معمر(11/89) والبخاري في الأدب المفرد (906،720) ، وأبو داود (5097) ، والنسائي في الكبرى (6/231/10768،10767) وعمل اليوم والليلة (932،931) ، وابن ماجه (3717) ، وأبو يعلى (10/527/6142) ، وابن حبان (5732،1007) ، وأبو الشيخ في العظمة(4/1314،1313) ، والحاكم (4/318) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/361) من طرق عن الزهرى عن ثابت بن قيس الزرقى عن أبى هريرة بنحوه .
(2) - الثقات (4/90/1962)
(3) - تهذيب الكمال (4/372/828)
(4) - التقريب (1/133/827)
(5) - وأخرجه كذلك عبد الرزاق (5/243/9497) ، وأحمد (4/82) ، وابن حبان (4820) ، والطبراني في الكبير (2/131:130/1555:1552) ، وابن عبد البر في التمهيد (20/52) ، والمزي في تهذيب الكمال(21/496) من طرق عن الزهرى أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ به .(2/137)
قال الحافظ المزى في تهذيب الكمال: "عمر بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني،أخو سعيد وجبير وإبراهيم بني محمد بن جبير ابن مطعم . روى عن أبيه محمد بن جبير بن مطعم . روى عنه الزهري . قال النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . روى له البخاري حديثاً واحداً "(1).
وفى تقريب التهذيب : " ثقة . ما روى عنه غير الزهرى . من السادسة"(2).
ج- الترجمة ( 1722 ) تفرد بالرواية عنه محمد إسحاق ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6/271 ) وقال ابن حجر : مقبول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
قلت : لا يقصد الحافظ ابن حجر رحمه الله (بمقبول) الضعف ، بل هي مرتبة تعديل على الصحيح، وحديثهم يدور بين الصحيح والحسن بشقيه .
د- الترجمة ( 3569 ) تفرد بالرواية عنه أبو سعيد جعثل بنص الذهبي في الميزان ( 2 / 483 و 499 ) وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 51 ) قال عنه ابن حجر : صدوق ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
قلت : هناك اختلاف فيه هل هو الذي قبله المخضرم الثقة أم لا ؟
وعلى كل حال له حديث واحد متابع فيه ، فالصواب أنه صدوق فقط ، وليس ثقة ، كما زعما
هـ- الترجمة ( 3669 ) ، تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة بنصهما وذكره ابن حبان في ثقاته ( 5 / 47 ) ، وقال عنه ابن حجر : وثقه النسائي ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
قلت : وهذا مثال آخر على تناقضهما ، قالا في معرض نقدهما للحافظ ابن حجر رحمه الله :" وقال في ترجمة عبد الله بن أبي نهيك وثقه النسائي)، ولم يطلق توثيقه، مع كون العجلي وابن حبان قد وثقاه " .
قلت :
ففي التقريب ( 3669 ) عبد الله بن أبي نهيك بفتح النون المخزومي المدني ويقال عبيد الله مصغر وثقه النسائي من الثالثة د
وفي الكاشف (3025 ) عبد الله بن أبي نهيك المخزومي عن سعد وعنه ابن أبي مليكة وثق حب د
وفي ميزان الاعتدال(5402 ) عبيد الله بن أبي نهيك [ د ].عن سعد بن أبي وقاص.لا يعرف.
وفي الثقات لابن حبان(3921 )عبيد الله بن أبي نهيك يروى عن سعد بن أبي وقاص روى عنه ابن أبي مليكة.
وفي الثقات للعجلي(1172) عبيد الله بن أبي نهيك ثقة
وفي تهذيب التهذيب[ج 6 -ص53 ] (111 ) د أبي داود عبد الله بن أبي نهيك المخزومي حجازي ويقال عبيد الله، قال أبو حاتم عبيد الله بن أبي نهيك القاسم بن محمد ،روى عن سعد بن أبي وقاص وعنه ابن أبي مليكة ذكره ابن حبان في الثقات قلت: لكنه ذكره في عبيد الله مصغرا وكذا ذكره جماعة وقال النسائي والعجلي عبيد الله بن أبي نهيك ثقة".
قلت : فتحصل لنا أنه لم يرو عنه غير ابن أبي مليكة .
وكذلك تبين لنا تناقض كلام الذهبي ، فقد قال في الكاشف وثقه ابن حبان ، وفي الميزان لا يعرف ، وبعد رجوعي لتذهيب تهذيب الكمال له لم أجده زاد حرفاً عما في تهذيب الكمال، بينما نجد الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه زاد (وقال النسائي والعجلي عبيد الله بن أبي نهيك ثقة".) يعني أنه بحث عمن تكلم في هذا الراوي فوجد أن النسائي والعجلي قد وثقاه .
ولكن لماذا لم يذكر توثيق العجلي في التقريب ؟
قلت: اكتفى بتوفيق النسائي لأنه أعلى من العجلي ، فمن يوثقه النسائي – وهو متشدد في الرجال- أقوى بكثير ممن يوثقه العجلي .
كما أنه لم يقصد ذكر أسماء كل من وثقه حتى يؤخذ هذا عليه .
ولكن لماذا لم يوثق الحافظ ابن حجر من كان على شاكلة هذا الراوي كالذي قبله كذلك ؟.
السبب لأنه لم يروعنه سوى راوٍ واحد فقط ، ولو روى عنه راو آخر لنصَّ على توثيقه صراحة ، ولم أظفر له براوٍ آخر .
__________
(1) - تهذيب الكمال (21/495/4301)
(2) - تقريب التهذيب (1/416)(2/138)
والأهم من ذلك أن الذي يتهم الحافظ ابن حجر بالتناقض أو القصور في الحكم ، قد وقع في نفس التهمة ، فهذا الراوي ليس له إلا حديث واحد ، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (120) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ."
قال الشيخ شعيب في تعليقه على الحديث : " إسناده صحيح، يزيد بن موهب: هو يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب، ثقة، عابد، وابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، وعبيد الله بن أبي نهيك ذكره في "التقريب" في عبد الله، وقال: ويقال: عبيد الله مصغراً. وثقه النسائي."
ويظهر أنه لم يرجع لتهذيب التهذيب بتاتاً !!
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (1476 ) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" .
(1549 ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" .
وقال محققه الشيخ شعيب : " صحيح لغيره ، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الله - ويقال : عبيد الله - بن أبي نهيك ، فقد أخرج له أبو داود، وهو لم يرو عنه غير عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وذكر ابن حجر في التهذيب أن النسائي والعجلي وثقاه أيضا ، وقال الذهبي في الميزان 3/16 : لا يعرف ."
وهذا تناقض جليٌّ ، مع أن مسند أحمد قد حقق بعد صحيح ابن حبان بزمان !!
وبعد هذه التخبطات العجيبة وصلا إلى النتيجة المضحكة التالية حيث قالا : " وهذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه، لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب سوى الإبتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً" .
قلت : وايم الله هما أحقُّ بهذا الوصف البعيد عن المنهج العلمي السليم .
و- الترجمة ( 5091 ) تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي بنصهما وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 180 ) ، قال الحافظ عنه : مقبول فتعقباه بأنه : ثقة !!
وفي تقريب التهذيب(5091) عمرو بن غالب الهمداني الكوفي مقبول من الثالثة ت س
وفي الكاشف(4210 ) عمرو بن غالب الهمداني عن علي وعمار وعنه أبو إسحاق وثق ت س
وفي تهذيب التهذيب [ج8 -ص77 ] (132 ) ت س الترمذي والنسائي عمرو بن غالب الهمداني الكوفي روى عن علي وعمار وعائشة والأشتر النخعي ، وعنه أبو إسحاق السبيعي ذكره ابن حبان في الثقات، قلت قال ابن البرقي :كوفي مجهول احتملت روايته لرواية أبي إسحاق عنه، وقال مسلم في الوحدان: تفرد عنه أبو إسحاق وقال أبو عمرو الصدفي: وثقة النسائي، وقال الذهبي ما حدَّث عنه سوى أبي إسحاق.
وفي التاريخ الكبير [ج 6 -ص 362 ](2642 )عمرو بن غالب الهمداني عن عائشة رضي الله عنها روى عنه أبو إسحاق الهمداني يعد في الكوفيين
وفي الثقات لابن حبان (4464 ) عمرو بن غالب الهمداني من أهل الكوفة يروى عن عائشة روى عنه أبو إسحاق السبيعي(2/139)
وفي الجرح والتعديل [ج 6 -ص 253 ](1399 ) عمرو بن غالب الهمداني كوفى روى عن عائشة روى عنه أبو إسحاق الهمداني نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول ذلك.
وفي ميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 283)6419 - عمرو بن غالب [ ت، ق ] الهمداني، عن عمار،ما حدث عنه سوى أبي إسحاق، لكن صحح له الترمذي.
قلت : هو من الطبقة الوسطى من التابعين ، وهم موثقون على الصحيح ، ولكن بما أنه لم يرو عنه إلا واحد ، وله متابعة في روايته ، فقد قال الحافظ ابن حجر عنه ( مقبول ) وحديثه يدور بين الصحة والحسن ، فلا انتقاد عليهما إلا لكونهما لم يفهما معنى هذه المرتبة عند الحافظ ابن حجر رحمه الله .
ز- الترجمة ( 5214 ) ، تفرد بالرواية عنه عمرو بن دينار ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 281 ) قال الحافظ : ليس بمشهور ، تعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!
وفي تقريب التهذيب (5214) عوسجة المكي مولى ابن عباس ليس بمشهور [وقد وثق] من الرابعة 4
وفي الكاشف (4308 )عوسجة عن ابن عباس مولاه وعنه عمرو بن دينار وثق وقال البخاري لم يصح حديثه 4
التاريخ الكبير[ج 7 -ص 76 ] (347 ) عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه عمرو بن دينار ولم يصح
وفي الثقات لابن حبان(4846 ) عوسجة الهاشمي يروي عن ابن عباس روى عنه عمرو بن دينار
وفي الجرح والتعديل[ج 7 -ص24 ](129 ) عوسجة مولى ابن عباس روى عن بن عباس روى عنه عمرو بن دينار سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال: ليس بمشهور، نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عنه فقال: مكي ثقة.
قلت : الصواب قولهما ، لأنه تابعي كبير ، ومولى لابن عباس ، ووثقه أبو زرعة ، ولكن يستثنى من ذلك ما تفرد به وأنكر عليه.
2- من ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال ، أود الإشارة هنا إلى أن المحررين لم يعتدا هنا بذكر ابن حبان للراوي في الثقات وذلك لأن رواية الاثنين عن الشيخ رافعة لجهالة العين مبقية على جهالة الحال ، وهو أمر شاع بين المحدثين ، فما قيمة ذكر ابن حبان عندهما هنا ؟!
وقول المحررين قول شاذ غريب ؛ لأننا لم نعهد عن أحد من العلماء المتقدمين إهمال ذكر ابن حبان للراوي في ثقاته بالكلية ، وإنما كانوا يفصلون في ذلك فيفرِّقون بين شيوخه وبين من عرفهم وبين غيرهم كما سيأتي إيضاحه ، فلا يحكمون لأول وهلة بل يوازنون ويقارنون .
3- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد ، أقول : هذا تنظير غير صحيح ، فكيف يختلف لديهما الحكم من اثنين إلى ثالث ، وقد سبق الكلام على أن رواية الجمع لا تؤثر في التوثيق وكيف يفرقان بين هذه الفقرة وبين التي قبلها في الحكم ، والمحصلة النهائية لحكمهما واحد ، إذ إن كلاً منهما مقبول في المتابعات والشواهد .
وهذا التنظير يعدم بالكلية الفائدة من ذكر ابن حبان للرواة في الثقات بالمرة إذ إن المخشي من توثيق ابن حبان توثيق المجاهيل ، فإذا كان المترجم من شيوخه أو شيوخ شيوخه ، أو ممن عرفهم وجالسهم فما المانع من قبول توثيقه ؟!
4- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .
أقول : ما بال زيادة راوٍ واحد نقلت الشيخ من فلك إلى فلك آخر ، ومن رتبة إلى أخرى ، وقد سبق قولي: إن العدد لا يؤثر في توثيق الراوي ، وما يَرِدُ على الفقرة السابقة يَرِدُ هنا ، فقد يكون الراوي من شيوخه أو شيوخ شيوخه أو من أهل بلده أو ممن عرفهم !!
ويحسن بنا ونحن في هذا المقام أن نعرض لما قرره العلامة المعلمي اليماني – رحمه الله – وشاع بين كثير من الناس ، إذ قال في التنكيل(1): (والتحقيق أن توثيقه على درجات :
الأولى : أن يصرح به ، كأن يقول : (كان متقناً) أو (مستقيم الحديث) أو نحو ذلك
__________
(1) - 2 / 450 – 451 و مجلة الحكمة العدد السابع عشر ص 393(2/140)
الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم .
الثالثة : أن يكون الرجل من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة .
الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة .
الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة ، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم والثانية قريب منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل – والله أعلم -) .
وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله - معقباً على كلام المعلمي : (هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف المعلمي – رحمه الله – وتمكنه من علم الجرح والتعديل وهو مما لم أره لغيره فجزاه الله خيراً .
غير أنه قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف ، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما من المحققين ، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة ، بل والتي قبلها أحيانا) .والحقُّ في ذلك أن ما قرره العلامتان المعلمي والألباني إطلاق يفتقر إلى تقييد ، لتصحح هذه القاعدة ، وقد أجاد بعض الباحثين في تفصيل ذلك ، إذ قسم الرجال الذين ترجم لهم ابن حبان في ثقاته إلى قسمين :
القسم الأول : الذين انفرد بالترجمة لهم .
القسم الثاني : الذين اشترك مع غيره بالترجمة لهم ، وهم على قسمين أيضاً :
الأول : الرواة الذين أطلق عليهم ألفاظ الجرح والتعديل ، وهؤلاء الرواة لم يكونوا على درجة واحدة ، بل كان فيهم الحافظ والصدوق والمجروح والضعيف والمجهول .
الثاني : الرواة الذين سكت عنهم ، وفيهم الحافظ والصدوق والمستور والمجهول والضعيف ومنكر الحديث .
وختاماً نص الباحث نفسه فقال : (والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان هو عرضهم على كتب النقد الأخرى ، فإن وجدنا فيها كلاماً أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد ، وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً طبقنا قواعد النقاد عليهم ، وقواعد ابن حبان نفسه .
وأغلب الرواة الذين يسكت عليهم ابن حبان ، ويكون الواحد منهم قد روى عنه ثقة ، وروى عن ثقة ، يكونون مستورين ، يقبلون في المتابعات والشواهد ولذلك فإنني قلت في رسالتي عن ابن حبان في الرواة الذين ترجمهم ساكتاً عليهم : بأنهم على ثلاث درجات :
1- فمنهم الثقات وأهل الصدق .
2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار .
3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول ، وهؤلاء ذكرهم للمعرفة – والله أعلم -)(1)
والذي أميل إليه : أن ما ذهب إليه المحرران من تقييد ذلك بعدد الرواة خطأ محض نشأ عن تسرع في الأحكام وعجلة كان ينبغي بمن مثلهما أن لا يقع فيها وأن ما ذهب إليه اليماني وتابعه عليه العلامة الألباني وما نظره الباحث جيد ؛ غير أن الأولى أن يقال أن ذلك لا يناط تحت قاعدة كلية مطردة بل الأمر يختلف من راوٍ إلى راوٍ حسب المرجحات والقرائن المحيطة التي تحفُّ الراوي ، فعندها يحكم على ذلك ، وعليه يحمل صنيع الإمامين الجهبذين الذهبي وابن حجر ، إذ إنهما لم يعملا ذلك تحت قاعدة كلية ، بل مرجع ذلك إلى القرائن المحيطة وحال الراوي وقرب عهده من بُعْدِه ، وكونه من المعروفين أو غير المعروفين ، وكونه من أهل بلد ابن حبان من غيرهم ، ولو أدرك المحرران لما وصفا صنيع الحافظ باضطراب المنهج وخلو كتابه من المنهجية ، نسأل الله الستر والعافية .اهـ
قلت ( علي):
وقد أورد في كتابه هذا كل من هو ثقة عنده كما ذكر وفيه حوالي بضعة عشر ألف ترجمة بشكل مختصر والثقات الذين أوردهم في كتابه على أنواع :
- الأول : قسم متفقٌ على ثقته وعدالته مثل :
__________
(1) - رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ( ص72 ).(2/141)
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي 4/4 قال عنه في التقريب أخرج له الجماعة عدا الترمذي (206) .
وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري ... وفي التقريب (178) ثقة .
وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . وفي التقريب (199) له رؤية ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة ووثقه العجلي اهـ . وغيرهم كثير مما لا خلاف فيه
- والثاني : قسم اختلف فيهم علماء الجرح والتعديل ، ورجح عند ابن حبان عدالتهم ومنهم :
إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي ، قال عنه في التقريب (204) صدوق ضعيف الحفظ اهـ
- والثالث : رواة ذكرهم ، وذكر عليهم بعض الملاحظات كيخطئ مثلاً ، وتكلم فيهم غيره ،كقوله في ترجمة إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق قال عنه: يخطئ 4/19 . وفي التقريب (450) ضعيف .
وكقوله في ترجمة أيوب بن خالد روى عنه موسى بن عبيده يعتبر بحديثه من غير حديث موسى عنه 4/29 وفي التقريب (610) فيه لين .
وكقوله في ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري يخطئ 4/59 وفي التقريب (408) صدوق .
فهؤلاء الرواة الذين تكلَّم فيهم ينظر في أحوالهم وفيما قال فيهم أئمة الجرح والتعديل لنصل إلى الرأي الراجح فيهم .
- والرابع : رواة وثقهم وروى عنهم اثنان من الثقات ، فما فوق فهؤلاء مقبولون على الراجح ، مالم يضعّفهم إمام معتبر .
- والخامس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد(1)ولم يأتوا بخبر منكر ، فهؤلاء - على الراجح - مقبولون وحديثهم حسن ، ولاسيما إذا ذكره البخاري في التاريخ وسكت عليه أو ذكره ابن أبي حاتم وسكت عليه ، أو قال عنه الذهبي في الكاشف : وُثّق ، أو وثقه معه الإمام ابن خزيمة أو الترمذي ، أو الحاكم ، أو روى له أبو داود والنسائي وسكتا عليه ، أو روى له أحمد في المسند ولم يضعفه أو مانص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول ... وما نسب إليه من أنه واسع الخطو في باب التوثيق ، يوثِّق كثيراً ممن يستحقُّ الجرح ، فهو قول ضعيف مردود ، وقد عرفنا أنه معدود ممن له تعنت وإسراف في جرح الرجال ، ومَن هذا حاله لايمكن أن يكون متساهلاً في تعديل الرجال ، وإنما يقع التعارض كثيراً بين توثيقه وبين جرح غيره ، لكفاية مالا يكفي في التوثيق عند غيره عنده .
ونقل السخاوي في فتح المغيث 1/36 أن شيخه الحافظ ابن حجر نازع في نسبة ابن حبان إلى التساهل فقال : إن كانت باعتبار وُجدان الحسن في كتابه ، فهو مشاحّة في الاصطلاح لأنه يسميه صحيحاً ، وإن كانت باعتبار خفّة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ماكان راويه ثقة غير مدلس ، سمع ممن فوقه ، وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك انقطاع ولا إرسال ، وإذا لم يكن في الراوي المجهول الحال جرحٌ ولاتعديل ، وكان كلّ من شيخه والراوي عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر ، فهو ثقة عنده ، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذا حاله ، ولأجل هذا ربما اعترض معترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف اصطلاحه ، ولا اعتراض عليه ، فإنه لا يشاحّ في ذلك اهـ .
فغاية ما في الأمر أن يوثق (مستور الحال) ، وهو ما لم يكن فيه جرح ولا تعديل ، وكان كلٌ من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر ، وقد وثق الأئمة كثيراً ممن هذا شأنهم وثمة نقول كثيرة عنهم تعزّز رأيه في رواية المستور فقد نقل الذهبي في الميزان 1/556 : في ترجمة حفص بن بُغيل قول ابن القطان فيه: لا يعرف له حال ولا يعرف ، ثم عقبه بقوله : لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا ، فإن ابن القطان يتكلم في كلِّ من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل ، أو أخذ عمن عاصره ما يدلُّ على عدالته ، وهذا شيءٌ كثيرٌ ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ كثير مستورون ، ماضعفهم أحدٌ ، ولاهم بمجاهيل .
وفي كتاب قرة العينين في ضبط أسماء رجال الصحيحين ص 8 :
لا يقبل مجهول الحال ، وهو على ثلاثة أقسام :
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 180-183 و204-208(2/142)
أحدهما مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، فلا يقبل عند الجمهور .
وثانيها مجهول العدالة باطناً ، وهو المستور ، والمختار قبوله ، وقطع به سُليم الرازي أحد أئمة الشافعية ، وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي وعليه العمل في كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم عهدهم وتعذّرت معرفتهم اهـ وبمثله قال ابن الصلاح والسخاوي في شرح الألفية(1)
- والسادس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا واحد أو اثنين نادراً ، ونص غيره على جهالتهم ..
- والسابع : رواة تناقض فيهم فذكرهم في الثقات ، وفي المجروحون !!
والكتاب بحاجة لتحقيق وضبط ومقارنة رواته مع ماقاله فيهم غيره من علماء الجرح والتعديل .
ــــــــــــــ
سابعا
المصنفات في الضعفاء خاصة
هذا النوع من التصنيف في تراجم الرواة أفرده مؤلفوه للضعفاء خاصة، وقد كان عدد المصنفات فيه أكثر بكثير من المصنفات في تراجم الثقات خاصة؛ وذلك لأن كثيرًا من المصنفات في الضعفاء قد اشتملت على كل من تُكلم فيه، وإن لم يكن ضعيفا حَقًّا، وما أكثر ما تُكلم فيه، ومن هذه المصنفات:
1- "الضعفاء الكبير" للبخاري.
2- "الضعفاء الصغير" للبخاري أيضا، وهو مُرَتَّبٌ على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من الاسم فقط
3- "الضعفاء والمتركون" للنسائي، وهو مُرتَّب على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من الاسم فقط. هذا، ويُعَدُّ النسائيُّ من المتشددين في جرح الرجال.
رابعا: "كتاب الضعفاء" لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المتوفى سنة 323 للهجرة.
وهو كتاب كبير ترجم فيه مؤلفه لأنواع كثيرة من الضعفاء، والمنسوبين إلى الكذب والوضع
حُقِّقَ في أربعة مجلدات بتحقيق قلعجي، ثم طبع حديثا في أربعة مجلدات بتحقيق فضيلة الشيخ حمدي السلفي حفظه الله.
خامسا: "معرفة المجروحين من المحدثين" لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البُسْتِيّ المتوفى سنة 354 للهجرة.
وهو مرتب على حروف المعجم، وقد قَدَّمَ له مؤلفه بمقدمة نفيسة، وذكر أهمية معرفة الضعفاء، وجواز الجرح وما يتعلق بذلك، كما بين طريقته في تصنيف كتابه، ويعتبر ابن حبان من المتشددين في الجرح أيضا
قد ذكر في مقدمة كتابه هذا أنواع المجروحين ، وقسمهم إلى عشرين قسماً . وهو يذكر المترجم له ، ثم يذكر ما أنكر عليه .. وفيه أكثر من ألف ترجمة . وهو من المسرفين في الجرح ، كما قلنا ، فإنه يجرح الراوي لغلط أو غلطين . وكثيراً ما يقول عن الراوي : يروي الأباطيل والملزوقات على الأثبات(2)!!
أمثلة :
قال في ترجمة أبان بن أبي عياش : ولعله روى عن أنس أكثر من ألف وخمسمائة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع إليه .
وقال في ترجمة أبان بن سفيان المقدسي : لا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ والرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص .
وكقوله عن أبان بن عبد الله البجلي من أهل الكوفة ، وكان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير ...
علماً أن الحافظ في التقريب قال عنه (140) صدوق في حفظه لين .
وقال في ترجمة إبراهيم بن مسلم الهجري : وكان ممن يخطيء فيكثر .
وفي التقريب : (252) لين الحديث رفع موقوفات . وفي الكامل أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ، وعامتها مستقيمة المتن ، يكتب حديثه الكامل 1/213 .
وقال في ترجمة إبراهيم بن مهاجر البجلي : كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد به من الروايات ، ولايعجبني الاحتجاج بما وافق الثقات لكثرة ما يأتي من المقلوبات ... وفي التقريب (254) صدوق لين الحفظ أخرج له
مسلم وأصحاب السُّنَن .
وقال عن إبراهيم بن المهاجر بن مسمار : منكر الحديث جداً وفي التقريب (255) ضعيف .
وقال عن إبراهيم بن عمر سفينة : يخالف الثقات في الروايات ويروي عن أبيه مالا يتابع عليه من رواية الأثبات فلا يحل الاحتجاج بخبره بحال ا هـ !!
__________
(1) - 1/321 و323 و347 وراجع مقدمة الإحسان 1/36-40
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث 183-187(2/143)
وفي التقريب (221) مستور ، روى له أبو داود والترمذي .
ومن هنا نقول : لايجوز الاعتماد عليه وحده في الجرح لإسرافه فيه .
والكتاب بحاجة لمراجعة تراجمه وأحاديثه ومقارنة ذلك مع غيره .
السادس
الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (365) هـ :
وهو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني قال حمزة السهمي : كان أبو أحمد بن عدي حافظاً متقناً ، لم يكن في زمانه مثله ، وقال : سألت الدارقطني أن يضيف كتاباً في الضعفاء فقال : أوليس عندك كتاب ابن عدي ؟ !
قلت نعم ، قال : فيه كفاية لا يزاد عليه ا هـ(1).
وقال الذهبي : أما في العلل والرجال فحافظ لايجارى(2)
وقال ابن ناصر الدين : هو إمام حافظ كبير ثقة مأمون ، له كتاب في الجرح والتعديل سماه الكامل ، وهو كتاب جليل حافل .
وقال الحافظ ابن كثير : له كتاب الكامل في الجرح والتعديل ، لم يسبق إلى مثله ولم يلحق في شكله(3)
وقد ذكر في كتابه هذا كل من تكلّم فيه بأدنى شيء ، ولو كان من رجال الصحيحين ، منتصرٌ له إذا أمكن .. وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاده ...(4)
والذين أوردهم فيه : الضعفاء ، والثقات الذين تُكلّم فيهم أو أنكر عليهم أحاديث ، ومن اختلف فيهم ، ومن لم يتكلم فيه أحد ، مع العلم أن أحاديثه غير محفوظة .
وقد رتبه على الحروف الهجائية ، وبدأه بترجمة لعلماء الجرح والتعديل وهو يذكر اسم المترجم له ، ثم ينقل بسنده المتصل رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، ثم يذكر له بعض مارواه ، ثم يذكر رأيه فيه بعد سبره لأحاديثه .
- وهو من المنصفين في الجرح والتعديل إلى حدّ بعيد .
- وهو أول من قام بهذه الدراسة النقدية الداخلية
أمثلة :
قال في ترجمة أحمد بن بشير : قال الإمام يحيى بن معين : لاأعرفه وقال عثمان بن سعيد الدارمي : كان من أهل الكوفة ، ثم قدم بغداد ، وهو متروك .ثم ذكر ابن عدي بعض ما أنكر عليه .
ثم قال : وأحمد بن بشير له أحاديث صالحة ، وهذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له ، وهو في القوم الذين يكتب حديثهم(5).
أقول : يعني أنه مقبول الرواية خلا هذه الأحاديث التي أوردها في ترجمته .
وقال عنه في التقريب (13) صدوق له أوهام .
ثم الأحاديث التي أنكرها عليه ابن عدي فيها المنكر وفيها غير المنكر .
فالأول : (تعبد رجل ...) واه منكر
والثاني : (لووزنت دموع آدم ...) والصواب وقفه(6)
والثالث : لا ينبغي لقوم يكون أبو بكر فيهم أن يؤمهم غيره . ضعيف مرفوعاً ، والصواب وقفه(7)
والرابع : حديث (اللهم أوسع رزقك ...) مختلف فيه(8).
والخامس : (اللهم بارك لأمتي في غُدّوها) صحيح لغيره
والسادس : (لاحول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) هو في الصحيحين(9).
والسابع : (حديث من أسرع الناس هلاكاً ؟ قال : قومك ...) وهو حديث صحيح لغيره(10).
فيجب الانتباه للأحاديث التي يوردها الإمام ابن عدي في كامله فليست كلها مردودة ، بل فيها الصحيح والحسن .
وقال في ترجمة أحمد بن حازم أظنه مديني ، ويقال مزني معافري ، مصري ، ليس بالمعروف ، يحدث عنه ابن لهيعة ويحدث أحمد هذا عن عمرو بن دينار وعبدالله بن دينار ، وعطاء وابن المنكدر ، وصفوان بن سليم بأحاديث عامتها مستقيمة .. اهـ
__________
(1) - تاريخ جرجان 226
(2) - الميزان 1/2
(3) - البداية 11/283
(4) - راجع السير 16/154
(5) - الكامل 1/165-167
(6) - انظر الشعب (834 و835) والخطيب 4/47
(7) - انظر الترمذي (3673)
(8) - الحاكم 1/542 والمجمع 10/182 والدعا للطبراني (1049) وحسنه الهيثمي
(9) - البخاري 5/120 و8/102 و108 و156 و9/144 ومسلم في الذكر والدعاء رقم (44 و45 و47)
(10) - أخرجه أحمد 6/81 و90 وابن أبي عاصم 2/64 والمجمع 10/28(2/144)
أو كقوله عن أحمد بن أبي نافع أبو سلمة الموصلي ، بعد أن روى له بعض الأحاديث: قال وهذان الحديثان غير محفوظين ، وأحمد ابن أبي نافع متقارب الحديث ليست أحاديثه بالمنكرة جداً(1).
أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى : أظنه بصري ، يحدث عن أهل الأهواز ، يخالف الثقات في روايته عن شعبة ، وقد حدث عن غير شعبة بأحاديث مستقيمة ثم قال أخيراً : ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابه"(2)
أقول : والأهم من هذا أنه استطاع بنظرته الثاقبة وحفظه الواسع أن يمحّص في الرواة المختلف فيهم ويصل إلى نتائج هامة جداً في هذا المعترك الصعب .
- كقوله في ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي روى عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق : المغازي ، وأنكرت عليه وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكير .
ثم قال : كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يحسنان القول في أحمد بن محمد بن أيوب ، وسمع علي منه المغازي ، وكان يحيى بن معين يحمل عليه .
ثم قال : وأحمد بن محمد هذا أثنى عليه أحمد وعلي ، وتكلم فيه يحيى ، وهو مع هذا كله صالح الحديث ليس بمتروك اهـ(3).
- وكان يرد جرح الأقران كجرح يحيى بن معين والنسائي في أحمد بن صالح أبو جعفر المصري . ثم قال وأحمد بن صالح ممن أجلّه الناس ...
ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلّم فيه متكلم لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره اهـ(4)
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي بعد أن نقل عن ابن خراش أنه حلف بالله أن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً ، فقال رداً عليه : وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ اهـ(5).
- وقد يرجح قولاً من الأقوال التي قيلت في الراوي كقوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن السكسكي الكوفي ونقل عن شعبة طعنه فيه ، وقال النسائي : ليس بذلك القوي ويكتب حديثه ... ثم قال : ولم أجد له حديثاً منكر المتن ، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ، ويكتب حديثه كما قال النسائي(6)
- أو كقوله في إبراهيم بن مسلم أبو اسحاق الهجري بعد أن نقل تضعيفه عن سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي ..
قال : وإبراهيم الهجري هذا حدّث عنه شعبة والثوري وغيرهما ، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن ، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وهو عندي ممن يكتب حديثه اهـ(7)
أو كقوله في إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المديني بعد أن نقل قول البخاري فيه : منكر الحديث ، وقول يحيى بن معين صالح ليس به بأس . وذكر له حديثاً في فضل قراءة طه ويس ..
ثم قال : وإبراهيم بن مهاجر لم أجد له حديثاً أنكر من حديث (قرأ طه ويس) ... وباقي أحاديثه صالحة اهـ(8)
- ولم يكن ليتعصب ضد الرواة المتهمون بالتشيع أو الغلو فيه .
فقد قال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي بعد أن نقل تكذيبه عن الشعبي وأبي حنيفة وليث بن أبي سليم ويحيى بن معين وغيرهم ...
قال : ولجابر حديث صالح ، وقد روى عنه الثوري الكثير وشعبة أقل رواية عنه من الثوري ، وحدّث عنه زهير وشريك وسفيان والحسن بن صالح وابن عيينة وأهل الكوفة وغيرهم ، وقد احتمله الناس ورووا عنه ، وعامة ماقذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة ، وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً ، ولم يتخلّف أحد في الرواية عنه ، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في الإنكار ، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق اهـ(9)
__________
(1) - الكامل 1/169
(2) -الكامل 1/170 و171
(3) - الكامل 1/174 و175
(4) - الكامل 1/180-184
(5) - الكامل 1/190
(6) - الكامل 1/210 و211
(7) - الكامل 1/211-213
(8) - الكامل 1/216
(9) - الكامل 2/113-120(2/145)
- وقد يذكر راوياً ويورد له عدداً من الأحاديث ويضعفه ويكون الحمل فيها ليس على هذا الراوي وإنما على الراوي عنه مثل غالب القطان فقد ذكره وأورد له أحاديث ، والحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري وغيره ، وهو من عجيب ماوقع له والكمال لله تعالى(1)
- وقد ينسب إلى التساهل مع بعض الرواة كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني: حيث نقل تكذيبه عن مالك ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وغيرهم ، وأطال النفس في ترجمته . ثم نقل رواية الشافعي عنه وابن جريج والثوري وعباد بن منصور ويحيى بن أيوب .
ثم قال : وإبراهيم بن أبي يحيى ذكرت من أحاديثه طرفاً ، روى عنه ابن جريج والثوري وعباد بن منصور
ومندل ، ويحيى بن أيوب ، وهؤلاء أقدم موتاً منه وأكبر سنّاً ، وله أحاديث كثيرة ، ... وقد نظرت أنا في أحاديثه وسجرتها وفتشت الكل منها ، فليس فيها حديث منكر وإنما يروي المنكر إذا كان العهدة من قبل الراوي عنه ، أو من قبل من يروي إبراهيم عنه وكأنه أتى من قبل شيخه لا من قبله ، وهو في جملة من يكتب حديثه ، وقد وثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما ا هـ 1/217-225
وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (241) متروك ا هـ .
- ولكن الثابت عن ابن عدي وغيره من الأثريين تحاملهم على أهل الرأي ، وهذا لايقبل منهم(2)
- كقوله في ترجمة محمد بن الحسن الشيباني بعد أن نقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى وغيرهما .
قال : ومحمد بن الحسن هذا ليس هو من أهل الحديث ، ولا هو ممن كان في طبقته يُعنون بالحديث حتى أذكر شيئاً من مسنده على أنه سمع من مالك - الموطأ - والاشتغال بحديثه شغل لا يحتاج إليه ، لأنه ليس هو من أهل الحديث فينكر عليه ،. وقد استغنَى أهل الحديث عما يرويه محمد بن الحسن وأمثاله ا هـ 6/174 و175
أقول : هذا الكلام في حقه فيه تجنّ كثير قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من اللسان : تفقه على أبي حنيفة ، وسمع الحديث من الثوري ومعمر وعمر بن ذر ، ومالك بن مغول ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وربيعة بن صالح ، وجماعة وعنه الشافعي ، وأبو سليمان الجوزجاني ، وهشام الرازي وعلي بن مسلم الطوسي ، وغيرهم ، ولي القضاء في أيام الرشيد ، وقال ابن عبد الحكيم : سمعت الشافعي يقول: قال محمد : أقمت على باب مالك ثلاث سنين ، وسمعت منه أكثر من سبعمائة حديث ، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد وقر بعيد كتباً ، وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه في حق محمد بن الحسن : صدوق ا هـ 5/121-122 (2)
- أو ماقاله في ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت حيث نقل تضعيفه عن كثير من أهل الجرح والتعديل وأفاض في ترجمته ثم ختمها بقوله : وأبو حنيفة له أحاديث صالحة ، وعامة مايرويه غلط ، وتصاحيف وزيادات في أسانيدهها ومتونها ، وتصاحيف في الرجال ، وعامة مايرويه كذلك ، ولم يصح له في جميع مايرويه إلا بضعة عشر حديثاً وقد روى من الحديث لعله أرجح من ثلاثمائة حديث من مشاهير وغرائب وكله على هذه الصورة ، لأنه ليس هو من أهل الحديث ، ولا يحمل على من تكون هذه صورته في الحديث ا هـ 7/5-12
أقول : هذا الكلام غير صحيح ، قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/168: أبو حنيفة الإمام الأعظم ، فقيه العراق ... حدّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وسلمة ابن كهيل وأبي جعفر محمد ابن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحاق وخلق كثير ...
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 189 - 190 والرفع والتكميل
(2) - انظر قواعد قواعد في علوم الحديث 342 - 345(2/146)
وحدّث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وبشر كثير ، وكان إماماً ورعاً عالماً عاملاً ، متعبداً ، كبير الشأن ، لايقبل جوائز السلطان قال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين قال : لا بأس به ، ولم يكن متهماً ... ا هـ
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي 1/188 : قال : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدّم على التعديل على إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ...
ثم قال 1/190 : قد عرفناك أن الجارح لايقبل فيه الجرح وإن فسّره في حق من غلبت طاعاته على معصيته ،ومادحوه على ذاميّه ومزكوّه على جارحيه ، إذا كانت هناك قرينة تشهد بأن مثلها حامل على الوقيعة فيه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري في أبي حنيفة ، وابن أبي ذئب وغيره في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون ا هـ(1)
وترجمه الحافظ ابن حجر في التهذيب(2)ترجمة مطولة ولم يذكر رواية واحدة تطعن في روايته وعدالته ، بل أثبت عدالته وثقته ... وهذا هو الحق والمذهب الحنفي مملوء بآلاف الأحاديث المستدل بها على الأبواب وهذا يرد على كل من يطعن في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وكل جرح لايستند إلى أسس موضوعية سليمة مرفوض مهما كان قائله إذ لايعصم عن الخطأ إلا الأنبياء .
وهناك نقطة هامة حول كتاب الكامل لابن عدي رحمه الله فقد أورد ضمن تراجم الكتاب مايزيد على ثمانية آلاف حديث وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، والمنكر والواهي والموضوع . والمقبول منها غير قليل .
كحديث (ائذنوا للنساء)(3)فهو صحيح ، فليس مجرد عزو الحديث إلى الكامل دليلاً على ضعفه ووهنه(4)!!
فلا بد من مراجعة الحديث في كتب السنة الأخرى لترى ماقالوا فيه .
وهذا الكتاب - الذي لم ينسج على منواله - بحاجة لتحقيق وضبط وتخريج لكامل أحاديثه .
ــــــــــــــ
السابع
"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي.
هذا الكتاب من أجمع الكتب في تراجم المجروحين كما قال الحافظ ابن حجر..
فقد اشتمل على ثلاث وخمسين وأحد عشر ألف ترجمة كما هو في النسخة المطبوعة التي رُقِّمَتْ تراجمها، وإن كُرِّرَتْ بعضُ التراجم كما إذا ذكر الشخصُ في فصل الأنساب، وهو مذكورٌ في الأسماء، وهو كتابٌ يشبه إلى حَدٍّ ما كتاب "الكامل" لابن عدي من حيث المنهج؛ فقد ذكر فيه الذهبي كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فيه، وإن كان ثقة؛ فإنما يذكر مثل هؤلاء للدفاع عنهم، وردّ الكلام الموجه إليهم.
وقد قدم للكتاب بمقدمة بَيَّنَ فيها منهجه، وذكر بأنه صنفه بعد كتابه "المغني في الضعفاء"، وأنه طول فيه العبارة، وزاد فيه عِدَّةَ أسماء على "المغني"، ثم ذكر أنواع الرجال المتكلم فيهم ممن احتواهم هذا الكتاب إلى آخر ما فيها.
__________
(1) - انظر ترجمته مطولة في كتاب قواعد في علوم الحديث 308-338
(2) - التهذيب 10/449-452
(3) - الكامل1/215
(4) -إذ أخرجه البخاري 2/5 و7 ومسلم الصلاة ح (139) وغيرهما انظر قواعد في علوم الحديث 274-275 و424(2/147)
وقد رتب كتابه على حروف المعجم بالنسبة للاسم واسم الأب، وَرَمَزَ على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة برموزهم المشهورة. فإن اجتمعوا على إخراج رجل؛ فالرمز له "ع"، وإن اتفق عليه أرباب السُّنَن الأربعة فالرمز "عو"، وقد سرد أسماء الرجال والنساء على حروف المعجم، ثم كُنى الرجال، ثم من عُرِفَ بأبيه، ثم من عُرِفَ بالنسبة أو اللقب، ثم مجاهيل الأسماء، ثم مجاهيل الاسم، ثم في النسوة المجهولات، ثم كُنى النسوة، ثم فيمن لم تُسَمَّ.
وقد رتبه على حروف المعجم ، ويذكر المترجم له ، ثم يبين أهم من أخذ عنهم الحديث ، ثم يذكر من روى عنه ، ثم يذكر بعض مروياته أو أخباره ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، وقد يرجح رأياً من الآراء انظر الأرقام (1 و2 و35 ...) ، ويأتي برأي جديد انظر الأرقام (8 و10 و17 و20 و22 و32 و53).
ويغلب عليه الاعتدال والانصاف ، ولايخلو من تشدد أحياناً ومن تشدده :
قوله عن أبان بن عثمان الأحمر (13) ومارد عليه الحافظ ابن حجر في اللسان 1/24 (20) وانظر الأرقام (28 و29) واللسان 1/ (48 و49) و(30) واللسان 1/(50) و(31) واللسان 1/(51) و(33) واللسان 1/(52) و(37) واللسان 1/(61) و(43) واللسان 1/(67) و(44) واللسان 1/(68) و(47) واللسان 1/(71) و(48) واللسان 1/72) و(56) واللسان 1/(81) و(59) واللسان 1/(85) وغير ذلك كثير .
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في أشياء في التهذيب واللسان والكتاب بحاجة لتخريج أحاديثه ومقارنة رواته بغيرهم من كتب الجرح والتعديل(1).
وله أيضا المغني في الضعفاء والمتروكين له :
وهو مختصر لكتابه الميزان ذكر فيه أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة ترجمة ، ويغلب عليه التشدد انظر الأرقام التالية (12) وقارنه باللسان 1/(20) و(13) واللسان 1/(22) و(18) واللسان 1/(31) ، والجرح والتعديل 2/(1096) و(1109) و(34) واللسان 1/(61) و(40) واللسان 1/(67) ، و(41) واللسان 1/(68) و(43) واللسان 1/(71) ، و(44) واللسان 1/(72) و(50) والجرح والتعديل 2/(225) ، و(52) واللسان 1/(84) والجرح والتعديل 2/(227) ، و(57) واللسان 1/(97) وتاريخ البخاري 1/1/281 و(62) واللسان 1/(106) ، و(63) والتاريخ الكبير 1/1/281 واللسان 1/(110) والثقات 8/80 ، و(73) واللسان 1/(132) .و(75) واللسان 1/(137) والجرح 2/98 ، وك (7) واللسان 1/(138) وغيرهم كثير ، وقد قام أستاذنا الدكتور نور الدين العتر بتحقيقه وردّ كثيراً من أخطائه .
ومع هذا فالكتاب بحاجة لدراسة أوسع ومقارنة الرواة الذين ذكرهم بما قاله علماء الجرح والتعديل حتى نستطيع الاعتماد عليه .
- ديوان الضعفاء والمتروكين له :
فيه أكثر من خمسة آلاف ترجمة ، والتشدد فيه جلّي والتراجم مختصرة جداً ، وقد يذكر رأي عالم من علماء الجرح والتعديل ويسكت عليه ، أو يذكر رأيه هو .
ولو قارنا بين قوله في الراوي هنا وبين قوله في الميزان لرأينا تناقضاً صارخاً .
- كقوله في ترجمة أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي (9) صاحب مالك ، قبله بعضهم ، وقال ابن عدي حدث بالبواطيل ا هـ وقال في الميزان 1/83 : ولم ينقم على أبي حذافة متن ، بل إسناد ولم يكن ممن
يتعمد..) وفي التقريب (9) سماعه للموطأ صحيح ، وخلّط في غيره ا هـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى عن شعبة : قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة (11) .
وفي الميزان 1/48 قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة وله عن غير شعبة أحاديث مستقيمة ا هـ
وقال ابن عدي عنه : بعد كلامه ذلك ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابة ا هـ 1/171 .
وكقوله في ترجمة أحمد بن بديل اليامي مشهور قال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه ا هـ (12).
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 179 و180 و183 و184 و185 و187 و188 و189 و205 و211 و212 و351 وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي(2/148)
وفي الميزان : 1/84 : قال النسائي لابأس به ، وقال ابن عدي حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث
أنكرت عليه وهو ممن يكتب حديثه ، وقال الدارقطني : فيه لين ا هـ وفي الكاشف (10) قال س: لابأس به ، ولينه ابن عدي والدارقطني وكان عابداً ا هـ .
وفي التقريب (12) صدوق له أوهام اهـ
- أو كقوله في أحمد بن بشير عن الأعمش وغيره ، قال عثمان الدارمي : له مناكير ا هـ (13) .
وقال عنه في المغنى : لابأس به ، قال الدارقطني : ضعيف يعتبر بحديثه ، وقال س : ليس بذاك القوي 1/34
وفي الكاشف (11) قال ابن معين : ليس بحديثه بأس ا هـ .
- أو كقوله عن أحمد بن سليمان بن أبي الطيب عن هشيم : ضعفه ابن أبي حاتم ا هـ (44) .
وفي الميزان 1/102 : وثق ، وضعفه ابن أبي حاتم وحده وقال أبو زرعة : حافظ محله الصدق ا هـ
وفي الكاشف (35) وصفه بالحافظ وسكت عليه .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن عاصم البلخي قال أبو حاتم : مجهول (53) وقال في الميزان 1/106 تعقيباً على كلام أبي حاتم : بل مشهور روى عنه البخاري في الأدب المفرد ا هـ .
- أو كقوله في أحمد بن عبد الله بن أبي المضاء شيخ للنسائي : لايعرف (66) وفي التقريب (59) ثقة
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن أبي ابن وهب شيخ مسلم قال ابن عدي : رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه ، حدث بما لا أصل له ا هـ (69) .
أقول : قال ابن عدي بعد أن ضعفه : ومن كتب عنه من الغرباء غير أهل بلده لا يمتنعون من الرواية عنه ، وحدثوا عنه ، منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم فمن دونهما ، وسألت عبدان عنه فقال : كان مستقيم الأمر في أيامنا ، وكان أبو الطاهر بن السرح يحسن القول فيه ، وقال : وكل ما أنكروه عليه فمحتمل وإن لم يكن يرويه عن عمه غيره ولعله خصّه به ... ا هـ الكامل 1/184-186 وفي التقريب (67) صدوق تغير بآخره ، وفي الجرح والتعديل صدوق 1/60 .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن مروان الدينوري صاحب الحجالة اتهمه الدارقطني ا هـ (105) .
وفي الميزان 1/156 قال : ضعفه الدارقطني ومشّاه غيره ا هـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن نفيل الكوفي شيخ النسائي : لا يعرف ا هـ (115) وفي المغني : شيخ للنسائي لا يعرف ، لكن النسائي نظيف الشيوخ وقد قال لا بأس به ا هـ 1/61 . وفي التقريب (121) صدوق ا هـ
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن هاشم عن عباد بن صهيب : اتهمه الدارقطني ا هـ (116)
وفي الميزان 1/162 ووثقه الحاكم ا هـ
وفي التقريب (122) صدوق في حفظه شيء .
وهكذا الكثير ، فلا يجوز الاعتماد عليه لوحده ولابد من مقارنته بالميزان أولاً ، ثم بكتب الجرح والتعديل .
- وقد يدافع عن المترجم له ويرد ماقيل فيه أحياناً
كقوله عن أحمد بن الحسن بن خيرون : ثقة حافظ تكلم فيه ابن طاهر بكلام بارد ، وهو أوثق من ابن طاهر بكثير ا هـ (23) .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن صالح المصري الحافظ : ثقة ، لم يتكلم فيه النسائي بحجة ا هـ (47) .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الله أبو نعيم : ثقة لم يتكلم فيه بحجة ا هـ (67)
أو كقوله في ترجمة أبان بن يزيد العطار : ثقة لينه بعضهم بلا حجة ا هـ (139)
- وقد ينقل في ترجمة الراوي أقوالاً لم تصح :
كقوله في ترجمة إبراهيم بن سويد الصيرفي : ضعفه النسائي ا هـ (191) !
وقال في الميزان 1/37 : قال ابن معين : مشهور ، ووثقه غيره ا هـ
وفي التقريب (184) ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه ا هـ
وكقوله في ترجمة الحسين بن علي المصري الفرّاء من شيوخ ابن عدي ضعفه ابن عدي ا هـ (1000)
وفي الميزان 1/543 : ألحقه ابن عدي بالثقات ، ولينه بعضهم وقال ابن عدي لم أر له شيئاً منكراً ا هـ والكامل 2/367 بنحوه .
لذا يجب تحقيقه من جديد ومقارنته مع غيره من كتب الرجال .
ــــــــــــــ(2/149)
الثامن
لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني.
وهو الإمام الحجة العلامة قاضي القضاة الحافظ شيخ مشايخ الإسلام ، سيد العلماء الأعلام ، مرجع المحققين ، وسند المدققين شيخ السنة ، البيهقي الثاني ، شهاب الدنيا والدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني .... صاحب التصانيف النادرة ، والتي تشهد بأنه إمام الحفاظ ، محقق المحدثين زبدة النقادين ، لم يخلّف بعده مثله ... اهـ(1)
فهذا الكتاب التقط فيه مؤلفه من كتاب "ميزان الاعتدال" التراجمَ التي ليست في كتاب "تهذيب الكمال" وزاد عليها جملةً كثيرةً من التراجمِ المتكلَّم فيها، فما زادهم من التراجم؛ جعل أمامه رمز "ز"، وما زاده من ذيل الحافظ العراقيِّ على "الميزان" رَمَزَ له "ذ" إشارة إلى أنه من ذيل شيخه العراقيّ.
ثم إن ما زاده من التنبيهات والتحريرات في أثناء بعض التراجم التي التقطها من "ميزان الاعتدال" للذهبي ختم كلام الذهبي بقوله: انتهى، وما بعدها؛ فهو كلامه.
ثم إن المؤلف عاد فجرد الأسماء التي حذفها من الميزان، ثم سردها في فصل ألحقه في آخر الكتاب؛ ليكون الكتاب مستوعِبًا لجميع الأسماء التي في الميزان كما قال.
وقد قال المؤلف -رحمه الله- في أول هذا الفصل:
فصل في تجريد الأسماء التي حذفتها من الميزان اكتفاء بذكرها في "تهذيب الكمال"
وقد جعلت لها علاماتها في التهذيب، ومَنْ كتبت قبالتَه "صح" فهو من تكلم فيه بلا حجة، أو صورة "مخ" فهو مختلف فيه، والعمل على توثيقه بين كذا ذلك.
فضعيف على اختلاف مراتب الضعف، ومن كان منهم زائدا على من اقتصر عليه الذهبي في "الكاشف" ذكرت له ترجمة مختصرة؛ لينتفع بذلك مَنْ لم يحصل له "تهذيب الكمال" وبالله التوفيق.
ثم قال -رحمه الله- في آخر هذا الفصل:
آخر التجريد، وفائدته أمران:
الأول: الإحاطة بجميع من ذكرهم المؤلف في الأصلي.
والثاني: الإعانة لمن أراد الكشفَ عنِ الراوي فإن رآه في أصلنا؛ فذاك، وإن رآه في هذا الفصل؛ فهو إما ثقة، وإما مختلف فيه، وإما ضعيف، فإن أراد زيادةَ بَسْطِ النظرِ في مختصر التهذيب؛ نظر في مختصر التهذيب الذي جمعتُه ففيه كل ما في "تهذيب الكمال" للمزي من شرحِ حالِ الرواةِ وزيادة عليه، فإن لم يحصل له نسخة منه؛ فتذهيب التهذيب للذهبي؛ فإنه حسنٌ في بابه، فإن لم يجده لا هنا ولا هنا؛ فهو إما ثقة أو مستور.
هذا وقد رتب التراجمَ على حروفِ المعجم، ثم بعد انتهاء الأسماء؛ ذكر الكُنَى ورتبها على الحروف أيضا، ثم المبهمات وقد قسمهم إلى ثلاثة فصول:
الأول: المنسوب.
والثاني: من اشتهر بقبيلة أو صنعة.
والثالث: من ذُكِرَ بالإضافة.
وقد طبع الكتاب في ستة أجزاء فطبعته دائرة المعارف العثمانية في الهند سنة 1329 للهجرة.
وهذا فصلٌ مفيدٌ جدًّا للطالب، وإذا كنا قبل ذلك تكلمنا على رواة الكتب الستة التي في "تهذيب الكمال" وأصوله وفروعه، والكلام على الكتب التي في الثقات خاصةً؛ فالكلام هنا في هذا الفصل -كلِّه- في الكلام على الرواة الضعفاء.
وقد لخص الحافظ ابن حجر رحمه الله ما قاله الأقدمون في الراوي بما فيهم الذهبي في الميزان واستدرك عليه كثيراً ، وناقشهم في كثير من الرواة انظر الأرقام التالية من الجزء الأول : (6 و9 و12 و20 و22 و31 و49 و51 و52 و56 و61 و68 و71 و72 و73 ...)
وقد حققه الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله
ـــــــــــــــ
ثامنا
المصنفات في رجال بلاد مخصوصة
الأئمة -رحمهم الله- اعتنوْا عنايةً فائقةً بتدوين الرواة وتصنيفهم والكلام عليهم،فجعلوا الثقات في ناحية والضعفاء في ناحية،والكتب التي جمعت بين الثقات وبين الضعفاء كما في "تهذيب الكمال للمزي" -رحمه الله-.
__________
(1) - انظر التهذيب 12/498-504(2/150)
وترى مثلا كتاب مثل كتاب النسائي حجمه صغيرٌ جدًّا وكتاب البخاري "الضعفاء" كتابٌ صغير الحجم،و"الضعفاء" للذهبي،وغيرها من الكتب التي تستطيع أن تقرأها في جلسة أو في جلستين تعطيك معلومات سريعة عن الرواة مرتبة على حروف الهجاء بأقصر طريق،وأقصر وقت.
هذا بلا شك يُعطي للطالب بعد فترة من النظر نوعا من الممارسة والدّربة والتعرف على أحوال الثقات،والتعرف على أحوال الضعفاء فيُحَصِّل بذلك مَلَكَةً تعينه -إن شاء الله تعالى- على الدرس الحديثي فيما وراء ذلك بإذن الله.
الكلام بعد ذلك على كتب الرجال المصنفة في بلاد مخصوصة. الأئمة -رحمهم الله تعالى- من فرط عنايتهم بالسنَّة،وشدة رعايتهم لها أن كلَّ إمام في بلده يُصَنِّفُ في علماء بلده أو ينزل في بلد فيصنف في علماء هذا البلد،فتجد مثلا من أوسع ذلك على الإطلاق كتاب "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر كتاب مطبوع في سبعين مجلدا،كتاب مثلا "تاريخ بغداد" للحافظ الخطيب البغدادي يذكر كُلَّ علماء بغداد ومَنْ نزل بها من العلماء. والكتاب بذيوله يقع في ثمانية عشر مجلدا.
فهذه عناية العلماء ببلاد الرواية وغيرها "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم الأصبهاني،"تاريخ جرجان" للسهمي هو كتاب في مجلد ضخم،"تاريخ الرقة"،"تاريخ داريا"،"مختصر طبقات علماء أفريقيا وتونس"،"تاريخ واسط" وهكذا تجد "تاريخ مصر" لابن يونس أَلَّفَ في علماء مصر الذين كانت لهم رواية واهتمام بالحديث،فتجد هذا الاهتمام البالغ من العلماء لخدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يوجد الراوي الذي ذكره الإمام في تاريخ بلده كتاريخ بغداد موجود مثلا بعضهم موجود في تراجم الكتب الستة،في تراجم الضعفاء،في تراجم الثقات لكنه أراد مزيدَ فائدةٍ.
لو أني أبحث في الإسناد فرأيت راويا منسوبا إلى البلد يقول: الحافظ فلان البغداديّ،أو الحافظ فلان الكوفيّ،أو الحافظ فلان الدمشقيّ،وهذا الراوي لم أجد له ترجمة في رجال الكتب الستة لا أصول ولا فروع،ولا في كتب الضعفاء،ولا في كتب الثقات؛ ماذا أفعل؟
مباشرةً إلى تاريخ البلد؛ فتجد هذا الراوي المنسوب إلى بلد بعينها موجودا في الكتاب الذي اعتنى بترجمة علماء ذلك البلد. فهذا من تفنن أهل العلم،واجتهادهم،وخدمتهم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وهذا النوع من المصنفات التزم فيه مؤلفوه ترجمةَ رجالِ العلمِ والفكرِ،ومشاهيرِ الرجالِ من الشعراءِ والأدباءِ والرياضيين وغيرهم في بلدة أو مدينة بعينها،سواء من كان من أهلها الأصليين،أو من وفد إليها وأقام بها،ووجهوا عنايتهم بالدرجة الأولى لتراجم رجال الحديث؛ فكان لتراجم المحدثين ورجال الحديث في هذه الكتب الحظُّ الأكبرُ؛ لذا تُعتبر مرجعًا من المراجع في تاريخ الرجال،ومعرفة المقبول منهم أو الضعيف،وقد صُنِّفَتْ كتبٌ كثيرةٌ في هذا،وسأقتصر على ذكر ما طُبع منها باختصار:
أولا: "تاريخ واسط" لأبي الحسن أسلم بن سهل المشهور بِبَحْشَل الواسطيّ المتوفى سنة 288 للهجرة.
ثانيا: "مختصر طبقات علماء أفريقيا وتونس" صاحب "الأصل" أبو العرب محمد بن أحمد القيرواني المتوفى سنة 333 للهجرة،وقد اختصره أبو عمر أحمد بن محمد المعافري الطلمنكي المتوفى سنة 426 للهجرة.
ثالثا: "تاريخ الرَّقَّة" لمحمد بن سعيد القشيري
رابعا: "داريا" لأبي عبد الله عبد الجبار بن عبد الله الخولاني الداراني المتوفى سنة 370 للهجرة.
خامسا: "ذكر أخبار أصبهان" لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيّ المتوفى سنة 430 للهجرة.
سادسا: "تاريخ جرجان" لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهميّ المتوفى سنة 427 للهجرة.
سابعا: "تاريخ بغداد" لأحمد بن علي ثابت الخطيب البغداديّ المتوفى سنة 463 للهجرة.
وأكثر هذه الكتب مرتب على حروف المعجم.(2/151)
وفي تاريخ بغداد بضعة عشر ألف ترجمة،وهو بشكل عام من المعتدلين في الجرح والتعديل،خلا كلامه عن أهل الرأي (الحنفية)(1)وفيه أكثر من أربعة آلاف حديث أكثرها غير صحيح،وفيها الصحيح والحسن .
والكتاب بحاجةٍ لتحقيق وضبط وتخريج لأحاديثه
ثامنا: تاريخ دمشق لابن عساكر (571) هجرية
وهو مطبوع في سبعين مجلدا،أورد فيه تراجم العلماء الذين وردوا دمشق وفيه تراجم للكثير من المحدثين،وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل .
وفيه كثير من الأحاديث : فيها الصحيح والحسن والضعيف،والواهي،والموضوع،والكثير منها ليس بصحيح .
فأعظمها على الإطلاق "تاريخ دمشق"،و"تاريخ بغداد"،ويعتبر تاريخ ابن يونس؛ لأن له عنايةً بالكلام على علل الأحاديث التي يرويها هؤلاء الرواة وغيرهم.
- - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الثالث
كيفية استخراج الحديث والحكم عليه
مقدمةٌ هامة :
هذا الجزء الذي مضى هذا جزءٌ نظريٌّ يعني الكلام على القواعد وهي موجودة في كتب المصطلح،وينبغي أن يكون الطالب مُلِمًّا بها الكلام على الكتب نفسها،وأرى منها عدة أصول ينبغي العناية بها لتجمع لك شَتَاتَ هذا الأمر أن تكون لك عنايةٌ فائقةٌ به؛ لأنه مفيدٌ في بابه جدًّا،ولا تَسْتَغْنِي عنه أبدا في مراحلِ دراستِك سواء كنت طالبا مبتدئا،أو متوسطا،أو منتهيا حتى لو كنت من العلماء المتمكنين من هذا العلم لا تستغني عن كتاب "تهذيب الكمال".
عندك "الميزان" وفرعه "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر كتابان لا غنى لك عنهما أبدا بحال من الأحوال،وعندك كتاب "الكامل في الضعفاء" لابن عدي هذا أيضا من الكتب التي لا يُسْتَغْنَى عنها بحال من الأحوال.
فكتاب "تهذيب الكمال" مفيدٌ جدا في البحث والدرس،"ميزان الاعتدال" و"لسان الميزان"،كتاب "الكامل في الضعفاء" للعُقَيْليّ،وقبل ذلك من كتب الصحابة كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" للحافظ ابن حجر،ثم تصطحب كتابا من المختصرات تدلك على الكلام على الراوي بعبارة مختصرة إذا كنت لا تحتاج تعيينه ولا تحرير حاله مثل كتاب "تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر.
هذه تعتبر كتبا مهمة جدا،وأصلية لا يَستغني عنها الطالبُ بحال من الأحوال،ويصطحبها في جميع درسه الحديثي،وهذا لمن أراد التفهم،والتبصر،والطلب الأوليّ،أما من أراد التوسع،وزيادة النظر،وكذا؛ فعليه بالرجوع إلى الكتب المصنفة بأسانيدها يرجع إلى "الجرح والتعديل" وإلى "تاريخ البخاري" وإلى سؤالات الأئمة؛ "سؤالات حمزة السهمي للدارقطني"،و"سؤالات الحاكم"،و"سؤالات ابن معين" وغيرها من الكتب التي جَمَعَتْ كلام الأئمة الكبار بأسانيدها.
لكن أقول: هذا الذي رشحته من الكتب؛ كـ: "تهذيب الكمال"،و"تقريب التهذيب"،و"الميزان"،و"اللسان"،وكتاب "الإصابة"،و"الضعفاء" للعقيلي،أو "الكامل" لابن عدي هذه أشياء أساسية هي ألف باء في الكلام على تراجم الرواة،ولا يستطيع الطالب أن يستغني عنها،ولا أن يزهد فيها.
الحد الأدنى الآن أنك تقرأ مقدمة هذه الكتب،وتقرأ فهارسها،وتنظر طريقة تأليفها،وكيف تسير،ثم تمارس هذا العلم عمليًّا .
إذا كان الحديث الذي أريد البحث فيه في البخاريِّ أو في مسلمٍ أو في كليْهما؛ أي من قبيل المتفق عليه؛ فإن الأمر يكون سهلا،لأن الأئمة متفقون على تلقِّي هذين الكتابين بالقبول، فقد اتفقت كلمة أهل العلم في القديم والحديث على أن أصحَّ الكتب بعد كتاب الله -تعالى- هو "صحيح الإمام البخاري" ثم يليه في الصحة كتاب الإمام مسلم بن الحجاج رحمهما الله.
نعم هناك انتقادات وُجِّهَتْ إلى الصحيحين؛ كالإلزامات والتتبع للإمام الدارقطني وكتاب أبي علي الجيانيِّ،وهي كتبٌ اختصت بنقدِ الصحيحيْن.
__________
(1) - انظر تأنيب الخطيب . وقواعد في علوم الحديث 310-340(2/152)
لكن أقول: هناك فرقٌ بين الانتقاد وبين الضعف،قد يُنتقد الإنسانُ في شيء ولا يثبت عليه النقد ويكون مجرد انتقاد. فكون الإمام الدارقطني أو الإمام أبي علي الجيانيِّ لهما كلام على أحاديث الصحيحين؛ فنقول:
بدايةً ليست العصمةُ إلا لكتاب ربنا -سبحانه وتعالى- وإذا كان في مسلم أو في البخاري بعضُ الأحاديث تَكَلَّمَ عليها أهلُ العلم؛ فهذا مقتضى البشرية،البخاري لما يُخرِّجُ في كتابه سبعة آلاف وخمسة مائة وثلاثة وستين حديثاً بالْمُكَرَّرَات تصفو من غير المكررات أربعة آلاف حديث يتكلم الأئمة النقاد الذين لهم قدمٌ راسخةٌ في هذا العلم يتكلمون على خمسة أحاديث أو ستة أحاديث؛ فهذا يعتبر من جمال البخاري ومَيزاته أنه ليس بمعصوم،ويأبى الله -تعالى- إلا أن تكون العصمة لكتابه.
فكون بعض أهل العلم يتكلم على بعض أحاديث البخاري،أو بعض أحاديث مسلم ليس معناه ثبوت هذا النقد،وفي الوقت نفسه البخاري ليس بمعصوم،فقد يكون هناك بعض الأشياء التي يتكلم عليها أهل العلم،وتوالت الردود والدفاعات عن الصحيحين من قِبَلِ علماء المشرق والمغرب،ولعلك واجدٌ في "مقدمة فتح الباري" مجلد كامل في الدفاع عن رجال البخاري،والدفاع عن الأحاديث التي انتُقِدَت عليهما،ولا يوجد حديثٌ تكلم عليه الأئمة بالنقد؛ إلا وتوالت الردودُ من العلماء قديما وحديثا.
فالآن الموجةُ عاليةٌ جدًّا والصيحات تتعالى،والمحاربون للسُّنن كُثر،ويريدون هَدْمَ البخاريِّ بأية طريقة،ولا يقصدون من ذلك إلا هدمَ الدين نفسه؛ لأنه إذا هُدم البخاري؛ ماذا بقي للأمة؟!
في كتاب تلقته الأمة عَبْرَ الأجيال اثني عشر قرنا من الزمان،والكتاب مُتَلَقًّى بالتسليم والقبول،فكون طائفةِ من المبتدعةِ،أو الغلاةِ،أو المعادين لهذا الدين يحاولون النَّيْلَ من البخاري أو من مسلم،فيأبى الله -تعالى- إلا أن يردَّ كيدهم في نحورهم،والعلماء في القديم والحديث لهم بالمرصاد.
خرجت في الآونة الأخيرة قبل ثلاثين سنة كتب؛ مثل كتاب "أضواء على السنة المحمدية" لأبي رية،وغيرها من الكتب لكن العلماء -ولله الحمد- رَدُّوا الكيلَ مكياليْن،والصاع صاعيْن.
فرد العلامة مصطفى السباعي رحمه الله في "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" والشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في "كتاب الأنوار الكاشفة" والشيخ أبو شهبة في "دفاع عن السنة" وتوالت الردود شرقا وغربا في الدفاع عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذه المقدمةَ؛ لنقول: إن هناك كتبا هي أصحُّ الصحيح فالبحث في رجال أسانيدها لا أقول يُغلق،ولكنَّ الخطبَ فيها سهلٌ؛ لأنَّ رجالها ممن تلقتهم الأمة -أيضا- بالقبول،وإن كان وُجِدَ في بعضِ رجالِ البخاريِّ،أو بعض رجال مسلمٍ ممن تُكُلِّمَ عليه في ضبطه،أو في بدعته،أو في الكلام في الاتصال،أو نحو ذلك من الأمور التي تُدْرَسُ في غرفٍ مغلقةٍ بين أهلِ العلمِ المتمكنين،لا تكون بين الناشئة،وبين الشباب المبتدئ في دراسة الحديث؛ حتى لا يتطاول ولا يَبْدأَ في تجريح الأئمة من غير أن يكون فاهما للقضية التي يتكلم فيها.
فهناك البخاري ومسلم،وهناك كتبٌ التزمت الصحةَ؛ كالمستخرجات على الصحيحين،أيضا نفس الأحاديث التي في المستخرجات هي هي الأحاديث التي في الصحيحين كما بينا في الكلام على المستخرجات. لكنْ هناك كتبٌ لا تخلو من كلامٍ عليها؛ لتساهل أصحابها في شرط التصحيح والتضعيف؛ كـ: "صحيح ابن خزيمة" و"مستدرك الحاكم" و"صحيح ابن حبان" وأَشَدُّها تساهلا مستدرك الحاكم .(2/153)
هؤلاء الأئمة وَسَمُوا كتابهم بالصحيح: "صحيح ابن خزيمة"،"صحيح ابن حبان"،"مستدرك الحاكم" لأنه مستدرك على الصحيحين؛ أي لزِم شرطهما في التصحيح والتضعيف،ووقعت في هذه الكتب جملةٌ من الأحاديثِ التي تحتاج إلى فحص ودرس،وإن التزم أصحابها الصحة؛ لكن قلنا فيها ما لم نقله في البخاري ومسلم؛ لأن أصحابها خَفَّفُوا في شروط العدالة،وخففوا في شروط الضبط فوقعت جملةٌ من الأوهام في هذه الكتب الثلاثة وابن حبان أقلها. ويستفيد طالب العلم من الطبعات المحققة والمخرجة الأحاديث بشكل كبير كتحقيق صحيح ابن خزيمة للأعظمي ، وصحيح ابن حبان للشيخ شعيب الأرناؤوط ، ولكن عملهما لا يخلو من تشدد في قبول الأخبار ، فلا يقبل تضعفيهم لحديث ما لم يوافقهم من سبقهم من الأئمة السابقين الراسخين في العلم . .
وهناك كتب لم يلتزم أصحابُها الصحةَ،ولكن يتكلم مصنفوها على أحاديثها حديثًا حديثًا. لو أخذنا مثلا الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- لا يكادُ يتركُ حديثًا في جامعه إلا ويتكلم عليه،ونادًرا ما يسكتُ عن حديث،لكن الترمذيَّ عادته أنه إذا روى الحديث؛ قال: هذا حديث حسن صحيح،هذا حديث حسن،هذا حديث حسن غريب،هذا حديث غريب،إلى غير ذلك من الأحكام التي يُعَقِّب بها الترمذيُّ -رحمه الله- على الأحاديث بعد روايته،ثم يقول: وفي الباب عن فلان وفلان من الصحابة؛ أي في رواية هذا الحديث بعينه.
والإمام أبو داود -رحمه الله تعالى- له -أيضا- منهجٌ؛ يقول: إن ما سكت عنه؛ فهو صالح،وما فيه ضعف شديد؛ بَيَّنَه،وإن كان أهل العلم يتجادلون وبينهم أخذٌ وردٌّ في المسكوت عنه في "سنن أبي داود" هل هو مقبول حسَنٌ أم دون ذلك ؟! هذه مسألة أخرى. وقد تكلم الحافظ ابن حجر في على شرط أبي داود في كتابه النفيس النكت على ابن الصلاح .
فكلام الأئمة هذا على الأحاديث صحةً وضعفًا أو التزام الصحة أو غير ذلك مما يقرب المسافةَ في الدرس الحديثيِّ أو في النقد الحديثيِّ.
فإذا جئنا بعد ذلك إلى كتب ككتاب النسائي،أو كتاب ابن ماجة،أو مسند أبي يعلى،أو مسند الإمام أحمد،أو غير ذلك من الكتب التي لم يَعْمَدْ أصحابها إلى الكلام على الأحاديث؛ فهذه التي تحتاج إلى دراسة أشد تأنِّيًا؛ لأن الكتب الأخرى ما بين صحيح صرف،أو أصحابها التزموا الصحة،وهناك بعض الْهَناتِ في أسانيدها تحتاج إلى كلام،أو أصحابها يتكلمون عليها وإن أخذَ العلماء ورَدُّوا في كون مثلا الترمذي متساهلا أو نحو ذلك من الأمور.
فالحديث الصحيح له شروط خمسة نستصحبها معنا؛ لأنها هي الأساس :
1- اتِّصَالُ الإِسْنَادِ.
2- عَدَالَةُ الرُّوَاةِ.
3- ضَبْطُ الرُّوَاةِ.
4- عَدَمُ الشُّذُوذِ.
5- عَدَمُ العِلَّةِ.
أيّ إسنادٍ تَدْرسه لا بد وأنْ تُجريَ عليه هذه الشروط الخمسة،هل تحققت عدالة الراوي؟ هل تحقق ضبطه؟ هل اتصل الإسناد أم أنَّ هناك سقطًا في الإسناد بأي نوعٍ من أنواع السقط؟
ونحن نشير فقط إشارةً سريعة إلى أن السقط في الإسناد يكون بواحد من الخمسة:
إما الإرسال،أو التدليس،أو الانقطاع،أو الإعضال،أو التعليق.
إذا جئنا إلى العدالة كنا تكلمنا عليها في أول الكلام على الجرح والتعديل،وقلنا إن الراوي تسقط عدالته بواحد من خمسة: الكذب،أو التهمة بالكذب،أو الفسق،أو البدعة،أو الجهالة،ويسقط ضبطُ الراوي: بالوهم،والغفلة،وسوء الحفظ،وفحش الغلط،والمخالفة للثقات،والاختلاط .....
اتصال السند:
يكون السند غيرَ متصل بواحد من خمسة أسباب:
الإرسال: والحديث الذي فيه إرسال يسمَّى حديثا مرسلا.
والتدليس: والحديث الذي فيه تدليس يسمَّى حديثا مدلَّسا.
والإعضال: وما ينتج عنه يسمَّى حديثا مُعْضَلا.
والانقطاع،والتعليق.
هذه هي الأسباب الخمسة التي تجعل الحديث غير متصل السند. فالناظر في دراسة الأسانيد لا بد أن يتأكدَ من عدالة الرواة،وضبط الرواة،واتصال السند.(2/154)
العدالة والضبط تعرف من كتب الجرح والتعديل،هذه يُرجع إليها في كتب الجرح والتعديل،وهذه تحتاج إلى نظر في أشياء أخرى،فهناك كتب في المراسيل مثل مراسيل العلائي،وهو من أجمع الكتب المدونة في المراسيل،والتدليس هناك "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر تُبين الراوي في أي مرتبة يكون؛ لأن التدليس خمس مراتب؛ مرتبة أولى وثانية معفيٌّ عنهما مع تفاوت بين الأولى والثانية،ومن الثالثة للخامسة فيهم قيود،والثالثة لا بد من تصريح الراوي بالسماع في جميع طبقات الإسناد وهو تدليس التسوية،والرابعة والخامسة يَنْضَمُّ إلى التدليس آفاتٌ أخرى في الراوي.
إذن المرتبة الأولى والثانية مقبولتان،والثالثة بقيود،والرابعة والخامسة مطروحتان في طبقات المدلسين.
والإعضال يُعرف أيضا من كتب المراسيل،وكذلك الانقطاع والتعليق.
فلو أن عندي إسنادا سأدرسه فلكي أَتَيَّقَنَّ أن هذا الإسناد صحيحٌ؛ لا بد من المرور على هذه الشروط الخمسة قبل الدخول في الكلام على المتن،أتأكد من عدالة الراوي وضبطه،واتصاله،وانتفاء الشذوذ،وانتفاء العلة.
ونمثل لذلك بمثال هذا المثال هو إخراج التراجم لرجال إسنادٍ من "سنن النسائيّ" عمليا وهو: قال النسائي:(3773 ) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ح وَأَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ فِى خُطْبَتِهِ: « لاَ يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ».
هو لم يخطب بهذا فقط،وإنما تكلم على الديات،والعقل،وغيرهما من الأحكام الشرعية لكنَّ النسائيَّ اقتصر -هنا- في هذه الرواية على مسألةٍ أن المرأة لا تُعطي عطية أي هدية لأحد إلا بإذن زوجها،هذا لا يعنينا الآن،وإنما الذي يعنينا هو النظر في حال هذا الإسناد. كيف نستطيع التعرف على رواة هذا الإسناد من خلال دراستنا التي مضت في الكلام على كتب الرجال؟!
الحديث أساسا من النسائي،والنسائي أحد رواة الكتب الستة.
معنى هذا الكلام أن رجال هذا الإسناد كلَّهم في "تهذيب الكمال" وأصوله وفروعه؛ أي هم في كتاب "الكمال" لعبد الغني المقدسي،وموجودون في "تهذيب الكمال" في "تذهيب التهذيب" و"الكاشف" كلاهما للذهبي،و"تقريب التهذيب" "وكتاب الخزرجي" هؤلاء الرواة موجودون في كل هذه الكتب إما على وجه الاختصار،أو على وجه التوسط،أو على وجه التوسع جدًّا.
إذا أردنا استخراج ترجمة إسماعيل بن مسعود؟
نذهب إلى كتاب "تهذيب الكمال" أو أحد الكتب التي تكلمنا عليها حرف الألف مع السين من اسمه إسماعيل ستجد عندك تقريبا ستة اسمهم إسماعيل،لكن ليس كلهم إسماعيل بن مسعود،ويتبقى عندنا اثنان إسماعيل بن مسعود.
إذا كان عندي اثنان إسماعيل بن مسعود؛ فالراوي الذي أمامي أيهما الْمُراد؟!
أحدهما إسماعيل بن مسعود الجحدري،والآخر إسماعيل بن مسعود الزُّرقي تمام،ما هي القرائن من خلال الدراسة التي ترشح الراوي الذي أمامنا ؟
ربما يسأل شخصٌ ما ويقول: ما حالهما جرحا وتعديلا؟
تقول له: كلاهما ثقة.
يقول لك: اختر واحدا منهما. لكن هذا علم مبنيٌّ على أسس وعلى قواعد.
وكان بعض المعلمين يقول: طالما الرواة كلهم ثقات اختر أحدهما،وهذا لا يصلح؛ لأن تعيين الرواة مبنيٌّ على دقَّةٍ متناهية عند أهل العلم.(2/155)
فعندما نقرأ ستجد بجانب الكلام على الراوي رمزا،وهذا الرمز أشار به المزي إلى من أخرج لهذا الراوي من أصحاب الكتب،ستجد رمز "س" بجانب الجحدري،و "ع س" بجانب الزرقي،و"س" أي أخرج له النسائي،و"ع س" أي أخرج له في "خصائص علي"
إذن الراوي هو الجحدري أم الزرقي؟
الجحدري بقرينة إخراج النسائي له،وأما الزرقيُّ لم يخرج له النسائي في السُّنن،وإنما خرج له في "خصائص علي".
القرينة الثانية أن الزرقي من الخامسة أي من التابعين،والجحدري من العاشرة؛ أي بعد سنة مائتين،وهذا بعد سنة مائة،الخامسة بعد المائة،والعاشرة بعد المائتين.
والنسائي توفي سنة 302 تقريبا أو في أواخر القرن الثالث،فأيهما يُحتمل أن يروي عنه النسائي الأول أم الثاني؟!
لو الثاني الذي في الطبقة الخامسة؛ أي في طبقة أتباع التابعين،والنسائي لم يدرك طبقة أتباع التابعين،فهاتان القرينتان كون الراوي من الطبقة العاشرة أي قريبا إلى زمن النسائي،وخرَّج له النسائي في الكتاب هاتان قرينتان تُرجح أن الراوي الذي عندي هو إسماعيل بن مسعود الجحدري وليس الزرقي.
الراوي الثاني: خالد بن الحارث:
لا يوجد في رواة الستة خالد بن الحارث إلا خالد بن الحارث الهجيمي،فهذا سهل إذا كان لا يوجد إلا واحد فقط في الكتب الستة اسمه خالد بن الحارث؛ فقد هَوَّنَ عليَّ الطريق،واختصر لِيَ المسافات،وإنما يحصل التعب إذا كان هناك أكثر من راوٍ اثنين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل مشتركين في نفس اسم الراوي واسم أبيه.
الراوي الثالث: حسين المعلم:
أي حسين بن ذكوان المعلم،المعلم هذه قرينة في اسم الراوي لا توجد في رواةٍ كثيرين،فيكون حسين بن ذكوان المعلم قرينة تؤكد أنه هو الراوي؛ لأنه لا يوجد حسين المعلم في الستة إلا هذا.
وإسماعيل بن مسعود ثقة،وخالد بن الحارث ثقة،والعلماء نصوا على هذا،وعندما تفتح كتاب "التقريب" تجده يقول: ثقة،وفي "الكاشف" يقول: ثقة،وفي كتاب الخزرجي يقول: ثقة،وفي "تهذيب الكمال" نَقَلَ كلام أهل العلم الكثيرين على توثيق الراوي شيخ النسائي.
وتجد الكلام نفسه في خالد بن الحارث،وحسين بن ذكوان المعلم.
هذا الكلام في الجرح والتعديل،تعيين اسم الراوي بحيث لا يُشكِل،ولا يختلفُ بغيره،هذا لا يوجد غيره بهذا الاسم،وهذا لا يوجد غيره بهذا الاسم،والاثنان ثقتان،وإسماعيل بن مسعود ثقة،وصيغ التحمل نفسها تدل على اتصال الإسناد؛ والنسائي قال: أخبرنا؛ أي سمع من شيخه بالعرض عليه،والعرض؛ أي كانوا يقرؤون على الشيخ،والشيخ لا يحدث.
فالتحمل والأداء،وطرق التحمل: السماع من لفظ الشيخ،أو القراءة على الشيخ،السماع من لفظ الشيخ يقول: حدثنا إذا كان في جماعة،والقراءة على الشيخ يقول: أخبرنا.
فالنسائي يقول: أخبرنا،معنى أن النسائي سمع من إسماعيل بن مسعود الجحدري مع جماعة من التلامذة قرؤوا على الشيخ،كان واحد يفتح الكتاب،والشيخ يسمع،وهم في أيديهم النسخ التي لهم،والشيخ يصحح لهم،ويجيب على أسئلتهم،وهذه الطريقة تسمَّى القراءة على العالم،أو العرض على العالم،ويُعبر عنها بـ: أخبرنا،فهذه صيغة سماع متصلة صحيحة.
إذن تأكدنا أن النسائيَّ سمع من شيخه إسماعيل بن مسعود،وإسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد بن الحارث،وهذه صيغة تحمُّل تدلُّ على السماع مع جماعة من لفظ الشيخ،فهذه صيغة اتصال صحيحة،ومن أعلى صيغ التحمل.
خالد بن الحارث قال: حدثنا حسين المعلم،هذه أيضا صيغة تدلُّ على أرقى صيغ التحمل،وهي السماع من لفظ الشيخ مع جماعة: حدثنا.
ثم قال حسين المعلم: عن عمرو بن شعيب،وهنا يبدأ الكلام الشديد:
العنعنة عندما تجد "عن" في الإسناد،فـ: "عن" هذه قرينةُ على التدليس. والأئمة عندما صنفوا في المدلسين،وجمعوا أسماء المدلسين؛ عمدوا إلى الأسانيد فكل راوٍ يُعنعن؛ قال لك: نَحِّه جانبًا،وجمعوا هذه العنعنات.(2/156)
إذن أي راوٍ يقول: "عن" فهي قرينة على أنه يدلس،ثم نظروا بعد ذلك هل هؤلاء الذين عنعنوا كلهم يدلِّسون؟
وجدوا مالكا،وسفيان،والثوري،وابن عيينة،وحماد بن زيد،والأئمة الأعلام الكبار هؤلاء غير متهمين بالتدليس،فوضعوا هذه الأسماء في الطبقات الأولى،الطبقة الأولى التي تدليسهم لا يُعَدُّ تدليسًا.
ثم إذا كانت هذه العنعنة دليلا على التدليس؛ فهل حسين المعلم مذكورٌ في طبقات المدلسين أم غير مذكور؟ أي هل عُرف بتدليس أم لم يُعرف بتدليس؟
إذا نظرنا في "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر لن نجد لحسين المعلم ذكرا،فمعناها أن الراوي بريءٌ من وصمة التدليس.
إذن من أين أتت العنعنة؟!
جاءت لأن الراوي مكثرٌ،ويجلس طوال اليوم يحدث،فبعد ما يقعد يحدث له مثلا ثلاث أو أربع ساعات فيمل،وكانت مجالس التحديث تُعقد من الفجر للعصر فيتساهل في الأداء،فبدلا من أن يقول: حدثنا،حدثنا يعنن،ويسهل في طريقة الأداء.
فحسين المعلم ليس له ذكر في كتب المدلسين،وهو ثابت السماع من طرق في أسانيد أخرى عن عمرو بن شعيب. إذن انتفت هنا وصمة التدليس عن حسين المعلم،وهو راوٍ ثقة أو الحد الأدنى له أنه صدوق.
نأتي إلى سلسلة "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده"،في الحقيقة هنا قاعدة ذكرها الإمام الذهبي -رحمه الله- في السير في المجلد الخامس في ترجمة عمرو قَسَّم الرواة عن عمرو بن شعيب إلى ثلاث طبقات: «قُلْتُ: الضُّعَفَاءُ الرَّاوُوْنَ عَنْهُ مِثْلُ: المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ،وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيِّ،وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ،وَابْنِ لَهِيْعَةَ،وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي فَرْوَةَ،وَالضَّحَّاكِ بنِ حَمْزَةَ،وَنَحْوِهِم،فَإِذَا انْفَرَدَ هَذَا الضَّرْبُ عَنْهُ بِشَيْءٍ،ضَعُفَ نُخَاعُهُ،وَلَمْ يُحْتَجَّ بِهِ،بَلْ وَإِذَا رَوَى عَنْهُ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِيْهِ كَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ،وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ،وَابْنِ إِسْحَاقَ،فَفِي النَّفْسِ مِنْهُ،وَالأَوْلَى أَنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ،بِخِلاَفِ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ،وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى الفَقِيْه،وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ،فَالأَوْلَى أَنْ يُحْتَجَّ بِذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ شَاذّاً وَلاَ مُنْكَراً.»،سير أعلام النبلاء (5/177)
وتفصيل كلام الإمام الذهبي كما يلي :
أن الذين رووا عن عمرو بن شعيب ثلاث طبقات :
طبقة الضعفاء والمتروكين ، فإذا رووا عنه حديثا وتفردوا به ، ولم نجد له عاضدا لفظاً ولا معنى ، فلا نقبله منهم .
وطبقة المختلف فيهم ، الذين يدور حديثهم بين الحسن وأدنى الصحيح ، فهؤلاء إذا تفردوا برواية عن عمرو ، ولم نجد لها عاضداً ، فيرجح الذهبي عدم قبولها ، والراجح عندي قبولها ، ما لم يحكم عليها بالشذوذ أو الوهم .
الثالثة طبقة الثقات ، فهؤلاء إذا رووا عن عمرو وتفردوا ، فيقبل تفردهم ، ما لم ما خالفوا من هو أوثق منهم ، وعلى رأسهم حسن المعلم ....
هنا يوجد إشكاليتان:
إشكالية الرواة عن عمرو من جهة ،وتقسيمهم إلى طبقات كما فعل الذهبي.
والإشكالية الثانية: سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو؛ لأن اسمه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو،فعندما يقول عمرو: حدثني أبي عن جدي؛ فجدُّه -هنا- هل هو عبد الله بن عمرو أم أن جدَّه محمدٌ؟(2/157)
ظاهر الحال أنه محمد،لكنَّ الصواب أن محمدًا مات في حياة عبد الله بن عمرو،وعبد الله بن عمرو كفل شعيبًا ورباه،وشعيبٌ ثابت السماع من عبد الله بن عمرو ، ففي المستدرك للحاكم (2374) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَعَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : سَمِعْنَاهُ مِنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورٍ ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ : إِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ ، أَوْ فِي سَبِيلٍ مَيْتَاءَ فَعَرِّفْهُ ، وَإِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ ، أَوْ غَيْرِ سَبِيلٍ مَيْتَاءَ ، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ "
قَدْ أَكْثَرْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْحُجَجَ فِي تَصْحِيحِ رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةً ، وَلا يُذْكَرُ عَنْهُ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ، وَكُنْتُ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ الظَّاهِرَةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَصِلْ إِلَيْهَا إِلَى هَذَا الْوَقْتِ
(2375) حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْفَقِيهُ النَّيْسَابُورِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَةٍ ، فَأَشَارَ إِلَى فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى ذَاكَ ، فَسَلْهُ . قَالَ شُعَيْبٌ : فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : بَطَلَ حَجُّكَ . فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا أَصْنَعُ ؟ قَالَ : " أَحْرِمْ مَعَ النَّاسِ ، وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ ، وَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا ، فَحُجَّ وَأَهْدِ " فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ ، قَالَ شُعَيْبٌ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إِلَى وَأَنَا مَعَهُ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ : مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ فَقَالَ قُولِي مِثْلُ مَا قَالَا "
هَذَا حَدِيثُ ثِقَاتٍ رُوَاتُهُ حُفَّاظٌ ، وَهُوَ كَالْآخِذِ بِالْيَدِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "
وفي سنن الدارقطنى 3/52(3043 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ رَاشِدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَةٍ فَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى ذَاكَ فَاسْأَلْهُ.(2/158)
قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ بَطَلَ حَجُّكَ. قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَفَأَقْعُدُ قَالَ بَلْ تَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلاً حُجَّ وَاهْدِ فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ قَالَ أَقُولُ مِثْلَ مَا قَالاَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ تَمِيمٍ قَالَ قُلْتُ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِىِّ شُعَيْبٌ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ فَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَتَكَلَّمُ النَّاسُ فِيهِ قَالَ رَأَيْتُ عَلِىَّ بْنَ الْمَدِينِىِّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِىَّ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَحْتَجُّونَ بِهِ. قُلْتُ فَمَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ يَقُولُ مَاذَا قَالَ يَقُولُونَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ أَكْثَرَ وَنَحْوَ هَذَا.
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 5 / ص 167)(10065) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ الأَصْبَهَانِىُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِى وَقَالاَ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْفَقِيهُ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَلِىُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِىُّ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَةٍ فَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ : فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : بَطَلَ حَجُّكَ. فَقَالَ الرَّجُلُ : فَمَا أَصْنَعُ قَالَ : اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلاً فَحُجَّ وَأَهْدِ. فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ : مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ : قَوْلِى مِثْلَ مَا قَالاَ. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.(2/159)
إذن عندنا عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده الأعلى عبد الله بن عمرو،وهو ثابت السماع منه،وعمرو صدوق،وشعيب صدوق،وشعيب ثابت السماع من جده عبد الله بن عمرو؛ فالإسناد "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" إذا صح الإسناد إليه؛ فهو حسنٌ،وهذا قيد يذكره العلماء،فليس كلُّ أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسنةً،وإنما العبرةُ بحال الرواة؛ أي إذا صح الإسناد إلى عمرو؛ فالحديث حسن، أو صحيح .
فالذهبي -رحمه الله تعالى- قسَّم الرواة عن عمرو إلى ثلاثة أقسام: فذكر المتقنين،والمتوسطين،والضعفاء.
إذا روى أحد من الضعفاء عن عمرو؛ فالحديث ضعيف إذا لم يتابع أو يعضد،وإذا روى المتوسطون أمثال محمد بن إسحاق،وغيره ؛ فالحديث فيه تَرَدُّدٌ،بين التحسين والتضعيف ، والراجح عندي التحسين ما لم يكن معلولاً.
أما إذا روى المتقنون أمثال حسين المعلم،.. فالحديث صحيح،والحديث هنا من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
إذن عندنا إسماعيل بن مسعود ثقة،والنسائي ثابت السماع منه؛ أي أن الإسناد متصل؛ لكي نحقق شرط الاتصال،والراوي ثَبَتَ ضبطُه،وثبتت عدالته. إذن تحقق من شروط الصحيح: اتصال السند،عدالة الراوي،وضبط الراوي.
وخالد بن الحارث ثقة،وإسماعيل بن مسعود ثابت السماع بلفظٍ صريحٍ كالشمسِ،وهذه أرقى درجات التَّحَمُّلِ التصريحُ بالتحديث، فتحقق شرط الاتصال،وخالد ثقة وإسماعيل ثقة أيضاً؛ أي ثبتت عدالته،وثبت ضبطه.
الكلام نفسه: خالد ثابت السماع من حسين المعلم؛ فمتصل،وحسين الحدُّ الأدنى أنه صدوق؛ أي حديثه حسن.
بعد ذلك قلنا: إن العنعنة -هنا- حسين لم يثبتْ عنه تدليسٌ؛ فكأنه متصل،ثم عمرو بن شعيب صدوقٌ ووالده شعيب صدوقٌ،وشعيب ثابتُ السماع من عبد الله بن عمرو؛ فقد تحقق لنا في الإسناد ثلاثةُ شروط في جميع الطبقات: اتصال السند،وعدالة الرواة،وضبط الرواة إلا أن عَمْرًا وشعيبًا ضبطهما ليس ضبطًا تامًّا،لأن الصحيح هو الذي ضبطه تام،فإذا خَفَّ ضبطُ الراوي نَزَلَ درجةً من الصحيح إلى الحسن.
ولنأخذْ كتاب "تقريب التهذيب" ولنبدأ بإخراج الراوي الأول وهو:
أولا: إسماعيل بن مسعود:
فنجده اثنين كل منهما اسمه إسماعيل بن مسعود،وهما: إسماعيل بن مسعود الزرقي،وإسماعيل بن مسعود الجحدري،لكن نستطيع أن نميز إسماعيل بن مسعود الذي هو شيخ النسائي بأنه الجحدري من أمرين:
أولهما: أن المؤلف رمز بحرف "س" للجحدري،ومعنى هذا الرمز أنه أخرج له النسائي في سننه،على حين أنه رمز للزُّرقي بحرف "ع س" ومعناه أنه أخرج له النسائي في "مسند علي" فقط.
وثانيهما: أنه قال عن الزرقي: إنه من الطبقة الخامسة،وهي طبقة صغار التابعين،ولا يمكن للنسائي أن يروي عنه بلفظ حدثنا وهو من طبقة صغار الآخذين تابع الأتباع.
وقال عن الجحدري: إنه من الطبقة العاشرة،وهو الذي يمكن أن يروي عنه النسائي.فيكون هذا بلا ريب
ثانيا: خالد بن الحارث:
نفتش عمن اسمه خالد في حرف الخاء،فنجد أول من اسمه خالد أنه خالد بن إياس،فنجول بنظرنا بَعْدَه بِعِدَّةِ تراجم فنراه بعد أربع تراجم ،وهو خالد بن الحارث الهجيمي،ولا يوجد من اسمه خالد بن الحارث غيره في رجال الكتب الستة.
ثالثا: حسين المعلم:
نبحث عمن اسمه حسين في حرف "الحاء" فنجده في هذا العنوان: "ذكر من اسمه الحسين" وبما أن الشخص الذي نبحث عن ترجمته لم يُذكر اسم أبيه في الإسناد؛ لذلك ينبغي علينا استعراض من اسمهم حسين كلهم؛ حتى نعثر عليه،وباستعراض من اسمهم حسين نعثر على حسين المعلم واسمه حسين بن ذكوان المعلم،وكلمة المعلم تقال لمن يعلم الصبيان.
رابعا: عمرو بن شعيب:
نبحث عمن اسمه عمرو في حرف "العين" فنجد في هذا العنوان: "ذكر من اسمه عَمرو بفتح أوله" فنبحث عن اسم أبيه شعيب فنجده
خامسا: شعيب والد عمرو:(2/160)
نبحث عنه في حرف "الشين" فنجد أول من اسمه شعيب وبما أننا عرفنا اسم أبيه وهو محمد عندما كنا نبحث عن ترجمة ابنه عمرو؛ إذن نبحث عن اسم أبيه محمد فنجده قال عنه المؤلف: "شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوقٌ،ثَبَتَ سماعُه من جده.
سادسا: عبد الله بن عمرو:
أي ابن العاص نبحث عن اسمه عبد الله في حرف العين فنجده،وهذا صحابي ولا يحتاج إلى تعريف.
هذا هو الكلام عن طريقة الكشف عن الرواة،والكشف عن الرواة بَقِيَ النظر في حالهم،والنظر في حالهم؛ أي الكلام عليهم جرحًا وتعديلا مع الكلام على اتصال الإسناد،أما اتصال الإسناد؛ فقلناه من خلال صيغة التحمل كلها إما إخبار،وإما تصريح بالتحديث،وعنعنة في رواية حُسين المعلم،وحسين ليس معروفا بالتدليس،وليس مذكورا في طبقات المدلسين.
- البحث عن عدالة الرواة وضبطهم:
بعد أن أخرجنا تراجم رجال الإسناد،وعرفنا مكانها في كتب التراجم؛ ننتقل إلى مرحلة ثانية،ألا وهي: مرحلة البحث عن عدالة هؤلاء الرجال وضبطهم،وذلك بقراءة ما قاله علماء الجرح والتعديل عن كل راوٍ خلال ترجمته،ولنأخذ الإسناد السابق نفسَه مثالا لذلك،ولنبدأ بإسماعيل بن مسعود:
أولا: إسماعيل بن مسعود:
ففي تقريب التهذيب(482 ) إسماعيل بن مسعود الجحدري بصري يكنى أبا مسعود ثقة من العاشرة مات سنة ثمان وأربعين س .
وفي الكاشف(407 ) إسماعيل بن مسعود الجحدري عن خلف بن خليفة وغيره وعنه النسائي ومحمد بن جرير ثقة توفي 248 س
قال عنه في التقريب: ثقة،وقال عنه في "الكاشف" ثقة ، وقال عنه في "الخلاصة" صفحة 36: قال أبو حاتم: صدوق،وفي الحاشية وقال: النسائي ثقة .
هذا عند النظر في الكتب المختصَرة،وإلا؛ فأنت إذا رجعت إلى "تهذيب الكمال" لن تجد كلمةً واحدةً،ولكن ستجد كلاما كثيرا لأهل العلم في إسماعيل بن يوسف الجحدري،ونَقَلَ كلامَ ابنِ معين،وكلام أحمد،وابن المديني،وغيره من أئمة العلم،وأبي حاتم،وأبي زرعة،والعجليّ،وغيرهم من أهل العلم كلاما كثيرا جدًّا عن الراوي،فلو أن إسماعيل بن مسعود له أخطاء ستذكر أنَّ المزيَّ يشير إلى أخطائه،وأن بعض أهل العلم تكلم فيه بشيء،أو روايته عن فلان من الناس فيها شيء،هذا كله يتوسع أئمة الجرح والتعديل في ذكر حال الراوي بالتفصيل الشديد،أما الكتب المختصرة؛ كالتقريب،والكاشف،والخزرجي التي هي خلاصة "تهذيب الكمال" فإنما يذكر كلمةً واحدةً تُبين حال الراوي. لكن عند الرجوع للمصادر والكتب الواسعة مثل "تهذيب الكمال" أو تهذيب التهذيب ، ستجد كلاما واسعا جدًّا عن هذا الراوي،وإن كان خلاصة هذا الكلام في آخر البحث أنه ثقة.
ونفس الكلام يُقال فيمن وراءَه؛ خالد بن الحارث،وحسين المعلم.
وأشير إلى أن أبا حاتم إذا قال: صدوق؛ فليس معناه أن ضبط الراوي وسطٌ،هذا ذكرٌ لعدالةِ الراوي وليست بشكلٍ مُطَّرِد،فمصطلحاتُ أبي حاتم الرازي -خاصةً- مصطلحاتٌ لا تُقاس على ما في "تقريب التهذيب" لأن "تقريب التهذيب" إذا قال: صدوق؛ فمعناها أن حفظه وسطٌ،وأن ضبطه خفيفٌ،ليس كمن يقول فيه ثقة(1).
أما أبو حاتم؛ فقد قال في الإمام مسلم -رحمه الله-: إنه صدوق؛ فهل معنى "صدوق" عند أبي حاتم في مسلمٍ أنَّ مسلما حفظُه وسطٌ؟! فمن يكون قوي الحفظ؟! إذا كان مسلم وسطا؛ فمن القوي؟! فهذه مسألةٌ يقول فيها بعضُ أهل العلم: إن قولَ أبي حاتم في الراوي: صدوق ذكرٌ لعدالته،وليس ذكرا لحفظه،على أن مصطلحات أبي حاتم في الجرح والتعديل تحتاج إلى نظرٍ خاص؛ أي مصطلحات خاصة بأبي حاتم -رحمه الله-.
ثانيا: خالد بن الحارث:
__________
(1) - هذا هو الأصل ، وقد خالفه الحافظ ابن حجر في عديد من التراجم كما بينت ذلك في كتابي (( الحاقظ اين حجر ومنهجه في تقريب التهذيب )) في الكلام على المرتبة الرابعة(2/161)
ففي تقريب التهذيب ( 1619 ) خالد بن الحارث بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت من الثامنة مات سنة ست وثمانين ومولده سنة عشرين ع
ثقة ثبت،وهذه أعلى من مجرد كون الراوي ثقةُ؛ لأنه إذا كَرَّرَ لفظ التوثيق؛ فهذه معناها أن الراوي في درجة أعلى من مجرد كونِه ثقةً.
وفي الكاشف ( 1308 ) خالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي البصري الحافظ عن حميد وحسين المعلم وعنه أحمد وإسحاق قال أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة وقال القطان ما رأيت خيرا منه ومن سفيان توفي 186 ع
وهذه درجة من الإمام أحمد عالية جدًّا،لما يقول: إليه المنتهى في التثبت في البصرة،ويحيى القطان كان لا يجامل،القطان كان إذا اختلف شعبة الذي هو شيخه مع غيره من أقرانه في الكلام على راوٍ؛ كانوا يحكمون القطان،وكان أحيانا يُخَطِّئ شيخَه فيقول له: رضينا بحكمك يا أحول،كان القطان أعور،يقول له رضينا بحكمك يا أحول،وكانت سنُّه صغيرة،ومع ذلك يكون حكما في اختلاف شعبة مع أقرانه من أهل العلم.
وقال في "الخلاصة" صفحة 99 ثم صفحة 100: قال النسائي: ثقة ثبت،قال القطان: ما رأيت خيرا منه ومن سفيان.
رَجلٌ موثق إلى أعلى درجات التوثيق،يقول فيه القطان،وأحمد،والأئمة الْمُعَوَّل عليهم في الجرح والتعديل هذا الكلام معناه أن هذا الراوي ما بعد ذلك من كلام،يجتمع في راوٍ كلمة أحمد ويحيى القطان بهذا الشكل؛ فهو راوٍ سعيد الحظ،الذي يقول فيه أحمد والقطان كلاهما،ويُضاف إليهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي؛ فهذا رجل محظوظ أن يتكلموا فيه بهذه الصورة.
ثالثا: حسين المعلم:
ففي تقريب التهذيب (1320 ) الحسين بن ذكوان المعلم المكتب العوذي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها معجمة البصري ثقة ربما وهم من السادسة مات سنة خمس وأربعين ع
ربما وهم؛ أي ستجد له أخطاء في بعض الروايات على بعض الشيوخ،وإذا رجعت إلى الكتب الطويلة مثل "تهذيب الكمال" أو غيرها من الكتب التي تتبعت مرويات حسين المعلم،فتجد أن الأئمة قد جرحوه بشيء وما تركوه هكذا.
وفي الكاشف( 1087 ) الحسين بن ذكوان المعلم البصري الثقة عن ابن بريدة وعطاء وعمرو بن شعيب وعنه القطان وغندر ويزيد ع
وقال عنه في "الخلاصة": وثقه ابن معين،وأبو حاتم.
يعني ليس كلمة إجماع كخالد بن الحارث،أو أقل قليلا من إسماعيل بن مسعود،لكن هو أقل قليلا من إسماعيل بن مسعود الذي قالوا فيه: ثقة،ثقة لكن فيه كلام مثل الطالب الناجح بتقدير جيد.
رابعا: عمرو بن شعيب:
وفي تقريب التهذيب ( 5050 ) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوق من الخامسة مات سنة ثماني عشرة ومائة ر 4
اصْطُلِحَ على أن الصدوق عند الحافظ ابن حجر أي أن حفظه وسط،وحديثه -في الجملة- حديثٌ حسن،وإن كانت هذه ليست قاعدةً مطردةً؛ فالصدوق في بعض الأحاديث قد تكون روايته مثل رواية الثقات،وبعض الأحاديث -ويقولون عنه: صدوق- تكون روايته مثل رواية الضعفاء. فليست هي قواعد رياضية تُطَبَّقُ أن الصدوق حديثه حسن،لا ليس كذلك ،وإنما النظر فيها بالقرائن.
وفي الكاشف ( 4173 )عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه وابن المسيب وعن الربيع بنت معوذ وعنه أيوب وحسين المعلم والأوزاعي وخلق قال القطان إذا روى عنه ثقة فهو حجة، وقال أحمد ربما احتججنا به،وقال البخاري رأيت أحمد وعليا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به ،وقال أبو داود ليس بحجة مات بالطائف (118) 4(2/162)
رأيت أبا داود يقول: ليس بحجة،والقطان يشترط فيقول: يُشترط في حاله كما ذكرت هنا،أن الذهبي قَسَّمَ الرواة عن عمرو،قال: عمرو حجة،لكن العبرة بالراوي عنه،فإذا صح الإسناد إلى عمرو؛ فالحديث حجة،لم يصح الإسناد إلى عمرو ..،فالخلاف ليس في عمرو نفسه وإنما في الراوي عنه؛ لأن الرواة عنه مقسمون إلى طبقات: واحدةٌ هي المقبولة،والوسط إلى الضعف أقرب،والضعفاء هم ضعفاء.
وقال عنه في "الخلاصة" في الصفحة 290: قال القطان: إذا روى عنه الثقات؛ فهو ثقة يُحتج به،وفي رواية عن ابن معين: إذا حدث عن غير أبيه؛ فهو ثقة،وقال أبو داود: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ليس بحجةٍ،وقال أبو إسحاق: هو كأيوب عن نافع عن ابن عمر،ووثقه النسائي،وقال الحافظ أبو بكر بن زياد: صح سماع عمرو من أبيه،وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو،وقال البخاري: سمع شعيب من جده عبد الله بن عمرو .
أنا قلت: إن محمدا والده مات صغيرا،فشعيبٌ كفِله جدُّه عبد الله بن عمرو،وتربَّى في أحضانه،وثبت سماعه منه في غير ما حديث عند ابن حبان،والحاكم،وغيرهم من أهل الحديث. فالنظر في حال عمرو أنه نظر ولا بد من النظر في حال الرواة عنه.
خامسا: شعيب بن محمد والد عمرو:
ففي فهذا هو تقريب التهذيب (2806 ) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوق ثبت سماعه من جده من الثالثة ر 4
وفي الكاشف(2294 ) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه إن كان محفوظا وعن جده فأكثر وابن عباس ومعاوية وعنه ابناه عمرو وعمر وثابت البناني صدوق 4
وقال عنه في "الخلاصة" صفحة 167: وثقه ابن حبان.
سادسا: عبد الله بن عمرو بن العاص
الصحابة لا يُبحث عن عدالتهم ولا عن ضبطهم.
وفي تقريب التهذيب(3499 ) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سعد بن سهم السهمي أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف على الراجح ع
وفي الكاشف ( 2879 )عبد الله بن عمرو بن العاص أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن أسلم قبيل أبيه وكان من العلماء العباد قال شفي بن ماتع عنه إنه حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف مثل، وعنه سبطه شعيب بن محمد وعروة وطاوس مات بالطائف وقيل بمصر سنة 65 ع
خلاصة البحث في عدالة الرواة وضبطهم:
بعد استعراض ما قاله علماء الجرح والتعديل في رجال الإسناد الستة تبين لنا:
أولا: أن الثلاثة الأول،وهم: إسماعيل بن مسعود،وخالد بن الحارث،وحسين المعلم كلهم عدول ضابطون؛ لأن أئمة الجرح والتعديل وثقوهم،ولم يجرحوا عدالتهم،ولا ضبطهم،ومعلوم لدينا أن الثقة هو العدل الضابط.
ثانيا: وأن السادس،وهو عبد الله بن عمرو صحابي؛ فهو ثقة.
ثالثا: أن الرابع،وهو عمرو بن شعيب مختلف في توثيقه،لكن من لم يوثقه لم يَعْزُ ذلك إلى جرح في عدالته أو ضبطه،وإنما عزا ذلك إلى أمر خارج عن العدالة والضبط،وهذا الأمر هو في روايته عن أبيه هل سمع من أبيه؟! وإذا كان سمع من أبيه؛ فهل كل ما روى عن أبيه سمعه منه؟!
لذلك نرى كثيرًا من أئمة الجرح والتعديل يقولون: إذا حَدَّثَ عن غير أبيه؛ فهو ثقة،والخلاصة أن عَمْرًا ثقةٌ في نفسه،فإذا صرح بالتحديث عن أبيه؛ فحديثه حجة ليس فيه شيء والله أعلم.
رابعا: وأن الخامس وهو شعيب بن محمد أمره يشبه أمرَ ابنه عمرو؛ فهو في نفسه ثقة،وإنما الخوف في روايته عن جده عبد الله بن عمرو،فهو وإن صح سماعه منه على الراجح لكن سماعه منه ليس بكثير؛ فيُخشى أن لا يكون سمع منه كلَّ ما روى عنه،وإنما هي صحيفة لعبد الله بن عمرو رواها شعيبٌ وِجَادَةً.(2/163)
الوجادة أحد وسائل التحمل الضعيفة،فهناك السماع من لفظ الشيخ،والإخبار،والإجازة،والوصية = الرواية بالوصية بالكتاب،ومنها الوجادة: أن التلميذ يجد كتابا بخط شيخه فيه مروياته كما فعل عبد الله بن أحمد يقول: وجدت في كتاب أبي. فالوجادات هذه أحد وسائل التحمل الضعيفة،فشعيب سمع من جده بعضَ الأحاديث والبعض الآخر وجده بخط جده؛ فهذا نوع من أنواع النقد،والجرح للراوي إذا حدَّث بالوجادة ليس بالتصريح،ولا الإخبار،ولا الإجازة،ولا الوصية،وإنما حَدَّثَ بالوجادة،فهذه طريقة ضعيفة من طرق التحمل،رواها شعيبٌ وجادةً ولم يسمعها،وإن كان المقصود بجده محمد بن عبد الله بن عمرو؛ فليس لمحمد صحبة،فيكون الحديث مرسلا.
البحث في اتصال الإسناد:
هذا،وبعد أن انتهينا من بحث شرطيْ العدالة والضبط في رجال الإسناد نبدأ ببحث الشرط الثالث من شروط صحة الحديث،وهو اتصال السند،أو اتصال الإسناد فنقول:
أما النسائي؛ فقال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود،وأما إسماعيل بن مسعود؛ فقال: حدثنا خالد بن الحارث،وأما خالد بن الحارث؛ فقال: حدثنا حسين المعلم.
فهذه العبارات،والصيغ في الأداء يستعملها المحدثون في القراءة والسماع من الشيخ،إذن؛ فالسند إلى هنا متصل.
أما حسين المعلم؛ فقال: عن عمر بن شعيب،وعنعنته هذه محمولةٌ على الاتصال؛ لأن حسينًا ليس بمدلس أولا،ويمكن لقاؤه بعمرو بن شعيب والمعروف في التراجم بالأخذ عنه،ومذكور في تلاميذه.
وأما عمرو بن شعيب؛ فقد صرح بأن أباه حدثه،فالإسناد لا زال متصلا.
وأما شعيب بن محمد بن عبد الله؛ فقال: عن عبد الله بن عمرو،وهنا الإشكال؛ لأن شعيبًا وُصِفَ بالتدليس لكن الحافظ ابن حجر ذكره في الطبقة الثانية من المدلسين،وهي الطبقة التي قال عن أولها: إنهم من احتمل الأئمة تدليسهم،وخرجوا لهم في الصحيحين لإمامتهم،وقلة تدليسهم في جنبِ مَا رَوَوْا..
الحافظ ابن حجر له رسالة صغيرة جدًّا اسمها "طبقات المدلسين" لكنها مهمة جدًّا للطالب وهو يدرس اتصال الأسانيد،وعندنا كتاب العلائي "جامع التحصيل" مفيد جدًّا في معرفة الإرسال،كتاب الحافظ ابن حجر مفيد جدًّا في معرفة التدليس،فلو نظرت في الكتاب؛ ستجد فيه طبقةً أولى فيها: مالك،والسفيانان،وفيها جماعة من الأثبات الكبار هؤلاء تَحَمَّلَ الأئمةُ تدليسَهم؛ لقلة التدليس،ولعظمتهم،وجلالتهم في هذا الشأن.
وفي الطبقة الثانية التي أيضا يقول: (احتمل الأئمة تدليسهم،وخرَّجوا لهم في الصحيحين لإمامتهم وقلة تدليسهم في جنب ما رووا) فعندنا شعيب في هذه الطبقة الثانية التي مررها الأئمة؛ كقتادة وغيره ممن وصفوا بالتدليس وهم أئمة كبار.
(لذلك فإننا نحتمل تدليسه هنا،ونحمل العنعنةَ على السماع؛ لقلة تدليسه،ولأنه ثبت سماعه من جده عبد الله،فالإسناد متصل إن شاء الله).
إذن عندنا كم شرطا تَحَقَّقَ إلى الآن في الإسناد؟
عدالة،ضبط،اتصال إسناد،وبقي الكلام على الشذوذ وعلى العلة،وهذا بحر لا ساحل له،يعني الطالب المبتدئ أو نحو ذلك مسألة الشذوذ والعلة مسألة تحتاج إلى إمامٍ جِهْبِذ هو الذي يفصل في هذه القضية.
البحث عن الشذوذ والعلة وصعوبته:
"أما البحث عن الشذوذ والعلة فهو أمر أصعب بكثير من البحث في عدالة الرواة وضبطهم،واتصال السند؛ لأن الكشف على الشذوذ والعلة إثباتًا أو نفيًا أمر لا يقوى عليه إلا صاحب الاطلاع الواسع جدًّا على متون الأحاديث وأسانيدها،حتى يمكنه معرفة اتفاق أسانيد هذا الحديث في جميع الطرق التي ورد بها الحديث أو عدم اتفاقها،وقد ذكر علماء المصطلح أن العلة تطرق إلى الإسناد الذي رجاله ثقات،الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر".(2/164)
فهذه المرحلة لو خرج منها الدارس بتعلم كيفية استخراج الأحاديث من بطون الكتب وكيفية استخراج التراجم من كتب التراجم،فقد نجحنا في هذا نجاحًا عظيمًا،المرحلة التي تلي ذلك،هي مسألة جمع الطرق،يعني معرفة أماكن الحديث في جميع الكتب،ومقارنة هذه الأسانيد بعضها لبعض،ومعرفة مواطن الالتقاء التي هي تسمَّى عند علماء الحديث بالمدار،يعني هذا الحديث مداره على مَن مِنَ الرواة،ثم معرفة مواطن الخلاف على الراوي،ثم الكشف عن العلة التي هي آخر مرحلة في مراحل البحث،والتي تحتاج إلى تمكن وإلى دُربة وإلى ممارسة, وإلى تطبيق عملي يصل إلى مرحلة أن يكون الطالب حافظًا لمناهج الأئمة في كتبهم؛ يعني يقول مثلاً وهو يدرس قد عرف تسلسل كتب البخاري،البخاري مثلاً يبدأ بكتاب الوحي ويثني بالإيمان وبعد ذلك العلم،وبعد ذلك الوضوء والطهارة ونحو ذلك والصلاة،فهو يعرف خط سير الكتب،ويروح ويجيء عليها كثيرًا،وإذا قابله إسناد في كتاب يستطيع بهذه الملكة أن يعرف هذا إسناد لمن،ونحو ذلك من الممارسات الطويلة التي ترشح الطالب بعد ذلك لأن ينظر في كشف العلة،وأن يتمرس عليها وأن يتدرب عليها،فالكلام على الشذوذ والعلة هذا يعتبر في آخر مراحل الطلب،فيما يتعلق بقضية التخريج ودراسة الأسانيد،لكن نحن نشير مجرد إشارة إلى أن مسألة العلة تحتاج إلى طالب أولاً انتهى من دراسة الجانب النظري؛ بمعنى أنه درس قواعد المصطلح بشكل جيد على أيدي شيوخه،يعني قرأ مثلاً النخبة وشرحها،قرأ مقدمة ابن الصلاح،حفظ ألفية من ألفيات السيوطي أو العراقي وقرأ شرحها،التبصرة والتذكرة مثلاً فيكون الجانب النظري عنده مهضوم ومستوعب،ويدري في المسائل المتشابهة في قضايا المصطلح يفرق بين هذا وذاك،هذه واحدة،ثم يمارس الاستخراج بشكل واسع،والكلام على الرواة والأسانيد بشكل واسع،فإذا قضى هذا القدر من التأهيل العلمي استطاع أن يفهم الكلام في مسألة العلل.
فالأئمة متفقون على أن الحديث لن يستطيع الطالب أن يتفهمه إلا بجمع طرقه،ومقارنة هذه الطرق بعضها ببعض،هذه الجزئية من البحث هي المنتهى في دراسة علم الحديث.
وكانوا يقولون: إن علم الحديث إلهامٌ،يعني ينقدح في قلب الناقد أن هذا الحديث فيه علة ولا يستطيع أن يذكر مبررًا لهذا التعليل.
وسُئل أبو زُرْعة(1): ما الحُجَّة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحُجَّة أن تسألني عن حديث له عِلَّة, فأذكر عِلَّته, ثمَّ تقصد ابن وَارة فتسأله عنه, فيذكر عِلَّته, ثمَّ تقصد أبا حاتم فيُعلله, ثمَّ تُميِّز كلامنا على ذلك الحديث, فإن وجدت بيننَا خِلافًا فاعْلم أنَّ كلا مِنَّا تكلَّم على مُراده, وإن وجدت الكلمة مُتفقة, فاعلم حقيقة هذا العِلْم, ففعل الرَّجُل ذلكَ, فاتَّفقت كلمتهم, فقال:أشهدُ أنَّ هذا العلم إلهامٌ "
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ) لَهُ(2):
" سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: جَاءنِي رَجُلٌ مِنْ جِلَّةِ أَصْحَابِ الرَّأْي،مِنْ أَهْلِ الفَهْمِ مِنْهُم،وَمَعَهُ دَفْتَرٌ،فَعَرَضَهُ عَلَيَّ،فَقُلْتُ فِي بَعْضِه: هَذَا حَدِيْثٌ خَطَأٌ،قَدْ دَخَلَ لِصَاحِبِهِ حَدِيْثٌ فِي حَدِيْثٍ،وَهَذَا بَاطِلٌ،وَهَذَا مُنْكَرٌ،وَسَائِرُ ذَلِكَ صِحَاح.
فَقَالَ: مِنَ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَاكَ خَطَأٌ،وَذَاكَ بَاطِلٌ،وَذَاكَ كَذِبٌ؟ أَأَخْبَرَكَ رَاوِي هَذَا الكِتَابِ بِأَنِّي غَلِطْتُ،أَوْ بِأَنِي كَذَبْتُ فِي حَدِيْثِ كَذَا؟
__________
(1) - معرفة علوم الحديث ص 113
(2) - سير أعلام النبلاء (13/253-255) والحديث المعلول قواعد وضوابط - (ج 1 / ص 14) ومقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 314) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 1 / ص 349)(2/165)
قُلْتُ: لاَ،مَا أَدْرِي هَذَا الجُزْء مَنْ رَاوِيْهِ،غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الحَدِيْثَ خَطَأٌ،وَأَنَّ هَذَا بَاطِلٌ.
فَقَالَ: تَدَّعِي الغَيْبَ؟
قُلْتُ: مَا هَذَا ادِّعَاءُ غَيْبٍ.
قَالَ: فَمَا الدَّلِيْلُ عَلَى مَا قُلْتَ؟
قُلْتُ: سَلْ عَمَّا قُلْتُ،مَنْ يُحْسِنُ مِثْلَ مَا أُحْسِنُ،فَإِنْ اتَّفَقْنَا عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ وَلَمْ نَقُلْهُ إِلاَّ بِفَهْمٍ.
قَالَ: وَيَقُوْلُ أَبُو زُرْعَةَ كَقَوْلِكَ؟
قُلْتُ: نَعْم.
قَالَ: هَذَا عَجَبٌ.
قَالَ: فَكَتَبَ فِي كَاغَد أَلفَاظِي فِي تِلْكَ الأَحَادِيْثَ،ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ،وَقَدْ كَتَبَ أَلْفَاظَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ فِي تِلْكَ الأَحَادِيْثَ،فَقَالَ: مَا قُلْتَ إِنَّهُ كَذِبٌ،قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ بَاطِلٌ.
قُلْتُ: الكَذِبُ وَالبَاطِلُ وَاحِدٌ.
قَالَ: وَمَا قُلْتَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ،قَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ،كَمَا قُلْتَ،وَمَا قُلْتَ: إِنَّهُ صَحِيْحٌ،قَالَ: هُوَ صَحِيْحٌ.
ثُمَّ قَالَ: مَا أَعَجَبَ هَذَا! تَتَّفَقَان مِنْ غَيْر مُوَاطَأَةٍ فِيمَا بَيْنَكُمَا.
قُلْتُ: فَعِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ،وَأَنَّا قُلْنَا بِعِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ قَدْ أُوْتِيْنَاهُ،وَالدَّلِيْلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُوْلُهُ أَنَّ دِيْنَاراً بَهْرَجاً يُحْمَلُ إِلَى النَّاقِدِ،فَيَقُوْلُ: هَذَا بَهْرَجٌ.
فَإِنْ قِيْلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: إِنَّ هَذَا بَهْرَجٌ؟ هَلْ كُنْتَ حَاضِراً حِيْنَ بُهْرِجَ هَذَا الدِّينَارُ؟
قَالَ: لاَ.
وإِنْ قِيْلَ: أَخْبَرَكَ الَّذِي بَهْرَجَهُ؟
قَالَ: لاَ.
قِيْلَ: فَمَنْ أَيْنَ قُلْت؟
قَالَ: عِلْماً رُزِقْتُهُ.
وَكَذَلِكَ نَحْنُ رُزِقْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ،وَكَذَلِكَ إِذَا حُمِلَ إِلَى جَوْهَرِيٍّ فَصُّ يَاقُوْتٍ،وَفَصُّ زُجَاجٍ،يَعرِفُ ذَا مِنْ ذَا،وَيَقُوْلُ كَذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ نَحْنُ رُزِقْنَا عِلْماً،لاَ يتَهَيَّأُ لَهُ أَنْ نُخْبِرُكَ كَيْفَ عَلِمْنَا بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ،أَوْ هَذَا مُنْكَرٌ،فَنَعْلَمُ صِحَّةَ الحَدِيْثِ بِعَدَالَةِ نَاقِلِيْهِ،وَأَنْ يَكُوْنَ كَلاَماً يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كَلاَمَ النُّبُوَّةِ،وَنَعْرِفُ سَقَمَهُ وَإِنْكَارَهُ بتَفَرَّدِ مَنْ لَمْ تَصِحَّ عَدَالَتُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قُلْتُ عَلَى بَابِ أَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ:
مَنْ أَغْرَبَ عَلَيَّ حَدِيْثاً غَرِيْباً مُسْنَداً لَمْ أَسْمَعْ بِهِ صَحِيْحاً فَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ،وَكَانَ ثَمَّ خَلْقٌ: أَبُو زُرْعَةَ،فَمَنْ دُوْنَهُ،وَإِنَّمَا كَانَ مُرَادِي أَن يُلْقَى عَلَيَّ مَا لَمْ أَسْمَعْ بِهِ،فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ عِنْدَ فُلاَنٍ،فَأَذْهَبُ وَأَسْمَعَهُ،فَلَمْ يَتَهَيَّأَ لأَحَدٍ أَن يُغْرِبَ عَلَيَّ حَدِيْثاً. "
طبعًا الوصول إلى هذا المستوى من النظر هذه إنما ينظر فيها إن قلنا مَن في العالم الإسلامي اليوم يستطيع أن ينظر وأن يكتشف علل الأحاديث لا تكاد تحصي أصابع اليد الواحدة عند المبالغة على مستوى العالم الإسلامي الذي يتخطى المليار ونصف،لأن هذه مسألة تحتاج إلى عمر طويل عشرين سنة ثلاثين سنة من الممارسات والدربة والأخذ والرد والمراجعات،وغير ذلك.(2/166)
والعلماء لهم كلام في مسألة الحكم على الظاهر،يعني إن الحكم على الأسانيد من ظاهرها هذا خطأ،يعني كون الراوي ثقة والذي بعده ثقة،والذي بعده ثقة،والذي بعده ثقة،والذي بعده الصحابي يبقى الحديث صحيح؟ هذا الكلام ببادئ النظر؛ لأنه قد يكون الثقة يروي عن ثقة وفي الحديث علة،أن الراوي سمع من شيخه بعد الاختلاط،أنه لم يسمع منه هذا الحديث بعينه،أنه لما سمع هذا الحديث منه ضاعت أوراقه فحدث من حفظه فحصل الوهم في حديثه،هذه مسائل لها اعتبارات وقرائن،وكل حديث له قصة وحده،فليست هناك قاعدة مضطردة مثل القواعد الرياضية للحكم بها على علل الأحاديث،وإنما الحديث تجمع طرقه وتظل تتأمل فيها وتقارن وتنظر في المدار ومواطن الاتفاق،ومواطن الالتقاء،ومواطن الاختلاف حتى يهديك الله -عز وجل- إلى معرفة مواطن العلة بعد استفراغ الجهد والنظر في كلام أهل العلم.
فالذي درس قواعد المصطلح بشكل جيد وهضمها،وتعرف على كيفية استخراج الأحاديث من بطون الكتب،واستخراج الكلام على الرجال يحتاج إلى ذلك أن يكون عنده نظر في كتب النقد الحديثي،سواء للقدامى كما في علل ابن أبي حاتم وعلل الدارقطني وهي مليئة بأحاديث ظاهرها الصحة جدًّا ويتكلم على تعليلها ويبين أن فيها عللاً سواء الاختلاف في الوصل والإرسال،اختلاف في الوقف والرفع،ونحو ذلك من مواطن العلة،فيقرأ الطالب،يبدأ يقرأ في علل ابن أبي حاتم مثلاً أو في علل الدارقطني أو غيرها من الكتب بعد قراءة الجانب النظري في العلل،وأرشح لذلك أميز كتاب في الأمة وهو كتاب "شرح علل الترمذي" للحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-فقد أتى بدررٍ غوالي في هذا الكتاب،الترمذي -كما نعلم- ختم كتابه الذي هو "السنن" بكتاب "العلل" الذي هو "العلل الصغير" فجاء ابن رجب -رحمه الله تعالى- شرح هذا القدر،وأضاف عليه مثله،يعني شرح القدر اليسير من كتاب "العلل" للترمذي يقع في حوالي تسعة وخمسين صفحة،شرحهم في مجلد وأضاف مجلدًا آخر في الكلام على أصول العلل،هذا الكتاب على الطالب أن يحفظه كما يحفظ الفاتحة؛ لأنه في الجزء الثاني من الكتاب ذكر الثقات الذين يخطئون في رواة معينين،هو الراوي ثقة،لكن فيه فلان بعينه من المشايخ يغلط،والثقات الذين يخطئون في بلاد معينة،يقول لك مثلاً: فلان إذا روى عن أهل بلده فهو ثقة،وإذا روى عن غير أهل بلده فلا يحتجُّ به،قالوا مثلاً هشام بن عروة لما نزل العراق وكان ينزل للتجارة،فكان يجتمع عليه طلبة الحديث وأبوه عروة،وعروة يروي عن خالته عائشة،يعني سند عالي جدًّا غاية في المهارة،يعني تشرئب إليه أنظار وأعناق طلبة العلم،فكانوا يطلبون من هشام أن يحدثهم إذا نزل بالعراق،وكان يحدث من حفظه،الرجل ذاهب ليتاجر ما هو ذاهب ليحدث،فكلُّ ما حدث به هشام في العراق فيه نظر،هذه قواعد يذكرها أهل العلم.
عبد الرزاق مثلاً إمام أهل اليمن،وهو شيخ أحمد وابن معين ودارت عليه أسانيد اليمن،يعني آل علم اليمن كله إلى عبد الرزاق،ومع ذلك فعبد الرزاق عَمِيَ سنة مائتين،وكان يعتمد على الكتابة،فإذا حدث من حفظه بعد العمَى فقد وقعت الأوهام في روايته،فلا يعتدُّ بمرويات عبد الرزاق بعد العمى،وإن كان الراوي عن عبد الرزاق جبلا في الحفظ،ولو كان الإمام أحمد،ولم يحصل أن أحمد روى عن عبد الرزاق بعد العمى،لكن حتى ولو كان الإمام أحمد... وأحمد جبل في الحفظ،وإمام إليه المنتهى في التثبت،وعبد الرزاق إمام ثقة ثبت،ومع ذلك الذي روى عن عبد الرزاق وهو بهذه المثابة والمنزلة بعد العمَى فحديثه لا يقبل إذا لم يعضد،فيقولون هناك أخطاء للثقات،كأن يخطئ في راوي بعينه في بلد بعينه،في وقت بعينه،كأن يصيبه عمى،يصيبه اختلاط أو غير ذلك،فهذه من مداخل العلل ومن مواطن التعليل.(2/167)
أيضًا مراتب الثقات تتفاوت،فمثلاً نحن قلنا في االمثال السابق: إن عندنا إسماعيل بن مسعود ثقة،وخالد بن الحارث ثقة،فهل بينهما تفاوت كما رأينا؟ نعم،خالد بن الحارث قال فيه أحمد ويحيى بن سعيد القطان: إليه المنتهى في التثبت في البصرة،يعني حديثه مقبول في الدرجة العليا من القبول،وإسماعيل بن مسعود الجحدري أيضًا حديثه مقبول،ومع ذلك الاثنين ثقات لكن بين خالد بن الحارث وبين إسماعيل بن مسعود أيضًا تفاوت في درجة التوثق.
فباب العلل هذا بحرٌ متلاطم الأمواجِ لا يدخل فيه إلا من انتهى من دراسة القواعد النظرية،فكتب المصطلح لا غنى أبدًا عن أن الإنسان يدرس كتب المتأخرين كالنخبة وشروحها،ومقدمة ابن الصلاح وشروحها،والنكت عليها ونظمها وشروح النظم،هذه جهود علماء ما ينبغي أن تهدر ولا يلتفت إلى من يقول : إن هذه الكتب طوَّلت الطريق على الدارسين،نعم ليست هي الغاية في الدرس الحديثي،لكن لا بد منها في التأصيل والتأسيس لبناء طالب علم،فإذا انتهى من هذه الدرجة -درجة البناء- فليدخل على التطبيق،يدخل على التطبيق يهتدي بكلام الأئمة،أئمة العلل،فيدرس وينظر في كتب العلل التي للأقدمين وينظر في الدراسات النقدية التي للمعاصرين،مع نوع من الاحتياط ونوع من عدم التعصب،فعندنا بفضل الله -تعالى- في الأمة ولله الحمد قدرٌ من العلماء وطلبة العلم والمشايخ الذين لهم عناية بعلم العلل في العالم الإسلامي،مع نوع من التحفظ في بعض الكتب التي صدرت فيها لهجة قوية قاسية على كتابات المتأخرين،فكما قلت إن كلام المتأخرين كلام لا يستغنى عنه في بناء الطالب من الناحية النظرية،فإذا انتهى الطالب من هذه المرحلة لا يقفُ عندها،يجب أن يرجع وأن ينظر في مناهج أئمة العلم في العلل،وينظر في كتابات المعاصرين التي تعتبر كالكشاف إلى هدايته إلى معرفة أنفاس المتقدمين في النظر لعلم الحديث،هذه هي الطريقة التي يمكن أن يرتقي بها الطالب في دراسته لهذا العلم الشريف.
الكتب التي يُستعان بها في كشف العلة والشذوذ:
"هناك كتب صنفها العلماء لبيان علل الحديث،وتعرف هذه الكتب بكتب العلل،وطريقة كتب العلل هي ذكر الأحاديث المعلولة مع بيان عللها،وذلك بذكر طرقها وكشف العلة من خلال جمع الطرق واستعراضها".
(جمع الطرق واستعراضها) كلمة من ثلاثة أسطر،أما ما وراءها من جهد،فهذا أمر تبذل فيه الأوقات والمهج والأرواح؛ لأن هذا أمر ليس بالسهل،(جمع الطرق) يعني لن تترك الحديث في كتاب من كتب السنَّة إلا وأسانيده أمامك،هذا الحديث منثور في عشرات الكتب،منثور في الأجزاء الحديثية،في كتب التفاسير والتواريخ وغيرها،في كتب التراجم كتب السؤالات كتب العلل،تستخرج هذا كله وتضعه أمامك على الطاولة لتنظر في مسألة كشف العلة.
"وذلك مثل كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم،وهو مرتب على الأبواب،وكتاب "العلل" للدارقطني،وهو مرتب على المسانيد".
من العجب العجاب الذي لا ينقضي عجبك وأنت تسمع،أن الدارقطني -رحمه الله تعالى- لم يؤلف كتاب "العلل" ما ألفه،إنما أملاه على طلابه،كان تلامذة الدارقطني يسألون وهو يجيب،سبحان الله العظيم،إذا فتحت أي مسند من مسانيد الصحابة ترى كلام الدارقطني الحد الأدنى من الطرق التي يوردها في الحديث الواحد ثمانية طرق،من حفظه لا تضطرب عليه الأسانيد ولا يذكر راوي مكان راوي،ولا يختلف عليه الأمر،ولا يتشابه عليه المسائل،وإضافة إلى ذلك كلامه على الطرق،أن هذا ورد مرسلا،وهذا ورد متصلا،وهذا ورد موقوفا،وهذا ورد مرفوعا،والراجح كذا،وترجيحه كذا... هذا الكلام يدلُّ على إمامةٍ عاليةٍ ما جاء بعد الدارقطني في هذا الباب مثله،يعني أغلق هذا الباب على من جاء بعده.(2/168)
"وقد يَنهَج بعض المؤلفين في العلل نهجًا آخر،فتراه يذكر أن فلانًا لم يسمع من فلان،أو أن حديث فلان عن فلان منقطع؛ لأنه لم يلقه،وذلك كالإمام أحمد في كتابه "العلل ومعرفة الرجال" فهذه الكتب يمكن الاستعانة بها في كشف علل الحديث،لكن هل صنف العلماء كتبًا خاصة في معرفة الأحاديث الشاذة؟ والجواب عن ذلك: أن العلماء لم يصنفوا مثل هذه المؤلفات،والله أعلم".
والشذوذ معناه أن الراوي ثقة وقد خالف من هو أوثق منه،فالثقة إذا خالف الثقات.. يعني مثلاً كقول الإمام مالك(629) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.(1)
قال ابن الملقن(2): " الحَدِيث الأول =عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما،قَالَ: « فرض رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - زَكَاة الْفطر من رَمَضَان عَلَى النَّاس صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير،عَلَى كل حر أَو عبدٍ،ذكرٍ أَو أُنْثَى،من الْمُسلمين» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح،وَله طرق عَن ابْن عمر .
أَولهَا : من طَرِيق عمر ابْن نَافِع،عَن أَبِيه عَنهُ،قَالَ : «فرض رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر،أَو صَاعا من شعير،عَلَى العَبْد وَالْحر،وَالذكر وَالْأُنْثَى،وَالصَّغِير وَالْكَبِير من الْمُسلمين،و (أَمر بهَا) أَن (تُؤَدَّى) قبل خُرُوج النَّاس إِلَى الصَّلَاة» .رَوَاهُ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه .
ثَانِيهَا : من طَرِيق الضَّحَّاك بن عُثْمَان،عَن نَافِع،عَنهُ «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان،عَلَى كل نَفْس من الْمُسلمين،حر أَو عبد،(رجل) أَو امْرَأَة،صَغِير أَو كَبِير،صَاعا من (تمر) أَو صَاعا من شعير» .رَوَاهُ مُسلم من هَذَا الْوَجْه،وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (من هَذَا الْوَجْه) بِلَفْظ : «(فرض) زَكَاة الْفطر من رَمَضَان،عَلَى (كل) نَفْس من الْمُسلمين» وَالثَّانِي بِلَفْظ مُسلم،وَترْجم عَلَيْهِ : ذكر الْبَيَان بِأَن هَذِه اللَّفْظَة «من الْمُسلمين» لم يكن مَالك بالمتفرد بهَا .
ثَالِثهَا : من طَرِيق [ عبيد الله ]،عَن نَافِع،عَنهُ : «فرض رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (صَدَقَة الْفطر) صَاعا من شعير،أَو صَاعا من تمر،عَلَى كل عبد أَو حر،صَغِير أَو كَبِير» .رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك،وَالْبُخَارِيّ وَلَفظه : «عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير،وَالْحر والمملوك» بدل : «(عَلَى) كل عبد ...» إِلَى آخِره . وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ : «وَالذكر وَالْأُنْثَى» .
وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع،عَنهُ : «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زَكَاة الْفطر عَلَى النَّاس من رَمَضَان صَاعا من تمر،أَو صَاعا من شعير،عَلَى كل حر (أَو) عبد،ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ خَارج «الْمُوَطَّأ» زِيَادَة : «عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير» ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب مَالك»،وَقَالَ : رَوَاهُ (عَنهُ فقيهان) أَحدهمَا : ابْن (قُتَيْبَة)،وَالثَّانِي : إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ،من حَدِيث قُتَيْبَة عَنهُ،وَسقط فِيهَا قَوْله : «من الْمُسلمين» .
وَاعْلَم أَن هَذِه اللَّفْظَة - أَعنِي (قَوْله) «من الْمُسلمين» - اشتهرت من رِوَايَة مَالك،حَتَّى قيل : إِنَّه تفرد بهَا .
__________
(1) - أخرجه الجماعة من طريق مالك بهذا اللفظ وعن غير مالك انظر طرقهم إليه في المسند الجامع - (ج 10 / ص 403)7488
(2) - البدر المنير - (ج 5 / ص 614) فما بعدها(2/169)
قَالَ أَبُو قلَابَة عبد الْملك (بن) مُحَمَّد : لَيْسَ أحد يَقُول فِيهِ «من الْمُسلمين» غير مَالك .
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد تَخْرِيج رِوَايَة مَالك : وَرَوَى غير وَاحِد عَن نَافِع،وَلم يذكرُوا فِيهِ «من الْمُسلمين» .
والتفرد الَّذِي قيل عَن مَالك فِي هَذِه اللَّفْظَة لَيْسَ بِصَحِيح،فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي،عَن عبيد الله ابْن عمر (بِهِ)،وَقَالَ فِيهِ : «من الْمُسلمين» . قَالَ : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالك بن أنس،وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان،وَعمر بن نَافِع،والمعلى بن إِسْمَاعِيل،و (عبيد الله) ابْن عمر الْعمريّ،وَكثير بن فرقد،وَيُونُس بن يزِيد،وَرُوِيَ عَن ابْن شَوْذَب عَن أَيُّوب عَن نَافِع كَذَلِك .
قلت : أما رِوَايَة مَالك وَالضَّحَّاك وَعمر بن نَافِع فقد سلفت . وَأما رِوَايَة الْمُعَلَّى فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ،بإسنادٍ صَحِيح،وَلَفظه : «أَمر رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِزَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير،عَن كل مُسلم،صَغِير أَو كَبِير،حر أَو عبد» .وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك .
وَأما رِوَايَة الْعمريّ فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا،بِإِسْنَاد جيد،وَلَفظه : «(فرض) رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَة الْفطر،عَلَى كل مُسلم،صَاعا من تمر ...» الحَدِيث .
وَأخرجه ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» بِزِيَادَة فِيهِ : «من الْمُسلمين» وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ : «عَن الصَّغِير وَالْكَبِير» .
وَأما رِوَايَة كثير فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ،وَلَفظه : «زَكَاة الْفطر عَلَى كل حر وَعبد من الْمُسلمين صَاع من تمر،أَو صَاع من شعير» . (وأخرجها الْحَاكِم بِلَفْظ : «عَلَى كل مُسلم،حر وَعبد،ذكر وَأُنْثَى من الْمُسلمين،صَاع من تمر،أَو صَاع من شعير») ثمَّ قَالَ : صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ .
وَأما رِوَايَة يُونُس بن يزِيد فأخرجها الطَّحَاوِيّ فِي «بَيَان الْمُشكل» . بِلَفْظ : «عَلَى النَّاس زَكَاة الْفطر،من رَمَضَان،صَاع من تمر أَو صَاع من شعير،عَلَى كل إِنْسَان،ذكر أَو أُنْثَى،أَو حر أَو عبد من الْمُسلمين» .
قلت : وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمر صَارِخًا بِبَطن مَكَّة يُنَادي أَن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب عَلَى كل مُسلم،صَغِير أَو كَبِير،ذكر أَو أُنْثَى،حر أَو مَمْلُوك،حَاضر أَو باد،صَاع من شعير أَو تمر» . ثمَّ قَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ . " اهـ
قال العراقي -رحمه الله تعالى- في الألفية:
"وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ** فيه الملا فالشافعي حققه"
يعني الثقة إذا خالف الملأ أو الجماعة من تلامذة الشيخ الذي أخطأ عليه،فتقدم رواية الجماعة على رواية الفرد،هذا معنى الشذوذ،فالشذوذ أحد مواطن العلة،نوع من أنواع العلة،وإن جعله العلماء نوعًا مستقلاً من شروط الحديث الصحيح.
لكن الشذوذ قبل ظهوره هو نوع من العلل،ولذلك كثيرًا ما يعلل الأئمة بعض الأحاديث بأن فلانًا روى الحديث على وجه مخالف للأول،وهو أثبت وأوثق منه،والحقيقة أن المعلَّلَ أعم من الشاذ،فالشذوذ نوع من العلل كالاضطراب والقلب والله أعلم.
وهذه أشهر المصنفات في العلل:
أولاً: "علل الحديث" لابن أبي حاتم.مثال منها :
(8) وَسَأَلْتُ أَبِي،وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ سُفْيَان الثوري،وشعبة بْن الحجاج،وجرير بْن حَازِمٍ،وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضرير،ويحيى القطان،وابن عُيَيْنَةَ،وجَماعة،عَن الأعمش،عَنْ أَبِي وائل،عَن حذيفة،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي المسح عَلَى الخفين(2/170)
وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ،عَنْ حُصَيْنٍ،عَن الشعبي،عَنْ عُرْوَةَ بْنِ المغيرة،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَوَاهُ زائدة بْن قدامة،عَنْ حُصَيْنٍ،عَنْ سَعْدِ بْنِ عبيدة،سَمِعَ المغيرة بْن شُعْبَةَ وَقَالَ غيره : عَنْ حُصَيْنٍ،عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،عَن المغيرة بْن شُعْبَةَ
وَرَوَاهُ عَبْثَر،عَنْ حُصَيْنٍ،عَن الشعبي،وسعد بْن عبيدة،عَن المغيرة بلا عروة
|قَالَ أَبِي : وَلَيْسَ لأَبِي سُفْيَان معنى
قَالَ أَبِي : وَرَوَاهُ هشيم،عَنْ حُصَيْنٍ،عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،وَأَبِي سُفْيَان،سمعا المغيرة بْن شُعْبَةَ
قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ : فأيُّهَما الصحيح عندك ؟
قَالَ : أَنَا إِلَى حَدِيث الشعبي بلا عروة،أميلُ إِذَا كَانَ للشعبي أصلٌ فِي المسح
(9) وسألتُ أبي وأبا زُرْعَةَ،عن حديثٍ،رواه سفيان الثورى وشعبة بن الحجاج وجرير بن حازم وأبو معاوية الضرير ويحيى القطان،وابن عيينة وجماعة عن الأعمش،عن أبي وائل عن حذيفة،عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فى المسح على الخفين.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ،عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ،عَن الأعمش،وعاصم،عَنْ أَبِي وائل،عَن المغيرة بْن شُعْبَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فأيهما الصحيحُ من حَدِيث الأعمش ؟
قَالَ أَبِي : الصحيحُ حَدِيث هَؤُلاَء النفر،عَن الأعمش،عَنْ أَبِي وائل،عَن حذيفة،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهمَ فِي هَذَا الحديث : أَبُو بَكْرُ بْن عَيَّاشٍ،إِنَّمَا أَرَادَ الأعمش : عَنْ مُسْلِم بْنِ صُبَيح،عَن مسروق،عَن المغيرة،ولم يُميز حَدِيث أَبِي وائل من حَدِيث مُسْلِم
قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ : فأيهما الصحيح ؟
قَالَ : أَخْطَأَ أَبُو بَكْرُ بْن عياش فِي هَذَا،الصحيح من حَدِيث الأعمش : عَنْ أَبِي وائل،عَن حذيفة اهـ
ولابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية شرح كان بدأه على علل الحديث ولم يتمه،طبع منه مجلد واحد فقط.
ثانيًا: "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل.
أمثلة منه :
آدم بن سليمان،القرشي الكوفي،والد يحيى.
(*) قال عبد الله بن أحمد : حدثني أبي . قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي،عن سفيان , عن آدم مولى خالد . قال أبي : هو أبو يحيى بن آدم. ((العلل)) (1840).
(*) وقال عبد الله : حدثنيه أبي . قال : حدثنا وكيع،عن سفيان،عن آدم بن سليمان،مولى خالد بن خالد . سمعتُ أَبي يقول : آدم بن سليمان،هو أبو يحيى بن آدم. ((العلل)) (2769).
(*) وقال أبو داود : سمعت أحمد . قال : سفيان،عن آدم مولى خالد،عن نافع . قال : هو أبو يحيى بن آدم. ((سؤالاته)) (52).
آدم بن علي،العجلي الشيبانى.
(*) قال عبد الله بن أحمد : سئل أبي،وأنا شاهد , عن زيد بن جبير،وآدم بن على . فقال : زيد بن جبير أعجب إلي،زيد روى عنه شعبة. ((العلل)) (2037).
(*) وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي،عن آدم بن علي،وجبلة بن سحيم،أيهما أثبت ؟ قال : جبلة. ((العلل)) (3261).
ثالثًا: "العلل لابن المديني".
القدر الموجود من علل ابن المديني قطعة لا تزيد على مثلاً خمسة وعشرين لوحا التي حققها القلعجي قديمًا،والشيخ محمد مصطفى الأعظمي،الذي هو القدر الموجود من العلل ومعرفة الرجال لابن المديني هذا لا يمثل واحدا على عشرين أو ثلاثين من الكتاب الأصلي،هذا القدر الذي وجد.
وأضف إلى ذلك كتاب "التمييز" للإمام مسلم فهو كتاب علل من الدرجة الأولى،وأضف مثلاً "علل الترمذي" الصغير والكبير،الترمذي له عللان: صغير،وكبير،الذي هو ترتيب أبو طالب،وأكبرها على الإطلاق هو كتاب العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني،مثاله :
أول حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه(2/171)
س (82) سئل الشيخ الامام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ عن حديث عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ : إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ "
فقال هو حديث يرويه قتادة واختلف عنه فرواه سعيد بن أبي عروبة عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ،عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قال ذلك عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سعيد.
وخالفه خالد بن الحارث عن سعيد فرواه عنه عن قتادة عن حمران وكذلك رواه أيوب أبو العلاء عن قتادة عن حمران وحديث عبد الوهاب بن عطاء أحسنها إسنادا وأشبه بالصواب .
قلت : يعني كما في مسند أحمد ( 455) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخَفَّافُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا هِىَ هِىَ كَلِمَةُ الإِخْلاَصِ الَّتِى أَعَزَّ اللَّهُ تَبَارَك وَتَعَالَى بِهَا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ وَهِىَ كَلِمَةُ التَّقْوَى الَّتِى أَلاَصَ عَلَيْهَا نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ عِنْدَ الْمَوْتِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
وفي المستدرك للحاكم ( 242) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ،حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ،أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ،عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ : إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلا بِهَذَا الإِسْنَادِ إِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ،عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ،الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي آخِرِهِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ،وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ،عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ،عَنْ حُمْرَانَ،عَنْ عُثْمَانَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عُمَرَ،وَلَهُ شَاهِدٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عُثْمَانَ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
((2/172)
1297) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ الأَصْبَهَانِيُّ،حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي،حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ،حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ،عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ الْحَارِثِيِّ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ عُمَرَ رَآهُ كَئِيبًا،فَقَالَ لَهُ : مَا لَكَ لَعَلَّهُ سَاءَتْكَ إِمْرَةُ ابْنِ عَمِّكَ،قَالَ : لاَ،وَأَثْنَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ،وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلاَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ،وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ،فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا إِلاَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ،فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي لأَعْرِفُهَا،فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ : وَمَا هِيَ ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هَلْ تَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَعْظَمُ مِنْ كَلِمَةٍ أَمَرَ بِهَا عَمَّهُ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ : هِيَ وَاللَّهِ هِيَ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ،فَأَمَّا الْوَهْمُ الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ،عَنْ مِسْعَرٍ
( 1298) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ،حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ،وَحدثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ،إِمْلاءً،حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ،حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ،عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ،حَدَّثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ إِلاَّ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُخْبِرْهَا،فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَنَا أُخْبِرُكَ بِهَا،هِيَ كَلِمَةُ الإِخْلاصِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ عِنْدَ الْمَوْتِ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ"
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ،إِنَّمَا انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ،حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ،عَنْ حُمْرَانَ،عَنْ عُثْمَانَ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "(2/173)
ومما يفيد في الكلام كتب العلل المعاصرة خاصة رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإسلامية خاصة جامعة الأردن،قاموا بجهد مشكور ولهم اهتمام بالدراسات النقدية،فطبع منها: "منهج البخاري في التعليل" لأبو بكر كافي بإشراف المليباري،الدكتور حمزة بن عبد الله،و"الوهم في رواية مختلف الأمصار" لعبد الكريم الوريكات،وهذه الدراسات المعاصرة التي أسهمت بنوع جيد في طرق كشف العلة،وبيان العلل ونوعها،وإبراهيم بن الصديق له مجلدان كبيران على العلل الواقعين في كتابي "الوهم والإيهام" لابن القطان،الكتاب مطبوع في مجلدين،و"أجناس العلة" لمصطفى باجو،كتاب في مجلد جيد له جهد مشكور في جمع مسالك العلة عند الأئمة النقاد،والكتب التي تكلمت على الصحيحين ككتب الدارقطني وأبو علي الجياني،وغيرها من الكتب،هذه مما تسهم أيضًا وتضيف إضافات جيدة،إضافة إلى كل كتب الشيخ حمزة بن عبد الله المليباري،التي هي الحديث المعلول،وله أيضًا خمسة أو ستة كتب التصحيح عند ابن الصلاح،وأيضًا له كتاب في علوم الحديث في ضوء تطبيقات الأئمة النقاد وغيره من الكتب الموجودة للشيخ حمزة وهي كثيرة،والشيخ حاتم العوني أيضًا كتاباته جيدة،ولها إسهام جيد في كشف العلة وبيانها،وتُوقِف الطالب على طريق الطلب بشكل جيد ورائع،الإرشادات لطارق عوض الله من أجل مسألة المتابعات والشواهد،كل هذه القضايا والمسائل تسهم في بناء الطالب في التذوق،تنقله نقلة من الجانب النظري الذي يعمل فيه منذ سنين،إلى نوع من الممارسة والتطبيق وغيره من المسائل.
الحكمُ على هذا الحديث:
المقصود بالحكم على الحديث: بيان مرتبته من الصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع،وذلك بعد دراسة إسناده على الوجه الذي سبق آنفًا،أما بالنسبة للحكم على هذا الحديث الذي درسنا إسناده فهو كما يلي:
أولاً: أن رجال الإسناد الستة كلهم ثقات،أي عدول ضابطون،يعني أن رجال الإسناد رجال الصحيح،وإن كان بعضهم وهما "عمرو بن شعيب" وأبوه "شعيب" ليسا من أعلا رجال الصحيح بل هما من أدنى رجال الصحيح.
ثانيًا: إن سند الحديث متصل وإن كان فيه شوب انقطاع في عنعنة شعيب عن جده عبد الله بن عمرو،وذلك لأن شعيب مذكور في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين،هو ثابت السماع من جده،فشعيب قد كفله جده،وتربى في حجره؛ لأن أباه محمد مات وهو صغير وهو ثابت السماع من جده في "مستدرك الحاكم" وفي "سنن أبي داود" وغيرهما،كما في سنن أبى داود( 3549 ) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ».
وعند النسائي (2552) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ فِى خُطْبَتِهِ « لاَ يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ».
لكن سماعه منه قليل يعني الأحاديث التي رواها شعيب عن جده عبد الله بن عمرو ليست بالكثرة التي ترشح لقبول مروياته إذا عنعن،وهو هنا قد عنعن،أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
ثالثًا: لم يظهر لي في حدود اطلاعي شذوذ أو علة في سند هذا الحديث أو متنه.
مما تقدم أقول: إن الحديث صحيح لكن ليس في قمة أنواع الصحيح،وإنما هو من أدنى مراتب الصحيح أو هو من أعلى مراتب الحسن،والله أعلم.(2/174)
هذا: وقد روى الحديث غير النسائي الإمام أحمد في مسنده،وأبو داود في سننه وسكت عنه،ومعلوم أن ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاحتجاج به ".
وقال الذَّهبي: " فأعْلَى مراتبه: بَهْز بن حَكِيم عن أبيه عن جدِّه, وعَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه, وابن إسحاق عن التَّيمي, وأمثال ذلك ممَّا قيل إنَّه صحيح, وهو من أدْنَى مراتب الصَّحيح, ثمَّ بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه, كحديث الحارث بن عبد الله, وعاصم بن ضَمْرة, وحجَّاج بن أرْطَاة, ونحوهم.
ثمَّ الحَسَنُ كالصَّحيح في الاحْتجاج به, وإن كانَ دُونه في القُوة, ولهذا أدْرجَتهُ طائفة في نوع الصَّحيح.اهـ(1)
" ويستحسنُ اكتفاء الباحث في الإسناد بقوله: صحيح الإسناد،أو حسن الإسناد،أو ضعيف الإسناد، لأنه قد مر بنا أن كشف العلة والشذوذ في الحديث نفيًا أو إثباتًا أمر صعب جدًّا لا يقوى عليه كل باحث أو مشتغل بالحديث،لكن يستحسن في حق الباحث في الأسانيد أن يقول في نهاية بحثه عن مرتبة الحديث صحيح الإسناد،أو حسن الإسناد،أو ضعيف الإسناد،ولا يتعجل فيقول: صحيح أو حسن أو ضعيف".
يعني نحن في الأزمنة المتأخرة هذه الأزمنة التي نعيش فيها التي بينها وبين السلف الذين كانت لهم عناية فائقة بدرس الحديث،فمسألة الاستقلال بالتصحيح والتضعيف ابن الصلاح له عليها كلام أن يغلق باب التصحيح والتضعيف في الأعصار المتأخرة وابن الصلاح في القرن السابع،فإذا كنا في هذا الزمان نحن نجتهد في أن نفهم؛ لأن معظم الدراسات الحديثية الموجودة في الجامعات أنَّ الطالب يخرِّجُ الحديث على اللفظ،يعني تخريجه في رسالته العلمية سواء ماجستير أو دكتوراه ما هو إلا عزو لمواضع الحديث في الكتب،وهذا لا يسمَّى استخراجًا ولا يسمَّى تخريجًا ولا بحثًا علميًّا،فإن نصيحتي للطالب إذا خَرَّجَ ليكون مخرجًّا لا يكون إلا باحثًا عن الطرق،فالناسُ تُخَرِّج على طرق الحديث،وليس على ألفاظه،ومعناه أنه مهتمٌّ بهذه اللفظة فقط مَن خَرَّجَها،كون الإسناد فيه حيات وعقارب هذه مسألة لا تعني،إنما المراد في الدرس الحديثي هو النظر في أحوال الأسانيد وأحوال الرواة الذين ذكروا في هذا الإسناد،فمسألةُ التخريج على اللفظ لا قيمة لها في الزمن الحاضر،خاصة عند وجود الحاسب الآلي،أنا بضغطة زر أستطيع أن أُخَرِّج لفظة حديث من عشرين ثلاثين كتاب،ماذا بقي على الطالب المتخصص الذي هو في قسم السنَّة في قسم الحديث،بقي عليه أن يجمع هذه الطرق،وينظر في مواطن الالتقاء ومواطن الاختلاف وكشف العلة ونحو ذلك حتى يفهم،فالذي نريده الآن في الجامعات لا أن يحكم الطالب على الحديث،بل أن يفهم كلام أهل العلم،لأن مسألة أن يستقلَّ بحكمٍ فدونه خرط القتاد،إنما الذي نريد أن يكون الطالب المتخرِّج الذي حمل رسالة دكتوراه في قسم الحديث يكون أهلا للفهم؛ لأن الطالب غاية همِّه أنه ما إن يسجِّلُ إلا ويريدُ أن يناقش،خلال وقت قصير . فلن تستطيع مسك الكتاب بعد التخرج،يعني بعد الدكتوراه هذه والانشغالات والتدريس شمالا ويمينا،هذه هي مرحلتك التي تدرس فيها هي التي تستطيع أن تتعلم وأنت متفرغ للبحث،فلا تتعجل،انظر تعلم؛ لأن كثيرا من المتخرِّجين لا يفهمون شيئا،وعندما تتكلم معهم في باب العلل كأنك تتكلم في ألف ليلة وليلة،يعني تتكلم في قصة مختلفة تماما لا تجد من يفهمك فضلاً عن أن يتجاوب معك في قضية الدرس الحديثي فيما يتعلق بباب العلل،فنصيحة لإخواننا الدارسين في مراحل الماجستير والدكتوراه أو الطلبة المتفرغين لا يتعجلوا،يصبر ويتابع أنفاس أهل العلم حتى يتأهل لذلك.
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 105)(2/175)
فهناك فرق كبير بين قولنا عن الحديث صحيح أو حسن،وبين قولنا إسناده صحيح أو إسناده حسن،فربما يوجد حديث آخر يعارضه في معناه،وسنده أقوى فيكون الحديث الذي حكم عليه بالصحة شاذًا،أو ربما اكتشف في الحديث علة غامضة،لم يستطع الباحث اكتشافها ".
أقول هذا الكلام يعني تقوية قلوب إخوانا الدارسين أنت فقط عليك أن تفهم كلام أهل العلم،وأنا أجزم جزمًا يقينيًّا أنه ما من حديث في كتب السنَّة إلا وللأئمة عليه كلام،إما مباشرة،وإما بالكلام على رواة هذا الحديث،لكن هذا إنما يُكتشف مع الصبر،لن تعدم فائدة وكلامًا لأهل العلم إلا بالصبر، ويكون بالقرائن الموجودة في كلام أهل العلم،فأنت اصبر في البحث،ولن تعدم كلامًا لأهل العلم الكبار في القرن الثاني والثالث،لن تعدم لأحدهم كلامًا على الحديث،إما مباشرة بتصحيحه أو تضعيفه،وإما على الراوي الذي روى هذا الحديث بتجريحه أو بتوثيقه،فانقل كلام أهل العلم لكن بتأني.
قلت : وبالنسبة لقوله عن الحديث ضعيف ربما وجد له تابع أو شاهد لفظا ومعنى يقويه،ويجبره فيرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره.
فالأولى في حق الباحث إذن أن يقول في نهاية بحثه عن الحديث: صحيح الإسناد،أو حسن الإسناد،أو ضعيف الإسناد، هذا إذا لم يكن قد حكم على الحديث سابقاً .
فلعلك بعد فترة من الزمن تعيد النظر في كتابك فتجد للحديث طرقًا لم تقف عليها أثناء بحثك،أو تكتشف في الحديث علة،أو كنت ضعفت الحديث فوجدت له بعد ذلك تابعًا قويًّا فيقوي الحديث أو شاهد يقويه،إلى غير ذلك من وسائل المراجعات التي يرجع فيها أهل العلم أخذًا ونظرًا خاصة وأن هذا علم لا تجد من يوقفك على وسائل تعلُّمه مرحلة مرحلة،والأفضل لطالب العلم أن لا يجزم بتصحيح أو تضعيف بل يقول: صحيح الإسناد،حسن الإسناد،ضعيف الإسناد ونحو ذلك،حتى يتسنَّى له الرجوع بعد ذلك فيحكم على الحديث قطعيًّا بالصحة أو بالضعف،لكن الموجود في هوامش الكتب هذا فيه من الخطأ الكثير جدًّا.
وقد فعل هذا كثير من الأئمة السابقين منهم: الحاكم أبو عبد الله،والحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" وغيرهما،والظاهر أن الوقت لم يسعفهم ليكملوا النظر في كشف الشذوذ والعلة،فتحرجوا من القول بأنه صحيح أو حسن..
فالحافظ الهيثمي كان زوج بنت الحافظ العراقي،ولازمه أكثر من عشر سنوات،وهو الذي سافر بالولي العراقي أحمد الذي هو أبو زرعة بن الحافظ العراقي سافر به إلى دمشق ليسمع من الْمِزِّي وعلماء الشام في ذلك الزمان،فتخيل مثلاً الهيثمي كان ملازما عشر سنوات أو أكثر وهو زوج بنته،يعني ظل يدخل ويخرج عليه في كل وقت بلا تحرج،ومع ذلك كان يسعه أن يقول: صحيح،فالجهد الذي بذله الهيثمي في "مجمع الزوائد" جهد جبار،يعني عشرة مجلدات فيه ما يزيد على ثمانية عشر ألف رواية،فلا بد أن يقع الوهم وإن كان قليلاً،لكن على أية حال الاحتياط واجب،والطالب لا يتجاسر على الحكم على الأحاديث صحة وضعفًا،وهو بعد لم يتأهل،كثير من المعاصرين الذين ألَّفوا ندِموا على أنهم أخرجوا كتبهم قبل تحريرها،هو يحتاج إلى أن يرجع،ويحتاج إلى أن يعيد النظر،إذا سألت الشيخ عما قاله على حديث كذا في كتاب كذا.. يقول هذا والله هذا أنا راجع عنه،يعني أحتاج إلى إعادة نظر في الكتاب كله،لأنه عندما أخرج هذا الكتاب وله من السنِّ ثلاثين سنة أو أقل أو أكثر،وبعد عشرين سنة من النظر والتأمل رأى أن هذا الكلام ما كان ينبغي أن يخرجَ أصلاً،ولا أقول هذا الكلام من باب أن الناس تكفُّ عن الدرس.. لا،ولكن مع التأني والصبر وعدم التعجل.(2/176)
قال العراقي(1): " (( هذا حديثٌ إسنادُهُ صحيحٌ ))،دونَ قولِهِم : (( هذا حديثٌ صحيحٌ )) . وكذلك حكمُهُم على الإسنادِ بالحسن،كقولهم: (( إسنادُهُ حسنٌ )) دونَ قولِهِم : (( حديثٌ حسنٌ )) ؛ لأنَّهُ قَدْ يصحُّ الإسنادُ لثقةِ رجالِهِ،ولا يصحُّ الحديثُ لشذوذٍ أو علّةٍ . قال ابنُ الصلاحِ(2): (( غير أنَّ المصنفَ المعتمدَ منهم إذا اقتصرَ على قولِهِ : إنّهُ صحيحُ الإسنادِ،ولم يذكرْ له علّةً،ولم يقدحْ فيه،فالظاهرُ منه الحكمُ له بأنَّهُ صحيحٌ في نفسهِ ؛ لأنَّ عدمَ العلةِ والقادحِ،هو الأصلُ والظاهرُ )) . قلتُ: وكذلك إنِ اقتصرَ على قولِهِ : حَسَنُ الإسنادِ،ولم يُعَقِّبْهُ بضعفٍ،فهو أيضاً محكومٌ له بالحُسْنِ ." اهـ
هذا مما تتجاذب فيه أقوال أهل العلم في مسألة أن العلة والقادح عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر،هذه مسألة فيها أخذ ورد بين أهل العلم.
مثال آخر ليس في الكتب الستة:
هذا مثال آخر لدراسة الإسناد،اخترته من غير الكتب الستة،ليتدرب الباحث على إخراج بعض التراجم من الكتب التي لم تترجم لرجال الكتب الستة،هذا المثال من سنن الدارقطني ( 4326) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْجَمَّالِ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْجُنَيْدِ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِى رَوَّادٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الْكَلْبِىِّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ حَدَثَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ فَوَضَعُوا الرَّأْىَ فَضَلُّوا ».
معنى الحديث على وجه الإجمال: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين حدث فيهم المولدون أبناء السبايا) السبايا الذين هم أسيرات الحرب،وصاروا ملك يمين،وأنجبوا منهم أولادا كثيرة،فضلت بنو إسرائيل حين كثر فيهم هذا،فوضعوا الرأي يعني عملوا برأيهم وتركوا الشريعة المنزلة،فضلوا.
تخريج الحديث :
(كيفية إخراج التراجم).
فالإمام الدارقطني -رحمه الله تعالى- توفي سنة ثلاثمائة وخمسة وثمانين هجريًّة،وأصحاب الكتب الستة بينهم وبين الدارقطني قرابة خمسة وثمانين سنة،ففيه هنا مرحلة زمنية فيها رواة ليسوا في رجال الكتب الستة،يعني ليسوا في "تهذيب الكمال" ولا في أصوله،ولا في فروعه،فالذي يترجم للشيخ الدارقطني الذي هو عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال هذا ليس موجودا لا في "تقريب التهذيب" ولا في "الكاشف" ولا في "تهذيب الكمال" ولا في متعلقات الكتب الستة،فلا بد من النظر في شيء آخر،فيقول: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال،والدارقطني عراقي،كان من دار القطن،وهي محلة في بغداد،وعادة أن شيخه حدثَّه في الأعمِّ الغالب،يعني أنت تستخدم القرائن، فمن الممكن أن يكون الشيخ هذا أيضًا بغداديًّا وله ترجمة في تاريخ بغداد،فإذا لم أجد الحديث في تاريخ بغداد،وذلك لأن الدارقطني قد رحل وسمع الحديث من شيخ دمشقي فننظر في تاريخ دمشق،فتبدأ تنظر في كتب أخرى تستخدم القرائن لتعيين الكتاب الذي ستنظر فيه لترجمة الراوي،فتقول مثلاً: ننظر في تاريخ بغداد فتنظر في فهرس الكتاب فتجد الراوي،أو في تاريخ دمشق فتنظر فتجد الراوي،وهكذا،أقصد يعني أن هذا المثال الموجود معنا رواته من تحت،يعني من عند الإمام المصنِّف ليسوا في الكتب الستة،فعند التخريج لهم،لن نرجع إلى الكتب المشهورة التي هي في رواة الكتب الستة،وإنما سننظر في طرق أخرى للوقوف على هذه التراجم.
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 56)
(2) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 6)(2/177)
فعندما يغلب على الظن أن يكون شيخه المباشر من بغداد،ونحن نعلم أن للخطيب البغدادي كتابًا كبيرًا في تراجم محدثي بغداد وعلمائها وأعيانها،وهو تاريخ بغداد فنتناوله،ونراجع فيه في حرف العين فيمن اسمه عبد الله لنرى عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال فنجده في المجلد العاشر صفحة مائة وعشرين.
أولاً: عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال،قال الخطيب أبو محمد المقرئ المعروف بابن الجَمَّال،وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني ذكر أبا محمد بن الجَمَّال فقال: كان من الثقات،ثم روى أنه مات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة للهجرة .
فالدارقطني -رحمه الله تعالى- روى عن الجَمَّال ووثقه،فالخطيب نقل عن محمد بن علي بن الفتح قال: سمعت أبا الحسن الذي هو عمر بن علي الدارقطني -رحمه الله- ذكر هذا الراوي الذي هو عبد الله بن محمد بن الجَمَّال فقال: كان من الثقات،وأنه مات سنة كذا،أضاف عليه سنة الوفاة،فهذا راوي ثقة.
الثاني: هاشم بن الجنيد أبو صالح عن عبد المجيد بن أبي رواد
إذا بحثنا عنه فلا نجد له ترجمة،ولكن روى عنه أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ كما في السنن الكبرى للبيهقي ( 21105)أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْجُنَيْدِ أَبُو صَالِحٍ الْبَذَشِي الْقُومِسِىُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِىُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلاَ يَقُولُ لاَ أَشْهَدُ بِهَا إِلاَّ عِنْدَ إِمَامٍ وَلَكِنَّهُ يَشْهَدُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ وَيَرْعَوِى. هَذَا مَوْقُوفٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ رُوِىَ مَرْفُوعًا وَلاَ يَصِحُّ .
وروى عنه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْجَمَّالِ كما هو عند الدار قطني،فترتفع جهالة عينه،ويصبح مجهول الحال .
فعندنا الجهالة نوعان: جهالة عين،وجهالة حال.
جهالة العين: من لم يروِ عنه إلا واحد،ولم يوثق .
جهالة الحال: من روى عنه اثنان،ولم يُوَثَّقْ،ولم ينص أحد من أهل الجرح والتعديل على أن هذا الراوي موثقٌ.
عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد:
فممكن من الآن نجد ترجمة لابن أبي رواد في "التهذيب" وفروعه. فلو أتينا على "الكاشف" و"تقريب التهذيب"،وسننظر في الاثنين معا؛ لأن "الكاشف" قد يأتينا بزيادة ليست في "التقريب" وهي أنه يذكر اثنين أو ثلاثة من شيوخ وتلاميذ الراوي،فمن الممكن أن ينصّ ونحن نبحث عن ترجمة عبد العزيز بن أبي رواد على مرْوان بن سالم،أو على أحد من التلامذة أو الشيوخ. فلو نظرنا في حرف "العين" من عبد المجيد،حرف "العين" وبحثنا عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد،سنجده: في تقريب التهذيب ( 4160 ) عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو صدوق يخطىء وكان مرجئا أفرط بن حبان فقال متروك من التاسعة مات سنة ست ومائتين م 4
وفي الكاشف(3435 ) عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه وابن جريج وأيمن بن نابل وعنه كثير بن عبيد والزبير بن بكار ، قال أحمد: ثقة يغلو في الإرجاء، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي توفي 206 م 4
فالإرجاء بدعة من البدع،لكن أكثر أهل العلم على قبول المرجئة في الأعمِّ الغالب،وهي بدعة خفيفة وليست كالخوارج،أو كالرفض والغلو في التشيع. فهي تعتبر أقل البدع من حيث القبولُ والردُّ عند أهل العلم بالحديث.(2/178)
لكنَّ كلامنا ليس في البدعة،فبدعة الإرجاء قد تُحتمل،وإنما الكلام في أنه صدوق، أي حفظه وَسَط،ومع كون حفظه وسطا يُخطئ؛ أي أن هناك إشكاليتيْن. " فصدوق معناها أنه خفيف الضبط،فمن الممكن أن نقول إن حديثه حسنٌ أو قريب من الحسن. فكونه يخطئ؛ هل هذا الحديث الذي معنا مما أخطأ فيه أم مما لم يخطئْ فيه؟! وهذا من مداخل العلة. إذا كان الراوي في "التقريب": صدوق يخطئ،ثقة له أوهام؛ فهل هذه الأوهام مما هي في الإسناد الذي معي أم في أسانيدَ أخرى؟!
فهذه هي مواطن كشف العلة،العسيرة المنال .
وفي الكاشف قال أحمد: "ثقة،يغلو في الإرجاء" فليس مرجئا فقط،بل عنده غلوٌّ،استفدناها من كلمة الإمام أحمد،"كان مرجئا غاليًا" فنُضيف هذه،قال الإمام أحمد: "ثقة يغلو في الإرجاء"،وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي". إذن هذا الراوي هناك تَرَدُّدٌ في حاله ولذلك نقول: بعض أهل العلم جَرَّح،وبعضهم عدَّل ويحتاج إلى جمع كلام أهل العلم عليه،والوصول فيه إلى قولٍ فصلٍ.
ترجمة مرْوان بن سالم:
وعندنا من رجال التهذيب رجلان وهو واحد منهما
ففي تقريب التهذيب(6570 ) مروان بن سالم الغفاري أبو عبد الله الجزري متروك ورماه الساجي وغيره بالوضع من كبار التاسعة ق
وذلك من خلال من روى عنه وهو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد كما في تهذيب الكمال [ج 27 -ص392 ]( 5873)
وفي الكاشف ( 5366) مروان بن سالم الجزري أبو عبد الله مولى بني أمية عن الأعمش وأبي حنيفة وعنه بقية والوليد بن شجاع قال البخاري ومسلم منكر الحديث وقال النسائي متروك ق
فهذا الراوي ساقط الرواية متروك .
أما الكلبي فهو محمد بن السائب أبو النضر الكوفيّ النسَّابة المفسر.
ففي تقريب التهذيب( 5901 ) محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي النسابة المفسر متهم بالكذب ورمي بالرفض من السادسة مات سنة ست وأربعين ت فق .
وفي الكاشف ( 4866 ) محمد بن السائب الكلبي أبو النضر الكوفي عن الشعبي وأبي صالح وعنه ابنه هشام وأبو معاوية ويزيد ويعلى قال البخاري تركه القطان وابن مهدي مات 146 ت
وأبو صالح هو باذام مولى أم هانئ
قال عنه في تقريب التهذيب (634 ) باذام بالذال المعجمة ويقال آخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف يرسل من الثالثة 4
وفي الكاشف( 534 ) باذام أبو صالح عن مولاته أم هانئ وعلي وعنه السدي والثوري وعمار بن محمد وعدة قال أبو حاتم وغيره لا يحتج به عامة ما عنده تفسير 4
فهذا الحديث مسلسل بالعلل الشديدة الضعف،فهل نحكم عليه بالضعف الشديد أم بالوضع ؟
أم ننظر في نص الحديث فهل له متابعات أو شواهد تعضده - وإن كان مثل هذا السند لا يعضد-
قلت : وبعد النظر في سنده وجدنا أن الحديث روي من طرق أخرى مرفوعة موقوفة وهاكها :
وروي عن ابن عمرو كما في سنن ابن ماجه ( 58 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى الرِّجَالِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الأَوْزَاعِىِّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِى لُبَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مُعْتَدِلاً حَتَّى نَشَأَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ فَقَالُوا بِالرَّأْىِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ». وقال في مصباح الزجاجة هذا إسناد ضعيف لضعف ابن أبي الرجال واسمه حارثة بن محمد بن عبد الرحمن.
قلت : وقد روي عنه موقوفاً كما في مصنف ابن أبي شيبة \(ج 15 / ص 177)((2/179)
38747) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ هِشَامٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍوَ قَالَ : لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إسْرَائِيلَ مُعْتَدِلاً حَتَّى نَشَأَ فِيهِمْ أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ،فَقَالُوا فِيهِمْ بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.( وهذا إسناد صحيح كالشمس موقوف ) .
وروي عن واثلة كما في الْإِبَانَةُ الْكُبْرَى لِابْنِ بَطَّةَ -بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ ( 820 ) وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ , قَالَ : نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ قَالَ : نا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ , قَالَ : نا حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الْأَبَحُّ , قَالَ : نا مَكْحُولٌ , عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا , حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ أَوْلَادُ السَّبَايَا , فَقَاسُوا مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا كَانَ فَضَلُّوا , وَأَضَلُّوا "
قلت : وهذا إسناد ضعيف جبارة فيه كلام
وروي من طريق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،كما في الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ = ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْقِيَاسِ وَتَحْرِيمِهِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ (468 ) أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , أنا الْمَسْبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى كَثُرَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ فَأَخَذُوا فِي دِينِهِمْ بِالْمَقَايِيسِ فَهَلَكُوا وَأَهْلَكُوا "
وهذا إسناد موضوع ففي الكشف الحثيث [ج 1 -ص159 ]( 410 ) عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير المدني عن هشام بن عروة قال أبو حاتم الرازي متروك الحديث قال الذهبي ومن بلاياه عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا من لم يجد صدقة فليلعن اليهود، قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات وساق له بن عدي أحاديث ثم قال عامتها مما لا يتابعه عليه الثقات فكلام هؤلاء مع كلام الذهبي ومن بلاياه يقتضي أن يكون هو يضع والله أعلم.
وروي من قول عروة بن الزبير كما في سنن الدارمى ( 122) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَلِىٌّ - هُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ - عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : مَا زَالَ أَمْرُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مُعْتَدِلاً لَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ حَتَّى نَشَأَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ أَبْنَاءُ النِّسَاءِ الَّتِى سَبَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ غَيْرِهِمْ،فَقَالُوا فِيهِمْ بِالرَّأْىِ فَأَضَلُّوهُمْ.
وفي جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ - بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَمِّ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ (1205 ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ،وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ،عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ،يَقُولُ : " لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى أَدْرَكَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ فَأَحْدَثُوا فِيهِمْ بِالرَّأْيِ فَأَضَلُّوا بَنِي إِسْرَائِيلَ " ( وهذا إسناد صحيح مقطوع رفعه الوضاع عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير )(2/180)
وروي من قول عمر بن عبد العزيز كما في السُّنَنُ الْمَأْثُورَةُ لِلشَّافِعِيِّ ( 381 ) وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُؤَمَّلٍ الْمَخْزُومِيَّ،يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ،عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،أَنَّهُ قَالَ : " لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى حَدَّثَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ فَقَالُوا فِيهِمْ بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا "
ولكنه لا يصح عنه ففيه كما في تقريب التهذيب (3648 ) عبد الله بن المؤمل بن وهب الله المخزومي المكي ضعيف الحديث من السابعة مات سنة ستين ومائة بخ ت ق.
فتحصل لدينا أن الصواب وقفه ولا يصح رفعه من وجه يعتدُّ به،وأما ما ورد في بعض روايات الحديث عن سفيان بأن المقصود به أبو حنيفة وأضرابه،فكلام لا يعوَّل عليه أصلاَ،لأن أبناء السبايا وجدوا منذ عصر الصحابة الأول والخلفاء الراشدين،وهذا العلم ليس حكرا على أحد،قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) } [الحجرات/13،14]
وفي سنن أبى داود( 5118 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ».(وهو حديث صحيح )(1)
وهذا من العصبية المذهبية المقيتة،وقد ملأ الحافظ الخطيب تاريخه بهذا،وليته لم يفعل .
والإمام أبو حنيفة رحمه الله يقدم العمل بالحديث الضعيف على القياس،فكيف نتهمه بما هو بريء منه ؟!!!
قال الإمام ابن حزم رحمه الله(2): "جميعُ الحنفية مجمعون على أنَّ مذهبَ أبي حنيفةَ (رحمه اللهُ) أنَّ ضعيفَ الحديثِ أولى منَ القياسِ ، ولا يحلُّ القياسُ مع وجودهِ".
وقال العلامةُ المحدِّثُ علي القاري في المرقاة(3): " إن مذهبهُم القويَّ تقديمُ الحديثِ الضعيفِ على القياسِ المجرَّدِ الذي يحتملُ التزييفَ " .
000000000000000
وهذا حديث من السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 4) ( 4) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ : عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ عَفَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ مَيْتَةِ الْبَحْرِ فَقَالَ : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحَلاَلُ مَيْتَتُهُ.
الراوي الأول - علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد أبو الحسين بن بشران الأموي البغدادي المعدل
__________
(1) - الجعل : جمع الجعل وهو دويبة سوداء كالخنفساء تدير الخراء بأنفها = العبية : الكبر والفخر
(2) - ملخص إبطال القياس ص 98 والإحكام 7/54
(3) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 3) وانظر إعلام الموقعين - (ج 1 / ص 31) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ج 1 / ص 50) وإيقاظ همم أولي الأبصار - (ج 1 / ص 117)(2/181)
وفي تاريخ بغداد [ج 12 - ص98 ] (6527) - علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران بن عبد الله أبو الحسين الأموي المعدل وهو أخو عبد الملك سمع علي بن محمد المصري وإسماعيل بن محمد الصفار ومحمد بن عمرو الرزاز وأبو الحسين بن الاشناني وأبا عمرو بن السماك والحسين بن صفوان البرذعي وأحمد بن محمد بن جعفر الجوري ومحمد بن جعفر الآدمي القارئ وحمزة بن محمد الدهقان وأبا بكر النجاد وأحمد بن الفضل بن خزيمة وعبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي وأبا سهل بن زياد ودعلج بن أحمد وأبا بكر الشافعي وغيرهم كتبنا عنه وكان صدوقا ثقة ثبتا حسن الأخلاق تام المروءة ظاهر الديانة يسكن درب الكيراني وسمعت محمد بن أبي الفوارس يذكر أن مولده في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وقال غير ابن أبي الفوارس ولد ليلة الجمعة الحادي عشر من شهر رمضان ومات وأنا غائب في رحلتي إلى نيسابور وكانت وفاته وقت السحر من يوم الأحد الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس عشرة وأربعمائة ودفن من يومه بباب حرب.
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ :
وفي لسان الميزان [ج 1 - ص 432 ]( 1340 ) ز إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن الصفار الثقة الإمام النحوي المشهور حدث عن الحسن بن عرفة وأحمد بن منصور الزيادي والكبار وانتهى إليه علو الإسناد روى عنه الدارقطني وابن مندة والحاكم ووثقوه ...
الْحَسَنُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ عَفَّانَ :
وفي تقريب التهذيب(1261 ) الحسن بن علي بن عفان العامري أبو محمد الكوفي صدوق من الحادية عشرة مات سنة سبعين وقيل إن أبا داود روى عنه ق
وفي الكاشف ( 1048 ) الحسن بن علي بن عفان عن أسباط بن نمير وعنه ابن ماجة والصفار وابن الزبير القرشي قال أبو حاتم صدوق توفي 270 ق
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ :
وفي تقريب التهذيب (3668 ) عبد الله بن نمير بنون مصغر الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة من كبار التاسعة مات سنة تسع وتسعين وله أربع وثمانون ع
وفي الكاشف ( 3024 ) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام عن هشام بن عروة والأعمش وعنه ابنه وأحمد وابن معين حجة توفي 199 ع
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ :
وفي الكاشف(3576 ) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني الفقيه الثبت عن أبيه والقاسم وسالم يقال إنه أدرك أم خالد بنت خالد الصحابية وعنه شعبة والقطان وأبو أسامة وعبد الرزاق مات 147 ع
وفي تقريب التهذيب (4324 ) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها من الخامسة مات سنة بضع وأربعين ع
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ :
وفي تقريب التهذيب (5024 ) عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم ثقة ثبت من الرابعة مات سنة ست وعشرين ومائة ع
وفي الكاشف ( 4152 ) عمرو بن دينار أبو محمد مولى قريش مكي إمام عن بن عباس وابن عمر وجابر وعنه شعبة والسفيانان ومات 126 في أولها عن ثمانين سنة له حديث عن أبي هريرة عند بن ماجة ع
ْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ
وفي تقريب التهذيب (3111 ) عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي أبو الطفيل وربما سمي عمرا ولد عام أحد ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عن أبي بكر فمن بعده وعمر إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح وهو آخر من مات من الصحابة قاله مسلم وغيره ع
وفي الكاشف(2548 ) عامر بن واثلة أبو الطفيل الكناني له رؤية ورواية وعن أبي بكر وعمر ومعاذ وعنه الزهري وقتادة ومعروف بن خربوذ وكان من محبي علي رضي الله عنه وبه ختم الصحابة في الدنيا مات سنة عشر ومائة على الصحيح ع
قلت : ورجاله كلهم ثقات(2/182)
وقد صرحوا بالتحديث في بداية السند،وأما عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ،فهؤلاء ثقات أثبات وتحمل عنعنتهم على السماع،لأنهم لم يوصفوا بتدليس،ولأنهم عاصروا من رووا عنهم،فيكون هذا السند حسناً .
ثم ننظر بعد ذلك هل توبع أحد من هؤلاء أم لا ؟
فنجد الحديث في سنن الدارقطنى ( 74 ) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالاَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَبُو زَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَازِمٍ الزَّيَّاتِ مَوْلَى آلِ نَوْفَلٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضى الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ». 1/35
وهذا الرواية مرفوعة ولكنها معلولة،والصواب الوقف
ففيه متروك كما في تقريب التهذيب (4114 ) عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني الأعرج يعرف بابن أبي ثابت متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه وكان عارفا بالأنساب من الثامنة مات سنة سبع وتسعين ت
ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفا عَلَى أبي بكر الصّديق،بِإِسْنَاد صَحِيح .
وَقَالَ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث تفرَّد بِهِ عبد الْعَزِيز بن عمرَان الزُّهْرِيّ،وَهُوَ مديني،ضَعِيف الحَدِيث . رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيات،عَن وهب بن كيسَان،عَن جَابر،عَن أبي بكر مَرْفُوعا . وَإِسْحَاق بن حَازِم هَذَا : شيخ مديني،لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقد اخْتُلف عَنهُ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث،(فَرَوَاهُ) أَبُو الْقَاسِم بن أبي (الزِّنَاد)،عَن إِسْحَاق بن حَازِم،عَن عبيد الله بن مقسم،عَن جَابر مَرْفُوعا،وَلم يذكر فِيهِ أَبَا بكر . حدَّث بِهِ عَنهُ كَذَلِك : أَحْمد بن حَنْبَل .قَالَ : وَقد رُوي هَذَا الحَدِيث عَن أبي بكر الصّديق،مَوْقُوفا من قَوْله،غير مَرْفُوع،من رِوَايَة صَحِيحَة عَنهُ،حدَّث (بِهِ) : عبيد الله بن عمر،عَن عَمْرو بن دِينَار،عَن أبي الطُّفَيْل،عَن أبي بكر قَوْله،وَرَوَاهُ ابْن (زَاطِيَا) عَن شيخ لَهُ من حَدِيث : عبيد الله بن عمر،عَن عَمْرو بن دِينَار،عَن أبي الطُّفَيْل،عَن أبي بكر مَرْفُوعا،وَوهم فِي رَفعه،وَالْمَوْقُوف أصح اهـ
وروي اللفظ نفسه مرفوعاً كما في سنن النسائى( 4367 ) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى مَاءِ الْبَحْرِ « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحَلاَلُ مَيْتَتُهُ ». وهذا إسناد صححه كثير من الأئمة
وعن جابر مرفوعاً كما في المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 258) (1738) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيِّ بن شُعَيْبَ السِّمْسَارُ،حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن بِشْرٍ،حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بن عِمْرَانَ،عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ فِي الْبَحْرِ : " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحَلالُ مَيْتَتُهُ ".(2/183)
وعن عبد الله مرفوعا كما في مشكل الآثار للطحاوي (3398 ) كما قد حدثنا محمد بن خزيمة،قال : حدثنا حجاج بن المنهال،قال : حدثنا حماد بن سلمة،قال : أخبرنا يحيى بن سعيد،عن المغيرة بن عبد الله،عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « هو الطهور ماؤه،الحلال ميتته »
وفي الآحاد والمثاني (2818) حَدَّثَنَا هُدْبَةُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَاءُ الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحَلالُ مَيْتَتُهُ
وفي تعجيل المنفعة(564 ) ا عبد الله بن أبي عقيل اليشكري عن ابن المنتفق وعنه ابنه المغيرة ليس بالمشهور اهـ
قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر : ذكر ابْن أبي عمر،والْحميدِي،والمخزومي،عَن ابْن عُيَيْنَة،عَن يَحْيَى بن سعيد،عَن رجل من أهل الْمغرب - يُقَال لَهُ : الْمُغيرَة بن عبد الله بن أبي بردة - : «أنَّ نَاسا من بني مُدْلِج أَتَوا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا : يَا رَسُول الله ! إنَّا نركب أَرْمَاثًا فِي الْبَحْر ...» وسَاق الحَدِيث بِمَعْنى حَدِيث مَالك .
قَالَ أَبُو عمر : هُوَ مُرْسل،وَيَحْيَى بن سعيد أحفظ من صَفْوَان بن سليم،وَأثبت من سعيد بن سَلمَة،وَلَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مِمَّا تقوم بِهِ عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ حجَّة ؛ لِأَن فِيهِ رجلَيْنِ غير معروفين بِحمْل الْعلم .
وَأَرَادَ أَبُو عمر بِالرجلَيْنِ : سعيدًا والمغيرة،وَقد تقدَّم رَدُّ جهالتهما،وَأكْثر مَا بَقِي فِي هَذَا الْوَجْه - بعد اشتهار سعيد والمغيرة - تَقْدِيم إرْسَال الأحفظ،عَلَى إِسْنَاد من دونه،فإنَّ يَحْيَى بن سعيد أرْسلهُ من هَذَا الْوَجْه،وَسَعِيد بن سَلمَة أسْندهُ،وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فِي الْأُصُول .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «(شرح) الإِلمام» : وَهَذَا غير قَادِح عَلَى الْمُخْتَار عِنْد أهل الْأُصُول .
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر - بعد أَن ذكر رِوَايَة من رَوَى عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أَبِيه وَقد جَوَّدَه عبد الله بن يُوسُف،عَن مَالك،عَن صَفْوَان،سمع (الْمُغيرَة) أَبَا هُرَيْرَة .
وَأَيْضًا تقدم رِوَايَة مَالك وَمن تَابعه لعدم الِاضْطِرَاب فِيهَا،عَلَى رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد للِاخْتِلَاف عَلَيْهِ .(1)
فالحديث صحيح موقوفاً ومرفوعاً
--------------------
تخريج حديث آخر من سنن أبى داود ( 175) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرٍ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يُصَلِّى وَفِى ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ.
حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ :
ففي تقريب التهذيب( 1601 ) حيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي أبو العباس الحمصي ثقة من العاشرة مات سنة أربع وعشرين خ د ت ق
وفي الكاشف ( 1292 ) حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي الحافظ عن أبيه وإسماعيل بن عياش وعنه البخاري والدارميان توفي 224 خ د ت ق .
بَقِيَّةُ هو بن الوليد الحمصي :
وفي تقريب التهذيب(734 ) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي أبو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة مات سنة سبع وتسعين وله سبع وثمانون خت م 4
__________
(1) - انظر البدر المنير - (ج 1 / ص 356) فما بعدها(2/184)
وفي الكاشف(619 ) بقية بن الوليد أبو يحمد الكلاعي الميتمي الحافظ عن بحير ومحمد بن زياد الألهاني وأمم وعنه ابن جريج وشعبة وهما من شيوخه وكثير بن عبيد وأحمد بن الفرج الحجازي وخلق وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة مات 197 م 4
بَحِيرٍ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ
وفي الكاشف ( 539 ) بحير بن سعد عن خالد ومكحول وعنه بقية ومحمد بن حرب وطائفة حجة 4
وفي تقريب التهذيب(640 ) بحير بكسر المهملة بن سعد السحولي بمهملتين أبو خالد الحمصي ثقة ثبت من السادسة بخ 4
خَالِدٍ - هو بن معدان الكلاعي
وفي الكاشف(1354 ) خالد بن معدان الكلاعي عن معاوية وابن عمر وعبد الله بن عمرو وثوبان وعنه بحير وثور وصفوان بن عمرو فقيه كبير ثبت مهيب مخلص يقال كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة توفي 104 يرسل عن الكبار ع
وفي تقريب التهذيب ( 1678 ) خالد بن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد يرسل كثيرا من الثالثة مات سنة ثلاث ومائة وقيل بعد ذلك ع
بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -
قلت : وحهالة الصحابي لا تضر لأنهم جميعا عدول .
أول ملاحظة -على هذا الإسناد أن رجاله ثقات :
الثانية- أنه إسناد حمصي أي رواته كلهم من الشام من حمص
الثالثة - أن جميع شيوخ أبي داود ثقات إلا ماندر .
الرابعة - في هذا الإسناد بقية بن الوليد وقد اتهم بالتدليس،وهنا لم يصرح بالتحديث،فهل تقبل روايته هذه بصرف النظر عن كونها لها متابعة أو تصريح بالتحديث في رواية أخرى ؟
والجواب : نعم تقبل روايته هذه لأنه يرويها عن شيخه بحير بن سعد وقد لازمه طويلا،وهو من أهل بلده،فلا يمكن أن يدلِّس عنه،لأنه أخذ جميع أحاديث شيخه،قال ابن عدي في الكامل في نهاية ترجمة بقية المطولة : " إذا روى عن الشاميين فهو ثبت،وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لامنه،وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم،وربما كان الوهم من الراوي عنه،وبقية صاحب حديث،ومن علامة صاحب الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار،ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صورة بقية "اهـ 2/72 - 80
قلت : وقد صرح بالتحديث كما في مسند أحمد (15894) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِى الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يُصَلِّى وَفِى ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ.
الخامسة - بحير بن سعد لم يوصف بتدليس فتحمل روايته على الاتصال ....
السادسة - خالد بن معدان وصف بالإرسال،فلا بد من البحث عمن أرسل،فالذهبي رحمه الله في الكاشف بين أنه أرسل عن كبار الصحابة،ولو كان هذا الصحابي الذي لم يسمَّ من كبار الصحابة لكان معروفاً،ولما ساغ لخالد عدم ذكر اسمه،ومع هذا نتأكد من الكتب الكبيرة عمن أرسل
ففي جامع التحصيل [ج 1 -ص171 ] (167) - خالد بن معدان الحمصي يروي عن أبي عبيدة بن الجراح ولم يدركه قال أحمد بن حنبل لم يسمع من أبي الدرداء وقال أبو حاتم لم يصح سماعه من عبادة بن الصامت ولا من معاذ بن جبل بل هو مرسل وربما كان بينهما اثنان،وقال أبو زرعة لم يلق عائشة،وقال ابن أبي حاتم سألته يعني أباه خالد بن معدان عن أبي هريرة متصل فقال قد أدرك أبا هريرة ولا يذكر له سماع.
قلت : لا نستطيع الجزم بأنه سمع من هذا الصحابي الذي لم يسمَّ(2/185)
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 83)396- أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ : الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرٍ يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ عَنْ خَالِدٍ يَعْنِى ابْنَ مَعْدَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يُصَلِّى وَفِى ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ،فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ. كَذَا فِى هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مُرْسَلٌ.
(397) وَرُوِىَ فِى حَدِيثٍ مَوْصُولٍ كَمَا أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَنَسٌ : أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ تَوَضَّأَ،وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفُرِ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ إِلاَّ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِى بِهَذَا الإِسْنَادِ.
( 398) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَحُمَيْدٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَى حَدِيثِ قَتَادَةَ وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وفي السنن الصغرى للبيهقي ( 101) قلت : وَرُوِّينَا عن خالد بن معدان،عن بعض أصحاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة وهذا منقطع
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : يُرِيد الْبَيْهَقِيّ بقوله : «هُوَ مُرْسل» لعدم ذكر (الصَّحَابِيّ) الرَّاوِي،وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجْعَل الحَدِيث فِي حكم الْمُرْسل الْمَرْدُود عِنْد أهل الحَدِيث ؛ فَإِن سَمَّاهُ مُرْسلا مَعَ أَن حكمه حكم الْمَوْصُول فَلَا يضر الْمُسْتَدلّ بِهِ.
وَكَذَا حكم عَلَيْهِ بِالْإِرْسَال ابْن الْقطَّان وَعَابَ عَلَى عبد الْحق حَيْثُ عقبه بِبَقِيَّة دونه .
وَقَالَ الْأَثْرَم : قلت لَهُ - يَعْنِي : أَحْمد - هَذَا إِسْنَاد جيد ؟ قَالَ : نعم . قلت لأبي عبد الله : إِذا قَالَ رجل من التَّابِعين : حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَلم يسمه ؛ فَالْحَدِيث صَحِيح ؟ قَالَ : نعم . وَفِي هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا الْأَثْرَم عَن أبي عبد الله تَعْلِيقا «أَن رجلا تَوَضَّأ وَترك موضعا من جسده ...» .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين : وَقَالَ شَيخنَا - يَعْنِي : الشَّيْخ زكي الدَّين - : فِي إِسْنَاده بَقِيَّة،وَفِيه مقَال . قَالَ الشَّيْخ : قلت : فِي «الْمُسْتَدْرك» من طَرِيق بَقِيَّة «نَا بحير» فعلَى هَذَا سلم من تُهْمَة التَّدْلِيس من بَقِيَّة فِي رِوَايَته عَن بحير . انْتَهَى كَلَام الشَّيْخ .(2/186)
وَقَوله : قلت فِي «الْمُسْتَدْرك» . لَعَلَّه وهم من النَّاسِخ،فَإِن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ لَهُ ذكر فِيهِ وَإِنَّمَا صَوَابه فِي «الْمسند» - يَعْنِي لِأَحْمَد بن حَنْبَل - فَإِنَّهُ أخرجه كَذَلِك فِيهِ،وَفِيه : «عَن بعض أَزوَاج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - » بدل : «أَصْحَاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - » وَقد وَقع عَلَى الصَّوَاب فِي «الْإِلْمَام» للشَّيْخ،فَتبين أَن الْمَذْكُور غلط من النَّاسِخ،وَقد تبع الشَّيْخ فِي هَذَا الْغَلَط إمامان من جلة شُيُوخنَا الْحفاظ،فإياك والتقليد .
وأعل ابْن حزم حَدِيث بَقِيَّة هَذَا،فَقَالَ فِي «محلاه» : خبر لَا يَصح ؛ لِأَن رَاوِيه بَقِيَّة،وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ،وَفِي السَّنَد من لَا يُدرى من هُوَ . وَقد تقدم لَك الْجَواب عَن ذَلِك،وَأَن جَهَالَة الصَّحَابِيّ لَا تضر،(كَيفَ) وَهُوَ يَقُول فِي «محلاه» فِي كتاب الصَّلَاة فِي مَسْأَلَة وَمَا (عمله) الْمَرْء فِي صلَاته : كل نسَاء رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثِقَات فواضل عِنْد الله مقدسات بِيَقِين . وَقد علمت أَن أَحْمد رَوَاهُ عَن بعض أَزوَاج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وأجمل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث فَقَالَ : إِنَّه حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد . وَقد علمت حَاله.
قلت : وروي بنحوه من طرق أخرى عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفر عَلَى قدمه فَأَبْصَرَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : ارْجع فَأحْسن وضوءك . فَرجع ثمَّ صَلَّى» رَوَاهُ مُسلم . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» «فَرجع فَتَوَضَّأ ثمَّ صَلَّى» .
قَالَ الْبَزَّار : هَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ عَن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه،وَقد رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن عمر مَوْقُوفا .
قلت : فِي الأول ابْن لَهِيعَة،وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عمر قَالَ : «رَأَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يتَوَضَّأ فَترك مَوضِع الظفر عَلَى قدمه فَأمره أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة» .
وَفِي رِوَايَة للدارقطني «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى رجلا وبظهر قدمه لمْعَة لم يصبهَا المَاء قَالَ : فَقَالَ لَهُ عمر : أَبِهَذَا الْوضُوء تحضر الصَّلَاة ؟ فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ،الْبرد شَدِيد وَمَا معي مَا يدفئني . فرق لَهُ عمر بَعْدَمَا هم بِهِ،قَالَ : فَقَالَ (لَهُ):اغسل مَا قد تركت من قدمك وَأعد الصَّلَاة . وَأمر لَهُ بخميصة» .
الطَّرِيق الثَّانِي : عَن أنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَقد تَوَضَّأ وَترك عَلَى (ظهر) قدمه مثل الظفر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : ارْجع فَأحْسن وضوءك» .
رَوَاهُ الْأَئِمَّة (أَحْمد) وَأَبُو دَاوُد،وَابْن مَاجَه،وَابْن خُزَيْمَة،وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : تفرد بِهِ جرير بن حَازِم،عَن قَتَادَة،عَن أنس وَهُوَ ثِقَة .
وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَقَالَ : رُوَاته كلهم ثِقَات مجمع عَلَى عدالتهم . قَالَ : وَشَاهده مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن بَقِيَّة،عَن بحير - يَعْنِي : بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَآخره رَاء مُهْملَة،وَهُوَ ابْن سعد - (عَن) خَالِد بن معدان،عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث(2/187)
وعَن الْمُغيرَة بن سِقلاب - بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة - عَن الْوَازِع بن نَافِع،عَن سَالم،عَن ابْن عمر،عَن أبي بكر وَعمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَا : «جَاءَ رجل وَقد تَوَضَّأ وَبَقِي عَلَى ظهر قَدَمَيْهِ مثل ظفر إبهامه فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : ارْجع فَأَتمَّ وضوءك فَفعل» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ : الْوَازِع ضَعِيف . وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أَوسط معاجمه» لَكِن من رِوَايَة أبي بكر وَحده،ثمَّ قَالَ : لَا يرْوَى عَن أبي بكر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد (وَإِن ابْن السقلاب تفرد بِهِ) . وَقَالَ الْعقيلِيّ : لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ إِلَّا من هُوَ مثله . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ : هَذَا حَدِيث بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد،والوازع بن نَافِع ضَعِيف الحَدِيث .
الطَّرِيق (الثَّانِي) : عَن أبي المتَوَكل عَلّي بن دَاوُد - وَيُقَال : ابْن دؤاد - قَالَ : «تَوَضَّأ عمر وَبَقِي عَلَى ظهر رجله لمْعَة لم يصبهَا المَاء فَأمره رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَن يُعِيد الْوضُوء» .
رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَن أَبِيه،عَن قراد (أبي) نوح،عَن شُعْبَة،عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم،عَن أبي المتَوَكل ثمَّ قَالَ : قَالَ أبي : أَبُو المتَوَكل لم يسمع من عمر،وَإِسْمَاعِيل هَذَا لَيْسَ بِهِ بَأْس .
فَائِدَة : «اللمْعَة» المتكررة فِي هَذِه الْأَحَادِيث هِيَ - بِضَم اللَّام - وَهِي الْجُزْء .(1)
قلت : فالحديث صحيح لهذه الطرق،ولا حجة لمن ردَّه .،وقد صححه الشيخ ناصر رحمه الله في تعليقه على سنن أبي داود،وكذا شيخنا الشيخ شعيب في تعليقه على المسند وأعله ببقية علماً أنه قد صرح بالتحديث في المسند !!!!
ـــــــــــــــ
خلاصة المراحل في دراسة الإسناد:
أولا: إخراج التراجم لرواة الإسناد من كتب التراجم.
ثانيا: يُنتبه بشكل خاص لكشف اتصال السند أو انقطاعه إلى ما يلي:
يعني هذه الخطوات التي بها تستطيع أن تكشف اتصال السند من عدمه.
أ- مواليد الرواة ووَفَيَاتهم داخل التراجم،كذلك بلدانهم ورحلاتهم.
ب- تراجم المدلسين لا سيما إذا عنعنوا ولم يصرحوا بالسماع.
ج- أقوال الأئمة في سماع بعض الرواة من بعض أو عدم سماعهم؛ مثل: أن فلانا سمع من فلان،أو أن فلانا لم يسمع من فلان.
هذه يكفيك إياها الإمام العلائي بشكل إجمالي في كتاب "جامع التحصيل من أحكام المراسيل" جامع التحصيل يرتب هو الرواة على حروف "ألفباء" ويقول لك مثلا: إبراهيم النخعي لم يسمع من ابن مسعود،أو أبو عبيدة ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه،وهكذا فيأتي في ترجمة كل راوٍ بمن لم يسمع منه وهذا يختصر لك الطريق بشكل جيد.
ثالثا: يلاحظ بالنسبة لعدالة الرواة وضبطهم ما يلي:
أ- ألفاظ الجرح والتعديل في كل ترجمة سواء ما يتعلق منها بالعدالة أو بالضبط،وتوضع هذه الألفاظ في مراتبها.
ب- تعارض الجرح والتعديل في راوٍ واحد،وكيفية العمل بهذا التعارض.
هذا أكثر ما يوجد تعارض للجرح والتعديل في راوٍ واحد هذه موجودة بكثرة،أن يحدث تعارض بين أئمة الحديث في الكلام على الراوي.
بعضهم -كما رأينا ونحن نعرض الكلام- يقول في أحد الرواة: وثقه ابن معين،وقال أبو حاتم: لا يُحتج به. فتجد هناك تعارضات،وهذه مسألة يُحكم فيها إما بالكثرة أو بحال الناقد.
ج- قائل ألفاظ الجرح والتعديل،وهل له اصطلاح خاص فيها.
د- المتشددون والمتساهلون في الجرح والتعديل من الأئمة.
هـ- أقوال الأقران في بعضهما.
رابعا: أن لا يحكم على الحديث قبل النظر في كتب العلل لكشف العلة، الشذوذ أو عدمها.
خامسا: استحسان الاكتفاء في الحكم على الحديث بقول الباحث: صحيح الإسناد أو حسن الإسناد أو ضعيف الإسناد.
__________
(1) - انظر البدر المنير - (ج 2 / ص 237-242)(2/188)
وأنبه لبعض الأمور :
الأمر الأول: أنتم يا طلبة الحديث! في ميدان عظيم من ميادين الجهاد في سبيل الله،فأنا أنصح إخواننا أن يفرغوا جهودهم وطاقاتهم لخدمة هذا العلم الشريف،ولا تدفعهم شواغل الزمان ومتطلبات العصر للاشتغال عمَّا هم فيه من نصرة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن نحافظ على أوقاتنا قدرَ الطاقة،وندفع الشواغل عن أنفسنا قدر المستطاع.
الأمر الثاني: إخلاص النية لله رب العالمين؛ فإن الإخلاص يحمل صاحبه على الوصول إلى مقاصده،وقلَّ أن يتعثر من يخلص.
الأمر الثالث: أن نصبر وأن نتأنى وأن لا نتعجل؛ فإن هذا الباب باب عظيم جدًّا،وصاحبه في ميدان الجهاد في سبيل الله،الجهاد في سبيل الله قد يكون بالسنان وقد يكون باللسان،ولا يقلُّ جهاد العلماء في ميدان العلم عن المجاهدين في سبيل الله -سبحانه وتعالى-.
إنما تُخترق الأمم وتُصاب بالبلاء العظيم عند غياب كلمة الشريعة فيها؛ بيوتا ومجتمعات. فهذا الباب الذي نحن فيه من أبواب خدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أعظم ميادين الجهاد في سبيل الله؛ فلنصبر ولنحتسب.
خاتمة:
هذا ما يسر الله -تعالى- تحريره في موضوع التخريج ودراسة الأسانيد،وأسأل الله تعالى على أن أكون قد وُفِّقْت لسد حاجة الباحثين في هذا الموضوع،كما أسأله -تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه الكريم،وأن ينفع به طلبة العلم عامة والمشتغلين بالحديث خاصة إنه سميع مجيب."
- - - - - - - - - - - - - - - -
أهمُّ المصادرو المراجع
1. تفسير الطبري (جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ) الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
6. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية= الشاملة 2
7. اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث الشاملة 2
8. عقيدة السلف أصحاب الحديث الشاملة 2
9. شروح الطحاوية الشاملة 2
10. الصارم المسلول ابن تيمية= الشاملة 2= دار ابن حزم - بيروت
11. مجمل اعتقاد أئمة السلف ابن تيمية الشاملة 2
12. رسالة القيرواني
13. منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم
14. المنتقى - شرح الموطأ للباجي الشاملة 2+ موقع الإسلام
15. موطأ مالك المكنز
16. صحيح البخارى المكنز
17. صحيح مسلم المكنز
18. سنن أبى داود المطنز
19. سنن الترمذى المكنز
20. سنن النسائى المكنز
21. سنن ابن ماجه الكننز
22. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2
23. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
24. مسند أحمد الكنز
25. مسند الشاشي جامع الحديث النبوي
26. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
27. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
28. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
29. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
30. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
31. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
32. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
33. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
34. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
35. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
37. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
38. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
39. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
40. علل الترمذي الشاملة 2
41. شرح علل الترمذي لابن رجب الشاملة 2(2/189)
42. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
43. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
44. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
45. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
46. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. مسند السراج الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
52. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
53. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. مسند الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. شرح معاني الآثار الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي+ موقع الإسلام
56. مشكل الآثار للطحاوي ، مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. معرفة السنن والآثار للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. السنن الصغرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. موسوعة السنة النبوية - للمؤلف مخطوط
62. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
63. شرح السنة ـ للإمام البغوى متنا وشرحا مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
64. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
65. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
66. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
67. جامع الأصول لابن الأثير ت - عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
68. عمل اليوم والليلة للنسائي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
69. مصباح الزجاجة في زائد ابن ماجة البوصيري الشاملة 2
70. الترغيب والترهيب للمنري+ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
71. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
73. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
75. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
76. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
77. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
78. الأمثال للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
79. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
80. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
81. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
82. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
83. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
84. الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
87. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. السنة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
91. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. الفصل للوصل المدرج للخطيب الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي(2/190)
94. الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. الكنى والأسماء للدولابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. تالي تلخيص المتشابه للخطيب الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي الشاملة2
101. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
103. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. رفع الريبة للشوكاني ط السلفية
105. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
106. ندوة علوم الحديث علوم وآفاق الشاملة 2
107. ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي
108. الوسيط في أصول الحديث د- محمد محمد أبو شهبة
109. شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل - مصطفى بن إسماعيل -مكتبة ابن تيمية
110. فضائل القرآن للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
111. قرة العين في ضبط رجال الصحيحين + الشاملة 2
112. الإكمال لابن ماكولا الشاملة 2
113. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
114. القول المسدد في الذب عن مسند أحمد الشاملة 2
115. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
116. كشف الخفاء للعجلوني الشاملة 2
117. من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث للذهبي الشاملة 2
118. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
119. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
120. الدراية في تخريج أحأديث الهداية لابن حجر الشاملة 2
121. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
122. روضة المحدثين الشاملة 2
123. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
124. هدي الساري (مقدمة الفتح ) لابن حجر الشاملة 2
125. تغليق التعليق لابن حجر الشاملة 2 + المطبوع
126. ذيل القول المسدد الشاملة 2
127. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني الشاملة 2
128. الفتاوى الحديثية للحويني الشاملة 2
129. تنزيه الشريعة المرفوعة لابن عراق الشاملة 2
130. الموضوعات لابن الجوزي الشاملة 2
131. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
132. الحطة في ذكر الصحاح الستة الشاملة 2
133. تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي الشاملة 2
134. تراجعات العلامة الألباني في التصحيح والتضعيف الشاملة 2
135. تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد الشاملة 2
136. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
137. الضعفاء والمتروكين للنسائي الشاملة 2
138. الضُّعَفَاءُ الْكَبِيرِ لِلْعُقَيْلِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
139. العلل المتناهية لابن الجوزي الشاملة 2
140. تاريخ ابن معين رواية الدوري الشاملة 2
141. تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2
142. جرح الرواة وتعديلهم محمود عيدان أحمد الدليمي الشاملة 2
143. مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2
144. تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي الشاملة 2
145. قسم الحديث والمصطلح الشاملة 2
146. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
147. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
148. خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي + الشاملة 2
149. تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج + الشاملة 2
150. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي(2/191)
151. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
152. رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
153. مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
154. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
155. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
156. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
157. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
158. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
159. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
160. الجامع الصغير وزيادته الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
161. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
162. علل الدارقطني الشاملة 2
163. تاريخ جرجان للسهمي الشاملة 2
164. التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي الشاملة 2
165. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2
166. موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2
167. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
168. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
169. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني الشاملة 2
170. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
171. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
172. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
173. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
174. تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة الشاملة 2
175. الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
176. شرف أصحاب الحديث جامع الحديث النبوي = الشاملة 2
177. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
178. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
179. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
180. نتائج الأفكار لابن حجر
181. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
182. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
183. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2
184. شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم الشاملة 2
185. كشف المشكل من حديث الصحيحين الشاملة 2
186. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
187. التحفة الربانية شرح الأربعين النووية الشاملة 2
188. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
189. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
190. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
191. جواهر الإكليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
192. فتاوى الأزهر الشاملة 2
193. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
194. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
195. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
196. فتاوى السبكي الشاملة 2
197. فتاوى الرملي الشاملة 2
198. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
199. شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2
200. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
201. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
202. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
203. فتاوى يسألونك الشاملة 2
204. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
205. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
206. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
207. فتاوى الشبكة الإسلامية الشاملة 2
208. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي الشاملة 2
209. الفقه الإسلامي وأدلته الزحيلي الشاملة 2 + دار الفكر
210. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية الشاملة 2
211. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
212. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
213. الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان دار الفكر(2/192)
214. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع افسلام
215. المحلى لابن حزم الشاملة 2
216. حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
217. تكملة حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
218. المبسوط للسخسي الشاملة 2 + موقع الإسلام
219. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الشاملة 2 + موقع الإسلام
220. فتح القدير لابن الهمام الشاملة 2 + موقع الإسلام
221. رد المحتار على الدر المختار الشاملة 2
222. الشرح الكبير للشيخ الدردير الشاملة 2 + موقع الإسلام
223. التاج والإكليل لمختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
224. مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
225. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
226. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
227. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
228. تحفة المحتاج في شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
229. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
230. الأم للشافعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
231. الرسالة للشافعي الشاملة 2
232. الحاوي في فقه الشافعي – الماوردي الشاملة 2
233. الفروع لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
234. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الشاملة 2 + موقع الإسلام
235. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
236. منار السبيل شرح الدليل الشاملة 2
237. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
238. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
239. المحصول للرازي الشاملة 2
240. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
241. تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية الشاملة 2
242. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
243. كشف الأسرار للبزدوي الشاملة 2
244. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
245. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
246. التقرير والتحبير لابن أمير الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
247. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
248. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
249. الفصول في الأصول للرازي الشاملة 2 + موقع الإسلام
250. من أصول الفقه على منهج أهل الحديث – الرقمية الشاملة 2
251. تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
252. حجة الله البالغة للدهلوي الشاملة 2
253. بحوث في علم أصول الفقه الشاملة 2 الكردي
254. القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني الشاملة 2
255. الموافقات للشاطبي الشاملة 2
256. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
257. التقرير والتحبير الشاملة 2 + موقع الإسلام
258. المسودة في أصول الفقه الشاملة 2
259. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
260. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
261. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
262. الأذكار للنووي الشاملة 2
263. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
264. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
265. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
266. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
267. رياض الصالحين للنووي –ت الألباني – الفحل
268. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
269. مدارج السالكين لابن القيم الشاملة 2
270. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
271. معرفة علوم الحديث للحاكم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
272. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث الشاملة 2
273. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2(2/193)
274. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
275. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
276. المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل فاروق حمادة
277. الاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد الشاملة 2
278. توضيح الأفكار للصنعاني + الشاملة 2
279. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة
280. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر – العتر + الشاملة 2
281. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
282. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
283. التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر الشاملة 2
284. تيسير مصطلح الحديث الطحان + الشاملة 2
285. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
286. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
287. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
288. الموقظة في علم مصطلح الحديث الذهبي + الشاملة 2
289. سؤالات الحاكم للدارقطني الشاملة 2
290. شرح الموقطة للذهبي الشاملة 2
291. رسالة في الجرح والتعديل للمنذري الشاملة 2
292. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
293. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
294. التذكرة في علوم الحديث لابن الملقن الشاملة 2
295. بحوث في المصطلح للفحل + الشاملة 2
296. التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للمعلمي اليماني = الشاملة 2
297. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2 + تحقيق أبو غدة
298. محاضرات في علوم الحديث + الشاملة 2
299. نظرات جديدة في علوم الحديث حمزة الميباري + الشاملة 2
300. علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد + الشاملة 2
301. المنهج الحديث في علوم الحديث للشيخ السماحي
302. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النووي + الشاملة 2
303. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
304. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
305. تذكرة السامع والمتكلم + الشاملة 2
306. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر + الشاملة 2
307. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
308. الثقات ابن حبان + الشاملة 2
309. المجروحين ابن حبان + الشاملة 2
310. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
311. التاريخ الأوسط للبخاري
312. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
313. تذكرة الحفاظ للذهبي + الشاملة 2
314. من له رواية في الكتب الستة للذهبي + الشاملة 2
315. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
316. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
317. طبقات الشافعية للسبكي + الشاملة 2
318. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
319. الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي + الشاملة 2
320. كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام ( للفحل)
321. معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2
322. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
323. ديوان الضعفاء للذهبي + الشاملة 2
324. الجامع في الجرح والتعديل + الشاملة 2
325. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
326. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة
327. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
328. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
329. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
330. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
331. معرفة الرواة المتكلم فيه بما لا يوجب الرد للذهبي الشاملة 2
332. خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى + الشاملة 2
333. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
334. المغني في الضعفاء للذهبي + الشاملة 2
335. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2(2/194)
336. البداية والنهاية لابن كثير + الشاملة 2
337. الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف للمؤلف
338. تاريخ الإسلام للذهبي + الشاملة 2 ت التدمري
339. الفصل في الملل والنحل لابن حزم مكتبة الخانجي - القاهرة
340. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
341. الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع السخاوي الشاملة 2 = الوراق
342. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
343. معجم لسان المحدثين خلف الشاملة 2
344. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2
345. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
346. المصباح المنير الفيومي + الشاملة 2
347. مختار الصحاح الرازي الشاملة 2
348. التعقب المتواني على الألباني للسكندري + الشاملة 2
349. خصائص المسند ت أحمد شاكر + الشاملة 2
350. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
351. الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب – للمؤلف
352. المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول لأبي محمد الألفي
353. الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
354. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني – الأردن
355. النقد البناء لحديث أسماء الشاملة 2
356. الْفَوَائِدِ الشَّهِيرُ بِالْغَيْلَانِيَّاتِ لِأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ الشاملة 2
357. رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل الحمش
358. شَذَرَاتٌ مِنَ الْمَنْهَجِ الْمَأْمُولِ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولْ / أبو محمد الألفي
359. الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
360. زاد المعاد لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
361. التقريب لمعالم منهج ابن حجر في تقريب التهذيب (محمد خلف سلامة )
362. تحرير التقريب مؤسسة الرسالة
363. أصول التخريج ودراسة الأسانيد"د- محمود الطحان
364. شرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - د. بدران بن محمد العياري
365. أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية
366. التخريج ودراسة الأسانيد - حاتم بن عارف الشريف
367. بحث مادة التخريج ودراسة الأسانيد - تلخيص أحمد محمد بوقرين
الفهرس العام
مقدِّمةٌ ... 2
الباب الأول ... 7
أصول التخريج ... 7
أولاً: تعريفُه لغة واصطلاحاً: ... 7
التخريجُ لغةً: ... 7
تعريفُ التخريج اصطلاحًا: ... 11
شرحُ التعريف: ... 12
أولاً: المصادرُ الأصلية: ... 13
تعريفها: ... 13
أقسام المصادر الأصلية: ... 13
القسم الأول: كتب السنة الشريفة التي صنفت من أجل جمع الأحاديث بالأسانيد،وهي على ثلاثة أنواع: ... 13
النوع الأول: المصنفاتُ على حسب موضوع المتن (المروي)،وهي على ثمانية أنحاء. ... 13
النوع الثاني: المصنَّفات على حسب أحد أجزاء السند (الراوي). ... 17
النوع الثالث: المصنفات لجمع الحديث حسب الراوي أو المروي،وهي الأجزاء الحديثية ... 18
القسم الثاني من المصادر الأصلية: كتب مصنفة في علوم شتى ولكن مصنفوها يوردون الأحاديث والآثار بالأسانيد عن شيوخهم إلى نهاية السند. ... 19
ثانيًا: المصادرُ الفرعيةُ: ... 20
القسم الأول: المصادر الفرعية المصنفة على حسب السند،وهي على نوعين: ... 20
القسم الثاني: المصادر الفرعية المصنفة على حسب المتن،وهي على أربعة أنواع: ... 21
التخريجُ من المصادر الفرعية وفوائده ... 23
1. ذكر طرقه: ... 23
2. بيان درجة الحديث: ... 23
أنواعُ التخريجِ ... 24
1-التخريجُ الموسّع ... 25
عناصرُ التخريج الموسّع ... 42
موقفُ الباحثِ المعاصرِ منَ التخريج الموسّعِ ... 76
1. سياقُ إسناد الحديث كاملا ً: ... 76
2. ذكرُ متن الحديث كاملاً: ... 77
3. ذكر حال الراوي والتعريف به: ... 80
4. جمع أسانيد وطُرُق الحديث مع ألفاظ المتون: ... 80
5. الأحاديث التي في الباب : ... 107
6. ذكر الحديث المعارض،متنًا أو إسنادًا: ... 113
7. ذكرُ تفسير الألفاظ الغريبة: ... 116
8. بيان بعض الاصطلاحات الحديثية: ... 117
9. تعقبُ المخرِّجين بعضُهم على بعضٍ: ... 120(2/195)
2-التخريجُ الوسطُ أو المتوسط: ... 120
3-التخريجُ المختصرُ ... 122
دواعي التخريج المختصر: ... 125
عناصر التخريج المختصر: ... 125
فوائد التخريج ... 126
حالاتُ التخريج ... 137
الجانب الثالث: ويتعلق بالزيادات الواردة في المتون: ... 147
الجانب الرابع: ويتعلق بالتعبير عن طول المتن وقصره : ... 148
الجانب الخامس: ويتعلق بالتعبير عن اختلاف الألفاظ : ... 149
الجانب السادس: التعبير عن القصص: ... 155
أهمُّ المؤلفات في التخريج ... 157
طرقُ تخريج الحديث إجمالاً ... 158
الطريقة الأولى ... 159
تخريجُ الحديث عن طريق أول لفظة من مَتن الحديث ... 159
أولاً. كتب المجاميع: ... 159
1- الجامع الكبير أو جمع الجوامع: ... 160
أمَّا القسمُ الأولُ: ... 164
طريقةُ التخريج من الكتاب المذكور ... 171
2- الجامع الصغير من أحاديث البشر النذير ... 173
مؤلفه: ... 173
سبب التسمية: ... 173
ترتيب الكتاب: ... 174
رموزُ الكتاب ومعناها ... 177
طريقة التخريج من الكتاب ... 179
مميزاتُ الكتاب ... 180
عيوبُ الكتاب ... 180
شروح هذا الكتاب ... 182
3- موسوعة السُّنَّة النبوية لي ... 185
أولاً : سبب تأليف هذه الموسوعة : ... 185
ثانيا- أهم ميزات الموسوعة هذه ... 187
ثالثاً - التعريف بأشهر كتب السنة التي رجعت إليها باحتصار ... 188
رابعاً – دراسة موجزة عن أهم كتب الجرح والتعديل المعتبرة: ... 191
خامسا- المنهج المتبع في هذه الموسوعة : ... 200
ثامنا- نموذج من عملي في هذه الموسوعة : ... 209
تاسعاً – الملاحظات على هذه الموسوعة : ... 214
4-المسند الجامع ... 219
تأليف : ... 219
مصادره : ... 219
ترتيبه : ... 220
طريقة الترتيب داخل الترجمة : ... 221
طريقة ذكر الحديث : ... 223
مزايا هذا الكتاب : ... 223
المؤاخذ على هذا الكتاب : ... 223
5- جامعُ الأحاديث ... 223
ترتيبه الجديد : ... 223
أهم ميزاته : ... 226
أهم المؤاخذات عليه : ... 227
ثانيا ... 227
كتبُ الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس ... 227
الأول ... 229
المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ... 229
مؤلفه: ... 229
عددُ الأحاديث: ... 230
سببُ تأليفه للكتاب: ... 230
ترتيبُه للكتاب: ... 230
طريقته في التخريج: ... 231
طريقةُ التخريج من هذا الكتاب: ... 232
مميزات الكتاب: ... 232
عيوبُه: ... 233
الثاني ... 234
كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ... 234
مؤلفه: ... 234
عددُ الأحاديث: ... 234
سببُ تأليفه لكتابه: ... 234
ترتيبُه للكتاب: ... 234
مصادرُ الكتاب ورموزه: ... 235
طريقةُ التخريج من الكتاب: ... 236
أهمُّ ميزات الكتاب : ... 237
أهمُّ المؤآخذ على الكتاب : ... 237
الثالث ... 239
كتاب أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ... 239
نموذج منه : ... 239
ميزاته: ... 242
المؤاخذ على الكتاب : ... 242
أمثلة من تخريجي لأحاديث الكتاب : ... 242
ثالثاً ... 245
المفاتيح والفهارس العلمية ... 245
الطريقة الثانية من طرق التخريج ... 250
تخريج الحديث عن طريق معرفة الراوي الأعلى للحديث ... 250
علامَ تعتمدُ هذه الطريقة: ... 250
المصادرُ المعتمدة في هذه الطريقة: ... 250
أولا: المسانيدُ : ... 250
تعريفُها: ... 250
مرتبة المسانيد بين المصادر الحديثية: ... 251
كيفيةُ ترتيب المسانيد: ... 251
شرطُ أهل المسانيد في التأليف على هذا النوع: ... 252
مميزاتُ التأليف على هذه الطريقة: ... 252
عيوبُ التأليف على هذه الطريقة: ... 252
أهم المؤلفات في المسانيد: ... 252
وأهم هذه المسانيد: ... 253
ا- مسندُ الإمام أحمد ... 253
التعريفُ بالمؤلِّف: ... 253
ثناء العلماء عليه: ... 254
التعريف بالكتاب: ... 254
6 - طريقة ترتيب المسند: ... 259
7 - كيفية تخريج الحديث من المسند: ... 260
8 - أهم مميزات المسند: ... 261
9 - رواية المسند: ... 262
10 - جهود العلماء في العناية بالمسند: ... 262
ج - تحقيقه تحقيقا علميا: ... 263
ب ـ معجم الطبراني الكبير ... 264
ترجمته : ... 264
خطة الطبراني في المعجم الكبير وترتيبه له : ... 265
كيفية البحث فيه والتخريج منه : ... 265
ج- مسندُ البزار ... 266
ترجمته : ... 266
بيان أهمية هذا المسند : ... 267
د- مسند أبي يعلى الموصلي ... 268
ترجمته : ... 268
كتابه : ... 271(2/196)