المفَصَّلُ
في أصولِ التخريجِ ودراسةُِ الأسانيدِ
جمعُ وإعدادُ
الباحثُ في القُرآنِ والسُّنَّةِ
عليُّ بنُ نايفَ الشَّحُّودَ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدِّمةٌ
الحمد لله رب العالمين،حمدًا يوافي نعمه،ويكافئ مزيده،ويليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
فإن تخريج الحديث ودراسة إسناده ومتنه أمرٌ من الأهمية بمكان كبير،وذلك أن الحديث دِينٌ تعبَّدنا اللهُ بما فيه من أمر ونهي،وحظرٍ وإباحة،ومن ثم فلا يليقُ بمسلم- فضلاً عن طالب علم- أن يستشهدَ بأيّ حديث أو يرويه إلا بعد معرفة مَن رواه من الأئمة،وما درجتهُ من الصحَّة أو الحسنِ أو الضعف،ويؤكدُ ذلك عدةُ أمور:
أولاً: قول الله تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)) [الإسراء: 36].
فمن نسب الحديثَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون تخريجٍ ومعرفة بمرتبته فقد قفا ما ليس له به علم،ومن ثم وقع في المحذور.
وثانيها: ما رواه مسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ والْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ »(1)..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:« كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ »(2).
وفي صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 210) : فَصْلٌ ذِكْرُ إِيجَابِ دُخُولِ النَّارِ لِمَنْ نَسَبَ الشَّيْءَ إِلَى الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِصِحَّتِهِ.
(28) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : مَنْ قَالَ : عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ،فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى صِحَّةِ مَا أَوْمَأْنَا إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ.
(29) أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى السِّخْتِيَانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنِ الْحَكَمِ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا،وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ،فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ.
ذِكْرُ خَبَرٍ ثَانٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ.
(30) أَخْبَرَنَا ابْنُ زُهَيْرٍ بِتُسْتَرَ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِشْكَابٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا،أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
ذِكْرُ إِيجَابِ دُخُولِ النَّارِ لِمُتَعَمِّدِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
(
__________
(1) - صحيح مسلم (1 )
(2) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 8 / ص 407) (26131) ومسلم (7) مرسلاً صحيح(1/1)
31) أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ،قَالَ : حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا،فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " .
فمن نسبَ الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يعرفُ مصدره،ولا يعلم مرتبته فإنه يستحقُّ دخولَ النار،ومعلومٌ أن من يستحقُّ دخول النار هو تارك الواجبَ أو مرتكبٌ الحرامَ.
وثالثها: القاعدةُ الشرعية المشهورة : " مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ " وعدم الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجبٌ،ولا يتمُّ ذلك إلا بتخريج الحديث ومعرفة مرتبتِه،وعليه فتخريجُ الحديث واجبٌ.
ورابعها: أنَّ تخريج الحديث يعدُّ أمانةً علميةً أيضًا،إذ أنه - كما هو مقرر في المنهجية العلميةِ- يتعيَّنُ على الباحث نسبةُ الأقوال إلى صاحبها،وذكرُ المصادر والمراجع المعتمدة في نقل تلك الأقوال.
فإذا كان هذا مطلوبًا في حقِّ أقوالِ عامة الناس،فما بالنا بالنسبة لمن أقواله وأفعاله وتقريراته - صلى الله عليه وسلم - تشريعٌ ؟ .
فمن الأمانة العلمية أن نخرِّجَ الحديث ونبينَ مرتبته مع ذكر المصادر والمراجع المعتمدة في ذلك،وإذا كان في عصور الرواية لا ينسبُ الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بذكر إسنادهِ،واشتهرتْ في تلك العصور المقولةُ الآتيةُ:
" الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ. "(1)
ففي عصرنا هذا يعتبرُ تخريجُ الحديث هو إسنادُنا،ولذا فما أحوجَنا في هذا العصر إلى المقولة الآتية:
" تخريج الحديث من الدِّين،ولولا التخريجُ لقال من شاء ما شاء"(2).
وهذه المادة؛ مادة التخريج ودراسة الأسانيد هي - في الحقيقة - مادة شيقة وعملية،وفيها دربة وممارسة،وتعوُّدٌ على فتح كتب التراث،والتعامل معها مباشرة بلا واسطة،ومادة التخريج إذا تعامل معها الإنسان بهذه الطريقة،وبذل لها،وصبر عليها؛ فإنه يسعدُ،ويحصل على كم هائل من المعلومات التي لم تكن على باله حين البحث وحين المشاركة.
هذا وقد قسمت هذا الكتاب لثلاثة أبواب :
الباب الأولُ - أصول التخريج
الباب الثاني - حول دراسة الأسانيد
الباب الثالث- كيفية استخراج الحديث والحكم عليه
وهو على التفصيل التالي :
الباب الأول-أصول التخريج ...
- تعريفُه لغة واصطلاحاً
أولاً: المصادرُ الأصلية للتخريج ...
ثانيًا: المصادرُ الفرعيةُ للتخريج ...
أنواعُ التخريجِ ... :
1-التخريجُ الموسّع ...
2-التخريجُ الوسطُ أو المتوسط
3-التخريجُ المختصرُ ...
طرقُ تخريج الحديث إجمالاً ... :
الطريقة الأولى -تخريجُ الحديث عن طريق أول لفظة من مَتن الحديث ..
الطريقة الثانية - تخريج الحديث عن طريق معرفة الراوي الأعلى للحديث
الطريقة الثالثة-استخراج الحديث من خلال النظر في المتن
الطريقة الرابعة- استخراج الحديث من خلال الاستعراض والجَرْد لكتب السنّة
الطريقة الخامسة- استخراج الحديث من خلال الحاسب الآلي(الكمبيوتر)
-----------------
الباب الثاني-دراسة الأسانيد ...
المبحث الأول- مراحل دراسة الأسانيد ولها مراحل :
المرحلة الأولى : استخراج الحديث بطرق التخريج المذكورة آنفاً
المرحلة الثانية : الاستعراض الكامل لهذه الطرق لملاحظة نقاط الاتفاق بين الرواة ونقاط الاختلاف بينهم .
المرحلة الثالثة : الترجمةُ للرواة
مسألةُ : مراتب الجرح والتعديل
تنبيهات حول قضايا الجرح والتعديل
المرحلة الرابعة - الحكمُ على الإسناد المُفرد دون المجموع
المرحلةُ الخامسة : النظرُ في اختلاف الطرق -إن وجدت-
__________
(1) - صحيح مسلم(32 ) عن ابن المبارك
(2) - انظر: مجلة البيان- عدد (154)،بحث: تخريج الأحاديث النبوية فريضة شرعية وأمانة علمية،ص: 7- 8.(1/2)
المرحلة السادسة والأخيرة : هي الحكم على الحديث بناءً على المراحل السابقة بما يستحقه هذا الحديث
------------------
المبحث الثاني - الكتب المصنفة في الرجال
أولا- المصنَّفات في معرفة الصحابة رضي الله عنهم ...
ثانياً- كتبُ الطبقات
ثالثا- كتب رواة الحديث عامة
رابعا- المصنَّفاتُ في رجال كتب مخصوصة
خامسا- كتب التراجم الخاصة برجال الكتب السِّتَّة
تفصيل القول بمنهج الحافظ ابن حجر في التقريب
سادسا- المصنفات في الثقات خاصة
سابعا- المصنفات في الضعفاء خاصة ...
ثامنا- المصنفات في رجال بلاد مخصوصة
-------------------
الباب الثالث- كيفية استخراج الحديث والحكم عليه
مقدمةٌ هامة
أمثلة تطبيقية
البحث عن الشذوذ والعلة وصعوبته
خلاصة المراحل في دراسة الإسناد
وأول من ألف في هذا العلم الشريف الدكتور (محمود الطحان ) رحمه الله بكتابه القيم " أصول التخريج ودراسة الأسانيد" وقد أفدت منه كثيرا ، ثم توالت المؤلفات إما بشرح الكتاب أو بعمل كتب شبيهة به .
وقد استفدت منها جميعاً ، وأضفت إليها الكثير مما استفدته من خبرتي الشخصية حول هذا الموضوع الجلل الذي أتعامل معه يوميا منذ ثلث قرن .
وفصلت القول فيها تفصيلاً ، ذلك لأن معظم الكتابات في هذا الموضوع مختصرة ، ليكون مرجعاً لطلاب العلم عامة والباحثين في السنَّة النبوية خاصة.
هذا وقد عزوت كل قول لصاحبه في الأعم الأغلب ، وذكرت أهمُّ المصادر والمراجع التي عدت إليها في نهاية هذا الكتاب وقد نافت على الثلاثمائة .
وهذا الموضوع من الموضوعات الشائكة جدًّا ، إذ هو لبُّ مصطلح الحديث برمته ، لأنه التطبيق العملي له ، والقليل القليل من استطاع خوض غماره ، والغوص إلى أعماقه .
وقد نجد كثيرا من الدارسين يحفظ بعض كتب المصطلح ، ولكنه لا يستطيع أن يتعامل معها بشكل دقيق في الناحية التطبيقية العملية ، وهنا يظهر الخلل الشديد في دراسته .
وقد تحريتُ التأصيل والتقعيد ليحسن عند الممارسة التطبيق،والله المعين،وهو ولي التوفيق.
فإن أصبت فالفضل لله وحده ، وإن أخطأت فمن تقصيري وأستغفر الله .
قال تعالى : { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } (83) سورة النساء .
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 4 شعبان لعام 1429 هـ الموافق ل 6/8/2008م
- - - - - - - - - - - - - -
الباب الأول
أصول التخريج
أولاً: تعريفُه لغة واصطلاحاً:
التخريجُ لغةً:
من الخروج،وهو في أصل اللغة ضد الدخول،ثم يستعمل في عدة معانٍ كلها يدور حول البيانِ والظهور،يقال: خرجتْ خوارجُ فلانَ: إذا ظهرت نجابته،وتوجه لإبرام الأمور وإحكامها،ومنه قول الخطابي في تعريف الحديث الحسن: " هو ما عرفَ مخرجُه" أي موضع خروجه،وهم رواة إسناده الذين خرج الحديثُ من طريقهم،ومنه قولُ المحدثين عن الحديث: "أخرجه البخاريُّ" أي: أبرزه للناس وأظهره لهم ببيان مخرجه،وذلك بذكر رجال إسناده الذين خرج الحديثُ من طريقهم.
ومما جاء بهذا المعنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (42) سورة ق،أي: يوم البعث حيث يخرج ويبرز الناس فيه من الأرض،وقال تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} (29) سورة النازعات،أي: أبرز وأظهر نهارها ونورها(1).
التخريج عند المحدثين: يطلق التخريج عند المحدثين على عدة معان:
__________
(1) - ينظر: لسان العرب،مادة: خرج،وتاج العروس،مادة: خرج،والمعجم الوسيط: 1/ 223-224،تفسير البغوي: 4/ 445.(1/3)
1. فيطلق على أنه مرادف لـ"لإخراج"،أي إبراز الحديث للناس بذكر مخرجه،أي رجال إسناده الذين خرج الحديث من طريقهم،فيقولون مثلاً: "هذا حديث أخرجه البخاري" أو "خرجه البخاري" أي: رواه وذكر مخرجه استقلالاً.
قال ابن الصلاح: " وللعلماء بالحديث في تصنيفه طريقتان:
إحداهما: التصنيف على الأبواب،وهو تخريجه على أحكام الفقه وغيرها....
والثانية: تصنيفه على المسانيد..."(1)،فالمراد بقوله: "تخريجه" أي: إخراجه وروايته للناس في كتابه.
2. ويطلقُ على معنى رواية المصنِّف الحديث في المستخرجات: والمستخرجات هي: أن يعمد الحافظُ إلى كتاب مسندٍ لغيره،فيخرج أحاديثه - أي يرويها- بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب،بحيث يجتمعُ معه في شيخه- شيخ صاحب الكتاب- أو شيخ شيخه وهكذا،على أن يكون من حديث الصحابي نفسه.
قال الزركشي في ذلك: " حقيقتُه- أي الاستخراج- أن يأتيَ المصنِّف إلى كتاب البخاري أو مسلم،فيخرج أحاديثه بأسانيدَ لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم،فيجتمع إسنادُ المصنِّف مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه أو من فوقه"(2).
وقد جاء التعبير عن المستخرجات بلفظ" التخريج" في كلام المحدثين،ومنهم: ابن الصلاح،حيث يقول: " التخاريجُ المذكورة على الكتابين- يعني الصحيحين- يستفاد منها فائدتان: إحداهما: علوُّ الإسناد،والثانية: الزيادةُ في قدر الصحيح لما يقع فيها من ألفاظ زائدةٍ وتتماتٍ في بعض الأحاديث يثبت صحتها بهذه التخاريجَ لأنها واردةٌ بالأسانيدِ الثابتةِ في الصحيحين أو أحدهما،وخارجةٌ من ذلك المخرج الثابت"(3).
3. ويطلقُ بمعنى إخراج المحدث المتأخر أسانيد مروياته من بطون المصنفات والأجزاء والمشيخات الحديثية.
قال السخاوي: " والتخريجُ: إخراج المحدِّث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها،وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك،والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين...."(4).
ومن الكتب المؤلفة في ذلك:
أ حديث أبي العُشَرَاء الدارمي،تخريج الحافظ أبي القاسم: تمام بن محمد الرازي.
ب الفوائد لأبي عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن منده،تخريج أخيه أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد.
ومما يلحق بذلك: ما يعمد إليه عددٌ من المحدثين الحفاظ وطلاب العلم في العصور المتأخرة،من رواية كتب الحديث بالإسناد إلى أصحابها،إبقاءً لفضيلة الرواية بالإسناد التي تميزت بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم(5).
ويطلق على معنى الدلالة: أي الدلالة على مصادر الحديث الأصلية وعزوه إليها،وذلك بذكر من رواه من المؤلفين.
قال العراقي في مقدمة كتابه: تخريجُ الأحاديث والآثار الواقعة في منهاج البيضاوي: " ذكرتُ في هذه الأوراق الأحاديث التي ضمنها قاضي القضاة ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي... ذاكرًا من خرجها من الأئمة وصحابي كل حديث،أو من رواه مرسلاً،مع التنبيه على صحتها وضعفها على سبيل الاختصار"(6).
وقال المناوي في " فيض القدير" عند قول السيوطي: " وبالغتُ في تحرير التخريج" بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث،من الجوامع والسنن والمسانيد،فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرِّجه،ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله - وإن جلّ- كعظماء المفسرين"(7).
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح: 128.
(2) - النكت على مقدمة ابن الصلاح: 1/ 229.
(3) - مقدمة ابن الصلاح: 12،ط: دار الكتب العلمية.
(4) - فتح المغيث: 3/ 318.
(5) - ينظر: بحث" التخريج عند المحدثين" للدكتور دخيل بن صالح اللحيدان: ص: 95،بمجلة جامعة الإمام،العدد (28) شوال 1420هـ.
(6) - ص: 33.
(7) - فيض القدير: 1/ 20.(1/4)
والمعنى الأخير هذا للتخريج: هو الذي شاع واشتهر بين المحدثين،وكثر استعمال اللفظ فيه،ولاسيما في القرون المتأخرة،بعد أن بدأ العلماء بتخريج الأحاديث المبثوثة في بطون بعض الكتب لحاجة الناس إلى ذلك(1)
والمشهور في استعمال أهل هذا العصر : الكلامُ على الأحاديث ببيان من روى الحديث بإسناده،من أصحاب الكتب أو بعضهم،مع بيان مرتبة ذلك الحديث من حيث القوة والضعف،والتنبيه على ما ورد من اختلافات بين أسانيد روايات ذلك الحديث ومتونها،بزيادة أو نقص أو غير ذلك،وبيان مقتضى تلك الاختلافات من الناحية النقدية .
وكلُّ ذلك لا يتيسر - كما هو معلوم - إلا بعد النظر في متابعات الحديث وشواهده،أي النظر في القدرِ المشتركِ بين روايات الحديث الواحد وطرقه،بعد جمعها من أصولها،ثم النظر فيما خَرَجَ عن ذلك القدر مما يقع في بعض الطرق من مخالفات وزيادات في الأسانيد والمتون ؛ ثم الحكم - بالقبول أو الرد - على ذلك القدر المشترك،وعلى كل مخالفة أو زيادة،واقعة في سند أو في متن،بمقتضى النظر العلمي في مجموع تلك الطرق .
وبعض التخاريج تكادُ تقتصر على بعض هذه المقاصد،فتقتصر مثلاً على بيان درجة الحديث أي حكمه من حيث القوة والضعف،وتهمل عزوه ؛ وبعضها يعكس ؛ ومعروف أن مقصد التخريج هو معرفة رتبة الحديث،وأما معرفة من رواه من أصحاب المؤلفات فهو - على نفعه وقيام الحاجة إليه - ليس مطلوباً لذاته فهو من وسائل هذا العلم لا من مقاصده .
وكلُّ ذلك يكون على سبيل التقليد والمتابعة أو الاجتهاد والتحقيق،ويكون على سبيل الاختصار والإيجاز أو البسط والإطالة .
وقد كان التخريج بهذا المعنى،أي الثاني،معروفاً منذ زمن بعيد،وكان في أوائل تدوينه يدوَّن في ثنايا بعض الكتب الفقهية وكتب شروح الأحاديث وغيرها ككثير من كتب البيهقي وابن عبد البر و(المحلَّى) لابن حزم،و(التحقيق في أحاديث الخلاف) لابن الجوزي،و(المجموع) للنووي،و(الأذكار) له،وكثير من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته .
ثم ظهر بعدئذ إفرادُ التخريج بالتصنيف،فظهرت مؤلفاتِ التخريج المتخصصةُ المتوسعةُ المكتوبةُ على نحوِ طريقةِ كتبِ التخريجِ المعروفةِ في هذا العصر فقد كانت نشأةُ ذلك على أيدي المتأخرين .
وإنَّ منْ أقدمِ مَن ألفَ في هذا الباب على هذه الطريقة الأخيرة الرافعيَّ،تبعه ابنُ الصلاح،ثم النوويُّ ؛ ثم ابن عبد الهادي ثم العراقي والزيلعي ثم ابن حجر ثم السخاوي والسيوطي،ثم كثير من اشتغل بالحديث ممن جاء بعدهم،ثم اشتهر فنُّ التخريج بعد ذلك ؛ واليوم يعدُّ هذا الفن من أبرز العلوم الشرعية التي يُعنى بها كثير من العلماء والباحثين .
ومن أشهر كتب هذا الباب (نصب الراية بتخريج أحاديث الهداية) للزيلعي و (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في إحياء علوم الدين من الآثار) للعراقي و (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير) لابن حجر،و (إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل) للألباني.
وقد يظنُّ من لا خبرة له بتاريخ علم الحديث أن علم التخريج علمٌ عصريٌّ،ابتكره أهل هذا العصر الأخير ؛ ولكن هذا الظن لا يصح،وقد تقدم ذكر ما يُبطله.
فلما كان تمييز صحيح الحديث من سقيمه هو المقصد الأول لعلم النقد الحديثي،صار علمُ التخريج ونقدُ الأحاديث علماً أساسياً بين علوم الحديث،بدأ في أقدم عصور الرواية ؛ ولكن كانت هيئته غير هيئته اليوم،والزمان لا يترك علماً على حاله.
وكان عند المتقدمينَ أنواعٌ من كتب الحديث تُشبه كتب التخريج في الوقت الحاضر،وتقوم مقامها،في الجملة ؛ وأهمُّ هذه الأنواعِ وأولاها بالذكر ما يلي :
1- الأجزاء الحديثية الموضوعية المسندة المعللة .
__________
(1) - أصول التخريج للدكتور الطحان: 10.(1/5)
2- الأبواب المخرجة باستيعاب أو توسع،مع التعليل والنقد،في الكتب المبسوطة،كما تراه في مثل (الجامع) لأبي عيسى الترمذي،و (السنن الكبرى) للبيهقي،و (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) لابن عبد البر .
3- كتبُ العلل،ككتابِ ابن أبي حاتم (العلل) وكتاب الدارقطني (العلل) أيضاً .
4- كتب المستخرجات التي توسعَ أصحابُها في إيراد طرق أحاديثها .
وأما مكتبة التخريج فبعض التخريجات تفرد في كتاب وبعضها تطبع على هامش الكتاب المخرج،وهذا في هذا العصر كثيرٌ جداً،وهو نافع ولكن بشرط أن يصدر عن أهله الذين هم أهله .
ويدخلُ في كتب التخريج الخالصة له - إضافة إلى ما تقدم ذكره - المجاميع التي ألفها المتأخرون كالترغيب والترهيب للمنذري ورياض الصالحين والأذكار،كلاهما للنووي،ومجمع الزوائد للهيثمي ؛ فإن في هذه الكتب عزواً ونقداً .
ويلحق بها أيضاً كتب الأطراف والفهارس المؤلفة لكتب الحديث،فإنها مما تشتد حاجة المشتغلين بالتخريج إليه .
إن تخريج الأحاديث والحكم عليها بما تستحقه تصحيحاً وتضعيفاً هي المرحلة الأخيرة من المراحل النقدية في عمل المحدثين فهي الموصلة إلى الغاية،والمشرفة على النهاية ؛ ولذلك كان التخريج هو موضعَ اجتهادِ الباحث،ووقت بنائه فروعَ هذا العلم على أصوله،وميدانَ تطبيقه على ما عنده من المعرفة بهذا الفن وتفاصيله،ومجالَ اختيارِه وترجيحِه بينَ أحكام من تقدمه .
ولكنْ ما أصعبَ التمكنَ من ذلكَ،وما أبعده عمنْ قلتْ ممارستُه وقصرتْ مدارستُه ؛ والله الموفق(1).
ـــــــــــــــ
تعريفُ التخريج اصطلاحًا:
عرَّف الدكتور محمود الطحان التخريجَ بقوله: " هو الدلالةُ على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده،ثم بيان مرتبته عند الحاجة"(2)
ثم قال في تفسير قوله: " ثم بيان مرتبته عند الحاجة": " أي بيان رتبة الحديث من الصحة والضعف وغيرها إذا دعت الحاجة لذلك،فليس بيان المرتبة إذن شيئًا أساسيًا في التخريج،وإنما هو أمر متمم يؤتى به عند الحاجة إليه"(3)
إلا أن العلامة الدكتور محمد أبو شهبة عرَّفه بقوله: " عزو الأحاديث إلى من ذكرها في كتابه من الأئمة وبيان درجتها من الصحة أو الحسن أوالضعف"(4)
وعرَّفه الأستاذ صبحي السامرائي فقال: " هو عزو الحديث إلى مصدره أو مصادره من كتب السنة المشرفة وتتبع طرقه وأسانيده وحال رجاله وبيان درجته قوةً وضعفًا"(5)
فالدكتور أبو شهبة والأستاذ السامرائي أدخلا في التعريف " بيان درجة الحديث من الصحة أو الحسن أو الضعف" دون تقييد(عند الحاجة) كما ذكر الدكتور الطحان.
قلت: ومما يرجح قولهما على قوله أقوال المحدثين وواقع عملهم في كتب التخريج.
قال العراقي في المغني مبينًا منهجه في التخريج: " اقتصرت فيه على ذكر طرق الحديث وصحابيه ومخرجه،وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة،بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة،وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول"(6)
وقال السيوطي: " العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه وعلله واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلاً"(7)
__________
(1) - انظر معجم لسان المحدثين - (ج 2 / ص 84)
(2) - أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية - (ج 1 / ص 6) وشرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 2)
(3) - أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية - (ج 1 / ص 6) وشرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 2)
(4) - حاشية كتاب" الوسيط في علوم ومصطلح الحديث" ص: 353.
(5) - مقدمة تحقيقه لتخريج أحاديث مختصر المنهاج للحافظ العراقي.
(6) - المغني عن حمل الأسفار بهامش الإحياء: 1/ 1.
(7) - معجم لسان المحدثين - (ج 3 / ص 109) وطبقات الحفاظ: 534.(1/6)
وقال المناوي متعقبًا أحكام السيوطي على أحاديث كتابه الجامع الصغير،إذ اكتفى في الحكم بالإشارة والرمز،قال: " كان ينبغي له- أي السيوطي- أن يعقب كل حديث بالإشارة بحاله بلفظ: صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث،فلو فعل ذلك كان أنفع وأصنعَ ولم يزد الكتاب به إلا وريقات لا يطول بها،وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى الصحيح والحسن والضعيف بصورة رأس صاد وحاء وضاد فلا ينبغي الوثوق به لغلبة تحريف النساخ،على أنه وقع له ذلك في بعض دون بعض،فكان المتعين ذكر كتابة صحيح وحسن أو ضعيف في كل حديث.
قال العلائي: من ذكر حديثًا اشتملَ سنده على من فيه ضعفٌ أن يوضح حاله خروجًا عن عهدته وبراءةً من ضعفه"(1).
والمطلعُ على كتب التخريج يرى أن المخرجين يبينون درجة الحديث من حيث القوة والضعف،فمنهم من يبينه اختصارًا كما هو الحال في تخريج العراقي لأحاديث " إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي،وتخريجه لأحاديث " المنهاج" للبيضاوي.
ومنهم من يبينه تفصيلاً،بعد عرض لأقوال العلماء ومناقشتها،كما هو الحال في تخريج الحافظ الزيلعي لأحاديث" الهداية" للمرغيناني،وتخريج الحافظ ابن حجر لأحاديث " شرح الوجيز الكبير" للرافعي،والبدر المنير لابن الملقن وهو أوسعها.
وأهمية كتب التخريج تأتي أولاً من بيان حال الأحاديث المخرجة من الصحة والضعف،ويظهر تمكن مؤلف " التخريج" في الحديث روايةً ودرايةً،من بحثه في بيان درجة الحديث،من خلال استيفاء الكلام على طرقه،والكشف عن علله،والتحقيق في رجاله جرحًا وتعديلاً.
ولذا فإن قول الدكتور الطحان: " ثم بيان مرتبته عند الحاجة"(2)يرده قول المحدثين وواقع الحال في كتب التخريج التي ذكرت مرتبة الحديث بعد ذكر مخرجيه،إما نصًا،وإما إشارةً كذكر أحد رواته بالضعف،أو ما يشير إلى قبول الحديث أو رده(3).
وعليه فيمكن القول في تعريف التخريج اصطلاحًا بأنه: " عزوُ الحديث إلى من رواه من أصحاب المصادر الأصلية مع ذكر طرقه ودراستها وبيان درجة الحديث".
شرحُ التعريف:
1. عزو الحديث،معناه: نسبة الحديث إلى من أخرجه من الأئمة،وله صورتان:
الأولى: العزو الإجمالي،وذلك بأن يقتصر على مجرد الإحالة إلى من أخرج الحديث, أو ذكر اسم المصدر الذي يروَى فيه الحديث،كأن يقال مثلاً: " أخرجه البخاري في صحيحه" أو " أخرجه الترمذي في سننه" أو " أخرجه الطبراني في معجمه" ونحو ذلك من العبارات،وهذه طريقة المتقدمين في الغالب،لاكتفائهم بذلك في معرفة موضع الحديث.
الثانية: العزو التفصيلي،وللمتأخرين فيه عدة مسالك،منها: أن يزاد على ما سبق بذكر ترجمة الكتاب التفصيلي،وترجمة الباب،ورقم المجلد والصفحة والحديث،فيقال مثلاً: " أخرجه أبو داود في سننه،كتاب الطهارة،باب في طهور الأرض إذا يبست،رقم: (382)،ج: 1 ص: 198،وهكذا.
2. المصادر الأصلية: مصادر الحديث متعددة ومتنوعة لكنها تنقسم إلى قسمين:
أ المصادر الأصلية.
ب المصادر الفرعية.
أولاً: المصادرُ الأصلية:
تعريفها:
المصدر الأصلي: هو كلُّ كتاب يروي فيه مصنفه الأحاديث بأسانيده عن شيوخه عمن فوقهم حتى يصل إلى المتن.
مثاله:
قال الإمام البخاري في صحيحه،كتاب العلم،11 - باب مَا كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَىْ لاَ يَنْفِرُوا .
( 69 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا،وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا » .
__________
(1) - فيض القدير: 1/40-41.
(2) - أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية - (ج 1 / ص 6) وشرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 2)
(3) - أسباب اختلاف المحدثين لخلدون الأحدب: 2/706.(1/7)
ففي هذا المثال نجد الإمام البخاري يذكر سلسلة الرجال الذين نقلوا الحديث قبل أن يذكر متن الحديث.
أقسام المصادر الأصلية:
القسم الأول: كتب السنة الشريفة التي صنفت من أجل جمع الأحاديث بالأسانيد،وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المصنفاتُ على حسب موضوع المتن (المروي)،وهي على ثمانية أنحاء.
1 الصِّحاحُ:
الصحاح: كل كتاب اشترط مصنفه جمع الأحاديث الصحيحة،سواء وفَّى في كتابه بشروط الحديث الصحيح أم لم يوف بها.
ومن الكتب التي اشترط صاحبها جمع الصحيح ووفى بشروطه:
أ صحيح البخاري = الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه،لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة (256هـ).
ب صحيح مسلم = المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى سنة (261هـ).
ومن الكتب التي اشترط صاحبها جمع الصحيح ولم يوفِّ بشروطه:
أ صحيح ابن خزيمة،لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري المتوفى سنة (311هـ)،ولا يوجد من الكتاب إلا ربعه الأول.
ب صحيح ابن حبان،لأبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة (354هـ)،واسم الكتاب الذي وضعه مصنفه:" التقاسيم والأنواع"،ثم قام الأمير علي بن بلبان الفارسي المتوفى سنة (739هـ)،بترتيبه على الأبواب وسماه: "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان".
2 السُّننُ:
السنن: الكتب التي جمعت الأحاديث مرتبة على الأبواب الفقهية(1).
ومن أمثلة هذا النوع:-
أ سنن أبي داود،لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ).
ب سنن النسائي،لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (303هـ)،وقد تسمَّى بالمجتبى،وهي من عمل غيره .
ج سنن ابن ماجه،لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني (273هـ).
د سنن الدارمي،لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (255هـ)،وقد يسمى بمسند الدارمي؛ لأنه يذكر الأحاديث بالأسانيد.
هـ - سنن الدارقطني،لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385هـ).
و- السنن الكبرى،لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ).
3-المصنَّفاتُ:
جمع مصنَّف وهو: الكتاب المصنَّف على الأبواب الفقهية،ويشتملُ على الأحاديث المرفوعة،والموقوفة،والمقطوعة،ومن أمثلة هذا النوع:
أ - المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ).
ب- المصنف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (235هـ).
4- الموطآت:
جمع موطأ وهو: الكتاب المصنف على الأبواب الفقهية،ويشمل على الأحاديث المرفوعة،والموقوفة،والمقطوعة.
وهي مثل المصنفات وإن اختلفت الأسماء،ومن أمثلة الموطآت:-
أ الموطأ،للإمام مالك بن أنس الأصبحي (179هـ).
5- المستخرجاتُ:
جمع مستخرج وهو: كل كتاب خرج فيه مصنفه أحاديث كتاب لغيره من المؤلفين بأسانيد لنفسه من غير طريق المؤلف الأول بحيث يلتقي مع شيخه أو شيخ شيخه فمن فوقه،ومن أمثلة ذلك:
أ - المستخرج على صحيح البخاري،لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (371هـ).
ب- المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني(430هـ).
ج- مسند أبي عوانة النيسابوري المستخرج على صحيح مسلم (316 هـ)
6-الجوامعُ
جمع جامع وهو: كل كتاب يجمع فيه مؤلفه جميع الأبواب المحتاج إليها في الدين من العقائد،والعبادات،والمعاملات،والسير،والمناقب،والرقائق،والفتن،والتفسير،وهي مجموعة في قولنا: " عارف شامت" ومن أمثلة ذلك:
أ الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه،لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256هـ).
__________
(1) - الرسالة المستطرفة للكتاني: 32.(1/8)
ب الجامع المختصر من السنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل،لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279هـ) وقد يسمى بجامع الترمذي،والجامع الكبير،وسنن الترمذي،وسمي خطأ (صحيح الترمذي).
7- المستدركاتُ:
جمع مستدرك،وهو: كل كتاب جمع فيه مصنفه الأحاديث التي استدركها على كتاب مصنف آخر مما فات صاحب الكتاب وهو على شرطه،ومن أمثلة ذلك:-
أ - المستدرك على الصحيحين،لأبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (405هـ).
8- كتب مفردة في معان معينة:
وأبرز المعاني التي جمعت أحاديثها في مصنفات:-
أ - الشمائل المحمدية:
وهي الكتب التي تجمع ما جاء في أوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم - الخَلقية والخُلقية.
ومن أمثلتها:
-الشمائل المحمدية لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279هـ).
-الأنوار في شمائل المختار،للحسين بن مسعود البغوي (516هـ).
-أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ،لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حيان،المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني (369هـ).
ب دلائل النبوة:
وهي كتب تجمع الأدلة على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ومن أمثلتها:
-دلائل النبوة،لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي (301هـ).
-دلائل النبوة،لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430هـ).
-دلائل النبوة،لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ).
-دلائل النبوة،لأبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني (535هـ).
ت - الآداب والأخلاق:
وهي الكتب التي تعني بتزكية النفس وتحليها بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم.
ومن أمثلتها:
-الأدب المفرد،لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256هـ).
-الآداب،لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ).
-محاسن الأخلاق ومعاليها،لأبي بكر محمد بن جعفر الخرائطي (327هـ).
-مساوئ الأخلاق ومذمومها،لأبي بكر محمد بن جعفر الخرائطي (327هـ).
ث _ الزهد:
وهي الكتب التي تجمع ما جاء في الحث على التقلل من الدنيا والزهد فيها،والترغيب فيما عند الله.
ومن أمثلتها:
-الزهد،لعبد الله بن المبارك الحنظلي (183هـ).
-الزهد،لوكيع بن الجراح الرؤاسي (197هـ).
-الزهد،للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241هـ).
-الزهد،لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ).
ج - الإيمان،التوحيد،السنة:
وهي الكتب التي تعني بأحاديث العقائد.
ومن أمثلتها:
-الإيمان،لمحمد بن إسحاق بن منده (395هـ).
-كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل،لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (311هـ).
-السنة،لعبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني (290).
ح - فضائل القرآن:
وهي الكتب التي تعني بأحاديث فضل القرآن, وفضائل سوره وآياته،وفضل قارئه،ومن أمثلتها:
-فضائل القرآن،لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (224هـ).
-فضائل القرآن،لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي (301هـ).
----------------
النوع الثاني: المصنَّفات على حسب أحد أجزاء السند (الراوي).
وقد تكون على حسب الراوي الأعلى،أو الأدنى.
فما كان على حسب الراوي الأعلى فهو على نوعين:
1- المسانيد:
جمع مسند،وهي الكتب التي موضوعها جمع حديث كل صحابي على حدة،صحيحًا كان أو حسنًا أو ضعيفًا(1).
ومن أمثلة هذا النوع :
أ مسند الطيالسي،لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (204هـ).
ب مسند الحميدي،لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (219هـ).
ج- مسند الإمام أحمد،للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241هـ).
د - مسند أبي يعلى،لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي (307هـ).
هـ - مسند الشاشي،لأبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (335هـ).
2- المعاجم:
__________
(1) - الرسالة المستطرفة للكتاني: 60.(1/9)
جمع معجم،وهو في اصطلاح المحدثين: الكتاب الذي ترتب فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة أو الشيوخ،أو البلدان،أو غير ذلك،والغالبُ أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء.(1)
ومن أمثلة هذا النوع:-
أ معجم الصحابة،لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي (351هـ).
ب المعجم الكبير،لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ).
ج معرفة الصحابة،لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430هـ)،وإن لم يسمه مؤلفه بالمعجم لكن ترتيب التراجم فيه على حروف المعجم.
وما كان على حسب الراوي الأدنى فهو على ثلاثة أنواع،هي:
1- معاجم الشيوخ:
وهي الكتب المصنفة في ذكر أسماء شيوخ أحد المصنفين،ويروي فيها أحاديثه أو بعضها بأسانيده. مثل:
أ المعجم - معجم شيوخ أبي يعلى الموصلي - لأبي يعلى،أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي (307هـ).
ب كتاب المعجم،لأبي سعيد،أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي (341هـ).
ج- المعجم الصغير،والمعجم الأوسط،لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ).
2- المشيخات:
هي مثل معاجم الشيوخ،ولكن من غير ترتيب للأسماء،مثل:-
أ مشيخة ابن طهمان،لأبي سعيد إبراهيم بن طهمان (168 هـ).
ب مشيخة ابن شاذان الصغرى،لأبي علي بن الحسن بن شاذان (426هـ).
3- الفوائد:
هي الكتب التي تجمع غرائب أحاديث الشيوخ ومفاريد مروياتهم،مثل:-
أ الفوائد المنتخبة العوالي عن الشيوخ الثقات،لأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي (354هـ)،والمعروفة بالغيلانيات،لأنها من رواية أبي طالب محمد بن محمد بن غيلان (440هـ).
ب فوائد تمام الرازي،لتمام بن محمد بن عبد الله الرازي (414هـ).
--------------------
النوع الثالث: المصنفات لجمع الحديث حسب الراوي أو المروي،وهي الأجزاء الحديثية
والجزء الحديثي: هو الكتاب الذي تجمع فيه الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم،أو المصنف الذي يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد.
ومن خلال التعريف نلحظ أنها قد تكون حسب أحد أجزاء السند (الراوي)،أو على موضوع الحديث (المروي).
فمن أمثلة ما كان منها على حسب الصحابة:-
أ مسند أبي بكر الصديق،لأبي بكر أحمد بن علي المروزي (292هـ).
ب مسند عائشة بنت أبي بكر،لأبي بكر عبد الله بن أبي داود (316هـ).
ومن أمثلة ما كان منها على حسب أحد الرواة دون الصحابي:-
أ جزء فيه حديث أيوب السختياني،لإسماعيل بن إسحاق القاضي (282هـ).
ب جزء فيه حديث سفيان بن عيينة،لأبي يحيى زكريا بن يحيى المروزي (270هـ).
ومن أمثلة ما كان منها على حسب المروي:-
أ جزء البطاقة،لحمزة بن محمد الكناني (357هـ).
ب فضل عشر ذي الحجة،لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ).
ـــــــــــــــ
القسم الثاني من المصادر الأصلية: كتب مصنفة في علوم شتى ولكن مصنفوها يوردون الأحاديث والآثار بالأسانيد عن شيوخهم إلى نهاية السند.
فهم لم يقصدوا أصلاً جمع الحديث،ولكن عند حاجتهم للاستشهاد بحديث أو أثر ما فإنهم يروونه بالأسانيد.
ومن أمثلة هذه الكتب:
1. جامع البيان في تأويل آي القرآن, لابن جرير الطبري (310هـ).
2. معالم التنزيل, للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (516هـ). فهذه الكتب في التفسير لكنها تورد الأحاديث والآثار بأسانيد مستقلة لمؤلفيها،فلذلك تعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
3. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة, للإمام هبة الله بن الحسن اللألكائي (418هـ).
4. الاعتقاد, للإمام البيهقي.
5. الأسماء والصفات،للإمام البيهقي أيضًا.
وهذه الكتب في منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة،ونجد المصنف منهم يروي الأحاديث والآثار بأسانيد عن شيوخه،فلذلك تعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
6. كتاب الأم،للإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ).
7. المحلَّى لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري (456هـ).
__________
(1) - الرسالة المستطرفة للكتاني: 35.(1/10)
8. الحجَّة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني (189 هـ)
فهذه كتب في الفقه،لكن تروَى فيها الأحاديث والآثار بأسانيد مستقلة لمؤلفيها،فلذلك تعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
9. كتاب الرسالة،للإمام الشافعي.
10. كتاب إحكام الأحكام لابن حزم.
فهذه الكتب في أصول الفقه لكنها تروي الأحاديث والآثار التي تورد فيها بأسانيد مستقلة لمؤلفيها،فلذلك تعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
11.كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء،لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (354هـ).
وهذا في تزكية النفس وتربيتها فيجمع لذلك الحكم والأمثال والأشعار،ويروي الأحاديث والآثار بأسانيد عن شيوخه،فلذلك يعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
12.المحدث الفاصل بين الراوي والواعي،للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (360هـ).
13.كتاب معرفة علوم الحديث،لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (405هـ).
14.الكفاية في علم الرواية،للخطيب البغدادي (463هـ) وسائر كتبه.
فهذه الكتب تشتمل على ذكر أنواع علوم الحديث،وتروَى الأحاديث والآثار فيها بأسانيد مستقلة لمؤلفيها،فلذلك تعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
15.كتاب الكامل في ضعفاء الرجال،لأبي أحمد بن عبد الله بن عدي الجرجاني (365هـ).
وهو كتاب جمع فيه أسماء الرواة الضعفاء والثقات الذين تكلم فيهم،ويروي الأحاديث والآثار بأسانيد عن شيوخه،فلذلك يعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
16.كتاب تاريخ الأمم والملوك للإمام ابن جرير الطبري (310هـ).
وهو كتاب يتحدث عن تاريخ البشرية منذ آدم عليه السلام إلى زمان المؤلف،وتروَى فيه الأحاديث بأسانيد مستقلة للمؤلف،فلذلك يعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه.
17. تاريخ المدينة لابن شبة (262 هـ)
وهو يتحدث عن تاريخ المدينة والخلفاء الراشدين،والكتاب غير كامل
18. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (463 هـ)
19. تاريخ دمشق لابن عساكر (571 هـ)
وهو أعظم كتاب في التراجم،فهو يؤرخ لكل من حلَّ بمدينة دمشق من العلماء والفقهاء والزهاد والمحدثين والأمراء وغيرهم حتى عصره .
فعلى هذا فكلُّ كتاب يورد فيه مؤلفه الأحاديث والآثار بالأسانيد يعدُّ مصدرًا أصليًا يصحُّ التخريج منه والعزو إليه،وإن لم يقصد مؤلفه من تأليفه جمع الأحاديث والآثار.
ـــــــــــــــ
ثانيًا: المصادرُ الفرعيةُ:
المصادر الفرعية هي كل كتاب يجمع فيه مصنفه الأحاديث من المصادر الأصلية من غير رواية لها بأسانيده.
وهي إما حسب أحد أجزاء السند (الراوي)،أو على موضوع الحديث (المروي).
القسم الأول: المصادر الفرعية المصنفة على حسب السند،وهي على نوعين:
1. كتب الأطراف:
الأطراف لغةً: جمع طرف،وهو الطائفة من الشيء.
وعند المحدثين: ذكر جزء من الحديث يدلُّ على باقيه،وبيان من أخرجه.
مثل:
أ تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف،ليوسف بن عبد الرحمن المزي (742هـ).
ب إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة،لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ).
ج- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (840 هـ)
2. كتب الجوامع:
وهي الكتب التي جمعت الأحاديث من مصادر عدة،وذكرها بأسانيدها أو بدون أسانيدها،مثل:
أ جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن،لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (774هـ).
ب قسم الأحاديث الفعلية من " جمع الجوامع" لجلال الدين السيوطي (911هـ).
--------------------
القسم الثاني: المصادر الفرعية المصنفة على حسب المتن،وهي على أربعة أنواع:
1. كتب الزوائد:
وهي الكتب التي يجمع فيها مصنفوها الأحاديث الزائدة في كتاب أو عدة كتب على كتاب أو كتب أخرى،مثل:(1/11)
أ مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه،لأحمد بن أبي بكر البوصيري (840هـ)،جمع فيه البوصيري الأحاديث الزائدة في سنن ابن ماجه على ما جاء في الكتب الستة.
ب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ)،جمع فيه الهيثمي الأحاديث الزائدة الواردة في مسند الإمام أحمد،ومسند أبي يعلى،ومسند البزار،ومعاجم الطبراني الثلاثة،على ما جاء في الكتب الستة.
ج- المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية،لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ)،جمع فيه ابن حجر الأحاديث الزائدة الواردة في مسند أبي يعلى،ومسند مسدد بن مسرهد،ومسند ابن أبي عمر العدني،ومسند أحمد بن منيع،ومسند الطيالسي،ومسند الحارث بن أبي أسامة،ومسند الحميدي،ومسند إسحاق بن راهويه،على ما في الكتب الستة.
2. كتب التخريج:
وهي الكتب المصنفة في تخريج أحاديث كتاب من الكتب،وأشهرها: الكتب المصنفة في تخريج أحاديث كتب الفقه.
مثال:-
أ نصب الراية لأحاديث الهداية،للحافظ جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (762هـ).
ب الهداية في تخريج أحاديث البداية،للحافظ أحمد بن الصديق الغماري (1380هـ)،وهو في تخريج أحاديث كتاب: بداية المجتهد لابن رشد في المذهب المالكي.
ج- البدر المنير لابن الملقن وهو من أنفع كتب التخريج
د- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير،للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ)،وهو في تخريج أحاديث كتاب: الشرح الكبير للرافعي في المذهب الشافعي.
هـ - تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للحافظ العراقي (804هـ) وهوكتاب قيم خرج به جميع أحاديث الإحياء المرفوعة،وله تخارج عدة صغير ومتوسط وكبير،والكبير يوجد في داخل كتاب إتحاف السادة المتقين بشرح إيحاء علوم الدين للزبيدي (صاحب تاج العروس)
و- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل،للعلامة محمد ناصر الدين الألباني،وهو في تخريج أحاديث كتاب: منار السبيل لابن ضويان في المذهب الحنبلي.
3. كتب فهارس الأطراف :
وهي الكتب التي جمع فيها مصنفوها الأحاديث ورتبوها على حسب أول لفظة من متن الحديث.
مثال:
أ الجامع الصغير وزيادته،لجلال الدين السيوطي (911هـ).
ب قسم الأحاديث القولية من "جمع الجوامع" للسيوطي أيضًا.
ج - موسوعة فهارس أطراف الحديث الشريف،لمحمد سعيد بن البسيوني زغلول (معاصر).
د- المسند الجامع للكتب العشرة،معاصر
هـ -موسوعة السنة النبوية للمرلف ( مخطوطة)
و- جامع الأحاديث النبوية وهو مرتب على بداية الحديث
4. الكتب المصنفة في معنى معين:
أ كتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة:
وهي الكتب التي صنفت لجمع الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة الناس،سواء المقبول منها أو المردود،مثل:-
-التذكرة في الأحاديث المشتهرة،لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (794هـ).
-المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة،للحافظ أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902هـ).
- كشف الخفاء للعجلوني (1162 هـ)
- أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب للحوت البيروتي
ب كتب أحاديث الأحكام:
وهي الكتب التي تجمع الأحاديث المقبولة التي تبين شرع الله على المكلفين،مثال:
- عمدة الأحكام،للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (600هـ).
- المنتقى من الأخبار في الأحكام،للحافظ مجد الدين بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية (625هـ).
- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد،للحافظ أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (806هـ).
- بلوغ المرام،للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ).(1/12)
فهذه المصادر الفرعية بكافة أنواعها لا يعتبر العزو إليها تخريجًا على الاصطلاح في فن التخريج،وإنما هو تعريف القارئ بأن هذا الحديث مذكور في كتاب كذا،وهذا النوع من العزو يلجأ إليه العاجز عن معرفة مصادر الحديث الأصلية فينزل في عزوه نزولاً غير مستحسن،وهو غير لائق بأهل العلم لا سيما أهل الحديث.
ـــــــــــــــ
التخريجُ من المصادر الفرعية وفوائده
يظنُّ البعض أن التخريج من المصادر الفرعية ليست له فائدة مرجوة طالما أن التخريج الصحيح لابد وأن يكون من المصادر الأصلية،ولكن هذا الظن خاطئ وغير صحيح،فالتخريج من المصادر الفرعية له فوائد كثيرة،منها:
أ أنه مفتاح ودليل يوصل الباحث إلى موضع الحديث في المصادر الأصلية.
ب بيان درجة بعض الأحاديث التي لم يلتزم المؤلفون في مصادرهم الأصلية ببيان درجتها،وذلك ككتاب" نصب الراية" و" التلخيص الحبير" وغيرهما.
ج- الحصول على أحاديث لا تتيسر مصادرها بين أيدينا؛ وذلك لكونها مخطوطة أو لأنها مفقودة.
1. ذكر طرقه:
الطرق: جمع طريق،والطريق: هو السند الذي يوصل إلى متن الحديث،أو هو ما تفرع من أصل السند في حلقة أو أكثر.
والمخرج مطلوب منه جمع طرق الحديث المراد تخريجه- أي أسانيده- لمعرفة موضع التقائها،وإدراك الفوارق بينها،وأين يتحقق مدار الإسناد،واكتشاف المتابعة التامة من القاصرة،وهكذا.
2. بيان درجة الحديث:
يراد ببيان درجة الحديث: الحكم على الأسانيد ببيان مراتبها من حيث الصحة والضعف،والثبوت وعدمه،وتعرف درجة الحديث بعدة سبل منها:
أ- أن يكون الحديث من الأحاديث المتواترة،حيث أفردت بمؤلفات مثل: كتاب: " قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" للحافظ جلال الدين السيوطي،وكتاب: " نظم المتناثر في الحديث المتواتر" للكتاني.
قال الحافظ ابن حجر في النزهة(1): " ليسَ مِن مباحِثِ عِلْمِ الإِسْنَادِ،" وإنما هو من مباحث أصول الفقه " إِذ عِلمُ الإِسْناِد يُبْحَثُ فيهِ عن صِحَّةِ الحديثِ أَوْ ضَعْفِهِ ؛ لِيُعْمَلَ بِهِ أَو يُتْرَكَ مِن حيثُ صفاتُ الرِّجالِ،وصِيَغُ الأداءِ،والمُتواتِرُ لا يُبْحَثُ عَنْ رجالِهِ،بل يجبُ العملُ بهِ مِن غيرِ بَحْثٍ".
ب- أن يكون الحديث معزوًا إلى الصحيحين أو أحدهما،إذ الأصل فيما احتجا به الصحة،وأما ما سواهما من المصادر التي اشترط أصحابها الصحة،لكن لبعض العلماء انتقاد في بعضها،وذلك كصحيح ابن خزيمة،وصحيح ابن حبان،ومستدرك الحاكم،والمنتقى لابن الجارود،فإنه ينبغي الإشارة إلى ذلك،خصوصًا إذا كان معروفًا بالتساهل كالحاكم،فالرجوع إلى تعقبات الذهبي عليه متعينٌ ليقف الباحث على درجة الحديث.
ج - النقل عن الأئمة السابقين لدرجة الحديث تصحيحًا أو تحسينًا أو تضعيفًا،أو بنقل كلامهم في الرجال،فيقال مثلاً: " السند فيه فلان"،وقد يكون هذا الرجل ضعيفًا أو كذابًا،أو يقال: " فيه فلان قد عنعن"،ويكون ذلك الراوي قد عرف بالتدليس،أو يقال: " الحديث رجاله ثقات" أو " رجاله رجال الصحيح"،وقد أكثر الهيثمي في كتابه: " مجمع الزوائد " من ذلك.
فإن قيل: هل يجوز تخريج الحديث من مصدر والإتيان بدرجته من مصدر آخر؟
والجواب: لا مانع من ذلك،فللمخرج أن يخرج الحديث من سنن أبي داود،وينقل درجة الحديث من مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري.
د - دراسة إسناد الحديث ومتنه دراسة وافية إذا كان الباحث على دراية كافية بها.
__________
(1) - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 4) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 185) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 3)(1/13)
يقول الحافظ ابن حجر في ذلك: " إن كان متأهلاً لمعرفة الصحيح من غيره،فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته"(1).
وسنبين- بإذن الله- عما قريب الخطوات المتبعة،والتي يلزم الباحث اتباعها في دراسة الإسناد.
ـــــــــــــــ
أنواعُ التخريجِ
التخريجُ عمومًا ثلاثة أنواع:
1. التخريج الموسّع.
2. التخريج الوسط.
3. التخريج المختصر الموجز.
ومن أمثل ما يمثل هذه الأنواع: هو عمل الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين،لحجة الإسلام الغزالي.
1. الموسع: " إخبار الأحياء بأخبار الإحياء" في خمس مجلدات،مفقودة.
2. المتوسط: " الكشف المبين عن تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" قال ابن فهد المكي: وهو بين المطوَّل والمختصر،مفقود.
3. المختصر: " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار" وهو على هامش الإحياء المطبوع.
وممن ذكر ذلك ونبه عليه الحافظ ابن حجر،وذكر ذلك بالتفصيل محمد بن فهد المكي (787 - 871هـ) وأشار إلى تخاريج شيخه العراقي الثلاثة على الإحياء.
ومثاله أيضًا ما صنعه الحافظ ابن حجر في تخريجه للأحاديث المعلقة في صحيح البخاري،فكتابه " تغليق التعليق" هو تخريج كبير موسع،وكتابه " التشويق إلى تغليق التعليق" هو تخريج وسط،وكذلك ما يفعله في أثناء فتح الباري. وتخريجه للمعلقات في " هدي الساري" هو تخريج مختصر وجيز.
وهناك كتاب لابن الملقن (804هـ) هو " البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في شرح الرافعي الكبير"،وهو تخريج موسع،وله "خلاصة البدر المنير" وهو تخريج وسط،وله تخريج صغير،هو: " منتقى خلاصة البدر المنير في تخريج الأحاديث الواقعة في الشرح الكبير".
والميزان لمعرفة أنواع التخريج هو: إما كلام المؤلف نفسه،وإما الضوابط التي يضعها ويعتبرها المؤلف.
وبقيت الإشارة إلى أنه قد يكون لعالم من العلماء تخريجًا موسعًا في حديث واحد فقط.
ولكل نوع من الأنواع الثلاثة المذكورة من أنواع التخريج تعريف خاص به وله عناصر وضوابط ودواع،ويجب التنبيه على أن الباحث قد يتحتمُ عليه سلوك أحد هذه الأنواع الثلاثة عند تخريجه لمادة بحثه،فإن لم يأخذ به يكون مؤاخذًا بفعله حينئذٍ،وإليك تفصيل هذه الأنواع.
ـــــــــــــــــ
1-التخريجُ الموسّع
هوغاية التخريج ونهاية المطاف،وهو التخريج الذي يقوم فيه المخرِّج بإيراد الحديث بأسانيده مع الكلام على رواته وبيان درجته وتوضيح الغامض في متنه،ثم يذكر ما يكون له من شواهد،وما يقع فيه من علل ونحو ذلك،ومن أمثلته:
1. البدر المنير لابن الملقن،وقد طبع في عشرة مجلدات.
2. نصب الراية للزيلعي،وهو مطبوع في أربعة مجلدات.
3. إخبار الأحياء بأخبار الإحياء للعراقي،وهو مفقود.
دواعي التخريج الموسّع:
1. إثبات تواتر حديث ما،أو إثبات شهرته أو استفاضته،فإذا كان هذا غرضًا من التخريج فإنه لا يتأتى بغير تخريج موسع.
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 83) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 449)(1/14)
مثاله: حديث المسح على الخفين،قال الزيلعي(1): " قَوْلُهُ : الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ،وَالْأَخْبَارُ مُسْتَفِيضَةٌ،قُلْتُ: قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ،وَفِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ،انْتَهَى. وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا تَيَسَّرَ لِي وُجُودُهُ،مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ،وَأَبْدَأ بِالْأَصَحِّ فَالْأَصَحِّ.....
فقد توسع الزيلعي في تخريجه،وغرضه من التوسع ليس لإثبات الصحة ولا لدفع العلة،وإنما قصد إثبات التواتر وشهرة الحديث كما هو واضحٌ من كلامه.
2. الكشف عن العلة الواقعة في الحديث،أو دفع العلة عن الحديث،فجمع طرق الحديث وتتبعها واستقصائها له دخل كبير وأثر بالغ في إثبات العلة أو نفيها،قال ابن المديني: " الحديثُ إذا لم تجمع طرقه لم تكشف علته".
مثال ذلك: حديثُ القلتين،فقد خرجه الدار قطني في سننه(2)من نحو خمسة وعشرين طريقًا،واستطاع دفع العلة عن الحديث،نظرًا لزعم بعض العلماء وقوع الاضطراب في الحديث،وهذا مثال العلة التي دفعها العلماء عن الحديث.
وهذا تفصيله في البدر المنير(3):
" الحَدِيث الرَّابِع أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذا بَلَغَ (الماءُ) قُلَّتَين،لم يَحْمِلْ خَبَثًا» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح،ثَابت،من رِوَايَة عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب،عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما،«أنَّ رَسُول الله سُئِلَ عَن المَاء يكون بِأَرْض الفَلاَة،وَمَا يَنُوبُه من السبَاع وَالدَّوَاب،فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : إِذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ،لم يحملِ الخَبَث» .
أخرجه (الْأَئِمَّة) الْأَعْلَام : الشَّافِعِي،وَأحمد،والدارمي فِي «مسانيدهم» . وَأَبُو دَاوُد،وَالتِّرْمِذِيّ،وَالنَّسَائِيّ،وَابْن مَاجَه،وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ»،وَابْن خُزَيْمَة،وَابْن حبَان فِي «صَحِيحهمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة : «السّنَن الْكَبِير»،و «الْمعرفَة»،و «الخلافيات» قَالَ يَحْيَى بن معِين : إِسْنَاد جيد .
وَقَالَ الْحَاكِم : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم،فقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته،وَلم يخرجَاهُ،وأظنهما - وَالله أعلم - لم يخرجَاهُ لخلاف عَلَى أبي أُسَامَة عَلَى الْوَلِيد بن كثير حَيْثُ رَوَاهُ تَارَة : عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير،وَتارَة : عَن مُحَمَّد بن (عبَّاد) بن جَعْفَر .
قَالَ : وَهَذَا خلاف لَا يُوهن الحَدِيث،فقد احتجَّ الشَّيْخَانِ جَمِيعًا بالوليد بن كثير،وَمُحَمّد بن (عباد) بن جَعْفَر،وإنَّما قرنه (أَبُو أُسَامَة) إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر،ثمَّ حدَّث بِهِ مرّة عَن هَذَا وَمرَّة عَن ذَاك .
__________
(1) - نصب الراية - (ج 1 / ص 162) فما بعد
(2) - سنن الدارقطنى رقم (1-35)
(3) - البدر المنير - (ج 1 / ص 404) فما بعدها و نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 1 / ص 206-211) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 1 / ص 15)(4- حَدِيثُ : { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا } . فالحديث صحيح ،وقد صححه جمع من السلف والخلف .(1/15)
ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي أُسَامَة نَا الْوَلِيد بن كثير،عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير ؛ وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر،عَن عبد الله بن عمر بِهِ .
قَالَ : فقد صحَّ وَثَبت بِهَذِهِ الرِّوَايَة صِحَة الحَدِيث،وَظهر أَن أَبَا أُسَامَة سَاق الحَدِيث عَن الْوَلِيد بن كثير،عَنْهُمَا جَمِيعًا،قَالَ : وَقد تَابع الْوَلِيد بن كثير عَلَى رِوَايَته،عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير مُحَمَّد بن إِسْحَاق .
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرط مُسلم فِي عبيد الله بن عبد الله،وَمُحَمّد بن جَعْفَر،وَمُحَمّد بن إِسْحَاق،والوليد بن كثير .
قَالَ : وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة،عَن عَاصِم بن الْمُنْذر،(عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر،عَن أَبِيه . [ و ] رَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن علية،عَن عَاصِم بن الْمُنْذر)،عَن رجل،عَن ابْن عمر .
فَهَذَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق،وَافق عِيسَى بن يُونُس،عَن الْوَلِيد بن كثير فِي ذكر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير،وَعبيد الله (بن عبد الله) بن عمر . وروايتهما توَافق رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره،عَن عَاصِم بن الْمُنْذر،(فِي ذكر عبيد الله بن عبد الله) .
فَثَبت هَذَا الحَدِيث بِاتِّفَاق أهل الْمَدِينَة والكوفة وَالْبَصْرَة عَلَى حَدِيث عبيد الله بن عبد الله،وباتفاق مُحَمَّد بن إِسْحَاق،والوليد بن كثير،عَلَى روايتهما عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير . فعبيد الله،وَعبد الله ابْنا عبد الله بن عمر مقبولان بإجماعٍ من الْجَمَاعَة فِي كتبهمْ . وَكَذَلِكَ مُحَمَّد (بن جَعْفَر) بن الزبير،وَمُحَمّد بن عَبَّاد بن جَعْفَر،والوليد بن (كثير) : فِي كتاب مُسلم بن الْحجَّاج،وَأبي دَاوُد،وَالنَّسَائِيّ . وَعَاصِم بن الْمُنْذر يُعْتَبر بحَديثه . وَابْن إِسْحَاق أخرج عَنهُ (مُسلم و) أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ .
وَعَاصِم بن الْمُنْذر اسْتشْهد (بِهِ) البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع،وَقَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج : مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث . وَقَالَ ابْن الْمُبَارك : هُوَ ثِقَة ثِقَة ثِقَة . هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ ابْن مَنْدَه .
وَقد ذكرت فصلا فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق قبيل الْأَذَان،وَذكرت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فَرَاجعه .
وأعَلَّ قومٌ الحديثَ بِوَجْهَيْنِ :
أَحدهمَا : الِاضْطِرَاب،وَذَلِكَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا فِي الإِسناد،وَالثَّانِي فِي الْمَتْن .
(أما الأول) : فَحَيْثُ رَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير تَارَة عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر،وَتارَة عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير . وَحَيْثُ رُوِيَ تَارَة عَن (عبيد الله) بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب،وَتارَة عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب .
وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن هَذَا لَيْسَ اضطرابًا،بل رَوَاهُ مُحَمَّد بن عباد،وَمُحَمّد بن جَعْفَر،وهما ثقتان معروفان . (وَرَوَاهُ) - أَيْضا - عبيد الله،وَعبد الله ابْنا عبد الله بن عمر بن الْخطاب (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وأرضاهم)،وهما - أَيْضا - ثقتان،وَلَيْسَ هَذَا من الِاضْطِرَاب .
وَقد جمع اليبهقي طرقه،وبيَّن رِوَايَة المُحَمَّدَيْن،وَعبد الله،وَعبيد الله،وَذكر (طرق) ذَلِك كلهَا،وبيَّنها أحسن بَيَان،ثمَّ قَالَ : والْحَدِيث مَحْفُوظ عَن عبد الله وَعبيد الله .
قَالَ : وَكَذَا كَانَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ الْحَاكِم يَقُول : الحَدِيث مَحْفُوظ عَنْهُمَا،وَكِلَاهُمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه . قَالَ : وَإِلَى هَذَا ذهب كثير من أهل الرِّوَايَة،وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول : غلط أَبُو أُسَامَة فِي عبد الله بن عبد الله،إِنَّمَا هُوَ عبيد الله بن عبد الله،بِالتَّصْغِيرِ .(1/16)
وَأَطْنَبَ الْبَيْهَقِيّ فِي تَصْحِيح الحَدِيث بدلائله،فَحصل أنَّه غير مُضْطَرب . وَقد قَدَّمنا - قبل هَذَا - كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله فِي ذَلِك .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه»،و «علله» : رَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير عَن المُحَمَّدَيْن . فصحَّ الْقَوْلَانِ عَن أبي أُسَامَة،وصحَّ أَن الْوَلِيد بن كثير رَوَاهُ عَن هَذَا مرّة،وَعَن الآخر أُخْرَى .
وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : الظَّاهِر عِنْد الْأَكْثَرين صِحَة الرِّوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ فِي «التذنيب» : الْأَكْثَرُونَ صححوا الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا،وَقَالُوا إِن عبد الله،وَعبيد الله روياه عَن أَبِيهِمَا .
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» : لأجل هَذَا الِاخْتِلَاف تَركه البُخَارِيّ وَمُسلم،لِأَنَّهُ عَلَى خلاف شَرطهمَا،لَا لطعن فِي متن الحَدِيث،فإنَّه فِي نَفسه حَدِيث مَشْهُور مَعْمُول بِهِ،وَرِجَاله ثِقَات معدلون،وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَاف مِمَّا يوهنه . ثمَّ ذكر مقَالَة الْحَاكِم الْمُتَقَدّمَة .
وَقَالَ الْخطابِيّ : يَكْفِي شَاهدا عَلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث : أَن نُجُوم أهل الحَدِيث صحَّحوه،وَقَالُوا بِهِ،واعتمدوه فِي تَحْدِيد المَاء،وهم الْقدْوَة،وَعَلَيْهِم الْمعول فِي هَذَا الْبَاب .
فَمِمَّنْ ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي،وَأحمد،وَإِسْحَاق،وَأَبُو ثَوْر،وَأَبُو عبيد،وَابْن خُزَيْمَة،وَغَيرهم .
وَقَالَ عبد الْحق : حَدِيث صَحِيح . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : هَذَا الحَدِيث حَسَّنه الحفَّاظ وصحَّحوه،وَلَا تُقبل دَعْوَى من ادَّعى اضطرابه .
(وَأما الْوَجْه الثَّانِي : فَهُوَ أَنه قد رُوي فِيهِ) : «إِذا كَانَ المَاء قدر قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاث،لم يُنجسهُ شَيْء» رَوَاهُ الإِمام أَحْمد .
وَفِي رِوَايَة للدارقطني : «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا،لم يُنجسهُ شَيْء» .
وَفِي رِوَايَة : لِابْنِ عدي،والعقيلي،وَالدَّارَقُطْنِيّ : «إِذا بلغ المَاء أَرْبَعِينَ قلَّة،فإنَّه لَا يحمل الْخبث» .
وَالْجَوَاب عَن ذَلِك : أما الرِّوَايَتَيْنِ (الأولتين،فهما شاذتان،غير ثابتتين،فوجودهما كعدمهما . قَالَه النَّوَوِيّ) فِي «شرح الْمُهَذّب» .
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : رَوَاهُمَا حَمَّاد،واختُلف عَلَيْهِ :
فروَى عَنهُ : إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج،وهدبة،وكامل بن طَلْحَة،فَقَالُوا : «قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا» .
وَرَوَى عَنهُ : عفَّان،وَيَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ،وَبشر بن السّري،والْعَلَاء بن عبد الجَبَّار،ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل،وَعبيد الله بن مُوسَى العيشي : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ» . وَلم يَقُولُوا : «أَو ثَلَاثًا» .
وَاخْتلفُوا عَن يزِيد بن هَارُون،فروَى عَنهُ ابْن الصَبَّاح بِالشَّكِّ،وَأَبُو مَسْعُود بِغَيْر شكّ . فَوَجَبَ الْعَمَل عَلَى قَول من لم يشك .
وَأما الرِّوَايَة الْأَخِيرَة،فَلَيْسَتْ (من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ) فِي شَيْء،(ذَاك) من طَرِيق ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر مَرْفُوعا،تفرد بِهِ الْقَاسِم الْعمريّ،عَن ابْن الْمُنْكَدر،وَهِي مَرْدُودَة بالقاسم .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : غلط فِيهِ،وَكَانَ ضَعِيفا فِي (الحَدِيث)،(جَرَّحه) أَحْمد،(وَيَحْيَى)،وَالْبُخَارِيّ،وَغَيرهم من الْحفاظ .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : كَانَ ضَعِيفا،كثير الْخَطَأ،(وَوهم) فِي إِسْنَاده،وَخَالفهُ روح بن الْقَاسِم،وسُفْيَان الثَّوْريّ،وَمعمر،(فَرَوَوْه) عَن ابْن الْمُنْكَدر،عَن عبد الله بن [ عَمْرو ] مَوْقُوفا . وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ،عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر،من قَوْله لم (يُجَاوِزهُ) .(1/17)
وَقد رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة،عَن أَبِيه،قَالَ : إِذا كَانَ المَاء قدر أَرْبَعِينَ قلَّة،لم يحمل خبثًا .
وَخَالفهُ غير وَاحِد،فَرَوَوْه عَن أبي هُرَيْرَة،فَقَالُوا : أَرْبَعِينَ غَرْبًا،وَمِنْهُم من قَالَ : أَرْبَعِينَ دلوًا .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَقَول من يوافقُ قَوْله من الصَّحَابَة قَول رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقلَّتَيْنِ،أولَى أَن يُتَّبع .
قلت : لَا جرم أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر فِي «مَوْضُوعَاته» هَذِه الرِّوَايَة الثَّالِثَة،وَقَالَ : إنَّها لَا تصح،(وأنَّ) الْمُتَّهم بالتخليط فِيهَا : الْقَاسِم بن [ عبد الله ] الْعمريّ،قَالَ عبد الله بن أَحْمد : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ : أُفٍّ أُفٍّ،لَيْسَ بِشَيْء،وسمعته مرّة يَقُول : كَانَ يكذب،وَفِي رِوَايَة : يضع الحَدِيث.
الْوَجْه الثَّانِي : مِمَّا أُعِلَّ بِهِ هَذَا الحَدِيث،وَهُوَ : أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى (عبد الله) بن عمر (كَذَلِك رَوَاهُ ابْن عُلَيَّة) .
وَالْجَوَاب : أَنه (قد سبق رِوَايَته) مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من طَرِيق الثِّقَات،فَلَا يضر تفرد وَاحِد لم (يحفظ) بوقفه .
وَقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ وَغَيره،بالإِسناد الصَّحِيح،عَن يَحْيَى بن معِين - إِمَام (أهل) هَذَا الشَّأْن - أَنه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث،فَقَالَ : جيد الْإِسْنَاد،قيل لَهُ : فَابْن علية لَمْ يرفعهُ ؟ قَالَ يَحْيَى : وإنْ لم يحفظ ابْن علية،فَالْحَدِيث جيد الْإِسْنَاد .
(وَأَنا أتعجب) من قَول أبي عمر بن عبد الْبر فِي «تمهيده» : مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ،مَذْهَب ضَعِيف من جِهَة النّظر،غير ثَابت من جِهَة الْأَثر ؛ لِأَنَّهُ حَدِيث تَكَلَّم فِيهِ جمَاعَة من أهل الْعلم ؛ وَلِأَن الْقلَّتَيْنِ لَمْ يُوقَف عَلَى حَقِيقَة (مبلغهما) فِي أثر ثَابت،وَلَا إِجْمَاع .
وَقَوله فِي «استذكاره» : حديثٌ مَعْلُول،رَدَّه إِسْمَاعِيل القَاضِي،وَتَكلَّم فِيهِ .
وَقد حكم الإِمام الْحَافِظ،أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ،الْحَنَفِيّ،بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث،كَمَا ذكرنَا،لكنه اعتلَّ بِجَهَالَة قدر الْقلَّتَيْنِ .
وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك : الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين،فَقَالَ فِي «شرح الإِلمام» : هَذَا الحَدِيث قد صحَّح بَعضهم إِسْنَاد بعض طرقه،وَهُوَ - أَيْضا - صَحِيح عَلَى طَريقَة الْفُقَهَاء ؛ لِأَنَّهُ وإنْ كَانَ حَدِيثا مُضْطَرب الإِسناد،مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي (بعض) أَلْفَاظه - وَهِي علَّة عِنْد الْمُحدثين،إلاَّ أَن يُجاب عَنْهَا بِجَوَاب صَحِيح - فإنَّه يُمكن أَن يُجمع بَين الرِّوَايَات،ويُجاب عَن بَعْضهَا بطرِيق أصولي،ويُنسب إِلَى التَّصْحِيح،وَلَكِن تركته - (يَعْنِي) فِي «الإِلمام» - لِأَنَّهُ لم يثبت عندنَا - الْآن - بطرِيق اسْتِقْلَال يجب الرُّجُوع إِلَيْهِ شرعا تعْيين لمقدار الْقلَّتَيْنِ .
وَالْجَوَاب عَمَّا اعتذرا بِهِ : أنَّ المُرَاد قُلَّتَيْنِ بقلال هجر،كَمَا رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي فِي «الْأُم»،و «الْمُخْتَصر» : عَن مُسلم بن خَالِد الزِّنجيّ،عَن ابْن جريج،بإسنادٍ لَا يحضرني ذكره،أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحملْ خبثًا»،وَقَالَ فِي الحَدِيث : «بقلال هَجَر» .
قَالَ ابْن جريج : وَقد رَأَيْت قلال هجر،فالقلَّة تسعُ قربتين،أَو قربتين وشيئًا .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» .(1/18)
وَمُسلم بن خَالِد،وإنْ تُكُلِّم فِيهِ،فقد وثَّقه : يَحْيَى بن معِين،وَابْن حِبَّان،وَالْحَاكِم،وَأَخْرَجَا لَهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا»،أَعنِي ابْن حبَان وَالْحَاكِم . وَقَالَ ابْن عدي : حسنُ الحَدِيث . وَمن ضَعَّفه لَمْ يَبَيِّن سَببه،وَالْقَاعِدَة المقررة : أنَّ الضعْف لَا يُقْبَلُ إلاَّ مُبَيَّنًا .
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : (الإِسناد) الَّذِي لم يحضر الشَّافِعِي ذكره - عَلَى مَا ذكر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ - أنَّ ابْن جريج قَالَ : أَخْبرنِي محمدٌ (أنَّ) يَحْيَى بن عقيل أخبرهُ،أَن يَحْيَى بن يعمر أخبرهُ،أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ،لم يحمل خبثًا،وَلَا بَأْسا» . قَالَ مُحَمَّد : فَقلت ليحيى بن عقيل : قلال هجر ؟ فقَالَ : قلال هجر .
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» أَيْضا .
قَالَ : وَمُحَمّد هَذَا الَّذِي حَدَّث (عَنهُ) ابْن جريج هُوَ : مُحَمَّد بن يَحْيَى،يحدث عَن يَحْيَى بن أبي كثير،وَيَحْيَى بن عقيل .
وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل،فإنَّ يَحْيَى بن يعمر (تَابِعِيّ مَشْهُور)،رَوَى عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر،فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ من الحَدِيث الْمَشْهُور،وَيكون ابْن يعمر قد رَوَاهُ عَن ابْن عمر،وَيجوز أَن يكون غَيره ؛ لِأَنَّهُ يكون قد رَوَاهُ عَن غير ابْن عمر .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَمَا ذكرالإِمامان : الرَّافِعِيّ،وَابْن الْأَثِير .
قلت : وَإِذا كَانَ مُرْسلا،فيعتضد بِمَا رَوَاهُ ابْن عدي من رِوَايَة ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ من قلال هجر،لم يُنجسهُ شَيْء» .
لَيْسَ فِي إِسْنَاده سُوَى : الْمُغيرَة بن [ سقلاب ]،قَالَ ابْن أبي حَاتِم [ عَن أَبِيه ] : صَالح الحَدِيث . وَقَالَ أَبُو زرْعَة : (جزري) لَا بَأْس بِهِ .
وَهَذَا يُقَدَّم عَلَى قَول ابْن عدي : مُنكر الحَدِيث،وَعَلَى قَول (عليّ بن) مَيْمُون الرَّقي : إنَّه لَا يُسَوِّي بَعرَة،لجلالة الْأَوَّلين .
وَمن الْمَعْلُوم : أَن قِلال هجر كَانَت مَعْرُوفَة عِنْدهم،مَشْهُورَة،يدل عَلَيْهِ حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ»،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (أخْبرهُم) لَيْلَة الإِسراء (فَقَالَ) : «رُفِعَتْ إليَّ سِدرْة الْمُنْتَهَى،فَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة،وَإِذا نَبِقُها مثل قِلال هَجَر» .
فعُلِم بِهَذَا : أنَّ القلال عِنْدهم مَعْلُومَة،مَشْهُورَة،وَكَيف يُظن أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (يُحدد) لَهُم،أَو يمثل لَهُم بِمَا لَا يعلمونه،وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ ؟
قَالَ الشَّافِعِي : كَانَ مُسلم - يَعْنِي ابْن خَالِد الزنْجِي - يذهب إِلَى (أنَّ) ذَلِك الشَّيْء الْمَذْكُور فِي قَول ابْن جريج أقل (من نصف قربَة،أَو نصف الْقرْبَة،فَيَقُول : خمس قرب هُوَ أَكثر مَا يسع قُلَّتَيْنِ،وَقد تكون)القلتان أقل من خمس .
قَالَ الشَّافِعِي : فالاحتياط أَن تكون [ الْقلَّة ] قربتين وَنصفا،فَإِذا كَانَ المَاء خمس قرب لم يحملْ خبثًا،فِي (جَرَيَان)،أَو غَيره .
إلاَّ أَن يظْهر فِي المَاء ريح أَو طعم أَو لون .
قَالَ : وَقِرَب الْحجاز كبار،فَلَا يكون المَاء الَّذِي لَا يحمل النَّجَاسَة إلاَّ بِقِرَبٍ كبار .(1/19)
قلت : لِأَن الْقلَّة فِي اللُّغَة : الجرة الْعَظِيمَة،الَّتِي يُقلها الْقوي من الرِّجَال،أَي : يحملهَا و (يرفعها) . قَالَ الْخطابِيّ : قلال هجر مَشْهُورَة الصَّنْعَة،مَعْلُومَة الْمِقْدَار،لَا تخْتَلف كَمَا لَا تخْتَلف المكاييل والصيعان المنسوبة إِلَى الْبلدَانِ،قَالَ : وقلال هجر أكبرها وأشهرها ؛ لأنَّ الْحَد لَا يَقع بِالْمَجْهُولِ .
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي «تَعْلِيقه» : قَالَ أَبُو إِسْحَاق،إِبْرَاهِيم بن جَابر،صَاحب «الْخلاف» : سَأَلت قوما من ثِقَات هجر،فَذكرُوا أنَّ القلال بهَا لَا تخْتَلف،وَقَالُوا : قايسنا الْقلَّتَيْنِ،فوجدناهما خَمْسمِائَة رَطْل .
فَإِذا تقرر عنْدك مَا قَرَّرْنَاهُ،ظهر لَك أنَّ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور مُتَعَيّن،وَلَا جَهَالَة فِي مِقْدَار الْقلَّتَيْنِ .
فإنْ قُلْتَ : قد جَاءَ فِي آخر حَدِيث ابْن عمر،الَّذِي ذكرته من طَرِيق ابْن عدي،بعد قَوْله : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ من قلال هجر لَمْ يُنجِّسه شَيْء» . : «وَذكر (أَنَّهُمَا) فرقان» . فَلَا يَصح مَا قَرّرته ؛ لِأَن الْفرق : سِتَّة عشر رطلا،فَيكون مَجْمُوع الْقلَّتَيْنِ : اثْنَان وَثَلَاثُونَ رطلا،وَلَا تَقولُونَ بِهِ ؟
فَالْجَوَاب : أنَّ هَذِه اللَّفْظَة مدرجة فِي الحَدِيث،جمعا بَينه وَبَين مَا قَرَّرْنَاهُ : من أَن قلال هجر لن تخْتَلف،وأنهما خَمْسمِائَة رَطْل .
فَائِدَة : هَجَر : بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم،قَرْيَة بِقرب الْمَدِينَة،لَيست هجر الْبَحْرين . كَذَا قَالَه ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ .
وَحَكَى الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» قولا آخر : أَنَّهَا تُنسب إِلَى هجر الَّتِي بِالْيمن،وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين .
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي فِي كتاب «الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : هجَر - بِفَتْح الْجِيم - الْبَلَد،قَصَبَة بِبِلَاد الْبَحْرين،بَينه إِلَى (سِرَّين) سَبْعَة أَيَّام،والهجر : بلد بِالْيمن،بَينه وَبَين (عثر) يَوْم وَلَيْلَة .
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي «مُعْجَمه» : هَجَر - بِفَتْح أَوله وثانيه - مَدِينَة الْبَحْرين،مَعْرُوفَة،وَهِي مُعَرَّفة لَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام،وَهُوَ اسْم فَارسي،مُعرب (أَصله) «هكر»،وَقيل : إنَّما سمي (بهجر) بنت مِكْنَف من العماليق .
وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» : هجر - وَيُقَال : الهجر بِالْألف وَاللَّام - : مَدِينَة جليلة،قَاعِدَة الْبَحْرين،بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل .
وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد : هِيَ عَلَى ثَمَان لَيَال من مَكَّة إِلَى الْيمن،مِمَّا يَلِي الْبَحْر . قَالَه فِي «مغازيه» .
وَمَا ذكره ابْن دحْيَة - أَولا - تبع فِيهِ صَاحب «الْمطَالع»،(فَإِنَّهُ قَالَ) : وهجر مَدِينَة بِالْيمن،وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين،بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم،وَيُقَال فِيهِ : الهجر بِالْألف وَاللَّام بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل .
فَائِدَة أُخرى :
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : «لم يحمل الْخبث»،مَعْنَاهُ : لَمْ ينجس بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ . كَمَا فَسَّره فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى،الَّتِي (رَوَاهَا) أَبُو دَاوُد،وَابْن حبَان،وَغَيرهمَا : «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ،لم ينجس» .
وَهَذِه الرِّوَايَة : ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي،وَهِي صَحِيحَة من غير شكّ وَلَا مرية،لَا مطْعن لأحد فِي اتصالها،وثقة رجالها . قَالَ يَحْيَى بن معِين : إسنادها جيد،وَقَالَ الْحَاكِم : صَحِيح .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : مَوْصُول . وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين : لَا غُبَار عَلَيْهِ .(1/20)
وتقديرها : لَا يقبل النَّجَاسَة،بل يَدْفَعهَا عَن نَفسه،كَمَا يُقال : فلَان لايحمل الضَّيْم،أَي : لَا يقبله،وَلَا يصبر عَلَيْهِ،(بل) يأباه .
وقَالَ النَّوَوِيّ : وَأما قَول بعض المانعين للْعَمَل بالقلتين : إِن مَعْنَاهُ أَنه يَضْعُف عَن حمله . (فخطأ) فَاحش من أوجه :
أَحدهَا : أَن الرِّوَايَة الْأُخْرَى مصرحة بغلطه،وَهِي قَوْله : «لم ينجس» .
الثَّانِي : أَن الضعْف عَن الْحمل إِنَّمَا يكون فِي الْأَجْسَام،كَقَوْلِك : فلانٌ لايحمل الْخَشَبَة،أَي : يعجز عَنْهَا لثقلها . وَأما فِي الْمعَانِي فَمَعْنَاه : لَا يقبله،كَمَا ذكرنَا .
ثَالِثهَا : أنَّ سِيَاق الْكَلَام يُفْسِدهُ ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد : أَنه يضعف عَن حمله،لم يكن للتَّقْيِيد بالقلتين مَعْنَى،فإنَّ مَا دونهَا أولَى بذلك .
فَإِن قيل : هَذَا الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر بالإِجماع فِي الْمُتَغَيّر بِنَجَاسَة ؟
فَالْجَوَاب : أَنه عَام،خص مِنْهُ الْمُتَغَيّر بِالنَّجَاسَةِ،فَيَبْقَى الْبَاقِي (عَلَى) عُمُومه،كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ .
فإنْ قيل : هَذَا الحَدِيث (يحمل) عَلَى الْجَارِي .
فَالْجَوَاب : أَن الحَدِيث يتَنَاوَل الْجَارِي والراكد،فَلَا يَصح تَخْصِيصه بِلَا دَلِيل ."
ومثال العلة التي لا تندفع: حديث: «المَاءُ طَهُورٌ لا يُنجسه شيء, إلاَّ ما غيَّر طَعْمه, أو لَوْنه, أو ريحه» . فقد اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف بهذه الزيادة،وإليك التفصيل،قال ابن الملقن رحمه الله(1):
" رُوي أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «خَلَقَ اللهُ الماءَ طهُورا،لَا يُنَجِّسُهُ شيءٌ،إلاَّ مَا غَيَّر طعمه،أَو رِيحه» .
اعْلَم : أَن صدر هَذَا الحديثَ صحيحٌ،كَمَا تقدم الْآن من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ السَّابِق،وَلم أرَ فِيهِ لفظ : «خلق الله»،فَتنبه لَهُ،وَرُوِيَ أَيْضا من طُرُق أُخر :
فأولها : عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،قَالَ : «انتهينا إِلَى غَدِير،فَإِذا فِيهِ جيفة حمَار،قَالَ : فَكَفَفْنَا عَنهُ،حتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : إنَّ الماءَ لَا يُنجسهُ شيءٌ فاستقينا وحملنا» .(2)رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح،لَوْلَا (طريف) بن شهَاب السَّعْدِيّ،فإنَّه واهٍ مَتْرُوك عِنْدهم،حتَّى قَالَ فِيهِ ابْن حبَان : إِنَّه كَانَ (مغفلاً،يَهِمُ) فِي الْأَخْبَار،حتَّى يقلبها،ويروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات .
لَكِن يَقع فِي بعض نسخه (بدله) طَارق بن شهَاب،فإنْ صَحَّ - مَعَ بعده - فَهُوَ الأحمسي،صَحَابِيّ،فَيصح السَّنَد .
الطَّرِيق الثَّانِي : عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «المَاء لايُنَجِّسُهُ شَيْء» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده»،وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه»،وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث : سماك بن حَرْب،عَن عِكْرِمَة،عَنهُ .
وَرَوَاهُ إِمَام الْأَئِمَّة،مُحَمَّد بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَذَلِك،لَكِن لَفظه : عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «أَرَادَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَن يتَوَضَّأ،فَقَالَت امْرَأَة من نِسَائِهِ : يَا رَسُول الله قد توضَّأتُ من هَذَا . فَتَوَضَّأ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،وَقَالَ : المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 1 / ص 393) فما بعدها
(2) - سنن ابن ماجه(562)(1/21)
وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» - أَيْضا - بِلَفْظ : اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - من) جَفْنَة،فجَاء رَسُول الله يغْتَسل مِنْهَا،أَو يتَوَضَّأ،فَقَالَت : يَا رَسُول الله،إنِّي كنت جُنبًا . فَقَالَ : إنَّ المَاء لَا يَجْنُب» .
وَهُوَ فِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث سماك،عَن عِكْرِمَة،عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي جَفْنَةٍ،فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يتَوَضَّأ (مِنْهَا أَو يغْتَسل)،فَقَالَت : يَا رَسُول الله،إِنِّي كنت جُنبًا . فَقَالَ : إنَّ الماءَ لَا يَجْنُب» قَالَ التِّرْمِذِيّ : حسن صَحِيح .
وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ،عَن شريك،عَن سماك،فسمَّاها : مَيْمُونَة .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاق،عَن وَكِيع،عَن سُفْيَان،عَن سماك،أَن مَيْمُونَة ...
قَالَ الْحَازِمِي : لَا يُعْرَف مُجَوَّدًا إلاَّ من حَدِيث سماك،وَسماك فِيمَا ينْفَرد بِهِ رَدَّه بعض الْأَئِمَّة،(وقَبِلَه) الْأَكْثَرُونَ .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم : قد احْتج البُخَارِيّ بِأَحَادِيث عِكْرِمَة،وَاحْتج مُسلم بِأَحَادِيث سماك بن حَرْب،وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فِي الطَّهَارَة،وَلَا تحفظ لَهُ عِلّة .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : ورُوي مُرْسَلاً . قَالَ : وَمن أسْندهُ أحفظ .
قلت : وأمَّا ابْن حزم (فإنَّه وَهَّاه) فِي «محلاه» فَقَالَ : هَذَا حَدِيث لَا يصحّ،(لِأَنَّهُ بِرِوَايَة) سماك بن حَرْب،وَهُوَ يقبل التَّلْقِين،شهد عَلَيْهِ بذلك شُعْبَة وَغَيره،(وَهَذِه جُرحة ظَاهِرَة) .
الطَّرِيق الثَّالِث : عَن سهل بن سعد قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
رَوَاهُ قَاسم بن أصبغ - كَمَا تقدم فِي الحَدِيث قبله - بِسَنَد حسن،وَالدَّارَقُطْنِيّ،من حَدِيث مُحَمَّد بن مُوسَى (الْحَرَشِي)،عَن (فُضَيْل) بن سُلَيْمَان النميري،عَن أبي حَازِم،عَن سهل .
و (فُضَيْل) هَذَا : تكلَّم فِيهِ يَحْيَى،وَأَبُو زرْعَة،وَأَبُو حَاتِم . لَكِن احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ،وَمُحَمّد هَذَا : وَهَّاه أَبُو دَاوُد،ووثَّقه غَيره .
الطَّرِيق الرَّابِع : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث : شريك،عَن الْمِقْدَام بن شُريح،عَن أَبِيه،عَن عَائِشَة . ثمَّ قَالَ : لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن الْمِقْدَام إلاَّ شريك .وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» بِحَذْف إِن .
الطَّرِيق الْخَامِس : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،قَالَ : «سُئِلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن بِئْر بضَاعَة،فَقَالَ : «المَاء طهُور،لَا يُنجسهُ شَيْء».
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَنهُ،وَقَالَ : إنَّه حَدِيث غير ثَابت .
وَأما الِاسْتِثْنَاء الْوَاقِع فِي آخِره،فَروِيَ أَيْضا من طَرِيقين :
أَحدهمَا : عَن ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المَاء طهُور،إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه،أَو طعمه» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث رشدين،عَن مُعَاوِيَة بن صَالح،عَن رَاشد بن سعد عَنهُ .(1/22)
وَرشْدِين هَذَا : هُوَ ابْن سعد - وَيُقَال : ابْن أبي رشدين - وَهُوَ ضَعِيف،قَالَ يَحْيَى : لَيْسَ بِشَيْء . وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي،وَأَبُو زرْعَة،وَالدَّارَقُطْنِيّ : ضَعِيف . وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : مُنكر الحَدِيث،فِيهِ غَفلَة،يحدث بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات . وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث . وَضَعفه أَحْمد،وَقَالَ فِي رِوَايَة : هُوَ رجل صَالح،وَلكنه لَا يُبَالِي عمَّن يروي . وَمرَّة قَالَ : أَرْجُو أنَّه صَالح الحَدِيث . وَقَالَ ابْن يُونُس : كَانَ رجلا صَالحا،لَا يُشَكُّ فِي صَلَاحه وفضله،فَأَدْرَكته غَفلَة الصَّالِحين،فَخَلَّط فِي الحَدِيث . وَقَالَ الْجوزجَاني : عِنْده (معاضيل)،ومناكيره كَثِيرَة،وَسمعت ابْن أبي مَرْيَم يثني عَلَيْهِ فِي دينه .
قَالَ ابْن حبَان : كَانَ يقْرَأ كل مَا (دفع) إِلَيْهِ،سَوَاء كَانَ من حَدِيثه أَو لم يكن . وَكَذَلِكَ قَالَ (قُتَيْبَة) .
وَقَالَ ابْن عدي : رشدين ضَعِيف،وَقد خُصَّ نَسْله بالضعف : حجاج بن رشدين،وَمُحَمّد بن الْحجَّاج،وَأحمد بن مُحَمَّد .
وَمُعَاوِيَة بن صَالح : هُوَ قَاضِي الأندلس،وَهُوَ ثِقَة،كَمَا قَالَ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَغَيرهمَا . وَأما رَاشد بن سعد : فوثَّقه ابْن معِين،وَأَبُو حَاتِم،وَابْن سعد،وَقَالَ أَحْمد : لَا بَأْس بِهِ،وشذَّ ابْن حزم،فَقَالَ : ضَعِيف . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : يُعتبر بِهِ،لَا بَأْس) .
أخرج لَهُ مُسلم،وَقَالَ يَحْيَى : هُوَ صَالح . وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : لَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ غير رشدين،عَن مُعَاوِيَة بن صَالح،وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ .
الطَّرِيق الثَّانِي : عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء،إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه وطعمه ولونه».
وَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين :
أَحدهمَا مُسندَة : رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مَحْمُود بن خَالِد،وَغَيره،عَن مَرْوَان بن مُحَمَّد،نَا رشدين،نَا مُعَاوِيَة بن صَالح،عَن رَاشد بن سعد،عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا كَمَا تقدم .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه»،وَالطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط»،من حَدِيث مُحَمَّد بن يُوسُف الغضيضي،عَن رشدين (بن) سعد،عَن مُعَاوِيَة بِهِ . وَلم يذكرَا : «ولونه» .
قَالَ الطَّبَرَانِيّ : لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن مُعَاوِيَة بن صَالح إلاَّ رشدين،تَفرَّد بِهِ مُحَمَّد بن يُوسُف .
قلت : لَا،فقد تَابعه مَرْوَان بن مُحَمَّد،كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه،وَالْبَيْهَقِيّ فِيمَا سلف .
وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» - أَيْضا - من حَدِيث مَرْوَان بن مُحَمَّد الطاطري،عَن رشدين بِهِ .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا - من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد،عَن [ رَاشد ] بن سعد بِهِ،وَلَفظه : «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يُنجسهُ شَيْء،إلاَّ مَا غلب رِيحه أَو طعمه» . وَقَالَ : كَذَا وجدته،وَلَفظ الْقلَّتَيْنِ فِيهِ غَرِيب .
قَالَ ابْن عدي : وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ يرويهِ عَن ثَوْر إلاَّ حَفْص بن عمر .
قلت : قد رَوَاهُ بَقِيَّة أَيْضا عَنهُ،أخرج ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَلَفظه : «إنَّ المَاء طَاهِر،إلاَّ إنْ تغيَّر رِيحه،أَو طعمه،أَو لَونه بِنَجَاسَة تحدث فِيهِ» .
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة : مُرْسلَة رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْأَحْوَص بن حَكِيم،عَن رَاشد بن سعد قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه أَو طعمه» .(1/23)
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِزِيَادَة : «أَو لَونه» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذَا مُرْسل،قَالَ : وَوَقفه أَبُو أُسَامَة عَلَى رَاشد . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ : الصَّحِيح أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ رشدين بن سعد،عَن مُعَاوِيَة بن صَالح،عَن رَاشد،(عَن) أبي أُمَامَة مَرْفُوعا،وَخَالفهُ الْأَحْوَص بن حَكِيم فَرَوَاهُ عَن رَاشد بن سعد مُرْسلا،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - . وَقَالَ أَبُو أُسَامَة : عَن الْأَحْوَص،عَن رَاشد قَوْله وَلم (يُجَاوز بِهِ راشدًا) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : وَلَا يثبت الحَدِيث .
قلت : فَتَلَخَّصَ أَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور ضعيفٌ،لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ،لِأَنَّهُ مَا بَين مُرْسل وَضَعِيف .
وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى تَضْعِيفه .
وَقد أَشَارَ إمامنا الْأَعْظَم،أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي إِلَى ضعفه فَقَالَ : وَمَا قلت من أنَّه إِذا تغيَّر طعم المَاء وريحه ولونه كَانَ نجسا،يُروى عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من وَجه لَا يُثْبِتُ أهل الحَدِيث مثله،وَهُوَ قَول الْعَامَّة،لَا أعلم بَينهم (خلافًا) . وَتَابعه عَلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ،فَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث غير قوي،(إلاَّ أنَّا) لَا نعلم (فِي) نَجَاسَة المَاء إِذا تغيَّر خلافًا .
وَابْن الْجَوْزِيّ،(قَالَ) فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح .
فَإِذا عُلم ضعف الحَدِيث،تعيَّن الِاحْتِجَاج بالإِجماع،كَمَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ،وَغَيرهمَا،(من الْأَئِمَّة) .
قَالَ ابْن الْمُنْذر : أَجمع الْعلمَاء عَلَى أنَّ المَاء الْقَلِيل أَو الْكثير،إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة،فغيَّرت طعمًا أَو لونًا أَو ريحًا فَهُوَ نجس .
وَنقل الإِجماع كَذَلِك جمع (غَيره) .
وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الحَدِيث بعد هَذَا الْبَاب بِلَفْظ : «الطّعْم والرائحة» دون «اللَّوْن» ثمَّ قَالَ : نُصَّ عَلَى الطّعْم وَالرِّيح،وقاس الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اللَّوْن عَلَيْهِمَا .
وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قلَّد فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ،فإنَّه قَالَ فِي «(الْمُهَذّب»)،(كقولته)،وَلم يقفا رحمهمَا الله عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا «اللَّوْن» الَّتِي قَدَّمناها من طَرِيق ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ .فَإِن قلت : لعلهما رأياها فتركاها لأجل ضعفها ونَزَّلا وجودهَا وَالْحَالة هَذِه كعدمها؟ قلت : هَذَا لَا يصحّ،لِأَنَّهُمَا لَو رَاعيا الضعْف واجتنباه،لتركا جملَة الحَدِيث،لضَعْفه الْمُتَّفق عَلَيْهِ .
وَاعْلَم : أَن هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي،وَوَقعت لنا مَعَه فِيهِ مناقشة،فإنَّه قَالَ : وَقَالَ مَالك : لَا ينجس المَاء الْقَلِيل إلاَّ بالتغيُّر كالكثير،لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : «خُلَقَ المَاء طهُورا،لَا يُنَجِّسه شَيْء،إلاَّ مَا غَيَّر طعمه أَو رِيحه»،وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ،وَالشَّافِعِيّ حمل هَذَا الْخَبَر عَلَى الْكثير ؛ لِأَنَّهُ ورد فِي بِئْر بضَاعَة،وَكَانَ ماؤهاكثيرًا . انْتَهَى .
وَهَذِه الدَّعْوَى : أَن هَذَا الْخَبَر ورد فِي (بِئْر) بضَاعَة لَا تُعرف ؛ نعم صَدْرُه ورد فِيهَا كَمَا قَدمته،وَأما هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَفِي حَدِيث آخر كَمَا قَرّرته لَك فاعلمه .(1/24)
والإِمام الرَّافِعِيّ،الظَّاهِر أَنه تبع الْغَزالِيّ فِي هَذِه الدَّعْوَى،فقد ذكر ذَلِك فِي «الْمُسْتَصْفَى» حَيْثُ قَالَ (لما) سُئِلَ عَن بِئْر بضَاعَة فَقَالَ : خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إلاَّ مَا غيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه» .
وَوَقع فِي «الْكِفَايَة» لِابْنِ الرّفْعَة،عزو الِاسْتِثْنَاء إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد،(فَقَالَ : وَرِوَايَة أبي دَاوُد) : «خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إلاَّ مَا غير طعمه أَو رِيحه» وَهَذَا لَيْسَ فِي أبي دَاوُد فاعلمه ." اهـ
قلتُ :
فإنَّ الأوَّلَ ظَاهرهُ طَهَارةُ القُلَّتين, تغيَّرَ أم لا, والثَّاني ظاهرُه طهارة غير المُتغيِّر, سواء كانَ قُلَّتين أم أقل, فخصَّ عُموم كلٍّ منهما بالآخر.(1)
وحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وقد ألف الشيخ أحمد بن صديق الغماري في تخريجه كتابًا سماه " فتح الملك العلي بتصحيح حديث مدينة العلم علي" ولكن لم يستطع دفع العلة عن الحديث.(2)
3. إثبات الشهرة والاستفاضة للحديث لدفع الغرابة عنه ولو كان صحيحًا.
مثاله: حديث عموم المغفرة للحجاج،فقد ادعى ابن الجوزي تفرد عبد العزيز بن أبي رواد به،وأخرج الحديث في العلل المتناهية،ورد عليه الحافظ ابن حجر وألف فيه جزءًا مستقلاً سماه" الحِجاج في عموم المغفرة للحجاج"،وحاصل كلام الحافظ فيه: أن الضياء المقدسي صحّح الحديث في المختارة،وأخرج أبو داود طرفًا منه وسكت عليه،فهو عنده صالح،أي: على شرط الحديث الحسن،وأخرج له أيضًا طرقًا أخرى يعضد بعضها بعضًا،وله شواهد من حديث ابن عمر وأنس وغيرهما،والله أعلم.(3)
4. بيان كثرة مخارج الحديث،وهذا يختلف عن كثرة الطرق،ومعناه: كثرة العلماء الذين خرجوه, أو كثرة الصحابة الذين رووه.
وفي البدر المنير(4): " الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ - عَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ : «أنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يخلّل لحيته» .
هَذَا الحَدِيث حسن .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث إِسْرَائِيل،عَن عَامر بن شَقِيق،عَن أبي وَائِل،عَن عُثْمَان . وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذِه الطَّرِيق،وَلَفظه : عَن أبي وَائِل قَالَ : «رَأَيْت عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ تَوَضَّأ فخلل لحيته ثَلَاثًا،وَقَالَ : هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - «فعله) » .
وَرَوَاهُ (الدَّارمِيّ) فِي «مُسْنده» وَلَفظه : عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ : «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ (فخلل لحيته،وَقَالَ : هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأ) .
وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار والدَّارقطني،وَصَححهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من رِوَايَة إِسْرَائِيل،عَن عَامر بن شَقِيق [ عَن شَقِيق ] بن سَلمَة قَالَ : «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ فَغسل وَجهه واستنشق ومضمض ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما،وخلل لحيته ثَلَاثًا حِين غسل وَجهه قبل أَن يغسل قَدَمَيْهِ،ثمَّ قَالَ : رَأَيْت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يفعل الَّذِي رَأَيْتُمُونِي» .
(
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 92)
(2) - انظر تخريج حديث ( أَنَا مَدِينةُ العلمِ ،وعَليٌّ بَابها ) بقلم خليفة الكواري
وكذلك لي تخريج مطول في بيان بطلانه والرد على من قواهُ ،وهو موجود في عدة مواقع على النت منها صيد الفوائد
(3) - انظر إتحاف السادة المتقين (4/ 394) وكشف الخفاء(3225 ) والمقاصد الحسنة(1347 )
(4) - البدر المنير - (ج 2 / ص 185) فما بعد(1/25)
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي «صَحِيحه» وَلَفظه كَمَا تقدم) فِي طرق الحَدِيث الَّذِي قبله،قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح . قَالَ : وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي : البُخَارِيّ - : أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب هَذَا الحَدِيث . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أنَّه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث،فَقَالَ : هُوَ حسن . وَقَالَ الْبَزَّار : هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ (يرْوَى) عَن عُثْمَان إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد . وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : قد اتّفق الشَّيْخَانِ - يَعْنِي : البُخَارِيّ و (مُسلما) - عَلَى إِخْرَاج طرق حَدِيث عُثْمَان فِي ذكر وضوئِهِ،وَلم يذكرَا فِي روايتهما تَخْلِيل اللِّحْيَة [ ثَلَاثًا ] وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح قد احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته غير عَامر بن شَقِيق،وَلَا أعلم فِي عَامر بن شَقِيق طَعنا بِوَجْه من الْوُجُوه .
قَالَ : وَله فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة شَاهد صَحِيح عَن عمار بن يَاسر وَأنس بن مَالك وَعَائِشَة . أمَّا حَدِيث عمار،فَرَوَاهُ عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن حسان بن (بِلَال) «أنَّه رَأَى عمار بن يَاسر يتَوَضَّأ فخلل (لحيته،وَقَالَ) : وَمَا يَمْنعنِي وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يخلل لحيته» .
قلت : عبد الْكَرِيم هَذَا هُوَ أَبُو أُميَّة بن أبي الْمخَارِق،كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ،وَهُوَ أحد الضُّعَفَاء،وَلم يسمعهُ من حسان . قَالَه ابْن عُيَيْنَة وَالْبُخَارِيّ،فَأَيْنَ الصِّحَّة ؟ نعم أخرجه ابْن مَاجَه،وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة،عَن قَتَادَة،عَن حسان . وَادَّعَى ابْن حزم جَهَالَة حسان هَذَا،وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة،وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ : ثِقَة . ثمَّ قَالَ ابْن حزم : لَا يعرف لحسان لِقَاء لعمَّار .
قلت : هَذَا عَجِيب ؛ فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن حسان قَالَ : «رَأَيْت عمار بن يَاسر ...» فَذكر الحَدِيث،وَفِي الطَّبَرَانِيّ نَحوه فاستفده .
وأمَّا حَدِيث أنس فَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ : «رَأَيْت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأ وخلل لحيته بأصابعه من تحتهَا» وَإِسْنَاده صَحِيح كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي «علله» .
وَرَوَاهُ [ مُوسَى بن أبي ] عَائِشَة،عَن أنس قَالَ : «رَأَيْت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأ وخلل لحيته وَقَالَ : بِهَذَا أَمرنِي ربّي» .
وأمَّا حَدِيث عَائِشَة ؛ فَرَوَاهُ طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز عَنْهَا قَالَت : «كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إِذا تَوَضَّأ خلل [ لحيته ] » .
قلت : وَله أَيْضا شَاهد من حَدِيث أمّ سَلمَة وَأبي أَيُّوب وَأبي أُمَامَة وَابْن عمر وَجَابِر وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَجَرِير وَابْن أبي أَوْفَى وَغَيرهم رَضي اللهُ عَنهم .
أمَّا حَدِيث أمِّ سَلمَة،فَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَلم يذكرَا لَفظه .
وأمَّا حَدِيث أبي أَيُّوب ؛ فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه والعقيلي من حَدِيث أبي سُورَة عَنهُ قَالَ : «رَأَيْت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأ فخلل لحيته» .
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «علله» وَلَفْظهمَا : «أنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا تَوَضَّأ،تمضمض ومسَّ لحيته بِالْمَاءِ من تحتهَا»،ثمَّ قَالَ : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ : لَا شَيْء . فَقلت : أَبُو سُورَة مَا اسْمه ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا يصنع بِهِ،عِنْده مَنَاكِير،لَا يعرف لَهُ سَماع من أبي أَيُّوب . انْتَهَى .(1/26)
وَأَبُو سُورَة هَذَا هُوَ ابْن أخي أبي أَيُّوب . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : مَجْهُول . وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان .
وأمَّا حَدِيث أبي أُمَامَة ؛ فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» نَا زيد بن الْحباب،عَن عمر بن سليم الْبَاهِلِيّ،قَالَ : حَدَّثَني أَبُو غَالب قَالَ : «قلت لأبي أُمَامَة : أخبرنَا عَن وضوء رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا وخلل لحيته،وَقَالَ : هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل» .
زيد بن الْحباب احْتج بِهِ مُسلم ووثق،وَعمر بن سليم الْبَاهِلِيّ سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ : صَدُوق . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : شيخ .
وَأَبُو غَالب اخْتلف فِي اسْمه ؛ فَقيل : حَزَوَّر - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة مَعًا،وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة وَآخره رَاء مُهْملَة - وَقيل : سعيد . وَهُوَ صَالح الحَدِيث . وَقد صحّح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه . فإسناد هَذَا الطَّرِيق حسن .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أكبر معاجمه» عَن عبيد بن غَنَّام،نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة . و (عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الْمروزِي) نَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْهَرَوِيّ،قَالَا : نَا زيد بن الْحباب فَذكره .
وأمَّا حَدِيث ابْن عمر ؛ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث مؤمَّل بن إِسْمَاعِيل،نَا عبد الله بن عمر الْعمريّ،عَن نَافِع عَنهُ «أنَّه كَانَ إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته وأصابع رجلَيْهِ،وَيَزْعُم أنَّه رَأَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذَلِكَ» ثمَّ قَالَ : لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر إِلَّا مُؤَمل .
قلت : قَالَ أَبُو حَاتِم فِي مُؤَمل : إنَّه صَدُوق،شَدِيد فِي السّنة،كثير الْخَطَأ .
وَرَوَاهُ الْخلال مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر «أنَّه كَانَ إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته» قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد المخرمي : قَالَ أَحْمد : لَيْسَ فِي التَّخْلِيل أصحّ من هَذَا . وَسَيَأْتِي لحَدِيث ابْن عمر طَريقَة أُخْرَى بعد هَذَا - إِن شَاءَ الله .
وأمَّا حَدِيث جَابر ؛ فَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» من رِوَايَة الْحسن عَنهُ،وَمن طَرِيق لَا يعول عَلَيْهَا : قَالَ : «رَأَيْت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأ فخلل لحيته كأنَّها أَنْيَاب مشط» .
وأمَّا حَدِيث عَلّي ؛ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ - فِيمَا انتقاه أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه عَلَيْهِ،فِيمَا انتقاه هُوَ عَن أهل الْبَصْرَة - من حَدِيث أبي البخْترِي الطَّائِي قَالَ : «رَأَيْت عليًّا يخلل لحيته إِذا تَوَضَّأ وَيَقُول : هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل» .
وأمَّا حَدِيث ابْن عَبَّاس ؛ فَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمَة نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ قَالَ : رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين،عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يتَطَهَّر ثمَّ يخلل لحيته وَيَقُول : بِهَذَا أَمرنِي ربّي» .
قَالَ : وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ بِهَذَا الإِسناد . وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا (لين) .
قَالَ البُخَارِيّ : وَنَافِع مُنكر الحَدِيث .
وأمَّا حَدِيث جرير ؛ فَرَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» من طَرِيق ياسين الزيات عَن ربعي بن حِراش عَنهُ مَرْفُوعا،ثمَّ قَالَ : ياسين مَتْرُوك .
وَأما حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى ؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ مَوْجُود فِي نُسْخَة أبي أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ،عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ،نَا فائد عَنهُ «أَنه رَأَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأ» وَفِيه : «فَمسح رَأسه وَاحِدَة،ويخلل لحيته بأصابعه ثَلَاثًا» .(1/27)
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كتاب «الطّهُور» عَن مَرْوَان أَيْضا عَن أبي الورقاء الْعَبْدي،عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى «أَنه تَوَضَّأ (فخلل) لحيته فِي غسل وَجهه ثمَّ قَالَ : رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل هَكَذَا» .
فَهَذَا اثْنَا عشر شَاهدا لحَدِيث عُثْمَان رَضِي اللهُ عَنْهُ فَكيف لَا يكون صَحِيحا وَالْأَئِمَّة قد صححوه : التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه» وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة و (أَبُو حَاتِم) بن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالدَّارَقُطْنِيّ كَمَا تقدم عَنهُ،وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح،وَشهد لَهُ إِمَام هَذَا الْفَنّ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ بأنَّه حَدِيث حسن وبأنَّه أصحّ (حَدِيث) فِي الْبَاب،فلعلَّ مَا نَقله ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه من قَوْله : إنَّه لَا يثبت عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة حَدِيث . وَمن قَول الإِمام أَحْمد حَيْثُ سَأَلَهُ ابْنه : لَا يَصح عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة شَيْء (أَن يكون) المُرَاد بذلك غير حَدِيث عُثْمَان .
وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : ذكر عَن أبي دَاوُد أنَّه قَالَ : قَالَ أَحْمد : تَخْلِيل اللِّحْيَة قد رُوِيَ فِيهِ أَحَادِيث لَيْسَ يثبت فِيهِ حَدِيث وَأحسن شَيْء فِيهِ حَدِيث شَقِيق عَن عُثْمَان «أنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأ فخلل لحيته» وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان - وَهُوَ الإِمام المدقق فِي النّظر فِي علل الحَدِيث - : إِسْنَاد حَدِيث أنس عِنْدِي صَحِيح . ثمَّ أوضح ذَلِكَ،وَفِي كل هَذَا رد عَلَى مَا قَالَه ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» : أنَّ حَدِيث عُثْمَان هَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل،وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن عَامر بن شَقِيق،وَلَيْسَ مَشْهُورا بِقُوَّة النَّقْل . وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ : عَامر (بن شَقِيق) ضَعِيف .
قَالَ ابْن عبد الحقّ فِي الرَّد عَلَى المحلَّى : هَذَا من أعجب مَا يسمع ؛ يُقَال فِي إِسْرَائِيل بن يُونُس : لَيْسَ بِالْقَوِيّ . وَقد خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم .
وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل : شيخ ثِقَة . وَعجب من حفظه،وفَضَّله عَلَى شريك وَعَلَى يُونُس فِي أبي إِسْحَاق،وَوَثَّقَهُ ابْن معِين،وَقَالَ أَبُو حَاتِم : ثِقَة متقن من أتقن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق . وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أَيْضا : مَا أثبت حَدِيث إِسْرَائِيل وأصحَّه .
وَوَثَّقَهُ ابْن نمير وَغَيره،قَالَ : وَلَا يحفظ عَن أحد فِيهِ تجريح إِلَّا مَا ذكر عَن يَحْيَى بن سعيد،وَلم يعرج عَلَيْهِ أحد !
قلت : وعامر بن شَقِيق وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا تقدم قَرِيبا،وَقَالَ النَّسَائِيّ : لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَعَن ابْن معِين تَضْعِيفه . اهـ(1)
5. جمع ألفاظ الحديث وشرحها وبيان أحكامها،وأكثر ما يشمل هذا العنوان الأحاديث المشكلة والمختلف فيها.
مثاله: حديث ليلة القدر،وباب التماسها في ليالي العشر،والتماسها في الوتر،ويبدأ أولاً بجمع الطرق ولفظ المتن عن ذلك الصحابي،ثم البحث عن الشواهد له.
وقد توسع الحافظ ابن حجر في الفتح(2)،والعيني في العمدة(3)،في جمع ألفاظ الحديث في ليلة القدر،وجمع الحافظ ابن حجر طرق الحديث التي يفسر بعضها بعضًا،واستدلَّ لكل جزئية بأربعة طرق،فصار عدد أحاديث البحث كبيرًا موسعًا.
--------------------
عناصرُ التخريج الموسّع
للتخريج الموسع عناصر لا بد من توفرها فيه،ولا يلزم ذلك في كل حديث في كتاب ما،وهذه العناصر هي:
__________
(1) - انظر نصب الراية (1/ 23) وفيض القدير" (5/ 115)
(2) - (4/ 302)
(3) - (11/ 134)(1/28)
1. سياق الحديث كاملاً مع إسناده،سواء كان للمؤلف نفسه أو كان منقولاً بكماله،ويقابل قولنا: سياق إسناد الحديث كاملاً،أن يكون الإسناد مختصرًا بذكر الصحابي فقط.
ومثال ذلك: نصب الراية،فإن الزيلعي يذكر سند المصدر الذي ينقل عنه،وكذلك ابن الملقن في البدر المنير،وطريقة الزيلعي أن يقول: قال أبو داود،ثم يسوق سند أبي داود.
2. سياق متن الحديث كاملاً ولو كان الاستدلال يتعلق بجزء منه فقط،ويعزو الحديث إلى مصدر ينقل عنه،ومن أمثلته:
قال ابن الملقن(1): " وَأما حَدِيث «جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا» فَلهُ طرق :
أَحدهَا : من حَدِيث جَابر بِلَفْظ : «أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي» فعد مِنْهَا «وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا»أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا».
ثَانِيهَا : من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ : «فضلت عَلَى الْأَنْبِيَاء بست : أَعْطَيْت جَوَامِع الْكَلم،ونصرت بِالرُّعْبِ،وَأحلت لي الْغَنَائِم،وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا،وَأرْسلت إِلَى الْخلق كَافَّة،وَختم بِي النَّبِيُّونَ» فأودعه مُسلم فِي «صَحِيحه» .
ثَالِثهَا : من حَدِيث عَوْف بن مَالك بِلَفْظ : «أَعْطَيْت أَرْبعا لم (يُعْطهنَّ) أحد كَانَ قبلنَا،وَسَأَلت رَبِّي الْخَامِسَة فَأَعْطَانِيهَا : كَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه فَلَا يعدوها،و (بعثت) كَافَّة إِلَى النَّاس،وأرهب منا عدونا مسيرَة شهر،وَجعلت لي الأَرْض طهُورا ومساجد،وَأحل لنا الْخمس وَلم يحل (لأحد كَانَ) قبلنَا،وَسَأَلت رَبِّي الْخَامِسَة فَسَأَلته أَن لَا يلقاه عبد من أمتِي يوحده إِلَّا أدخلهُ الْجنَّة فَأَعْطَانِيهَا» أودعهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَهُوَ حَدِيث عَظِيم .
وَفِي مُسْند أَحْمد و«سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل،عَن مُحَمَّد بن عَلّي أَنه سمع عَلّي بن أبي طَالب يَقُول : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ : «أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من الْأَنْبِيَاء» فَقُلْنَا : مَا هُوَ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : نصرت بِالرُّعْبِ،وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض،وَسميت : أَحْمد،وَجعل لي التُّرَاب طهُورا،وَجعلت أمتِي خير [ الْأُمَم ] » وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو بكر الجوزقي من حَدِيث أنس مَرْفُوعا : «جعلت لي (كل أَرض) طيبَة مَسْجِدا وَطهُورًا» .
وَفِي فَوَائِد أبي عبد الله الثَّقَفِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن نَبِي الله - صلى الله عليه وسلم - َ قَالَ : «إِن الله فضلني عَلَى الْأَنْبِيَاء - أَو قَالَ : أمتِي عَلَى الْأُمَم - بِأَرْبَع : أَرْسلنِي إِلَى النَّاس كَافَّة،و (جعل) الأَرْض كلهَا لي ولأمتي طهُورا ومسجدًا ؛ فأينما أدْركْت الرجل من أمتِي الصَّلَاة فَعنده مَسْجده وَطهُوره،ونصرت بِالرُّعْبِ - يسير بَين يَدي - مسيرَة شهر (يقذف) فِي قُلُوب أعدائي،وَأحلت لي الْغَنَائِم» .
وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إلمامه» (عَنهُ) وَقَالَ : رَوَاهُ عَن قوم مُوثقِينَ (وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث أبي ذَر : «أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي) : بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود،وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي،ونصرت بِالرُّعْبِ فيرعب الْعَدو مسيرَة شهر،وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا،وَقيل لي : سل تعطه،فاختبأت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة،وَهِي نائلة إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - لمن لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا» .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 2 / ص 623)(1/29)
وَنقل أَحْمد فِي «مُسْنده» عقب رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يرَى أَن الْأَحْمَر : الْإِنْس،وَالْأسود : الْجِنّ . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : (وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ) أَن الْأَحْمَر الْعَجم،وَالْأسود الْعَرَب،وَالْغَالِب عَلَى ألوان الْعَرَب السمرَة،وَعَلَى ألوان الْعَجم الْبيَاض . قَالَ أَبُو عمر : المُرَاد بالأحمر : الْأَبْيَض،وَمِنْه قَوْله لعَائِشَة : «يَا حميراء» . اهـ
نلاحظ أن ابن الملقن أورد الحديث بطوله في باب التيمم،ولم يقتصر على لفظه خاصة بالتيمم(1)
وقد تكون علة الحديث اضطرابُ المتن فيجمع المتون في صعيد واحد لكشف العلة.
ومثاله كما في البدر المنير(2): " الحَدِيث الثَّالِث - قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : «لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عَصَب» .
هَذَا الحَدِيث مَشْهُور،وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل،وَهُوَ (عَن) عبد الله بن عكيم قَالَ : «أَتَانَا كتاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مَوته بِشَهْر : ألآَّ تنتفعوا من الْميتَة بإهاب،وَلَا عصب» .
رَوَاهُ الْأَئِمَّة : الشَّافِعِي فِي (سنَن حَرْمَلَة)،وَأحمد فِي «مُسْنده»،وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه»،وَأَبُو دَاوُد،وَالتِّرْمِذِيّ،وَالنَّسَائِيّ،وَابْن مَاجَه،وَالدَّارَقُطْنِيّ،وَالْبَيْهَقِيّ،فِي (سُنَنهمْ) وَلم يذكر مِنْهُم الْمدَّة غير الشَّافِعِي،وَأحمد،وَأبي دَاوُد .
وَفِي رِوَايَة أَحْمد : «بِشَهْر أَو بشهرين» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن . قَالَ : وَسمعت أَحْمد بن (الْحسن) يَقُول : كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم (هَذَا)،لقَوْله : «قبل وَفَاته بشهرين» . وَكَانَ يَقُول : هَذَا آخر الْأَمر . قَالَ : ثمَّ ترك أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا الحَدِيث لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده،حَيْثُ رَوَى بَعضهم،فَقَالَ : عَن عبد الله بن عكيم،عَن أَشْيَاخ من جُهَيْنَة .
(وَرَوَاهُ) أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه»،من طَرِيقين،من رِوَايَة : عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن (ابْن) عكيم،وَفِي إِحْدَاهمَا : «كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ...» (وذَكَر الْمدَّة،وَفِي الْأُخْرَى : قُرىء علينا كتاب رَسُول الله)،من غير ذكرهَا . ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن (ابْن) أبي لَيْلَى،عَن عبد الله بن عكيم،قَالَ : حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة : «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كتب إِلَيْهِم : أَن لَا تستمتعوا من الْميتَة بِشَيْء» . قَالَ : وَهَذِه اللَّفْظَة وَهِي : «حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة» أوهمت عَالما من النَّاس أَن الْخَبَر لَيْسَ بِمُتَّصِل . قَالَ : وَهَذَا مِمَّا نقُول فِي (كتَابنَا) : أنَّ الصَّحَابِيّ قد يشْهد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَيسمع مِنْهُ شَيْئا،ثمَّ يسمع ذَلِك الشَّيْء مِمَّن هُوَ أعظم خطرًا (مِنْهُ)،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،فَمرَّة يخبر عمَّا شَاهده،وَمرَّة يروي عَمَّن سمع .
أَلا ترَى أَن ابْن عمر شهد سُؤال جِبْرِيل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن الإِيمان،وسَمعه من عمر بن الْخطاب،فَمرَّة أخبر بِمَا شَاهد،وَمرَّة رَوَى عَن أَبِيه مَا سمع،فَكَذَلِك عبد الله بن عكيم،شهد كتاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ قُرىء عَلَيْهِم فِي جُهَيْنَة،وَسمع مَشَايِخ جُهَيْنَة يَقُولُونَ ذَلِك،فأدّى مرّة مَا شهد،وَأُخْرَى مَا سمع،من غير أَن يكون فِي الْخَبَر انْقِطَاع . هَذَا آخر كَلَامه فِي «صَحِيحه» .
(
__________
(1) - وانظر نصب الراية (1/ 159)
(2) - البدر المنير - (ج 1 / ص 587) فما بعدها(1/30)
وَقَالَ) فِي كتاب «الثِّقَات» : عبد الله بن عكيم،الْجُهَنِيّ أَبُو معبد أدْرك (زمن) رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا «كتب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - [ إِلَى جُهَيْنَة ] قبل مَوته بِشَهْر : أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب،وَلَا عصب» .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابه) «معرفَة السّنَن والْآثَار»،وَغَيره من الْحفاظ : (هَذَا الحَدِيث مُرْسل،وَابْن عكيم لَيْسَ بصحابي . وَقَالَ الخَطَّابي) : مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء جَوَاز الدّباغ،وَوَهَّنُوا هَذَا الحَدِيث،لِأَن ابْن عكيم (لم يَلْقَ) النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن (كتاب) . وعَلَّلوه أَيْضا : بِأَنَّهُ مُضْطَرب،وَعَن مشيخة مجهولين،لم تثبتْ صحبتهم .
وَقَالَ ابْن عبد الْبر : رَوَى دَاوُد بن عَلّي : أَن ابْن معِين ضَعَّفه،وَقَالَ : لَيْسَ بِشَيْء . وَابْن عكيم لَيست لَهُ صُحْبَة،(قَالَه) الرازيان . و (عَدَّه) أَبُو نعيم مِنْهُم،وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر .
وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «كِتَابه»،وَقَالَ : لَا يُعْرف لَهُ سَماع (صَحِيح) من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وَقَالَ ابْن عبد الْبر : اخْتُلف فِي سَمَاعه من رَسُول الله من حَدِيثه «من عَلَّق شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ» .
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا،عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ قولة غَرِيبَة : أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مَاتَ ولعَبْد الله بن عكيم سنة .
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «(علله») : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث،فَقَالَ : لم يسمع عبد الله بن (عكيم) من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،وَإِنَّمَا هُوَ كِتَابه .
وَقَالَ ابْن شاهين : هَذَا (الحَدِيث) مَشْهُور بِعَبْد الله بن عكيم،وَلَيْسَ لَهُ لِقَاء لهَذَا الحَدِيث،وَكَذَا جزم الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» بذلك فَقَالَ : فِي هَذَا الحَدِيث إرْسَال .
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن،عَلّي بن الْفضل (الْمَقْدِسِي) : قد اعْتمد الْأَصْحَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف فِي إِسْنَاده،(قَابل التَّأْوِيل فِي مُرَاده) .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : قَوْله : (ضَعِيف) (فِي) إِسْنَاده . لَا يُحمل عَلَى (الطعْن) فِي الرِّجَال،فإنَّهم ثِقَات إِلَى عبد الله بن عكيم،وإنَّما يَنْبَغِي أَن يُحمل عَلَى الضعْف بِسَبَب الِاضْطِرَاب،كَمَا نُقل عَن الإِمام أَحْمد .
وَكَذَا قَالَ فِي (كِتَابه «الإِمام») : الَّذِي يعتل بِهِ (فِي) هَذَا الحَدِيث الِاخْتِلَاف،فروَى (عَن الحكم) عَن عبد الرَّحْمَن،عَن عبد الله بن عكيم،قَالَ : «قُرىء علينا كتاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب،وَلَا عصب» .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي عمر الضَّرِير،نَا أَبُو شيبَة،وَإِبْرَاهِيم بن (عُثْمَان)،عَن الحكم،عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى،عَن عبد الله بن عكيم،قَالَ : «أَتَانَا كتاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى (أَرض) جُهَيْنَة،قبل وَفَاته بشهرين : أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب،وَلَا عصب» . ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ : لم يَرْوِه عَن أبي شيبَة إلاَّ : أَبُو عمر الضَّرِير،وَأَبُو شيبَة تكلمُوا فِيهِ،وَقيل : مَتْرُوك .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد،من جِهَة (خَالِد)،عَن الحكم،(عَن عبد الرَّحْمَن) : «أَنه انْطلق هُوَ وأناس إِلَى عبد الله بن عكيم،فَدَخَلُوا،وَقَعَدت عَلَى الْبَاب،فَخَرجُوا إليَّ،فَأَخْبرُونِي أَن عبد الله بن عكيم أخْبرهُم ...» الحَدِيث .
فَفِي هَذِه الرِّوَايَة : أَنه سَمعه من النَّاس الداخلين (عَلَيْهِ) (عَنهُ)،وهم مَجْهُولُونَ .
((1/31)
و) رَوَاهُ ابْن عدي،من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب،عَن أبي سعيد (الْبَصْرِيّ) - وَهُوَ شبيب بن سعيد - عَن (شُعْبَة)،عَن الحكم،عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى،عَن ابْن عكيم،قَالَ : «جَاءَنَا كتاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَنحن بجهينة ...» الحَدِيث .
قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ : «شبيب ثِقَة»،وتَكَلَّم فِيهِ ابْن عدي .
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ - أَيْضا - فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» : من حَدِيث فضَالة بن الْمفضل (بن فضَالة)،عَن أَبِيه،عَن يَحْيَى بن أَيُّوب،كَمَا تَقَدَّم،ثمَّ قَالَ : لم يَرْوِه عَن أبي سعيد إلاَّ يَحْيَى،تفرَّد بِهِ فضَالة عَن أَبِيه .
قُلْتُ : قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : لم يكن فضَالة بِأَهْل أَن يُكْتَبَ عَنهُ الْعلم .
وَاعْلَم : أَن متن (حَدِيث) عبد الله بن عكيم قد رُوي من غير طَرِيقه،ذكره (الْحفاظ) : ابْن شاهين،وَابْن الْجَوْزِيّ فِي (كِتَابَيْهِمَا) «(نَاسخ) الحَدِيث ومنسوخه»،وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» بأسانيدهم،من حَدِيث ابْن عمر،قَالَ : (نهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَن يُنْتَفَع من الْميتَة بعصبٍ أَو إهَاب» .
(وَفِيه) - خَلا رِوَايَة ابْن شاهين،وَابْن الْجَوْزِيّ - عَدِي بن الْفضل،وَكَأَنَّهُ أَبُو حَاتِم الْبَصْرِيّ،مولَّى بني (تيم) ابْن مرّة،وَهُوَ ضَعِيف جدا،وَلم يعقها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بِشَيْء،(وَكَأَنَّهُ) ترك التَّنْصِيص عَلَى ذَلِك لوضوحه .
وَرَوَاهُ الْأَوَّلَانِ - أَيْضا - فِي (كِتَابَيْهِمَا) الْمَذْكُورين من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَا يُنْتفع (من الْميتَة) بِشَيْء» .
لَا أعلم بِإِسْنَادِهِ بَأْسا،وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه»،بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ،وَلَفظه : «لَا تنتفعوا» بدل : «لَا ينْتَفع»،وَفِي نُسْخَة مِنْهُ : رَوَاهُ أَصْحَابنَا .
وَقَالَ صَاحب «الْمُغنِي» : رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي،بِإِسْنَادِهِ،عَن أبي الزبير،عَن جَابر،وَإِسْنَاده حسن .
وَقد رَوَاهُ ابْن وهب فِي «مُسْنده»،عَن زَمعَة بن صَالح،عَن أبي الزبير بِهِ . وَزَمعَة مُخْتَلف فِيهِ .
فَتَلخَّص مِمَّا ذَكرْنَاهُ : أَن للحفَّاظ فِي حَدِيث ابْن عكيم هَذَا مقالتان - بعد تَسْلِيم الإِرسال - :
إِحْدَاهمَا : الِاضْطِرَاب،(وَلَهُم فِي ذَلِك مقامان :
أَحدهمَا : أَنه قَادِح،كَمَا تقدم عَن الإِمام أَحْمد) ؛ وَالثَّانِي : أَنه لَيْسَ بقادح،بل يُمكن الْجمع،(وَلَا اضْطِرَاب)،كَمَا تقدم عَن الْحَافِظ أبي حَاتِم بن حبَان،وَهَذَا فِي رِوَايَة (صَحِيحه) كَمَا قَرَّره،وَأما فِي (ضعيفه) كَمَا تقدم فَلَا .
وَالثَّانيَِة : الضعْف،كَمَا تَقَدَّم (عَن ابْن معِين)،وَأبي الْحسن الْمَقْدِسِي،وفيهَا النّظر الْمُتَقَدّم . ثمَّ لَهُم بعد ذَلِك نظران :
أَحدهمَا : أَنه عَلَى تَقْدِير صِحَّته،مَحْمُول عَلَى مَا قبل الدّباغ،قَالَه أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم فِي كِتَابه «الْمُحَلَّى»،وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه»،وَهَذَا لَفظه : «مَعْنَى خبر عبد الله بن عكيم : أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب،وَلَا عصب،يُرِيد قبل الدّباغ،(قَالَ) وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة ذَلِك،قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : «أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر» . أه .(1/32)
الثَّانِي : أَنه نَاسخ،أَو مَنْسُوخ،قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم : هَذَا الحَدِيث نَاسخ لما قبله،أَلا ترَاهُ يَقُول : «قبل مَوته بِشَهْر» . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم : هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث مَيْمُونَة . وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدَّين ابْن تَيْمِية فِي «الْأَحْكَام» : أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن الدّباغ مُطَهِّر فِي الْجُمْلَة،لصِحَّة النُّصُوص بِهِ،وَخبر ابْن عكيم (لَا يقاربها) فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة لينسخها . وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كِتَابيه) : «النَّاسِخ والمنسوخ»،[ و ] «الْإِعْلَام» [ مَا ] مُخْتَصره : حَدِيث ابْن عكيم مُضْطَرب جدا،لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ . زَاد فِي «الْإِعْلَام» : وَقَالَ قوم : يجوز أَن تكون أَحَادِيث الْإِبَاحَة قبل مَوته بِيَوْم أَو بيومين .
قَالَ : وَأجَاب آخَرُونَ عَنهُ : (بِأَنَّهُ) قد رَوَى فِي بعض أَلْفَاظه : «كنت رَخَّصت لكم فِي جُلُود الْميتَة»،فَدَلَّ عَلَى تَقْدِيم أَحَادِيث الإِباحة،وصحَّ النّسخ . قَالَ : وَهَذِه اللَّفْظَة بعيدَة الثُّبُوت . قَالَ : ثمَّ يحْتَمل أَن يكون رخص فِي ذَلِك،ثمَّ نهَى،ثمَّ رخص .
وَلَقَد أَجَاد الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي،فِي كِتَابه «النَّاسِخ والمنسوخ» - وَهُوَ كتاب لَا نَظِير لَهُ فِي بَابه،فِي غَايَة التَّحْقِيق والنفاسة - فِي كَلَامه عَلَى هَذَا الحَدِيث،فَقَالَ : حَدِيث ابْن عكيم هَذَا حسن،عَلَى شَرط أبي دَاوُد،وَالنَّسَائِيّ،أَخْرجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا من عدَّة طرق،وَقد رُوِيَ عَن الحكم من غير وَجه،(وفيهَا) اخْتِلَاف أَلْفَاظ .
قَالَ : وَمن ذهب إِلَى هَذَا الحَدِيث قَالَ : الْمصير إِلَى هَذَا الحَدِيث أَوْلَى،لِأَن فِيهِ دلَالَة النّسخ،أَلا ترَى أَن حَدِيث سَلمَة بن المحبق - يَعْنِي الْآتِي قَرِيبا - يدل (عَلَى) أَن الرُّخْصَة كَانَت يَوْم تَبُوك،وَهَذَا قبل مَوته بِشَهْر،فَهُوَ بعد الأول بِمدَّة . وَلِأَن فِي حَدِيث سَوْدَة : حَتَّى تخرقت،وَفِي رِوَايَة أُخْرَى : «كُنَّا (ننبذ) فِيهِ حتَّى صَار شَنًّا) . وَلَا تتخرق الْقرْبَة وَلَا تصير شَنًّا فِي شهر .
قَالَ : وَفِي بعض الرِّوَايَات،عَن الحكم بن (عتيبة)،عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى : أَنه انْطلق وناس مَعَه إِلَى عبد الله بن عكيم ... نَحوا (مِمَّا) ذكرنَا .
قَالَ خَالِد : أما أَنه قد حَدَّثَنَي : أَنه كتب إِلَيْهِم قبل هَذَا الْكتاب بِكِتَاب آخر . قُلْتُ : فِي تَحْلِيله ؟ [ قَالَ ] : مَا تصنع بِهِ ؟ هَذَا بعده .
كَذَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ،وَقَالَ : فِي قَول (خَالِد) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِم فِي ذَلِك تَحْلِيل قبل التَّشْدِيد،وأنَّ التَّشْدِيد كَانَ بعد .
قَالَ الْحَازِمِي : وَلَو اشْتهر حَدِيث ابْن عكيم،بِلَا مقَال فِيهِ - كَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الرُّخْصَة - لَكَانَ حَدِيثا أَوْلَى أَن يُؤخذ بِهِ،وَلَكِن فِي إِسْنَاده اخْتِلَاف : رَوَاهُ الحكم مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى،عَن ابْن عكيم . وَرَوَاهُ عَنهُ الْقَاسِم بن مخيمرة،عَن خَالِد،عَن الحكم . وَقَالَ : إِنَّه لم يسمعهُ من ابْن عكيم،وَلَكِن من أنَاس دخلُوا عَلَيْهِ،ثمَّ خَرجُوا فأخبروه بِهِ .
قَالَ : وَلَوْلَا هَذِه الْعِلَل،لَكَانَ أولَى (الْحَدِيثين) أَن يُؤْخَذ بِهِ : حَدِيث ابْن عكيم ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْخَذ عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بالآخِر فالآخِر،والأحدث فالأحدث . عَلَى أَن جمَاعَة أخذُوا بِهِ،وَذهب إِلَيْهِ من الصَّحَابَة : عمر بن الْخطاب،وَابْنه عبد الله،وَعَائِشَة .(1/33)
ثمَّ رَوَى الْحَازِمِي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الشَّيْخ الْحَافِظ،أَنه (قَالَ) : حُكِي أنَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه نَاظر الشَّافِعِي - وَأحمد بن حَنْبَل حَاضر - فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت،فَقَالَ الشَّافِعِي : دباغها طهورها . فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق : مَا الدَّلِيل ؟ فَقَالَ : حَدِيث الزُّهْرِيّ،عَن عبيد الله بن عبد الله،[ عَن ] ابْن عَبَّاس،عَن مَيْمُونَة،أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ) : «(هلا) انتفعتم بإهابها ؟» .
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق : حَدِيث ابْن عكيم : «كتب إِلَيْنَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قبل مَوته بِشَهْر : أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب»،فَهَذَا يشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة،لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر . فَقَالَ الشَّافِعِي : فَهَذَا كتاب،وَذَاكَ سَماع . فَقَالَ إِسْحَاق : فإنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر،(فَكَانَت) حجَّة بَينهم عِنْد الله . فَسكت الشَّافِعِي . فَلَمَّا سمع (ذَلِك) أَحْمد ذهب إِلَى حَدِيث (ابْن) عكيم،وأَفتى بِهِ،وَرجع إِسْحَاق إِلَى حَدِيث الشَّافِعِي .
قَالَ الْحَازِمِي : وَقد حَكَى الخلاَّل فِي «كِتَابه» عَن أَحْمد،أَنه توقف فِي حَدِيث ابْن عكيم،لَمَّا رَأَى تزلزل (الروَاة) فِيهِ،وَقَالَ بَعضهم : رَجَعَ عَنهُ .
قَالَ الْحَازِمِي : وَطَرِيق الإِنصاف فِيهِ أَن يُقال : إِن حَدِيث ابْن عكيم ظَاهر الدّلَالَة فِي النّسخ لَو صَحَّ،وَلكنه كثير الِاضْطِرَاب،ثمَّ لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة فِي الصِّحَّة . وَقَالَ النَّسَائِيّ : أصحّ مَا فِي هَذَا الْبَاب،فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت : حَدِيث الزُّهْرِيّ،عَن [ عبيد الله بن عبد الله،عَن ] ابْن عَبَّاس،عَن مَيْمُونَة .
وَقَالَ الْحَازِمِي : وروينا عَن الدوري أَنه قَالَ : قيل ليحيى بن معِين : أيُّما أعجب إِلَيْك من هذَيْن الْحَدِيثين : «لَا ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب» أَو : «دباغها طهورها» ؟ (فَقَالَ : «دباغها طهورها») أعجب إليَّ .
قَالَ الْحَازِمِي : فَإِذا تَعَذّر ذَلِك،فالمصير إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس أَوْلَى،لوجوه من الترجيحات،ويُحمل حَدِيث ابْن عكيم عَلَى منع الِانْتِفَاع (بِهِ) قبل الدّباغ،وحينئذٍ يُسمَّى : (إهابًا) . وَبعد الدّباغ يُسمَّى جلدا،وَلَا يُسمى إهابًا،وَهَذَا مَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة ليَكُون جمعا بَين (الْحكمَيْنِ) . وَهَذَا هُوَ الطَّرِيق فِي نفي التضاد عَن الْأَخْبَار . هَذَا آخر كَلَامه - رَحْمَة الله عَلَيْهِ -،مَا أَشد تَحْقِيقه .
وتَلَخَّص (لَك مِنْهُ) وَمِمَّا تقدم،أَن للحفاظ فِيهِ سِتّ مقالات - بعد تَسْلِيم الإِرسال - :
أَولهَا : أَنه مُضْطَرب قَادِح .
ثَانِيهَا : أَنه مُضْطَرب غير قَادِح .
ثَالِثهَا : أَنه ضَعِيف .
رَابِعهَا : أَنه مؤول .
خَامِسهَا : أَنه نَاسخ .
سادسها : أَنه مَنْسُوخ .
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ من ذَلِك،وَالَّذِي يظْهر - وَالْحَالة هَذِه - مَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي (أخيرًا) . اهـ
3. بيان حال الراوي المذكور في سند الحديث بالتفصيل،مثلما ورد في البدر المنير في الكلام على حديث الزاد والراحلة(1):
" الحَدِيث الرَّابِع -«أنَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل عَن تَفْسِير السَّبِيل،(قَالَ) : زَاد وراحلة» .
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرقٍ :
(
__________
(1) - البدر المنير - (ج 6 / ص 19)(1/34)
إِحْدَاهَا) : (من) طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث (عَلّي بن سعيد بن (مَسْرُوق) الْكِنْدِيّ) (ثَنَا) ابْن أبي زَائِدَة،عَن سعيد بن أبي عرُوبَة،عَن قَتَادَة (عَن) أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - «فِي قَوْله تَعَالَى (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ : قيل : يَا رَسُول الله،مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ . قَالَ : وَقد تَابع حَمَّاد بن سَلمَة (سعيدًا عَلَى رِوَايَته عَن قَتَادَة . ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث أبي قَتَادَة ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة) عَن قَتَادَة،عَن أنس «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَن (قَول الله) - تَعَالَى - : (من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) فَقيل : مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ . ورواهما الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» وَلم يَسُقْ لَفْظهمَا ؛ بل أحَال بِلَفْظ مثله عَلَى مَا قبله . وَعلي بن سعيد بن مَسْرُوق قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حقِّه : هُوَ صَدُوق . و(وَثَّقَهُ) النَّسَائِيّ أَيْضا،وَأَبُو قَتَادَة هُوَ عبد الله بن وَاقد الْحَرَّانِي،قَالَ أَبُو حَاتِم : تكلمُوا فِيهِ،مُنكر الحَدِيث،وَذهب حَدِيثه . وَقَالَ (أَبُو) زرْعَة : ضَعِيف الحَدِيث لَا يحدث عَنهُ . وَقَالَ ابْن عبد الْبر : هُوَ مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك،إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يَصِفه بالنُّسُكِ وَالْفضل ويُثني عَلَيْهِ . وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد : سُئل أبي عَنهُ فَقَالَ : مَا بِهِ بَأْس،رجل صَالح يُشبه أهل النّسك وَالْخَيْر إِلَّا أَنه كَانَ رُبمَا أَخطَأ . قيل لَهُ : إِن قوما يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ . قَالَ : لم يكن بِهِ بَأْس . قلت لَهُ : إِنَّه لم يفصل بَين سُفْيَان وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة . قَالَ : لَعَلَّه اخْتَلَط،أما هُوَ فَكَانَ (ذكيًّا) فَقلت لَهُ : إِن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن (صبيح) ذكر أَن أَبَا قَتَادَة الْحَرَّانِي كَانَ يكذب،فَعظم ذَلِك عِنْده جدًّا،وَقَالَ : كَانَ أَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي يتَحَرَّى الصدْق (أَثْنَى) عَلَيْهِ (وَذكره بِخَير) وَقَالَ : قد رَأَيْته يشبه أَصْحَاب الحَدِيث،وَأَظنهُ كَانَ يُدَلس،وَلَعَلَّه كبر وَاخْتَلَطَ قلت : قد صرَّح فِي هَذَا الحَدِيث - فِي رِوَايَة الْحَاكِم - بِالتَّحْدِيثِ،فَقَالَ : نَا حَمَّاد بن سَلمَة . وَأنكر النَّوَوِيّ (عَلَى الْحَاكِم) تَصْحِيحه لحَدِيث أنس،وَقَالَ : إِنَّه يتساهل فِي التَّصْحِيح . وَهَذَا الْإِنْكَار يَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا،بطرِيق أبي قَتَادَة هَذَا،وَأما الأول فَلَا أعلم فِيهَا طَعنا . (وَلما) ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» مقَالَة شيخهِ الحاكمِ قَالَ : هَكَذَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن قَتَادَة عَن أنس،وَالْمَحْفُوظ : عَن قَتَادَة وَغَيره،عَن الْحسن،عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - . وَقَالَ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة،عَن قَتَادَة،عَن أنس مَرْفُوعا،وَلَا أرَاهُ إِلَّا وهما،وَالصَّوَاب : عَن قَتَادَة،عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مَرْفُوعا وَهُوَ مُرْسل .
قلت : وَلَك أَن تَقول لم لَا يحمل (عَلَى) أَن لِقَتَادَة فِيهِ إسنادين فَإِنَّهُ أولَى من الحكم بالوهم ؟ .
((1/35)
الطَّرِيق الثَّانِي) : طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ : «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُول الله،مَا يُوجب الْحَج ؟ فَقَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ،وَابْن مَاجَه،وَالدَّارَقُطْنِيّ،قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن،وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن الرجل إِذا ملك زادًا وراحلةً وَجب عَلَيْهِ الْحَج . قَالَ : وَفِي إِسْنَاده : إِبْرَاهِيم،وَهُوَ ابْن يزِيد الخوزي،وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الحَدِيث من قبل حفظه .
قلت : ضَعَّفُوهُ،وَقيل لَهُ : الخُوزيُ - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ وَاو،ثمَّ زَاي (مُعْجمَة) - لِأَنَّهُ سكن شعب (الخوزة وَهُوَ شعب بِمَكَّة و) (بِالضَّمِّ) (وَهُوَ) جيل من النَّاس ينْسب إِلَيْهِ . قَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا : (هُوَ) مَتْرُوك . وَضَعفه يَحْيَى،وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : مُنكر الحَدِيث . وَقَالَ (ابْن الْمُنْذر) : (هُوَ) مَتْرُوك الحَدِيث عِنْدهم .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَالَ الشَّافِعِي : قد رُوي أَحَادِيث عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (تدل عَلَى) أَنه لَا يجب الْمَشْي عَلَى أحد فِي الْحَج وَإِن أطاقه،غير أَن (مِنْهَا) مَا هُوَ مُنْقَطع وَمِنْهَا (مَا) يمْتَنع أهل الحَدِيث من تثبيته . ثمَّ رَوَى الشَّافِعِي عَن سعيد بن سَالم،عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد،عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قَالَ : «قعدنا إِلَى عبد الله بن عمر فَسَمعته يَقُول : سَأَلَ رجل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَا الْحَاج ؟ فَقَالَ : الشعث التفل . فَقَامَ آخر فَقَالَ : يَا رَسُول الله،أَي الْحَج أفضل ؟ فَقَالَ : العج والثج . فَقَامَ آخر فَقَالَ : يَا رَسُول الله،مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : زَاد وراحلة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : هَذَا الَّذِي عَنى الشَّافِعِي بقوله : مِنْهَا مَا يمْتَنع أهل الحَدِيث من تثبيته . قَالَ : وَإِنَّمَا امْتَنعُوا مِنْهُ ؛ لِأَن الحَدِيث يعرف بإبراهيم بن يزِيد الخُوزي،وَقد ضعفه أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ،قَالَ يَحْيَى بن معِين : إِبْرَاهِيم بن يزِيد رَوَى حَدِيث مُحَمَّد بن عباد هَذَا لَيْسَ بِثِقَة . قَالَ : و (قد) رَوَاهُ [ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد ] بن عُمَيْر (عَن مُحَمَّد) بن عباد إِلَّا أَنه أَضْعَف من إِبْرَاهِيم بن يزِيد . (قَالَ) : وَرَوَاهُ (أَيْضا) مُحَمَّد (بن الْحجَّاج) عَن جرير بن حَازِم،عَن مُحَمَّد بن عباد،وَمُحَمّد بن (الْحجَّاج) مَتْرُوك .
قلت : وَلِحَدِيث (ابْن) عمر هَذَا طَرِيق آخر واه،قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سألتُ عليَّ بن الْجُنَيْد،عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن سَلام الْعَطَّار بن عبد الله بن عمر الْعمريّ،عَن نَافِع،عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي قَوْله (تَعَالَى) (من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (قَالَ) : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» فَقَالَ : حَدِيث بَاطِل .
((1/36)
الطَّرِيق الثَّالِث) : طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله (قَالَ : «الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . يَعْنِي قَوْله : (من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا») رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عِكْرِمَة (عَنهُ) وَفِي إِسْنَاده هِشَام بن سُلَيْمَان بن عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي،قَالَ أَبُو حَاتِم : مُضْطَرب الحَدِيث وَمحله الصدْق،مَا أرَى (بِهِ) بَأْسا . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث هِشَام بن سُلَيْمَان وَعبد الْمجِيد (عَن) ابْن جريج،قَالَ : أَخْبرنِي عمر بن عَطاء،عَن عِكْرِمَة،عَن ابْن عَبَّاس مثل قَول عمر بن الْخطاب : «السَّبِيل : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حُصَيْن بن مُخَارق،عَن مُحَمَّد بن خَالِد،عَن سماك بن حَرْب،عَن عِكْرِمَة،عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «قيل : يَا رَسُول الله،الْحَج كل عَام ؟ قَالَ : لَا،بل حجَّة . (قيل) : فَمَا السَّبِيل إِلَيْهِ ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ أخرجه من حَدِيث دَاوُد بن (الزبْرِقَان)،عَن عبد الْملك (عَن عَطاء)،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا،قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا من قَوْله .
قلت : قد أخرجه ابْن الْمُنْذر كَذَلِك .
(الطَّرِيق الرَّابِع) : طَرِيق عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حُسَيْن،عَن أَبِيه،عَن جده عَنهُ مَرْفُوعا «(وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ : فَسئلَ عَن ذَلِك،قَالَ : أَن تَجِد ظهر بعير» . وحسين هَذَا هُوَ ابْن عبد الله بن ضميرَة،وَهُوَ واه وَسَيَأْتِي (لَهُ) طَرِيق (آخر) عَن عَلّي فِي الحَدِيث السَّابِع - إِن شَاءَ الله .
(الطَّرِيق الْخَامِس) : طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : «لما نزلت هَذِه الْآيَة (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَامَ رجل فَقَالَ : يَا رَسُول الله،مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من (حَدِيث) مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر،عَن أبي الزبير أَو عَمْرو بن دِينَار،عَن جَابر (بِهِ) . وَمُحَمّد هَذَا ضَعَّفُوهُ،وَقد اخُتلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ،وَمَعَهُ فِي الْإِسْنَاد عبد الْملك بن زِيَاد النصيبي قَالَ الْأَزْدِيّ : مُنكر الحَدِيث .
(الطَّرِيق السَّادِس) : طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب،عَن أَبِيه،عَن جده،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : السَّبِيل (إِلَى الْبَيْت) : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَفِيه ابْن لَهِيعَة،وَهُوَ مَشْهُور الْحَال،وَقد عَقَدتُ لَهُ فصلا فِي «الْوضُوء» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَنهُ بِلَفْظ : «قَالَ رجل : يَا رَسُول الله،مَا يُوجب الْحَج ؟ قَالَ : (الزَّاد) وَالرَّاحِلَة» وَفِيه (الْعَرْزَمِي) الْمَتْرُوك .
(الطَّرِيق السَّابِع) : طَرِيق عَلْقَمَة،(عَن) عبد الله،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - «فِي قَوْله تَعَالَى : (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قيل : يَا رَسُول الله،مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث بهْلُول بن عبيد،عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان،عَن إِبْرَاهِيم،عَن عَلْقَمَة (بِهِ) .
وبهلول هَذَا الظَّاهِر أَنه [ التاهرتي ] صَاحب مَالك،قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ : مَا عرفنَا فِيهِ قدحًا . وأَقَرَّه الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ،وَإِن يكن بهْلُول بن عبيد الْكُوفِي فقد ضَعَّفُوهُ .
((1/37)
الطَّرِيق الثَّامِن) : (من) طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا كَذَلِك،رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عتاب بن أعين،عَن الثَّوْريّ،عَن يُونُس بن عبيد،عَن الْحسن،(عَن أمه) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها . قَالَ الْعقيلِيّ : عتاب فِي حَدِيثه وهم . وَضعف هَذِه الطّرق غير وَاحِد من الْحفاظ،قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عمر : رُوِيَ فِي الْمَسْأَلَة أَحَادِيث أُخَر لَا يَصح مِنْهَا شَيْء وأشهرها حَدِيث الخوزي،وينضم إِلَيْهِ مُرْسل الْحسن فيتأكد بِهِ (و) إِن كَانَ مُنْقَطِعًا . وَقَالَ عبد الْحق : خرج هَذَا الحَدِيث الدارقطني من حَدِيث ابْن عَبَّاس،وَجَابِر،وَعبد الله بن عمر،وَابْن مَسْعُود،وَأنس،وَعَائِشَة،وَغَيرهم،وَلَيْسَ فِيهَا إِسْنَاد يحْتَج بِهِ .
(الطَّرِيق التَّاسِع) : طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ : «لما نزلت (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ رجل : يَا رَسُول الله،مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله»،عَن يُونُس بن (عبيد) الْبَصْرِيّ عَنهُ،وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه»،عَن هِشَام،عَن يُونُس (بِهِ)،وَمن حَدِيث خَالِد بن عبد الله عَن يُونُس بِهِ،وَمن حَدِيث هشيم،عَن مَنْصُور،عَن الْحسن،وَأَسَانِيده صَحِيحَة إِلَى الْحسن إِلَّا أَنه مُرْسل،أرْسلهُ الْحسن وَلم يذكر من حَدثهُ (بِهِ) (و) قَالَ الْبَيْهَقِيّ : ورويناه من أوجه صَحِيحَة،عَن الْحسن الْبَصْرِيّ،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - . وَفِيه قُوَّة لهَذَا الْمسند،وَأَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث ابْن عمر الَّذِي فِي إِسْنَاده : الخوزي،وَاعْتَرضهُ صَاحب «الإِمَام» (فَقَالَ : فِي قَوْله) هَذَا نظر ؛ لِأَن الطَّرِيق الْمَعْرُوف أَنه إِذا كَانَ الطَّرِيق وَاحِدًا رَوَاهُ الثِّقَات مُرْسلا،وَانْفَرَدَ ضَعِيف بِرَفْعِهِ،أَن يعللوا هَذَا (الْمسند بالمرسل) ويحملوا الْغَلَط عَلَى رِوَايَة (الضَّعِيف)،وَإِذا كَانَ ذَلِك مُوجبا لضعف الْمسند فَكيف يكون تَقْوِيَة لَهُ ؟ !
قلت : وَقَالَ ابْن الْمُنْذر : لَا يثبت الحَدِيث الَّذِي ورد فِيهِ (ذِكْر) الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَيْسَ بِمُتَّصِل ؛ لِأَن الصَّحِيح من الرِّوَايَات رِوَايَة الْحسن الْبَصْرِيّ عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : وَأما أَنا فَأرَى أَن حَدِيث أنس جيد الْإِسْنَاد صَالح (للاحتجاج) بِهِ كَمَا أسلفته . وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين (الْمَقْدِسِي) فِي «أَحْكَامه» : لَا أرَى بِبَعْض طرقه بَأْسا.اهـ
ويفعل ذلك العراقي في تخريج أحاديث الإحياء عن راوٍ فيه أقوال كثيرة،وقد يقول: فيه خلاف،من غير تفصيل أو يذكر شيوخه وتلاميذه ومناقبه والأقوال فيه.
وفي البدر المنير(1):
" الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين = (رُوِيَ) أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة ؛ إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام» .
هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ ابْن الصّلاح : إِنَّه رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ،عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَرُوِيَ مَوْقُوفا من قَوْله،وَالْمَوْقُوف أصح . وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَالنَّوَوِيّ : الصَّوَاب رِوَايَة الْوَقْف ؛ زَاد النَّوَوِيّ : وَرِوَايَة الرّفْع ضَعِيفَة . هَذَا كَلَامهم،وَكَأَنَّهُم تبعوا الْبَيْهَقِيّ فِي ذَلِك ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «الْمعرفَة» بعد أَن أخرجه بِلَفْظ ابْن حبَان الْآتِي،وَسَنَده : رَفعه عَطاء فِي رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ،وَرَوَى (عَنهُ) مَوْقُوفا،وَالْمَوْقُوف أصح . انْتَهَى .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 2 / ص 487) فما بعدها(1/38)
وتفطن أَيهَا النَّاظر لما أوردهُ لَك ؛ فَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا،فرفعه من أوجه :
أَحدهَا : من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب،عَن طَاوس،عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «الطّواف حول الْبَيْت مثل الصَّلَاة،إِلَّا (أَنكُمْ) تتكلمون فِيهِ ؛ فَمن تكلم فَلَا (يتكلمن) إِلَّا بِخَير» .
رَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي أَوَاخِر الْحَج من حَدِيث قُتَيْبَة،ثَنَا جرير،عَن عَطاء بِهِ،وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» فِي الْحَج،فِي بَاب الْكَلَام فِي الطّواف من حَدِيث مُوسَى بن عُثْمَان - وَلَعَلَّه ابْن أعين - عَن عَطاء (بِهِ)،لَكِن بِنَحْوِ لفظ حَدِيث فُضَيْل بن عِيَاض الْآتِي،وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْحَج من حَدِيث عبد الصَّمد بن حسان،ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ،عَن عَطاء بِهِ . إِلَّا أَن لَفظه : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل (لكم) فِيهِ الْكَلَام ؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير» . وَبِهَذَا اللَّفْظ أخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِيهِ من حَدِيث الْحميدِي،نَا سُفْيَان،عَن عَطاء بِهِ ؛ إِلَّا أَن لَفظه : «إِن الطّواف بِالْبَيْتِ مثل الصَّلَاة،إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون ؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير».
وسُفْيَان الْمَذْكُور فِي هَذَا السَّنَد هُوَ ابْن عُيَيْنَة كَمَا نبّه (عَلَيْهِ) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه»،ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة فِي «مُسْتَدْركه» من وَجه آخر عَن عَطاء،كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْه الْخَامِس،وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث مُوسَى بن أعين (عَن) عَطاء بِهِ،وَلَفظه : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة،وَلَكِن الله أحلَّ لكم فِيهِ الْمنطق ؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» . وَهَذِه الطَّرِيقَة أعلت بعطاء بن السَّائِب،وَهُوَ من الثِّقَات كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره وَإِن لُيِّنَ،لكنه اخْتَلَط ؛ فَمن رَوَى عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط كَانَ صَحِيحا،وَمن رَوَى عَنهُ (بعده) فَلَا،كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَغَيره من الْحفاظ .
قَالَ أَحْمد : سمع مِنْهُ قَدِيما : شُعْبَة،وَالثَّوْري،وَسمع مِنْهُ جرير،وخَالِد بن عبد الله،وَإِسْمَاعِيل،وَعلي بن عَاصِم،وَكَانَ يرفع عَن سعيد بن جُبَير أَشْيَاء لم يكن يرفعها .
وَقَالَ ابْن معِين : جَمِيع من رَوَى عَنهُ (رَوَى) فِي الِاخْتِلَاط إِلَّا شُعْبَة وسُفْيَان،وَقَالَ مرّة : اخْتَلَط ؛ فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح،وَمَا سمع مِنْهُ جرير وَذَوِيهِ فَلَيْسَ من صَحِيح حَدِيث عَطاء،وَقد سمع مِنْهُ أَبُو عوَانَة فِي الْحَالين،وَلَا يحْتَج بِهِ . وَذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيثا «فِي الْمَشْي فِي السَّعْي» من حَدِيث ابْن فُضَيْل (عَن عَطاء)،وَصَححهُ،وَقَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ : اسمعوا مِنْهُ حَدِيث (أَبِيه) فِي التَّسْبِيح . وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان : مَا سَمِعت أحدا يَقُول فِي عَطاء شَيْئا قطّ فِي حَدِيثه الْقَدِيم،وَمَا حدث عَنهُ شُعْبَة وسُفْيَان فَصَحِيح إِلَّا حديثين ؛ كَانَ شُعْبَة يَقُول : سمعتهما بِآخِرهِ عَن زَاذَان،وَقَالَ شُعْبَة : نَا عَطاء،وَكَانَ (نسيًّا) وَقَالَ الْعجلِيّ : ثِقَة قديم،وَمن سمع مِنْهُ بِآخِرهِ فَهُوَ مُضْطَرب الحَدِيث مِنْهُم : هشيم،وخَالِد بن عبد الله . وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان : سمع مِنْهُ حَمَّاد بن زيد قبل أَن يتَغَيَّر . وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم عَن حَمَّاد أَيْضا،وَخَالف الْعقيلِيّ فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله ابْن الْقطَّان - : إِنَّه سمع مِنْهُ بعده .(1/39)
قلت : وَقد حصلت الْفَائِدَة هُنَا بِرِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ الَّتِي رَوَاهَا الْحَاكِم ؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ (قبل) الِاخْتِلَاط كَمَا قَرَّرْنَاهُ،وَكَذَا قَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» فِي كتاب الْأَقْضِيَة : سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط شُعْبَة وسُفْيَان وَحَمَّاد بن زيد والأكابر المعروفون . وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ : أَنه لَا يحْتَج من حَدِيثه إِلَّا بِمَا رَوَاهُ عَنهُ الأكابر : شُعْبَة،وَالثَّوْري،ووهيب،ونظراؤهم . لَا جرم قَالَ الْحَاكِم إِثْر رِوَايَته السالفة : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ،قَالَ : وَقد (أوقفهُ) جمَاعَة . وَقَالَ ابْن عبد الْحق - فِيمَا (رده) عَلَى ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» - : هَذَا حَدِيث ثَابت . وَأخرجه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (إلمامه) وَقَالَ : أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث سُفْيَان،عَن عَطاء مَرْفُوعا هَكَذَا،وَقد رُوِيَ عَنهُ غير مَرْفُوع،وَعَطَاء (هَذَا) من الثِّقَات الَّذين تغير حفظهم أخيرًا واختلطوا . ثمَّ ذكر مقَالَة يَحْيَى بن معِين السالفة،ثمَّ قَالَ : وَهَذَا من رِوَايَة سُفْيَان (أَي) : فصح الحَدِيث . وَكَذَا ذكر مثل ذَلِك فِي «إِمَامه»،وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق آخر عَن عَطاء،وَهُوَ طَرِيق فُضَيْل بن عِيَاض (عَن عَطاء) بِلَفْظ : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة،إِلَّا أَن الله أحل فِيهِ الْمنطق ؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» وَقَالَ فِي «ثقاته» : عَطاء بن السَّائِب كَانَ قد اخْتَلَط بِآخِرهِ،وَلم يفحش خَطؤُهُ حَتَّى يسْتَحق أَن يسْلك بِهِ (عَن) مَسْلَك الْعُدُول ؛ بعد تقدم صِحَة ثباته فِي الرِّوَايَات،رَوَى عَنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَأهل الْعرَاق . وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ،وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» (أَيْضا) بِلَفْظ : «الطّواف صَلَاة (إِلَّا) أَن الله أحل (لكم) الْمنطق،فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» .
الْوَجْه الثَّانِي : (من) طَرِيق مُوسَى بن أعين،عَن لَيْث،عَن طَاوس،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة،وَلَكِن الله أحل فِيهِ الْمنطق ؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» رَوَاهُ كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه»،وأعلت (بليث) بن أبي سليم الْكُوفِي،وَقد اخْتَلَط أَيْضا بِآخِرهِ،وَقد (بسطنا) تَرْجَمته فِيمَا مَضَى فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين من بَاب الْوضُوء،وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : رجل صَالح صَدُوق استضعف،وَقد أخرج لَهُ مُسلم (فِي المتابعات) فَلَعَلَّ (اجتماعه) مَعَ عَطاء يُقَوي رفع الحَدِيث .
الْوَجْه الثَّالِث : من طَرِيق الباغندي،عَن عبد الله بن عمرَان،عَن ابْن عُيَيْنَة،عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة،عَن طَاوس،عَن ابْن عَبَّاس،رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ و (قَالَ) : لم يصنع شَيْئا - يُرِيد الباغندي فِي رَفعه بِهَذِهِ الرِّوَايَة - فقد رَوَاهُ ابْن جريج وَأَبُو عوَانَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة مَوْقُوفا .
((1/40)
قلت : رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن ميسرَة) رَوَاهَا النَّسَائِيّ من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد،نَا أَبُو عوَانَة،عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة،عَن طَاوس،عَنابْن عَبَّاس قَالَ : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة ؛ فأقلوا فِي الْكَلَام» لَكِن قد أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن ميسرَة مَرْفُوعا،رَوَاهَا من حَدِيث (أَحْمد بن حَنْبَل)،نَا مُحَمَّد بن (عبد الْوَهَّاب) الْحَارِثِيّ،ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر،عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة،عَن طَاوس،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا : «الطّواف (بِالْبَيْتِ) صَلَاة ؛ فأقلوا فِيهِ الْكَلَام» .
وَهَذَا وَجه رَابِع : فَإِن ابْن ميسرَة سمع من طَاوس،وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك أَحْمد وَجَمَاعَة،وَذكر الْبَيْهَقِيّ بعد هَذَا فِي بَاب الطّواف عَلَى الطَّهَارَة أَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة وَقفه فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة .
(الْوَجْه الْخَامِس) : وَهُوَ عَزِيز مُهِمّ يرحل إِلَيْهِ،لَيْسَ فِيهِ عَطاء بن السَّائِب وَلَا لَيْث،وَلم يظفر صَاحب «الإِمَام» و «الْإِلْمَام» بِهِ وَلَو ظفر بِهِ لما عدل عَنهُ ؛ بل لم يظفر بِهِ أحد مِمَّن صنف فِي الْأَحْكَام فِيمَا علمت،رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَائِل تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة،عَن أبي عمر وَعُثْمَان بن أَحْمد السماك،ثَنَا الْحسن بن مكرم الْبَزَّاز،نَا يزِيد بن هَارُون،نَا (الْقَاسِم) بن أبي أَيُّوب،عَن سعيد بن جُبَير،عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : «قَالَ الله لنَبيه - صلى الله عليه وسلم - : (طهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود) فالطواف (قبل الصَّلَاة)،وَقد قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : الطّواف بِمَنْزِلَة الصَّلَاة،إِلَّا أَن الله قد أحل فِيهِ الْمنطق ؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» . ثمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم،وَلم يخرجَاهُ،وَإِنَّمَا يعرف هَذَا الحَدِيث بعطاء بن السَّائِب،عَن سعيد بن جُبَير . ثمَّ سَاقه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة،عَن عَطاء،عَن سعيد بن جُبَير،عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره كَمَا تقدم إِلَى قَوْله : «فالطواف قبل الصَّلَاة» ثمَّ قَالَ : هَذَا متابع لنصف الْمَتْن،وَالنّصف الثَّانِي من حَدِيث الْقَاسِم بن أبي أَيُّوب،أخبرناه ... فَذكره من حَدِيث فُضَيْل،عَن عَطاء،عَن سعيد بن جُبَير،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا كَلَفْظِ ابْن حبَان السَّابِق .
وَذكر الْحَاكِم فِي المناقب (من) «مُسْتَدْركه» حَدِيثا فِي مَنَاقِب إِبْرَاهِيم من حَدِيث عَطاء عَن سعيد بن جُبَير،ثمَّ قَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد .
قلت : وَحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة،عَن عَطاء فِي المتابع الَّذِي ذكره الْحَاكِم إِسْنَاده جيد ؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط كَمَا نَقله الْبَغَوِيّ فِي «الجعديات» عَن يَحْيَى بن معِين لَكِن رَأَيْت فِي آخر سُؤَالَات أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ لأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ،أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ : دخل عَطاء بن السَّائِب الْبَصْرَة وَجلسَ (فسماع) أَيُّوب،وَحَمَّاد بن سَلمَة فِي الرحلة الأولَى صَحِيح،والرحلة الثَّانِيَة فِيهِ اخْتِلَاط (فَيتَوَقَّف) إِذا فِي ذَلِك .(1/41)
وَأما الْمَوْقُوف فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمَا تقدم،وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمر بن أَحْمد بن يزِيد عَن إِبْرَاهِيم بِهِ،وَلما خرجه الْبَيْهَقِيّ (فِي «خلافياته») من حَدِيث مُوسَى بن أعين عَن عَطاء مَرْفُوعا،قَالَ : تَابعه سُفْيَان الثَّوْريّ،وَجَرِير (بن) عبد الحميد،وفضيل بن عِيَاض وَغَيرهم،عَن عَطاء مُسْندًا مُتَّصِلا،وَرَوَاهُ عبد الله بن طَاوس،عَن أَبِيه،عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا،وَرُوِيَ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا . وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جرير،عَن عَطاء،عَن طَاوس،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا . قَالَ : وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن طَاوس وَغَيره،عَن طَاوس،عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا،وَلَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَطاء .
قلت : قد رَفعه غَيره كَمَا (أسلفنا) لَك . فتلخص مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَن جمَاعَة رَفَعُوهُ عَن عَطاء : (جرير) كَمَا رَوَاهُ (التِّرْمِذِيّ) والسفيانان (كَمَا) رَوَاهُ الْحَاكِم عَنْهُمَا،وفضيل كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان،وَالْحَاكِم،وَالْبَيْهَقِيّ،وَكَذَا الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده»،وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» .
وَلَيْث بن أبي سليم (كَمَا رَوَاهُ) الطَّبَرَانِيّ،وَالْبَيْهَقِيّ . ومُوسَى بن أعين،كَمَا (ذكره) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ومُوسَى بن عُثْمَان كَمَا سلف عَن الدَّارمِيّ (إِن) ثَبت أَنه غير ابْن أعين فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة اتَّفقُوا عَلَى رَفعه،وَوَقفه طَاوس،وَابْنه (وَإِبْرَاهِيم) فِي إِحْدَى روايتيه،فَحِينَئِذٍ يتَوَقَّف فِي إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْأَصَح وَقفه .
وَأما دَعْوَى النَّوَوِيّ ضعف رِوَايَة الرّفْع ؛ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاقه،وَكَأَنَّهُ أَرَادَ رِوَايَة عَطاء المروية عَنهُ بعد الِاخْتِلَاط،وَقد قَالَ فِي «شَرحه لمُسلم» فِي الْكَلَام عَلَى الْخطْبَة : عَطاء بن السَّائِب تَابِعِيّ ثِقَة،اخْتَلَط فِي آخر عمره،قَالَ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ : فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح السماع،وَمن سمع مِنْهُ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ مُضْطَرب الحَدِيث ؛ فَمن السامعين أَولا : سُفْيَان الثَّوْريّ،وَشعْبَة،وَمن السامعين آخرا : جرير،وخَالِد بن عبد الله،وَإِسْمَاعِيل،وَعلي بن عَاصِم،كَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل،وَقَالَ يَحْيَى بن معِين : سمع مِنْهُ أَبُو عوَانَة فِي الْحَالين،فَلَا يحْتَج بحَديثه .
قلت : فَيلْزمهُ عَلَى هَذَا تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَطاء،كَمَا صَححهُ الْحَاكِم وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين .
قلت : وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق أُخْرَى فِي «سنَن النَّسَائِيّ» صَحِيحَة،أخرجهَا من حَدِيث طَاوس،عَن رجل أدْرك النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «الطّواف صَلَاة ؛ فَإِذا طفتم فأقلوا الْكَلَام» وَجَمِيع رُوَاته ثِقَات ؛ فَإِنَّهُ أخرجه عَن يُوسُف بن سعيد - وَهُوَ ثِقَة حَافظ كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ - عَن حجاج - وَهُوَ (ابْن مُحَمَّد) المصِّيصِي،كَمَا بَينه ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَهُوَ أحد الْحفاظ لَا يسْأَل عَنهُ،أخرج لَهُ السِّتَّة - عَن ابْن جريج - وَهُوَ أحد الْأَعْلَام . ثمَّ أخرجه عَن الْحَارِث بن مِسْكين،عَن ابْن وهب،عَن ابْن جريج،عَن الْحسن بن مُسلم - وَهُوَ ابْن ينَّاق - عَن طَاوس بِهِ . وَلَا يضر جَهَالَة الرجل الْمدْرك لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - والناقل عَنهُ ؛ فَإِن الظَّاهِر صحبته،وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق وروح قَالَا : ثَنَا ابْن جريج قَالَ : أَخْبرنِي الْحسن بن مُسلم،عَن طَاوس ... فَذكره ثمَّ قَالَ : وَلم يرفعهُ مُحَمَّد بن بكر . كَذَا وجدته .(1/42)
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق آخر مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر،وَهِي الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» كَمَا أسلفناه عَنهُ رَوَاهُ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان،عَن طَاوس قَالَ : قَالَ عبد الله بن عمر : «أقلوا الْكَلَام فِي الطّواف ؛ فَإِنَّمَا أَنْتُم فِي الصَّلَاة» .
وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث طَاوس،عَن ابْن عمر،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة ؛ فأقلوا فِيهِ من الْكَلَام» فَقَالَ : اخْتلف فِيهِ عَلَى طَاوس ؛ فَروِيَ عَنهُ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا،وَعَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وموقوفًا،قَالَ : وَقَول من قَالَ : عَن ابْن عمر أشبه .
وَهَذَا نمط آخر . وَقد اجْتمع - بِحَمْد الله وَمِنْه - فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث مهمات ونفائس لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره،ونسأل الله زِيَادَة فِي التَّوْفِيق .
قلت : وَمِمَّا يسْتَدلّ (بِهِ) من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي لَا شكّ فِيهَا وَلَا ريب عَلَى اشْتِرَاط الطَّهَارَة للطَّواف حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا : «لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح،أخرجه مُسلم كَمَا أسلفناه،وَحَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا وَقد حَاضَت : افعلي مَا يفعل الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ» وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (وحديثها) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم مَكَّة أَنه تَوَضَّأ ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ» أودعاه أَيْضا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» .
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : خُذُوا عني مَنَاسِككُم ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه» . اهـ
فنلاحظ على هذا التخريج ذكر جميع الروايات،والكلام عليها،والكلام عن عطاء بن السائب،بيان من روى عنه قبل الاختلاط،والكلام عن رفع الحديث ووقفه،وغير ذلك من درر نادرة لا نجدها إلا في هذا الكتاب .
4. جمع الأسانيد وطرق الحديث الواحد مع سياق ألفاظه،ويلجأ إلى هذا إذا كان مقصودُ المخرِّج:
أ كشف المتابعات بالنسبة للسند.
ب كشف الشواهد بالنسبة للمتن.
مثاله: حديث القلتين عند الدارقطني،وحديث مجيء جبريل في تعليم الناس أمور دينهم في كتاب الإيمان لابن مندة فقد ذكر سبعة عشر حديثا (1-17).
5. بعد تخريج العالم لحديث الأصل،يأتي ذكر تخريج أحاديث الباب،وهي غير الحديث الأصلي،كما هو حال إشارة الترمذي بقوله:(وفي الباب عن فلان وفلان).
كما في حديث (1) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ ». قَالَ هَنَّادٌ فِى حَدِيثِهِ « إِلاَّ بِطُهُورٍ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ. وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ. وَأَبُو الْمَلِيحِ بْنُ أُسَامَةَ اسْمُهُ عَامِرٌ وَيُقَالُ زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذَلِىُّ.
((1/43)
2) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِ هَذَا وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَأَبُو صَالِحٍ وَالِدُ سُهَيْلٍ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ اخْتُلِفَ فِى اسْمِهِ فَقَالُوا عَبْدُ شَمْسٍ وَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ الأَصَحُّ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَثَوْبَانَ وَالصُّنَابِحِىِّ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَسَلْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَالصُّنَابِحِىُّ الَّذِى رَوَى عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَيُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَحَلَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُبِضَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِى الطَّرِيقِ وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ. وَالصُّنَابِحُ بْنُ الأَعْسَرِ الأَحْمَسِىُّ صَاحِبُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ الصُّنَابِحِىُّ أَيْضًا وَإِنَّمَا حَدِيثُهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ فَلاَ تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِى »......
ثم يأتي عالم ما يعالج هذا الاختصار فيتوسع فيها.
وللحافظ ابن حجر كتاب " فتح الباب في تخريج ما أشار إليه الترمذي بقوله: "وفي الباب" ولكن لا يعرف عنه شيء،ويعدّ الكتاب من ضمن التوسّع في التخريج.
ويهتمُّ الزيلعي في نصب الراية بتخريج الأحاديث الواردة في الباب, وكذلك الحافظ العراقي في تخريج الإحياء الكبير.
وكذلك ابن الملقن في البدر المنير،فقد جمع في باب السواك أكثر من (30) ثلاثين ورقة،ويمكن أن يفرد هذا في كتاب مستقل وطريقته فيه أنه يذكر الشواهد والمتابعات،ويقوم بالحكم على جميع الروايات،وينقل آراء من سبقه،فقد يوافقهم،وقد يردُّ عليهم .
وهذا تخريج لحديث واحد منها فقط(1):
" الحَدِيث الْحَادِي عشر -أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «السِّوَاكُ مَطُهَرِةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
هَذَا الحَدِيث مَشْهُور (وَارِد) من طرق،الَّذِي يحضرنا مِنْهَا سَبْعَة :
أَحدهَا،وَلَعَلَّه أشهرها : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «السِّوَاكُ مطهرةٌ لِلْفَمِّ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي عَتيق،قَالَ : سَمِعت أبي،قَالَ : سَمِعت عَائِشَة،فَذَكرته .
__________
(1) - البدر المنير 1/684-692(1/44)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الصَّحِيح أَن ابْن أبي عَتيق سَمعه من عَائِشَة وَذكر الْقَاسِم فِيهِ غير مَحْفُوظ .
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَبدة بن سُلَيْمَان الْكلابِي،ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق،عَن عبد الله بن مُحَمَّد،قَالَ : سَمِعت عَائِشَة تَقول : فَذَكرته .
وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَبُو عَتيق هَذَا اسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن أبي قُحَافَة،لَهُ من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رُؤْيَة . قَالَ : وَهَؤُلَاء (أَرْبَعَة) فِي نسق وَاحِد لَهُ كلهم رُؤْيَة من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : أَبُو قُحَافَة وَابْنه أَبُو بكر الصّديق (وَابْنه عبد الرَّحْمَن) وَابْنه أَبُو عَتيق . قَالَ : وَلَيْسَ هَذَا لأحد فِي هَذِه الأمَّة (غَيرهم) .
قُلْتُ : لَيْسَ كَذَلِك،فعبد الله بن الزبير أمه أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق وأبوها وجدهَا،فهم أَرْبَعَة متوالدون من الصَّحابة،وَلم أرَ لأبي عَتيق رُؤْيَة وَلَا صُحْبَة،وكأنَّه كَانَ صَغِيرا جدًّا عَلَى عهد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - . لَا جرم لم يذكرهُ ابْن مَنْدَه .
(أمَّا) من رَوَى عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (هُوَ) وَولده،وَولد وَلَده فهم أَرْبَعَة أخر،ذكرهم الْحَافِظ ابْن مَنْدَه أَبُو زَكَرِيَّا فِي جُزْء مُفْرد وهم : أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة،وحَنْظَلَة بن حذيم بن حنيفَة الْمَالِكِي،ومعن بن يزِيد بن الْأَخْنَس السّلمِيّ،وَعبد الرَّحْمَن بن عَلّي بن شَيبَان (الْحَنَفِيّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم .
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ : لَا نعلم خَليفَة وَرثهُ أَبوهُ غير أبي بكر الصّديق،لأنَّه توفّي وَأَبُو قُحَافَة حَيّ فورثه .
وَرَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي،عَن ابْن عُيَيْنَة،عَن ابْن إِسْحَاق،عَن ابْن أبي عَتيق،عَن عَائِشَة .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أبي عمر،عَن ابْن عُيَيْنَة،عَن مسعر،عَن ابْن إِسْحَاق،عَن عبد الله بن أبي عَتيق،عَن عَائِشَة .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : (ورأيته) فِي مُسْند ابْن أبي عمر،كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة .
ورويناه من «مُسْند الْحميدِي»،نَا سُفْيَان،نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق،فَصرحَ ابْن عُيَيْنَة بالسمَّاع من ابْن إِسْحَاق،فَزَالَتْ الْوَاسِطَة .
(وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من حَدِيث دَاوُد بن الْحصين،عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد،عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ) .
وَعَزاهُ غير وَاحِد إِلَى صَحِيح الإِمام أبي بكر ابْن خُزَيْمَة مِنْهُم ابْن الْأَثِير،(والمصنِّف) - أَعنِي الإِمام الرَّافِعِيّ - فِي (شرحي) الْمسند،وَابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب»،وَالنَّوَوِيّ فِي كتبه،وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابيه «الإِمام» و «الإِلمام» وَغَيرهم،قَالُوا : رَوَاهُ من حَدِيث (ابْن) عُمَيْر،عَن عَائِشَة .
وَهُوَ كَمَا قَالُوا،فقد رَأَيْته كَذَلِك فِيهِ بالقدس الشريف فِي رحلتي إِلَيْهَا .
فَأخْرجهُ من حَدِيث سُفْيَان،عَن ابْن جريج،عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان،عَن عبيد بن عُمَيْر عَنْهَا،مَرْفُوعا بِهِ .(1/45)
وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي كتاب الصّيام تَعْلِيقا،فَقَالَ : وَقَالَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : «السِّوَاكُ مطهرةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . وَهَذَا التَّعليق صَحِيح لأنَّه بِصِيغَة جزم،وَهُوَ حَدِيث صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية،وَلَا يضرّهُ كَونه فِي بعض أسانيده ابْن إِسْحَاق كَرِوَايَة ابْن عُيَيْنَة ومسعر،فإنَّ إِسْنَاد البَاقِينَ ثَابت صَحِيح لَا مطْعن لأحد فِي رِجَاله،وَقد شهد لَهُ بذلك غير وَاحِد .
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي «شرح السّنة» : هُوَ حَدِيث حسن . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب : هَذَا حَدِيث (ثَابت) . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَيْهِ أَيْضا : رجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : إِسْنَاده (جيد) .
قَالَ : وَلِهَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِيمَا بَلغنِي . وَكَلَام البُخَارِيّ يشْعر بِصِحَّتِهِ فإنَّه أوردهُ بِصِيغَة الْجَزْم .
قُلْتُ : وَهَذَا الحَدِيث لم أره فِي الْمُسْتَدْرك فِيمَا وقفت عَلَيْهِ من النُّسخ الشاميَّة والمصرية،وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يجْزم بعزوه إِلَيْهِ،وإنَّما تردد فِيهِ،لكنه جزم بذلك فِي «الإِلمام» . وَقد عثر بعض شُيُوخنَا الْحفاظ،فَجزم بأنَّه فِي الْمُسْتَدْرك تقليدًا مِنْهُ،فتنبَّه لذَلِك .
الطَّرِيق الثَّانِي : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «عَلَيْكُمْ بالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ عزَّ وجلَّ» . أخرجه أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» .
الطَّرِيق الثَّالِث : عَن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» والدّارقطني فِي «علله» وَأَبُو نعيم من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة،عَن ابْن أبي عَتيق،عَن أَبِيه،عَن أبي (بكر) بِهِ .
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث،(فَقَالَا) : هُوَ خطأ،إنَّما هُوَ ابْن أبي عَتيق،عَن أَبِيه،عَن عَائِشَة . قَالَ أَبُو زرْعَة : أَخطَأ فِيهِ حَمَّاد (وَقَالَ أبي : الْخَطَأ من حَمَّاد) أَو ابْن أبي عَتيق .
وَقَالَ الدّارقطني فِي «علله» : [ يرويهِ ] حَمَّاد بن سَلمَة (هَكَذَا) - يَعْنِي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي بكر مَرْفُوعا - وَخَالفهُ جمَاعَة من أهل الْحجاز وَغَيرهم،فَرَوَوْه عَن ابْن أبي عَتيق،عَن أَبِيه،عَن عَائِشَة مَرْفُوعا وَهُوَ الصّواب .
قُلْتُ : وأمّا ابْن السَّكن فإنَّه ذكره فِي «صحاحه» .
الطَّرِيق الرّابع : عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْيَبَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» .
رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» . وَفِيه ابْن لَهِيعَة،وَسَيَأْتِي بَيَان حَاله فِي الْبَاب .
وَذكره ابْن عدي فِي «كَامِله» فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة النَّيْسَابُورِي : «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
الطَّرِيق الْخَامِس : عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم وَيَقُول : هُوَ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» .(1/46)
رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث هِشَام بن سُلَيْمَان،ثَنَا يزِيد الرقاشِي،عَن أنس بِهِ . وَيزِيد هَذَا قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره : مَتْرُوك .
الطَّرِيق السَّادس : عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ،وَمَا جَاءنِي جِبْرِيلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ ؛ حتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي،وَلَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ (أَشُقَّ) عَلَى أُمَّتِي لَفْرَضته لَهُم،وَإِنِّي لأَسْتَاكُ حتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادمَ فَمِي» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن ابْن هِشَام بن عمار - وَهُوَ حَافظ أخرج لَهُ البُخَارِيّ محتجًا بِهِ - عَن مُحَمَّد بن (شُعَيْب) - وَهُوَ ابْن شَابُور الدِّمَشْقِي،أخرج لَهُ الْأَرْبَعَة وَوَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك ودحيم . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : هُوَ أثبت من بَقِيَّة وَابْن حمير - عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة وَهُوَ الدِّمَشْقِي (الْقَاص)،ضعفه النَّسَائِيّ وَوَثَّقَهُ غَيره - عَن عَلّي بن يزِيد - وَهُوَ الْأَلْهَانِي،ضعفه جمَاعَة . وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : صَالح - عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الرَّحْمَن لَقِي جمَاعَة من الصَّحَابَة،وَمِنْهُم أَبُو أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - .
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه»،كَذَلِك من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم عَن عُثْمَان (بِهِ) مثله إلاَّ أنَّه (قَالَ) «مطيبة»،بدل «مطهرة» .
ثمَّ أخرجه من حَدِيث سعيد بن أبي مَرْيَم،نَا يَحْيَى بن أَيُّوب،عَن (عبيد الله) بن زحر،عَن عَلّي بن يزِيد،عَن الْقَاسِم،عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا : «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
وَهَذَا سَنَد واه . ثمَّ أخرجه من حَدِيث بَقِيَّة عَن إِسْحَاق بن مَالك الْحَضْرَمِيّ،عَن يَحْيَى بن الْحَارِث،عَن الْقَاسِم،عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا : «السَّوَاكُ مَطْيَبَةً لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
الطَّرِيق السّابع : عَن عَطاء،(عَن) ابْن عَبَّاس من قَوْله : «السَّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده»،ثمَّ قَالَ : لَا نعلم حدَّث (بِهِ) عَن ابْن جريج إلاَّ الرّبيع بن بدر،وَلم يَك بِالْحَافِظِ .
(و) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن حنين،عَن أَبِيه،عَن جدِّه،عَن ابْن عَبَّاس أنَّه سمع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (يَقُول : «السَّوَاكُ يُطَيِّبُ الْفَمْ وَيُرْضِي الرَّبَ» .
(و) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجم شُيُوخه» من حَدِيث (بَحر بن كنيز) السقاء الْمَتْرُوك،عَن جُوَيْبِر،عَن الضَّحَّاك،عَن ابْن عَبَّاس رَفعه : «السَّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَجْلاَةٌ لِلْبَصَرِ» . وَسَيَأْتِي من طَرِيق آخر مَرْفُوعا من حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي فصل مَنَافِع جَاءَت فِي السِّواك - إِن شَاءَ الله - والاعتماد فِي (هَذِه الطّرق) عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين والبواقي متابعات وشواهد لَهَا .
والمطهرة : بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا،لُغَتَانِ : حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي وَابْن السّكيت . وَغَيرهمَا . وَالْفَتْح أفْصح . وَهِي كل مَا يتَطَهَّر بِهِ .
قَالَ ابْن السّكيت : من كسر جعلهَا آلَة،وَمن فتحهَا جعلهَا موضعا يفعل فِيهِ . شبَّه السِّوَاك (بهَا) لأنَّه ينظف الْفَم . وَالطَّهَارَة : النَّظَافَة ". اهـ
وما يذكر في الباب إما أن يكون من المتابعات أو من الشواهد،والشواهد أكثر من المتابعات؛ لأنها غالبًا أحاديث من طريق الصحابة الآخرين.(1/47)
6. ذكر الحديث المعارض وتخريجه بالتوسع سواء استدلَّ به أصحاب المذهب الآخر،أو كان الحديثُ منسوخًا،مع توسع مماثل للتوسع في الأصل.
ومثاله: صنيع الزيلعي في تخريج أحاديث الخصوم بالتوسع،واستفاد من ذلك الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي" التلخيص الحبير"،وتخريج أحاديث الهداية" الدراية".
مثاله كما في نصاب الراية(1):
" الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ: "فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا" . قُلْتُ: غَرِيبٌ،وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا كَانَ يَابِسًا وَأَغْسِلُهُ إذَا كَانَ رَطْبًا،انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ في مسنده وقال: لَا يُعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ هَذَا،وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَمْرَةَ مُرْسَلًا،انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَحْتَجُّونَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: "اغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا"،قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ،وَإِنَّمَا رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ،ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَ،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ فَرْكَ الثَّوْبِ عَلَى غَيْرِ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ،وهذا ينتقص بِمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ: كُنْت أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيُصَلِّي فِيهِ،وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ،وَالْفَاءُ تَرْفَعُ احْتِمَالَ غَسْلِهِ بَعْدَ الْفَرْكِ،وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الفرك بالماء،وهذا ينتقص بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا لَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِظُفْرِي،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَيَخْرُجُ،فَيُصَلِّي وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى بُقَعِ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ،انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهَا: كُنْت أَفْرُكُ مِنْ ثَوْبِهِ،ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ،كَمَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ غَسْلِهِ قَدَمَيْهِ وَمَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ،انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ،لِأَنَّ غَسْلَهُ كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ لَا لِلنَّجَاسَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ،إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: سَيَأْتِي قَرِيبًا.
الْآثَارُ : رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ،قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،فَقَالَ: إنِّي احْتَلَمْتُ عَلَى طُنْفُسَةٍ،فَقَالَ: إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلْهُ،وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَاحْكُكْهُ،وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَارْشُشْهُ بِالْمَاءِ،انْتَهَى.
__________
(1) - نصب الراية - (ج 1 / ص 209) فما بعد(1/48)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ،رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْبَأَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ،ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ،وَيَحُتُّهُ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ،انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ،قَالَ: "إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ أَوْ الْبُزَاقِ"،وَقَالَ: "إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ"،انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ،انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِسْحَاقُ إمَامٌ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ،وَرَفْعُهُ زِيَادَةٌ،وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ،وَمَنْ وَقَفَهُ لَمْ يَحْفَظْ،انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا،وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ،وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شريك عن ابن لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا،وَلَا يَثْبُتُ،انْتَهَى.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في الدراية(1):" 81 - حَدِيث قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - َ لعَائِشَة فِي الْمَنِيّ فاغسليه إِن كَانَ رطبا وافركيه إِن كَانَ يَابسا لم أَجِدهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَة وَهُوَ عِنْد الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَائِشَة قَالَت كنت أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ إِذا كَانَ يَابسا وأغسله إِذا كَانَ رطبا وَلمُسلم من وَجه آخر لقد رَأَيْتنِي وَإِنِّي لأحكه من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ يَابسا بظفري وَلأبي دَاوُد كنت أفركه من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ فركا فَيصَلي فِيهِ وَلأَحْمَد من طَرِيق عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر غَيره كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ يَسْلت الْمَنِيّ من ثَوْبه بعرق الْإِذْخر ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ ويحته يَابسا ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تغسل الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - َ وَرَوَى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق خَالِد بن أبي عزة سَأَلَ رجل عمر فَقَالَ إِنِّي احْتَلَمت عَلَى طنفسة فَقَالَ إِن كَانَ رطبا فاغسله وَإِن كَانَ يَابسا فاحككه فَإِن خَفِي عَلَيْك فارششه وَرَوَى الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس فِي الْمَنِيّ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة المخاط والبزاق قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف وَرَفعه شريك عَن ابْن أبي لَيْلَى عَن عَطاء وَلَا يثبت انْتَهَى وَهُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ . اهـ
وفي البدر المنير(2): " الحَدِيث الْعَاشِر= عَن عَائِشَة،أم الْمُؤمنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت : «كنت أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَرْكًا،فيصلِّي فِيهِ» .
__________
(1) - الدراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 1 / ص 91)
(2) - البدر المنير - (ج 1 / ص 489)(1/49)
هَذَا الحَدِيث صَحِيح،رَوَاهُ البُخَارِيّ،وَمُسلم،فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ .
وَفِي رِوَايَة لَهما : «أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يغسل الْمَنِيّ،ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة فِي ذَلِك الثَّوْب،وَأَنا أنظر إِلَى أثر الْغسْل فِيهِ» .
فَائِدَة : قَالَ الإِمام أَحْمد،ثمَّ الْبَزَّار : إِنَّمَا رُوي غَسْل الْمَنِيّ عَن عَائِشَة من وَجه وَاحِد،رَوَاهُ عَمْرو بن مَيْمُون،عَن سُلَيْمَان،وَلم يسمع (من) عَائِشَة .
قَالَ الْبَزَّار : فَلَا يكون مُعَارضا للأحاديث الَّتِي فِيهَا الفرك .
كَذَا قَالَا،وَفِي «صَحِيح (البُخَارِيّ) » هُنَا التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهَا .
وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث (عمْرَة) عَنْهَا،بل الْبَزَّار (نَفسه) رَوَى ذَلِك،كَمَا سَيَأْتِي فِي الحَدِيث (الثَّانِي) عشر .
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ : وَرُوِيَ أَنَّهَا تفركه وَهُوَ فِي الصَّلَاة . قَالَ : وَالِاسْتِدْلَال بهَا أَقْوَى .
قلت : بِلَا شكّ،وَهِي رِوَايَة صَحِيحَة،(رَوَاهَا) أَئِمَّة حفَّاظ،بأسانيد كل رجالها ثِقَات،لَا مطْعن لأحد فيهم .
أَوَّلهمْ : إِمَام الْأَئِمَّة أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة،رَوَاهُ فِي «صَحِيحه»،عَن الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي،عَن إِسْحَاق،عَن مُحَمَّد بن قيس،عَن محَارب بن دِثَار،عَن عَائِشَة «أَنَّهَا كَانَت تَحُتُّ الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي» . وهذ إِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح،كل رِجَاله ثِقَات فِي الصَّحِيح فالزعفراني أخرج لَهُ البُخَارِيّ . (وَإِسْحَاق هُوَ) (ابْن) يُوسُف الْأَزْرَق،اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَيْهِ . وَمُحَمّد بن قيس رَوَى لَهُ مُسلم،ووثَّقه وَكِيع وَأحمد وَيَحْيَى وَعلي بن الْمَدِينِيّ . ومحارب بن دثار اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : ذكر مَا رُوِيَ من فركه فِي الصَّلَاة . ثمَّ قَالَ : رَوَى ابْن خُزَيْمَة ... وَسَاقه كَمَا ذكرته .
وثانيهم : الْحَافِظ أَبُو حَاتِم بن حبَان،فإنَّه أخرجه فِي «صَحِيحه»،عَن مُحَمَّد بن (عَلان)،نَا لوين،نَا حَمَّاد بن زيد،عَن هِشَام الدستوَائي،عَن أبي معشر،عَن إِبْرَاهِيم،عَن الْأسود،عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت : «لقد رَأَيْتنِي أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي» .وَهَذَا إِسْنَاد (فِي غَايَة من الصِّحَّة .
وثالثهم : الْحَافِظ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ،فَإِنَّهُ قَالَ فِي «تَحْقِيقه» : أَنا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز،حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَلّي الْحَافِظ،أَنا أَبُو عمر بن مهْدي،نَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي،نَا إِبْرَاهِيم بن (أَحْمد) بن عمر،نَا أبي،نَا وهب بن إِسْمَاعِيل،نَا مُحَمَّد بن قيس،عَن محَارب بن دثار،عَن عَائِشَة قَالَت : «ربَّما حتته من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ» .
ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي «الْمعرفَة» للبيهقي،(فِي أثْنَاء الصَّلَاة،ذكره) (من) حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،(عَن) إِسْحَاق بن يُوسُف،عَن مُحَمَّد بن قيس،عَن محَارب (بن) دثار،عَن عَائِشَة : «أَنَّهَا كَانَت تُحُتُّ الْمَنِيّ من ثِيَاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلَاة» . ثمَّ قَالَ : (وَهَذَا) وإنْ كَانَ فِيهِ بَين محَارب وَعَائِشَة إرْسَال،(فَفِيمَا) قبله مِمَّا يؤكده .
قلت : (هَذَا) قد تَابعه الْأسود - كَمَا سلف - عَلَى تَقْدِير الإِرسال .(1/50)
وَأوردهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» من حَدِيث مَيْمُون بن مهْرَان،عَن ابْن عَبَّاس،عَن عَائِشَة قَالَت : «كنت أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِيهِ» .
فَإِذا عرفت (ذَلِك)،قضيت الْعجب من قَول الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ - رَحمَه - الله : أَن الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة الَّتِي رَوَاهَا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْحفاظ غَرِيبَة . يَعْنِي : أَنه لَا يعرف من رَوَاهَا . اهـ
7. قد يتعرض المخرِّج لشيء لا يدخل في التخريج،مثل تفسير بعض الألفاظ الغريبة،الواقعة في المتن المخرج،مثل ما جاء في تفسير كلمة النغاش:
ففي البدر المنير(1):
" الحَدِيث الرَّابِع عشر = رُوِيَ «أنَّه - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رجلا (نغاشيًّا) فَخر سَاجِدا ثمَّ قَالَ : أسأَل الله الْعَافِيَة» .
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِلَفْظ : «رَأَى رجلا نغاشيًّا ؛ فَسجدَ شكرا لله» وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيم بلاغًا ؛ كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة»،وَذكره الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مستشهدًا بِهِ عَلَى حَدِيث أبي بكرَة فِي سُجُود الشُّكْر الْمَشْهُور فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَغَيره بِلَفْظ «إنَّه - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نغاشيًّا،فَخر سَاجِدا» .
وأسنده الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث من جَابر الْجعْفِيّ،عَن أبي جَعْفَر «إِن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رجلا من النغاشين ؛ فَخر سَاجِدا» .
وَهَذَا مُنْقَطع،وَجَابِر عرفت حَاله فِي بَاب الْأَذَان،وَغَيره .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» من رِوَايَة جَابر،عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَيْضا قَالَ : «رَأَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ : زنيم - قصير - فَخر سَاجِدا،ثمَّ قَالَ : أسأَل الله الْعَافِيَة» .
قَالَ فِي «السّنَن» : هَذَا مُنْقَطع (رَوَاهُ) جَابر الْجعْفِيّ،وَله شَاهد من وَجه آخر ... فَذكره من جِهَة أُخْرَى بِمَعْنَاهُ،وَسَماهُ فِي «الْمعرفَة» مُرْسلا،قَالَ : وَله شَاهد يؤكده ... فَذكره .
قلت : وأسنده ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» من وجهٍ آخر من حَدِيث يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر،عَن أَبِيه،عَن جَابر قَالَ : «كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذا رَأَى الرجل مغير الْخلق خر سَاجِدا شكرا لله» ثمَّ قَالَ : يُوسُف يروي عَن أَبِيه مَا لَيْسَ من حَدِيث أَبِيه من الْمَنَاكِير الَّتِي لَا يشك عوام (أهل) الحَدِيث أَنَّهَا مَقْلُوبَة،وَكَانَ يُوسُف شَيخا صَالحا مِمَّن غلب عَلَيْهِ (الصّلاح) حَتَّى غفل عَن حد الْحِفْظ والإتقان،فَكَانَ يَأْتِي بالشَّيْء عَلَى التَّوَهُّم ؛ فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ .
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي : حَدِيث جَابر - فَقَالَ : هَذَا حَدِيث مُنكر .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 4 / ص 271)(1/51)
فَائِدَة : النُّغاشي - بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة المخففة ثمَّ ألف ثمَّ شين مُعْجمَة - وَهُوَ الرجل الْقصير،كَمَا سلف فِي متن الحَدِيث،وَكَذَا فسره بِهِ ابْن فَارس وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (وَزَاد فِي «غَرِيبه» : الضَّعِيف الْحَرَكَة،وَكَذَا هُوَ فِي «المعرب» للمطرزي فَقَالَ : هُوَ الْقصير فِي [ الْقَامَة ] الضَّعِيف الْحَرَكَة (وَقَالَ فِي (زنيم) «رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ : (زنيم) فَخر سَاجِدا» قَالَ : فَهَذَا عَلَى هَذَا اسْم علم الرجل بِعَيْنِه،وَقد أسلفنا هَذِه الرِّوَايَة) وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فِي الحَدِيث «إِنَّه رَأَى نغاشيًّا» وَيروَى «نغاشًا فَسجدَ» قَالَ (أَبُو عبيد) وَهُوَ (القصنصع الْبُنيان) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : النغاشيون هم : الْقصار الصغار الْحَرَكَة،والقَلَطي فَوق النغاشي . وَقَالَ الْأَزْهَرِي : النغاش الْقصير الضاوي الصَّغِير الجثة . قَالَ : وَنصب «شكرا لله» لِأَنَّهُ مصدر،وَفِيه قَول آخر إِنَّه نصب ؛ لِأَنَّهُ مفعول لَهُ . وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن : النغاشي : النَّاقِص الْخلقَة . وَقيل : هُوَ مختلط الْعقل . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ : هُوَ النَّاقِص الْخلق . وَقيل : الْمُبْتَلَى . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : النغاشي [ بتَشْديد الْيَاء ] والنغاش - بحذفها - هُوَ : الْقصير جدًّا الضَّعِيف الْحَرَكَة (النَّاقِص الْخلق . وَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير،وَهَذِه الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة) . اهـ
8. بيان بعض الاصطلاحات الحديثية،أو الفقهية أو الأصولية،مثل بيان العلو،ودلالة المنطوق والمفهوم وبيان الرخصة والعزيمة.(1)
وهذه لقطات من التعليق على حديث واحد،ففي البدر المنير(2):
"الْوَجْه الثَّالِث من التَّعْلِيل : التَّعْلِيل بالإِرسال .
قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر : ذكر ابْن أبي عمر،والْحميدِي،والمخزومي،عَن ابْن عُيَيْنَة،عَن يَحْيَى بن سعيد،عَن رجل من أهل الْمغرب - يُقَال لَهُ : الْمُغيرَة بن عبد الله بن أبي بردة - : «أنَّ نَاسا من بني مُدْلِج أَتَوا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا : يَا رَسُول الله ! إنَّا نركب أَرْمَاثًا فِي الْبَحْر ...» وسَاق الحَدِيث بِمَعْنى حَدِيث مَالك .
قَالَ أَبُو عمر : هُوَ مُرْسل،وَيَحْيَى بن سعيد أحفظ من صَفْوَان بن سليم،وَأثبت من سعيد بن سَلمَة،وَلَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مِمَّا تقوم بِهِ عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ حجَّة ؛ لِأَن فِيهِ رجلَيْنِ غير معروفين بِحمْل الْعلم .
وَأَرَادَ أَبُو عمر بِالرجلَيْنِ : سعيدًا والمغيرة،وَقد تقدَّم رَدُّ جهالتهما،وَأكْثر مَا بَقِي فِي هَذَا الْوَجْه - بعد اشتهار سعيد والمغيرة - تَقْدِيم إرْسَال الأحفظ،عَلَى إِسْنَاد من دونه،فإنَّ يَحْيَى بن سعيد أرْسلهُ من هَذَا الْوَجْه،وَسَعِيد بن سَلمَة أسْندهُ،وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فِي الْأُصُول .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «(شرح) الإِلمام» : وَهَذَا غير قَادِح عَلَى الْمُخْتَار عِنْد أهل الْأُصُول .
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر - بعد أَن ذكر رِوَايَة من رَوَى عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أَبِيه وَقد جَوَّدَه عبد الله بن يُوسُف،عَن مَالك،عَن صَفْوَان،سمع (الْمُغيرَة) أَبَا هُرَيْرَة .
وَأَيْضًا تقدم رِوَايَة مَالك وَمن تَابعه لعدم الِاضْطِرَاب فِيهَا،عَلَى رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد للِاخْتِلَاف عَلَيْهِ .اهـ
__________
(1) - ( التلخيص الحبير،1/18،1/ 126).
(2) - البدر المنير - (ج 1 / ص 356)(1/52)
وقال أيضاً(1): "الطَّرِيق الرَّابِع : عَن مُسلم بن مخشي،(عَن) ابْن الفِراسي - بِكَسْر الْفَاء وَالسِّين الْمُهْملَة - قَالَ : كنت أصيد،وَكَانَت لي قربَة أجعَل فِيهَا مَاء،وَإِنِّي تَوَضَّأت بِمَاء الْبَحْر،فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ،الْحل ميتَته» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» كَذَلِك «ابْن الفراسي»،وَالتِّرْمِذِيّ،قَالَ فِي «جَامعه» : الفراسي عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَكَذَا هُوَ عِنْد ابْن عبد الْبر،وَذكر : أَن إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم،وَأَن الفراسي (مَجْهُول) فِي الصَّحَابَة غير مَعْرُوف .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (فِي «الإِمام») : إِن كَانَ مُرَاد أبي عمر مَجْهُول الْحَال،مَعَ إِثْبَات كَونه من الصَّحَابَة،فقد اشْتهر بَين أَرْبَاب الْأُصُول والْحَدِيث،أنَّ ذَلِك لَا يضر،لعدالة جَمِيع الصَّحَابَة . وإنْ أَرَادَ مَجْهُول الصُّحْبَة،فقد أثبت البُخَارِيّ (صحبته)،فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «علله»،فِيمَا ذكر عَنهُ .
وَعَابَ عبد الْحق سَنَد هَذَا الحَدِيث بِأَن قَالَ : لم يَرْوِه - فِيمَا أعلم - إلاَّ مُسلم بن مخشي،وَمُسلم لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ بكر بن سوَادَة .
وتعقَّبه ابْن الْقطَّان،فَقَالَ فِي كِتَابه «الْوَهم والإِيهام» : أَظن أنَّه خَفِي عَلَى عبد الْحق انْقِطَاع حَدِيث الفراسي،وَهُوَ حَدِيث لم يسمعهُ مُسلم من الفراسي،وإنَّما سَمعه من ابْن الفراسي (عَن الفراسي) .
ثمَّ ذكر رِوَايَة أبي عمر بِإِسْنَادِهِ إِلَى بكر بن سوَادَة،عَن مُسلم بن مخشي : أَنه حدَّث أنَّ الفراسي قَالَ : «كنت أصيد فِي الْبَحْر الْأَخْضَر،عَلَى أَرْمَاث ...» الحَدِيث .
قَالَ : وَمَا أرَى أَبَا مُحَمَّد وقف عَلَيْهِ إلاَّ عِنْد ابْن عبد الْبر،وَلذَلِك مَا نقل فِيهِ مَا (قَالَ) فِي حَدِيث «إِذا كنت سَائِلًا فسل الصَّالِحين»،حَيْثُ قَالَ : (ابْن) الفراسي لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ مُسلم بن مخشي . وَذَلِكَ أَنه لم يرَ فِي حَدِيثه (هَذَا لِابْنِ) الفراسي ذكرا،(وَرَآهُ) فِي حَدِيث «سل الصَّالِحين» . وَمن هُنَاكَ [ يتَبَيَّن ] : أَن مُسلم بن مخشي لَا يَروي عَن الفراسي إلاَّ بِوَاسِطَة ابْنه،والْحَدِيث الْمَذْكُور ذكره فِي الزَّكَاة من حَدِيث النَّسَائِيّ،من رِوَايَة : مُسلم بن مخشي عَن ابْن الفراسي [ أَن الفراسي ] قَالَ لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسألُ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : «لَا،وإنْ كنتَ لابدَّ سَائِلًا فسلِ الصَّالِحين» .
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَن حَدِيث (ابْن) الفراسي فِي مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : مُرْسل،لم يدْرك ابْن الفراسي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،والفراسي لَهُ صُحْبَة .
فَهَذَا - كَمَا ترَى - يُعْطي أنَّ الحَدِيث يُروى أَيْضا عَن ابْن الفراسي،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،لَا (يذكر) فِيهِ الفراسي،فَمُسلم بن مخشي (لَا يروي) إلاَّ عَن الابْن،(وَرِوَايَته) عَن الْأَب مُرْسلَة . انْتَهَى مَا ذكره ابْن الْقطَّان .
فتبيَّن بِهَذَا : أَن الحَدِيث إمَّا مُنْقَطع بَين مُسلم بن مخشي والفراسي،أَو مُرْسل بَين (ابْن) الفراسي وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 1 / ص 364)(1/53)
وجوَّز الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» أَن يكون ابْن الفراسي والفراسي وَاحِدًا وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ،قَالَ : (وَيُؤَيِّدهُ) : رِوَايَة ابْن مَاجَه - الْمُتَقَدّمَة - فإنَّ ظَاهرهَا أنَّ ابْن الفراسي هُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَسمع مِنْهُ ذَلِك،قَالَ : فَإِذا (ضُمَّ) إِلَى ذَلِك رِوَايَة من رَوَى : الفراسي،اقْتَضَى أَنَّهُمَا (وَاحِد) اخْتلف فِي اسْمه . اهـ
وقال أيضاً(1): "ونختم الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث بخاتمتين :
إِحْدَاهمَا : مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث : سعيد بن ثَوْبَان،عَن أبي هِنْد،عَن أبي هُرَيْرَة،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «من لم يُطَهِّره مَاء الْبَحْر،فَلَا طَهَّره الله» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : إِسْنَاده حسن .
قلت : فِيهِ نظر ؛ فإنَّ فِيهِ : مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ،وَإِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار،أما الأول : فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» - فِي بَاب «فرض الْجدّة والجدتين» - : لَيْسَ بِالْقَوِيّ . وَأما الثَّانِي : فَقَالَ أَحْمد بن عَلّي الأبَّار : سَأَلت زنيجًا أَبَا غَسَّان عَنهُ،فَقَالَ : تركته . وَلم يرضه،وَقَالَ ابْن معِين : لَيْسَ بِذَاكَ .
الثَّانِيَة : فِي التَّنْبِيه عَلَى ضبط الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِيهِ،وَبَعض فَوَائده،بأوجز (عبارَة)،فَإِنَّهُ حَدِيث عَظِيم،أصل من أصُول الطَّهَارَة،مُشْتَمل عَلَى أَحْكَام كَثِيرَة،وقواعد مهمة . قَالَ المارودي - من أَصْحَابنَا - فِي «الْحَاوِي» : قَالَ الْحميدِي : قَالَ الشَّافِعِي : هَذَا الحَدِيث نصف علم الطَّهَارَة . فَنَقُول :
أَولهَا : «الْبَحْر» : هُوَ المَاء الْكثير،ملحًا كَانَ أَو عذبًا . مِمَّن نَص عَلَى ذَلِك : ابْن سَيّده فِي «الْمُحكم»،قَالَ : وَقد غلب عَلَى الْملح،حتَّى قلَّ فِي العذب،وصرفوه عَلَى مَعْنَى الملوحة . وَقَالَ القَزَّاز : إِذا اجْتمع الْملح والعذب سموهُ باسم الْملح،أَي : بحرين . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ (،قَالَ : وسُمي بذلك لسعته،من قَوْلهم : تَبحَّر الرجل فِي الْعلم . أَي : اتَّسع . وَقَالَ الْأَزْهَرِي : سميت الْأَنْهَار : بحارًا ؛ لِأَنَّهَا مشقوقة فِي الأَرْض شقًّا،وَمِنْه سميت البَحِيْرَة .
الثَّانِيَة : «الطّهُور» بِفَتْح الطَّاء : اسْم للْمَاء،وَبِضَمِّهَا : اسْم للْفِعْل . هَذَا هُوَ أشهر اللُّغَات فِيهِ . وَقيل : بِالضَّمِّ فيهمَا . وَقيل : بِالْفَتْح فيهمَا .
الثَّالِثَة : قَوْله «الحِلُّ» : هُوَ بِمَعْنى الْحَلَال،(كَمَا يُقَال فِي ضِدّه : حرم،وَحرَام،وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات : «الْحَلَال) ميتَته» . كَمَا تقدم .
الرَّابِعَة : قَوْله : «ميتَته» : هُوَ بِفَتْح الْمِيم ؛ لِأَن المُرَاد : الْعين الْميتَة،وَأما (الْميتَة بِكَسْر الْمِيم : هَيْئَة الْمَوْت) .
قَالَ الْمبرد : المِيتة : الْمَوْت،وَهُوَ من أَمر الله - عزَّ وجلَّ - يَقع فِي الْبر وَالْبَحْر،لَا يُقَال فِيهَا : لَا حَلَال،وَلَا حرَام . وَلَا مَعْنَى لهَذَا هُنَا .
قَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «إصْلَاح الْخَطَأ» - ثمَّ الشَّيْخ زكي الدَّين - : وعوامّ الروَاة يولعون بِكَسْر الْمِيم فِي هَذَا الموطن،وَهُوَ خطأ .
وَكَذَا (قَالَ) صَاحب «الْمَشَارِق» : من رَوَاهُ بِالْكَسْرِ فقد أَخطَأ .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 1 / ص 374)(1/54)
قَالَ الشَّيْخ فِي «الإِمام» : قَالَ بَعضهم : يُقَال فِي الْحَيَوَان : ميتَة،وَفِي (الأَرْض) : ميت،بِغَيْر هَاء،قَالَ تَعَالَى : (إِلَّا أَن يكون ميتَة)،وَقَالَ تَعَالَى : (وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا) . قَالَ : وَهَذَا يرد عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : (وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة) . أه .
و (الْميتَة) : بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف،بِمَعْنى وَاحِد فِي موارد الِاسْتِعْمَال،وَفصل بَعضهم بَينهمَا . قَالَ (البَطَلْيَوسي) فِي «شرح أدب (الْكَاتِب) » : فرَّق قوم بَين الْمَيِّت بِالتَّخْفِيفِ،والميِّت بِالتَّشْدِيدِ (فَقَالُوا) : الأول مَا قد مَاتَ،وَالثَّانِي (مَا) سيموت . وَهَذَا خطأ . ثمَّ أوضحه ابْن عَطِيَّة فِي «تَفْسِيره»،نقل هَذَا أَيْضا،إلاَّ أَنه قَالَ : بِالتَّشْدِيدِ يُستعمل فِيمَا مَاتَ،وَفِيمَا لم يَمُتْ بعد .
الْخَامِسَة : «الأَرْمَاث» الْمَذْكُور فِي بعض رويات الحَدِيث،هُوَ : بِفَتْح الْهمزَة،(وبالراء) الْمُهْملَة،وَآخره ثاء مُثَلّثَة،جمع : رَمَث : (بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم)،وَهِي : خشب يُضم بعضُها إِلَى بعض،ويُركَبُ عَلَيْهَا فِي الْبَحْر .
السَّادِسَة : قَوْله : «فَيَعْزُبُ فِيهِ (الليلتين) وَالثَّلَاث» . يجوز أَن يُقرأ بالغين الْمُعْجَمَة،وَالرَّاء الْمُهْملَة ؛ أَي : يبعد . وبالعين الْمُهْملَة،وَالزَّاي الْمُعْجَمَة،يُقَال : عَزَبَ بِالْفَتْح،يَعْزُبُ بِالضَّمِّ ؛ أَي : بَعُدَ . أفادهما الشَّيْخ فِي «الإِمام» .
السَّابِعَة : أنهَى بَعضهم إِعْرَاب قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ : «الطهورُ ماؤهُ،الحِلُّ ميتتهُ» إِلَى قريب من عشْرين وَجها،كَمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام»،فِي كثير مِنْهَا تكلّف وإضمار لَا يظْهر الدّلَالَة عَلَيْهَا،قَالَ : فتركنا أَكْثَرهَا،(واقتصرنا) عَلَى أَرْبَعَة أوجه :
الأول : أَن يكون «(هُوَ») : (مُبْتَدأ،و «الطّهُور» : مُبْتَدأ ثَانِيًا،وَخَبره : مَاؤُهُ،وَالْجُمْلَة من هَذَا) الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره،خبر الْمُبْتَدَأ الأول .
الثَّانِي : أَن يكون «هُوَ» مُبْتَدأ،«الطّهُور» خَبره،وماؤه من بدل الاشتمال .
الثَّالِث : أَن يكون «هُوَ» ضمير الشَّأْن،و «الطّهُور مَاؤُهُ» : مُبْتَدأ وخبرًا .
الرَّابِع : أَن يكون «هُوَ» مُبْتَدأ،و «الطّهُور» خَبره،و «مَاؤُهُ» فَاعل ؛ لِأَنَّهُ قد (اعْتمد) عَامله بِكَوْنِهِ خَبرا .
الثَّامِنَة : فِيهِ جَوَاز الطَّهَارَة بِمَاء الْبَحْر،وَبِه قَالَ جَمِيع الْعلمَاء،إلاَّ (ابْن عمر،وَابْن عَمْرو)،وَسَعِيد بن الْمسيب،وتقدَّم (قبل) ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة،و (رِوَايَته) الحَدِيث «أَنه طهُور» (ترده)،وَكَذَا رِوَايَة عبد الله بن عمر أَيْضا .
التَّاسِعَة : فِيهِ أنَّ الطّهُور،هُوَ (المطهر)،وَهُوَ مَذْهَبنَا،وَبِه قَالَ الْجُمْهُور،خلافًا لأَصْحَاب أبي حنيفَة،حَيْثُ قَالُوا : هُوَ الطَّاهِر . حجَّة الْجُمْهُور : أَنهم سَأَلُوا عَن طهوريته،لَا عَن طَهَارَته .
الْعَاشِرَة : فِيهِ أَن ميتات الْبَحْر كلهَا حَلَال،لَكِن يُسْتَثْنَى عندنَا الضفدع،والسرطان،لدَلِيل خَصَّهما .
الْحَادِيَة عشرَة : فِيهِ أَن (السّمك) الطافي - وَهُوَ الَّذِي مَاتَ فِي الْبَحْر بِغَيْر سَبَب - حَلَال،وَهُوَ مَذْهَبنَا،وَبِه قَالَ الْجُمْهُور،وَقَالَ أَبُو حنيفَة : لَا يحل .
الثَّانِيَة عشرَة : فِيهِ أَن ركُوب الْبَحْر جَائِز،اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يهيج،ويغلب عَلَى الظَّن الْهَلَاك،فَلَا لدَلِيل آخر.(1/55)
الثَّالِثَة عشرَة : (فِيهِ) أَن المَاء إِذا خالطه مَاء أَزَال عَنهُ اسْم المَاء الْمُطلق،لم يجز الطَّهَارَة بِهِ عندنَا،وَبِه قَالَ الْجُمْهُور،(وجوَّزه) أَبُو حنيفَة . وَمَوْضِع الدّلَالَة لِلْجُمْهُورِ : أَنهم شَكُّوا فِي جَوَاز الطَّهَارَة بِمَاء الْبَحْر من أجل ملوحته،فسألوا عَنهُ،فَلَو لم يكن (التَّغَيُّر) فِي الْجُمْلَة مؤثرًا لم يسْأَلُوا (عَنهُ) .
الرَّابِعَة عشرَة : فِيهِ أَن الْمُفْتِي إِذا سُئل عَن شَيْء،وَعلم أنَّ بالسائل حَاجَة إِلَى أَمر آخر مُتَعَلق بِالْمَسْأَلَة،يسْتَحبّ لَهُ أَن يذكرهُ لَهُ،ويعلمه إِيَّاه ؛ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن مَاء الْبَحْر،فَأُجِيب بمائه وَحكم ميتَته ؛ لأَنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى الطَّعَام كَالْمَاءِ،وَإِذا جهلوا كَونه مطهرًا فجهالتهم حل ميتَته أولَى،ونظائر هَذَا كثير فِي الْأَحَادِيث .
الْخَامِسَة عشرَة : اسْم السَّائِل عَن الْبَحْر هُوَ : العَرَكي - بِفَتْح الْعين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ - هَكَذَا قَالَه السَّمْعَانِيّ فِي «الْأَنْسَاب» .
وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني - (أَي : بِسَنَدِهِ) - عَن العركي،أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» .
وغَلَّطُوه - أَعنِي السَّمْعَانِيّ - فِي قَوْله : اسْمه «العركي»،وَإِنَّمَا العركي وصفٌ لَهُ،وَهُوَ : مَلاَّح السَّفِينَة .
(و) تبعه الْحَافِظ أَبُو عبد الله (الذَّهَبِيّ) فِي مُخْتَصره «معرفَة الصَّحَابَة»،فَقَالَ : هُوَ اسْم (يشبه) النِّسْبَة،وَفِيه النّظر الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا،وإنَّما اسْمه : عبيد،وَقيل : عبد،بِالتَّصْغِيرِ وَالتَّكْبِير . وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ : الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ،فَقَالَ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» : عبد،أَبُو زَمعَة،البلوي،الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن مَاء الْبَحْر،قَالَ ابْن منيع : بَلغنِي أَن اسْمه : عبيد . وَأوردهُ الطَّبَرَانِيّ فِيمَن اسْمه عبيد . وَأوردهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بالعركي،والعركي : هُوَ الملاح،وَلَيْسَ لَهُ باسم . هَذَا لفظ أبي مُوسَى برمتِهِ . وَفِي «علل» أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ : أَن اسْمه عبد الله،كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَة لَا بَأْس بهَا . وَقد تقدم أَن السَّائِل (هُوَ) : الفِراسي،أَو ابْن الفِراسي . وَقَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : يُقَال : إنَّ هَذَا الرجل كَانَ من بني مُدْلِج .
قلت : قد ورد هَذَا صَرِيحًا،مَجْزُومًا بِهِ فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير»،فَرَوَاهُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْمُغيرَة بن أبي بردة،عَن المدلجي،«أَنه أَتَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ...» فَذكر الحَدِيث . وَقَالَ ابْن بشكوال : إِنَّه عِنْده العركي،(وَكَذَا) أَبُو الْوَلِيد فِي «مشتبه النِّسْبَة» من تأليفه،ثمَّ قَالَ : وَقيل : هُوَ عبد الله المدلجي،وَسَاقه بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك . وَهَذَا الَّذِي قَالَه السَّمْعَانِيّ،وَأَبُو مُوسَى،والرافعي : إِنَّمَا ينفعنا فِي رِوَايَة من رَوَى : «أَن رجلا سَأَلَ»،أَو «سَائِلًا (سَأَلَ) . فَأَما الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة : أَن (رجَالًا) من بني مُدْلِج،أَو نَاسا»،فَيحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن اسمهم،وَالظَّاهِر أَن الْقِصَّة وَاحِدَة .
وَالْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث منتشر جدا،لَا يسعنا هُنَا استيعابه،وَقد نبَّهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى كثير (مِمَّا تركنَا)،ولعلنا نفرده بالتصنيف - إِن شَاءَ الله وقَدَّر .
وَقد فعل ذَلِك - وَله الْحَمد - فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ،فِي جُزْء لطيف . " اهـ(1/56)
9. تعقب المتأخر للمتقدم،مثل تعقب الزيلعي على شيخه مُغْلَطَاي،أو تعقب ابن قطلوبغا على الزيلعي في " مُنيَة الألمعي" على الزيلعي.
وذلك بأن يقع الخطأ في عزو الحديث فيتعقب المتأخر المتقدم،كما في حديث:" لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"
قال الزيلعي(1):
" الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ،فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ،رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ،أَوْ نِصْفِهِ"،انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ،وَلَأَخَّرْت الْعِشَاءَ الآخرة إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"،وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ،انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ،فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الطَّهَارَةِ،وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّوْمِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ،وَلَأَخَّرْت العشاء الآخرة إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"،فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ،وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ،لَا يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا اسْتَنَّ،ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ،انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،انْتَهَى.
وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ،لِأَبِي دَاوُد،وَأَبُو دَاوُد لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهُ إلَّا فَضْلَ السِّوَاكِ،لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ،وَعَجِبْت مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ إذْ لَمْ يُبَيِّنُوا ذَلِكَ: مَعَ أَنَّهُ مِنْ عَادَتِهِمْ،كَابْنِ عَسَاكِرَ،وَشَيْخِنَا الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ،وَقَدْ أَحْسَنَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ لَفْظَ أَبِي دَاوُد،فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ،ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفَضِيلَتَيْنِ: يَعْنِي فَضْلَ السِّوَاكِ. وَفَضْلَ الصَّلَاةِ،وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَى فَضْلِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ. وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ،ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ عَزَوْهُ لِلنِّسَائِيِّ فِي الصَّوْمِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الصُّغْرَى فَلْيُنْظَرْ الْكُبْرَى.
__________
(1) - نصب الراية - (ج 1 / ص 247) فما بعد(1/57)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ،فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ اللَّيْلُ أَوْ بَعْضُهُ فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ،فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: "إنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ،وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْت بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ"،ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ،وَصَلَّى،انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ،قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي،وَذَكَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"،قَالَ أَبِي: إنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قال الشيخ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُزَنِيّ،قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ،وَالْمَقْبُرِيِّ رَوَى عَنْهُ مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ،وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ،وَلَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا،وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ،وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الْمَغْرِبَ،ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ،ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ،وَقَالَ: "لَوْلَا الضَّعِيفُ وَالسَّقِيمُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ"،انْتَهَى كَلَامُهُ. اهـ
فقد تعقب الزيلعي شيخه مغلطاي بعزوه هذا الحديث إلى أبي داود بكماله،وأبو داود لم يُخرِّج منه إلا فضل السواك،ولم يذكر فيه تأخير العشاء.
وانظر هذه اللفتات الأخرى لابن الملقن رحمه الله في تعقيبه على ابن الصلاح والنووي(1):
" الحَدِيث الْخَامِس عشر = أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ والسِّوَاكِ عندَ كُلِّ وضوءٍ» .هَذَا الحَدِيث صَحِيح .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 1 / ص 716) فما بعد(1/58)
رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك»،عَن عَلّي بن حمشاد،ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي،ثَنَا عَارِم بن الْفضل،ح قَالَ (وحَدَّثَني) مُحَمَّد بن صَالح بن (هَانِئ)،نَا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن يَحْيَى،نَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي قَالَا : ثَنَا حَمَّاد بن زيد،نَا عبد الرَّحْمَن بن السراج،عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري،عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لفرضتُ عَلَيهِمْ السِّوَاكَ معَ الوضوءِ،ولأخرتُ صَلاَةَ العشاءِ إِلَى نصفِ الليلِ» . وَقَالَ الْحَاكِم : هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ،وَلَيْسَ لَهُ عِلّة،وَقد خرجا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْبَاب وَلم يخرجَا لفظ الْفَرْض فِيهِ . قَالَ : وَله شَاهد بِهَذَا اللَّفْظ فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لفرضت عَلَيهِم السِّوَاكَ عندَ كُلِّ صلاةِ كَمَا فرضت عَلَيْهِم الوضُوء» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره شَيْخه الْحَاكِم وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يَحْيَى،أَنا [ عبيد الله ]،حَدَّثَنَي سعيد بن (أبي) سعيد بِهِ بِلَفْظ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بالسِّوَاكِ مَعَ (كُلِّ) وضوءٍ،ولأخرتُ العشاءَ إِلَى ثُلثِ الليلِ أَوْ إِلى شطرِ الليلِ» .
وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» من حَدِيث عبيد الله بن [ عمر ]،عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ وضوءٍ ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل» .
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ من حَدِيث أبي معشر،عَن سعيد المَقْبُري،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأمرتُهم عِنْد كلِّ صلاةِ وضُوءًا،وَمَعَ كلِّ صلاةِ سِوَاكًا،ولأخرت صلاةَ العشاءِ إِلَى نصفِ الليلِ» .
وَفِي رِوَايَة : «لأمرتُهم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ» .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : وَهُوَ من جَمِيع طرقه أسانيده جيِّدة .
والقطعة الأولَى الَّتِي أوردهَا الإِمام الرَّافِعِيّ مَوْجُودَة فِي حديثين صَحِيحَيْنِ .
(أَحدهمَا من) حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ إِلى ثُلثِ اللّيلِ أَو نصفِهِ» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث حسن [ صَحِيح ]،وَابْن مَاجَه وَلَفظه : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأخرتُ صلاةَ العشاءِ إِلَى ثلثِ الليلِ أَو نصف اللّيلِ» .
والإِمام أَحْمد،وَلَفظه : «لأخرتُ العِشاءَ إِلى ثلثِ اللَّيلِ» .
وَأَبُو دَاوُد،وَلَفظه : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى الْمُؤمنِينَ لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ،وبالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ» .
وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ،وَابْن حبَان بِلَفْظ أَحْمد .
الحَدِيث الثَّانِي : عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ،ولأخرتُ العشاءَ إِلَى ثلثِ اللَّيلِ» .
((1/59)
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حسن صَحِيح . وموجودة أَيْضا فِي حَدِيث ثَالِث مُتَكَلم فِيهِ وَهُوَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لَوْلاَ أنْ يثقلَ عَلَى أُمَّتي لفرضتُ السِّوَاكَ ولأخرتُ العشاءَ إِلى ثلثِ اللَّيلِ») .
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : «سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث وَقد رَوَاهُ مَرْوَان الْفَزارِيّ،عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان،عَن سعيد المَقْبُري،عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ،فَقَالَ أبي : هُوَ خطأ،رَوَاهُ الثِّقَات عَن المَقْبُري،عَن أبي هُرَيْرَة،وَبَعْضهمْ يَقُول عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصَّحِيح . وموجودة أَيْضا فِي حَدِيث رَابِع أخرجه البزَّار من حَدِيث ابْن إِسْحَاق،قَالَ : حَدَّثَنَي عبد الرَّحْمَن بن يسَار،عَن عبيد الله بن أبي رَافع،عَن أَبِيه،عَن عَلّي بن أبي طَالب مَرْفُوعا : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ،ولأخرتُ العِشَاءَ إِلَى ثلثِ اللَّيلِ،فإِنَّه إِذا مضَى ثلثُ اللَّيلِ الأوَّلُ هبطَ الربُّ تَبَاركَ وتَعَالَى إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا فلمْ يزلْ هُنَالِكَ حتَّى يطلعَ الفجرُ فَيَقُول : أَلا سائِلٌ فَيُعْطَى،أَلا داعٍ (يُجَاب)،أَلاَ مُسْتشفعٌ فَيشفع،أَلا تَائبٌ مُسْتغفرٌ فَيغْفر (لَهُ) » .
قَالَ الْبَزَّار : «قد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من وُجُوه،وَلَا نعلمهُ رُوِيَ عَن عَلّي مَرْفُوعا إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد» . وَأخرجه أَحْمد بِنَحْوِهِ .
والقطعة الْأَخِيرَة من الحَدِيث مَوْجُودَة أَيْضا فِي حديثين صَحِيحَيْنِ :
أَحدهمَا : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وضوءٍ» .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» وَابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» مُسْندًا وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : أسانيده (صَحِيحَة)،وَقد تقدَّم الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث وَاضحا فِي أثْنَاء الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الثَّالِث عشر من هَذَا الْبَاب .
الحَدِيث الثَّانِي : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوضُوء عندَ كُلِّ صلاةٍ» .
رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» .(1/60)
وممَّا يَنْبَغِي أَن تتنبه لَهُ - رحمنا الله وإيّاك - مَا وَقع لِلشَّيْخَيْنِ الإِمامين : تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح ومحيي الدَّين النَّوَوِيّ - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا - فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم الَّذِي ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ،فَإِنَّهُ وَقع لَهما شَيْء عَجِيب فِيهِ يجب التّنبيه عَلَيْهِ،وَهُوَ أَن الإِمام الْغَزالِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي «الْوَسِيط» فِي كتاب الصَّلَاة،مستدلًا لأحد قولي الشَّافِعِي فِي أنَّ تَأْخِير الْعشَاء أفضل،قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صلاةٍ،ولأخرتُ العِشَاءَ إِلَى نصفِ اللَّيلِ» . فَاعْترضَ عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «مشكلات الْوَسِيط» . (فَقَالَ) : وأمّا قَول المصنِّف : «لقَوْله - صلى الله عليه وسلم - : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ،ولأخرتُ العِشاءَ إِلى نصفِ اللَّيلِ»،إنَّما هُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ،والسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ»،قَالَ : وَلم أجد مَا ذكره مَعَ شدَّة الْبَحْث فِي كتب الحَدِيث،فليحتج لَهُ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «وقتُ العِشاءِ إِلى نِصْفِ اللَّيلِ»،أخرجه مُسلم وَهُوَ مُتَأَخّر نَاسخ . انْتَهَى .
وَاعْترض عَلَى الْغَزالِيّ أَيْضا النَّوَوِيّ - وَلَعَلَّه أَخذه من الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح،فإنَّه يتبعهُ فِي غَالب مقولاته ومنقولاته - فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وأمّا الحَدِيث الْمَذْكُور فِي «النِّهَايَة والوسيط» : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صلاةٍ،ولأَخَّرتُ العِشاءَ إلَى نصفِ اللَّيلِ»،فَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث مُنكر لَا يعرف،وَقَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِنَّه حَدِيث صَحِيح لَيْسَ بمقبول مِنْهُ . فَلَا يغترّ بِهِ . هَذَا لَفظه برمَّته ... وَالْعجب مِنْهُمَا - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا - إِنْكَار هَذِه الرِّوَايَة،وَهِي صَحِيحَة لَا مطْعن لأحد فِيهَا،كَمَا (قدمْنَاهُ) بالإِسناد . وموجودة فِي عدَّة كتب مِنْهَا : «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم،لكنهما قَلِيلا النَّقل مِنْهُ،لَكِن سنَن الْبَيْهَقِيّ نصب أعينهما سِيمَا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فإنَّه عَلَى مَا يُقَال كَانَ يُقَارب أَن يحفظها لِكَثْرَة مَا ينْقل مِنْهَا واعتنائه بهَا . فصحَّ حينئذٍ قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ : إنَّه حَدِيث صَحِيح . وإيراد الْغَزالِيّ لَهُ،لأنَّه متابع لإِمامه،وإيراد الإِمام الرَّافِعِيّ (لَهُ) لأنَّه متابع لَهُ . فَافْهَم مَا قَرَّرْنَاهُ لَك فإنَّه مَوضِع مُهِمّ يُرحل إِلَيْهِ يسر الله بإيضاحه وَله الْحَمد والمنَّة عَلَى ذَلِكَ ". اهـ
ــــــــــــــــ
موقفُ الباحثِ المعاصرِ منَ التخريج الموسّعِ
الباحث مطالب ببعض هذه العناصر،وبعض العناصر قد ذكرت من باب إتمام الفائدة مثل بيان التعارض،والناسخ والمنسوخ،وشرح الألفاظ الغريبة كما أشار إلى ذلك ابن الملقن في مقدمة البدر المنير،ومن ثم فعلى الباحث الالتزام بالآتي :
1. سياقُ إسناد الحديث كاملا ً:
وللباحث أن يسوق ما يراه مناسبًا لمقاصده،مثل تخريج الحديث من كتاب اشتُرطَت فيه الصحة،أم من غيره إذا كان بالسند نفسه.
وفي هذه الحالة إذا أراد الباحث أن يحكم على حديث (عند أبي داود مثلاً) دون ذكر السند وهو لم يشترط الصحة،سيذكر سند البخاري ويقول: أخرجه أبو داود به،لأن هذا التخريج يُغني الباحث عن دراسة السند.(1/61)
مثال : كما في سنن أبى داود(4 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ »
فقد أخرجه البخارى بنفس السند ( 142) حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ » .
ومسلم كذلك (857 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ يَحْيَى أَيْضًا أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ - فِى حَدِيثِ حَمَّادٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَفِى حَدِيثِ هُشَيْمٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ». فيكون الحديث في سنن أبي داود صحيح على شرطهما .
فإن كان الحديث عند الستة يُذكر الصحيحان ثم يُربَط السند في السنن بسند الصحيحين بقولنا: به،ولا داعي لذكره كاملاً.
قلت : وقد روى الحديث السابق الستة من طريق(هُشَيْم،وإِسْمَاعِيل ابن عُلَيَّة،وشُعْبة،وحَمَّاد بن زَيْد،وسَعِيد بن زَيْد،وعَبْد الوارث) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ،قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ(1):
وإذا كان في السند عِلة،مثل وجود راوٍ مبهم،لا بد من ذكر السند كاملاً حتى يظهر هذا المبهم،كما في سنن أبى داود (3) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِى شَيْخٌ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ فَكَانَ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِى مُوسَى فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِى مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنِّى كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِى أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا »(2). ففيه شيخ لم يسمَّ
وكما في سنن أبى داود (4081 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِىُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ خَرَّبُوذَ حَدَّثَنِى شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ عَمَّمَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَىَّ وَمِنْ خَلْفِى. ففيه شيخ لم يسمَّ
__________
(1) - المسند الجامع - (ج 1 / ص 415) (269)
(2) - الدمث : الأرض السهلة الرخوة = يرتاد : يطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله(1/62)
وكما في سنن أبى داود(528 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بِلاَلاً أَخَذَ فِى الإِقَامَةِ فَلَمَّا أَنْ قَالَ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا ». وَقَالَ فِى سَائِرِ الإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ - رضى الله عنه - فِى الأَذَانِ.
ففي الأول احتجنا إلى إبراز السند لإثبات الصحة عند من لم يشترطها،وفي الثاني احتجنا إلى إبراز السند لإظهار العلة.
2. ذكرُ متن الحديث كاملاً:
ولذلك حالات:
الحالة الأولى: إذا وقع في المتن سَقْطٌ أو تصحيف أو زيادة أو نقصان،وكان مؤثرًا في الحكم،فلا بدَّ من إظهار المتن بتمامه،وقد لا يفهم الحديث إلا بذكر المتن كاملاً.
مثاله: قال الكمال بن الهمام في شرح فتح القدير(1): " فَرْعٌ - إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ،كَمَا ثَبَتَ أَنَّ مَبْدَأَهُ بِالِاسْتِلَامِ كَمَبْدَئِهِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذْ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مَا رَوَى الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ،حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ،وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ ..
هذا الحديث الذي استشهد به ابن الهمام على ما قرر من حكم فيه تصحيف،فقد تحول لفظ " سبعه" أو " أسبوعه" إلى "سعيه"،والأسبوع هو أشواط الطواف السبعة.
والحديث في سنن ابن ماجه لفظه(2): عَنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ سَبْعِهِ جَاءَ حَتَّى يُحَاذِىَ بِالرُّكْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فى حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطُّوَّافِ أَحَدٌ. ".
ولفظه في مسند أحمد عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِى كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِى وَدَاعَةَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَ مِنْ أُسْبُوعِهِ أَتَى حَاشِيَةَ الطَّوَافِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ أَحَدٌ"(3).
__________
(1) - فتح القدير - (ج 5 / ص 143)الشاملة 2 و(2/ 460)
(2) - سنن ابن ماجه(3071 ) حسن
(3) - مسند أحمد(28003)(2/ 399) حسن(1/63)
قال النووي في المجموع(1): " ( فَرْعٌ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ : رَأَيْتُ النَّاسَ إذَا فَرَغُوا مِنْ السَّعْيِ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ , قَالَ : وَذَلِكَ حَسَنٌ وَزِيَادَةُ طَاعَةٍ , وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . هَذَا كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ , وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ : يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ شِعَارٍ , وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَيْسَ فِي السَّعْيِ صَلَاةٌ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أَظْهَرُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ.(2)
الحالة الثانية: وقد يكون في الكتاب إشارة إلى الحديث فقط،كما يقولون: ودليلهم كما ثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - , ثم يشيرون بالمعنى دون ذكر النص. فلذلك حتى نثبت الحكم الشرعي لا بد من ذكر المتن كله.
وإذا أردنا أن نسوق الحديث شاهدًا للحديث،لا بد من ذكر المتن كاملاً حتى نثبت للقارئ أن المعنى في الحديث المستشهَد له موجود في الحديث المستشهَد به.
أمثلةُ :
قَال الشَّافِعِيَّةُ،وَالْحَنَابِلَةُ،وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ : الاِسْتِسْقَاءُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ،سَوَاءٌ أَكَانَ بِالدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ أَمْ بِالدُّعَاءِ فَقَطْ،فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَحَابَتُهُ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَال بِسُنِّيَّةِ الدُّعَاءِ فَقَطْ،وَبِجَوَازِ غَيْرِهِ(3).
__________
(1) - (8/ 76)
(2) - فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ بَيَّنَ كُلَّ مَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ لَا سِيَّمَا الصَّلَاةُ الَّتِي لَا تُؤْخَذُ صِفَتُهَا إلَّا عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } . قَالَ هَؤُلَاءِ فَزِيَادَةُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الزِّيَادَاتِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَنْ زَادَ فِي الْعِيدَيْنِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَمَنْ زَادَ فِي السَّعْيِ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 238)
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 3 / ص 304) و نهاية المحتاج 2 / 402،والمغني 2 / 283 ط رشيد رضا،وابن عابدين 1 / 791 ط الثالثة .(1/64)
قلت : لم يذكر الدليل هنا صراحةً،فهذا هو ففي صحيح البخارى (933 )عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ،فَادْعُ اللَّهَ لَنَا . فَرَفَعَ يَدَيْهِ،وَمَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً،فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ،ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ،وَمِنَ الْغَدِ،وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِى يَلِيهِ،حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى،وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِىُّ - أَوْ قَالَ غَيْرُهُ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ،فَادْعُ اللَّهَ لَنَا . فَرَفَعَ يَدَيْهِ،فَقَالَ « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا،وَلاَ عَلَيْنَا » . فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ،وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ،وَسَالَ الْوَادِى قَنَاةُ شَهْرًا،وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ .(1)
وفي صحيح البخارى (1005) عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ .
وكما في صحيح البخارى(1031)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى شَىْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِى الاِسْتِسْقَاءِ،وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ .
وكما في سنن الترمذى (559 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَآبِى اللَّحْمِ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَعَمُّ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِىُّ.
وكذلك فقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْقُنُوتِ عِنْدَ النَّوَازِل عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ(2):
( الأَْوَّل ) لِلْحَنَفِيَّةِ : وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ إِلاَّ لِنَازِلَةٍ : كَفِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ،فَيَقْنُتُ الإِْمَامُ فِي الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ(3)،قَال الطَّحَاوِيُّ : إِنَّمَا لاَ يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ دُونِ وُقُوعِ بَلِيَّةٍ،فَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ،فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (4)... اهـ
__________
(1) - الجوبة : الحفرة المستديرة الواسعة = الجود : المطر الشديد = القزعة : قطعة سحاب
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 34 / ص 66)
(3) - البحر الرائق وحاشيته منحة الخالق لابن عابدين 2 / 47 ،48 ،الدر المنتقى شرح الملتقى 1 / 129 ،مرقاة المفاتيح 1 / 163 .
(4) - عقود الجواهر المنيفة للزبيدي 1 / 147 ،ومنحة الخالق على البحر الرائق 2 / 47 .(1/65)
قلت: والدليل هنا غير موجود،وهذا هو كما في صحيح البخارى(4088)حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ،فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ،عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ،فَقَالَ الْقَوْمُ وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا،إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِى حَاجَةٍ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِى صَلاَةِ الْغَدَاةِ،وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ،أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ .
وفي سنن الترمذى (403) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْنُتُ فِى صَلاَةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَأَنَسٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَخُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ الْغِفَارِىِّ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى الْقُنُوتِ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمُ الْقُنُوتَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِىِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لاَ يَقْنُتُ فِى الْفَجْرِ إِلاَّ عِنْدَ نَازِلَةٍ تَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ فَلِلإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ لِجُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ
3. ذكر حال الراوي والتعريف به:
ويكتفي فيه بذكر خلاصة الأقوال بعد الرجوع إلى المراجع الموسعة. وهذا الأمر مقيد بحال الراوي،فحال الراوي من أحد الصحيحين غير حال الراوي من الكتب الأخرى،فإذا نظرنا إلى تعقبات الذهبي على الحاكم نجد أنه يقول في الراوي: فلان متروك،ومعناه أن الحديث لا ينجبر،فإذا راجعنا أقوال الأئمة فيه نجد أن الذهبي نفسه يقول عنه في الكاشف: صدوق أو ضعيف،والراجح في حاله أنه كذا وكذا.
4. جمع أسانيد وطُرُق الحديث مع ألفاظ المتون:
ولا يلجأ الباحث إليه إلا إذا كان يحتاج إلى جبر ضعف الحديث،أو كشف العلة في المتن أو الإسناد،أو توضيح ما يحتاج إلى توضيح،مثل مبهم أو مجمل أو مفصّل،وكذلك الاختلاف على الراوي،مثل الرواية عن صحابيَين،كما لو كان في خمسة مصادر ذكر صحابي واحد،وفي مصدر صحابي آخر مع اتحاد المدار،أو أن يكون أبو داود يرجح الإرسال ويرجح الحاكمُ الوصل.
كما في حديث « أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ ».
ففي البدر المنير(1):
" الحَدِيث الأول = رُوي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «أبْغَضُ الْمُبَاح إِلَى الله الطَّلَاق» .
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق ابْن عُمر،وَمن طَرِيق معَاذ،بِلَفْظ : «الْحَلَال» بدل «الْمُبَاح» .
أما طَرِيق ابْن عمر : فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن كثير بن عبيد،عَن مُحَمَّد بن خَالِد،عَن (معرف) بن وَاصل،عَن محَارب بن دثار الْكُوفِي،عَن ابْن عمر مَرْفُوعا : «أبْغض الحلالِ إِلَى الله الطَّلَاق» .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 8 / ص 65) فما بعد(1/66)
رَوَاهُ ابْن مَاجَه بالسند الْمَذْكُور،إِلَّا أَنه قَالَ : عَن عبيد الله بن الْوَلِيد [ الْوَصَّافِي ] بدل : معرِّف بن وَاصل .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن مُحَمَّد بن بَالَوَيْهِ،عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان (بن) أبي شيبَة،عَن أَحْمد بن يُونُس،عَن معرف بن وَاصل،عَن محَارب بن دثار،عَن ابْن عمر قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَا أحلَّ الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاق» .
ثمَّ قَالَ : (هَذَا) حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد،وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» : إِنَّهَا عَلَى شَرط مُسلم،وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مرَّةً بِإِسْقَاط ابْن عُمر ؛ رَوَاهُ عَن أَحْمد بن يُونُس،عَن معرِّف،عَن محَارب بن دثار،عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فَذكره بِلَفْظ رِوَايَة الْحَاكِم .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن (بكير)،ثَنَا معرف بن وَاصل،حَدثنِي محَارب بن دثار قَالَ : «تزوَّج رجل عَلَى عهْده عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة فَطلقهَا . فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام : أتزوجتَ ؟ قَالَ : نعم . قَالَ : ثمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : طلقتَ ؟ قَالَ : أمِنْ ريبةٍ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : قد يفعل ذَلِك الرجل . قَالَ : ثمَّ تزوَّج امْرَأَة أُخْرَى فَطلقهَا . فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام مِثْلَ ذَلِك» . قَالَ (محَارب) : فَمَا أَدْرِي أعِنْدَ هَذَا أَو عِنْد الثَّالِثَة قَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام : «إِنَّه لَيْسَ شَيْء من الْحَلَال أبْغض إِلَى الله من الطَّلَاق».
وَهَذَا مُرْسل كَمَا ترَى،وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم : سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن عمر هَذَا،فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ عَن محَارب عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مُرْسل،وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن الْمُرْسل أشبه،وَقَالَ المنذريُّ : إِن الْمَشْهُور فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مُرْسل،قَالَ : وَهُوَ غَرِيب،وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة ابْن أبي شبية - يَعْنِي : مُحَمَّد بن عُثْمَان - يَعْنِي : السالفة الموصولة - : وَلَا أرَاهُ يحفظه.
قلت : قد صَححهُ الْحَاكِم،كَمَا سلف،وَقد أيده رِوَايَة مُحَمَّد بن خَالِد الموصولة السالفة عَن أبي دَاوُد،وَرِوَايَة ابْن مَاجَه من طريقٍ آخر سلفتْ أَيْضا،فترجَّحَتْ إِذا،وأعلَّ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» طَرِيق الْوَصَّافِي،فَذكره من طَرِيقه،ثمَّ قَالَ : حَدِيث لَا يَصح ؛ لأجْل الْوَصَّافِي هَذَا . قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره : مَتْرُوك . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «كتاب الْمَجْرُوحين» من هَذِه الطَّرِيق،وَقَالَ : عبيد الله بن الْوَلِيد الْوَصَّافِي هَذَا مُنكر الحَدِيث جدًّا،يَرْوي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات،حَتَّى (إِذا) سَمعه (المستمع) سَبَقَ إِلَى قلبه أَنه كالمعتمد لَهَا،وَاسْتحق التركَ،وكتبنا عَنهُ نُسْخَة كلهَا مَقْلُوبَة .
وَأما طَرِيق معَاذ : فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن (سِنِين) ثَنَا عُمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد،ثَنَا حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ،ثَنَا مَكْحُول،عَن مَالك بن (يخَامر)،عَن معَاذ مَرْفُوعا : «مَا أحلَّ الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاق،فَمَنْ طلق وَاسْتَثْنَى (فَلهُ ثنياه» وَحميد هَذَا) ضعفه يَحْيَى وَأَبُو زرْعَة وغيرُهما،وَقَالَ النَّسَائِيّ : لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش،ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث،وَأعله ابْن الْقطَّان بعمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن سِنِين،وَقَالَ : إنَّهُمَا مَجْهُولَانِ .(1/67)
قلت : (إِسْحَاق) هُوَ الْخُتلِي صَاحب «الديباج»،قَالَ الْحَاكِم : لَيْسَ بالقويّ،وَقَالَ مَرَّةً : ضَعِيف،وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : لَيْسَ بالقويّ .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش،عَن حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ،عَن مَكْحُول،عَن معَاذ مَرْفُوعا : «يَا معَاذ،مَا خَلَقَ الله - تَعَالَى - شَيْئا عَلَى وَجه الأَرْض أحبَّ إِلَيْهِ من الْعتاق،وَلَا خلق الله - تَعَالَى - عَلَى وَجه الأَرْض أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق،فَإِذا قَالَ الرجل لمملوكه : أَنْت حُرٌّ - إِن شَاءَ الله - فَهُوَ حُرٌّ،وَلَا اسْتثِْنَاء لَهُ،وَإِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته : أنتِ طَالِق - إِن شَاءَ الله - فَلهُ اسْتِثْنَاؤُهُ،وَلَا طَلَاق عَلَيْهِ» ."
نلاحظ أن المرسل هو الصواب
وعند جمع الأسانيد يتبين الرفع والوقف والإرسال والوصل والانقطاع والاتصال،وما إلى ذلك،كحديث « مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ »،قال ابن الملقن(1):
" الحَدِيث السَّادِس = أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ»
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق كَثِيرَة،يَدُور - فِيمَا حصرنا مِنْهَا - عَلَى سِتَّة من الصَّحَابَة أبي هُرَيْرَة،وَعَائِشَة،وَعلي،وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ،وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان،والمغيرة رَضي اللهُ عَنهم .
أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فيحضرنا من (طرقه) ثَلَاثَة عشر طَرِيقا :
الأول : عَن سُهَيْل بن أبي صَالح،عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا : «من غسله الْغسْل،وَمن حمله الْوضُوء - يَعْنِي : الْمَيِّت» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ،وَابْن مَاجَه وَلَفظه كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء ؛ روياه من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار،عَن سُهَيْل (بِهِ) .
الثَّانِي : (عَن سُهَيْل) أَيْضا عَن أَبِيه،عَن إِسْحَاق مولَى زَائِدَة،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمَعْنَاهُ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن حَامِد بن يَحْيَى،عَن سُفْيَان،عَن سُهَيْل بِهِ .
الثَّالِث : عَن ابْن أبي ذِئْب،عَن صَالح مولَى التوءمة،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل،وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» .
الرَّابِع : عَن عَمْرو بن عُمَيْر،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل الْمَيِّت (فليغتسل) وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب،عَن الْقَاسِم بن عَبَّاس،عَن عَمْرو بِهِ .
الْخَامِس : عَن زُهَيْر،عَن الْعَلَاء،عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثل الَّذِي قبله . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» .
السَّادِس : عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن،عَن أَبِيه مَرْفُوعا : «من غسل جَنَازَة - يَعْنِي : مَيتا - فليغتسل،وَمن حملهَا فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» .
السَّابِع : عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل،وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا .
الثَّامِن : عَن يَحْيَى بن أبي كثير،عَن رجل يُقَال لَهُ : أَبُو إِسْحَاق،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» .
التَّاسِع : عَن حَمَّاد بن سَلمَة،عَن مُحَمَّد بن عَمْرو،عَن أبي سَلمَة،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثل الَّذِي قبله . رَوَاهُ ابْن حزم فِي «محلاه» هَكَذَا،وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث مُحَمَّد بن شُجَاع،عَن مُحَمَّد بن عَمْرو،عَن أبي سَلمَة،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل» .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 2 / ص 524-543)(1/68)
الْعَاشِر : عَن أبي بَحر البكراوي،عَن مُحَمَّد بن عَمْرو،عَن أبي سَلمَة،عَن أبي هُرَيْرَة (مَرْفُوعا) بِنَحْوِ مِمَّا قبله . رَوَاهُ الْبَزَّار عَن يَحْيَى بن حَكِيم (بِهِ) .
الْحَادِي عشر : عَن صَفْوَان بن سليم عَن أبي سَلمَة،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل الْمَيِّت الْغسْل،وَمن حمله الْوضُوء» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي رِوَايَة لَهُ : «من غسل مَيتا فليغتسل» لم يزدْ .
الثَّانِي عشر : عَن مُحَمَّد بن عجلَان،عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل،وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» .
الثَّالِث عشر : عَن الزُّهْرِيّ،عَن سعيد بن الْمسيب،عَن أبي هُرَيْرَة،ذكر هَذَا الطَّرِيق وَالَّذِي قبله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «كتاب الإِمَام» .
هَذَا مَجْمُوع مَا حصرنا من طَرِيق حَدِيث أبي هُرَيْرَة،ولنذكر أَولا مقالات الْحفاظ فِيهِ،ثمَّ نبين بعد ذَلِك مَا يَقْتَضِيهِ النّظر والبحث عَلَى وَجه الْإِنْصَاف ؛ فَنَقُول : ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (جَمِيع) مَا عزيناه مِمَّا قدمْنَاهُ عَنهُ وَضَعفه،ثمَّ قَالَ : وَالصَّحِيح فِيهِ أَنه مَوْقُوف عَلَى أبي هُرَيْرَة . وَقَالَ البُخَارِيّ : الْأَشْبَه أَنه مَوْقُوف . (قَالَ :) وَقَالَ أَحْمد وَعلي
بن الْمَدِينِيّ : لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء قَالَ : وَقَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول - وَقد سُئِلَ عَن الْغسْل من غسل الْمَيِّت،فَقَالَ - : يُجزئهُ الْوضُوء .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث،فَقَالَ : إِن أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ قَالَا : لم يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء،لَيْسَ بِذَاكَ .
وَقَالَ الشَّافِعِي : إِنَّمَا مَنَعَنِي من إِيجَاب الْغسْل من غسل الْمَيِّت (أَن) فِي إِسْنَاده رجلا لم أَقف عَلَى معرفَة ثَبت حَدِيثه إِلَى يومي هَذَا عَلَى مَا يَقْتَضِي ؛ فَإِن وجدت مَا يقنعني أوجبته وأوجبت الْوضُوء من مس الْمَيِّت مفضيًا إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُمَا فِي حَدِيث وَاحِد .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَقَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى - يَعْنِي : الذهلي - شيخ البُخَارِيّ : لَا أعلم فِيمَن غسل مَيتا فليغتسل حَدِيثا ثَابتا (وَلَو ثَبت) لزمنا اسْتِعْمَاله . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَالرِّوَايَات المرفوعة فِي هَذَا الْبَاب غير قَوِيَّة ؛ لجَهَالَة بعض رواتها وَضعف بَعضهم،وَالصَّحِيح من قَوْله مَوْقُوفا غير مَرْفُوع .
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن رَفعه فَقَالَ : خطأ ؛ لَا يرفعهُ الثِّقَات ؛ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى أبي هُرَيْرَة . قَالَ : وَسَأَلته عَن الرجل - يَعْنِي : الَّذِي فِي الطَّرِيق الثَّامِن - من هُوَ،وَهل يُسمى ؟ فَقَالَ : لَا .
وَنقل أَصْحَابنَا عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ : إِن صَحَّ الحَدِيث قلت بِوُجُوبِهِ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ ابْن أبي ذِئْب،عَن المَقْبُري،عَن أبي هُرَيْرَة،وَاخْتلف عَنهُ،فَرَوَاهُ حبَان بن عَلّي،عَن ابْن أبي ذِئْب بِهِ . وَخَالفهُ يَحْيَى الْقطَّان وَيَحْيَى بن أَيُّوب والدراوردي وحجاج بن مُحَمَّد وَعبد الصَّمد بن النُّعْمَان وَابْن أبي فديك،رَوَوْهُ عَن ابْن أبي ذِئْب،عَن صَالح مولَى التوءمة،عَن أبي هُرَيْرَة،قَالَ : وَأغْرب ابْن أبي فديك فِيهِ بِإِسْنَادَيْنِ آخَرين : أَحدهمَا : عَن ابْن أبي ذِئْب،عَن سُهَيْل بن أبي صَالح،عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة . وَالْآخر : عَن ابْن أبي ذِئْب،عَن الْقَاسِم بن عَبَّاس،عَن عَمْرو بن عُمَيْر،عَن أبي هُرَيْرَة .
قَالَ : وَحَدِيث المَقْبُري أصح .(1/69)
وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي آخر الْجَنَائِز : هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى مُحَمَّد بن (عَمْرو) وَهُوَ مرفوض .
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح ؛ لِأَن الْمَحْفُوظ فِي الطَّرِيق الأول وَقفه عَلَى أبي هُرَيْرَة،وَفِي الطَّرِيق الثَّانِي صَالح مولَى التوءمة،قَالَ مَالك : لَيْسَ بِثِقَة . وَكَانَ شُعْبَة ينْهَى أَن يُؤْخَذ عَنهُ،وَلَا يروي (عَنهُ) وَفِي الثَّالِث - وَهُوَ فِيمَا قدمْنَاهُ التَّاسِع - مُحَمَّد بن عَمْرو،قَالَ يَحْيَى : مَا زَالَ النَّاس يَتَّقُونَ حَدِيثه . وَفِي الرَّابِع - وَهُوَ فِيمَا قدمْنَاهُ الثَّامِن - رجل مَجْهُول،قَالَ : (وَقد) رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة من حَدِيث صَفْوَان عَن أبي سَلمَة،وَابْن لَهِيعَة لَيْسَ بِشَيْء . وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح مُسْند الشَّافِعِي» : عُلَمَاء الحَدِيث لم يصححوا فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا مَرْفُوعا (وصححوه) عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا،وَقَالَ فِي هَذَا الْكتاب - أَعنِي «شرح الْوَجِيز» - : والْحَدِيث إِن ثَبت مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب . وَنقل النَّوَوِيّ عَن الْجُمْهُور تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث،وَأنكر عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه .
هَذَا مَا حَضَرنَا من كَلَام الْحفاظ قَدِيما وحديثًا عَلَيْهِ،وَحَاصِله تَضْعِيف رَفعه وَتَصْحِيح وَقفه،وَلَا بُد من النّظر فِي ذَلِك عَلَى سَبِيل التَّفْصِيل دون الِاكْتِفَاء بالتقليد،وَقد قَامَ بذلك صَاحب «الإِمَام» وَحَاصِل مَا يعتل بِهِ فِي ذَلِك وَجْهَان :
أَحدهمَا : من جِهَة رجال الْإِسْنَاد،فَأَما رِوَايَة صَالح مولَى التوءمة - وَهِي الطَّرِيق الثَّالِث - (فقد) سلف قَول مَالك وَشعْبَة فِيهِ،وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : اخْتَلَط فِي آخر عمره،فَخرج عَن (حد) الِاحْتِجَاج بِهِ .
وَأما رِوَايَة عَمْرو بن عُمَيْر - وَهِي الطَّرِيق الرَّابِع - فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (فِيهِ) : إِنَّمَا (يعرف) بِهَذَا الحَدِيث،وَلَيْسَ بالمشهور . وَقَالَ ابْن الْقطَّان : إِنَّه مَجْهُول الْحَال لَا يعرف بِغَيْر هَذَا،(وَهَذَا) الحَدِيث من غير مزِيد ذكره (ابْن أبي حَاتِم) . قَالَ ابْن الْقطَّان : وَهَذَا عِلّة الْخَبَر .
وَأما زُهَيْر الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الْخَامِس فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : قَالَ البُخَارِيّ : رَوَى عَنهُ أهل الشَّام أَحَادِيث مَنَاكِير . وَقَالَ النَّسَائِيّ : لَيْسَ بِالْقَوِيّ .
وَأما حَدِيث الْعَلَاء - وَهُوَ السَّادِس - فَقَالَ ابْن الْقطَّان : لَيْسَ بِمَعْرُوف .
وَأما السَّابِع : فَفِي إِسْنَاده أَبُو (وَاقد) واسْمه : صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة . قَالَ يَحْيَى بن معِين : لَيْسَ حَدِيثه بِذَاكَ . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَجَمَاعَة : ضَعِيف . وَقَالَ البُخَارِيّ : مُنكر الحَدِيث .
وَأما الثَّامِن : فَفِيهِ أَبُو إِسْحَاق،وَهُوَ مَجْهُول،كَمَا سلف عَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ .
وَأما التَّاسِع : فمحمد بن (عَمْرو) قَالَ يَحْيَى : مَا زَالَ النَّاس يَتَّقُونَ حَدِيثه .
وَأما الْعَاشِر : فالبكراوي،وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان،طرح النَّاس حَدِيثه،كَمَا قَالَه أَحْمد،وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ : ذهب حَدِيثه .
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَيْسَ بِقَوي،يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ : ضَعِيف . وَقَالَ ابْن حبَان : يروي المقلوبات عَن الْأَثْبَات،لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ .
وَأما الْحَادِي عشر : فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة (وحنين) بن أبي حَكِيم،وَلَا يحْتَج بهما .(1/70)
الْوَجْه الثَّانِي : التَّعْلِيل ؛ فَأَما رِوَايَة سُهَيْل فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ : إِنَّه رُوِيَ مَوْقُوفا . وَأَيْضًا ؛ فقد رَوَاهُ سُفْيَان،عَن سُهَيْل،عَن أَبِيه،عَن إِسْحَاق مولَى زَائِدَة،عَن أبي هُرَيْرَة - كَمَا سلف - فَأدْخل (رجلا) بَين أبي صَالح وَأبي هُرَيْرَة،وَهَذَا اخْتِلَاف .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَإِنَّمَا لم يقو عِنْدِي أَنه يرْوَى عَن سُهَيْل بن أبي صَالح،عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة،وَيدخل بعض الْحفاظ بَين أبي صَالح وَأبي هُرَيْرَة «إِسْحَاق مولَى زَائِدَة» . قَالَ : فَيدل عَلَى (أَن) أَبَا صَالح لم يسمعهُ من أبي هُرَيْرَة،وَلَيْسَت معرفتي [ بِإسْحَاق ] مولَى زَائِدَة مثل معرفتي بِأبي صَالح،وَلَعَلَّه أَن يكون ثِقَة .
(وَأما) رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب ؛ فقد أسلفنا (روايتنا) لَهُ عَن صَالح،عَن أبي هُرَيْرَة،وَعَن الْقَاسِم بن عَبَّاس،عَن عَمْرو بن عُمَيْر،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب (رِوَايَة) ابْن أبي ذِئْب : وَصَالح مولَى التوءمة لَيْسَ بِالْقَوِيّ .
وَأما رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو فقد رَوَاهَا عبد الْوَهَّاب عَنهُ مَوْقُوفَة عَلَى أبي هُرَيْرَة،وَرجحه بَعضهم عَلَى الرّفْع . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ . وَرَوَاهُ مُعْتَمر (أَيْضا) عَن مُحَمَّد فَوَقفهُ،وَقد أسلفنا عَن أبي حَاتِم أَن الرّفْع خطأ . ثمَّ شرع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين يُجيب عَن ذَلِك فَقَالَ : لقَائِل أَن يَقُول : أما الْكَلَام عَلَى صَالح مولَى التوءمة فَهُوَ وَإِن كَانَ مَالك قَالَ فِيهِ : إِنَّه لَيْسَ بِثِقَة - كَمَا قدمْنَاهُ - واستضعفه غَيره (فقد قَالَ) يَحْيَى فِيهِ : إِنَّه ثِقَة حجَّة . قيل لَهُ : إِن مَالِكًا (ترك) السماع مِنْهُ ! فَقَالَ : (إِن) مَالِكًا إِنَّمَا أدْركهُ بعد أَن خرف،وَلَكِن ابْن أبي ذِئْب سمع مِنْهُ قبل أَن يخرف .
وَقَالَ السَّعْدِيّ : تغير جدًّا،وَحَدِيث ابْن أبي ذِئْب (مَقْبُول) مِنْهُ لقدم سَمَاعه . قَالَ الشَّيْخ : فَهَذَا يَقْتَضِي أَن كَلَام مَالك فِيهِ بعد تغيره وَأَن رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب قديمَة مَقْبُولَة،وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عَنهُ . قَالَ : وَبِهَذَا يحصل الْجَواب عَن قَول الْبَيْهَقِيّ فِيهِ «إِنَّه اخْتَلَط فِي آخر
عمره ؛ فَخرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ» لِأَنَّهُ قد تبين بِشَهَادَة من تقدم بقدم سَماع ابْن أبي ذِئْب وَأَنه مَقْبُول .
قلت : وَبِه يُجَاب (أَيْضا) عَن إعلال ابْن الْجَوْزِيّ الحَدِيث بِهِ كَمَا أسلفناه عَنهُ . قَالَ الشَّيْخ : وَأما رِوَايَة سُهَيْل،عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة فسندها عِنْد التِّرْمِذِيّ من شَرط الصَّحِيح،وَقَالَ فِيهَا التِّرْمِذِيّ : إِنَّه حَدِيث حسن،وَعبد الْعَزِيز (بن) الْمُخْتَار وَأَبُو صَالح مُتَّفق عَلَيْهِمَا،وَمُحَمّد بن عبد الْملك و (سُهَيْل) أخرج لَهما مُسلم . وَقَالَ الشَّيْخ فِي (الْإِلْمَام) أَيْضا : رِجَاله رجال مُسلم . وَقد أخرجهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج الشَّامي،حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة،عَن سُهَيْل،عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل،وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَائِدَة أُخْرَى ؛ وَهِي مُتَابعَة حمادٍ عبدَ الْعَزِيز .(1/71)
وَأما رِوَايَة سُفْيَان وَإِدْخَال إِسْحَاق بَين أبي صَالح وَأبي هُرَيْرَة،فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِي يدل عَلَى أَن أَبَا صَالح لم يسمعهُ من أبي هُرَيْرَة،وَلَكِن إِسْحَاق مولَى زَائِدَة موثق أخرج لَهُ مُسلم،وَقَالَ يَحْيَى : ثِقَة . وَإِذا كَانَ ثِقَة،فكيفما كَانَ الحَدِيث عَنهُ أَو عَن أبي صَالح،عَن أبي هُرَيْرَة،لم يخرج عَن ثِقَة .
قلت : وَقَول الشَّافِعِي السالف إِن فِي إِسْنَاده رجلا لم أَقف (عَلَى معرفَة) ثَبت حَدِيثه إِلَى يومي عَلَى مَا يقنعني . الظَّاهِر أَنه أَرَادَ إِسْحَاق هَذَا وَقد وضح لَك ثقته،وَقد قَالَ فِيهِ مرّة أُخْرَى : لَعَلَّه أَن يكون ثِقَة . كَمَا أسلفناه عَنهُ .
وَأما طَرِيق أبي دَاوُد الَّذِي زيد فِيهِ «إِسْحَاق» فَلَا أرَى لَهُ عِلّة لصِحَّة إِسْنَاده واتصاله . حَامِد بن يَحْيَى الْمَذْكُور فِي أول إِسْنَاده مَشْهُور،قَالَ أَبُو حَاتِم : صَدُوق . وَذكر جَعْفَر الْفرْيَابِيّ أَنه سَأَلَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ عَنهُ فَقَالَ : يَا سُبْحَانَ الله،أُبْقِي حَامِد إلىأن يحْتَاج يسْأَل عَنهُ ؟ ! وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ : كَانَ أعلم زَمَانه وَمن بعده مخرج لَهُ فِي «الصَّحِيح» . وَقد جنح ابْن حزم الظَّاهِرِيّ (إِلَى تَصْحِيحه) فَإِنَّهُ احْتج بِهِ فِي الْمَسْأَلَة وَقَالَ : إِسْحَاق مولَى زَائِدَة ثِقَة مدنِي،وَثَّقَهُ أَحْمد بن صَالح الْكُوفِي وَغَيره .
وَأما زُهَيْر فقد أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة . وَقَالَ يَحْيَى : ثِقَة . وَقَالَ أَحْمد : مقارب الحَدِيث . وَقَالَ مرّة : لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ : لَا بَأْس بِهِ . وَقَالَ الْعجلِيّ : جَائِز الحَدِيث . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : مَحَله الصدْق،فِي حفظه سوء (وَقَالَ : حَدِيثه) بِالشَّام،أنكر من حَدِيثه بالعراق لسوء حفظه،وَمَا (حدث) بِهِ من حفظه فَهُوَ أغاليط .
قلت : وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أهل الشَّام عَنهُ (الَّتِي) قَالَ البُخَارِيّ فِيهَا مَا سلف،لَكِن رَوَى البُخَارِيّ (أَيْضا) عَن أَحْمد أَنه قَالَ : كأنَّ (زهيرًا) الَّذِي رَوَى عَنهُ أهل الشَّام (زُهَيْر) آخر .
وَأما رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو (فقد) احْتج بهَا ابْن حزم حَيْثُ رَوَاهَا من جِهَة حَمَّاد بن سَلمَة،وَمُحَمّد بن عَمْرو رَوَى عَنهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ وتابع (بِهِ) مُسلم،وَقد رفع هَذَا الحَدِيث حَمَّاد،وَتَابعه أَبُو (بَحر) وَفِي قَول أبي حَاتِم : يكْتب حَدِيثه . مَا يَقْتَضِي أَن يَجْعَل تَأْكِيدًا فِي رَفعه،وَرِوَايَة الْوَقْف لم يَعْتَبِرهَا ابْن حزم تَقْدِيمًا للرفع عَلَيْهَا،وَقَالَ (عَلّي) بن الْمَدِينِيّ : كَانَ يَحْيَى بن سعيد حسن الرَّأْي فِي أبي بَحر .
وَأما ابْن لَهِيعَة فقد (سلفت) تَرْجَمته فِيمَا مَضَى،وَأما حنين بن أبي حَكِيم فقد وَثَّقَهُ ابْن حبَان .
وَأما الِاخْتِلَاف عَلَى ابْن أبي ذِئْب فقد يُقَال : إنَّهُمَا إسنادان مُخْتَلِفَانِ لِابْنِ أبي ذِئْب لَا يُعلل أَحدهمَا بِالْآخرِ ؛ لاخْتِلَاف رجالهما .
وَأما قَول ابْن الْقطَّان فِي حَدِيث الْعَلَاء : إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف . إِن أَرَادَ أَنه لَا يعرف مخرجه فَلَيْسَ كَذَلِك،فقد خرجه الْبَزَّار كَمَا أسلفناه،وَإِن أَرَادَ (مَعَ) (معرفَة طَرِيقه) أَنه غير مَشْهُور ؛ فَلَا (يُنَاسِبه) ذَلِك،وَإِنَّمَا (يُنَاسِبه) النّظر فِي رجال إِسْنَاده .(1/72)
وَأما أَبُو وَاقد فقد قَالَ أَحْمد فِيهِ : مَا أرَى بِهِ بَأْسا . فَلَعَلَّ ذَلِك يَقْتَضِي أَن يُتَابع بروايته،وَأما (جَهَالَة) بعض رُوَاته فَلَا يقْدَح فِيمَا صَحَّ مِنْهُمَا ؛ فقد ظهر صِحَة بعض طرقه وَحسن بَعْضهَا ومتابعة الْبَاقِي لَهَا،فَلَا يخْفَى إِذا مَا فِي إِطْلَاق الضعْف عَلَيْهَا،وَإِن الْأَصَح الْوَقْف،وَقد علم أَيْضا مَا يعْمل عِنْد اجْتِمَاع الرّفْع وَالْوَقْف وشهرة الْخلاف (فِيهِ)،وَقد نقل الإِمَام أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فِي «حاويه» عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه خرج لصِحَّة هَذَا الحَدِيث مائَة وَعشْرين طَرِيقا،فَأَقل أَحْوَاله (إِذا) أَن يكون حسنا .
تَنْبِيه : اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ أورد هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ «الْمس» دون «الْحمل» فَقَالَ : رُوِيَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «من غسل مَيتا فليغتسل،وَمن مَسّه فَليَتَوَضَّأ» . وَلم أَقف عَلَى لفظ «الْمس» فِي رِوَايَة بعد الفحص عَنهُ،وَإِنَّمَا هُوَ بِلَفْظ «الْحمل» بدله،وَكَذَا أوردهُ هُوَ - أَعنِي : الرَّافِعِيّ - فِي كِتَابه «الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» نعم كَلَام الشَّافِعِي السالف (دَال) عَلَى وُرُوده فِيهِ ؛ إِذْ قَالَ : فَإِن وجدت مَا يقنعني (أوجبته) وأوجبت الْوضُوء من مس الْمَيِّت ؛ فَإِنَّهُمَا فِي حَدِيث وَاحِد . وَكَذَا قَول الْمُزنِيّ أَيْضا : الْغسْل من غسل الْمَيِّت غير مَشْرُوع،وَكَذَا الْوضُوء من مس الْمَيِّت وَحمله ؛ لِأَنَّهُ لم يَصح فِيهَا شَيْء دَال عَلَى ذَلِك .
وَقد آن لنا أَن نعود إِلَى الْكَلَام عَلَى بَقِيَّة الْأَحَادِيث ؛ فَنَقُول : وَأما حَدِيث عَائِشَة فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُصعب بن شيبَة،عَن طلق بن حبيب،عَن عبد الله بن الزبير،عَن عَائِشَة (رَضي اللهُ عَنها أَنَّهَا حدثته) «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يغْتَسل من أَربع : من الْجَنَابَة،وَيَوْم الْجُمُعَة (وَمن) الْحجامَة،وَمن غسل الْمَيِّت» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ : «الْغسْل من أَرْبَعَة (من) الْجَنَابَة،وَالْجُمُعَة،والحجامة،وَغسل الْمَيِّت» وَفِي رِوَايَة لَهُ : «الْغسْل من خَمْسَة : من الْجَنَابَة،والحجامة،وَغسل يَوْم الْجُمُعَة،وَالْمَيِّت،وَمن مَاء الْحمام» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» (بِثَلَاثَة أَلْفَاظ) «كَانَ يغْتَسل»،«يُغتَسل» «الغُسل» وَأعله الْأَثْرَم بعلل :
أَحدهَا : أَنه سمع أَبَا (عبد الله) - يَعْنِي : أَحْمد بن حَنْبَل - يتَكَلَّم فِي مُصعب بن شيبَة،وَذكر (أَن) لَهُ أَحَادِيث (مَنَاكِير قَالَ : وسمعته يتَكَلَّم عَلَى هَذَا الحَدِيث) بِعَيْنِه.
ثَانِيهَا : أَن عَائِشَة كَانَت ترخص فِي غسل الْجُمُعَة ؛ فَكيف تذكر أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمر بِهِ ؟ !
ثَالِثهَا : أَنه صَحَّ عَنْهَا إِنْكَار الْغسْل من غسل الْمَيِّت،فَكيف ترويه عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وتنكر (عَلَى من) فعله .
رَابِعهَا : أَن فِيهِ الْغسْل من الْحجامَة،وَهُوَ مُنكر عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لإِجْمَاع الْأمة عَلَى أَنه لَا يجب،زَاد ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ناسخه ومنسوخه» : وَلَا يسْتَحبّ إِجْمَاعًا . وَقَالَ فِي «علله» - أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ - : هَذَا حَدِيث لَا يَصح . ثمَّ ذكر عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي مُصعب بن شيبَة : أَحَادِيثه مَنَاكِير . قَالَ : وَلَا يثبت فِي هَذَا حَدِيث .(1/73)
وَقَالَ الْخطابِيّ : فِي إِسْنَاده مقَال . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن الْغسْل من الْحجامَة فَقلت : يرْوَى مَرْفُوعا «الْغسْل من أَربع ...» فَقَالَ : لَا يَصح هَذَا،رَوَاهُ مُصعب بن شيبَة،وَلَيْسَ بِقَوي . فَقلت لَهُ : لم (يرو عَن) عَائِشَة من غير حَدِيث مُصعب ؟ قَالَ : لَا . وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» تَضْعِيفه عَن أَحْمد أَيْضا،وَعَن
التِّرْمِذِيّ أَنه نقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ : لَيْسَ بِذَاكَ . وَقَالَ فِي «سنَنه» : مَا أرَى مُسلما تَركه إِلَّا لطعن بعض الْحفاظ فِيهِ . وَجزم بضعفه من الْمُتَأَخِّرين : النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ : إِسْنَاده ضَعِيف .
وَالْجَوَاب عَن الْعلَّة الأولَى أَن مُصعب بن شيبَة أخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» محتجًّا بِهِ،وَكَذَا بَاقِي السّنَن الْأَرْبَعَة،وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات ؛ فَإِن طلق بن حبيب وَمصْعَب بن شيبَة قد أخرج مُسلم بن الْحجَّاج وَجَمَاعَة حَدِيثهمَا فِي الصَّحِيح،وَرُوِيَ عَن (أبي كريب،عَن يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة) عَن أَبِيه بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه حَدِيث «عشر من الْفطْرَة» وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق عَلَيْهِم . قَالَ : وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة ... فَذكره من حَدِيث إِسْحَاق مولَى زَائِدَة،وَعَمْرو بن عُمَيْر (عَنهُ) . وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم . وَجزم الْمجد فِي «أَحْكَامه» بِأَنَّهُ عَلَى شَرط مُسلم،وَكَذَا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «اقتراحه» أَي : لِأَن مصعبًا وطلقًا انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُمَا مُسلم،وَرَوَاهُ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» (عَن عَبدة) عَن عبد الله الْخُزَاعِيّ،عَن مُحَمَّد بن بشر،عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن مُصعب بِهِ .
وَأما مَا ذكره بعد ذَلِك من «الْعِلَل» فَفِيهِ مَا لَيْسَ من صناعَة الْإِسْنَاد،كَمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين،وَنَقله الْإِجْمَاع عَلَى عدم (الْوُجُوب) لَا يَقْتَضِي تَضْعِيف الحَدِيث (لجَوَاز أَن) يحمل عَلَى الِاسْتِحْبَاب،وَأما نقل ابْن الْجَوْزِيّ الْإِجْمَاع عَلَى أَنه لَا يسْتَحبّ الْغسْل من الْحجامَة فَلَيْسَ كَمَا قَالَ ؛ فَإِن الشَّافِعِي (نَص) عَلَى اسْتِحْبَابه ؛ كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (عَن) نَصه فِي الْقَدِيم،وَعَن حِكَايَة الْقفال عَن النَّص وَهَذَا نَص قديم لَا معَارض لَهُ فِي الْجَدِيد ؛ فَيكون مذْهبه .
وَأما حَدِيث عَلّي فَسَيَأْتِي فِي الْجَنَائِز حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ .
وَأما حَدِيث أبي سعيد فَرَوَاهُ حَرْمَلَة بن يَحْيَى،عَن ابْن وهب،عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَنهُ أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «الْغسْل من الْغسْل،وَالْوُضُوء من الْحمل» . وَأُسَامَة هَذَا صَدُوق فِيهِ (لين يسير) وَقد أخرج لَهُ م 4 .
وَأما حَدِيث حُذَيْفَة فَرَوَاهُ معمر،عَن أبي إِسْحَاق،عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا : «من غسل مَيتا فليغتسل» (ذكره) ابْن أبي حَاتِم فِي «علله»
وَقَالَ : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ : حَدِيث غلط . وَلم يبين غلطه،وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه لَا يثبت . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : إِسْنَاده سَاقِط .(وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و«ناسخه ومنسوخه») وَقَالَ فِي «علله» : لَا يَصح . قَالَ : وَأَبُو إِسْحَاق تغير بِأخرَة،وَأَبوهُ لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي النَّقْل .(1/74)
وَأما حَدِيث الْمُغيرَة،فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» فَقَالَ : ثَنَا يَعْقُوب،ثَنَا أبي،عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ : (وَقد) كنت حفظت (من) كثير من عُلَمَائِنَا بِالْمَدِينَةِ أَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم كَانَ يروي عَن (ابْن) الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَحَادِيث مِنْهَا أَنه حَدثهُ (أَبوهُ) أَنه سمع رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُول : «من غسل مَيتا فليغتسل» .
خَاتِمَة : لما ذكر أَبُو دَاوُد حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ : إِنَّه مَنْسُوخ . وَقَالَ مثله أَبُو حَفْص بن شاهين قَالَ : وناسخه حَدِيث ابْن عَبَّاس : «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل إِذا غسلتموه،وحسبكم أَن تغسلوا أَيْدِيكُم»
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْجُمُعَة حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ - إِن شَاءَ الله - وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ناسخه ومنسوخه» الْمُسَمَّى ب «الْإِعْلَام» فَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف،وَكَذَا حَدِيث عَائِشَة وَحَدِيثه،ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا : «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل إِذا غسلتموه إِن ميتكم لَيْسَ بِنَجس» وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ : وَالَّذِي أرَاهُ أَن أَحَادِيث الْغسْل من غسل الْمَيِّت لَا تثبت،وَيدل عَلَيْهِ قَوْله : «وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» وَذَلِكَ مَتْرُوك بِالْإِجْمَاع ؛ فَكَذَلِك الْغسْل . قَالَ : وَكَذَلِكَ من الْحجامَة مُنكر ؛ فَإِنَّهُ لَا يجب وَلَا يسْتَحبّ إِجْمَاعًا،وَقد (أسلفت) لَك مَا فِي هَذَا،وَأول غَيره قَوْله : «وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» عَلَى : من أَرَادَ حمله ومتابعته فَليَتَوَضَّأ من أجل الصَّلَاة عَلَيْهِ . ذكره الْحَاكِم فِي «تَارِيخه» عَن أبي بكر الضبعِي حَيْثُ قَالَ : سمعته . وَقد سُئِلَ عَنهُ،فَقَالَ : إِن صَحَّ هَذَا الْخَبَر فَمَعْنَاه أَن يتَوَضَّأ قبل حمله شَفَقَة أَن تفوته الصَّلَاة بعد الْحمل،كَمَا (قَالَ) عَلَيْهِ السَّلَام : «من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فليغتسل» أَي : قبل الرواح . وَلما ذكر أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف قَالَ : أُضمر فِي الْخَبَر قَوْله : إِذا لم يكن بَينهمَا حَائِل .
فَائِدَة : ذكر الشَّيْخ أَبُو عَلّي السنجي فِي «شرح التَّلْخِيص» فِي بَاب الْجُمُعَة أَن أَصْحَابنَا اخْتلفُوا فِي قَوْله : «وَمن مَسّه فَليَتَوَضَّأ» عَلَى وُجُوه مِنْهَا أَنه عَلَى ظَاهره وَيجْعَل الْوضُوء وَاجِبا عَلَيْهِ،قَالُوا : لِأَن بدنه بِالْمَوْتِ صَار عَورَة (وَقيل) : إِن النّظر إِلَى بدنه حرَام إِلَّا لضَرُورَة فَصَارَ كبدن الْمَرْأَة كَذَا ذكره،وَهُوَ غَرِيب،وَجزم ابْن يُونُس أَيْضا فِي «شرح التَّعْجِيز» بِأَن بدنه عَورَة،وَيحرم النّظر إِلَى جَمِيع بدنه،وَلَا أعلم من ذكر ذَلِك غَيرهمَا . اهـ
وأما المتون،فمثل حديث جَمَل جابر،كما في البخاري لكنها تُجمع للمقارنة بين سياق المتون،فقد جمع طرقه أبو عوانة،ففي مسند أبي عوانة :
بَابُ إِجَازَةِ الْبَيْعِ الْمُنْعَقِدِ بِشَرْطٍ جَائِزٍ،وإجازة الشرط فيه: مثل الرجل يبيع البعير ويشترط له ظَهْره إلى مكان مسمى،والدليل على من اشترط شرطاً جائزاً في بيع جائز،فالبيع والشرط معاً جائزان: مثل أن يبيع الرجل السلعة،ويستثنى منه شيئاً معلوماً.
((1/75)
3918 ) حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحَّاسُ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ،قَالَ: أنبا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ،عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَعْيَا عَلَيَّ بَعِيرٌ لِي. قَالَ: فَدَعَا،ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ. ثُمَّ نَخَسَهُ بِعُودٍ مَعَهُ. قَالَ: فَوَثَبَ،قَالَ: اسْتَمْسِكْ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أُعِيجَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَسْمَعَ حَدِيثَهُ،فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ: بِعْنِي بَعِيرَكَ يَا جَابِرُ،فَقُلْتُ: أَبِيعُكَ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَلِيَ ظَهْرُهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَلَكُ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ،فَلَمَّا قَدِمْتُ أَتَيْتُهُ،فَزَادَنِي وُقِيَّةً،ثُمَّ وَهَبَهُ لِي بَعْدُ .
(3919 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي،قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،عَنْ أَيُّوبَ،وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْبَغْدَادِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ،حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ،بِإِسْنَادِهِ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَيَّ وَإِنِّي عَلَى بَعِيرٍ أَعْجَفَ،فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ وَبِيَدِهِ عُودٌ،فَنَخَسَهُ وَدَعَا،أَوْ قَالَ: وَنَخَسَهُ. فَقَالَ: ارْكَبْهُ وَاسْتَمْسَكَ. فَرَكِبْتُهُ،فَكُنْتُ أَحْبِسُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَسْتَمِعَ حَدِيثِهِ. فَأَتَى عَلَيَّ،فَقَالَ: أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَلِي ظَهْرُهُ. قَالَ: وَلَكَ ظَهْرُهُ. فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِخَمْسَةِ أَوَاقٍ. فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُهُ بِهِ،فَأَعْطَانِي خَمْسَةَ أَوَاقٍ وَزَادَنِي. هَذَا لَفْظُ الْمُقَدَّمِيِّ.
((1/76)
3920 ) حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ،قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ،عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: أَتَى عَلِيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَعْيَا بَعِيرِي. قَالَ: فَنَخَسَهُ،فَوَثَبَ. فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ،فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ،فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُ: بِعْنِيهِ. فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسَةِ أَوَاقٍ. وَقُلْتُ: عَلَى أَنَّ لِي ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ،قَالَ: وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ،فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِهِ،فَزَادَنِي وُقِيَّةً،ثُمَّ وَهَبَهُ لِي. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ الْمَرْوَزِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَانُ،قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،عَنْ أَيُّوبَ،بِإِسْنَادِهِ بِنَحْوِهِ: فَأَعْطَانِي خَمْسَةَ أَوَاقٍ وَزَادَنِي قِيرَاطًا. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي،قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ يَعْنِي بَشِيرَ بْنَ عُقْبَةَ الدَّوْرَقِيَّ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ،قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ. فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ بَعْضَ أَسْفَارِهِ،وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: يَا جَابِرُ اسْتَمْسِكْ وَأَعْطِنِي السَّوْطَ. فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَبِيعُ الْجَمَلَ يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ مَرَّتَيْنِ،بَعْدَ أَنْ قَالَ: اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
(3921 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،قَالَ : حَدَّثَنَا سَيَّارٌ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ،فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ،فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَلْفِي،فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ،فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ،فَاشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا كَانَ لِي عَلَى أَنَّ ظَهْرَهُ لِي حَتَّى أَقْدُمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ،فَأَمَرَ بِقَبْضَةٍ،وَأَمَرَ بِالثَّمَنِ فَدُفِعَ إِلَيَّ،ثُمَّ قَالَ لِي: خُذِ الْبَعِيرَ هُوَ لَكَ. وَاللَّفْظُ لأَبِي أُمَيَّةَ.
((1/77)
3922) حَدَّثَنَا الصَّغَانِيُّ،وَمُحَمَّدُ بْنُ حَيَوَيْةِ،وَأَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ،وَإِدْرِيسُ بْنُ بَكْرٍ،قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ،قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا،يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،أَنَّهُ كَانَ يَسِيرِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا،فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَضَرَبَهُ وَدَعَا لَهُ،فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ،ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ. قُلْتُ: لا. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ،فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلانَهُ إِلَى أَهْلِي. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ،فَنَقَدَ لِي ثَمَنَهُ،ثُمَّ انْصَرَفْتُ،فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي،فَقَالَ: أَتُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ ! خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُمَا لَكَ.
(3923 ) حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ،قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَامِرٌ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: بِعْتُ يَعْنِي بَعِيرَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاشْتَرَطْتُ حِمْلانَهُ إِلَى أَهْلِي. قَالَ فِي آخِرِهِ: تَرَى أَنِّي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لأَذْهَبَ بِجَمَلِكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَثَمَنَهُ فَهُمَا لَكَ .
(3924 ) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،عَنْ مُغِيرَةَ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَتَلاحَقَ بِي وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أَعْيَا،وَلا يَكَادُ يَسِيرُ،قَالَ: فَقَالَ لِي: مَا لِبَعِيرِكَ؟،قَالَ: قُلْتُ: عَلِيلٌ،قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ،فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ. قَالَ: فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟،قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: فَتَبِيعَنِيهِ،فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ،حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنِّي عَرُوسٌ،فَاسْتَأْذَنْتُ،فَأَذِنَ لِي،فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَيْتُ،فَلَقِيَنِي خَالِي،فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ،فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلامَنِي فِيهِ،قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: مَا تَزَوَّجْتَ؟ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. فَقَالَ: أَهَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوِ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ،فَلا تُؤَدِّبَهُنَّ وَلا تَقُومَ عَلَيْهِنَّ،فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ،فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى،عَنْ أَبِي عَوَانَةَ،عَنْ مُغِيرَةَ بِنَحْوِهِ.
((1/78)
3925 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ النُّفَيْلِيُّ،وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السِّنْدِيِّ،قَالا: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ،قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ،عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ،فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي،فَأَتَى عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ لِي: جَابِرٌ. قُلْتُ: نَعَمْ،فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقُلْتُ: أَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا،فَتَخَلَّفْتُ فَنَزَلَ،فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنِهِ. ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ فَرَكِبْتُ،فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ: أَتَزَوَّجْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ثَيِّبٌ،قَالَ: فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتُمَشِّطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ،قَالَ: أَمَا إِنَّكَ قَادِمٌ فَإِذَا قَدِمْتَ،فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ،ثُمَّ قَالَ: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ،ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ. فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ،فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ،فَقَالَ: آلآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،قَالَ: فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ،ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَمَرَ بِلالا أَنْ يَزِنَ لِي أُوقِيَّةً،فَوَزَنَ لِي بِلالٌ،فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَلَمَّا وَلَّيْتُ،قَالَ: ادْعُ لِي جَابِرًا فَدُعِيتُ فَقُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْجَمَلَ،وَلَمْ يَكُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ. فَقَالَ: خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ.
(3926 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّوَيْهِ بْنِ مُوسَى،قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: كُنْتُ فِي مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ،إِنَّمَا هُوَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ،فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَو نَخَسَهُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ،قَالَ: فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَقَدَّمُ النَّاسَ يُنَازِعُنِي،حَتَّى إِنِّي لأَكُفُّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَبِيعُهُ بِكَذَا وَكَذَا يَزِيدُهُ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: هُوَ لَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ،قَالَ: وَقَالَ لِي: أَتَزَوَّجْتَ بَعْدَ أَبِيكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،قَالَ: أَثِيِّبًا،أَوْ بِكْرًا؟ قُلْتُ: ثَيِّبًا،قَالَ: فَهَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا،وَتُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا؟ ! قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: وَكَانَتْ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا النَّاسُ: افْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ. رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ،قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ،عَنِ الْجُرَيْرِيِّ،عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَكَانَ أَحَدَ السَّبْعِينَ،قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
((1/79)
3927) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ،وَأَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ،قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَسُوقُ بَعِيرًا لِي،فَأَنَا فِي آخِرِ النَّاسِ وَهُوَ يَظْلَعُ أَوْ قَدِ اعْتَلَّ. فَقَالَ: مَا شَأْنُهُ؟،قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،يَظْلَعُ وَقَدِ اعْتَلَّ،فَأَخَذَ شَيْئًا كَانَ فِي يَدِهِ فَضَرَبَهُ،ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ،قَالَ: فَلَقَدْ كُنْتُ أَحْبِسُهُ،حَتَّى يَلْحَقُونِي. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مَنْزِلَةٌ وَنَزَلْنَا عِشَاءً،وَأَرَدْتُ التَّعْجِيلَ إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِلَى أَيْنَ؟،قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ،فَأَرَدْتُ التَّعْجِيلَ. قَالَ: لا تَأْتِ أَهْلَكَ طَرُوقًا،ثُمَّ سَأَلَنِي: أَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا؟،قَالَ: قُلْتُ: لا بَلْ ثَيِّبًا،قَالَ: فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟،قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ مَاتَ وَتَرَكَ عِنْدِي جَوَارِي،فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ،فَأَرَدْتُ امْرَأَةً عَاقِلَةً قَدْ جَرَّبَتْ،فَمَا قَالَ أَحْسَنْتَ وَلا أَسَأْتَ. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِي جَمَلَكَ،فَقُلْتُ: لا،بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ،قَالَ: لا بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلِيَّ قُلْتُ: فَإِنَّ لِفُلانٍ عِنْدِي وُقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ،فَهُوَ لَكَ بِهَا يَعْنِي بِوُقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَخَذَهُ. ثُمَّ قَالَ: تَبْلُغُ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِكِ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِهِ،فَأَمَرَ بِلالا أَنْ يُعْطِيَنِي وُقِيَّةً،وَأَنْ يَزِيدَنِي فَزَادَنِي قِيرَاطًا. فَقُلْتُ: هَذَا شَيْءٌ زَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُفَارِقُنِي،فَجَعَلْتُهُ فِي الْكَيْسِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ أَخَذَهُ أَهْلُ الشَّأْمِ فِيمَا أَخَذُوا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ،قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،عَنْ سَالِمٍ،عَنْ جَابِرٍ،مَرَّ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي بَعِيرِي،وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُوجِبِ عَلَى الْوَزْنِ أَنْ يَرْجَحَ إِذَا وُزِنَ،والإباحة لمن له ذهب أو فضة على رجل أن يأخذ منه أرجح مما عليه.
((1/80)
3928 ) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ،وَغَيْرُهُ،يزيد بعضهم على بعض هذا الحديث لم يبلغه كله عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثِفَالٍ إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ،فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: مَالَكَ؟،فَقُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثِفَالٍ،فَقَالَ: أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ: أَعْطِنِيهِ. فَأَعْطَيْتُهُ فَنَخَسَهُ وَزَجَرَهُ،فَكَانَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ فِي أَوَّلِ الْقَوْمِ،فَقَالَ: بِعْنِيهِ قُلْتُ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ،قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَكَ ظَهْرُهُ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا دَنَوْنَا الْمَدِينَةَ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ. فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَدْ خَلا مِنْهَا. قَالَ: فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ،فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ وَخَلا مِنْهَا تَكِنُّ إِلَيْهَا. قَالَ: فَذَلِكَ إذًا فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: آتِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ: فَلا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ،قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا بِلالُ اقْضِهِ وَزِدْهُ،فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا. فَقَالَ جَابِرٌ: لا تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَلَمْ يَكُنِ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ قِرَابَ جَابِرٍ.
(3929 ) حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَخُو خَطَّابٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ،قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ،عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ: قَدْ أَخَذْتُ جَمَلَكَ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَكَ حُمْلانُهُ إِلَى أَهْلِكَ.
(3930 ) حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ،قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اشْتَرَى مِنِّي الْبَعِيرَ: اذْهَبْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ.
(3931 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا. فَوَزَنَ لِي ثَمَنَهُ،فَأَرْجَحَ.
(3932 ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،يَقُولُ: بِعْتُ بَعِيرًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَوَزَنَ فَأَرْجَحَ لِي،فَمَا زَالَ بَعْضُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ مَعِي حَتَّى أُصِبْتُ يَوْمَ الْحَرَّةِ. فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. قَالَ لِي: ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.
((1/81)
3933 ) حثنا الصَّغَانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ،فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ أَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ،قَالَ: فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.
( 3934) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى،وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ مُحَارِبٍ،قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طَرُوقًا. حَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،بِإِسْنَادِهِ: أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلا .
(3935 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ(ح) وَحثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْغَزِّيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ،قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانَ،قَالَ: سَمِعْتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلا. زَادَ الْفِرْيَابِيُّ أَو يُخَوِّنَهُمْ أَو يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ.
(3936 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ،بِإِسْنَادِهِ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلا،وَيَطْلُبَ عَثَرَاتِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّوَيْهِ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،بِمِثْلِ حَدِيثِ الْفِرْيَابِيِّ.
(3937 ) حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ الْوَرْدِ أَبُو بِسْطَامٍ(ح) وحثنا أَبُو قِلابَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ(ح) وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ سَيَّارٍ،سَمِعَ الشَّعْبِيَّ،عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ.
(3938 ) حَدَّثَنَا مُوسَىُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَوَّاسُ،قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً.
(3939 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَرَّازُ،قَالَ : حَدَّثَنَا مَلِيحُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي،قَالَ: فَصَلَّيْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ،وَنَحَرَ بَقَرَةً أَوْ جَزُورًا. رَوَى أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَزَّارُ الْوَرَّاقُ الْبَصْرِيُّ،عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ،عَنْ شُعْبَةَ بِطُولِهِ،وَقَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ أَمَرَ بِبَقَرَةٍ،فَذُبِحَتْ،فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
((1/82)
3940 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي،قَالَ : حَدَّثَنَا أبي،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،يَقُولُ: اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا بِوَقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ،فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ أَمَرَ بِبَقَرَةٍ،فَذُبِحَتْ،فَأَكَلُوا مِنْهَا. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ،فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ،وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ،فَأَرْجَحَ لِي.
(3941 ) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،عَنْ جَابِرٍ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ مَرَّةً: إِذَا وَزَنْتَ فَأَرْجِحْ .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ مُحَارِبٍ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا وَزَنْتُمْ فَأَرْجِحُوا " اهـ
وحديث القُلتين،تُجمع لجمع ألفاظها،وقد مرَّ حديث القلَّتين سابقاً .
وإذا كانت الأسانيد والمتون مختلفة،بعضها يحتج بها, وبعضها ضعيف،يتوسع في تخريجها لبيان ضعف بعضها أو اضطرابها وترجيح غيرها،لذلك نرى الدارقطني جمع طرق حديث القُلتين (25 طريقًا)،وتعرض للرواة حتى اتضح له عدم وجود الاضطراب في الأسانيد،ورجَّح أن راوي الحديث حدَّث به عِدة مرات،لتعدد تحديد كمية القُلتين.(1)
وقد تكون المتون صحيحةً،وتجمع لبيان الراجح والمرجوح،أو الناسخ والمنسوخ،أو لإثبات حكم من الأحكام،ونجد ذلك في مشكل الآثار وشرح معاني الآثار للطحاوي, وتهذيب الآثار للطبري،وهذه فائدة مهمة لأن مثلَ هذه الكتب تذكر الأحاديث المعللة.
أما في مشكل الآثار للطحاوي،قال في الباب الأول :
"بَابُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
( 6 ) وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ،حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ،حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ،عَنْ عَاصِمٍ،عَنْ أَبِي وَائِلٍ . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : { إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا،أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ،وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ،وَمُمَثِّلٌ مِنْ الْمُمَثِّلِينَ } " . قَالَ أَبُو جَعْفَرٌ : فَوَقَفْنَا بِهَذَا عَلَى أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ أَهْلُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ،وَفِيهِ مَا يَنْتَفِي أَنْ يَكُونَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ مِثْلٌ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ سِوَاهُمْ،غَيْرَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي حَدِيثٍ سِوَاهُ مَا يَجِبُ تَأَمُّلُهُ
(
__________
(1) - انظر السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 263) (1295- 1304) وسنن الدارقطنى (1-36)(1/83)
7 ) وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ،عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ،عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ،عَنْ ابْنِ شِهَابٍ،أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ . { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ،فَهَتَكَهُ،ثُمَّ قَالَ : إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } . فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِنْسَ الْمَذْكُورَ فِيهِ هُوَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا . فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا ؛ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ،وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا هُوَ كَذَلِكَ،فَتَأَمَّلْنَاهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ .
( 8 ) فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،أَخْبَرَنِي يُونُسُ،عَنْ ابْنِ شِهَابٍ،عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ . . . } وَذَكَرَهُ . فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ،إذْ كَانَ الْمُشَبِّهُ بِخَلْقِ اللَّهِ هُوَ الْمُمَثِّلُ بِخَلْقِ اللَّهِ،وَأَنَّ الْجِنْسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْأَوَّلِ . وَغَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا حَدِيثًا آخَرَ سِوَى ذَيْنَك .
( 9 ) وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ،حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ،أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ،عَنْ الْأَعْمَشِ،عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ،عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ . عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ هَجَا رَجُلًا،فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا } . فَإِنْ كَانَ مَا فِي هَذَا كَمَا فِيهِ،فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ،وَحَاشَ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِفَ قَوْلُ الرَّسُولِ فِي هَذَا،أَوْ فِي غَيْرِهِ،غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي هَذَا مِنْ تَقْصِيرِ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ حِفْظِ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ،فَالْتَمَسْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ .
( 10 ) فَوَجَدْنَا إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا،حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ( ح ) وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ،حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَمِينَةَ،قَالَا : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،عَنْ الْأَعْمَشِ،عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ،عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ فِرْيَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يَهْجُو الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا،أَوْ رَجُلٌ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ " . فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَصَدَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ ذِكْرُ مَا كَانَ مِنْهُ الْهِجَاءُ لِعِظَمِ الْفِرْيَةِ عِنْدَ اللَّهِ،لَا لِوَصْفِ عَذَابِ اللَّهِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَدُّ الْعَذَابِ،أَوْ خِلَافُهُ مِنْ أَصْنَافِ الْعَذَابِ،فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي الْأَوَّلِ . " اهـ
وأما في شرح معاني الآثار للطحاوي،و قال في الباب الأول(1):
__________
(1) - شرح معاني الآثار - (ج 1 / ص 16)(1/84)
"بَابُ سُؤْرِ الْهِرِّ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ،أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حَمِيدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا،فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا أَبُو قَتَادَةَ الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ،قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ : أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي ؟ قَالَتْ قُلْت : نَعَمْ قَالَ : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ { إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ،إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ } .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ : ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ،عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ رَأَيْته يَتَوَضَّأُ فَجَاءَ الْهِرُّ فَأَصْغَى لَهُ حَتَّى شَرِبَ مِنْ الْإِنَاءِ فَقُلْت : يَا أَبَتَاهُ،لِمَ تَفْعَلُ هَذَا ؟ فَقَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ،أَوْ قَالَ : هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ } .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو الرِّجَالِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ وَقَدْ أَصَابَتْ الْهِرُّ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَحَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ : ثنا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ : ثنا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ : ثنا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصْغِي الْإِنَاءَ لِلْهِرِّ وَيَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى هَذِهِ الْآثَارِ فَلَمْ يَرَوْا بِسُؤْرِ الْهِرِّ بَأْسًا وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ،أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ،فَكَرِهُوهُ وَكَانَ مِنْ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى،أَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ،إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ،لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ،كَوْنُهَا فِي الْبُيُوتِ وَمُمَاسَّتُهَا الثِّيَابَ .
فَأَمَّا وُلُوغُهَا فِي الْإِنَاءِ،فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ النَّجَاسَةَ أَمْ لَا .
وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ ذَلِكَ،فِعْلُ أَبِي قَتَادَةَ .(1/85)
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَجَّ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَدْ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ،وَقَدْ رَأَيْنَا الْكِلَابَ كَوْنُهَا فِي الْمَنَازِلِ غَيْرَ مَكْرُوهٍ.
وَسُؤْرُهَا مَكْرُوهٌ فَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أُرِيدَ بِهِ الْكَوْنُ فِي الْمَنَازِلِ لِلصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ وَالزَّرْعِ.
وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ سُؤْرِهَا،هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَمْ لَا .
وَلَكِنَّ الْآثَارَ الْأُخَرَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا إبَاحَةُ سُؤْرِهَا .
فَنُرِيدُ أَنْ نَنْظُرَ هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا يُخَالِفُهَا،فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ .
فَإِذَا أَبُو بَكْرَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ { طَهُورُ الْإِنَاءِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ أَنْ يُغْسَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } قُرَّةُ شَكَّ .
وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ،فِيهِ خِلَافُ مَا فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ،وَقَدْ فَصَّلَهَا هَذَا الْحَدِيثُ لِصِحَّةِ إسْنَادِهِ .
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ يُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِمَا خَالَفَهُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَلَمْ يَرْفَعْهُ،وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ،قَالَ ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ يُهْرَاقُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ .
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَجِبُ بِهِ فَسَادُ حَدِيثِ قُرَّةَ،لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُوقِفُهَا عَلَيْهِ،فَإِذَا سُئِلَ عَنْهَا : هَلْ هِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ رَفَعَهَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد،قَالَ : ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ .
قَالَ : ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقِيلَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ كُلُّ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ،لَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُهُمْ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَأَغْنَاهُ مَا أَعْلَمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُد،أَنْ يَرْفَعَ كُلَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ لَهُمْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ اتِّصَالُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا،مَعَ ثَبْتِ قُرَّةَ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ .
ثُمَّ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ .(1/86)
حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْجِيزِيُّ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ قَالَ : أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنْ أَبِي صَالِحٍ السُّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ الْهِرِّ،كَمَا يُغْسَلُ مِنْ الْكَلْبِ " .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،عَنْ أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ .
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَابِعِيهِمْ.
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ،قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ،عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِ الْكَلْبِ وَالْهِرِّ .
وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى الْأُشْنَانِيُّ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " لَا تَوَضَّئُوا مِنْ سُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَا الْكَلْبِ وَلَا السِّنَّوْرِ " .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ إذَا وَلَغَ السِّنَّوْرُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلْهُ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا حَجَّاجٌ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي السِّنَّوْرِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ : أَحَدُهُمَا يَغْسِلُهُ مَرَّةً وَقَالَ الْآخَرُ : يَغْسِلُهُ مَرَّتَيْنِ .
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ : ثنا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ يَقُولَانِ " اغْسِلْ الْإِنَاءَ ثَلَاثًا " يَعْنِي مِنْ سُؤْرِ الْهِرِّ .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ ثنا أَبُو دَاوُد قَالَ ثنا أَبُو حُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ فِي هِرٍّ وَلَغَ فِي إنَاءٍ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ قَالَ " يُصَبُّ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مَرَّةً " .
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ،قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَنَّهُ سَأَلَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَمَّا لَا يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهِ مِنْ الدَّوَابِّ،فَقَالَ : الْخِنْزِيرُ وَالْكَلْبُ وَالْهِرُّ .
وَقَدْ شَدَّ هَذَا الْقَوْلُ النَّظَرَ الصَّحِيحَ،وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا اللَّحْمَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :
( 1 ) فَمِنْهَا لَحْمٌ طَاهِرٌ مَأْكُولٌ،وَهُوَ لَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ،فَسُؤْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ طَاهِرٌ،لِأَنَّهُ مَاسَّ لَحْمًا طَاهِرًا .
( 2 ) وَمِنْهَا لَحْمٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَهُوَ لَحْمُ بَنِي آدَمَ وَسُؤْرُهُمْ طَاهِرٌ،لِأَنَّهُ مَاسَّ لَحْمًا طَاهِرًا .
( 3 ) وَمِنْهَا لَحْمٌ حَرَامٌ،وَهُوَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ،فَسُؤْرُ ذَلِكَ حَرَامٌ،لِأَنَّهُ مَاسَّ لَحْمًا حَرَامًا .
فَكَانَ حُكْمُ مَا مَاسَّ هَذِهِ اللَّحْمَانِ الثَّلَاثَةَ كَمَا ذَكَرْنَا،يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فِي الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ .
((1/87)
4 ) وَمِنَ اللَّحْمَانِ أَيْضًا لَحْمٌ قَدْ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ،وَهُوَ لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ أَيْضًا .
وَمِنْ ذَلِكَ السِّنَّوْرُ،وَمَا أَشْبَهَهُ،فَكَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ،مَمْنُوعًا مِنْ أَكْلِ لَحْمِهِ بِالسَّنَةِ .
وَكَانَ فِي النَّظَرِ أَيْضًا سُؤْرُ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ لَحْمِهِ،لِأَنَّهُ مَاسَّ لَحْمًا مَكْرُوهًا،فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ كَمَا صَارَ حُكْمُ مَا مَاسَّ اللَّحْمَانِ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ حُكْمَهَا .
فَثَبَتَ بِذَلِكَ كَرَاهَةُ سُؤْرِ السِّنَّوْرِ،فَبِهَذَا نَأْخُذُ،وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَة رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. اهـ
وأما في تهذيب الآثار للطبري،في الحديث التالي :
(603 ) حدثنا محمد بن المثنى،حدثنا محمد بن جعفر،حدثنا شعبة،عن سماك بن حرب،قال : سمعت النعمان بن بشير يخطب قال : ذكر عمر بن الخطاب ما أصاب الناس من الدنيا،فقال : « لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ بطنه »
القول في علل هذا الخبر وهذا خبر عندنا صحيح سنده،لا علة فيه توهنه،ولا سبب يضعفه،وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين : إحداهما : أنه لا يعرف له عن النعمان بن عمر،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخرج إلا من هذا الوجه . والأخرى : أنه خبر قد رواه غير شعبة،عن سماك،عن النعمان،فلم يدخل بين النعمان وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا
ذكر من روى هذا الحديث عن سماك،فجعله عن النعمان،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ولم يدخل بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا
(604 ) حدثني محمد بن الحارث القنطري،حدثنا يحيى بن أبي بكير،حدثنا زهير بن معاوية،عن سماك بن حرب،قال : سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر : احمدوا ربكم،فربما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلوى،ما يشبع من الدقل ،وأنتم لا ترضون دون ألوان التمر والزبد وقد وافق عمر في معنى ما ذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الخبر جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،نذكر بعض ما حضرنا ذكره مما صح عندنا سنده منه،ثم نتبع جميعه إن شاء الله البيان
(605 ) حدثنا سفيان بن وكيع،وأبو هشام الرفاعي قالا : حدثنا أبو معاوية،عن الأعمش،عن إبراهيم،عن الأسود،عن عائشة،قالت : « ما شبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خبز بر ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله »
(606 ) حدثنا ابن حميد،وسفيان،قالا : حدثنا جرير،عن منصور،عن إبراهيم،عن الأسود،عن عائشة،قالت : « ما شبع آل محمد مذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض »
(607 ) حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي،قال : حدثنا فضيل بن عياض،عن منصور،عن إبراهيم،عن الأسود،عن عائشة،قالت : « ما شبع آل محمد من خبز بر مذ قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة »
(608 ) حدثنا تميم بن المنتصر الواسطي،حدثنا إسحاق الأزرق،عن شريك،عن أبي إسحاق،عن عبد الرحمن بن الأسود،عن أبيه،عن عائشة أنها قالت : « ما شبع آل محمد يومين من غداء وعشاء حتى مضى لسبيله »
(609 ) حدثنا محمد بن المثنى،حدثنا محمد بن جعفر،حدثنا شعبة،عن أبي إسحاق،قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود،عن عائشة،أنها قالت : « ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »
((1/88)
610 ) حدثنا محمد بن عمار،حدثنا أبي عمار،حدثنا سهل بن عامر البجلي،حدثنا إسرائيل،عن مجالد بن سعيد،عن الشعبي،عن مسروق،قال : بكت عائشة وبيني وبينها حجاب،فقلت : يا أم المؤمنين،ما يبكيك ؟ قالت : يا بني ما ملأت بطني من طعام فشئت أن أبكي إلا بكيت،أذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان فيه من الجهد،ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعام بر في يوم مرتين حتى لحق بربه
(611 ) حدثنا أبو كريب،حدثنا الأشجعي،عن سفيان،عن منصور ابن صفية،عن أمه،عن عائشة،قالت : « قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من الأسودين،التمر والماء »
(612 ) حدثنا سفيان،حدثنا أبي،عن هشام بن عروة،عن أبيه،عن عائشة،قالت : « لقد مكثنا آل محمد شهرا ما نستوقد نارا،إن هو إلا التمر والماء،لا يأتينا شيء،وكان أهل دور من الأنصار من حولنا لهم شاء،فكانوا يبعثون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فكان له من ذلك لبن »
(613 ) حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي،حدثنا يحيى بن يمان،عن هشام بن عروة،عن أبيه،عن عائشة،قالت : ما استضاء آل محمد بنار شهرا
(614 ) حدثني يونس بن عبد الأعلى،أنبأنا ابن وهب،قال : حدثني أبو صخر،عن يزيد بن عبد الله بن قسيط،عن عروة بن الزبير،عن عائشة،قالت : « لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين »
(615 ) حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي،حدثنا عبد الله بن ميمون،حدثنا محمد بن أبي حميد،عن محمد بن المنكدر،قال : قال لي عروة . قالت عائشة أم المؤمنين : « إن كنا لنمكث أربعين صباحا،لا نوقد في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصباحا ولا غيره،فقلت : يا أم المؤمنين،بأي شيء كنتم تعيشون ؟ قالت : بالأسودين التمر والماء،إذا وجدنا »
(616 ) حدثنا يونس،أنبأنا ابن وهب،أخبرني محمد بن أبي حميد،عن محمد بن المنكدر،عن عروة،قال : دخلت على أمي فقالت : أي بني . فقلت : لبيك . قالت : « والله إن كنا لنمكث أربعين ليلة ما يوقد في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار مصباح ولا غيره،فقلت : يا أمه،فبما كنتم تعيشون ؟ قالت : بالأسودين الماء والتمر حدثنا محمد بن معمر البحراني،حدثنا أبو عامر،حدثنا محمد بن أبي حميد،عن محمد بن المنكدر،قال : حدثني عروة بن الزبير،قال : دخلت على عائشة،فقالت : » يا بني،والله إن كنا لنمكث أربعين ليلة،ثم ذكر مثله،إلا أنه زاد في حديثه : قلت : وما الأسودان ؟ قالت : التمر والماء حدثني أبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد بن عيسى،قال : حدثني عبد الله بن نافع،عن المنكدر بن محمد،عن أبيه،عن عروة بن الزبير،عن عائشة مثله
(617 ) حدثني ابن عبد الرحيم البرقي،حدثنا ابن أبي مريم،حدثنا يحيى بن أيوب،حدثني ابن غزية،قال : سمعت أبا النضر،يحدث عن عروة بن الزبير،عن عائشة،زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : « إن كان الشهر ليمر على دابة،وما نرى في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيص نار من سراج ولا غيره »
(618 ) حدثنا سفيان،حدثنا الفضل بن دكين،عن هشام بن سعد،عن يزيد بن رومان،عن عروة،قال : قالت عائشة : « إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال في شهرين،وما أوقد في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار . قلت : يا خالة،وما كان يعيشكم ؟ قالت : كان لنا جيران من الأنصار نعم الجيران،كانوا كانت لهم منائح من غنم،فكانوا يرسلون من ألبانها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »
(619 ) حدثنا سفيان،حدثنا أبي،عن سفيان،عن عبد الرحمن بن عابس،عن أبيه،عن عائشة،قالت : « ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من طعام فوق ثلاث »
((1/89)
620 ) حدثنا ابن وكيع،حدثنا جرير،عن الأعمش،عن عمرو بن مرة،عن أبي نصر،قال : حدثتنا عائشة،قالت : « أهدى لنا أبو بكر رجل شاة قالت : فإني لأقطعها أنا ورسول الله، - صلى الله عليه وسلم - في ظلمة البيت . فقيل لها : فهلا أسرجتم ؟ قالت : لو كان لنا ما نسرج به أكلناه »
(621 ) حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي،حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم،حدثنا ابن أبي فديك،حدثني موسى بن يعقوب يعني الزمعي،عن أبي حازم أن القاسم بن محمد أخبره أن عائشة أخبرته : « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشبع شعبتين في يوم حتى مات »
(622 ) حدثني أحمد بن منصور الرمادي،حدثني إبراهيم بن الحكم بن أبان،حدثني أبي،عن عكرمة،قال : قالت عائشة : « ما شبعنا من الأسودين،وهما الماء والتمر،حتى أجلى الله النضير وأهلك قريظة »
(623 ) حدثنا ابن المثنى،قال : حدثنا حرمي بن عمارة،حدثنا شعبة،أخبرني عمارة،عن عكرمة،عن عائشة،أنها قالت : « لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر »
(624 ) حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم،حدثنا ابن أبي فديك،حدثني ابن أبي ذئب،عن مسلم بن جندب،عن نوفل بن إياس الهذلي،أنه قال : كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسا،وكان نعم الجليس،وأنه انقلب بنا ذات يوم،حتى إذا دخلنا بيته دخل فاغتسل،ثم خرج،فجلس معنا،فأتانا بصحفة فيها خبز ولحم،فلما وضعت بكى عبد الرحمن،فقلت : يا أبا محمد،ما يبكيك ؟ فقال : « هلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير،فلا أرانا أخرنا لهذا،لما هو خير لنا »
(625 ) حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري،حدثنا المحاربي،عن يزيد بن كيسان،عن أبي حازم،عن أبي هريرة،قال : « ما أشبع النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله ثلاثا تباعا من خبز البر حتى فارق الدنيا » حدثني الحسين بن علي الصدائي،حدثنا الوليد بن القاسم،عن يزيد بن كيسان،عن أبي حازم،عن أبي هريرة،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله
(626 ) حدثني الحسين بن علي الصدائي،حدثنا الوليد بن القاسم،عن يزيد بن كيسان،عن أبي حازم،عن أبي هريرة،قال : بينما أبو بكر وعمر جالسان إذ جاءهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : « ما أجلسكما هاهنا ؟ » قالا : والذي بعثك بالحق،ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع . قال : « والذي بعثني بالحق،ما أخرجني غيره » . فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار،فاستقبلتهم المرأة فقال لها : « أين فلان ؟ » قالت : ذهب يستعذب لنا ماء،فجاء صاحبهم حاملا قربته فقال : مرحبا،ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم،فعلق قربته بكرب نخلة وانطلق،فجاءهم بعذق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ألا كنت اجتنيت ؟ قال : أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم » . ثم أخذ الشفرة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إياك والحلوب » . فذبح لهم يومئذ،فأكلوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لتسألن عن هذا يوم القيامة،أخرجكم من بيوتكم الجوع،فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا،فهذا من النعيم »
((1/90)
627 ) حدثنا أبو كريب،حدثنا يحيى بن أبي بكير،حدثنا شيبان بن عبد الرحمن،عن عبد الملك بن عمير،عن أبي سلمة،عن أبي هريرة،قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد،فأتاه أبو بكر قال : « ما أخرجك يا أبا بكر ؟ » قال : خرجت للقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنظر في وجهه والتسليم عليه . فلم يلبث أن جاء عمر فقال : « ما أخرجك يا عمر ؟ » قال : الجوع قال : « وأنا وجدت بعض الذي تجد » . فانطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري،وكان رجلا كثير النخل والشاء،لم يكن له خادم،فأتوه،فلم يجدوه ووجدوا امرأته،فقالوا : أين صاحبك ؟ قالت : انطلق غدوة يستعذب - أو يستعتب،كذا قال شيبان - من الماء من قناة بني فلان . فلم يلبث أن جاء بقربة يرعبها،فوضعها،ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتزمه ويفديه بأبيه وأمه،فانطلق بهم إلى ظل حديقته،فبسط لهم بساطا،ثم انطلق إلى نخلة،فجاء بعذق بقنو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « فهلا تنقيت من رطبه ؟ » فقال : أردت أن تخير من رطبه وبسره،فأكلوا وشربوا من ذلك الماء،فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « هذا،والذي نفسي بيده،من النعيم الذي أنتم تسألون عنه يوم القيامة،هذا الظل البارد،والرطب البارد،عليه الماء البارد »
(628 ) حدثنا عبيد بن إسماعيل الهباري،حدثنا المحاربي،عن داود بن أبي هند،عن أبي حرب بن أبي الأسود،عن طلحة بن عمرو النصري،قال : كان أحدنا إذا قدم المدينة،فإن كان له عريف نزل على عريفه بغير المعرفة،وإن لم يكن له عريف نزل الصفة،فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بين الرجلين،ويرزقهما مدا كل يوم من تمر بينهما،فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بعض الصلوات،فلما انصرف نادى مناد من أهل الصفة : يا رسول الله،أحرق التمر بطوننا قال : فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فحمد الله وأثنى عليه،وذكر ما لقي من قومه من الشدة والأذى قال : حتى لقد مكثت أنا وصاحبي بضعة عشر يوما وما طعامنا إلا البرير،حتى قدمنا المدينة على إخواننا من الأنصار،فواسونا في طعامهم،وعظم طعامهم هذا التمر،والله لو وجدت اللحم والخبز لأطعمتكم،ولكن لعلكم أن تدركوا - أو من أدركه منكم - زمانا تلبسون فيه مثل أستار الكعبة،ويغدى عليكم ويراح الجفان قال : وزاد فيه الحسن : أنتم اليوم خير منكم يومئذ،أنتم اليوم إخوان،وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض
(629 ) حدثني ابن المثنى،حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث،قال : سمعت أبي يحدث عن داود بن أبي هند،عن أبي حرب بن أبي الأسود،أن طلحة حدثه،وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتيت المدينة وليس لي بها معرفة،فنزلت في الصفة مع رجل،فكان بيني وبينه كل يوم مد من تمر،فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم صلاة،فلما انصرف قال رجل من أصحاب الصفة : يا رسول الله،أحرق بطوننا التمر،وتخرقت عنا الخنف،قال : فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب فقال : « والله لو وجدت خبزا ولحما لأطعمتكموه،أما إنكم توشكون أن تدركوا ذاك،أو من أدرك ذاك منكم،أن يراح عليه بالجفان وتلبسون مثل أستار الكعبة » . قال : وذكر قومه وما لقي منهم قال : فمكثت أنا وصاحبي ثمانية عشر يوما وليلة ما لنا طعام إلا البرير،حتى جئنا إلى إخواننا من الأنصار فواسونا،وكان خير ما أصبنا هذا التمر
((1/91)
630 ) حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي،أنبأنا محمد بن يزيد الواسطي،عن إسماعيل بن أبي خالد،عن قيس بن أبي حازم،عن سعد بن أبي وقاص،قال : « لقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما معنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة،وهذا السمر،وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة،ماله خلط » حدثنا تميم بن المنتصر،أنبأنا يزيد،أنبأنا إسماعيل،عن قيس،قال : سمعت سعد بن أبي وقاص،يقول : والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ولقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ثم ذكر نحوه قال تميم : قيل ليزيد : وما ورق الحبلة ؟ قال : ورق الشجر
(631 ) حدثنا الحسين بن علي الصدائي،حدثنا الوليد بن القاسم،عن يزيد بن كيسان،عن أبي حازم،عن أبي هريرة،قال : نزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة،فأرسل إلى نسائه فقال : « هل عندكن من شيء،فقد نزل بي ضيف ؟ » قال : فقلن : لا والذي بعثك بالحق إلا الماء إذ دخل عليه رجل من الأنصار فقال : « يا فلان،هل عندك الليلة من شيء،تذهب بضيفي هذه الليلة ؟ » قال : نعم يا نبي الله . فذهب به إلى أهله فقال للمرأة : هل عندك من شيء ؟ قالت : نعم خبزة لنا . قال : قربيها،وكأنك تصلحين المصباح فأطفئيه . ففعلت،فجعل يضرب بيده كأنه يأكل مع ضيفه،فخلى بينه وبين الخبزة حتى أكل وبات عنده،فلما أصبح غدا ضيفه لحاجته،وغدا الأنصاري إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : « كيف صنعت الليلة بضيفك ؟ » فظن أنه شكاه،فحدثه بالذي صنع فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لقد أخبرني جبريل،لقد عجب الله من صنيعك إلى ضيفك،أو ضحك بصنيعك إليه »
القول في البيان عن معاني هذه الأخبار:(1/92)
إن قال لنا قائل : وما وجه هذه الأخبار ومعانيها،وقد علمت صحة الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،أنه كان يرفع ما أفاء الله عليه من النضير وفدك قوته وقوت عياله لسنة،ثم يسلف ما فضل عن ذلك في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله،وأنه قسم بين أنفس معدودين زهاء ألف بعير من خاصة حقه مما أفاء الله من أموال هوازن في اليوم الواحد،وأنه ساق في حجة الوداع مئة بدنة فنحرها وأطعمها من حضر مكة من أهل المسكنة وغيرهم،وأنه كان يأمر للأعرابي يقدم عليه من البادية فيسلم بقطيع من الغنم،هذا مع ما يكثر تعداده من عطاياه وفواضله التي لا يذكر مثلها عن من قبله من ملوك الأمم السالفة،مع كونه بين أرباب الأموال العظام،والأملاك الجسام،كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان رحمة الله عليهم وأمثالهم في كثرة الأموال وبذلهم له مهجهم وأولادهم وأموالهم،وخروج أحدهم من جميع ملكه إليه تقربا إلى الله تعالى ذكره بفعله ذلك،ثم مع إشراك الأنصار في أموالهم من قدم عليهم من المهاجرين وبذلهم نفائسها في النفقة في ذات الله عز وجل،فكيف بإنفاقها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وبه إليها الحاجة العظمى،ليرد بذلك جسيم ما نزل به من المجاعة،وحل به من عظيم الخموصة،إن هذا لمن أعجب العجب وأنكر النكر،لإحالة بعضه معنى بعض،ودفع بعضه صحة ما دل عليه البعض،إذ كان غير جائز اجتماع قشف المعيشة وشطفها والرخاء والسعة فيها في حال واحدة،فهل عندك لذلك مخرج في الصحة فيصدق بجميعها،أم لا حقيقة لشيء من ذلك فندفعها ؟ أم بعضها صحيح معناه،وبعضه مستحيل في الصحة مخرجه،فتدلنا على صحيح ذلك من سقيمه،لتحق الحق وتبطل الباطل ؟ قيل له : لا خبر فيما ذكرت أو لم أذكر يصح سنده بنقل الثقات العدول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو عندنا حق،والدينونة به للأمة لازمة،ولا شيء من ذلك يدفع شيئا منه،ولا ينقض شيء منه معنى شيء غيره،ونحن ذاكرو بيان ذلك بعلله وحججه،إن شاء الله ذلك،بعونه وتوفيقه . فأما الخبر الذي روينا عن عمر،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يظل اليوم يلتوي من الجوع،لا يجد ما يملأ به بطنه من الدقل،وما أشبه ذلك من الأخبار،فإن ذلك كان يكون في الحين بعد الحين،من أجل أن من كان منهم يومئذ ذا مال،كانت تستغرق نوائب الحقوق من النفقة على المهاجرين وأهل الحاجة والضعف من المسلمين،وعلى الضيفان ومن اعتراهم وقدم عليهم من وفود العرب،وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل كثرة ماله،وحتى يقل كثيره أو يذهب جميعه . وكيف لا يكون ذلك كذلك وقد روينا عن عمر بن الخطاب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصدقة،فجاء أبو بكر بجميع ماله فقال : هذا صدقة لله،فكيف يستنكر لمن كان هذا فعله،أن يملق صاحبه،ثم لا يكون له السبيل إلى سد عوزه ولا إرفاقه لما يغنيه عن غيره ؟ وعلى هذه الخليقة كانت خلائق تباعه وأصحابه رضوان الله عليهم . وذلك كالذي ذكر عن عثمان أنه جهز جيشا من ماله حتى لم يفقدوا حبلا ولا قتبا،وكالذي ذكر عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حث على الصدقة،فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة منه تصدق بها،فأنزل الله عز وجل فيه وفي صاحبه الأنصاري الذي تصدق بصاع من تمر قد كسبه بجر الجرير على ظهره لا يملك غيره،إذ تكلم في أمرهما المنافقون،فقالوا لهذا : إنما أراد به الربا وقالوا في الآخر : كان الله غنيا من صاعه : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم .(1/93)
فمعلوم أن من كانت هذه أفعاله وخلائقه أنه لا يخطئه أن تأتي عليه التارة من الزمان والحين من الأيام مملقا لا شيء له،قد أسرع في ماله نوافل عطاياه وفواضل نداه،إن احتاج له أخ أو خليل إلى بعض ما يحتاج إليه الآدميون،لم يكن له سبيل إلى مؤاساته لقلة ذات يده،إلى أن يثوب له مال،أو يتعين له مال . فقد ثبت إذا بما ذكرت ووصفت خطأ قول القائل : كيف يجوز أن يرهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درعه عند يهودي على أوسق من شعير،وفي أصحابه من أهل الغنى والسعة من لا يجهل موضعه ؟ أم كيف يجوز أن يوصف بأنه كان يطوي الأيام ذوات العدد خميصا وأصحابه يمتهنون له أموالهم،ويبذلونها لمن هو دونه من أصحابه ؟ فكيف له ؟ إذ كان - صلى الله عليه وسلم - معلوما جوده وكرمه وإيثاره ضيفانه والقادمين عليه من وفود العرب بما عنده من الأقوات والأموال على نفسه وأهله،واحتماله المشقة والصبر على الخموصة والمجاعة في ذات الله،وامتثال أصحابه وتباعه في ذلك أخلاقه،ومن كان كذلك وأتباعه فمعلوم أنه غير مستنكر له ولأتباعه حال ضيق يحتاج هو وهم معها إلى الاستسلاف والاستقراض،وإلى طي الأيام على المجاعة والشدة . فكان ما يكون من ضيق يصيبه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أو من يصيبه ذاك منهم ومعيشته لهذه الأسباب التي وصفنا،وهذه والأحوال من أحواله وأحوال أصحابه عنيت بالأخبار التي رويت عنه من شده الحجر على بطنه هو وأصحابه،وعدمهم القوت وما يشبعهم الأيام المتتابعة . وتقول عائشة رحمة الله عليها : لقد أتى علينا شهران ما يوقد في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصباح،وما أشبه ذلك من الأخبار . فأما الرواية التي رويت عنه - صلى الله عليه وسلم - : أنه لم يشبع ثلاثا تباعا من خبز حتى لقي الله عز وجل،فإن البر كان بنواحي مدينته قليلا،وإنما كان الغالب عليهم على عهده التمر والشعير،فغير مستنكر أن يكون - صلى الله عليه وسلم - كان يؤثر قوت أهل بلده،ويكره أن يختص نفسه بما لا سبيل للمسلمين إليه من الغذاء،وهذا هو الأشبه بأخلاقه . وأما الأخبار التي رويت عنه - صلى الله عليه وسلم - : أنه لم يشبع شبعتين في يوم حتى لحق بالله تعالى،وأنه لم يشبع هو وأهله من خبز الشعير حتى قبضه الله،وما أشبه ذلك من الأخبار،فإن ذلك لم يكن منه - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله لعوز ولا لضيق،وكيف يكون ذلك كذلك،وقد كان الله تعالى ذكره أفاء عليه من قبل وفاته بلاد العرب كلها،ونقل إليه الخرج من بعض بلاد العجم كأيلة والبحرين وهجر ؟ ولكن ذلك كان بعضه لما وصفت من إيثاره نصيب حقوق الله تعالى بماله،وبعضه كراهة منه الشبع وكثرة الأكل،فإنه كان يكره ذلك،وبترك ذلك كان يؤدب أصحابه،وبذلك جاءت الآثار عنه،وإن كان في إسناد بعضه بعض ما فيه. اهـ
5. الأحاديث التي في الباب :
وهي الشواهد والمتابعات ويجمعها موضوع الحديث،لأنها تشهد للحديث المذكور فيه. وإطلاق العلماء قولهم: (وفي الباب ) أعم من إطلاق الترمذي،لأن مقصود الترمذي ذكرُ الشواهد فقط،ويريد غيره ذكر المتابعات والشواهد معًا،فالباحث بحسب غرضه،هل يأخذ مما في الباب لتقوية المتن أو تقوية الإسناد.
وإذا كان الحديث صحيحًا تجمع شواهده ومتابعاته لدفع الغرابة عنه.(1/94)
مثاله كما في سنن الترمذى (149 ) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِى رَبِيعَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ ابْنُ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ أَخْبَرَنِى نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَمَّنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ فِى الأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَىْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَىْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ. وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَىَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ. وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِى مُوسَى وَأَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ وَأَبِى سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ.
(150) أَخْبَرَنِى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَخْبَرَنِى وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَمَّنِى جِبْرِيلُ ». فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ « لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ شَىْءٍ فِى الْمَوَاقِيتِ حَدِيثُ جَابِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِى الْمَوَاقِيتِ قَدْ رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .
وقد روي من طرق كثيرة عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة به(1)
وفي سنن الدارقطنى( 1025 ) حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِهِ الصَّلَوَاتِ وَقْتَيْنِ إِلاَّ الْمَغْرِبَ.
(
__________
(1) - انظر المسند الجامع - (ج 8 / ص 647) ( 5988)(1/95)
1026 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا بِطُولِهِ.
(1027 ) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ حَدَّثَنَا جَدِّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَّنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ فَجَاءَنِى فِى أَوَّلِ مَرَّةٍ ». فَذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ وَقَالَ « ثُمَّ جَاءَنِى حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِىَ الْمَغْرِبَ وَكَذَلِكَ فِى الْيَوْمِ الثَّانِى وَقْتًا وَاحِدًا ». 1/259
وفي البدر المنير(1):
"هَذَا الحَدِيث أصلٌ أصيل فِي هَذَا الْبَاب،وَرَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي فِي «الْأُم» (وخرجه) فِي «الْمسند» أَيْضا،وَأحمد فِي «مُسْنده»،وَأَبُو دَاوُد،وَالتِّرْمِذِيّ،وَالدَّارَقُطْنِيّ،وَالْبَيْهَقِيّ،فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ربيعَة،عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن (حنيف)،عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم،عَن ابْن عَبَّاس،وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة .
وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ قريب من رِوَايَة الشَّافِعِي (و) لَيْسَ فِي روايتهم قَوْله : «عِنْد بَاب الْبَيْت» إِنَّمَا فِيهَا «عِنْد الْبَيْت» نعم ذَلِك فِي رِوَايَة الشَّافِعِي كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ . قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن . وَقَالَ الْحَاكِم : هَذَا حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ،وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي،عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بِطُولِهِ . ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا تقدم . قَالَ : وَاخْتَصَرَهُ سُلَيْمَان بن بِلَال،فَأخْرجهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث،وَمُحَمّد بن عمر،عَن حَكِيم بن حَكِيم،عَن نَافِع،عَن ابْن عَبَّاس : «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَصَلى بِهِ الصَّلَوَات لوقتين،إِلَّا الْمغرب» وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد . قَالَ : وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي من أَشْرَاف قُرَيْش،والمقبولين فِي الراوية،قَالَ : وَحَكِيم بن حَكِيم هُوَ ابْن عباد بن حنيف الْأنْصَارِيّ،وَكِلَاهُمَا مدنيان .
قلت : لَكِن عبد الرَّحْمَن قد اختُلف فِيهِ،قَالَ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم : صَالح،وَقَالَ ابْن سعد : كَانَ ثِقَة،وَقَالَ ابْن حبَان : كَانَ من أهل الْعلم،وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَنقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي حَقه : مَتْرُوك الحَدِيث (و) عَن ابْن نمير أَنه قَالَ : لَا أقدم عَلَى ترك حَدِيثه .
وَأما حَكِيم فَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وحسَّن لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث : «الْخَال وَارِث»،وَخَالف ابْن سعد فَقَالَ : قَلِيل الحَدِيث (و) لَا يحتجون بحَديثه (وَأَخُوهُ) عُثْمَان بن حَكِيم كَانَ ثِقَة .
__________
(1) - البدر المنير - (ج 3 / ص 150) فما بعد(1/96)
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر فِي «تمهيده» : تكلم بعض النَّاس فِي إِسْنَاد (حَدِيث) ابْن عَبَّاس هَذَا بِمَا لَا وَجه لَهُ من الْكَلَام،وَرُوَاته كلهم معروفو النّسَب (مَشْهُورُونَ) فِي الْعلم،وَقد خرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره،وَذكره عبد الرَّزَّاق،(عَن الثَّوْريّ) وَابْن أبي (سُبْرَة) عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث (بِإِسْنَادِهِ)،مثل رِوَايَة وَكِيع (وَأبي نعيم - يَعْنِي : عَن الثَّوْريّ - وَذكره عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن الْعمريّ،عَن عمر) (بن) نَافِع بن جُبَير بن مطعم،عَن أَبِيه،عَن ابْن عَبَّاس نَحوه .
قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بالشهرة فِي حمل الْعلم مَعَ عدم الجرحة الثَّابِتَة وَهُوَ مُقْتَضَى رَأْيه،وَذكر أَيْضا مَا يَقْتَضِي تَأْكِيد الرِّوَايَة بمتابعة ابْن أبي (سُبْرَة) عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث،وَكَذَلِكَ ذكر أَيْضا مُتَابعَة الْعمريّ،عَن عمر (بن) نَافِع،(وَهَذِه) مُتَابعَة حَسَنَة .
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ : حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا اجتنبه قدماء النَّاس،وَمَا (حَقه أَن) يجْتَنب ؛ فَإِن طَرِيقه صَحِيحَة،وَلَيْسَ ترك الْجعْفِيّ والقشيري (لَهُ) - يَعْنِي : البُخَارِيّ وَمُسلمًا - دَلِيلا عَلَى عدم صِحَّته ؛ لِأَنَّهُمَا لم يخرجَا كل صَحِيح . قَالَ : وَقد رَوَى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى البُخَارِيّ،ثَنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان،ثَنَا أَبُو بكر بن أبي أويس،عَن سُلَيْمَان بن بِلَال،عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَمُحَمّد بن عمر،عَن حَكِيم (بن حَكِيم)،عَن نَافِع،عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره . قَالَ : ورواة حَدِيث ابْن عَبَّاس (هَذَا) كلهم ثِقَات مشاهير .
قلت : قد علمت مَا فِي عبد الرَّحْمَن وَحَكِيم،وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو بكر بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَمِنْه نقلت من جِهَة مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن ووكيع،عَن سُفْيَان،عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث الْمَذْكُور فِيهِ «وَصَلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ»،وَفِي آخِره : «وَصَلى بِي الْغَدَاة (عِنْدَمَا) أَسْفر،ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد،الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ،هَذَا وقتك وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك» .
تَنْبِيهَانِ : الأول : قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بعد أَن (خرج) حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا من رِوَايَة أبي نعيم عَن سُفْيَان : لَا تُوجد هَذِه اللَّفْظَة وَهِي : «وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك» إِلَّا فِي هَذَا الْإِسْنَاد
قلت : قد رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد،عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث،عَن حَكِيم بن حَكِيم،عَن نَافِع بن جُبَير،عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره . وَقَالَ فِي آخِره : «ثمَّ الْتفت إِلَيّ جِبْرِيل فَقَالَ : يَا مُحَمَّد،هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك،وَالْوَقْت (فِيمَا بَين هذَيْن) الْوَقْتَيْنِ» وَحسنه كَمَا سلف .
الثَّانِي : قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : مدَار هَذَا الحَدِيث عَلَى حَكِيم بن حَكِيم - بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ - بن عباد - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة - بن حنيف - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون .
قلت : قد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقين آخَرين ؛ أَحدهمَا : من حَدِيث عبيد الله بن مقسم،عَن نَافِع بن جُبَير،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا .(1/97)
ثَانِيهمَا : من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد،عَن نَافِع بن جُبَير،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أَيْضا،وَقد قَالَ هُوَ بعد هَذَا الْموضع بأسطر : ومتابعة الْعمريّ،عَن عمر بن نَافِع بن جُبَير بن مطعم،عَن أَبِيه مُتَابعَة حَسَنَة،وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ أَيْضا .
وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ [ عُبَيْس ] بن مَرْحُوم،عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل،عَن ابْن عجلَان،عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ،عَن ابْن عَبَّاس،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَنه قَالَ : (أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ ...) الحَدِيث،فَقَالَ أَبُو زرْعَة : وهم [ عُبَيْس ] فِي هَذَا الحَدِيث . وَقَالَ أبي : أخْشَى أَن يكون وهم فِيهِ [ عُبَيْس ]،فَقلت لَهما : فَمَا (علته ؟) قَالَا : رَوَاهُ عدَّة من الْحفاظ عَن حَاتِم،عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث،عَن حَكِيم بن حَكِيم،عَن نَافِع،عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا،وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح .
تَنْبِيه ثَالِث : اعْترض النَّوَوِيّ فِي «تنقيحه عَلَى الْوَسِيط» فِي إِيرَاده فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث «عِنْد بَاب الْكَعْبَة» (فَقَالَ إِنَّه ذكره فِي «الْبَسِيط») تبعا للنِّهَايَة،وَهُوَ مُنكر لَا يعرف فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث ؛ إِنَّمَا فِيهِ : «عِنْد الْبَيْت» من غير ذكر الْكَعْبَة . وَهَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ ؛ فقد علمت أَن الشَّافِعِي رَوَاهُ كَذَلِك،ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ فِي مَوضِع آخر - سبقه إِلَيْهِ ابْن الصّلاح - وَقد ذكرته فِي تخرج (أَحَادِيثه) الْمُسَمَّى : «تذكرة الأخيار بِمَا فِي الْوَسِيط (من) الْأَخْبَار» .
(فَائِدَة : الشرَاك - بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة - هُوَ أحد سيور النَّعْل الَّتِي يكون عَلَى وَجههَا) . اهـ
وأما إذا كان الحديث ضعيفًا ضعفًا يقبلُ الجبر فلا بدَّ من جمع الشواهد والمتابعات،حتى يرتقي إلى الحسن لغيره.
مثاله كما في سنن الترمذى(37) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ تَوَضَّأَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ ثَلاَثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَقَالَ « الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى قَالَ قُتَيْبَةُ قَالَ حَمَّادٌ لاَ أَدْرِى هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِى أُمَامَةَ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَائِمِ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ الأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا أَقْبَلَ مِنَ الأُذُنَيْنِ فَمِنَ الْوَجْهِ وَمَا أَدْبَرَ فَمِنَ الرَّأْسِ. قَالَ إِسْحَاقُ وَأَخْتَارُ أَنْ يَمْسَحَ مُقَدَّمَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَمُؤَخَّرَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِىُّ هُمَا سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهِمَا يَمْسَحُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ.
قلت : والذي شك فيه هو لفظ « الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ ».
وسبب ضعف الحديث هو التردد من الراوي في الرفع والوقف،وكذلك سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ فيه كلام
وقد ورد الحديث بروايات أخرى تقويه :(1/98)
منها في سنن ابن ماجه (478 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ ».
وفي مصباح الزجاجة (180) قال عقبه :هذا إسناد حسن إن كان سويد بن سعيد حفظه.
وفي سنن ابن ماجه (480) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلاَثَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ ».
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (181) هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الله بن علاثة وعمرو بن الحصين. وله شاهد من حديث أبي أمامة ورواه الترمذي وقال إسناده ليس بالقائم ورواه الدارقطني في سننه من طريق ابن أبي مريم عن أسد بن سعد مرسلاً.
وفي مصنف عبد الرزاق (23)عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ " وهو حسن مرسل
وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 183)(1610) حَدَّثَنَا عَلِيٌّ , قَالَ: نا عَلِيُّ بن جَعْفَرِ بن زِيَادٍ الأَحْمَرُ , قَالَ: نا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ،عَنْ أَشْعَثَ،عَنِ الْحَسَنِ،عَنْ أَبِي مُوسَى،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ:"الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ". لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الأَشْعَثِ إِلا عَلِيٌّ،تَفَرَّدَ بِهِ: عَلِيُّ بن زِيَادٍ،وَلا يُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ
وفي مجمع الزوائد( 1196 ) وَفِيهِ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ،وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وبنحوه في سنن الدارقطنى (330 -375 ) والسلسلة الصحيحة (36 ) فالحديث صحيح لطرقه بيقين.
أو أن يرتقي الحسن إلى الصحيح لغيره.
ففي مسند أحمد ( 11) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى هَذَا الْيَوْمِ مِنْ عَامِ الأَوَّل ِ ثُمَّ اسْتَعْبَرَ أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَمْ تُؤْتَوْا شَيْئاً بَعْدَ كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ مِثْلَ الْعَافِيَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ».
قلت : عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ الْحَارِثِ مقلٌّ،ولكنه لم يتفرد به فالحديث صحيح لغيره(1/99)
ففي مسند أحمد (5) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَوْسَطَ قَالَ خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَامِى هَذَا عَامَ الأَوَّلِ - وَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - سَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ - أَوْ قَالَ الْعَافِيَةَ - فَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ قَطُّ بَعْدَ الْيَقِينِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ أَوِ الْمُعَافَاةِ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِى النَّارِ وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا إِخْوَاناً كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وفيه (6) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَأَبُو عَامِرٍ قَالاَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ أَبِيهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ - فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ سُرِّىَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ - فِى هَذَا الْقَيْظِ عَامَ الأَوَّلِ « سَلُوا الْلَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ فِى الآخِرَةِ وَالأُولَى ».
وفي مسند الحميدى(3) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِىُّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَوْسَطَ الْبَجَلِىَّ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ حِمْصَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ،ثُمَّ عَادَ فَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ،ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الأَوَّلِ :« سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ،فَإِنَّهُ مَا أُوتِىَ عَبْدٌ بَعْدَ يَقِينٍ شَيْئًا خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ ».
وغير ذلك من طرق وشواهد فالحديث صحيح بلا ريب .
وهذه الفائدة لها تعلق بالصنعة الحديثية, ولها فائدة في الحديث الموضوعي لجمع الأحاديث في موضوع واحد.
6. ذكر الحديث المعارض،متنًا أو إسنادًا:
ويحصل أن يكون الحديثان المتعارضان صحيحين،فإما أن يوفق بينهما،وإما أن يكون أحدهما أقوى فيعلُّ الثاني،أو يُتوقف فيهما.
ومثاله: أن يصحح الحاكم حديثًا،ويوافقه الذهبي،ثم يذكر له معارِضًا من الصحيحين،فيعلل الحديث.
ويقال في الحديث المعلول: هذا حديث رواته ثقات،ولا يقال: هذا حديث صحيح،ولكنه معارض بكذا وكذا،والحديث الثاني أوثق.(1/100)
مثاله كما في سنن أبى داود (739 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِى هُبَيْرَةَ عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّىِّ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَصَلَّى بِهِمْ يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ وَحِينَ يَرْكَعُ وَحِينَ يَسْجُدُ وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ فَيَقُومُ فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ إِنِّى رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى صَلاَةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا فَوَصَفْتُ لَهُ هَذِهِ الإِشَارَةَ فَقَالَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاقْتَدِ بِصَلاَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
قلت : فهذا الحديث معلول بعلتين :
الأولى بميمون المكي ففي التقريب( 7054 ) ميمون المكي مجهول من الرابعة د
والثانية مخالفته لما هو أقوى منه،كما في السنن الكبرى للبيهقي(ج 2 / ص 73) (2620) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الزَّاهِدُ إِمْلاَءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ قَالَ قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ : مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِىُّ : صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِى النُّعْمَانِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَحِينَ رَكَعَ،وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ،فَقَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَحِينَ رَكَعَ،وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَإِذَا رَكَعَ،وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِى رَبَاحٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَإِذَا رَكَعَ،وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَإِذَا رَكَعَ،وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ : صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَإِذَا رَكَعَ،وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ،وَإِذَا رَكَعَ،وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وفي علل الدارقطني - (ج 3 / ص 196) س (357) وسئل عن حديث عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِى بِالْحَقِّ وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ ».
فقال حدث به شريك وورقاء وجرير وعمرو بن أبي قيس عن منصور عن ربعي عن علي وخالفهم سفيان الثوري وزائدة وأبو الأحوص وسليمان التيمي فرووه عن منصور عن ربعي عن رجل من بني راشد عن علي وهو الصواب(1/101)
قلت : أخرجه أحمد 1/97(769) قال : حدَّثنا مُحَمد بن جَعْفَر،حدَّثنا شُعْبة. و"ابن ماجة" 85 قال : حدَّثنا عَبْد الله بن عامر بن زُرَارَة،حدَّثنا شَرِيك. و"التِّرمِذي" 2295 قال : حدَّثنا محمود بن غَيْلاَن،حدَّثنا أبو داود،قال : أنبأنا شُعْبة. كلاهما (شُعْبة،وشَرِيك) عن مَنْصُور بن المُعْتَمِر،عن رِبْعِي بن حِرَاش،فذكره.
وأخرجه أحمد 1/133(1124) قال : حدَّثنا وَكِيع،حدَّثنا سُفْيان. و"عَبد بن حُميد" 76 قال : حدَّثنا أبو نُعَيْم،حدَّثنا سُفْيان. و"التِّرمِذي" 2296 قال : حدَّثنا محمود بن غَيْلاَن،حدَّثنا النَّضْر بن شُمَيْل،عن شُعْبة.
ورواه الطيالسي( 108) حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،وَوَرْقَاءُ ثلاثتهم (سُفْيان،وشُعْبة،وَوَرْقَاءُ) عن مَنْصُور،عن رِبْعِي بن حِرَاش،عَنْ رَجُلٍ،عَنْ عَلِيٍّ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ،حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يُؤْمِنَ بِاللهِ،وَأَنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ،وَيُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَيُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
وقال الترمذي 2296 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ نَحْوَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ رِبْعِىٌّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلِىٍّ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدِى أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِىٍّ عَنْ عَلِىٍّ. حَدَّثَنَا الْجَارُودُ قَالَ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ بَلَغَنَا أَنَّ رِبْعِيًّا لَمْ يَكْذِبْ فِى الإِسْلاَمِ كِذْبَةً.
يعني رجَّح أن بين عليٍّ رضي الله عنه وبين ربعي رجلاً مجهولاً .
ولكن الحاكم له رأي آخر،ففي المستدرك للحاكم ( 90) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْحَنْظَلِيُّ بِبَغْدَادَ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ،حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ،حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ،حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ،قَالاَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لاَ يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ،وَيُؤْمَنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَيُؤْمَنُ بِالْقَدَرِ "
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،وَقَدْ قَصَّرَ بِرِوَايَتِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ،وَهَذَا عِنْدَنَا مِمَّا لاَ يُعْبَأُ
(91) حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ،أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ،حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ،حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيٍّ،عَنْ رَجُلٍ،عَنْ عَلِيٍّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ النَّهْدِيُّ،وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ يَحْتَجُّ بِهِ،فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ لاَ يُحْكَمُ لَهُ عَلَى أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ،وَمُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ وَأَقْرَانِهِمْ،بَلْ يَلْزَمُ الْخَطَأُ إِذَا خَالَفَهُمْ،وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مُتَابَعَةُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الثَّوْرِيَّ فِي رِوَايَتِهِ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيٍّ،عَنْ عَلِيٍّ،وَجَرِيرٌ مِنْ أَعْرِفِ النَّاسِ بِحَدِيثِ مَنْصُورٍ
((1/102)
92) حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي،حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيُّ،حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،وَحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ،حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ،قَالاَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيٍّ،عَنْ عَلِيٍّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ،وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَيُؤْمَنُ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ "
وفي الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ :(141) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ،أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ،حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ،حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ مَنْصُورٍ،سَمِعَ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ،يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ،يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - قَالَ مَنْصُورٌ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ - : وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ،وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْقَدَرِ "
( 142) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ،حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ،حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ،وَيُؤْمَنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَيُؤْمَنُ بِالْقَدَرِ " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ،عَنْ سُفْيَانَ،وَرَوَاهُ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيٍّ،عَنْ زَيْدٍ،عَنْ عَلِيٍّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ،حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ،حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ،حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ،عَنْ سُفْيَانَ،ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ،أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،وَأَبُو حُذَيْفَةَ قَالَا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،فَذَكَرَهُ . وَرَوَاهُ شَرِيكٌ،وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ،عَنْ مَنْصُورٍ،نَحْوَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى،وَرَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ وَوَرْقَاءُ،عَنْ مَنْصُورٍ،نَحْوَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
((1/103)
143) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ،أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ،حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ،حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ،حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ،عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ،عَنْ رَجُلٍ،مِنْ بَنِي أَسَدٍ،عَنْ عَلِيٍّ،قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَرْبَعٌ لَنْ يَجِدَ الْعَبْدُ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ،وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَبِأَنَّهُ مَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ،وَيُؤْمَنُ بِالْقَدَرِ " وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ،أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ،حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،نا وَرْقَاءُ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ رِبْعِيٍّ،عَنْ رَجُلٍ،عَنْ عَلِيٍّ،فَذَكَرَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا"
قلتُ : والصواب عندي صحة الموصول،وذلك لأن ربعي لم يتهم بتدليس،وقد سمع من علي رضي الله عنه،وربما سمع هذا الحديث من الرجل المجهول عن علي،لأن الذين رووه عنه بدون الرجل أئمة ثقات أثبات،ومن ثم فقد صحح إسناد هذا الحديث كثير من السلف والخلف .
7. ذكرُ تفسير الألفاظ الغريبة:
ولا يحتاج إليه الباحث إلا بقدر ما يتوقف على هذا التفسير من إدراك معنى الحديث, مثل حديث أم زرع(1)،وهذا العنصر يعتبر تكملة للفائدة،ويُقتصر فيه على ما يتعلق به الموقف،وإن كان بصدد كتاب للغريب فيتناول كل لفظة غريبة.
كما في صحيح مسلم (2451 ) عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِىِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ « أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِى الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ».
قال النووي(2): " قَوْله : ( تَحَمَّلْت حَمَالَةَ ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاء،وَهِيَ الْمَال الَّذِي يَتَحَمَّلهُ الْإِنْسَان أَيْ يَسْتَدِينُهُ وَيَدْفَعهُ فِي إِصْلَاح ذَات الْبَيْن كَالْإِصْلَاحِ بَيْن قَبِيلَتَيْنِ وَنَحْو ذَلِكَ،وَإِنَّمَا تَحِلّ لَهُ الْمَسْأَلَة،وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاة بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَدِينَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( حَتَّى تُصِيب قِوَامًا مِنْ عَيْش ) أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْش ( الْقِوَام وَالسِّدَاد ) بِكَسْرِ الْقَاف وَالسِّين وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ،وَهُوَ مَا يُغْنِي مِنْ الشَّيْء وَمَا تُسَدُّ بِهِ الْحَاجَة،وَكُلّ شَيْء سَدَدْت بِهِ شَيْئًا فَهُوَ ( سِدَاد ) بِالْكَسْرِ،وَمِنْهُ : سِدَاد الثَّغْر وَالْقَارُورَة . وَقَوْلهمْ : ( سِدَادٌ مِنْ عَوَزٍ ) .
__________
(1) - أخرجه البخارى(5189 ) ومسلم (6458 )
(2) - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 496)(1/104)
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( حَتَّى يَقُوم ثَلَاثَة مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمه : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَة ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ ( يَقُوم ثَلَاثَة ) وَهُوَ صَحِيح أَيْ يَقُومُونَ بِهَذَا الْأَمْر فَيَقُولُونَ : لَقَدْ أَصَابَتْهُ فَاقَة ( وَالْحِجَا ) مَقْصُور وَهُوَ الْعَقْل،وَإِنَّمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : ( مِنْ قَوْمه ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْخِبْرَة بِبَاطِنِهِ،وَالْمَال مِمَّا يَخْفَى فِي الْعَادَة فَلَا يَعْلَمهُ إِلَّا مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِصَاحِبِهِ،وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحِجَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَط فِي الشَّاهِد التَّيَقُّظ فَلَا تُقْبَل مِنْ مُغَفَّلٍ،وَأَمَّا اِشْتِرَاط الثَّلَاثَة فَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : هُوَ شَرْط فِي بَيِّنَة الْإِعْسَار فَلَا يُقْبَل إِلَّا مِنْ ثَلَاثَة ؛ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث،وَقَالَ الْجُمْهُور : يُقْبَل مِنْ عَدْلَيْنِ كَسَائِرِ الشَّهَادَات غَيْر الزِّنَا،وَحَمَلُوا الْحَدِيث عَلَى الِاسْتِحْبَاب،وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فَلَا يُقْبَل قَوْله فِي تَلَفِهِ وَالْإِعْسَار إِلَّا بِبَيِّنَةٍ،وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَف لَهُ مَال فَالْقَوْل قَوْله فِي عَدَم الْمَال .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَة يَا قَبِيصَة سُحْتًا ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ ( سُحْتًا ) . وَرِوَايَة غَيْر مُسْلِم : ( سُحْت ) وَهَذَا وَاضِح،وَرِوَايَة مُسْلِم صَحِيحَة،وَفِيهِ إِضْمَار أَيْ : أَعْتَقَدَهُ سُحْتًا،أَوْ يُؤْكَل سُحْتًا . "
8. بيان بعض الاصطلاحات الحديثية:
مثل هل العبرة بما روى الراوي أو بما أفتى به ورآه،انفرد الحنفية باعتبار ما أفتى به راوي الحديث(1)،ومن أمثلة ذلك ولوغ الكلب في الإناء،
قال الزيلعي(2):
" الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا" .
__________
(1) - انظر كشف الأسرار - (ج 5 / ص 148) والإبهاج في شرح المنهاج - (ج 3 / ص 473) وتقويم النظر - (ج 2 / ص 185) وفي إجابة السائل شرح بغية الآمل - (ج 1 / ص 335) : والجمهور ينفي التخصيص برأي الراوي وخالف في ذلك الحنابلة والحنفية ، استدل الجمهور بأن العمل بالدليل وهو العموم واجب ومذهب الراوي ليس بدليل عندهم فلا يخص به وإلا لزم ترك الدليل لغير دليل وهو غير جائز
قال المخالف عمل الراوي بخلاف ما رواه دليل على اطلاعه على دليل التخصيص وإلا كان فاسقا لمخالفته الدليل ، قلنا الدليل ما رواه لا ما رآه إذ قد يكون دليل التخصيص عنده عن ظن أو اجتهاد وظنه واجتهاده لا يجب علينا اتباعه فيهما ولذا كان الصحابة يخالف بعضهم بعضا في الاجتهادات ولو كان حجة لما جاز خلافه وإذا كان هذا في الصحابي فبالأولى أن لا يعمل برأي غيره
(2) - في نصب الراية - (ج 1 / ص 130)(1/105)
قُلْتُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا،أَوْ خَمْسًا،أَوْ سَبْعًا"،انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ،وَهُوَ مَتْرُوكٌ،وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ،فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا،وَهُوَ الصَّحِيحُ،انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى الإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ . وقال : هَذَا مَوْقُوفٌ وَلَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى الإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ وَغَسَلَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ،انْتَهَى.(1/106)
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إناء أحدكم فليرهقه وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"،انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَيْبَةَ ثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ بِهِ مَوْقُوفًا،قَالَ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ،وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا،وَإِنَّمَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ،فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا،انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ،ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ،لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ،وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ،انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ عَطَاءٍ ثُمَّ عَطَاءٌ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ،وَأَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوُونَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ،وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ،وَلِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ - تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ،وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ،وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ،فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مَرْفُوعًا،وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ،قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَوْقُوفَةِ فِي نَسْخِ حَدِيثِ السَّبْعِ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ،وَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا غَلَطًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ قَدْ عُرِفَ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ،انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى الْمَوْقُوفَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ،إلَخْ،ثُمَّ قَالَ: فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ لِأَنَّا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ،وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَإِلَّا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ،وَلَمْ يُقْبَلْ رِوَايَتُهُ،بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُخَالِفِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يُغْسَلُ يسبعاً،وَيُعَفِّرُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ،لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ،وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْجَبُ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ،وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ،فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ،انْتَهَى.
وفي التقرير والتحبير(1):
__________
(1) - التقرير والتحبير - (ج 1 / ص 352)(1/107)
" " قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ : وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِالثَّلَاثِ مَا رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } مَعَ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ الْأَوَّلِ قَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا فَقَدْ قَالَ أَيْضًا : لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي الْحَدِيثِ،وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : صَدُوقٌ فَاضِلٌ ثُمَّ كَمَا مَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا،وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ قَرِينَةً تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ،وَحِينَئِذٍ فَيُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبْعِ،وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا،وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ إذْ ذَاكَ،وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ .
فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَ التَّقَدُّمَةُ لَهُ،وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ : وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْغَسْلُ مِنْهَا تَعَبُّدِيًّا بَلْ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ الْمَنَاطُ ظَنَّ زَوَالِهَا كَمَا فِي الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّاتِ،وَوُقُوعُ غَسْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثًا جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ،وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ . " اهـ
وفي مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لِلْبَيْهَقِيِّ :
((1/108)
470) أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا،وَأَبُو بكر،وَأَبُو سَعِيدٍ،قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ،عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيِّ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ،أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِتُرَابٍ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ،مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ،عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ،أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ،أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَنْفَرِدُ بِذِكْرِ التُّرَابِ فِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رَوَاهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ،وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ،فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْفِيرُ فِي التُّرَابِ فِي إِحْدَى الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ،عَدَّهُ ثَامِنَةً،وَإِذْ صِرْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ الْحِفْظِ،فَقَدْ قَالَ : الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ،وَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ،ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ(1)،
__________
(1) - وفي التقريب 4184 - عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العرزمي بفتح المهملة وسكون الراء وبالزاي المفتوحة صدوق له أوهام من الخامسة مات سنة خمس وأربعين خت م 4
وفي الكاشف 3455 - عبد الملك بن أبي سليمان الكوفي الحافظ عن أنس وسعيد بن جبير وعطاء وعنه القطان ويعلى بن عبيد قال أحمد ثقة يخطىء من أحفظ أهل الكوفة رفع أحاديث عن عطاء توفي 145 م 4(1/109)
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ،عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ مُضَافًا إِلَى فِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ دُونَ قَوْلِهِ،وَقَدْ رُوِّينَا عَمَّنْ سَمَّيْنَا،وَعَمَّنْ لَمْ نُسَمِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،مَرَّةً مَرْفُوعًا . كَمَا رُوِّينَا،وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ،عَنْ أَيُّوبَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوَ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ،عُقَيْبَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ،عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ مُحَمَّدٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،بِمَعْنَاهُ،وَلَمْ يَرْفَعَاهُ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ،وَابْنِ عُمَرَ،وَابْنِ عَبَّاسٍ،مَرْفُوعًا فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِهِ سَبْعًا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِصِحَّةِ طَرِيقِهِ،وَقُوَّةِ إِسْنَادِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ تَتَبَّعَ الْآثَارَ،ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ،وَتَرَكَ الْقَوْلَ بِالْعَدَدِ الْوَارِدِ فِي تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ مِنْهُ،وَاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فِيهِ،وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ،وَهُوَ يُوجِبُ غَسْلَ الْإِنَاءِ مِنَ الْوُلُوغِ،وَلَا يُوجِبُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ . فَكَيْفَ يَشْتَبِهَانِ ؟ ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِنَاءِ يَلِغُ فِيهِ الْكَلْبُ أَوِ الْهِرُّ يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْوُلُوغِ،وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَسْخِ السَّبْعِ،عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ . وَهَلَّا أَخَذَ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّبْعِ،وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ فُتْيَا أَبِي هُرَيْرَةَ بِالسَّبْعِ،وَبِمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ عَلَى خَطَأِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ عَطَاءٍ،ثُمَّ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَلِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ،وَالثِّقَةِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ،تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ . وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ،وَحَدِيثُهُ هَذَا مُخْتَلَفٌ عَلَيْهِ،فَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَرُوِي عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ،فَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا غَلَطًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ قَدْ عُرِفَ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ ؟ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . "(1/110)
وهذا مهم إذا كان الباحثُ يعملُ في تخريج كتاب للأصول،وأما في مجرد تخريج الأحاديث فلا حاجة إلى مثل هذا العنصر،وثمرته أنه يساعد على معرفة منهج المؤلف في كتابه.
9. تعقبُ المخرِّجين بعضُهم على بعضٍ:
وذلك عند اشتغال أكثر من عالم في تخريج كتاب واحد،مثلما فعل ابن قطلوبغا في "مُنية الألمعي" فيما فات الزيلعي،وطُبع في نهاية نصب الراية.
وتعقب الحافظ ابن حجر شيخه في تخريج بعض أحاديث الإحياء،ونقل عنه الزبيدي في الإتحاف.
وكذلك تعقب ابن الملقن في البدر المنير من سبقه في تخريج أحاديث الأحكام كابن الصلاح والنووي
ـــــــــــــــ
2-التخريجُ الوسطُ أو المتوسط:
وهو تخريجٌ بين المطوَّل والمختصر،يعني فيه المخرِّج بذكر روايات الحديث المشهورة،مثل: الكشف المبين عن تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للعراقي،وهو مفقودٌ لكن ابن فهد المكي تلميذ العراقي وصفه بأنه تخريج متوسط بين المطول والمختصر،وذكر فيه أشهر أحاديث الباب،ومثل "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر،وخلاصة البدر المنير لابن الملقن.
ويقول ابن الملقن في بيان منهجه في الخُلاصة(1): " فشرعت فِي ذَلِك ذَاكِرًا من الطّرق أَصَحهَا أَو أحْسنهَا وَمن المقالات أرجحها مُشِيرا بِقَوْلِي مُتَّفق عَلَيْهِ لما رَوَاهُ إِمَامًا الْمُحدثين أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن بردذبه الْجعْفِيّ البُخَارِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي وبقولي رَوَاهُ الْأَرْبَعَة لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وبقولي رَوَاهُ الثَّلَاثَة لما رَوَاهُ المذكورون خلا ابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وبقولي غَرِيب أَنِّي لَا أعلم من رَوَاهُ وَمَا عدا ذَلِك أسمي من رَوَاهُ وَحَيْثُ أطلقت النَّقْل عَن الْبَيْهَقِيّ فَهُوَ فِي سنَنه الْكَبِير وَهَذَا الْمُخْتَصر عَلَى تَرْتِيب أَصله لَا أغير مِنْهُ شَيْئا بِتَقْدِيم وَلَا تَأْخِير فلعلك ترَى أَيهَا النَّاظر حَدِيثا غير مُنَاسِب للباب فَأعْلم أَن الرَّافِعِيّ ذكره كَذَلِك فَإِن دعِي هَذَا الْمُخْتَصر بالخلاصة كَانَ باسمه وافيا وَلما يرومه طَالبا كَافِيا أَو الْمدْخل كَانَت سمة صَادِقَة وللحقيقة مُطَابقَة وَهَذَا الْمُخْتَصر أسلك فِيهِ طَرِيق الْإِيضَاح قَلِيلا لَا الِاخْتِصَار جدا." اهـ
ومعنى هذا أنه إذا كان الحديث عند الخمسة صحيحًا،فإنه يختار أصحها،وإذا كان الراوي مختلفًا فيه فإنه يختار أرجح الأقوال،ويختار في شرح الغريب أرجح التفسير.
قال في كتاب الطَّهَارَة :
(1 ) حَدِيث أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ والحل ميتَته رَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد والدارمي وَالْأَرْبَعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح قَالَ وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَرجح ابْن مَنْدَه صِحَّته قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا لأجل اخْتِلَاف وَقع فِي اسْم سعيد بن سَلمَة والمغيرة بن أبي بردة قَالَ الْحَاكِم مثل هَذَا الحَدِيث الَّذِي تداوله الْفُقَهَاء فِي عصر الإِمَام مَالك إِلَى وقتنا هَذَا لَا يرد بِجَهَالَة هذَيْن الرجلَيْن وَهِي مَرْفُوعَة عَنْهُمَا بمتابعات فَذكرهَا بأسانيد قلت وليسا بمجهولين كَمَا حررناه فِي الأَصْل
(
__________
(1) - خلاصة البدر المنير - (ج 1 / ص 4)(1/111)
2 ) حَدِيث بِئْر بضَاعَة حَيْثُ تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا فَقيل لَهُ أتتوضأ مِنْهَا وَهِي بِئْر تلقى فِيهَا الْحيض وَلُحُوم الْكلاب وَالنَّتن فَقَالَ المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالثَّلَاثَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن وَفِي بعض نسخه صَحِيح وَصَححهُ أَحْمد ويحي بن معِين وَغَيرهمَا وَنَفَى الدَّارَقُطْنِيّ ثُبُوته مَرْدُود بقول هَؤُلَاءِ وَقَول الرَّافِعِيّ إِن ماءها كنقاعة الْحِنَّاء غَرِيب
(3 ) حَدِيث المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غلب عَلَى رِيحه وطعمه ولونه رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ هَكَذَا من رِوَايَة أبي أُمَامَة وَالدَّارَقُطْنِيّ بِدُونِ أَو لَونه وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف فِي إِسْنَاده رشدين بن سعد الْمصْرِيّ وَهُوَ واه قَالَه يحي وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالصَّحِيح إرْسَاله وَأَشَارَ إمامنا الشَّافِعِي أَيْضا إِلَى ضعفه وَاسْتَغْنَى عَنهُ بِالْإِجْمَاع وَقَول الرَّافِعِيّ نَص عَلَى الطّعْم وَالرِّيح وَقَالَ الشَّافِعِي اللَّوْن عَلَيْهِمَا عجب فَهُوَ مَعَهُمَا نصا كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَدَعْوَى الرَّافِعِيّ أَيْضا أَن هَذَا الِاسْتِثْنَاء ورد فِي بِئْر بضَاعَة لَا يعرف
(4) حَدِيث إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالْأَرْبَعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن عمر وَصَححهُ الْأَئِمَّة كَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَابْن مَنْدَه والطَّحَاوِي وَالْحَاكِم وَزَاد أَنه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ يَعْنِي البُخَارِيّ وَمُسلمًا وَالْبَيْهَقِيّ والخطابي وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَغَيره إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم ينجس قَالَ يحي ابْن معِين إسنادها جيد وَالْحَاكِم صَحِيح وَالْبَيْهَقِيّ مَوْصُول والزكي لَا غُبَار عَلَيْهِ
(11) حَدِيث أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ وَلابْن مَاجَه مِنْهُ اللَّفْظَة الأولَى قَالَ أَحْمد هَذَا حَدِيث مُنكر قلت سَببه أَن عبد الرَّحْمَن هَذَا ضعفه الْجُمْهُور قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى عبد الله بن عمر وَهُوَ أصح قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمسند .
قلت: لِأَن قَول الصَّحَابِيّ أحل لنا كَذَا مَرْفُوع عَلَى الْمُخْتَار عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء والأصوليين وَأهل هَذَا الْفَنّ فَيصح الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الرِّوَايَة وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من طَرِيق عبد الله بن زيد بن أسلم مَرْفُوعا وجنح إِلَى تَصْحِيحه من هَذِه الطَّرِيق الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام هَذَا كُله مَعَ قيام الْإِجْمَاع عَلَى طَهَارَة ميتهما " اهـ .
ـــــــــــــــ
3-التخريجُ المختصرُ
تعريفُ التخريج المختصر:
هو التخريج الذي يقتصر فيه المؤلف على رواية الحديث بأقوى أسانيد المؤلف أو بأعلاها وأشهرها - من حيث السند- وأدل ألفاظها وأدقها في العبارة عند مؤلفه على المعاني والأحكام - من حيث المتن-.
وهذا النوع من التخريج قسمان:
1. قسم بالرواية.
2. قسم بالعزو.
القسم الأول: وفيه ينتقي العلماء بعض المرويات من مروياتهم،بحسب الغرض الذي يتجه إليه كل واحد منهم،كما فعله الإمام البخاري فاختصر كتابه الصحيح من مسنده الكبير،فانتقى منه ما صح سنده عنده.(1/112)
وكذلك صحيح ابن خزيمة،فإنه اختصره من كتابه الكبير،وكان جمع فيه الروايات الكثيرة تحت الموضوعات،ثم انتقى منه ما اشترط فيه الصحة،وقد يشير إلى ما في الباب من غير التخريج.
ويُعدّ من هذا القبيل انتقاء بعض طلاب الإمام النسائي للمجتبى من السنن الكبرى،ويتَّضحُ ذلك في أمرين:
1. ذكر أبوابًا كاملةً في الكبرى ولا ذكر لها في الصغرى.
2. ذكر أحاديث في أبواب من الكبرى،وليست في الصغرى،مثل ذكر بعض الأحاديث في كتاب عِشرة النساء من الصغرى،بينما هذا الكتاب في الكبرى أوسع بكثير. وكذلك فعل في فضائل الصحابة وخصائص عَلِيٍّ والتفسير.
قلت : وهذا يقطع أن الذي اختصره ليس الإمام النسائي .
- ومن أمثلته أيضًا: السنن الصغرى للبيهقي،والغالب فيها اختصار الأحاديث من السنن الكبرى،فالأبواب على ما يظهر واحدة،وجرى الاختصار في الأحاديث, فهي في الصغرى أقل. ولكن الترتيب مختلف .
وقد قال في مقدمة الصغرى : " فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَهَّلَ عَلَيَّ تَصْنِيفَ كِتَابٍ مُخْتَصَرٍ،فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ اعْتِقَادُهُ وَالْاعْتِرَافُ بِهِ فِي الْأُصُولِ،مُنْوًى بِذِكْرِ أَطْرَافِ أَدِلَّتِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،وَسُنَّةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمِنْ إِجْمَاعِ السَّلَفِ وَدَلَائِلِ الْمَنْقُولِ،ثُمَّ إِنِّي اسْتَخَرْتُ اللَّهً تَعَالَى فِي إِرْدَافِهِ بِتَصْنِيِفِ كِتَابٍ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ بَعْدَمَا صَحَّ اعْتِقَادُهُ فِي الْعِبَادَاتِ،وَالْمُعَامَلَاتِ،وَالْمُنَاكَحَاتِ،وَالْحُدُودِ،وَالسِّيَرِ،وَالْحُكُومَاتِ،لِيَكُونَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِكِتَابِهِ،وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّبِعًا،وَبِالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ مُقْتَدِيًا،وَلِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِ،وَنَدَبَ إِلَيْهِ نَصًّا أَوْ دِلَالَةً مًطِيعًا،وَعَمَّا زَجَرَ عَنْهُ مُنْزَجِرًا،وَيَكُونُ فِي حَالَتَيِ التَّوْقِيرِ وَالتَّقْصِيرِ مِمَّنْ يَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ،وَيَخْشَى عَذَابَهُ،وَأَيُّ عَبْدٍ عَبَدَهُ حَقَّ قَدْرِهِ ؟ أَوْ قَامَ فِيمَا تَعَبَّدَهُ بِهِ بِوَاجِبِ أَمْرِهِ،وَاللَّهُ تَعَالَى بِجَزِيلِ إِنْعَامِهِ وَإِكْرَامِهِ،يُعِينُنَا عَلَى حُسْنِ عِبَادَتِهِ،وَبِفَضْلِهِ وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ يَتَجَاوَزُ عَنَّا مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ طَاعَتِهِ،وَيُوَفِّقُنِي لِإِتْمَامِ مَا نَوَيْتُهُ مِنْ بَيَانِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرِيعَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ،وَيُعِينُنِي وَالنَّاظِرِينَ فِيهِ لِلِاسْتِشْعَارِ بِهِ،وَالِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِأَهْلِ الرُّشْدِ وَالْهِدَايَةِ،وَلِحُسْنِ عَاقِبَتِنَا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ،وَبِعَبَادِهِ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "
مثال على ذلك :
ففي السنن الكبرى للبيهقي(1)123- باب التَّوَقِّى عَنِ الْبَوْلِ.
(
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 145)(1/113)
520) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِنَيْسَابُورَ وَأَبُو الْقَاسِمِ : زَيْدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ الْعَلَوِىُّ بِالْكُوفَةِ قَالاَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِىُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِىُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ :« إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ،أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ،وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ ». وَقَالَ وَكِيعٌ :« لاَ يَتَوَقَّى ». قَالَ : فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ،ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا،ثُمَّ قَالَ :« لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ».
رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنْ أَبِى مُوسَى وَغَيْرِهِ،وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِى كُرَيْبٍ وَغَيْرِهِ كُلِّهِمْ عَنْ وَكِيعٍ.
(521) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِىُّ بِمَرْوٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ : مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِى فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ دَرَقَةٌ أَوْ شِبْهُ الدَّرَقَةِ،فَجَلَسَ فَاسَتَتَرَ بِهَا فَبَالَ وَهُوَ جَالِسٌ،فَقُلْتُ أَنَا وَصَاحِبِى : انْظُرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ جَالِسٌ،فَأَتَانَا فَقَالَ :« أَمَا عَلِمْتُمْ مَا لَقِىَ صَاحِبُ بَنِى إِسْرَائِيلَ،كَانَ إِذَا أَصَابَ أَحَدًا مِنْهُمْ شَىْءٌ مِنَ الْبَوْلِ قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ ». فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَعُذِّبَ فِى قَبْرِهِ..
وفي السنن الصغرى للبيهقي 3- باب الاستبراء من البول (46) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ،حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،عَنِ الأَعْمَشِ،عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنْ طَاووسٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَبْرَيْنِ،فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ،وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ،أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ،وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ قَالَ : ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ،ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً،قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ،لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ فَقَالَ : لَعَلَّهُمَا أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ يَعْنِي : لاَ يَسْتَبْرِئُ مِنْهُ(1/114)
وَفِي رِوَايَةِ وَكِيع عَنِ الأَعْمَشِ : لاَ يَسْتَتِرُ يَعْنِي لاَ يَتَوَقَّى،وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ "
- وقد يكون سنن الترمذي كذلك،لأنه يذكر ما في الأبواب إشارة إلى رواتها من الصحابة؛ والأصل في مثل هذا أن يكون رواها بالأسانيد في مصنف كبير.
القسم الثاني: التخريج بالعزو: مثل كتاب " المنتقى من البدر المنير" لابن الملقن،وهو اختصار للخلاصة،وطريقته فيه أنه يكتفي بذكر أحد الستة وإن شاركهم في تخريج الحديث غيرهم.
ومثل كتاب " الترغيب والترهيب" للمنذري،فإنه بيّن في المقدمة أنه تخريج مختصر،ومثل كتاب" تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" لابن كثير،ومثل: تخريج العقائد النسفية للسيوطي.
قلت : ومثله أسنى المطالب بأحاديث مختلفة المراتب للحوت البيروتي،فهو تخريج مختصر جدًّا للأحاديث المشهورة على الألسنة .
--------------------
دواعي التخريج المختصر:
1. التيسير على الباحث وطالب العلم،للحصول على المقصد في وقت وجيز.
2. مراعاة المقاصد الأساسية من التخريج دون تتمات وتوسع.
3. الحرص على تحديد أهم وأشهر مصادر التخريج مع بيان درجة الحديث.
4. تجنب الباحث المَلَل،وتشتت النص خلال سرد الطرق والأسانيد المطولة.
-------------------
عناصر التخريج المختصر:
تختلف هذه العناصر باختلاف مقاصد المختصر نفسه،وأهم هذه العناصر:
1. حذف الأسانيد وذكر الصحابي فقط،كما فعله المنذري.
2. حذف التكرار،وهذا يفعله المنذري،بخلاف الزيلعي في نصب الراية.
3. الاكتفاء بذكر حديث صحابي واحد،وإن كان واردًا عن أكثر من صحابي.
4. إذا كان عنده حديثان فإنه يختار أقواهما إسنادًا ويُهمل الآخر.
5. الاكتفاء بأشهر المصادر،مثل الاكتفاء بالستة والموطأ،وترك المسانيد،ويكون الانتقال إلى غير الستة للفائدة فقط،ولا تحذف درجة الحديث مهما بلغ الاختصار.
6. حذف ما يتعلق بعلل الحديث،والاكتفاء عنها بذكر درجة الحديث(1).
--------------------
فوائد التخريج
لا شك أن معرفة فن التخريج من أهم ما يجب على كل مشتغل بالعلوم الشرعية أن يعرفه ويتعلم قواعده وطرقه ليعرف كيف يتوصل إلى الحديث في مواضعه الأصلية،كما أن فوائده كبيرة لا تنكر لاسيما للمشتغلين بالحديث وعلومه؛ لأنه بواسطته يهتدي الشخص إلى مواضع الحديث في مصادره الأصلية الأولى التي صنفها الأئمة).
وعادة كل أهل فن يعتبرون أن فنهم هو أهم علوم الشريعة،وأن أول ما يجب على كل مشتغل بالعلوم الشرعية أن يعلمها.
لا شك ـ وإن كان هذا استطرادا وليس في موضوعنا ـ أن يُبدأ بالعقائد وتحقيق المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لا يمكنُ أبدًا دراسة الشريعة ومعرفة الأحكام وغير ذلك إلا بمعرفة أدلَّتها.
نعم؛ دراسة السنَّة من أهم العلوم التي ينبغي الاشتغال بها خاصة لدارس علوم الشريعة وكانوا يقولون: الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة.
يأتي المريض فيكشف عليه الطبيب ويشخص الداء ويكتب الدواء ثم يعطيه قائمة العلاج ليذهب إلى الصيدلي ليعطيه هذا الدواء.
فهذا الفقيه لا يستطيع أن يقرر الحكم الشرعي من غير المرور على الصيدلي،يقول للمحدث هذا الحديث صحيح أعتمده أم غير صحيح فلا أعتمده؟!
فلا يستطيع الفقيه أو الأصولي أن ينطلق لإصدار حكم أو بيان حكم إلا بعد النظر في صحة الحديث وضعفه،فمن هذه الحيثية كان دراسة التخريج ومعرفة الأحاديث صحتها وضعفها إلى غير ذلك من أهم العلوم،وإلا وقع الإنسانُ في الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفي دراسة الحديث الشريف كذلك عصمة للإنسان .. لماذا؟
__________
(1) - انظر كتاب محاضرات في التخريج للدكتور أحمد معبد.(1/115)
لأن الله -سبحانه وتعالى- أنزل القرآن هدى للناس ببيان محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى فمهما وصفت أيها الداعية! أو أيها المصلح! من داء لأدواء الأمة فلن يكون ذلك إلا من خلال كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فإذا ذكرت كلاما غير صحيح؛ فقد أخطأت في تشخيص الداء،وأخطأت في وصف الدواء؛ لذلك كان الاهتمام بكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - - بعد كلام الله تعالى - ومعرفة صحيحه من ضعيفه،وألا يتكلم الإنسان داعية أو خطيبا أو مصلحا أو موجهاً إلا بعد النظر في صحة ما يقول وصحة نسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمرًا في غاية الأهمية،وغيابه عن الساحة أوقع الناس في حرجٍ شديد.
(والحاجةُ إليه ماسةٌ من حيث إنه لا يسوغ لطالب العلم أن يستشهد بأي حديث أو يرويه إلا بعد معرفة من رواه من العلماء المصنفين في كتابه مسنَدا،ولهذا فإن فنَّ التخريج يحتاجه كل باحث أو مشتغل بالعلوم الشرعية وما يتعلق به).
وللتخريج فوائد عديدة: نذكر منها الفوائد الآتية:
1. بالتخريج نعرفُ مكان الحديث في المصادر الأصلية،وبالتالي نعرف إسناده ومتنه بدقة،ونستطيع المقارنة بين المتن الأصلي والذي معنا،فنتحقق من مدى الدقة في نقل النص الذي معنا.
وهذا مهم عند المحاججة،فقد أحتجُّ على رجلٍ في مسألة معينة،فيقول لي: من أين أتيت بهذا الكلام؟ فأقول له: والله الحديث في البخاري. فيقول: في أي موضع عند البخاري؟ فأقول له: في كتاب الصلاة... في كتاب النكاح ... في كتاب الرقاق..
فالدلالة على موضع الحديث من مصدره الأصلي مهم.
وأيضا هذا الحديث لم يضعه البخاري في كتابه بغير وسائط،وهم شيوخه الذين روى عنهم،وشيوخه رووا عن شيوخهم،وشيوخ شيوخهم رووا عن التابعين ثم عن الصحابة ثم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2. بالتخريج نعرف كلام الأئمة على الحديث صحةً وضعفًا،فمثلاً: إذا كان الحديث الذي معي قد وقفتُ عليه في صحيح البخاري أو مسلم فهو محكومٌ عليه بالصحة؛ لأن الأمة قد اتفقت على صحة ما أخرجاه،كذلك إذا وجد الحديث في سنن الترمذي فيمكنني أن أقف على حكم الحديث؛ لأن الترمذي يذكر عقب الحديث حكمه عليه،فيقول: حديثٌ صحيحٌ،أو: حسنٌ صحيح،أو: حسنٌ غريبٌ،أو غير ذلك من العبارات التي جاءت في سننه. وكذلك الصنيع فيما أخرجه الحاكم في مستدركه،فإنه يعقّب على الحديث بذكر حكمه؛ لكن على الباحث إذا نقل حكم الحاكم على الحديث فلا بد من ذكر تعقيب الذهبي عليه،وكذلك لا بدَّ من ذكر تعقيب ابن الملقن على الذهبي.
3. بالتخريج يمكن تتبع طرق الحديث،وبالتالي معرفة ما إذا كان الحديث آحادًا أو متواترًا.
4. بالتخريج يمكن معرفة ما للحديث من شواهد وما في بعض طرقه من متابعات،وبالتالي يمكن معرفة ما إذا كان الحديث يتقوّى بهذه الطرق أو يمكن تقويه بها.
5. بتخريج الحديث وجمع طرقه والمقارنة بينها يمكن التوصل إلى ما في الحديث من علل أو ما في بعض طرقه من شذوذٍ أو زيادة ثقة،قَالَ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ : " اكْتُبِ الْحَدِيثَ خَمْسِينَ مَرَّةً فَإِنَّ لَهُ آفَاتٍ كَثِيرَةً "
وقَالَ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ : " لَوْ لَمْ نَكْتُبِ الْحَدِيثَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا مَا عَقَلْنَاهُ "
و قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيٌّ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ،يَقُولُ : " الْحَدِيثُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ تَفْهَمْهُ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا "(1/116)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ،قَالَ : " الْبَابُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ " .(1)
6. بتخريج الحديث يمكن معرفة أسباب وروده التي تذكر في بعض طرقه،وكذا يمكن معرفة معاني الغريب التي قد تذكر في روايات أخرى مصداقًا لقول أبي حاتم الرازي: " لو لم نكتب الحديث من ستين وجهًا ما عقلناه".(2)
7. بالتخريج يمكن جمع الأحاديث التي تتحدث في موضوع معين،وبالتالي يمكن للباحث أن يوفي هذا الموضوع حقَّه من الدراسة بالرجوع إلى شروح هذه الأحاديث ومعرفة أحكام الأئمة عليه وما استنبطوه منها.
8. تمييز المهمل من رواة الإسناد،فإذا كان في أحد الأسانيد راوٍ مهمل؛ مثل: " عن سفيان – ولا يدرى أهو الثوري أو ابن عيينة؟ - أو: حدثنا حماد- ولا يدرى أهو ابن سلمة أو ابن زيد؟"،فبتخريج الحديث والوقوف على عدد من طرقه قد يتميز هذا المهمل،وذلك بأن يذكر في بعضها مميزًا.
كما في صحيح البخارى (111 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ لِعَلِىٍّ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ قَالَ لاَ،إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ،أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ،أَوْ مَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قَالَ قُلْتُ فَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ،وَفَكَاكُ الأَسِيرِ،وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ .
فسفيان هنا لم يحدد،وجاء في صحيح البخارى ( 6903 ) حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مَا لَيْسَ فِى الْقُرْآنِ وَقَالَ مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا فِى الْقُرْآنِ،إِلاَّ فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِى كِتَابِهِ،وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ . قُلْتُ وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ،وَفِكَاكُ الأَسِيرِ،وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ .
فتبين لنا أن المقصود به سفيان بن عيينة،وليس سفيان الثوري
وكما في مسند أحمد (10518) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ قَرْيَتِهِ يَزُورُ أَخاً لَهُ فِى قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ مَلَكاً فَجَلَسَ عَلَى طَرِيقِهِ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخاً لِى أَزُورُهُ فِى اللَّهِ فِى هَذِه الْقَرْيَةِ. قَالَ لَهُ هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لاَ وَلَكِنِّى أَحْبَبْتُهُ فِى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّى رَسُولُ رَبِّكَ إِلَيْكَ إِنَّهُ قَدْ أَحَبَّكَ بِمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ».
__________
(1) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ ( 1649-1652 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 219) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 191) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 458) والنكت على ابن الصلاح - (ج 2 / ص 745) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 203) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 87) والحديث المعلول قواعد وضوابط - (ج 1 / ص 15) وعلوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد - (ج 1 / ص 19)
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 51) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 184)(1/117)
فلم يبين المقصود بحَمَّادٍ في هذه الراوية،وجاء مصرحاً به في مصنف ابن أبي شيبة ( 35364) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،عَنْ ثَابِتٍ،عَنْ أَبِي رَافِعٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ قَرْيَةٍ يَزُورُ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى،قَالَ : فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا،فَجَلَسَ عَلَى طَرِيقِهِ،فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَقَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي أَزُورُهُ فِي اللهِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ،فَقَالَ : هَلْ لَهُ عَلَيْك مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لاَ،وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ،قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ رَبِّكَ إِلَيْك،إِنَّهُ قَدْ أَحَبَّك فِيمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ.
9-تعيين المبهم في الحديث،فقد يكون معنا راوٍ مبهم أو رجل في المتن مبهم أو امرأة مبهمة،مثل: " عن رجل،أو عن امرأة،أو جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - "،فبتخريج الحديث نقف على عددٍ من طرقه،وقد يكون في بعضها تعيين هذا المبهم.
كما في مسند أحمد (87) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَجَلِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّمَا أَتَيْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ فِى بَيْتِهِ تَطَوُّعاً وَعَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَعَنِ الرَّجُلِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانََتْ حَائِضاً فَقَالَ أَسُحَّارٌ أَنْتُمْ لَقَدْ سَأَلْتُمُونِى عَنْ شَىْءٍ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « صَلاَةُ الرَّجُلِ فِى بَيْتِهِ تَطَوُّعاً نُورٌ فَمَنْ شَاءَ نَوَّرَ بَيْتَهُ ». وَقَالَ فِى الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ « يَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثاً ». وَقَالَ فِى الْحَائِضِ « لَهُ مَا فَوْقَ الإِزَارِ ».(1/118)
وهذا الراوي المبهم عين في السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 312)(1556) أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قُسَيْطٍ الرَّقِّىُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ(1)قَالَ : جَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ : أَبِإِذْنٍ جِئْتُمْ؟ قَالُوا : نَعَمْ. قَالَ : فَمَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا : جِئْنَا نَسْأَلُ عَنْ ثَلاَثٍ. قَالَ : وَمَا هُنَّ؟ قَالُوا : صَلاَةُ الرَّجُلِ فِى بَيْتِهِ تَطَوُّعًا مَا هِىَ،وَمَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِىَ حَائِضٌ،وَعَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ. فَقَالَ عُمَرُ : أَسَحَرَةٌ أَنْتُمْ؟ قَالُوا : لاَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَحْنُ بِسَحَرَةَ. قَالَ : لَقَدْ سَأَلْتُمُونِى عَنْ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُنَّ أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُنَّ قَبْلَكُمْ،أَمَّا صَلاَةُ الرَّجُلِ فِى بَيْتِهِ نُورٌ،فَنَوِّرْ بَيْتَكَ مَا اسْتَطَعْتَ،وَأَمَّا الْحَائِضُ فَمَا فَوْقَ الإِزَارِ وَلَيْسَ لَهُ مَا تَحْتَهُ،وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَتُفْرِغُ بِيَمِينِكَ عَلَى يَسَارِكَ،ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَكَ فِى الإِنَاءِ فَتَغْسِلُ فَرْجَكَ وَمَا أَصَابَكَ،ثُمَّ تَوَضَّأُ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ،ثُمَّ تُفْرِغُ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،تُدْلُكُ رَأْسَكَ كُلَّ مُرَّةٍ،ثُمَّ تَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِكَ.
وفي صحيح البخارى( 123) عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا الْقِتَالُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا،وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً . فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ - قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا - فَقَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ».
فهذا الرجل لا نعرفه،وجاء في رواية تبين صفته كما في صحيح البخارى ( 3126 ) عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ أَعْرَابِىٌّ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ،وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ،وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ،مَنْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهْوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » .
وكما في صحيح البخارى(3004 ) حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ - وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِى حَدِيثِهِ - قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِى الْجِهَادِ فَقَالَ « أَحَىٌّ وَالِدَاكَ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ » .
__________
(1) - فيه عمير مولى عمر وثّق الكاشف (4362) وسكت عليه أبو حاتم الجرح6/380 ووثقه حب التهذيب (6025) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 1 / ص 168)(260) وصحح حديثه،فحديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن(1/119)
يُحْتَمَل أَنْ يَكُون هُوَ جَاهِمَة بْن الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس،كما في السنن الكبرى للإمام النسائي (4297) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ،عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ،عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ،أَنَّ جَاهِمَةَ،جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ : " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ " قَالَ : نَعَمْ قَالَ : " فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا "
وكما في السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ(16340 )أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ،أنبأ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ،ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ،ثنا حَجَّاجٌ،ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي،وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو،قَالَا : ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،ثنا حَجَّاجٌ،حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ،أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ،عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ،أَنَّ جَاهِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ . فَقَالَ : " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَالزَمْهَا ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا " .
10- فمن مقاصد دراسة هذا العلم الشريف معرفة نقلة العلم الشرعي الذين نقلوا هذه الأحاديث عبر الأجيال؛ أسمائهم وما يتعلق من مذكور في هذه المصادر.
11 ـ أيضا ـ الأسانيد التي رَوَتْ،فإذا أردتُ أن أجمع طرق الحديث من مصادر كثيرة فيكون عندي أسانيد هذا الحديث من أكثر من مصدر.
12 ـ أيضا ـ إنما أدرس التخريج وأدرس الأسانيد للوصول إلى هدف أساسي في هذه الدراسة هو معرفة صحة الحديث من ضعفه وهذا من أعظم المقاصد؛ التوصل من خلال هذه الدراسة إلى الحكم على الأحاديث،كذلك هؤلاء الوسائط الذين يروون الحديث لا بد من معرفة هل كل شيخ لقي من روى عنه؟! - ومعرفة مسألة الاتصال والانقطاع مهمة لأن علم التخريج ودراسة الأسانيد،وعلم السنة -عموما- مفخرة هذه الأمة. وكان المستشرق المجري اليهودي "مارجيليوس" يقول: "ليفتخرْ المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم".
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : "الإِسْنَادُ عِنْدِى مِنَ الدِّينِ لَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ فَإِذَا قِيلَ لَهُ مَنْ حَدَّثَكَ بَقِىَ."(1)
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ يَوْماً بِحَدِيْثٍ،فَقُلْتُ: هَاتِه بِلاَ إِسْنَادٍ.
قَالَ: أَتَرْقَى السَّطحَ بِلاَ سُلَّمٍ؟(2)
فكانوا يطالبون بالإسناد؛ فأي أحد يتكلم بأي كلام كانوا يطالبونه. من أين لك هذا؟ عمَّن رويت؟ ومن رويت عنه عمَّن روى؟ ومن روى عمن رويت عنه عمن روى؟ وهكذا إلى أن يصل الكلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
13- فمهم جدًّا ـ في معرفة دراسة هذا العلم ـ معرفة الاتصال،وهل حصل لقاء بين الراوي أي التلميذ وشيخه؟ وشيخه هل حصل لقاء بينه وبين شيخه؟ وهكذا إلى أن يصل الكلام إلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا وصل إلى الصحابة فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله -سبحانه وتعالى- لهم كما سنعلم فيما بعد.
__________
(1) - سنن الترمذى (4341 )
(2) - سير أعلام النبلاء (5/347)(1/120)
14- زوال عنعنة المدلس؛ وذلك بأن يكون عندنا حديثٌ بإسنادٍ فيه مدلِّس يروي عن شيخه بالعنعنة،مما يجعل الإسناد منقطعًا،وبالتخريج يمكن أن نقف على طريق آخر يروي فيه هذا المدلِّس عن شيخه بما يفيد الاتصال؛ كـ (سمعتُ،و: حدثنا،و: أخبرنا)،مما يزيل سمة الانقطاع عن الإسناد.
كما في صحيح البخارى (764 ) حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ،وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِطُولِ الطُّولَيَيْنِ "
فابن جريج مدلس،وروايته في الصحيحين محمولة على السماع ولو عنعن،وهنا قد رواها بصيغة العنعنة .
وجاء التصريح بتحديثه في سنن أبى داود( 812 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ قَالَ قُلْتُ مَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ قَالَ الأَعْرَافُ وَالأُخْرَى الأَنْعَامُ. قَالَ وَسَأَلْتُ أَنَا ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ فَقَالَ لِى مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ الْمَائِدَةُ وَالأَعْرَافُ.
وفي مصنف عبد الرزاق (2690) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ،يَقُولُ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخْبَرَهُ،قَالَ : قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ؟ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ،قَالَ : قُلْتُ : وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ ؟ قَالَ : الأَعْرَافُ،قَالَ : قُلْتُ لابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : وَمَا الطُّولَيَانِ ؟ قَالَ : فَكَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ : الأَنْعَامُ،وَالأَعْرَافُ
وفي مسند أحمد (22271) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ بَكْرٍ قَالاَ أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ يَقُولُ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ قَالَ لِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ طُولَى الطُّولَيَيْنِ. قَالَ قُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ قَالَ الأَعْرَافُ.(1)
15- زوال ما نخشاه من الرواية عمن اختلط،فإذا كان معنا حديثٌ في إسناده من اختلط،ولا ندري هل الراوي عنه في إسنادنا هذا روى عنه قبل الاختلاط أو بعده؛ فبالتخريج قد يتضح ذلك؛ كأن يصرح في بعض الطرق بأن هذا الراوي روى عنه قبل الاختلاط،مما يؤيد الحديث الذي معنا،ويفيد أنه ليس مما اختلط فيه.
__________
(1) - المفصل : سمى مفصلا لقصر أعداد سوره من الآى(1/121)
كما في سنن أبى داود(863 ) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ قَالَ أَتَيْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِىَّ أَبَا مَسْعُودٍ فَقُلْنَا لَهُ حَدِّثْنَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فِى الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَعَلَ أَصَابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَجَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَىْءٍ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَامَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَىْءٍ مِنْهُ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ جَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَىْءٍ مِنْهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَجَلَسَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَىْءٍ مِنْهُ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِثْلَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَصَلَّى صَلاَتَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي.
قلت : وعطاء بن السائب ثقة اختلط،ورواية جرير عنه بعد الاختلاط .
وبعد البحث عن طرق الحديث وجد أنه قد روى عنه هذا الحديث (همام،وزائدة،وأبو عوانة،وجرير , وأبو الأحوص،وابن عُلية)(1)وبعضهم روى عنه قبل الاختلاط فيصح الحديث،وتزول تهمة الاختلاط .
15- تحديد من لم يحدَّد من الرواة،فقد يذكر الراوي في إسناد بكنيته،أو لقبه،أو نسبته،ويشاركه في هذه الكنية أو اللقب أو النسبة كثيرون؛ مما يجعل تحديده متعذِّرًا،فبالتخريج قد نعرف اسمه،بأن يُذكَر في إسناد أو أكثر باسمه صريحًا.
مثل ابن أبي شيبة،فعندنا بهذا الاسم عدة وهم
أحمد بن سليمان بن عبد الملك بن أبى شيبة : يزيد بن لاعى الجزرى،أبو الحسين الرهاوى
رتبته عند ابن حجر : ثقة حافظ
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسى مولاهم،أبو شيبة بن أبى بكر بن أبى شيبة الكوفى
عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسى مولاهم،أبو بكر بن أبى شيبة الكوفى ( الواسطى الأصل )
رتبته عند ابن حجر : ثقة حافظ صاحب تصانيف
عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسى مولاهم،أبو الحسن بن أبى شيبة الكوفى ( أخو بكر بن أبى شيبة،و القاسم )
رتبته عند ابن حجر : ثقة حافظ شهير،و له أوهام
محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسى مولاهم،أبو عبد الله الكوفى القاضى ( والد أبى بكر بن أبى شيبة و أخويه )
رتبته عند ابن حجر : ثقة
محمد بن أبى بكر بن أبى شيبة العبسى الكوفى
رتبته عند الذهبي : لا يكاد يعرف
النعمان بن أبى شيبة : عبيد الصنعانى،الجندى
رتبته عند ابن حجر : ثقة
16- زوال الحكم بالشذوذ،فقد يحكم على حديثٍ أو لفظةٍ بالشذوذ،وبالتخريج الذي يوقفنا على كثير من الروايات يتضح ورود هذا الحديث أو اللفظة من غير هذا الطريق الذي يُظن تفرد الراوي به؛ مما يدفع القول بالشذوذ.
كما في موطأ مالك (629 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فقد ظن قوم أن لفظة من المسلمين شاذة،وتفرد بها الإمام مالك،حيث ورد الحديث دون ذكرها .
__________
(1) - انظر الطرق في المسند الجامع - (ج 13 / ص 156) (9928)(1/122)
قلت : وقد تابعه عليها عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ كما في صحيح البخارى (1503 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ،وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى،وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ .
وتابعه أَيُّوبُ كما في صحيح ابن خزيمة - (ج 4 / ص 87)( 2411 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ الأَنْطَاكِيُّ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ،عَنْ أَيُّوبَ،عَنْ نَافِعٍ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ،وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى،وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ،أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ،أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ
فدلَّ ذلك على عدم شذوذها .
17- بيان المدرج؛ فقد يدرج الراوي في الحديث ما ليس منه،وذلك يتعلق بالإسناد والمتن على حدٍّ سواء،وبالتخريج يمكن مقارنة الروايات بما يبين الإدراج.
كما في سنن الترمذى (313) حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ « هَلْ قَرَأَ مَعِى أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا ». فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِنِّى أَقُولُ مَا لِى أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ». قَالَ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الصَّلَوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَابْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِىُّ اسْمُهُ عُمَارَةُ. وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ أُكَيْمَةَ. وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِىِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَرْفَ قَالَ قَالَ الزُّهْرِىُّ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(1/123)
وَلَيْسَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ لأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ الَّذِى رَوَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْحَدِيثَ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِىَ خِدَاجٌ فَهِىَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ ». فَقَالَ لَهُ حَامِلُ الْحَدِيثِ إِنِّى أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الإِمَامِ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِى نَفْسِكَ. وَرَوَى أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَمَرَنِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُنَادِىَ أَنْ لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنْ لاَ يَقْرَأَ الرَّجُلُ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالُوا يَتَتَبَّعُ سَكَتَاتِ الإِمَامِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِىَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَقْرَأُ خَلْفَ الإِمَامِ وَالنَّاسُ يَقْرَءُونَ إِلاَّ قَوْمًا مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ صَلاَتُهُ جَائِزَةٌ. وَشَدَّدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى تَرْكِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الإِمَامِ فَقَالُوا لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ إِلاَّ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهُ كَانَ أَوْ خَلْفَ الإِمَامِ. وَذَهَبُوا إِلَى مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَرَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - خَلْفَ الإِمَامِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ». وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِىُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ». إِذَا كَانَ وَحْدَهُ. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الإِمَامِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَهَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ». أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ وَحْدَهُ. وَاخْتَارَ أَحْمَدُ مَعَ هَذَا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ وَأَنْ لاَ يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الإِمَامِ.(1/124)
وكما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 157)(3007) وَاعْتِمَادُ الشَّافِعِىُّ فِى الْقَدِيمِ بَعْدَ الآيَةِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِى أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِى حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الرُّوذْبَارِىُّ وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ :« هَلْ قَرَأَ مَعِى أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا ». فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ :« إِنِّى أَقُولُ مَا لِى أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ ». قَالَ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مع رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . {ت} قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى حَدِيثَ ابْنِ أُكَيْمَةَ هَذَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى مَعْنَى مَالِكٍ.
((1/125)
3008) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الرُّوذْبَارِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِىِّ وَابْنِ السَّرْحِ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمَدِينِىِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ حَفِظْتُهُ مِنْ فِيهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أُكَيْمَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةً نَظُنُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ،فَلَمَّا قَضَاهَا قَالَ :« هَلْ قَرَأَ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ ». فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنِّى أَقُولُ مَا لِى أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ». قَالَ عَلِىُّ بْنُ الْمَدِينِىِّ قَالَ سُفْيَانُ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِىُّ شَيْئًا لَمْ أَحْفَظْهُ انْتَهَى حِفْظِى إِلَى هَذَا. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ عَلِىٌّ قَالَ لِى سُفْيَانُ يَوْمًا : فَنَظَرْتُ فِى شَىْءٍ عِنْدِى فَإِذَا هُوَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْحِ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ فِى حَدِيثِهِ قَالَ مَعْمَرٌ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَالَ ابْنُ السَّرْحِ فِى حَدِيثِهِ قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَانْتَهَى النَّاسُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِىُّ قَالَ سُفْيَانُ : وَتَكَلَّمَ الزُّهْرِىُّ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَسْمَعْهَا. فَقَالَ مَعْمَرٌ إِنَّهُ قَالَ : فَانْتَهَى النَّاسُ. {ت} وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ وَانْتَهَى حَدِيثُهُ إِلَى قَوْلِهِ :« مَا لِى أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ ». وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ فِيهِ قَالَ الزُّهْرِىُّ : فَاتَّعَظَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ،فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ يَقُولُ : قَوْلُهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ. مِنْ كَلاَمِ الزُّهْرِىِّ.
قَالَ الشَّيْخُ : وَكَذَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِىُّ فِى التَّارِيخِ قَالَ : هَذَا الْكَلاَمُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ الْفَارِسِىُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِى ابْنِ أُكَيْمَةَ هُوَ عُمَارَةُ بْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِىُّ وَيُقَالُ عَمَّارُ.
((1/126)
3009) قَالَ الشَّيْخُ وَالَّذِى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِىِّ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ أَخْبَرَنَا أَبِى حَدَّثَنِى الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَرَأَ نَاسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى صَلاَةٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ،فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ :« هَلْ قَرَأَ مَعِى مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ ». فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنِّى أَقُولُ مَا لِى أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ ». قَالَ الزُّهْرِىُّ : فَاتَّعَظَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ. حَفِظَ الأَوْزَاعِىُّ كَوْنَ هَذَا الْكَلاَمِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِىِّ فَفَصَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ،إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ إِسْنَادَهُ.
{ت} الصَّوَابُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أُكَيْمَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ. وَكَذَلِكَ قَالَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِىُّ.
(3010) وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَمِّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا فِى الصَّلاَةِ؟ ». قَالُوا : نَعَمْ. قَالَ :« إِنِّى أَقُولُ مَا لِى أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ». فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ حِينَ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ : هَذَا خَطَأٌ لاَ شَكَّ فِيهِ وَلاَ ارْتِيَابَ.
{(1/127)
ت} وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَالزُّبَيْدِىُّ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ الشَّيْخُ : فِى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرٌ،وَذَلِكَ لأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِىِّ - وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ - لَمْ يُحَدِّثْ إِلاَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ،وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِىِّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزُّهْرِىِّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ رَآهُ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ. {ج} وَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ : يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ أَبَا بَحْرٍ الْبَرْبَهَارِىُّ أَخْبَرَهُمْ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ قَالَ الْحُمَيْدِىُّ فِى حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ : هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ قَطُّ. قَالَ الشَّيْخُ وَفِى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى السَّائِبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِىَ خِدَاجٌ ». فَقُلْتُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّى أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الإِمَامِ - قَالَ - فَغَمَزَ ذِرَاعِى وَقَالَ : يَا فَارِسِىُّ اقْرَأْ بِهَا فِى نَفْسِكَ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِى الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَةِ ابْنِ أُكَيْمَةَ،أَوْ أَرَادَ بِمَا فِى حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ الْمَنْعَ عَنِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ،أَوِ الْمَنْعِ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ،وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ الْوَارِدُ فِى هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِى الْبَابِ الَّذِى يَلِيهِ.
18- كذلك كما سنعلم -إن شاء الله تعالى- فيما بعد زيادات الألفاظ.
فالبخاري -رحمه الله تعالى- في إيراده للأحاديث كان من منهجه أنه يورد الحديث بحسب المناسبة،معناه أنه – مثلاً - يريد أن يستشهد لحكم معين؛ فيورد من النص ما يشهد له دون سائر الحديث وهذا مشهور جدا في البخاري؛ تجد مثلاً حديث: (إنما الأعمال بالنيات) مذكورا في ستة أو سبعة مواضع في الصحيح.
ولذلك تجد في "فتح الباري" أن الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي -رحمه الله- عمل شيئا أسماه "أطرف الحديث" يرد الحديث في البخاري فيقول: أطرافه في رقم كذا وكذا يعني أن هذا الحديث المذكور في هذه الصفحة هو موجود في أربعة أو خمسة مواضع إليك مواضعَها وأرقامَها،فكان البخاري -رحمه الله تعالى- يورد الحديث بحسب المناسبة،فيورد جزءا واحدا أو يورد محل الشاهد من الحديث.
أما مسلم -رحمه الله تعالى- فصنف كتابه في بلده وبين مكتبته ومشايخه فكان -رحمه الله تعالى- يُنَمِّقُ ويتحرَّى في اختيار الألفاظ ويورد الحديث بجميع ألفاظه في موضع واحد وفي مكان واحد،ولا يُقَطِّع كما يفعل البخاري،فإذا خَرَّجْتَ الحديث من البخاري بدت لك قصة الحديث قصيرة،فإذا أوردتها من مسلم أتى لك بالرواية وسببها وملابساتها إلى غير ذلك من الأمور.
فجمْعُ طرق الحديث وتخريجُهُ من أكثر من كتاب يعطيك تصورا كافيا عن القصة من أولها إلى آخرها،واستخراج هذه الزيادات تعتبر من فوائد التخريج التي تعطي انطباعا وافرا عن ملابسات القصة. وما من حديث إلا وتجد له في الأعم الغالب قصة أو سبب ورود أو نحو ذلك.(1)
__________
(1) - ومن أراد الزيادة فليراجعْ مثلًا "التأصيل" للشيخ "بكر أبو زيد" من ص 68 إلى ص 80 فقد أتى بِكَمٍّ وافرٍ من الفوائد،وأهمية دراسة التخريج ومدى الحاجة إليه(1/128)
ـــــــــــــــ
حالاتُ التخريج
والمقصود بحالات التخريج هو مقارنة الباحث متن الحديث الذي يريد تخريجه بمتن هذا الحديث في المصدر أو المصادر الأصلية باستخدام عباراتٍ خاصة حسب الجوانب المعتبرة عند المقارنة،ومن ذلك:
الجانب الأول: عدم وجود نصّ يطابق الحديث الذي يراد تخريجه،وهذه الحالة يعبر عنها العلماء بلفظ: " اللفظ انفرد به الترمذي مثلاً".
كقول الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (11/460)
أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ،أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المُقَوِّمِيُّ،أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي المُنْذِرِ الخَطِيْبُ،أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الحَافِظُ،حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ،حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ،حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ،عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَامِلَ الحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهِ،وَلُعَابُه يَسِيْلُ عَلَيْهِ.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ،تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ،وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
قلت : وأخرجه أحمد في مسنده (10031) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - حَامِلاً الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَلُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ. ( وهو صحيح )
وفي فضائل الصحابة له (1328 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي،قثنا وَكِيعٌ،نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،عَنْ مُحَمَّدٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،" رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَامِلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَلُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ " .
وهو يقصد بالتفرد عن أصحاب الكتب الستة .
الجانب الثاني: ويتعلق بالتعبير عن مدى تطابق الألفاظ وما يتبعها،وتُذكر ألفاظ خاصة بحسب أحوال المتون المقارنة؛ كما يلي:
أ أن تتطابق الألفاظ تمامًا،وعندئذٍ يُقترح أن تستعمل عبارة ( بمثله،أو: بلفظه،أو: بنفس السياق).(1/129)
كما في صحيح مسلم(111 ) حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَىْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِىءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ « اللَّهُ ». قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ « اللَّهُ ». قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ. قَالَ « اللَّهُ ». قَالَ فَبِالَّذِى خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا. قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِى أَمْوَالِنَا. قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِى سَنَتِنَا. قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ ثُمَّ وَلَّى. قَالَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ».
(112 ) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِىُّ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُهِينَا فِى الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَىْءٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
قلت : وأخرجه أحمد في مسنده كاملا (13352) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ قَالاَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ - قَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ - قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُهِينَا فِى الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَىْءٍ - قَالَ - وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِىءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ وَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَكَ.
قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ « اللَّهُ ». قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ « اللَّهُ ». قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ قَالَ « اللَّهُ ». قَالَ فَبِالَّذِى خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا. قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِى أَمْوَالِنَا . قَالَ « صَدَقَ ».(1/130)
قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِى سَنَتِنَا. قَالَ عَفَّانُ قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ». وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ « صَدَقَ ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ « نَعَمْ ».
قَالَ عَفَّانُ ثُمَّ وَلَّى ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ وَلاَ أَنْتَقِصُ مِنْهُنَّ شَيْئاً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ».
فنجد فيه دقة كلام الإمام مسلم رحمه الله .
وكما في سنن الترمذى (571) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِىِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَجَدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهَا الَّتِى فِى النَّجْمِ.
(572 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ الدِّمَشْقِىُّ قَالَ سَمِعْتُ مُخْبِرًا يُخْبِرُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ بِلَفْظِهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى الدَّرْدَاءِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِىِّ. وهو في سنن البيهقي (3457 ) وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي،وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي،قَالُوا : ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَكَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ،عَنْ مَنْ أَخْبَرَهُ،عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَجَدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهُنَّ النَّجْمُ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ،عَنِ ابْنِ وَهْبٍ،عَنْ عَمْرٍو،عَنْ سَعِيدٍ،عَنْ عَمْرٍو الدِّمِشْقِيِّ،عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ،عَنْ عَمْرٍو،وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ الدِّمِشْقِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ مُخْبِرًا يُخْبِرُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ *
قلت: فقد رجحا السند الذي فيه جهالة،والذي سقط من الراوية الأولى،وعلته سفيان بن وكيع ففيه كلام . والذين خالفوه أحفظ منه .(1/131)
ومثاله كما في المستدرك للحاكم (7439) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ الْعَدْلُ،حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ،وَهِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السِّيرَافِيُّ،قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ،حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى،عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ،قَالَ : كُنْتُ أَجْلِسُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ،فَفَقَدَنِي أَيَّامًا،فَلَمَّا جِئْتُ،قَالَ : مَا حَبَسَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : حُمِّمْتُ،فَقَالَ : أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ،فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ،فَأَبْرِدُوهَا بِمَاءِ زَمْزَمَ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقِ
قلت : وأخرجه البخاري بسياقه ففي صحيح البخارى (3261) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِى جَمْرَةَ الضُّبَعِىِّ قَالَ كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ،فَأَخَذَتْنِى الْحُمَّى،فَقَالَ أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ،فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ » . أَوْ قَالَ « بِمَاءِ زَمْزَمَ » . شَكَّ هَمَّامٌ . فوهم الحاكم عند قوله وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقِ
ب أن توجد بعض الفوارق اليسيرة بين متن الحديث الذي يراد تخريجه ومتن حديث المصدر،وعندئذٍ يُقترح أن تستعمل عبارة ( بنحوه،أو: شبهه،أو: قريبًا منه).
كما في صحيح مسلم ( 260 ) عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ اللَّيْثِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ « الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِى سَبِيلِهِ ». قَالَ قُلْتُ أَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ « أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا ». قَالَ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ « تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ(1)». قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ : « تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ».
(261 ) عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ « فَتُعِينُ الصَّانِعَ أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ ».
قلت : لم يسق الإمام مسلم الراوية الثانية إلا آخرها
وهي في مسند أحمد (22065) عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ الْغِفَارِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ». فَقَالَ أَىُّ الْعَتَاقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « أَنْفَسُهَا ». قَالَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ قَالَ « فَتُعِينُ الصَّانِعَ أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ ». قَالَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ قَالَ « فَدَعِ النَّاسَ مِنْ شَرِّكَ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَّدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِكَ ».
و مثاله كما قال محقق كتاب روضة الناظر وجنة المناظر - (ج 1 / ص 432) في تخريج حديث :"من فارق الجماعة شبرًا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" :
__________
(1) - الأخرق : الجاهل بما يجب أن يعمله ولم يكن فى يديه صنعة يكتسب بها(1/132)
هذا الحديث رواه أبو ذر -رضي الله عنه- مرفوعًا: أخرجه عنه أبو داود: كتاب السنة،باب قتل الخوارج،وأحمد في المسند "5/ 180" كما أخرجه عن الحارث الأشعري -رضي الله عنه- مرفوعًا بلفظ قريب منه،وأخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب الصوم،عن الحارث- أيضًا- وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،ولم يخرجاه.
قلت :
هو في سنن أبى داود(4760) عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ ».
وفي مسند أحمد (22181)عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ ».
وفي مسند أحمد (22182)عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ ».
وأما حديث الحارث الأشعري،فهو في مسند أحمد ( 17633و 18275) مطولا عَنِ الْحَارِثِ الأَشْعَرِىِّ وفيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِى بِهِنَّ بِالْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَاعَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى قَالَ « وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ».
وقد روي من طرق كثيرة في الإبانة الكبرى لابن بطة (125 -130) وهو حديث صحيح مشهور
وفي الموافقات للشاطبي(1): " والثاني: ما جاء في السنة من ذلك؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - : "احفظ الله يحفظك،احفظ الله تجده أمامك،تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة،إذا سألت فاسأل الله،وإذا استعنت فاستعن بالله،جف القلم بما هو كائن،فلو اجتمع الخلق على أن يعطوك شيئًا لم يكتبه الله لك؛ لم يقدروا عليه،وعلى أن يمنعوك شيئًا كتبه الله لك؛ لم يقدروا عليه" الحديث؛ فهو كله نص في ترك الاعتماد على الأسباب،وفي الاعتماد على الله والأمر بطاعة الله.
قال محقق الكتاب في تخريج الحديث : أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في "الكبير" "11/ 223/ رقم 11560"،والبيهقي في "الأسماء" "رقم 126" من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
وأخرجه من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ مقارب: الترمذي في "الجامع" "أبواب صفة القيامة،باب منه،4/ 667/ 2516" –قال: "حسن صحيح"
قلت : وهذا تخريجه مفصلا ورواياته
__________
(1) - الموافقات - (ج 3 / ص 553)(1/133)
وفي المعجم الكبير للطبراني(11080 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :يَا غُلامُ،احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ،احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ،تَعَرَّفْ بِاللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ،وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ،وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ،وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلائِقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ،أَوْ يَصْرِفُوا عَنْكَ شَيْئًا أَرَادَ أَنْ يُصِيبَكَ بِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ،فَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ،وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ،وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ،وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ،وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا،وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ.
والمعجم الكبير للطبراني( 11394 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا غُلامُ،أَلا أُعَلِّمُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ؟قُلْتُ: بَلَى،يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَقَالَ:احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ،احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ،تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ،إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ،وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ،فَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،فَلَوْ جَهَدَ الْخَلائِقُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ،وَلَوْ جَهَدَ الْخَلائِقُ أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ.
وفي الأسماء والصفات للبيهقي (126 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا غُلَامُ - أَوْ يَا بُنَيَّ - أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ , قُلْتُ بَلَى , قَالَ : " احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ , احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ تَعَالَى وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ , وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ , وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ , وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ , وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " وَمِنْهَا " الْوَهَّابُ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يَقُولُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ : وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا : الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي"(1/134)
وفي شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (9644 ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ , نَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ , نَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , نَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , مَوْلَى عُفْرَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا قَالَ : كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " يَا غُلَامُ , أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِنَّ ؟ " قُلْتُ : بَلَى , يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ , احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ , تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ , إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ , وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ , قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ , فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا , وَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا , فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالرِّضَا وَالْيَقِينِ فَافْعَلْ , وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا , وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ , وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الْكَرْبِ , وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "
وفي مسند أحمد (2857)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلاَ أَحْفَظُ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَا غُلاَمُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ ». فَقُلْتُ بَلَى. فَقَالَ « احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِى الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِى الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِى الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ».
وفي سنن الترمذى (2706 )عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ج أن توجد ألفاظ الحديث المراد تخريجه بألفاظ أخرى مرادفة لها في المصدر في أكثر من موضع،وعندئذٍ يُقترَح أن تستعمل عبارة ( بمعناه).(1/135)
كما في صحيح مسلم : (5013 ) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِى لِحْيَانَ - مِنْ هُذَيْلٍ - فَقَالَ « لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا ».
(5014 ) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ - قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِىِّ حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا. بِمَعْنَاهُ.
وهذا تفصيله عند غيره ففي مسند أبي عوانة)5968) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ،قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ،أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ لَهُ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا بَنِي لِحْيَانَ: لِيَبْعَثَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ رَجُلا،وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا.
(5969 ) حَدَّثَنَا الصَّغَانِيُّ،قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَانَ،وَقَالَ: لِيَنْبَعِثَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ وَاحِدٌ،وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا،حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَيَّارٍ النَّصِيبِيُّ،قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ،قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ،بِمِثْلِهِ،حَدَّثَنَا ابْنُ حَبِيبٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ: أَحَدُهُمَا،وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا.
(5970) حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ الْعَلاءِ،قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ،قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي الأَوْزَاعِيَّ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَهْرِيِّ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَانَ،وَقَالَ: لِيُنْتَدَبَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا،وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا.
((1/136)
5971) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ،وَأَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ،وَأَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ أخي ملون المصري،قَالُوا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ: لِيَخْرُجَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ،ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ: أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ،كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ،حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي،قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ،إِلا أَنَّهُ قَالَ: مِثْلُ أَجْرِ الْخَارِجِ،قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: كَذَا وَقَعَ إِلَيَّ.
وفي مسند أحمد( 12189) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَرَوْحٌ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثاً إِلَى بَنِى لِحْيَانَ مِنْ بَنِى هُذَيْلٍ قَالَ رَوْحٌ مِنْ هُذَيْلٍ قَالَ « لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى مُدِّنَا وَصَاعِنَا وَاجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ ».
ومثله أيضا تخريج حديث ترك الوضوء مما مسته النار،ويكون عنده اللفظ التالي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. موطأ مالك ( 49 ) صحيح
فهذا الحديث فعلي،فيحتاج إلى بحث طويل من أجل البحث عن الطرق والشواهد له،فيجوز لنا أن نقول عن الطرق والشواهد الأخرى بمعناه أو بنحوه أو بمثله ونحو ذلك إذا لم نرد إيرادها جميعاً بلفظها.
وقد استقصى العلامة ابن حبان رحمه الله طرق هذا الحديث في صحيحه،وهاهي للفائدة :
ففي صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 418) :
ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُقْتَضِي لِلَّفْظَةِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
(1135) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْمَدِينِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ،ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ،ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرَ أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ،ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
((1/137)
1136) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ،قَالَ : حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى،قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ،عَنْ مَعْمَرٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ : أَكَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ لَحْمٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا،ثُمَّ قَامُوا إِلَى الْعَصْرِ وَلَمْ يَتَوَضَّؤُوا. قَالَ جَابِرٌ : ثُمَّ شَهِدْتُ أَبَا بَكْرٍ أَكَلَ طَعَامًا،ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. ثُمَّ شَهِدْتُ عُمَرَ أَكَلَ مِنْ جَفْنَةٍ،ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا الطَّعَامَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَكْلِهِ كَانَ لَحْمَ شَاةٍ لاَ لَحْمَ إِبِلٍ.
(1137) أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ : دَعَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَاةٍ،فَأَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ،فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ،فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ عَادَ إِلَى بَقِيَّتِهَا فَأَكَلُوا،فَحَضَرَتِ الْعَصْرُ،فَلَمْ يَتَوَضَّأْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ أَكْلَ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - مَا وَصَفْنَاهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ لاَ مِنْ لَحْمِ جَزُورٍ.
(1138) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي،قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ،قَالَ : فَبَسَطَتْ لَهُ عِنْدَ ظِلِّ صَوْرٍ،وَرَشَّتْ بِالْمَاءِ حَوْلَهُ،وَذَبَحَتْ شَاةً،فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا مَعَهُ،ثُمَّ قَالَ تَحْتَ الصَّوْرِ،فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ،فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : يَا رَسُولَ اللهِ،فَضَلَتْ عِنْدَنَا فَضْلَةٌ مِنْ طَعَامٍ،فَهَلْ لَكَ فِيهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ،فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا مَعَهُ،ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ اللَّحْمَ الَّذِي أَكَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ كَانَ لَحْمَ شَاةٍ لاَ لَحْمَ إِبِلٍ.
((1/138)
1139) أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ : دَعَتْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَذَبَحَتْ شَاةً،وَصَنَعَتْ طَعَامًا،وَرَشَّتْ لَنَا صَوْرًا،فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالطَّهُورِ،فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى،ثُمَّ أَتَيْنَا بِفُضُولِ الطَّعَامِ فَأَكَلَهُ،وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ،فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ،فَقَالَ : أَيْنَ شَاتُكُمُ الَّتِي وَلَدَتْ ؟ قَالَتْ : هِيَ ذِهِ،فَدَعَا بِهَا فَحَلَبَهَا بِيَدِهِ،ثُمَّ صَنَعُوا لِبَأً،فَأَكَلَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَتَعَشَّيْتُ مَعَ عُمَرَ،فَأُتِيَ بِقَصْعَتَيْنِ،فَوُضِعَتْ وَاحِدَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْأُخْرَى بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ،فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : الصَّوْرُ : مُجْتَمِعُ النَّخْلِ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْكَتِفَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَكْلِهِ كَانَ ذَلِكَ كَتِفَ شَاةٍ لاَ كَتِفَ إِبِلٍ.
(1140) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ،عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ،ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ذِكْرُ خَبَرٍ ثَانٍ يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْكَتِفَ الَّذِي أَكَلَهُ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ كَتِفَ شَاةٍ لاَ كَتِفَ إِبِلٍ.
(1141) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى،قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ،عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَيَأْكُلُ مِنْهَا،فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ،فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ،فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ،قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ.
ذِكْرُ خَبَرٍ ثَالِثٍ يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْكَتِفَ الَّذِي أَكَلَهُ - صلى الله عليه وسلم - ،فَصَلَّى مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ وُضُوءٍ،كَانَ ذَلِكَ كَتِفَ شَاةٍ لاَ كَتِفَ إِبِلٍ.
(1142) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ،عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ،ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى،وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْكَتِفَ الَّذِي أَكَلَهُ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - ،وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ،إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَتِفَ شَاةٍ لاَ كَتِفَ إِبِلٍ.
((1/139)
1143) أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ،عَنْ مَالِكٍ،عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ،ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْكَتِفَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَكْلِهِ،كَانَ ذَلِكَ كَتِفَ شَاةٍ لاَ كَتِفَ إِبِلٍ.
(1144) أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ،قَالَ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،عَنْ مَالِكٍ،عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ،ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الأَكْلَ الَّذِي وَصَفْنَاهُ مِنَ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - ،اللَّحْمَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ،كَانَ ذَلِكَ لَحْمَ شَاةٍ لاَ لَحْمَ إِبِلٍ.
(1145) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى،قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ،قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ،فَبَسَطَتْ لَهُ عِنْدَ صَوْرٍ،وَرَشَّتْ حَوْلَهُ،وَذَبَحَتْ شَاةً فَصَنَعَتْ لَهُ طَعَامًا،فَأَكَلَ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَكَلْنَا مَعَهُ،ثُمَّ تَوَضَّأَ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ فَصَلَّى،فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : يَا رَسُولَ اللهِ،قَدْ فَضَلَتْ عِنْدَنَا مِنْ شَاتِنَا فَضْلَةٌ،فَهَلْ لَكَ فِي الْعَشَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ،فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا،ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ـــــــــــــــــ
الجانب الثالث: ويتعلق بالزيادات الواردة في المتون:
إذا اشتمل متن الحديث على زيادة غير موجودة في متن الحديث المراد تخريجه،فيقترح أن يقال: (بنحوه وزيادة في أوله) أو (بمثله وزيادةٍ في أوله) أو (بمعناه وزيادة في أوله)،وكذا إذا كانت الزيادة في أثناء الحديث أو في آخره.
وهذه العبارة تستخدم مقيدة؛ كأن يراد تخريج حديث « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ،أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ »
فنلاحظ أن هذا قد روي بهذا اللفظ مع زيادة لابن عمر من قوله كما في صحيح البخارى (6416 ) عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنِى مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبِى فَقَالَ « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ،أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ،وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ،وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ،وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ .
فنقول : رواه البخاري وفيه زيادة بآخره
وهو في سنن الترمذى (2503 ) عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنْكَبِى فَقَالَ « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ فِى أَهْلِ الْقُبُورِ ». فَقَالَ لِى ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا ». قَالَ أَبُو عِيسَى وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ.(1/140)
وفيه زيادتان زيادة في المرفوع " وَعُدَّ نَفْسَكَ فِى أَهْلِ الْقُبُورِ " وزيادة في الموقوف " وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا "
وفي المعجم الكبير للطبراني( 13355 و13356 و13357 ) عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ لِي:أَحِبَّ فِي اللَّهِ , وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ , وَوَالِ فِي اللَّهِ , وَعَادِ فِي اللَّهِ , فَإِنَّهُ لا تُنَالُ وِلايَةُ اللَّهِ إِلا بِذَلِكَ , وَلا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ , وَصَارَتْ مُؤَاخَاةُ النَّاسِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا , وَإِنَّ ذَلِكَ لا يَجْزِي عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا.
قَالَ: وَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ:إِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ , وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ , وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لَسَقَمِكَ , وَمَنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ , فَإِنَّكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ لا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَدًا.
قَالَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ جَسَدِي , فَقَالَ:كُنْ فِي الدُّنْيَا غَرِيبًا أَوْ عَابِرَ سَبِيلٍ , وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ."
ففيه كذلك زيادات في أوله
ومن ثمَّ لنا أن نختصره فنقول : رواه البخاري (6416 ) وفيه زيادة موقوفة،وراه الترمذي (2503 ) بمثله وفيه زيادة في المرفوع والموقوف،ورواه الطبراني في الكبير ( 13355 و13356 و13357 ) بمثله وفيه زيادات في أوله موقوفة وزيادة في آخر المرفوع .
ــــــــــــــــ
الجانب الرابع: ويتعلق بالتعبير عن طول المتن وقصره :
وهو على أحوال؛ منها:
أ أن تكون الزيادات في عدّة مواضع من متن حديث المصدر؛ كأن تكون في أوله وأثنائه وآخره،أو تطول تلك الزيادات،وعندئذٍ يقترح أن يقال: (مطولاً).
ومثاله: أن يراد تخريج ما روى سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ « ... لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً ... ».
فنجد أن الحديث في مسند أحمد (19505) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ: « إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا ».
وبرقم( 19506) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَشْجَعِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ : « أَلاَ إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ تَزْنُوا وَلاَ تَسْرِقُوا ». قَالَ فَمَا أَنَا بِأَشَحَّ عَلَيْهِنَّ مِنِّى إِذْ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .( وهو حديث صحيح)
فلنا أن نقول عندئذٍ: أخرجه الإمام أحمد (4/ 339) (19505و 19506) بمثله مطولاً.
ب مقابل ما سبق؛ بمعنى أن تكون تلك الزيادات السابقة في متن الحديث الذي يراد تخريجه،وعندئذٍ يقترح أن يقال: ( مختصرًا،أو: أصله عند فلان).
مثاله: لو أردنا تخريج حديث: سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنهما - فَقَرَأْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِى لَقِىَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ .(1/141)
ثُمَّ قَامَ فِى النَّاسِ قَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ،لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ،وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ،فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا،وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ،ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ،اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ » .
فنقول :
أخرجه البخاري (2965 ) بطوله
وأخرجه البخارى(7237) عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ - قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ،وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ » . مختصراً .
وأخرجه مسلم (4640 ) بطوله مثله
ورواه أبو عوانة في مسندة (5271 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ،وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا،مختصرا
ولنا أن نقول أخرجه البخارى(2965) بطوله وأخرجه البخارى(7237) مختصراً .
وأخرجه مسلم (4640 ) بطوله مثله ورواه أبو عوانة في مسندة (5271 ) بمثله عن أبي هريرة مختصرا .
ــــــــــــــ
الجانب الخامس: ويتعلق بالتعبير عن اختلاف الألفاظ :
فعند تقدّم بعض الألفاظ على بعض في متن حديث المصدر يقترح أن يعبر بصيغة ( بتقديم وتأخير)،أو بصيغة: (قدّم وأخّر)،ونحو ذلك من العبارات الدالة على هذا المعنى.
مثل حديث مالك (791) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِى قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ».
وأخرجه مسلم ( 2929) عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِى قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَارَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ». بلفظه
وأخرجه مسلم ( 2930 ) عن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِنَافِعٍ مَاذَا سَمِعْتَ ابْنَ عُمَرَ يُحِلُّ لِلْحَرَامِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فَقَالَ لِى نَافِعٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِى قَتْلِهِنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَارَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ». بلفظه
وأخرجه مالك (792 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ». بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى ( 3315 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهْوَ مُحْرِمٌ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ،وَالْفَأْرَةُ،وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ،وَالْغُرَابُ،وَالْحِدَأَةُ » . بتقديم وتأخير(1/142)
وأخرجه البخارى ( 1828 ) عَنْ سَالِمٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ » . بتقديم وتأخير
وأخرجه مسلم( 2926 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَتْ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَارَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ».بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى(1829) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ،يَقْتُلُهُنَّ فِى الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ » . بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى ( 3314 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عَنْهَا - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِى الْحَرَمِ الْفَأْرَةُ،وَالْعَقْرَبُ،وَالْحُدَيَّا،وَالْغُرَابُ،وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ » . بتقديم وتأخير
وأخرجه مسلم (2924 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَوَاسِقُ تُقْتَلُ فِى الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَارَةُ ».بتقديم وتأخير
ولنا أن نقول : وأخرجه مالك (792 ) بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى ( 3315 ) بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى ( 1828 ) بتقديم وتأخير
وأخرجه مسلم( 2926 ) بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى(1829) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عَنْهَا - بتقديم وتأخير
وأخرجه البخارى ( 3314 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عَنْهَا - بتقديم وتأخير
وأخرجه مسلم (2924 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - بتقديم وتأخير
وهذا حديث نادر اجتمع فيه الطول والاختصار والتقديم والتأخير،والشواهد بنحوه،وهو حديث " رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ "
فقد أخرجه أحمد في مسنده مطولا ( 22211و22212 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ - مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْواً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَقُلْنَا مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلاَّ لِشَىْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ أَجَلْ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَداً إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعَوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ».(1/143)
وَقَالَ « مَنْ كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ ».
وَسَأَلَنَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَهِىَ الظُّهْرُ. "
وهذا أطول لفظ له فيما نعلم وهو حديث صحيح
وأخرجه الدارمى بطوله مع تقديم وتأخير ( 235) من طريق شُعْبَةَ عَنْ عَمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِنِصْفِ النَّهَارِ،قَالَ فَقُلْتُ : مَا خَرَجَ هَذِهِ السَّاعَةَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ إِلاَّ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ،فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : نَعَمْ سَأَلَنِى عَنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ فَأَدَّاهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،لاَ يَعْتَقِدُ قَلْبُ مُسْلِمٍ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». قَالَ قُلْتُ : مَا هُنَّ؟ قَالَ : « إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ،وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاَةِ الأَمْرِ،وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ،فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ،وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ،وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ،وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ ». قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى قَالَ :« هِىَ الظُّهْرُ ».
وأخرجه بهذا الطول مع تقديم وتأخير دون الجملة الأخيرة البيهقي في شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (1694و1695 و1696 ) من طريق أبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ،حدثنا شُعْبَةُ،أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : بَعَثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نِصْفَ النَّهَارِ،فَقُلْنَا : مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ يَسْأَلُهُ ؟ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْنَاهُ،فَقَالَ : نَعَمْ سَأَلْنَاهُ عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،وَرَبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ "
" ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ،وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ،وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ،فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ "(1/144)
" وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ،وَجَعَلَ الْغِنَى فِي قَلْبِهِ،وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ راغِمَةٌ،وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا،فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ،وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ،وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ " قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ،حدثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَانِيُّ،حدثنا جَهْضَمٌ،عَنْ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ
وهو في الْآدَابِ لِلْبَيْهَقِيِّ ( 863 ) بطوله تماما َمِثْلَهُ
وأخرجه ابن ماجه مختصرا بتقديم وتأخير قليل ( 235 )عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنُّصْحُ لأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ».
وأخرجه أبو داود مقتصرا على أول الحديث المرفوع (3662 )عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ - مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ».
وأخرجه أبو داود الطيالسي مقتصرا على أول الحديث المرفوع( 618) حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ،يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا حَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ.
وأخرجه الترمذى مقتصرا على القصة وأول الحديث فقط ( 2868 ) من طريق أبي دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نِصْفَ النَّهَارِ قُلْنَا مَا بَعَثَ إِلَيْهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لِشَىْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ نَعَمْ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ». وَفِى الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَبِى الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ.(1/145)
وأخرجه أحمد مقتصرا على القصة والجملتين الأوليتين المشهورتين( 22211) من طريق شُعْبَةَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ - مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْواً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَقُلْنَا مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلاَّ لِشَىْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ أَجَلْ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَداً إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعَوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ».
وهو في المعجم الكبير للطبراني مقتصرا على أول الحديث المرفوع (4792) عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ."
ومثله مقتصرا على أول الحديث المرفوع ( 4793) عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي،فَحَمَلَهَا إِلَى غَيْرِهِ،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ".
وقد روي كذلك عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه،وهو يحتوي على أكثر ألفاظ حديث زيد .
وأطول لفظ له في سنن الدارمى ( 233) أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِىُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِى عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى يَوْمِ عَرَفَةَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ :« أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى وَاللَّهِ لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ يَوْمِى هَذَا بِمَكَانِى هَذَا،فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ سَمِعَ مَقَالَتِى الْيَوْمَ فَوَعَاهَا،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ وَلاَ فِقْهَ لَهُ،وَلَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،وَاعْلَمُوا أَنَّ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ هَذَا الْيَوْمِ فِى هَذَا الشَّهْرِ فِى هَذَا الْبَلَدِ،وَاعْلَمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ لاَ تَغِلُّ عَلَى ثَلاَثٍ : إِخْلاَصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ،وَمُنَاصَحَةِ أُولِى الأَمْرِ،وَعَلَى لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ،فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ».(1/146)
وفي مسند أحمد مثله بتقديم وتأخير واختصار لأوله ووسطه ( 17193) عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ َامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ إِخَلاَصُ الْعَمَلِ وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِىِّ الأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ ».
وفي مسند أحمد مثله بتقديم وتأخير واختصار لأوله ووسطه ( 17209) عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ قَالَ َمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِالْخَيْفِ : « نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِى فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ِخْلاَصُ الْعَمَلِ وَطَاعَةُ ذَوِى الأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ ».
وأخرجه ابن ماجه مقتصرا على أوله فقط مع تقديم وتأخير (236 )عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ».
وأخرجه البزار مقتصرا على أوله فقط مع تقديم وتأخير( 3416) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو،عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ : نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِيَ فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ".
وروي بعضه عن ابن مسعود رضي الله عنه
وهو في سنن الترمذى مقتصرا على بعض المرفوع مع اختلاف طفيف في الألفاظ ( 2870 ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومِ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ».
وروي بعضه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما(1/147)
ففي المستدرك للحاكم( 297) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَمَلَهَا،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ : إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى،وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ،وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ "
وروي أوله عَنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ
وهو في المعجم الكبير للطبراني( 13576) عَنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَهُمْ،فَقَالَ:"نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي،فَوَعَاهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ".
وروي كثير منه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه مع زيادة في آخره
وهو في مسند الشاميين( 1302) من طريق ابْنِ شَوْذَبٍ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ،عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِيَ فَوَعَاهَا وَبَلَّغَهَا غَيْرَهُ , فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ , وَرَبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ , ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ الْمُؤْمِنُ : إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ , وَمُنَاصَحَةُ الْمُسْلِمِينَ , وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ , فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَأْتِي مِنْ وَرَاءِهِمْ , وَقَالَ : يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ , فَمَنْ شَذَّ عَنْ يَدِ اللَّهِ لَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شُذُوذُهُ" ( وهو حديث صحيح )
وروي أوله عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ
وهو في مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (2442 ) عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ،قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ مِنْ مِنًى،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،وَقَالَ : " نَضَّرَ اللَّهُ أَمْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ،وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ،ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ،وَالنَّصِيحَةُ لِلْأَئِمَّةِ،وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ".
ــــــــــــــــ
الجانب السادس: التعبير عن القصص:
والمقصود بالقصص: تلك المناسبات والأحداث والزوائد التي يقولها الصحابي أو التابعي عند رواية الحديث أو بعده،وهي أنواع:
أ أن يكون القائل الصحابي،ويقترح أن تسمّى حينئذٍ (قصة المتن).
مثاله: حديث جرهد الأسلمي رضي الله عنه « الْفَخِذُ عَوْرَةٌ »:
ففي سنن الترمذى( 3027 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرْهَدٍ الأَسْلَمِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْفَخِذُ عَوْرَةٌ » قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ صُحْبَةٌ وَلاِبْنِهِ مُحَمَّدٍ صُحْبَةٌ.
وهذا الحديث له قصة ذكرت في أكثر من مصدر
ففي سنن الترمذى (3028 ) عَنْ أَبِى الزِّنَادِ أَخْبَرَنِى ابْنُ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ الْعَوْرَةِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.(1/148)
وفي مسند أحمد (16347)عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ فَقَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ».
وبرقم( 16348) عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جَرْهَداً فِى الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ بُرْدَةٌ قَدِ انْكَشَفَ فَخِذُهُ فَقَالَ « الْفَخِذُ عَوْرَةٌ ».
وبرقم( 16352) عَنْ زُرْعَةَ بْنِ جَرْهَدٍ الأَسْلَمِىِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ - قَالَ َلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَى فَخِذِى مُنْكَشِفَةً فَقَالَ « خَمِّرْ عَلَيْكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ». وبرقم( 16353) عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ جَدِّهِ وَنَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ سِوَاهُ ذَوِى رِضاً َنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى جَرْهَدٍ وَفَخِذُ جَرْهَدٍ مَكْشُوفَةٌ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا جَرْهَدُ غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ يَا جَرْهَدُ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ».
وبرقم( 16354) عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ جَدِّهِ جَرْهَدٍ قَالَ َرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَىَّ بُرْدَةٌ وَقَدِ انْكَشَفَتْ فَخِذِى قَالَ « غَطِّ فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ».
ووردت عن غيره كذلك،ففي مسند أحمد ( 23157) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ خَتَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى مَعْمَرٍ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ مُحْتَبِياً كَاشِفاً عَنْ طَرَفِ فَخِذِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « خَمِّرْ فَخِذَكَ يَا مَعْمَرُ فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ».
وورد عن غيره دون القصة،ففي سنن الترمذى ( 3026 )ٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الْفَخِذُ عَوْرَةٌ ».
فسبب ورود الحديث هو القصة التي وردت في أوله في حديث جرهد ومحمد بن جحش،فنقول : الحديث فيه قصة،أو نقول : وفيه زيادة في أوله
وورد دون القصة كما في حديث ابن عباس .
ب أن يكون القائل التابعي ومن دونه،ويقترح أن تسمّى (قصة الإسناد).
مثالها: كما في صحيح مسلم (7376 ) من طريق إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ سَمِعْتُ مُسْتَوْرِدًا أَخَا بَنِى فِهْرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ - فِى الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ». وَفِى حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا غَيْرَ يَحْيَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ.وفي رواية قَالَ وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِالإِبْهَامِ.
ففي هذا الحديث لفتات مهمة :
أولها - ماذكره مسلم حول تحديد من أشار بأصبعه،وفيه اختلاف(1/149)
وثانيها – في السند لفتة مهمة كما في مسند الحميدى(894) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِى حَازِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ الْمُسْتَوْرِدَ أَخَا بَنِى فِهْرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَا الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِى الْيَمِّ ثُمَّ يَنْظُرُ بِمَ تَرْجِعُ إِلَيْهِ ؟ ». قَالَ سُفْيَانُ : وَكَانَ ابْنُ أَبِى خَالِدٍ يَقُولُ فِيهِ سَمِعْتُ الْمُسْتَوْرِدَ أَخِى بَنِى فِهْرٍ يَلْحَنُ فِيهِ،فَقُلْتُ أَنَا : أَخَا بَنِى فِهْرٍ".
وثالثها- في أوله قصة كما في الْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (766 ) عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَذَاكَرْنَا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغُ الْآخِرَةِ،وَفِيهَا الْعَمَلُ،وَفِيهَا الصَّلَاةُ،وَفِيهَا الزَّكَاةُ،وَقَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى : الْآخِرَةُ فِيهَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ،وَقَالُوا مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ إِلَى الْيَمِّ فَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ "
وفي شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ بنحوه (10071 ) عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَذَاكَرُوا الْآخِرَةَ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَمَّا الدُّنْيَا بَلَاغٌ إِلَى الْآخِرَةِ , فِيهَا الْعَمَلُ وَفِيهَا الصَّلَاةُ وَفِيهَا الزَّكَاةُ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ : الْآخِرَةُ مُنْتَهَى الْجَنَّةِ . وَقَالُوا مَا شَاءَ اللَّهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ إِلَى الْيَمِّ , فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهَا فَمَا أَخْرَجَ مِنْهَا فَهِيَ الدُّنْيَا "
وهي في المستدرك للحاكم كذلك بنحوه (7898) عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَذَاكَرُوا الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا الدُّنْيَا بَلاغٌ لِلآخِرَةِ،فِيهَا الْعَمَلُ،وَفِيهَا الصَّلاةُ،وَفِيهَا الزَّكَاةُ،وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ : الآخِرَةُ فِيهَا الْجَنَّةُ،وَقَالُوا مَا شَاءَ اللَّهُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ،إِلاَّ كَمَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ إِلَى الْيَمِّ،فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِيهِ،فَمَا خَرَجَ مِنْهُ،فَهِيَ الدُّنْيَا " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
قلت : فإن كان يقصد الحاكم أنهما لم يخرجاه بطوله كما ذكره فمسلَّمٌ،وإن كان يقصد أصل الحديث فقد وهم،لأنه في مسلم .
ورابعها – ورد في أوله زيادة دون القصة كما في صحيح ابن حبان : ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمَرْءَ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي كَلاَمِهِ إِذَا أَرَادَ التَّأَكِيدَ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُهُ.
((1/150)
4330) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،بِبُسْتَ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ،أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ،عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ،عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ،أَخِي بَنِي فِهْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ".
ـــــــــــــــ
أهمُّ المؤلفات في التخريج
لقد عنيَ العلماء بهذا العلم وألفوا فيه العشرات من المصنفات التي تخدم العلوم المختلفة كالتفسير والحديث،والفقه والأصول،والعقائد والرقائق،والسيرة واللغة،ومن أهم هذه المؤلفات المطبوعة:
1. تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الكشاف, للحافظ جمال الدين الزيلعي 762هـ.
2. الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف, لابن حجر العسقلاني 852هـ.
3. الفتح السماوي في تخريج أحاديث البيضاوي, لعبد الرؤوف المناوي 1031هـ.
4. تحفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي, لأبي همّات 1175هـ.
5. كشف المناهيج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح, للحافظ محمد بن إبراهيم السلمي المناوي 803هـ.
6. هداية الرواة في تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة, للحافظ ابن حجر العسقلاني.
7. أنيس الساري في تخريج وتحقيق الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري،لنبيل بن منصور البصارة.
8. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية, للزيلعي.
9. الدراية في تخريج أحاديث الهداية, لابن حجر العسقلاني.
10. البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي،لسراج الدين عمر بن الملقن 804هـ.
11. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير،لابن حجر العسقلاني.
12. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل،للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
13. تخريج الأحاديث النبوية الواردة في مدونة الإمام مالك بن أنس،للدكتور الطاهر محمد الدرديري.
14. هداية الرشد لتخريج أحاديث بداية ابن رشد،للشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري.
15. تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب،لابن كثير.
16. المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر،لبدر الدين الزركشي 794هـ.
17. مُوافقة الحُبر الخَبَر بتخريج أحاديث المنهاج والمختصر،لابن حجر العسقلاني.
18. تخريج أحاديث مختصر المنهاج،للحافظ العراقي 806هـ.
19. تخريج أحاديث شرح العقائد،للحافظ السيوطي 911هـ.
20. مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا للقاضي عياض،للسيوطي.
21. المغني عن حمل الأسفار في الأسفار لتخريج ما في الإحياء من الأخبار،للحافظ العراقي.
22. نتائج الأفكار بتخريج أحاديث الأذكار،للحافظ ابن حجر العسقلاني.
23. تخريج الأحاديث والآثار التي وردت في شرح الكافية في النحو،لعبد القادر البغدادي 1093هـ.
24. فلق الإصباح في تخريج أحاديث الصحاح للجوهري،للسيوطي.
ـــــــــــــــ
طرقُ تخريج الحديث إجمالاً
- هناك عدة طرق اصطلح عليها العلماء لتخريج الحديث،هي إجمالاً.
1- تخريج الحديث عن طريق معرفة أول كلمة من متنه.
2- تخريج الحديث عن طريق معرفة الراوي الأعلى للحديث.
3- تخريج الحديث بحسب لفظة من ألفاظه.
4- تخريج الحديث بحسب موضوعه.
5- تخريج الحديث عن طريق النظر في حال الحديث متنا وإسناداً.
6- تخريج الحديث عن طريق الحاسوب.
وقبل الدخول في تفصيل تلك الطرق ومعرفة ما يستعان به من الكتب في كل طريقة من الطرق،نقررُ أن هناك طريقة أسماها العلماء (الاستقراء والتتبع) وتعني التفتيش الدقيق المتأني عن الحديث النبوي الذي يراد تخريجه وتتبعه في بطون المصادر الحديثية وقراءتها سرداً.(1/151)
وهذه لا تعتبر فنًّا من فنون التخريج المعتبرة،فهي وإن كانت أدقَّ الطرق في الوصول إلى الحديث،إلا أنها تحتاجُ إلى جهد كبير وصبر طويل على البحث والتفتيش،في استقراء كتب السنة كتابا كتابا،وسردها صفحة صفحة.
وإليك الحديث عن هذه الطرق تفصيلا :
الطريقة الأولى
تخريجُ الحديث عن طريق أول لفظة من مَتن الحديث
وتعتمد هذه الطريقة على معرفة مطلع الحديث،أي أول لفظة منه،شريطة أن يتيقن الباحث من مطلع الحديث الصحيح،وهي أسهل الطرق في الوصول إلى الحديث المراد تخريجه،إذا كان ضمن نطاق الكتب التي نبحث فيها،وعدم وجود الحديث في الكتب التي رتبت أحاديثها على أوائل كلماته لا يعني أنه غير موجود،بل نبحث عنه بواسطة الطرق الأخرى.
وحيث إن الأحاديث قد يأتي بعضها بألفاظ مختلفة،فعلى الباحث أن يكون فطناً في تقليب متن الحديث بالاحتمالات المتوقعة من خلال مقاطع الحديث.
والكتب التي رتبت أحاديثُها على أوائل الحروف هي من المصادر الفرعية،حيث إن المؤلفين جمعوا متون الأحاديث من الكتب الأصلية،وحذفوا الأسانيد،واقتصروا على المتون،ويعوضون حذف الأسانيد بعزوها إلى مصادرها الأصلية مع الحكم على الحديث في الغالب.
أهم المصادر المستخدمة في هذه الطريقة.
المصادر المستخدمة في هذه الطريقة ثلاثة أنواع.
أ- كتب المجاميع.
ب- كتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة.
ج- المفاتيح والفهارس العلمية لكتب السنة.
أولاً. كتب المجاميع:
المجاميع أو الجوامع. هي الكتب تجمع الأحاديث من مصادر السنة المختلفة دون ذكر أسانيدها،وتكون الأحاديث فيها مرتبة على مطلع الحديث،ومن أهم هذه المجاميع.
1-الجامع الكبير أو (جمع الجوامع) للسيوطي.
2- الجامع الصغير من حديث البشير النذير للسيوطي أيضا.
3- الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير للشيخ يوسف النبهاني (ت 1350هـ) وهو في الحقيقة كتابان للسيوطي (الجامع الصغير) و (الزيادة على الجامع الصغير) فقام النبهاني بضم أحاديث الكتابين في كتاب واحد سماه (الفتح الكبير). وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات.
4- الجامع الأزهر من حديث النبي الأنور - صلى الله عليه وسلم - للإمام المناوي (1031هـ).
5- كنز الحقائق في حديث خير الخلائق للمناوي أيضا.
6- جامع الأحاديث،ويشتمل على جمع الجوامع للإمام السيوطي والجامع الأزهر وكنوز الحقائق للمناوي،والفتح الكبير للنبهانى،النسخة الوحيدة المرتبة هجائيا في قسمي الأقوال والأفعال،وهو موجود في الشاملة 2
وعدد أحاديثه (45757 ) مرفوعا وموقوفا ومقطوعاً
7 - موسوعة السنة النبوية ( لي) وهي عبارة عن الأحاديث المقبولة في جامع الأحاديث من قسم الأقوال،وعدد أحاديثها حوالي ( 23064) حديثا تدور بين الصحيح والحسن بشقيه والصحيح المرسل والحسن المرسل بشقيه،وبعض الضعيف ضعفاً يسيرا،وهي مرتبة على الأحرف الألف بائية بشكل دقيق جدا .
وإليك الحديث بالتفصيل عن ثلاثة كتب تعد من أهم الكتب في هذه الطريقة.
---------------------
1- الجامع الكبير أو جمع الجوامع:
مؤلفه:
هو الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الأسيوطي الشافعي،حافظ حجة حفظ من الأحاديث ما يزيد على مائتي ألف حديث. وقال عن نفسه لو وجدت أكثر من ذلك لحفظت،وهو صاحب المؤلفات النافعة التي زادت عن خمسمائة مؤلف،منها:كتاب تدريب الراوي شرح تقريب النواوي،طبقات الحفاظ،اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة،تنوير الحوالك بشرح موطأ الإمام مالك وغير ذلك كثير.(1/152)
ولد بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمان مائة (849) هـ وتوفى ليلة الجمعة تاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة هـ رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة(1).
- منهج الإمام السيوطي في كتابه:
ألف السيوطي كتابه الجامع أو جمع الجوامع من مصادر السنة المشرفة التي تزيد على مائة مصدر،جمع فيه ما تيسر له من الأحاديث النبوية الشريفة التي قاربت مائة ألف حديث وذلك باعتبار رواتها،أي باعتبار الرواة الذين اشتركوا في نقل الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن أحاديث الكتاب لا تتجاوز ستا وأربعين ألف حديث إلا قليلا(2).
وقد قسم السيوطي كتابه إلى قسمين:
أولها: الأحاديث القولية وهي التي تبدأ بلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة كأن يقال مثلا: « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،وَإِقَامِ الصَّلاَةِ،وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،وَالْحَجِّ،وَصَوْمِ رَمَضَانَ »(3). وهكذا،فاللفظ هنا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة.
ثانيها: الأحاديث الفعلية وهي على عكس السابقة أي لم تتمحض للفظ النبوي،بأن تكون مثلاً:
1- أحاديثُ فعليةٌ محضة،كأن يروي الصحابي فعلا فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك كحديث أَوْسِ بن أَبِي أَوْسٍ،قَالَ : رَأَيْتُ أَبِي يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَقُلْتُ : أَتَمْسَحُ عَلَيْهَا ؟ فَقَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ.(4).
__________
(1) - راجع الأعلام لخير الدين الرزكلي 3/ 301،302،معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 5 ص 128،حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة 1 / 188،شذرات 8/51،الضوء اللامع 4/65،الكواكب السائر 15/226.
(2) - كشف اللثام 2/210.
(3) - أخرجه البخارى ( 8 ) ومسلم (122 ) كلاهما عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - به ،وهذا لفظ البخاري
(4) - المعجم الكبير للطبراني(604) عَنْ يَعْلَى بن عَطَاءٍ ،عَنْ أَوْسِ بن أَبِي أَوْسٍ ،قَالَ : رَأَيْتُ أَبِي يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَقُلْتُ : أَتَمْسَحُ عَلَيْهَا ؟ فَقَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ.
ومَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (928 ) من طريق شُعْبَةَ ،قَالَ : حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ ،عَنْ أَبِيهِ ،عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ ،قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ،ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ " رَوَاهُ هُشَيْمٌ ،عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ نَحْوَهُ ،وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ،عَنْ يَعْلَى ،وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ،عَنْ يَعْلَى ،عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ ،قَالَ : " رَأَيْتُ أَبِي يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ " ،فَذَكَرَ نَحْوَهُ ،وَرَوَاهُ وَكِيعٌ ،عَنْ شُعْبَةَ ،عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ،عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْسٍ ،عَنْ جَدِّهِ ،وَرَوَى وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ ،عَنْ شُعْبَةَ ،عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ ،عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْسٍ ،عَنْ أَبِيهِ ( وهو حديث حسن)(1/153)
2- أحاديثُ مشتملةٌ على قول وفعل وذلك كحديث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَارِبٍ وَهُوَ بِخَيْبَرَ،فَحَثَى فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ،ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ،فَضَرَبُوهُ بنعَالِهِمْ،وَبِمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ،حَتَّى قَالَ لَهُمْ : ارْفَعُوهُ،فَرَفَعُوا،فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتِلْكَ سُنَّتُهُ،ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ،ثُمَّ جَلَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ،ثُمَّ جَلَدَ ثَمَانِينَ فِي آخِرِ خِلافَتِهِ،ثُمَّ جَلَدَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدَّ أَرْبَعِينَ،ثُمَّ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِينَ..(1)
فنجد أن الحديث اشتمل على فعل وهو (فَحَثَى فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ) وقول وهو قوله (ارْفَعُوهُ).
3- أحاديثُ اشتملتْ على سببٍ،مثال ذلك ما روي عَنْ عُمَرَ قَالَ رَآنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ: « يَا عُمَرُ لاَ تَبُلْ قَائِمًا ». فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ..(2)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني (996) ومجمع الزوائد ( 10676 ) وقال عقبه : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ ،قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ خَالِي ،عَنْ عُقَيْلٍ . وَخَالُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَالِمٍ وَهُوَ ثِقَةٌ ،وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
(2) - أخرجه ابن ماجه ( 328 ) والمستدرك للحاكم (661) ومسند أبي عوانة (4762 و4763) كلهم من طريق عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ به وعبد الكريم ضعيف .
وفي سنن الترمذى (12 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلاَّ قَاعِدًا. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَبُرَيْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ أَحْسَنُ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ.
وَحَدِيثُ عُمَرَ إِنَّمَا رُوِىَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِى الْمُخَارِقِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ رَآنِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ « يَا عُمَرُ لاَ تَبُلْ قَائِمًا ». فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَإِنَّمَا رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِى الْمُخَارِقِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِىُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ. وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ رضى الله عنه مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ. وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِى هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَمَعْنَى النَّهْىِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا عَلَى التَّأْدِيبِ لاَ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ تَبُولَ وَأَنْتَ قَائِمٌ.
قلت : وحديث عمر في مصنف ابن أبي شيبة ( 1333) حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ،وَابْنُ نُمَيْرٍ ،عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ،عَنْ نَافِعٍ ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ ،عَنْ عُمَرَ ،قَالَ : مَا بُلْت قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْت.( صحيح)
وفي مسند البزار( 149 ) حدثنا عَمْرو بن علي قال حَدَّثَنَا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عَنْ عُمَرَ قال ما بلت قائما منذ أسلمت. ( صحيح)
وفي الْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ - كِتَابُ آدَابِ الْوُضُوءِ - ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا (276 ) فَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ،عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ،عَنْ ابن جُرَيْجٍ ،عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ،عَنْ نَافِعٍ ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ ،قَالَ : قَالَ عُمَرُ : رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبُولُ قَائِمًا ،فَقَالَ : " يَا عُمَرُ ،لَا تَبُلْ قَائِمًا " . قَالَ : فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ . قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : عَبْدُ الْكَرِيمِ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ ،قَالَ أَيُّوبُ : لَيْسَ بِثِقَةٍ .
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : قَالَ لِي أَيُّوبُ : عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ غَيْرُ ثِقَةٍ ،فَلَا تَحْمِلْ عَنْهُ . وَحُدِّثْتُ عَنِ الْأَثْرَمِ ،قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ ،قَدْ ضَرَبْتُ عَلَيْهِ فَاضْرِبْ عَلَيْهِ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمَعَهُ مِنْ حَدِيثِهِ شَاهِدٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَبُولُ جَالِسًا أَحَبُّ إِلَيَّ لِلثَّابِتِ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ بَالَ جَالِسًا ؛ وَلَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ،وَلَا أَنْهِي عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا لِثُبُوتِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ ،وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ . فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَكُنْ بَالَ قَائِمًا ،ثُمَّ بَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَائِمًا ،فَرَآهُ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ ،فَلَا يَكُونُ حَدِيثَاهُ مُتَضَادَّيْنِ (277) حَدَّثَنَا مُوسَى ،ثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ،ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ،عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ،عَنْ نَافِعٍ ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ ،قَالَ : قَالَ عُمَرُ : " مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ "(1/154)
وكما في صحيح البخارى( 20 ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ . فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِى وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ « إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا » .
4- أحاديث اشتملت على مراجعة وذلك كحديث عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ سَأَلْتُ - أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَىُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ قَالَ « أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ » . قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ « ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ . قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ « أَنْ تُزَانِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ » . قَالَ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (68) سورة الفرقان(1).
وهنا نجد أن السائل راجع النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من مرة لفهم أكبر الذنوب وأعظمها خطراً وأشدها إثما عند الله سبحانه وتعالى.
وعَنْ أَبِى عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ « الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا » . قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ . قَالَ « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ » . قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِى .(2)
5-أحاديث سأل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه،فعَنْ أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ :خَطَبَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ،قَالَ :« أَتَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ: « أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ :« أَىُّ شَهْرٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ « أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ: « أَىُّ بَلَدٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ: « أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ: « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ،كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا،فِى شَهْرِكُمْ هَذَا،فِى بَلَدِكُمْ هَذَا،إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ . أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ : « اللَّهُمَّ اشْهَدْ،فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ،فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ،فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ »(3).
__________
(1) - صحيح البخارى (4761 )
(2) - صحيح البخارى (2782 )
(3) - صحيح البخارى (1741 )(1/155)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رضى الله عنه - قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ،فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ،فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ « أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَقَالَ « قَالَ اللَّهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى مُؤْمِنٌ بِى وَكَافِرٌ بِى،فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ . فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِى،كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا . فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ،كَافِرٌ بِى »(1).
وعَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ يَهُودِىٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَعَلَيْكَ » . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ قَالَ السَّامُ عَلَيْكَ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَقْتُلُهُ قَالَ « لاَ،إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ »(2).
وعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ وَفِيهَا مَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ،أَخْشَنُ الثِّيَابِ،أَخْشَنُ الْجَسَدِ،أَخْشَنُ الْوَجْهِ،فَقَامَ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ : بَشِّرِ الْكَنَّازِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ،فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ،وَيُوضَعَ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةَ ثَدْيهِ،فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ،فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا،قَالَ : وَأَدْبَرَ،فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ،فَقُلْتُ : مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ،قَالَ : إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُونَ،إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَانِي،فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ : فَأَجَبْتُهُ،قَالَ : أَتَرَى أُحُدًا،قَالَ : فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي لِحَاجَةٍ لَهُ،فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ غَيْرَ ثَلاَثَةِ دَنَانِيرَ،ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا،قَالَ : قُلْتُ : مَا لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ قُرَيْشٍ ؟ قَالَ : لاَ وَرَبِّكَ لاَ أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلاَ أَسْتَفْتِيهِمْ فِي دِينِي حَتَّى أَلْحَقَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - .(3)
ـــــــــــــــ
أمَّا القسمُ الأولُ:
وهو الأحاديث القولية فقد رتب أحاديثه حسب حروف المعجم فبدأ بحرف الهمزة ثم الباء ثم التاء ثم الثاء وهكذا،وفي كل حرف من هذه الحرف يمرره مع حروف الهجاء كلها أي الهمزة مع الهمزة ثم الهمزة مع الباء ثم الهمزة مع التاء ثم الهمزة مع الثاء وهكذا إلى أن تنتهي حروف الهجاء كلها ومثال ذلك:
1- «آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ »(4).
__________
(1) - صحيح البخارى ( 4147)
(2) - صحيح البخارى(6926)
(3) - صحيح ابن حبان ( 3259) صحيح
(4) - صحيح مسلم (507)(1/156)
2- (آتي يَومَ القيامةِ بَابَ الجنةِ فَيفتحُ لي فَأرى رَبي وَهوَ عَلى كُرسيه فَيتجلى فَأخرُّ سَاجداً)(1).
3- (آجَالُ الْبَهَائِمِ كُلِّهَا وَخَشَاشِ الْأَرْضِ وَالْقُمَّلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْجَرَادِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالدَّوَابِّ كُلِّهَا وَالْبَقَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ آجَالُهَا فِي التَّسْبِيحِ فَإِذَا انْقَضَى تَسْبِيحُهَا قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْوَاحَهَا وَلَيْسَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ مِنْهَا شَيْءٌ ) .(2)
4- (آجَرْتُ نَفْسِى مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ)(3).
5- (آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ.)(4).
__________
(1) - حم 1/282 (2595 ) والنبوة5/481 (2231 ) والطيالسي (2834) مطولاً والإتحاف 10/527 والضعيفة (1579) وهو حسن لغيره
(2) - أخرجه العقيلى (4/321 ،ترجمة 1923 الوليد بن موسى الدمشقى) ،وقال : أحاديثه بواطيل لا أصول لها . وأبو الشيخ (5/1735 رقم 1210) ،وابن الجوزى فى الموضوعات (3/524 ،رقم 1750) . وقال : هذا حديث موضوع ،والمتهم به الوليد ،يعنى ابن موسى الدمشقى . وأخرجه أيضًا : الديلمى (1/418 ،رقم 1695) . وقال الحافظ فى اللسان بعد أن ذكر الحديث فى ترجمة الوليد هذا (6/227 ،ترجمة 807) : منكر جدًّا . ونص على أنه موضوع كل من : الشوكانى فى الفوائد المجموعة (ص271) ،والحافظ أحمد الغمارى فى المغير (ص 6) .
(3) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 118)( 11976) والمستدرك للحاكم (4834) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ : أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِىُّ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ سَهْلٍ التُّسْتُرِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلاَءً حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلاَلِىُّ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : اسْتَأْجَرَتْ خَدِيجَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَفْرَتَيْنِ إِلَى جُرَشَ كُلُّ سَفْرَةٍ بِقَلُوصٍ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ وَفِى رِوَايَةِ أَبِى مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« آجَرْتُ نَفْسِى مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ ».
فقد قال عنه الشيخ ناصر ( رحمه الله) في ضعيف الجامع (ضعيف جداً) وفي الضعيفة (1483) فقد أعله بالربيع بن بدر وأنه متروك ،وبأبي الزبير وأنه مدلس .
وورد بلفظ : (سفرتين كل سفرة بقلوص) الحاكم 3/182 وصححه ووافقه الذهبي ورده الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- لعنعنة أبي الزبير اهـ .
أقول : الصواب أن أبا الزبير غير مدلس فالرواية الثانية صحيحة كما أنه لاتنافي بينها وبين الأولى : إذ تبين الأولى أنه - صلى الله عليه وسلم - آجر نفسه من خديجة سفرتين بقلوص فهي مختصرة والثانية توضحها ،فيكون الحديث حسناً لغيره وبالله التوفيق .
(4) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 14 / ص 96)(37001) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ،عَنِ الْمَسْعُودِيِّ ،عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ ،عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ،قَالَ : آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ.( حسن موقوف وله حكم الرفع)
وبرقم(37002) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ،عَنْ إسْمَاعِيلَ ،عَنْ قَيْسٍ ،قَالَ : أُخْبِرْت ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : إنَّ آخِرَ مَنْ يُحْشَرُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ.( صحيح مرسل)لأن قيس بن أبي حازم سمع من العشرة . وهو حسن(1/157)
6- (آخِرُ مَا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمُ النُّبُوَّةِ : إذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْت )(1).
7- (آخِرُ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ،كَالْغُلامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ يَسْعَى،فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ،وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ،فَيُوحِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: عَبْدِي إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ،وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ،أَتَعْتَرِفُ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ،يَا رَبِّ،وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ لَئِنْ تُنْجِينِي مِنَ النَّارِ لأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ،فَيَجُوزُ الْجِسْرَ،وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفَتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ لَيَرُدَّنِي إِلَى النَّارِ،فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ،عَبْدِي،اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ،أَغْفِرُهَا لَكَ وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ،فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لا،وَعِزَّتِكَ مَا أَذْنَبْتُ ذَنْبًا قَطُّ،وَلا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ،فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ،عَبْدِي إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً،فَيَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمِينًا وَشِمَالا فَلا يَرَى أَحَدًا،فَيَقُولُ: يَا رَبِّ،أَرِنِي بَيِّنَتَكَ،فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ،فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْعَبْدُ،يَقُولُ: يَا رَبِّ،عِنْدِي وَعِزَّتِكَ الْعَظَائِمُ الْمُضْمَرَاتُ،فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ عَبْدِي،أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ،اعْتَرِفْ لِي بِهَا،أَغْفِرُهَا لَكَ،وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ،فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ،فَيَدْخُلُ الْجَنَّةُ،ثُمَّ ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ،يَقُولُ: هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً،فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ؟".)(2)
وهكذا فإننا نجد أن الترتيب جاء حسب حروف المعجم إلا أنه في بعض الأحيان لا يلتزم بالترتيب الألف بائي داخل الكلمة نفسها،فقد قدم حديث (آخر ما أدرك الناس)،على (آخر رجل يدخل الجنة) وقدم حديث(آخر من يحشر من هذه الأمة) على حديث (آخر ما أدرك الناس) والأولى العكس.
وقد حاول البعض أن يلتمس العذر للسيوطي فقال: إن المواضع التي أخل فيها بالترتيب له فيها وجه نظر حديثية،وهي أنه ربما يريد أن يقرن بين الحديث وشاهده ليبين أن للحديث شواهد يتقوى بها،وقد ردوا على ذلك فقالوا بأن ذلك ليس مطرداً فليس كل ما أخل فيه كان سببه ذلك(3).
وبعد أن يذكر الحديث يذكر من أخرجه من الأئمة مشيراً إلى أسمائهم بالرمز وهذا لمن أكثر التخريج منه،أما من لم يكثر التخريج منه فإنه يذكره صراحة لا رمزاً. ثم يذكر لفظ الصحابي مختصراً.
بالمثال يتضح المقال:
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 336) (25857) وهذا لفظه وخ (3483و3484و6120) والإحسان(607) والصحيحة (684) وصحيح الجامع (2) وحم 5/405 وعساكر 14/322 و40/508 و509 و46/301 و53/120 و64/63 وحلية 4/371 وخط 12/136
(2) - المعجم الكبير للطبراني (7567 ) و مجمع الزوائد ( 18672) وقال عقبه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ،وَفِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُمْ ،وَضُعَفَاءُ فِيهِمْ تَوْثِيقٌ لَيِّنٌ .
(3) - علم تخريج الحديث أصوله وطرائفه ومناهجه للأستاذ الدكتور / محمد بكار ص 23،34.(1/158)
حديث « آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلاَنِ يَقُولُ اللَّهُ لأَحَدِهِمَا يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ وَهُوَ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ حَسْرَةً وَيَقُولُ لِلآخَرِ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِى أَنْ لاَ تُعِيدَنِى فِيهَا أَبَداً. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَقِرَّنِى تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا . فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى وَأَغْدَقُ مَاءً فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا أَقِرَّنِى تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.
فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَلَيَيْنِ وَأَغْدَقُ مَاءً فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَأَقِرَّنِى تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلاَ يَتَمَالَكُ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلْ وَتَمَنَّ. وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلَ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ ابْنَ آدَمَ لَكَ مَا سَأَلْتَ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ « وَمِثْلُهُ مَعَهُ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ « وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ». (أحمد،وعبد بن حميد عن أبى سعيد وأبى هريرة معًا)(1).
ونلاحظ ما يلي:
1- أنه ذكر من أخرجه مشيراً إلى أحدهما بالرمز وثانيهما صراحة،فالمشار إليه بالرمز (حم) والمشار إليه صراحة عبد بن حميد،وذلك لأنه أكثر التخريج من (حم)أي مسند أحمد بن حنبل،وأما مسند عبد بن حميد فإنه لم يكثر التخريج منه ولذلك ذكره مصرحاً باسمه.
2-أنه ذكر الصحابيين الجليلين أبي سعيد الخدري،وأبي هريرة رضي الله عنهما.
رموزه:
1- (خ) رمز للإمام البخاري في صحيحه.
2- (م) رمز للإمام مسلم في صحيحه.
3- (حب) رمز لابن حبان في صحيحه.
4- (ك) رمز للحاكم في مستدركه.
5- (ض) رمز للضياء للقدسي في المختارة.
6- (د) رمز لأبي داود السجستاني في سننه.
7- (ت) رمز للإمام الترمذي في سننه.
8- (ن) رمز للإمام النسائي في سننه الصغرى المسماة بالمجتبى.
9- (ة) تاء مربوطة رمز لابن ماجه في سننه.
10- (ط) رمز لأبي داود الطيالسي في مسنده.
11- (حم) رمز للإمام أحمد بن حنبل في مسنده.
12- (عم) رمز لعبدالله بن الإمام أحمد في زيادته على المسند.
13- (عب) رمز لعبد الرزاق في مصنفه.
14- (ص) رمز لسعيد بن منصور في سننه.
15- (ش) رمز لابن أبي شيبة في مصنفه.
16- (ع) رمز لأبي يعلى.
17- (طب) رمز للطبراني في معجمه الكبير.
__________
(1) - مسند أحمد( 11985) ومجمع 10/384 400 ومسند عبد بن حميد ( 993) وهو حديث حسن(1/159)
18- (طس) رمز للطبراني في معجمه الأوسط.
19- (طص) رمز للطبراني في معجمه الصغير.
20- (قط) رمز للدار قطني في سننه.
21- (حل) رمز لأبي نعيم في الحلية.
22- (ق) رمز للبيهقي في سننه الكبرى.
23- (هب) رمز للبيهقي في شعب الإيمان.
24- (عق) رمز للعقيلي في الضعفاء.
25- (عد) رمز لابن عدي في الكامل.
26- (خط) رمز للخطيب البغدادي في تاريخه.
27- (كر) رمز لابن عساكر في تاريخه.
وهذه المصادر ليست هي كل المصادر التي اعتمد عليها السيوطي في التخريج بل هناك الكثير والكثير،ولكنها هي المصادر التي أكثر التخريج منها ولذلك أشار إليها بالرمز،أما باقي الكتب الأخرى فإنه ذكرها صراحة لعدم الإكثار في التخريج منها،ومن راجع الكتاب يجد صحة ما ذكرناه.
وقد حرص السيوطي - رحمه الله - أن يحكم على الأحاديث التي ذكرها من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف،وقد نهج في ذلك نهجاً يختلف عن سابقيه جمع فيه بين الفائدة والاختصار.
ومنهجه في ذلك أنه قسم الكتب التي يخرج منها أحاديثه إلى ثلاثة أقسام هي:-
القسم الأول: قسم صحيح،ويشتمل على الكتب التالية:-
1- صحيح الإمام البخاري.
2- صحيح الإمام مسلم.
3- صحيح ابن حبان.
4- مستدرك الحاكم سوى ما فيه من المتعقب عليه فينبه عليه.(1)
5- المختارة للضياء المقدسي.
6- موطأ الإمام مالك.
7- صحيح ابن خزيمة.
8- صحيح أبي عوانه.
9- صحاح ابن السكن.
10- المنتقى لابن الجارود.
11- المستخرجات.
فإذا عزى السيوطي إلى أحد هذه الكتب الإحدى عشر،فالعزو إليها دليل على صحة الحديث.
قال السيوطي في مقدمة الكتاب: (وجميع ما فى هذه الخمسة(2)صحيح،فالعزو إليها مُعْلِمٌ بالصحة،سوى ما فى المستدرك من المتعقب،فأنبه عليه. وكذا ما فى موطأ مالك،وصحيح ابن خزيمة،وأبى عوانة،وابن السكن،والمنتقى لابن الجارود،والمستخرجات،فالعزو إليها مُعْلِم بالصحة أيضاً).(3)
القسم الثاني: قسم يشتمل على الحديث الصحيح والحسن والضعيف وهو موجود في الكتب التالية:-
1) سنن الترمذي.
2) سنن الإمام أبي داود.
3) سنن النسائي.
4) سنن ابن ماجة.
5) مسند أبي داود الطيالسي.
6) مسند الإمام أحمد بن حنبل.
7) زيادات عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل على أبيه في المسند.
8) مصنف عبد الرزاق.
9) مصنف ابن أبي شيبة.
10) سنن سعيد بن أبي منصور.
11) مسند أبي يعلى الموصلي.
12) المعجم الكبير للطبراني.
13) المعجم الأوسط للطبراني.
14) المعجم الصغير للطبراني.
15) الحلية لأبي نعيم.
16) السنن الكبرى للبيهقي.
17) شعب الإيمان للبيهقي.
__________
(1) - قال المحققون للكتاب :لم يطرد على هذا في النسخة التي بين أيدينا . وقد قمنا بنقل كلام الذهبى .
(2) - المراد بالخمسة البخاري،مسلم،ابن حبان،الحاكم في المستدرك،الضياء المقدسي في المختارة.
(3) - قلت : هذا من حيث الغالب ،وإلا ففي بعضها شيء من الضعيف كما هو معلوم لدى أئمة هذا الفنِّ(1/160)
قال السيوطي: (ورمزت لأبى داود : (د)،فما سكت عليه فهو صالح،وما بَيَّنَ ضعفه نقلته عنه . وللترمذى : (ت)،وأنقل كلامه على الحديث(1). وللنسائى : (ن)،ولابن ماجه : (هـ)،ولأبي داود الطيالسى : (ط)،ولأحمد : (حم)،ولزيادات ابنه عبد الله : (عم)،ولعبد الرزاق : (عب)،ولسعيد بن منصور : (ص)،ولابن أبى شيبة : (ش)،ولأبي يعلى : (ع)،وللطبرانى فى الكبير : (طب)،وفى الأوسط : (طس)،وفى الصغير : (طص)،وللدارقطني : (قط)،فإن كان في السنن أطلقت،وإلا بَيَّنْتُه . ولأبى نعيم في الحلية : (حل)،وللبيهقي : (ق) . فإن كان في السنن أطلقت،وإلا بَيَّنْتُه . وله في شعب الإيمان : (هب) . وهذه فيها الصحيح،والحسن،والضعيف فأُبَيِّنَه غالباً(2)،وكل ما كان فى مسند أحمد فهو مقبول،فإن الضعيف الذى فيه يقرب من الحَسَن(3).
القسم الثالث: قسم يشتمل على الضعيف فقط وقد احتوته الكتب التالية:
1- الكامل في الضعفاء لابن عدي.
2- الضعفاء للعقيلي.
3- تاريخ دمشق لابن عساكر.
4- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
5- نوادر الأصول في معرفة أخبار الرسول للحكيم الترمذي.
6- تاريخ نيسابور للحاكم.
7- تاريخ ابن الجارود.
8- مسند الفردوس للديلمي.
قال السيوطي: (وللعقيلى في الضعفاء : (عق)،ولابن عديى فى الكامل : (عد)،وللخطيب : (خط)،فإن كان فى تاريخه أطلقت،وإلا بينته . ولابن عساكر فى تاريخه : (كر)،وكل ما عُزِىَ لهؤلاء الأربعة،أو للحكيم الترمذي في نوادر الأصول،أو الحاكم في تاريخه،أو الديلمي في مسند الفردوس،فهو ضعيف فليستغن بالعزو إليها،أو إلى بعضها عن بيان ضعفه(4). وإذا أطلقتُ العزو إلى ابن جرير فهو فى تهذيب الآثار،فإن كان فى تفسيره،أو تاريخه بَيَّنْتُه).
ونخلص من ذلك كله إلى أن السيوطي حكم على الأحاديث من حيث الصحة وذلك بالعزو إلى الكتب الحديثية التي أشار إليها في القسم الأول. أو الضعف وذلك بالعزو إلى الكتب الحديثية التي أشار إليها في القسم الثالث.
أما القسم الثاني الذي جمع بين الصحيح والحسن والضعيف فإنه يحتاج من الباحث إلى دراسة الإسناد مع ذكر أقوال علماء الجرح والتعديل ليتسنَّ له الحكم على الحديث من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف.
ولقد نأى الإمام السيوطي بكتابه - فيما يرى- عن الأحاديث الموضوعة والمكذوبة لأنه قسم كتابه إلى ثلاثة أقسام لم يكن منها الحديث الموضوع.
وقد رد الأستاذ الدكتور عبد المهدي على دعوى البعض من أن الكتاب اشتمل على تسعين ألف حديث موضوع فقال: هذه دعوى منشؤها الجهل،وقال: من أين جاء التسعون ألف حديث موضوع. والكتاب كله ستة وأربعون ألف حديث وستمائة وأربعة وعشرون حديثاً(5).
قلت : من يطالع كتب الإمام السيوطي - رحمه الله- ولا سيما الجامع الصغير والكبير،يجد كثيرا من الأحاديث الموضوعة والواهية التي لا يحلُّ الاحتجاج بها،وحتى في كتبه كاللآلئ المصنوعة أو الحاوي للفتاوى يلحظ هذا بشكل جليٍّ،فقد غلب عليه الجمع دون التحقيق .
وقد حكم المناوي على أكثر من ثلاثمائة حديث بالوضع وزاد عليه الغماري في المغير،وإن تساهل في الحكم بالوضع على بعضها لمخالفتها لمذهبه .
__________
(1) - لم يطرد على هذا أيضاً فى النسخة التي بين أيدينا . وقد قمنا بنقل كلام الترمذى جميعه .المحققون
(2) - يقلُّ الكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا فى النسخة التي اعتمدنا عليها .المحققون
(3) - في هذا الحكم نظر ،ومن راجع تخريج الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ،وتخريج أستاذنا الشيخ شعيب الأرناؤوط يجد غير ذلك . وستزيد هذا البحث تفصيلا عن كلامنا على المسند
(4) - مراده فيما انفردوا به من أحاديث ،دون المصادر العالية ،وإلا ففيها بعض الصحيح والحسن
(5) - طرق تخريج الحديث للأستاذ الدكتور: عبد المهدي ص 53 (8- القول البديع).(1/161)
أما ذكر السيوطي للصحابي عقب تخريج الحديث فقد وقع فيه نوع من الاختصار ذكره في مقدمة الكتاب فقال: (وحيث أطلق في هذا القسم أبو بكر فهو الصديق،أو عمر فهو ابن الخطاب،أو عثمان فهو ابن عفان،أوعلي فهو ابن أبي طلب،أو سعد فهو ابن أبي وقاص،أو أنس فهو ابن مالك،أو البراء فهو ابن عازب،أو بلال فهو ابن رباح،أو جابر فهو ابن عبد الله،أو حذيفة فهو ابن اليمان،أو معاذ فهو ابن جبل،أو معاوية فهو ابن أبي سفيان،أو أبو أمامة فهو الباهلي،أو أبو سعيد فهو الخدري،أو العباس فهو ابن عبد المطلب،أو عبادة فهو ابن الصامت،أو عمار فهو ابن ياسر(1).
ـــــــــــــــ
طريقةُ التخريج من الكتاب المذكور
إذا أراد الباحثُ أن يخرج حديثاً من الجامع الكبير فعليه أن يحدد هوية الحديث هل هو من قسم الأقوال أم الأفعال:
1- فإن كان من الأفعال فلابد من معرفة الراوي الأعلى للحديث ليقف على الأحاديث التي رواها الصحابي الجليل إن كان الحديث مرفوعاً،أما إذا كان الحديث مرسلا فيبحث عنه في قسم المراسيل وقد رتبت أسماؤهم على حروف المعجم. من الرقم (43699 ) إلى الرقم (44704)
2- إن كان من قسم الأقوال فلابد من معرفة أول لفظة من الحديث ليستطيع الوصول إلى الحديث المراد تخريجه لأن قسم الأقوال مرتب حسب حروف المعجم. من الرقم (1) وحتى الرقم(27237)
3- إذا تمكن الباحث من معرفة أول لفظة في الحديث فليطلب الحرف الأول من اللفظة في الكتاب مع مراعاة الحرف الثاني من اللفظة وكذا الحرف الثالث وهكذا.
4- إذا تمكن الباحث من الوصول إلى الحديث المراد تخريجه في الكتاب فعليه محاولة فك الرموز وذلك من خلال مقدمة الكتاب.
5- على الباحث أن يضع في حسبانه رتبة الكتب التي أشار إليها السيوطي ليستعين بها في الحكم على الحديث.
وإليك مثالاً يوضح ما ذكرت: حديث (آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص)،وبالنظر إلى الحديث نجد أنه حديث قولي،أي يمكن تخريجه من قسم الأقوال،وعلى ذلك فيجب إتباع الخطوات التالية:-
1- أن يأتي بحرف الهمزة ثم يمرر حرف الهمزة مع الباء ثم التاء ثم الثاء ثم الجيم وهكذا فإنه يجد الحديث إن شاء الله.
2- حين الوقوف على مكان الحديث يجد رمزاً وصحابيا هكذا « آجَرْتُ نَفْسِى مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ » ق عن جابر.
3- يفك الباحث هذه الرموز من خلال مقدمة الكتاب.
4- يكتب التخريج أجمالياً فيقول أخرجه البيهقي من حديث جابر بن عبدالله،انظر الجامع الكبير ج كذا،ص كذا.
وهذا التخريج الإجمالي يحتاج إلى تفصيل فيقول: أخرجه البيهقي في كتاب كذا باب كذا حـ كذا ص كذا طبعة كذا.
- مميزات الكتاب:
1) أن الكتاب اشتمل على عدد كثير من الأحاديث أوصلها بعضهم إلى مائة ألف حديث باعتبار الرواة.
2) أن المؤلف رجع إلى كتب كثيرة أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثمانين كتابا. بعض هذه الكتب يصعب الوصول إليها لأنها ما زالت مخطوطة.
3) أنه رتب الكتاب ترتيبا دقيقا بحيث يسهل على الباحث الانتفاع بالكتاب والاستفادة منه فقد جعل قسم الأقوال على حدة مرتباً حسب حروف المعجم وقسم الأفعال على حده مرتبا حسب الراوي الأعلى لها.
4) أنه حكم على الأحاديث من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف وذلك بإضافة الأحاديث إلى الكتب المعزو إليها.
5) النسخة المحققة من جامع الأحاديث النبوية فيها تخريج جيد للأحاديث،والحكم على كثير منها،والإشارة إلى أمكنة الحديث الأخرى كشواهد أو متابعات
عيوبُ الكتاب:
1- لا يمكن التخريج من هذا الكتاب إلا لمن حفظ متن الحديث أو طرفه الأول على الأقل إن كان الحديث قوليا،أو عرف راويه الأعلى إن كان الحديث فعليا.
2- أن من قصد جمع أحاديث موضوع معين لا يمكنه الاستفادة منه إلا إذا تصفح الكتاب كله وهذا عسر صعب.
__________
(1) - مقدمة الجامع الكبير.(1/162)
3- من طلب الإسناد فعليه أن يرجع إلى الكتاب المخرَّج منه وهذا مما يكلف الباحث عَناءً ومشقةً،خاصة إذا كان الكتاب مخطوطاً أو مفقوداً. والله أعلم(1).
4- لا يمكن الاعتماد على حكمه على الحديث سواء أكان رمزاً لكثرة التحريف في الرموز،أو كان نصًّا مباشراً،وذلك لأن الإمام السيوطي كان من المتساهلين جدًّا في قبول الأخبار،بعكس الإمام ابن الجوزي في الموضوعات،فهما على طرفي نقيض تماما.
ـــــــــــــــ
2- الجامع الصغير من أحاديث البشر النذير
مؤلفه:
هو الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ.
عدد الأحاديث: نقل الكتاني أن عدد الأحاديث: عشرة آلاف حديث وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثا(2),لكن عند العد والحصر لها كما جاء في النسخة المطبوعة المرقمة (10031) عشرة آلاف وواحد وثلاثون حديثاً.
سبب التسمية:
ترجع سبب التسمية إلى أن السيوطي حينما ألف كتابه المسمى بجمع الجوامع أو الجامع الكبير قسمه إلى أحاديث قولية وأحاديث فعلية ثم انتقى من الأحاديث القولية أحاديث صحيحة مختصرة وقد زاد عليها بعض الزيادات وجمع ذلك كله في كتاب سماه (الجامع الصغير من حديث البشير النذير) لأنه مستلٌّ من الجامع الكبير.
قال السيوطي. في مقدمة كتابه (أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفا)،ومن الحكم المصطفوية صنوفاً،اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة،ولخصت فيه من معان الأثر إبريزه(3).
ترتيب الكتاب:
رتب السيوطي أحاديثه حسب حروف المعجم مراعياً أول الحديث فما بعده تسهيلا على الطلاب.
وبيان ذلك: أنه بدأ بالأحاديث التي أولها همزة ثم التي أولها باء ثم التي أولها تاء... وثاء. وجيم وهكذا،وفي داخل كل حرف من هذه الحروف يمرر الحرف مع حروف المعجم كلها،وإليك مثالاً يوضح ذلك في حرف التاء مثلاً.
« تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ ».(4).
« تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّ مُتَابَعَةً بَيْنَهُمَا تَزِيدُ فِى الْعُمُرِ وَالرِّزْق ِ وَتَنْفِيَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ».(5).
" تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ ".(6)
« تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ »(7).
« تَبَسُّمُكَ فِى وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِى أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِىءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِى دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ».(8)
«
__________
(1) - انظر: القول البديع ص 113-115 - طرق تخريج حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صـ 53-54
(2) - الرسالة المستطرفة ص 127.
(3) - مقدمة الكتاب ص 5.
(4) - فيض القدير،شرح الجامع الصغير(3227 ) وسنن الترمذى (815 ) وَفِى الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِىٍّ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَجَابِرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
(5) - فيض القدير،شرح الجامع الصغير(3228 ) و مسند أحمد(16107) حسن
(6) - صحيح البخارى (7437 ) مطولا وفيض القدير،شرح الجامع الصغير(3229 )
(7) - مسند أحمد (23802) وفيض القدير،شرح الجامع الصغير(3230) صحيح
(8) - سنن الترمذى (2083 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1/163)
تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ ».(1).
" تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذِي الْمُرُوءَةِ،إِلَّافِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "(2).
وهكذا فإننا نجد أنه أخذ التاء مع الألف ثم مرر حرف التاء مع حروف الهجاء كلها وفي نهاية هذا الترتيب من كل حرف نجد أن السيوطي عقد عنواناً للمحلى بأل فقال فصل في المحلى بأل من هذا الحرف (أي الأحاديث التي تبدأ بأل من هذا الحرف).
"مثال ذلك":
التَّاجرُ الصَّدوقُ تَحتَ ظِلِّ العَرشِ يَومَ القِيامةِ(3)
التاجرُ الصَّدوق لا يحجبُ منْ أبواب الجنَّة.(4)
" التَّاجِرُ الْجَبَانُ مَحْرُومٌ وَالتَّاجِرُ الْجَسُورُ مَرْزُوقٌ "(5).
« التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ،فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا . ضَحِكَ الشَّيْطَانُ » .(6)
وهكذا في نهاية الحروف كلها فإنه يذكر الأحاديث المبدوءة بأل من كل حرف،وأود أن أسجل هنا للباحث عدة ملحوظات ليكون على بصيرة من أمره وبينة من عمله وهي:
1- أن هذا الترتيب اتفق تماماً في الحرف الأول والثاني ثم قد يختل بعد ذلك وبالمثال يتضح المقال:
أ) « إِنِّى نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ ».(7).
ب) « إِنِّى نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ ».(8).
__________
(1) - صحيح مسلم(609 )
(2) - المعجم الصغير للطبراني (883) و فيض القدير (3233 ) حسن لغيره
(3) - الإتحاف 5/414 والترغيب 2/585 والشعب ( 9029) موقوفاً على سلمان مطولاً والطبري5/21 والأصبهانى ( 767) حسن لغيره
(4) - أخرجه أيضًا : الديلمى (2/78 ،رقم 2444) والخبر واه .
(5) - مسند الشهاب القضاعي(234 ) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2024 ) موضوع
(6) - صحيح البخارى(3289 ) ومسلم (7682 )
(7) - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِىَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا بَالُ هَذَا ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ. فَأُمِرَ بِهِ فَنُفِىَ إِلَى النَّقِيعِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَقْتُلُهُ فَقَالَ « إِنِّى نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ ». قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ. سنن أبى داود(4930) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 224) (17442) صحيح
(8) - عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً لَهُ أَوْ نَاقَةً فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَسْلَمْتَ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَإِنِّى نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ ».سنن أبى داود( 3059 ) وسنن الترمذى (1672 ) صحيح
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ « إِنِّى نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ ». يَعْنِى هَدَايَاهُمْ وَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هَدَايَاهُمْ وَذُكِرَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ الْكَرَاهِيَةُ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ مَا كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ ثُمَّ نَهَى عَنْ هَدَايَاهُمْ. -الزَّبد : العون والرفد والعطاء(1/164)
ج) "إِنِّي لا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ".(1)
د) « إِنِّى لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِى لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِى لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِى لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ».(2)
__________
(1) - عَنِ بن كَعْبِ بن مَالِكٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: جَاءَ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ إِلَى النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهَدِيَّةٍ،فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ،فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"فَإِنِّي لا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ"،قَالَ:"فَابْعَثْ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ مَنْ شِئْتَ،فَأَنَا لَهُمْ جَارٌ،فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِقَوْمٍ فِيهِمُ الْمُنْذِرُ بن عَمْرٍو،وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ: الْمُعتِقُ،أَعْتَقَ عِنْدَ الْمَوْتِ،فَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِمْ عَامِرُ بن الطُّفَيْلِ بني عَامِرٍ،فَأَبَوْا أَنْ يُطِيعُوهُ،وَأَبَوْا أَنْ يَخْفِرُوا مُلاعِبَ الأَسِنَّةِ،فَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِمْ بني سُلَيْمٍ فَأَطَاعُوهُ فَاتَّبَعَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ،فَأَدْرَكُوهُمْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ،فَقَتَلُوهُمْ إِلا عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ".المعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 415) (15487و15488 و15489) . وابن عساكر (26/99) صحيح
(2) - عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ نَسْرِقَ وَلاَ نَزْنِىَ وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا وَلاَ نَأْتِىَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلاَ نَعْصِيَكَ فِى مَعْرُوفٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ ». قَالَتْ فَقُلْنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِى لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِى لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِى لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ».موطأ مالك (1812 ) وسنن النسائى (4198 ) وابن ماجة (2984 ) وأحمد (27765 و27767 و27768 ) صحيح(1/165)
هـ) « إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ».(1).
و) « إِنِّى حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَىِ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ »(2).
فنجد أنه كان من الأولى أن يقدم (إني نهيت عن زبد) على (إني نهيت عن قتل المصلين) وأن يقدم (إني لا أصافح النساء) على (إني لا أقبل) وكان من الأولى والأحرى أن يقدم (إني حرمت) على كل ما ذكره أولا(3).
2- أن السيوطي قدم حديث : « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »(4)، وصدر به أول الكتاب ولم يجعله ضمن الترتيب الذي نهجه تبركا به وتصحيحاً لنيته وهذا صنيع أكثر المحدثين كالإمام البخاري وغيره.
3- أنه في حرف الباء قدم حديث " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِفْتَاحُ كُلِّ كِتَابٍ "(5)ولم يراع الترتيب الذي نهجه لشرف الآية وتقديمها على غيرها ثم راعى الترتيب بعد هذا الحديث.
__________
(1) - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ :بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا قَالَ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الْإِزَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خَالِدٌ وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ قَالَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ وَأَظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ " صحيح البخاري(4004 ) ومسلم(2500 )
(2) - صحيح مسلم (3406 ) =- اللابة : أرض ذات حجارة سود كثيرة والمدينة بين لابتين
(3) - راجع الجامع الصغير 1/157 من حديث رقم 2633-3638.
(4) - صحيح البخارى(1 ) ومسلم (5036 )
(5) - أخرجه الخطيب فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع (1/264 ،رقم 547) وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالضعفاء والعلل ،فإنه مع كونه مرسلا أومعضلا سقط من إسناده الصحابي والتابعي على الأقل ،فإن كل من دون أبي جعفر وهو الباقر متكلم فيهم(1/166)
4- لو أراد الباحث أن يخرج حديثاً خاصاً بشمائله - صلى الله عليه وسلم - - وهي الأحاديث المتعلقة بأوصافه - صلى الله عليه وسلم - - فعليه أن يطلب أحاديث حرف الكاف وبعد الانتهاء.من الأحاديث المبدوءة بحرف الكاف عقد المؤلف عنوانا خاصا بالشمائل سماه (باب كان وهي الشمائل الشريفة)(1).
6- لو أراد الباحث أن يخرج حديثاً أوله لفظ "نهى" ولم يجد الحديث في حرف النون مع الهاء فعليه أن لا يتسرع في الجزم بعدم وجود الحديث بل عليه أن يطلب باب المناهي،ومحله بعد المحلى بأل من هذا الحرف(2).
7-في باب اللام لم يذكر "لا" النافية،و"لا" الناهية،والسرُّ في ذلك أنه أفرد (اللام ألف) في بابٍ مستقل بعد الواو،وقبل الياء التي هي خاتمة الحروف(3).
8- في نهاية الحديث يذكر من أخرجه من أئمة السنة.
9- يذكر الصحابي الذي روي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان الحديث مرفوعا- أو التابعي إن كان الحديث مرسلاً.
10- يذكر درجة الحديث من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف،ولكن حصل كثير من التحريف برموزه فلا يوثق بها،كما أنه متساهل جدًّا في التصحيح،فلا يقبل قوله وحده،فلا بد من مراجعة أقوال غيره من أئمة الجرح والتعديل .
ـــــــــــــــ
رموزُ الكتاب ومعناها
(خ) للإمام البخاري.
(م) للإمام مسلم.
(ق) لما اتفق عليه البخاري ومسلم في صحيحهما.
(د) لأبي داود في سننه.
(ت) للترمذي في سننه.
(ن) النسائي في سننه.
(ة) تاء مربوطة لابن ماجه في سننه.
(4) رقم أربعة رمز لأصحاب السنن الأربع.
(3) الرقم ثلاثة رمز لأبي داود والترمذي والنسائي.
(حم) رمز لأحمد بن حنبل في مسنده.
(عم) رمز لعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده على المسند.
(ك) رمز للحاكم،قال السيوطي : فإن كان في مستدركه أطلقت وإلا بينت.
(خد) رمز للبخاري في الأدب المفرد.
(تخ) رمز البخاري في التاريخ.
(حب) رمز لابن حبان في صحيحه.
(طب) رمز للطبراني في الكبير.
(طس) رمز للطبراني في الأوسط.
(طص) رمز للطبراني في الصغير.
(ص) رمز لسعيد بن منصور في سننه.
(ش) رمز لابن أبي شيبه في مصنفه.
(عب) رمز لعبد الرزاق في الجامع.
(ع) رمز لأبي يعلى في مسنده.
(قط) رمز للدار قطني: قال السيوطي: فإن كان في السنن أطلقت وإلا بينت.
(فر) رمز للديلمي في مسند الفردوس.
(حل) رمز لأبي نعيم في الحلية.
(هب) رمز للبيهقي في شعب الإيمان.
(هق) رمز للبيهقي في السنن الكبرى.
(عق) رمز للعقيلي في كتابه الضعفاء.
(خط) رمز للخطيب في كتابه التاريخ إذا أطلق وإلا بين.
(عد) رمز لابن عدي في الكامل(4).
وحين حكمه على الأحاديث فإنه أشار إلى ذلك بالرمز أيضاً.
فرمز (صحـ) معناه أن الحديث صحيح.
ورمز (ح) معناه أن الحديث حسن.
ورمز (ض) معناه أن الحديث ضعيف.
ولا يظن القارئ أن هذه هي الكتب التي اعتمد عليها السيوطي فقط في جمع الأحاديث منها،بل هناك الكثير من الكتب ذكرها السيوطي في كتابه الجامع الصغير،وقد سجلها السيوطي على ظهر نسخة من جمع الجوامع حيث قال رحمه الله رحمة واسعة (هذه تذكرة مباركة بأسماء الكتب التي أنهيت مطالعتها على هذا التأليف خشية أن تهجم المنية قبل تمامه على الوجه الذي قصدته فيقيض الله تعالى من يذيل عليه فإذا عرف ما أنهيت مطالعته استغنى عن مراجعته ونظر ما سواه من كتب السنة).
__________
(1) - فيض القدير،شرح الجامع الصغير باب كان وهي الشمائل الشريفة وهي تبدأ من الحديث (6470) - (كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أبيض مليحاً مقصداً)
(2) - انظر فيض القدير،شرح الجامع الصغير = باب المناهي وهي تبدأ من الحديث ( 9328 ) (نهى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عن الأغلوطات)
(3) - فيض القدير،شرح الجامع الصغير = حرف "لا" وهو يبدأ بالرقم(9694 ) الحديث (لا آكل وأنا متكئ)
(4) - مقدمة الكتاب ص5-6.(1/167)
قال محقق الكتاب : والناظر يجد أن هناك كتباً أخرى غير الكتب التي أشار إليها السيوطي في التذكرة وعددها (71) واحد وسبعون كتاباً(1)زيادة على الكتب التي ذكرها في مقدمة الكتاب،وقد ذكر محقق الكتاب أمثلة على ذلك،منها: كتاب العلم للموهبى كما جاء في حديث رقم 7957،وكتاب الذيل لأبي موسى كما في حديث رقم (7809) وكتاب العلل لابن الجوزي وأشار إلى حديث رقم (7767) وكتاب فضل الرمي للقراب وأشار إلى حديث رقم (7753) وكتاب الطب للمستغفري وأشار إلى حديث رقم (7761)،وكتاب العلم للحافظ ابن عبدالبر وأشار إلى حديث رقم (10026)(2).
____________________
طريقة التخريج من الكتاب
إذا أراد الباحث أن يخرِّجَ حديثاً من هذا الكتاب،فعليه أن يتبع الخطوات التالية:
1- أن يتأكد من لفظ الحديث وخاصة بدايته ؛ لأن عدم معرفة أول لفظ من الحديث لا يمكن الباحث من تخريج الحديث من هذا الكتاب.
2- إذا كان لفظُ الحديث مبدوءاً بأل فعلية أن يأتي بالمحلى بأل من هذا الحرف وذلك كحديث « التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ »(3). فعلى الباحث أن يأتي بالمحلى بأل من حرف التاء.
3- إذا كان الحديث يتعلق بشمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه أن يأتي بحرف الكاف باب شمائله - صلى الله عليه وسلم - .
4- إذا كان الحديث يتعلق بالمناهي فعلى الباحثِ أن يطلب حرف النون ثم يتتبع الأحاديث في حرف النون ثم المحلى بأل من هذا الحرف ثم يطلب عنوان المناهي ويتتبع الحديث.
5- إذا وقف الباحثُ على مكان الحديث فعليه أن يذكر من أخرجه من أئمة السنة وذلك كحديث « ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِىِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ». (حم م د ت) عن رافع بن خديج(4).
أي إن هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد،ومسلم،وأبو داود،والترمذي. وهذا تخريج إجماليٌّ يحتاج من الباحث إلى التفصيل والبيان،وعليه أن يقوم به،فإذا ما انتهى منه،فيقول أخرجه الإمام أحمد جزء كذا صفحة كذا رقم كذا،مسلم كتاب كذا رقم كذا باب كذا جزء كذا صفحة كذا ط كذا. وهكذا في بقية الكتب.أو يكتفي بالأرقام المشهورة أو الأجزاء المشهورة للاختصار .
ـــــــــــــــ
مميزاتُ الكتاب
1-أن مؤلف الكتاب رتبه ترتيباً دقيقاً حسنا،مما يسَّرَ للباحث كيفية إخراج الحديث منه بسهولة ويسر.
2- أن مؤلف الكتاب حكمَ على الأحاديث بالصحة أو بالحسن أو بالضعف مما أراح الباحث وأغناه عن البحث والتفتيش،ولكن في حكمه على الأحاديث كثير من التساهل- هذا إذا ثبت هذا الرمز عنه،لأنه قد وقع فيه تحريف كبير من النساخ- مما دفع المناوي في شرحه المسمى ( فيض القدير شرح الجامع الصغير) أن يتتبع السيوطي في بعض الأحاديث ويخالفه في الحكم عليها مع بيان وجهة نظره في ذلك،وللعلامة أحمد بن صديق الغماري كتاب (المداوي) تعقب فيه أحكام السيوطي والمناوي،وقد تعقبت على السيوطي والمناوي والغماري في موسوعتي ( موسوعة السنة النبوية )
3-أن مؤلف الكتاب ابتعد عن الأحاديث الموضوعة أو المكذوبة،كما قال في مقدمة كتابه (وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب... الخ).
__________
(1) - راجع مقدمة محقق الكتاب الشيخ محي الدين عبدالحميد محمد ص ي - يد.
(2) - المرجع السابق مقدمة محقق الكتاب من ص (يد - يه).
(3) - سنن ابن ماجه (4391 ) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 10 / ص 154)(21070- 21072) وصحيح الجامع ( 3008 ) وترغيب 4/97 والإتحاف 8/503 و 506 و 525 و587 و9/609 والحلية 4/210من طرق صحيح لغيره
(4) - مسلم (4095 ) ود (3421) و ت ( 1275 ) وحم(17733 ) 3/464 و465 ومي 2/272 وهق 6/ 6 و9/337 و ك 2/42 وصحيح الجامع ( 3077 )(1/168)
ولكنه لم يف بهذا الشرط فوقع الموضوع في كتابه،والذي ناف على الثلاثمائة حديث(1)
4-أنه خرَّج من كتب كثيرة ذكر مَنْ أكثر منه في مقدمة الكتاب،وترك من لم يكثر منها،ومن اطلع على الكتاب وخرج منه لمس ذلك بوضوح.
ـــــــــــــــ
عيوبُ الكتاب
1- أن السيوطي اقتصر في كتابه على الأحاديث الوجيزة فقال:"هذا كتاب أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفاً، ومن الحكم المصطفوية صنوفاً،اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة،ولخصت فيه من معادن الأثر إبريزه.
2- لم يكثر السيوطي في كتابه لأحاديث الأحكام،وهي مهمة جدًّا.
3- أنه ذكر متن الحديث دون ذكر السند.
4-لا يمكن الاعتماد على هذا الكتاب إلا إذا عرف الباحث أول لفظ من الحديث كله..
5- إذا أراد الباحث جمع أحاديث موضوع فعليه أن يقلب صفحات الكتاب
6-أن السيوطي خالف منهجه الذي نص عليه في مقدمة الكتاب حيث قال: وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب.... ومع ذلك ورد في الكتاب أحاديث موضوعه ذكرها في كتابه اللألي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وقد نبه المناوي في كتابه فيض القدير على تلك الأحاديث.
" قلت : وقوله :(وحوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يُودع قبله في كتاب.)
هذا كلام واسع جدا أن السيوطي -رحمه الله تعالى- وضع في هذا الكتاب من الصناعة الحديثية مالم يودع قبله في كتاب - دعوى عريضة جدا والكتاب في خدمة قضية تخريج وتدريب المبتدئين،وليس فيه من الصناعة الحديثية إلا الحكم على الأحاديث بالصحة والضعف.
وكما سنرى جهود العلماء الذين تعقبوا السيوطي بتضعيف ما صححه أو تضعيف ما حسنه؛ فالخدمة المتعلقة بالصناعة الحديثية هي الحكم على الحديث،أما كصنعة؛ كالعلل،والتخريج الواسع،والنفس الطويل في الكلام على الرواة،والترجيح بين المتعارضات؛ فليس هذا ما حدث وهذه دعوى عريضة من الحافظ -رحمه الله تعالى- أي: خلا منها الكتاب تماما إلا في قضية التصحيح والتضعيف.
ولا نقصد بهذا الكلام الحطَّ من شأن إمام عظيم كالإمام السيوطي -رحمه الله- و إلا؛ فهو تلميذ الحافظ ابن حجر؛ لأن أبا السيوطي -رحمه الله تعالى- أحضره مجالس الحافظ ابن حجر وله من العمر ثلاث سنوات. وهذه مسألة تلفت النظر إلى اهتمامات الأمة في القرون المتقدمة إلى مدى عنايتهم بالسنة النبوية وعنايتهم بإحضار أولادهم مجالسَ العلماء فلو توفي -مثلاً- الحافظ ابن حجر؛ فيكون الولد حضر للحافظ ابن حجر وأخذ إجازة بهذا الحضور فيكون مبكرا جدا في سماع إمام دارت عليه علوم الحديث في زمانه هو الحافظ ابن حجر -رحمه الله رحمة واسعة-.
__________
(1) - انظر فيض القدير،شرح الجامع الصغير(16) (آل القرآن) أي حفظته العاملون به (آل الله) أي أولياؤه. وأضيفوا إلى القرآن لشدة اعتنائهم به وأضيفوا إلى الله تشريفاً. قال ابن عربي آل القرآن هم الذين يقرؤن حروفه من عجم وعرب ويعلمون معانيه وليس الخصوصية من حيث القرآن بل من حيث العلم بمعانيه فإن انضاف إلى حفظه والعلم بمعانيه العمل به فنور على نور. قال في الفائق: وأصل آل أهل ويختص على الأشهر بالإشراف كما هنا فلا يقال آل الخياط. وقال الراغب الآل مقلوب أهل وتصغيره أهيل لكنه خص بالإضافة إلى إعلام الناطقين دون النكرات والأزمنة والأمكنة.- (خط في) كتاب (رواه) الإمام (مالك) بن أنس من رواية محمد بن بزيع عن مالك عن الزهري (عن أنس) ابن مالك ثم قال مخرجه الخطيب وبزيع مجهول وفي الميزان خبر باطل وأقره عليه المؤلف في الأصل وقال غيره: موضوع.، وهذا أول حديث منها ،وإن كان أصل الحديث صحيحا(1/169)
وكان السيوطي والسخاوي من أخص تلامذة الحافظ ابن حجر،إلا أن الإمام السيوطي إمام متفنن في علوم كثيرة؛ فلا ترى فنا من فنون الإسلام ولا ثقافة من الثقافات إلا وللسيوطي -رحمه الله تعالى- فيها مصنفٌ؛ حتى إنه كتب عن الأهرامات،وعجائب الخلق ... إلى غير ذلك من الأمور التي يتوسع فيها حتى في اللغة العربية؛ "الأشباه و النظائر" في النحو،والقواعد الشرعية؛ "الأشباه والنظائر"،فضلا عن تبحره في علوم السنة والمصنفات الواسعة وكتب المصطلح.
ومعلوم أن الإنسان إذا كان ذا فنون فإنه لا يتقن؛ لأن المتفنن لا يتقن فنا؛ شأنه شأن الحافظ ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-؛ فابن الجوزي كان واسع الثقافة والمعرفة،وله مصنفات في فنون كثيرة؛ فإذا جئنا في علم الحديث -كتخصص-؛ تجد السخاوي -وهو تلميذ الحافظ ابن حجر ممن لازمه زمانا طويلا- أعلمَ بالصناعة الحديثية،وأمهرَ وأتقن من السيوطي لماذا؟
لأن السخاوي تخصص؛ فتجد تحريرات السيوطي في "تدريب الراوي" يذكر في أول الفصل نقولا وينقضها بنقول أخرى في آخره وهذه نماذج كثيرة جدا موجودة في الكتب.
أما تحريرات السخاوي في "فتح المغيث شرح ألفية علوم الحديث" للحافظ العراقي تراها محررة جدا،وكلام السخاوي على الأحاديث في "المقاصد الحسنة" -كما سنرى- مختصر ولكنه محرر وبالغ الأهمية فكلامنا لا نقصد به الحطَّ على الإمام -رحمه الله تعالى- لكن هذه طبيعة الحال الذي يتوسع في فنون كثيرة لا يتقن فنا بعينه بخلاف المتخصص الذي شغل همه وزمانه بشيء واحد.
والحافظ ابن حجر -وهو خاتمة حفاظ الدنيا على الإطلاق ولم يأت بعده مثله إلى اليوم- لما كانت عنايته بالحديث أكثر؛ برز فيه وصار خاتمة حفاظ الديار،بخلاف قرينه وهو العينيُّ -رحمه الله تعالى- إمام واسع الثقافة والمعرفة،لكن لما كان اطلاعه على علوم كثيرة؛ جعل الحافظ ابن حجر متقدما عليه في هذه الصنعة بسبب الاختصاص."
وممن تتبع هذه الأحاديث وأفردها بالتأليف الشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري جمعها في كتاب سماه (المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير. وقد رتب هذه الأحاديث حسب حروف المعجم(1).
ولكنَّ الغماري أيضاً حكم على أحاديث بالوضع وهي لا تستحق ذلك،نظرا لنزعته المذهبية .
ـــــــــــــــ
شروح هذا الكتاب
1- الكوكب المنير شرح الجامع الصغير للشيخ شمس الدين محمد ابن العلقمي تلميذ المصنف،المتوفي سنة تسع وعشرين وتسعمائة (929) لكن ترك أحاديث بلا شرح لكونها غير محتاجه إليه.
2- الاستدراك النضير على الجامع الصغير للشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المتبولي الشافعي المتوفي سنة 1003،ذكر فيه أن العلقمي أطال فيما لا يحتاج إليه،واختصر فيما يحتاج،بل ترك أحاديث فقام بشرحها مفصلاً.
3- شرح العزيزي على الجامع الصغير.
4- شرح العلامة نور الدين علي القارى.
5- شرح الأمير الصنعاني اليماني على الجامع الصغير.
6- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي الشافعي المتوفي سنة 1030.(2)
وقد امتاز هذا الشرح بكثرة الفوائد والفرائد مع الإيجاز في غير خلل،بين فيه مؤلفه مقصود الحديث دون الدخول في الخلافات الفقهية والمذاهب والمسائل النحوية،وتناول الحديث من حيث تخريجه،وبيان حاله من حيث الصحة والضعف أحيانا يكتفي بما ذكره السيوطي في تخريج الحديث،وأحيانا يستدرك عليه،فيزيد أشياء في تخريج الحديث،وأحيانا يقره على تصحيحه أو تحسينه أو تضعيفه،وأحيانا يعترض عليه.
والكتاب مهم في بابه،وهو مطبوع مشهور متداول.
مثال،وفي فيض القدير - (ج 1 / ص 73):
14 - (آكل) بالمد وضم الكاف قال الزمخشري وحقيقة الأكل تناول الطعام.
__________
(1) - انظر: القول البديع ص 122-125،وطرق تخريج حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ص 39-40.
(2) - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/ 560،561.(1/170)
وقال الكرماني :بلع الطعام بعد مضغه (كما يأكل العبد) أي في القعود له وهيئة التناول والرضا بما حضر تواضعا لله تعالى وأدبا معه فلا أتمكن عند جلوسي له ولا أتكئ كما يفعله أهل الرفاهية ولا أنبسط فيه فالمراد بالعبد هنا الإنسان المتذلل المتواضع لربه (وأجلس) في حالة الأكل وغيرها (كما يجلس العبد) لا كما يجلس الملك فإن التخلق بأخلاق العبودية أشرف الأوصاف البشرية.
وقد شارك نبينا في ذلك التشريف بعض الأنبياء واختصاصه إنما هو بالعبد المطلق فإنه لم يسم غيره إلا بالعبد المقيد باسمه : * (واذكر عبدنا داود) * وعبدنا أيوب،فكمال العبودية لم يتهيأ لأحد من العالمين سواه وكمالها في الحرية عما سوى الله بالكلية.
وقال الحراني : ومقصود الحديث الاغتباط بالرق والعياذ من العتق فذلك هو أول الاختصاص ومبدأ الاصطفاء والتحقق بالعبودية ثمرة ما قبله وأساس ما بعده وهذا أورده على منهج التربية لأمته فإنه المربي الأكبر فإخباره عن نفسه بذلك في ضمن الإرشاد إلى مثل ذلك الفعل،وأما في حد ذاته فيخالف الناس في العبادة والعادة تمكن للأكل أم لا أما في عبادته فلأنه يعبد ربه على مرأى منه ومسمع وأما في عادته فإنه سالك مسلك المراقبة فلو وقع لغيره في العبادات ما يقع له في العادات كان ذلك الإنسان سالكا مقام الإحسان وفيه أنه يكره الجلوس للأكل متكئا (ابن سعد) في الطبقات (ع حب) وكذا الحاكم في تاريخه (عن) أم المؤمنين (عائشة) بالهمز قال الزركشي : وعوام المحدثين يقرؤونه بياء صريحة وهو لحن وهي الصديقة بنت الصديق المبرأة من كل عيب الفقيهة العالمة العاملة حبيبة المصطفى قالت : قال لي يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب أتاني ملك إلى حجرة الكعبة فقال : إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا،وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا ؟ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ تَوَاضَعْ،فَقَالَ : " بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا "،فكان بعد لا يأكل متكئا ويقول : " آكل كما يأكل العبد " إلى آخره.
ورواه البيهقي عن يحيى بن أبي كثير مرسلا وزاد " فإنما أنا عبد " ورواه هناد عن عمرو بن مرة وزاد : " فوا الذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا كأسا " ولتعدد هذه الطرق رمز المؤلف لحسنه.
قلتُ : وهو بشكل عام من المعتدلين ولكنه تشدد في مواضع متعددة فضعف أحاديث لا تستحق ذلك كقوله عن الحديث رقم (36) وفيه إبراهيم بن مهاجر،فإن كان البجلي فقد أورده الذهبي في الضعفاء،أو المدني فقد ضعفه النسائي أو الأزدي الكوفي فقد تركه الدارقطني اهـ .
أقول : هذا خلط عجيب،فالحديث صحيح على كل الأحوال فهو بنحوه في الصحيحين وغيرهما .
ولم يحقق في أقوال أهل العلم السابقين،فنقلها كما هي كقوله مثلاً في حديث (79) أتاني جبريل فقال: يا محمد كن عجّاجاً ثجّاجاً) . قال الهيثمي : فيه ابن اسحاق ثقة لكنه مدلس اهـ .
أقول : الصواب أنه غير مدلس كما حققته في موضعه .
وقد صرح بالتحديث في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (686 )
وكقوله في حديث (84) أتاني جبريل في خضر تعلّق به الدر) وقال عقبه : رواه (قط) في الأفراد وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود وضعفه اهـ !
أقول : الحديث صحيح لغيره،انظر صحيح الجامع (76)
وقوله عقب حديث (106) أتدرون ما العضة؟ رمز المصنف لحسنه وليس كما قال،فقد أعله الذهبي في المهذب ... فقال فيه سنان بن سعد وهو ضعيف .
أقول : ورد نحوه عند مسلم،فالحديث صحيح،انظر سنن البيهقي 10/246 و247 ومشكل الآثار 3/139 والصحيحة (845) .
- وذكر أحاديث ولم يزد على قول السيوطي دون أن يتأكد من حكمها مثل :
الحديث رقم (91) قال : رمز المصنف لصحته .
والحديث رقم (124) قال : رمز المصنف لصحته .
والحديث رقم (125) قال عقبه: رمز المؤلف لضعفه
والحديث رقم (126) قال عقبه : رمز المصنف لضعفه(1/171)
والحديث رقم (130) قال عقبه ورمز المصنف لحسنه .
وأحاديث سكت عليها ولم يبين حكمها مثل : الحديث رقم (122) .
فالكتاب بحاجة لتخريج علمي من جديد .
7- وهنا مختصر له للمناوي نفسه سماه التيسير بشرح الجامع الصغير
وفي التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى - (ج 1 / ص 19)
( آكل ) بالمدّ وضم الكاف ( كما يأكل العبد ) أي في القعود له وهيئة التناول والرضا بما حضر فلا أتمكن عند جلوسي له كفعل أهل الرفاهية ( وأجلس ) للأكل واحتمال الإطلاق بعيد من السياق ( كما يجلس العبد ) لا كما يجلس الملك فإنّ التخلق بأخلاق العبدية أشرف الأوصاف البشرية وقصد به تعليم أمّته آداب الأكل وسلوك منهج التواضع وتجنب عادة المتكبرين وأهل الرفاهية ( ابن سعد ) في الطبقات ( ع ) كلاهما ( عن عائشة ) أمّ المؤمنين رضي الله تعالى عنها
ـــــــــــــــ
3- موسوعة السُّنَّة النبوية لي
أولاً : سبب تأليف هذه الموسوعة :
إن هذه الموسوعة كانت حلماً يراودني منذ زمان،حيث كثر الذين يشتغلون بالسنة - على قلة المحققين فيهم - وكثرة الاختلاف بينهم في المنهج وطريقة البحث . وهناك أسباب كثيرة دفعتني للقيام بهذا العمل كان من أهمها :
1 - ... عدم ضبط المصطلحات والمعايير في كثير من كتب المصطلح ...
2 - ... كثرة الاختلاف في الحكم على الراوي بين علماء الجرح والتعديل .
3 - ... اختلاف علماء الجرح والتعديل في كثير من المصطلحات العلمية .
4 - ... عدم ضبط أقوال العالم نفسه،لكثرة الروايات الواردة عنه في راوٍ واحد .
5 - ... الاختلاف بين النظرية والتطبيق،كأن يضعف راوٍ،ثم يحسّن حديثه في مكان آخر .
6 - ... طعن بعض الناس بعلماء الحديث،أو علماء الجرح والتعديل وهو ناشيء عن جهل أو من باب التعصب المذهبي ...
7 - ... رد الأحاديث بمجرد التعارض الظاهري،أو لمخالفتها لمذهب معين،أو عمل راويها بخلافها .
8 - ... عدم بيان الناسخ من المنسوخ أحياناً أو ادعاء النسخ دون تحقق شروطه .
9 - ... التشدد في التخريج عند بعض أهل العلم القدامى أو المعاصرين .
10- ... الاعتماد على بعض المصادر دون غيرها ولا سيما مختصرات المتأخرين دون الرجوع للمصادر الأصلية مما أوقعهم في أخطاء جسيمة .
11- ... كثرة الردود التي لا تستند للمنهج الوسط المعتدل الذي سار عليه جمهور أهل العلم .
12- ... عدم وجود عمل علمي متكامل حول تخريج السنة ولا سيما المقبول منها،لكي يستفيد منه طلبة العلم والباحثون .
13- ... عدم الدقة في نقل آراء علماء الجرح والتعديل في كثير من الأحيان .(1/172)
لهذه الأسباب وغيرها شمرنا عن ساعد الجد،بعد اعتمادنا على الله تعالى،واستشارتنا لبعض أهل العلم،فبدأنا بهذا العمل،وذلك بعد مجيئنا لدولة الإمارات حيث توفر لنا الوقت،وقد كنت أعمل فيه ليل نهار مالا يقل عن عشر ساعات يومياً وقد كنت في عملي هذا متأنياً ومحتاطاً،ومما سهل لي العمل - بالرغم من الصعوبات الكثيرة - وجود الفهارس الكثيرة،وكتب التخريج الكثيرة،بالإضافة لمعرفتي الدقيقة لمنهج كل كتاب من كتب السنة على حدة وكتب الجرح والتعديل . وكنت أسجل أية ملاحظة أجدها على الكتاب نفسه فجاءت هذه المقدمة الواسعة من خلال هذه الملاحظات الهامة والتي قلما تجدها في كتاب واحد من كتب السنة . فسرتُ وفق المنهج المعتدل الوسط في الجرح والتعديل فلم أكن من المتشددين ولا المتساهلين . وكنت أتأكد بنفسي من حكم كل حديث على حدة،وما قاله فيه أهل العلم . وإذا تعارضت أقوالهم في الحكم على الحديث فكنت أتأكد من سبب الاختلاف والراوي المختلف فيه وأبدي رأيي فيه،ثم أحكم على الحديث بما يناسبه وأما الأحاديث التي قواها قوم وضعفها آخرون فقد كنت أسبر سبب هذا الاختلاف وأتأكد من ترجمة الراوي أو اختلافهم في المصطلح ثم أصدر الحكم على الحديث - بعد التتبع والاستقراء - وأما الأحاديث الضعيفة : فقد كنت أتأكد من سبب الضعف،فإن كان وجيهاً أخذت به،هذا إذا لم أجد ما يقوي الحديث أو يشهد له - لفظاً أو معنى - وإن كان سبب التضعيف غير وجيه - كأن يكون صدر عن تعصب مذهبي،أو جرح أقران أو اختلاف في شروط القبول والرد،أو عدم الاطلاع على شواهد له ... لم أقبله،وحكمت على الحديث بما يستحقه،وهي أحاديث كثيرة . وقد استدركت على بعض السابقين واللاحقين،وهذا أمر بدهي،فكل طالب علم يستدرك على غيره،وغيره يستدرك عليه،فمن طبيعة البشر النسيان والقصور،وعدم الإحاطة،وسيبقى هذا إلى قيام الساعة وما استدركناه على غيرنا،إمّا من خلال تتبعنا لأقواله في الحديث الواحد أو رواته،وإما من خلال مقارنة كلامه مع كلام غيره من أهل العلم السابقين واللاحقين . وإمّا لأنه كان من المتشددين في الجرح والتعديل فمثلاً الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس نجده متشدداً في كتابه النفيس (تقريب التهذيب) - كما سنبينه أثناء ترجمته في هذه المقدمة - بينما نجده معتدلاً يردّ على المتشددين في كتابه النفيس (لسان الميزان) وكتابه (تعجيل المنفعة)،علماً أنه كان في التخريج وفي جميع كتبه المشهورة - معتدلاً وكذلك الإمام الذهبي في الجرح والتعديل فهو في كتبه ((الميزان والكاشف،والسير،والتاريخ)) في الأعم الأغلب من المعتدلين ولا سيما في (الكاشف) . بينما نجده في كتبه ((ديوان الضعفاء والمتروكين،والمغني في الضعفاء والمتروكين،وتلخيص المستدرك)) من المتشددين في كثير من الأحيان .
أمثلة :
قال الإمام الذهبي في ترجمة : أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي - صاحب مالك - قبله بعضهم،وقال ابن عدي : حدّث بالبواطيل اهـ الديوان (10) .
أقول : الصواب أنه من أهل الصدق،وسماعه للموطأ صحيح وخلط في غيره راجع الميزان 1/83 والتهذيب 1/15 والتقريب (9) .
وقال في ترجمة أحمد بن أوفى عن شعبة قال ابن عدي يخالف الثقات عن شعبة اهـ (11) بينما قال في الميزان: قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة،وله عن غيره أحاديث مستقيمة اهـ 1/48
وقال في ترجمة أحمد بن بديل اليامي : مشهور / قال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه اهـ (12) .
وقال في الميزان : قال النسائي : لا بأس به وقال ابن عدي : حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث أنكرت عليه،وهو ممن يكتب حديثه على ضعفه،وقال الدارقطني : فيه لين اهـ 1/84 .
أقول : وقال ابن أبي حاتم : محله الصدق،ووثقه ابن حبان التهذيب 1/17 و18 وفي التقريب (12) صدوق له أوهام .(1/173)
وقال في ترجمة أحمد بن بشير عن الأعمش وغيره،قال عثمان الدارمي : له مناكير اهـ (13) وفي الميزان 1/85 لا بأس به وفي التقريب (13) صدوق له أوهام .
ــــــــــــــــ
ثانيا- أهم ميزات الموسوعة هذه
1 - ... النظرة الشمولية للسنة.
2 - ... ضبط المصطلحات المختلف فيها .
3 - ... الاعتدال في الجرح والتعديل .
4 - ... الدفاع عن السنة .
5 - ... فهم السنة حسب القواعد الأصولية الموضوعة في هذا الفن .
6 - ... فك التعارض بين النصوص المتعارضة ظاهرياً .
7 - ... بيان الناسخ من المنسوخ .
8 - ... تحرير القول في الرواة المختلف فيهم .
9 - ... بيان مفاتيح التعامل مع كتب السنة وكتب الجرح والتعديل .
10- ... تطبيق الأصول على الفروع .
11- ... التمييز بين المتواتر والمشهور والصحيح لذاته وغيره والحسن لذاته والحسن لغيره .
12- ... أكبر عمل موسوعي إلى الآن فهو يحتوي على غالب السنة النبوية .
13-.الرد على الأخطاء سواء في المصطلحات أو التخريج إذا كانت فاحشة لأخذ الحيطة والحذر .
14- ... نقل خلاصة جهود العلماء والباحثين قديماً وحديثاً ووضعها في هذا الكتاب بشكل مختصر وواضح .
15- ... حذف الأحاديث غير المقبولة حسب المصطلحات العلمية .
16- ... ذكر كثير من علم العلل والجرح والتعديل .
17- ... بيان معنى الأحاديث المشكلة بشكل دقيق .
18- ... الإحالة إلى المصادر للتوسع في التخريج والتحقيق والشرح .
19- ... الدفاع عن علماء الحديث والأئمة .
وغير ذلك من ميزات. وهناك تفاصيل أخرى ستراها في ثنايا هذه المقدمة إن شاء الله تعالى . وأسميتها المنتقى من جامع الاحاديث ((موسوعة السنة النبوية)) وقد اشتمل على أكثر من (23000) ثلاثة وعشرين ألف حديث مرتبة على الأحرف الألفبائية . فإن أصبت فمن الله تعالى،وله الحمد والمنة،وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله تعالى،(( إنْ أريدُ إلاَّ الاصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلّتُ وإليه أنيبُ))
ـــــــــــــــ
ثالثاً - التعريف بأشهر كتب السنة التي رجعت إليها باحتصار
مثال :
1 - ... موطأ الإمام مالك إمام دار الهجرة ( ت 179 هـ ) :
وهو أول كتاب في السنة،وفيه شيء من فقه الإمام مالك وروى عن الإمام مالك أكثر من موطأ أشهرها : موطأ يحيى الليثي،وموطأ محمد بن الحسن الشيباني .. والأحاديث الموصولة فيه صحيحة،وكذلك المرسلة وكان من أعلم الناس في أحاديث الحجازيين . وأحسن طبعاته التي قام بتحقيقها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي وأما موطأ محمد بن الحسن فأحسنها ماحققها الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف وماشرحها العلامة اللكنوي وقام بتحقيقها الدكتور : تقي الدين الندوي(1)
2 - ... مصنف عبد الرزاق الصنعائي اليمني ت (211) هـ :
وهو كتاب مصنف على الأبواب الفقهية وفيه (21033) ثلاثة وثلاثون وواحد وعشرون ألف حديث وأثر. ومؤلفه إمام جليل،ثبت في كتابه،وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف والواهي أحياناً. وغالبها مقبول،وقد قام العلامة حبيب الرحمن الأعظمي بتحقيقه وتخريج أحاديثه بشكل موجز وقد طبع في أحد عشر جزءاً ويحتاج لتخريج أحاديثه بشكل مفصل،وبيان حكمها صحةً وضعفاً،مع شرح ما غمض منها(2).
34-مجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي ت (807) .
__________
(1) - انظر الباعث الحثيث ص 30 ومنهج النقد في علوم الحديث ص 232 و233 والحديث النبوي ص 404 - 406 والأجوبة الفاضلة ص 93 - 95
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث 385(1/174)
وهذا الكتاب يجمع الأحاديث التي زادت عند الإمام أحمد في مسنده والبزار في مسنده وكذلك أبو يعلي والطبراني في معاجمه الثلاثة على الكتب الستة . وفيه حوالي (18776) حديثاً،وهو متمم للكتب الستة فقد حوى معها معظم السنة . وفيه الصحيح والحسن والضعيف،والواهي،والموضوع أحياناً وقد قام الإمام الهيثمي بتخريج أحاديثه حديثاً حديثاً . وهو بشكل عام من المعتدلين،سار على منهج شيخه الحافظ العراقي،ولكنه كان من المتهيبين في التصحيح،فكان يقول ذلك في ذيل الحديث : إسناده حسن،رجاله ثقات،رجاله رجال الصحيح .. وقد ظن قوم أن قوله : رجاله ثقات أو رجاله رجال الصحيح - لايعني أن إسناد الحديث صحيح،لأنه لم يتوفر فيه سوى العدالة والضبط،دون الاتصال...
أقول :
قد تبين لي بعد التتبع والاستقراء أن قوله : رجاله ثقات،أو رجال الصحيح ... يعني أن إسناده صحيح،لأنه يبين الحديث الذي في سنده انقطاع انظر 1/15 و16 و22 و30 و32 و34 ..
وقدأشرف على الكتاب الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر . فلا تلتفت لأولئك الذين يريدون أن يشككوا في كل شيء بل إني لاحظت على الإمام الهيثمي الجنوح إلى التشدد أحياناً ومن ذلك قوله 1/15 في سويد بن عبد العزيز إنه متروك اهـ وفي التقريب (2692) ضعيف .
وقوله 1/17 في عبدالله بن محمد بن عقيل : ضعيف لسوء حفظه والصواب أنه صدوق الجامع في الجرح والتعديل (2305) والكامل لابن عدي 4/127 - 129 والتهذيب 6/13-15 .
وفي 1/23 قال : القاسم أبو عبد الرحمن وهو متروك اهـ وفي التقريب (5470) صدوق يغرب كثيراً والكاشف (4587) صدوق .
وفي 1/62 قال عن يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب اهـ وفي التقريب (7633) ضعيف وكذا في الكاشف (6348) .
وفي 1/64 قال : عن الحسن بن أبي جعفر الجفري متروك لايحتج به اهـ وقال في التقريب (1222) ضعيف مع عبادته وفضله والصواب أنه صدوق له أفراد انظر الكامل 2/304 - 309 والتهذيب 2/260 و261 .
وفي 1/86 قال عن موسى بن عبيدة الربذي : هالك في الضعف اهـ .
أقول : قال الحافظ ابن حجر في التقريب (6989) ضعيف .
وفي 1/88 قال : شريح بن عبيد ثقة مدلس،اختلف في سماعه من الصحابة لتدليسه اهـ .
أقول : لم يتهم بتدليس،التقريب (2775) والكاشف (2288) وإنما أرسل عن بعض الصحابة .
وفي 1/99 قال : يزيد بن عبد الملك النوفلي منكر الحديث جداً والصواب أنه ضعيف فقط التقريب (7751).
وفي 1/107 قال : على بن أبي سارة ضعيف متروك الحديث والصواب أنه ضعيف فقط،التقريب (4735) ونحو ذلك كثير .
- وكذلك لا تخلو أحكامه من اضطراب : كقوله عن القاسم أبي عبد الرحمن متروك 1/23 وعاد فقال عنه 1/57 : ضعيف،وفي 1/93 ضعفه أحمد وغيره،وفي 1/96 ضعيف عند الأكثرين ... وقال عن موسى بن عبيدة الربذي 1/79 : لايحتج به،وفي 1/86 هالك بالضعف،وفي 1/157 ضعيف جداً،وفيها ضعيف !
- وهناك بعض الرواة لم يعرفهم،وهم معروفون،كقوله في 1/17 عن حديث رواه البزار ورجاله ثقات،إلا أن من روى عنهما البزار لم أقف لهما على ترجمة اهـ .
أقول : هما معروفان انظر هامش الصفحة 1/17 .
وفي 1/26 قال : ورجاله ثقات إن كان تابعيُّه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود اهـ .
أقول : بل هو عبد الملك بن عمير راجع التهذيب 7/83 .
وفي 1/44 قال : ورجاله موثقون إلا شيخ البزار الحسن بن محمد بن عباد فإني لم أعرفه اهـ .
أقول : هو معروف،انظر هامش الصفحة .
وفي 1/55 قال : ونوفل بن مسعود لم أر من ذكر له ترجمة.
أقول : بل معروف وثقه في التعجيل (1120) .
- وهناك قليل من الأحاديث صححها أو حسنها وهي ليست كذلك أمثلة :
في 1/17 و18 قال عن حديث رجاله رجال الصحيح،وليس كذلك إذ فيه عطية بن سعد العوفي وليس من رجال الصحيح،وفيه ضعف ومتن الحديث صحيح .(1/175)
وفي 1/84 قال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح اهـ وليس كما قال،ففيه عبد الله بن خليفة ليس من رجال الصحيح،وروى عنه اثنان ووثقه ابن حبان التهذيب 5/198 .
وفي 1/126 قال عن حديث رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون .
أقول : فيه العلاء بن مسلمة متهم . انظر الضعيفة (867) وطب (1381) والتهذيب 8/192 .
وفي ص 1/127 قال فيه صدقة بن خالد وهو من رجال الصحيح اهـ والمذكور في الإسناد صدقة بن عبد الله السمين ليس من رجال الصحيح وهو ضعيف .
وفي 1/179 :قال:رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح اهـ.
أقول : فيه نعيم بن حماد،وهذا الحديث مما أنكر عليه انظر الكامل 7/17 . ونحو ذلك ولكنه قليل بشكل عام .
وثمة ملاحظة هامة : وهي أننا إذا رأينا حديثاً ضعفه الهيثمي لايعني بالضرورة ضعف متنه،لأنه قد يكون له طرق وشواهد في غير هذه الكتب فيقوى بها .
أمثلة :
في 1/15 : حديث : (من شهد أن لا إله إلا الله فهو له نجاة) رواه أبو يعلي وفي إسناده كوثر وهو متروك اهـ ولكن لهذا المتن شواهد صحيحة تقويه . وفيها حديث اخرج فناد ... رواه أبو يعلى وفيه سويد بن عبد العزيز متروك اهـ .
أقول : سويد ضعيف والمتن صحيح له شواهد صحيحة ذكرتها في مكانها وله شاهد 1/16 .
وحديث سهيل بن بيضاء 1/15 و16 : (من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار وأوجب له الجنة) رواه أحمد والطبراني في الكبير ومداره على سعيد بن الصلت قال ابن أبي حاتم : قد روى عن سهيل بن بيضاء مرسلاً وابن عباس متصلاً اهـ .
أقول : الحديث صحيح لشواهده الكثيرة انظر حم 3/135 و451 و4/402 و5/236 و318 والصحيحة (1135) والمطالب (2845) .
وفي 1/16 حديث معاذ : (من لقي الله لايشرك به شيئاً جعله الله في الجنة) وأعله بالانقطاع .
أقول : ورد من طرق أخرى صحيحة انظر المستدرك 3/247 وسعد 6/29 وخ 1/44 وم الإيمان 152 .. وفي 1/17 قال عن حديث : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه الله حر النار) وأعله بعاصم بن عبيد الله وأنه ضعيف .
أقول : له شواهد تصححه انظر المجمع 1/42 و49 وحم 3/135 و451 و4/402 و5/236 و318 وفيها حديث (من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) وضعفه . والحديث صحيح انظر المجمع 1/18 وحلية 7/312 و9/254 وتخ 8/65 والدعاطب (1475-1478) والحميدي (369) والترغيب 2/414 وفيها حديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وأعله بالجهالة .
أقول : الحديث صحيح انظر المستدرك 4/251 والفتح 11/267 وخ 4/39 وم (46) وهذا من صفحاته الأربع الأولى فتنبه .
- وهناك أحاديث قليلة سكت عليها انظر 1/17 ..
- والكتاب يحتاج لضبط وتخريج كامل لأحاديثه وإخراج بشكل جديد،وشرح غريب حديثه .
ـــــــــــــــ
رابعاً - دراسة موجزة عن أهم كتب الجرح والتعديل المعتبرة:
أمثلة :
1 - ... طبقات ابن سعد : ت (230) هـ :
وكتابه هذا تضمن السيرة النبوية ثم أهل بدر ثم من أسلم بعدهم،ثم التابعين،ثم أتباعهم،في كل من الحجاز والشام ومصر والعراق وهو كتاب قيم جداً من هذه الناحية . وقد ذكر في كتابه رأيه في كل راوٍ جرحاً وتعديلاً .
- وهو ممن يحتج به في ذلك انظر التهذيب 9/182-183(1)أمثلة :
قال في ترجمة : سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم .. روى عن عمر بن الخطاب وولاه قضاء الكوفة .. وكان ثقة قليل الحديث رحمه الله (2024) 6/182 .
وقوله في ترجمة يسار بن نمير،مولى عمر بن الخطاب،وكان خازنه روى عن عمر ونزل الكوفة،روى عنه الكوفيون وكان ثقة قليل الحديث (2028) 6/182 .
- وأحياناً يذكر الراوي ولا يذكر رأيه فيه كقوله : عُفيّف بن معدي كرب روى عن عمر ... (2029) وحُصين بن حُدير روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه (2030) .
__________
(1) - وانظر قواعد في علوم الحديث 264 و390 و396 و397 و415 و419 و421 و434(1/176)
- وكان شديداً على أهل الرأي :
قال في ترجمة أبي حنيفة رحمه الله : (2631) وكان ضعيفاً في الحديث اهـ !! وعاد فذكر ذلك في (3453) ! هذا ومثله مرفوض .
وقد ذكر ضمن التراجم أحاديث كثيرة وفيها الصحيح والحسن والضعيف والواهي وغالبها مقبول ولكتابه طبعات متعددة أهمها بتحقيق محمد عبد القادر عطا والكتاب بحاجة لضبط وتخريج لأحاديثه،ومقارنة لرجاله مع غيرهم ..
11- ... محمد بن إدريس الحنظلي أبو حاتم الرازي ت (277) هـ :
قال اللالكائي : كان إماماً عالماً بالحديث،حافظاً له متقناً ثبتاً اهـ .. راجع التهذيب 9/31-34 وأراؤه في الجرح والتعديل موجودة في كتابي العلل والجرح والتعديل جمع ولده عبد الرحمن .
أ - العلل : جمع ولده عبد الرحمن (327) هـ
وهو مرتب على الأبواب الفقهية،وعدد أحاديثه (2840) وهو عبارة عن أسئلة طرحها عليه ولدُه عبد الرحمن فأجابه عليها،وفيه بعض الأسئلة موجهة لأبي زرعة الرازي .
وهذه الأحاديث المذكورة في كتابه تعتبر معلولة حسب علمه ومعرفته .
وأبو حاتم من المتشددين في الجرح والتعديل(1)،وقد ذكر فيها بعض الصحيح الذي ذكره الأئمة الكبار.
وهو يتكلم على أسانيد كل حديث جرحاً وتعديلاً وقد يكون فيها علة في السند،ولكنها غير قادحة في المتن فيبقى الحديث صحيحاً،أو لاتقتضي تلك العلة ضعفه انظر الأحاديث رقم (1) و(2) و(3) (4) و(5) و(6) و(7) و(23) و(48) ..
وهناك أحاديث ضعفها أو استنكرها وهي صحيحة أو حسنة مثل الحديث (53) : (تحت كل شعرة جنابة...)
فقال : هذا منكر،والحارث بن وجيه ضعيف الحديث اهـ وقد صح مرسلاً،انظر التلخيص الحبير 1/142 وسنن البيهقي 1/175 وعبدالرزاق (1002) .
والحديث رقم (70) رجح المرسل والصواب أنه صحيح مرفوع
والحديث رقم (79) قال عنه : مضطرب الإسناد وهو حديث صحيح في الصحيحين وغيرهما
والحديث رقم(80) أعله،وهو حديث صحيح
والحديث رقم (88) رجح المرسل،وقد صح مرفوعاً وموصولاً
والحديث رقم (105) قال عنه : هذا حديث منكر ... اهـ وقد صحت القصة من طريق آخر
والحديث رقم (111) ضعفه،والصواب أنه صحيح راجع أمكنة هذه الأحاديث من كتابنا ... فينبغي الانتباه أثناء النقل منه .
والكتاب مطبوع من غير تحقيق،ويحتاج لتحقيق وتخريج لأحاديثه كلها .
ب- الجرح والتعديل : جمع ولده عبد الرحمن ت (327) هـ :
وهو الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام،وكان ممن جمع علوّ الرواية ومعرفة الفن،وكتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المتقنة في الحفظ ... انظر الجرح والتعديل المقدمة .
وقد ضمن كتابه هذا مقدمة هامة جداً حول أهمية الجرح والتعديل وترجم لأئمة الجرح والتعديل ترجمة دقيقة ثم بقية الأجزاء فيها تراجم لرواة الحديث وعددها حوالي (18000) ترجمة .
وقد سعى أبلغ السّعيي في استيعاب جميع أحكام أئمة الجرح والتعديل في الرواة إلى عصره،ينقل ذلك عنهم بالأسانيد الصحيحة المتصلة بالسماع أو القراءة أوالمكاتبة،فغدا كتابه أصلاً لكل من ألّف في هذا الفن بعده .
وأما ترتيبه فمن حيث المبدأ على الأحرف الهجائية،ولكنه ليس دقيقاً فيشبه إلى حدّ ما ترتيب تاريخ البخاري.
وتراجمه بشكل عام مختصرة،وهو يذكر المترجم له وكنيته،ويذكر شيوخه وكذلك من روى عنه من طلابه،ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه .
كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي،روى عن حماد بن زيد وصالح بن عمر وسلام أبي المنذر وأبي إسماعيل المؤدب روى عنه أبو زرعة وعمر بن شبّة النميري وموسى بن إسحاق القاضي حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلىّ قال : سألت يحيى بن معين عن أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال : ليس به بأس،حدّث عن حماد بن زيد اهـ .
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 179(1/177)
أو كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبو صالح الخراساني،روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المديني،روى عنه صالح بن بشر بن سلمة الطبراني،حدثنا عبد الرحمن قال : سألت أبي عنه فقال شيخ مجهول،والحديث الذي رواه صحيح اهـ .
- وإذا قال ابن معين عن راوٍ لا بأس به يعني أنه ثقة عنده،كما صح عنه ذلك .
- وأما أبو حاتم فهو من المتشددين في الجرح والتعديل،فما قال عنه صدوق فهو ثقة عند غيره .
كقوله عن أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي صدوق وفي التقريب 1/9-10 ثقة حافظ .
- وقد يقول أبو حاتم عن الراوي ثقة : كقوله في ترجمة أحمد بن اسحاق الحضرمي ثقة . وقد يقول عن الراوي ثقة مأمون،كما قال عن أحمد بن إسماعيل ابن أبي ضرار الرازي .
- وقد لا يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،ولكنه يشير إلى رواية والده عنه أو أبوزرعة أو يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل،ورواية هؤلاء عنه تعدّ تعديلاً له . كما ذكر ذلك 2/36 كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن موسى
الرملي أبو بكر السراج . فقد روى عنه أبو حاتم .
وأحمد بن أيوب بن راشد البصري روى عنه أبوزرعة الرازي .
وأحمد بن أسد بن بنت مالك بن مغول البجلي أبو عاصم روى عنه أبو زرعة .
- وهناك رواةٌ ذكرهم ولم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً ولم يرو عنهم من ذكرناه سابقاً .
فالراجح عندي أنهم مقبولون،إذ لو علم فيهم جرحاً لذكره .
- كقوله في ترجمة أحمد بن أيوب الضبي روى عن إبراهيم بن أدهم روى عنه إبراهيم بن الشماس .
أقول : روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان الثقات 8/4 وسكت عليه البخاري التاريخ 1/2/2 .
- وقوله عن أحمد بن أبي عبيد الوراق بن بشر أبو عبد الله البصري وذكر أنه روى عن جماعة وسكت عليه وفي التقريب 1/21 ثقة .
- وقوله في ترجمة أحمد بن ثعلبة الدمشقي روى عن أبي معاوية الأسود،وروى عنه أحمدبن أبي الحواري .
- وقد يقول عن راوٍ كذاب كما قاله عن أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي المعروف بفرخويه .
- وقد يقول عنه : متروك الحديث كما في ترجمة أحمد بن الحارث الغساني أبو عبد الله الواقدي البصري .
وقال عنه البخاري فيه بعض النظر 1/2/2 .
وقد يذكر أقوالاً مختلفة في راوٍ واحد،كأن يضعفه أبوه ويقويه غيره،وبعد التتبع والاستقراء تبين لنا أن الراجح مع من وثقه لأن أبا حاتم من المتشددين .
- كقوله في ترجمة أحمد بن سليمان بن أبي الطيب ضعيف الحديث مع أن أبا زرعة وثقه وروى عنه البخاري راجع الجرح 2/52 والميزان 1/102 والتقريب 1/17 .
- وقد يقول عنه : شيخ وهي تعديل كقوله عن أحمد بن عبد الله أبو عبيدة ابن أبي السفر الكوفي قال أبو حاتم : شيخ اهـ .
- وقد يقول عن راوٍ بأنه مجهول كقوله عن أحمد بن عمر القصبي قال سألت أبي عنه فقال : مجهول اهـ .
- وقد يكون في كلامه نظر عن المجاهيل كقوله عن أحمد بن عاصم البلخي مجهول،والصواب أنه معروف وثقة انظر الميزان 1/106 والتاريخ الكبير 1/2/5 .
وكذلك إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي،وأسباط أبو اليسع،وبيان بن عمرو،ومحمد بن الحكم المروزي جهلهم أبو حاتم،وعرفهم غيره(1).
لذا قال الإمام ابن دقيق العبد : لا يكون تجهيل أبي حاتم حجةً ما لم يوافقه غيره،نقله الزيلعي(2).
لذا يجب تحقيق هذا الكتاب القيّم وضبطه ومقارنته مع غيره من كتب الجرح والتعديل .
13- ... الثقات لابن حبان (354) هـ :
هو الإمام العالم الفاضل المتقن المحقق الحافظ العلامة محمد بن حبان ابن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البُستي السجستاني .
قال الحافظ ابن حجر : كان صاحب فنون،وذكاء مفرط،وحفظ واسع إلى الغاية،رحمه الله اهـ ... انظر مقدمة صحيحه 1/7-35 وقد ذكر في ثقاته الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم فقال : كل من أذكره
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 223 و403 و404
(2) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 266-268(1/178)
في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرّى عن خصال خمس فذكرها المؤلف وهي :
أ - أن يكون فوق الشيخ الذي ذكر اسمه في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره.
ب- أو يكون دونه رجل واه لايجوز الاحتجاج بروايته .
ج- أو يكون الخبر مرسلاً لا تلزم به الحجة .
د - أو يكون منقطعاً لا تقوم بمثله الحجة .
هـ- أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه .
ثم قال : فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرّى عن الخصال الخمس التي ذكرتها،فهو عدلٌ يجوز الاحتجاج بخبره .
ثم ذكر شرط العدل الموثّق عنده فقال : (العدل من لم يُعرف منه الجرح ضد التعديل،فمن لم يعلم بجرح فهو عدلٌ إذا لم يبيّن ضده) إذ لم يكلّف الناسُ من الناس معرفة ما غاب عنهم،وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيّب عنهم .
وقد أورد في كتابه هذا كل من هو ثقة عنده كما ذكر وفيه حوالي بضعة عشر ألف ترجمة بشكل مختصر والثقات الذين أوردهم في كتابه على أنواع :
- الأول : قسم متفقٌ على ثقته وعدالته مثل :
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي 4/4 قال عنه في التقريب أخرج له الجماعة عدا الترمذي (206) .
وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري ... وفي التقريب (178) ثقة .
وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . وفي التقريب (199) له رؤية ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة ووثقه العجلي اهـ . وغيرهم كثير مما لا خلاف فيه .
- والثاني : قسم اختلف فيهم علماء الجرح والتعديل،ورجح عند ابن حبان عدالتهم ومنهم :
إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي،قال عنه في التقريب (204) صدوق ضعيف الحفظ اهـ
- والثالث : رواة ذكرهم،وذكر عليهم بعض الملاحظات كيخطيء مثلاً،وتكلم فيهم غيره
كقوله في ترجمة إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق قال عنه : يخطيء 4/19 . وفي التقريب (450) ضعيف .
وكقوله في ترجمة أيوب بن خالد روى عنه موسى بن عبيده يعتبر بحديثه من غير حديث موسى عنه 4/29 وفي التقريب (610) فيه لين .
وكقوله في ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري يخطيء 4/59 وفي التقريب (408) صدوق .
فهؤلاء الرواة الذين تكلم فيهم ينظر في أحوالهم وفيما قال فيهم أئمة الجرح والتعديل لنصل إلى الرأي الراجح فيهم .
- والرابع : رواة وثقهم وروى عنهم اثنان من الثقات،فما فوق فهؤلاء مقبولون على الراجح،مالم يضعّفهم إمام معتبر .
- والخامس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد(1)ولم يأتوا بخبر منكر،فهؤلاء - على الراجح - مقبولون وحديثهم حسن،ولاسيما إذا ذكره البخاري في التاريخ وسكت عليه أو ذكره ابن أبي حاتم وسكت عليه،أو قال عنه الذهبي في الكاشف : وُثّق،أو وثقه معه الإمام ابن خزيمة أو الترمذي،أو الحاكم،أو روى له أبو داود والنسائي وسكتا عليه،أو روى له أحمد في المسند ولم يضعفه أو مانص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول ... وما نسب إليه من أنه واسع الخطو في باب التوثيق،يوثق كثيراً ممن يستحق الجرح،فهو قول ضعيف مردود،وقد عرفنا أنه معدود ممن له تعنت وإسراف في جرح الرجال،ومَن هذا حاله لايمكن أن يكون متساهلاً في تعديل الرجال،وإنما يقع التعارض كثيراً بين توثيقه وبين جرح غيره،لكفاية مالا يكفي في التوثيق عند غيره عنده .
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 180-183 و204-208(1/179)
ونقل السخاوي في فتح المغيث 1/36 أن شيخه الحافظ ابن حجر نازع في نسبة ابن حبان إلى التساهل فقال : إن كانت باعتبار وُجدان الحسن في كتابه،فهو مشاحّة في الاصطلاح لأنه يسميه صحيحاً،وإن كانت باعتبار خفّة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ماكان راوية ثقة غير مدلس،سمع ممن فوقه،وسمع منه الآخذ عنه،ولا يكون هناك انقطاع ولا إرسال،وإذا لم يكن في الراوي المجهول الحال جرحٌ ولاتعديل،وكان كلّ من شيخه والراوي عنه ثقة،ولم يأت بحديث منكر،فهو ثقة عنده،وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذا حاله،ولأجل هذا ربما اعترض معترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف اصطلاحه،ولا اعتراض عليه،فإنه لا يشاحّ في ذلك اهـ .
فغاية ما في الأمر أن يوثق (مستور الحال)،وهو ما لم يكن فيه جرح ولا تعديل،وكان كلٌ من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر،وقد وثق الأئمة كثيراً ممن هذا شأنهم وثمة نقول كثيرة عنهم تعزّز رأيه في رواية المستور فقد نقل الذهبي في الميزان 1/556 : في ترجمة حفص بن بُغيل قول ابن القطان فيه : لايعرف له حال ولا يعرف،ثم عقبه بقوله : لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا،فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل،أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته،وهذا شيء كثير،ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ كثير مستورون،ماضعفهم أحدٌ،ولاهم بمجاهيل .
وفي كتاب قرة العينين في ضبط أسماء رجال الصحيحين ص 8 :
لايقبل مجهول الحال،وهو على ثلاثة أقسام :
أحدهما مجهول العدالة ظاهراً وباطناً،فلا يقبل عند الجمهور .
وثانيها مجهول العدالة باطناً،وهو المستور،والمختار قبوله،وقطع به سُليم الرازي أحد أئمة الشافعية،وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي وعليه العمل في كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم عهدهم وتعذّرت معرفتهم اهـ وبمثله قال ابن الصلاح والسخاوي في شرح الألفية 1/321 و323 و347 وراجع مقدمة الإحسان 1/36-40
- والسادس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا واحد أو اثنين نادراً،ونص غيره على جهالتهم ..
- والسابع : رواة تناقض فيهم فذكرهم في الثقات،وفي المجروحون !!
والكتاب بحاجة لتحقيق وضبط ومقارنة رواته مع ماقاله فيهم غيره من علماء الجرح والتعديل .
و - ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي :
فيه أكثر من خمسة آلاف ترجمة،والتشدد فيه جلّي والتراجم مختصرة جداً،وقد يذكر رأي عالم من علماء الجرح والتعديل ويسكت عليه،أو يذكر رأيه هو .
ولو قارنا بين قوله في الراوي هنا وبين قوله في الميزان لرأينا تناقضاً صارخاً .
- كقوله في ترجمة أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي (9) صاحب مالك،قبله بعضهم،وقال ابن عدي حدث بالبواطيل اهـ وقال في الميزان 1/83 : ولم ينقم على أبي حذافة متن،بل إسناد ولم يكن ممن
يتعمد..) وفي التقريب (9) سماعه للموطأ صحيح،وخلّط في غيره اهـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى عن شعبة : قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة (11) .
وفي الميزان 1/48 قال ابن عدي : يخالف الثقات عن شعبة وله عن غير شعبة أحاديث مستقيمة اهـ
وقال ابن عدي عنه : بعد كلامه ذلك ولم أر في حديثه شيئاً منكراً،إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابة اهـ 1/171 .
- وكقوله في ترجمة أحمد بن بديل اليامي مشهور قال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه اهـ (12).
وفي الميزان : 1/84 : قال النسائي لابأس به،وقال ابن عدي حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديث
أنكرت عليه وهو ممن يكتب حديثه،وقال الدارقطني : فيه لين اهـ وفي الكاشف (10) قال س: لابأس به،ولينه ابن عدي والدارقطني وكان عابداً اهـ . وفي التقريب (12) صدوق له أوهام اهـ
- أو كقوله في أحمد بن بشير عن الأعمش وغيره،قال عثمان الدارمي : له مناكير اهـ (13) .
وقال عنه في المغنى : لابأس به،قال الدارقطني : ضعيف يعتبر بحديثه،وقال س : ليس بذاك القوي 1/34(1/180)
وفي الكاشف (11) قال ابن معين : ليس بحديثه بأس اهـ .
- أو كقوله عن أحمد بن سليمان بن أبي الطيب عن هشيم : ضعفه ابن أبي حاتم اهـ (44) .
وفي الميزان 1/102 : وثق،وضعفه ابن أبي حاتم وحده وقال أبو زرعة : حافظ محله الصدق اهـ .
وفي الكاشف (35) وصفه بالحافظ وسكت عليه .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن عاصم البلخي قال أبو حاتم : مجهول (53) وقال في الميزان 1/106 تعقيباً على كلام أبي حاتم : بل مشهور روى عنه البخاري في الأدب المفرد اهـ .
- أو كقوله في أحمد بن عبد الله بن أبي المضاء شيخ للنسائي : لايعرف (66) وفي التقريب (59) ثقة
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن أبي ابن وهب شيخ مسلم قال ابن عدي : رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه،حدث بما لا أصل له اهـ (69) .
أقول : قال ابن عدي بعد أن ضعفه : ومن كتب عنه من الغرباء غير أهل بلده لا يمتنعون من الرواية عنه،وحدثوا عنه،منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم فمن دونهما،وسألت عبدان عنه فقال : كان مستقيم الأمر في أيامنا،وكان أبو الطاهر بن السرح يحسن القول فيه،وقال : وكل ما أنكروه عليه فمحتمل وإن لم يكن يرويه عن عمه غيره ولعله خصّه به ... اهـ الكامل 1/184-186 وفي التقريب (67) صدوق تغير بآخره،وفي الجرح والتعديل صدوق 1/60 .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن مروان الدينوري صاحب الحجالة اتهمه الدارقطني اهـ (105) .
وفي الميزان 1/156 قال : ضعفه الدارقطني ومشّاه غيره اهـ .
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن نفيل الكوفي شيخ النسائي : لا يعرف اهـ (115) وفي المغني : شيخ للنسائي لا يعرف،لكن النسائي نظيف الشيوخ وقد قال لا بأس به اهـ 1/61 . وفي التقريب (121) صدوق اهـ
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن هاشم عن عباد بن صهيب : اتهمه الدارقطني اهـ (116)
وفي الميزان 1/162 ووثقه الحاكم اهـ
وفي التقريب (122) صدوق في حفظه شيء .
وهكذا الكثير،فلا يجوز الاعتماد عليه لوحده ولابد من مقارنته بالميزان أولاً،ثم بكتب الجرح والتعديل
- وقد يدافع عن المترجم له ويرد ماقيل فيه أحياناً
كقوله عن أحمد بن الحسن بن خيرون : ثقة حافظ تكلم فيه ابن طاهر بكلام بارد،وهو أوثق من ابن طاهر بكثير اهـ (23) .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن صالح المصري الحافظ : ثقة،لم يتكلم فيه النسائي بحجة اهـ (47) .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن عبد الله أبو نعيم : ثقة لم يتكلم فيه بحجة اهـ (67)
أو كقوله في ترجمة أبان بن يزيد العطار : ثقة لينه بعضهم بلا حجة اهـ (139)
- وقد ينقل في ترجمة الراوي أقوالاً لم تصح :
كقوله في ترجمة إبراهيم بن سويد الصيرفي : ضعفه النسائي اهـ (191) !
وقال في الميزان 1/37 : قال ابن معين : مشهور،ووثقه غيره اهـ
وفي التقريب (184) ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه اهـ
وكقوله في ترجمة الحسين بن علي المصري الفرّاء من شيوخ ابن عدي ضعفه ابن عدي اهـ (1000)
وفي الميزان 1/543 : ألحقه ابن عدي بالثقات،ولينه بعضهم وقال ابن عدي لم أر له شيئاً منكراً اهـ والكامل 2/367 بنحوه .
لذا يجب تحقيقه من جديد ومقارنته مع غيره من كتب الرجال .
ـــــــــــــــ
خامسا- المنهج المتبع في هذه الموسوعة :
1 -جمع الأحاديث المقبولة :
أ - ماهو المقبول بنظرنا ؟
هو الحديث الصحيح لذاته أو لغيره،والحسن لذاته أو لغيره والصحيح المرسل،والحسن المرسل(1)،والحديث الذي في سنده لين أوجهالة،أوضعف محتمل .
__________
(1) - انظر حكم المرسل في قواعد علوم الحديث 138-158 ومنهج النقد 346-350(1/181)
وكل هذه الأحاديث قد عمل بها أهل العلم كلهم أو بعضهم . ولابد من التنبيه على أنه إذا تعارض حديثان أحدهما صحيح والآخر ضعيف مثلاً فنقدم الأول من باب الترجيح . وقد أوردنا في كتابنا هذا جملة من الأحاديث الضعيفة ضعفاً محتملاً،لأن جمهور أهل العلم اتفقوا على العمل بها في فضائل الأعمال وكثير منهم يعملون بها في الأحكام ولاسيما إذا لم يكن في الباب أقوى منها،وهي متممة للأحاديث الصحيحة،كما أن ضعفها ليس مقطوعاً به،وداخلة ضمن الإطار العام للنصوص الصحيحة(1)وهناك أحاديث كثيرة كان يُظن أنها ضعيفة غير مقبولة فتبين لنا بالدليل أنها مقبولة وتدور بين الصحيح والحسن ونحوه ... وقد بلغ عدد الأحاديث المقبولة في كتابنا هذا - عدا الملحق - حوالي ثلاثةً وعشرين ألفاً .
ب- الأحاديث المردودة :
وهو كل حديث ليس له شواهد تقويه واشتمل على أحد الأمور التالية :
1 - العلة القادحة في متنه،كأن يكون ركيكاً،أو مخالفاً للمشهور من السنة،أو مصادماً لنصوص قاطعة في العقيدة وغيرها،أو يحتوي على مبالغات لايوجد مايشبهها في الثابت من القرآن والسنة،أو يخالف أولويات العقل ونص عالم معتبر من أئمة الجرح والتعديل على ذلك .
أمثلة :
- (آخر أربعاء في الشهر يوم نحسٍ مستمر) وكيع في الغرر وابن مردويه في التفسير،خط عن ابن عباس .
أقول : هذا حديث مختلق انظر خط 14/405 والموضوعات 2/73 واللآليء 1/252 وتنزيه الشريعة 2/55 والضعيفة (1581) .
- (آخر من يدخل الجنة رجل يقال له جهينة،فيقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين) خط في رواة مالك عن ابن عمر .
أقول : هذا خبر باطل راجع تنزيه الشريعة 2/399 والضعيفة (377)
- (آمن كل شيء من معاذ حتى خاتَمَهُ) ابن سعد عن محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان 1/2/165
أقول : هو حديث منكر،فلا علاقة للخاتم بإيمان أو كفر !
وقوله : (أبى الله أن يجعل للبلاء سلطاناً على بدن عبده المؤمن) فرعن أنس
أقول : هذا حديث موضوع راجع الضعيفة (471) وهو مناقض للنصوص القاطعه في القرآن والسنة التي تثبت سلطان البلاء على البدن أو حديث : (أبعد الخلق من الله رجلان : رجل يجالس الأمراء،فما قالوا من جور صدّقهم عليه،ومعلم الصبيان لايواسي بينهم ولايراقب الله في اليتيم) كرعن أبي أمامة.
أقول : هذا حديث مختلق انظر الاتحاف 6/127 .
أو حديث : (أبو بكر وزيري يقوم مقامي،وعمر ينطق بلساني وأنا من عثمان وعثمان مني،كأني بك يا أبا بكر تشفع لأمتي) ابن النجار عن أنس .
أقول : هو حديث واهٍ انظر اللآلي 15/200 و201 وتنزيه 1/369 والميزان ت (322) وعدي 6/2103 وهكذا كل الأحاديث التي من هذا القبيل .
2 - العلة القادحة في السند :كأن يكون في سنده : ساقط،متروك،ضعيف جداً،منكر الحديث،لايحل الاحتجاج به،كذاب،وضاع،متهم .
أمثلة :
كحديث : (آفة الدين ثلاثة : فقيه فاجر،وإمام جائر ومجتهد جاهل) الفردوس عن ابن عباس .
أقول : إسناده واهٍ بمرة انظر أخبار أصبهان 2/328 والضعيفة (819) .
وحديث : (آمين خاتم رب العالمين،على لسان عباده المؤمنين) عد،وطب في الدعاء عن أبي هريرة .
أقول : سنده ضعيف جداً انظر الطب دعا (219) وابن كثير 1/49 والضعيفة (1487) .
وحديث : (اتزروا كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها إلى أنصاف سوقها) طس،والفردوس عن ابن عمرو
أقول : سنده واهٍ جداً انظر المجمع 5/123 والضعيفة (1653) .
وحديث : (ائتوا المساجد حسّراً ومقنعين،فإن العمائم تيجان المسلمين) عدي عن علي .
أقول : سنده واهٍ جداً عدي 6/2413 والضعيفة (1296) .
وحديث : (ابتغوا الرفعة عند الله : تحلم عمّن جهل عليك وتعطي من حرمك) عد عن ابن عمر
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث ص 60-62 والأجوبة الفاضلة من 228-238 و35-64(1/182)
أقول : سند واهٍ جداً انظر عدي 7/2557 والإتحاف 8/28 والضعيفة (1575) وآخره له شاهد صحيح - ولم أحذف حديثاً إلا بعد تأكدي من سنده ومتنه وطرقه ... هذا وقد بلغ عدد الأحاديث المحذوفة حوالي عشرة آلاف حديث منها : المكرر ومنها ماذكرته أي من لم يستوف شروط القبول .وقليل منها قد يقوى لو وجدنا مايقويه في المستقبل .
ج- من يقبل قوله في الجرح والتعديل بشكل عام :
الإمام عبد الرحمن بن مهدي،أحمد بن حنبل،البخاري،أحمد بن صالح المصري،أبو زرعة الدمشقي والترمذي،أبو داود والنسائي،ابن خزيمة وابن الجارود والإمام مالك،وابن شاهين،وابن عدي،والدارقطني،والحاكم،والبيهقي،والخطيب،وابن عبد البر،ودحيم،والمزّي،والذهبي،وابن كثير،والعراقي،والهيثمي،وابن حجر العسقلاني،والسخاوي،والشوكاني،وأحمد شاكر .... ونحوهم لأنهم غالباً من المعتدلين في الجرح والتعديل(1)
د- من يقبل قوله في التعديل دون الجرح :
شعبة بن الحجاج،يحيى بن سعيد القطان،يحيى بن معين،أبو حاتم الرازي،أبو زرعة الرازي،وابن حبان،وابن الجوزي،وابن تيمية،وابن القيّم،وعلي بن المديني،والألباني . فهؤلاء وأمثالهم إذا وثقوا راوٍ فعضّ
عليه بالنواجذ لأنهم متشددون غالباً .
هـ- من يتوقف في قوله في الجرح إذا انفرد به
شعبة بن الحجاج،الإمام يحيى بن معين،أبو حاتم،ابن حبان،ابن الجوزي،ابن تيمية،الذهبي في الضعفاء والديوان .... العقيلي،الأزدي،الألباني لأن هؤلاء وأمثالهم يجرحون الراوي لأدنى شبهة(2)
2- تخريج كل حديث على حدة،من مصادره الرئيسة،وبشكل مختصر .
كالحديث رقم (527) (أجملوا في طلب الدنيا ...) (هق كر) عن ابن عمر
تخريجه الشعب (11085) ومختصراً (1193) و(1194) موقوفاً والإتحاف 8/159 حسن لغيره
3- بيان الحكم النهائي على الحديث : صحيح أو حسن أو لين
وقد صدر هذا الحكم بعد اطلاعنا على ماقاله أهل العلم فيه إن كان لهم فيه قول - وتأكدنا في أغلب الأحيان مما قالوا ثم نضع خلاصة الحكم الأخير عليه ضمن المستطيل كما قلت . ولم أذكر ما قاله أهل العلم،لأن الكتاب سيطول جداً عند ذلك وعلى كل حال،من أراد التأكد من حكم حديث ما فيرجع إلى المصادر التي ذكرتها في تخريجه،فإن لم يجد حكمه فليرجع إلى سنده وينظر في ترجمة رواته من كتب الجرح والتعديل حسب التفاصيل التي ذكرناها سابقاً .
- وهناك أحاديث كثيرة لم نطلع على حكم لها،فرجعنا إلى أسانيدها ودرسناها دراسة فاحصة،وذكرنا مايشهد لها ثم بينا حكمها ضمن المنهج الذي سار عليه المعتدلون في الجرح والتعديل
- وهناك أحاديث ضعيفة أتينا لها بشواهد في لفظها أو معناها وأخرجناها من دائرة الضعيف إلى دائرة الحسن لغيره أو الصحيح لغيره أحياناً وهي بالآلاف،منها أكثر من ألفي حديث قد ضعفها الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع .
مثل : حديث (آتي يوم القيامة باب الجنة ...) حسن لغيره .
وحديث (آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص ...) صحيح لغيره
وحديث : (آل محمد كل تقي ...) حسن لغيره
وحديث : (آخر قرية من قرى الإسلام خراباً المدينة ...) حسن
وحديث : (آمروا النساء في بناتهن ...) صحيح لغيره
وحديث : ((آمن شعر أمية بن أبي الصلت وكفر قلبه) صحيح لغيره
4- أحاديث الصحيحين أو أحدهما لم أنص على تصحيحها : إذ كل مافيهما من الموصول صحيح،كما ذكرنا سابقاً . وهو قول جمهور السلف والخلف،ولاعبرة لمن شذّ عنهم،أما إذا كان معلقاً أو أخرجه البخاري في غير الصحيح كالأدب المفرد أو التاريخ،فقد بينا حكمه .
انظر الأحاديث التالية من الأدب المفرد (2 و3 و7 و13 و18 و22 و29 و30 و32 ...) وقارنها بما حكمناه عليها في موسوعتنا هذه .
__________
(1) - انظر قواعد في علوم الحديث 188 - 197 والرفع والتكميل 187 - 188 و194 - 200 و393
(2) - انظر الأجوبة الفاضلة ص 162 - 181(1/183)
5- شرح غريب الحديث بشكل مختصر،وغالباً مانعتمد في شرحها على النهاية في غريب الحديث والأثر،أو جامع الأصول،أو فيض القدير أو قواميس اللغة ... بما يدل بشكل دقيق على معنى الكلمة المراد في هذا الحديث .
6- شرح بعض الأحاديث التي يغمض معناها،أو يحتمل وجوهاً عدة بشكل مشكل :
كحديث (أخوك البكري ولا تأمنه ...)
7- بيان الناسخ من المنسوخ :
هناك أحاديث منسوخة وأحاديث ناسخة،ذكرت عند كل منها مانسخه .
كحديث إنما الماء من الماء،بينا ناسخه : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ...
8- درء التعارض بين الأحاديث المتعارضة ظاهرياً :
لايوجد حديثان صحيحان متعارضان من كل الوجوه وهذا التعارض اعتمدنا في درئه قواعد الترجيح وهي:
الجمع بين المتعارضين ما أمكن وهو الأغلب أو الترجيح بالأقوى أو النسخ إن علمنا الناسخ من المنسوخ أو التوقف .
كحديث : (من مس ذكره فليتوضأ ...) فقد عارضه حديث (هل هو إلا بضعة منك)
حملنا كل واحد منهما على حالة بحمل الأول على القصد والشهوة والثاني على عدمها ... ولم نلجأ إلى ما سواه إلا نادراً .
وكحديث (فر من المجذوم فرارك من الأسد... مع لاعدوى ولا طيرة ...)
وكذلك حملنا المطلق على المقيد
كحديث : (ماتحت الكعبين في النار ...) مع حديث مَن جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة...)
وانظر الأحاديث : (65 و156 و202 و350 و367 و464 و519 و623 و652 و677 ...)
9- بيان الرأي الراجح في الرواة المختلف فيهم(1):
وعددهم ليس قليلاً،وجزء كبير من السنة قد روى من طريقهم .
فكل راوٍ مختلف فيه رجعت إلى كتب الأصول التي ترجمت له ونظرت في أقوال علماء الجرح والتعديل،ومدى احتجاجهم به ثم بينت الراجح من أقوالهم فيه مثل:
- محمد بن اسحاق بن يسار،عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن،نُعيم بن حماد،الحارث الأعور،عطاء الخراساني،شعيب بن زريق الشامي،قيس بن بشر،محمد بن مالك الجوزجاني،يزيد بن عبد الرحمن ...،سعد بن سعيد الأنصار ي ... وغيرهم كثير .
-وكذلك رددت كثيراً من التهم الموجهة لبعض رواة الحديث كالتدليس،والوهم،والإرسال،الاختلاط البدعة ...
- مثل تدليس ابن اسحاق وأبي الزبير المكي والحسن البصري وقد تبين لي أنهم غير مدلسين ...
- أو رواية داود بن الحصين عن عكرمة فبينت أنها صحيحة أو نعيم بن حماد أو حبيب بن أبي ثابت أوعبدالله بن صالح كاتب الليث،أو عبد الله بن لهيعة،أو شهر بن حوشب أو دراج أبي السمح عن أبي الهيثم أو حاتم بن إسماعيل أو سعيد بن بشير،أو سماع الحسن من سمرة ... وغيرهم كثير .
مثال : محمد بن إسحاق بن يسار قال عنه في التقريب : صدوق يدلس .. (5725)
أقول : بعد الرجوع لترجمته وتدقيقها تبين لنا أنه غير مدلس،لأن الطبقة التي عاصرته ومن أخذ عنها لم ترمه بأي تدليس،ورماه من لم يعاصره فيرفض قوله.
راجع التهذيب 9/38-46 والكامل 6/102-112 وقال الذهبي في ديوان الضعفاء (3589) : ثقة إن شاء الله صدوق،وبنحوه في الكاشف (4789) ولم يذكر تدليساً .
وعلى هذا فالأحاديث التي رواها بصيغة العنعنة فهي موصولة وصحيحة وهي كثيرة .
أو رواية دراج عن أبي الهيثم،فقد قال الحافظ في التقريب صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف (1824) والصواب أن حديثه عنه حسن كما هو رأي الإمام يحيى بن معين وابن شاهين،وابن عدي،وقد صحح حديثه عن أبي الهيثم الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ... انظر التهذيب 3/208-209 والكامل 3/112-115 .
__________
(1) - بحثت هذه المسألة بشكل موسع في كتابي ( الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب ) في الكلام على المرتبة الرابعة ،فتبين لدي بشكل قاطع أن حديثهم حسن إذا تفردوا به ،ولم ينكر عليهم ،وإن توبعوا فصحيح .(1/184)
- وإذا كان الراوي مختلفاً فيه : وثقه قوم وضعفه آخرون فالراجح أنه حسن الحديث،وهذا تراه في كتب الرجال والعلل والتعقبات على الموضوعات(1)
وانظر الأحاديث التالية : (29 و90 و51 و473 و503 و516 و531 و536 و537 و538 و543 و547)
10- الرد على أخطاء في التخريج أو الفهم ... وهي غير قليلة
فمن أخطأ في تخريج حديث خطأ شنيعاً رددت عليه عند تخريجي لهذا الحديث،سواء أكان من السابقين أو اللاحقين ...
مثل حديث : (آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص) (هق) عن جابر 6/118
فقد قال عنه الشيخ ناصر في ضعيف الجامع (ضعيف جداً) وفي الضعيفة (1483) فقد أعله بالربيع بن بدر وأنه متروك،وبأبي الزبير وأنه مدلس .
وورد بلفظ : (سفرتين كل سفرة بقلوص) الحاكم 3/182 وصححه ووافقه الذهبي ورده الألباني لعنعنة أبي الزبير اهـ .
أقول : الصواب أن أبا الزبير غير مدلس فالرواية الثانية صحيحة كما أنه لاتنافي بينها وبين الأولى : إذ تبين الأولى أنه - صلى الله عليه وسلم - آجر نفسه من خديجة سفرتين بقلوص فهي مختصرة والثانية توضحها،فيكون الحديث حسناً لغيره وبالله التوفيق .
- أو قوله عن حديث : آيات المنافق : (من إذا حدث كذب،وإذا ائتمن خان،وإذا وعد أخلف) (طس) عن أبي بكر .
وقال الألباني في ضعيف الجامع (17) ضعيف جداً ! وأعله بزنفل العرفي إذ قال عنه الهيثمي في المجمع 1/108 كذاب اهـ
أقول : الصواب أنه ضعيف التقريب (2038) والثاني أن الحديث ورد بلفظ آية وهو صحيح فالصواب أنه على الأقل حسن لغيره .
- أو كقوله عن حديث (اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة،ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة) (ابن عساكر) عن أبي هريرة .
قال في ضعيف الجامع (225) موضوع !
أقول : الصواب أنه صحيح وليس في رواته من هو مجروح انظر الأدب المفرد (1250) والفتح 11/88 والإحسان (6204 و6205) والحاكم 2/551 وأحمد 2/435 واعتباره موضوعاً ليس له أي مبرر،وذلك لمجرد معارضته للرواية الأولى التي تنص على أنه اختتن وهو ابن ثمانين،وهذه وهو ابن مائة وعشرين .
أقول : لا معارضة بينهما لأنه ورد في بعض طرق الحديث الأول أنه اختتن بعد الثمانين،وهذه تنص على المئة وعشرين راجع الفتح 6/391
ووروده موقوفاً ومرفوعاً لايضره،إذ الرفع زيادة ثقة وانظر الأحاديث رقم (37 و78 و172 و313 و621 و668...)
11- بيان سبب ورود الحديث إذا كان فهم الحديث يتوقف عليه .
انظر الأحاديث (55 و57 و81 و86 و105 و108 و129 و265 و321 و344 ...) وهكذا،فالحديث (أحدّ أحدّ) لايفهم معناه دون معرفة سبب وروده وهو أن رجلاً كان يدعو بأصبعيه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك .
12- تصحيح الأخطاء المطبعية سواء أكانت في نص الحديث أو في تخريجه وهي كثيرة جداً ...
13- الملحق :
بعد أن انتهيت من تخريج أحاديث الكتاب تبين لي أن هناك أحاديث لم يذكرها الإمام السيوطي ولا من استدرك عليه وهي على أنواع :
- إما أحاديث نسيها أصلاً ...
- أو أحاديث لها ألفاظ متعددة فاكتفى بلفظ منها وترك ماسواه .
- أو ذكرها ضمن قسم الأفعال لأنها تحتوي على أقوال وأفعال .
أمثلة :
- (آتي يوم القيامة باب الجنة،فأستفتح فيقول الخازن : مَن أنت؟ فأقول محمد،فيقول : بل أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك) (م) عن أنس
م الإيمان (333) ونبوة 5/480 والإتحاف 10/527
وحديث - (آتيكم) (حم،حب) عن جابر
حم 3/303 وحب (1952) وكر 3/391 صحيح
قاله لجابر لما جاءه طالباً منه مساعدته في دين
وحديث (آجرك الله،أما إنك لو كنت أعطيتها أخوالك كان أعظم لآجرك) (حم،د) عن ميمونة
حم 6/332 ود (1690) وتمهيد 1/206 وك 1/414 صحيح
قاله لميمونة لما أخبرته بعتق جارية لها
وحديث (آجركِ الله،وردّ عليك الميراث) (هـ،حم،طب) عن بُريدة
هـ (2394) وحم 5/349 و351 و361 وطب 8/345 وكر 6/112صحيح
__________
(1) - انظر تفصيله في كتاب قواعد في علوم الحديث ص 72-77(1/185)
قاله لامرأة تصدقت بجارية على أمها وأنها ماتت
وقد تصل أحاديث هذا الملحق حوالي خمسة عشر ألف حديث مقبول . كلها تدور بين الصحيح والحسن بقسميه والصحيح المرسل والحسن المرسل،والصحيح الموقوف والحسن الموقوف اللذان لهما حكم الرفع .وفيه بعض اللين .
وبهذا يكون قد ضم الكتاب مع الملحق حوالي أربعين ألف حديث مقبول،أي كل الأحاديث المقبولة إلا ماندر(1)
14- ترتيبه - الأصل والملحق - حسب الأحرف الهجائية ليسهل الرجوع إليه وحاولت ترتيبه على أدق ترتيب بعد اطلاعي على أهم الفهارس المطبوعة بهذا الخصوص .
15- تنبيهات :
الأول : كل حديث في هذا الكتاب يجوز العمل به مالم يُنصُّ على نسخه،مع التقيد بأصول التفسير الموضوعة لفهم النصوص الشرعية .
الثاني : إذا وجدنا حديثاً يخالف مذهباً من المذاهب المتبوعة فليس بالضرورة أن ذلك المذهب لادليل عنده.
فالأدلة الشرعية إما آية قرآنية أو حديث صحيح أو نص عام منهما أو إجماع،أو قاعدة مستنبطة من القرآن والسنة أو قياس،أو قول صحابي،أو مصلحة مرسلة،أو عرف أو شرع من قبلنا،أو استصحاب .... لذا لايجوز التسرع بالإنكار عليهم بمجرد مخالفتهم لهذا الحديث بعينه ! فقد يكون لهم أدلة أخرى غيره .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النفيس رفع الملام عن الأئمة الأعلام عشرة أسباب لترك الفقيه العمل بحديث ما،ثم قال : وقد يكون هناك أسباب أخرى لم نطلع عليها .
الثالث : قول الأئمة رضي الله عنهم : إذا صح الحديث فهو مذهبي،قول صحيح،ولكن ليس على إطلاقه. فلا بد أن تتوفر فيه الشروط التي وضعها ذلك الإمام لقبول الأخبار،وأنه غير منسوخ عنده،أو غير معارض لما هو أقوى منه .
وما من إمام إلا وترك أحاديث صحيحة لم يعمل بها للأسباب التي أشرنا إليها من قبل كترك الإمام مالك بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها في الموطأ لمخالفتها لعمل أهل المدينة مثلاً .
أو ترك بعض الفقهاء لحديث صحيح عمل راويه بخلافه ...
الرابع : ما اشتهر من أن أهل الرأي بضاعتهم في الحديث مزجاة كلام غير صحيح،ولايدعمه الدليل،وهو من باب الخلاف المذهبي .
مثال : كان الإمام أبو بكر بن أبي شيبة من المخالفين لأهل الرأي،شديد التمسك بالأثر،ومن ثم فقد أحصى المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة،رحمه الله السنة فبلغت مئة وأربعاً وعشرين مسألة لاغير،وذكر ذلك في آخر مصنفه .
ومعنى هذا أن الإمام أبا حنيفة - أستاذ مدرسة الرأي - قد وافق السنة فيما سوى هذه المسائل القليلة وهي بعشرات الآلاف .
ولو نظرنا في هذه المسائل التي ذكرها ابن أبي شيبة في رده على أبي حنيفة لوجدنا مايلي :
أ - معظمها أمور مختلف فيها من عهد الصحابة لم ينفرد فيها الإمام أبو حنيفة .
ب- أو أمور وجد ماهو أقوى منها فلم يعمل بها .
أمثلة :
المسألة (1) رجم اليهودي واليهودية،فقد ثبت أن النبي ? رجم اليهودي واليهودية . ويرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله ومحمد والمالكية أن الإسلام شرط للإحصان،ولهم أدلة،وقالوا عن الحديث بأنه كان في أول الإسلام ثم نزل حكم الرجم باشتراط الاحصان واشتراط الإسلام،وإن كان الراجح الرجم كما هو رأي الجمهور وأبي يوسف،لكن المسألة خلافية راجع التعليق الممجد 3/79-81 والنيل 7/93-94
والمسألة (2) الصلاة في أعطان الإبل .
فقد أجازها الجمهور ومنهم أبو حنيفة،وحملوا النهي على الكراهة مع عدم وجود النجاسة والتحريم مع وجودها .... انظ النيل 2/137-138 ...
وهكذا بقية المسائل،وقد يكون الراجح فيها قول أبي حنيفة وقد يكون مرجوحاً .
والخلاصة أنه لايجوز الإنكار في المسائل المختلف فيها،ولك أيها المسلم أن تأخذ بأي القولين ولا حرج عليك،دون أن تعتقد بطلان ماسواه .
__________
(1) - الملحق لم يكمل لذا سنفرده بذيل مستقل على الموسوعة إن شاء الله تعالى(1/186)
فقد اختلف الصحابة منذ عهد النبي ? وأقرهم عليه وسيبقى هذا الاختلاف إلى قيام الساعة،وهو يدل على سعة هذا الدين ومرونته ومسايرته للحياة وملائمته لطبائع الناس ومشاربهم،وصلاحيته لكل زمان ومكان فحذار أيها المسلم أن تشغل نفسك بالخلاف،وتترك الاتفاق فكل الأئمة على خير،ولاتجد واحداً منهم تعمد ترك العمل بنص ثابت عمداً،أو عن هوى أو شهوة،فقد كانوا من أتقى الناس وأعلمهم بهذا الدين .
سادسا- بيان رموز الأصل
سابعا- المصادر والمراجع التي في التخريج مائتان وستة وأربعين مرجعاً
ـــــــــــــــ
ثامنا- نموذج من عملي في هذه الموسوعة :
1- { آتي بَابَ الجنةِ فَأستفتحُ فَيقولُ الخازنُ مَن أنتَ ؟ فَأقولُ مُحمدٌ فَيقولُ بِكَ أُمرتُ أن لا أَفتحَ لأِحدٍ قَبلكَ } .(حم م ) عن أنس
م الايمان 323 (197) وحم 3/136 وسنة 15/167 والصحيحة (774) وصحيح الجامع (1) .
2 - { آتي يَومَ القيامةِ بَابَ الجنةِ فَيفتحُ لي فَأرى رَبي وَهوَ عَلى كُرسيهِ فَيتجلى فَأخرُّ سَاجداً } (ابن النجار) عن ابن عباس .
حم 1/282و وبنوة5/481 مطولاًوالإتحاف 10/527 والضعيفة (1579) حسن لغيره
3 - { آجرتُ نَفسي مِن خَديجةَ سَفرتينِ بِقلوصٍ } (هق) عن جابر .
هق 6/118 و ك 3/182 ونبوة 2/66 .حسن لغيره
القلوص : الجمل
4 - { آخرُ أ هلِ الجنةِ دُخولاً رَجلٌ كَانَ يَقولُ : اللهمَّ زَحزحني عَنِ النارِ وَلا يَقولُ أَدخلني الجنةَ،فَإذَا دَخلَ أَهلُ الجنةِ الجنةَ،وَأهلُ النارِ النارَ،بَقى ذَلكَ الرجلُ فَيقولُ : يَاربِّ،مَالي هُنا ؟ فَيقولُ : ذَاكَ الذي كُنتَ تَسألني يَا ابنَ آدمَ،فَيقولُ : يَاربِّ،أَدخلني الجنةَ،فَيقولَ يَا ابنَ آدمَ : أَلم تَسألنِ أَن أُزحزحكَ عَنِ النارِ ؟ فَينشيءُ الله شَجرةً عَلى بَابِ الجنةِ،فَيقولُ : يَاربِّ أَدنني مَن هَذهِ الشجرةِ فَآكلَ مَن ثَمرِها وَأستظلَّ بِظلها،فَيقولُ : يَا ابنَ آدمَ،أََلم تَكن تَسألني أَن أُزحزحكَ عَن النارِ،فَلا يَزالُ يَسألُ حَتى يَقالَ لَهُ : اِذهب فَلكَ مَابَلغتْ قَدماكَ وَرأت عَيناكَ} . ( طب ) عن عوف بن مالك .
صفة 221 وطب 18/17(143) والمجمع 10/401 و402 وبز (2760 و3556) وصفة الجنة(453) ومب(1265) وفتح11/458و459حسن لغيره
5 - { آخرُ شَربةٍ يَشربها عَمارٌ مِنَ الدنيا شَربةُ لَبن } . ( حم،طك ) عن ابي البختري .
نبوة 2/553 و6/421 وحم 4/319 ومجمع 7/243 و9/297 ومطالب (4488) و ك 3/385 و 389وش(37866) وع(1626) صحيح لغيره
6 - { آخرُ قَريةٍ مِن قُرى الإسلامِ خَراباً اَلمدينةُ } ( ت ) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ت ( 3919) وحب ( 1041) وجامع الأصول 9/331 وفتح4/91 والسنن الواردة في الفتن (460)حسن
7 - { آخرُ مَا أَدركَ الناسُ مِن كَلامِ النبوةِ الأُولى إِذا لَم تَستحِ فاصنع مَا شِئتَ } ( ابن عساكر في تاريخه) عن أبي مسعود البدري .
خ (3483و3484و6120) والإحسان(607) والصحيحة (684) وصحيح الجامع (2) وحم 5/405 وعساكر 14/322 و40/508 و509 و46/301 و53/120 و64/63 وحلية 4/371 وخط 12/136
8 - { آخرُ مَا تَكلمَ بِه إِبراهيمُ حِين أُلقيَ فِي النارِ حَسبيَ الله وَنعمَ الوكيلَ } ( خط ) عن أبي هريرة وقال : غريب والمحفوظ عن ابن عباس .
خط 9/118 و خ(4563) و م(4287) ون(11081) موقوفاً عن ابن عباس
الصواب وقفه ومثله لا يقال بالرأي .
9 - { آخرُ مَن يَحشرُ رَاعيانِ مِن مُزَينةَ يَريدانِ المدينةَ يَنعقانِ بِغنمهما فَيجدانها وَحوشاً حَتى إِذا بَلغا ثَنيةَ الوداعِ خَرَّا عَلى وُجوههما } (ك ) عن أبي هريرة .
حم 2/234 و ك 4/565 و خ3/27(1874) وم(1389)499وصحيح الجامع (3) .(1/187)
10 - { آخرُ مَن يُحشرَ مِن هذهِ الأُمةِ رَجلانِ مِن قُريش } ش عن وكيع عن إسماعيل عن قيس قال أخبرت أن رسول الله قال فذكره وعن وكيع عن المسعودي عن سعد ابن خالد عن حذيفة بن أسيد موقوفاً والأول صحيح لأن قيس ابن أبي حازم سمع من العشرة والثاني حسن وله حكم الرفع .
ش 14/96(3541) و (35840) صحيح
11 - { آخرُ مَن يَخرجُ مِنَ النارِ رَجلانِ يَقولُ الله عزَّ وَجلَّ لأَحدهما : يَا ابنَ آدمَ مَا أَعددتَ لِهذا اليومِ هَل عَملتَ خَيراً قَطُّ هَل رَجوتني فَيقولُ لا يَاربَِ فَيؤمرُ بِهِ إلى النارِ فَهوَ أَشدُّ أَهلِ النارِ حَسرةً وَيقولُ لِلآخرِ : ياابنَ آدمَ مَا أعددتَ لِهذا اليومِ هَل عَملتَ خَيراً قَط وَرجوتني ؟ فَيقولُ لاَ يَاربِّ إِلا أَني كُنتُ أَرجوكَ فَترفعُ لَهُ شَجرةٌ فَيقولُ أَي رَبِّ قُرَّني تَحتها لاَ أَسألكَ غَيرها فَأستظلَّ بِظلها وَأشرب مِن مَائها فَيقولُ يَا ابنَ آدمَ أَلم تُعاهدني أَن لاَ تَسألني غَيرها ؟ فَيقولُ أَي رَبِّ هذهِ لا أَسألكَ غَيرها فَيقرُّهُ تَحتها،ثُمَّ تُرفعُ لَهُ شَجرةٌ عِند بَابِ الجنةِ هِيَ أَحسنُ مَنَ الأوليَينِ وَأغدقُ مَاءً فَيقولُ أَيْ رَبِّ هذهِ قَرَّني تَحتها فَيُدنيهِ مِنها وَيُعاهدهُ أَنْ لاَ يَسألهُ غَيرَها،فَيسمعُ أَصواتَ أَهلِ الجنةِ فَلا يَتمالكُ فَيقولُ أَيْ رَبِّ أَدخلني الجنةَ فَيقولُ اللهُ عَزَّ وَجلَّ : سَلْ وَتمنَّ فَيسألُ وَيتمنَّى مِقدارَ ثَلاثةِ أَيامٍ مٍنْ أَيامِ الدنيا وَيلقِّنهُ الله مَالاَ عِلمَ لَهُ بِهِ فَيسأل وَيتمنَّى فَإذا فَرغَ قَال لَكَ مَا سَألتَ وَمثلهُ مَعهُ وَقالَ أَبو هُريرةُ وَعشرةُ أَمثالهِ } (حم) وعبد بن حميد عن أبي سعيد وأبي هريرة .
المجمع 10/400 وترغيب 4/502 وحم 3/70 و74 وعبد بن حميد(991) وبنحوه م(188)311 حسن
فيقره : أي يجلسه
12 - { آخرُ مَنْ يَدخلُ الجنةَ رَجلٌ يَمشي عَلى الصِّراط فَهوَ يَمشي مَرةً وَيكبُو مَرةً وَتسفعهُ النارُ مَرةً فَإذا جَاوزها الْتفتَ إِليها فَقالَ تَباركَ الَّذي نَجاني مِنكَ لَقدْ أَعطاني الله شَيئاً مَا أَعطاهُ أَحداً مِنَ الأوَّلينَ وَالآخرينَ فَترفعُ لهُ شَجرةٌ فَيقولُ أَيْ رَبِّ أَدنني مِنْ هذهِ الشجرةِ فَلأستظلَّ بِظلها وأَشربَ مِنْ ماَئها فَيقولُ الله: يَا ابْنَ آدمَ لَعلِّي إِنْ أَعطيْتُكَها سَألتنِي غَيرها فَيقول لاَ يَاربِّ وَيعاهدهُ أَنْ لاَ يَسألهُ غَيرها وَربُّهُ يعذرهُ لأنهُ يَرى مَا لاَ صَبرَ لَهُ عَليهِ فَيدنيهِ مِنها فَيستظلُّ بِظلها وَيشربُ مَنْ مَائها ثُمَّ تُرفعُ لًهُ شَجرةٌ أُخرى هِي أَحسنُ مَنْ الأُولى فَيقولُ أَي رَبِّ أَدنِني مَنْ هَذهِ لأَشربَ مِنْ مَائها وَأستظلَّ بَظلها لاَ أَسألكَ غَيرها فَيقولُ يَا ابْنَ آدمَ أَلمْ تُعاهدني أَنْ لاَ تَسألنِي غَيرها ؟ فَيقولُ لَعلِّي إِنْ أَدنيتكَ مِنها تَسألنِي غَيرها فَيعاهدهُ أَنْ لاَ يَسألهُ غَيرها وَربُّهُ يَعذرهُ لأَنَّهُ يَرى مَا لاَ صَبرَ لَهُ عَليهِ فَيدنيهِ مِنها فَيستظلُّ بِظلها ويَشربُ مِنْ مَائها ثُمَّ تُرفعُ لَهُ شَجرةٌ عِندَ بَابِ الجنةِ هِىَ أَحسنُ مِنَ الأُوليَيْنِ فَيقولُ أَيْ رَبِّ أَدنني مِنْ هَذهِ فلأستظلَّ بظِلِّها وَأشربَ مَنْ مَائها لاَ أَسألكَ غَيرها فَيقولُ يَا ابْنَ آدمَ أَلمْ تُعاهدني أَنْ لاَ تَسألني غَيرهَا ؟قَالَ : بَلى يَاربِّ أَدنني مَنْ هَذهِ(1/188)
لاَ أَسألكَ غَيرها وَربُّهُ يَعذرهُ لأَنهُ يَرى مَا لاَ صَبرَ لَهُ عَليهِ فَيدنيهِ مِنها فَإذا أَدناهُ مِنها سَمعَ أَصواتَ أَهلِ الجنةِ فَيقولُ : أَىْ رَبِّ أَدخلْنِيها فَيقولُ : يَا ابْنَ آدمَ مَا يُعرِيني مِنكَ أَيُرضيكَ أَنْ أُعطيكَ الدّنيا وَمِثلها مَعها فَيقولُ: أَيْ رَبِّ أَتسْتهزيءُ مِني وأَنتَ رَبُّ الْعالمينَ فَيقولُ إِني لاَ أَسْتهزيءُ مِنكَ وَلكنِّي عَلى مَا أَشاء قَادرٌ } ( حم م ) عن ابن مسعود .
م الإيمان 310(187) وحم 1/410 والآجرى 282 وسنة 15/186 وصحيح الجامع (4)
يعريني : أى شىء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك
13 - { آدمُ كَانَ نَبياً رَسولاً،كَلمهُ الله قَبْلاً قَال لَهُ : ( يَا آدمُ اسْكنْ أَنتَ وَزوجكَ الجنةَ } (طس،حم) ( حم،تخ ) عن ابي ذر
حم 5/178 و179 وتخ 1/29 و5/427 ومنحه (2296) وطس(4259) حسن لغيره
14 - { آفةُ الظَّرفِ الصَّلفُ،وَآفَةُ الشجاعةِ الْبغيُ،وَآفةُ السماحةِ المنُّ،وَآفةُ الجمالِ الخيلاءُ،وَآفةُ العبادةِ الْفَتْرةُ،وَآفةُ الحديثِ الكذبُ وَآفةُ العِلْمِِ النسْيانُ وَآفةُ الحِلمِ السَّفهُ،وَآفةُ الحَسبِ الفخرُ،وَآفةُ الجُودِ السَّرفُ } ( هب ) وضعفه عن علي .
الشهاب (774و75) والإتحاف 6/364 والشعب (4648) ضعيف
15 - { آفةُ العِلْمِ النسْيانُ } ( ش ) عن ابن مسعود
ش(26131) والشهاب (74و75)علي وجامع بيان العلم 1/108 ومي 1/150الحسن والإتحاف 8/368 والشعب (4648) علي حسن لغيره
16 - { آكلُ الرِّبا وَموكلهُ وَكاتبهُ وَشاهدهُ إِذا عَلموا ذلكَ،وَالْواشمةُ وَالموشومةُ لِلحسنِ،وَلاَوي الصدقةِ وَالمرْتدُّ أَعرابياً بَعدَ الهجرةَ مَلعونونَ عَلى لِسانِ مُحمدٍ يَومَ القيامةِ } (حم) عن ابن مسعود .
حب (1154) وحم 1/83 و121 علي و409 و464 وهق 9/19 وعب (15350) والترغيب 10/538 والدعا طب (2168-2169) علي وابن مسعودوالإتحاف 6/151 وصحيح الجامع (5) . صحيح
لاوي الصدقة : مانعها وجاحدها .
17 - { آكلُ كَما يَأكلُ العبْدُ فُوالَّذي نَفسي بِيدهُ لَوْ كَانتِ الدُّنيا تَزنُ عِندَ الله جَناحَ بَعوضةٍ مَا سَقى مِنها كَافراً كَأساً } ( هناد ) في الزهد عن عمرو بن مرة مرسلاً.
هناد(799و800) ومبارك 2/53 (193)عائشة وعب (19543 و19554) أيوب ويحيى بن أبي كثير والصحيحة (544) والمجمع 9/19مختصراً عائشةو21 ابن عمر وسنة 13/248 والإتحاف 7/102 و116 و9/351من طرق وصحيح الجامع (7) صحيح
18 - { آكلُ كَما يَأكلُ العبْدُ وَأجلسُ كَما يَجلسُ العبْدُ } ابن سعد (ع عب) عن عائشة .
سعد 1/288و1/381صادر والمجمع 9/19 والصحيحة (544) وعب (19543) أيوب وع(4920) وناسخ الحديث(637)أنس وسنة 13/248 وصحيح الجامع (7) صحيح
29 - { آمُرُكمْ بِثلاثٍ وَأنهاكمْ عَنْ ثَلاثٍ آمُرُكمْ أَنْ لاَ تُشركُوا بِاللهِِ شَيئاً،وَأنْ تَعتصمُوا بِالطاعةِ جَميعاً حَتى يَأتيكمْ أَمرُ مِنْ اللهِ وَأنتمْ عَلى ذلكَ وَأنْ تُناصِحوا وُلاةَ الأَمرِ مِنَ الذينَ يَأمُرُونكمْ بِأمرِ اللهِ،وَأنهاكمْ عَنْ قَيلٍ وَقالٍ وَكثرةِ السؤالِ وَإضاعةِ المالِ } ( طب ) عن عمر بن مالك الأنصاري .
طب 9/28(8307) والإصابة 2/520 وبنحوه ما قبله.صحيح لغيره
فيه لهيعة بن عقبة روى عنه جماعة ووثقه حب التهذيب 8/459 وفي الكاشف (4759) وثق .
57 - { ائتها عَلى كُلِّ حَالٍ إذا كَانَ فِي الفرجِ } ( حم ) عن ابن عباس .
المجمع 6/319 وطب 12/237 وحم1/268 وهق1/309 و7/196 ومعاني3/41 و43 جابر وابن عباس وطس(3283) صحيح لغيره
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية (نساؤكم حرث لكم) في أناس من الأنصار أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فقال لهم
65 - { أَبى الله أَنْ يَجعلَ لِقاتلِ المؤمنِ تَوبةً } ( طب ) والضياء في المختارة عن انس(1/189)
الترغيب 3/295 و 296 والضياء6/163(2164) وطب(12314) ابن عباس ومعجم الشيوخ1/364 ابن عمروالصحيحة (689) وبنحوه د (4270) ون 7/81 وحم 4/99 وهق 2/335 و359 و8/21 و ك 4/351 صحيح
أقول : هذا محمول على من استحل القتل أو على الزجر والتنفير،وعدم قبول التوبة لايعني الخلود في النار وعلى كل حال فالقتل العمد من أكبر الجرائم التي حرمها الله تعالى . والراجح قبول توبته بشروطها استناداً للآيات التي في سورة الرحمن ( إلا من تاب .. ) وغيرها .
78 - { ابْتغوا الخيرَ عِندَ حِسانِ الوجُوه } ( قط ) في الأفراد عن أبي هريرة
ش 6/208 (26268) الزهري والمجمع 8/194 و195 من طرق جابر وابن عباس وأبي هريرة ويزيد بن خصيفة وعائشة وأبي سعيد والإتحاف 9/91 وخط 4/185 و7/11 و11/43 و296 و13/158 وتخ 1/51 و157 وعدي 3/1138 وجرجان 385 وطص(635)ابن عباس وع(4759)عائشة وطب(11110)ابن عباس و22/396(983) يزيد بن خصيفة والشهاب(661)ابن عمر وهب(3541 و3542)عائشة صحيح لغيره
وحكم الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- بوضعه !! ضعيف الجامع (31)
ومعناه : اطلبوا الخير عند الذين يستقبلونكم ببشاشة
81 - { ابْدأْ بِمنْ تَعولُ } ( طب ) عن حكيم ابن حزام
طب (3129) و خ 2/139(1427) و7/81 (5355و5356)أبو هريرة وم الزكاة 95(1034) و97(1036)أبو أمامة و106 (1042)أبو هريرة ون 5/69 وحم 2/4القعقاع بن حكيم و94 و 153ابن عمر و230 و245 و278 و288 و319 و358 و362 و394 أبو هريرةو3/330 و 346جابر و402 و403 حكيم بن حزام 4/180أبو هريرة و182 و 195عمرو بن عثمان و6/21 طارق بن شهاب و7/466 و 470أبو هريرة و8/345 بن زهدم وصحيح الجامع (27) متواتر
وسببه أن حكيم بن حزام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أى الصدقة أفضل ؟ فقال له : المجمع 3/116
16071 - { مَنْ أَحْيا ليْلةَ الفِطْرِ،وليلَةَ الأضْحى لَمْ يمُتْ قلْبُهُ يوْمَ تَموتُ القُلوبُ} ( طب ) عن عبادة
التخليص 2/80 والإتحاف 3/410 و5/206 وطس((159) والمتناهية والشعب (3711)أبو الدر داء وهـ (1782) والمجمع 2/198 وهق 3/319 وترغيب 2/152 و153 مرفوعاً ومرسلاً وموقوفاً من طرق حسن لغيره
وفي سنده بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة : وأعله الألباني في الضعيفة به (521) وقال : بقية سيء التدليس،فإنه يروي عن الكذابين عن الثقات ثم يسقطهم من بينه وبين الثقات ويدلس عنهم فلا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين 000 اهـ واعتبره موضوعاً .
أقول : من راجع ترجمة بقية في التهذيب وجد مايلي الأكثر على توثيقه بقوة والثاني أنه ثقة وحجة فيما رواه عن أهل بلده وهذا ما أكده ابن عدي كذلك وهذا منها فهو يرويه عن شيخه ثور الحمصي فينبغي أن يقبل هذا الحديث وهو الذي لازمه مدة طويلة فلا حاجة لأن يدلس عنه وإنما يكون التدليس عن شيخ سمع منه شيئاً قليلاً 00 راجع التهذيب 10/473 - 478وقال ابن عدي بعد ترجمته المطولة :
إذا روى عن الشاميين فهو ثبت،وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لامنه،وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم،وربما كان الوهم من الراوي عنه،وبقية صاحب حديث،ومن علامة صاحب الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار،ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صورة بقية اهـ 2/72 - 80 فلله درك يا ابن عدي .علماً أنّ إحياء أية ليلة مندوب إليه بشكل عام.
والإحياء يكون بالإكثار من الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن والاستماع لموعظة ونحو ذلك, ولا سيما إذا لاحظنا هذه الأيام كيف أن َّالكفار يحيون ليلي أعيادهم بالمعاصي والمنكرات،فإذا خالفهم المسلمون وأحيوا ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى كان خيراً لهم .
ــــــــــــــــ
تاسعاً - الملاحظات على هذه الموسوعة :
قلت :
يبقى العملُ في هذه الموسوعة وغيرها عمل بشري،معرض للخطأ والنسيان(1/190)
أول هذه الملاحظات - أن هناك بعض المصادر لم تكن مطبوعة أثناء إعداد هذه الموسوعة ـ فنقلت من غيرها
ثانيها- بعض المصادر التي لم تكن بين يدي أو غير مطبوعة والتي لم أستطع الوصول إلى سند الحديث نقلت الحكم عليه ممن ذكره كالهيثمي في المجمع أو العؤاقي في تخريج أحاديث الإحياء،وقد يكون هذا الحكم غير دقيق .
وثالثها- بعض الأحاديث ضعفتها أو حسنتها لغيرها،وبعد طبع أكثر المصادر الحديثية تبين لي أن بعضها قد يرتقي للحسن أو الصحة .
ورابعها - من النادرأن أحكم على حديث بالصحة أو الحسن ثم أجد أنا أو غيري هذا الحكم دون ذلك .
وخامسها- كنت أعتمد على الاختصار الشديد سواء في التخريج أو التعليق على الحديث،أو ترك بعض الأحاديث دون تعليق،وهي تحتاج لذلك .
وسادسها - وهو الأهم بنظري - أن هذه الموسوعة لم يتسر طبعها لا في الإمارات ولا في الشام أو بيروت وذلك لأن دور النشر تعتمد على الشهرة والتجارة،وكذلك بسبب أني قد رددت على جميع العلماء المعاصرين والقدامى كثيرا من أخطائهم،وإذا لم يكن المرء تابعاً لهذا أو ذاك فلا يتبناه أحد إلا من رحم ربي .
وسابعها - وجود الحاسوب اليوم وطبع أكثر كتب السنة جعلني أفكر بإعادة النظر فيها،وتوسيعها بحيث تشمل كل السنة المرفوعة والموقوفة والمقطوعة،وقمت بالعمل،وكان ضخما جدًّا ولكنه لم يكمل،وسميتها دائرة معارف السُّنَّة النبوية،وأتوقع لها أن تكون حوالي ألف مجلد من القطع الكبير .
ومثال من دائرة معارف السنة النبوية :
1-" آتَى إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةً سِيَرَاءَ فَلَبِسْتُهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي" (خ) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ آتَى إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةً سِيَرَاءَ فَلَبِسْتُهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي
(م) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةُ سِيَرَاءَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ و حَدَّثَنَاه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَأَمَرَنِي فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي وَلَمْ يَذْكُرْ فَأَمَرَنِي
(د) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةُ سِيَرَاءَ فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا فَأَتَيْتُهُ فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا وَأَمَرَنِي فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.
خ(5051) وم(2071) ونص(5298) ود(4043) وهـ (3596) وحم(700و712و1317)(1/191)
حديث علي في الحلة السيراء وقوله " فشققتها بين نسائي " قال ابن المنير وجه المطابقة أن الذي حصل لزوجته فاطمة عليها السلام من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادا بحسب الحال لا إسرافا , وأما حكم المسألة فقال ابن بطال : أجمع العلماء على أن للمرأة مع النفقة على الزوج كسوتها وجوبا , وذكر بعضهم أنه يلزمه أن يكسوها من الثياب كذا , والصحيح في ذلك أن لا يحمل أهل البلدان على نمط واحد , وأن على أهل كل بلد ما يجري في عادتهم بقدر ما يطيقه الزوج على قدر الكفاية لها , وعلى قدر يسره وعسره اهـ . وأشار بذلك إلى الرد على الشافعية , وقد تقدم البحث في ذلك في النفقة قريبا والكسوة في معناها , وحديث علي سيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى . وقوله " آتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " بالمد أي أعطى , ثم ضمن أعطى معنى أهدى أو أرسل لذلك عداه بإلي وهي بالتشديد , وقد وقع في رواية النسفي " بعث " وفي رواية ابن عبدوس " أهدى " ولا تضمين فيها , ومن قرأ " إلى " بالتخفيف بلفظ حرف الجر و " أتى " بمعنى جاء لزمه أن يقول " حلة سيراء " بالرفع ويكون في الكلام حذف تقديره فأعطانيها فلبستها إلى آخره , قال ابن التين : ضبط عند الشيخ أبي الحسن " أتى " بالقصر أي جاء , فيحتمل أن يكون المعنى جاءني النبي - صلى الله عليه وسلم - بحلة فحذف ضمير المتكلم وحذف الباء فانتصبت ; والحلة إزار ورداء , والسيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية وبالمد من أنواع الحرير , وقوله " بين نسائي " يوهم زوجاته وليس كذلك , فإنه لم يكن له حينئذ زوجة إلا فاطمة , فالمراد بنسائه زوجته مع أقاربه , وقد جاء في رواية " بين الفواطم " الفتح
2-" آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ " (م ) و حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ
(حم) حَدَّثَنَا هَاشِمٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ قَالَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ قَالَ يَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ
م الايمان 323 (197) وحم 3/136(11989) وسنة 15/167 والصحيحة (774) وصحيح الجامع (1) والضياء 6/323(2345) وعوانة (418) ون(7690) والمستخرج (489) وعبد بن حميد (1271)
قلت : هذا من مناقبه الكثيرة - صلى الله عليه وسلم -
3 - " آتي يَومَ القيامةِ بَابَ الجنةِ فَيفتحُ لي فَأرى رَبي وَهوَ عَلى كُرسيه فَيتجلى فَأخرُّ سَاجداً " (ابن النجار) عن ابن عباس
حم 1/282و295(2542و2682) مطولاً ونبوة5/481 مطولاً والإتحاف 10/527 والضعيفة (1579) وطيا(2711) واعتقاد أهل السنة 3/488 وتعظيم قدر الصلاة( 265) من طريق عمرو بن عاصم ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مطولاً والفتح 11/436 صحيح لغيره
الرواية المشهورة من طريق علي بن زيد بن جدعان ( وهو متابع )
قال الذهبي في كتاب من تكلم فيه وهو موثق : 253 علي بن زيد بن جدعان على م مقرونا صويلح الحديث قال أحمد ويحيى ليس بشيء وقواه غيرهما(1/192)
وفي السير 5/206 : عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيُّ (4،م مَقْرُوْناً) الإِمَامُ،العَالِمُ الكَبِيْرُ،أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ،التَّيْمِيُّ،البَصْرِيُّ،الأَعْمَى.وُلِدَ - أَظُنُّ -: فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ،وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ،وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ،وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ،وَأَبِي قِلاَبَةَ،وَالحَسَنِ،وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ،وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ،وَسُفْيَانُ،وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ،وَعَبْدُ الوَارِثِ،وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ،وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ،وَشَرِيْكٌ،وَعِدَّةٌ.
وُلِدَ أَعْمَى كَقَتَادَةَ،وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ،عَلَى تَشَيُّعٍ قَلِيْلٍ فِيْهِ،وَسُوْءِ حَفِظٍ يَغُضُّهُ مِنْ دَرَجَةِ الإِتْقَانِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ،وَأَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ،وَقَالَ البُخَارِيُّ،وَغَيْرُهُ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِهِ؛ لِسُوْءِ حِفْظِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَدُوْقٌ،وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُلَيِّنُهُ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ - وَكَانَ رَفَّاعاً -.وَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَقْلِبُ الأَحَادِيْثَ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَتَّقِيْهِ.وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ضَعِيْفٌ.وَرَوَى: عَبَّاسٌ،عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ ابْنِ عَقِيْلٍ،وَعَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ،عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ يَتَشَيَّعُ،لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: اخْتُلِطَ فِي كِبَرِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ يَزَالُ عِنْدِي فِيْهِ لِيْنٌ.
قُلْتُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتُ أَخْبَارَهُ فِي (المِيْزَانِ) وَغَيْرِهِ،وَلَهُ عَجَائِبُ وَمَنَاكِيْرُ،لَكِنَّهُ وَاسِعُ العِلْمِ.
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: لَمَّا مَاتَ الحَسَنُ،قُلْنَا لِعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ: اجْلِسْ مَكَانَهُ.
وَقَالَ الجُرَيْرِيُّ: أَصْبَحَ فُقَهَاءُ البَصْرَةِ عُمْيَاناً: قَتَادَةُ،وَابْنُ جُدْعَانَ،وَأَشْعَثُ الحُدَّانِيُّ.
مَاتَ عَلِيٌّ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وقال البخاري في تاريخه 6/275:2389 علي بن زيد بن عبد الله بن جدعان القرشي أبو الحسن الأعمى البصري قال أحمد بن سعيد عن عبد الصمد عن شعبة كان علي رفاعا سمع أنسا رضي الله عنه وأبا عثمان وسعيد بن المسيب ويوسف بن مهران سمع منه الثوري وعبد الله بن عمر
وفي طبقات الحفاظ 1/65: 125 علي بن زيد بن جدعان التيمي أبو الحسن البصري المكفوف روى عن أنس وسعيد بن المسيب وخلق
وعنه السفيانان والحمادان وشعبة وخلق مات سنة تسع وعشرين ومائة
وفي المغني في الضعفاء : 4265 م عه علي بن زيد بن جدعان صالح الحديث قال حماد ابن زيد كان يقلب الأحاديث وذكر شعبة أنه اختلط وقال أحمد ليس بشيء وقال أبو زرعة ليس بقوي يهم ويخطئ وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال الدارقطني لا يزال عندي فيه لين
وقال ابن عدي في نهاية ترجمته 5/200: ولعلي بن ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة ولم أر أحدا من البصريين وغيرهم امتنعوا من الرواية عنه وكان يغالي في التشيع في جملة أهل البصرة ومع ضعفه يكتب حديثه وانظر تهذيب الكمال (4070)
فالراجح عندي أنه حسن الحديث ما عدا الأحاديث التي خلط بها(1/193)
4-" آثَرَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمْ اللَّهُ قَالُوا صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ قَالُوا صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ أَلَمْ تَكُونُوا فُقَرَاءَ فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ قَالُوا صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي أَلَا تَقُولُونَ أَتَيْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَأَتَيْتَنَا خَائِفًا فَآمَنَّاكَ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبُقْرَانِ يَعْنِي الْبَقَرَ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتُدْخِلُونَهُ بُيُوتَكُمْ لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شُعْبَةً وَسَلَكْتُمْ وَادِيًا أَوْ شُعْبَةً سَلَكْتُ وَادِيَكُمْ أَوْ شُعْبَتَكُمْ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ " (حم) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا رَبَاحٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ اجْتَمَعَ أُنَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا آثَرَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمْ اللَّهُ قَالُوا صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ قَالُوا صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ أَلَمْ تَكُونُوا فُقَرَاءَ فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ قَالُوا صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي أَلَا تَقُولُونَ أَتَيْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَأَتَيْتَنَا خَائِفًا فَآمَنَّاكَ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبُقْرَانِ يَعْنِي الْبَقَرَ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتُدْخِلُونَهُ بُيُوتَكُمْ لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شُعْبَةً وَسَلَكْتُمْ وَادِيًا أَوْ شُعْبَةً سَلَكْتُ وَادِيَكُمْ أَوْ شُعْبَتَكُمْ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ
مسند عبد بن حميد (918 ) أنا عبد الرزاق،أنا معمر،عن الأعمش،عن أبي صالح،عن أبي سعيد قال : اجتمع ناس من الأنصار،فقالوا : آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا غيرنا،فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فجمعهم فخطبهم ثم قال : « يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله ؟ قالوا : صدق الله ورسوله قال : » ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله ورسوله ؟ «،قالوا : صدق الله ورسوله قال : » ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله ورسوله ؟ «،قالوا : صدق الله ورسوله،ثم قال : » ألا تجيبون ألا تقولون أتيتنا طريدا فآويناك وأتيتنا خائفا فأمناك «،ثم قال : » ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدخلونه دوركم لو أنكم سلكتم واديا أو شعبا وسلك الناس واديا أو شعبا لسلكت واديكم أو شعبكم،ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني «
حم 3/57(11153) وعبد بن حميد (915) صحيح(1/194)
5- " آجَرَ غُلاَمَهُ سَنَةً،ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ،قَالَ : يَبِيعُهُ إِنْ شَاءَ. " (ش) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى،عَنْ هِشَامٍ،عَنِ الْحَسَنِ ؛ فِي رَجُلٍ آجَرَ غُلاَمَهُ سَنَةً،ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ،قَالَ : يَبِيعُهُ إِنْ شَاءَ.
مصنف ابن أبي شيبة (ج 6 / ص 384)(21807) حسن مقطوع
6 - " آجرتُ نَفسي مِن خَديجةَ سَفرتينِ بِقلوصٍ " (هق) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ : أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِىُّ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ سَهْلٍ التُّسْتُرِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلاَءً حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلاَلِىُّ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : اسْتَأْجَرَتْ خَدِيجَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَفْرَتَيْنِ إِلَى جُرَشَ كُلُّ سَفْرَةٍ بِقَلُوصٍ. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ وَفِى رِوَايَةِ أَبِى مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« آجَرْتُ نَفْسِى مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ ».
السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 118)(11976) و ك 3/182 (4834) والثقات 8/317 وعدي 3/131ونبوة 2/66 حسن لغيره
القلوص : الجمل
7 -"آجَرَكِ اللَّهُ أَمَا إِنَّكِ لَوْ كُنْتِ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ" (د) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ فَأَعْتَقْتُهَا فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ آجَرَكِ اللَّهُ أَمَا إِنَّكِ لَوْ كُنْتِ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ.
د(1690) وحم(26277) وخ(2452) وم(999)
( كانت لي جارية ) : أي مولودة مملوكة في ملكي ( آجرك الله ) : بالمد والقصر أي أعطاك الله جزاء عملك ( أخوالك ) : جمع الخال لأنهم كانوا محتاجين إلى خادم من ضيق الحال ( كان أعظم لأجرك ) : لأن في إعطائها صلة الرحم والصدقة وفي الإعتاق الصدقة فقط . . عون
ـــــــــــــــ
4-المسند الجامع
تأليف :
بشار عواد معروف - السيد أبو المعاطي محمد النوري - أحمد عبد الرزاق عيد - أيمن إبراهيم الزاملي - محمود محمد خليل
مصادره :
لقد قمنا بختيار مجموعة نفيسة من كتب الحديث لتكون أساساً لهذا الكتاب هي في حقيقتها الأمهان في هذا الموضوع وانتقينا لعملنا اجود الطبعات لاتي وقفنا عليها فأصبح كتابنا هذا يجمه جميع الأحاديث وطرقها الواردة في الكتب التالية
1 - الموطأ
2 - المسند لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي
3 - المسند - لأبي عبد الله أحمد بن حنبل
4 - المسند لأبي محمد عبد بن حميد
5 - السنن لأبي محمد عبد الله عبد الرحمن الدارمي
6 - الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري
7 - الأدب المفرد للبخاري أيضاً
8 - رفع اليدين للبخاري
9 - جزء القراءة خلف الإمام للبخاري
10 - خلق أفعال العباد للبخاري
11 - الجامع الصحيح : لأبي الحسن مسلم بن حجاج القشيري
12 - السنن لأبي داود
13 - السنن لابن ماجه
14 - الجامع لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي
15 - الشمائل للترمذي
16 - الزوائد : وهي ما زاده عبد الله بن احمد بن حنبل(1/195)
17 - السنن لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
18 - عمل اليوم والليلة للنسائي
19 - فضائل القرآن للنسائي
20 - فضائل الصحابة للنسائي
21 - صحيح ابن خزيمة
ترتيبه :
وهو مرتب على أسماء الصحابة ترتيبا ألف بائيًّا،فيبدأ 1- آبي اللَّحْم الغِفَارِيُّ
وينتهي ب 712 - يُونُس بن شَدَّاد
ثم بعد ذلك مسند الكنى - حرف الألف - أبو أُبي الأنصاري،وينتهي ب 808 - أبو يزيد
ثم الأبناء- من ابن أبي حدرد الأسلمي = حتى القيسي
ثم مسانيد جماعة من الصحابة رُوي عنهم فلم يُسَمَّوْا رتبنا أحاديثهم على ترتيب أسماء الرواة عنهم - يبدأ من أُبي بن كعب،عن رجل من الأنصار - حتى 1074 - غالب القطان،عن رجل،عَنْ أَبِيه،عن جده
ثم مسند النساء يبدأ من 1075 - أسماء بنت أبي بكر الصديق،وينتهي بمسند 1231 - أم الكرام،عن امرأة بمكة
طريقة الترتيب داخل الترجمة :
إذا كان الراوي من المقلين،ذكرت أحاديثه كلها دون ترتيب معين،وكلنه مرتبة حسب الراوي عنه من التابعين ألف بائيًّا،مثاله 2- أُبَيُّ بن عِمَارَةَ الْمَدَنِيُّ
2- عن أَيُّوب بن قَطَن،عن أُبَي بن عِمَارة ؛ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ،أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : يَوْمًا ؟ قَالَ : يَوْمًا . قَالَ : وَيَوْمَيْنِ ؟ قَالَ : وَيَوْمَيْنِ . قَالَ : وَثَلاَثَةً ؟ قَالَ : نَعَمْ،وَمَا شِئْتَ.
أخرجه أبو داود (158) قال : حدَّثنا يَحيى بن مَعِين،قال : حدَّثنا عَمْرو بن الرَّبِيع بن طارق.
كلاهما (يَحيى،وعَمْرو) عن يَحيى بن أَيُّوب،عن عَبْد الرَّحْمان بن رَزِين،عن مُحَمد بن يَزِيد،فذكره.
3- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ،عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : يَوْمًا ؟ قَالَ : وَيَوْمَيْنِ . قَالَ : وَثَلاَثًا،حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا،قَالَ لَهُ : وَمَا بَدَا لَكَ.
أخرجه ابن ماجة (557) قال : حدَّثنا حَرْمَلَة بن يَحيى،وعَمْرو بن سَوَّاد،المِصْرِيان،قالا : حدَّثنا عَبْد الله بن وَهْب،قال : أنبأنا يَحيى بن أَيُّوب،عن عَبْد الرَّحْمان بن رَزِين،عن مُحَمد بن يَزِيد بن أَبي زِيَاد،عن أَيُّوب بن قَطَن،عن عُبَادَة بن نُسَيّ،فذكره.
وأما إذا كان من المكثرين فيكون الترتيب حسب الموضوع الذي ورد الحديث به في الأغلب من العقيدة فالعبادات فالمعاملات ....
مثال : 3- أُبَيُّ بن كَعْب الأَنْصَارِيُّ
الطهارة
4- عَنْ أَبي أَيُّوبَ،قَالَ : أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ؛
أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ،إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ المَرأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ ؟ قَالَ : يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي.
أخرجه أحمد 5/113(21403) قال : حدَّثنا يَحيى بن سَعِيد . وفي 5/113(21404) قال : حدَّثنا أبو مُعَاوِيَة . وفي 5/114(21405) قال: حدَّثنا مُحَمد بن جَعْفَر،قال : حدَّثنا شُعْبة . و"البُخَارِي" 1/81(293) قال : حدَّثنا مُسَدَّد،قال: حدَّثنا يَحيى . و"مسلم" 1/185(705) قال : حدَّثنا أبو الرَّبِيع الزَّهْرَانِي،قال : حدَّثنا حَمَّاد (ح) وحدَّثنا أبو كُرَيْب،مُحَمد بن العَلاَء،قال : حدَّثنا أبو مُعَاوِيَة . وفي 1/185(706) قال : وحدَّثنا مُحَمد بن المُثَنَّى،قال : حدَّثنا مُحَمد بن جَعْفَر،قال : حدَّثنا شُعْبة . و"عَبْد الله بن أحمد" 5/114(21406) قال : حدَّثني عُبَيْد الله بن عُمَر القَوَارِيرِي،قال : حدَّثنا حَمَّاد بن زَيْد.
أربعتهم (يَحيى بن سَعِيد،وأبو مُعَاوِيَة،وشُعْبة،وحَمَّاد بن زَيْد،وعَبْدَة) عن هِشَام بن عُرْوَة،عن أبيه،عن أَبي أَيُّوب الأَنْصَارِي،فذكره.
الصلاة
11- عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , قَالَ:(1/196)
كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ رَجُلاً أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ , وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ , قَالَ : فَقِيلَ لَهُ , أَوْ قُلْتُ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِى الظَّلْمَاءِ وَفِى الرَّمْضَاءِ , قَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ.
أخرجه أحمد 5/133(21531) قال : حدَّثنا سُفْيان،عن عاصم . وفي (21532) قال : حدَّثنا علي بن إِسْحَاق،حدَّثنا عَبْد الله بن المُبَارك،أنبانا عاصم الأَحْوَل . وفي (21533) قال : حدَّثنا يَحيى ابن سَعِيد،عن التَّيْمِي . وفي (21534) قال : حدَّثنا مُحَمد بن جَعْفَر،حدَّثنا شُعْبة،عن عاصم . و"عَبد بن حُميد" 161 قال : أخبرنا يَزِيد بن هارون،أخبرنا سُلَيْمان التَّيْمِي . و"الدارِمِي" 1284 قال : أخبرنا يَزِيد بن هارون،حدَّثنا التَّيْمِي . و"مسلم" 2/130(1459) قال : حدَّثنا يَحيى بن يَحيى،أخبرنا عَبْثَر،عن سُلَيْمان التَّيْمِي . وفي (1460) قال : وحدَّثنا مُحَمد بن عَبْد الأَعْلَى،حدَّثنا المُعْتَمِر (ح) وحدَّثنا إِسْحَاق بن إبراهيم،قال : أخبرنا جَرِير،كلاهما عن التَّيْمِي . وفي (1461) قال : حدَّثنا مُحَمد بن أَبي بَكْر المُقَدَّمِي،حدَّثنا عَبَّاد بن عَبَّاد،حدَّثنا عاصم . وفي (1462) قال : وحدَّثنا سَعِيد بن عَمْرو الأَشْعَثِي،ومُحَمد بن أَبي عُمَر،كلاهما عن ابن عُيَيْنَة (ح) وحدَّثنا سَعِيد بن أَزْهَر الواسطي،قال : حدَّثنا وَكِيع،حدَّثنا أَبي،كلهم عن عاصم . و"أبو داود" 557 قال : حدَّثنا عَبْد الله بن مُحَمد النُّفَيْلِي،حدَّثنا زُهَيْر،حدَّثنا سُلَيْمان التَّيْمِي . و"ابن ماجة" 783 قال : حدَّثنا أحمد بن عَبْدَة،حدَّثنا عَبَّاد بن عَبَّاد المُهَلَّبِي،حدَّثنا عاصم الأَحْوَل . و"عَبْد الله بن أحمد" 5/133(21535) قال : حدَّثني عُبَيْد الله ابن مُعَاذ بن مُعَاذ العَنْبَرِي،حدَّثنا المُعْتَمِر،قال : قال أَبي رَحِمَهُ الله . وفي (21536) قال : حدَّثنا مُحَمد بن أَبي بَكْر المُقَدَّمِي , حدَّثنا عَبَّاد بن عَبَّاد , حدَّثنا عاصم . و"ابن خزيمة" 450 و1500 قال : حدَّثنا أحمد بن عَبْدَة الضَّبِّي،أخبرنا عَبَّاد،يَعْنِي ابن عَبَّاد المُهَلَّبِي،عن عاصم. وفي (1500) قال : حدَّثنا مُحَمد بن عَبْد الأَعْلَى الصَّنْعَانِي،حدَّثنا المُعْتَمِر،عن أبيه (ح) وحدَّثنا يُوسُف بن مُوسَى،حدَّثنا جَرِير،عن سُلَيْمان التَّيْمِي.
كلاهما (سُلَيْمان التَّيْمِي،وعاصم) عن أَبي عُثْمَان النَّهْدِي،فذكره.
الجنائز
25- عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :
مَنْ صَلَّى عَلَى جَِنَازَةٍ،فَلَهُ قِيرَاطٌ،وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ،فَلَهُ قِيرَاطَانِ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،الْقِيرَاطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ هَذَا.
أخرجه أحمد 5/131(21520) قال : حدَّثنا يَزِيد بن هارون . و"ابن ماجة" 1541 قال : حدَّثنا عَبْد الله بن سَعِيد،قال : حدَّثنا عَبْد الرَّحْمان المُحَارِبِي.
كلاهما (يَزِيد , والمُحَارِبِي) عن حَجَّاج بن أَرْطَاة , عن عَدِي بن ثابت , عن زِرّ بن حُبَيْش , فذكره.
وهكذا حتى آخر أحاديثه
طريقة ذكر الحديث :
يأتون بذكر التابعي الذي روى عن الصحابي الحديث ثم اسم الصحابي ثم نص الحديث المرفوع،ثم ذكر من أخرجه كما في المثال السابق
مزايا هذا الكتاب :
- ضبط النصوص والرجال بشكل دقيق،وهذا مهم جدًّا لطالب لطالب العلم،لكثرة التصحيف في كتب الحديث سواء بالنص أو بأسماء الرواة .(1/197)
- يمكن الرجول للحديث بسهولة سواء أكان صاحبه من المقلين أو المكثرين وإن كان الثاني يحتاج لبحث وصبر .
- معرفة الأسانيد كخريطة أمام المرء،فيظهر فيها التصريح برواية المعنعن أو المختلط ونحو ذلك أو المنقطع من علوم السند
- جمعه لأهم كتب السنة النبوية
المؤاخذ على هذا الكتاب :
- اعتماده على بعض كتب الحديث دون غيرها،فقد تركوا كتبا هامة جدًّا
- عدم وجود حكم على الحديث،فلا بد من الرجوع للكتب الأخرى لمعرفة الحكم على الحديث صحة وضعفاً
- عدم شرح الغريب،وهو كثير في الأحاديث النبوية
- عدم ذكر الروايات الموقوفة أو المرسلة بالكتب المفهرس لها
- عدم وجود فهارس للأحاديث مما يجعل البحث فيه صعيا ولا سيما للمكثرين من الصحابة .
ـــــــــــــــ
5- جامعُ الأحاديث
ويشتمل على جمع الجوامع للإمام السيوطى،والجامع الأزهر وكنوز الحقائق للمناوي،والفتح الكبير للنبهاني
النسخة الوحيدة المرتبة هجائيا في قسمي الأقوال والأفعال
ترتيبه الجديد :
هذا الكتاب قام بعض طلاب العلم بخدمته خدمة جليلة،وهي ترتيب جميع أحاديثه القولية والفعلية على حروف المعجم ترتيباً ألف بائيًّا دقيقا .
أما الأقوال فتبدأ بالحديث :
- آتِى باب الجنة فأسْتَفْتِح فيقول الخازنُ مَن أنت فأقول محمدٌ فيقول بك أُمرتُ أن لا أفتح لأحد قبلك (أحمد،وعبد بن حميد،ومسلم عن أنس)
أخرجه أحمد (3/136،رقم 12420)،وعبد بن حميد (ص 379،رقم 1271)،ومسلم (1/188،رقم 197) . وأخرجه أيضًا : ابن منده فى الإيمان (2/838،رقم 867)،وأبو عوانة (1/138،رقم 418).
وتنتهي بالحديث :
27237- اليوم الرهان وغدًا السباق والغاية الجنة الهالك من دخل النار أنا الأول وأبو بكر الثانى وعمر الثالث والناس بعد على السبق الأول فالأول (الطبرانى،وابن عدى،والخطيب عن ابن عباس،وفيه أصرم بن حوشب متروك)
أخرجه الطبرانى (12/118،رقم 12645)،وابن عدى (1/404)،والخطيب (7/31) . وأخرجه أيضًا : الطبرانى فى الأوسط (1/191،رقم 605) . قال الهيثمى (10/228) : فيه أصرم بن حوشب،وهو متروك،وفى إسناد الأوسط الوليد بن الفضل العنزى،وهو ضعيف جدًّا .
وأما الأفعال :
فتبدأ بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة،وهي مرتبة على الأحرف الألف بائية داخل الترجمة
مثال في مسند أبي بكر رضي اله عنه :
27238- عن الحسن قال : أبصر أبو بكر طائرا على شجرة فقال طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر لوددت أنى ثمرة ينقرها الطير (ابن المبارك،والبيهقى فى شعب الإيمان) [كنز العمال 35698]
أخرجه ابن المبارك (1/81،رقم 240)،والبيهقى فى شعب الإيمان (1/485،رقم 786) .
27239- عن القاسم بن محمد قال : أبصر عمر عاصما ابنه مع جدته أم أمه فكأنه جاذبها إياه فلما رآه أبو بكر مقبلا قال أبو بكر مه مه هى أحق به فما راجعه عمر الكلام (مالك،وعبد الرزاق،وابن سعد،وابن أبى شيبة،والبيهقى) [كنز العمال 14022]
أخرجه مالك (2/767،رقم 1458)،وعبد الرزاق (7/155،رقم 12602)،والبيهقى (8/5،رقم 15543) .
وأخرجه أيضًا : سعيد بن منصور (2/139،رقم 2269) .
27240- عن معمر عن عبد الكريم قال : أتى أبو بكر برأس فقال بغيتم (عبدالرزاق،والبيهقى) [كنز العمال 11726]
أخرجه عبد الرزاق (5/306،رقم 9701)،والبيهقى (9/132،رقم 18133).
وأخرجه أيضًا : سعيد بن منصور (2/288،رقم 2652) .
وأما مسانيد بقية الصحابة فهي متربة على الأحرف الألف بائية،فتبدأ ب
مسند آبى اللحم الغفارى
35268- عن آبى اللحم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أحجار الزيت يستسقى مقنع بكفيه يدعو (أحمد،والترمذى،والنسائى،والحاكم،والبغوى،وأبو نعيم،قال الترمذى : ولا يعرف له إلا هذا الحديث،ورواه سمويه فى فوائده بلفظ يدعو الله،ورواه البارودى بلفظ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى السوق عند أحجار الزيت . . . الحديث) [كنز العمال 23542](1/198)
ويتنهي بمسند يوسف بن عبد الله بن سلام.
فإن كان له حديث واحد فهو بغير ترتيب،وإن كان له أكثر من حديث فهو مرتب حسب الأحرف الألف بائية،كما في مسند أُبَىِّ بن كعب (مثلاً)
35278- عن أبى بن كعب قال : آخر آية أنزلت {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}الآية [التوبه : 128] (أحمد،والحاكم،والطبرانى) [كنز العمال 4412]
أخرجه أحمد (5/117،رقم 21151)،والحاكم (2/368،رقم 3296)،والطبرانى (1/199،رقم 533) .
35279- عن ابن عباس قال : أتى على زمان وأنا أنزل أطفال المسلمين مع المسلمين وأطفال المشركين مع المشركين حتى حدثنى أبى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - سئل عنهم فقال الله أعلم بما كانوا عاملين (الطيالسى) [كنز العمال 39804]
أخرجه الطيالسى (ص 72،رقم 537) .
35280- عن زر قال قلت لأبى بن كعب : أخبرنى عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا ابن مسعود سئل عنها فقال : من يقيم الحول يصيبها،فقال : رحم الله أبا عبد الرحمن والله لقد علم أنها فى رمضان ولكن كره أن تتكلوا والله والله إنها لفى رمضان ليلة سبع وعشرين،قلت : أبا المنذر أنى علمت ذاك قال : بالآية التى أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت ما الآية قال : تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع (أحمد،ومسلم،والحميدى،وأبو داود،والترمذى،والنسائى،وابن خزيمة،وابن الجارود،وأبو عوانة،والطحاوى،وابن حبان،والبيهفى فى شعب الإيمان،والدارقطنى فى الأفراد) [كنز العمال 24496]
أخرجه أحمد (5/130،رقم 21232)،ومسلم (1/525،رقم 762)،والحميدى (1/185،رقم 375)،وأبو داود (2/51،رقم 1378)،والترمذى (3/160،رقم 793)،والنسائى فى الكبرى (2/274،رقم 3410)،وابن خزيمة (3/332،رقم 2193)،والطحاوى (3/92)،وابن حبان (8/444،رقم 3689)،والبيهقى فى شعب الإيمان (3/330،رقم 3685) .
ثم بعد ذلك الكنى،وتبدأ بمسند أَبى أُبَى ابن أُم حرام واسمه عبد الله بن أبى ويقال عبد الله بن كعب ويقال عبد الله بن عمر
41322- عن إبراهيم بن أبى عبلة العقيلى أنه لقى أبا أبى ابن أم حرام الأنصارى فأخبره : أنه صلى مع النبى - صلى الله عليه وسلم - القبلتين ورأى عليه كساء خز أغبر (أحمد،وابن منده،وابن عساكر)
أخرجه أحمد (4/233،رقم 18077) .
وتنتهي بمسند أبى اليسر
ثم مسند رجال من الصحابة لم يسموا
42702- عن أبى الأحوص عن أبيه قال : أَبْصَرَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا ثِيَابًا خُلْقَانًا،فَقَالَ لِي : أَلَكَ مَالٌ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ،قَالَ : أَنْعِمْ عَلَى نَفْسِكَ،كَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ،قُلْتُ : إِنَّ رَجُلا مَرَّ بِي فَقَرَيْتُهُ،فَمَرَرْتُ بِهِ،فَلَمْ يَقْرِنِي،أَفَأَقْرِيهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ "
حديث صحيح،قال أحمد بن حنبل ربما غلط وهو صاحب قرآن وخبر .
وينتهي بالحديث 42858- عن عبد ربه بن صالح عن عروة بن رويم أنه سمع يحدث عن الأنصار عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : يكون فى أمتى رجفة يهلك فيها عشرة آلاف عشرون ألفا ثلاثون ألف يجعلها الله موعظة للمتقين ورحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين (ابن عساكر) [كنز العمال 31414]
أخرجه ابن عساكر (40/230)
ثم مسانيد النساء مرتبة،ويبدأ بمسند أسماء بنت أبى بكر الصديق (42859 ) وينتهي بمسند ابنة كعب بن مالك،ثم مسند نساء من الصحابة لم تسمين(43686)
ثم [ المراسيل ] وتبدأ بمراسيل إبراهيم (43699 ) وتنتهي بمراسيل مكحول وهي مرتبة على الأحرف كذلك .
ثم مستدرك ببعض الأحاديث تبد 44705- أبردوا بالصلاة فإن فيحها من حر جهنم (أحمد عن أبى هريرة)
وتنتهي بالحديث 45757- يقتل القاتل ويصبر الصابر (عبد الرزاق،والدارقطنى عن إسماعيل بن أمية مرسلاً)
وبهذه الطريقة يسهل الرجوع إليه الاستفادة منه
أهم ميزاته :
- جمع جلَّ الأحاديث النبوية القولية والفعلية(1/199)
- النصوص مدققة إلى حدٍّ كبير
- التخريج الجديد بهامش النصوص كما لاحظنا من خلال الأمثلة التي سقتها
- نقل كلام أئمة الجرح والتعديل في الحكم على الحديث غالباً،وهذه فائدة مهمة جدّا
أهم المؤاخذات عليه :
- هذا التقسيم بالرغم من الفوائد العظيمة التي يستفاد منها،صعب جدا على طالب العلم اليوم،لأنه يحتاج أن يعرف هل هو من الأقوال أو الأفعال أو المراسيل ونحو ذلك،فلو كان كله مرتبا على الأحرف قوليا كان أو فعليا موصولا أو مرسلا لكان الرجوع إليه أسهل بكثير ممما هو عليه الآن .
- هناك نصوص كثيرة غير مخرجة ولا محكوم عليها جرحا أو تعديلاً،مما يجعل طالب العلم يحتاج إلى الرجوع للكتب الأساسية لمعرفة الحكم على الحديث
- والكتاب ينقصه شرح الغريب وما أكثره فيه
ـــــــــــــــ
ثانيا
كتبُ الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس
المراد بالأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس،ما يدور على ألسنتهم ويتناقلون بينهم من الأقوال منسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وقد يكون بعض هذه الأحاديث صحيحاً أو حسناً،ولكن الكثير منها ضعيف أو موضوع أو لا أصل له،وبما أن انتشار مثل هذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة واشتهارها بين عامة المسلمين،يفسدُ على المسلمين دينهم،لاعتقادهم أنها مروية عن نبيهم،وبالتالي عملهم بمقتضاها وزعمهم أنه لا يصلح سواها،لذا قام كثيرٌ من العلماء المتخصصين بالحديث في أعصار متعاقبة بتصنيف كتب جمعوا فيها الأحاديث المشتهرة على الألسنة في تلك العصور،وبينوا صحيحها من سقيمها،وبينوا من رواها وخرجها من أصحاب المصنفات إن كان لها أصل. وذلك تحذيراً للناس من العمل بها والتأدب بأدبها إن كانت مكذوبة أو لا أصل لها.
و(الشهرة) في هذه الأحاديث ليست هي الشهرة الاصطلاحية التي معناها أن يروى الحديثُ من ثلاثٍ طرق أو أكثرَ؛ وإنما المراد بها الشهرةُ اللغويةُ،أي انتشار هذه الأحاديث على ألسِنَة الناس ومعرفتها لدى عامتهم.
وأكثر هذه المصنفات مرتب على نسق حروف المعجم،ومن هذه المصنفات(1):
1- التذكرة في الأحاديث المشتهرة،لبدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي (-794هـ). وسماه (اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة) وهو مشتهر،ومطبوع باسم (التذكرة في الأحاديث المشتهرة)(2)،وهو مرتبٌ على أبواب الفقه،وهو الوحيد من كتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة الذي رُتب على أبواب الفقه،أما بقية الكتب الآتية فهي مرتبة على حروف المعجم.
2- اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة،مما ألفه الطبع،وليس له أصل في الشرع لابن حجر (-852هـ).
3- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة،لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي (-902هـ).
وهو أجلّ هذه الكتب،وهو نافع جداً في التخريج ولا يُستغنى عنه أبداً.
4- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة،لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي (-911هـ). وهو عبارةٌ عن تلخيصٍ لكتاب الزركشي السابق،وزاد عليه السيوطي في (الدرر المنتثرة)،ثم جاء ابن طولون -وهو متأخر عن الأئمة السابقين- فألف كتاباً سماه (الشذْرة في الأحاديث المشتهرة) وهو مطبوع،جمع فيه مؤلفه بين الكتب الثلاثة السابقة،وليس له في الكتاب إلا الجمع .
5- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث،لعبدالرحمن بن علي بن الديبع الشيباني (944هـ).
6- البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير،لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني (973هـ).
7- تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس،لمحمد ابن أحمد الخليلي (1057 هـ).
__________
(1) - تراجع أسماء هذه المصنفات في الرسالة المستطرفة ص 191-192 للكتاني،وتحذير المسلمين لمحمد البشير ظافر.
(2) - هذا في الطبعة القديمة التي حققها : مصطفى عبدالقادر عطا ،أما في طبعة د. محمد لطفي الصباغ فهو مطبوع بالإسمين .(1/200)
8- إتقان ما يحسن من الأحاديث الدائرة على الألسن،لنجم الدين محمد بن محمد الغزي (985هـ) جمع فيه بين كتاب الزركشي وكتاب السيوطي وكتاب السخاوي،وزيادات حسنة عليها،وجاء حفيد المصنف وهو أحمد بن عبدالكريم الغزي فالتقط من كتاب جده السابق ما وصف بأنه "لا يثبت فيه حديث" في كتاب سماه (الجدّ الحثيث في بيان ما ليس بحديث)،حققه الشيخ : بكر أبو زيد،وجاء إمام آخر وهو الجينيني -إبراهيم بن سليمان بن محمد الجِيْنيني-،فأخذ زيادات كتاب الغزيّ (إتقان ما يحسن) على (المقاصد الحسنة)،حتى يبرز هذه الزيادات ويبين ماهي الإضافات التي أضافها الغزيّ على السخاوي .
9- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس،لإسماعيل بن محمد العجلوني (1162هـ).
وهو عبارة عن خلاصة الكتب السابقة
10- أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب،لمحمد بن درويش الشهير بالحوت البيروتي (1276 هـ) جمعها له ولده أبو زيد عبدالرحمن(1).
وإليك تفصيل الكلام في ثلاثة كتب من أهم هذه الكتب في بابهما :
ــــــــــــــ
الأول
المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة
مؤلفه:
هو أبو الخير وأبو عبد اللَّه،محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر الملقب بشمس الدين،السخاوي الأصل،القاهري المولد والنشأة،الشافعي المذهب،الإمام شيخ الإسلام،وحافظ العصر،ومفتي المسلمين،المؤرخ المحقق،النسابة العمدة،الرحالة الناقد،وارث علوم الأنبياء،الفرد الفريد،وبيت القصيد - ينسب لسَخَا - وهى قرية غربيّ الفسطاط بمصر - بلد آبائه،وهو مولود بالقاهرة،بحارة بهاء الدين،بجوار مدرسة البُلقيني،في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة،وتحول منها إلى سكن بجوار الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني،عند بلوغه الرابعة من عمره،ودخل المكتب،فحفظ القرآن،وجوده،وحفظ كثيراً من المئون،وقرأ وسمع وقابل الشيوخ،وروى عن العلماء وحمل عنهم كثيراً،ولازم شيخه حافظ الدنيا أحمد بن حجر،وظهرت عبقريته،حتى شهد له شيخه بأنه أمثل جماعته ورحل إلى البلاد المصرية،والحجازية،وإلى حلب،وحماة،وبعلبك،ودمشق. يروي عن علماء هذه البلاد،وتلك الأمصار،ويعقد مجالس الإملاء،ويحدث بمروياته ومؤلفاته،وبرع في العلوم النقلية والعقلية،وشهد له العلماء: من شيوخه وأقرانه،بأنه حجه وإمام وحافظ،وولَى قراءة الحديث في كثير من المدارس المصرية،وانتهت إليه رياسة علم الحديث،وعلم التاريخ،وصنف كثيراً من المصنفات في علوم الحديث والتاريخ،كانت مرجع العلماء وأهل التخصص،ولم ينازعه أحد في إمامة علماء الجرح والتعديل،ونقد الرجال،لما حصله من تلك العلوم،بالرحلة ولقاء الشيوخ،وملازمة الحافظ ابن حجر،حتى أصبح وارث علمه،ولم يغمط السخاوي حقه إلا منافس،حاسد مما يكون عادة بين المعاصرين.
أثنى عليه شيوخه،وفي مقدمتهم شيخه ابن حجر،وأقرانه وتلامذته والعلماء بعده،ممن قرأ كتبه ومؤلفاته،ووصفوه،بأنه: عمدة الحفاظ،وشيخ الإسلام،وإمام المحدثين،وشيخ السنة،ومفتي المسلمين،ونحو ذلك من الألقاب العلمية،والأوصاف العلية،وممن وصفه بذلك: الزين قاسم الحنفي،والبدر ابن القطان،والتقي ابن فهد،وأبو ذر الحلبي،والتقي القلقشندي،والبلقيني،والمناوي،والسراج العبادي،والتقي الحصني،والزين زكريا الأنصاري،والبدر العيني،والمحيوي الكافياجي،وابن ظهيرة،والشمس القرافي،وغيرهم ممن أنصفه،وعرف له حقه.
غير أن بعض المعاصرين له،من أقرانه قد تحركت في نفوسهم الأحقاد حسداً منهم له على ما ناله من المرتبة العلمية والشهرة العالمية،فتكلموا في شأنه،وانتقصوه في علمه،ونقموا منه أموراً ومسائل،أصابوا في قليل منها. والكمال للَّه وحده،والكثير منها مردود عليهم،وذلك عادة الأقران،في كل الأزمان.
__________
(1) - انظر : أصول التخريج ودراسة الأسانيد ص 60-61.(1/201)
وللسخاوي كثير من المؤلفات،غير ما ذكرنا. وكلها محررة متقنة،عم النفع بها،وصارت مرجعاً للعلماء والمحققين،جزى اللَّه السخاوي بما يجزي به الصديقين،وأعلى درجته في عليين،وأوسع له في رمسه،وسقى جدَثَه،وروح روحه،وأضاء ضريحه ورضي عنه وأرضاه،آمين.
وتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام في يوم الأحد من السنة الثانية بعد التسع مائة (902)(1).
عددُ الأحاديث:
اشتمل الكتاب على ست وخمسين وثلاثة مائة بعد الألف (1356هـ).
سببُ تأليفه للكتاب:
يذكر لنا المؤلف أن سبب تأليفه لكتابه هو سؤال بعض الأئمة من إخوانه أن يؤلف كتابا يجمع لهم فيه الأحاديث المشتهرة على الألسنة وأن يبين المعتبر منها.
وقد قوَّى من عزمه وشدَّ من أزره،ما ذكره من كثرة التنازع لنقل مالا يعلم في ديوان،مما لا يسلم عن كذب وبهتان،ونسبتهم إياه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع عدم خبرتهم بالمنقول،جازمين بإيراده،عازمين على إعادته وترداده،غافلين عن تخريجه(2).
ترتيبُه للكتاب:
رتبَّ المؤلفُ أحاديث الكتاب حسبَ حروف المعجم فجعل الهمزة مع الهمزة ثم الهمزة مع الباء ثم الهمزة مع التاء وهكذا إلى آخر الحرف ثم بدأ بحرف الباء ومرر حرف الباء مع حروف المعجم كلها وهكذا في بقية الحروف.
وإليك مثالاً على حرف الباء مثلا:
(279) حديث: الباذنجان لما أكل له،باطل لا أصل له،
(280) حديث: الباقلا،ليس بثابت
(281) حديث: باكروا بالصدقة،فإن البلاء لا يتخطاها
(282) حديث: البتيراء
(283) حديث: البحر هو جهنم
(284) حديث: بخلاء أمتي الخياطون،لم أقف عليه.
(285) حديث: البخيل عدو اللَّه لا أصل له.
(286) حديث: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ
ويلاحظ مما سبق أنه لم يجعل للمحلى بأل عنواناً خاصاً به أو ملحقا به في نهاية الحرف.
وأحبُّ أن أنبه الباحث إلى عدة نقاط منها:
1- أنه عقد عنواناً خاصا لحرف (لا) اللام ألف ناهية كانت أو نافية.
2- لم يعقد عنواناً خاصاً لأحاديث النهي ولم يذكرها ضمن حرف النون(3).
3- لم يعقد فصلا خاصاً للشمائل ولم يذكرها في حرف الكاف(4).
طريقته في التخريج:
بعد أن يذكر المؤلف النصَّ مسبوقاً بلفظ حديث يذكر:-
1- من أخرجه من الأئمة على وجه الإجمال دون التفصيل.
2- يذكر اسم الصحابي أو الصحابة الذين اشتركوا في نقل الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3- يذكر غالباً الألفاظ التي جئ بها الحديث وإذا كان للحديث سببٌ ذكره كذلك.
4-إذا كان في أحد الأسانيد رجل ضعيف ذكره وبينه.
5- يذكر الشواهد والمتابعات التي قد يتقوَّى بها الحديث.
6- يذكر حكم الأئمة على الحديث،فإن خالف حكمه حكمهم نصَّ على ذلك.
وإليك مثالين فقط أوضح بهما ما ذكرت:
المثال الأول:
1158 - حديث: « مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(5).
__________
(1) - الأعلام 6/194،الضوء اللامع 8/2- 32 الكواكب السائرة 1/53،شذرات 8/15.
(2) - مقدمة الكتاب ص 3،4.
(3) - راجع الكتاب من ص 141 إلى ص 450.
(4) - المرجع السابق من ص 311 إلى ص 330.
(5) - ت (1283) ومي 2/228 و ك 2/55 وهق 9/126 و طب 4/217 وسنة 9/335 و ترغيب 2/295 و قط 3/67 و 68 و تلخيص 3/15 وحم 5/414 و صحيح الجامع (6412) وهو حديث صحيح(1/202)
أحمد والدارمي والترمذي وقال: حسن غريب،والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم،والطبراني وغيرهم من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي أيوب به مرفوعاً،وفي سنده ضعيف،وتصحيح الحاكم له على شرط مسلم منتقد،فيحيى بن عبد اللَّه راويه عن أبي عبد الرحمن لم يخرج له واحد من الشيخين،وأخرجه البيهقي في أواخر الشعب بسند آخر عنه فيه انقطاع،ولكن في الباب عن حريث بن سليم العذري عن أبيه في الدارقطني بسند فيه الواقدي،وعن عمران بن حصين عند الحاكم،وعن أبي موسى الأشعري عند الدارقطني،وعن علي عند الحاكم وأبي داود في آخرين(1).
المثال الثاني:
1213 - حديث: موتوا قبل أن تموتوا،قال شيخنا: - يعني الحافظ ابن حجر - إنه غير ثابت.(2)
طريقةُ التخريج من هذا الكتاب:
إذا أردت أن تخرج حديثاً اشتهر على ألسنة الناس مستعيناً بهذا الكتاب لتقف على موضعه في كتب السنَّة ورُتْبَتِه عند علماء الحديث فيجب معرفة أول الحديث ثم تبحث عنه في موضعه،فإذا كان أوله همزة فابحث عنه في حرف الهمزة،فإن وقفت عليه وعرفت من أخرجه،فارجع إلى المراجع الأصلية في هذا،ثم تقول مثلا أخرجه البخاري في كتاب كذا باب كذا رقم كذا جزء كذا صفحة كذا طبعة كذا عن فلان.
مميزات الكتاب:
وهو كتاب جامع،وفيه من الصناعة الحديثية ما ليس في غيره،والنّكَات العلمية ما خلا منه غيره(3)،مع التحرير والإتقان،قال ابن العماد الحنبلي(4): وهو أجمع من كتاب السيوطي المسمى بالدرر المنتثرة،في الأحاديث المشتهرة،وفي كل منهما ما ليس في الآخر. ولذا أصبح محط أنظار العلماء،فتناولوه بالدرس،والاختصار. فاختصره: أبو الحسن،علي بن محمد المنوفي المالكي،المتوفى سنة (939). من تلاميذ السيوطي،في كتابه المسمى "بالوسائل السنية من المقاصد السخاوية"،والجامع،والزوائد الأسيوطية،ولعلها اشتبهت بالدرة اللامعة،التي سبق ذكرها،والتي نسبها البشير ظافر إلى أحمد بن محمد المنوفي،ولكنها لعلي بن محمد المنوفي هذا،ولم تشتهر بهذا الاسم،فلم ينسبها صاحب الرسالة المستطرفة إلى مؤلف معلوم له.
هذا،وما زالت المقاصد الحسنة،مرجع العلماء المحققين،ولن تزال كذلك،لتحرير أحكامها وحسن نظامها،فعم الانتفاع بها،وذلك دلالة على حسن مقاصد السخاوي،جزاه اللَّه جزاء العاملين،وأجرى عليه ثواب المنتفعين.
ومما زادها حسناً،ما حباها اللَّه من الفضل،بتعليق المحدث أبي الفضل. العبقري الشيخ عبد اللَّه بن محمد الصديق الغماري،فله على الكتاب تعليقات وتحريرات،ومكملات،واستدراكات،أكملت النفع بالكتاب،وفضيلة الأستاذ المحدث،قد وهبَ قريحة وقادة وحافظة واعية،وبصيرة نفاذة. قلما تجد في هذا الباب مثلَه،أو عبقرياً يفري فَرْيَه،وسترى،فيما يمر عليك من تعليقاته،أنه حرر ما فات المؤلفَ تحريره،وأكمل ما بيض له المصنف،وزاد ما لم يطبع في النسخة المطبوعة في الهند،من أصل كان يملكه المرتضى الزبيدي وعليه خطه،وأزال الشكوك والأغاليط التي كانت تعترض القارئ،من رداءة الطباعة الحجرية الهندية،وإليك أمثلة توضح لك مجهوده،وتوضح لك مزايا هذه الطبعة الجديدة،مما يستحق به الشاب النجيب،السيد محمد نجيب الخانجي،كثير الشكر والثناء،لقيامه بإعادة طبع هذا الكتاب
- فمن ذلك. أنه استدرك على المصنف في حديث الأبدال رقم (8). حديثاً من رواية أبي داود السجستاني في سننه وهو على شرط الصحيحين،وبه يتغير الحكم على الحديث ويصير صحيحاً لا ضعيفاً كما ذكره المؤلف
__________
(1) - المقاصد الحسنة ص 422. و كشف الخفاء (2553) وأسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب - (ج 1 / ص 278) 1443
(2) - المرجع السابق ص 439 وكشف الخفاء (2669) وأسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب(1540)
(3) - ظفر الأماني للكنوي.
(4) - شذرات الذهب.(1/203)
- وحديث في آداب الأكل بيض له المصنف،ولم يتكلم عليه وهو رقم (54) فتكلم عليه الأستاذ - وحديث،في خطبة الجمعة،جهل المصنف أمره،ولم [ص م] يجده،فأثبته الأستاذ المحدث من تاريخ واسط وهو رقم (72)
- وحديث نقص من المطبوعة،فأكمله الغماري من نسخة مخطوطة يملكها الزبيدي وعليها خطه،وهو حديث،في النية رقم (119).
وكثير من ذلك(1)،أجزل اللَّه له الثواب ونفع بالكتاب. ولكن لا تخلو بعض تعليقات الغماري من نظر .
والخلاصة :
1- أنه خرج من كتب كثيرة بعضها ما زال مخطوطاً إن لم يكن مفقوداً.
2- أنه يوقف الباحث على الألفاظ التي جيء بها الحديث حين ذكره لمصادر التخريج.
3- أنه حكم على الأحاديث فأراح الباحث وأذهب عنه مشقة العناء.
4- أنه ذكر الشواهد والمتابعات مما يجعل الحكم على الأحاديث ميسوراً.
عيوبُه:
1- لا يمكن الاستفادة من هذا الكتاب إلا لمن حفظ أول الحديث.
2- إذا أراد الباحث أن يجمع أحاديث موضوع معين فلا يمكنه إلا بقراءة الأحاديث كلها وهذا شاق عسر.
3- أن الكتاب اقتصر على نوع معين من الأحاديث وهي المشتهرة دون الباقي.
وله طبعات كثيرة،وقد صحح الكتاب وعلق عليه الشيخ عبدالله محمد الصديق أحد علماء الأزهر الشريف والقرويين،وقدم للكتاب وترجم لمؤلفه الشيخ عبدالوهاب عبداللطيف وقام بنشر الكتاب مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد(2).
ـــــــــــــــ
الثاني
كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس
مؤلفه:
إسماعيل بن محمد بن عبدالهادي بن عبدالغني العجلوني المولد. الدمشقي المنشأ والوفاة،ولد بعجلون سنة (1087) سبع وثمانين بعد الألف وتوفي بدمشق سنة اثنتين وستين ومائة بعد الألف.
عددُ الأحاديث:
اشتمل الكتاب على: (3281) إحدى وثمانون ومائتان وثلاثةآلاف(3).
سببُ تأليفه لكتابه:
ذكر المؤلف سبب تأليفه لكتابه في مقدمته فقال: (إن من أعظم ما صنف في هذا الغرض،وأجمع ما ميز فيه السالم من العلة والمرض،الكتاب المسمى بالمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة،لكنه مشتملٌ على طول يسوق الأسانيد التي ليس لها كبير فائدة إلا للعالم الحاوي،ومن ثم لخصته في هذا الكتاب مقتصرا على مخرج الحديث وصحابيه روما للاختصار،غير مخل إن شاء الله تعالى بما اشتمل عليه مما يستطاب أو يستحسن عند أئمة الحديث الأخيار،وضاما إليه مما في كتب الأئمة المعتبرين كاللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة لأمير الحفاظ والمحدثين من المتأخرين الشهاب أحمد بن حجر العسقلاني،بلغنا الله وإياه في الدارين الأماني )(4).
ثم يقول في موضع آخر (كما أن الأحاديث المشتهرة على الألسنة قد كثرت فيها التصانيف،وقلما يخلو تصنيف منها عن فائدة لا توجد في غيره من التأليف فأردت أن ألخِّصَ مما وقفتُ عليه منها مجموعا لتقرَّ به أعين المنصفين وليكون مرجعاً لي ولمن يرغب في تحصيل المهمات من المستفيدين)(5).
ترتيبُه للكتاب:
رتب المؤلف كتابه حسب حروف المعجم كترتيب الأصل - المقاصد الحسنة - ليكون أسهل في المراجعة،قال المؤلف: (ورتبته على حروف المعجم كأصله،ليكون أسهل في المراجعة لنقله،لكن لا أرمز بحروف إلى المخرجين كالنجم،بل أصرح بأسمائهم دفعا للبس والوهم جعله الله خالصا لوجهه الكريم،وسببا للفوز بجنات النعيم)(6).
وأود هنا أن أسجل للقارئ عدة ملحوظات هي:
1- أنه بدأ بحديث إنما الأعمال بالنيات تصحيحاً لنيته وهذا صنيع كثير من المحدثين،ثم راعى الترتيب بعد ذلك.
__________
(1) - نسخة المقاصد الحسنة الجديدة.
(2) - انظر: القول البديع ص 147-150.
(3) - الأعلام 1/325،هدية العارفين 1/220. سلك الدرر 1/259،معجم المؤلفين 2/292.
(4) - كشف الخفاء ومزيل الإلباس - (ج 1 / ص 8)
(5) - كشف الخفاء ومزيل الإلباس - (ج 1 / ص 7)
(6) - كشف الخفاء ومزيل الإلباس - (ج 1 / ص 10)(1/204)
2- أنه راعى في الترتيب الكلمة الأولى دون الثانية مما جعل الترتيب غير دقيق ومثال ذلك.
1158 - (الحكمة عشرة أجزاء،تسعة منها في العزلة،وواحد في الصمت)
رواه ابن عدي وابن هلال عن أبي هريرة.
1159 - (الحكمة ضالة المؤمن) ....
فكان من الأولى تقديم حرف الضاد على العين ولكنه قدم الحكمة عشرة أجزاء على الحكمة ضالة المؤمن(1).
3- لم يجعل للمحلى بأل عنواناً خاصاً به،أو ملحقاً به في نهاية الحرف،ولكنه اعتبر الكلمة مجردة منه.
4- أنه حينما مرر حرف الهمزة مع حروف الهجاء كلها ذكر ذلك صراحة فيقول بين قوسين (الهمزة مع الباء) (الهمزة مع الجيم) وهكذا إلا أنه أخلَّ بذلك النسق في الهمزة مع التاء.
5- أدرج شمائله - صلى الله عليه وسلم - ضمن حرف الكاف.
6- أنه عقد عنواناً خاصاً لحرف (لا) لام ألف.
مصادرُ الكتاب ورموزه:
لقد اعتمد العجلوني على مصادر متعددة وكثيرة أشار إلى بيان مَن أكثر منها،ومَن لم يكثر منها ذكرها باسمها مصرحا بها في ثنايا الكتاب،وإليك بيانُ مَن أكثر منها في التخريج مع ذكر رموزها:
1- المقاصد الحسنة وهو الكتاب الأصل الذي اعتمد عليه العجلوني ولخصه.
2- اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة لابن حجر العسقلاني وقد رمز إليه باللآلئ.
3- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث وقد أشار إليه بقوله (التمييز).
4- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للحافظ جلال الدين السيوطي.
5- حلية الأولياء لأبي نعيم وأشار إليه بقوله (أبو نعيم).
6- صحيحي البخاري ومسلم وأشار إليه بقوله (رواه الشيخان أو اتفقا عليه أو متفق عليه) وإن كان في أحدهما قال رواه البخاري أو مسلم.
7-مسند أحمد بن حنبل وأشار إليه بقوله (أحمد).
8- شعب الإيمان للبيهقي وأشار إليه بقوله (رواه البيهقي).
9- سنن الإمام أبو داود.
10-سنن الإمام الترمذي.
11-سنن الإمام النسائي.
12- سنن ابن ماجة.
وقد أشار إلى رواية هؤلاء الأربعة مجتمعة بقوله (رواه الأربعة) (وإذا قال رواه الستة) فالمراد به الصحيحان والسنن الأربع.
13- إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن للشيخ نجم الدين الغزي وأشار إليه بقوله (النجم).
14- الأسرار المرفوعة في الأخبار المصنوعة لملا علي القاري وأشار إليه بقوله (قال القاري).
15- المشارق لحسن محمد الصغاني وأشار إليه بقوله (قال الصغاني).
هذه هي الكتب التي أكثر من ذكرها والعزو إليها،أمَّا مَن لم يكثر التخريج منها والعزو إليها فإنه يذكرها صراحة مصرِّحاً باسمها.
ولا يظنُّ القارئ أن جميع ما ذكر في الكتاب مشهورٌ على الألسنة بل فيه غير ذلك قال المؤلف: (وربما تعرضت لحديث ليس من المشهورات لمناسبة أو غيرها من المقاصد الصحيحات.)(2).
طريقةُ التخريج من الكتاب:
إذا أراد الباحث أن يكشف عن حديث اشتهر على ألسنة الناس وأن يعرف مصادره الأصلية التي أخرجت الحديث بسنده مستعينا بكتاب (كشف الخفا ومزيل الإلباس) أن يتأكد من معرفة لفظ الحديث،وبخاصة طرفه الأول على الأقل ليصل إلى الحديث المراد تخريجه.
وبالمثال يتضح المقال:
إذا أردت أن تخرج حديث (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) مثلا،فعليك أن تأتي بحرف التاء مع الباء والسين في الكتاب(3):
__________
(1) - كشف الخفا ص 435.
(2) - كشف الخفا 1/8.
(3) - كشف الخفاء ومزيل الإلباس - (ج 1 / ص 296)(1/205)
945 - (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) رواه الترمذي عن أبي ذر بزيادة وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ،وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ،وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ،وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ،وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ. رواه أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي الدرداء .(1)
وهذا تخرج إجمالي يحتاج إلى تفصيل وبيان. فتقول أخرجه الترمذي في كتاب كذا،باب كذا،رقم كذا،جزء كذا صفحة كذا عن فلان طبعة كذا.
أهمُّ ميزات الكتاب :
1. هو أجمع كتاب في الأحاديث المشهورة
2. لخص ما قاله الأقدمون
3. زاد أشياء كثيرة أثناء التخريج
كقوله في الحديث 948 - (تحفة المؤمن الموت) رواه ابن المبارك والطبراني والحاكم وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما،وللديلمي عن الحسن : الموت ريحانة المؤمن،وله عن مالك بن مغول بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت لما يرى من كرامة الله وثوابه،وله عن سفيان قال كان يقال : الموت راحة العابدين،ورواه الديلمي عنه بلفظ تحفة المؤمن في الدنيا الموت،ورواه بلفظ الترجمة الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عمر،وفي الفتوحات : الموت اليوم للمؤمن تحفة،والنعش له محفة،لأنه ينقله من الدنيا إلى محل لا فتنة فيه ولا بلوى،فليس بخاسر ولا مغبون من كان آملا المنون،فإن فيه اللقاء الإلهي والبقاء الكوني،ولو علم المؤمن ماذا بعد الموت لقال في كل نفس يا رب أمت يا رب أمت انتهى.
أهمُّ المؤآخذ على الكتاب :
1. كثيرا ما يهمل الحكم على الحديث وهو بيت القصيد،كما مرَّ في الحديثين الماضين،بينما السخاوي يحكم على كل الأحاديث التي يذكرها،ففي هذه الناحية لا يغني عنه .
2. غالب الأحاديث التي يذكرها في التخريج لا يحكم عليها،ومن ثم تقل فائدته الحديثية في التخريج .
3. أن المؤلف اختصر كلام السخاوي والمخرّجين اختصاراً شديداً جداً،حتى لربما اكتفى في بعض الأحيان بذكر اسم العالم فقط،أما الأسانيد التي كان يسوقها السخاوي والكلام عليها وما يتعلق بها فحذفه كله،ولم يُبقِ إلا على شئٍ يسير من ذلك،وهذا مما يقلل فائدة الكتاب .
4. ذكر أشياء في التعليق على بعض الأحاديث غير صحيحة،منها أوهام وقصص وحكايات وخرافات،أو عقائد منحرفة
يقول في الحديث 6 - آخرُ منْ يدخلُ الجنةَ رجل يقال له جهينة،فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين.
رواه الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما،وفي رواية عن ابن عمر رفعه بلفظ: إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة. الحديث،ورواه الدارقطني في غريب مالك بزيادة في آخره وهي: سلوه هل بقي من الخلائق أحد يعذب؟ فيقول: لا،وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد.
وفي المقاصد الحسنة للسخاوي - (ج 1 / ص 399)(719 ) حديث: عند جهينة الخبر اليقين،الدارقطني والخطيب في الرواة عن مالك لكل منهما،ولثانيهما عزاه الديلمي في مسنده من حديث ابن عمر رفعه: آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين،هل بقي من الخلائق أحد،وذكره الميانشي في كتابه "الاختيار في الملح من الأخبار والآثار"،والسهيلي،بل هو في ترجمة الوليد بن موسى من ضعفاء العقيلي بسنده إلى أنس مطولاً،وقال الدارقطني - وقد أخرج حديث ابن عمر في غرائب مالك له من وجهين عن جامع بن سوادة،عن زهير بن عباد عن أحمد بن الحسين اللهبي عن عبد الملك بن الحكم بسنده -: هذا الحديث باطل،وجامع ضعيف،وكذا عبد الملك انتهى.
وانظر الحديث في الكشف 1955 - كلوا الزيت وادهنوا به فإنه مبارك.
__________
(1) - انظر تخريجه مفصلاً في المسند الجامع - (ج 37 / ص 387) (12285)(1/206)
أحمد والترمذي وابن ماجه عن عمر وفي الباب عن غيره،ومنه كما في الجامع الصغير ما رواه ابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة بلفظ كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة،ومنه كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء منها الجذام - رواه أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
وهو في المقاصد 833 - حديث: كلوا الزيت وادَّهنوا به فإنه مبارك،أحمد والترمذي وابن ماجه عن عمر،وابن ماجه فقط عن أبي هريرة،وصححه الحاكم على شرطهما،وفي لفظ: فإنه من شجرة مباركة،وفي الباب عن جماعة.
فقارن بينهما تجد الفرق شاسعاً .
إن كتاب "المقاصد الحسنة" للحافظ السخاوي -رحمه الله- يعتبر من ناحية الصناعة الحديثية هو أقوى كتاب في الكلام على الأحاديث حتى إن العجلوني -كما سنعلم- يقول: إنه جمع مقاصد كلام السخاوي.
كلام السخاوي في المقاصد يعتبر أقوى كلام من جهة الصنعة الحديثية وتطويل النَّفَس في الكلام على علة الحديث،ومخرجه،وصحته،وضعفه... وغير ذلك. فكتاب المقاصد -على صغر حجمه- ليس فيه من الأحاديث إلا هذا القدر اليسير 1356 بالنظر إلى ما في "كشف الخفاء" يعتبر أقل من النصف لكنه من حيث التحرير،والصناعة الحديثية،والدقة،والإتقان في النقد،وبيان علة الحديث،ومدار الضعف،وغير ذلك يعتبر كتاب المقاصد أفضلَ هذه الكتب على الإطلاق.
والكتاب مطبوع في جزئين طبعة: مؤسسة الرسالة بتحقيق الأستاذ أحمد القلاش،ولكن دون التعليق على الأحاديث إلا ضبظ كلمة أو شرح كلمة غريبة،وليس فيه كبير فائدة،ولكن قد ألحق بالكتاب فهرسا رتبه حسب الأبواب الفقهية ليتم النفع به وتكمل الاستفادة .(1)
ــــــــــــــ
الثالث
كتاب أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب
لمحمد بن درويش الشهير بالحوت البيروتي (1276 هـ) جمعها له ولده أبو زيد عبدالرحمن .
وهو كتاب مختصر وقيم جدّا،ويتكلم على الحديث باختصار شديد،وعدد الأحاديث المرتبة على الأحرف (1782 ) حديثاً،وفي آخره فوائد نادرة جدًّا،ولكنه نحى منحى المتشددين في قبول الأخبار،فوقع في أخطاء عديدة،وقد قمت منذ زمان بتخريج أحاديثه والتعليق عليه،ولم ينشر بعد .
نموذج منه :
1-حديث آتى باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك رواه مسلم
2-آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر موضوع كما قال ابن الجوزي وغيره
3-آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة رواه الترمذي وهو ضعيف
4-آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل من كلام ابن عباس حبر الأمة فهو موقوف
5-آخر من يخرج من النار رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة سلوه أو عند جهينة الخبر اليقين قال ابن الجوزي وغيره موضوع
6-آدم عليه السلام وأنه لما حج وقتل قابيل هابيل ملح البحر وتغيرت طعوم الثمار وأنه لما حضر وعلم ما جرى من ولده قابيل أنشد قوله تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح وقابيل لقد أردى أخاه فيا أسفي مضى الوجه المليح خبر باطل لا يدل عليه دليل ولم يرد في نص صحيح ولا ضعيف
7-آفة العلم النسيان أورده جمع وفيه ضعف وانقطاع
8-آل محمد كل تقي أورده تمام والديلمي بأسانيد ضعيفة
9-آمن شعر أمية ابن أبي الصلت وكفر قلبه رواه الخطيب وهو ضعيف
10-آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين فيه ضعيفان مؤمل الثقفي وأبو أمية بن يعلى الثقفي والثاني قال المناوي لا شيء
11-آية الكرسي ربع القرآن رواه أبو الشيخ وهو ضعيف
ومن الفوائد النادرة في آخره :
( فائدة )
__________
(1) انظر: القول البديع ص 152-153.(1/207)
اعلم أن قول المحدثين فلان متروك الحديث أو تركوا حديثه أو حرقوا حديثه يقتضي عدم العمل بما انفرد به وإذا تركوه فإما أن يكون خبره صحيحا في نفس الأمر أو كذبا لأنه لا واسطة بينهما فإن كان خبره كذبا في نفس الأمر فالحكم ظاهر والترك حينئذ في محله وإن كان خبره صدقا في نفس الأمر وتعلق به حكم شرعي يطلب العمل به وجوبا أو ندبا فلا يعمل به أيضا ؛ لأن أهل العلم أطبقوا على عدم العمل بخبر واه تفرد به المتروك بل أطبقوا على عدم العمل بالضعيف من الأحكام(1)وعليه فيكون خبر المتروك بمنزلة الموضوع من حيث العمل به وعدم العمل به،وأما تسمية حديثه موضوعا فلا يطبقونها عليه إلا بعد يقين أو غلبة ظن لأنه قد يصدق الكذوب ويروي خبرا صحيحا إلا أنه إذا رد خبره سقط العمل به لعدم الوثوق به فكأنه لم يبلغنا خبره أصلا .
( فائدة )
نقل عن الإمام أحمد أنه قال ثلاثة كت بليس لها أصل المغازي والملاحم والتفسير،قال الخطيب في جامعه: إن ذلك محمول على كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها لعدم عدالة ناقلها وزيادة القصاص فيها فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة ولم يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة وأما كتب التفسير فمن أشهرها كتاب الكلبي ومقاتل بن سليمان وقد قال أحمد في تفسير الكلبي من أوله إلى آخره كذب قيل له أفيحل النظر فيه ؟ قال لا .
وأما المغازي فمن أشهرها كتاب محمد بن إسحاق وكان يأخذ من أهل الكتاب وكتب محمد بن عمر الواقدي قال الشافعي تبعا لمالك إنها كذب وذكر على بن المديني أن الواقدي روى ثلاثين ألف حديثا لا أصل لها وليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة وهو من رجال الصحيح ثقة ثبت في الحديث وحديثه في البخاري وغيره
( فائدة )
قد صنفت في كتب الحديث وجميع ما احتوت عليه موضوع منها موضوعات القضاعي ومنها الأربعون الودعانية قال الصاغاني أول هذه الودعانيات كأن الموت فيها على غيرنا كتب وآخرها ما من بيت إلا وملك يقف على بابه كل يوم خمس مرات قال السيوطي في الذيل إن الأربعين الوعانية لا يصح فيها حديث موفوع وإن كان فيها كلام حسن وموعظة وقد سرقها ابن ودعان من واضعها زي بن رفاعة ويقال إنه الذي وضع رسائل إخوان الصفا وكان من أجهل خلق الله في الحديث .
ومنها كتاب فضل العلماء للشرف البلخي وأوله من تعلم مسألة من الفقه فله كذا
ومنها كتاب العروس المنسوب للإمام أبي الفضل سيدنا جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين -رضي الله عنهم- قال الديلمي أسانيده واهية وأحاديثه منكرة لا يعتمد عليها ولعل واضعه نسبه للإمام المذكور لأجل رواجه وقبوله عند الناس لما هو مشهور به من العلم والصدق
ومنها كتاب يدعى بمسند أنس البصري مقدار ثلاثمائة حديث يرويه سمعان ابن المهدي عن أنس وأوله أمتي في سائر الأمم كالقمر في النجوم وقال في الذيل سمعان بن المهدي لا يكاد يعرف نسبت له نسخة مكذوبة قطع الله من وضعها وفي لسان الميزان هي من رواية محمد بن مقاتل الرازي عن جعفر بن هارون عن سمعان
ومنها وصايا علي -رضي الله عنه- التي وضعها حماد بن عمر النصيبي وأولهما كما ذكر الصاغاني يا علي لفلان ثلاث علامات ومنها إذا تزودت فلا تنس البصل ولا تسافر في انمحاق القمر ولا تجامع في نصف الشهر وآخرها يا علي قد أعطيتك في هذه الوصايا علم الأولين والآخرين وكلها موضوعة سوى حديث يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي
__________
(1) - قلت : إنْ حمل كلامُه على عدم وجوب العمل بالحديث الضعيف في الأحكام فصحيح ،وإن كان يقصد المنع مطلقاً فباطل ،لأنه قد ثبت عند الحنفية والحنابلة والمالكية العمل بالحديث الضعيف في الأحكام إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه ،وهو مقدم على رأي الرجال ،انظر كتابي( الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف ) .(1/208)
ومنها وصايا أبي هريرة بلفظ يا أبا هريرة كذا يا أبا هريرة كذا
ومنها وصايا فاطمة بلفظ يا فاطمة كذا يا فاطمة كذا
ومنها الأحاديث الموضوعة بإسناد واحد كأحاديث الشيخ المعروف بابن أبي الدنيا وهو الذي يزعمون أنه أدرك عليا وأخذ بركابه فقال له أمد الله في عمرك مداً وهذا غير ابن أبي الدنيا الذي يذكرونه في الكتب المعتمدة
ومنها أحاديث ابن شطور الرومي وأحاديث بشر ونعيم بن سالم وخراش عن أنس وأحاديث دينار عنه وأحاديث أبي هدبة إبراهيم بن هدبة
ومنها بضعا وثلاثين حديثا أخرجها الحارث بن أسامة عن داود بن المحبر قال العسقلاني كلها موضوعة كحديث إن الأحمق يصيب بحمقه أفجر من فجور الفاجر
ومنها بضعا وعشرين حديثا وضعها سليمان بن عيسى كحديث إن عدي بن حاتم الطائي ذكر أباه بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأطرى به وذكر سؤدده وشرفه وكرمه وعقله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الشرف والسؤدد والعقل في الدنيا والآخرة للعامل بطاعة الله فقال يا رسول الله إنه كان يقري الضيف وأثنى عليه بجميل فهل لا ينفعه ذلك شيئا قال إن أباك لم يقل قط رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ونحو هذا من الموضوع .
( وصل )
اعلم أن كتاب الأحياء لسيدنا الغزالي مع جلالة قدره وعلو مرتبته ورسوخ قدمه في العلم لا يعتمد عليه في الحديث لذكره في كتابه المذكور جملة من الاحاديث الموضوعة .
وكذلك كتاب تنبيه الغافلين للسمرقندي فيه كثير من الموضوع .
وكذلك كتب الترمذي الحكيم فيها جملة من الموضوع فلا يعتمد على ما انفرد به .
قال ابن أبي جمرة وابن القيم : إن الترمذي الحكيم شحن كتبه في الموضوع .
وكذلك كتاب الروض الفائق للحريفيش فيه كثير من الموضوع.
وفي كتب التصوف كثير من الموضوعات كحديث جذبة من جذبات الحق توازي عمل ثقلين ونحو ذلك .(1)
ميزاته:
1. الاختصار للكتب السابقة
2. الحكم على كل الأحاديث بعبارة واضحة
3. الابتعاد عن الحشو
4. الفوائد النادرة في آخره
المؤاخذ على الكتاب :
1. الاختصار الشديد قد يفسد المعنى
2. التشدد في بعض الأحيان بالحكم على الأحاديث
3. إطلاقه بعض العبارات غير الثابتة
كقوله 1593- حديث المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة،فيه ياسين العجلي قال في الميزان عن البخاري فيه نظر وفي المهدي أحاديث أفردت في التأليف وكلها فيها مقال .
وفي إطلاقه هذا نظر،فقد صحَّ بعضها وحسن البعض الآخر،فليست كلها فيها مقال .
أمثلة من تخريجي لأحاديث الكتاب :
(1401) من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه الترمذي وحسنه وقال ابن القطان فيه مرزوق التيمي مجهول.
أخرجه الترمذي (1931) وأحمد 6/450 والبيهقي 8/168والصمت (240) والإتحاف 6/284 وهو حديث صحيح موسوعة السنة (16976).
(1402) من رفع كتابا عن الطريق فيه بسم الله إجلالاً له كتب من الصديقين" رواه الدار قطني المقاصد (1124) والمجمع 4/169 وأصفهان 2/84 والخطيب 12/241 وجرجان 440 وسنده واهٍ.
(1406) من زرع حصد" ليس بحديث.
المقاصد (1127) والمصنوع (337) وهو مثل.
(1407) من زوى ميراثاً عن وارثه زوى الله عنه ميراثه من الجنة" رواه الديلمي بلا سند ولا يصح،ومعنى زوى أبعد.
المقاصد (1128) وبنحوه عند ابن ماجة الوصايا ب3 وسنده واهٍ.
(1408) من سئل عن علم فكتمه،ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" في طرقه كلها مقال إلا طريق أبي داود فهو حسن،وقال ابن القطان: فيه انقطاع،وقال ابن الجوزي: إنه واهٍ وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
أخرجه أحمد 2/263 و305 و495 والمجمع 1/163 والترمذي (2649) والحاكم 1/101 وابن ماجة (264) وغيرهم وهو حديث صحيح موسوعة السنة (17037).
(
__________
(1) - أسنى المطالب ج:1 ص:337 فما بعد(1/209)
1409) من سبق إلى مباح فهو له" هو معنى ما رواه أبو داود بسند جيد: من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له" قال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث،وصححه الضياء في المختارة.
المقاصد (1129) والتلخيص 3/63 والبيهقي 10/139 و142 وأبو داود (3071) والإصابة 1/41 وهو حديث حسن موسوعة السنة (17045).
(1410) من سبق العاطس بالحمد أمن من الشَّوْص واللَّوْص والعِلَّوص" ذكره ابن الأثير وهو ضعيف،ونظمه بعضهم بقوله:
من يبتدي عاطساً بالحمد يأمن من = شوص ولوص وعلوص كما وردا.
عنيت بالشوْص داء الضرس ثم بما = يليه داء البطن والرأس اتبع رشدا.
المقاصد (1130) والإتحاف 6/286 وبنحوه الأدب المفرد (952) موقوفاً وسنده صحيح والأصل ضعيف.
(1411) من سُرَّ فليولم" ليس بحديث.
المقاصد (1131) والكشف (2502) وهو كلام صحيح،والولائم مشروعة عند التزويج،ووكيرة الدار،والقدوم من سفر 000 المقاصد.
(1412) من سكن البادية جفا" فيه مقال: سند البزار حسن.
أخرجه أبو داود (2859) والترمذي (2256) والنسائي 7/195 وأحمد 1/357 والإتحاف 1/387 و6/126 وهو حديث صحيح موسوعة السنة (17012).
وفي الفوائد :
6-أحاديث الحُميراء :
قال ملا علي القاري: كل حديث فيه ذكر الحميراء لم يصح نحو: يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا (نصب الراية 1/102 والتلخيص 1/21 والأسرار (1186) وهو موضوع).
ويا حميراء لا تغتسلي بالماء المشمس فإنه يورث البرص (الأسرار (1187) وتنزيه الشريعة 2/25 وهو موضوع).
ونحو: خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء (الأسرار (1188) وقد مر برقم(600)،وإن نوزع في بعض أحاديث جاء فيها ذكر الحميراء (انظر بعض هذه الأحاديث مثل (يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم" وسنده صحيح النسائي (8951) والفتح 2/444 ومشكل 1/117،وحديث ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة،فقال: انظري يا حميراء ألا تكوني أنت،ثم التفت إلى علي وقال: إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها" أخرجه الحاكم 3/119 وصححه وهو كما قال في الموضوعات الصغرى ص 212 والأسرار 1189)هامش.
9-أحاديث المهدي:
كلها ضعيفة،ليس فيها ما يعتمد عليه،ولا يغتر بمن جمعها في مؤلفات
قلت : (هذا الكلام ليس صحيحاً بل صح من أخبار المهدي أكثر من خمسين حديثاً جمعتها في كتاب مستقل ينظر لزاماً وسميته الخلاصة في أخبار المهدي وانظر المنار المنيف ص 141-155 وجامع الأصول 10/327-332 والمجمع 7/313-318 وخلاصة الأمر فيه أنه من أولاد الحسن بن علي من أهل المدينة يفر لمكة ثم يبايع بالخلافة،ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ويقضي على الفتن الداخلية ويقاتل الروم وينتصر عليهم شمال حلب ثم يخرج الدجال فيعود المهدي ومن معه لحماية بيت المقدس عاصمة الإسلام ويحاصرهم الدجال ثم ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ويقتل الدجال).
11-أحاديث فضل البلاد:
قال ملا علي: كلُّ حديث في مدح بغداد وذمها،والبصرة والكوفة ومرو وقزوين وعسقلان والإسكندرية ونصيبين وإنطاكية فهو كذب.
قلت : (هذا الكلام صحيح بشكل عام وعليه بعض الكلام. من ذلك حديث في فضائل خراسان ومرو ولفظه: سيكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لأهلها بالبركة ولا يضر أهلها سوء" رواه أحمد والطبراني المجمع 10/64 وتنزيه 2/51 وسنده ضعيف فقط)
وأحاديث الشام ومصر لم تصح أيضاً،وإن كان في بعضها خلاف اهـ(1/210)
قلت : (قد صحت أحاديث كثيرة في فضائل الشام جمعتها في كتاب فنافت على الثلاثين انظر جامع الأصول 9/349-353 والمجمع 10/54-63 ومختصر الإتحاف 5/331-334 وفي مصر صح أكثر من حديث مثل (إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم فاستوصوا بهم خيراً فإنهم قوة لكم وإبلاغ إلى عدوكم بإذن الله سيعني قبط مصر) رواه أبو يعلى وهو حديث صحيح انظر المجمع 10/63-64 ومختصر الإتحاف 5/334).
ـــــــــــــــ
ثالثاً
المفاتيح والفهارس العلمية
الفهارس والكشافات الحديثة التي صُنعت في أواخر الكتب المحققة أو التي أُفردت بالتصنيف،فكثيرٌ من محققي كتب السنّة يعتنون بصنع فهارس على أطراف الأحاديث في تلك الكتب،وبعضها أعمال جيدة متقنة،وبعضها يعتريه النقص،وعلى كلِّ حال فهي مهمةٌ ومُعينةٌ في التخريج .
لقد انتشرت ظاهرة صنع الفهارس العلمية التي تضمنت ترتيب الأحاديث على أوائل الكلمات،وقد شاع ذلك حتى أصبح صنع فهرس الأحاديث من تمام تحقيق الكتب الحديثية وغيرها من كتب العلوم الأخرى التي يستشهد أصحابها بالأحاديث،وحقَّ لنا أن نصف هذا العصر بأنه (عصر الفهرسة) وهذا فتح كبير قرب سبل الوصول إلى الحديث الذي نرغب بتخريجه،ومن هذه الفهارس ما يلي:
1-مفتاح الصحيحين: اشترك في وضعه كل من: محمد صادق إسماعيل ومحمد حسن العقبي وزكريا علي يوسف،وهو مرتب على الأبجدية،يشير إلى الأجزاء والصفحات لطبعة الشعب وطبعة استانبول.
2- مفتاح الصحيحين: لمحمد الشريف بن مصطفى التوقادي،وقد رتب أحاديث البخاري ومسلم على حروف المعجم ذاكراً الكتاب ورقم الباب،وقد أشار في مقدمته إلى الطبعات التي اعتمد عليها،فمن لم يكن لديه تلك الطبعات يمكنه الاستفادة بالإحالة على الكتاب.
3-هداية الباري إلى ترتيب أحاديث صحيح البخاري للسيد عبدالرحيم عنبر الطهطاوي،وقد رتب فيه أحاديث تجريد صحيح البخاري للزبيدي على حروف المعجم.
4- دليل فهارس صحيح البخاري إعداد مصطفى بن علي البيومي.
5- كشاف صحيح أبي عبدالله البخاري،وضعه مصطفى كامل وصفي بالترتيب الأبجدي للألفاظ والموضوعات وأسماء الأشخاص والأعلام.
6- دليل القاري إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري،وضعه عبدالله بن محمد الغنيمان،فهرس فيه لأطراف الحديث أبجديا مع الإحالة للكتاب والباب والأرقام الأجزاء والصفحات لكتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر بتحقيق الأستاذ / محمد فؤاد عبدالباقي. ويمتاز بأنه حتى لو اختلفت الطبعة فإنك تستطيع أن تقف على الحديث ؛ لأنه عيّن لك اسم الكتاب والباب
7- فهارس صحيح البخاري،إعداد المكتب السلفي لتحقيق التراث بالقاهرة.
8- فهارس صحيح مسلم لفؤاد عبدالباقي وقد وضعه في الجزء الخامس والأخير من الطبعة التي قام بتحقيقها،والجزء المشار إليه قد ضمنه ستة فهارس،منها فهرس الأحاديث القولية المشار إليه هنا.
9- فهارس اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبدالباقي إعداد وترتيب عبدالرحمن دمشقية.
10-الفهرس العام لأحاديث سنن أبي داود لعبد المهيمن الطحان،وهو مرتب على حروف الهجاء،وهو يعتمد على الطبعة التي قام بتحقيقها عادل السيد،وعزت الدعاس وقد طبع ملحقا بتلك النسخة في الجزء الخامس.
ولكن صدرت طبعةٌ بعد ذلك بتحقيق محمد عوّامة وهي أجود الطبعات إلى الآن،لكن هذه الطبعة لم يصدر لها فهارس إلى الآن -وإن كان المحقق وعد بإصدار فهرس للكتاب
11- فهارس أحاديث وآثار سنن أبي داود،إعداد عبدالرحمن دمشقية.
12- مفتاح المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود،وضعه مصطفى البيومي،وهو ضمن عدة فهارس شملت الجزء الحادي عشر والأخير من الكتاب وهي على غرار فهارس صحيح مسلم التي وضعها محمد فؤاد عبدالباقي.
13- مفتاح سنن الترمذي،وضعه عبدالبر عباس وراجعه عزت الدعاس وهو ملحق بالطبعة التي حققها عزت عبيد الدعاس.(1/211)
14- فهرس سنن الترمذي على الطبعة التي حقق قسما منها أحمد شاكر،دار الكتب العلمية - بيروت.
15- فهرس سنن النسائي الصغرى،وضعه عزت الدعاس وهو يفهرس للطبعة التي حققها ورقم أحاديثها. و قد رقمها العلامة عبدالفتاح أبو غدة،وصنع لها مجلداً كاملاً للفهارس
16- مفتاح سنن ابن ماجه لمحمد فؤاد عبدالباقي وضعه آخر الطبعة التي حققها.
17- معجم جامع الأصول من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن الأثير،أعده ورتبه يوسف الشيخ محمد البقاعي في مجلدين كبيرين.
18- مفتاح موطأ الإمام مالك،وضعه محمد فؤاد عبدالباقي وهو ملحق بالطبعة التي حققها. والروايات الأخرى للموطأ غالبها خرج مطبوعاً محققاً ومفهرساً أيضاً
19- فهرس أحاديث مسند أبي داود الطيالسي،وضعه يوسف عبدالرحمن المرعشلي،ووليد راشد الجبلاوي على حروف المعجم.
20- ترتيب مسند أحمد بن حنبل على الحروف لابن كثير،وضم إليه زوائد الطبراني وأبي يعلى،وذكره السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ ص: 361.
21- فهارس مسند الإمام أحمد إعداد مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بدمشق إشراف إبراهيم الزيبق وآخرون وقد طبع في خمسة مجلدات.
22- مرشد المحتار إلى ما في مسند الإمام أحمد بن حنبل من الأحاديث والآثار،وضعه الأستاذ حمدي عبدالمجيد السلفي.
23- المنهج الأسعد في ترتيب أحاديث مسند الإمام أحمد لعبدالله ناصر الرحماني،وهو في أربعة مجلدات،وميزة هذا الكتاب أنه فهرس فيه ثلاث طبعات للمسند : الطبعة القديمة التي طبعت في ست مجلدات المطبوعة عام 1313هـ،والطبعة التي حققها الشيخ أحمد شاكر،والطبعة التي بترتيب الساعاتي (الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني)
24- فهرس أحاديث سنن الدارمي تأليف عبدالرحمن دمشقية وميرفت فاخوري.
وله فهرس مطبوع بإعداد أحمد بن عبدالله الرفاعي على أطراف الحديث وعلى المسانيد،وأخرج (سنن الدارمي) مصطفى البُغا أيضاً بفهرس في آخره .
25- فهرس أحاديث مسند أبي يعلى الحنبلي،وضعه حسين سليم أسد محقق الكتاب.
26- فهرس أحاديث المعجم الكبير للطبراني،وضعه آخر كل جزء محقق الكتاب حمدي عبدالمجيد السلفي.
27- فهارس المعجم الكبير للطبراني،إعداد عدنان عرعور،وقد طبع في ثلاثة مجلدات.
28- فهرس المعجم الأوسط للطبراني،وضعه محقق الكتاب محمود الطحان.
29- فهرس أحاديث معجم الطبراني الصغير،وضعه عبدالعزيز بن محمد السدحان في جزء مستقل على حروف المعجم.
30- الأطراف السنية لمجمع الزوائد والمطالب العالية إعداد عمر بن غرامة العمروي وهو مجلد كبير.
31- فهارس كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي إعداد أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول.
32- فهرس أحاديث مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،وضعه يوسف المرعشلي وجماعة،وهو مرتب على الأحاديث ومسانيد الصحابة.
33- فهرس أحاديث سنن الدار قطني،وضعه يوسف عبدالرحمن المرعشلي.
34- فهرس أحاديث مسند الشهاب القضاعي،وضعه محقق الكتاب حمدي عبدالمجيد السلفي بآخر الكتاب ورتبه على حروف المعجم.
35- فهرس أحاديث السنن الكبرى للبيهقي إعداد الدكتور يوسف عبدالرحمن المرعشلي.
36- فهرس أحاديث مسند الفردوس بمأثور الخطاب،وضعه محقق الكتاب السعيد بن بسيوني زغلول.
37- فهرس أحاديث الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان،وضعه محقق الكتاب كمال يوسف الحوت.
38- فهرس أحاديث نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول للحكيم الترمذي أعده د / يوسف عبدالرحمن المرعشلي.
39- فهرس أحاديث مسند الإمام الشافعي بترتيب المحدث البارع محمد عابد السندي أعده الدكتور يوسف عبدالرحمن المرعشلي.
40- فهرس أحاديث صحيح ابن خزيمة،منشورات المكتب الإسلامي في بيروت.
41- فهرس أحاديث الشفا للقاضي عياض،وضعه محققو الكتاب أسامة الرفاعي وجماعة،ورتبوا الأحاديث القولية على حروف المعجم.(1/212)
42- فهرس مصنف عبدالرزاق،إعداد المكتب الإسلامي للطباعة والنشر بيروت.
43- فهرس أحاديث مصنفي عبدالرزاق وابن أبي شيبة إعداد أبي عبدالله محمود الحداد.
43- فهارس مسند أبي عوانة إعداد عبدالرحمن دمشقية.
44- فهرس معاني الآثار للطحاوي إعداد عبدالرحمن دمشقية وسليمان الحرش.
45- فهرس أحاديث شرح السنة للبغوي إشراف زهير الشاويش.
46- فهارس كتب غريب الحديث للخطابي،والحربي،وابن قتيبة،إعداد نبيل بن يعقوب بن سلطان البصاره.
47- فهرس غريب الحديث للهروي،إعداد الدكتور محمود ميرة.
48- المرشد إلى كنز العمال،وهو فهرس أحاديث كنز العمال على حروف المعجم،وضعه نديم مرعشلي وابنه أسامة.
49- المنهج الأسعد في ترتيب أحاديث مسند الإمام أحمد معه الفتح الرباني للساعاتي وشرح الحافظ أحمد شاكر،أعده عبدالله ناصر عبدالرشيد رحماني.
50- فهارس كتاب جامع البيان،وكتاب التاريخ،وكتاب المنتخب،وجميعها للإمام الطبري،إعداد حسن محمود أبو هنية.
وهناك فهارس أيضاً كثيرة أخرجتها "دار عالم الكتب" وهي من الفهارس المتقنة،وأشرف على إصدار هذه الفهارس الدكتور : سمير طه المجذوب،وتجد في الغالب أن أربعة أو خمسة اشتركوا في إصدار فهرس واحد،وقد أصدرت فهرس لـ(مصنف عبدالرزاق) في أربع مجلدات،المجلد الأول والثاني على أطراف الحديث،والثالث والرابع على المسانيد،وأيضاً أخرجوا فهرس لـ(مستدرك الحاكم) في مجلدين ضخمين،وفهرس (لمجمع الزوائد ومنبع الفوائد) في أربعة مجلدات ضخام،وفهرس لـ(سنن الدارقطني) في مجلدين كبار،وفهرس لـ(نصب الراية) للزيلعي،وهي فهارس متقنة .
أيضاً من الفهارس المهمة كتاب (موسوعة أطراف الحديث النبوي) لأبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول،وميزة هذا الكتاب أنه جمع بين مائة وخمسين كتاباً،وخرج له ذيلٌ أيضاً،والكتاب غير دقيق،ولكنه مفيد ونافع في الإعانة على الوقوف على الحديث،ولا يُستغنى عنه ؛ لأنه ينفع كثيراً .
أيضاً من الكتب الجيّدة : (الجامع المفهرس لمصنفات الألباني) لسليم الهلالي،الذي فهرس فيه الأحاديث الواردة في مؤلفات الألباني المطبوعة .
هناك فهارس قديمة مما يدل على أن فكرة الفهرسة للكتب موجودة قديماً،ومن أقدم الكتب المفهرسة كتاب (المجروحين) لابن حبان،فقد فهرس أحاديثه ابن طاهر المقدسي -المشهور بابن القيسراني- في كتاب سماه(تذكرة الحفاظ) وهو مطبوع،حيث فهرس كتاب (المجروحين) على حروف المعجم،وميزة هذا الكتاب أنه ليس فهرساً فقط،بل هو فهرسٌ يذكر لك فيه حكم ابن حبان على الحديث بعد سياقه لطرفه،والراوي الذي تكلم في الحديث بسببه -أي: علة التضعيف-،ثم قد يضيف ابن طاهر رأيه الشخصي،وهذه فائدة مهمة جداً . وقد صنع ابن طاهر المقدسي -أيضاً- كتاباً آخر وهو (ذخيرة الحفاظ) فَهْرَسَ فيه كتاب (الكامل) لابن عدي،وقد طُبع هذا الكتاب في خمسة مجلدات،وفيه نفس المزايا السابقة من الفهرسة على أطراف الحديث،وقد يتعقب ابن طاهر المقدسي بعض الأحاديث في رأي خاص له .
هذه أهم الفهارس التي رُتبت على حروف المعجم .
وبهذا نستطيع أن نقول إنه قلما نجد كتابا من كتب التراث امتدت إليه بد عالم أو باحث لتحقيقه ونشره إلا وقد حظي بهذا النوع من الفهرسة حتى حق لنا أن نقول في أول البحث إن هذا العصر عصر الفهرسة لكتب السنة أو كتب التراث عموما.
ويؤخذ على هذا النوع من التصنيف أنه يهتم بترتيب الأحاديث القولية دون غيرها لصعوبة ترتيب الفعلية على حروف الهجاء.
ـــــــــــــــ
الطريقة الثانية -تخريج الحديث عن طريق معرفة الراوي الأعلى للحديث
علامَ تعتمدُ هذه الطريقة:
تعتمد هذه الطريقة علي معرفة الراوي الأعلى للحديث،والراوي الأعلى للحديث قد يكون صحابيا إذا كان الحديث متصلا،وقد يكون تابعيا إذا كان الحديث مرسلا.(1/213)
فإذا عرف الباحث الراوي الأعلى للحديث بطريقة ما فإنه يمكنه استخدام هذه الطريقة في تخريج الحديث،ذلك أن المؤلفين على هذه الطريقة رتبوا الأحاديث على الراوي االأعلى،فوضعوا تحت كل صحابي أحاديثه،وتحت كل تابعي أحاديثه.
أما إذا لم يكن الباحث على معرفة بالراوي الأعلى للحديث فإنه لا يمكنه استخدام هذه الطريقة،وعليه أن يسلك طريقة أخرى من طرق التخريج،نعم يمكنه إذا سلك طريقة أخرى وعرف منها الراوي الأعلى للحديث أن يعود إلى هذه الطريقة فينتفع بها،فإنها قريبة،وبها فوائد عديدة ستتضح من خلال الحديث عن مصادرها.
المصادرُ المعتمدة في هذه الطريقة:
المصادر المستخدمة في هذه الطريقة إلي نوعين:
1 ـ المصادر الأصلية،وتشمل:
أ ـ المسانيد.
ب ـ المعاجم.
2 ـ المصادر الفرعية،وتشمل:
أ ـ كتب الأطراف.
ب ـ كتب المجاميع (الجوامع).
وسنتحدث في الصفحات التالية ـ إن شاء الله تعالي ـ عن هذه الأنواع بشيء من التفصيل حتى يتسنَّى للباحث كيفية التخريج من المؤلفات أو المصنفات في هذا الشأن.
أولا: المسانيدُ :
تعريفُها:
المسانيد: هي الكتب التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدة،صحيحا كان أو حسنا أو ضعيفا من غير نظر للأبواب.
قال الخطيب في الجامع(1): (وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ تَخْرِيجَهَا عَلَى الْمُسْنَدِ وَضَمِّ أَحَادِيثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ).
وقد يطلق المسند على الكتاب الذي جمع عددا من الأحاديث غير أنها ليست مرتبة على الأسماء أو الحروف،وإنما مرتبة على الأبواب الفقهية،وذلك لأنها مسندة ومرفوعة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم،مثل مسند بَقِيِّ بن مخلد الأندلسي (ت 276 هـ).
مرتبة المسانيد بين المصادر الحديثية:
__________
(1) 0 الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ 2 / 284(1/214)
تعتبر المؤلفات على المسانيد من جهة الثبوت وعدمه في المرتبة التالية للمصنفات على الأبواب،قال الخطيب في الجامع (2/185): (وَمِمَّا يَتْلُو الصَّحِيحَيْنِ سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيِّ وَأَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ وَكِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ إِخْرَاجَ مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ كُتُبُ الْمَسَانِيدِ الْكِبَارِ مِثْلُ مُسْنَدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ،وَأَبِي الْحَسَنِ عُثْمَانَ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ النَّسَائِيِّ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْكَشِّيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِيِّ . وَمِنَ الطَّبَقَةِ الَّتِي بَعْدَ هَؤُلَاءِ مَا يُوجَدُ مِنْ مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ السَّدُوسِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الرَّازِيِّ وَمُسْنَدِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيِّ وَأَبِي يَعْلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيِّ ثُمَّ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْأَحْكَامِ الْجَامِعَةِ لِلْمَسَانِيدِ وَغَيْرِ الْمَسَانِيدِ مِثْلُ كُتُبِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمْ . وَأَمَّا مُوَطَّأُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي هَذَا النَّوْعِ وَيَجِبُ أَنْ يُبْتَدَأَ بِذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ لِغَيْرِهِ)(1)، وذلك من أجل عناية أصحابها ـ في الغالب ـ بجمع مرويات كل صحابي دون النظر إلى الصحة وعدمها.
كيفيةُ ترتيب المسانيد:
لقد اختلفت المناهج وتنوعت وجهات النظر في ترتيب المسانيد إلى ما يلي:
1 ـ منهم من رتب الصحابة على حروف الهجاء وهذا أسهل تناولا.
2 ـ ومنهم من رتبهم على القبائل.
3 ـ ومنهم من رتبهم بحسب السبق إلى الإسلام.
4 ـ ومنهم من رتبهم بحسب الشرافة النسبية وغير ذلك.
وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد كمسند أبي بكر،أو أحاديث جماعة منهم كمسند الأربعة،أو العشرة،أو طائفة مخصوصة جمعها وصف واحد كمسند المقلِّين،ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر إلى غير ذلك.
شرطُ أهل المسانيد في التأليف على هذا النوع:
1 ـ إفراد أحاديث كل صحابي على حدة.
2 ـ إستقصاء جميع أحاديث كل صحابي سواء رواه من يحتجُّ به أم لا،فقصدهم حصر جميع ما روي عنه،ومن هنا ضعفت رتبتها عن السنن.
3 ـ عدم النظر إلى الأبواب التي تلائم الحديث حيث يجد الباحث حديثا في الصلاة بجانب حديث في البيوع وحديثا في الزكاة بجانب حديث في الآداب وهكذا.
مميزاتُ التأليف على هذه الطريقة:
1 ـ تجريد الأحاديث النبوية عن غيرها،وجمعهم كثيرا من متونها و أسانيدها المشتملة على تعدد الطرق.
2ـ أن التأليف على هذه الطريقة سهل لأهل القرن الثالث حفظ الحديث وضبطه ومذاكرته ودرسه حتى كان الواحد منهم يحفظ المسند الكبير كما يحفظ السورة من القرآن.
__________
(1) - نفسه(1574)(1/215)
3 ـ يمكن تخريج الحديث منه بسهولة ويسر خاصة إذا كان الراوي مقلا في الرواية،أما إذا كان من المكثرين فإن المخرج يحتاج إلى صبر وتأنٍّ ليصل إلى الحديث المراد تخريجه.
4 ـ حصر الأحاديث التي رواها كل صحابي على حده.
5 ـ معرفة بلدان كثير من الصحابة وأماكن نزولهم التي ارتحلوا إليها وذلك كأن يقال مسند المكيِّين،أو الشاميِّين،أو البصريين إلى غير ذلك.
عيوبُ التأليف على هذه الطريقة:
1 ـ أن المطلع على المسانيد إذا لم يكن من أهل الفن المتضلعين فيه الواقفين على أحوال المتون والأسانيد فإنه يتعذر عليه الوقوف على درجة الحديث من الصحة والضعف والاحتجاج به من عدمه،إذ كل حديث في نظر المطلع يحتمل الصحة والضعف.
2 ـ من طلب أحاديث موضوع معين فعليه أن يقلب صفحات الكتاب بأكمله وهذا شاقٌّ على النفس وعسِرٌ عليها.
3 ـ أن المخرِّج إذا أراد أن يخرِّج حديثا للمكثرين من الصحابة كأبي هريرة وابن عمر وعائشة فإنه يحتاج إلى وقت طويل للعثور على الحديث،وقد يمرُّ عليه الحديث ولا يتنبه الباحث إليه لطول القراءة وتعبه الكبير وجهده المضني.
أهم المؤلفات في المسانيد:
المسانيد من حيث أعدادها كثيرة،وقد حصرها الأئمة في العدد فقالوا: بلغت المائة مسندا،أو ربما زادت،وقد عدد الكتاني منها في الرسالة المستطرفة اثنين وثمانين مسندا،ثم قال: والمسانيد كثيرة سوى ما ذكرناه(1)
وأهم هذه المسانيد:
1 ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)،وهو الذي يراد عند إطلاق كلمة مسند،أما في غيره فتقال مقيدة.
2 ـ مسند الحميدي: أبي بكر عبد الله بن الزبير (ت 219 هـ).
3 ـ مسند أبي داود الطيالسي (204 هـ).
4 ـ مسند أسد بن موسى الأموي (212 هـ).
5 ـ مسند مسددَّ بن مسرهدَ الأسدي البصري (228 هـ).
6 ـ مسند عبد بن حميد (249 هـ).
7 ـ مسند أبي يعلى: أحمد بن علي بن المثني الموصلي (307 هـ).
8- مسند البزار أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار البصري (292 هـ)
وسنتحدث في الصفحات التالية بشيء من التفصيل عن بعض هذه المسانيد.
ـــــــــــــــ
ا- مسندُ الإمام أحمد
التعريفُ بالمؤلِّف:
هُوَ: الإِمَامُ حَقّاً،وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ صِدْقاً،أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدِ بنِ إِدْرِيْسَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَيَّانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ عَوْفِ بنِ قَاسِطِ بنِ مَازِنِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَكْرِ وَائِلٍ الذُّهْلِيُّ،الشَّيْبَانِيُّ،المَرْوَزِيُّ،ثُمَّ البَغْدَادِيُّ،أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَالِدُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَجْنَادِ مَرْوَ،مَاتَ شَابّاً،لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَرُبِّيَ أَحْمَدُ يَتِيماً،وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَرْوَ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ.
فَقَالَ صَالِحٌ،قَالَ لِي أَبِي: وُلِدْتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ،سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
روي عن: عفان بن مسلم،ووكيع بن الجراح،وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون، وعبد الرحمن بن مهدي،وسفيان بن عيينة وغيرهم كثير من أجلة الشيوخ،فَعِدَّةُ شُيُوْخِهِ الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُم فِي (المُسْنَدِ): مائَتَانِ وَثَمَانُوْنَ وَنَيِّفٌ..
وروى عنه: البخاري،ومسلم،وأبوداود، وابناه عبد الله وصالح، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبوزرعة وأبوحاتم الرازيان،كما روى عنه بعض شيوخه كالشافعي، وابن مهدي، وعبد الرزاق، وروى عنه كثيرون غيرهم.
ثناء العلماء عليه:
__________
(1) - ص (46 ـ 59)(1/216)
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا كَانَ فِي البَيْتِ عَامَّةُ جُلُوسِه مُتَرَبِّعاً خَاشِعاً.فَإذَا كَانَ بَرَّا،لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ شِدَّةُ خُشُوعٍ،وَكُنْتُ أَدْخُلُ وَالجُزْءُ فِي يَدِهِ يَقْرَأُ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ،كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
وَعَنْ رَجُلٍ،قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيْثِ وَمَعَانِيْهِ مِنْ أَحْمَدَ.
أثنى على الإمام أحمد كثير من العلماء،وَقَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ مِنْ بَغْدَادَ،فَمَا خَلَّفتُ بِهَا رَجُلاً أَفْضَلَ،وَلاَ أَعْلَمَ،وَلاَ أَفْقَهَ،وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.(1)
وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ -يَعْنِي: عِلْمَ الحَدِيْثِ-: إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ،وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ،وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ،وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،فَأَحْمَدُ: أَفْقَهُهُم بِهِ،وَعَلِيٌّ: أَعْلَمُهُم بِهِ،وَابْنُ مَعِيْنٍ: أَجْمَعُهُم لَهُ،وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْفَظُهُم لَهُ.(2)
وقال أبو زرعة(3): ( كان أحمد صاحب حفظ وصاحب فقه،وصاحب معرفة،ما رأت عيناي مثل أحمد في العلم والزهد والفقه والمعرفة وكل خير).
وقال ابن حبان(4): (كان أحمد بن حنبل حافظا متقنا،ورعا،فقيها،لازما للورع الخفيِّ،مواظبا على العبادة الدائمة،به أغاث الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه ثبت في المحنة،وبذل نفسه لله عز وجل حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله من الكفر،وجعله علما يقتدَى به).
وفاته: توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة،عن سبع وسبعين سنة.
التعريف بالكتاب:
1 - اسم الكتاب: المسند،وذلك لأن أحاديثه مسندة،أي مروية بسند متصل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
2 - موضوعه: مرويات الإمام أحمد مرتبة على مسانيد الصحابة رضي الله عنهم
3 - مشتملاته: يشتمل المسند:
أ - من حيث عدد المسانيد: ذكر العلامة محمد بن جابر الوادي آشي(ت 749 هـ)(5): أن عدد مسانيد الإمام أحمد ستة عشر مسندا،وقال الحافظ ابن حجر في المعجم المؤسس(6): (مسند أحمد يشتمل على ثمانية عشر مسندا،وربما أضيف بعضها إلى بعض)،وذكر في (إطراف المسند المعتلي)(7)أنها سبعة عشر مسندا،وبتوجيه ابن حجر السابق يجمع بين هذه الأقوال.
وتلك الأرقام هي لأعداد المسانيد الرئيسة التي جعلها الإمام أحمد في مسنده كالكتب وترجم بها كقوله - مثلا -: (مسند بني هاشم) والحقيقة أنه يدخل تحتها عدة مسانيد للصحابة،وربما اقتصر على مرويات صحابي واحد فيها إذا كان من المكثرين،ويترجم له بقوله: (حديث ابن عباس) - مثلا -(8)
وأما عدد مسانيده من حيث التفصيل على حسب ما أورده الحافظ علي بن الحسين ابن عساكر (ت 571 هـ) فهي: 1056 مسندا(9)
ب - من حيث عدد أحاديثه: ذكر أهل العلم أن المسند يشتمل على ثلاثين ألف حديث من غير المكرر،وبالمكرر على أربعين ألف حديث،كما يشتمل على ثلاث مئة حديث ثلاثية الإسناد.
__________
(1) - كما في تاريخ بغداد (4 / 419) و سير أعلام النبلاء (11/195)
(2) - سير أعلام النبلاء (10/680)
(3) - كما في الجرح والتعديل (1 / 296)
(4) - في الثقات (8 / 18)
(5) - في برنامجه (ص198)
(6) - (2 / 32)
(7) - 1 / 172
(8) - انظر: طرق التخريج بحسب الراوي الأعلى للدكتور عبد العزيز اللحيدان ص31
(9) - انظر: ترتيب أسماءالصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند ص 171.(1/217)
قال الحافظ أبو موسى المديني: (فأما عدد أحاديثه فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفا،إلى أن قرأت على أبي منصور بن زريق القزاز - بزايين - ببغداد قال: حدثنا أبو بكر الخطيب قال حدثنا ابن المنادي قال: لم يكن أحد في الدنيا أروى عن أبيه منه - يعني عبد الله بن أحمد بن حنبل - لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا،والتفسير وهو مائة وعشرون ألفا....الخ
فلا أدري هل الذي ذكره ابن المنادي أراد به مالا مكرر فيه،أو أراد غيره مع المكرر،فيصلح القولان جميعا.. الخ)(1)
هذا ما ذكره أهل العلم،لكن عدد أحاديث المسند المطبوع أقل من ذلك،ويحتمل ذلك عدة أمور،منها:
1 - كون النسخة المخطوطة المعتمد عليها في الطباعة ناقصة.
2- ربما تم اعتبار مجموعة من الأحاديث حديثا واحدا،بينما هي أكثر من ذلك كمرويات النسخ.
3- ربما لم يتم اعتبار المرويات التي يسوقها الإمام أحمد من أقوال التابعين ونحوهم في شرح الغريب،ونحو ذلك(2).
قلت : وعدد الأحاديث في طبعة مؤسسة الرسالة وهي أدق هذه الطبعات للمسند (27647) حديثاً،وفي طبعة المكتب الإسلامي (27688 ) حديثاً
وفي طبعة المكنز وهي أشملها وعدد أحاديثها (28464 ) حديثاً
ج - من حيث نوع المرويات: يشتملُ المسند على المرفوع وهو الغالب،وعلى قليل من المرسل،وقليل من الموقوف،وعلى المقطوع،وقد بوب الحافظ ابن حجر في كتابه إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي فقال: (فصل في الموقوفات غير ما تقدم)(3)يعني غير ما تقدم من المرويات الموقوفة التي ذكرها في كتابه هذا،وبوب أيضا في موضع آخر فقال: (ذكر ما وقع فيه من المراسيل والموقوفات بغير استيعاب)(4)،وأراد الحافظ ابن حجر بالموقوف عموم الأقوال التي رواها الإمام أحمد ما عدا المرفوع والمرسل.
4 - أقسام أحاديث المسند: قال العلامة الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي: (بتتبعي لأحاديث المسند وجدتها تنقسم إلى ستة أقسام:
1 - قسم رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد -رحمهما الله- عن أبيه سماعا منه،وهو المسمَّى بمسند الإمام أحمد، وهو كبير جدا يزيد على ثلاثة أرباع الكتاب.
2 - وقسم سمعه عبد الله من أبيه وغيره،وهو قليلٌ جدا.
3 - وقسم رواه عبد الله عن غير أبيه،وهو المسمَّى عند المحدثين بزوائد عبد الله،وهو كثير بالنسبة للأقسام كلها عدا القسم الأول.
4 - وقسم قرأه عبد الله على أبيه ولم يسمعه منه وهو قليل.
5 - وقسم لم يقرأه ولم يسمعه ولكنه وجده في كتاب أبيه بخط يده وهو قليل أيضاً.
6 - وقسم رواه الحافظ أبو بكر القطيعي عن غير عبد الله وأبيه - رحمهم الله - وهو أقل الجميع.(5)
قال: فهذه ستة أقسام تركت الأول والثاني منها بدون رمز،ورمزت للأقسام الباقية في أول كل حديث منها،فرمزت للقسم الثالث بحرف (ز) إشارة إلى أنه من زوائد عبد الله بن الإمام - رحمهما الله -،ورمزت للقسم الرابع هكذا (قر) إشارة إلى أن عبد الله قرأه على أبيه،ورمزت للقسم الخامس برمز (خط) إشارة إلى أنه وجده في كتاب أبيه بخط يده،ورمزت للقسم السادس برمز (قط) إشارة إلى أنه من زوائد القطيعي.
قال: وكلُّ هذه الأقسام من المسند إلا الثالث فإنه من زوائد عبد الله،والسادس فإنه من زوائد القطيعي)(6)
5 - درجة أحاديث المسند: للعلماء في درجة أحاديث المسند أقوال هي:
__________
(1) - المصعد الأحمد (ص 32 - 33).
(2) - انظر: طرق التخريج بحسب الراوي الأعلى ص 32.
(3) - (8 / 369).
(4) - (9 / 490).
(5) - وإنما يدرك التمييز بينها بالنظر في الأسانيد،فكل حديث يقال في أول سنده: حدثنا عبد الله حدثني أبي فهو من المسند،وكل حديث يقال في أول سنده: حدثنا عبد الله حدثنا فلان - بغير لفظ أبي - فهو من زوائد عبد الله،وكل حديث يقال في أوله: حدثنا فلان - غير عبد الله وأبيه - فهو من زوائد القطيعي.
(6) - الفتح الرباني (1 / 21،22).(1/218)
الأول: أن ما فيه من الأحاديث حجة.
الثاني: أن فيه الصحيح والضعيف والواهي،فقد ذكر ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) تسعة وعشرين حديثا منه وحكم عليها بالوضع،وزاد الحافظ العراقي عليه تسعة أحاديث حكم عليها بالوضع وجمعها في جزء.
الثالث: أن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن.
وقد جمع الشيخ أبو زهو بين هذه الآراء،فقال: (يمكن إرجاع القولين الأولين إلى القول الثالث وبذلك لا يكون هناك خلاف في درجة أحاديث المسند،فمن حكم على بعض أحاديثه بالوضع نظر إلى ما زاده فيه أبو بكر القطيعي وعبد الله بن الإمام أحمد.
والقولُ بحجَّة ما فيه من الأحاديث لا ينافي القول بأن فيه الضعيف،فإن الضعيف فيه دائرٌ بين الحسن لذاته والحسن لغيره وكلاهما مما يحتج به عند العلماء)(1).
وهذا وقد ألف الحافظ ابن حجر جزءا سماه: (القول المسدد في الذبِّ عن مسند الإمام أحمد) وذكر فيه الأحاديث الموضوعة والواهية التي انتقدت في مسند الإمام أحمد،وأجاب عنها،ولكن لا تخلو إجابته في بعض المواضع من نظر،إذ حسَّن أحاديث كان قد حكم عليها بالوضع بعض الأئمة،وليس أدلَّ على هذا مما قاله الحافظ ابن حجر في كتابه: (تعجيل المنفعة): ( ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة،منها: حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة حبوا،والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا) ومع هذا فقد حاول الحافظ نفي الوضع عنه.(2)
__________
(1) - الحديث والمحدثون ص 375.
(2) - هو في مسند أحمد (25584) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا عَائِشَةُ فِى بَيْتِهَا إِذْ سَمِعَتْ صَوْتاً فِى الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ مَا هَذَا قَالُوا عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَدِمَتْ مِنَ الشَّامِ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ. قَالَ فَكَانَتْ سَبْعَمِائَةِ بَعِيرٍ - قَالَ - فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ مِنَ الصَوْتِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْواً ». فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ إِنِ اسْتَطَعْتُ لأَدْخُلَنَّهَا قَائِماً . فَجَعَلَهَا بِأَقْتَابِهَا وَأَحْمَالِهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث منكر باطل
الأقتاب : جمع قتب وهو رحل صغير على قدر السنام كالسَّرج للخيل والبردعة للحمار
وفي الترغيب والترهيب للمنري - (ج 8 / ص 30) رواه البزار واللفظ له والطبراني ورواته ثقات إلا عمار بن سيف وقد وثق.
قال الحافظ وقد ورد من غير وجه ومن حديث جماعة من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يدخل الجنة حبوا لكثرة ماله ولا يسلم أجودها من مقال ولا يبلغ منها شيء بانفراده درجة الحسن ولقد كان ماله بالصفة التي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم المال الصالح للرجل الصالح فأنى تنقص درجاته في الآخرة أو يقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة فإنه لم يرد هذا في حق غيره إنما صح سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم على الإطلاق والله أعلم
وفي سير أعلام النبلاء (1/75) فما بعد :أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ،أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ،أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوْيَةَ،أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ،أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ،حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ،عَنْ ثَابِتٍ،عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ لَمَّا هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ،كَذَا هَذَا،سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: (عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ حَبْواً).
فَلَمَّا بَلَغَهُ،قَالَ: يَا أُمَّهْ! إِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِهَا وَأَحْلاَسِهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ)،عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ حَسَّانٍ،عَنْ عُمَارَةَ،وَقَالَ: حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ.
قُلْتُ: وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ،فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: (قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ حَبْواً).فَقَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتُ لأَدْخُلَنَّهَا قَائِماً،فَجَعَلَهَا بِأَقْتَابِهَا وَأَحْمَالِهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ كِتَابَةً،عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ الجَوْزِيِّ،وَأَجَازَ لَنَا ابْنُ عَلاَّنَ وَغَيْرُهُ،أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ،قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ،أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ،أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ،أَنْبَأَنَا القَطِيْعِيُّ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ،حَدَّثَنِي أَبِي،حَدَّثَنَا هُذَيْلُ بنُ مَيْمُوْن،عَنْ مُطَّرِحِ بنِ يَزِيْدَ،عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ،عَنْ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ،عَنِ القَاسِمِ،عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشَفَةً،فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: بِلاَلٌ). إِلَى أَنْ قَالَ: (فَاسْتَبْطَأْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ،ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الإِيَاسِ.فَقُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟
فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا خَلَصْتُ إِلَيْكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أَنْظُرُ إِلَيْكَ أَبَداً).قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ كَثْرَةِ مَالِي أُحَاسَبُ وَأُمَحَّصُ).إِسْنَادُهُ وَاهٍ.
وَأَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ،فَتَفَرَّدَ بِهِ: عمَارَةُ،وَفِيْهِ لِيْنٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ،وَقَالَ ابْنُ معِيْنٍ: صَالِحٌ ،وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ النَّسَائَيُّ. وَبِكُلِّ حَالٍ،فَلَوْ تَأَخَّرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رِفَاقِهِ لِلْحِسَابِ وَدَخَلَ الجَنَّةَ حَبْواً عَلَى سَبِيْلِ الاسْتِعَارَةِ،وَضَرْبِ المَثَلِ،فَإِنَّ مَنْزِلَتَهُ فِي الجَنَّةِ لَيْسَتْ بِدُوْنِ مَنْزِلَةِ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنِ الكُلِّ-. وانظر القول المسدد - (ج 1 / ص 9)(1/219)
قلت : وقد جمع فيه معظم السنة القولية والفعلية،وأكثر أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ضعفاً محتملاً،ولا يخلو من أحاديث واهية،ولكنها قليلة،ونوزع في وجود الموضوع فيه،وقد ذكر ابن الجوزي في الموضوعات عدداً من الأحاديث ووافقه الحافظ العراقي عليها -وغالبها في الفضائل - ونازعهما الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه النفيس القول المسدد في الذب عن مسند أحمد . وقد قام بعض أهل العلم بترتيبه على الأبواب الفقهية كما في كتاب الكواكب الدراري والفتح الرباني للساعاتي،وقد قام بتخريج أحاديثه وشرح غريبه وحذف الأحاديث المكررة .(1)
وأما المسند فقد قام العلامة أحمد محمود شاكر بتخريج أحايثه وتحقيقه إلا أن المنية اخترمته قبل إكماله،وتخريجه دقيق ونفيس،ويمكن الإعتماد عليه،وحُقّ له ذلك،ولكنه في بعض الأحيان يميل للتساهل،وطبع أخيراً عدة طبعات مرقمة أهمها نشر المكتب الإسلامي ولا تخلو من أخطاء في الضبط،وهي خالية من الشرح .
وقد قام شيخنا الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى بتحقيق المسند وتخريج أحاديثه بشكل مفصل ودقيق،ولكنه نحى منحى المتشددين في الجرح والتعديل،فضعف أحاديث لا تستحق التضعيف.
وقد حكم على سبعة أحاديث بأنها شبه موضوعة وهذه أرقامها في طبعة مؤسسة الرسالة (461 و530 و605 و4294 و22221 و23068 و24967)!!
وحكم على مائة وأربعة وثلاثين حديثا بالضعف الشديد !!!
وحكم على أكثر من ألف وستمائة وثمانين حديثاً بالضعف !!
وفي بعض ما ضعفه نظر .(2)
6 - طريقة ترتيب المسند:
رتب الإمام أحمد أحاديث كتابه على مسانيد الصحابة،
وقسمها إلى بضعة عشر مسندا من المسانيد أو مجامع المسانيد الرئيسة،وقد عدها العلامة محمد بن جابر الوادي آشي،فقال:(مسند الإمام أبي عبد الله: أحمد بن حنبل المشتمل على ستة عشر مسندا: الأول: مسند العباس وبنيه،الثاني: مسند أهل البيت،وهم العشرة،الثالث: مسند ابن عباس وحده،الرابع: مسند أبي هريرة،الخامس: مسند ابن مسعود،السادس: مسند ابن عمر،السابع: لجابر بن عبد الله،الثامن: لأنس بن مالك،التاسع: لعمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري معا،العاشر: لعائشة،الحادي عشر: للمدنيين والمكيين،الثاني عشر: للشاميين،الثالث عشر: للبصريين،الرابع عشر: للكوفيين،الخامس عشر: للأنصار،السادس عشر: مسند النساء)(3)
__________
(1) - انظر الباعث ص 31 وأصول الحديث ص 328-330 والأجوبة ص 95-100 والحديث النبوي 406-410
(2) - ويقوم أحد الأخوة الأفاضل بعمل رسالة دكتوراه يقارن فيها بين عمل الشيخ أحمد شاكر والشيخ شعيب - يسر الله له إكمالها - وفق المنهج الوسطي في الجرح والتعديل .
(3) - برنامجه ص 198.(1/220)
وعدها الحافظ ابن حجر،فقال: (هذه أسماء المسانيد التي اشتمل عليها أصل المسند: مسند: العشرة وما معه،ومسند: أهل البيت،وفيه: العباس وبنيه،ومسند: عبد الله بن عباس،ومسند: ابن مسعود،ومسند: أبي هريرة،ومسند: عبد الله بن عمر،ومسند: جابر،ومسند: الأنصار،ومسند: المكيين والمدنيين،ومسند: الكوفيين،ومسند: البصريين،ومسند: الشاميين،ومسند: عائشة،ومسند: النساء)(1)،وعدد ما ذكر ابن حجر هنا (17) مسندا،وذكر الحافظ في موضع آخر أنه اشتمل على ثمانية عشر مسندا،وقال: (ربما أضيف بعضها إلى بعض)(2)،وبهذا يوجه الاختلاف في عدد المسانيد الرئيسة في الكتاب،لكن يظهر فيه الاختلاف في ترتيب هذه المسانيد،فالوادي آشي بدأ بسند العباس وبنيه،وابن حجربدأ بالعشرة،وهو يوافق المطبوع،بينما لم يزد ذكر العشرة المبشرين بالجنة في وصف الوادي آشي إلا قوله في الثاني: (مسند أهل البيت،وهم العشرة)،والعشرة غير أهل البيت،فلعله أضافهم هنا كما أشار ابن حجر،ومن المعلوم أن الإمام أحمد توفي قبل تهذيبه وترتيبه،وإنما قرأه لأهل بيته قبل ذلك خوفا من العوائق العارضة،وقد أجاب الإمام ابن عساكر بهذا(3).
ومن خلال ما سبق يتبين:
1 - أن المسند مقسم إلى عدة مسانيد رئيسة،وهي التي ترجم لها غالبا بقوله مثلا: (مسند العشرة وما معه،ومسند أهل البيت) وهي تشتمل على مجموعة من مرويات عدد من الصحابة،وقد بوَّب أيضا على مرويات صحابي واحد بقوله: (مسند)،مثل: (مسند عبد الله بن عباس،ومسند ابن مسعود،ومسند أبي هريرة) ويلحظ أن هؤلاء الذين أفردهم بهذا التبويب من المكثرين في الغالب،وفي المسانيد التي يترجم بها ويبوب وهي جامعة كقوله: (مسند العشرة)،يفصل مرويات كل صحابي على حدة،ويبوب عليها بقوله (حديث أبي،وحديث عمر بن الخطاب).
2 - بدأ مسند الرجال بالعشرة المبشرين بالجنة،وقدم حديث الأربعة الخلفاء،ثم رتب البقية بعد ذلك بحسب البلدان،مثل قوله: مسند البصريين،ومسند المكيين،ومسند المدنيين،ومسند الكوفيين،أو بحسب القبائل،وأهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم،والأنصار وغير ذلك،وربما كررت مرويات الصحابي في أكثر من موضع تارة باعتبار بلده،وتارة باعتبار قبيلته،أو أسبقيته في الإسلام،ومن ذلك أنه أخرج مرويات (الحارث بن أقيش) في مسند الأنصار،ثم أخرجها في مسند الشاميين،وكذا (الحارث بن زياد الأنصاري) أخرج له في موضعين: مسند المكيين،ومسند الشاميين،وقد رتب ابنه عبد الله مسانيد المقلين،قال الحافظ ابن حجر: (لم يرتب - يعني الإمام أحمد - مسانيد المقلين،فرتبها ولده عبد الله،فوقع منه إغفال كبير من جعل المدني في الشامي،ونحو ذلك)(4).
وأما مرويات النساء فقد فرقت في المطبوع من المسند في عدة مواضع،وجمعت مرويات أكثرهن في أواخر المسند متتابعة،وقدم: حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها،ثم: حديث فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم،إلى بقية أحاديث أمهات المؤمنين،وبقية النساء رضوان الله عليهن،وترجم لأحاديث المبهمات من أزواج النبي صلي الله عليه وسلم في مواضع أخرى،مثل قوله: (حديث بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم).
3 - ترجم أيضاً لمسانيد المبهمين والمبهمات من الصحابة رضوان الله عليهم،بحسب ما جاء في الرواية،: (حديث رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم).
__________
(1) - إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي (1 /173).
(2) - المجمع المؤسس (2 / 32).
(3) - ترتيب أسماء الصابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند ص 33.
(4) - المعجم المؤسس (1 / 199).(1/221)
4 - في آخر المسند بعد مرويات النساء،أخرج مرويات أربعة من الصحابة،حيث ترجم لأولهم،فقال: (حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه)،ثم: (حديث أبي بكر بن زهير الثقفي رضي الله عنه)،ثم: (حديث والد بعجة بن عبد الله رضي الله عنه)،ثم: (حديث شداد بن الهاد رضي الله عنه)،وبه ختم المسند المطبوع،وأحاديث صفوان جاءت في موضع آخر،وكذا أبو بكر بن أبي زهير،وشداد بن الهاد.(1)
7 - كيفية تخريج الحديث من المسند:
إذا أردت أن تخرج حديثا من المسند فعليك باتباع الخطوات التالية:
ا - معرفة الراوي الأعلى للحديث المراد تخريجه،لأنه لا يمكن التخريج إلا بعرفة الراوي الأعلى.
ب- أن تحدد في أي الأجزاء وفي أي الصفحات تبدأ أحاديث هذا الصحابي،ويساعدك في معرفة الجزء والصفحة الفهارس الموجودة في أول الجزء الأول - والتي وضعها الشيخ الألباني رحمه الله- أو الموجودة في آخر كل جزء فإنها تذكر لك الصحابي ثم تحدد الجزء الذي توجد فيه مروياته وبيان رقم الصحيفة الذي تبدأ منه أحاديثه.
ج - بعد أن تعرف رقم الجزء ورقم الصحيفة اطلب الجزء المراد ثم على رقم الصحيفة.
د - إذا كان راوي الحديث من المقلِّين في الرواية فاقرأ أحاديثه كلها لتصل إلى حديثك المراد تخريجه،أمَّا إذا كان راوي الحديث من المكثرين فعلى الباحث أن تهدأ نفسه وأن تثبت يداه وقدماه أمام صاحب هذا المسند الكبير للوقوف على الحديث،ويساعدك في الوقوف على الجزء والصحيفة خاصة في المكثرين للرواية (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي وسيأتي الحديث عنه في الطرق اللاحقة) فإنه يذكر الجزء والصحيفة.
8 - أهم مميزات المسند:
1 - يعتبر مسند الإمام أحمد من المصادر الحديثية المسندة،ولذلك أثره في علوم الحديث إسنادا ومتنا.
2 - يعدُّ من أنقى المسانيد،حيث إن الإمام أحمد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث،كما ذكر الإمام أحمد نفسه(2)،ويقول الحافظ ابن حجر: (لا يشكُّ منصفٌ أن مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالاً من غيره وهذا يدلُّ على أنه انتخبه)(3).
3 - يعتبر من الموسوعات الحديثية الجامعة المسندة،لأنه احتوى غالب المرويات وأصولها الثابتة،فلا يكاد يوجدُ حديث صحيح إلا وهو فيه بنصِّه،أو أصلِه،أو نظيره،أو شاهده(4)،ويقول ابن الجوزي: (ما من حديث غالبا إلا وله أصلٌ في هذا المسند)(5)،ويقول الحافظ ابن كثير: (يوجد في مسند الإمام أحمد من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيراً من أحاديث مسلم،بل والبخاري أيضاً،وليست عندهما،ولا عند أحدهما،بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة،وهم: أبو داود،والترمذي،والنسائي،وابن ماجة.)(6).
9 - رواية المسند:
المسند من رواية أبي بكر: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي القطيعي (ت 368 هـ) عن عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (290 هـ) عن أبيه.
__________
(1) - انظر: تخريج الحديث بحسب الراوي الأعلى ص 37 - 40.
(2) - انظر: خصائص المسند لأبي موسى المديني ص 21.
(3) - النكت على كتاب ابن الصلاح ص149. و النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 447)
(4) - انظر للفائدة في هذا الباب: كتاب الفروسية لابن القيم ص 69.
(5) - المصعد الأحمد (1 / 31).
(6) - اختصار علوم الحديث ص 27و الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 2)
هذا الكلام على مسند الإمام أحمد معروف أن ابن كثير -رحمه الله تعالى- من الأئمة الذين اعتنوا بمسند الإمام أحمد،اعتنوا به وكثير المطالعة له،واشتغل به أيضا في كتابه "جامع المسانيد" جامع المسانيد جمع فيه عددا،أو بين عدد من كتب السنة،منها مسند الإمام أحمد،يقول ابن كثير -رحمه الله- أن مسند الإمام أحمد يحتوي على أحاديث فيها الصحيح،ليست في الصحيحين،بل لا توجد ولا في بقية الكتب الستة،وهي السنن الأربعة،هذا الذي قاله صحيح لا إشكال فيه.شرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 38)(1/222)
10 - جهود العلماء في العناية بالمسند:
لقد عني العلماء بالمسند عناية كبيرة لما له من أهمية كبيرة ومنزلة عظيمة،وقد تمحورت هذه الأهمية في الآتي:
أ - ترتيبه كترتيب كتب الأطراف:
- رتبه على معجم الصحابة والرواة عنهم كترتيب كتب الأطراف الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب الصامت.
- ثم أخذ الحافظ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير كتاب المسند بترتيب ابن المحب الصامت،وضم إليه الكتب الستة،ومسند البزار،ومسند أبي يعلى الموصلي،ومعجم الطبراني الكبير،ورتبها جميعا على نفس ترتيب ابن المحب للمسند وسماه (جامع المسانيد والسنن).
قال ابن الجزري: (... وجهد نفسه كثيرا وتعب فيه تعبا عظيما،فجاء لا نظير له في العالم،وأكمله إلا بعض مسند أبي هريرة،فإنه مات قبل أن يكمله لأنه عوجل بكفِّ بصره،وقال لي: رحمه الله تعالى - لا زلت أكتب فيه في الليل والسراج ينونص - يعني يضعف - حتى ذهب بصري معه،ولعل الله أن يقيض له من يكمله مع أنه سهل،فإن معجم الطبراني الكبير لم يكن فيه شيء من مسند أبي هريرة رضي الله عنه)(1).
- ورتبه على الأطراف أيضا الحافظ ابن حجر وسماه: (إطراف المُسنِد - بكسر النون وضم الميم - المعتلي بأطراف المسند الحنبلي) ثم ضمه أيضا مع الكتب العشرة في كتابه (إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة).
ب - ترتيبه على الكتب والأبواب الفقهية:
- رتبه على الكتب والأبواب الفقهية الشيخ العلامة أحمد بن عبد الرحمن البنا،الشهير بالساعاتي وسماه: (الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني) غير أنه اقتصر على جزء من إسناد الحديث مع تمام متنه،ثم عاد وشرحه وخرج أحاديثه في كتاب سماه (بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني) لكن المنية عاجلته قبل إتمامه،فأتمه الشيخ الدكتور محمد عبد الوهاب البحيري،وقد طبع الكتابان معا في أربعة وعشرين جزءا.
- ورتبه على نفس ترتيب الفتح الرباني الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن عثمان القرعاوي غير أنه استوعب الأسانيد وطرق الحديث كلها في المسند،وسمَّى كتابه (المحصل لمسند الإمام أحمد بن حنبل)،قال في أوله: (وطريقتي في ذلك هي أني أذكر الترجمة (كباب في معرفة حق الله تبارك وتعالى.....) وبعدها أجعل لكل صحابي رقما مبتدئا برقم واحد (1) وبجانب الرقم أذكر اسم الصحابي،ثم أذكر حديثه وأجعل لهذا الحديث ولطرقه أرقاما من الجانب الأيمن على التسلسل تبين عدد طرقه،إلا إن تكرر ذكر الحديث فيما سبق فإني أشير إلى أنه قد تكرر في قولي: ((قال مقيده عفا الله عنه...)) وقد جعلت قبل هذا الرقم رقما يشير إلى تعداد أحاديث المسند كاملاً من أوله إلى آخره مبتدأ برقم (1) ومنتهيا برقم (29258).
ج - تحقيقه تحقيقا علميا:
- قام الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر بتحقيق المسند،فحقق النص،وقابله على نسخ خطية،ورقم الأحاديث،وخرَّجها،وتكلم على أحوال رواتها،وحكم عليها،ووضع فهارس علمية دقيقة في آخر كل مجلد،لكن المنية عاجلته قبل أن يتمه،والمطبوع منه إلى مسند أبي هريرة رضي الله عنه في سبعة عشر مجلدا،وقد شرع الشيخ الدكتور الحسيني هاشم في إتمام ما بدأ به الشيخ أحمد شاكر إلا أن المنية عاجلته أيضا قبل إتمامه،لكن أتمه من بعد الجزء الذي انتهى إليه الشيخ شاكر الأستاذ حمزة الزين وطبع كاملا في عشرين مجلدا.
ولكن تخريج هؤلاء - خلا العلامة أحمد شار رحمه الله - غير دقيق .
- قام جلة من الباحثين في الدراسات العليا بقسم الحديث وعلومه بكلية بالقاهرة بتحقيق المسند كاملا - وذلك ضمن رسائل الماجستير والدكتوراه - فخرجوا أحاديثه،وترجموا لرواته،وشرحوا غريبه،وعلقوا على بعض أحاديثه،وهذا العمل مع شموله واستيعابه لا زال قيد المخطوطات بمكتبة كلية أصول الدين بالقاهرة.
__________
(1) - الفتح الرباني (1 / 8).(1/223)
- قام الشيخ العلامة شعيب الأرنؤوط مع مجموعة من العلماء بتحقيق المسند،وتخريج أحاديثه،والتعليق عليه،وقد قامت بطباعة هذا العمل مؤسسة الرسالة ببيروت في خمسين مجلدا،وأشرف على إصدارها معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي،وقد تميزت هذه الطبعة بالعناية الفائقة في تحقيق النص على عدة نسخ خطية،وتجنبت كثيرا من التصحيفات التي وقعت في الطبعات السابقة،كما تمم كثير من المواضع الساقطة من المسانيد في الكتاب،مع تخريج الأحاديث تخريجا شاملا،وإعداد فهارس متنوعة.
ولكنه على جودته وإتقانه،فقد سار المحققون فيه سير المتشددين،فضعفوا كثيرا من الأحاديث التي لا تستحقُّ ذلك .
د - ترتيب أطراف الأحاديث على أوائل ألفاظ المتون بحسب حروف الهجاء :
مثل :
1 - فهرس أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل،إعداد أبي هاجر : محمد السعيد بن بسيوني زغلول
2 - مرشد المحتار إلي ما في مسند الإمام أحمد بن حنبل من الأحاديث والآثار،لحمدي عبد المجيد السلفي.
3 - المنهج الأسعد في ترتيب أحاديث مسند الإمام أحمد (ومعه الفتح الرباني،وشرح العلامة أحمد شاكر على المسند) إعداد عبد الله ناصر رحماني.
هـ - ترتيب أسماء الصحابة المخرج حديثهم بحسب حروف الهجاء : كما في
1- ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند،للحافظ أبي القاسم : علي بن الحسين بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571 هـ).
2 - فهرس العلامة محمد ناصر الدين الألباني،لأسماء الصحابة الذين أخرج الإمام أحمد حديثهم.
ـــــــــــــــ
ب ـ معجم الطبراني الكبير
ترجمته :
الطَّبَرَانِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ أَبُو القَاسِمِ
هُوَ:الإِمَامُ،الحَافِظُ،الثِّقَةُ،الرَّحَّالُ،الجَوَّالُ،مُحَدِّثُ الإِسلاَمِ،علمُ المعمَّرينَ،أَبُو القَاسِمِ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ بنِ مُطَيّرٍ اللَّخْمِيُّ،الشَّامِيُّ،الطَّبَرَانِيُّ،صَاحبُ المَعَاجِمِ الثَّلاَثَةِ.
مَوْلِدُهُ:بِمدينَةِ عكَّا،فِي شَهْرِ صَفَرٍ،سنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ،وَكَانَتْ أُمُّهُ عَكَّاوِيَّةً.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ فَارِسَ اللُّغَوِيُّ:سَمِعْتُ الأُسْتَاذَ ابنَ العَمِيْدِ يَقُوْلُ:مَا كُنْتُ أَظنُّ أَنَّ فِي الدُّنْيَا حَلاَوَةً أَلذَّ مِنَ الرِّئاسَةِ وَالوزَارَةِ الَّتِي أَنَا فِيْهَا،حَتَّى شَاهدتُ مذَاكرَةَ أَبِي القَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الجِعَابِيِّ بحضرتِي،فَكَانَ الطَّبَرَانِيُّ يغلِبُ أَبَا بَكْرٍ بكَثْرَةِ حِفْظِهِ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يغلبُ بِفطنَتِهِ وَذكَائِهِ حَتَّى ارتفعتْ أَصواتُهُما،وَلاَ يكَادُ أَحدُهُمَا يغلبُ صَاحبَهُ،فَقَالَ الجِعَابِيُّ:عِنْدِي حَدِيْثٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ عِنْدِي،فَقَالَ:هَاتِ،فَقَالَ:حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ،حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ،وَحَدَّثَ بِحَدِيْثٍ،فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ:أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ،وَمِنِّي سَمِعَهُ أَبُو خَلِيْفَةَ،فَاسمعْ مِنِّي حَتَّى يَعلُو فِيْهِ إِسنَادُكَ،فَخجلَ الجِعَابِيُّ،فوددت أَنَّ الوزَارَةَ لَمْ تكنْ،وَكُنْتُ أَنَا الطَّبَرَانِيَّ،وَفرحتُ كفرحِهِ،أَوْ كَمَا قَالَ،وَقَدْ عَاشَ الطَّبَرَانِيُّ مائَةَ عَامٍ وَعشرَةَ أَشهرٍ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ:تُوُفِّيَ الطَّبَرَانِيُّ لليلَتينِ بقيتَا مِنْ ذِي القَعْدَةِ سنَةَ سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بأَصْبَهَانَ،وَمَاتَ ابنُهُ أَبوْ ذرٍّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.(1)
__________
(1) - انظر السير (120-16/131)(1/224)
- المعجم الكبير للطبراني هو من أشهر هذه المعاجم وأكثرها شيوعا قال الإمام ابن دحية رحمه الله تعالى: ( هو أكبر معاجم الدنيا )(1)
- إذا أطلق المعجم دون تقييد أريد به المعجم الكبير وإلا فللطبراني المعجم الأوسط و المعجم الصغير و كلاهما مرتبان على أسماء شيوخه , بخلاف الكبير فإنه مرتب على مسانيد الصحابة إلا مسند أبي هريرة فإنه قد أفرده في مصنف مستقل
خطة الطبراني في المعجم الكبير وترتيبه له :
قال الطبراني رحمه الله تعالى : هذا كتاب ألفناه جامع لعدد ما انتهى إلينا ممن روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرجال والنساء .
أولا : على حروف ألف ب ت ث
ثانيا : بدأت فيه بالعشرة رضي الله عنهم , لأنه لا يتقدمهم أحد غيرهم .
ثالثا : خرجت عن كل واحد , منهم حديثا وحديثين وثلاثا وأكثر من ذلك على حسب كثرة روايتهم وقلتها .
رابعا : ومن كان من المقلين خرجت حديثه أجمع .
خامسا : ومن لم يكن له رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له ذكر من أصحابه من استشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , أو تقدم موته , ذكرته من كتب المغازي وتاريخ العلماء , ليوقف على عدد الرواة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أصحابه رضي الله عنهم , وسنخرج مسندهم بالإستقصاء على ترتيب القبائل - بعون الله وقوته - إن شاء الله وحده . إنتهى كلامه رحمه الله تعالى
قال الشيخ عمرو عبدالمنعم : وقد ابتدأ بمسانيد الرجال , ثم أتبعها مسانيد النساء , من الصحابة والصحابيات - رضي الله عنهم أجمعين - , وهو غير مكتمل ففيه سقط في مجلدات عدة .
وله طريقة فريدة في ترتيب المسانيد الكبيرة تلك التي للمكثرين من الصحابة , فإنه يرتبها حسب الرواة عن ذلك الصحابي .
كيفية البحث فيه والتخريج منه :
إن سهولة ترتيب الكتاب مع ما ألحقه المحقق الشيخ حمدي عبدالمجيد السلفي من فهارس بأطراف أحاديث كل مجلد تيسر على الباحث الوصول إلى بغيته فيه , فما على الباحث إلا أن يعرف الحديث من رواية أي صحابي , فينظر مباشرة في مسند هذا الصحابي , فإن كان من المقلين سهل سرد مسنده , وإن كان من المكثرين فبإمكانه الإستعانة بفهارس المجلد الذي فيه مسند ذلك الصحابي , والنظر في أطرافه والوقوف على موضع هذا الحديث من ( المعجم ) , ولكن لابد من التنبه إلى أن الحديث قد يتكرر وروده بألفاظ متقاربة أو بالمعنى من عدة طرق لاسيما في المسانيد الكبيرة , ومن هنا فلابد للباحث من التدقيق والتتبع للروايات بشيء من الحرص الزائد
والكتاب فيه نقص،والموجود منه حسب أحدث طبعة فيه (20967 ) والمستدرك عليه (1829 ) حديثاً،وهي طبعة متقنة ومشكلة ومدققة.
والكتاب فيه الصحيح والحسن والضعيف وبعض المنكر والواهي .
ـــــــــــــــ
ج- مسندُ البزار
ترجمته :
قال الإمام الذهبي رحمه الله : "البَزَّارُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَصْرِيُّ الشَّيْخُ،الإِمَامُ،الحَافِظُ الكَبِيْرُ،أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بن عَمْرِو بنِ عَبْدِ الخَالِقِ البَصْرِيُّ،البَزَّارُ،صَاحِبُ (المُسْنَدِ) الكَبِيْرِ،الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَى أَسَانيدِه.
وُلِدَ: سَنَةَ نيف عَشْرَة وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) - انظر أصول التخريج الأكاديمية الإسلامية - (ج 1 / ص 110) وشرح كتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 39)(1/225)
وَسَمِعَ: هُدْبَة بن خَالِدٍ،وَعَبْد الأَعْلَى بن حَمَّادٍ،وَعَبْد اللهِ بن مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيّ،وَمُحَمَّد بن يَحْيَى بنِ فَيَّاض الزِّمَّانِيّ،وَمُحَمَّد بن مَعْمَر القَيْسِيّ،وَبِشْر بن مُعَاذٍ العَقَدِيّ،وَعِيْسَى بن هَارُوْنَ القُرَشِيّ،وَسَعِيْد بن يَحْيَى الأُمَوِيّ،وَعَبْد اللهِ بن جَعْفَرٍ البَرْمَكِيّ،وَعَمْرو بن عَلِيٍّ الفَلاَّس،وَزِيَاد بن أَيُّوْبَ،وَأَحْمَد بن المِقْدَامِ العِجْلِيّ،وَإِبْرَاهِيْم بن سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيّ،وَبُندَاراً،وَابْن مُثَنَّى،وَعَبْد اللهِ بن الصَّبَّاحِ،وَعَبْد اللهِ بن شَبِيْبٍ،وَمُحَمَّد بن مِرْدَاس الأَنْصَارِيّ،وَمُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الفَضْلِ الحَرَّانِيّ،وَخلقاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ قَانع،وَابْنُ نَجِيع،وَأَبُو بَكْرٍ الخُتُّلِيّ،وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيّ،وَأَبُو الشَّيْخِ،وَأَحْمَد بن الحَسَنِ بنِ أَيُّوْب التَّمِيْمِيّ،وَعَبْد اللهِ بن جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ،وَأَحْمَد بن جَعْفَرِ بنِ سَلْم الفُرْسَانِيّ،وَعَبْد اللهِ بن خَالِد بن رُسْتُم الرَّارَانِيّ،وَأَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ الضَّرِير،وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الثَّقَفِيّ،وَأَحْمَد بن جَعْفَرِ بنِ مَعْبَد السِّمْسَار،وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الكِسَائِيّ،وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ الخَصِيب،وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ سيَاه،وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّد بن عَطَاء القَبَّاب،وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ،وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ ممشَاذ القَارِئ،وَمُحَمَّد بن عَبْد اللهِ بن حَيُّوْيَه النَّيْسَابُوْرِيّ،وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ أَملَى أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاش مَجْلِساً عَنْ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِيْنَ شَيْخاً،حدَّثوه عَنْ أَبِي بَكْرٍ البَزَّار.وَقَدِ ارْتَحَلَ فِي الشَّيْخُوخَة نَاشِراً لحديثه،فَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ عَنِ الكِبَار،وَبِبَغْدَادَ،وَمِصْر،وَمَكَّة،وَالرَّملَة.وَأَدْرَكَهُ بِالرَّمْلَة أَجلُه،فَمَاتَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ،فَقَالَ: ثِقَةٌ،يُخْطِئ وَيَتَّكلُ عَلَى حِفْظِهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: يُخْطِئ فِي الإِسْنَاد وَالمتن.
وَقَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ البَزَّار،فَقَالَ: يُخْطِئ فِي الإِسْنَاد وَالمتن،حَدَّثَ بِالمُسْنَد بِمِصْرَ حِفْظاً،يَنْظُر فِي كُتب النَّاس،وَيُحَدِّث مِنْ حِفْظِهِ،وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ كُتُب،فَأَخْطَأَ فِي أَحَادِيْث كَثِيْرَة.
جرحه النَّسَائِيّ....
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ،إِجَازَةً،عَنْ مَسْعُوْد الجَمَّال،أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئ،أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ أَيُّوْبَ،حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّار،حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ الصَّيْرَفِيّ الكُوْفِيّ،حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيّ،حَدَّثَنَا سَيْف بن وَهْب،عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ،قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (أَنَا مُحَمَّدٌ،وَأَنَا أَحْمَدُ،وَأَبُو القَاسِمِ،وَالمَاحِي،وَالحَاشِرُ).(1)
وقال عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو محمد الأنصاري:
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (13/556-558)(281 ) و قارن بلسان الميزان [ جزء 1 - صفحة 237 ](750)(1/226)
"أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار البصري قدم علينا مرتين المرة الثانية سنة ست وثمانين ومائتين وكان أحد حفاظ الدنيا رأسا فيه حكى أنه لم يكن بعد علي بن المديني أعلم بالحديث منه اجتمع عليه حفاظ أهل بغداد فبركوا بين يديه وبقي بمكة أشهرا فولي الحسبه فيما ذكر ثم خرج ومات بالرملة سنة اثنتين وتسعين وغرائب حديثه وما يتفرد به كثير"(1)
بيان أهمية هذا المسند :
يعتبر هذا المسند من المسانيد النادرة،حيث قام الإمام البزار بترتيبه على المسانيد،وبدأ بالعشرة المبشرين بالجنة،وقد علق على أكثر الأحاديث وعللها بشكل رائع وممتاز،وعدد أحاديثه (9018) حديثاً مسنداً .
مثال :
( 2) - وَحَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ،قَالَ : أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ،عَنْ عُمَرَ،أَنَّهُ اسْتَنْشَدَ طَلْحَةَ،وَالزُّبَيْرَ،وَعَلِيًّا،وَالْعَبَّاسَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : لاَ نُورَثُ،مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ.
وَقَدْ تَابَعَ عَمْرًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ،عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ فَاجْتَزَأْنَا بِعَمْرٍو،عَنِ الزُّهْرِيِّ،إِذْ كَانَ ثِقَةً
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ،وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ،عَنْ عُمَرَ،وَلَمْ يَذْكُرَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ .
وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ حَافِظٌ،وَقَدْ زَادَ عَلَى مَنْ سَمَّيْنَا،وَزِيَادَةُ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ إِذَا زَادَهَا عَلَى حَافِظٍ فَإِنَّمَا زَادَهَا بِفَضْلِ حِفْظِهِ .
وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ،وَأَبُو هُرَيْرَةَ،وَغَيْرُهُمَا "
فنلاحظُ تعليقاً قيما جدا على هذا الحديث الشريف،وقد سميَ (المسند المعلل)
ولكن في بعض تعليلاته نظر
وقد جمعت ما وضع على النت منه ورتبته
عملي في هذا الكتاب :
1. ... قمت بتنسيقه كاملا،حيث لم يكن كذلك
2. ... قمت بفهرسته على الورد حسب أسماء الصحابة الذين ذكر مسانيدهم
3. ... أصلحت بعض الخطاء المطبعية
4. ... بلغ عدد المسانيد حوالي واحد وتسعين مسندا
5. تبدأ كل ترجمة من أول الصفحة وكذا في الشاملة 2
وهذا الكتاب - على أهميته - لم يخدم الخدمة اللائقة به .
فهو يحتاج لتحقيق وتخريج لأحاديثه،وضبط نصوصه .
ـــــــــــــــ
د- مسند أبي يعلى الموصلي
ترجمته :
أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى التَّمِيْمِيُّ،الإِمَامُ،الحَافِظُ،شَيْخُ الإِسْلاَمِ،أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى بنِ يَحْيَى بنِ عِيْسَى بنِ هِلاَلٍ التَّمِيْمِيُّ،المَوْصِلِيُّ،مُحَدِّثُ المَوْصِلِ،وَصَاحِبُ(المُسْنَدِ)وَ(المُعْجَم).
وُلِدَ:فِي ثَالثِ شَوَّالٍ،سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ،فَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ النَّسَائِيِّ بِخَمْسِ سِنِيْنَ،وَأَعْلَى إِسْنَاداً مِنْهُ.
لقِي الكِبَارَ،وَارْتَحَلَ فِي حَدَاثَتِهِ إِلَى الأَمصَارِ بِاعتنَاء أَبِيْهِ وَخَالِهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المُثَنَّى،ثُمَّ بِهِمَّتِهِ العَالِيَةِ.
__________
(1) - طبقات المحدثين بأصبهان [ جزء 3 - صفحة 386 ] (421 )(1/227)
وَسَمِعَ مِنْ:أَحْمَدَ بنِ حَاتِم الطَّوِيْلِ،وَأَحْمَدَ بنِ جَمِيلٍ،وَأَحْمَدَ بنِ عِيْسَى التُّسْتَرِيِّ،وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيِّ،وَأَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ،وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ،وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَجَّاجِ السَّامِيِّ،وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَجَّاجِ النِّيلِيِّ صَاحِبِ سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيعٍ،وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ،وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيِّ،وإِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ سَبَلاَنَ،وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ،وَإِسْحَاقَ بنِ مُوْسَى الخَطْمِيِّ،وَإِسْحَاقَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيِّ،وَأَبِي مَعْمرٍ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الهُذَلِيِّ،وَأَبِي إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلَ التَّرْجُمَانِيِّ،وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ القُرَشِيِّ،وأَيُّوْبَ بنِ يُوْنُسَ البَصْرِيِّ:عَنْ وُهَيْبٍ،وَالأَزْرَقِ بنِ عَلِيٍّ أَبِي الجَهْمِ،وَأُمَيَّةَ بنِ بِسْطَامَ.وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ الكِنْدِيِّ،وَبِشْرِ بنِ هِلاَلٍ،وَبَسَّامِ بنِ يَزِيْدَ النقَّالِ.
وَجَعْفَرِ بنِ مِهْرَانَ السَّبَّاكِ،وَجُبارَةَ بنِ المُغَلِّسِ،وَجَعْفَرِ بنِ حُمَيْدٍ الكُوْفِيِّ.وحَوْثَرَةَ بنِ أَشْرَسَ العَدَوِيِّ،وَالحَسَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ،وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى،وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ،وَالحَارِثِ بنِ سُرَيْجٍ،وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ الحُلْوَانِيِّ،وَحَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ.
وخَلَفِ بنِ هِشَامٍ البَزَّارِ،وَخَالِدِ بنِ مِرْدَاسٍ،وَخَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ.وَدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ،وَدَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ.وَرَوحِ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ المُقْرِئِ،وَالرَّبِيْعِ بنِ ثَعْلَبٍ.وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ،وَزَكَرِيَّا بنِ يَحْيَى زَحْمُوْيَه،وَزَكَرِيَّا بنِ يَحْيَى الرَّقَاشِيِّ،وَزَكَرِيَّا بنِ يَحْيَى الكِسَائِيِّ الكُوْفِيِّ،وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ.
وَأَبِي الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الخُتُّلِيِّ،وَأَبِي أَيُّوْبَ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الشَّاذَكُوْنِيِّ،وَسُلَيْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ المُبَاركِيِّ،وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ،وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّبِيْعِ السَّمَّانِ،وَسَعِيْدِ بنِ مُطَرّفٍ البَاهِلِيِّ،وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ،وَسَهلِ بنِ زَنْجَلَةَ الرَّازِيِّ.وَشَيْبَانَ بنِ فَرُّوخٍ.(1/228)
وَالصَّلْتِ بنِ مَسْعُوْدٍ الجَحْدَرِيِّ،وَصَالِحِ بنِ مَالِكٍ الخُوَارِزْمِيِّ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيِّ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلَمَةَ البَصْرِيِّ،عَنْ أَشعَثَ بنِ بَرَازٍ الهُجَيْمِيِّ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ الخَرَّازِ،وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكَّارٍ البَصْرِيِّ،وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ مُشْكُدَانَةَ،وَعُبيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ القَوَارِيْرِيِّ،وَعُبَيدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ،وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَلاَّمٍ الجُمَحِيِّ،وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَالِحٍ الأَزْدِيِّ،وَأَبِي نَصْرٍ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمَّارِ،وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ غِيَاثٍ،وَعَبْدِ الغَفَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ،وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ النَّرْسِيِّ،وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ،وَعَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ المِعْوَلِيِّ،وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ،وَعَمْرٍو النَّاقِدِ،وَعَمْرِو بنِ الحُصَيْنِ،وَعَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ،وَعِيْسَى بنِ سَالِمٍ،وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،وَغَسَّانَ بنِ الرَّبِيْعِ،وَالفَضْلِ بنِ الصَّبَّاحِ،وقَطَنِ بنِ نُسَيْرٍ،وكَامِلِ بنِ طَلْحَةَ.وَمُصعبِ بنِ عَبْدِ اللهِ،وَمَنْصُوْرِ بنِ أَبِي مُزَاحِمٍ،وَمُعَلَّى بنِ مَهْدِيٍّ،وَمَسْرُوْقِ بنِ المَرْزُبَانِ،وَالمُنتجعِ بنِ مُصْعَبٍ - بَصرِيٍّ - وَمُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ،وَمُحَمَّدِ بنِ مِنْهَالٍ الضَّرِيْرِ،وَمُحَمَّدِ بنِ مِنْهَالٍ الأَنْمَاطِيِّ،وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ،وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ،وَمُحَمَّدِ بنِ جَامِعٍ العَطَّارِ - وَضَعَّفَهُ - وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ،وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ،وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ البَصْرِيِّ،وَمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ المَكِّيِّ،وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ المُسَيِّبِيِّ،وَأَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ،وَمُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ،وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيِّ.وَنُعَيْمِ بنِ الهَيْصَمِ.وهُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ،وَهَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ،وَهَاشِمِ بنِ الحَارِثِ،وَالهُذَيْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الجُمَّانِيِّ.ووَهْبِ بنِ بَقِيَّةَ.وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ،وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابرِيِّ،وَيَحْيَى الحِمَّانِيِّ،وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ سِوَاهُم،مَذْكُوْرينَ فِي(مُعْجَمِهِ).
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ:أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ الأَبَرْقُوْهِيُّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ: أَنَّ وَالدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ رَحَلَ إِلَى أَبِي يَعْلَى،وَقَالَ لَهُ:إِنَّمَا رَحَلتُ إِلَيْكَ لإجمَاعِ أَهْلِ العَصْرِ عَلَى ثِقَتِكَ وَإِتْقَانِكَ.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ:سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ أَبِي يَعْلَى،فَقَالَ:ثِقَةٌ،مَأْمُوْنٌ.(1/229)
حَدَّثَ عَنْهُ:الحَافِظُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي(الكُنَى)،فَقَالَ:حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المُثَنَّى،نِسبَة إِلَى جَدِّه،وَالحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ،وَأَبُو حَاتِمٍ حِبَّانُ،وَأَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ،وَأَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ،وَحَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنَانِيُّ،وَالطَّبَرَانِيُّ،وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الإِسْمَاعِيْلِيُّ،وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ،وَابْنُ السُّنِّيِّ،وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ الحِيْرِيُّ،وَأَبُوْهُ،وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئُ،وَالقَاضِي يُوْسُفُ بنُ القَاسِمِ المَيَانَجِيُّ،وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ النَّخَّاسُ - بِمُعْجَمةٍ - وَنَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الخَلِيْلِ المَرْجِيُّ،وَأَبُو الشَّيْخِ،وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ فِي(تَارِيْخ المَوْصِلِ):وَمِنْهُم أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ.
فَذَكَرَ نَسَبَهُ وَكِبارَ شُيوخِهِ،وَقَالَ:كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ،وَالدِّينِ وَالحِلمِ،رَوَى عَنْ:غَسَّان بنِ الرَّبِيْعِ،وَمُعَلَّى بنِ مَهْدِيٍّ،وَغَيرِهِمَا مِنَ المَوَاصِلَةِ...،إِلَى أَنْ قَالَ:وَهُوَ كَثِيْرُ الحَدِيْثِ،صَنّفَ(المُسْنَدَ)وَكُتُباً فِي الزُّهْدِ وَالرقَائِقِ،وَخَرَّجَ الفَوَائِدَ،وَكَانَ عَاقِلاً،حَلِيماً صَبُوْراً،حَسنَ الأَدبِ،سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:سَمِعْتُ ابْنَ قُدَامَةَ:سَمِعْتُ سُفْيَان يَقُوْلُ: مَا تمتَّعَ مُتمتِّعٌ بِمثلِ ذِكْرِ اللهِ،قَالَ دَاوُدُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - :مَا أَحْلَى ذكرَ اللهِ فِي أَفْوَاهُ المتعبِّدينَ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى:حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجُوَيْه:سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:الرَّافِضيُّ عِنْدِي كَافِر.
وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو بنِ حَمْدَانَ:أَنَّهُ كَانَ يُفضِّلُ أَبَا يَعْلَى المَوْصِلِيَّ عَلَى الحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ،فَقِيْلَ لَهُ:كَيْفَ تُفَضِّلُهُ وَ(مُسنَدُ الحَسَنِ)أَكْبَرُ،وَشُيُوخُهُ أَعْلَى؟
قَالَ:لأَنَّ أَبَا يَعْلَى كَانَ يُحَدِّث احتسَاباً،وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ كَانَ يُحَدِّثُ اكتسَاباً.
وَقَدْ وَثَّقَ أَبَا يَعْلَى:أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ،وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ:هُوَ مِنَ المُتْقِنِيْنَ المُوَاظِبينَ عَلَى رِعَايَةِ الدِّينِ وَأَسبَابِ الطَّاعَةِ.وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ:مَا سَمِعْتُ مُسنَداً عَلَى الوَجْهِ إِلاَّ(مُسنَدَ أَبِي يَعْلَى)؛لأَنَّه كَانَ يُحَدِّثُ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -
قَالَ ابْنُ المُقْرِئِ:سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ حَمْزَةَ يُثْنِي عَلَى(مُسنَدِ أَبِي يَعْلَى)،وَيَقُوْلُ:مَنْ كَتَبَهُ قَلَّ مَا يَفوتُهُ مِنَ الحَدِيْثِ.
قَالَ ابْنُ المُقْرِئِ:سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى يَقُوْلُ:عَامَّةُ سَمَاعِي بِالبَصْرَةِ مَعَ أَبِي زُرْعَةَ.
وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ الأَزْدِيُّ:أَبُو يَعْلَى أَحَدُ الثِّقَاتِ الأَثبَاتِ،كَانَ عَلَى رَأْي أَبِي حَنِيْفَةَ.
قُلْتُ:نَعَم،لأَنَّه أَخَذَ الفِقْهَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوْسُفَ.
قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ:أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى بنِ عِيْسَى بنِ هِلاَلِ بنِ دِيْنَارٍ التَّمِيْمِيُّ أَبُو يَعْلَى أَحَدُ الثِّقَات،مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي(كَامِلِهِ) فِي ذِكرِ مُحَمَّدٍ الطُّفَاوِيِّ:سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى يَقُوْلُ:عِنْدِي عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ(المُسْنَدُ)وَ(التَّفْسِيْرُ)،وَالمَوْقُوَفَاتُ،حَدِيْثُهُ كُلُّه.(1/230)
وَقَدْ وَصف أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ أَبَا يَعْلَى بِالإِتْقَانِ وَالدِّينِ،ثُمَّ قَالَ:وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُوْل اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَةُ أَنفُس.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ:كُنْت أَرَى أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ مُعْجَباً بِأَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيّ،وَحفظِهِ وَإِتقَانِهِ،وَحفظِهِ لحديثِهِ،حَتَّى كَانَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ إِلاَّ اليَسِيْر،ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ:هُوَ ثِقَةٌ،مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ:لَوْ لَمْ يَشتغلْ أَبُو يَعْلَى بكُتُبِ أَبِي يُوْسُفَ عَلَى بِشْر بن الوَلِيْدِ الكِنْدِيِّ لأَدركَ بِالبَصْرَةِ سُلَيْمَانَ بن حَرْبٍ،وَأَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ.
قُلْتُ:قَنِعَ برفيقهِمَا الحَافِظِ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل التَّيْمِيِّ الحَافِظ يَقُوْلُ:
قَرَأْتُ المسَانيدَ كـ(مسنَدِ العَدَنِيّ)،وَ(مسندِ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْع)،وَهِيَ كَالأَنهَار،وَ(مسنَد أَبِي يَعْلَى) كَالبَحْر يَكُوْنُ مجتَمع الأَنهَار.
قُلْتُ:صَدَقَ،وَلاَ سِيَّمَا(مُسنده)الَّذِي عِنْد أَهْلِ أَصْبَهَان مِنْ طريقِ ابْنِ المُقْرِئِ عَنْهُ،فَإِنَّهُ كَبِيْرٌ جِدّاً،بِخلاَفِ(المُسْنَدِ)الَّذِي روينَاهُ مِنْ طريقِ أَبِي عَمْرٍو بنِ حَمدَانَ عَنْهُ،فَإِنَّهُ مُخْتَصَرٌ.
وَيَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً بِالاتِّصَال لِلشَّيْخِ فَخرِ الدِّيْنِ بنِ البُخَارِيّ فِي(أَمَالِي الجَوْهَرِيِّ)،وَيَقَعُ حَدِيْثُهُ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ لأَوْلاَدِنَا فِي أَثْنَاء(جُزء مَأْمُوْنٍ)،وَقَدْ قَرَأْتُ سَمَاعه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِبَغْدَادَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَاتِم الطَّوِيْلِ - صَاحِب مَالِكٍ - وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ حَيٌّ بِالبَصْرَةِ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ،وَعَاشَ أَبُو يَعْلَى إِلَى أَثْنَاءِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ،فَقيَّده أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي فِي رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الأُولَى.
قُلْتُ:وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلوُّ الإِسْنَاد،وَازدحَمَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْث،وَعَاشَ سَبْعاً وَتسعين سَنَةً.(1)
كتابه :
وهو مرتب على مسانيد الصحابة،وقد بدأ بالعشرة المبشرين بالجنة،وانتهى الموجود منه بمسند سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
وعدد أحاديث المطبوع حوالي (7554) حديثاً
أمثلة من الكتاب :
(1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ،حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ،حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ،عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ،عَنْ عَلِيٍّ،قَالَ : كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ،وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرِي،لَمْ أُصَدِّقْهُ إِلا أَنْ يَحْلِفَ،فَإِذَا حَلَفَ صَدَّقْتُهُ،وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ،وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ،وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلا غَفَرَ لَهُ
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (14/174-180) -100 -(1/231)
(2) حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ،حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ،عَنْ عُمَرَ،قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَجِئْتَ أَنْتَ وَهَذَا،يَعْنِي الْعَبَّاسَ،وَعَلِيًّا،تَطْلُبُ أَنْتَ مِيرَاثَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ،وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لا نُورَثُ،مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ
(3) حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ،حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ،حَدَّثَنَا مَالِكٌ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ،عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،عَنْ أَبِي بَكْرٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لا نُورَثُ،مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ
وفي آخره :
(7552) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ،حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ،وَأَشَارَ بِالسَّبَّاحَةِ وَالْوُسْطَى
(7553) حَدَّثَنَا الأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ،حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِرْمَانِيُّ،حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدَنِيُّ،عَنْ أَبِي حَازِمٍ،عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا،وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ،مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ،وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاثَ أَيَّامٍ
(7554) حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ،حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ،عَنْ أَبِي حَازِمٍ،عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ يَضْمَنُ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ،وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ،وَأَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ ؟
وهو متمم للكتب الستة، وغالب أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن،وفيه بعض الضعيف .
وله طبعات عديدة،بعضها محقق،وأهمها طبعة دار المأمون،بتحقيق ( حسن الأسد) وهو من المتشددين في الجرح والتعديل،فضعف كثيرا من الأحاديث التي لا تستحق التضعيف،أمثلة :
(8)حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ حَيَّانَ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،قَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ،قَامَ خَطِيبًا،فَقَالَ : إِنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ،فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ،أَلا إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ،أَلا إِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ"
قال حسين سليم أسد : إسناده ضعيف لانقطاعه
قلت : الصواب أنه صحيح لغيره،فقد ورد من طرق أخرى موصولة وصححه الشيخ شعيب لغيره مسند أحمد - (ج 1 / ص 219)(49)
(19)حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ،حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،حَدَّثَنَا كَوْثَرُ بْنُ حَكِيمٍ،عَنْ نَافِعٍ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،فَهُوَ لَهُ نَجَاةٌ "
قال حسين سليم أسد : إسناده ضعيف(1/232)
قلت : وصله الطبري في تهذيب الآثار( 675 ) وحدثنا جعفر بن هاشم،قال : حدثنا سليمان بن أبي سليمان التميمي،قال : حدثنا محمد بن عمر،قال : حدثنا عبد الله بن أخي الزهري،عن الزهري،عن سعيد بن المسيب،عن عبد الله بن عمرو بن العاص،عن عثمان بن عفان،عن أبي بكر الصديق،قال : ' قلت : يا رسول الله ! ما نجاة هذا الأمر ؟ ' قال : ' الكلمة التي أردت عليها عمي : لا إله إلا الله ' . فالحديث صحيح لغيره،وهكذا ..
ــــــــــــــــ
هـ - جامع المسانيد والسنن لابن كثير
ترجمة الحافظ ابن كثير:
هو الإمام الحافظ،المحدث،المؤرخ،عماد الدين،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي الدمشقي الشافعي.
ولد بقرية "مِجْدَل" من أعمال بصرى،وهي قرية أمه،سنة سبعمائة للهجرة أو بعدها بقليل.نشأ الحافظ ابن كثير في بيت علم ودين،
مؤلفاته:
1-تفسير القرآن العظيم: وسيأتي الكلام عليه في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.
2-فضائل القرآن: وهو ملحق بالتفسير في النسخة البريطانية،والنسخة المكية،وقد اعتمدت إلحاقه بالتفسير لقرب موضوعه من التفسير؛ ولأن هاتين النسختين هما آخر عهد ابن كثير لتفسيره.
3-أحاديث الأصول.
4-شرح صحيح البخاري.
5-التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والمجاهيل: منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم (24227) في مجلدين،وهي ناقصة ولديَّ مصورة عنها.
6-اختصار علوم الحديث: نشر بمكة المكرمة سنة (1353 هـ) بتحقيق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة،ثم شرحه الشيخ أحمد شاكر،رحمه الله،وطبع بالقاهرة سنة (1355 هـ).
7-جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن: منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم (184) حديث،ونشره مؤخرًا الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي،وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت.
8-مسند أبي بكر الصديق،رضي الله عنه.
9-مسند عمر بن الخطاب،رضي الله عنه: نشره الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي،وطبع بدار الوفاء بمصر.
10-الأحكام الصغرى في الحديث.
11-تخريج أحاديث أدلة التنبيه في فقه الشافعية.
12-تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: طبع مؤخرًا بتحقيق الكبيسي،ونشر في مكة.
13-البداية والنهاية: مطبوع عدة طبعات في مصر وبيروت،أحسنها الطبعة التي حققها الدكتور علي عبد الستار وآخرون. وغيرها كثير
ثناء العلماء عليه:
كان ابن كثير،رحمه الله،من أفذاذ العلماء في عصره،أثنى عليه معاصروه ومن بعدهم الثناء الجم:
فقد قال الحافظ الذهبي في طبقات شيوخه: "وسمعت مع الفقيه المفتي المحدِّث،ذى الفضائل،عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الشافعي.. سمع من ابن الشحنة وابن الزراد وطائفة،له عناية بالرجال والمتون والفقه،خرَّج وناظر وصنف وفسر وتقدم" (طبقات الحفاظ للذهبي (4/ 29) وعمدة التفسير لأحمد شاكر (1/ 25)) .
وقال عنه أيضًا في المعجم المختص: "الإمام المفتي المحدِّث البارع،فقيه متفنن،محدث متقن،مفسر نقال" (المعجم المختص للذهبي.) .
وقال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني: "صاهر شيخنا أبا الحجاج المزي فأكثر،وأفتى ودرس وناظر،وبرع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل" (ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني ص 58،وعمدة التفسير لأحمد شاكر (1/ 26).) .
وقال العلامة ابن ناصر الدين: "الشيخ الإمام العلامة الحافظ عماد الدين،ثقة المحدثين،عمدة المؤرخين،علم المفسرين" (الرد الوافر.) .
وقال العيني: "كان قدوة العلماء والحفاظ،وعمدة أهل المعاني والألفاظ،وسمع وجمع وصنف،ودرس،وحدث،وألف،وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ،واشتهر بالضبط والتحرير،وانتهى إليه رياسة علم التاريخ والحديث والتفسير وله مصنفات عديدة مفيدة" (النجوم الزاهرة (11/ 123).) .(1/233)
وقال تلميذه ابن حجي: "أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث،وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها،وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك،وكان يستحضر شيئا كثيرا من الفقه والتاريخ،قليل النسيان،وكان فقيها جيد الفهم،ويشارك في العربية مشاركة جيدة،ونظم الشعر،وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه" (شذرات الذهب لابن العماد (6/ 232).) .
وفاته ورثاؤه:
في يوم الخميس السادس والعشرين من شهر شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة توفي الحافظ ابن كثير بدمشق،ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية،رحمه الله.وقد ذكر ابن ناصر الدين أنه "كانت له جنازة حافلة مشهودة،ودفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية".
وقد قيل في رثائه،رحمه الله:
لفقدك طلاب العلوم تأسفوا ... وجادوا بدمع لا يبير غزير
ولو مزجوا ماء المدامع بالدما ... لكان قليلا فيك يا بن كثير
كتابه جامع المسانيد والسنن :
جمع فيه بين مسند الامام أحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني الى الكتب الستَّة
خصائص جامع المسانيد والسنن :
1- صنف ابن كثير هذا الجامع على المسانيد والمتون،وليس على الأطراف،حيث يورد متن الحديث كاملاً،اللهم إلا المطولات جدا،فقد يشير إليها إشارة على أن بعض هذه المطولات يكون قد تقدم من رواية أخرى .
2- يبدأ ابن كثير جامعه بتفريغ كتاب أسد الغابة في معرفة االصحابة لعز الدين بن الأثير علي بن محمد الجزري المتوفى (630)،فيورد اسم الصحابي،ثم حديثه،وغالباً ما يكون هذا الصحابي ليس له إلا حديثاً أو حديثين،يوردهما من أسد الغابة،وقد ينقل تعليق ابن الأثير على الحديث أو الحديثين،وقد يورد ترجمة موجزة .
3- فإن كان لهذا الصحابي أحاديث وردت في مسند أحمد،يبدأ بترتيب هذه الأحاديث من رواية التابعين عنه على الأحرف الأبجدية،متبعاً نهج الحافظ المزي في تحفة الأشراف .
وقد تتكرر متون الأحاديث عند الإمام أحمد وغيره،فيوردها كلها .
4- وبعد أن يورد أحاديث مسند أحمد ينظر إن كان لهذه المتنون روايات عند أصحاب الكتب الستة،يعني يقابله على تحفة الأشراف .
وإن أخرجه أبو داود أو الترمذي،أو غيرهما فإنه يذكر ذلك مختصراًَ أيضاً،فيقول : أخرجه أبو داود عن شيخه فلان ...
5- فإن انتهى من سرد أحاديث مسند أحمد لهذا الصحابي من رواية هذا التابعي،وبقي أحاديث ليس لها مطابق من تحفة الأشراف،أوردها،ثم عقب ذلك بقوله : تفرَّد به .
وهذه العبارة تقتضي أن هذا الحديث لم يروه غير الإمام أحمد - أي أنه من زوائد الإمام أحمد على تحفة الاشراف .
6- وعلى هذا النحو إذا بقي أحاديث من تحفة الأشراف من رواية هذا التابعي عن هذا الصحابي،فإنه يبدأ بإيرادها بعد الأحاديث التي تفرد بها الإمام أحمد عن الكتب الستة،مخرجا لها من تحفة الأشراف أيضاً .
7- ويضاعف من روعة هذا الجهد الذي بذله المصنف أنه بعد ذلك يبدأ بسرد الأحاديث الموجودة في المعجم الكبير للطبراني،وهي زوائد على مسند أحمد،والكتب الستة،وغالباً ما يعطي لهذه الأحاديث أرقاماً،فيقول : أحاديث أخر من رواية التابعي عن الصحابي ( الأول) ثم يبدأ بكتابته،ثم ( الثاني) وهكذا،ولا ينسى أن يذكر الإسناد،فإن اتفقت جملة أحاديث بإسندا واحدٍ استخدم لفظ : ( وبه) يعني بهذا الإسناد المتقدم الذي قبله .
8- وعلى هذه الشاكلة أضاف أحاديث البزار من مسنده،وهي الأحاديث التي وجدها في مسند البزار،ولم ترد لا في مسند أحمد ولا في تحفة الأشراف،ولا في المعجم الكبير للطبراني .
9- فإذا بلغ ابن كثير هذه الغاية كان طبيعيا أن يضيف مسند أبي يعلى،فإذا به يستعرضه،ويأخذ منه الأحاديث التي رواها في مسنده ولم ترد لا في مسند أحمد ولا في تحفة الأشراف،ولا عند الطبراني ولا عند البزار،بل هي من مسند أبي يعلى فقط .(1/234)
10- فإذا اشترك مثلا الطبراني والبزار وأبو يعلى في رواية حديث أشار إلى ذلك،وإن اشترك اثنان منهم وضح ذلك،وإن رواه واحد منهم فقط قال مثلا : رواه أبو يعلى عن ... ويسرد الإسناد .
11- فإذا انتهى من سرد الأحاديث التي رواها أبو يعلى انتقل إلى تابعي آخر روى عن هذا الصحابي،وهكذا حتى يستنفد رواية كل من روى عن هذا الصحابي،من صحابة أو تابعين،أو معروفين بالكنية فالنساء فكنى النساء .
12- فإن كان الحديث قد تقدم من رواية صحابي آخر أشار إلى ذلك،أو سيأتي في رواية صحابي آخر،أشار إلى ذلك أيضاً .
13- وعلى هذا النحو يتمُّ بقية الكتاب،حتى إذا ما وصل إلى المجاهيل،فإنه يجمعهم من أسد الغابة،ومسند أحمد،وتحفة الأشراف .
14- أما مسانيد المكثيرين وعندنا مسند عبد الله بن عمر ( كاملاً ) وكذا مسند عبد الله بن مسعود،وحوالي 90% من مسند أبي هريرة،وربع مسند أنس بن مالك،فإنه يسلك طريقاً مختلفاً بعض الشيء عما سلكه شيخه المزي في تحفة الأشراف .
لقد قسم المزي مرويات الصحابة على تراجم جميع من يروي عنهم من التابعين وبعض الصحابة،كل ذلك على نسق حروف المعجم،وله تقسيم ثالث لمرويات كل تابعي تحت كل صحابي مكثر إذا كثرت الروايات عن ذاك التابعي حيث يقسمها على تراجم من يروي عنه من أتباع التابعين،وإذا وجد أحدا من هؤلاء الأتباع من له عدة تلاميذ يروون عنه قسم مروياته تقسيما رابعاً على تراجم أتباع أتباع التابعين،فيترجم مثلاً :
حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو،عن أبي سلمة عن أبي هريرة،أو معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة .
وهذا التقسيم الرباعي قليل في تحفة الأشراف،والأكثر ( الثلاثي) وهو الأعم .
ولكن ابن كثير يختصر هذا الطريق،ونراه لا يقسم على أتباع التابعين،فإن قال إسحاق بن عبد الله عن أنس،فهو يسرد كل الأحاديث التي رواها إسحاق دون اعتبار لتقسيم رواية إسحاق على أتباع التابعين .
بينما في تحفة الأشراف يقسم رواية إسحاق بن عبد الله على رواية أتباع التابعين،فتصل معه إلى ثلاثة عشر قسماً،ويقصد ابن كثير من ذلك إلى الاختصار وتجميع الروايات .
ولا بأس أن أقدم مثالا على ذلك،الحديث رقم(28) من مسند أنس بن مالك في طبعة جامع المسانيد هذه،وهو في المجلد (21)،قال ابن كثير - ثم يروي هذا الحديث من مسند أحمد حيث يقول :
(28) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَهُ جَبْذَةً حَتَّى رَأَيْتُ صَفْحَ أَوْ صَفْحَةَ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ.فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
رواه البخاري عن يحيى بن بكير،وإسماعيل بن أبي أويس،وعبد العزيز بن عد الله الأويسي،ومسلم عن عمرو بن محمد الناقد عن إسحاق بن سليمان،أربعتهم عن مالك به .
ورواه مسلم أيضاً،وابن ماجة عن يونس عن ابن وهب عن مالك به .
ورواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وعكرمة بن عمار وهمام بن يحيى كلهم عن إسحاق بن عبد الله به مثله أو نحوه .
فهذا الحديث من مسند أحمد 3/139 وأورده المزي في تحفة الأشراف في أربعة مواضع من رواية إسحاق بن عبد الله عن أنس
فأورده في رقم (139) من رواية الأوزاعي عن إسحاق عن أنس أخرجه مسلم فقط .
وأورده المزي في (205) من وراية الإمام مالك عن إسحاق عن أنس،أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة .(1/235)
وأورده المزي في التحفة أيضاً برقم(218) من رواية همام بن يحيى العوذي البصري عن إسحاق،عن أنس،أخرجه مسلم فقط .
فهو أربعة أحاديث عند المزي في تحفة الأشراف،وحديث واحد عند ابن كثير في جامع المسانيد .
15- أمر آخر وهو أن ابن كثير اختلف عن شيخه المزي في ترتيب الكتاب إلى مقلين ومكثرين،فصنف أولاً المقلين،ثم فرغ للمكثرين .
ومفهوم المكثر عنده ما زادت روايته عن الألف أو أقل بقليل كما في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص،فإن أحاديثه حوالي (879) حديثاً،بينما هو يذكر في المقلين أبا ذر،وأحاديثه تزيد عن المئتين،وكذا سعد بن أبي وقاص،وأبا أمامة الباهلي،ويضع أبا بكر الصديق مع المكثرين،بينما أحاديثه (128) حديثاً .
16- في مسألة الأسماء والكنى لا يلتزم بما التزم به شيخه،بل يتبع الأسماء والكنى من مسند الإمام أحمد،فمثلاً دينار في تحفة الأشراف،وهو عند أحمد أبو عبد الله في الكنى،فيأتي في جامع المسانيد في الكنى عن سعد وهكذا .
17- أورد في مسند أحمد بعض الأحاديث التي لسيت في المطبوع،مثل الحديث رقم (7492) عن عمرو بن مرة والحديث (7697) أتذكرين يوم همدان ... أما إنه خير لمن اتقى منهم،رواه فروة بن مسيك صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وقال عنه المصنف : تفرد به أحمد
نادرا ما ينقل ابن كثير من مصادر أخرى غير التي التزم بها،وقد وجدت بعض الأحاديث القليلة،فمثلاً الحديث رقم(6520) في مسند عروة البارقي من مسند الطيالسي،وكذا أخذ منه الحديث رقم (11648) في مسند أبي رهم المجلد 14،وهو في مسند الطيالسي (ص :189) ومن مستدرك الحاكم الحديث رقم(3142) عن سعد بن تميم : اي الناس خير ؟ قال : أنا وأقراني،ولكن ذلك بقلة .
19- أحيانا - لأهمية ذلك- ينقل تفصيل التخريج من تحفة الأشراف،ويسبقه بلفظ : قال شيخنا،أي المزي،هذا عندما يود ذكر الروايات لحديث ما .
20- ابن كثير يختلف في جامع المسانيد عن تحفة الأشراف أنه يخرج الحديث فيذكر من أخرجه بألفاظه التامة،دون الرموز،ويسوق الأسانيد كذلك .
21- نقده لبعض الأحاديث :
عند ما يمرُّ مع ابن كثير حديث في سنده ضعيف،أو في متنه نكارة،فإنه يذكر ذلك،وقد تردد ذلك كثيرا في ثنايا كتابه : كالحديث (2826 ) المجلد الرابع،وهو حديث : ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش الذي كان قبله !
فقال : يقتضي ذلك أن عيسى عاش (126) سنة وهذا خلاف المشهور أنه رفع وله (33) سنة،ثم إذا أضيف العدد على هذا الوجه أدى إلى تضعيف أحاديث لا تنحصر .
وقال في تعليقه على الحديث (7861) في مسند قتادة بن النعمان "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَضَى خَلْقَهُ اسْتَلْقَى فَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى،وَقَالَ: لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي أَنْ يَفْعَلَ هَذَا"
قال عنه : هذا إسناد غريب جدا،وفيه نكارة شديدة،ولعله متلقى من الإسرائليات،اشتبه على بعض الرواة،فرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فقد ثبت فعل مثل هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،في الصحيح،وبعض العلماء كره هذه،لأن فيها انكشاف العورة لا سيما لمن ليس عليه سراويل،والله أعلم . وغير ذلك كثير ...
22-تبركه ببعض الأحاديث،فقد جاء في الحديث (8079) في مسند كعب بن مالك الأنصاري وهو في مسند أحمد ورواه الترمذي والنسائي،وابن ماجة،وقال الترمذي: حسن صحيح وهو حديث(إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ،يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ،حَتَّى يُرْجِعَهَا اللهُ،تَبَارَكَ وَتَعَالَى،إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ).
قال معلقاً عليه : هذا الحديث عظيم الإسناد والمتن،إذ فيه بشارة لكل مؤمن أن نفسه حين تقبض من جسده تصير طائرا في الجنة،يأكل من ثمارها،ويشرب من أنهارها إلى يوم القيامة،فيرجع بإذن الله إلى جسدها الذي كانت تغمره في الدنيا(1/236)
هذا ويشمل هذا الكتاب في شكله النهائي ما يربو على أربعين ألف حديث بالمكرر،وهي جلُّ سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،تقنن اليوم في كتاب واحد،في هذا الديوان الحديثي الهادي لأقوم سنن .
وقد طبع طبعة محققة ومفهرسة بشكل جيد،مما يسهل الرجوع إليه
ــــــــــــــــــ
2 ـ المصادرُ الفرعية
وتشملُ:
أ ـ كتب الأطراف.
ب ـ كتب المجاميع (الجوامع).
أ ـ كتبُ الأطراف.
حقيقتها:
كتب الأطراف هي نوع من المصنفات الحديثية اقتصر فيها مؤلفوها على ذكر طرف الحديث الذي يدل على بقيته،ثم ذكر أسانيده التي ورد من طريقها ذلك المتن،إما على سبيل الاستيعاب،أو بالنسبة لكتب مخصوصة. ثم إن بعض المصنفين ذكر أسانيد ذلك المتن بتمامها،وبعضهم اقتصر على ذكر شيخ المؤلف فقط .
إذن فهي لا تكون أطراف إلا بذكر طرف من الحديث،ثم إن المصنف صاحب الكتاب الذي خرّج الأحاديث على الأطراف يذكر طرفا من الحديث كإشارة إليه وجلُّ تركيزه واجتهاده وسعيه على أسفل وهو الكلام على أسانيد ذلك المتن. إما من طريق كتاب بعينه،أو من أكثر من كتاب؛ كالكتب الستة،أو غيرها،أو العشرة كما سنعرف -إن شاء الله تعالى- فيما يأتي.
ترتيبها:
أمّا ترتيبها فالغالب أن مؤلفيها رتبوها على مسانيد الصحابة،مرتبين أسماءهم على حروف المعجم؛ أي يبدؤون بأحاديث الصحابي الذي أول اسمه ألف،ثم باء وهكذا. وربما رتبها بعضهم وهو قليل على الحروف بالنسبة لأول المتن؛ كما فعل أبو الفضل ابن طاهر في كتاب "أطراف الغرائب والأفراد" للدارقطني؛ فقد رتبه على حروف المعجم بالنسبة لأوائل المتن وكذلك فعل الحافظ محمد بن علي الحسينيّ في كتابه "الكشاف في معرفة الأطراف".
معنى الأطراف:
الأطراف جمع طرف،وطرف الحديث معناه الجزء من متنه الدَّال على بقيته،مثل قولنا حديث: (كلكم راع)،وحديث (بني الإسلام على خمس)،وحديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة)،وهكذا.
عددها:
وكتب الأطراف كثيرة،ومن أشهرها:
- "أطراف الصحيحين" لأبي مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقيّ المتوفى سنة 401هـ.
- "أطراف الصحيحين" لأبي محمد خلف بن محمد الواسطيّ المتوفى سنة 401 هـ أيضا.
- "الإشراف على معرفة الأطراف"؛ أي أطراف السنن الأربعة للحافظ أبي القاسم عليّ بن الحسن المشهور بابن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571هـ.
وبعد ذلك "تحفة الأشراف" و"إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر هذه مطبوعة ومتداولة،وكذلك كتاب البوصيري،وذخائر المواريث.
- "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"؛ أي أطراف الكتب الستة للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المِزِّيّ المتوفى سنة 742 هـ.
- "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" للحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ المتوفى سنة 852 هـ.
- "أطراف المسانيد العشرة" لأبي العباس أحمد بن محمد البوصيري المتوفى سنة 840 هـ.
كتاب "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" للحافظ ابن حجر،وكتاب "أطراف المسانيد العشرة" للبوصيري قد يظن الباحث أو الطالب أنهما كتاب واحد،أو يخدمان في اتجاه واحد لكن الحقيقة أن جملة ما في الكتابين من المصادر التي قاموا بخدمتها إحدى وعشرين كتابا. فكتاب الحافظ بن حجر "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" هذه العشرة هي: موطأ مالك،مسند الشافعي،مسند الإمام أحمد،مسند الدارمي،سنن الدارمي،صحيح ابن خزيمة،المنتقى لابن الجارود،صحيح ابن حبان،مستدرك الحاكم،مسند أبي عوانة،سنن الدارقطني،معاني الآثار للطحاوي،فهذه إحدى عشر كتابا. وهم ذكروا صحيح ابن خزيمة على أساس أنه كتاب لم يكتمل فالقدر المطبوع من صحيح ابن خزيمة أربعة مجلدات هذه تساوي -تقريبا- ربع الكتاب فقط لا غير. فلذلك ذُكِرَ تجاوزا،وإلا؛ فهو كتاب غير مكتمل.(1/237)
وأما أطراف المسانيد العشرة للبوصيري؛ فجهده فيها منصب على أطراف مسند أبي داود الطيالسي،ومسند الحميدي،ومسند مسدد بن مسرهد،ومسند محمد بن يحيى العدني،ومسند إسحاق بن راهويه،ومسند أحمد بن منيع،ومسند عبد بن حميد،والحارث بن أبي أسامة،ومسند أبي يعلى الموصلي.
ترى في جهد الإمام البوصيري أن جل الكتب التي قام بخدمتها وعمل عليها أطرافا في كتابه. هذه وعاء للكتب المفقودة. فالآن -مثلاً- مسند محمد بن يحيى العدني لا نعرفه. ومسند إسحاق وُجد منه جزء طبع في خمسة مجلدات وغير مكتمل. ومسند أحمد بن منيع،ومسند عبد بن حميد المنتقى الذي صنعه الشيخ مصطفى العدوي،الحارث بن أبي أسامة القدر الموجود منه أطراف للهيثمي،مسند مسدد بن مسرهد غير موجود وجود أطراف هذه الكتب،وكون البوصيري يقول إن هذا الحديث عند مسدد أو عند محمد بن يحيى العدني؛ فهذا وعاء مهم جدا جدا كمكان لأحاديث الكتب المفقودة. نفس الكلام عند الحافظ ابن حجر إلا أن الكتب التي عمل أطرافها كلها الحمد لله مطبوعة،مسند ابن أبي شيبة مطبوع لكن أقصر البوصيري الخدمة التي فعلها في الأطراف عمل جهدا على كتب ليست موجودة بأكملها،أو مفقود قدر كبير منها؛ كمسند مسدد،ومحمد بن يحيى العدني،وإسحاق،وأحمد بن منيع،وقدر من مسند عبد بن حميد،والحارث بن أسامة. فهذه أشياء معظمها مفقود،أو موجود منها قدر يسير،والباقي لا يعرف أين هو. فهذا يعتبر وعاء لشيء مفقود فمهم جدا تحصيل مثل ذلك لطالب الحديث.
-"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضيع الحديث" لعبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 هـ.
فوائدها:
لكتب الأطراف فوائد متعددة أشهرها ما يلي:
- معرفة أسانيد الحديث المختلفة مجتمعة في مكان واحد. وبالتالي معرفة ما إذا كان الحديث غريبا،أو عزيزا،أو مشهورا.
هذه فائدة لا يستهان بها؛ لأنك في الطريقتين الماضيتين أنت تستخدم المعجم المفهرس أو تستخدم ما قبل ذلك الجامع الصغير،أو موسوعة أطراف الحديث لزغلول يحيلك،وتقعد تكتب في الأسانيد،وتقارن بينها،وتوازن.
وفي التحفة -هنا كما سنرى- الأسانيد كلها أمام عينيك؛ فيقول: رواه فلان رواه البخاري -مثلاً- عن محمد عن مسدد عن محمد بن بشار عن شعبة وفلان عن فلان. فالأسانيد كلها أمام عينيك وتستطيع التأمل فيها والنظر بدلا من أن تأتي بالكتاب الأصلي،وتخرج منه. فتكتب ثم تأخذ في المقارنة.
نعم الكتب التي خدمت عدد ليس بالكثير لا يستوعب عادة يستفيد الباحث في جزئية معينة من الحديث الذي يريد تخريجه لكنه على أية حال جزء لا يُستهان به. وبالتالي معرفة ما إذا كان الحديث غريبا أو عزيزا أو مشهورا تبين لك الطرق وتعرف المدارات وتعرف هذا الحديث فيه تفرد. هذا الحديث فيه كثرة. تعرف ما إذا كان الحديث مشهورا. إذا كان الحديث غريبا إلى غير ذلك من الفوائد الإسنادية.
- معرفة من أخرج الحديث من أصحاب المصنفات الأصول في الحديث والباب الذي أخرجوه فيه.
- معرفة عدد أحاديث كل صحابيّ في الكتب التي عمل عليها كتاب الأطراف.
تنبيه: ينبغي أن يعلم أن كتب الأطراف لا تعطيك متن الحديث كاملا كما هو واضح. كما أنها لا تعطيك لفظ الحديث ذاته في الكتب التي يشملها كتاب الأطراف. وإنما تعطيك المعنى الموجود في تلك الكتب. وعلى المراجع الذي يريد متن الحديث كاملا باللفظ نفسه أن يرجع إلى المصادر التي أشارت إليها كتب الأطراف. فهي بمثابة دليل على مكان وجود تلك الأحاديث،وليست كالمسانيد التي تعطيك الحديث كاملا،ولا تحوجك للرجوع إلى مصدر آخر.(1/238)
فاليوم كتب الأطراف ميزتها،وفائدتها الكبرى أنها تجمع لي الحديث بجميع طرقه من الكتب الستة،وخاصة تحفة الأشراف في مكان واحد. فهذا كشاف الباحث،أو المتمرس في دراسة الحديث يقع في قلبه انطباعات معينة عن الرواية بشكل سريع،ومثمر عند نظره في كتاب مثل :تحفة الأشراف". فنرى كتاب تحفة الإشراف،وكيفية البحث فيه.
ـــــــــــــ
"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"للمزي
مصنِّفُه:
المزي الحافظ يوسف بن عبد الرحمن -رحمه الله تعالى- من خواصّ تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية هو والحافظ ابن كثير. والاثنان دمشقيان من بلد واحدة. وكانت إليهما الرحلة من الآفاق لأخذ علم الحديث. والمزي -رحمه الله تعالى- ليس مُكثرا من التصنيف والمشهور أن للمزي كتابيْن؛ كتاب "تحفة الأشراف" وكتاب "تهذيب الكمال" الذي طبع بتحقيق بشار عواد معروف في 35 مجلدا. فليس له إلا هذان الكتابان من يوم صنفهما المزي إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة -إن شاء الله تعالى- حاجة طلبة العلم إليهما ماسة لا يُستغنى عنهما بحال من الأحوال. ومهما حصل تطور في دراسة السنة وعلم الحديث والإلكترونيات وغير ذلك إلا أنها بحال من الأحوال هذان الكتابان متصدران قائمة اهتمام طالب الحديث.
تهذيب الكمال هو كتاب الكمال لعبد الغني المقدسيّ في أسماء الرجال. فهذبه المزي وأضاف وزاد أشياء،وطبع بتحقيق د- بشار عواد في 35 مجلداً.
إن المزي -رحمه الله تعالى- صنف كتابين هما غرة في جبين الدهر؛ "تحفة الأشراف"،و"تهذيب الكمال بأسماء الرجال" وهم أسماء الرواة الذين لهم أحاديث في الكتب الستة.
يقول السبكي(1):" إن المزي كان يجلس من الصباح إلى العشاء يدرّس،ويسمع الطلبة،وكان الطلبة يقرؤون عليه،وتغمض عيناه،فينام فيخطئ الطالب فيستقيظ ويقول له هذا خطأ هذا ليس فلانا هذا فلان حصل تصحيف في الاسم أو خطأ في نطق كلمة أو شيء. فيستقيظ وينبهه."
وكانت الأسانيد تضطرب،والعلل وغير ذلك. وهو يمر فيها كالسهم لا يكاد يقف،ولا يكاد يخطئ -رحمه الله تعالى ورضي عنه!-. فهذا الإمام البارع العَلَم التي انتهت إليه معرفة الرجال في عصره وكانوا يقولون انتهت معرفة الرجال وعلم الحديث إلى أربعة؛ المزي،والذهبي،والبرزالي،ورابع لا أذكره الآن. لكن كان المزي من هؤلاء الفرسان البارعين في ذلك الزمن. وكانت الرحلة من مصر وغيرها إلى الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- لتحصيل مروياته،وتحصيل ما عنده وتجد كثيرا من مرويات المزي في كتابه القيّم "تهذيب الكمال" في آخر كل ترجمة. كثيرًا ما يورد في ترجمة الراوي حديثا وقع له بإسناده هو إلى ذلك الراوي،فيورده. فهو -مثلاً- يترجم لسفيان بن عيينة،يترجم للأعمش،لشعبة،لأحد من هؤلاء الكبار،أو غيرهم من الرواة المغمورين بعد ما يورد كلام أهل العلم فيه؛ اسمه،ونسبه،ومولده،وشيوخه،وتلامذته،وكلام أهل العلم عليه،ووفاته. بعد ما ينتهي من الترجمة؛ يقول قد وقع عليه من حديثه عاليا حدثنا به فلان ويذكر إسناده إلى ذلك الراوي حتى ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
- الغرض الأساسي من تصنيفه:
جمع أحاديث الكتب الستة وبعض ملحقاتها بطريق يسهل على القارئ معرفة أسانيدها المختلفة مجتمعة في موضع واحد.
- موضوعه:
ذكر أطراف الأحاديث التي في الكتب الستة،وبعض ملحقاتها:
الإمام المزي -رحمه الله تعالى- أورد أحاديث الكتب الستة في التحفة،وأضاف إليها بعض الإضافات؛ منها الأحاديث الموجودة في مقدمة "صحيح مسلم" والأحاديث التي في مقدمة مسلم ليس لها حكم الصحيح. لكنها محذوفة الأسانيد وفيها بعض الموقوفات،أو بعض الأحاديث التي في أسانيدها كلام. فلا يحكم على الأحاديث التي في مقدمة مسلم ولا يقال إن مسلم رواها في الصحيح. وإنما تقول رواها في المقدمة فليس لها حكم الصحيح.
__________
(1) - كما في ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى في المجلد العاشر(1/239)
فجرد أيضا أحاديث المقدمة في التحفة وهو يشير إليها في أثناء التخريج،وكتاب المراسيل لأبي داود. ومعلوم أن كتاب المراسيل طبع أكثر من مرة. والطبعات الموجودة فيها محذوفة الأسانيد. وهذه لا تغني من الحق شيئا؛ لأن الطالب إنما يريد السند وحذف الإسناد يجعل الكتاب معدوم القيمة. ففي النسخة التي حققها شيخنا شعيب الأرناؤوط بأسانيدها هي التي يعوَّلُ عليها عند العمل.
كذلك فرّغ أحاديث العلل الصغير التي في آخر الترمذي الذي تولى شرحه الحافظ الفذ ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي". فأحاديث مقدمة مسلم،ومراسيل أبي داود،والعلل الصغير للترمذي،والشمائل للترمذي،وعمل اليوم والليلة للنسائي هذه فرَّغها أيضا في التحفة وأشار إليها عند التخريج؛ وكتاب "الشمائل" للترمذي أيضا و كتاب "عمل اليوم والليلة" للنسائي.
رموزه:
قال المزي رحمه الله : " فصل في شرح الرقوم المذكورة في هذا الكتاب : علامة ما اتفق عليه الجماعة الستة ( ع ), وعلامة ما أخرجه البخاري ( خ ), وعلامة ما استشهد به تعليقا ( خت ), وعلامة ما أخرجه مسلم ( م ), وعلامة ما أخرجه أبوداود ( د ), و علامة ما أخرجه الترمذي في (الجامع) ( ت ), وعلامة ما أخرجه في (الشمائل) ( تم ), وعلامة ما أخرجه النسائي في (السنن) ( س ), وعلامة ما أخرجه في كتاب (عمل وليلة) ( سي ), و علامة ما أخرجه ابن ماجة القزويني ( ق ) وما في أوله ( ز ) من الكلام على الأحاديث فهو مما زدته أنا, وما قبالته (كـ ) فهو مما استدركته على الحافظ أبي القاسم ابن عساكر رحمة الله عليهم جميعا"
فالبخاري -رحمه الله تعالى- يذكر جملة من الأحاديث معلقة يعني محذوفة الأسانيد في كتابه الجامع الصحيح. وهو يذكرها كالدليل على صحة عنوانه فالبخاري -رحمه الله تعالى- كما يقولون فقهه في تراجمه. التراجم التي هي عناوين الأبواب. فهو يأتي -رحمه الله تعالى- بعنوان ثم يأتي بأحاديث محذوفة الأسانيد كلها أو بعضها ليدلل على صحة هذه العنونة،ثم يذكر بعد ذلك الحديث المسند. فالأحاديث التي في البخاري بين العنوان وبين الحديث المسند الذي يورده بإسناده هذه تسمى معلقة. لكن هذا معنى البخاري تعليقا الأحاديث التي ذكرها البخاري في الصحيح وحذف أسانيدها،ثم وصل الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هذه الأسانيد كلها في كتاب سماه "تغليق التعليق" وهو مطبوع في خمسة مجلدات.
فالحافظ المزي -رحمه الله تعالى- بنى كتابه أساسا الذي هو تحفة الأشراف على كتاب ابن عساكر الذي جمع في أطراف الكتب الأربعة. فهو استدرك على ابن عساكر الذي جمع فيه أطراف الكتب الأربعة أحاديث فإذا رأيت رمز ك فمعناه أنه مستدرك على ابن عساكر. وهو رمز إليه برمز كاف. وإذا رمز برمز ز فتعلم أنه ما زاده الإمام المزي -رحمه الله تعالى- من الكلام على الأحاديث.
- ترتيبه:
الكتاب معجمٌ مرتب على تراجم أسماء الصحابة الذين رووا الأحاديث التي اشتمل عليها الكتاب. فيبدأ الكتاب بترجمة مَنْ أول اسمه همزة مع ملاحظة الحرف الثاني منه. وهكذا مثل ترتيب الكلمات في المعجم. لذلك نرى أول مسند في هذا الكتاب هو مسند أبيض بن حَمَّال
فأول شيء فيه قال: حرف الألف في التحفة:
من مسند أبيض بن حمّال الحميريّ المأربيّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(1/240)
*1 (د ت س ق) حديث:- أنّه وفد إلى النبيّ فاستقطعه الملح الذي بمأرِب... الحديث. د في الخراج (36) عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل العسقلانيّ،كلاهما عن محمد بن يحيى بن قيس المأربيّ،عن أبيه،عن ثُمامة بن شراحيل،عن سُميّ بن قيس،عن شَمير بن عبد المَدان،عن أبيض بن حمّال به. ت في الأحكام (39) عن قتيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمرِ،كلاهما عن محمّد بن يحيى بن قيس بإسناده،وقال غريب. ك س في إحياء الموات (في الكبرى) عن إبراهيم بن هارون،عن محمد بن يحيى بن قيس به. وعن سعيد بن عمرو،عن بقيّة،عن عبد الله بن المبارك،(17) عن معمر،عن يحيى بن قيس المأربيّ،عن أبيض بن حمّال به. وعن سعيد بن عمرو،عن بقيّة،عن سفيان،عن معمر نحوه. قال سفيان: وحدّثني ابن أبيض بن حمّال،عن أبيه،عن النبيّ بمثله. وعن عبد السلام بن عتيق،عن محمد بن المبارك،عن إسماعيل بن عيّاش وسفيان بن عُيينة،كلاهما عن عمرو بن يحيى بن قيس المأربيّ،عن أبيه،عن أبيض بن حمّال نحوه. ق في الأحكام (78) عن محمد بن يحيى بن أبي عمر،عن فَرَج بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمّال،عن عمّه ثابت بن سعيد،عن أبيه سعيد،عن أبيه أبيض نحوه. حديث ك س في رواية ابن الأحمر ولم يذكره أبو القاسم..اهـ
فالحافظ المزي -رحمه الله تعالى- وضع بين قوسين في الأول؛ قال: د ت س ق
هذا الكلام أن الحديث الآتي ذكره أخرجه: أبو داود،والترمذي،والنسائي،وابن ماجه.
ثم يقول حديث يعني الحديث الذي سأذكره؛ أنه وَفَدَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه الملح الذي... الحديث.
يعني هو لا يعتني أساسا بالمتون. وإنما الخدمة التي سيقدمها لنا: يقول: إن أبا داود روى الحديث عمَّنْ حتى وصل إلى الصحابي،والترمذي،والنسائي،وابن ماجه فالعبرة عنده بالأسانيد.
فيقول: د في الخراج؛ يعني أبا داود في كتاب الخراج. 36 يعني الباب رقم 36. عن قتيبة كلاهما قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل
فهنا يقول: قتيبة ومحمد بن المتوكل العسقلاني كلاهما عن محمد بن يحيى عن محمد بن قيس عن أبيه عن ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس عن شمير بن عبد المدان عن أبيض بن حمال،يعني الإسناد نفسه الإسناد في أبي داود فيه كم راو؟
لو قلنا قتيبة ومحمد بن المتوكل العسقلاني في طبقة واحدة. فهذه طبقة عن محمد بن يحيى بن قيس 2 عن أبيه 3 عن ثمامة بن شراحيل 4 عن سمي بن قيس 5 عن شمير بن عبد المدان 6 عن أبيض بن حمال 7 .فهذا إسناد سباعي يعني أنه نازل جدا.
والترمذي في الأحكام 39 يعني باب 39 عن قتيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمر عن قتيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمر غير محمد بن يحيى بن المتوكل العسقلاني هذا غير هذا محمد بن يحيى بن أبي عمر كلاهما عن محمد بن يحيى بن قيس عن محمد بن يحيى بن قيس بإسناده وقال غريب
فالمزي -رحمه الله تعالى- توفر له من نسخ الكتب التي أخرجها؛ البخاري،ومسلم،والسنن الأربعة توفر له من الروايات ما لم يتوفر لغيره. وهناك روايات ليست موجودة؛ كرواية ابن العبد لسنن أبي داود هي ليست مطبوعة ليست بين أيدينا الموجود في الأمة الآن رواية ابن داسة. ورواية ابن الأعرابي لسنن أبي داود غير موجودة. روايات الترمذي كان عندي روايات كثيرة جدا نسخ. ولذلك إذا أراد الباحث أن يتأكد من أحكام الترمذي على الأحاديث النسخ مختلفة. نسخة الشيخ أحمد شاكر لتحقيق الترمذي قد يقول على الحديث: حسن غريب في نسخة شاكر مثلاً. في نسخة شعيب الأرناوؤط مثلاً تجد فيها مثلاً: حسن وما في غريب. وفي نسخة ثالثة مثلاً أي نسخة من النسخ التجارية الموجودة قد تجد: حسن غريب،فيقع اضطراب في نظر الباحث. كلام الترمذي على الحديث هو حسن غريب ولا حسن ولا حسن غريب. مثلاً تحت يدي نسخة المكتبة الوطنية بباريس،ونسخة السليمانية من الترمذي ونرجع للتأكد من أحكام الترمذي على الأحاديث.(1/241)
فالفيصل في اختلاف النسخ في الحكم على الأحاديث هو التحفة.
وهذه فائدة عزيزة جدا ونادرة؛ لأن الإمام وقع له من النسخ والروايات ما لم يقع لغيره،وفيها ما هو مفقود غير موجود.
إذن عندنا إسناد أبي داود هو هو إسناد الترمذي إلا أن أبا داود قرن قتيبة بمحمد المتوكل العسقلاني،والترمذي قرن قتيبة بمحمد بن يحيى بن أبي عمر وبقية الإسناد سواء.
يقول: ق في الأحكام عن محمد بن يحيى بن أبي عمر في الأحكام 78
عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن فرج بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمال عن عمِّه ثابت بن سعيد عن أبيه سعيد عن أبيه أبيض نحوه
يعني هذا رواية الرجل عن أبيه عن جده عن جده الذي هو فرج بن سعيد عن عمه ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده وهذا جيد في الروايات.
وهذا نوع من مسألة الأطراف وإن المزي -رحمه الله تعالى- أوقف الناظر في كتابه على إسناد الحديث عند أبي داود،وعلى إسناد الحديث عند الترمذي،ونحن لم نكتب سند النسائي؛ لطوله لأنه يستغرق الوقت. وطرق الحديث عند ابن ماجه وعرّفك على مواطن الاختلاف،ومواطن الاتفاق. إسناد الترمذي وأبي داود متشابهان. الاختلاف فقط في شيخ الترمذي قرن قتيبة بمحمد بن يحيى بن أبي عمر وأبو داود قرنه بن المتوكل العسقلاني فالإسنادان تقريبا متشابهان. ابن ماجه اتفق مع الترمذي في محمد بن يحيى بن أبي عمر وحوَّل الإسناد تماما إلى طريق آخر. والنسائي تجده متوافقا في بعض الأشياء ومختلفا في بعض الأشياء. فأنت وقفت كأنك فتحت السنن الأربعة وقفت على إسناد كل حديث فيه. وهذه فائدة التحفة وهي تحفة في الحقيقة؛ لأنه يوفر على الباحث جهودا كثيرة في النظر في الطرق والأسانيد.
يقول: في إحياء الموات في الكبرى عن إبراهيم بن هارون عن محمد بن قيس به وعن سعيد بن عمرو عن بقية عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن قيس المأربي عن أبيض بن حمال به وعن سعيد بن عمرو عن بقية عن سفيان عمه معمر نحوه قال سفيان وحدثني ابن أبيض بن حمال عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله وعن عبد السلام بن عتيق عن محمد بن مالك عن إسماعيل بن عياش وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمر بن يحيى بن قيس المأربي عن أبيه عن أبيض بن حمال.
هذا هو الترتيب العام للكتاب وقد بلغت مسانيد الصحابة فيه 905 مسندا،وبلغت مسانيد المراسيل المنسوبة إلى أئمة التابعين ومن بعدهم 400 مسندا،وبهذه الطريقة يُعرف عدد أحاديث كل صحابي على حدة. وإذا كان الصحابي مكثرا من الرواية؛ فإنه يقسم مروياته على جميع تراجم مَنْ يروي عنه من الصحابة أو التابعين،ويرتبهم على ترتيب حروف المعجم أيضا.
يعني على سبيل المثال هنا في مسند أنس وأنس من المكثرين جدا يقول مثلاً أنس عبد الملك بن حبيب عنه.
فالأحاديث التي رواها أنس رواها عنه عبد الملك بن حبيب هذه هي. تأتي بمسند أنس،وتقلب الصفحات إلى أن تصل إلى حرف العين الذي هو عبد الملك بن حبيب. وإذا كان الراوي عن أنس من المكثرين عنهم مثل ثابت البناني،ثابت أكثر جدا عن أنس. ستجد أنه قسّم أحاديث ثابت البناني على الرواة عن ثابت؛ فيقول حماد بن سلمة عن ثابت،حماد بن زيد عن ثابت إن كان حماد بن زيد رواه عن ثابت وهكذا.
وإذا كان حماد بن سلمة مكثرا في الرواية عن ثابت عن أنس؛ فيقسم أحاديث حماد بن سلمة،فيقول فلان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس،وفلان عن حماد عن ثابت عن أنس حتى ينتهي من أسانيد أنس بهذه الطريقة.
تكرار الحديث وسببه:(1/242)
لقد أورد المصنف بعض الأحاديث في مواضع متعددة. وسبب ذلك هو التزامه إيراد الأحاديث على أسماء الصحابة. ولما كانت بعض الأحاديث مروية من طريق عدد من الصحابة؛ اضطر أن يذكرها مرارا بعدد الصحابة الذين رَوَوْها في الكتب الستة وذلك حتى يجدها الباحث في أي موضع من مظانها حسب طريقة الكتاب. ولذلك بلغت عدة أحاديثه 19595 حديثا على حين بلغت أحاديث كتاب "ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث" 12302 حديثا.
- ترتيب سياق الحديث فيه:
يقدم المصنف في ذكر أحاديث كل ترجمة ما كثر عدد مخرجيه من أصحاب الكتب أولا،ثم ما يليها في الكثرة وهكذا؛ فما رواه الستة يقدم في الذكر على ما رواه الخمسة .
يعني مسند أنس مثلاً يذكر أحاديث ثابت البناني عن أنس فيذكر منها ما اتفق الستة على إخراجه،ثم ما اتفق الخمسة،ثم ما اتفق الأربعة،ثم الثلاثة،ثم الاثنان،ثم ما انفرد به ابن ماجه مثلاً في رواية ثابت البناني عن أنس وهكذا. فيبدأ بمن كثر من المخرجين الستة أو الخمسة أو الأربعة ثم ما يقل،ثم ما يقل حتى يصل إلى من أخرج الحديث اثنان أو واحد من الكتب الستة.
- الغاية من المراجعة فيه:
إن الغاية من المراجعة في هذا الكتاب هي معرفة أسانيد حديث من الأحاديث التي في الكتب الستة وملحقاتها المذكورة. أما معرفة متن الحديث بتمامه فلا بدَّ فيه من الرجوع إلى المكان الذي أشار إليه صاحب الكتاب من الكتب الستة وملحقاتها.
- طريقةُ إيراد الحديث فيه:
يبدأ المصنف بذكر لفظ حديث عند أول كل حديث يريد إيراده،ويكتب فوق هذا اللفظ الرموز التي تشير إلى من أخرج هذا الحديث
ثم يذكر طرفا من أول متن الحديث بقدر ما يدل على بقية لفظه. وهذا الجزء من الحديث الذي يذكره إما من قوله - صلى الله عليه وسلم - إن كان الحديث قوليا،أو من كلام الصحابي إن كان الحديث فعليا،أو يذكر جملة أشبه ما تكون بموضوع الحديث؛ فيقول مثلاً حديث العرنيين(1). ثم يقول في الغالب الحديث .
وبعد ذكره طرفا من متن الحديث يشرع في بيان الأسانيد التي روي بها الحديث في المصنفات التي ترمز إليها على ترتيب الرموز تماما فيبدأ بكتب أول تلك الرموز،ويتبعه باسم الكتاب الذي ورد فيه ذلك الحديث من ذلك المصنف،ثم يذكر الإسناد بتمامه منتهيا إلى اسم المترجم بقوله عنه به؛ أي بهذا الإسناد كما في الترجمة ثم يذكر بقية الرموز وأسانيدها بنفس الطريقة حتى يأتي عليها.
مثاله : (*)خالد بن زيد أبو أيّوب الأنصاريّ،عن أبيّ.
*12 (خ م) حديث: أنّه قال،يا رسول الله،إذا جامع الرجل ولم ينزل؟ قال: يغسل ما مسّ المرأة منه ويتوضّأ ويصلّي. خ في الطهارة (108) عن مسدّد،عن يحيى القطَّان،عن هشام بن عروة،عن أبيه،عن أبي أيوب به. م في الطهارة (55) عن أبي الربيع الزهرانيّ،عن حمّاد بن زيد وعن أبي كريب،عن أبي معاوية وعن أبي موسى،عن غندر،عن شعبة ثلاثتهم عن هشام بن عروة به. وفي حديث شعبة،عن هشام،عن أبيه عن المليّ،عن المليّ يعني أبا أيوب،عن أبيّ. رواه أبو سلمة،عن عروة،عن أبي أيوب عن النبيّ ؛ وسيأتي (ح 3477) (112).
__________
(1) - عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَدِمَ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ ،فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ ،فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ ،فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ،فَفَعَلُوا فَصَحُّوا ،فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا ،فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ فَأُتِىَ بِهِمْ ،فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ،ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا . صحيح البخارى (6802 ) -اجتووا : كرهوا المقام بها لضرر لحقهم = يحسم : يكوى(1/243)
وإن تكرر الحديث في أكثر من كتاب من أصل المخرج؛ ذكر جميع تلك الكتب مع أسانيدها. فإن تعددت طرق حديث،واجتمع بعض رواة الحديث على شيخ مشترك بينهم؛ ساق الأسانيد إلى أولئك الرواة المشتركين فقط ثم قال الأخير ثلاثتهم،أو أربعتهم عن فلان؛ أي عن الشيخ المشترك. وكثيرا ما يجمع هكذا بين الرواة المشتركين في أصول شتى،ثم يختم أسانيدهم بشيخ مشترك بينهم.
ومثاله : سُويد بن غَفَلة الجُعفيُّ أبو أميّة الكوفيُّ،عن أبيَ. *28 (ع) حديث: وجدت صُرّة فيها مائة دينار... فذكر حديث اللقطة. خ في اللقطة (1) عن آدم بن أبي إياس و(10) سليمان بن حرب فرّقهما و(1) عن بندار،عن غندر و(10) عن عَبدان واسمه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوّاد،عن أبيه أربعتهم عن شعبة،عن سلمة بن كُهيل،عن سُويد بن غَفَلة به،وفيه قصّة. م فيه (أوّل اللقطة: 8) عن أبي بكر بن نافع وبندار،كلاهما عن غندر به. و(9) عن عبد الرحمن بن بشر،عن بهز بن أسد،عن شعبة به. و(10) عن أبي بكر بن أبي شيبة،عن وكيع؛ و(10) عن محمد بن عبد الله بن نمير،عن أبيه؛ كلاهما عن سفيان و(10) عن قتيبة بن سعيد،عن جَرِير،عن الأعمش و(10) عن محمد بن حاتم،عن عبد الله بن جعفر،عن عبيد الله بن عمرو الرّقيّ،عن زيد بن أبي أُنيسة و(10) عن عبد الرحمن بن بشر،عن بهز،عن حمَّاد بن سلمة أربعتهم عن سلمة بن كهيل به. د فيه (اللقطة 1) عن محمد بن كثير،عن شعبة به. و(2) عن مسَّدد بن مسرهد،عن يحيى القطّان،عن شعبة به. و(3) عن موسى بن إسماعيل،عن حمّاد بن سلمة به. ت في الأحكام (35) عن الحسن بن عليّ الخلاّل،عن يزيد بن هارون وعبد الله بن نمير،كلاهما عن سفيان به مطوَّلاً،وقال صحيح. س في اللقطة (في الكبرى) عن محمد بن قُدامة،عن جرير بن عبد الحميد به. وعن محمد بن عبد الأعلى الصنعانيّ،عن خالد بن الحارث وعن عمرو بن عليّ الفلاّس،عن (118) محمد بن جعفر غندر وعن عمرو بن يزيد الجَرْميِّ عن بهز بن أسد ثلاثتهم عن شعبة به. وعن عمرو بن عليّ،عن عبد الله بن نمير به. ك وعن محمد بن رافع،عن حُجين بن المثنّى،عن عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة الماجشون،عن عبد الله بن الفضل،عن سلمة بن كهيل نحوه. ق في الأحكام (81) عن عليّ بن محمد الطنافسِيّ،عن وكيع به. كحديث س عن محمد بن رافع في رواية أبي بكر محمد بن معاوية بن الأحمر عنه ك ولم يذكره أبو القاسم.اهـ
ـــــــــــــــ
"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث"
مصنفه:
عبد الغني النابلسي -1050 - 1143 هـ / 1641 - 1730 م
شاعر عالم بالدين والأدب مكثر من التصنيف،تصوف ولد ونشأ في دمشق ورحل إلى بغداد وعاد إلى سوريا وتنقل في فلسطين ولبنان وسافر إلى مصر والحجاز واستقر في دمشق وتوفي فيها.
له مصنفات كثيرة جداً منها: (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية - ط) و(تعطير الأنام في تعبير الأنام -ط) و(ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأَحاديث -ط)،و(علم الفلاحة - ط)،و(قلائد المرجان في عقائد أهل الإيمان - خ)،و(ديوان الدواوين - خ) مجموع شعره وله عدة دواوين.(1).
موضوعه:
جمع أطراف الكتب الستة وموطأ مالك.
ترتيبُه:
رتبَّه مصنفه على مسانيد الصحابة مُرَتِّبا ذكرهم على نسق حروف المعجم،مبتدئا بالهمزة منتهيا بالياء.
هذا الكتاب مرتب على طريقة "تحفة الأشراف" تماما بتمام،ويعتبر مختصرًا له،وهو مطبوع أربعة أجزاء في مجلدين،كل ما فعله أنه قلل الاهتمام بالأسانيد؛ فلم يورد الطرق كما فعل الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- فهو أشبه بالاختصار لـ"تحفة الأشراف".
تقسيمُه:
لقد قَسَّمَ المصنف الكتاب إلى سبعة أبواب مرتبًا ما في كل باب على نسق حروف المعجم؛ تسهيلاً للاستخراج،وهذه الأبواب هي:
الباب الأول: في مسانيد الرجال من الصحابة.
__________
(1) - تراجم شعراء الموسوعة الشعرية - (ج 1 / ص 1609) والأعلام للزركلي - (ج 4 / ص 32)(1/244)
الباب الثاني: في مسانيد من اشتهر منهم بالكُنية مرتبة على الحروف بالنسبة لأول حرف من الاسم المكنى به.
الباب الثالث: في مسانيد المبهمين من الرجال حَسَبَ ما ذُكِرَ فيهم من الأقوال على ترتيب أسماء الرواة عنهم.
الباب الرابع: في مسانيد النساء الصحابيات
هو ذكر أسماء الرجال مرتبة على حروف ألف باء ثم المشتهرين من الرجال بالكنى مرتبين أيضًا على الحرف الأول،ثم ذكر المبهمين.
يعني يقول مثلاً في الإسناد: حدثنا محمد حدثنا سعيد،حدثنا إبراهيم،هذا مبهم يعني لم يُذكر اسم أبيه،ولا نسبه بحيث يُعرف من هو،فذكر الرجال ثم الكنى ثم المبهمين،وبعد ذلك ذكر مسانيد الصحابيات،وبعد ذلك الكنى من النساء والمبهمات من النساء ثم المراسيل،وهذا يمتاز عن التحفة في طريقة الترتيب؛ لأن صاحب التحفة راعى الترتيب على الحروف = لم يعزل الكنى عن الأسماء،ولم يعزل أيضًا حين ذكر عائشة في ترتيبها في الأحرف،لم يذكرها في آخر الكتاب بالنسبة لـ"تحفة الأشراف"،هنا هو فصل؛ جعل الرجال في ناحية بعد ذلك الكنى،بعد ذلك المبهمين،ثم النساء،ثم كنى النساء،ثم المبهمات من النساء.
الباب الخامس: في مسانيد من اشتهر منهن بالكنية.
الباب السادس: في مسانيد المبهمات من النساء الصحابيات مرتبة على ترتيب أسماء الرواة عنهن.
الباب السابع: في ذكر المراسيل من الأحاديث مرتبة على أسماء رجالها المرسلين.
وألحق بهذا الباب ثلاثة فصول في كنى المرسلين،وفي المبهمين منهم،وفي مراسيل النساء،وقسم بعض الأبواب السابقة إلى فصول فيما يتعلق بكنى بعض الأسماء وما شابه ذلك.
رموزه: خ: للبخاري،م: لمسلم،د: لأبي داود،ت: للترمذي،س: للنسائي،هـ: لابن ماجه،ط: للموطأ.
فقد زاد على التحفة كتاب "موطأ مالك" ونفس الرموز المستخدمة في التحفة هي الموجودة في كتاب الإمام النابلسي -رحمه الله-.
- كيفية عرض المسانيد،وإيراد الأحاديث فيها.
بدأ المؤلف الكتاب -كما مر قريبًا- بحرف الهمزة؛ فقال: حرف الهمزة،ثم قال: أبيض بن حمال الحميري المأربي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: حديث بخط كبير،ثم ذكر طرف الحديث،فقال: أنه وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه الملح الذي بمأرب،ثم قال: وفيه « لاَ حِمَى فِى الأَرَاكِ ».
ثم كتب ما يلي:
د: في الخراج عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل،وعن محمد بن أحمد القرشي،ت: في الأحكام عن قتيبة،هـ: فيه عن محمد بن يحيى بن أبي عمر،انتهى إيراد الحديث.
ثم ذكر بقية أحاديث هذا الصحابي بهذا الشكل.
رأينا في "تحفة الأشراف" حديث أبيض بن حمال مخرج من هذه الطرق،وقلنا: اتفق أبو داود والترمذي وابن ماجه في إيراد الحديث إلا أنهم اختلفوا في شيوخهم فقط.
أما في كتاب ذخائر المواريث" كل ما فعله أنه ذكر شيوخ الأئمة المصنِّفين فقط،ولم يذكر بقية الإسناد،بخلاف التحفة،فالإمام المزي -رحمه الله تعالى- كان يورد بقية إسناد الحديث من كل كتاب،فكأنك في التحفة ترى كأنك خرجت الحديث من جميع الكتب،ترى أسانيدها وتقارن بين الرواة،وتعرف مواطن الالتقاء ومواطن الافتراق والتفرد إلى غير ذلك من الأمور،أما هنا فقد حذف هذا العمل كله واكتفى بذكر شيخ المصنف فقط،وهكذا في كل الكتاب ولذلك هو يجيء مثلاً في حجم ربع "تحفة الأشراف" تقريبًا أو أقل.(1/245)
وقد اعتبر المعنى أو بعضه دون اللفظ في جميع الروايات بحيث يذكر طرف الحديث بلفظه في بعض المصنفات،ويشير بعد ذلك بالرموز إلى ما يوافقها في المعنى دون الألفاظ،وإذا كان الحديث مرويًّا عن جملة من الصحابة يذكر الحديث في مسند واحد منهم خشية التكرار،بخلاف ما فعل المزي في "تحفة الأشراف" فإنه يذكر الحديث الواحد الذي رواه عدد من الصحابة في مسانيد جميع الصحابة الذين رووه،فتكررت في كتابه بعض الأحاديث،ولذلك جاءت عدة أحاديث ذخائر المواريث اثنين وثلاثمائة واثني عشر ألف حديث 12302 على حين بلغت عدة أحاديث "تحفة الأشراف" خمسة وتسعين وخمسمائة وتسعة عشر ألف حديث 19595،كما مر قريباً
هذا إنما جاء من جهة هو أن الإمام النابلسي في "ذخائر المواريث" اختصر = لم يذكر الحديث الذي تكرر عن أكثر من صحابي لم يورده في كل موضع لذلك الصحابي،فمثلاً إذا كان حديث في الحدود،حديث في الديات،أحاديث يرد ذكرها عن -مثلاً- أربعة أو خمسة من الصحابة أو ستة من الصحابة أو أكثر أو أقل؛ فإنه يورده في أول ذكرٍ لهذا الصحابي في ترتيب حروف ألفباء ثم لا يذكر هذا الحديث في مرويات الصحابة الأُخَر،فلذلك قلَّ عدد الأحاديث فيه إلى الثلث تقريبًا يعني حوالي سبعة آلاف حديث فرق بين "التحفة" وبين "ذخائر المواريث" إلا أن هذا العمل لا يسعف طالب الحديث.
في الحقيقة أنا أعتبر "التحفة" كتاب لا يُستغنى عنه أما "ذخائر المواريث" فهو أراد تقريب ما في التحفة فالبحث فيه ليس بذاك .
كيفية المراجعة فيه:
قال مصنِّفه في المقدمة: وإذا أردت الاستخراج منه؛ فتأمل في معنى الحديث الذي تريده في أي شيء هو،ولا تعتبر خصوص ألفاظه،ثم تأمل الصحابي الذي عنه رواية ذلك الحديث،فقد يكون في السند عن عمر أو أنس مثلاً،والرواية عن صحابي آخر مذكور في ذلك الحديث فصحح الصحابي المروي عنه،ثم اكشف عنه في محله؛ تجده إن شاء الله تعالى.
- الموازنة بينه وبين كتاب "تحفة الأشراف" للمزي:
لا شك أن لكل كتاب ميزةً يتميز بها عن الآخر،فكتاب المزي أجود لمن يريد الأسانيد،ويعتني بها ويريد الحكم على الحديث من كثرة طرقه واختلاف رجاله،كما أنه يمتاز بذكر الحديث الذي رواه عدد من الصحابة في مسانيدهم جميعًا وهي ميزة جيدة؛ لأن من عرف أي راوٍ لهذا الحديث من الصحابة فإنه يجده في مسنده. أما في "ذخائر المواريث" فقد لا يجد هذا الحديث في مسانيد بعض رواته من الصحابة،وهذا نقص في الكتاب،على أن كتاب "ذخائر المواريث" يمتاز بميزة الاختصار،فقد جاء حجمه بمقدار ربع حجم كتاب "المزي" وهذه ميزة مهمة لمن يريد الاستدلال على متن الحديث فقط .
ومعرفة من أخرجه من أصحاب المصنفات التي احتواها الكتاب،فإنه يحصل على بغيته من أقصر طريق وأيسر سبيل،ثم بإمكانه بعد معرفة موضعه أن يعرف تمام أسانيده هناك في تلك المصادر التي أحيل عليها،ويبني عليها ما شاء
ـــــــــــــــ
"إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"
للإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة أربعين وثمانمائة للهجرة 840هـ.
هذا الكتاب مطبوع في أحد عشر مجلدا ومرتب على الأبواب الفقهية،أو الكتب كما سنرى الإيمان،والقدر،والعلم،والطهارة،والحيض،والصلاة،والمواقيت،والآذان.. وغيرها إلى آخر هذه الكتب،وأضاف مسانيد عشرة كتب على الصحيحين،وهي مسند أبي داود الطيالسي،ومُسَدَّد بن مسرهد،والحُميدي،وابن أبي عمر،وإسحاق بن راهويه وأبي بكر بن أبي شيبة،وأحمد بن منيع،وعبد بن حميد،والحارث بن أبي أسامة،ومسند أبي يعلى الموصلي المسند الكبير.
وهو بلا شك كتاب نافع جدا مغفول عنه في باب التخريج خاصة في زيادات هذه الكتب التي تعتبر من الكتب منها بعض المفقود وهذا يثمر ويفيد كثيرا خاصة وأن البوصيري -رحمه الله تعالى- يعقب على ذكر المرويات بالكلام على الصحة والضعف،فهذا لا يستغني عنه طالب الحديث،(1/246)
المقدمة والنماذج.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم،صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،يقول الفقير إلى مغفرة ربه الكريم أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم البوصيري -لطف الله به!-.
الحمد لله الذي لا تنفد خزائنه مع كثرة أفضاله،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة موحد صادق في مقاله،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أوتي جوامع الكلم ومحاسن الشيم،صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه وآله. وبعد.
فقد استخرت الله الكريم الوهاب في إفراد زوائد مسانيد الأئمة الحفاظ الأعلام الأجلاء الأيقاظ أبي داود الطيالسي،ومسدد،والحميدي،وابن أبي عمر،وإسحاق بن راهويه،وأبي بكر بن أبي شيبة،وأحمد بن منيع،وعبد بن حميد،والحارث بن محمد بن أبي أسامة،وأبي يعلى الموصلي الكبير على الكتب الستة صحيحيْ البخاري ومسلم،وأبي داود،والترمذي،والنسائي الصغرى،وابن ماجه رضي الله عنهم أجمعين.
فإن كان الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي واحد؛ لم أخرجه إلا أن يكون الحديث فيه زيادة عند أحد المسانيد المذكورة تدلُّ على حكم فأخرجه بتمامه،ثم أقول في آخره: رَوَوْه أو بعضُهم باختصار،وربما بينت الزيادة مع ما أضمه إليه من مسندي أحمد بن حنبل،والبزار،وصحيح ابن حبان وغيرهم،كما سيرى -إن شاء الله تعالى-،وإن كان الحديث من طريق صحابيين فأكثر،وانفرد أحد المسانيد بإخراج طريق منها أخرجته وإن كان المتن واحدًا،وأنبه عقب الحديث أنه في الكتب الستة أو أحدها من طريق فلان مثلاً إن كان).
الإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- عمد إلى أن يأتي بأطراف المسانيد العشرة التي سبق ذكرها زيادة على ما في الكتب الستة،يعني حتى الحديث لو كان مخرجا في الكتب الستة وخرجه صاحب المسند فيه زيادة لفظة تدل على حكم زائد عما في الصحيحين أو في السنن الأربعة فإنه يورد هذه اللفظة ويذكر إسناد ذلك المصنف،فيعتبر الكتاب وعاء للكتب المفقودة أو التي فقد منها جزء كبير كمسند إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى بن أبي عمر والحارث بن أبي أسامة إلى غير ذلك.
(لئلا يُظن أن ذلك وهم،فإن لم يكن الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي آخر ورأيته في غير الكتب الستة؛ نبهت عليه للفائدة،وليُعلم أن الحديث ليس بفرد،وإن كان الحديث في مسندين فأكثر من طريق صحابي واحد؛ أوردته بطرقه في موضع آخر إن اختلف الإسناد،وكذا إن اتحد الإسناد بأن رواه بعض أصحاب مسانيد،وكذا إن اتحد الإسناد بأن رواه بعض أصحاب المسانيد مُعَنْعَنًا،وبعضهم صرح فيه بالتحديث،فإن اتفقت الأسانيد في إسناد واحد؛ ذكرت الأول منها ثم أحيل عليه،وإن كان الحديث في مسند بطريقين فأكثر؛ ذكرت اسم صاحب المسند في أول الإسناد،ولم أذكره في الثاني ولا ما بعده).
يعني هو يسوق الأسانيد كلها،لو أن الحديث مخرج مثلاً في مسند إسحاق بن راهويه أو في أبي يعلى الموصلي،أو في غيره طبعًا النسخة المطبوعة من مسند أبي يعلى الموصلي نسخة ناقصة فيها سقط في مواضع كثيرة وهذا الذي عُثِر عليه وهي محققة تحقيقاجيدا إلا أنها نسخة ليست كاملة،كان هناك نسخ أخرى للمسند لم يُعثر عليها أثناء التحقيق،فستجد في هذا الكتاب أحاديث عزاها لمسند أبي يعلى ينبه المحققان على أن الحديث ليس في النسخة المطبوعة من مسند أبي يعلى،فهو يسوق الأسانيد،لو أن الحديث مخرج ثلاث مرات في مسند أبي يعلى فهو يقول: قال أبو يعلى ويذكر إسناده،ثم الإسناد الثاني،ثم الثالث وهكذا،فيستوعب الأسانيد كلها،فهو وعاء جيد لهذه الكتب المزيدة على الكتب الستة،أطراف الكتب العشرة.
((1/247)
بل أقول قال: ما لم يحصل اشتباه،هذا كله في الإسناد،وأما المتن فإن اتفقت المسانيد على متن بلفظ واحد؛ سقت متن المسند الأول فحسْب،ثم أحيل ما بعده عليه وإن اختلفت؛ ذكرت متن كل مسند،وإن اتفق بعض واختلف بعض؛ ذكرت المختلف فيه،ثم يقول في آخره،فذكره. وقد أوردت ما رواه البخاري تعليقًا،وأبو داود في المراسيل،والترمذي في الشمائل،والنسائي في الكبرى وفي عمل اليوم والليلة.. وغير ذلك مما ليس في شيء من الكتب الستة ورتبته على مائة كتاب،أذكرها ليسهل الكشف عنها،وهي: ابتدأ بكتاب الإيمان وانتهى بكتاب صفة الجنة).
هو بدأ بالإيمان والقدر وبعض أبواب العقائد،ورتب بقية الكتاب على أبواب الفقه كلها،ثم ذكر آخر شيء كتاب الجنة.
(وسميته "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" وأنا سائلٌ أخًا ينتفع بشيء منه أن يدعو لي ولوالدي ومشايخي وسائر أحبائي والمسلمين أجمعين).
مثال منه :
2- باب بني الإسلام على خمس
[14] قال أبوبكر بن أبي شيبة: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ عَطِيَّةَ مَوْلَى بَنِي عَامِرٍ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ السَّكْسَكِيِّ،قَالَ : قدِمْت الْمَدِينَةَ فَدَخَلْت عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ،فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ،مَالَك تَحُجُّ وَتَعْتَمِرُ وَقَدْ تَرَكْت الْغَزْوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ : وَيْلك إنَّ الإِيمَانَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ : تَعْبُدُ اللَّهَ،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ،وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ،وَتَحُجَّ،وَتَصُومَ رَمَضَانَ،قَالَ : فَرَدَّهَا عَلَيَّ . فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللهِ تَعْبُدُ اللَّهَ،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ،وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ،وَتَحُجَّ،وَتَصُومَ رَمَضَانَ , كَذَلِكَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ الْجِهَادُ حَسَنٌ. ".هذا إسناد ضعيف؟ لجهالة التابعي والراوي عنه.
وأصله في الصحيحين والترمذي والنسائي بلفظ: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله... " إلى آخره دون باقيه.
[15/1] قال أبوبكر بن أبي شيبة: وثنا عبيدالله،أبنا داود الأودي،عن الشعبي،عن جرير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بني الإسلام على خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله،وإقام الصلاة،وإيتاء الزكاة،وحج البيت،وصوم رمضان ".
[15/2] قال: وثنا معاوية،عن شيبان،عن جابر،عن عامر... فذكره.
[15/3] رواه أبويعلى الموصلي: ثنا (أبوبكر بن أبي شيبة)... فذكره.
[15/4] قلت: رواه أحمد بن حنبل: ثنا مكي،ثنا داود بن يزيد الأودي... فذكره.
[15/5] قال: وثنا هاشم،ثنا إسرائيل عن جابر... فذكره.
هذا حديث ضعيف من الطريقين،أما الطريق الأول ففيها داود الأودي،وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبوداود والنسائي وأبوأحمد الحاكم وابن عدي والساجي وغيرهم،والطريق الثانية فيها جابر الجعفي وإن وثقه الثوري وشعبة،فقد كذبه الإمام أبوحنيفة والجوزجاني وابن عيينة،ونسبه زائدة إلى الرفض،وضعفه كثيرون.اهـ
هذا هو الجهد المشكور للإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث لو لم ينص البوصيري على ضعفه لكان متنه معلولاً بالقرائن لأنه هو قال: (ويلك!! إن الإيمان بني على خمس) فذكر أركان الإسلام،قال: (ثم الجهاد بعد ذلك حسن) فكأنه تزهيد من ابن عمر -رضي الله عنهما في منزلة الجهاد في سبيل الله،مع أنه إما أن يكون عينا وإما أن يكون كفاية،ثم البوصيري -رحمه الله تعالى- عَقَّبَ ببيان ضعف الرواية،(هذا إسناد ضعيف لجهالة التابعي والراوي عنه).(1/248)
فيذكر الحديث عند ابن أبي شيبة ويذكر علته إن كان في الإسناد علة ثم يقول: وقد رواه من أصحاب الكتب الستة فلان وفلان ويسوق طرفًا من المتن إلى آخر الحديث،وهكذا،فترى هذا التنصيص على أسباب ضعف الحديث ونحو ذلك من الفوائد العزيزة جدًا في هذا العلم الشريف.
مثال آخر : (كتاب الإيمان).
1- باب أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى الإيمان وأنه ينجي العبد من النار
[1/1] قال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا الحسن بن موسى،ثنا ابن لهيعة،حدثني الحارث بن يزيد بن الحضرمي،عن علي بن رباح،أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: " َنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ،أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ،وَتَصْدِيقٌ بِهِ،وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ،وَحَجٌّ مَبْرُورٌ " . قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ : " السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ " قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ : " لَا تَتَّهِمِ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي شَيْءٍ قَضَى لَكَ بِهِ " .
[1/2] رواه أبو يعلى الموصلي ثنا شيبان بن فروخ،ثنا سويد- يعني أبا حاتم- حدثني عياش،عن الحارث بن يزيد،عن علي بن رباح،عن جنادة بن أبي أمية،عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ " . فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ : " وَأَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ " . فَلَمَّا وَلَّى قَالَ : " وَأَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ لَا تَتَّهِمِ اللَّهَ عَلَى شَيْءٍ قَضَاهُ عَلَيْكَ ".
[1/3]قال: وثنا أبو عبد الله الدورقي،ثنا العلاء بن عبد الجبار العطار،ثنا سويد أبو حاتم،حدثني عياش بن عياش... فذكر نحوه.
قلت: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في معجمه بإسنادين أحدهما حسن.
[2/1] قال أبو بكر بن أبي شيبة: وثنا مالك بن إسماعيل،ثنا عبدالسلام بن حرب،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نجاة هذا الأمر،فقال: مَنْ قَبِلَ الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ ".
[2/2] رواه أبويعلى الموصلي،حَدَّثَنَا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ الْكُوفِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،قَالَ : لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وُسْوِسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكُنْتُ فِيمَنْ وُسْوِسَ،قَالَ : فَمَرَّ عُمَرُ عَلَيَّ فَلَمْ أَرُدَّ عَلَيْهِ،فَشَكَانِي إِلَى أَبِي بَكْرٍ،قَالَ : فَجَاءَنَا،فَقَالَ لِي : سَلَّمَ عَلَيْكَ أَخُوكَ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ،قَالَ : قُلْتُ : مَا عَلِمْتُ بِتَسْلِيمِهِ،وَإِنِّي عَنْ ذَاكَ فِي شُغُلٍ،قَالَ : وَلِمَ ؟ قُلْتُ : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الأَمْرِ،قَالَ : فَقَدْ سَأَلْتُهُ،قَالَ : فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقْتُهُ،قَالَ : قُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ،قَالَ : قَدْ سَأَلْتُهُ،فَقَالَ : مَنْ قَبِلَ الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ " فذكره.(1/249)
[2/3]قلت: ورواه أحمد بن حنبل من طريق حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ،أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ إِلا حُرِّمَ عَلَى النَّارِ. " فذكره بتقديم وتأخير.
وحديث عثمان بن عفان عن أبي بكر الصديق إسناده صحيح.
[3/1] قال أبوبكر بن أبي شيبة: وثنا شبابة،ثنا المسعودي،عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِى حَثْمَةَ عَنِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ - وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ - قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ » ".
[3/2] رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ،حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ،عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ،عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي حَثْمَةَ،عَنِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسُئِلَ،عَنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ قَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ فذكره.
[3/3] ورواه أبويعلى الموصلي: ثناسريج بن يونس أبوالحارث،ثنا عبيدة بن حميد،عن عمارة بن غزية،عَنْ عُثْمَانَ بن أَبِي حَثْمَةَ،عَنْ جَدَّتِهِ الشِّفَاءِ،قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:إِيمَانٌ بِاللَّهِ،وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَحَجٌّ مَبْرُورٌ. " فذكره.
[3/4] ورواه عبد بن حميد قال: حدثنا هاشم بن القاسم،ثنا المسعودي،عن عبد الملك بن أبي حثمة،عن الشفاء بنت عبد الله وكانت من المهاجرات،قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل العمل ؟ قال : « إيمان بالله،وجهاد في سبيل الله،وحج مبرور »... " فذكره.
قلت: المسعودي اختلط بأخره،وهاشم بن القاسم روى عنه بعد الاختلاط،وشبابة ابن سوار والحسن بن قتيبة لم يدر هل رويا عن المسعودي قبل الاختلاط أو بعده،فاستحقا الترك. وعثمان بن أبي حثمة مجهول لم أر من ذكره.
وله شاهد من حديث جابر بن عبدالله وغيره،وسيأتي في كتاب الحج في باب الحج المبرور.
[4/1] قال أبوبكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه: وثنا جرير بن عبدالحميد،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ أَبِي وَائِلٍ،قَالَ : حُدِّثْتُ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَقِيَ طَلْحَةَ،فَقَالَ : مَالِي أَرَاكَ وَاجِمًا ؟ قَالَ : كَلِمَةٌ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزْعُمُ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ،فَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْهَا،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا أَعْلَمُ مَا هِيَ،قَالَ : مَا هِيَ ؟ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ".
[4/2] رواه أحمد بن منيع: ثنا الحسن بن موسى الأشيب،ثنا شيبان،عن منصور،عن شقيق،قال: "لقي أبوبكر طلحة فقال: مالي أراك أصبحت واجمًا؟ قال: لا،إلا كلمة سمعتها،سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول... " فذكره.
ورواه أحمد بن حنبل في مسنده،والنسائي في عمل اليوم والليلة من حديث مجالد،عن الشعبي،عن طلحة- وقيل: عن الشعبي،عن ابن طلحة،عن طلحة وذكروا أن القصة جرت لطلحة مع عمر بن الخطاب. وهذا الإسناد أصح من ذلك إلا أن فيه من لم يسم.
[4/3] ورواه أبويعلى الموصلي: ثنا أبوخيثمة،ثنا جرير بن عبد الحميد... فذكره.
هذا حديث رجاله ثقات،لكن قال العلائي في المراسيل: سئل ابن معين عن حديث منصور عن أبي وائل "أن أبابكر لقي طلحة... " الحديث فقال: حديث مرسل. وعدَّ الحاكم أبا وائل ممن أدرك العشرة وسمع منهم.(1/250)
[4/4] قال أبويعلى: وثنا أبوخيثمة،ثنا معلى بن منصور،ثنا أبوزبيد عبثر بن القاسم،ثنا مطرف،عن عامر،عن يحيى بن طلحة قال: "رأى عمر طلحة بن عبيدالله حزينًا،فقال: ما لك؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إني لأعلم كلمات لا يقولهن عبد عند الموت إلا نفس عنه،وأشرق لها لونه،ورأى ما يسره،فما يمنعني أن أسأله عنها إلا القدرة عليها. فقال عمر: إني لأعلم ما هي،قال: هل تعلم كلمة هي أفضل من كلمة دعا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه عند الموت؟ قال طلحة: هي والله هي. قال عمر: لا إله إلا الله ".
هذا إسناد رجاله ثقات.
[5] قال: وثنا نافع بن خالد الطاحي،ثنا نوح بن قيس،ثنا خالد بن قيس،عن قتادة،عن رجل من خثعم قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في نفر من أصحابه،قال: قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم. قال: قلت: يا رسول الله،أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: إيمان بالله. قال: قلت: يا رسول الله،ثم مه؟ قال: ثم صلة الرحم. قال: قلت: يا رسول الله،أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله. قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مه؟ قال: قطيعة الرحم. قال: قلت: يا رسول الله،ثم مه؟ قال: الأمر بالمنكر،ونهي عن المعروف ".
هذا إسناد فيه مقال،نافع ما علمته،ولم أره في شىء من كتب الجرح. والتعديل،وباقي رجال الإسناد ثقات على شرط مسلم.
[6] قال أبويعلى الموصلي: وثنا يحيى بن أيوب،ثنا إسماعيل بن جعفر،أخبرني عمرو بن أبي عمرو،عن أبي الحويرث،عن محمد بن جبير "أن عمر مر على عثمان- رضي الله عنهما- وهو جالس في المسجد فسلم عليه،فلم يرد عليه،فدخل على أبي بكر فاشتكى ذلك إليه،فقال: مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد علي،فقال: أين هو؟ قال: في المسجد قاعد. قال: فانطلقا إليه،فقال له أبوبكر: ما منعك أن ترد على أخيك حين سلم عليك؟ قال: والله ما سمعت أنه سلم حين مر علي وأنا أحدث نفسي فلم أشعر أنه سلم. فقال أبوبكر: في ماذا تحدث نفسك؟ قال: خلا بي الشيطان فجعل يلقي في نفسي أشياء ما أحب أني تكلمت بها وأن لي ما على الأرض،قلت في نفسي- حين ألقى الشيطان ذلك في نفسي-: يا ليتني سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما ينجينا من هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال أبوبكر: فإني والله قد اشتكيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسألته: ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ينجيكم من ذلك أن تقولوا مثل الذيَ أمرت به عمي عند الموت فلم يفعل ".
هذا إسناد فيه مقال،أبوالحويرث اسمه عبدالرحمن بن معاوية الزرقي،قال مالك: ليس بثقة. واختلف قول ابن معين فيه،فمرة وثقه،ومرة ضعفه،وقال أبوحاتم: ليس بقوي. وقال النسائي: ليس بذاك. وذكره ابن حبان في الثقات. وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم.(1/251)
[7/1] قال أبويعلى الموصلي: وثنا عبدالأعلى،ثنا يزيد بن زريع،ثنا سعيد،عن قتادة،عن مسلم بن يسار،عن حمران بن أبان "أن أبا بكر أتى عثمان- رضي الله عنهما- فسلم عليه،فرد عليه ردًّا ضعيفًا،فذكر ذلك لعمر- رضي الله عنهما - فقال: أتيت عليه فسلمت فرد علىَّْ ردًّا ضعيفًا كأنه كره ما كان من أمري،قال: فلقيه،عمر- رضي الله عنه- فذكر،ذلك له فقال: أتى عليك أبوبكر فسلم عليك فرددت عليه ردًّا ضعيفًا كأنك كرهت ما كان من أمره؟ قال: لا والله ما كرهت ذلك،إنه لأحق الناس بها إنه الصديق،وإنه ثاني اتنين ولكنه آتى عليَّ وأنا أحدث بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،توفي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبين لنا قال: فقال: وما ذاك؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًّا من قلبه يموت على ذلك إلا حرَّمه الله- عز وجل- على النار.قال عمر: أنا آتيك بها: شهادة أن لا إله إلا الله،وهي الكلمة التي أَلاص نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عمه أن يقولها عند موته فأبى عليه،وهي الكلمة التي ألزمها محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه: شهادة أن لا إله إلا الله ".
هذا إسناد رجاله ثقات،وسعيد هو ابن أبي عروبة مهران أبوالفضل اليشعَر! وإن اختلط بآخره؟ فإن يزيد بن زريع روى عنه قبل الاختلاط كما أوضحته في تبيين حال المختلطين.
[7/2] رواه أحمد بن حنبل: نا عبدالوهاب الخفاف،ثنا سعيد... فذكره نحتصرًا.
[7/3] ورواه ابن حبان في صحيحه: ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة،ثنا محمد ابن يحيى الأزدي،ثنا عبدالوهاب بن عطاء،ثنا سعيد... فذكره.
[8]قال أبويعلى الموصلي: وثنا أبو خيثمة،ثنا يعقوب بن إبراهيم،ثنا أبي،عن صالح،عن ابن لثمهاب،حدثني رجل من الأنصار- من أهل الفقه،غير !تهم- "أنه سمع عثمان بن عفان- رضي الله عنه- يحدث أن رجالا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزنوا عليه حتى كاد بعضهم أن يوسوس،فقال عثمان: فكنت منهم،فبينا أنا جالس في ظل آطم مرَّ عليَّ عمر بن الخطاب فسلم عليَّ،فلم أشعر أنه مرَّ ولا سلم،فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر فقال: ألا أعجبك! مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام فأقبل عمر وأبوبكر في ولاية أبي بكر حتى أتيا فسلما جميعًا ثم قال: جاءني أخوك عمر فزعم أنه مرَّ عليك فسلم فلم تردَّ عليه السلام،فما الذي حملك على ذلك؟ فقلت: ما فعلت. فقال عمر: بلى،ولكنها عِبِّيَّتُكمْ يا بني أمية. قال عثمان فقلت: والله ما شعرت بأنك مررت ولا سلمت قال: فقال أبوبكر: صدق عثمان،ولقد شغلك عن ذلك أمر. قال: قلت: أجل. قال: فما هو؟ قال: قلت: توفى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسأله عن نجاة هذا الأمر. قال أبو بكر: قد سألته عن ذلك. قال عثمان: فقلت: بأبي أنت وأمي أنت أحق بها. فقال أبوبكر: قلت: يا رسول الله،ما نجاة هذا الأمر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قِبَل الكلمة التي عَرَضْتُ على عمي فَرَدَّها فهي له نجاة.
[9] قال أبويعلى: وثنا محمد بن بشار العبدي،ثنا محمد بن،عفر،ثنا شعبة،عن أبي حمزة- جارنا- يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل: "اعلم أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
هذا إسناد صحيح على شرط مسلم،وأبوحمزة اسمه عبدالرحمن بن عبدالله.
[10]قال أبويعلى: وثنا أبوموسى محمد بن المثنى،ثنا بدل بن المحبر،ثنا زائدة،عن عبدالله بن محمد بن عقيل سمعت ابن عمر،عن عمر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يؤذن في الناس أنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصًا دخل الجنة. فقال عمر: يا رسول الله،إذًا يتكلوا. فقال: دعهم ".(1/252)
هذا إسناد ضعيف؟ لضعف عبدالله بن محمد بن عقيل.
[11] قال أبويعلى: وثنا أبوبكر،ثنا حسين بن علي،،عن زائدة،عن ابن عقيل،عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ناد يا عمر في الناس: أنه من مات يعبد الله نحلصًا من قلبه أدخله الله الجنة،وحرمه على النار. قال: فقال عمر: يا رسول الله،أفلا أبشر الناس؟ قال: لا،لا يتكلوا".
قلت: عقيل هو ابن جابر بن عبدالله أخو عبدالرحمن بن جابر ومحمد بن جابر. قال الذهبي: مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات،وزائدة هو ابن قدامة،وحسين بن هانع لم أقف له على ترجمة،وأبوبكر هو ابن أبي شيبة.
[12/1] قال: وثنا الحسن بن شبيب،ثنا هشيم،ثنا كوثر بن حكيم،عن نافع،عن ابن عمر،(عن عمر) عن أبي بكر الصديق قال: "قلت: يا رسول الله،ما نجاة هذا الأمر الذي نحن فيه؟ قال: من شهد أن لا إله إلا الله فهو له نجاة".
[12/2] رواه أحمد بن منيع: وثنا هشيم،ثنا كوثر بن حكيم،عن نافع،عن ابن عمر- أو عن نافع شك أحمد بن منيع- قال: قال أبوبكر: "يا رسول الله،ما النجاة من هذا الأمر؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله ".
قلت: كوثر بن حكيم ضعيف.
[13] قال أبويعلى الموصلي: وثنا سويد بن سعيد،ثنا سويد بن عبدالعزيز،عن ثابت ابن عجلان،عن سليم بن عامر سمعت أبابكر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اخرج فناد في الناس؟ من شهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة قال: فخرجت فلقيني عمر بن الخطاب فقال: ما لك يا أبا بكر؟ فقلت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اخرج فناد في الناس: من شهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة. قال عمر: ارجع إلى رسول الله فإني أخاف أن يتكلوا عليها. فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما ردك؟ فأخبرته بقول عمر. فقال: صدق ".
هذا الإسناد ضعيف؟ لضعف سويد بن عبدالعزيز،ضعفه أحمد وابن معين وابن سعد والنسائي وغيرهم. اهـ
هذا النوع من النقد الحديثي النادر عند البوصيري الذي يتكلم على الصحة والضعف،يقول الراوي هذا اختلط،هذا مجهول،هذا لا يُدرى سمع قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط،الراوي هذا يرسل،إلى غير ذلك من أنواع العلة؛ لأن هذه الأسباب التي بها يُعَلّ الحديث ويكون الحديث مردودًا،مثل هذا الكلام هو غاية المقصِد عند طالب الحديث،وهو معرفة الصحَّة والضعف و أسبابها.
ـــــــــــــــ
إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة
لخاتمة حفاظ الدنيا الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله
والحافظ -رحمه الله- بنى هذا الكتاب على عشرة كتب أو قل أحد عشر كتابا هي: سنن الدارمي, وصحيح ابن خزيمة وهو لم يجد من ابن خزيمة إلا ربع العبادات فقط ومواضع متفرقة من الكتاب ولم تصلنا ما هو زيادة على العبادات, ومنتقى ابن الجارود, ومسند أبي عوانة, وصحيح ابن حبان, ومستدرك الحاكم, وشرح معاني الآثار للطحاوي, وسنن الدارقطني. ورمز برموز لهذه الكتب فرمز للدارمي بـ: مي, وابن خزيمة بـ: خز, وابن الجارود بـ: جا, ولأبي عوانة بـ: عه, ولابن حبان بـ: حب والحاكم بـ: كم, والطحاوي بـ: طح, والدارقطني بـ: قط،ثم إذا ذكر مسند أحمد, أو الشافعي, أو الموطأ, فإنه يسميها باسمها لا يرمز لها برموز.(1/253)
الحافظ -رحمه الله تعالى- ذكر مقدمة لكتابه يُبِيْن عن منهجه فيه, وقد روى عن إبراهيم قال: لا بأس بكتابة الأطراف .(1)
وهذا الأثر إسناده صحيح, وهو موقوف على إبراهيم بن يزيد النخعي أحد فقهاء التابعين, وعنى بذلك ما كان السلف يصنعونه من كتابة أطراف الأحاديث ليذاكروا بها الشيوخ،فيحدثوهم به.
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ،عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ،عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : " كُنْتُ أَلْقَى عُبَيْدَةَ بِالْأَطْرَافِ فَأَسْأَلُهُ"(2). إسناده صحيح أيضاً.
ثم صنف الأئمة في ذلك تصانيف قصدوا بها ترتيب الأحاديث, وتسهيلها على من يروم كيفية مخارجها. فمن أول من صنف في هذا: خلف الواسطي. جمع أطراف الصحيحين, وأبو مسعود الدمشقي جمعها أيضاً،وعصرهما متقارب, وصنف الداني أطراف الموطإ, ثم جمع أبو الفضل ابن طاهر أطراف السنن وهي لأبي داود،والنسائي, والترمذي, وابن ماجه, وأضافها إلى أطراف الصحيحين. ثم تتبع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أوهامه في ذلك, وأفرد أطراف الأربعة, ثم جمع الستة أيضا المحدث قطب الدين القسطلاني, ثم الحافظ أبو الحجاج المزي،وقد كثر النفع به،ثم إني نظرت فيما عندي من المرويات, فوجدت فيها عدة تصانيف قد التزم مصنفوها الصحة؛ فمنهم من تقيد بالشيخين كالحاكم, ومنهم من لم يتقيد كابن حبان, والحاجة ماسة إلى الاستفادة منها.
جمعتُ أطرافها على طريقة الحافظ أبي الحجاج المزي, وترتيبه إلا أني أسوق ألفاظ الصيغ في الإسناد غالبا؛ لتظهر فائدة ما يصرح به المدلس.
ثم إن كان حديث التابعي كثيرًا رتبته على أسماء الرواة عنه غالبا, وكذا الصحابي المتوسط, وجعلت لها رُقوما أبينه فللدارمي, وقد أطلق عليه الحافظ المنذري اسم الصحيح فيما نقله الشيخ علاء الدين مُغَلْطَاي فيما رأيته بخطه ).
قال : (للدارمي: مي ولابن خزيمة: خز, ولم أقف منه إلا على ربع العبادات بكماله, ومواضع مفرقة من غيره،ولابن الجارود،وقد سماه ابن عبد البر, وغيره صحيحا جا, وهو في التحقيق مستخرج على صحيح ابن خزيمة باختصار،ولأبي عوانة, وهو في الأصل كالمستخرج على مسلم؛ لكنه زاد فيه زيادات كثيرة جدًا من الطرق المفيدة, بل ومن الأحاديث المستقلة عه،ولابن حبان حب،وللحاكم أبي عبد الله في المستدرك: كم, ثم أضفت إلى هذه الكتب الستة أربعة كتب أخرى وهي: الموطأ لمالك, والمسند للشافعي, والمسند للإمام أحمد, وشرح معاني الآثار للطحاوي؛ لأني لم أجد عن أبي حنيفة مسندا يعتمد عليه, فلما صارت هذه عشرة كاملة؛ أردفتها بالسنن للدارقطني؛ جبرا لما فات من الوقوف على جميع صحيح ابن خزيمة, وجعلت للطحاوي طح, وللدارقطني قط, فإن أخرجه الثلاثة الأول؛ أفصحت بذكرهم أعني مالكًا والشافعي وأحمد،وهذه المصنفات قلّ أن يشذ عنها شيء من الأحاديث الصحيحة -لاسيما- في الأحكام إذا ضم إليها أطرافُ المزي)
__________
(1) - وفي الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (435 ) عَنْ إِبْرَاهِيمَ ،قَالَ : " لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ الْأَطْرَافِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا قَالَ هَذَا ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَكْرَهُونَ كِتَابَةَ الْعِلْمِ فِي الصُّحُفِ ،وَيَأْمُرُونَ بِحِفْظِهِ عَنِ الْعُلَمَاءِ ،فَرَخَّصَ إِبْرَاهِيمُ فِي كِتَابَةِ الْأَطْرَافِ ،لِلسُّؤَالِ عَنِ الْأَحَادِيثِ ،وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي كِتَابَةِ غَيْرِ ذَلِكَ "
(2) - مُصَنَّفُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (25910 ) وجامع بيان العلم (305)(1/254)
هذه شهادة من إمام مطلع لأن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- كان قد رام جمع السنَّة في مصنف واحد, وما تمَّ له ذلك فقال إذا ضُمت هذه الكتب الإحدى عشر كتابا بما فيها صحيح ابن خزيمة الذي يعتبر ناقصا ليس فيه إلا ربعه, فكأن الحافظ -رحمه الله تعالى- إذا ضم هذه الكتب إلى أطراف المزي؛ فكأنه جمع السنة الصحيحة, وبالأخص في أحاديث الأحكام لا يشذ منها شيء صحيح.
قال : (وقد ذكرت أسانيدي إلى أصحاب التصانيف المذكورين بتصانيفهم المذكورة،وسميت هذا الكتاب "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة", وهذا حين الشروع فيما إليه قصدت, والاعتماد فيما أردت من ذلك على من عليه اعتمدت, وهو الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب)
هذه مقدمة الحافظ لكتابه التي أبان فيها عن منهجه, والكتب التي جمع أطرافها في هذا الكتاب العظيم القدر جدًا.
لا يقول قائل: إنه في كل حديث سيخرج الحديث من عشرة كتب إنما بحسب ما يقع له فقد يكون الحديث المذكور مثلاً في كتابين في الدارمي, وابن خزيمة, وابن الجارود،قد يكون في ابن حبان,و الحاكم, والطحاوي قد يكون في الدارقطني،ومسند أحمد, وموطأ مالك،أو يتوفر أن يكون الحديث في ستة كتب منها, أو في خمسة لا يكاد يجتمع أن يخرج حديثا واحدا من الكتب العشرة هذا ما رأيته في الكتاب, وأنا أتصفح الأحاديث فيه فهذا لا يلزمه كما لا يلزم البوصيري -رحمه الله تعالى- أن يخرج الحديث من كل الكتب؛ لأنه غير موجود فيها أصلا،فليس معنى أنه يجمع أطرافها أن يخرج الحديث الواحد من جميع الكتب؛ وإنما بحسب ما يقع له من الأحاديث في هذا الكتاب أو ذاك.
(وقد بدأ بمسند آبي اللحم الغفاري, ثم مسند أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس, ثم مسند أبان المحاربي, ثم مسند أبجر بن غالب)
هذا يفيدك على أنه رتب على حروف الهجاء كما فعل الحافظ أبو الحجاج المزي -رحمه الله تعالى-،أما البوصيري فرتب كتابه حيث بدأ بالإيمان والقدر, وبعض أبواب الرقاق, ثم ذكر أبواب الفقه, ثم ختم بأبواب الجنة, فلو أن البوصيري -رحمه الله تعالى- رتب كتابه على رواة الأحاديث على أسماء الصحابة كما فعل المزي وابن حجر؛ لكان خيرا كثيرًا فيحتاج الآن إلى إعادة صياغة الكلام, وإعادة ترتيبه على المسانيد.
جهد ليس بالسهل, ولا بالهين, ثم تضم الثلاثة إلى بعضها فنكون قد جمعنا السنة كما رام الحافظ وأكثر- بإذن الله تعالى- لكن هذا عمل موسوعي ضخم يحتاج إلى مؤسسات كبيرة تقوم بهذا المشروع العظيم.
مثال :
(هذا من مسند أبي بن كعب حديث: (الرجل يجامع فلا ينزل ليس عليه غسل) طح في الطهارة عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال, وعن يزيد عن موسى وعن يزيد عن موسى حدثنا حماد بن سلمة حدثنا محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال, وحدثنا يزيد عن موسى وعن حسين بن نصر عن حسين بن نصر عن نعيم عن عبدة بن سليمان قال حدثنا هشام عن أبيه عن أبي أيوب حدثني أبي بن كعب به هذا في الطحاوي ثم يقول: حب في السابع والخمسين من الثالث يقول: أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا: أبو خيثمة قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام به.
وفي الثاني والثلاثين من الرابع عن محمد بن أحمد بن أبي عون عن محمد بن عبد ربه عن عبدة بن سليمان به،رواه أحمد عن أبي معاوية ويحيى بن سعيد وعن محمد بن جعفر عن شعبة ثلاثتهم عن هشام قال عبد الله بن أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر القواريريّ قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام به, ورواه الشافعي عن غير واحد من ثقات أهل العلم عن هشام به .
(عه) في الطهارة قال حدثنا: العطاردي عن أبي معاوية وعن أبي حميد المصيصي, واسمه عبد الله بن محمد مولى بني هاشم قال حدثنا حجاج عن هشام به)
أخرج الحديث الإمام ابن حجر -رحمه الله تعالى- من عند الطحاوي فذكر له ثلاث طرق وخرجه من عند ابن حبان.(1/255)
ومن عند الإمام أحمد, وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند, والشافعي من طرق عن هشام عن غير واحد من ثقات أهل العلم ببلده, ومن طريق أبي عوانة فهذه خمسة كتب،أو ستة: مسند أحمد, وزوائد عبد الله اجعلها مسندًا أيضا،مسند أحمد،ومسند الشافعي, وابن حبان, والطحاوي, وأبي عوانة, خمسة مصادر غير الطرق. المصدر الواحد يأتي بطريقين, وبثلاثة, فإذا ضمَّ هذا الكلام, والحديث يقينا موجود في تحفة الأشراف في المزي فانظر إلى كم من طرق الحديث الواحد, وأسانيده, تقف عليها من كتابين. هذا بلا شك خدمة للعلم وللسنَّة بشكل مشكور لهؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى-.
مثالًُ آخرُ:
حديث: (بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالنَّصْرِ وَالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ،فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا،لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ.). (حب ) في التاسع والمائة من الثاني .
ابن حبان في التاسع والمائة من الثاني،لا تذكر هذه الأشياء في ابن حبان؛ لأن الكلام الأصلي غير موجود،لا يوجد إلا الجزء اليسير الذي خرجه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- من صحيح ابن حبان للتقاسيم والأنواع, ثم رتبه ابن بلبان, وهو الفاسي, وهو الذي عليه العمل الآن في الدنيا بالنسبة لصحيح ابن حبان.
( قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدُّورِيُّ بِالْبَصْرَةِ،قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ،عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ،عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ،عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
(كَم) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ،حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ،حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،عَنِ الْمُغِيرَةِ الْخُرَاسَانِيِّ،عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ،عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ،عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ الحاكم في الرقاق قال حدثنا: أبو علي الحسن بن محمد القاري قال حدثنا: محمد بن أشرس قال حدثنا: عبد الصمد بن حسان قال حدثنا: سفيان الثوري حدثني أبو سلمة الخراساني عن الربيع بن أنس به, وعن محمد بن يعقوب -هو الأصم- عن الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا سفيان الثوري عن المغيرة عن الربيع بن أنس به )
مقارنة بين كتابين:
استخدما طريقة واحدة في التخريج, وهي طريقة أبي الحجاج المزي -رحمه الله تعالى- في تحفة الأشراف, وسنذكر حديثًا سبق ذكره؛ فنذكر حديث أبيض بن حمال الذي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فاستقطعه الملح فأعطاه الملح الذي بمأرب) فنرى ماذا قال المزي وننظر ماذا قال الحافظ ابن حجر فيه؛ لتنظر كيف عمد الأئمة -رحمهم الله ورضي عنهم- إلى جمع السنَّة بهذا الشكل الخادم للحديث -إن شاء الله تعالى-.
الحديث من تحفة الأشراف:(1/256)
1 (د ت س ق) حديث:- أنّه وفد إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه الملح الذي بمأرِب... الحديث. دفي الخراج (36) عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل العسقلانيّ،كلاهما عن محمد بن يحيى بن قيس المأربيّ،عن أبيه،عن ثُمامة بن شراحيل،عن سُميّ بن قيس،عن شَمير بن عبد المَدان،عن أبيض بن حمّال به. ت في الأحكام (39) عن قتيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمرِ،كلاهما عن محمّد بن يحيى بن قيس بإسناده،وقال غريب. ك س في إحياء الموات (في الكبرى) عن إبراهيم بن هارون،عن محمد بن يحيى بن قيس به. وعن سعيد بن عمرو،عن بقيّة،عن عبد الله بن المبارك،(17) عن معمر،عن يحيى بن قيس المأربيّ،عن أبيض بن حمّال به. وعن سعيد بن عمرو،عن بقيّة،عن سفيان،عن معمر نحوه. قال سفيان: وحدّثني ابن أبيض بن حمّال،عن أبيه،عن النبيّ بمثله. وعن عبد السلام بن عتيق،عن محمد بن المبارك،عن إسماعيل بن عيّاش وسفيان بن عُيينة،كلاهما عن عمرو بن يحيى بن قيس المأربيّ،عن أبيه،عن أبيض بن حمّال نحوه. ق في الأحكام (78) عن محمد بن يحيى بن أبي عمر،عن فَرَج بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمّال،عن عمّه ثابت بن سعيد،عن أبيه سعيد،عن أبيه أبيض نحوه. حديث ك س في رواية ابن الأحمر ولم يذكره أبو القاسم. اهـ
و ذكره الحافظ -رحمه الله تعالى- من الدارمي, وابن حبان, والدارقطني, وذكر الطرق والأسانيد, ثم البوصيري -رحمه الله- خرج الحديث عنده فتجده إما في إحياء الموات, أو مثلاً في آخر أبواب المعاملات آخر كتب المعاملات بين المساقاة،والمزارعة, وإحياء الموات فغالبا في الإحياء. فستجد البوصيري -رحمه الله تعالى- عزا الحديث عنده إلى ثلاثة أو أربعة كتب, وهنا الحافظ ابن حجر عزاه لثلاثة كتب, والمزي عزاه للسنن الأربعة. فتوفر عندك عشرة،الحد الأدنى عشرون إسنادًا.
وتجد البوصيري يتكلم على الرواة جرحا وتعديلا -كما رأينا -, والحافظ -ابن حجر- لا يفوت ذلك في الغالب فجُمع لك عشرون إسنادًا من عشرة كتب, مع الكلام عليها صحة وضعفا.
هذه الخدمة الجليلة, وهذا السعي المشكور من أئمتنا -رضي الله عنهم- إنما هي محاولة لتقييد السنة بين يدي طالبيها.
فهذا الحديث معظم طرقه مدارها على طريقين:
طريق محمد بن يحيى بن قيس المأربي عن أبيه عن ثمامة عن سميّ عن شمير بن عبد المدان عن أبيض.
الطريق الثاني: طريق الفرج بن سعيد قال عن عمي ثابت بن سعيد أن أباه حدثه الذي هو سعيد بن أبيض بن حمال عن أبيه به.
فللحديث طريقان،وتعددت الطرق من رواة كثيرين؛ لكن مدارها في الآخر تؤول إلى طريقين اثنين فقط مع باقي دراسة الرواة, وهو كونهم ثقات أم غير ثقات,
ـــــــــــــــــ
ب ـ كتب المجاميع (الجوامع)
يستعان في تخريج الحديث بناءا على هذه الطريقة بالمصنفات الحديثية المرتبة على الأبواب والموضوعات،وهي كثيرة ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام وهي:
القسم الأول: المصنفات التي شملت أبوابها وموضوعاتها جميع أبواب الدين.
وهي أنواع،وأشهرها: الجوامع المستخرجات،والمستدركات على الجوامع،المجاميع،الزوائد،كتاب "مفتاح كنوز السنة".
القسم الثاني: المصنفات التي شملت أبوابها وموضوعاتها أكثر أبواب الدين.
وهي أنواع،وأشهرها: السنن،المصنفات،الموطآت،المستخرجات على السنن.
القسم الثالث: المصنفات المختصة بباب من أبواب الدين أو جانب من جوانبه.
وهي أنواع كثيرة،وأشهرها: الأجزاء،الترغيب والترهيب ، الزهد ، والفضائل ، والآداب ، والأخلاق،الأحكام،موضوعات خاصة،كتب الفنون الأخرى،كتب التخريج،الشروح الحديثية والتعليقات عليها.)
(القسم الأول: وهو الذي شملت مصنفاته جميع أبواب الدين.(1/257)
هذا النوع من المصنفات الحديثية التي جمعها أصحابها ورتبوها على الأبواب قد شملت أبوابها جميعَ أبواب الدين،فترى فيها أبواب الإيمان،وأبواب الطهارة،وأبواب العبادات والمعاملات،والأنكحة،والتاريخ والسير،والمناقب،والتفسير،والآداب،والمواعظ،وأخبار يوم القيامة،وصفات الجنة والنار،وأخبار الفتن والملاحم،وأشراط الساعة وغير ذلك.)
هذا النوع من المصنفات ليس ترتيبه على ترتيب أبواب الفقه فقط. هو استوعب أبواب الفقه يعني الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والأنكحة وتوابعها من الخلع والطلاق والعدة والاستبراء والنفقة كل هذا موجود،والمعاملات من بيع وشراء وإجارة ورهن وسلم وشفعة كل هذا موجود أيضا،والحدود ومتعلقاتها والجهاد والسير ومتعلقاته،وأحكام العبيد ثم يزيد على ذلك أشياء إضافية إلى أبواب الدين وهي: الأخلاق،العقائد،السير،فضائل الأنبياء،ومناقب الصحابة -رضي الله عنهم- إلى غير ذلك كما فعل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه.
فالجوامع جمعت كل أبواب الدين لا جلَّها يعني أكثرها ولكن كل أبواب الدين فيما يتعلق بالأخلاق والعقائد وفيما يتعلق بالأحكام الشرعية.
(وقد تعددت أسماء هذا القسم من المصنفات وأشهرها ما يلي:
الجوامع،المستخرجات على الجوامع،المستدركات على الجوامع،المجاميع الزوائد،كتاب مفتاح كنوز السنة،وسأذكر كل تسمية من هذه المسميات وطريقة كل منها.
أولا: الجوامع:
الجوامع جمع جامع،والجامع في اصطلاح المحدثين كل كتاب حديثي يوجد فيه من الحديث جميع الأنواع المحتاج إليها من العقائد والأحكام والرقاق وآداب الأكل والشرب والسفر والمقام وما يتعلق بالتفسير والتاريخ والسير والفتن والمناقب والمثالب وغير ذلك.
وأشهر الجوامع هي:
الجامع الصحيح للبخاري،الجامع الصحيح لمسلم،جامع عبد الرزاق،جامع الثوريّ،جامع ابن عيينة،جامع معمر،جامع الترمذي وغيرها.
وسأصف الجامع الصحيح للبخاري وأسرد كتبه ليكون مثالا لوصف الجوامع.)
- الجامع الصحيح للبخاري:
- تسميته الكاملة:
الاسم الكامل لهذا الكتاب الذي سماه به مؤلفه هو: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه".
وقد رتبه مؤلفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري على الأبواب مُفتتحا إيَّاه بكتاب بدء الوحي ثم كتاب الإيمان ثم سرد كتب العلم والطهارة وغيرها حتى انتهى بكتاب التوحيد ومجموع تلك 97 كتابا كل كتاب منها مُجَزَّءٌ إلى أبواب،وتحت كل باب عدد من الأحاديث.
(ثانيا: المستخرجات على الجوامع):
المستخرجات والمستدركات هذان فَنَّانِ من فنون علوم الحديث تدل على براعة الأئمة الذين كتبوا في هذه المسميات.
المستدرك معناه أن المصنف يأتي بأحاديث على شرط الكتاب الذي يستدرك عليه فيأتي بأحاديث ليست في هذا الكتاب المصنَّف؛ كما حصل من الإمام الحاكم حين صنف كتاب "المستدرك على الصحيحين" وهو يمشي في الأصل في تصنيف كتابه على شرط صاحبه شرط صاحبه.
فالبخاري -رحمه الله تعالى- اشترط شرطاً في مرويَّات كتابه وهو شرط اللقاء؛ أن الراوي لا بد أن يلتقي بشيخَه ولو مرة واحدة في العمر.
ومسلم -رحمه الله تعالى- اكتفى بالمعاصرة مع براءة الراوي من التدليس وهذا مهم جدًا،أن يكون الرواية بصيغة تحتمل اللقاء؛ كـ"عن"،ولذلك يقولون شرط البخاري أقوى من شرط مسلم،لأن البخاري -رحمه الله تعالى- يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بالمعاصرة.
فهذا شرط البخاري فحين نقول : إن الحاكم خرج حديثا في المستدرك على شرط البخاري، يعني أن رواة هذا الإسناد كل واحد منهم لاقى شيخه.(1/258)
وإذا كان على شرط مسلم معناه أنه اكتفى بكون كل راوٍ روى عن شيخ أنه كان معاصرا له هذا معنى شرط الشيخ في كتابه. وإن كان الحاكم -رحمه الله تعالى- مشهور جدًا بالتساهل،وأنه أتى بأشياء ليست على شرط البخاري وليست على شرط مسلم. وأحيانا يقول على شرطهما وليس هو على شرط واحد منهما كما سنبين.
أما المستخرج فأنا مثلاً أتيت على كتاب كصحيح البخاري،فأردت أن أعمل عليه مستخرجا،يعني أروي نفس أحاديث البخاري بأسانيد لي ألتقي فيها مع البخاري في شيخه أو في شيخ شيخه.
الفرق بين المستدرك والمستخرج: المستدرك يأتي بأحاديث زيادة عما أتى به البخاري فاستدرك عليه.
أما المستخرج عليه: يعني أتى بأحاديث هي هي الأحاديث التي في البخاري بأسانيد له ليس من طريق البخاري بل من طرق أخرى غير البخاري يلتقي مع البخاري في شيخه أو في شيخ شيخه أو في شيخ شيخ شيخه. هذا يسمَّى مستخرجا. يعني المستخرجات لا تخرج المرويات التي فيها عن الكتاب الأصلي الذي استخرج عليه.
أمَّا المستدركات فالمرويات الموجودة في المستدرك هي غير الموجودة في الكتاب المستدرك عليه. ولذلك لا تجد في الحاكم إلا ما لم يأت به الإمام البخاري ومسلم.
المستخرجات على الجوامع:
معنى المستخرج:
المستخرجات جمع مستخرج. والمستخرج عند المحدثين: هو أن يأتي المصنف المستخرِج إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو مَن فوقه ولو في الصحابي. وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة،وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد له بها سندا يرتضيه،وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب.
(موافقة المستخرج للكتاب المخرج عليه في الترتيب والتبويب:
بما أن المستخرج يتفق مع الكتاب المخرج عليه في الترتيب والأبواب لذا فإن موضوع المستخرجات على الجوامع هو موضوع الجوامع ذاتها من حيث الترتيب وعدد الكتب والأبواب وبالتالي فإن طريق المراجعة فيها هي طريقة المراجعة والبحث في الجوامع عينها.)
أعني أن المستخرِج لم يرهق نفسه في ترتيب الكتاب هو أتى على أحاديث بدء الوحي إن كان له مرويات من شيوخ غير البخاري أتى بها والأحاديث التي أعياه الحصول على أسانيد من غير طريق البخاري يتفق معه في شيخه أو في شيخ شيخه إلى الصحابي فإما أن يذكرها من الصحيح،وإما أن يسقطها؛ فليس عنده أدنى اجتهاد في ترتيب الكتاب. البخاري كما هو: بدء الوحي،الإيمان،العلم،الطهارة،الصلاة،إلى غير ذلك.
(لكن ينبغي التنبه إلى أن المستخرجات على غير الجوامع كالمستخرجات على كتب السنن أو غيرها وذلك مثل مستخرج قاسم بن أصبغ على سنن أبي داود ومستخرج أبي نُعيم الأصفهاني على كتاب التوحيد لابن خزيمة ليست كالمستخرجات على الجوامع وإنما هي مثل الكتب المخرجة عليها من أنواع المصنفات الأخرى.)
(عدد المستخرجات على الصحيحين:
هناك مستخرجات كثيرة على عدد من أنواع المصنفات الحديثية لكن المستخرجات على الصحيحين معا أو على أحدهما كان لها النصيب الأكبر من تلك المستخرجات. فقد زاد عدد المستخرجات على كلٍّ من الصحيحين على عشرة مستخرجات. وهذا لمزيد العناية من علماء الحديث بالصحيحين ومن هذه المستخرجات على البخاري مستخرج الإسماعيلي المتوفى سنة 371 للهجرة،ومستخرج الغطريفي المتوفى سنة 377 للهجرة،ومستخرج ابن أبي ذهل المتوفى سنة 378 للهجرة.
على مسلم مستخرج أبي عوانة الإسفرايني المتوفى سنة 310 للهجرة،ومستخرج الحيري المتوفى سنة 311 للهجرة،ومستخرج أبي حامد الهروي المتوفى سنة 355 للهجرة).
(عليهما معنا مستخرج أبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 للهجرة،مستخرج ابن الأخرم المتوفى سنة 344 للهجرة،ومستخرج أبي بكر البرقاني المتوفى سنة 425للهجرة)
(ثالثا: المستدركات على الجوامع:(1/259)
المستدركات جمع مستدرك(1/260)
المستدركات جمع مستدرك،والمستدرك هو كل كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاته على شرطه على حدِّ علمه. مثل: المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405 للهجرة)
يقول التي استدركها على كتاب آخر مما فاته. هو لم يفته. فالأئمة كان عندهم والبخاري -رحمه الله تعالى- سمَّى كتابه بالجامع الصحيح المختصر كانت عنده الأحاديث ولكن خشية التطويل انتقى من جملة ما عنده من المرويات هذا الكتاب الفذ الجامع الصحيح.
الحَاكِمُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوَيْه الإِمَامُ،الحَافِظُ،النَّاقِدُ،العَلاَّمَةُ،شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ،أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّع الضَّبِّيّ،الطَّهْمَانِيُّ،النَّيْسَابُوْرِيُّ،الشَّافِعِيُّ،صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ:فِي يَوْم الاثنين،ثَالث شَهْر ربيع الأَوّل،سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ،بِنيْسَابُوْرَ.وَصَنَّفَ وَخَرَّجَ،وَجَرَح وَعدَّل،وَصحَّح وَعلَّل،وَكَانَ مِنْ بُحور العِلْمِ عَلَى تشيُّعٍ قَلِيْلٍ فِيْهِ.وَأَخَذَ فُنُوْنَ الحَدِيْثِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ،وَالجِعَابِيّ،وَأَبِي أَحْمَدَ الحَاكِم،وَالدَّارَقُطْنِيّ،وَعِدَّة.
أَخْبَرَنَا المُؤَمَّل بنُ مُحَمَّدٍ،وَغَيْرهُ كِتَابَةً،قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ،أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز،أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ قَالَ:كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّع الحَاكِمُ ثِقَةً،أَوّلُ سَمَاعه سنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ،وَكَانَ يمِيلُ إِلَى التَّشَيُّع،
عَنْ عَبْدِ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ قَالَ:الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ هُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عَصْرِهِ،العَارِفُ بِهِ حقَّ معرفته،يُقَال لَهُ:الضَّبِّيّ،لأَنْ جدَّ جَدَّتِه هُوَ عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيّ،وَأُمُّ عِيْسَى هِيَ منويه بِنْتُ إِبْرَاهِيْم بن طَهْمَان الفَقِيْه،وَبَيْتُه بَيْتُ الصَّلاَحِ وَالورعِ وَالتَأَذينِ فِي الإِسْلاَمِ،
قَالَ أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ العَبْدُويي الحَافِظُ:سَمِعْتُ الحَاكِم أَبَا عَبْدِ اللهِ إِمَامَ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عصره يَقُوْلُ: شَرِبْتُ مَاءَ زَمْزَم،وَسَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي حُسْنَ التَّصْنِيْف.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ:أَقَمْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ العُصْمِيّ قَرِيْباً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ،وَلَمْ أَرَ فِي جُمْلَة مَشَايِخنَا أَتْقَنَ مِنْهُ وَلاَ أَكْثَرَ تَنْقِيْراً،وَكَانَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ،أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَى الحَاكِم أَبِي عَبْدِ اللهِ،فَإِذَا وَردَ جَوَابُ كِتَابِه،حَكَمَ بِهِ،وَقَطَعَ بِقَولِه.
رَوَى أَبوَ مُوْسَى المَدِيْنِيّ:أَنَّ الحَاكِم دَخَلَ الحَمَّام،فَاغتسل،وَخَرَجَ،وَقَالَ:آه،وَقُبِضَتْ رُوحُهُ وَهُوَ مُتَّزِرٌ لَمْ يَلْبِس قمِيصَهُ بَعْدُ،وَدُفِنَ بَعْد العَصْرِ يَوْمَ الأَرْبعَاء،وَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي أَبو بكر الحِيْرِيّ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ أَشعث القُرَشِيّ:رَأَيْت الحَاكِمَ فِي المَنَامِ عَلَى فَرَسٍ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَة وَهُوَ يَقُوْلُ:النَّجَاةَ،فَقُلْتُ لَهُ:أَيُّهَا الحَاكِم!فِي مَاذَا؟
قَالَ:فِي كِتْبَة الحَدِيْث.
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ:سَأَلتُ سَعْدَ بن عَلِيٍّ الحَافِظ عَنْ أَرْبَعَة تَعَاصرُوا:أَيُّهُم أَحْفَظُ؟
قَالَ:مَن؟(1/260)
قُلْتُ:الدَّارَقُطْنِيُّ،وَعَبْدُ الغَنِي،وَابْنُ مَنْدَةَ،وَالحَاكِم.فَقَالَ:أَمَا الدَّارَقُطْنِيُّ فَأَعْلَمُهُم بِالعِلَل،وَأَمَّا عَبْدُ الغَنِي فَأَعْلَمُهُم بِالأَنْسَابِ،وَأَمَّا ابْنُ مَنْدَةَ فَأَكْثَرُهُم حَدِيْثاً مَعَ مَعْرِفَة تَامَّة،وَأَمَّا الحَاكِمُ فَأَحْسَنُهُم تَصْنِيْفاً.وَسَمِعْتُ المُظَفَّر بن حَمْزَةَ بِجُرْجَانَ،سَمِعْتُ أَبَا سَعْد المَالِيْنِيّ يَقُوْلُ:طَالعتُ كِتَاب(المستدرك عَلَى الشَّيخين)،الَّذِي صَنَّفَه الحَاكِمُ مِنْ أَوله إِلَى آخره،فَلَمْ أَرَ فِيْهِ حَدِيْثاً عَلَى شَرْطِهِمَا.(1)
(ترتيب مستدرك الحاكم:
وقد رتب الحاكم مستدركه على الأبواب،واتبع في ذلك أصل الترتيب الذي اتبعه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وقد ذكر الحاكم في هذا المستدرك ثلاثة أنواع من الأحاديث وهي:
أولا: الأحاديث الصحيحة التي على شرط الشيخين،أو على شرط أحدهما ولم يخرجاها.
ثانيا: الأحاديث الصحيحة عنده وإن لم تكن على شرطهما أو شرط واحد منهما وهي التي يعبر عنها بأنها صحيحة الإسناد.
ثالثا: وذكر أحاديث لم تصح عنده لكنه نبه عليها.
وهو متساهل في تصحيح الأحاديث؛ فينبغي التريث في اعتماد تصحيحه والبحث. ولكن الحافظ الذهبي تتبعه فأقره هو على تصحيح بعضها،وخالفه في البعض الآخر. لكنه سكت على أشياء منها؛ فهذه تحتاج إلى تتبع وبحث،بل حتى التي وافقه على تصحيحها أيضا في بعضها نظر عند كثير من أهل العلم المهتمين بالنقد الحديثي.
وعدد أحاديثه (8803) حديثاً،وقد استدرك فيه الحاكم على الشيخين وأورد أحاديث على شرطهما أو شرط أحدهما،أو صحيحة وليست على شرط أحدهما،وقد انتقده من جاء بعده،بأنه لم يوفّ بشروطه،فأدرج في كتابه ماليس صحيحاً،بل حكموا على بعضها بالوضع . انظر على سبيل المثال 4/415 و3/132 و2/316 و37 و4/102 و3/127 و103 و4/222 و317 و3/14 و129 و3/568 و2/300 و371 و1/566 و3/14 و15 و4/368 و3/124 .
وقد قام الإمام الذهبي بتلخيصه والحكم على أحاديثه وقد صحح أكثر من 75%،وضعف أحاديث،وحكم على أحاديث بالوضع .،ويظهر على منهج الذهبي رحمه الله التشدد في التخريج،وقد وقع في بعض الأخطاء منها :
- تصحيحه لحديث في مكان،وتضعيفه له في آخر مثل الحديث رقم (1961) صححه هنا وضعفه برقم (3479)
والحديث رقم (1395) استنكره وعاد فصححه برقم (7941) وهو من الطريق نفسه،ومثل ذلك عدد من الأحاديث .
- وأحاديث وافق الحاكم على تصحيحها وهي لاتستحق ذلك مثل الحديث رقم (924) فقد صححه على شرطهما،وفيه محمد بن القاسم الأسدي واه جداً التقريب (6229)
والحديث رقم (1212) صححه وفيه أبوبكر العنسي مجهول التقريب (7998). والحديث رقم (1248) صححه وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث التقريب (7006).
والحديث (1644) صححه وفيه عمر بن عطاء بن أبي وارة ضعيف التقريب (4949).
والحديث (1670) صححه،وفيه محمد بن عون متروك التقريب (6203). والحديث (1812) صححه،وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد واه التقريب (5820).
والحديث (1835) صححه،وفيه عمر بن راشد ضعيف التقريب (4894). والحديث (1903) صححه،وفيه محمد بن أبي حميد المدني ضعيف التقريب (5836).
والحديث (1998) صححه،وفيه عدة متكلم فيهم،وهذا في المجلد الأول فقط .
- وهناك أحاديث صححها على شرط الشيخين أو أحدهما وليست كذلك مثل الأحاديث رقم (1230) و(1289) و(929) و(1431 و1432) و(1908) و(2011) وهذا في المجلد الأول فقط .
- وهناك بعض الأحاديث حكم بوضعها وليست موضوعة مثل الحديث رقم (226) وأعله بعبد الجبار بن العباس،وفاته أن له متابعة عند ابن أبي عاصم (824) وابن خزيمة (175).
ومنها الحديث رقم (1868) مال إلى وضعه،وفاته أن له طريقاً آخر صحيح في الأدب المفرد للبخاري رقم (699).
__________
(1) - سير أعلام النبلاء 17/17-184(100 )(1/261)
والحديث (2090) إذ حكم بوضعه وليس كذلك وهذا في المجلد الأول فقط،وفي غيره كذلك.
وللكتاب طبعتان الأولى بغير تحقيق،والثانية ط دار الكتب العلمية وهي مرقمة،وعليها تعليقات،وفيها أخطاء كثيرة .
والكتاب بحاجة لتخريج كامل لأحاديثه دون تشدد مع ضبط للرجال والنص،وشرح الغريب .
(رابعا: المجاميع):
المقصود بالمجاميع:
المجاميع جمع مجمع،والمقصود بالمجمع كل كتاب جمع فيه مؤلفه أحاديث عدة مصنفات ورتبه على ترتيب تلك المصنفات التي جمعها فيه.
أمثلة:
هناك كتب كثيرة جمعت بين عدد من المصنفات الحديثية،وأشهر هذه الكتب هي:
أولا: "الجمع بين الصحيحين" للصاغاني الحسن بن محمد والمتوفى سنة 650 للهجرة المسمى "مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية".
ثانيا: "الجمع بين الصحيحين" أيضا لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر الفتوح الحميدي المتوفى سنة 488 للهجرة)
طريقة أهل العلم في الجمع بين الصحيحين ليوفروا على الطلبة حفظ الكتابين.
يأتي بالأحاديث المتفق عليها بين الشيخين يعني الأحاديث التي خرجها البخاري وهذه الأحاديث أيضا خرجها مسلم وعلى شرطهما،فيقال هذا حديث متفق عليه. نحن نعلم من درس المصطلح هو أن أعلى درجات الصحة في الأحاديث ما اتفق عليها البخاري ومسلم
ثم ما انفرد بإخراجه البخاري،ثم ما انفرد بإخراجه مسلم،ثم ما كان على شرطهما،ثم ما كان على شرط البخاري،ثم ما كان شرط مسلم،ثم ما كان على شرط غيرهما ولم يخرجاه.
فأعلى درجات الصحة على الإطلاق المتفق عليه بين الشيخين فهم يأتون بالمتفق عليه ثم يأتي بعد ذلك بأفراد البخاري ثم يأتي بأفراد مسلم. ويحذف الأسانيد كما هو المعتاد في كتب الجمع ليقرب على الطالب متون أحاديث الصحيحين فيسهل عليه حفظها في وقت قصير وهذا يحتاج إليه المتفقه.
(ثالثا: "الجمع بين الأصول الستة" لأبي الحسن رزين بن معاوية الأندلسي المتوفى سنة 535 للهجرة،وهو المسمى بـ"التجريد للصحاح والسنن".
رابعا: " جامع الأصول من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "
لأبي السعادات المعروف بابن الأثير المتوفى سنة 606 للهجرة.
رتبه على الموضوعات حسب الأحرف الألف بائية ولكن ليس بشكل دقيق كتاب الإيمان والإسلام وأنهاه بكتاب اليمين،وداخل الكتب قسمه لأبواب،وهو يذكر جميع ألفاظ الكتب المترجم لها،ويبدأ بذكر الحديث في الصحيحين أو أحدهما مقدما إياه على السنن،وقام بشرح غريب الحديث في نهاية كل حديث .
مثاله :
كتاب الإيمان والإسلام
تعريفهما حقيقة ومجازاً
حقيقتهما وأركانهما
1 - (خ م ت س) عبد الله بن عمر : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : « بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله،وأنَّ محمدًا عبْدُهُ ورسولُهُ،وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ،وحَجِّ البيت،وصومِ رمضان ».
وفي رواية أنَّ رَجُلاً قال له : ألا تَغْزُو ؟ فقال له: إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « إنَّ الإسلامَ بُنيَ على خمسٍ.. » وذكَرَ الحديثَ.
وفي أخرى : « بُنِيَ الإسلام على خَمْسَةٍ : على أنْ يُوَحَّدَ اللهُ،وإقامِ الصلاةِ،وإيناءِ الزكاةِ،وصيامِ رمضان،والحجِّ »،فقال رجل : الحجِّ وصيامِ رمضان ؟ قال : « لا،صيام رمضان والحجِّ »،هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وفي أخرى « بُنِيَ الإسلام على خمس : [ على ] أن يُعْبَدَ اللهُ ويُكْفَرَ بما دُونه،وإقامِ الصلاة،وإيتاءِ الزكاةِ،وحجِّ البيت،وصومِ رمضان » أخرَجَ طُرُقَهُ جميعَها مسلمٌ،ووافَقَه على الأولى : الترمذي،وعلى الثانية : البخاريّ والنسائيّ.
وله طبعتان الأولى : خالية من التعليق إلا نادراً
والثانية بتحقيق أستاذنا الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ( رحمه الله ) وقد خرج أحاديثها بشكل دقيق،وعلق على ما يحتاج التعليق عليه . ولا تخلو من ملاحظات تتركز على النقاط التالية :(1/262)
الأولى : اعتماده على تقريب التهذيب في الجرح والتعديل وحده مما أدى لتضعيفه عدداً من الأحاديث تبعاً لما قاله الحافظ بن حجر في رجالها،مثل الأحاديث التي رواها ابن اسحاق وأبو الزبير المكي بصيغة العنعنة .. وأحاديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم ... وغيرهم .
والثانية : أحاديث ضعفها وليست ضعيفة مثل : الحديث رقم (15) قال عنه : وهو منقطع .. اهـ وفاته أنه روى موصولاً بغير انقطاع بسند صحيح عند هق 4/96 وطص 1/201 وتخ 5/31 والصحيحة (1046) والإصابة 2/371 .
والحديث رقم (31) ضعفه بدراج عن أبي الهيثم والصواب أن حديثه عنه حسن - كما بيناه في ترجمته - والحديث رقم (32) فيه مجهول وفاته أن له طرقاً تحسنه انظر نصب الراية 3/377 والمجمع 1/106 و107 وهق 3/121 و8/185 وقط 2/56 والحديث في المسند 5/433 والبيهقي في السنن 3/367 و8/196 وإسناده صحيح .
والحديث (82) الهامش وأعله بعبد الرحمن بن عمرو السلمي وأنه لم يوثقه إلا ابن حبان .
أقول : فيه نظر فقد روى عنه ابنه جابر وخالد بن معدان وضمرة بن حبيب ومحمد بن زياد الألهاني وغيرهم. ووثقه ابن حبان والترمذي والحاكم،وذكره مسلمة في الطبقة الأولى من التابعين ... وزعم القطاب الفاسي أنه لايصح لجهالة حاله ! التهذيب 6/237 و238،وقال في الكاشف : (3320) : صدوق والإحسان (5) فالحديث صحيح .
والحديث رقم (86) أعله بعنعنة ابن اسحاق والصواب أنه غير مدلس،فالحديث صحيح .
والحديث رقم (92) أعله بسعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء وأنه لم يوثقه إلا ابن حبان .
أقول : روى عنه اثنان ووثقه ابن حبان التهذيب 4/57 و58 وفي الكاشف (1941) وثق وسكت عليه أبو حاتم 4/41 وله متابعة بنحوه انظر طب 6/88 وتخ 4/97 والمجمع 1/62 و6/256 فالحديث صحيح لغيره.
الحديث (109) أعله بالانقطاع بأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه،وهذا صحيح،وفاته أنهم جودوا هذا الطريق وأوردوه في المسانيد،لأنه كان من أعلم الناس بحديث أبيه انظر شرح علل الترمذي لابن رجب 1/298 .
والحديث رقم (112) أعله بعبيد الله بن جرير وأنه لم يوثقه غير ابن حبان .
أقول : روى عنه ثلاثة ووثقه ابن حبان التهذيب 6/5 وسكت عليه ابن أبي حاتم فحديثه حسن،وقد تابعه أخوه المنذر بن جرير عن أبيه 5/310 وهو ثقة الكاشف (5729) عند حم 4/361 و363 وصححه ابن حبان الإحسان (300 و302) فالحديث صحيح لطرقه .
والثالث : قصوره في تخريج بعض الأحاديث ومنها بعض ماذكرته،وكاكتفائه بأصحاب الكتب الستة أحياناً انظر الأرقام (113 و117 و132 و133 و145)
وأما نسخة الورد التي على النت فهي خالية من التخريج ومن شرح الغريب !!!
وأما الثانية أضيفت عليها تعليقات أيمن صالح شعبان (ط : دار الكتب العلمية)
مثال :
حرف الهمزة
الكتاب الأول : في الإيمان والإسلام
الباب الأول : في تعريفهما حقيقة ومجازا
الفصل الأول : في حقيقتهما وأركانهما
1 - (خ م ت س) عبد الله بن عمر : قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله،وأنَّ محمدًا عبْدُهُ ورسولُهُ،[ص:208] وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ،وحَجِّ البيت،وصومِ رمضان».
وفي رواية أنَّ رَجُلاً قال له : ألا تَغْزُو ؟ فقال له: إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الإسلامَ بُنيَ على خمسٍ..» وذكَرَ الحديثَ.
وفي أخرى : «بُنِيَ الإسلام على خَمْسَةٍ : على أنْ يُوَحَّدَ اللهُ،وإقامِ الصلاةِ،وإيناءِ الزكاةِ،وصيامِ رمضان،والحجِّ»،فقال رجل : الحجِّ وصيامِ رمضان ؟ قال : «لا،صيام رمضان والحجِّ»،هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/263)
وفي أخرى «بُنِيَ الإسلام على خمس : [ على ] أن يُعْبَدَ اللهُ ويُكْفَرَ بما دُونه،وإقامِ الصلاة،وإيتاءِ الزكاةِ،وحجِّ البيت،وصومِ رمضان» أخرَجَ طُرُقَهُ جميعَها مسلمٌ،ووافَقَه على الأولى : الترمذي،وعلى الثانية : البخاريّ والنسائيّ.
[قال أيمن صالح شعبان]
صحيح : رواه عن ابن عمر حبيب بن أبي ثابت،رواه من هذا الطريق :
الحميدي (703)،والترمذي (2609)،عن ابن أبي عمر،عن ابن عُيينة،عن سُعَير بن الخمس التميمي عن حبيب بن أبي ثابت فذكره .
والحميدي (703)،وذكر تردد سفيان في سعير مرةً واحدةً حيث قال : مِسعر،ثم تثبت بعد ذلك.
ورواه يزيد بن بشر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
- رواه أحمد (2/26) (4798)،عن وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن يزيد بن بشر فذكره .
- ورواه أبو سويد العبدي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
أخرجه أحمد (2/92) (5672)،عن أبي النضر قال : حدثنا أبو عقيل،عن بركة بن يعلى التيمي،قال: حدثني أبو سويد العبدي .
- ورواه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده :
أخرجه أحمد (2/120) (6015)،عن هاشم،ومسلم (1/34)،عن عبيد الله بن معاذ،قال: حدثنا أبو النضر،وابن خزيمة (1881) و(2505)،قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي،قال: ثنا بشر بن المفضل .
ثلاثتهم عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه .
- ورواه عكرمة بن خالد عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:وفيه ذكر الرواية الثانية التي أوردها الحافظ ابن الأثير :
أخرجه أحمد (2/143) (6301)،عن ابن نمير،والبخاري (1/9)،حدثنا عبيد الله بن موسى،ومسلم (1/34)،حدثني أبو كريب قال حدثنا وكيع،والنسائي (8/107)،قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار،قال : حدثنا المعافي - يعني ابن عمران -،وابن خزيمة [308]،قال : حدثنا محمد بن يحيى،قال: حدثنا روح بن عبادة،وفي [1880] قال : حدثنا سلم بن جنادة،قال : حدثنا وكيع .
خمستهم عن حنظلة بن أبي سفيان قال : سمعت عكرمة بن خالد فذكره .
(*) وفي رواية ابن نمير،وروح تعيين السائل «بطاوس» .
- ورواه سلمة بن كهيل،عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :
أخرجه عبد بن حميد (823)،قال : حدثنا يعلى،قال : ثنا عبد الملك بن أبي سليمان،عن سلمة بن كهيل،فذكره.
- ورواه سعد بن عبيدة السلمي،عن ابن عمر - رضي الله عنه - :
أخرجه مسلم (1/34)،قال: حدثنا ابن نمير،ثنا أبو خالد الأحمر. (ح) وثنا سهل بن عثمان العسكري قال : ثنا يحيى بن زكريا قال : عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق قال: حدثني سعد بن عبيدة السلمي فذكره .
--------------
5 - (د) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : بعث بنو سعد بن بكر ضِمام ابن ثعلبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدِم إليه،فأناخ بعيره على باب المسجد،ثم عَقَله،ثُم دخلَ المسجد - فذكر نحوه - قال : فأيُّكم ابن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أنا ابنُ عبد المطلب».فقال : يا ابن عبد المطلب... وساق الحديث.[ص:221]
هكذا أخرجه أبو داود،ولم يذكر لفظ الحديث،وإنما أورده عقيب حديث أنس المذكور.
[قال أيمن صالح شعبان]
حسن : رواه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - كريب مولاه :
1 - أخرجه أحمد (1/250) (2254)،وفي (1/264) (2380)،وفي (1/265) (2381)،قال: حدثنا يعقوب،قال: حدثنا أبي،عن محمد بن إسحاق،قال: حدثني محمد بن الوليد بن نويفع مولى آل الزبير .
2 - وأخرجه الدارمي (658)،قال : أخبرنا محمد بن حميد،وأبو داود (784)،قال: حدثنا محمد بن عَمرو . كلاهما - محمد بن حميد،ومحمد بن عمرو - قالا: حدثنا سلمة،قال : حدثني محمد بن إسحاق،قال : حدثني سلمة بن كُهيل،ومحمد بن الوليد بن نُويفع .
كلاهما - محمد بن الوليد،وسلمة بن كهيل- عن كُريب،فذكره . الروايات مطولة ومختصرة.(1/264)
قلت: مداره على ابن إسحاق صاحب السيرة،وقد تكلم فيه من قِبل التدليس،وقد صرح بالسماع،وحديثه لا ينحط عن مَرتبة الحسن .
--------------
6 - (س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه،جاءهم رجلٌ من أهل البادية،فقال : أيُّكم ابنْ عبد المطلب ؟ فقالوا : هذا الأمْغَرُ المرتفِقُ - قال حمزة : الأمغَر : الأبيض المشوبُ بِحُمْرةٍ - قال : إنِّي سائِلُك،فَمشْتَدٌّ عليكَ في المسألَةِ،قال : «سلْ عمَّا بدا لك»،قال : أنشُدُكَ بِرَبِّ مَنْ قَبْلكَ،ورب مَنْ بَعدَكَ: آللَّهُ أرسلكَ ؟ قال : «اللَّهُمَّ نَعَمْ». قال : أنشُدُك به : اللَّهُ أمركَ أن تُصَلِّيَ خمسَ صلوات في كل يوم وليلة ؟ قال : «اللَّهُمَّ نعم». قال : فأنشُدُك به : آللَّهُ أمرك أن تأخُذَ من أموال أغنيائنا فَتَرُدَّهُ على فُقرائِنا ؟ قال : «اللهم نعم». قال : فأنشُدُكَ به،آللَّهُ أمرك أن تَصوم هذا الشهر من اثْنَيْ عشرَ شهْرًا ؟ قال : «اللهم نعم». قال : فأنشُدُكَ باللَّه،آللَّهُ أمرَك أن يَحُجّ ذا البيتَ مَن استطاع إليه سبيلاً ؟ قال : «اللهم نعم». قال : [ فإني ] آمنتُ وصدَّقتُ،وأنا ضِمَامُ بنُ ثَعْلَبَةَ. أخرجه النسائي.
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
الأمْغَرُ : قد جاء تفسيره في الحديث : أنه الأبيض المشربُ بالحمرة،[ص:222] وفي كُتب الغريب : هو الأحمر،مأخوذٌ من المغرةِ،وقال الأزهري : أراد بالأمغر : الأبيض،كما أَراد في موضع آخر بالأحمر : الأبيض،بدليل قوله العرب : امرأةٌ حمراءُ،يَعْنونَ : بيضاء،ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - : «يا حُمَيْرَاءُ» والكل متقارب .
المرتَفِق : المتكئ على مرفقه .
[قال أيمن صالح شعبان]
إسناده صحيح :
أخرجه النسائي (4/124)،قال : أخبرنا أبو بكر بن علي،قال : حدثنا إسحاق،قال : حدثنا عمارة حمزة بن الحارث بن عمير،قال : سمعت أبي يذكر،عن عبيد الله بن عمر،عن سعيد بن أبي سعيد المقبري،عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فذكره .
قلت: وعزاه الحافظ في الإصابة (5/193،194) [4173] للبغوي من طريق عبيد الله بن عمر،وإسناده صحيح .
------------
11 - (د س) الشريدُ بن سويد الثقفي - رضي الله عنه - قال : إنَّ أمَّه أوْصتهُ أن يعتق عنها رقَبَةً مُؤمنةً،فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فقال :[ص:229] يا رسول الله،إنَّ أمِّي أوصَتْ أن أعتقَ عنها رقَبةً مؤمنةً،وعندي جاريةٌ سوداءُ نُوبِيَّةٌ،أفأعْتِقُها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ادْعُ بها». فَدَعوتُها،فجاءَتْ،فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من ربُّكِ» ؟ قالت : اللهُ،قال: «فَمَنْ أنا» ؟ قالت : رسولُ الله،قال : «اعتِقْها،فإنَّها مؤمنة».أخرجه أبو داود والنسائي.
[قال أيمن صالح شعبان]
حسن : أخرجه أحمد (4/222)،(388)،قال: حدثنا عبد الصمد،وفي (4/389) قال: حدثنا مهنأ بن عبد الحميد .
والدارمي (2353)،قال: أخبرنا أبو الوليد الطيالسي،وأبو داود (3283)،قال: حدثنا مُوسى بن إسماعيل.
والنسائي (6/252)،قال: أخبرنا موسى بن سعيد،قال: حدثنا هشام بن عبد الملك .
أربعتهم - عبد الصمد،ومهنأ بن عبد الحميد،وأبو الوليد الطيالسي،هشام بن عبد الملك،وموسى بن إسماعيل- قالوا : حدثنا حماد - هو ابن سلمة - قال: حدثنا محمد بن عَمْرو،عن أبي سلمة،فذكره .
قلت: حماد بن سلمة صاحب أوهام،وهو قوي في ثابت البناني اعتمده مسلم في الصحيح،وأخرج له في الشواهد من غير ثابت،وإسناد الحديث حسن .
------------------(1/265)
13 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : إن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بجارية سوداءَ،فقال : يا رسول الله،إنَّ عليّ رقَبةً مؤمنةً،فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيْنَ اللَّه» ؟ فأشارتْ إلى السَّماء بإصبعها،فقال لها : «فمن أنا» ؟ فأشارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى السماء - تعني : أنت رسول الله - فقال : «اعْتِقْها،فإنها مؤمنة» أخرجه أبو داود.
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
فإنها مؤمنة : قال الخطابي : إنما حكم بأنها مؤمنة بهذا القدر من قولها،وهو أنه لما سألها : أين الله ؟ قالت: في السماء،وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان،دون الإقرار بالشهادتين،والتبرؤ من سائر الأديان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى منها أمارة الإسلام،وأنها في دار الإسلام،وبين المسلمين،وتحت رقِّ المسلم،وهذا القدر يكفي عَلمًا لذلك.
ألا ترى أنا إذا رأينا رجلاً وامرأة مقيمين في بيت،فسألناه عنها،فقال: هي زوجتي،وصدَّقته على ذلك،فإننا نقبل قولهما،ولا نكشف عن أمرهما[ص:232] ولا نطلب منهما شرائطَ العقد،فإذا جاءنا رجل وامرأة أجنبيان،يريدان ابتداءَ عقد النكاح،فإننا نطالبهما بشروط النكاح،من إحضار الولي،والشهود،وغير ذلك،وكذلك الكافر إذا عُرض عليه الإسلام،لم نقتصر منه على قوله: إني مُسلم،حتى يَصفَ الإسلام بكماله وشرائطه.
وإذا جاءنا من يُجهَلُ حالُهُ في الكفر والإيمان،فقال: إني مسلم،قبلناه،فإذا كان عليه أَمَارَةُ الإسلام - من هيئةٍ وإشارَةٍ ودارٍ - كان قَبول قوله أولى،بل يُحكم عليه بالإسلام،وإن لم يقل شيئًا.
[قال أيمن صالح شعبان]
إسناده ضعيف . أخرجه أبو داود [3284] قال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني،قال: حدثنا يزيد ابن هارون،قال: أخبرني المسعودي،عن عون بن عبد الله،عن عبد الله بن عتبة،فذكره .
وأحمد (2/291) عن يزيد بن هارون،عن المسعودي به .
قلت: تقدم الإشارة إليه في الحديث رقم [10]،والمسعودي مختلط،وعندي المحفوظ كونه مرسلاً عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة،كما تقدم تحقيق ذلك .
فنلاحظ عليه ما يلي :
ذكر إسناد الحديث كاملا،وهذه ميزة مهمة،تغني عن الرجوع لمصدر
يقوم بتخريج الحديث من مصدره الأساسي،وقد يزيد المصادر .
يتكلم عن شجرة الأسانيد،وهذه مهمة أيضاً .
وفيها شرح الغريب لابن الأثير
في البداية كان يحكم على الحديث من حيث الصحة والضعف،ثم ترك ذلك في الغالب بعد الألف الأولى من الكتاب،وتراه يحكم على أحاديث الصحيحين بالصحة !!!!!
وقد حكم على بعض الأحاديث بالضعف الشديد،وفي حكمه نظر،مثل :
116 - (ت د) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ من أعظم الجهاد كلمة عدلٍ عند سُلطان جائرٍ».هذه رواية الترمذي.
ورواية أبي داود : «أفضلُ الجهاد كلمةُ عدل عند سلطان جائر،وأمير جائر».
[قال أيمن صالح شعبان]
إسناده ضعيف جدًا : أخرجه أبو داود [4344] قال: ثنا محمد بن عبادة الواسطي،قالك ثنا يزيد. وابن ماجة [4011] قال: ثنا القاسم بن زكريا بن دينار،قال: ثنا عبدالرحمن بن مصعب. (ح) وحدثنا محمد بن عبادة الواسطي،قال: ثنا يزيد. والترمذي [2174] قال: ثنا القاسم بن دينار،قال: ثنا عبدالرحمن ابن مصعب أبو يزيد.
كلاهما قالا: ثنا إسرائيل،قال: ثنا محمد بن جحادة،عن عطية العوفي،عن أبي سعيد الخدري فذكره.
قلت: عطية العوفي،واه بمرة،وقد تكلم فيه.
000000
وقد صححه لغيره الألباني في تعليقه على سنن أبى داود (4346) وصحيح الجامع (2209) وهو الصواب
وعطية بن سعد العوفي المعتمد أنه ضعيف فقط وليس ضعيفاً جدا !!
والحديث رقم(1/266)
1897 - (د) أبوذر الغفاري - رضي الله عنه - قال : «دعاني رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ،فَقُلتُ : لَبَّيْك،فقال : كيف أنتَ إذا أصابَ الناسَ موتُ يكونُ البيتُ فيه بالوصيف - يعني : القبرَ- ؟ قلت : اللَّهُ ورسولُه[ص:578] أعلم،قال : عليك بالصَّبْرِ».
قال حَمَّاد : «فَبهذا قال مَنْ قال بقطع يَدِ النَّبَّاشِ،لأنه دَخَلَ عَلى الميت بيتَه». أخرجه أبو داود.
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
بالوصيف : الوصيف العبد والمراد أن الموت يكثر حتى يباع موضع قبر بعبد.
[قال أيمن صالح شعبان]
ضعيف جدا : أخرجه أبو داود (4409) قال : ثنا مسدد،ثنا حماد بن زيد عن أبي عمران،عن المشعث من طريف،عن عبد الله بن الصامت،عن أبي ذر،فذكره.
قلت : مشعث بن طريف،تفرد ابن حبان بتوثيقه،ومتنه غريب جدا.اهـ
قلت : قلت : قال الألباني: صحيح.
وأما قوله عن مشعث بن طريف ... ففيه نظر،ففي التقريب (مقبول) وفي الكاشف ( وثق) وانظر تهذيب التهذيب [ج10 -ص 141 ] (298)
وعلى هذا ينبغي أن تراجع الأحاديث التي ضعفها،والأحاديث التي سكت عليها ليحكم عليها بما يناسبها .
ــــــــــــــ
خامسا- مجمع الوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ت(807هـ)
سببه :
قال الهيثمي : " قَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ زَوَائِدَ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ،وَأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ،وَأَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ،وَمَعَاجِيمِ الطَّبَرَانِيِّ الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُؤَلِّفِيهِمْ،وَأَرْضَاهُمْ،وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُمْ - كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي تَصْنِيفٍ مُسْتَقِلٍّ - مَا خَلَا الْمُعْجَمَ الْأَوْسَطَ وَالصَّغِيرَ ; فَإِنَّهُمَا فِي تَصْنِيفٍ وَاحِدٍ - . فَقَالَ لِي سَيِّدِي وَشَيْخِي،الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْحُفَّاظِ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ،وَمُفِيدُ الْكِبَارِ وَمَنْ دُونَهُمْ،الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْعِرَاقِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ،وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَانَا وَمَثْوَاهُ - : اجْمَعْ هَذِهِ التَّصَانِيفَ،وَاحْذِفْ أَسَانِيدَهَا ; لِكَيْ تَجْتَمِعَ أَحَادِيثُ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا فِي بَابٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا . فَلَمَّا رَأَيْتُ إِشَارَتَهُ إِلَيَّ بِذَلِكَ صَرَفْتُ هِمَّتِي إِلَيْهِ،وَسَأَلْتُ اللَّهَ - تَعَالَى - تَسْهِيلَهُ وَالْإِعَانَةَ عَلَيْهِ،وَأَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - النَّفْعَ بِهِ،إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ "
ترتيبه :(1/267)
قال : "وَقَدْ رَتَّبْتُهُ عَلَى كُتُبٍ أَذْكُرُهَا لِكَيْ يَسْهُلَ الْكَشْفُ عَنْهُ : كِتَابُ الْإِيمَانِ . كِتَابُ الْعِلْمِ . كِتَابُ الطَّهَارَةِ . كِتَابُ الصَّلَاةِ . كِتَابُ الْجَنَائِزِ - وَفِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرَضِ وَثَوَابِهِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - . كِتَابُ الزَّكَاةِ - وَفِيهِ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ - . كِتَابُ الصِّيَامِ . كِتَابُ الْحَجِّ . كِتَابُ الْأَضَاحِيِّ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالْوَلِيمَةِ وَالْعَقِيقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلُودِ . كِتَابُ الْبُيُوعِ . كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ . كِتَابُ الْأَحْكَامِ . كِتَابُ الْوَصَايَا . كِتَابُ الْفَرَائِضِ . كِتَابُ الْعِتْقِ . كِتَابُ النِّكَاحِ . كِتَابُ الطَّلَاقِ . كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ . كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ . كِتَابُ الطِّبِّ . كِتَابُ اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ . كِتَابُ الْخِلَافَةِ . كِتَابُ الْجِهَادِ . كِتَابُ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ . كِتَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ . كِتَابُ الْحُدُودِ وَالدِّيَاتِ . كِتَابُ التَّفْسِيرِ - وَفِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَثَوَابِهِ وَعَلَى كَمْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مِنْ حَرْفٍ - . كِتَابُ التَّعْبِيرِ . كِتَابُ الْقَدَرِ . كِتَابُ الْفِتَنِ . كِتَابُ الْأَدَبِ . كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ . كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - . كِتَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ . كِتَابُ الْمَنَاقِبِ . كِتَابُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ . كِتَابُ الْأَذْكَارِ . كِتَابُ الْأَدْعِيَةِ . كِتَابُ الزُّهْدِ - وَفِيهِ الْمَوَاعِظُ - . كِتَابُ الْبَعْثِ . كِتَابُ صِفَةِ النَّارِ . كِتَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ . "
كلامه على الرجال :
قال : " َمَا تَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ ( مِنْ تَصْحِيحٍ أَوْ تَضْعِيفٍ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ،ثُمَّ ذَكَرْتُ لَهُ مَتْنًا بِنَحْوِهِ )،فَإِنِّي أَكْتَفِي بِالْكَلَامِ عَقِبَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ،إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ الثَّانِي أَصَحَّ مِنَ الْأَوَّلِ،وَإِذَا رَوَى الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَالْكَلَامُ عَلَى رِجَالِهِ،إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِسْنَادُ غَيْرِهِ أَصَحَّ . وَإِذَا كَانَ لِلْحَدِيثِ سَنَدٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ اكْتَفَيْتُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى بَقِيَّةِ الْأَسَانِيدِ،وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً . وَمَنْ كَانَ مِنْ مَشَايِخِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْمِيزَانِ نَبَّهْتُ عَلَى ضَعْفِهِ،وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمِيزَانِ أَلْحَقْتُهُ بِالثِّقَاتِ الَّذِينَ بَعْدَهُ،وَالصَّحَابَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يُخَرِّجَ لَهُمْ أَهْلُ الصَّحِيحِ ; فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ،وَكَذَلِكَ شُيُوخُ الطَّبَرَانِيِّ الَّذِينَ لَيْسُوا فِي الْمِيزَانِ ."
نماذج من الكتاب :
2 وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ : " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ لَهُ نَجَاةٌ " . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى،وَفِي إِسْنَادِهِ : كَوْثَرٌ،وَهُوَ مَتْرُوكٌ .(1/268)
3 وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَقِيَ طَلْحَةَ،فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ وَاجِمًا ؟ قَالَ : كَلِمَةٌ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزْعُمُ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ،فَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْهَا،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا أَعْلَمُ مَا هِيَ،قَالَ : مَا هِيَ ؟ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى،وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ،إِلَّا أَنَّ أَبَا وَائِلٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ .
4 وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ : مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " . قَالَ : فَخَرَجْتُ فَلَقِيَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،فَقَالَ : مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ فَقُلْتُ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " فَقَالَ عُمَرُ : ارْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا عَلَيْهَا،فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " مَا رَدَّكَ ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ،فَقَالَ : " صَدَقَ " . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى،وَفِي إِسْنَادِهِ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،وَهُوَ مَتْرُوكٌ . اهـ
والخلاصة :
أن هذا الكتاب يجمع الأحاديث التي زادت عند الإمام أحمد في مسنده والبزار في مسنده وكذلك أبو يعلى والطبراني في معاجمه الثلاثة على الكتب الستة . وفيه حوالي (18776) حديثاً،وهو متمم للكتب الستة فقد حوى معها معظم السنة . وفيه الصحيح والحسن والضعيف،والواهي،والموضوع أحياناً وقد قام الإمام الهيثمي بتخريج أحاديثه حديثاً حديثاً . وهو بشكل عام من المعتدلين،سار على منهج شيخه الحافظ العراقي،ولكنه كان من المتهيبين في التصحيح،فكان يقول ذلك في ذيل الحديث : إسناده حسن،رجاله ثقات،رجاله رجال الصحيح .. وقد ظن قوم أن قوله : رجاله ثقات أو رجاله رجال الصحيح - لايعني أن إسناد الحديث صحيح،لأنه لم يتوفر فيه سوى العدالة والضبط،دون الاتصال...
أقول : قد تبين لي بعد التتبع والاستقراء أن قوله : رجاله ثقات،أو رجال الصحيح ... يعني أن إسناده صحيح،لأنه يبين الحديث الذي في سنده انقطاع انظر 1/15 و16 و22 و30 و32 و34 ..
وقدأشرف على الكتاب الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر . فلا تلتفت لأولئك الذين يريدون أن يشككوا في كل شيء بل إني لاحظت على الإمام الهيثمي الجنوح إلى التشدد أحياناً ومن ذلك قوله 1/15 في سويد بن عبد العزيز إنه متروك اهـ وفي التقريب (2692) ضعيف .
وقوله 1/17 في عبدالله بن محمد بن عقيل : ضعيف لسوء حفظه والصواب أنه صدوق الجامع في الجرح والتعديل (2305) والكامل لابن عدي 4/127 - 129 والتهذيب 6/13-15 .
وفي 1/23 قال : القاسم أبو عبد الرحمن وهو متروك اهـ وفي التقريب (5470) صدوق يغرب كثيراً والكاشف (4587) صدوق .
وفي 1/62 قال عن يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب اهـ وفي التقريب (7633) ضعيف وكذا في الكاشف (6348) .
وفي 1/64 قال : عن الحسن بن أبي جعفر الجفري متروك لايحتج به اهـ وقال في التقريب (1222) ضعيف مع عبادته وفضله والصواب أنه صدوق له أفراد انظر الكامل 2/304 - 309 والتهذيب 2/260 و261 .
وفي 1/86 قال عن موسى بن عبيدة الربذي : هالك في الضعف اهـ .
أقول : قال الحافظ ابن حجر في التقريب (6989) ضعيف .
وفي 1/88 قال : شريح بن عبيد ثقة مدلس،اختلف في سماعه من الصحابة لتدليسه اهـ .(1/269)
أقول : لم يتهم بتدليس،التقريب (2775) والكاشف (2288) وإنما أرسل عن بعض الصحابة .
وفي 1/99 قال : يزيد بن عبد الملك النوفلي منكر الحديث جداً والصواب أنه ضعيف فقط التقريب (7751).
وفي 1/107 قال : على بن أبي سارة ضعيف متروك الحديث والصواب أنه ضعيف فقط،التقريب (4735) ونحو ذلك كثير .
- وكذلك لا تخلو أحكامه من اضطراب : كقوله عن القاسم أبي عبد الرحمن متروك 1/23 وعاد فقال عنه 1/57 : ضعيف،وفي 1/93 ضعفه أحمد وغيره،وفي 1/96 ضعيف عند الأكثرين ... وقال عن موسى بن عبيدة الربذي 1/79 : لايحتج به،وفي 1/86 هالك بالضعف،وفي 1/157 ضعيف جداً،وفيها ضعيف !
- وهناك بعض الرواة لم يعرفهم،وهم معروفون،كقوله في 1/17 عن حديث رواه البزار ورجاله ثقات،إلا أن من روى عنهما البزار لم أقف لهما على ترجمة اهـ .
أقول : هما معروفان انظر هامش الصفحة 1/17 .
وفي 1/26 قال : ورجاله ثقات إن كان تابعيُّه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود اهـ .
أقول : بل هو عبد الملك بن عمير راجع التهذيب 7/83 .
وفي 1/44 قال : ورجاله موثقون إلا شيخ البزار الحسن بن محمد بن عباد فإني لم أعرفه اهـ .
أقول : هو معروف،انظر هامش الصفحة .
وفي 1/55 قال : ونوفل بن مسعود لم أر من ذكر له ترجمة.
أقول : بل معروف وثقه في التعجيل (1120) .
- وهناك قليل من الأحاديث صححها أو حسنها وهي ليست كذلك أمثلة :
في 1/17 و18 قال عن حديث رجاله رجال الصحيح،وليس كذلك إذ فيه عطية بن سعد العوفي وليس من رجال الصحيح،وفيه ضعف ومتن الحديث صحيح .
وفي 1/84 قال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح اهـ وليس كما قال،ففيه عبد الله بن خليفة ليس من رجال الصحيح،وروى عنه اثنان ووثقه ابن حبان التهذيب 5/198 .
وفي 1/126 قال عن حديث رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون .
أقول : فيه العلاء بن مسلمة متهم . انظر الضعيفة (867) وطب (1381) والتهذيب 8/192 .
وفي ص 1/127 قال فيه صدقة بن خالد وهو من رجال الصحيح اهـ والمذكور في الإسناد صدقة بن عبد الله السمين ليس من رجال الصحيح وهو ضعيف .
وفي 1/179 : قال : رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح اهـ .
أقول : فيه نعيم بن حماد،وهذا الحديث مما أنكر عليه انظر الكامل 7/17 . ونحو ذلك ولكنه قليل بشكل عام .
وثمة ملاحظة هامة : وهي أننا إذا رأينا حديثاً ضعفه الهيثمي لايعني بالضرورة ضعف متنه،لأنه قد يكون له طرق وشواهد في غير هذه الكتب فيقوى بها .
أمثلة :
في 1/15 : حديث : (من شهد أن لا إله إلا الله فهو له نجاة) رواه أبو يعلي وفي إسناده كوثر وهو متروك اهـ ولكن لهذا المتن شواهد صحيحة تقويه . وفيها حديث اخرج فناد ... رواه أبو يعلى وفيه سويد بن عبد العزيز متروك اهـ .
أقول : سويد ضعيف والمتن صحيح له شواهد صحيحة ذكرتها في مكانها وله شاهد 1/16 .
وحديث سهيل بن بيضاء 1/15 و16 : (من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار وأوجب له الجنة) رواه أحمد والطبراني في الكبير ومداره على سعيد بن الصلت قال ابن أبي حاتم : قد روى عن سهيل بن بيضاء مرسلاً وابن عباس متصلاً اهـ .
أقول : الحديث صحيح لشواهده الكثيرة انظر حم 3/135 و451 و4/402 و5/236 و318 والصحيحة (1135) والمطالب (2845) .
وفي 1/16 حديث معاذ : (من لقي الله لايشرك به شيئاً جعله الله في الجنة) وأعله بالانقطاع .
أقول : ورد من طرق أخرى صحيحة انظر المستدرك 3/247 وسعد 6/29 وخ 1/44 وم الإيمان 152 .. وفي 1/17 قال عن حديث : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه الله حر النار) وأعله بعاصم بن عبيد الله وأنه ضعيف .(1/270)
أقول : له شواهد تصححه انظر المجمع 1/42 و49 وحم 3/135 و451 و4/402 و5/236 و318 وفيها حديث (من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) وضعفه . والحديث صحيح انظر المجمع 1/18 وحلية 7/312 و9/254 وتخ 8/65 والدعاطب (1475-1478) والحميدي (369) والترغيب 2/414 وفيها حديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وأعله بالجهالة .
أقول : الحديث صحيح انظر المستدرك 4/251 والفتح 11/267 وخ 4/39 وم (46) وهذا من صفحاته الأربع الأولى فتنبه .
- وهناك أحاديث قليلة سكت عليها انظر 1/17 ..
- والكتاب يحتاج لتخريج كامل أحاديثه وإخراجه بشكل جديد،وشرح غريب حديثه
ـــــــــــــــ
سادسا: "جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد"
لمحمد بن محمد بن سليمان المغربي المتوفى سنة 1094 للهجرة. اشتمل هذا الكتاب على أحاديث أربعة عشر مُصنفا حديثيا،وهي: الصحيحان،والموطأ،والسنن الأربعة،ومسند الدارمي،ومسند أحمد،ومسند أبي يعلى،ومسند البزار،ومعاجم الطبراني الثلاثة.
جمع فيه بين جامع الأصول ومجمع الزوائد،وحذف المكرر وفيه حوالي عشرة آلاف حديث،ورتبه على الأبواب وقدتكلم على أسانيده جرحاً وتعديلاً،وما سكت عليه فهو مقبول يدور بين الحسن والصحيح . وقد وفّى بشرطه تقريباً،وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل وله أكثر من طبعة الأولى بتحقيق العلامة عبد الله هاشم اليماني وله طبعة نشر بنك فيصل الإسلامي/قبرص،وعليها تعليقات لا بأس بها،ولكنها لاتخلو من تشدد أمثلة على ذلك : الحديث رقم (4) أعلوه بالإرسال،وفاتهم أن له طرقاً وشواهد كثيرة . الحديث (40) و(41) اعلوه بشهر بن حوشب،والصواب أنه حسن الحديث،كما أن الحديثين لهما شواهد صحيحة . والحديث رقم (65) ضعفوه والصواب أن الحديث صحيح لغيره والحديث رقم (78) أعلوه بالجهالة،والصواب أنه حسن لغيره والحديث رقم (83) أعلوه بشهر بن حوشب،والصواب أنه حسن وله شواهد قوية . والحديث (113) أعلوه بابن اسحاق،وهو مدلس،ولم يصرح بالسماع اهـ . والصواب أنه غير مدلس،والحديث صحيح . والحديث رقم (116) أعلوه بأسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف اهـ وفاتهم أن له طريقاً آخر إسناده حسن طص 1/147 والإتحاف 7/256 وحم 2/109 والصحيحة (546) .. وغير ذلك .
والكتاب بحاجة لتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه .
فهذه المصنفات وأمثالها مرتبة على الأبواب كترتيب الجوامع،وبإمكان المراجع فيها أن يحدد موضوع الحديث ثم ينظر في ذلك الموضوع من هذه الكتب.
ـــــــــــــــــ
(ثانيًا: الترغيب والترهيب)
عندنا المصنفات المشتملة على الأحاديث المتعلقة في جانب واحد من جوانب الدين،فعندنا أجزاء حديثية،هذه الأجزاء:
إما أن تكون جزءا من حديث راوٍ بعينه،كمرويات مثلاً سعيد بن أبي مريم عن سفيان الثوري الجزء الذي خرجه الشيخ عامر حسن صبري،أو رواية الدارقطني مثلاً عن ابن صاعد أو انتخابات أبي الطاهر السلفي أو غير ذلك من الأجزاء المنثورة التي هي روايات راوي بعينه عن شيخ بعينه أو روايات صحابي بعينه،وإما أن تكون جزءا في موضوع،قد يكون مثلاً موضوع التوكل،موضوع الصمت،حفظ اللسان،موضوع مثلاً حب الدنيا،أو ذم الدنيا،ذم الملاهي،ذم الكبر،الفرج بعد الشدة،وغير ذلك من الأجزاء التي تفنن في الكتابة فيها الإمام ابن أبي الدنيا -رحمه الله تعالى كما بينا قبل ذلك.
النوع الثاني من الأجزاء المصنفة في باب بعينه: أبواب الترغيب والترهيب ثم أبواب الزهد والآداب والأخلاق ثم الأحكام.
الكلام في الترغيب والترهيب،أشهرها -كما هو معلوم- كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ زكي الدين المنذري.
كلمة في هذه المصنفات:(1/271)
كتب الترغيب والترهيب هي الكتب الحديثية المرتبة على أساس جمع الأحاديث الواردة في الترغيب بأمر من الأمور المطلوبة،أو الترهيب من أمر من الأمور المنهيّ عنها،وذلك كالترغيب ببر الوالدين،والترهيب من عقوقهما،وقد صنف في هذا النوع عدد من المصنفات،منها مصنفات صنفها مؤلفوها بأسانيدها استقلالاً،ومنها كتب مجردة من الأسانيد ومنتقاة من مصنفات أخرى.
"الترغيب والترهيب"للمنذري:
لزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة للهجرة،وهو من الكتب المنتقاة والمجردة عن الأسانيد مع ذكر تخريجها ومرتبته).
وهو أجمع كتاب في أحاديث الترغيب والترهيب،وعدد أحاديثه حوالي (5580) حديثاً . وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف،والقليل من الموضوع . وقد بين في مقدمته طريقته في الحكم على الحديث،فما كان في الصحيحين رواه بصيغة الجزم وسكت عليه لأنه صحيح وما كان في غيرهما فعلى أقسام :
الأول : ما كان صحيحاً أو حسناً رواه بصيغة الجزم،فإما أن يسكت عليه،أو يبين سنده : انظر الأرقام (2 و6 و7 و8 و9)
والثاني : ما اختلف في أحد رواته والراجح توثيقه فقد رواه بصيغة الجزم،مع إشارته للراوي المختلف فيه انظر الرقم (4 و11 و12) .
والثالث : ما كان ضعيفاً،فقد رواه بصيغة التمريض وقد يبين ضعفه أو يسكت عليه انظر الأرقام (5 و13) .
والرابع : ما كان واهياً رواه بصيغة التمريض وبين سبب ضعفه : انظر الأرقام : (36) و(56) و(60) و(67) و(81) وبعضه بعد التحقيق موضوع .
مثال منه :
الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة
1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ،فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ اللَّهُمَّ كَانَ لِى أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ،وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً،فَنَأَى بِى فِى طَلَبِ شَىْءٍ يَوْمًا،فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا،فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً،فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَىَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ،فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا،اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ،فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ.
قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِى بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ،فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا،فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ،فَجَاءَتْنِى فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِهَا،فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ. فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا،فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِى أَعْطَيْتُهَا،اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ،غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.(1/272)
قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّى اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ،غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِى لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ،فَجَاءَنِى بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَىَّ أَجْرِى. فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِى. فَقُلْتُ إِنِّى لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا،اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ...
وفي رواية عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ،فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ،فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ،فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ . فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِى أَجِيرٌ عَمِلَ لِى عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ،فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ،وَأَنِّى عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ،فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا،وَأَنَّهُ أَتَانِى يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ . فَسُقْهَا،فَقَالَ لِى إِنَّمَا لِى عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ . فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ،فَسَاقَهَا،فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ،فَفَرِّجْ عَنَّا . فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ . فَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِى أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ،فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِى،فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِى وَعِيَالِى يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجُوعِ،فَكُنْتُ لاَ أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَاىَ،فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا،وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا،فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا،فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ،فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ،فَفَرِّجْ عَنَّا . فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ ..،فذكر الحديث قريبا من الأول
رواه البخاري ومسلم والنسائي ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه باختصار ويأتي لفظه في بر الوالدين إن شاء الله تعالى .
قوله وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا
الغبوق بفتح الغين المعجمة هو الذي يشرب بالعشي ومعناه كنت لا أقدم عليهما في شرب اللبن أهلا ولا غيرهم
يتضاغون بالضاد والغين المعجمتين أي يصيحون من الجوع
السنة العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا سواء نزل غيث أم لم ينزل
تفض الخاتم هو بتشديد الضاد المعجمة وهو كناية عن الوطء
الفرق بفتح الفاء والراء مكيال معروف
فانساحت هو بالسين والحاء المهملتين أي تنحت الصخرة وزالت عن الغار(1/273)
2- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الإِخْلاَصِ ِللهِ وَحْدَهُ،وَعِبَادَتِهِ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَإِقَامِ الصَّلاَةِ،وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،مَاتَ وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ" رواه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين
3- وعن أبي فراس رجل من أسلم،قال : نادى رجل،فقال : يا رسول الله،ما الإيمان ؟ قال : « الإخلاص »
وفي لفظ آخر عن أبي فراس،رجل من أسلم،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « سلوني عما شئتم »،فنادى رجل : يا رسول الله،ما الإسلام ؟ قال : « إقام الصلاة وإيتاء الزكاة »،قال : فما الإيمان ؟ قال : « الإخلاص »،قال : فما اليقين ؟ قال : « التصديق بالقيامة » رواه البيهقي وهو مرسل
4- وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي،قَالَ : أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ "
رواه الحاكم من طريق عبيد الله بن زحر عن ابن أبي عمران وقال صحيح الإسناد كذا قال وروي ثوبان،قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الدجى تتجلى عنهم كل فتنة ظلماء » رواه البيهقي
5- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا،فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ،ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُؤْمِنٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ،وَالْمُنَاصَحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ،وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ; فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ يُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ "
رواه البزار بإسناد حسن ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن ثابت ويأتي في سماع الحديث إن شاء الله تعالى
قال الحافظ عبد العظيم وقد روي هذا الحديث أيضا عن ابن مسعود ومعاذ بن جبل والنعمان بن بشير وجبير بن مطعم وأبي الدرداء وأبي قرصافة جندرة بن خيشنة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم،وبعض أسانيدهم صحيح
6- وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَصْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ , وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ " رواه النسائي وغيره وهو في البخاري وغيره دون ذكر الإخلاص.
وقد وفّى بشروطه في الأعم الأغلب،ولي عليه بعض الملاحظات منها :
1/117 حيث قال عن حديث رقم (6) خالد بن دريك لم يدرك ابن عمر ولم يسمع منه ورجال إسناده ثقات اهـ .
أقول : وصله الحاكم في المستدرك 1/85 بسند صحيح :
وفي 1 /169 ح (1) قال : ومدار طرقه كلها على واصل بن عبد الرحمن الرقاشي وقد وثقه شعبة وغيره اهـ.
أقول : ليس هو بل واصل بن السائب الرقاشي واه التهذيب 11/103 و104 :
وفي 2/560 و561 ح (13) رواه بصيغة التمريض وفاته أنه عند حم 2/310 والشعب (9543) وهو حديث حسن .
و2/46 ح (13) رواه بصيغة التمريض . وفاته أنه عند أحمد 2/23 والمجمع 4/133 والشعب (11260) وإسناده صحيح .
و2/52 : ح (12) رواه بصيغة الجزم وذكر تصحيح الحاكم وسكت عليه،وقد قال عنه الذهبي : سنده واه.
و2/469 ح (8) رواه بصيغة الجزم وذكر تصحيح الحاكم وسكت عليه،وفيه سعيد بن سنان أبو مهدي متهم .
و3/230 ح (21) رواه بصيغة التمريض وفاته أنه عند حم 6/431 والإتحاف 7/311 وسنده حسن .
و3/271 ح (8) رواه بصيغة التمريض وقال : في إسناده الماضي بن محمد وفاته أن له طريقاً آخر عند
البيهقي في الشعب (5417 و5418) فيقوى به .(1/274)
و3/613 ح (9) وقال : رواه البيهقي،وقال : في إسناده بعض من يجهل اهـ وفاته أنه في حم : المجمع 3/269 وإسناده صحيح.
و4/59 ح (5) وضعفه وفاته أنه عند ابن سعد 5/287 - 288 وإسناده صحيح .
و4/264 ح (15) رواه بصيغة الجزم وقال : رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد وسكت عليه وفي تصحيحه نظر،فيه سليمان بن مرشد فيه كلام،وآخره شاذ .
و4/305 ح (2) رواه بصيغة الجزم وسكت عليه وفيه زيادة بن محمد الأنصاري منكر الحديث التقريب (2113) .
و4/273 ح (21) رواه بصيغة التمريض . وفاته أنه عند حم 2/169 ومشكل 1/108 و109 وإسناده حسن .
وله عدة طبعات منها بغير تحقيق،وأخرى بتحقيق مصطفى عمارة،وعليها حواشٍ كثيرة،ولكنه لم يخرج حديثاً واحداً .
وثالثة : حديثة محققة مخرجة الأحاديث بشكل دقيق نشر دار ابن كثير دمشق . ولا تخلو من ملاحظات في التخريج منها :
الحديث رقم (3) ضعفوه وأعلوه بعبيد الله بن زحر وأنه ضعيف والراجح أنه صدوق راجع التهذيب 7/12 و13 وفي التقريب (4290) صدوق يخطيء،وانظر الجامع في الجرح والتعديل (2752) .
والحديث (8) ضعفوه والراجح أنه حسن لغيره على الأقل انظر الإتحاف 10/63 و1/93 و8/267 و283 وقط 1/51 والشعب (6836) وقد قال عنه المنذري لا بأس بإسناده .
والحديث (11 و12) أعلوه بشهر بن حوشب والراجح أنه حسن الحديث انظر الكاشف (2336) والجامع (1838) والتهذيب 4/369 - 372،وتناقضوا فقالوا عنه صدوق الحديث رقم (43) ! .
والحديث رقم (35) رواه المنذري بصيغة الجزم،وضعفوه والصواب أن إسناده صحيح فهو من طريق العباس ابن محمد ثنا عبيد الله بن موسى ثنا بشير أبو إسماعيل - وهو بشير بن سلمان الكندي - عن عكرمة عن ابن عباس الشعب (6838) .
الحديث (39) ضعفوه جداً،وأعلّوه بسليمان بن داود الشاذكوني وأنه متروك،والصواب أنه ثقة له أفراد انظر الكامل لابن عدي 3/298،والجامع (1657) والميزان 2/205 واللسان 3/84 .
والحديث رقم (40) ضعفوه وفاتهم أن له طرقاً أخرى عند الطبراني في الدعاء (1390 و1391) فيحسن لغيره على الأقل .
الحديث رقم (42) ضعفوه بالهجري والصواب ماقاله ابن عدي في الكامل 1/213 : أحاديثه عامتها مستقيمة المتن،وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن ابن مسعود - يكتب حديثه اهـ وصوب المنذري وقفه .
الحديث رقم (45) وقالوا مرسل :
أقول : محمود بن لبيد ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الأولى من الصحابة وذكر له روايات تدل على سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - انظر الإصابة 3/387 رقم (7821) وإذا كان معظم روايته عن الصحابة فلا يضره ذلك،لأن مرسل الصحابي صحيح،وإبهام الصحابي لا يضر،فحديثه إذن موصول . وهذا الحديث رواه البيهقي في السنن 2/291 وابن أبي شيبة 2/481 والإتحاف 3/144 و8/274 عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله وإسناده صحيح،وقد فاتهم ذلك ! .
والحديث رقم (46) صححه المنذري،وضعفوه وفاتهم أن له طرقاً أخرى قوية طص 2/45 رقم (892) وصفة (500) وأولياء 6 وك 4/328 ومشكل 2/317 والزهد للبيهقي (195) وحلية 1/5 و15 والشعب (6812) فهو صحيح لغيره على الأقل .
والحديث رقم (50) رواه بصيغة الجزم،وضعفوه لأنه من رواية شهر بن حوشب،وفاتهم أنهم نقلوا عن أبي حاتم الرازي هامش الحديث رقم (43) أن أحاديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر صحاح وهذا منها !!
والحديث رقم (77) صححه المنذري،وضعفوه،وأعلوه بعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب والراجح أنه حسن الحديث الكاشف (3617) والكامل لابن عدي 4/329 والتهذيب 7/28 و29 فالحديث حسن .
والحديث رقم (80) ضعفوه جداً . وأعلوه بأبي بكر بن أبي مريم الغساني وأنه منكر الحديث . وهذا خطأ من وجهين :
الأول : أبو بكر بن أبي مريم ليس ضعيفاً جداً التقريب (7974) والكاشف 3/275 والتهذيب 12/28 - 30 والكامل 2/36 - 40 بل هو ضعيف فقط .(1/275)
والثاني : أن له متابعة حسنة انظر الفتح 13/254 والإصابة 3/186 و187 .
والحديث رقم (91) ضعفوه جداً،وأعلّوه بكثير بن عبد الله ابن عمرو بن عوف المزني .. ونقلوا عن الشافعي وأبي داود أنه ركن من أركان الكذب،وقال الدارقطني : متروك .. اهـ وهذا خطأ من وجهين:
الأول : أنه ليس متروكاً . قال الحافظ ابن حجر في التقريب : (5617) عنه : ضعيف،أفرط من نسبه إلى الكذب .
الثاني : أن للحديث شواهد يرتقي بسببها إلى درجة الحسن وهي عند ابن أبي عاصم 1/23 والمطالب (3058) وسنة 1/233 وصحيح ابن ماجة (173) وطب 7/61 والترغيب برقم (97) والمجمع 1/168.
والحديث رقم (98) ضعفوه جداً . والصواب أنه حسن لغيره على الأقل انظر ابن أبي عاصم (296 و297 و298 و299) والحلية 8/329 .
والحديث رقم (99) قال المنذري : رواته ثقات،وضعفوه بليث بن أبي سليم وأن الجمهور ضعفوه،والصواب أنه حسن انظر ت (3228) وك 2/430 والسنة لابن أبي عاصم (112) .
قال الذهبي عن الليث : حسن الحديث،ومن ضعفه فإنما ضعفه لاختلاطه بآخره الديوان (3503) وانظر الكاشف (4761) والجامع (3692) والكامل 6/90 . وهذا في المئة الأولى فقط !! لذا أرجو من المحققين أن يعيدوا النظر فيما خالفوا فيه المنذري لأن الصواب في غالبه معه(1)
وقد قام العلامة الألباني رحمه الله بفصل الصحيح من الضعيف وسماه صحيح الترغيب،وضعيف الترغيب وهو عمل طيب،ولكنه مخالف لما عليه السلف والخلف من هذا الفصل .
مثال من صحيح الترغيب :
ففي صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 1)
1 - الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة
1 - ( صحيح ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي طلب شجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر
زاد بعض الرواة والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة
فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منها
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال الآخر اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وقال الثالث اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرتهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال لي يا عبد الله أد إلي أجري فقلت كل ما ترى من أجرك من الابل والبقر والغنم والرقيق،فقال يا عبد الله لا تستهزىء بي فقلت إني لا أستهزىء بك فأخذه كله فساقه فلم يترك منه شيئا اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.
__________
(1) - انظر الأجوبة الفاضلة 120 - 122(1/276)
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره إلى أن اشتريت منه بقرا وإنه أتاني يطلب أجره فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة
رواه البخاري ومسلم والنسائي
2 - ( صحيح ) ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه باختصار ويأتي لفظه في بر الوالدين إن شاء الله تعالى
قوله " وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا "
3 - ( صحيح ) وعن أبي فراس رجل من أسلم قال نادى رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان قال الإخلاص
وفي لفظ آخر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
سلوني عما شئتم فنادى رجل يا رسول الله ما الإسلام قال إقام الصلاة وإيتاء الزكاة قال فما الإيمان قال الإخلاص قال فما اليقين قال التصديق
رواه البيهقي وهو مرسل اهـ
قلت : وليس فيه كبيرُ فائدة عن الأصل سوى حكمه هو على الحديث،ولا يقوم بتخريجه من مصادره،ويحتاج لشرح وضبط وكلُّ ذلك غير موجود في هذه النسخة .
وضعيف الترغيب له حكم فيه على كثير من الأحاديث بالضعف،وهي لا تستحق التضعيف على الصحيح،حيث كان يسلك مسلك المتشددين في قبول الأخبار في الأعم الأغلب .
فالكتاب بحاجة لخدمة جديدة بعيدة عن التقليد،والتعسف في الحكم الأحاديث .
ـــــــــــــ
النوع الثاني: التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ :
وهو ألفه استقلالاً،يعني يذكر أسانيده من شيوخه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهو مرتب على الأبواب
مثاله : فَضْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
(1 ) أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبِ بْنُ يُوسُفَ،وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ،وَأَبُو الْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِشَ الْعُكْبَرِيُّ،بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ : أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ الْمَعْرُوفُ بابْنِ الْعُشَّارِيِّ،فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ،قَالَ : نا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ : نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ،قَالَ : أنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ،قَالَ : أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ،قَالَ : أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ،عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمُودًا مِنْ نُورٍ بَيْنَ يَدَيْهِ،فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ اهْتَزَّ ذَلِكَ الْعَمُودُ،فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " اسْكُنْ " . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِهَا ؟ فَيَقُولُ : " إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ " . فَيَسْكُنُ عِنْدَ ذَلِكَ(1)
__________
(1) - مسند البزار (8065) ومجمع الزوائد (16804) وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَمْرٍو ،وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ،بل متهم وهو موضوع(1/277)
2 حَدَّثَنَا عُمَرُ،قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ،قَالَ : نا عَبْدُوسُ بْنُ بِشْرٍ،قَالَ : نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْعَسْقَلَانِيُّ،قَالَ : نا أَبُو نُعَيْمٍ عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ،عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ،عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمُودًا مِنْ نُورٍ،أَسْفَلُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَرَأْسُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ،فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،اهْتَزَّ ذَلِكَ الْعَمُودُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " اسْكُنْ " فَيَقُولُ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِهَا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " اسْكُنْ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِقَائِلِهَا "،قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَكْثِرُوا مِنْ هَزِّ ذَلِكَ الْعَمُودِ " *(1)
3 حَدَّثَنَا عُمَرُ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الْمُجَدَّرِ،قَالَ : نا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ،قَالَ : أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،قَالَ : أنا عُمَرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو،عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ،أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ "(2)
4 حَدَّثَنَا عُمَرُ قَالَ : نا نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ الْفَرَائِضِيُّ،قَالَ : نا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ،قَالَ : أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ،عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ،قَالَ : حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ،أَتَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ : مِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قَالَ : مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : فَمَاذَا قَالَ ؟ قَالَ مُعَاذٌ : " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ " . قَالَ : أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : اذْهَبْ فَسَلْهُ،قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ : حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّكَ قُلْتَ : " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ " . قَالَ : " صَدَقَ مُعَاذٌ،صَدَقَ مُعَاذٌ "(3)
__________
(1) - فيه من هو متهم بالكذب ،فالحديث موضوع
(2) - صحيح البخارى(99)
(3) - سلمة بن وردان ضعيف ،وقد تفرد به(1/278)
5 حَدَّثَنَا عُمَرُ قَالَ : نا أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْبَغَوِيُّ،أنا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ،وَأرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَيْبَانَ الْخَلَّالُ،بِالرَّمْلَةِ،وَأرنا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْبَصْرِيُّ،قَالَ : أنا الْهُذَيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : أنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ،عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ،عَنْ أَنَسٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا قَالَ عَبْدٌ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا طُلِسَتْ مَا فِي صَحِيفَتِهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى تَسْكُنَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ "(1)
6 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ،أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحِمْيَرِيُّ،أنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى،أنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ،قَالَ : حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ،عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،إِلَهًا وَاحِدًا صَمَدًا لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ،عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ بِهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ "(2)
7 حَدَّثَنَا عُمَرُ،نا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ الْمَرْوَزِيُّ،قَالَ : نا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى،أنا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ،أنا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ،نا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عُبَيْدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيِّ،وَكَانَ فِيمَنْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ عُمَّالِ الْيَمَنِ،قَالَ : فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَّالَهُ،وَبَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ مُعَلِّمًا إِلَى الْيَمَنِ وَحَضْرَمُوتَ،وَقَالَ : " يَا مُعَاذُ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّهُمْ سَائِلُوكَ عَنْ مَفَاتِيحِ الْجَنَّةِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّهَا تَخْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،لَا يُحْجَبُ دُونَهُ . فَمَنْ جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخْلِصًا رَجَحَتْ بِكُلِّ ذَنْبٍ "(3)
__________
(1) - وَفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ ،وَهُوَ مَتْرُوكٌ . وقد تفرد به
(2) - الخليل وأزهر فيهما كلام والأول ضعيف ،وقد تفرد به
(3) - ضعيف ولا يصح منه سوى " مفاتيح الجنة لا إله إلا الله"(1/279)
8 حَدَّثَنَا عُمَرُ،نا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمِصْرِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الدَّارِمِيُّ خِدَاشُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خِدَاشٍ،حَدَّثَنِي جَدِّي خِدَاشٌ،قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنَ مَالِكٍ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْبَصْرَةِ،فَمَرَّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ عَلَى وَجْهِهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ،فَأَمْسَكْتُ بِعِنَانِ الْبَغْلَةِ،ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : بِأَبِي هَذِهِ الْعَيْنَينِ عَيْنٌ رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : نَعَمْ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَقَدْ صَلَّى بِنَا بَعْضَ الصَّلَوَاتِ،ثُمَّ قَالَ : " يَا مَعْشَرَ النَّاسِ،مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُتَعَجِّبًا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَلِمَتِهِ شَجَرَةً عَلَيْهَا وَرَقٌ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا تَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ وَرَقَةٍ وَتُسَبِّحُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ تَعَجَّبَ،فَإِنْ قَالَهَا مُخْلِصًا مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ قَالَهَا مُخْلِصًا مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَلِمَتِهِ طَيْرًا أَخْضَرَ يَرْعَى فِي الْجِنَانِ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا،فَإِذَا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُوحَ ذَلِكَ الْعَبْدِ،قَالَ ذَلِكَ الطَّيْرُ : إِلَهِي خَلَقْتَنِي مِنْ تَسْبِيحِهِ،فَصَيِّرْ رُوحَهُ مَعِي،فَيُصَيِّرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُوحَ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي حَوْصَلَةِ ذَلِكَ الطَّيْرِ،فَيَرْعَى بِهَا فِي الْجِنَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَلْحَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَدَنَهُ بِرُوحِهِ "(1)
9 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَالِكِيُّ،أنا الْخَضِرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُونُسَ الْقَطَّانُ،أنا عُمَرُ أَبُو الْحَارِثِ بْنُ حِصْنٍ،أنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ،عَنْ أَخِيهِ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ غَيْرِ عَجِبٍ،طَارَ بِهَا طَائِرٌ تَحْتَ الْعَرْشِ يُسَبِّحُ مَعَ الْمُسَبِّحِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَكُتِبَ لَهُ بِهِ ثَوَابُهُ "(2)
10 حَدَّثَنَا عُمَرُ،أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ،بِوَاسِطَ،أنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ النَّشَّائِيُّ،أنا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الصُّدَائِيُّ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَشْعَثَ،عَنْ طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا صَعَدَتْ فَلَا يَرُدُّهَا حِجَابٌ،حَتَّى تَصِلَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا وَصَلَتْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَى صَاحِبِهَا،وَحَقَّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى مُوَحِّدٍ إِلَّا رَحِمَهُ "(3)
__________
(1) - هذا حديث موضوع
(2) - انظر الأجوبة الفاضلة 120 - 122
(3) - ضعيف فيه محاهيل ،ونكارة(1/280)
11 حَدَّثَنَا عُمَرُ،نا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرْخِيُّ،نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ،أَخُو كَرْخَوَيْهِ،أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،أنا ثَابِتٌ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،عَنْ جَابِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : " مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَحَدًا صَمَدًا لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ،كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "(1)
فنلاحظ كثرة الأحاديث الواهية والمنكرة،فهذا الكتاب بحاجة لتخريج أحاديثه والحكم عليها بشكل دقيق،بل واختصاره أفضل .
ــــــــــــــ
(ثالثًا: الزهد والفضائل والآداب والأخلاق):
هناك مصنفات كثيرة أفردت لهذا النوع من الموضوعات،فجمعت أكبر عدد من الأحاديث والآثار المتعلقة بالموضوع،وهي كتب نفيسة تشبع الموضوع حقه،وتحتوي على ثروة خصبة من الأحاديث والآثار،فمن أراد أن يعرف حديثًا من الأحاديث متعلقًا بهذه الموضوعات أو أراد كتابة بحث أو مقالة علمية في بعض هذه الموضوعات واحتاج إلى الأحاديث والآثار ليستشهد بها وليدعم أقواله؛ فعليه أن يرجع إلى هذه الكتب ويبحث فيها فإنه يجد فيها طلبته،فمن هذه المصنفات: كتاب "ذم الغِيبة" و كتاب "ذم الحسد"،كتاب "ذم الدنيا" الثلاث لابن أبي الدنيا).
(وكتاب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " لأبي الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني المتوفى سنة تسع وستين وثلاثمائة للهجرة،"كتاب الزهد" للإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة واحد وأربعين ومائتين للهجرة،"كتاب الزهد" لعبد الله بن المبارك المتوفى سنة واحد وثمانين ومائة للهجرة،"كتاب الذكر والدعاء" لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الكوفي صاحب أبي حنيفة المتوفى سنة اثنين وثمانين ومائة للهجرة).
في الزهد أيضًا هناك الزهد لهناد بن السري،وهناد شيخ البخاري،وأيضًا الزهد للإمام البيهقي،وغير ذلك من المصنفات في هذه الأبواب،فالحاصل هو أن من أراد أن يقف على كتاب مثلاً في ذم الدنيا،أو في ذم الحسد،أو في ذم الغيبة،أو في كتب الأخلاق أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ،أو في كتب الزهد؛ فعليه بالمصنفات في هذا الموضوع الواحد،فيجد فيها ما يبتغيه خاصة وأن لهذه الكتب فهارس خادمة بشكل جيد.
(كتاب "فضائل القرآن" للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام،كتاب "فضائل الصحابة" لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة ثلاثين وأربعمائة للهجرة،كتاب "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين" لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة للهجرة.
ـــــــــــــ
رابعًا: الأحكام:
كتب الأحكام هي الكتب التي اشتملت على أحاديث الأحكام فقط،وهي أحاديث انتقاها مؤلفو هذه الكتب من المصنفات الحديثية الأصول،ورتبوها على أبواب الفقه،ومنها: الكبير،ومنها المتوسط،ومنها الصغير،وهي كثيرة وأشهرها:
"الأحكام الكبرى" لأبي محمد عبد الحق بن الرحمن الإشبيلي المتوفى سنة واحد وثمانين وخمسمائة للهجرة و لأحكام الصغرى له أيضًا،الأحكام لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة ستمائة للهجرة،"عمدة الأحكام عن سيد الأنام" له أيضًا،"الإمام في أحاديث الأحكام" لمحمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد المتوفى سنة اثنين وسبعمائة للهجرة،"الإلمام بأحاديث الأحكام" له أيضًا فقد اختصره من كتاب الإمام. "المنتقى في الأحكام" لعبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني المتوفى سنة اثنين وخمسين وستمائة للهجرة. "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة للهجرة).
__________
(1) - الترغيب 2/420 و حم (16949) و ت (3469) و عدي 3/58 و 59 و 60 و عبد بن حميد (529) وهو حديث حسن لغيره(1/281)
1- بلوغ المرام للحافظ ابن حجر رحمه الله :
يقول في المقدمة : " فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً،ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي .
وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة .
فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة،وبالستة من عدا أحمد،وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم . وقد أقول الأربعة وأحمد،وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول،وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير،وبالمتفق البخاري ومسلم،وقد لا أذكر معهما،وما عدا ذلك فهو مبين .
وسميته بُلُوغُ اَلْمَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ اَلْأَحْكَامِ،والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالاً،وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى."
وهو مخدوم ومحقق تحقيقا علميا دقيقاً،ولا يخلو من تشدد،وهذا مثال منه :
كِتَابُ اَلطَّهَارَةِ
بَابُ اَلْمِيَاهِ
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي اَلْبَحْرِ: - هُوَ اَلطُّهُورُ مَاؤُهُ, اَلْحِلُّ مَيْتَتُهُ - أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ, وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَاَلتِّرْمِذِيُّ(1).
والكتاب له شروح كثيرة،منها سبل السلام للصنعاني،وهو شرح جيد،وله شرح مختصر لابن عثيمين رحمه الله انتهى به إلى كتاب الصيام،،وله شرح للشيخ عطية محمد سالم - رحمه الله - وآخر هذا الكتاب إلى باب الوديعة من كتاب البيوع
ــــــــــــــ
2- عمدة الأحكام من كلام خير الأنام
مقدمة المؤلف :
قال الشيخ الحافظ،تقي الدين : أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسي رحمه الله تعالى الحمد لله الملك الجبار الواحد القهار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الخيار أما بعد فإن بعض إخواني سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام مما اتفق عليه الإمامان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري فأجبته إلي سؤاله رجاء المنفعة وأسأل الله أن ينفعنا به ومن كتبه أو سمعه أو قرأه أو حفظه أو نظر فيه وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم موجباً للفوز لديه في جنات النعيم فإنه حسبنا ونعم والوكيل .
أمثلة :
كتاب الطهارة
1 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَفِي رِوَايَةٍ : { بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا،فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ } .
__________
(1) - صحيح. رواه أبو داود (83)،والنسائي (1 /50 و 176 و 707)،والترمذي (69)،وابن ماجه (386) وابن أبي شيبة (131)،وابن خزيمة (111) من طريق صفوان بن سليم،عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق،عن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار- أنه سمع أبي هريرة يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر،ونحمل معنا القليل من الماء،فإن توضأنا به عطشنا،أفنتوضأ به؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : فذكره. وقال الترمذي: "حسن صحيح". قلت: وهذا إسناد صحيح،وقد أعله بعضهم بما لا يقدح،كما أن للحديث شواهد،وتفصيل ذلك في "الأصل".(1/282)
2 - الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ } .
3 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } .
هذا وقد قام العلامة ابن دقيق العيد بشرحها شرحا نادراً،
وهذا شرح الحديث الأول :
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا زَاي مُعْجَمَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ابْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ يَجْتَمِعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ قَدِيمًا،وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا،وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،وَقُتِلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ،وَقِيلَ لِثَلَاثٍ .
ثُمَّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَدَأَ بِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِالطَّهَارَةِ،وَامْتَثَلَ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ : إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُبْتَدَأَ بِهِ فِي كُلِّ تَصْنِيفٍ وَوَقَعَ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ .
الثَّانِي : كَلِمَةُ إنَّمَا لِلْحَصْرِ،عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ،فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهِمَ الْحَصْرَ مِنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - { إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } وَعُورِضَ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ،وَلَمْ يُعَارَضْ فِي فَهْمِهِ لِلْحَصْرِ وَفِي ذَلِكَ اتِّفَاقٌ عَلَى أَنَّهَا لِلْحَصْرِ،وَمَعْنَى الْحَصْرِ فِيهَا : إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ،وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ .
وَهَلْ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ : بِمُقْتَضَى مَوْضُوعِ اللَّفْظِ،أَوْ هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ ؟ فِيهِ بَحْثٌ .(1/283)
الثَّالِثُ : إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ : فَتَارَةً تَقْتَضِي الْحَصْرَ الْمُطْلَقَ،وَتَارَةً تَقْتَضِي حَصْرًا مَخْصُوصًا،وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالسِّيَاقِ،كَقَوْلِهِ تَعَالَى { : إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } وَظَاهِرُ ذَلِكَ : الْحَصْرُ لِلرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النِّذَارَةِ،وَالرَّسُولُ لَا يَنْحَصِرُ فِي النِّذَارَةِ،بَلْ لَهُ أَوْصَافٌ جَمِيلَةٌ كَثِيرَةٌ،كَالْبِشَارَةِ وَغَيْرِهَا،وَلَكِنَّ مَفْهُومَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي النِّذَارَةِ لِمَنْ يُؤْمِنُ،وَنَفْي كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى إنْزَالِ مَا شَاءَ الْكُفَّارُ مِنْ الْآيَاتِ،وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ } مَعْنَاهُ : حَصْرُهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى بَوَاطِنِ الْخُصُومِ،لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ،فَإِنَّ لِلرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَافًا أُخَرَ كَثِيرَةً،وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ } يَقْتَضِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْحَصْرَ بِاعْتِبَارِ مَنْ آثَرَهَا،وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ : فَقَدْ تَكُونُ سَبِيلًا إلَى الْخَيْرَاتِ،أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لِلْأَكْثَرِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأَقَلِّ .
فَإِذَا وَرَدَتْ لَفْظَةُ " إنَّمَا " فَاعْتَبِرْهَا،فَإِنْ دَلَّ السِّيَاقُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْحَصْرِ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ : فَقُلْ بِهِ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مَخْصُوص : فَاحْمِلْ الْحَصْرَ عَلَى الْإِطْلَاقِ،وَمِنْ هَذَا : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الرَّابِعُ : مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ وَبِالْقُلُوبِ،قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَمَلٌ،وَلَكِنَّ الْأَسْبَقَ إلَى الْفَهْمِ : تَخْصِيصُ الْعَمَلِ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ،وَإِنْ كَانَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُلُوبِ فِعْلًا لِلْقُلُوبِ أَيْضًا .
وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ خَصَّصَ الْأَعْمَالَ بِمَا لَا يَكُونُ قَوْلًا،وَأَخْرَجَ الْأَقْوَالَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعْدٌ،وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ " الْعَمَلِ " يَعُمُّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ،نَعَمْ لَوْ كَانَ خُصِّصَ بِذَلِكَ لَفْظُ " الْفِعْلِ " لَكَانَ أَقْرَبَ،فَإِنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهُمَا مُتَقَابِلَيْنِ،فَقَالُوا : الْأَفْعَالُ،وَالْأَقْوَالُ،وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ أَيْضًا .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسُ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ .
فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِهِ،فَاَلَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ،قَدَّرُوا : " صِحَّةُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ " أَوْ مَا يُقَارِبُهُ،وَاَلَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا : قَدَّرُوهُ " كَمَالُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ " أَوْ مَا يُقَارِبُهُ،وَقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَالِ،فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ أَلْزَمَ لِلشَّيْءِ : كَانَ أَقْرَبَ إلَى خُطُورِهِ بِالْبَالِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ،فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى .(1/284)
وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَدِّرُونَهُ " إنَّمَا اعْتِبَارُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ " وَقَدْ قَرَّبَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِنَظَائِرَ مِنْ الْمُثُلِ،كَقَوْلِهِمْ : إنَّمَا الْمُلْكُ بِالرِّجَالِ ؛ أَيْ قِوَامُهُ وَوُجُودُهُ،وَإِنَّمَا الرِّجَالُ بِالْمَالِ،وَإِنَّمَا الْمَالُ بِالرَّعِيَّةِ،وَإِنَّمَا الرَّعِيَّةُ بِالْعَدْلِ،كُلُّ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ : أَنَّ قِوَامَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ .
السَّادِسُ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ،وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَيَدْخُلَ تَحْتَ ذَلِكَ مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ الْمَسَائِلِ .
وَمِنْ هَذَا عَظَّمُوا هَذَا الْحَدِيثَ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَدْخُلُ فِي حَدِيثِ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ثُلُثَا الْعِلْمِ،فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خِلَافِيَّةٍ حَصَلَتْ فِيهَا نِيَّةٌ،فَلَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ بِهَذَا عَلَى حُصُولِ الْمَنْوِيِّ .
وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خِلَافِيَّةٍ لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا نِيَّةٌ،فَلَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ بِهَذَا عَلَى عَدَمِ حُصُولِ مَا وَقَعَ فِي النِّزَاعِ،[ وَسَيَأْتِي مَا يُقَيَّدُ بِهِ هَذَا الْإِطْلَاقُ ] فَإِنْ جَاءَ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْوِيَّ لَمْ يَحْصُلْ،أَوْ أَنَّ غَيْرَ الْمَنْوِيِّ يَحْصُلُ،وَكَانَ رَاجِحًا : عُمِلَ بِهِ وَخَصَّصَ هَذَا الْعُمُومَ .السَّابِعُ : قَوْلُهُ " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ " اسْمُ " الْهِجْرَةِ " يَقَعُ عَلَى أُمُورٍ،الْهِجْرَةُ الْأُولَى : إلَى الْحَبَشَةِ،عِنْدَمَا آذَى الْكُفَّارُ الصَّحَابَةَ،الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ : مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ،الْهِجْرَةُ الثَّالِثَةُ : هِجْرَةُ الْقَبَائِلِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِتَعْلَمَ الشَّرَائِعَ،ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى الْمَوَاطِنِ،وَيُعَلِّمُونَ قَوْمَهُمْ،الْهِجْرَةُ الرَّابِعَةُ،الْهِجْرَةُ الْخَامِسَةُ : هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمُهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ،غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ،لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمَّ قَيْسٍ،فَسُمِّيَ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ وَلِهَذَا خُصَّ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ،دُونَ سَائِرِ مَا تُنْوَى بِهِ الْهِجْرَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ،ثُمَّ أُتْبِعَ بِالدُّنْيَا .
الثَّامِنُ : الْمُتَقَرَّرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ : أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ وَالْمُبْتَدَأَ أَوْ الْخَبَرَ،لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَغَايَرَا،وَهَهُنَا وَقَعَ الِاتِّحَادُ فِي قَوْلِهِ { فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وَجَوَابُهُ : أَنَّ التَّقْدِيرَ : فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ نِيَّةً وَقَصْدًا،فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ حُكْمًا وَشَرْعًا .
التَّاسِعُ : شَرَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي تَصْنِيفٍ فِي أَسْبَابِ الْحَدِيثِ،كَمَا صُنِّفَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ،فَوَقَفْتُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ لَهُ .(1/285)
وَهَذَا الْحَدِيثُ - عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحِكَايَةِ عَنْ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ - وَاقِعٌ عَلَى سَبَبٍ يُدْخِلُهُ فِي هَذَا الْقَبِيلِ،وَتَنْضَمُّ إلَيْهِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ لِمَنْ قَصَدَ تَتَبُّعَهُ .
الْعَاشِرُ : فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا " مَنْ نَوَى شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَيْرُهُ " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " مَنْ لَمْ يَنْوِ الشَّيْءَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ " وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ،أَعْنِي قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَآخِرُهُ يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ،أَعْنِي قَوْلَهُ { وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا،فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ } .
وهناك شرح قيم اسمه :تيسير العلام شرح عمدة الأحكام للبسام،هذا شرحه للحديث الأول :
النية وأحكامها
عَنْ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ أبي حَفْصِ " عُمَرَ بْنِ الخَطَاب " رَضيَ الله عَنْهُ قَال: سَمِعت رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُول:
"إنَّمَا الأعْمَالُ بَالْنيَاتِ،وَإنَّمَا لِكل امرئ مَا نَوَى،فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ لِدُنيا يُصيبُهَا،أو امْرَأة يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُه إلَى مَا هَاجَرَ إليهِ ".
غريب الحديث:
1- " إنما الأعمال بالنيات " كلمة [ إنما ]،تفيد الحصر،فهو هنا قصر موصُوف على صفة،وهو إثبات حكم الأعمال بالنيات،فهو في قوة [ ما الأعمال إلا بالنيات] وينفى الحكم عما عداه.
2- " النية " لغة: القصد. ووقع بالإفراد في أكثر الروايات. قال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر ا.هـ . وشرعا : العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى.
3- " فمن كانت هجرته... الخ " مثال يقرر ويوضح القاعدة السابقة.
4- " فمن كانت هجرته " جملة شرطية.
5- "فهجرته إلى الله ورسوله " جواب الشرط،واتحد الشرط والجواب لأنهما على تقدير " من كانت هجرته إلى الله ورسوله - نية وقصداً- فهجرته إلى الله ورسوله- ثوابا وأجراً ".
المعنى الإجمالي:
هذا حديث عظيم وقاعدة جليلة من قواعد الإسلام هي القياس الصحيح لوزن الأعمال،من حيث القَبول وعدمه،ومن حيث كثرة الثواب وقلته.فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر أن مدار الأعمال على النياتْ فإن كانت النية صالحة،والعمل خالصا لوجه الله تعالى،فالعمل مقبول. وإن كانت غير ذلك،فالعمل مردود،فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك. ثم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاَ يوضح هذه القاعدة الجليلة بالهجرة. فمن هاجر من بلاد الشرك،ابتغاء ثواب الله،وطلباً للقرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وتعلم الشريعة،فهجرته في سبيل الله،والله يثيبه عليها. ومن كانت هجرته لغرض من أغراض الدنيا،فليس له عليها ثواب. وإن كانت إلى معصية،فعليه العقاب.
والنية تمييز العبادة عن العادة،فالغسل - مثلا - يقصد عن الجنابة،فيكون عبادة،ويراد للنظافة أو التبرد،فيكون عادة .
وللنية في الشرع حالتان:
أحدها: الإخلاص في العمل لله وحده،هو المعنى الأسمى،وهذا يتحدث عنه علماء التوحيد،والسير،والسلوك.
الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض،وهذا يتحدث عنه الفقهاء.
وهذا من الأحاديث الجوامع التي يجب الاعتناء بها وتفهمها،فالكتابة القليلة لا تؤتيه حقه . وقد افتتح به الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- صحيحه لدخوله في كل مسألة من مسائل العلم وكل باب من أبوابه.
ما يؤخذ من الحديث:(1/286)
1- إن مدار الأعمال على النيات،صحة،وفَساداً،وكمالا،ونقصا،وطاعة ومعصية فمن قصد بعمله الرياء أثم،ومن قصد بالجهاد مثلا إعلاء كلمة الله فقط كمل ثوابه. ومن قصد ذلك والغنيمة معه نقص من ثوابه. ومن قصد الغنيمة وحدها لم يأثم ولكنه لا يعطى أجر المجاهد. فالحديث مسوق لبيان أن كل عمل،طاعة كان في الصورة أو معصية يختلف باختلاف النيات.
2- أن النية شرط أساسي في العمل،ولكن بلا غُلُوّ في استحضارها يفسد على المتعبد عبادته. فإن مجرد قصد العمل يكون نِيًة له بدون تكلف استحضارها وتحقيقها.
3- أن النية مَحلُّها القلب،واللفظ بها بدعة.
4- وجوب الحذر من الرياء والسمعة والعمل لأجل الدنيا،مادام أن شيئاً من ذلك يفسد العبادة.
5- وجوب الاعتناء بأعمال القلوب ومراقبتها.
6- أن الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام،من أفضل العبادات إذا قصد بها وجه الله تعالى.
فائدة: ذكر ابن رجب أن العمل لغير الله على أقسام:
فتارة يكون رياء محضا لا يقصد به سوى مراءاة المخلوقين لتحصيل غرض دنيوي،هذا لا يكاد يصدر من مؤمن،ولا شك في أنه يحبط العمل وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة. وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء،فإن شاركه من أصله فإن النصوص الصحيحة تدل على بطلانه وإن كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء،ودفعه صاحبه فإن ذلك لا يضره بغير خلاف،وقد اختلف العلماء من السلف في الاسترسال في الرياء الطارئ : هل يحبط العمل أو لا يضر فاعله ويجازى على أصل نيته؟ اهـ بتصرف.
وهناك شروح أخرى للكتاب ...
ــــــــــــــ
3- منتقى الأخبار لابن تيمية الجد :
وقد قام بشرحه بشكل مفصل ومطول العلامة الشوكاني
قال في مقدمته :وَبَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ الْمَوْسُومُ بِالْمُنْتَقَى مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الْأَحْكَامِ،مِمَّا لَمْ يَنْسُجْ عَلَى بَدِيعِ مِنْوَالِهِ وَلَا حَرَّرَ عَلَى شَكْلِهِ وَمِثَالِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ .
قَدْ جَمَعَ مِنْ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ،وَبَلَغَ إلَى غَايَةٍ فِي الْإِحَاطَةِ بِأَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ تَتَقَاصَرُ عَنْهَا الدَّفَاتِرُ الْكِبَارُ،وَشَمَلَ مِنْ دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ جُمْلَةً نَافِعَةً تَفْنَى دُونَ الظَّفَرِ بِبَعْضِهَا طِوَالُ الْأَعْمَارِ،وَصَارَ مَرْجِعًا لِجِلَّةِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى طَلَبِ الدَّلِيلِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَهَذِهِ الْأَعْصَارِ،فَإِنَّهَا تَزَاحَمَتْ عَلَى مَوْرِدِهِ الْعَذْبِ أَنْظَارُ الْمُجْتَهِدِينَ،وَتَسَابَقَتْ عَلَى الدُّخُولِ فِي أَبْوَابِهِ أَقْدَامُ الْبَاحِثِينَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ،وَغَدَا مَلْجَأً لِلنُّظَّارِ يَأْوُونَ إلَيْهِ،وَمَفْزَعًا لِلْهَارِبِينَ مِنْ رِقِّ التَّقْلِيدِ يُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ،وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُونَ فِي صِحَّةِ بَعْضِ دَلَائِلِهِ،وَيَتَشَكَّكُ الْبَاحِثُونَ فِي الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ عِنْدَ تَعَارُضِ بَعْضِ مُسْتَنَدَاتِ مَسَائِلِهِ .(1/287)
حَمَلَ حُسْنُ الظَّنِّ بِي جَمَاعَةً مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَايِخِي عَلَى أَنْ الْتَمَسُوا مِنِّي الْقِيَامَ بِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ،وَحَسَّنُوا لِي السُّلُوكَ فِي هَذِهِ الْمَسَالِكِ الضَّيِّقَةِ الَّتِي يَتَلَوَّنُ الْخِرِّيتُ فِي مُوعِرَاتِ شِعَابِهَا وَالْهِضَابِ،فَأَخَذْت فِي إلْقَاءِ الْمَعَاذِيرِ،وَأَبَنْت تَعَسُّرَ هَذَا الْمَقْصِدِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ وَقُلْت : الْقِيَامُ بِهَذَا الشَّأْنِ يَحْتَاجُ إلَى جُمْلَةٍ مِنْ الْكُتُبِ يَعِزُّ وُجُودُهَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ،وَالْمَوْجُودُ مِنْهَا مَحْجُوبٌ بِأَيْدِي جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَبْصَارِ،بِالِاحْتِكَارِ وَالِادِّخَارِ كَمَا تُحْجَبُ الْأَبْكَارُ .
وَمَعَ هَذَا فَأَوْقَاتِي مُسْتَغْرَقَةٌ بِوَظَائِفِ الدَّرْسِ وَالتَّدْرِيسِ،وَالنَّفْسُ مُؤْثِرَةٌ لِمُطَارَحَةِ مَهَرَةِ الْمُتَدَرِّبِينَ فِي الْمَعَارِفِ عَلَى كُلِّ نَفِيسٍ،وَمَلَكَتِي قَاصِرَةٌ عَنْ الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ فِي هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي قَدْ دُرِسَ رَسْمُهُ،وَذَهَبَ أَهْلُهُ مُنْذُ أَزْمَانٍ قَدْ تَصَرَّمَتْ،فَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِي الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا اسْمُهُ لَا سِيَّمَا وَثَوْبُ الشَّبَابِ قَشِيبٌ،وَرُدْنُ الْحَدَاثَةِ بِمَائِهَا خَصِيبٌ،وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِعُلُوِّ السِّنِّ وَطُولِ الْمُمَارَسَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَوْفَرَ نَصِيبٍ .
فَلَمَّا لَمْ يَنْفَعْنِي الْإِكْثَارُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَلَا خَلَّصَنِي مِنْ ذَلِكَ الْمَطْلَبِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْمَوَانِعِ الْكِبَارِ،صَمَّمْت عَلَى الشُّرُوعِ فِي هَذَا الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ،وَطَمِعْت أَنْ يَكُونَ قَدْ أُتِيحَ لِي أَنِّي مِنْ خَدَمِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مَعْدُودٌ،وَرُبَّمَا أَدْرَكَ الطَّالِعُ شَأْوَ الضَّلِيعِ وَعُدَّ فِي جُمْلَةِ الْعُقَلَاءِ الْمُتَعَاقِلُ الرَّقِيعُ،وَقَدْ سَلَكْت فِي هَذَا الشَّرْحِ لِطُولِ الْمَشْرُوحِ مَسْلَكَ الِاخْتِصَارِ،وَجَرَّدْتُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ وَالْمُبَاحَثَاتِ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْإِكْثَارِ،لَا سِيَّمَا فِي الْمَقَامَاتِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الِاخْتِلَافُ،وَيَكْثُرُ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِهَا الِائْتِلَافُ .
وَأَمَّا فِي مَوَاطِنِ الْجِدَالِ وَالْخِصَامِ فَقَدْ أَخَذْت فِيهَا بِنَصِيبٍ مِنْ إطَالَةِ ذُيُولِ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّهَا مَعَارِكُ تَتَبَيَّنُ عِنْدَهَا مَقَادِيرُ الْفُحُولِ،وَمَفَاوِزُ لَا يَقْطَعُ شِعَابَهَا وَعِقَابَهَا إلَّا نَحَارِيرُ الْأُصُولِ،وَمَقَامَاتٌ تَتَكَسَّرُ فِيهَا النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ،وَمَوَاطِنُ تُلْجَمُ عِنْدَهَا أَفْوَاهُ الْأَبْطَالِ بِأَحْجَارِ الْجِدَالِ،وَمَوَاكِبُ تَعْرَقُ فِيهَا جِبَاهُ رِجَالِ حَلِّ الْإِشْكَالِ وَالْإِعْضَالِ،وَقَدْ قُمْت وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ مَقَامًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْمُتَأَهِّلُونَ(1/288)
وَلَا يَقِفُ عَلَى مِقْدَارِ كُنْهِهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ إلَّا الْمُبَرِّزُونَ،فَدُونَكَ يَا مَنْ لَمْ يَذْهَبْ بِبَصَرِ بَصِيرَتِهِ أَقْوَالُ الرِّجَالِ،وَلَا تَدَنَّسَتْ فِطْرَةُ عِرْفَانِهِ بِالْقِيلَ وَالْقَالَ،شَرْحًا يَشْرَحُ الصُّدُورَ وَيَمْشِي عَلَى سَنَنِ الدَّلِيلِ وَإِنْ خَالَفَ الْجُمْهُورَ،وَإِنِّي مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ الْخَطَأَ وَالزَّلَلَ هُمَا الْغَالِبَانِ عَلَى مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ عَجَلٍ،وَلَكِنِّي قَدْ نَصَرْت مَا أَظُنُّهُ الْحَقَّ بِمِقْدَارِ مَا بَلَغَتْ إلَيْهِ الْمَلَكَةُ،وَرَضَتْ النَّفْسُ حَتَّى صَفَتْ عَنْ قَذَرِ التَّعَصُّبِ الَّذِي هُوَ بِلَا رَيْبٍ الْهَلَكَةُ،وَقَدْ اقْتَصَرْت فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْمَقَامَاتِ الْمُوَصَّفَاتِ عَلَى بَيَانِ حَالِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِ غَرِيبِهِ،وَفِيهِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ بِكُلِّ الدَّلَالَاتِ،وَضَمَمْت إلَى ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْحَالَاتِ الْإِشَارَةَ إلَى بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَابِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ لِعِلْمِي بِأَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ الَّتِي يَرْغَبُ فِي مِثْلِهَا أَرْبَابُ الْأَلْبَابِ مِنْ الطُّلَّابِ .
وَلَمْ أُطَوِّلْ ذَيْلَ هَذَا الشَّرْحِ بِذِكْرِ تَرَاجُمِ رُوَاةِ الْأَخْبَارِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ عِلْمًا آخَرَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرٍ مِنْ كُتُبِ الْفَنِّ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الصِّغَارِ،وَقَدْ أُشِيرُ فِي النَّادِرِ إلَى ضَبْطِ اسْمِ رَاوٍ أَوْ بَيَانِ حَالِهِ عَلَى طَرِيقِ التَّنْبِيهِ،لَا سِيَّمَا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ تَحْرِيفٍ أَوْ تَصْحِيفٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ غَيْرُ النَّبِيهِ .
وَجَعَلْت مَا كَانَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى فِقْهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا يَسْتَطْرِدُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي غُضُونِهِ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرْحِ فِي الْغَالِبِ،وَنَسَبْت ذَلِكَ إلَيْهِ،وَتَعَقَّبْت مَا يَنْبَغِي تَعَقُّبُهُ عَلَيْهِ،وَتَكَلَّمْت عَلَى مَا لَا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الطَّالِبُ،كُلُّ ذَلِكَ لِمَحَبَّةِ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ وَكَرَاهَةِ الْإِمْلَالِ بِالتَّطْوِيلِ وَالْإِكْثَارِ،وَتَقَاعُدِ الرَّغَبَاتِ وَقُصُورِ الْهِمَمِ عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ .
وَسَمَّيْت هَذَا الشَّرْحَ لِرِعَايَةِ التَّفَاؤُلِ،الَّذِي كَانَ يُعْجِبُ الْمُخْتَارَ،نَيْلُ الْأَوْطَارِ شَرْحُ مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ وَمَنْ رَامَ الِانْتِفَاعَ بِهِ مِنْ إخْوَانِي،وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ عَنِّي نَفْعُهَا بَعْدَ أَنْ أُدْرَجَ فِي أَكْفَانِي .
وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَذْكُرُ تَرْجَمَتَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ فَنَقُولُ : هُوَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَّامَةُ عَصْرِهِ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ،أَبُو الْبَرَكَاتِ شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ مَجْدُ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَّانِيِّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ تَيْمِيَّةَ .(1/289)
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي النُّبَلَاءِ : وُلِدَ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ تَقْرِيبًا،وَتَفَقَّهَ عَلَى عَمِّهِ الْخَطِيبِ،وَقَدِمَ بَغْدَادَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ مَعَ السَّيْفِ ابْنِ عَمِّهِ،وَسَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ ابْنِ سُكَيْنَةَ وَابْنِ طَبْرَزَدْ وَيُوسُفَ بْنِ كَامِلٍ،وَعِدَّةٍ،وَسَمِعَ بِحَرَّانَ مِنْ حَنْبَلٍ وَعَبْدِ الْقَادِرِ الْحَافِظِ،وَتَلَا بِالْعَشْرِ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سُلْطَانٍ .
حَدَّثَ عَنْهُ وَلَدُهُ شِهَابُ الدِّينِ وَالدِّمْيَاطِيُّ وَأَمِينُ الدِّينِ بْنُ شُقَيْرٍ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْبَزَّارِ وَالْوَاعِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُحْسِنِ وَغَيْرُهُمْ،وَتَفَقَّهَ وَبَرَعَ وَاشْتَغَلَ وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ،وَانْتَهَتْ إلَيْهِ الْإِمَامَةُ فِي الْفِقْهِ وَدَرَّسَ الْقِرَاءَاتِ،وَصَنَّفَ فِيهَا أُرْجُوزَةً .تَلَا عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْقَيْرَوَانِيُّ .
وَحَجَّ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ عَلَى دَرْبِ الْعِرَاقِ،وَابْتُهِرَ عُلَمَاءُ بَغْدَادَ لِذَكَائِهِ وَفَضَائِلِهِ وَالْتَمَسَ مِنْهُ أُسْتَاذُ دَارِ الْخِلَافَةِ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْجَوْزِيِّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُمْ فَتَعَلَّلَ بِالْأَهْلِ وَالْوَطَنِ .
قَالَ الذَّهَبِيُّ : سَمِعْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ أَبَا الْعَبَّاسِ يَقُولُ : كَانَ الشَّيْخُ ابْنُ مَالِكٍ يَقُولُ : أُلِينَ لِلشَّيْخِ الْمَجْدِ الْفِقْهُ كَمَا أُلِينَ لِدَاوُدَ الْحَدِيدُ .
قَالَ الشَّيْخُ : وَكَانَتْ فِي جَدِّنَا حِدَّةٌ،اجْتَمَعَ بِبَعْضِ الشُّيُوخِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ،فَقَالَ : الْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ سِتِّينَ وَجْهًا : الْأَوَّلُ كَذَا،وَالثَّانِي كَذَا،وَسَرَدَهَا إلَى آخِرِهَا،وَقَدْ رَضِينَا عَنْك بِإِعَادَةِ أَجْوِبَةِ الْجَمِيعِ فَخَضَعَ لَهُ وَابْتُهِرَ .
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَمْدَانَ : كُنْت أُطَالِعُ عَلَى دَرْسِ الشَّيْخِ وَمَا أُبْقِي مُمْكِنًا،فَإِذَا أَصْبَحْت وَحَضَرْت يَنْقُلُ أَشْيَاءَ غَرِيبَةً لَمْ أَعْرِفْهَا .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَجَدْنَاهُ عَجِيبًا فِي سَرْدِ الْمُتُونِ وَحِفْظِ الْمَذَاهِبِ بِلَا كُلْفَةٍ،وَسَافَرَ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ إلَى الْعِرَاقِ لِيَخْدُمَهُ وَلَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً،فَكَانَ يَبِيتُ عِنْدَهُ يَسْمَعُهُ يُكَرِّرُ مَسَائِلَ الْخِلَافِ فَيَحْفَظُ الْمَسْأَلَةَ،وَأَبُو الْبَقَاءِ شَيْخُهُ فِي النَّحْوِ وَالْفَرَائِضِ،وَأَبُو بَكْرِ بْنُ غُنَيْمَةَ شَيْخُهُ فِي الْفِقْهِ،وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ سِتَّةَ أَعْوَامٍ مُكِبًّا عَلَى الِاشْتِغَالِ،ثُمَّ ارْتَحَلَ إلَى بَغْدَادَ قَبْلَ الْعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ،فَتَزَيَّدَ مِنْ الْعِلْمِ وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ مَعَ الدِّينِ،وَالتَّقْوَى وَحُسْنِ الِاتِّبَاعِ .
وَتُوُفِّيَ بِحَرَّانَ يَوْمَ الْفِطْرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ .
وَإِنَّمَا قِيلَ لِجَدِّهِ : تَيْمِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ حَجَّ عَلَى دَرْبِ تَيْمَاءَ فَرَأَى هُنَاكَ طِفْلَةً،فَلَمَّا رَجَعَ وَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا فَقَالَ : يَا تَيْمِيَّةَ يَا تَيْمِيَّةَ فَلُقِّبَ بِذَلِكَ .(1/290)
وَقِيلَ : إنَّ أُمَّ جَدِّهِ كَانَتْ تُسَمَّى تَيْمِيَّةَ،وَكَانَتْ وَاعِظَةً،وَقَدْ يَلْتَبِسُ عَلَى مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ هَذَا بِحَفِيدِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَلِيمِ شَيْخِ ابْنِ الْقَيِّمِ الَّذِي لَهُ الْمَقَالَاتُ الَّتِي طَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِيهَا الْخِصَامُ،وَأُخْرِجَ مِنْ مِصْرَ بِسَبَبِهَا،وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ .
قَالَ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ : هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُفْتِي عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيِّ وَعَمُّ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ الذَّهَبِيُّ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ،تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ : هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيِّ الْمُلَقَّبُ فَخْرُ الدِّينِ الْخَطِيبُ الْوَاعِظُ الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ كَانَ فَاضِلًا تَفَرَّدَ فِي بَلَدِهِ بِالْعِلْمِ،ثُمَّ قَالَ : وَكَانَتْ إلَيْهِ الْخَطَابَةُ بِحَرَّانَ وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ جَارِيًا عَلَى سَدَادٍ،وَمَوْلِدُهُ فِي أَوَاخِرِ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَدِينَةِ حَرَّانَ،وَتُوُفِّيَ بِهَا فِي حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ،ثُمَّ قَالَ : وَكَانَ أَبُوهُ أَحَدَ الْأَبْدَالِ وَالزُّهَّادِ .اهـ
وهذا مثال من الكتاب :
كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَبْوَابُ الْمِيَاهِ
الشَّرْحُ
الْكِتَابُ مَصْدَرٌ يُقَالُ : كَتَبَ كِتَابًا وَكِتَابَةً،وَقَدْ اسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا يَجْمَعُ شَيْئًا مِنْ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ وَالضَّمِّ،وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى مَكْتُوبِ الْقَلَمِ حَقِيقَةً لِانْضِمَامِ بَعْضِ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ الْمَكْتُوبَةِ إلَى بَعْضٍ وَعَلَى الْمَعَانِي مَجَازًا،وَجَمْعُهُ كُتُبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اشْتِقَاقُ الْكِتَابَةِ مِنْ الْكُتُبِ وَاعْتَرَضَهُ أَبُو حَيَّانَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ،وَالطَّهَارَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرَ طَهُرَ اللَّازِمِ،فَتَكُونُ لِلْوَصْفِ الْقَائِمِ بِالْفَاعِلِ وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرَ طَهَّرَ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ لِلْأَثَرِ الْقَائِمِ بِالْمَفْعُولِ،وَأَنْ تَكُونَ اسْمَ مَصْدَرِ طَهَّرَ تَطْهِيرًا كَكَلَّمَ تَكْلِيمًا .
وَأَمَّا الطَّهُورُ فَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ : إنَّهُ بِالضَّمِّ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ،هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ .وَذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا،قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : وَحُكِيَ فِيهِمَا الضَّمُّ،وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ : النَّظَافَةُ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ الْأَقْذَارِ .
وَفِي الشَّرْعِ : صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُثْبِتُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ .(1/291)
وَلَمَّا كَانَتْ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ،افْتَتَحَ الْمُؤَلِّفُونَ بِهَا مُؤَلَّفَاتِهِمْ .
وَالْأَبْوَابُ : جَمْعُ بَابٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ لِمَا كَانَ حِسِّيًّا يُدْخَلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَمَجَازٌ لِعِنْوَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَنَاسِبَةِ .
وَالْمِيَاهُ جَمْعُ الْمَاءِ وَجَمْعُهُ مَعَ كَوْنِهِ جِنْسًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ
بَابُ طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْر وَغَيْرِهِ
1 - ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ،وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ،فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا،أَفَنَتَوَضَّأُ،بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ،الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ .وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) .
الشَّرْحُ
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا،وَابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى،وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا،وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ،وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ،وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَهُ لَأَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ،وَرَدَّهُ الْحَافِظُ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الِاسْتِيعَابَ،ثُمَّ حَكَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعَ ذَلِكَ بِصِحَّتِهِ لِتَلَقِّي الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ،فَرَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَقَبِلَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى،وَقَدْ حَكَمَ بِصِحَّةِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَا تَبْلُغُ دَرَجَةَ هَذَا وَلَا تُقَارِبُهُ .
وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَنْدَهْ وَالْبَغَوِيِّ وَقَالَ : هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ،وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ،وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ : هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ جَلِيلٌ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ،الَّذِي حَضَرَنَا مِنْهَا تِسْعٌ،ثُمَّ ذَكَرَهَا جَمِيعًا وَأَطَالَ الْكَلَامَ،وَسَيَأْتِي تَلْخِيصُهَا،وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِمَامِ جَمِيعَ وُجُوهِ التَّعْلِيلِ الَّتِي يُعَلَّلُ بِهَا الْحَدِيثُ .
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ : قُلْت : وَحَاصِلُهَا كَمَا قَالَ فِيهِ أَنَّهُ يُعَلَّلُ بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ثُمَّ سَرَدَهَا وَطَوَّلَ الْكَلَامَ فِيهَا .
وَمُلَخَّصُهَا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ : الْجَهَالَةُ فِي سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ،وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي إسْنَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ الْأَوَّلِ إلَّا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ،وَلَمْ يَرْوِ عَنْ الثَّانِي إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدٍ الْجُلَاحِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ ابْنُ كَثِيرٍ،رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ .
وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ الْقُرَشِيُّ وَحَمَّادٌ،كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ.(1/292)
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ التَّعْلِيلِ : الِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَجَابَ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ مِنْ بَنِي الْأَزْرَقِ،ثُمَّ قَالَ : فَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ الْجَهَالَةُ عَيْنًا وَحَالًا .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : التَّعْلِيلُ بِالْإِرْسَالِ ؛ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَرْسَلَهُ .
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ دُونَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،فَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : التَّعْلِيلُ بِالِاضْطِرَابِ وَأَجَابَ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ،وَقَدْ لَخَصَّ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ : وَمَدَارُهُ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ،قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ أَوْ الْمُغِيرَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا،وَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ سَعِيدٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ،فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ،إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ،وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ،وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ اسْمُهُ : عَبْدُ اللَّهِ،وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا،وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُدْلِجِيِّ هَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ،وَقَالَ : أَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ،وَالْمُغِيرَةُ مَعْرُوفٌ كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد،وَقَدْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ،وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ أَفْرِيقِيَّةَ بَعْدَ قَتْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ فَأَبَى قَالَ الْحَافِظُ : فَعُلِمَ مِنْ هَذَا غَلَطُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ .
وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ فَقَدْ تَابَعَ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْهُ الْجُلَاحُ بْنُ كَثِيرٍ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ .
وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ،وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ .(1/293)
قَالَ الْحَافِظُ : وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا يُخْشَى مِنْ التَّدْلِيسِ انْتَهَى،وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ ابْنَ جُرَيْجٍ وَأَبَا الزُّبَيْرِ وَهُمَا مُدَلِّسَانِ،قَالَ ابْنُ السَّكَنِ : حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ : " مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ " قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ،وَلَكِنْ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقْفَهُ،وَعَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَقَدْ أَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِالْإِرْسَالِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْفِرَاسِيِّ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَفِي إسْنَادِهِ الْمُثَنَّى الرَّاوِي لَهُ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
قَالَ الْحَافِظُ : وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالْأَوْزَاعِيِّ بَدَلَ الْمُثَنَّى وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ،وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ،وَهُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ : ضَعِيفٌ،وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقْفَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ .
وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ،وَفِي إسْنَادِهِ أَبَانُ بْنُ أَبِي ثَوْبَانَ،قَالَ : وَهُوَ مَتْرُوكٌ .
قَوْلُهُ : ( سَأَلَ رَجُلٌ ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ،وَكَذَا سَاقَهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ بِإِسْنَادِهِ،وَأَوْرَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِيمَنْ اسْمُهُ عَبْدٌ،وَتَبِعَهُ أَبُو مُوسَى الْحَافِظُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ فَقَالَ : عَبْدٌ أَبُو زَمْعَةَ الْبَلَوِيُّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ،قَالَ ابْنُ مَنِيعٍ : بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ عَبْدٌ،وَقِيلَ : اسْمُهُ عُبَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ،وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ : اسْمُهُ الْعَرَكِيُّ،وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ،وَإِنَّمَا الْعَرَكِيُّ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ .
قَوْلُهُ : ( هُوَ الطَّهُورُ ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ،وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،الْمُطَهِّرُ،وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ .
وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ،وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ،وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ جَاءَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لِلْمُطَهِّرِ،كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَاءً طَهُورًا } وَأَيْضًا السَّائِلُ إنَّمَا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ التَّطَهُّرِ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَا عَنْ طَهَارَتِهِ،وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ : { إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ } ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَأَلُوهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِهِ .(1/294)
قَالَ فِي الْإِمَامِ شَرْحِ الْإِلْمَامِ : فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يُجِبْهُمْ بِنَعَمْ حِينَ قَالُوا : ( أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ ) ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقَيَّدًا بِحَالِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ،وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْجَوَابِ بِنَعَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ فَقَطْ،وَلَا يُتَطَهَّرُ بِهِ لِبَقِيَّةِ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ،فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ شَكُّوا فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ قُلْنَا : يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : { لَا تَرْكَبْ الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا،ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطَهُّرُ بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ : { مَاءُ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ مِنْ وُضُوءٍ وَلَا جَنَابَةٍ،إنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ثُمَّ مَاءً ثُمَّ نَارًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ أَبْحُرٍ وَسَبْعَ أَنْيَارٍ }،وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطَهُّرُ بِهِ،وَلَا حُجَّةَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا سِيَّمَا إذَا عَارَضَتْ الْمَرْفُوعَ وَالْإِجْمَاعَ .
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَرْفُوعُ قَالَ أَبُو دَاوُد : رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ،وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : ضَعَّفُوا إسْنَادَهُ،وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ،وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الْبَزَّارِ،وَفِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ : فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنَ عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ،وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَتُهُ تَرُدُّهُ،وَكَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .
وَتَعْرِيفُ الطَّهُورِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَصْرِ لَا يَنْفِي طَهُورِيَّةَ غَيْرِهِ مِنْ الْمِيَاهِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ شَكَّ فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْحَصْرِ،وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ بِالسَّبَبِ وَلَا يُقْصَرُ الْخِطَابُ الْعَامُّ عَلَيْهِ،فَمَفْهُومُ الْحَصْرِ الْمُفِيدِ لِنَفْيِ الطَّهُورِيَّةِ عَنْ غَيْرِ مَائِهِ عُمُومٌ مُخَصَّصٌ بِالْمَنْطُوقَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْقَاضِيَةِ بِاتِّصَافِ غَيْرِهِ بِهَا .
قَوْلُهُ : ( الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ حَتَّى كَلْبِهِ وَخِنْزِيرِهِ وَثُعْبَانِهِ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ .
وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ عَلَى سُؤَالِ السَّائِلِ لِقَصْرِ الْفَائِدَةِ وَعَدَمُ لُزُومِ الِاقْتِصَارِ،وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ : بَابُ مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ،وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ : { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ ؟ .(1/295)
فَقَالَ : لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ،فَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ } فَكَأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَأَجَابَهُ عَنْهَا وَزَادَ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ،وَلَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْ السُّؤَالِ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ السَّفَرِ تَقْتَضِي ذَلِكَ .
قَالَ الْخَطَّابِيِّ : وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَعَلِمَ أَنَّ لِلسَّائِلِ حَاجَةً إلَى ذِكْرِ مَا يَتَّصِلُ بِمَسْأَلَتِهِ اُسْتُحِبَّ تَعْلِيمُهُ إيَّاهُ،وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَكَلُّفًا لِمَا لَا يَعْنِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطَّعَامَ وَهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ الْمَاءِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ قَدْ يَعُوزُهُمْ الزَّادُ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى .
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْجَوَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ،فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُطَابَقَةِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ،بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ .
وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ،قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ : إنَّهُ حَدِيثٌ عَظِيمٌ،أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الطَّهَارَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ وَقَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي : قَالَ الْحُمَيْدِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ .اهـ
قلت : قد حوى هذا الكتاب بشرحه كل أحاديث الأحكام
وهو مرتب على الأبواب الفقهية،مما يسهل الرجوع إليه
وبين الشوكاني منهجه في الشرح بشكل مفصل وخلاصته :
تخريج الحديث،والحكم عليه جرحا وتعديلاً ،وذكر شواهد الحديث ،وبيان أقوال الفقهاء في فقه الحديث،ومناقشة أقوالهم بشكل مفصل،والترجيح بينها،وذكر كثير من القواعد الفقهية أو الأصولية،فهو شرح نادر وممتاز
وله طبعات عديدة،ولكنه لم يخدم إلى الآن الخدمة اللائقة به .
ـــــــــــــــ
4- طرح التثريب للعراقي
قال في مقدمة كتابه :: فَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَ لِابْنِي أَبِي زُرْعَةَ مُخْتَصَرًا فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ،يَكُونُ مُتَّصِلَ الْأَسَانِيدِ بِالْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ فَإِنَّهُ يَقْبُحُ بِطَالِبِ الْحَدِيثِ بَلْ بِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَحْفَظَ بِإِسْنَادِهِ عِدَّةً مِنْ الْأَخْبَارِ،وَيَسْتَغْنِيَ بِهَا عَنْ حَمْلِ الْأَسْفَارِ فِي الْأَسْفَارِ،وَعَنْ مُرَاجَعَةِ الْأُصُولِ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ وَالِاسْتِحْضَارِ،وَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الْحَرَجِ بِنَقْلِ مَا لَيْسَتْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ،فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الدِّرَايَةِ،وَلَمَّا رَأَيْت صُعُوبَةَ حِفْظِ الْأَسَانِيدِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِطُولِهَا،وَكَانَ قَصْرُ أَسَانِيدِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَسِيلَةً لِتَسْهِيلِهَا،رَأَيْت أَنْ أَجْمَعَ أَحَادِيثَ عَدِيدَةً فِي تَرَاجِمَ مَحْصُورَةٍ .(1/296)
وَتَكُونَ تِلْكَ التَّرَاجِمُ فِيمَا عُدَّ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ مَذْكُورَةً،إمَّا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مَنْ عَمَّمَهُ،أَوْ مُقَيَّدًا بِصَحَابِيِّ تِلْكَ التَّرْجَمَةِ،وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ هُوَ لِمَنْ ذُكِرَ الْإِسْنَادُ إلَيْهِ مِنْ الْمُوَطَّإِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمْ أَعْزُهُ لِأَحَدٍ،وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ كَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ،وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا اقْتَصَرْت عَلَى عَزْوِهِ إلَيْهِ،وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ عَزَوْته إلَى مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ،فَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ عَزَوْت الْحَدِيثَ إلَيْهِ زِيَادَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُكْمٍ ذَكَرْتهَا،وَكَذَلِكَ أَذْكُرُ زِيَادَاتٍ أُخَرَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ،فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَدِيثِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ لَمْ أَذْكُرْهُ،بَلْ أَقُولُ : وَلِأَبِي دَاوُد أَوْ غَيْرِهِ كَذَا .
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ قُلْت : وَلِفُلَانٍ مِنْ حَدِيثِ فُلَانٍ كَذَا،وَإِذَا اجْتَمَعَ حَدِيثَانِ فَأَكْثَرُ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ أَذْكُرْهَا فِي الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ،بَلْ أَكْتَفِي بِقَوْلِي : وَعَنْهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ اشْتِبَاهٌ،وَحَيْثُ عَزَوْت الْحَدِيثَ لِمَنْ خَرَّجَهُ،فَإِنَّمَا أُرِيدُ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا ذَلِكَ اللَّفْظَ،عَلَى قَاعِدَةِ الْمُسْتَخْرَجَاتِ،فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ إلَّا فِي الْكِتَابِ الَّذِي رَوَيْته مِنْهُ عَزَوْته إلَيْهِ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ فِيهِ،لِئَلَّا يَلْبَسَ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ،فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ...ثم ذكر أسانيده إليهم،ثم قال :وَلَمْ أُرَتِّبْهُ عَلَى التَّرَاجِمِ بَلْ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ لِقُرْبِ تَنَاوُلِهِ،وَأَتَيْت فِي آخِرِهِ بِجُمْلَةٍ مِنْ الْأَدَبِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَمَّيْتُهُ ( تَقْرِيبَ الْأَسَانِيدِ وَتَرْتِيبَ الْمَسَانِيدِ ) وَاَللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ حَفِظَهُ أَوْ سَمِعَهُ أَوْ نَظَرَ فِيهِ،وَأَنْ يُبَلِّغَنَا مِنْ مَزِيدِ فَضْلِهِ مَا نُؤَمِّلُهُ وَنَرْتَجِيهِ .
إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ وَرَأَيْت الِابْتِدَاءَ بِحَدِيثِ النِّيَّةِ مُسْنَدًا بِسَنَدٍ آخَرَ،لِكَوْنِهِ لَا يَشْتَرِكُ مَعَ تَرْجَمَةِ أَحَادِيثِ عُمَرَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِحَدِيثِ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } .(1/297)
وقال :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَيَّنَ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ السُّنِّيَّةِ،وَزَيَّنَ أَعْلَامَ الْجُلَّةِ السُّنِّيَّةِ،وَبَصَّرَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ،وَنَصَرَهُمْ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ الْأَشْرَارِ الْحَشْوِيَّةِ،أَشْكُرُهُ عَلَى أَيَادٍ حَارِيَةٍ وَحَفِيَّةٍ،وَأَسْتَغْفِرُهُ لِمَسَاوِئَ بَادِيَةٍ وَخَفِيَّةٍ،وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُتَوَحِّدُ بِالْبَقَاءِ فِي الْأَزَلِيَّةِ،الْمُنْفَرِدُ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَبْرِيَّةِ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي دَعَانَا إلَى الْمِلَّةِ الزَّهْرَاءِ الْحَنِيفِيَّةِ،وَتَرَكَنَا عَلَى مَحَجَّةٍ بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْمَقَادِرِ الْعَلِيَّةِ،وَالْمَآثِرِ الْجَلِيَّةِ .
( وَبَعْدُ ) فَلَمَّا أَكْمَلْت كِتَابِي الْمُسَمَّى بِتَقْرِيبِ الْأَسَانِيدِ وَتَرْتِيبِ الْمَسَانِيدِ وَحَفِظَهُ ابْنِي أَبُو زُرْعَةَ الْمُؤَلَّفُ لَهُ وَطَلَبَ حَمْلَهُ عَنِّي جَمَاعَةٌ مِنْ الطَّلَبَةِ الْحَمَلَةِ،سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابَةِ شَرْحٍ لَهُ يُسَهِّلُ مَا عَسَاهُ يَصْعُبُ عَلَى مَوْضُوعِ الْكِتَابِ،وَيَكُونُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْإِيجَازِ وَالْإِسْهَابِ،فَتَعَلَّلْتُ بِقُصُورٍ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ عَنْ ذَلِكَ،وَبِقِلَّةِ الْكُتُبِ الْمُعِينَةِ عَلَى مَا هُنَالِكَ،ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الْمُسَارَعَةَ إلَى الْخَيْرِ أَوْلَى وَأَجَلُّ،وَتَلَوْت { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ }،وَلِمَا ذَكَرْته مِنْ قِصَرِ الزَّمَانِ وَقِلَّةِ الْأَعْوَانِ،سَمَّيْته طَرْحَ التَّثْرِيبِ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ،فَلْيَبْسُطْ النَّاظِرُ فِيهِ عُذْرًا وَلِيَقْتَنِصْ عَرُوسَ فَوَائِدِهِ عُذْرًا،وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي إكْمَالِهِ وَإِتْمَامِهِ وَحُصُولِ النَّفْعِ بِهِ وَدَوَامِهِ،إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ .وَرَأَيْت أَنْ أُقَدِّمَ قَبْلَ شَرْحِ مَقْصُودِ الْكِتَابِ مُقَدِّمَةً فِي تَرَاجِمِ رِجَالِ إسْنَادِهِ،وَرَأَيْت أَنْ أَضُمَّ إلَيْهِمْ مَنْ ذُكِرَ اسْمُهُ فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابِ لِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ كَلَامٍ عَلَيْهِ،أَوْ لِذِكْرِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِعُمُومِ الْفَائِدَةِ بِذَلِكَ ... ثم ذكر تراجم الصحابة وغيرهم بشكل مختصر
ثم ذكر حديث الأعمال بالنيات،وفصل في شرحه بشكل منقطع النظير،وذكر فيه ثلاثة وستين فائدة
آخرها ( الثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ ) اسْتَثْنَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا إذَا غَابَ عَنْ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا مُدَّةً طَوِيلَةً،وَمَاتَ وَلَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ يَوْمِ مَوْتِهِ لَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْهَا وَفَاتُهُ فَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا،وَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ،وَالْمَالِكِيَّةُ،وَالشَّافِعِيَّةُ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْعِدَّةَ جُعِلَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ،وَقَدْ حَصَلَتْ،وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ،وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْحَامِلَ الَّتِي لَمْ تَعْلَمْ بِوَفَاةِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(1/298)
ثم ذكر الحديث الثاني عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي،ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ } .
الشَّرْحُ
( بَابُ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ،وَمَا لَا يُفْسِدُهُ ) ( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي،ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ } فِيهِ فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ وَعَجْلَانُ،وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ،وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَجْلَانَ خَمْسَتُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
( الثَّانِيَةُ ) فِي اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ فَفِي بَعْضِهَا،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ { لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ }،وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ وَفِي رِوَايَةٍ { وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْهُ،وَفِي رِوَايَةٍ : الدَّائِمُ أَوْ الرَّاكِدُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الرَّاكِدُ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ النَّاقِعُ وَلَا تَعَارُضَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ،وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَى الْوُضُوءِ،وَالْغُسْلِ،وَالشُّرْبِ فَقَدْ صَحَّ الْكُلُّ وَمَحْمَلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ فَأَدَّى بَعْضُهُمْ وَاحِدًا وَأَدَّى بَعْضُهُمْ اثْنَيْنِ عَلَى مَا حَفِظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ .
وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْكَرِيمِ : هَذَا الِاخْتِلَافُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ،وَالْوُضُوءَ مِمَّا يُمْكِنُ السُّؤَالُ عَنْهُ،وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمَعْنَى،وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدِيثًا وَاحِدًا لَكَانَ مُخْتَلِفَ اللَّفْظِ،وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ انْتَهَى،وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ .
( الثَّالِثَةُ ) الدَّائِمُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ دَامَ بِالْمَكَانِ أَيْ أَقَامَ بِهِ،وَهُوَ الرَّاكِدُ،وَالنَّاقِعُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ( الَّذِي لَا يَجْرِي ) هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيضَاحِ،وَالْبَيَانِ أَمْ لَهُ مَعْنًى آخَرُ ؟ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ،ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ لَا يَجْرِي بَعْضُهُ كَالْبِرَكِ وَنَحْوِهَا هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَعَلَّهُ عَنْ رَاكِدٍ يَجْرِي بَعْضُهُ أَيْ فَلَيْسَ بِمَحَلِّ النَّهْيِ،فَأَمَّا الرَّاكِدُ الَّذِي لَا يَجْرِي بَعْضُهُ،فَإِنَّهُ لَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الرَّاكِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
((1/299)
الرَّابِعَةُ ) وَقَوْلُهُ : ( ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ ضَمُّ اللَّامِ أَيْ،ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَا يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْأَمَةِ،ثُمَّ يُضَاجِعُهَا،فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْعَيْنَ } .
قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ : وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِالْجَزْمِ وَلَا تَخَيَّلَهُ فِيهِ أَيْ قَوْلِهِ،ثُمَّ يُضَاجِعُهَا .
وَأَمَّا يَغْتَسِلُ فَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا جَزْمُهُ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ يَبُولَنَّ وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ " أَنْ " وَإِعْطَاءِ " ثُمَّ " حُكْمَ وَاوِ الْجَمْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ : فَأَمَّا الْجَزْمُ فَظَاهِرٌ،وَأَمَّا النَّصْبُ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا دُونَ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا .
قَالَ : وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ بَلْ الْبَوْلُ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ : إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ امْتِنَاعَ النَّصْبِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِمُفْرَدِهِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنْ الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : لَا يَجُوزُ النَّصْبُ إذْ لَا يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ ثُمَّ،وَقَالَ أَيْضًا : إنَّ الْجَزْمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ : ثُمَّ لَا يَغْتَسِلْنَ ؛ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ يَكُونُ عَطْفَ فِعْلٍ عَلَى فِعْلٍ لَا عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ .
وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَصْلُ مُسَاوَاةَ الْفِعْلَيْنِ فِي النَّهْيِ عَنْهُمَا وَتَأْكِيدُهُمَا بِالنُّونِ الشَّدِيدَةِ،فَإِنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ،وَهُوَ الْمَاءُ فَعُدُولُهُ عَنْ،ثُمَّ لَا يَغْتَسِلْنَ إلَى،ثُمَّ يَغْتَسِلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِلْعَطْفِ،وَإِنَّمَا جَاءَ ثُمَّ يَغْتَسِلُ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَآلِ الْحَالِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَال فِيهِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ لِمَا أَوْقَعَ فِيهِ مِنْ الْبَوْلِ .
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ نَحْوَ ذَلِكَ فِي تَضْعِيفِ الْجَزْمِ أَيْضًا ( قُلْت ) لَا يَلْزَمُ فِي عَطْفِ النَّهْيِ عَلَى النَّهْيِ وُرُودُ التَّأْكِيدِ فِيهِمَا مَعًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَأَتَى بِأَدَاةِ النَّهْيِ وَلَمْ يُؤَكِّدْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْخَامِسَةُ ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ،ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ بِالْمِيمِ،وَالنُّونِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ،ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ بِالْفَاءِ،وَالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ يُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمًا بِطَرِيقِ النَّصِّ وَآخَرُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ،وَلَوْ لَمْ يَرِدْ لَاسْتَوَيَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
((1/300)
السَّادِسَةُ ) إذَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ : ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ نَهْيًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ شَيْئَيْنِ،وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْجَمْعِ،وَقَدْ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْجَمِيعِ فَالْأَوَّلُ لَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَحْدَهُ،وَالثَّانِي يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد { لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ } .
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ بِمُفْرَدِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ،وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا } .
( السَّابِعَةُ ) احْتَجَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ،وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ،فَإِنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ عُمُومٍ وَأَجَابَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الدَّائِمَ الْكَثِيرَ الْمُسْتَبْحِرَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ اتِّفَاقًا مِنَّا وَمِنْكُمْ،وَإِذَا بَطَلَ عُمُومُهُ وَتَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ خَصَّصْنَاهُ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَيُحْمَلُ عُمُومُهُ عَلَى مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ،فَإِنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَنْجِيسِ الْقُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا،وَذَلِكَ أَخَصُّ مِنْ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْعَامِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ،وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ .
( الثَّامِنَةُ ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ،وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ إلَّا إذَا غَيَّرَتْهُ،فَإِنَّهُ يَنْجُسُ إجْمَاعًا،فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ إخْرَاجُهُ عَنْ الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ وَلَا عَنْ الِاغْتِسَالِ مِنْهُ،وَهُوَ مَفْهُومُ صِفَةٍ،وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْأُصُولِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وَخَصَّصَ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَفْهُومَ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ،فَإِنَّ مَفْهُومَهُ تَأْثِيرُ النَّجَاسَةِ فِيمَا دُونَهَا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( التَّاسِعَةُ ) احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ بَوْلَ الْآدَمِيِّ،وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْعَذِرَةِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الرَّاكِدَ،وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ،وَإِنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ يَعْتَبِرُ فِيهِ الْقُلَّتَيْنِ فَلَمْ نُعِدْ حُكْمَ الْبَوْلِ،وَالْعَذِرَةِ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ،وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ عَنْ أَحْمَدَ تَقْيِيدُ الْعَذِرَةِ بِالْمَائِعَةِ،وَكَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عِنْدَهُ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ دُونَ الْجَامِدَةِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي الْمَاءِ .(1/301)
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَكَأَنَّهُ رَأَى الْخُبْثَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَنْجَاسِ،وَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَقَدَّمَ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّجَاسَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَأَخْرَجَ بَوْلَ الْآدَمِيِّ،وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّجَاسَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِخُصُوصِهِ فَتُنَجِّسُ الْمَاءَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ،ثُمَّ قَالَ : وَلِمُخَالِفِهِمْ أَنْ يَقُولَ قَدْ عَلِمْنَا جَزْمًا أَنَّ هَذَا النَّهْيَ جَزْمًا إنَّمَا هُوَ لِمَعْنَى النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا خَالَطَهَا .
وَهَذَا الْمَعْنَى يَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَنْجَاسِ فَلَا يُتَّجَهُ تَخْصِيصُ بَوْلِ الْآدَمِيِّ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى إلَى أَنْ قَالَ : فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْبَوْلِ وَرَدَ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ،وَالْوُقُوفِ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّاهِرِ هَهُنَا مَعَ وُضُوحِ الْمَعْنَى وَشُمُولِهِ لِسَائِرِ الْأَنْجَاسِ ظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ .
( الْعَاشِرَةُ ) حَمَلَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى النَّهْيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ : { خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } الْحَدِيثَ .
وَلَكِنْ رُبَّمَا تَغَيَّرَ الرَّاكِدُ بِالْبَوْلِ فِيهِ فَيَكُونُ الِاغْتِسَالُ بِهِ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ .
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَهَذَا يَلْتَفِتُ عَلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ،وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ قَالَ،وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا : إنَّ حَالَةَ التَّغَيُّرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ قَالَ،وَهَذَا مُتَّجَهٌ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ،فَإِنْ جَعَلْنَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَاهَةِ،وَالتَّحْرِيمِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ،وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَنْعِهِ انْتَهَى وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ طَهُورٌ،فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى تَغَيُّرِهِ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ .
((1/302)
الْحَادِيَةَ عَشَرَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ،وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ رِوَايَةٌ عَنْهُ،فَإِنَّهُ قَرَنَ فِيهِ بَيْنَ الْبَوْلِ فِيهِ،وَالِاغْتِسَالِ مِنْهُ،وَالْبَوْلُ يُنَجِّسُهُ فَكَذَلِكَ الِاغْتِسَالُ،وَرَدَّهُ الْجُمْهُورُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ ضَعِيفَةٌ قَالَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ وَالْمُزَنِيِّ وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ،وَالْأُصُولِيِّينَ وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا قَوْله تَعَالَى { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اقْتِرَانِ الْأَكْلِ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وُجُوبُ الْأَكْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا وَلَوْ سَلَّمْنَا دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهِ بَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَتَطَهَّرُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا كَوْنُ الِامْتِنَاعِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ لَازِمٍ بَلْ الْأَوَّلُ لِتَنَجُّسِهِ بِهِ،وَالثَّانِي لِاسْتِعْمَالِهِ وَهَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّ نَهْيَهُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُبُهُ حُكْمَهُ كَالْبَوْلِ فِيهِ يَسْلُبُهُ حُكْمَهُ إلَّا أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ لَا يُنَجِّسُهُ،وَالْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ لِنَجَاسَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّانِيَةَ عَشَرَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ،وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ مَسْلُوبُ الطَّهُورِيَّةِ فَلَا يَتَطَهَّرُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى،وَلَوْلَا أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يَغْتَسِلُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى لَمَا نَهَى عَنْهُ،وَهَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يُجْعَلُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ،ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَجْزُومٌ عَلَى النَّهْيِ،فَإِنْ قِيلَ : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ نَهْيًا،فَإِنَّمَا النَّهْيُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْبَوْلِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ بَوْلٍ قُلْنَا أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَنَعَمْ .
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد { وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ } فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةُ { لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ،وَهُوَ جُنُبٌ } وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّالِثَةَ عَشَرَ ) النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ اتِّفَاقًا،فَإِنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَبْحِرَ الْكَثِيرَ كَالْبَحْرِ الْمِلْحِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ اتِّفَاقًا،وَكَذَلِكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْقُلَّتَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ .
وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ فِيهِ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الرَّاكِدِ وَكَثِيرُهُ أَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ،وَكَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ قَالَ،وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لَا التَّحْرِيمِ .
((1/303)
الرَّابِعَةَ عَشَرَ ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَوْلَ أَوْ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِسَبَبِ قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ : النَّهْيُ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ مَرْدُودٌ إلَى الْأُصُولِ،فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّهِ،وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَالنَّهْيُ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ،وَهَذَا النَّهْيُ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ لِلتَّحْرِيمِ وَفِي بَعْضِهَا لِلْكَرَاهَةِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ،فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَارِيًا لَمْ يَحْرُمْ الْبَوْلُ فِيهِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ .
وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَارِيًا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ،وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُهُ وَتَنَجُّسُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ،وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا رَاكِدًا فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ وَلَا يُحَرَّمُ،وَلَوْ قِيلَ يُحَرَّمُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا،فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ،وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ .
وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدِّرُهُ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَغَيُّرِهِ أَوْ إلَى تَنْجِيسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْغَدِيرَ الَّذِي يَتَحَرَّكُ طَرَفُهُ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهِ .
وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ فَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ،وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَائِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : وَإِذَا اغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا،وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا،وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ،فَإِنْ انْغَمَسَ فِيهِ الْجُنُبُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ،ثُمَّ لَمَّا صَارَ تَحْتَ الْمَاءِ نَوَى ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا،وَإِنْ نَزَلَ فِيهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ مَثَلًا،ثُمَّ نَوَى قَبْلَ انْغِمَاسِ بَاقِيهِ صَارَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُنْغَمِسِ بِلَا خِلَافٍ وَارْتَفَعَتْ أَيْضًا عَنْ الْبَاقِي إذَا تَمَّمَ انْغِمَاسَهُ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ فَلَوْ انْفَصَلَ،ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ .(1/304)
وَقَوْلُهُ فِي الْجَارِي الْقَلِيلِ : إنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فَمَا نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بَلْ الْقَلِيلُ الرَّاكِدُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا .
( الْخَامِسَةَ عَشَرَ ) فَرَّقَ قَوْمٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْبَوْلِ،وَالِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ بَيْنَ اللَّيْلِ،وَالنَّهَارِ وَجَعَلُوا الْكَرَاهَةَ فِي اللَّيْلِ أَشَدَّ،وَذَلِكَ لِمَا قِيلَ أَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ لِلْجِنِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَالَ فِيهِ وَلَا يُغْتَسَلَ خَوْفًا مِنْ آفَةٍ تُصِيبُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ بِكَرَاهَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْجَارِي فِي اللَّيْلِ لِمَا قِيلَ : إنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ لِلْجِنِّ،وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ إطْلَاقِ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( السَّادِسَةَ عَشَرَ ) مَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْجَارِي لَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ سَوَاءٌ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِالْكَرَاهَةِ فَقَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا،وَكَذَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبُوَيْطِيِّ : أَكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ مَعِينَةً كَانَتْ أَوْ دَائِمَةً وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي انْتَهَى .
وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَخَذَ كَرَاهَةَ الِاغْتِسَالِ فِي الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِي نَصِّهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْ الْجَارِيَ،وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبِئْرَ الْمُعِينَةَ،وَالدَّائِمَةَ فَالْمُعِينَةُ هِيَ الَّتِي تَمُدُّهَا عَيْنٌ فِيهَا،وَالدَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَمُدُّهَا عَيْنٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِلْجَارِيَةِ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَارِيَ لَا بَأْسَ بِالِاغْتِسَالِ فِيهِ خُصُوصًا إنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِيرَةً فَلَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( السَّابِعَةَ عَشَرَ ) هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الِاسْتِنْجَاءُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِهِ أَوْ لَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ فِي حُكْمِ الْبَوْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ : إنْ كَانَ قَلِيلًا فَهُوَ حَرَامٌ،وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ قَالَ : وَلَوْ اجْتَنَبَ الْإِنْسَانُ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ " .
فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْبَوْلِ فَوَاضِحٌ،وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ فَفِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ نَظَرٌ خُصُوصًا لِمَنْ لَمْ يُخَفِّفْهُ بِالْحَجَرِ وَمَعَ الِانْتِشَارِ،وَالْكَثْرَةِ فَرُبَّمَا كَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْبَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
((1/305)
الثَّامِنَةَ عَشَرَ ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَبْحِرَ الْكَثِيرَ جِدًّا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ،وَالِاتِّفَاقُ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَ صُورَةَ التَّغَيُّرِ بِالنَّجَاسَةِ أَعْنِي عَنْ الْحُكْمِ بِالْكَرَاهَةِ،فَإِنَّ الْحُكْمَ ثُمَّ التَّحْرِيمَ .
فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْكُلِّ .
( التَّاسِعَةَ عَشَرَ ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : وَلَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا رَجُلٌ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ يُقَالُ لَهُ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ : مَنْ بَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا قَالَ : فَإِنْ بَالَ فِي إنَاءٍ وَصَبَّهُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ كَانَ لَهُ الْوُضُوءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ فَقَطْ بِزَعْمِهِ،وَصَبُّهُ لِلْبَوْلِ مِنْ الْإِنَاءِ لَيْسَ بِبَوْلٍ فِيهِ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ .
فَلَوْ بَالَ خَارِجًا عَنْ الْمَاءِ الدَّائِمِ فَسَالَ فِيهِ جَازَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ قَالَ : وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْبَائِلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِيمَا بَالَ فِيهِ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا نَهَى الْبَائِلَ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ وَقَالَ مَا هُوَ أَشْنَعَ مِنْ هَذَا إنَّهُ إذَا تَغَوَّطَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ كَانَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ فَقَطْ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الْغَائِطِ قَالَ : وَهَذَا غَايَةٌ فِي السُّقُوطِ وَإِبْطَالِ الْمَعْقُولِ إلَى أَنْ قَالَ وَيُقَالُ لَهُ خَبِّرْنَا عَنْ الْبَائِلِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ الْغَدِيرِ الْوَاسِعِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ ؟ فَإِنْ قَالَ لَا قَالَ مَا نَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلَافِهِ،وَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ قَدْ تَرَكْت ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَفِي ضَرُورَتِك إلَى تَرْكِ ظَاهِرِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ : إنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ وَتَأْدِيبِهِمْ بِأَنْ يَتَنَزَّهُوا عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجْرِي فَيَحْتَاجُونَ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ .(1/306)
وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ دَاوُد قَالَهُ أَيْضًا ابْنُ حَزْمٍ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقِلَّ الْمَاءُ أَوْ يَكْثُرَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ : وَمَنْ الْتَزَمَ هَذِهِ الْفَضَائِحَ وَجَمَدَ هَذَا الْجُمُودَ فَحَقِيقٌ أَنْ لَا يُعَدَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ وَلَا فِي الْوُجُودِ قَالَ : وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ حَيْثُ قَالَ : إنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ لَيْسُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ وَعَلَى هَذَا جُلُّ الْفُقَهَاءِ،وَالْأُصُولِيِّينَ وَمَنْ اعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ إنَّمَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ خِلَافَ الْعَوَامّ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ وُجُودِ خِلَافِهِمْ .
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا خِلَافُ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ،وَالِاجْتِهَادِ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الْأُصُولِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّ هَذَا مِنْ أَقْبَحِ مَا نُقِلَ عَنْ دَاوُد فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : إنَّهُ يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ قَطْعًا،وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ حَاصِلٌ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ لِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِي الْحُصُولِ فِي الْمَاءِ،وَأَنَّ الْمَقْصُودَ اجْتِنَابُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْمَاءِ .
قَالَ : وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَحَالِّ الظُّنُونِ بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ .اهـ
قلت : وهو شرح نفيس لم ينسج على منواله ، ولكن الكتاب لم يخدم الخدمة العلمية اللائقة به .
ـــــــــــــــ
خامسا - كتب التخريج
1-"نصب الراية لأحاديث الهداية"
هو من أشهر ما وصلنا من كتب التخاريج الحديثية،وقد صنفه الحافظ جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي الحنفي المتوفى سنة اثنين وستين وسبعمائة للهجرة،وهو كتاب خرج فيه مؤلفه الأحاديث التي استشهد بها العلامة علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة للهجرة،في كتابه "الهداية في الفقه الحنفي".
وهو من أجود كتب التخريج،إن لم يكن أجودها،وأنفعها،وأشملها ذكرًا لطرق الحديث،وبيان مواضعه في كتب السنة الكثيرة،مع ذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل في رجال إسناد الحديث بشكل شافٍ وافٍ لم يسبق إليه فيما أعلم.
وقد استمد من طريقته ومعلوماته هذه من جاء بعده من أصحاب كتب التخاريج لاسيما الحافظ ابن حجر العسقلاني،وهذا الكتاب يدلُّ على تبحر الزيلعي في الحديث وعلومه،وسعة اطلاعه على مصادره الكثيرة،وقدرته على استخراج ما فيها،قال العلامة السيد محمد بن جعفر الكتاني في "الرسالة المستطرفة" عن هذا الكتاب: وهو تخريج نافع جدًا،به استمد من جاء بعده من شراح الهداية،بل منه استمد كثيرًا الحافظ ابن حجر في تخاريجه،وهو شاهد على تبحره في فنِّ الحديث وأسماء الرجال وسعة نظره في فروع الحديث إلى الكمال،وطريقة تخريجه في هذا الكتاب أنه يذكر نصَّ الحديث الذي أورده صاحب كتاب الهداية،ثم يذكر من أخرجه من أصحاب كتب الحديث وغيرها مستقصيًا طرقه ومواضعه،ثم يذكر الأحاديث التي تدعم وتشهد لمعنى الحديث الذي ذكره صاحب الهداية،ويذكر من أخرجه أيضًا،ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الباب،ثم إن كانت المسألة خلافية يذكر الأحاديث التي استشهد بها العلماء والأئمة المخالفون لما ذهب إليه الأحناف،ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الخصوم،ويذكر من أخرجها أيضًا،يفعل كل ذلك بمنتهى النزاهة وكمال الإنصاف من غير أن يميل به عن الحق تعصب مذهبي أو سواه
وله طبعات عديدة ومنها طبعات عليها بعض التعليقات الهامة،وهذا مثال منه :
نصب الراية - (ج 1 / ص 37)
فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ(1/307)
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الْحَدَثُ؟ فَقَالَ: "مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ"
قُلْت: غَرِيبٌ،وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ رَشِيقٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُظَفَّرٍ،قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَزَّارُ - بِمِصْرَ - ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّجْلَاجِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي رَوْحٍ ثَنَا سَوَادَةُ ين عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ"،انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَحْمَدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ ضَعِيفٌ،انْتَهَى. لَيْسَ فِي هَذَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ،فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْمُعْتَادِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَاءَ،فَلَمْ يَتَوَضَّأْ،قُلْتُ: غَرِيبٌ جِدًّا(1).
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ" . قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ،وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:
أَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ،فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ(2)فِي سُنَنِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدَ الْعَزِيزِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ"،انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ وَلَا رَآهُ،وَالْيَزِيدَانِ مَجْهُولَانِ،انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ،عَنْ بَقِيَّةَ ثَنَا شعبة عن عمر بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ" انْتَهَى،قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ هَذَا،وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ،وَلَكِنَّهُ يُكْتَبُ،فَإِنَّ النَّاسَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ احْتَمَلُوا حَدِيثَهُ،انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ
__________
(1) - وفي الدراية: ص 11 لم أجده. ،قلت : كل حديث يقول عنه : غريب بهذا اللفظ أو غريب جدا ،فلا أصل له ،كما نبه عليه العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في مقدمة تعليقه على المصنوع من الحديث الموضوع للقاري
(2) - ص 57.(1/308)
كَتَبْنَا عَنْهُ،وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا الصِّدْقُ(1)انْتَهَى.
__________
(1) - لعله هو الذي ذكره الخطيب في تاريخه ص 345 - ج 4،وقال: وكان ثقة مأموناً عالماً بالعربية واللغة،عالماً بالقرآن،قلت هذا،ثم ظهر أنه من رجال الميزان،ترجمته في اللسان ص 245،قال مسلمة: ثقة مشهورة،ذكره ابن حبان في الثقات،وقال: يخطئ،قال ابن عدي: وأبو عتبة مع ضعفه احتمله الناس ورووا عنه،وقال الحاكم: أبو أحمد قدم العراق فكتبوا عنه،وأهلها حسن الرأي فيه،لكن محمد بن عوف كان يتكلم فيه،ورأيت ابن جوصا يضعف أمره،ونقل الخطيب عن ابن عوف أنه كذبه،قلت: ووثقه الحاكم،وروى عنه النسائي خارج السنن،قال الحافظ: قلت هو وسط.(1/309)
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَاءَ،أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ،وَأَعَادَهُ فِي بَاب الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ(1)فِي سُنَنِهِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابن جريح عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ،أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ،ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ،وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ"(2)انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ،وَلَفْظُهُ: قَالَ: "إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ،ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ"،انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ(3): الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلًا،انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً،وَمَرَّةً قَالَ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ،وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ،قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ فَقَطْ،وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ فَلَا يَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ: إمَّا مَوْقُوفٌ فَيَرْفَعُهُ،أَوْ مَقْطُوعٌ فَيُوَصِّلُهُ،أَوْ مُرْسَلٌ فَيُسْنِدُهُ،أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ،انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: وَإِنَّمَا وُثِّقَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ فِي الشَّامِيِّينَ(4)دُونَ غَيْرِهِمْ،لِأَنَّهُ كَانَ شَامِيًّا،وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ في كيفية الأخذ في التَّشَدُّدِ وَالتَّسَاهُلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،وَالشَّخْصُ أَعْرَفُ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ بَلَدِهِ،فَلِذَلِكَ(5)يُوجَدُ فِي أَحَادِيثِهِ عَنْ الْغُرَبَاءِ مِنْ النَّكَارَةِ،فَمَا وَجَدُوهُ مِنْ الشَّامِيِّينَ احْتَجُّوا بِهِ،وَمَا كان من الحجاويين. وَالْكُوفِيِّينَ،وَغَيْرِهِمْ تَرَكُوهُ،انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ،وَحَكَى كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ،ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ" الْحَدِيثُ،إنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ،وَلَمْ يُسْنِدْهُ لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ،وَإِسْمَاعِيلُ بْنِ عَيَّاشٍ،مَا رَوَاهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ،
__________
(1) - ابن ماجه في باب ما جاء في البناء على الصلاة.
(2) - وفي نسخة: ما لم يتكلم.
(3) - ص 56،وقال ابن أبي حاتم في العلل: ص 179،قال أبو زرعة: هذا خطأ،الصحيح عن ابن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً اهـ.
(4) - وهذا منها،فإنه عن ابن جريج،وقال فيه: عن ابن أبي مليكة عنها دراية.
(5) - في نسخة: كذلك.(1/310)
فَصَحِيحٌ،وَمَا رَوَاهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ،انْتَهَى كَلَامُ أَحْمَدَ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلًا،وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ،وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. وَغَيْرُهُمْ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ،وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً هَكَذَا مُرْسَلًا،كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ،ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الشَّافِعِيِّ،قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ثَابِتَةً عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَإِنْ صَحَّتْ فَيُحْمَلُ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ لَا عَلَى وُضُوءِ الصَّلَاةِ،انْتَهَى. وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ،إذْ لَوْ حُمِلَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ فَقَطْ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالِانْصِرَافِ،ثُمَّ بِالْغَسْلِ،وَلَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ،بَلْ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ،وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ،فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ،وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ،وَالْمُرْسَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حُجَّةٌ،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ،فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ رَعَفَ(1)وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ،أَوْ أَحْدَثَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ،ثُمَّ ليجيء فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى" انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ،قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ،وَقَالَ السَّعْدِيُّ(2): كَذَّابٌ،وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ،وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَجَّاجٍ هَذَا مَنْ هُوَ؟ فَإِنِّي رَأَيْت فِي حَاشِيَةٍ: أَنَّ حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَلْقَهُ.
__________
(1) - في الدارقطني: ص 57 ذكر الرعاف فقط.
(2) - السعدي: هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي المروزي.(1/311)
أَحَادِيثُ الْبَابِ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ،أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا،إنَّمَا ذلك عرق،وليست بِالْحَيْضَةِ،فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ،وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ" . قَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبِي: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ،انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ(1)الْخَصْمُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولكن الراوي علقه(2)إذ لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ لَقَالَ،ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ،فَلَمَّا قَالَ: تَوَضَّئِي شَاكَلَ مَا قَبْلَهُ فِي اللَّفْظِ،وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ،وَلَفْظُهُ: وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ،وَصَحَّحَهُ.
__________
(1) - وهو البيهقي في سننه ص 344 - ج 1،ويؤيده سياق الدارمي: ص 106.
(2) - قال الحافظ في الفتح ص 286: ادعى بعضهم أن هذا معلق،وليس بصواب،بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام،وقد بين ذلك الترمذي في روايته،وادعى آخر أن قوله توضئي: من كلام عروة. موقوفاً عليه وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار،فلما أتى بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع،وهو قوله: فاغسلي اهـ.(1/312)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد(1)وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الوليد المخزومي عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَاءَ فَتَوَضَّأَ،فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ،فَقَالَ: صَدَقَ،أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ،انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ(2):
__________
(1) - في باب الصائم يستقي عامداً ص 331،والترمذي: ص 89 قلت: في هذا الحديث مباحث: 1 - الأول : أن الحديث عزاه الزيلعي. وابن حجر،غيرهما إلى الثلاثة،وإني لم أجد هذا الحديث في السنن الصغري للنسائي أصلاً والله أعلم.2 - الثاني : أن الحديث مركب من حديثين: حديث أبي الدرداء. وحديث ثوبان،وفي كل منهما المطلوب،أما حديث أبي الدراداء،ففي طريق للترمذي فقط،فإن فيه: قاء فتوضأ،كقولهم: سافر فأفطر. أو شرب فحمد،وأما حديث ثوبان ففي طرفه كلما: أنا صببت له وضوءه،ولهذا أورده البيهقي. وابن جارود. والدارقطني في الطهارة مع أن في طريقهما لا متعلق في حديث أبي الدرداء.3 - والثالث : أن الحديث أخرجه أبو داود: ص 331. وأحمد: ص 195 - ج 5،وص 443 - ج 6 والدارمي: ص 218. والدارقطني: ص 238. والطحاوي: ص 351. والحاكم: ص 426،وصححه على شرطهما. والبيهقي: ص 144 - ج 1. والترمذي: ص 89. وابن جارود: ص 15 كلهم في الصيام إلا الثلاثة الأخيرة فإنهم أخرجوه في الطهارة ويلفظ: قاء فأفطر إلا الترمذي،فإن فيه قاء فتوضأ ومن طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه بإسناده،إلا أبا داود والدارقطني فإنهما أخرجاه من طريق عبد الله بن عمر عن عبد الوارث،وإلا أحمد في روايته،فإن فيه عن هشام الدستوائي،وإلا في روايتين من المستدرك فإن فيهما عن الدستوائي. وحرب بن شداد عن يحيى،الخ.4 - الرابع : أن من ظن أن الاستدلال في حديث أبي الدرداء فقط،ورأى أن كثيراً من أرباب الأصول لم يوردوه إلا بلفظ قاء فأفطر فقط. وقال: من استدل بحديث الباب لا بد له أن يثبت أن لفظ - فتوضأ - بعد - قاء - محفوظ،تفوه هذا القائل بهذا،وحيث لم يقل أحد من أئمة الحديث: بأن لفظ - فتوضأ - غير محفوظ كان ينبغي له أن يسكت كما سكت عنه الترمذي،بل يكتفي بقول الترمذي حديث حسين أصح شيء في هذا الباب ومن أين له أن يطالب بهذا،وسكت عنه الحفاظ،وصححه الترمذي. والحاكم،وأي تعارض بين: قاء فتوضأ،وبين: قاء فافطر،لنحتاج إلى تخطئة التقات من أصحاب عبد الصمد. وأبي عبيدة بن أبي السفر. وإسحاق بن منصور؟ وقد روى معمر هذا الحديث عن يحيى بإسناده. كما في مسند أحمد ص 449 - ج 6،وفيه استقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفطر،فأتى بماء فتوضأ. فإن قيل: قال الترمذي: روى معمر هذا الحديث فأخطأ،قال: عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء،ولم يذكر الأوزاعي،وقال: عن خالد بن معدان،اهـ. قلت: إذا اخطأ الثقة الثبت في لفظ السند،وتبين ذلك بالحجة الواضحة يقتصر على تبين فيه فقط،فخطأ معمر في - معدان - وترك الأوزاعي لا يدل على خطأ المتن أيضاً لا سيما ولم يخالف فيه أحداً من الثقات،فإن أصحاب عبد الصمد رووا عنه الوضوء والإفطار كليهما فهما في الحديث،فحديث معمر. وعبد الصمد متوافقان لا يختلفان،ولو كان الاختلاف لما ضر أيضاً،ألا ترى أنهم زعموا أن كلمة: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ظهر،الخ في حديث مالك وغيره،حكموا عليه بالادراج لحديث الأوزاعي،وأن حديث الأوزاعي الذي استدلوا به فيه خطأ بين،حيث قال: عن الزهري عن ابن المسيب،وإنما هو عن الزهري عن ابن أكيمة الليثي،كما في كتاب القراء ص 97.
(2) - قال الحافظ في الدراية ص 21: صححه الترمذي..والحاكم،وقال في التلخيص ص 188: قال ابن مندة: إسناده صحيح متصل،اهـ.(1/313)
هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَاب وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ(1)وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ(2)بِاضْطِرَابٍ وَقَعَ فِيهِ،فَإِنَّ مَعْمَرًا(3)رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ عَنْ خَالِد بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَوْزَاعِيَّ،وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اضْطِرَابَ بَعْضِ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي ضَبْطِ غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَدْ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: قَدْ جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ،وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الْوُضُوءَ فِيهِ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ،قَالَ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ،ثُمَّ أَسْنَدَ(4)إلَى مطرف بن ماذن حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الدِّمَشْقِيِّ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي غَسْلَ الْفَمِ وَالْيَدِ وُضُوءًا،وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ،قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُطَرِّفُ بْنُ ماذن تَكَلَّمُوا فِيهِ،وَقَدْ رُوِيَ عَنْ(5)ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنْ طَعَامٍ،ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ،وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ،انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ(6)عَنْ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ أَبِي خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَقَدْ سَالَ مِنْ أَنْفِي دَمٌ،فَقَالَ: "أَحْدِثْ وُضُوءًا"،انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ،قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ إسْحَاقُ بْن رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو(7)بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ يَضَعُ الْحَدِيثَ،وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ،انْتَهَى. وَفِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ. قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ فِي جِوَارِنَا يَضَعُ الْحَدِيثَ،فَلَمَّا فُطِنَ لَهُ تَحَوَّلَ إلَى وَاسِطَ،وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَضَعُ،انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي:كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ بِهِ. وَأَعَلَّهُ بِالدَّالَانِيِّ،وَقَالَ: إنَّهُ كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا وَافَقَ(8)فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ؟!.
__________
(1) - ص 426.
(2) - وهو البيهقي: ص 144.
(3) - أخرجه أحمد في مسنده ص 449 - ج 6.
(4) - ص 141.
(5) - فيه حديث عكراش أيضاً عن الترمذي في - الأطعمة - في باب التسمية على الطعام ص 8 - ج 2 فغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه،وقال: "يا عكراش هذا الوضوء مما مست النار" قال الترمذي: هذا حديث غريب،الخ.
(6) - ص 57.
(7) - أبو خالد هذا عمرو بن خالد،متروك العلل ص 48.
(8) - في الدارقطني: ووافق رواته.(1/314)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ،ثُمَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ،انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ بِعُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عُمَرُ بْنُ رَبَاحٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِالْبَوَاطِيلِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ،وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: دَجَّالٌ،وَفِي التَّحْقِيقِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ(1): مَتْرُوكٌ،وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ،لَا يَحِلُّ كَتْبُ حديث إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ،انْتَهَى.
ـــــــــــــــ
2- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الوجيز الكبير
هذا الكتاب كتاب نافع جيد،لخص فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 للهجرة كتاب "البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير"
قال الحافظ : " َمَّا بَعْدُ: فَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِم الرَّافِعِيِّ شكر لله سَعْيَهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةٍ وَالْإِمَامُ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ النَّقَّاشِ وَالْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ وَالْمُفْتِي بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّرْكَشِيُّ وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالزَّوَائِدِ وَأَوْسَعُهَا عِبَارَةً وَأَخْلَصُهَا إشَارَةً كِتَابُ شَيْخِنَا سِرَاجِ الدِّينِ إلَّا أَنَّهُ أَطَالَهُ بِالتَّكْرَارِ فَجَاءَ فِي سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ ثُمَّ رَأَيْته لَخَصَّهُ فِي مُجَلَّدَةٍ لَطِيفَةٍ أَخَلَّ فِيهَا بِكَثِيرٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْمُطَوَّلِ وَتَنْبِيهَاته فَرَأَيْتُ تَلْخِيصَهُ فِي قَدْرِ ثُلُثِ حَجْمِهِ مَعَ الِالْتِزَامِ بِتَحْصِيلِ مَقَاصِدِهِ فَمَنَّ اللَّهُ بِذَلِكَ ثُمَّ تَتَبَّعْتُ عَلَيْهِ الْفَوَائِدَ الزَّوَائِدَ مِنْ تَخَارِيجِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ وَمِنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ لِلْإِمَامِ جَمَالِ الدِّينِ الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّهُ يُنَبِّهُ فِيهِ عَلَى مَا يَحْتَجُّ بِهِ مُخَالِفُوهُ وَأَرْجُو اللَّهَ إنْ تَمَّ هَذَا التَّتَبُّعَ أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِجُلِّ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْفُقَهَاءُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي الْفُرُوعِ وَهَذَا مَقْصَدٌ جَلِيلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا وَيُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا وأن يزيدنا علما و[أن] يُعِيذَنَا مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. "
وله طبعات عديدة بعضها محقق،مثال منه :
التلخيص الحبير - (ج 1 / ص 117)
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
1-بَابُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ :
__________
(1) - ص 57.(1/315)
1 - حَدِيثُ البحر "هو الطهور ماءه" مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَالْأَرْبَعَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ،وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَهُ لَأَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الِاسْتِيعَابَ ثُمَّ حَكَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعَ ذَلِكَ بِصِحَّتِهِ لِتَلَقِّي الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ فَرَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَقَبِلَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَقَدْ حَكَمَ بِصِحَّةِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَا تَبْلُغُ دَرَجَةَ هَذَا وَلَا تُقَارِبُهُ وَرَجَّحَ ابْنُ مَنْدَهْ صِحَّتَهُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ وَمَدَارُهُ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ [مَعَنَا] الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ وَأَبُو أُوَيْسٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ أَوْ الْمُغِيرَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا.
قُلْتُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ سَعِيدٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالِاضْطِرَابُ مِنْهُ فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَهُ.
وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَقِيلَ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ.
وَقِيلَ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
وَقِيلَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَرْفُوعًا.
وَقِيلَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا.
وَقِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُدْلِجِي ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَشْبَهَهَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ مَنْ قَالَ فِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ فقدوهم وَالصَّوَابُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَمَّا حَالُ الْمُغِيرَةِ فَقَدْ رَوَى الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ مَعْرُوفٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَدْتُ اسْمَهُ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ نصير [بن عقبة] وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ إفْرِيقِيَةَ أَنْ يُؤَمِّرُوهُ بَعْدَ قَتْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ فَأَبَى انْتَهَى.(1/316)
وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَا غَلَطُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ فَقَدْ تَابَعَ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ عَلَى رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْهُ الْجُلَاحُ أَبُو كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمَا وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَجَاءَهُ صَيَّادٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْطَلِقُ فِي الْبَحْرِ نُرِيدُ الصَّيْدَ فَيَحْمِلُ أَحَدُنَا مَعَهُ الْإِدَاوَةَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ قَرِيبًا فَرُبَّمَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدْ الصَّيْدَ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ الْبَحْرِ مَكَانًا لَمْ يَظُنَّ أَنْ يَبْلُغَهُ فَلَعَلَّهُ يَحْتَلِمُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ فَلَعَلَّ أَحَدَنَا يُهْلِكُهُ الْعَطَشُ فَهَلْ تَرَى فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَنْ نَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ نَتَوَضَّأَ بِهِ إذَا خِفْنَا ذَلِكَ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اغتسلوا منه وتوضؤا بِهِ فَإِنَّهُ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" قُلْت: وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مُخْتَصَرًا لِلْقِصَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبَحْرِ "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" وَهَذَا أَشْبَهُ بِسِيَاقِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا يُخْشَى مِنْ التَّدْلِيسِ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ" وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ بِكِيرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ قَالَ كُنْت أَصِيدُ وَكَانَتْ لِي قِرْبَةٌ أَجْعَلُ فِيهَا مَاءً وَإِنِّي تَوَضَّأْت بِمَاءِ الْبَحْرِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْهُ فَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنُ الْفِرَاسِيُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْفِرَاسِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ.(1/317)
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا كَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ ابْنُ زِيَادَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ مُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ لَمْ يُدْرِكْ الْفِرَاسِيَّ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْ ابْنِهِ وَأَنَّ الِابْنَ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَيْخِ شَيْخِ ابْنِ مَاجَهْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مُخَشَّى أنه حدثه أن الْفِرَاسِيِّ قَالَ كُنْت أَصِيدُ فَهَذَا السِّيَاقُ مُجَوَّدٌ وَهُوَ عَلَى رَأْيِ الْبُخَارِيِّ مُرْسَل.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَيْتَةُ الْبَحْرِ حَلَالٌ وَمَاؤُهُ طَهُورٌ" وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمُثَنَّى عَنْ عَمْرٍو وَالْمُثَنَّى ضَعِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ الْأَوْزَاعِيُّ بَدَلَ الْمُثَنَّى وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: آكُلُ مَا طَفَا عَلَى الْمَاءِ؟ قَالَ: إنَّ طَافِيَهُ مَيْتَتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ مَاءَهُ طَهُورٌ وَمَيْتَتُهُ حِلٌّ" وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَفَهُ وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ.
تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ اسْمَ السَّائِلِ عَبْدُ اللَّهِ الْمُدْلِجِيُّ وَكَذَا سَاقَهُ ابْنُ بَشْكُوَال بِإِسْنَادِهِ وَأَوْرَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِيمَنْ اسْمُهُ عَبْدُ وَتَبِعَهُ أَبُو مُوسَى فَقَالَ عَبْدُ أَبُو زمعة البلوي الذي سأل النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ.
قَالَ ابْنُ مَنِيعٍ بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ عَبْدٌ وَقِيلَ اسمع عُبَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ اسْمُهُ الْعَرَكِيُّ وَغَلَطَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْعَرَكِيُّ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ.
قَالَ أَبُو مُوسَى وَأَوْرَدَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِيمَنْ اسْمُهُ عَرَكِيُّ وَالْعَرَكِيُّ هُوَ الْمَلَّاحُ وَلَيْسَ هُوَ اسْمًا وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ. اهـ
وهذا مثال للتحقيق :(1/318)
4 - حَدِيثُ "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا" الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ(1)مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ" وَلَفْظُ الْحَاكِمِ فَقَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ "فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّسُ" قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَقَدْ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَمَدَارُهُ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ(2)
__________
(1) - أخرجه أبو داود "1/51": كتاب الطهارة: باب ما ينجس الماء،الحديث "63"،والترمذي "1/97": كتاب الطهارة: باب "50"،الحديث "67"،والشافعي في الأم "1/18": كتاب الطهارة: باب الماء الراكد،وأحمد "2/27"،والنسائي "1/175": كتاب المياه: باب التوقيت في الماء،وابن ماجة "1/172": كتاب الطهارة: باب مقدار الماء الذي لا ينجس،الحديث "517"،وابن خزيمة "1/49": كتاب الطهارة: باب ذكر الخبر المفسر،الحديث "92"،وابن حبان في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان": كتاب الطهارة: باب ما جاء في الماء،الحديث "117"،والحاكم "1/132": كتاب الطهارة: باب إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء،والدار قطني "1/13- 23": كتاب الطهارة: باب حكم الماء إذا لاقته النجاسة،الأحاديث "1- 25"،والبيهقي "260- 262": كتاب الطهارة: باب الفرق بين القليل الذي ينجس،والكثير الذي لا ينجس ما لم يتغير،وابن أبي شيبة "1/144" وعبد ابن حميد في "المنتخب من المسند" "817"،والطحاوي في "مشكل الآثار" "3/266" والشرح "1/15"،وابن الجارود "46"،والبغوي في "شرح السنة" "1/369- 370" من طرق كثيرة عن عبد الله بن عمر.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال وصححه ابن خزيمة وابن حبان.وقال يحيى بن معين في "تاريخه""1/217- رواية الدوري" جيد الإسناد.وقال ابن حزم في "المحلى" "1/151": صحيح ثابت لا مغمز فيه.وقال ابن الملقن في "البدر المنير" "2/87": هذا الحديث صحيح ثابت.
(2) - وهذه رواية أبي داود وعبد بن حميد وابن حبان والطحاوي في "المشكل" والدار قطني والحاكم والبيهقي.(1/319)
وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ(1)وَتَارَةً عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَتَارَةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اضْطِرَابًا قَادِحًا فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مَحْفُوظًا انْتِقَالٌ مِنْ ثِقَةٍ إلَى ثِقَةٍ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ الصَّوَابُ(2)أَنَّهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُكَبِّرِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر بن الزبير عن عبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُصَغَّرِ وَمَنْ رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ وَهَمَ وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَهُ طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ رَوَاهَا الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ سَلَمَةَ(3)عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ هَذِهِ الطريق فقال إسنادها جَيِّدٌ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ لَمْ يَرْفَعْهُ فَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ عُلَيَّةَ فَالْحَدِيثُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ لأنه حديث تكليم فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَقِيقَةِ مَبْلَغِهِمَا فِي أَثَرٍ ثَابِت وَلَا إجْمَاعٍ(4).
وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ رَدَّهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَتَكَلَّمَ فِيهِ(5).
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِهِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ(6).
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ صَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرِبَ الْإِسْنَادِ مُخْتَلِفًا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ عَنْهَا بِجَوَابٍ صَحِيحٍ بِأَنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَلَكِنِّي تَرَكَتْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا بِطَرِيقٍ اسْتِقْلَالِيٍّ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ شَرْعًا تَعْيِينُ مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ(7).
قُلْتُ: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"(8)وَفِي إسناده المغيرة بن صقلاب وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ النُّفَيْلِيُّ لَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا عَلَى الْحَدِيثِ(9).
__________
(1) - وهي رواية لأبي داود أيضاً وابن الجارود وابن حسبان والدار قطني والحاكم والبيهقي.
(2) - سقط في الأصل.
(3) - في الأصل: ابن سلمة.
(4) - ينظر "التمهيد" "1/327- 329".
(5) - قال في "الاستذكار" "2/102": وقد تكلم إسماعيل في هذا الحديث ورده بكثير من القول في كتاب أحكام القرآن.وقال: وقد ذكرت أسانيد هذا الحديث والعلة فيه في "التمهيد".
(6) - ينظر "شرح معاني الآثار" "1/16" كتاب الطهارة وقال ابن الملقن في "البدر المنير" "2/102": وقد حكم الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي الحنفي بصحة هذا الحديث لكنه اعتل بجهالة قدر القلتين.
(7) - ذكره ابن الملقن في "البدر المنير" "2/103".
(8) - أخرجه ابن عدي في "الكامل" "6/2358".
(9) - ينظر: الميزان "4/163".(1/320)
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى عَامَّةِ حَدِيثِهِ(1)وَأُمًّا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الأم و[المختصر](2)بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرْنَا مُسْلِمُ [بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ](3)عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل نَجَسًا" وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ "بِقِلَالِ هَجَرَ" قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا(4). قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسَا فِي جريان(5)كَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ فَلَا يَكُونُ الماء الذي لم(6)يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ إلَّا بِقِرَبٍ كِبَارٍ انْتَهَى كَلَامُهُ(7).
وَفِيهِ مَبَاحِثُ: الْأَوَّلُ: فِي تَبْيِينِ الْإِسْنَادِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ الشَّافِعِيُّ ذِكْرَهُ.
وَالثَّانِي: فِي كَوْنِهِ مُتَّصِلًا أَمْ لَا. وَالثَّالِثُ : فِي كَوْنِ التَّقْيِيدِ بِقِلَالِ هَجَرَ فِي الْمَرْفُوعِ.
وَالرَّابِعُ: فِي [ثُبُوتِ](8)كَوْنِ الْقِرْبَةِ كبيرة لا صغيرة.
والخامس: فِي ثُبُوتِ التَّقْدِيرِ لِلْقُلَّةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِرْبَتَيْنِ.
فَالْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ الْإِسْنَادِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا وَلَا بَأْسًا" قَالَ: فَقُلْت لِيَحْيَى بْن عُقَيْلٍ: أَيُّ قِلَالٍ؟ قَالَ: قِلَالُ هَجَرَ, قَالَ مُحَمَّد: رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ(9)تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ(10).
__________
(1) - المغيرة صقلاب.قال أبو حاتم: صالح الحديث،وقال أبو زرعة: جزري لا بأس به،وقال ابن عدي: منكر الحديث ينظر "الجرح والتعديل" "4/1/224" والميزان "4/163".
(2) - سقط في الأصل.
(3) - سقط في الأصل.
(4) - أخرجه الشافعي في "الأم" "1/4" كتاب الطهارة: باب الماء الذي ينجس والذي لا ينجس،وفي "المختصر" "1/45" كتاب الطهارة: باب الماء الذي ينجس والذي لا ينجس،والبيهقي "1/263" كتاب الطهارة: باب قدر القلتين.
قال ابن الملقن في "البدر المنير" "2/104": ومسلم بن خالد وان تكلم فيه فقد وثقه يحيى بن معين وابن حبان والحاكم وأخرجا له في صحيحيهما أعني ابن حبان والحاكم وقال ابن عدي: حسن الحديث ومن ضعفه لم يبين سبب ضعفه والقاعدة المقررة أن الضعف لا يقبل إلا مبيناً.
(5) - في الأصل: جر.
(6) - في الأصل: لا.
(7) - ينظر "الأم" للإمام الشافعي "1/4".
(8) - سقط في الأصل.
(9) - ينظر: تهذيب اللغة "8/288"،والزاهر "ص60"،ينظر: الصحاح "قلل"،اللسان "3727 قلل"،النهاية "4/104"،ا لفائق "3/184".
(10) - أخرجه البيهقي "1/263" كتاب الطهارة،وعنده: فأظن أن كل قلة تأخذ الفرقين. قال البيهقي: زاد أحمد بن على: والفرق ستة عشر رطلاً.(1/321)
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ: فَقُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ: قِلَالُ هَجَرَ؟ قَالَ: قِلَالُ هَجَرَ قَالَ: فَأَظُنُّ أَنَّ كُلَّ قُلَّةٍ تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ(1)قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدٌ شَيْخُ بْنِ جُرَيْجٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَيْضًا قُلْت وَكَيْفَ مَا كَانَ فَهُوَ مَجْهُولٌ[الحال](2).
الثَّانِي: فِي بَيَانِ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مُتَّصِلًا أَمْ لَا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ تَابِعِيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ لَكِنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ مَعْرُوفٌ بِالْحَمْلِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ(3)وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ قَالَ حَدَّثْت أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسَا وَلَا بَأْسًا" قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ زَعَمُوا أَنَّهَا قِلَالُ هَجَرَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ: الَّذِي أَخْبَرَنِي عَنْ الْقِلَالِ فَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ بَعْدُ فَأَظُنُّ [أَنَّ](4)كُلَّ قُلَّةٍ تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ(5).
__________
(1) - أخرجه الدار قطني "1/14"،كتاب: الطهارة حديث "28".
(2) - سقط في ط.
(3) - قال ابن الملقن في "البدر المنير" "2/106": وهذا الحديث مرسل فإن يحي بن يعمر تابعي مشهور روى عن ابن عباس وابن عمر فيحتمل أن يكون هذا الحدث الذي رواه من الحديث المشهور ويكون ابن يعمر رواه عن ابن عمر ويجوز أن يكون غيره لأنه يكون قد رواه عن غير ابن عمر.
(4) - سقط في الأصل.
(5) - أخرجه عبد الرزاق "1/79" رقم "258".(1/322)
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: فِي كَوَّنَ التَّقْيِيدِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ صقلاب وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ(1)لَكِنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ قووا كون الْمُرَادَ قِلَالُ هَجَرَ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا فِي أَشْعَارِهِمْ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهُورِ(2)وَكَذَلِكَ وَرَدَ التَّقْيِيدُ بِهَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَهُمْ وَلِهَذَا شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ نَبْقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى "فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيلَةِ وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ" انْتَهَى(3).
__________
(1) - تقدم تخريجه وقد مال ابن الملقن إلى تقوية حال المغيرة بن صقلاب وتقديم قول أبي حاتم وأبي زرعة في توثيقه على قول ابن عدي في تجريحه.
(2) - قال أبو عبيد في "كتاب الطهور" "ص 238": وقد تكلم الناس في القلال فقال بعض أهل العلم: هي الجرار وقال آخرون: هي الحباب وهذا القول الذي أختاره وأذهب إليه إنها الحباب وهي قلال هجر معروفة عندهم وعند العرب مستفيضة وقد سمعنا ذكرها في أشعارهم وقال ابن المنذر في "الأوسط" "1/262": إنها الحباب وهى قلال هجر معروفة مستفيضة وسمعنا ذلك في أشعارهم ولم يجعل لذلك حداً.
(3) - أخرجه البخاري "3207،3887" ومسلم "1/145" كتاب الإيمان: باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - "259".والحديث عند البخاري من رواية أنس عن مالك بن صعصعة وعند مسلم عن أنس بن مالك.(1/323)
فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ مُلَازَمَةٍ بَيْنَ هَذَا التَّشْبِيهِ وَبَيْنَ ذِكْرِ الْقُلَّةِ فِي حَدِّ الْمَاءِ فَالْجَوَاب أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ دَالُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ بِحَيْثُ يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْكِبَرِ كَمَا أَنَّ التَّقْيِيدَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّقْيِيدِ الْمَعْهُودِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْقِلَالُ مُخْتَلِفَةٌ فِي قُرَى الْعَرَبِ وَقِلَالُ هَجَرَ أَكْبَرُهَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ(1)قِلَالُ هَجَرَ مَشْهُورَةُ الصَّنْعَةِ مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ وَالْقُلَّةُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَبَعْدَ صَرْفِهَا إلَى أَحَدِ مَعْلُومَاتهَا وَهِيَ الْأَوَانِي تَبْقَى مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكِبَارِ جَعَلَ الشَّارِعُ الْحَدَّ مقدارا بِعَدَدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَكْبَرِهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيرِهِ بِقُلَّتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَقْدِيرِهِ بِوَاحِدَةٍ كَبِيرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا مُحَصَّلُ الْبَحْثِ الرَّابِعِ.والبحث الْخَامِسُ: فِي ثُبُوتِ كَوْنِ الْقُلَّةِ(2)تَزِيدُ عَلَى قِرْبَتَيْنِ وَقَدْ طَعَنَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ بمني عَلَى ظَنِّ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالظَّنُّ لَيْسَ بِوَاجِبِ قَبُولُهُ وَلَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمَجْهُولِ ولهذا لَمْ يَتَّفِقْ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى الْأَخْذِ بِذَلِكَ التَّحْدِيدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقُلَّةُ يَقَعُ(3)عَلَى الْكُوزِ وَالْجَرَّةِ كَبُرَتْ أَوْ صَغُرَتْ وَقِيلَ الْقُلَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ اسْتَقَلَّ فُلَانٌ بِحَمْلِهِ،وَأَقَلَّهُ إذَا أَطَاقَهُ وَحَمَلَهُ وَإِنَّمَا سُمِّيت الْكِيزَانُ قِلَالًا لِأَنَّهَا تُقَلْ بِالْأَيْدِي وَقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قُلَّةِ الْجَبَلِ وَهِيَ أَعْلَاهُ فَإِنْ قِيلَ الْأَوْلَى الْأَخْذُ بِمَا ذَكَرَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا رَوَى قُلْنَا لَمْ تَتَّفِقْ الرُّوَاةُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَحَدِ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قال القلال هي الجوابي الْعِظَامُ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ راهويه: الجابية تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ(4)قَالَ: الْقُلَّتَانِ الْجَرَّتَانِ الكبيرتان وعن الوزاعي قَالَ الْقُلَّةُ مَا تَقُلُّهُ الْيَدُ أَيِّ تَرْفَعهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ التي يُسْتَسْقَى(5)فِيهَا الْمَاءُ وَالدَّوْرَقُ وَمَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهُورِ(6)إلَى تَفْسِيرِ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَوْلَى وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُلَّتَانِ الْجَرَّتَانِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُمَا بِالْكِبَرِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمَهْدِيِّ وَوَكِيعٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ مِثْلُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ(7).
__________
(1) - ينظر: معالم السنن "1/35".
(2) - في الأصل: القربة.
(3) - في الأصل: تقع.
(4) - في الأصل: عن هشيم.
(5) - في الأصل: يستقى.
(6) - في الأصل: الطهارة.
(7) - أخرجه ابن المنذر في " لأوسط" "1/113".(1/324)
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: يَنُوبُهُ(1)هُوَ بِالنُّونِ أَيْ يُرَدُّ عَلَيْهِ نَوْبَةً بَعْدَ أُخْرَى وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ صَحَّفَهُ فَقَالَ يَثُوبُهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ.
تَنْبِيهٌ: آخَرُ قَوْلُهُ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ مَعْنَاهُ لَمْ يُنَجَّسْ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ" وَالتَّقْدِيرُ لَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ حَمْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُلَّتَيْنِ مَعْنَى فَإِنَّ مَا دُونَهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَقْبَلُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة: 5] أَيْ لَمْ يَقْبَلُوا حُكْمَهَا.
ـــــــــــــ
3- البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير
المؤلف : ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى : 804هـ)
مثال :
الحَدِيث الأول(2)
ورد فِي الْبَحْر قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : «الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح جليل،مَرْوِيّ من طرق،الَّذِي يحضرنا مِنْهَا تِسْعَة :
أَولهَا : من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عبد الرَّحْمَن بن صَخْر - عَلَى الْأَصَح - عِنْد جمَاعَة من الْحفاظ،كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» . وَقَالَ النَّوَوِيّ : إِنَّه الْأَصَح (من) نَحْو ثَلَاثِينَ قولا،كَنَّاه رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِأبي هُرَيْرَة - وَقيل : أَبوهُ - لمَّا رَآهُ وَقد جمع أَوْلَاد هِرة وحشية،حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ - أَيْضا - فِي «أَمَالِيهِ» - قَالَ : «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : يَا رَسُول الله،إنَّا نركب الْبَحْر ونحمل مَعنا الْقَلِيل من المَاء،فَإِن توضأنا بِهِ عطشنا،أفنتوضأ بِمَاء الْبَحْر ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ،الحِلُّ ميتَته» .
رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام،أهل الْحل وَالْعقد : مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ،وَأحمد،والدارمي فِي «مسانيدهم»،وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه»،وَأَبُو دَاوُد،وَالتِّرْمِذِيّ،(وَالنَّسَائِيّ)،وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ»،وَأَبُو بكر بن خُزَيْمَة،وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا»،وَأَبُو مُحَمَّد بن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى»،وَأَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ،وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا»،وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» .قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح .قَالَ : وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ،فَقَالَ : هُوَ حَدِيث صَحِيح .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «(الْمعرفَة») : هُوَ حَدِيث صَحِيح،كَمَا قَالَه البُخَارِيّ .
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر : ثَبت أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الْبَحْر : «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ،الْحل ميتَته» .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : هَذَا الحَدِيث صَحِيح،مُتَّفق عَلَى صِحَّته .
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» : هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور،أخرجه الْأَئِمَّة فِي كتبهمْ،وَاحْتَجُّوا بِهِ،وَرِجَاله ثِقَات .
__________
(1) - في الأصل: تنويه.
(2) - البدر المنير - (ج 1 / ص 348) فما بعدها(1/325)
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام»،و «الإِلمام» : رجح ابْن مَنْدَه صِحَّته .
وَخَالف الْحَافِظ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر،فَقَالَ فِي «تمهيده» : اخْتلف أهل الْعلم فِي إِسْنَاده . قَالَ : وَقَول البُخَارِيّ : صَحِيح . لَا أَدْرِي مَا هَذَا مِنْهُ ؟ ! وَلَو كَانَ صَحِيحا عِنْده،لأخرجه فِي كِتَابه . قَالَ : وَهَذَا الحَدِيث لم يحْتَج أهل الحَدِيث بِمثل إِسْنَاده . قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح ؛ لِأَن الْعلمَاء تلقوهُ بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ،لَا يُخَالف [ فِي ] جملَته أحد (من) الْفُقَهَاء،وَإِنَّمَا الْخلاف فِي بعض مَعَانِيه .
وَهَذَا الْكَلَام من الْحَافِظ أبي عمر فِيهِ نظر كَبِير،لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين تعقَّبه،فَقَالَ فِي «شرح الإِلمام» : (قَوْله) : لَو كَانَ صَحِيحا لأخرجه (فِي كِتَابه) . غير لَازم ؛ لِأَنَّهُ (لم) يلْتَزم إِخْرَاج كل حَدِيث (صَحِيح) . وَأما قَوْله : لم يحْتَج أهل الحَدِيث بِمثل إِسْنَاده . فقد ذكرنَا فِي كتاب «الإِمام» وُجُوه التَّعْلِيل الَّتِي يُعلل بهَا الحَدِيث .
قلت : وحاصلها - كَمَا قَالَ فِيهِ - أَنه يُعلل بأَرْبعَة أوجه :
أَحدهَا : الْجَهَالَة [ بِسَعِيد ] بن سَلمَة،والمغيرة بن أبي بردة،الْمَذْكُورين فِي إِسْنَاده،وادَّعى أَنه لم يرو عَن سعيد غير صَفْوَان بن سليم،وَلَا عَن الْمُغيرَة غير سعيد بن سَلمَة .
قَالَ الإِمام الشَّافِعِي : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من لَا أعرفهُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : يحْتَمل أَن يُرِيد سعيد بن سَلمَة،أَو الْمُغيرَة أَو كِلَاهُمَا .
وَالْجَوَاب : أَنه رَوَاهُ عَن سعيد غير صَفْوَان،رَوَاهُ عَنهُ : الجُلاَح،بِضَم الْجِيم،وَتَخْفِيف اللَّام،وَآخره حاء مُهْملَة . قَالَ أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» : وَخَالف أَبُو الْأسود أَصْحَابه،فَقَالَ : الجلاخ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة . انْتَهَى - كنيته : أَبُو كثير،رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من رِوَايَة قُتَيْبَة،عَن لَيْث،عَنهُ . وَلَفظه : «أنَّ نَاسا أَتَوا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا : إنَّا نبعد فِي الْبَحْر،وَلَا نحمل [ من المَاء ] إلاَّ الإِداوة والإِداوتين،[ لأنَّا ] لَا نجد الصَّيْد حَتَّى نبعد،فنتوضأ بِمَاء الْبَحْر ؟ فَقَالَ : «نعم،إنَّه الحِلُّ ميتَته،الطّهُور مَاؤُهُ» .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك»،والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير»،من طَرِيق : يَحْيَى بن بكير عَن اللَّيْث،بِسَنَدِهِ،وَلَفْظهمَا : «كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا،فَجَاءَهُ صَيَّاد،فَقَالَ : يَا رَسُول الله،إنَّنا ننطلق فِي الْبَحْر،نُرِيد الصَّيْد فَيحمل أَحَدنَا (مَعَه) الإِداوة،وَهُوَ يَرْجُو أَن يَأْخُذ الصَّيْد قَرِيبا،فَرُبمَا وجده كَذَلِك،وَرُبمَا لم يجد الصَّيْد حتَّى يبلغ من الْبَحْر مَكَانا لم يظنّ (أَن) يبلغهُ،فَلَعَلَّهُ يَحْتَلِم،أَو يتَوَضَّأ فإنْ اغْتسل أَو تَوَضَّأ بِهَذَا المَاء فَلَعَلَّ أَحَدنَا يُهْلِكُه الْعَطش،فَهَل ترَى فِي مَاء الْبَحْر أَن نغتسل بِهِ،أَو نَتَوَضَّأ (بِهِ) إِذا خفنا
ذَلِك ؟ فَزعم أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «اغتسلوا مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا بِهِ،فَإِنَّهُ الطُّهُورُ مَاؤُهُ،الحِلُّ ميتَته» .قَالَ الْحَاكِم : قد احْتج مُسلم بالجلاح،أبي كثير .
قلت : وَرَوَاهُ عَن الجلاح أَيْضا : يزِيد بن أبي حبيب،وَعَمْرو بن الْحَارِث .
أما رِوَايَة عَمْرو : فَمن طَرِيق ابْن وهب،وَأما رِوَايَة يزِيد : فَمن طَرِيق اللَّيْث عَنهُ .(1/326)
وَأما الْمُغيرَة بن أبي بردة : فقد رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن سعيد،وَيزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي إِلَّا أَن يَحْيَى بن سعيد اخْتُلف عَلَيْهِ فِيهِ :
فَرَوَاهُ هشيم عَنهُ،عَن الْمُغيرَة،عَن رجل من بني مُدْلِج مَرْفُوعا .
وَرَوَاهُ حَمَّاد عَنهُ،عَن الْمُغيرَة،(عَن أَبِيه)،عَن أبي هُرَيْرَة .
ذكرهمَا الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» .
وَرِوَايَة يزِيد بن مُحَمَّد : أخرجهَا أَيْضا فِيهِ،وَرَوَاهَا أَيْضا : أَحْمد بن عبيد الصَفَّار،صَاحب «الْمسند» . وَمن جِهَته أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ .
قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه : (فاتفاق صَفْوَان والجلاح)،مِمَّا يُوجب شهرة سعيد بن سَلمَة،واتفاق يَحْيَى بن سعيد،وَسَعِيد بن سَلمَة،عَلَى الْمُغيرَة بن أبي بردة،مِمَّا يُوجب شهرة الإِسناد،فَصَارَ الإِسناد مَشْهُورا .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين : وَقد زِدْنَا عَلَى مَا ذكرنَا عَن ابْن مَنْدَه :رِوَايَة يزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي،فتلخص أَن الْمُغيرَة رَوَى عَنهُ ثَلَاثَة،فبطلت دَعْوَى التفرد الْمَذْكُور عَن سعيد وَصَفوَان .
قَالَ فِي «شرح الإِلمام» : فالجهالة فِي حق سعيد ترْتَفع بِرِوَايَة الجلاح وَصَفوَان عَنهُ،وَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين : بِرَفْع الْجَهَالَة عَن الرَّاوِي . والجهالة مُرْتَفعَة عَن الْمُغيرَة بِرِوَايَة ثَلَاثَة عَنهُ كَمَا تقدم،مَعَ كَونه مَعْرُوفا من غير الحَدِيث فِي مَوَاقِف (الحذر) فِي الحروب بالمغرب .
قَالَ : وَزَوَال الْجَهَالَة عَن سعيد بِرِوَايَة [ اثْنَيْنِ ] عَنهُ،وَعَن الْمُغيرَة بِرِوَايَة ثَلَاثَة عَنهُ يَكْتَفِي بِهِ من لَا يرَى أَنه لابد من معرفَة حَال الرَّاوِي فِي الْعَدَالَة،بعد زَوَال الْجَهَالَة عَنهُ،فإنْ كَانَ المصححون لَهُ قد علموها عَلَى جِهَة التَّفْصِيل،فَلَا إِشْكَال مَعَ ذَلِك،وإلاَّ فَلَا يبعد اعتمادهم عَلَى تحري مَالك،وإتقانه للرِّجَال أَو عَلَى الِاكْتِفَاء بالشهرة .
قلت : قد ثَبت ثِقَة سعيد بن سَلمَة،والمغيرة بن أبي بردة (صَرِيحًا)،(فإنَّ الإِمام أَبَا عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وثقهما،كَمَا نَقله عَنهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه»،وَكَذَلِكَ أَبُو (حَاتِم) ابْن حبَان،ذكرهمَا فِي كتاب «الثِّقَات») .
وَرَوَى الْآجُرِيّ عَن أبي دَاوُد،أَنه قَالَ : الْمُغيرَة بن أبي بردة مَعْرُوف . وأوضح ابْن يُونُس معرفَة عينه،فارتفعت عَنْهُمَا جَهَالَة الْحَال بِهَذَا،وجهالة الْعين بِمَا تقدم . وينضم إِلَى ذَلِك تَصْحِيح الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين لَهُ : التِّرْمِذِيّ،وَالْبُخَارِيّ،وَابْن الْمُنْذر،وَابْن خُزَيْمَة،وَابْن حبَان،وَالْبَيْهَقِيّ،وَابْن مَنْدَه،وَالْبَغوِيّ،وَغَيرهم .
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» : (مثل هَذَا الحَدِيث) الَّذِي صَدَّر بِهِ مَالك كتاب «الْمُوَطَّأ»،وتداوله فُقَهَاء الإِسلام من عصره إِلَى وقتنا هَذَا،لَا يُردُّ بِجَهَالَة هذَيْن الرجلَيْن . قَالَ : عَلَى أَن اسْم الْجَهَالَة مَرْفُوع عَنْهُمَا بمتابعات . فَذكرهَا بأسانيده .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : الَّذِي أَقَامَ إِسْنَاده ثِقَة،أودعهُ مَالك فِي موطئِهِ .
الْوَجْه الثَّانِي من التَّعْلِيل : الِاخْتِلَاف فِي اسْم سعيد بن سَلمَة .
فَقيل - كَمَا قَالَ الإِمام مَالك - : سعيد بن سَلمَة،من (آل) ابْن الْأَزْرَق . وَقيل : عبد الله بن سعيد المَخْزُومِي . وَقيل سَلمَة بن سعيد .
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ المخالفان لرِوَايَة مَالك (هما من رِوَايَة : مُحَمَّد بن إِسْحَاق،عَلَى الِاخْتِلَاف عَنهُ،وَالتَّرْجِيح لرِوَايَة مَالك) - مَعَ جلالته،وَعدم الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ - أولَى .(1/327)
وَإِن كَانَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر (قَالَ) : [ رُوَاة الْمُوَطَّأ ] اخْتلفُوا،فبعضهم يَقُول : من آل بني الْأَزْرَق،كَمَا قَالَ يَحْيَى . وَبَعْضهمْ يَقُول : من آل الْأَزْرَق . وَكَذَا قَالَ (القعْنبِي) . وَبَعْضهمْ يَقُول : من آل ابْن الْأَزْرَق،كَذَلِك قَالَ [ ابْن ] الْقَاسِم،وَابْن بكير . قَالَ ابْن عبد الْبر : وَهَذَا كُله مُتَقَارب غير (ضار) .
قلت : وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الَّذِي اعتذر بِهِ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّيْخَيْنِ فِي عدم تخريجهما لهَذَا الحَدِيث،فَقَالَ فِي كتاب «الْمعرفَة» : (إنَّما) لم يخرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» لاخْتِلَاف وَقع فِي اسْم سعيد بن سَلمَة،والمغيرة بن أبي بردة .
وَهَذَا غير ضار ؛ إِذْ قد زَالَت الْجَهَالَة عَنْهُمَا عينا وَحَالا كَمَا تقدَّم،فَلَا يضر حينئذٍ الِاخْتِلَاف فِي اسمهما .
الْوَجْه الثَّالِث من التَّعْلِيل : التَّعْلِيل بالإِرسال .
قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر : ذكر ابْن أبي عمر،والْحميدِي،والمخزومي،عَن ابْن عُيَيْنَة،عَن يَحْيَى بن سعيد،عَن رجل من أهل الْمغرب - يُقَال لَهُ : الْمُغيرَة بن عبد الله بن أبي بردة - : «أنَّ نَاسا من بني مُدْلِج أَتَوا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا : يَا رَسُول الله ! إنَّا نركب أَرْمَاثًا فِي الْبَحْر ...» وسَاق الحَدِيث بِمَعْنى حَدِيث مَالك .
قَالَ أَبُو عمر : هُوَ مُرْسل،وَيَحْيَى بن سعيد أحفظ من صَفْوَان بن سليم،وَأثبت من سعيد بن سَلمَة،وَلَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مِمَّا تقوم بِهِ عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ حجَّة ؛ لِأَن فِيهِ رجلَيْنِ غير معروفين بِحمْل الْعلم .
وَأَرَادَ أَبُو عمر بِالرجلَيْنِ : سعيدًا والمغيرة،وَقد تقدَّم رَدُّ جهالتهما،وَأكْثر مَا بَقِي فِي هَذَا الْوَجْه - بعد اشتهار سعيد والمغيرة - تَقْدِيم إرْسَال الأحفظ،عَلَى إِسْنَاد من دونه،فإنَّ يَحْيَى بن سعيد أرْسلهُ من هَذَا الْوَجْه،وَسَعِيد بن سَلمَة أسْندهُ،وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فِي الْأُصُول .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «(شرح) الإِلمام» : وَهَذَا غير قَادِح عَلَى الْمُخْتَار عِنْد أهل الْأُصُول .
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر - بعد أَن ذكر رِوَايَة من رَوَى عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أَبِيه وَقد جَوَّدَه عبد الله بن يُوسُف،عَن مَالك،عَن صَفْوَان،سمع (الْمُغيرَة) أَبَا هُرَيْرَة .
وَأَيْضًا تقدم رِوَايَة مَالك وَمن تَابعه لعدم الِاضْطِرَاب فِيهَا،عَلَى رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد للِاخْتِلَاف عَلَيْهِ .
الْوَجْه الرَّابِع : التَّعْلِيل بِالِاضْطِرَابِ .
قد تقدم اتِّفَاق رِوَايَة مَالك،وَيزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي،والجلاح،من جِهَة اللَّيْث،وَعَمْرو بن الْحَارِث .
وَأما ابْن إِسْحَاق : فَرَوَاهُ عَن يزِيد،عَن جلاح،عَن عبد الله بن سعيد المَخْزُومِي،عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة،عَن أَبِيه،عَن أبي هُرَيْرَة،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - .
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» كَذَلِك بالسند الْمَذْكُور (عَن أبي هُرَيْرَة)،قَالَ : «أَتَى (رجال) من بني مُدْلِج إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،(فَقَالُوا) : يَا رَسُول الله،إنَّا أَصْحَاب هَذَا الْبَحْر،نعالج الصَّيْد عَلَى رِمْث،فَنَعْزُب فِيهِ اللَّيْلَة والليلتين وَالثَّلَاث والأربع،ونحمل مَعنا من العذب لشفاهنا،فإنْ نَحن توضأنا بِهِ خشينا عَلَى أَنْفُسنَا،وإنْ نَحن آثرنا بِأَنْفُسِنَا،وتوضأنا من الْبَحْر،وجدنَا فِي أَنْفُسنَا من ذَلِك،فَخَشِينَا أَن لَا يكون طهُورا . فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «توضئوا مِنْهُ،فإنَّه الطَّاهِرُ ماؤُه،(الحِلُّ) ميتَته» .(1/328)
وَفِي رِوَايَة عَن ابْن إِسْحَاق : سَلمَة بن سعيد،عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة حَلِيف بني عبد الدَّار،عَن أبي هُرَيْرَة،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ البُخَارِيّ : وَحَدِيث مَالك أصح .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : اللَّيْث بن سعد أحفظ من مُحَمَّد بن إِسْحَاق،وَقد أَقَامَ إِسْنَاده عَن يزِيد بن أبي حبيب،وَتَابعه عَلَى ذَلِك عَمْرو بن الْحَارِث عَن الجلاح،فَهُوَ أولَى أَن يكون صَحِيحا،وَقد رَوَاهُ يزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي،عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة (نَحْو رِوَايَة من رَوَاهُ عَلَى الصِّحَّة .
وَالِاخْتِلَاف عَلَى يَحْيَى بن سعيد فِيهِ كَبِير،وَقَالَ هشيم عَنهُ فِي رِوَايَة : عَن الْمُغيرَة بن أبي [ بَرزَة ]) . وَحمل التِّرْمِذِيّ الْوَهم عَلَى هشيم فِي ذَلِك،وَحَكَاهُ عَن البُخَارِيّ،فَقَالَ : وهم فِيهِ هشيم،إنَّما هُوَ : ابْن أبي بردة،وَقد رَوَاهُ أَبُو عبيد (عَن) هشيم عَلَى الصَّوَاب،فقد يكون الْوَهم مِمَّن دونه .
قلت : وَقد جمع الِاخْتِلَاف فِي (إِسْنَاده) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله»،فَقَالَ مَا ملخصه : قيل : عَن صَفْوَان،عَن سعيد بن سَلمَة،عَن الْمُغيرَة،عَن أبي هُرَيْرَة . قَالَه مَالك .
وَقيل : عَن سَلمَة بن سعيد - أَو عَكسه - عَن الْمُغيرَة (بِهِ) .
وَقيل : عَن سعيد،عَن أبي بردة بن عبد الله،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقيل : عَن صَفْوَان بن سليم مُرْسلا،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقيل : عَن الْأَوْزَاعِيّ،عَن عبد الله بن عَامر،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - .
وَقيل : عَن جلاح،عَن سعيد،عَن الْمُغيرَة،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقيل : (عَن جلاح،عَن سعيد،عَن أبي هُرَيْرَة) .
وَقيل : عَن جلاح،(عَن) الْمُغيرَة،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقيل : عَن جلاح،عَن أبي ذَر الْمصْرِيّ،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقيل : عَن يزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي،عَن الْمُغيرَة،عَن أبي هُرَيْرَة .
وَقيل : عَن يَحْيَى بن سعيد،عَن الْمُغيرَة،عَن رجل من بني مُدْلِج،«أنَّ رجلا أَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ...» الحَدِيث .
وَقيل : عَن يَحْيَى بن سعيد،عَن الْمُغيرَة،عَن رجل من قومه،عَن رجل سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وَقيل : عَن يَحْيَى،عَن الْمُغيرَة،عَن أَبِيه،مَرْفُوعا .
وَقيل : عَن يَحْيَى،عَن الْمُغيرَة بن عبد الله - أَو عبد الله بن الْمُغيرَة - «أَن نَاسا من بني مُدْلِج سَأَلُوا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ...» الحَدِيث .
وَقيل : عَن يَحْيَى،عَن عبد الله بن الْمُغيرَة،عَن أَبِيه،عَن رجل من بني مُدْلِج،(اسْمه عبد الله،مَرْفُوعا . [ وَقيل ] : عَن يَحْيَى عَن الْمُغيرَة بن عبد الله - أَو عبد الله بن الْمُغيرَة -،عَن رجل من بني مُدْلِج،مَرْفُوعا .
وَقيل : عَن يَحْيَى،عَن عبد الله بن الْمُغيرَة،عَن أبي بردة مَرْفُوعا .
وَقيل : عَن يَحْيَى،عَن عبد الله بن الْمُغيرَة،عَن بعض بني مُدْلِج) مَرْفُوعا . وَهُوَ فِي «مُسْند أَحْمد» .
وَقيل : عَن الْمُغيرَة،عَن عبد الله المدلجي،مَرْفُوعا .
وَقيل : عَن جَعْفَر بن ربيعَة،عَن بكر بن سوَادَة،عَن مُسلم بن مخشيِّ،عَن (الفراسيِّ)،مَرْفُوعا .
(وَقيل : عَن يَحْيَى بن عبَّاد،عَن أبي سَلمَة،عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : وأشبهها بِالصَّوَابِ قَول مَالك،وَمن تَابعه،عَن صَفْوَان بن سليم.
الطَّرِيق الثَّانِي من طرق الحَدِيث : عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عَن مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : «هُوَ الطَّهور مَاؤُهُ،الحِلُّ ميتَته» .(1/329)
رَوَاهُ الْأَئِمَّة : أَحْمد فِي «الْمسند»،وَابْن مَاجَه،وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا»،وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وتَرْجَم عَلَيْهِ ابْن حبَان،(بِأَن قَالَ) : ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أنَّ هَذِه السُّنَّة تفرَّد بهَا سعيد بن سَلمَة .
وَعَن الْحَافِظ أبي عَلّي ابْن السكن أَنه قَالَ : حَدِيث جَابر هَذَا أصح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب .
وَخَالف ابْن مَنْدَه فِي ذَلِك،وَقَالَ : قد رَوَى هَذَا الحَدِيث عبيد الله بن مقسم عَن جَابر،والأعرج عَن أبي هُرَيْرَة،وَلَا يثبت .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : عِنْدِي أنَّ قَول أبي عَلّي بن السكن فِي تَقْوِيَة حَدِيث جَابر،أَقْوَى من قَول ابْن مَنْدَه . وَذَلِكَ أَن عبيد الله بن مقسم مَذْكُور فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين الشَّيْخَيْنِ،وَإِسْحَاق (الْمدنِي) الْمَذْكُور فِي الطَّرِيقَة الأولَى - يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ الْجَمَاعَة المتقدمون خلا طَريقَة الْحَاكِم - وثَّقَه أَحْمد،وَيَحْيَى . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : صَالح . و [ أَبُو ] الْقَاسِم بن أبي الزِّنَاد - الْمَذْكُور فِيهِ أَيْضا - اسْمه [ كنيته ] أَثْنَى عَلَيْهِ أَحْمد،وَقَالَ [ يَحْيَى ] : لَا باس بِهِ . قَالَ : وَيُمكن أَن يكون ابْن مَنْدَه (علَّل) الحَدِيث باختلافٍ فِي إِسْنَاده .
ثمَّ ذكر أنَّ عبد الْعَزِيز بن عمرَان رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيَّات،عَن وهب بن كيسَان،عَن جَابر،عَن أبي بكر كَذَلِك . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ .
قلت : بحث مَعَه شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي،الْمَعْرُوف بِابْن سيد النَّاس - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» : هَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين عَن ابْن مَنْدَه لَا يصلح أَن يكون مُعَلِّلاً لرِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد،عَن إِسْحَاق . لتوثيق ابْن أبي الزِّنَاد،وَضعف عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن أبي ثَابت عِنْدهم،وَرِوَايَة الضَّعِيف لَا تُعِلُّ رِوَايَة الثِّقَة .
قلت : وَلِحَدِيث جَابر هَذَا طَرِيق آخر،ذكره الطَّبَرَانِيّ فِي «(أكبر) معاجمه» من حَدِيث : الْمعَافى ابْن عمرَان،عَن ابْن جريج،عَن أبي الزبير،عَن جَابر،أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الْبَحْر : «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ (الْحَلَال) ميتَته» .
و (هَذَا سَنَد) عَلَى شَرط الصَّحِيح،إلاَّ أَنه يُخْشَى أَن يكون ابْن جريج لم يسمعهُ من أبي الزبير،فإنَّه مدلِّس،وَأَبُو الزبير مدلِّسٌ أَيْضا،وَقد عنعنا فِي هَذَا الحَدِيث .
وَقد تَابع ابْن جريج : مباركُ بن فضَالة،فَرَوَاهُ عَن أبي الزبير عَن جَابر،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إنَّ البحْرَ حلالٌ ميتتهُ،طَهُورٌ ماؤُه» .
ومبارك هَذَا كَانَ يدلِّس أَيْضا،وضعَّفه أَحْمد،وَالنَّسَائِيّ .
الطَّرِيق الثَّالِث : عَن سُريج - بِالْجِيم - بن النُّعْمَان،عَن حَمَّاد بن سَلمَة،عَن أبي التَّيَّاح - بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق،بعْدهَا يَاء مثناة تَحت مُشَدّدَة،واسْمه : يزِيد بن حميد الضبعِي -،عَن مُوسَى بن سَلمَة،عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ : «سُئِل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : «مَاء الْبَحْر طهُور» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه»،وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»،وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم،وَله شَوَاهِد كَثِيرَة،وَلم يخرجَاهُ . وَهُوَ كَمَا قَالَ .(1/330)
وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : مُوسَى بن سَلمَة : هُوَ المحبق،أخرج لَهُ مُسلم،وَقد صحَّح بعض الحفَّاظ حَدِيثا من رِوَايَة حَمَّاد،عَن (أبي) التياح،عَنهُ . وَبَاقِي السَّنَد مَشْهُور .
وَخَالف الدَّارَقُطْنِيّ،فَقَالَ فِي «سنَنه» : الصَّوَاب وَقفه عَلَى ابْن عَبَّاس .
الطَّرِيق الرَّابِع : عَن مُسلم بن مخشي،(عَن) ابْن الفِراسي - بِكَسْر الْفَاء وَالسِّين الْمُهْملَة - قَالَ : كنت أصيد،وَكَانَت لي قربَة أجعَل فِيهَا مَاء،وَإِنِّي تَوَضَّأت بِمَاء الْبَحْر،فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ،الْحل ميتَته» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» كَذَلِك «ابْن الفراسي»،وَالتِّرْمِذِيّ،قَالَ فِي «جَامعه» : الفراسي عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَكَذَا هُوَ عِنْد ابْن عبد الْبر،وَذكر : أَن إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم،وَأَن الفراسي (مَجْهُول) فِي الصَّحَابَة غير مَعْرُوف .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (فِي «الإِمام») : إِن كَانَ مُرَاد أبي عمر مَجْهُول الْحَال،مَعَ إِثْبَات كَونه من الصَّحَابَة،فقد اشْتهر بَين أَرْبَاب الْأُصُول والْحَدِيث،أنَّ ذَلِك لَا يضر،لعدالة جَمِيع الصَّحَابَة . وإنْ أَرَادَ مَجْهُول الصُّحْبَة،فقد أثبت البُخَارِيّ (صحبته)،فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «علله»،فِيمَا ذكر عَنهُ .
وَعَابَ عبد الْحق سَنَد هَذَا الحَدِيث بِأَن قَالَ : لم يَرْوِه - فِيمَا أعلم - إلاَّ مُسلم بن مخشي،وَمُسلم لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ بكر بن سوَادَة .
وتعقَّبه ابْن الْقطَّان،فَقَالَ فِي كِتَابه «الْوَهم والإِيهام» : أَظن أنَّه خَفِي عَلَى عبد الْحق انْقِطَاع حَدِيث الفراسي،وَهُوَ حَدِيث لم يسمعهُ مُسلم من الفراسي،وإنَّما سَمعه من ابْن الفراسي (عَن الفراسي) .
ثمَّ ذكر رِوَايَة أبي عمر بِإِسْنَادِهِ إِلَى بكر بن سوَادَة،عَن مُسلم بن مخشي : أَنه حدَّث أنَّ الفراسي قَالَ : «كنت أصيد فِي الْبَحْر الْأَخْضَر،عَلَى أَرْمَاث ...» الحَدِيث .
قَالَ : وَمَا أرَى أَبَا مُحَمَّد وقف عَلَيْهِ إلاَّ عِنْد ابْن عبد الْبر،وَلذَلِك مَا نقل فِيهِ مَا (قَالَ) فِي حَدِيث «إِذا كنت سَائِلًا فسل الصَّالِحين»،حَيْثُ قَالَ : (ابْن) الفراسي لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ مُسلم بن مخشي . وَذَلِكَ أَنه لم يرَ فِي حَدِيثه (هَذَا لِابْنِ) الفراسي ذكرا،(وَرَآهُ) فِي حَدِيث «سل الصَّالِحين» . وَمن هُنَاكَ [ يتَبَيَّن ] : أَن مُسلم بن مخشي لَا يَروي عَن الفراسي إلاَّ بِوَاسِطَة ابْنه،والْحَدِيث الْمَذْكُور ذكره فِي الزَّكَاة من حَدِيث النَّسَائِيّ،من رِوَايَة : مُسلم بن مخشي عَن ابْن الفراسي [ أَن الفراسي ] قَالَ لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسألُ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : «لَا،وإنْ كنتَ لابدَّ سَائِلًا فسلِ الصَّالِحين» .
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَن حَدِيث (ابْن) الفراسي فِي مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : مُرْسل،لم يدْرك ابْن الفراسي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،والفراسي لَهُ صُحْبَة .فَهَذَا - كَمَا ترَى - يُعْطي أنَّ الحَدِيث يُروى أَيْضا عَن ابْن الفراسي،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،لَا (يذكر) فِيهِ الفراسي،فَمُسلم بن مخشي (لَا يروي) إلاَّ عَن الابْن،(وَرِوَايَته) عَن الْأَب مُرْسلَة . انْتَهَى مَا ذكره ابْن الْقطَّان .
فتبيَّن بِهَذَا : أَن الحَدِيث إمَّا مُنْقَطع بَين مُسلم بن مخشي والفراسي،أَو مُرْسل بَين (ابْن) الفراسي وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - .(1/331)
وجوَّز الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» أَن يكون ابْن الفراسي والفراسي وَاحِدًا وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ،قَالَ : (وَيُؤَيِّدهُ) : رِوَايَة ابْن مَاجَه - الْمُتَقَدّمَة - فإنَّ ظَاهرهَا أنَّ ابْن الفراسي هُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَسمع مِنْهُ ذَلِك،قَالَ : فَإِذا (ضُمَّ) إِلَى ذَلِك رِوَايَة من رَوَى : الفراسي،اقْتَضَى أَنَّهُمَا (وَاحِد) اخْتلف فِي اسْمه
الطَّرِيق الْخَامِس : عَن عَمْرو (بن) شُعَيْب،عَن أَبِيه،عَن جده،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «ميتةُ البحرِ حلالٌ،وماؤهُ طَهُورُ» .
رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» عَن [ أبي الْعَبَّاس ] مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ،وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل،كِلَاهُمَا عَن : مُحَمَّد بن إِسْحَاق،نَا (الحكم) بن مُوسَى،نَا هِقْل،نَا الْمثنى،عَن عَمْرو بِهِ . كَذَا فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ،وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم : بدل الْمثنى : الْأَوْزَاعِيّ عَن عَمْرو .
وَهُوَ إِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم،خلا تَرْجَمَة عَمْرو بن شُعَيْب،فإنَّ مُحَمَّد بن إِسْحَاق : هُوَ الصغاني،كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي رِوَايَة الْحَاكِم،وَهُوَ الْحَافِظ،الرحَّال،أخرج لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة،وَقَالَ ابْن خرَاش : ثِقَة مَأْمُون .
و (الحكم) بن مُوسَى : هُوَ الْقَنْطَرِي،الزَّاهِد،أخرج لَهُ مُسلم،وَالنَّسَائِيّ،وَابْن مَاجَه،وَهُوَ ثِقَة،وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين .
وهقل : هُوَ ابْن زِيَاد،السكْسكِي،كَاتب الْأَوْزَاعِيّ،أخرج لَهُ مُسلم،وَالْأَرْبَعَة،وَهُوَ ثَبت . وَالْأَوْزَاعِيّ : ناهيك بِهِ .
وَعَمْرو بن شُعَيْب،عَن أَبِيه،عَن جده : احْتج بِهِ الْأَكْثَرُونَ،وسنعقد فِي ذَلِك فصلا فِي بَاب الْوضُوء إِن شَاءَ الله تَعَالَى .
والمثنَّى - الْمَذْكُور فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ - : هُوَ ابْن الصَبَّاح،قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره : لَيِّن الحَدِيث . وَقَالَ النَّسَائِيّ : مَتْرُوك .
(و) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : وَأَنا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل،نَا جَعْفَر القلانسي،نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن،نَا ابْن (عَيَّاش)،قَالَ : حَدَّثَنَي الْمثنى بن الصَّباح،عَن عَمْرو بن شُعَيْب،عَن أَبِيه،عَن جده،قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ميتةُ البحرِ حلالٌ،وماؤهُ طَهورٌ» .
ابْن (عَيَّاش) هَذَا : هُوَ إِسْمَاعِيل،أَبُو عتبَة،الْحِمصِي،لَيْسَ بِالْقَوِيّ،وَحَدِيثه عَن الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيف،بِخِلَاف الشاميين . والمُثنَّى بن الصَّباح : مكي،فَتكون هَذِه الطَّرِيقَة ضَعِيفَة . قَالَ يزِيد بن هَارُون : مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَيِّنٌ . وَقَالَ البُخَارِيّ : إِذا حَدَّث عَن أهل حمص فَصَحِيح . وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» : لَا بَأْس بحَديثه إِذا حدَّث عَن الشاميين،فَإِذا عداهم إِلَى حَدِيث أهل الْمَدِينَة جَاءَ بِمَا لَا يُتَابع عَلَى أَكْثَره .
قلت : والاعتماد إِنَّمَا هُوَ عَلَى الطَّرِيق الأول،وَهَذِه مُتَابعَة لَهُ .
الطَّرِيق السَّادِس : عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،قَالَ : «سُئل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : «هُوَ الطهورُ ماؤهُ،الحلُّ ميتتهُ» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه»،وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك»،من حَدِيث : معَاذ بن مُوسَى،حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلّي،حَدَّثَنَي أبي،عَن أَبِيه،عَن جده،عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه - قَالَ : «سُئل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ...» (الحَدِيث) .(1/332)
هَذَا إِسْنَاد عَجِيب . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : فِيهِ من يحْتَاج إِلَى معرفَة حَاله .
قلت : وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ : هُوَ ابْن عقدَة،وَقد ضَعَّفوه،وَإِن كَانَ حَافِظًا .
الطَّرِيق السَّابِع : عَن مَالك بن أنس،عَن نَافِع،عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ : «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : يَا رَسُول الله ! إنَّا نركب (الْبَحْر)،ونحمل مَعنا الْقَلِيل من المَاء،فإنْ توضأنا بِهِ عطشنا،أفنتوضأ من مَاء الْبَحْر ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هُوَ الطهورُ ماؤهُ،الحلُّ ميتتهُ» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب حَدِيث مَالك»،قَالَ : وَهُوَ بَاطِل بِهَذَا الإِسناد،مقلوب،وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» : عَن صَفْوَان بن سليم،(عَن [ سعيد ] بن سَلمَة،عَن الْمُغيرَة،عَن أبي هُرَيْرَة) .
وَفِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» فِي أول الصَّيْد والذبائح،(من) حَدِيث (عَمْرو) بن دِينَار،عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة،«أَنه سَأَلَ ابْن عمر - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - : آكل مَا (طفا) عَلَى المَاء ؟ قَالَ : إنَّ طافيته ميتَة،وَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ مَاءَهُ طهُور،وميتته حل» .
الطَّرِيق الثَّامِن : عَن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عَن مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : «هُوَ الطهورُ ماؤهُ،الحلُّ ميتتهُ» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث : عبد الْعَزِيز بن أبي ثَابت،عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيات،عَن وهب بن كيسَان،عَن جَابر بن عبد الله،عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه .
وَعبد الْعَزِيز (هَذَا) أحد المتروكين . قَالَ يَحْيَى : لَيْسَ بِثِقَة . وَقَالَ البُخَارِيّ : لَا يُكتب حَدِيثه،وَقَالَ النَّسَائِيّ : مَتْرُوك الحَدِيث . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ،وَالدَّارَقُطْنِيّ : ضَعِيف،وَقَالَ ابْن حبَان : يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير .
ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفا عَلَى أبي بكر الصّديق،بِإِسْنَاد صَحِيح .
وَقَالَ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث تفرَّد بِهِ عبد الْعَزِيز بن عمرَان الزُّهْرِيّ،وَهُوَ مديني،ضَعِيف الحَدِيث . رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيات،عَن وهب بن كيسَان،عَن جَابر،عَن أبي بكر مَرْفُوعا . وَإِسْحَاق بن حَازِم هَذَا : شيخ مديني،لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقد اخْتُلف عَنهُ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث،(فَرَوَاهُ) أَبُو الْقَاسِم بن أبي (الزِّنَاد)،عَن إِسْحَاق بن حَازِم،عَن عبيد الله بن مقسم،عَن جَابر مَرْفُوعا،وَلم يذكر فِيهِ أَبَا بكر . حدَّث بِهِ عَنهُ كَذَلِك : أَحْمد بن حَنْبَل .
قَالَ : وَقد رُوي هَذَا الحَدِيث عَن أبي بكر الصّديق،مَوْقُوفا من قَوْله،غير مَرْفُوع،من رِوَايَة صَحِيحَة عَنهُ،حدَّث (بِهِ) : عبيد الله بن عمر،عَن عَمْرو بن دِينَار،عَن أبي الطُّفَيْل،عَن أبي بكر قَوْله،وَرَوَاهُ ابْن (زَاطِيَا) عَن شيخ لَهُ من حَدِيث : عبيد الله بن عمر،عَن عَمْرو بن دِينَار،عَن أبي الطُّفَيْل،عَن أبي بكر مَرْفُوعا،وَوهم فِي رَفعه،وَالْمَوْقُوف أصح . اهـ
وَذكر الحَدِيث مَرْفُوعا : ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ»،فِي تَرْجَمَة عبد الْعَزِيز بن عمرَان،ثمَّ قَالَ : وَالْخَبَر عَن أبي بكر الصّديق مَشْهُور (قَوْله)،غير مَرْفُوع،من حَدِيث : عَمْرو بن دِينَار،عَن أبي الطُّفَيْل،عَن أبي بكر .
الطَّرِيق التَّاسِع : عَن أبان بن أبي عَيَّاش،عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الْبَحْر : «الْحَلَال ميتَته،الطّهُور مَاؤُهُ» .(1/333)
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه»،وَقَالَ أبان هَذَا مَتْرُوك . وَهُوَ كَمَا قَالَ .
وَفِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق»،عَن معمر،عَن يَحْيَى بن أبي كثير،عَن رجل من الْأَنْصَار،عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ : ماءان لَا ينقيان من الْجَنَابَة : مَاء الْبَحْر،وَمَاء الحَمَّام .
وَكَذَا رَوَى عَن أبي هُرَيْرَة،لكنه قَالَ : «(لَا) يجزيان» بدل : «(لَا) ينقيان» .
(و) قَالَ معمر : (ثمَّ) سَأَلت يَحْيَى عَنهُ بعد حِين،فَقَالَ : قد بَلغنِي مَا هُوَ أوثق من ذَلِك،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عَن مَاء الْبَحْر فَقَالَ : «الْبَحْر طهُور مَاؤُهُ،(حل) ميتَته» .
ثمَّ رَوَى (عَن) ابْن جريج عَن (سُلَيْمَان) بن مُوسَى،قَالَ : قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : «الْبَحْر طهُور مَاؤُهُ،حَلَال ميتَته» .
ثمَّ رَوَى عَن الثَّوْريّ حَدِيث أبان،عَن أنس السالف قَرِيبا .
وَاعْلَم أَن هَذِه الطّرق الَّتِي ذَكرنَاهَا آخرا،(وفيهَا) ضعف،لَا (يقْدَح) فِي الطّرق السَّابِقَة،وإنَّما ذَكرنَاهَا للتّنْبِيه عَلَيْهَا .
ونختم الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث بخاتمتين :
إِحْدَاهمَا : مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث : سعيد بن ثَوْبَان،عَن أبي هِنْد،عَن أبي هُرَيْرَة،أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «من لم يُطَهِّره مَاء الْبَحْر،فَلَا طَهَّره الله» .قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : إِسْنَاده حسن .
قلت : فِيهِ نظر ؛ فإنَّ فِيهِ : مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ،وَإِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار،أما الأول : فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» - فِي بَاب «فرض الْجدّة والجدتين» - : لَيْسَ بِالْقَوِيّ . وَأما الثَّانِي : فَقَالَ أَحْمد بن عَلّي الأبَّار : سَأَلت زنيجًا أَبَا غَسَّان عَنهُ،فَقَالَ : تركته . وَلم يرضه،وَقَالَ ابْن معِين : لَيْسَ بِذَاكَ .
الثَّانِيَة : فِي التَّنْبِيه عَلَى ضبط الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِيهِ،وَبَعض فَوَائده،بأوجز (عبارَة)،فَإِنَّهُ حَدِيث عَظِيم،أصل من أصُول الطَّهَارَة،مُشْتَمل عَلَى أَحْكَام كَثِيرَة،وقواعد مهمة . قَالَ المارودي - من أَصْحَابنَا - فِي «الْحَاوِي» : قَالَ الْحميدِي : قَالَ الشَّافِعِي : هَذَا الحَدِيث نصف علم الطَّهَارَة . فَنَقُول :
أَولهَا : «الْبَحْر» : هُوَ المَاء الْكثير،ملحًا كَانَ أَو عذبًا . مِمَّن نَص عَلَى ذَلِك : ابْن سَيّده فِي «الْمُحكم»،قَالَ : وَقد غلب عَلَى الْملح،حتَّى قلَّ فِي العذب،وصرفوه عَلَى مَعْنَى الملوحة . وَقَالَ القَزَّاز : إِذا اجْتمع الْملح والعذب سموهُ باسم الْملح،أَي : بحرين . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ (،قَالَ : وسُمي بذلك لسعته،من قَوْلهم : تَبحَّر الرجل فِي الْعلم . أَي : اتَّسع . وَقَالَ الْأَزْهَرِي : سميت الْأَنْهَار : بحارًا ؛ لِأَنَّهَا مشقوقة فِي الأَرْض شقًّا،وَمِنْه سميت البَحِيْرَة .
الثَّانِيَة : «الطّهُور» بِفَتْح الطَّاء : اسْم للْمَاء،وَبِضَمِّهَا : اسْم للْفِعْل . هَذَا هُوَ أشهر اللُّغَات فِيهِ . وَقيل : بِالضَّمِّ فيهمَا . وَقيل : بِالْفَتْح فيهمَا .
الثَّالِثَة : قَوْله «الحِلُّ» : هُوَ بِمَعْنى الْحَلَال،(كَمَا يُقَال فِي ضِدّه : حرم،وَحرَام،وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات : «الْحَلَال) ميتَته» . كَمَا تقدم .
الرَّابِعَة : قَوْله : «ميتَته» : هُوَ بِفَتْح الْمِيم ؛ لِأَن المُرَاد : الْعين الْميتَة،وَأما (الْميتَة بِكَسْر الْمِيم : هَيْئَة الْمَوْت) .(1/334)
قَالَ الْمبرد : المِيتة : الْمَوْت،وَهُوَ من أَمر الله - عزَّ وجلَّ - يَقع فِي الْبر وَالْبَحْر،لَا يُقَال فِيهَا : لَا حَلَال،وَلَا حرَام . وَلَا مَعْنَى لهَذَا هُنَا .
قَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «إصْلَاح الْخَطَأ» - ثمَّ الشَّيْخ زكي الدَّين - : وعوامّ الروَاة يولعون بِكَسْر الْمِيم فِي هَذَا الموطن،وَهُوَ خطأ .
وَكَذَا (قَالَ) صَاحب «الْمَشَارِق» : من رَوَاهُ بِالْكَسْرِ فقد أَخطَأ .
قَالَ الشَّيْخ فِي «الإِمام» : قَالَ بَعضهم : يُقَال فِي الْحَيَوَان : ميتَة،وَفِي (الأَرْض) : ميت،بِغَيْر هَاء،قَالَ تَعَالَى : (إِلَّا أَن يكون ميتَة)،وَقَالَ تَعَالَى : (وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا) . قَالَ : وَهَذَا يرد عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : (وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة) . أه .
و (الْميتَة) : بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف،بِمَعْنى وَاحِد فِي موارد الِاسْتِعْمَال،وَفصل بَعضهم بَينهمَا . قَالَ (البَطَلْيَوسي) فِي «شرح أدب (الْكَاتِب) » : فرَّق قوم بَين الْمَيِّت بِالتَّخْفِيفِ،والميِّت بِالتَّشْدِيدِ (فَقَالُوا) : الأول مَا قد مَاتَ،وَالثَّانِي (مَا) سيموت . وَهَذَا خطأ . ثمَّ أوضحه ابْن عَطِيَّة فِي «تَفْسِيره»،نقل هَذَا أَيْضا،إلاَّ أَنه قَالَ : بِالتَّشْدِيدِ يُستعمل فِيمَا مَاتَ،وَفِيمَا لم يَمُتْ بعد .
الْخَامِسَة : «الأَرْمَاث» الْمَذْكُور فِي بعض رويات الحَدِيث،هُوَ : بِفَتْح الْهمزَة،(وبالراء) الْمُهْملَة،وَآخره ثاء مُثَلّثَة،جمع : رَمَث : (بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم)،وَهِي : خشب يُضم بعضُها إِلَى بعض،ويُركَبُ عَلَيْهَا فِي الْبَحْر .
السَّادِسَة : قَوْله : «فَيَعْزُبُ فِيهِ (الليلتين) وَالثَّلَاث» . يجوز أَن يُقرأ بالغين الْمُعْجَمَة،وَالرَّاء الْمُهْملَة ؛ أَي : يبعد . وبالعين الْمُهْملَة،وَالزَّاي الْمُعْجَمَة،يُقَال : عَزَبَ بِالْفَتْح،يَعْزُبُ بِالضَّمِّ ؛ أَي : بَعُدَ . أفادهما الشَّيْخ فِي «الإِمام» .
السَّابِعَة : أنهَى بَعضهم إِعْرَاب قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ : «الطهورُ ماؤهُ،الحِلُّ ميتتهُ» إِلَى قريب من عشْرين وَجها،كَمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام»،فِي كثير مِنْهَا تكلّف وإضمار لَا يظْهر الدّلَالَة عَلَيْهَا،قَالَ : فتركنا أَكْثَرهَا،(واقتصرنا) عَلَى أَرْبَعَة أوجه :
الأول : أَن يكون «(هُوَ») : (مُبْتَدأ،و «الطّهُور» : مُبْتَدأ ثَانِيًا،وَخَبره : مَاؤُهُ،وَالْجُمْلَة من هَذَا) الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره،خبر الْمُبْتَدَأ الأول .
الثَّانِي : أَن يكون «هُوَ» مُبْتَدأ،«الطّهُور» خَبره،وماؤه من بدل الاشتمال .
الثَّالِث : أَن يكون «هُوَ» ضمير الشَّأْن،و «الطّهُور مَاؤُهُ» : مُبْتَدأ وخبرًا .
الرَّابِع : أَن يكون «هُوَ» مُبْتَدأ،و «الطّهُور» خَبره،و «مَاؤُهُ» فَاعل ؛ لِأَنَّهُ قد (اعْتمد) عَامله بِكَوْنِهِ خَبرا .
الثَّامِنَة : فِيهِ جَوَاز الطَّهَارَة بِمَاء الْبَحْر،وَبِه قَالَ جَمِيع الْعلمَاء،إلاَّ (ابْن عمر،وَابْن عَمْرو)،وَسَعِيد بن الْمسيب،وتقدَّم (قبل) ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة،و (رِوَايَته) الحَدِيث «أَنه طهُور» (ترده)،وَكَذَا رِوَايَة عبد الله بن عمر أَيْضا .
التَّاسِعَة : فِيهِ أنَّ الطّهُور،هُوَ (المطهر)،وَهُوَ مَذْهَبنَا،وَبِه قَالَ الْجُمْهُور،خلافًا لأَصْحَاب أبي حنيفَة،حَيْثُ قَالُوا : هُوَ الطَّاهِر . حجَّة الْجُمْهُور : أَنهم سَأَلُوا عَن طهوريته،لَا عَن طَهَارَته .
الْعَاشِرَة : فِيهِ أَن ميتات الْبَحْر كلهَا حَلَال،لَكِن يُسْتَثْنَى عندنَا الضفدع،والسرطان،لدَلِيل خَصَّهما .(1/335)
الْحَادِيَة عشرَة : فِيهِ أَن (السّمك) الطافي - وَهُوَ الَّذِي مَاتَ فِي الْبَحْر بِغَيْر سَبَب - حَلَال،وَهُوَ مَذْهَبنَا،وَبِه قَالَ الْجُمْهُور،وَقَالَ أَبُو حنيفَة : لَا يحل .
الثَّانِيَة عشرَة :فِيهِ أَن ركُوب الْبَحْر جَائِز،اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يهيج،ويغلب عَلَى الظَّن الْهَلَاك،فَلَا لدَلِيل آخر .
الثَّالِثَة عشرَة : (فِيهِ) أَن المَاء إِذا خالطه مَاء أَزَال عَنهُ اسْم المَاء الْمُطلق،لم يجز الطَّهَارَة بِهِ عندنَا،وَبِه قَالَ الْجُمْهُور،(وجوَّزه) أَبُو حنيفَة . وَمَوْضِع الدّلَالَة لِلْجُمْهُورِ : أَنهم شَكُّوا فِي جَوَاز الطَّهَارَة بِمَاءالْبَحْر من أجل ملوحته،فسألوا عَنهُ،فَلَو لم يكن (التَّغَيُّر) فِي الْجُمْلَة مؤثرًا لم يسْأَلُوا (عَنهُ) .
الرَّابِعَة عشرَة : فِيهِ أَن الْمُفْتِي إِذا سُئل عَن شَيْء،وَعلم أنَّ بالسائل حَاجَة إِلَى أَمر آخر مُتَعَلق بِالْمَسْأَلَة،يسْتَحبّ لَهُ أَن يذكرهُ لَهُ،ويعلمه إِيَّاه ؛ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن مَاء الْبَحْر،فَأُجِيب بمائه وَحكم ميتَته ؛ لأَنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى الطَّعَام كَالْمَاءِ،وَإِذا جهلوا كَونه مطهرًا فجهالتهم حل ميتَته أولَى،ونظائر هَذَا كثير فِي الْأَحَادِيث .
الْخَامِسَة عشرَة : اسْم السَّائِل عَن الْبَحْر هُوَ : العَرَكي - بِفَتْح الْعين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ - هَكَذَا قَالَه السَّمْعَانِيّ فِي «الْأَنْسَاب» .
وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني - (أَي : بِسَنَدِهِ) - عَن العركي،أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن مَاء الْبَحْر،فَقَالَ : «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» .
وغَلَّطُوه - أَعنِي السَّمْعَانِيّ - فِي قَوْله : اسْمه «العركي»،وَإِنَّمَا العركي وصفٌ لَهُ،وَهُوَ : مَلاَّح السَّفِينَة .
(و) تبعه الْحَافِظ أَبُو عبد الله (الذَّهَبِيّ) فِي مُخْتَصره «معرفَة الصَّحَابَة»،فَقَالَ : هُوَ اسْم (يشبه) النِّسْبَة،وَفِيه النّظر الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا،وإنَّما اسْمه : عبيد،وَقيل : عبد،بِالتَّصْغِيرِ وَالتَّكْبِير . وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ : الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ،فَقَالَ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» : عبد،أَبُو زَمعَة،البلوي،الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن مَاء الْبَحْر،قَالَ ابْن منيع : بَلغنِي أَن اسْمه : عبيد . وَأوردهُ الطَّبَرَانِيّ فِيمَن اسْمه عبيد . وَأوردهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بالعركي،والعركي : هُوَ الملاح،وَلَيْسَ لَهُ باسم . هَذَا لفظ أبي مُوسَى برمتِهِ . وَفِي «علل» أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ : أَن اسْمه عبد الله،كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَة لَا بَأْس بهَا . وَقد تقدم أَن السَّائِل (هُوَ) : الفِراسي،أَو ابْن الفِراسي . وَقَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : يُقَال : إنَّ هَذَا الرجل كَانَ من بني مُدْلِج .
قلت : قد ورد هَذَا صَرِيحًا،مَجْزُومًا بِهِ فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير»،فَرَوَاهُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْمُغيرَة بن أبي بردة،عَن المدلجي،«أَنه أَتَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ...» فَذكر الحَدِيث . وَقَالَ ابْن بشكوال : إِنَّه عِنْده العركي،(وَكَذَا) أَبُو الْوَلِيد فِي «مشتبه النِّسْبَة» من تأليفه،ثمَّ قَالَ : وَقيل : هُوَ عبد الله المدلجي،وَسَاقه بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك . وَهَذَا الَّذِي قَالَه السَّمْعَانِيّ،وَأَبُو مُوسَى،والرافعي : إِنَّمَا ينفعنا فِي رِوَايَة من رَوَى : «أَن رجلا سَأَلَ»،أَو «سَائِلًا (سَأَلَ) . فَأَما الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة : أَن (رجَالًا) من بني مُدْلِج،أَو نَاسا»،فَيحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن اسمهم،وَالظَّاهِر أَن الْقِصَّة وَاحِدَة .(1/336)
وَالْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث منتشر جدا،لَا يسعنا هُنَا استيعابه،وَقد نبَّهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى كثير (مِمَّا تركنَا)،ولعلنا نفرده بالتصنيف - إِن شَاءَ الله وقَدَّر .
وَقد فعل ذَلِك - وَله الْحَمد - فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ،فِي جُزْء لطيف . اهـ
فهذا الكتاب هو أفضل كتاب في ترخيج أحاديث الأحكام على الإطلاق .،ولا يمكن أن يستغني عنه طالب علم،ففيه من الكنوز الحديثية والاصطلاحية الكثير الكثير .
قلت : وهذا الحديث في خلاصة البدر المنير(1)
كتاب الطَّهَارَة
1 - حَدِيث أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ والحل ميتَته رَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد والدارمي وَالْأَرْبَعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح قَالَ وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَرجح ابْن مَنْدَه صِحَّته قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا لأجل اخْتِلَاف وَقع فِي اسْم سعيد بن سَلمَة والمغيرة بن أبي بردة قَالَ الْحَاكِم مثل هَذَا الحَدِيث الَّذِي تداوله الْفُقَهَاء فِي عصر الإِمَام مَالك إِلَى وقتنا هَذَا لَا يرد بِجَهَالَة هذَيْن الرجلَيْن وَهِي مَرْفُوعَة عَنْهُمَا بمتابعات فَذكرهَا بأسانيد قلت وليسا بمجهولين كَمَا حررناه فِي الأَصْل .
ـــــــــــــــ
4- تخريج الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- لأحاديث الأحياء
عندنا نوع ثالث من الكتب وهو تخريج الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- لأحاديث إحياء علوم الدين،للإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- الذي لم يكن له ذاك الباع في علم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان أكثر اشتغال الغزالي في مقتبل حياته إلى وقت متأخر من عمره بالفلسفة والكلام والجدل والفقه،طبعا لأنه نظارة من كبار الأئمة الشافعية في الفقه،وله كتبه الكثيرة؛ الوسيط والوجيز وغيرها من الكتب،ثم إن الغزالي -رحمه الله تعالى- اعتزل كل ذلك في آخر حياته وندم على الاشتغال بعلم الكلام،وسطر في ذلك كلاما غاليا نفيسا ذكره أبو العز الحنفي في شرحه للطحاوية،وإنه -رحمه الله تعالى- رجع إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات وكتاب البخاري على صدره. هذا في آخر حياة الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- فلما ألف الإحياء؛ ذكر كثيرا من الأحاديث والآثار في كل الأبواب،وهذا يدلُّ على سعة اطلاعه،ولكنه لم يميز الصحيح من غيره،فأورد أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة،وواهية،وبعضها لا أصل له .
فجاء الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة 806 هجريا،فألف تخريجا موسعا جدًا لأحاديث الإحياء ثم اختصره في كتاب وسط سماه "إخبار الأحياء بأخبار الإحياء" ثم اختصر هذا الوسط في هذا التخريج اليسير الذي هو يتكلم على الحديث في سطر؛ حديث فلان رواه عن أبي هريرة مثلاً بإسناد ضعيف أو لا أصل له أو حديث موضوع أو غير ذلك من العبارات التي سنراها الآن لا تزيد عن سطر واحد.
__________
(1) - خلاصة البدر المنير - (ج 1 / ص 7)(1/337)
أما الكتاب الوسط الذي هو "إخبار الأحياء بأخبار الإحياء"؛ ففُقِد وغير موجود،وأما الكتاب الكبير فقد ضمنه شارح الإحياء الذي هو "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" للإمام الزَّبيدي وكان عنده النسخة الأصلية وفرغ جل هذا الكتاب الأصلي في شرحه على إحياء علوم الدين،تجد في إتحاف السادة المتقين كلام العراقي على الأحاديث في المصدر الأصلي الذي هو الكتاب الأصلي لتخريج الإحياء مع كلامه أيضا على شرح سنن الترمذي. نحن نعرف أن العراقي -رحمه الله تعالى- له شرح على سنن الترمذي شرح بديع لا مثيل له في شروح الترمذي وواسع الخطو في الكلام على الروايات. فالترمذي -رحمه الله تعالى- حين يروي يقول وفي الباب عن فلان وفلان،فالعراقي -رحمه الله تعالى- حين يخرِّج يقول الكلام عليه من وجوه يعني على كلام الترمذي الأول فيخرج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي في الباب،فهو يخرج هذه الروايات،ثم يقول: وفي الباب غير ما ذكره الترمذي عن فلان وفلان ويسرد أحيانا عشرا أو اثني عشر نفسا من الصحابة ويخرج أحاديثهم في هذا الباب فيعتبر شرح العراقي إذا خرج جامعا لرويات الباب كله في موضع واحد،حتى إنه يأتي بالأحاديث الضعيفة وأحيانا يأتي بالأحاديث المنكرة ويأتي أحيانا بالأحاديث الموضوعة في هذا الباب بقصد أن يستوعب كل ما في الباب في هذا الموضع.
فالزبيدي -رحمه الله تعالى- كان عنده شرح العراقي على الترمذي وكان عنده التخريج الأصلي للإحياء التخريج الكبير فضمنه في شرحه،فكتاب إتحاف السادة المتقين -وإن كان كتابا مغفولا عنه لا يلتفت إليه كثير من الطلبة- إلا أن فيه هذه الدرر النادرة،فعنده التخريج الأصلي للإحياء وعنده كلام العراقي على شروح الأحكام. طبعا لم يفرغ كل شروح الترمذي؛ لأن شرح الترمذي شرح فقهيّ ما يتعلق بالأبواب الموجودة في الإحياء من الترمذي وضعها في هذا الكتاب،فاختصر الحافظ العراقي لما رأى أن التخريج طويل في كلام يسير فترى مثلاً الأحاديث الواردة في الإحياء فيقول مثلاً حديث كذا أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمرو وأبو منصور الديلمي من حديث أبي رافع بسند ضعيف. لو فتحنا أي موضع في الإحياء وتقرأ في الأصل وهو يتكلم تجد في الهامش تحت كلام في سطر واحد يقول مثلاً حديث وجوب صدقة الفطر على كل مسلم: أخرجاه يعني الشيخين من حديث ابن عمر قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان.." الحديث.
يليه هذا كله في سطر (أدوا زكاة الفطر عما تمونون -يعني ممن تلزمكم مؤنتهم-) أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) قال البيهقي: إسناده غير قوي وهكذا.
فالعراقي -رحمه الله تعالى- اختصر تخريجه الوسط وهو "إخبار الأحياء بأخبار الإحياء" فوضعه في هامش إحياء علوم الدين من باب تبصير الناس بحقيقة ما في الإحياء من أخبار.
وطريقته في التخريج أنه إن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما؛ اكتفى بعزوه إليه،وإذا لم يكن في الصحيحين أو أحدهما؛ ذكر من أخرجه من بقية أصحاب الكتب الستة،وإذا كان في أحد الكتب الستة؛ لم يعزه إلى غيرها إلا لغرض مفيد كأن يكون من أخرجه ممن التزم الصحة في كتابه أو كان لفظه أقرب إلى لفظه الذي في الإحياء،وإذا لم يكن الحديث في أحد الكتب الستة؛ ذكر مواضعه في غيرها من كتب الحديث المشهورة الكثيرة،وإذا تكرر الحديث في الإحياء فإن تكرر في باب واحد؛ ذكر تخريجه أول مرة غالبا. وقد يكرر تخريجه لغرض أو لذهول عن كونه تقدم تخريجه،وإن كان التكرار في باب آخر؛ خرجه في جميع المواضع ونبه على أنه تقدم وربما ذهل عن التنبيه.(1/338)
وطريقته في عرض التخريج أنه يذكر طرف الحديث الذي في الإحياء وصحابيه ومخرجه ثم يبين صحته أو حسنه أو ضعفه،وإذا لم يكن للحديث أصل في كتب السنة؛ بين ذلك بقوله: لا أصل له وأحيانا يقول: لا أعرفه؛ أي لا يعرفه حديثا في كتب السنة في حدود اطلاعه وهذا دقة منه في التعبير -رحمه الله-.
وهذا التخريج ضروريّ ومهم جدًا؛ لأن كتاب إحياء علوم الدين يشتمل على كثير من الأحاديث الضعيفة والواهية بل والموضوعة فتولى هذا التخريج بيانها وميز صحيحها من سقيمها بشكل مختصر وبعبارة سهلة واضحة؛ فجزى الله الحافظ العراقيّ وبقية علماء المسلمين الذين خدموا السنة النبوية بتصنيفاتهم النافعة أفضل الجزاء! وإليك نموذجا من هذا التخريج:
قال العراقي -رحمه الله تعالى-: حديث: (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه)،أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف وقد رواه بدون الاستثناء أبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي سعيد وصححه أبو داود وغيره)
فهذا الكتاب تخريج أحاديث إحياء علوم الدين والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية والبدر المنير تعتبر أيضا كتب مساعدة في الاستخراج عن طريق موضوع الحديث.
ـــــــــــــــ
5- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني
قال في مقدمته :أما بعد فهذا كتابنا " إرواء الغليل في نخريج أحاديث منار السبيل " نقدمه اليوم إلى قرائنا الكرام بعد أن كثر السؤال عنه وألح بطبعه كثير من أهل العلم والفضل في مختلف البلاد الإسلامية كلما جاء ذكره أو بلغهم اسمه . وقد كنت فرغت من تخريجي منذ أكثر من خمسة عشر عاما ولذلك جريت على الإحالة عليه في تخريج بعض الأحاديث في كثير من مؤلفاتي المطبوعة منها والمخطوطة سواء ما كنت قد سلكت في تخريجه مسلك البسط أو التوسط أو الإيجاز أ والاكتفاء بذكر مرتبة الحديث فقط مثل " الأحاديث الصحيحة " . و " الأحاديث الضعيفة ) و " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " و " ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة " و" التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب " ومثل بعض الرسائل الصغيرة نحو " الكلم الطيب " و " التوسل : أنواعه وأحكامه " و" الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات " وغيرها . ولذلك فإنه كان من الضروري إخراجه إلى عالم المطبوعات منذ سنين تيسيرا علي في المراجعة عند الإحالة أولا واستجابة لرغبة أ هل العلم وإفادتهم ثانيا . ومع أن الفضل في تأليفه يعود إلى الأخ الفاضل الأستاذ محمد زهير الشاويش وكان حريصا على نشره على الناس إلا أنه حال بينه وبين ذلك أسباب منها اضطراره إلى الخروج من سورية ثم من لبنان لمدة طويلة وأخيرا الوضع المضطرب في بيروت منذ بضع سنوات . والآن وقد استقرت الأوضاع بعض الشئ " وتيسرت له سبل الطباعة فقد بادر - جزاه الله خيرا - إلى إخراجه إلى عالم المطبوعات فضم بذلك فضلا إلى فضل أتم الله علينا وعليه نعمه ظاهرة وباطنة . ثم إن الباعث على هذا التخريج كان أمورا أذكر أهمها :
الأول : أن أصله : " منار السبيل . . . . " هو من أمهات كتب مذهب الإمام أحمد إمام السنة الذي جمع من الأحاديث مادة غزيرة قلما تتوفر في كتاب فقهي آخر في مثل حجمه - إذ هو جزءان فقط - حتى بلغ عددها ثلاثة آلاف حديث أو زادت جلها مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الثاني : أنه لا يوجد بين أيدي أهل العلم وطلابه كتاب مطبوع في تخريج كتاب في الفقه الحنبلى كما للمذاهب الأخرى خذ مثلا كتاب " نصب الراية لأحاديث الهداية " في الفقه الحنفي للحافظ جمال الدين الزيلعى و" تلخيص ابن حجر العسقلاني " فرأيت أن من واجبي تجاه إمام السنة ومن حقه علي أن أقوم بخدمة متواضعة لمذهبه وفقهه رحمه الله تعالى وذلك بتخريج هذا الكتاب .(1/339)
الثالث : أنني توخيت بذلك أن أكون عونا لطلاب العلم والفقه عامة والحنابلة منهم خاصة الذين هم - فيما علمت - أقرب الناس إلى السنة على السلوك معنا في طريق الاستقلال الفكري الذي يعرف اليوم ب ( الفقه المقارن ) هذا الفقه الذى لا يعطيه حقه - اليوم - أكثر الباحثين فيه والمدرسين لمادته في ( كليات الشريعة ) المعروفة الآن فإن من حقه أن لا يستدلَّ فيه بحديث ضعيف لا تقوم به حجة . فترى أحدهم يعرض لمسألة من مسائله ويسوق الأقوال المتناقضة فيه ثم لا يذكر أدلتها التفصيلية فإذا كان فيها شئ من . الأحاديث النبوية " حشرها حشرا دون أن يبين ويميز صحيحها من حسنها بل ولا قويها من ضعيفها فيكون من نتيجة ذلك وآثاره السيئة أن تتبلبل أفكار الطلاب وتضطرب آراؤهم في ترجيح قول على قول آخر ويكون عاقبة ذلك أن يتمكن من قلوبهم الخطأ الشائع : أن الحق يتعدد،بل صرح بعضهم أخيرا فقال : إن هذه الأقوال المتعارضة كلها شرع الله ! وأن يزدادوا تمسكا بالحديث الباطل : " اختلاف أمتي رحمة "(1)
__________
(1) - وقال الألباني في تعليقه على هذا الحديث في الضعيفة 1/76 و77(57): " لا أصل له ،ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا ،حتى قال السيوطي في " الجامع الصغير " : ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا ! .
وهذا بعيد عندي ،إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - ،وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده .
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال : وليس بمعروف عند المحدثين ،ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع .
وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوي " ( ق 92 / 2 )
ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء ،فقال العلامة ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " ( 5 / 64 ) بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث :
"وهذا من أفسد قول يكون ،لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا ،وهذا ما لا يقوله مسلم ،لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف ،وليس إلا رحمة أو سخط..."
"وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيراً من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة,ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم, بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا بردِّ بعضها المخالف للدليل, وقبول البعض الآخر الموافق له،وهذا مالا يفعلونه, وبذلك نسبوا إلى الشريعة التناقض وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِن عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء, فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله, فكيف يصحُّ إذن جعله شريعة متبعة, ورحمة منزلة ؟ ".
أقول: في هذا الكلام خلط عجيب, لا أعتقد أن أحداً من السابقين يقول به, وسأذكر بعضه:
الأول: زعمه أن (معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء) ولم يورد شيئا لإثبات هذا الزعم سوى قول ابن حزم،فهل ابن حزم رحمه الله هو مرجع الأمة وحده ؟.
وهل هو ممثل العلماء ؟
وأين هم المحققون الذين استنكروا معنى هذا الكلام ؟
والصواب أنه م يستنكره إلا ابن حزم ،وسائر أهل العلم قد ذكروه في كتبهم دون نكير.
وهنا يصف ابن حزم بالعلامة وبالتحقيق ،بينما في كتبه الأخرى يقول عنه غير ذلك ،وإليك البيان :
قال في تعليقه على الحديث " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر.." قلت : وهذا إسناد صحيح ومتابعة قوية لهشام بن عمار وصدقة بن خالد ،و لم يقف على ذلك ابن حزم في " المحلى " ،ولا في رسالته في إباحة الملاهي ،فأعل إسناد البخاري بالانقطاع بينه وبين هشام ،وبغير ذلك من العلل الواهية ،التي بينها العلماء من بعده وردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها ،مثل المحقق ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272 ) والحافظ ابن حجر في " الفتح " وغيرهما ،وقد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها ،يسر الله تبيضه و نشره .
وابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله وعقله ،فهو ليس طويل الباع في الاطلاع
على الأحاديث وطرقها ورواتها . ومن الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث . السلسلة الصحيحة(91 )
وقال في كلامه على حديث - " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة .."
والآخر : أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم ،لاسيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد ،فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم
المخالفة فكيف إذا خالف ؟ !السلسلة الصحيحة ( 204 )
وقال أيضاً " فلا يقبل بعد هذا قول ابن حزم فيه ( 8 / 196 ) : " وهو مجهول " وأعل الحديث به ،فإنه لا سلف له في ذلك ،وقد وثقه هؤلاء الأئمة ".السلسلة الصحيحة (260 )
وقال أيضاً :"وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم : ضعيف " . ومن عرف حال أبي الفتح الأزدي وما فيه من الضعف المذكور في ترجمته في " الميزان " وغيره و عرف شذوذ ابن حزم في علم الجرح عن الجماعة كمثل خروجه عنهم في الفقه لم يعتد بخلافهما لمن هم الأئمة الموثوق بهم في هذا العلم" السلسلة الصحيحة(503 )
وقال أيضا :" وفيما تقدم رد قوي على ابن حزم في قوله في " رسالة الملاهي" (ص97) : أنه لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير الآية بأنه الغناء ! قال : " وإنما هو قول بعض المفسرين ممن لا تقوم بقوله حجة " ! و مع سقوط كلامه هذا بما سبق ،فيخالفه صنيعه في " المحلى " ،فقد ساق فيه الروايات المتقدمة عن ابن مسعود وابن عباس ،وعن غيرهما من التابعين ،ولم يضعفها ،وإنما قال : " لا حجة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " !
فنقول : كلمة حق أريد بها باطل ،لأنه لم يذكر عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف تفسيرهم . ثم زعم أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين ! وهذا كالذي قبله ،فإنه لم يذكر ولا رواية واحدة مخالفة ،ولو كان لديه لسارع إلى بيانها . ثم احتج بأن الآية فيها صفة من فعلها كان كافرا . فنقول : هذا حق ،ولكن ذلك لا ينفي أن يؤاخذ المسلم بقدر ما قام فيه من تلك الصفة ،كالالتهاء بالأغاني عن القرآن . السلسلة الصحيحة (2922 )
الثاني - عدم معرفته بأسباب اختلاف الفقهاء, وقد ألفت عشرات الكتب فيها قديماً وحديثاً ككتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية رحمه الله وقد قمت بشرحه والتعليق عليه مطولا.
الثالث: يستحيل إزالة أسباب الخلاف إزالة تامة, لأنه يرجع إلى النصوص نفسها،فغالبها ليس قطعي الدلالة,بل ظني الدلالة, فكيف نرجع الخلاف إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة ؟.
الرابع: أن الفقهاء استنبطوا أحكامهم من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس وليس من فراغ .
الخامس: لو شاء الله تعالى لجعل نصوص هذه الشريعة كلها قطعية الدلالة لا تحتمل أكثر من معنى, ولكن لم يشأ ذلك, فكيف نزيل الخلاف ؟
السادس: يعني الفقهاء بقولهم الاختلاف رحمة: أنه يوجد في المسألة الواحدة أكثر من قول والمكلَّف في سعة من أمره طالما أنه لم يبلغ درجة الاجتهاد, وهذا الاختلاف موجود منذ عهد الصحابة وسيبقى إلى قيام الساعة،ولن يستطيع أحد إزالته .
السابع: قوله أنهم يرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة اهـ وعزاه لفيض القدير 1/209 .
قلت :" قال المناوي رحمه الله:" إن اختلافهم توسعة على الناس يجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلها, لئلا تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم, ولم يكلفوا مالا طاقة لهم به, توسعة في شريعتهم السمحة السهلة, فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه الأمة, فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له, وقد وعد بوقوع ذلك, فوقع, وهو من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - , أما الاجتهاد في العقائد فضلالٌ ووبالٌ كما تقرر "1/209
وهناك فرق كبير بين كلام الشيخ ناصر وكلام المناوي ."
الثامن: منْ قال بأنَّ الشريعة متناقضةٌ ؟!،علماً أن الفقهاء يصرحون ويقولون قال أبو حنيفة:رأيي في هذه المسألة كذا, . وهكذا غيره, لذلك يقولون لك إذا سألتهم عن حكم مسألة مثلاً: هذه حلال في المذهب الشافعي, ولا يقولون من الله .. بل إن اختلاف الفقهاء هو اختلاف تنوُّع وليس اختلاف تضادٍّ .
التاسع: ما علاقة الآية القرآنية باختلاف الفقهاء،ولا سيما أنها واردة في حقِّ القرآن الكريم وليس على غيره كما هو معلوم ؟ .
العاشر: ما قاله ابن حزم غير صحيح, إذا كان الاختلاف رحمة كان الاتفاق سخطاً, فهذا الثاني غير لازم قطعاً ولا مراد,والاختلاف من طبيعة البشر والحياة والنصوص, فمن أراد أن يزيله فليغير طبيعة البشر والحياة والنصوص حتى يتسنَّى له ذلك, ولا يقدر على هذا إلا اللهُ وحده.(1/340)
وقد تتغلب العصبية المذهبية على أحدهم وقد يكون هو أستاذ المادة نفسه فيرجح من تلك الأقوال الموافق لمذهبه وينتصر له بحديث من تلك الأحاديث وهو لا يدري أنه حديث ضعيف عند أهل الحديث ونقاده والمنهج العلمي الصحيح يوجب عليه أن يجري عملية تضعيفه بين تلك الأحاديث المتعارضة المستدل بها للأقوال المتناقضة فما كان منها ضعيفا لا تقوم به حجة تركت جانبا ولم يجز المعارضة بها وما كان منها صحيحا أو ثابتا جمع بينها بوجه من وجوه التوفيق المعروفة في علم أصول الفقه وأصول الحديث وقد أوصلها الحافظ العراقي في حاشيته على " علوم الحديث " لابن الصلاح إلى أكثر من مئة وجه .
الرابع : أن لمثل هذا التخريج العلمي علاقة وثقى بما اصطلحت على تسميته ب " التصفية " وأعني بها أن النهضة الإسلامية المرجوة لا يمكن ان تقوم إلا على أساس تصفية الإسلام مما دخل فيه على مر القرون ومن ذلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة وبخاصة ما كان منها في كتب الفقه وقد أقيمت عليها أحكام شرعية فإن تصفية هذه الكتب من تلك الأحاديث مع كونه واجبا دينيا لكي لا يقول المسلم على نبيه ( - صلى الله عليه وسلم - ) ما لم يقله أو ما لا علم له به فهو من أقوى الأسباب التي تساعد المسلمين المختلفين على التقارب الفكري ونبذ التعصب المذهبي .
الخامس : أننا - بمثل هذا التخريج والتصفية - نسد الطريق على بعض المبتدعة الضالة الجهلة الذين يحاربون الأحاديث النبوية وينكرون حجية السنة ويزعمون أن الإسلام ليس هو إلا القرآن ! ويسمون في بعض البلاد " القرآنيين " . وليسوا من القرآن في شئ. ويلبسون على الجهال بقولهم : إن السنَّة غير محفوظة وإن بعضها ينقض بعضا ويأتون على ذلك ببعض الأمثلة منها حديث : " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء يعني عائشة " ثم يعارضون به قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) في النساء أنهن " ناقصات عقل ودين " ويقولون : أنظروا كيف يصف النساء بالنقص في هذا الحديث ثم يأمر بأخذ شطر الدين من عائشة وهي متهمة في النقص !(1)
__________
(1) انظر رسالتي " منزلة السنة في الاسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن
قلت : قد ناقشته في هذه الرسالة بكتاب مطول ،حول بعض ما ورد فيها .(1/341)
فإذا ما علم المسلم المتبصر في دينه أن الحديث الأول موضوع مكذوب على رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) والحديث الآخر صحيح زال التعارض المزعوم أولا لأنه لا يصح في عقل عاقل - غير مجنون - معارضة الحديث الصحيح بالموضوع وانكشف تلبيسهم وجهلهم وضلالهم . ثم إذا رجع إلى الحديث الاخر الصحيح ثانيا وأخذه بتمامه من مصدره الموثوق به يتبين له أن النقص المذكور ليس إطلاقه كما يتعمد الدجالون أن يوهموا الناس وإسقاطا منهم للسنة من قلوبهم زعموا وإنما هو أن المرأة لا تصلي ولا تصوم وهي حائض وأن شهادتها على النصف من شهادة الرجل كما جاء تفسيره في الحديث نفسه في " صحيح البخاري " وغيره . وهذا هو الشأن على الغالب بين الأحاديث الضعيفة والصحيحة وطرق شياطين الإنس والجن لإضلال الناس كثيرة متنوعة فهذا يضل بمثل حديث عائشة المذكور آنفا وآخر بمثل الحديث المتقدم " اختلاف أمتي رحمة " . من أجل كل ذلك كان هذا التخريج النافع إن شاء الله تعالى . واعلم أن فن التخريج ليس غاية في نفسه عند المحققين من المحدثين بحيث يقتصر أمره على أن نقول مخرج الحديث : " أخرجه فلان وفلان وعن فلان عن النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) كما يفعله عامة المحدثين قديما وحديثا بل لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفا فإنه والحالة هذه لا بد له من أن تتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة وهذا ما يعرف في علم الحديث بالحسن لغيره أو الصحيح لغيره . وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها لأنه يتطلب سعة في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها ومعرفة جيدة بعلل الحديث وتراجم رجاله أضف إلى ذلك دأبا وجلدا على البحث فلا جرم أنه تقاعس عن القيام بذلك جماهير المحدثين قديما والمشتغلين به حديثا وقليل ما هم . على أننى أرى أنه لا يجوز في هذه الأيام الاقتصار على التخريج دون بيان المرتبة لما فيه من إيهام عامة القراء الذين يستلزمون من التخريج القوة - أن الحديث ثابت على كل حال . وهذا مما لا يجوز كما بينته في مقدمة : " غاية المرام " فراجعه فإنه هام . من أجل ذلك فإني قد جريت في هذا التخريج كغيره على بيان مرتبة كل حديث في أول السطر ثم اتبع ذلك بذكر من خرجه ثم بالكلام على إسناده تصحيحا أو تضعيفا وهذا إذا لم يكن في مخرجه الشيخان أو أحدهما وإلا استغنيت بذلك عن الكلام كما كنت بينته في مقدمتي لتخريج أحاديث " شرح العقيدة الطحاوية " ومقدمتي على " مختصر مسلم " للمنذري . وقد لا يتيسر لي الوقوف على إسناد الحديث وحينئذ أنقل ما وقفت عليه من تخريج وتحقيق لأهل العلم أداء للأمانة وتبرئة للذمة ولكني في هذه الحالة أبيض للحديث على الغالب فلا أذكر له مرتبة . والله - سبحانه وتعالى - أسال أن يسدد خطانا وأن يحفظ علينا ما به من النعم أولانا وأن يغفر لنا ذنوبنا ويصلح أعمالنا ويخلص نوايانا وأن يعاملنا بفضله إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين . وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله الا أنت أستغفرك وأتوب إليك . بيروت غرة رجب 1399 . وكتب محمد ناصر الدين الألباني اهـ
قلت : نلاحظ أن في هذه المقدمة بعض الشطط والغلو من الشيخ رحمه الله،يحتاج مناقشته إلى كتاب مطول،وقد ناقشته ببعض ما قال في بعض كتبي .
أمثلة من الكتاب :
1 - ( حديث : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو أبتر " . رواه الخطيب والحافظ عبد القادر الرهاوي ) ص 5 ( 1 ) . ضعيف جدا(1/342)
وقد رواه السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " ( 1 / 6 ) من طريق الحافظ الرهاوي بسنده عن أحمد بن محمد بن عمران : حدثنا محمد بن صالح البصري - بها - حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به الا أنه قال : " فهو أقطع " . قلت : وهذا سند ضعيف جدا آفته ابن عمران هذا ويعرف بابن الجندي ترجمه الخطيب " في تاريخه " وقال ( 5 / 77 ) : " كان يضعف في روايته ويطعن عليه في مذهبه ( يعني التشيع ) قال الأزهري : ليس بشئ " . وقال الحافظ في " اللسان " : " وأورد ابن الجوزي في " الموضوعات " في فضل علي حديثا بسند رجاله ثقات إلا الجندي فقال : هذا موضوع ولا يتعدى الجندي " . ثم رواه السبكي من طريق خارجة بن مصعب عن الأوزاعي به إلا أنه قال : " بحمد الله " بدل " بسم الله الرحمن الرحيم " وخارجة هذا قال الحافظ : " متروك وكان يدلس عن الكاذبين ويقال : إن ابن معين كذبه " . وقد خالفه والذي قبله محمد بن كثير المصيصي فقال في إسناده : عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة به باللفظ الثاني : " بحمد الله " . رواه السبكي ( ص 7 ) من طريق أبي بكر الشيرازي في " كتاب الألقاب " . والمصيصي هذا ضعيف لأنه كثير الغلط كما قال الحافظ . والصحيح عن الزهري مرسلا كما قال الدارقطني وغيره .
وقد روي موصولا من طريق قره عنه عن أبى سلمة عن أبي هريرة باللفظ الثاني وهو المذكور في الكتاب عقب هذا وياتى تحقيق الكلام عليه إن شاء الله تعالى . ومما سبق يتبين أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف جدا فلا تغتر بمن حسنه مع الذي بعده فإنه خطأ بين . ولئن كان اللفظ الاتي يحتمل التحسين فهذا ليس كذلك لما في سنده من الضعف الشديد كما رأيت .
( تنبيه ) : عزا المصنف الحديث للخطيب وكذا فعل المناوي في " الفيض " وزاد أنه في " تاريخه " ولم أره في فهرسه والله أعلم .
2 - ( حديث : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " . وفي رواية : " بحمد الله " وفي رواية : " بالحمد " وفي رواية : " فهو أجذم " . رواها الحافظ الرهاوي في " الأربعين " له ) ص 5 . ضعيف(1/343)
رواه ابن ماجه ( 1894 ) عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ " بالحمد أقطع " . ورواه ابن حبان في " صحيحه " من هذا الوجه بالرواية الثانية : " بحمد الله " كما في طبقات السبكي ( 1 / 4 ) . ورراه الدارقطني في " سننه " ( ص 85 ) بلفظ " بذكر الله أقطع " ورواه أبو داود في ( سننه " ( 4840 ) بلفظ : " بالحمد الله فهو أجذم " وقال : " رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا " . يشير إلى أن الصحيح فيه مرسل . وهو الذي جزم به الدارقطني كما نقله السبكى وهو الصواب لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر وأوثق من قرة وهو ابن عبد الرحمن المعافري المصري . بل ان هذا فيه ضعف من قبل حفظه ولذلك لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له في الشواهد . وقال ابن معين : ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة : الأحاديث التي يرويها مناكير . وقال أبو حاتم والنسائي : ليس بقوي . وقول السبكي فيه : " هو عندي في الزهري ثقة ثبت فقد قال الأوزاعي : ما أحد أعلم بالزهري منه . وقال يزيد بن السمط : أعلم الناس بالزهري قرة بن عبد الرحمن " . فهو بعيد عن الصواب لأنه مخالف لأقوال الأئمة المذكورين فيه . واعتماده في ذلك على ما نقله عن الأوزاعي مما لا يجدي لأن المراد من قول الأوزاعي المذكور أنه أعلم بحال الزهري من غيره لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث كما قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " . قال : " وهذا هو اللائق " . ومما يدلك على ضعفه - زيادة على ما تقدم - اضطرابه في متن الحديث فهو تارة يقول : أقطع وتارة : أبتر وتارة : أجذم وتارة يذكر الحمد وأخرى يقول : " بذكر الله " . ولقد أضاع السبكى جهدا كبيرا في محاولته التوفيق بين هذه الروايات وإزالة الاضطراب عنها فإن الرجل ضعيف كما رأيت فلا يستحق حديثه مثل هذا الجهد !
وكذلك لم يحسن صنعا حين ادعى أن الأوزاعي تابعه وأن الحديث يقوى بذلك لأن السند إلى الأوزاعي ضعيف جدا كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله فمثله لا يستشهد به كما هو مقرر في " مصطلح الحديث " . وقد رواه أحد الضعفاء الاخرين عن الزهري بسند آخر أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن يزيد حدثنا صدقة بن عبد الله عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه مرفوعا قلت : وهذا سند ضعيف صدقة هذا ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب " وقد خالف قرة إسناده كما ترى فلا يصح أن تجعل هذه المخالفة سندا في تقوية الحديث كما فعل السبكي بينما هي تدل على ضعفه لاضطراب هذين الضعيفين فيه على الزهري كما رواه آخرون من الضعفاء عن الزهري بإسناد آخر ذكرته في الحديث الذي قبله .
وجملة القول أن الحديث ضعيف لاضطراب الرواة فيه على الزهري وكل من رواه عنه موصولا ضعيف أو السند إليه ضعيف . والصحيح عنه مرسلا كما تقدم عن الدارقطني وغيره . والله أعلم"
وتخريجه مطول،وتظهر فيه شخصية الشيخ ناصر رحمه الله،بشكل جليٍّ .
قلت : ولكنه ينحى منحى المتشددين بشكل عام في التخريج،فقوله مثلاً (محمد بن كثير المصيصي فقال في إسناده : عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة به باللفظ الثاني : " بحمد الله " . رواه السبكي ( ص 7 ) من طريق أبي بكر الشيرازي في " كتاب الألقاب " . والمصيصي هذا ضعيف لأنه كثير الغلط كما قال الحافظ)
قلت :
ففي الكاشف (5126 ) محمد بن كثير الصنعاني ثم المصيصي عن معمر وابن شوذب وعنه الدارمي ومحمد بن عوف مختلف فيه صدوق اختلط بآخره توفي 216 د ت س
وفي تقريب التهذيب (6251 ) محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني أبو يوسف نزيل المصيصة صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة مات سنة بضع عشرة د ت س
والصواب أن حديثه حسن ما لم ينكر عليه .
وكتابه مطبوع ومتداول وهناك مستدرك عليه أيضاً .
ــــــــــــــ(1/344)
(سادسا: كتب الفنون الأخرى)
يقصد مثلاً كتب التفاسير المسندة،وكتب التاريخ،تفسير الطبري كتاب في التفسير،والطبري -رحمه الله تعالى- يورد الأحاديث والآثار بإسناده،الطبري متقدم وتوفي سنة 310هـ -رحمه الله-،وله كتاب التاريخ أيضا يحكي الأحداث بأسانيده فمثل هذا الجهد الضخم من الرواية لا يضيع على طالب العلم.
هناك أيضا تفسير ابن أبي حاتم كتاب تفسير،وتفسير الصنعاني،وتفسير سفيان الثوري هذه التفاسير المسندة لأئمة متقدمين في القرن الثاني والثالث والرابع مثل هذه التفاسير أو كتب التواريخ لا تغفل ولا يهمل ما فيها من كم هائل من الروايات. الطبري فيه حوالي ثلاثين ألف إسناد،فهذه فنون أخرى غير الحديث وفيها خدمة جيدة للتخريج قد لا تجد الأثر أو قد لا تجد الحديث إلا في هذا الكتاب بعينه فمثل هذا أيضا من الكتب لا ينبغي إهمالها عند طالب الحديث والأثر.
لكن الذي يعنينا من هذه المصنفات التي تورد الأحاديث نوعان فقط وهما:
أولا: المصنفات التي تروي الحديث بالسند أصالة لا أخذا من كتاب آخر.
ثانيا: المصنفات التي تورد الحديث مجردا عن السند ثم تذكر من أخرجه من أصحاب الكتب الحديثية.
أما التي تورد الحديث بدون سند ولا تذكر من أخرجه؛ فلا تفيدنا في هذا الباب. والكتب التي يتوفر فيها أحد الشرطين السابقين كثيرة والحمد لله في سائر العلوم والفنون الشرعية والعربية؛ فمنها: تفسير الطبري المسمى "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" لأبي جعفر بن محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 للهجرة،وتفسير ابن كثير لأبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ،"الدر المنثور في تفسير الكتاب العزيز بالمأثور")
فالسيوطيّ أيضا في الدر المنثور شأنه شأن الحافظ ابن كثير في كتابه التفسير يذكر الحديث ويذكر من أخرجه،ويوجد لكتاب الدر المنثور للسيوطي أصله كتاب مسند لا يزال مخطوطا فلو توفر هذا؛ لصار شيئا جيدا؛ لأن السيوطي واسع جدًا في النقل في "الدر المنثور" وينقل عن كتب مفقودة كتفسير ابن مردويه وغيره من الكتب.
وكذلك كتاب المحلى لابن حزم رحمه الله (456 هـ) فهو يذكر الأحاديث بأسانيدها،فمن هذه الناحية لا يستغنى عنه،بل ويتكل على رجالها جرحا وتعديلا،على معانيها،وناسخها من منسوخها أيضاً .
مثال :(1/345)
قال في مقدمة كتابه :(أَمَّا بَعْدُ) وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ،فَإِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ أَنْ نَعْمَلَ لِلْمَسَائِلِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي جَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْمُحَلَّى " شَرْحًا مُخْتَصَرًا أَيْضًا،نَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى قَوَاعِدِ الْبَرَاهِينِ بِغَيْرِ إكْثَارٍ،لِيَكُونَ مَأْخَذُهُ سَهْلا عَلَى الطَّالِبِ وَالْمُبْتَدِئِ،وَدَرَجًا لَهُ إلَى التَّبَحُّرِ فِي الْحِجَاجِ وَمَعْرِفَةِ الاخْتِلافِ وَتَصْحِيحِ الدَّلائِلِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِمَّا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ وَالإِشْرَافِ عَلَى أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْوُقُوفِ عَلَى جَمْهَرَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ،وَالْوُقُوفِ عَلَى الثِّقَاتِ مِنْ رُوَاةِ الأَخْبَارِ وَتَمْيِيزِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضِهِ وَتَنَاقُضِ الْقَائِلِينَ بِهِ،فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلِ ذَلِكَ،وَاسْتَعَنْته تَعَالَى عَلَى الْهِدَايَةِ إلَى نَصْرِ الْحَقِّ،وَسَأَلْته التَّأْيِيدَ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَتَقْرِيبِهِ،وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَفِيهِ مَحْضًا آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَلْيَعْلَمْ مَنْ قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا أَنَّنَا لَمْ نَحْتَجَّ إلا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ مُسْنَدٍ وَلا خَالَفْنَا إلا خَبَرًا ضَعِيفًا فَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ،أَوْ مَنْسُوخًا فَأَوْضَحْنَا نَسْخَهُ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إلا بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وبدأه بكتاب التوحيد
مَسْأَلَة بَيَان أَوَّل مَا يَلْزَم كُلّ أَحَد وَلا يَصِحّ الإِسْلام إلا بِهِ
1 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رضي الله عنه - أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ وَلا يَصِحُّ الإِسْلامُ إلا بِهِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَرْءُ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ وَإِخْلاصٍ لا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّكِّ فِيهِ أَثَرٌ وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ وَلا بُدَّ بِأَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا رَوْحٌ عَنْ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ،فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " .
وَقَدْ رَوَى مَعْنَى هَذَا مُسْنَدًا مُعَاذٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ.(1/346)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ( سورة آل عمران آية : 85) وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلامِ. وَأَمَّا وُجُوبُ عَقْدِ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ( سورة البينة آية : 5). وَالإِخْلاصُ فِعْلُ النَّفْسِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ،فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ الْمُخْرِجَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا تَكُونُ إلا بِاللِّسَانِ ضَرُورَةً.
وهكذا كل مسالة يستدل عليها بالقرآن والسنة والآثار،وكتابه مهم جدا لولا ذلاقة لسانه وحدته في الرد على مخالفيه .
وهناك كتب ابن المنذر في "الأوسط" و"الإجماع" وغيره من كتبه كتب فقهية وهو يسوق ذلك بالأسانيد،وابن المنذر عال
مثال :
ذكر كتاب فرض الطهارة قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري رحمه الله : أوجب الله تعالى الطهارة للصلاة في كتابه فقال جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين الآية،وقال جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا الآية،ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجوب فرض الطهارة للصلاة . واتفق علماء الأمة أن الصلاة لا تجزي إلا بها إذا وجد السبيل إليها .
1 - حدثنا الربيع بن سليمان،ثنا عبد الله بن وهب،أخبرني سليمان،حدثني كثير بن زيد،عن الوليد بن رباح،عن أبي هريرة،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا يقبل الله صلاة بغير طهور،ولا صدقة من غلول »
2 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ،ثنا عفان،ثنا أبو عوانة،ثنا سماك،عن مصعب بن سعد،قال : دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عامر يعوده فقال : مالك لا تدعو لي ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول » وقد كنت على البصرة
3 - حدثنا محمد بن علي النجار،أنا عبد الرزاق،أنا معمر،عن همام بن منبه،قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ إذا أحدث » قال أبو بكر : وظاهر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة فدل قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة وصلوات بوضوء واحد على أن فرض الطهارة على من قام إلى الصلاة محدثا دون من قام إليها طاهرا
4 - حدثنا علي بن الحسن،ثنا عبد الله بن الوليد العدني،عن سفيان الثوري،عن علقمة بن مرثد،عن سليمان بن بريدة،عن أبيه،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ يوم الفتح فصلى الصلوات بوضوء واحد . فقال له عمر بن الخطاب : لقد صنعت شيئا ما كنت تصنعه . قال : « عمدا صنعته يا عمر »(1/347)
5 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم،أنا عبد الرزاق،أنا معمر،وابن جريج قالا : أنا محمد بن المنكدر،قال : سمعت جابر بن عبد الله،يقول : قرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبز ولحم،ثم دعا بوضوء فتوضأ،ثم صلى الظهر،ثم دعا بفضل طعام فأكل،ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ،قال : ثم دخلت مع أبي بكر فقال : هل من شيء فوالله ما وجدوا،فقال : « أين شاتكم ؟ » فأتي بها،فاعتقلها فحلبها فصنع لنا لبأ فأكلنا ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ،ثم دخلت مع عمر فوضعت هاهنا جفنة فيها خبز ولحم وهاهنا جفنة فيها خبز ولحم فأكل عمر ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ .
قال أبو بكر : وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة الظهر والعصر بوضوء واحد وكذلك فعل بالمزدلفة جمع بين المغرب والعشاء بوضوء واحد ولم تزل الأئمة تفعل ذلك بعده وقد قام إلى العصر وإلى العشاء . ولم يذكر أحد أنه أحدث لذلك طهارة،والأخبار في هذا المعنى تكثر فدل كل ما ذكرناه على أن المأمور بالطهارة من قام إلى الصلاة محدثا دون من قام إليها طاهرا . وقد أجمع أهل العلم على أن لمن تطهر للصلاة أن يصلي ما شاء بطهارته من الصلوات إلا أن يحدث حدثا ينقض طهارته،وكان زيد بن أسلم يقول : نزلت الآية يعني قوله : إذا قمتم إلى الصلاة يعني إذا قمتم من المضاجع يعني النوم"
فنلاحظ أنه يستدل بالقرآن والسنة والآثار ويتكلم عن اختلاف الفقهاء بإسهاب،ول كمل هذا الكتاب،فلا مثيل له،ولا ويجد منه إلا القليل،وهو مرتب على الأبواب الفقهية .
وهناك بعض كتب الفقه اهتمت بالتخريج مثل :"المجموع في شرح المهذب" في الفقه الشافعي للنووي المتوفى سنة 676 هـ،"المغني" في الفقه الحنبلي لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 620 هـ
ولكن النووي في المجموع يسهب في الكلام على الأحاديث أكثر من ابن قدامة
مثال من كتاب المغني لابن قدامة :
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ،وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ،فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا،أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد،وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ،وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(1).
وقال النووي رحمه الله(2): "قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : ( وَمَا نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ مَاءُ الْبِحَارِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَمَاءُ الْآبَارِ , وَالْأَصْلُ فِيهِ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبَحْرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } وَرُوِيَ : { أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ } ) .
الشَّرْحُ : هَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَهُمَا بَعْضَانِ مِنْ حَدِيثَيْنِ :
__________
(1) - المغني في الفقه الجنبلي - (ج 1 / ص 11)
(2) - المجموع شرح المهذب مشكول - (ج 1 / ص 163)(1/348)
أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ { سَأَلَ سَائِلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ , وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ , فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا , أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ . قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرُوِيَ { الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } وَرُوِيَ " الْحَلَالُ " وَهُمَا بِمَعْنًى وَالطَّهُورُ بِفَتْحِ الطَّاء , وَمَيْتَتُهُ بِفَتْحِ الْمِيم , وَاسْمُ السَّائِلِ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ عُبَيْدٌ وَقِيلَ : عَبْدٌ , وَأَمَّا قَوْلُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ : اسْمُهُ الْعَرَكِيُّ فَفِيهِ إيهَامُ أَنَّ الْعَرَكِيَّ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ الْعَرَكِيُّ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ , وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : - صلى الله عليه وسلم - إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ نَقَلْنَا عَنْهُمْ رِوَايَةَ الْأَوَّلِ , قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
فنلاحظ أنه يفصل في التخريج ويحكم على الحديث صحة وضعفاً،ويأتي بأحاديث كثيرة أثناء الشرح،ولو كمل لكان أعظم كتاب في الفقه المقارن،ولكن المنية اخترمته قبل إكماله،وأكمله عدة،ولكن ليسوا بمستوى الإمام النووي رحمه الله .
ـــــــــــــــ
(سابعاً: الشروح الحديثية والتعليقات عليها)
(هناك شروح لبعض الكتب العلمية اعتنى مصنفوها الذين لهم معرفة وعناية بالحديث بإيراد الأحاديث الكثيرة مع بيان مخارجها في تلك الشروح لذا تعتبر تلك الشروح مصدرا خِصبا من مصادر التخريج،وهي كثيرة فمنها:
"فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني.
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لقاضي القضاة أبي محمد محمود أحمد العيني المتوفى سنة 855 هجرية.
"شرح الإحياء" لأبي الفيض محمد مرتضى الزبيدي،والمسمى إتحاف السادة المتقين .
"فتح القدير شرح الهداية" في فقه الحنفية لكمال الدين محمد عبد الواحد الشهير ابن الهمام المتوفى سنة 861 هـ.
وأهم هذه الكتب على الاطلاق،فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله،وقد ملأه أحاديث وكلها مخرجة محكوم عليها،وكل حديث ذكره بصغة الجزم وسكت عليه فهو صحيح أو حسن .
أمثلة من الكتاب :
1 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ،أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".(1/349)