المجهول عند النسائي في السنن الكبرى
د. محمد بن عبدالرحمن الطوالبة
المقدمة
إن تحديد المصطلحات العلمية قضية مهمة في الأوساط العلمية، وتعد المصطلحات الحديثية التي تداولها أعلام المحدثين في أقوالهم ومصنفاتهم من أبرز القواعد في هذا الفن، ولذلك تعينت العناية بها لفهم مرادهم منها، ومقاصدهم من استخدامها.
والوقوف على اصطلاحات كل إمام من أئمة الحديث، مطلب علمي رفيع، نادى به وأعلن الحاجة إليه، أساطين العلماء كالحافظ الذهبي حين قال: «ثم نحن نفتقر إلى تحديد عبارات الجرح والتعديل، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة، ثم أهم من ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده، بعباراته الكثيرة» (الذهبي- الموقظة، 1412 هـ ص82).
ومن هؤلاء الأئمة المعتبرين الإمام النسائي، فأحببت أن أبحث مصطلح "المجهول" عنده، وجاء هذا البحث ليكشف النقاب عن مصطلح "المجهول" عند الإمام النسائي في السنن الكبرى.
ومعرفة مراد النسائي من العبارات والألفاظ التي استخدمها في نقد الرواة، تتوقف على دراسة تلك العبارات والألفاظ، لمعرفة مدلولها، وهل بينها وفاق وتشابه، أو أن بينها تبايناً واختلافاُ، وهل توسع الإمام النسائي في استخدامه لتلك المصطلحات، أم إن استعماله لها كان دقيقاً محددا، فلا تشترك عبارة مع أخرى، ولا يشتبه لفظ بآخر في الاستعمال.(1/1)
ولا يتوصل إلى هذا، إلا إذا عقدنا مقارنة لأقوال النسائي في الراوي بأقوال النقاد الآخرين، وعليه فلابد لنا من حصر العبارات، والألفاظ التي استعملها النسائي في التعبير عن (المجهول)، وحصر الرواة الذين أطلقت عليهم تلك العبارات والألفاظ، ومن ثم تقسيم المصطلحات إلى مجموعات حسب قربها أو بعدها -فيما يظهر لنا- لنخلص بعد ذلك إلى دراسة تراجم الرواة الذين قيلت فيهم كل عبارة، أو لفظة، وموازنة ما ورد فيها مع قول النسائي للوصول إلى مرادنا من هذا البحث، فنحقق بذلك بعض مراد العلماء ومنهم الإمام الذهبي من قوله السابق، وقد قسمت هذا البحث بعد المقدمة إلى سبعة مباحث على النحو التالي:
المبحث الأول: النسائي وسننه الكبرى.
قبل الخوض في غمار هذا البحث، نعرف بإيجاز الإمام النسائي، وسننه الكبرى.
المطلب الأول: التعريف بالإمام النسائي:
هو: أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي، أبو عبد الرحمن.
ولد بنَسا سنة خمس عشرة ومئتين، وطلب العلم في صغره، وطاف البلاد مبتدءاً بمدن إقليمه خراسان، ثم العراق، والشام، والحجاز، والجزيرة، ومصر التي استقر بها واستوطنها.
وسمع من خلق كثير وبَرَّز وفاق أقرانه حتى صار يشار إله بالبنان وأصبح فارس ميدان علم الحديث خاصة بعد وفاة جهابذة هذا الفن: البخاري (ت256هـ)، ومسلم (261هـ)، وابن ماجه (273هـ), وأبي داود (275هـ), والترمذي (279هـ).
وكان من بحور العلم مع الفهم، والإتقان، ونقد الرجال، وحسن التأليف والتحديث، مع الاجتهاد في العبادة بالليل والنهار، والتواضع وشهامة الأخلاق.
ولهذه الصفات العلمية والخلقية في العلم والعمل توفي الإمام النسائي الحافظ الثبت شيخ الإسلام سنة ثلاث وثلاثمئة - رحمه الله (انظر المزي - تهذيب الكمال 1/328، الذهبي السير، 13/125)، وقل كتاب من كتب الرجال والتواريخ ممن جاء بعد النسائي إلا وترجم له، مما يغني عن الإطالة في ذكر مصادر ترجمته.(1/2)
المطلب الثاني: التعريف بالسنن الكبرى.
أولاً: العناية بها:
إن مما يؤسف له أن كتاب السنن الكبرى للنسائي لم يطبع كاملاً، إلا سنة 1991م، ولم تكن طبعته بالمستوى اللائق بهذا الكتاب الجليل، ولعل الله ييسر له من يعتني به، ويحققه تحقيقاً علمياً يليق به.
وكان الشيخ عبد الصمد شرف الدين - رحمه الله - قد نشر الجزء الأول المشتمل على كتاب الطهارة من هذا الكتاب سنة (1391هـ - 1972م) بالهند. ولم يُنشر منه بعد ذلك شيئاً.
ثانياً: تأليفها:
ألف الإمام النسائي السنن الكبرى أولاً وأودع فيه من صنوف الصناعة الحديثية ما يروق لذي لب ثم اجتبى منها المجتبى وكان مجوداً لتأليفه حسن الترتيب بديع الاستنباط قال ابن كثير: وقد جمع السنن الكبير، وانتخب منه ما هو أقل حجماً منه بمرات، وقد وقع لي سماعها، وقد أبان في تصنفه عن حفظ وإتقان، وصدق، وإيمان، وعلم وعرفان (البداية والنهاية، 11/123).
ثالثاً: بين السنن الكبرى والسنن الصغرى.
من حيث النسبة:
السنن الكبرى من تأليف الإمام النسائي، لا مرية في ذلك، لكن الخلاف حصل في السنن الصغرى (المجتبى) هل هي من تأليفه واجتبائه، أم من عمل تلميذه ابن السني؟
النص السابق عن ابن كثير صريح في الرأي الأول، والنقول والشواهد تؤيده، وقد بسطها:
الشيخ عبد الصمد شرف الدين في مقدمة الجزء الذي نشره من السنن الكبرى.
والدكتور فاروق حماده في مقدمة تحقيقه لعمل اليوم والليلة للنسائي.
من حيث المحتوى:
عقد الشيخ عبد الصمد شرف الدين موازنة قيمة بين كتاب الطهارة في السنن الصغرى وكتاب الطهارة في السنن الكبرى من حيث التراجم، والعناوين، وعدد الأحاديث، والكلام عن العلل، وما يمتاز به كل كتاب. وقام الدكتور فاروق حمادة بعمل موازنة عامة -فاقتصر على كتاب بعنيه- بين كتاب السنن الصغرى ومخطوط السنن الكبرى المحفوظة في الخزانة المكية بالرباط تحت رقم 5952.
وخلاصة الموازنة:(1/3)
يوجد في الكبرى زيادة كتب وأبواب وأحاديث ليست في الصغرى، مما يستتبع ذلك زيادة في تعليل الأحاديث.
فمن حيث الكتب بلغ عدد الكبرى 81 كتاباً، وعدد الكتب في الصغرى 51 كتاباً، ومن حيث عدد الأحاديث اشتملت على 11770 حديثاً بينما اشتملت الصغرى على 5757 أي بنحو الضعف.
يدخل في الكبرى كتب أُلِّفت مستقلة ثم ضمها مصنفها للكبرى كفضائل القرآن، وعمل اليوم والليلة، وخصائص على.
وختاماً لا يخفى على القارئ الكريم أن السنن الصغرى هي التي تعد أحد الكتب الستة وهي المرادة عند الإطلاق، والسنن الكبرى هي التي أدخلها أصحاب الأطراف في مؤلفاتهم.
المبحث الثاني: المصطلحات التي استخدمها النسائي في المجهول ودراستها:
المطلب الأول: المصطلحات التي استخدمها النسائي في المجهول.
بعد انعدام النظر في السنن الكبرى ط 1، 1991م للإمام النسائي وقفت على المصطلحات الآتية في تعبيره عن المجهول، وبعضها وصف به أكثر من راوٍ.
وبعضها لم يستعمله إلا مرة واحدة في راو فقط. وها هي مع بيان أماكن ورودها من الجزء والصفحة، مع ذكر رقم الحديث:
مجهول (6/37 ح 9954).
مجهول لا نعرفه (2/221 ح 6.3154/94 ح 10178).
لا أدري ما هو مجهول (5/319 ح 8966).
لا أعرفه (1/450 ح 4.1439/305 ح 4.7273/339 ح 4721، 4/467 ح 5.4970/119 ح 5.8425/217ح 9.8710/143 ح 103916/ 160 ح 10462).
لا نعرفه (1/450 ح 1439).
ليس بمعروف (5/487 ح 9694
لا ندري من هو (3/232 ح 5189).
ليس بمشهور (4/277 ح 7166).
ليس بالمشهور( 3/235 ح 5205، 4/88 ح 6409، 5/216 ح 8708).
ليس بذاك المشهور (1/435 ح 1375، 2/312 ح 3566).
ليس بهذه الشهرة (4/320 ح 7332).
لا نعلم أحداً روى عنه غير فلان (5/227 ح 8748).
لا أعرف له غير هذا الحديث (6/144 ح 10398).
المطلب الثاني: دراسة اصطلاح المجهول:(1/4)
قبل دراسة اصطلاحات النسائي في التعبير عن المجهول يحسن بنا أن تُعَرِّف المجهول لغة واصطلاحاً، ثم ننتقل بعد ذلك لدراسته عند النسائي.
أولاً: تعريف المجهول:
لغة: الجهل ضد العلم، وجَهِلَه كسَمِعَهَ، جهلاً وجهالة ضد علمه، (الرازي، مختار الصحاح، 1986م، ص 49، والفيروز آبادي القاموس، 1987م، ص 1267).
والمعروف في كلام العرب جَهلتَ الشيء إذا لم تعرفه، جَهَّلته نسبته إلى الجهل، قوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء} [البقرة: 272]، يعني الجاهل بحالهم، إنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة، يقال: هو يجهل ذلك أي لا يعرفه، وأرض مجهولة لا أعلام فيها ولا جبال، وإذا كان بها معارف أعلام فليست بمجهولة (ابن منظور - لسان العرب، 1994، 11/129 -130 باختصار).
فالمجهول إذاً الشيء الذي لم تعرفه حقيقته أو لم يعرف وصفه على وجه الدقة.
اصطلاحاً: عرف الخطيب في الكفاية في علم الرواية: ط 1 مصر/ ص 149) المجهول عند المحدثين بأنه:
كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد.
وكان تعريف ابن حجر للمجهول أدق، فقد قسمه إلى قسمين:
مجهول العين وهو من سمي وانفرد بالرواية عنه واحد (كما في نزهة النظر، ص 53) وزاد في (تقريب التهذيب، 1991م، ص: 74)) ولم يوثق.
مجهول الحال: وهو من روى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثق وهو المستور (نزهة النظر، ص 53).
وقال في (التقريب: ص 74) من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ مستور، أو مجهول الحال.
فالمجهول من لم تعرف عدالته، ولم يشتهر بالطلب فقل الرواة عنه، فكان ذلك سبباً لعدم معرفته والوقوف على حاله.
ثانياً: حكم رواية المجهول:
مجهول العين: جمهور العلماء لا يقبلون حديثه، وقيل يقبل مطلقاً - وهو قول مردود وقيل يقبل بشروط. (السيوطي، تدريب الراوي، مكتبة القاهرة، مصر، 1959م).(1/5)
مجهول الحال وهو المستور: وقد قبل روايته جماعة بغير قيد، وردها الجمهور والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله (ابن حجر، نزهة النظر: 53).
المطلب الثالث: تقسيم المصطلحات التي عبر بها النسائي عن المجهول:
رأينا مما سبق أن النسائي قد استخدم بعض المصطلحات في أكثر من راوٍ، وبعضها لم يستخدمه إلا في راوٍ فقط.
ولتيسير دراستها لا بد من تقسيمها إلى مجموعات ثم ندرس تراجم الرواة في كل مجموعة لنخلص إلى مرادنا.
المجموعة الأولى: مجهول، مجهول لا نعرفه، مجهول لا أعرفه، لا أدري ما هو مجهول.
المجموعة الثانية: لا أعرفه، لا نعرفه، ليس بمعروف، لا ندري من هو.
المجموعة الثالثة: ليس بمشهور، ليس بالمشهور، ليس بذاك المشهور، ليس بهذه الشهرة.
المجموعة الرابعة: لا نعلم أحداً روى عنه غير فلان، لا أعرف له غير هذا الحديث.
المبحث الثالث: الرواة الذين أطلق عليهم النسائي مصطلحات الجهل:
بلغ عدد الرواة الذين قال فيهم النسائي العبارات السابقة ثمانية وعشرين راوياً وها هي أسماؤهم مرتبة على حروف المعجم، وأمام كل راو ما قيل فيه.
إسحاق بن عبد الواحد: لا أعرفه (5/228 ح 8749).
إسماعيل بن عبد الله: رجل مجهول لا نعرفه (2/221 ح 3154).
الحارث بن مالك: لا أعرفه (5/119 ح 8425).
حسان بن عبد الله الضمري: ليس بالمشهور (5/216 ح 8708).
حصين: مجهول (6/37 ح 9954).
زائدة بن أبي الرقاد البصري: لا أدري ما هو مجهول (5/913 ح 8966).
الزبير بن الوليد: شامي لا أعرف له غير هذا الحديث (6/144 ح 10398).
سليمان الهاشمي: لا أعرفه (6/143 ح 10391).
سهم بن المعتمر: ليس بمعروف (5/487 ح 9694).
سيف الشامي: لا أعرفه (6/160 ح 10462).
شريك بن شهاب: ليس بذاك المشهور (2/312 ح 3566).
عبد الرحمن بن بحر: لا أعرف عبد الرحمن بن بحر (4/339 ح 4721).(1/6)
عبد الرحمن بن جابر: ليس بهذه الشهرة (4/320 ح 7332).
عبد الرحمن بن هضهاض: ليس بمشهور (4/277 ح 7166).
عبد الله بن الرقيم: لا أعرفه (5/119 ح 8425).
عبد الملك بن نافع: ليس بالمشهور ولا يحتج بحديثه (3/235 ح 5205).
علي بن عبد العزيز: لا أعرفه ينبغي أن يكون نسبه إلى جده (4/467 ح 7970).
عمير بن إسحاق: لا نعلم أحداً روى عنه غير ابن عون 5/227 ح 8748).
عوسجه: ليس بالمشهور لا نعلم أحداً يروي عنه غير عمرو بن دينار، ولم نجد هذا الحديث إلا عند عوسجة (4/88) ح 6409).
القاسم بن رشدين: لا أعرفه ويشبه أن يكون مدنياً (4/305 ح 7273).
قرصافة: لا ندري من هي (3/232 ح 5189).
مبارك بن سعد: لا أعرفه (4/339 ج 4721).
محمد بن حبيب: لا أعرفه (5/217 ح 7810).
موسى: لا أعرفه (6/46 ح 9982).
نبيح العنزي: لا نعلم أحداً روى عنه غير الأسود بن قيس (5/227 ح 8747).
يزيد بن فراس: مجهول لا نعرفه (6/94 ح 10178).
يعلى بن مملك: ليس بذاك المشهور (1/432 ح 1375).
يونس بن سليم: لا نعرفه (1/450 ح 1439).
المبحث الرابع: دراسة تراجم الرواة الذي أطلقت عليهم مصطلحات المجموعة الأولى:
أطلق النسائي رحمه الله مصطلح مجهول من غير إضافة في موطن واحد على راوٍ فقط هو حصين بن عاصم.
أما مع الإضافة كقوله مجهول لا نعرفه فأطلقه في موطنين على راويين هما إسماعيل بن عبد الله، ويزيد بن فراس.
أو كقوله: لا أدري ما هو مجهول، فأطلقه في مرة واحدة على زائدة بن أبي الرقاد البصري.
وقبل البدء بترجمة الرواة أسوق الإسناد وطرفاً من المتن ليتبين لنا موقع الراوي في الإسناد، ثم كلام النسائي في الراوي سواء أكان في سياق الإسناد أم عقب الإسناد والمتن.
الفرع الأول: المجهول:
قال النسائي (السنن الكبرى: 1991م، 6/37 ح 9954):(1/7)
أخبرنا جعفر بن عمران، حدثنا المحاري، عن حصين، عن عاصم بن منصور الأسدي، عن ابن أبي حسين المكي، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، قال: قال رسول الله ×: من قال حين ينصرف من صلاة الغداة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات من قبل أن يتكلم كتب له بهن عشر حسنات ومحي عنه بهن عشر سيئات، ورفع بهن عشر درجات، وكن له عدل عشر نسمات، وكن له حرساً من الشيطان، وحرزاً من المكروه، ولم يلحقه في يومه ذلك ذنب إلا الشرك بالله ومن قالهن حين ينصرف من صلاة العصر أعكي مثل ذلك في ليلته)(أ).
قال أبو عبد الرحمن(1): حصين بن عاصم مجهول، وشهر بن حوشب ضعيف.
الترجمة: ذكره ابن حبان (في الثقات، 8/208) وهو حصين بن منصور الأسدي الكوفي أخو إسحاق بن منصور الأسدي، وابن أخي جرير بن منصور الأسدي، وجده أبو الهياج الأسدي، من أصحاب علي. له حديث واحد مختلف فيه على المحاربي، وخرجه المزي في (تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 1992م، 6/543) من روايته وأبان عن الاختلاف فيه والأشبه بالصواب من ذلك. وقال الذهبي (الميزان، 1/554): شيخ للمحاربي له عن تابعي. وقال ابن حجر (تهذيب التهذيب، 1325هـ, 2/390) قرأت بخط الذهبي لا يدري من هو وقال في التقريب ص 31: مقبول.
__________
(1) أبو عبد الرحمن: هو النسائي حيثما ورد في هذا البحث.(1/8)
الخلاصة: من خلال هذه الترجمة نلمس أن الراوي لم يشتهر بطلب العلم، فليس له إلا حديثاً واحداً، ولم يروه عنه إلا راوٍ فقط، فكان ذلك سبباً لعدم معرفة العلماء به فلم يذكر فيه ابن حبان جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك المزي وإن كان معروف الاسم والنسب وجهله الذهبي. كما سبق في نقل ابن حجر عنه. وقلة رواية المحدث تجعله مغموراً لا يعرف، وبها - على سبيل المثال - علل ابن عدي (الكامل 5/240) عدم معرفة ابن معين لعاصم بن سويد الأنصاري فقال: إنما لم يعرفه لأنه قليل الرواية جداً. لعله لم يرو غير خمسة أحاديث.
وعبارة النسائي في هذا الراوي وأنه مجهول سارية مع اصطلاح أهل الحديث في المجهول، وهو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرف العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد، كما حكاه الخطيب (الكفاية ص 149) أما وصف ابن حجر له في التقريب بأنه مقبول فهو جار على مذهب من قبل هذا النوع من العلماء (راجع حمادة، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل 1989م، ص 330 - 333) في بيان حكم هذا النوع وليس المراد به الوقوف على حاله ولو كان الأمر كذلك وعرفه لذكره في التهذيب، والذي يتسق مع منهج ابن حجر في وصف هذا الراوي أن يصفه بمجهول العين كما تقدم تعريفه له.
الفرع الثاني: مجهول لا نعرفه:
قال النسائي (السنن الكبرى، 2/221 ح 3154): أخبرنا أبو عاصم، قال أخبرنا عبد الرزاق، عن إسماعيل بن عبد الله، عن خالد، عن أبي قلابه، عن أبي أسماء - عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله ×: (أفطر الحاجم والمحجوم).
قال أبو عبد الرحمن: إسماعيل رجل مجهول لا نعرفه، والصحيح من حديث خالد ما تقدم ذكر حاله وإن كان قتادة قد رواه كذلك.
الترجمة: إسماعيل بن عبد الله هو ابن الحارث البصري بن بنت سيرين ويقال ابن أخيه.
قال حمزة الكناني: يشبه أن يكون ابن بنت محمد بن سيرين، (المزي، تهذيب الكمال، 3/113) قال الأزدي: ذاهب الحديث. (الذهبي، الميزان: 1/235).(1/9)
وقال الذهبي (الكاشف 1/74): ثقة.
ونقل ابن احجر (التهذيب 1/307) قول أبي علي النيسابوي: شيخ صدوق.
وقول الأزدي: ذاهب الحديث، وأنه أورد له عن أبان عن أنس حديثاً منكراً.
قال ابن حجر: فالحمل فيه على أبان.
وقال في (التقريب، ص 108): صدوق ولم يصب الأزدي في تضعيفه.
الخلاصة: يظهر أن استعمال النسائي لهذه العبارة (مجهول لا نعرفه) في إسماعيل بن عبد الله المراد أنه لم يطلع على حاله، ولم يخبره، ولم يطلق العبارة فيه (مجهول) لأنه لو صنع ذلك لكان حكماً عاماً ويستدرك عليه إذا ظهر أن غيره قد عرفه - كما هو الحال هنا - فقيد الجهالة بإطلاعه هو وترك النظر لغيره، لأن عادة الأئمة في تجهيل من لم يطلعوا على حاله التعبير بقولهم (لا نعرفه) أو (لا نعرف حاله)، وأما الحكم بالجهالة على الراوي من غير زائد فلا تقع إلى من مطلع أو مجازف (ابن حجر - لسان الميزان، 1971م، 1/482) بتصرف يسير. ونلحظ من الترجمة أن إسماعيل بن عبد الله البصري ليس مجهولاً فقد عرفه الأزدي وأبو علي النيسابوري، وأن تضعيف الأزدي له ليس في مكانه كما وضح ذلك ابن حجر لأن الطعن في الحديث المنكر الذي أورده له الأزدي في أبان وليس في إسماعيل، فيسلم ما قاله النيسابوري فيه: شيخ صدوق، وهو ما ارتضاه ابن حجر في التقريب فكان خلاصة القول فيه أن صدوق.
ولا يضر النسائي عدم معرفته بهذا الراوي فالإحاطة بالرواة متعذرة، سيما وقد أضاف عدم المعرفة إلى نفسه.
قال النسائي (السنن الكبري، 6/94 ح 19178): أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، عن حديث ابن أبي فديك قال حدثني يزيد بن فراس، عن أبان بن عثمان عن أبيه عن النبي × قال: من قال حين يصبح بسم الله الذي لا يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يصبه في يومه فجأة بلاء، ومن قالها حين يمسي لم - يعني في ليلته فجاءة بلاء-)(ج).(1/10)
قال أبو عبد الرحمن: عبد الرحمن بن أبي الزناد أي في إسناد سابق - ضعيف ويزيد بن فراس مجهول لا نعرفه.
الترجمة: يزيد بن فراس حجازي، قال أبو حاتم (الجرح والتعديل، 9/283) مجهول لا يعرف. قال المزي (تهذيب الكمال، 32/225-226): روى عن أبان بن عثمان (سي) عن أبيه عن النبي × من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء...) روى عنه: محمد بن أبي فديك (سي).
روى له النسائي في اليوم واللية هذا الحديث.
وقال الذهبي (الميزان، 4/438): يزيد بن فراس عن أبان مجهول، انفرد عنه ابن أبي فديك.
وقال ابن حجر (التقريب 604): مجهول.
الخلاصة: يظهر جلياً من هذه الترجمة أن قول النسائي في يزيد بن فراس مجهول لا نعرفه مثل قوله في حصين الأسدي مجهول، حيث انفرد بالرواية عنه راوٍ، ولم يشتهر بطلب العلم، فلم يعرفه العلماء.
فإما أن يكون تعبير النسائي بمجهول لا نعرفه موافقاً لتعبيره بـ (مجهول) فيدلان على المصطلح نفسه، وأن المراد به ما تقدم شرحه في حصين.
وإما أن التعبير بمجهول لا نعرفه، أراد به الاحتياط لنفسه فتكلم عن معرفته هو ووافق قوله مجهول لا أعرفه قول العلماء فيه مجهول.
الفرع الثالث: لا أدري ما هو مجهول:
قال النسائي (السنن الكبرى 5/319 ح 8996): أخبرنا عبد الله بن الهيثم بن عثمان، قال حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان قال: حدثنا زائدة بن أبي الرقاد الصيرفي عن عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رجلاً سأل رسول الله × عن الرجل يأتي امرأته في دبرها..
قال أبو عبد الرحمن: زائدة لا أدري ما هو مجهول. ووجدت في آخر عاصم الأحول.
الترجمة: قال القواريري: لم يكن به بأس، وكتبت كل شيء عنده. (المزي، تهذيب الكمال 9/271) قال البخاري (التاريخ الكبير، 1361هـ 3/433): منكر الحديث.
وقال أبو داود (السؤالات، 234): لا أعرف خبره.
وقال النسائي (الضعفاء، 1986م، ص 180): منكر الحديث.(1/11)
وقال أبو حاتم كنا نعتبر بحديثه. (ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 3/613).
وقال ابن عدي (الكامل، 1985م، 3/228): في بعض حديثه ما ينكر.
وحكى ابن حجر (التهذيب 3/305- 306) أن النسائي قال فيه: منكر الحديث، وقال أيضاً ليس بثقة. وقول البزار: لا بأس به وإنما نكتب من حديثه ما لم نجده عند غيره.
الخلاصة: يتضح من هذه الترجمة أن قول النسائي في زائدة بن أبي الرقاد: (لا أدري ما هو مجهول) مثل قوله في إسماعيل بن عبد الله البصري مجهول لا نعرفه.
كما يتضح لنا أن من لم يعرفه النسائي قد عرفه غيره، بل إن النسائي قد عرف هذا الراوي وخبر أمره وتغير قوله فيه مِنْ (لا أدري مجهول) إلى (منكر الحديث، وليس بثقة) مما يستحق معه الترك لحديث (انظر الذهبي الميزان، 1/4).
فرحم الله النسائي يتكلم بعلم ويمسك بعلم، وما ضره أن يقول لا أدري ما هو مجهول حيث لم بين أمره ولم يعرفه حاله، فلما فتح عليه وعلم من حاله ما لم يكن يعلم بين ذلك وأظهره، مبتغياً في ذلك النصح للمسلمين والذب عن حديث رسول الله ×.
والذي يظهر لي أن النسائي ألف أولاً السنن الكبرى ولم يكن إذ ذاك وقف على حال زائدة فقال لا أدري ما هو مجهول، وواصل البحث والنظر ثم ألف كتاب الضعفاء والمتروكين وحصلت له معرفة بحاله فقال منكر الحديث، وفي أخريات حياته ألف كتابه الجامع لأقواله في الرجال الجرح والتعديل(1) (ذكره ابن حجر، التهذيب 2/53، الذهبي الميزان، 2/300) فقال: ليس بثقة وأظن أن هذه العبارة من كتابه الجرح والتعديل الذي لم يصل إلينا، لأن: اللفظ الأول وقفت عليه في السنن الكبرى وفي نقول العلماء له.
__________
(1) شرعت بعمل معجم الجرح والتعديل للإمام النسائي، وقد فرغت من جمع أقواله من ميزان الاعتدال فتكلم في (947) راوٍ. وأوشكت على الفراغ من تهذيب الكمال للمزي وأتبعه إن شاء الله بجرد أقوال النسائي من لسان الميزان لابن حجر، وتهذيب التهذيب له ومن سير أعلام النبلاء للذهبي.(1/12)
واللفظ الثاني: وقفت عليه في الضعفاء والمتروكين في نُقول العلماء له.
واللفظ الثالث: وقفت عليه في نقول العلماء له فقط، ولم نعثر عليه في كتابيه السابقين.
وهنا فائدة يحسن التنبيه عليها وهي جمع أقوال الناقد في الراوي الواحد وحصلها على ما يليق بها.
المبحث الخامس: دراسة تراجم الرواة الذي أطلقت عليهم مصطلحات المجموعة الثانية:
لا أعرفه، لا نعرفه، ليس بمعروف، لا ندري من هو.
استخدم النسائي مصطلح لا أعرفه في السنن الكبرى في أحد عشر راوياً ومرة قال لا نعرفه. (ولا أعرفه) هو أكثر مصطلح استعمله النسائي في التعبير عن الراوي المجهول.
أما ليس بمعروف فاستخدمه مرة واحدة في سهم بن المعتمر، وكذا لا ندري من فاستخدمه في قرصافة الذهلية.
وفيما يلي أسماء هؤلاء الرواة ثم دراسة تراجمهم على منهجنا السابق.
الفرع الأول: أسماء الرواة.
الحارث بن مالك، عبد اله بن الرقيم، سليمان الهاشمي، سيف الشامي، القاسم بن رشدين إسحاق بن عبد الواحد، محمد بن حبيب، علي بن عبد العزيز، يونس بن سليم، عبد الرحمن بن بحر مبارك بن سعيد، موسى، سهم بن المعتمر، قرصافة الذهلية.
الفرع الثاني: دراسة التراجم.
أولاً:
قال النسائي (السنن الكبرى، 5/119 ح 8415): أخبرنا أحمد بن يحيى، قال حدثنا علي بن قادم، قال أخبرنا إسرائيل، عن عبد الله بن شريك، عن الحارث بن مالك، قال أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله × في المسجد، فنودي فينا ليلاً: ليخرج من المسجد إلا آل رسول الله ×، وآل علي. قال: فخرجنا فلما أصبح أتاه عمه فقال: يارسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام فقال رسول الله ×: (ما أنا أمرت بإخراجكم، ولا بإسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به).
قال فطر عن عبد الله بن شريك، عن عبد الله بن الرقيم عن سعد أن العباس أتى النبي × فقال: سددت أبوابنا إلا باب علي، فقال: (ما أنا فتحتها ولا سددتها) (هـ).(1/13)
قال أبو عبد الرحمن: عبد الله بن شريك ليس بذلك، والحارث بن مالك لا أعرفه ولا عبد الله بن الرقيم.
ترجمة الحارث بن مالك:
اقتصر المزي (تهذيب الكمال 5/277) والذهبي (الكاشف 1/140)، وابن حجر (التهذيب 2/156) على قول النسائي في الحارث بن مالك، لا أعرفه.
وقال الذهبي (الميزان 1/441): لا يعرف.
وقال ابن حجر (التقريب ص 147): مجهول.
الخلاصة: عرفنا من خلال الترجمة، أن قول النسائي في هذا الراوي لا أعرفه: أنه مجهول العين، وتبين لنا أن الراوي ليس مجهولاً عند النسائي وحده بل عند غيره أيضاً فلم يعثر المزي ولا الذهبي ولا ابن حجر على نقل فيه سوى ما نقلوه عن النسائي بجرح أو تعديل فبقي مجهولاً.
ترجمة عبد الله بن الرقيم:
وهو الكناني الكوفي قال ابن خراش: لم يرو عنه سوى عبد الله بن شريك (الذهبي، الميزان، 2/422).
قال البخاري (التاريخ الكبير، 5/90): فيه نظر.
ونقل المزي (تهذيب الكمال، 14/505) وابن حجر (التهذيب 5/212) قول النسائي فيه. وقال ابن حجر (التقريب ص 303): مجهول.
الخلاصة: اتضح لنا من خلال الترجمة أن الراوي مجهول العين عند العلماء فلم يرو عنه سوى عبد الله بن شريك، فمراد النسائي بـ لا أعرفه أنه مجهول العين.
ثانياً:
قال النسائي (السنن الكبرى، 6/143 ح 10391): أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا أسد بن موسى، حدثنا عافية بن يزيد عن سليمان الهاشمي، عن أبي بردة عن أبيه قال: بينما رسول الله × يمشي وامرأة بين يديه، فقال النبي × دعوها فإنها جبارة..(و).
قال أبو عبدالرحمن: عافية بن يزيد ثقة وسليمان الهاشمي لا أعرفه.
الترجمة: هو : سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي(1)
__________
(1) عند المزي، تهذيب الكمال، والذهبي، الميزان في آخر من أسمه سليمان، هناك سليمان الهاشمي مولى الحسن بن علي بن أبي طالب، ما روى عنه سوى ثابت البناني، يورى عن عبد الله بن أبي طلحة.
وليس هو بصاحبنا فليتنبه.(1/14)
ذكره ابن حبان، الثقات 6/380 عم الخليفتين السفاح والمنصور، كان جواداً ممدحاً ولي البصرة وكور دجلة الأهوازي والبحرين، توفي سنة اثنتين وأربعين ومئة. روى له النسائي حديثاً واحداً، وابن ماجه آخر (المزي، تهذيب الكمال، 12/44 -47) وقال الذهبي (الكاشف 1/318): وثق وقال ابن حجر (التقريب، ص 253): مقبول.
الخلاصة: فتبين من هذه الترجمة أن مراد النسائي بقوله: لا أعرفه، أي بطلب العلم، فليس له من الحديث إلا القليل، فكل ما له في الكتب الستة حديث عند النسائي وآخر عند ابن ماجه.
فأراد أنه ليس بصاحب روايات كثيرة لأنه ليس بصاحب تخصص في الحديث، ولم يشتهر به وإن كان مشهوراً في حياته العادية، فالأمير علي بن سليمان الهاشمي الكريم الجواد، عم الخليفتين يعرف لا محالة، لكن الحديث لم يكن من شأنه ولم يعرف بطلبه والعناية به، فقال النسائي: لا أعرفه.
ثالثاً:
قال النسائي (السنن الكبرى، 6/160ح 10462): أخبرنا عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية عن بحير، عن خالد، عن سيف، عن عوف بن مالك، أنه حدثه أن النبي × قضى بين رجلين فقال المقضي عليه: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال رسول الله × إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس وإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)(ز).
قال أبو عبد الرحمن: سيف لا أعرفه.
الترجمة: هو سيف الشامي.
قال العجلي (الثقات، 1984م ص 212): تابعي ثقة. ذكره ابن حبان (الثقات، 4/339).
روى له أبو داود والنسائي في اليوم والليلة حديثاً واحداً (المزي، تهذيب الكمال، 12/337).
وقال الذهبي (الميزان، 2/259): لا يعرف، تفرد عنه خالد بن معدان.
الخلاصة: عبارة النسائي هنا لا أعرفه تطابق اصطلاح مجهول العين الذي لم يشتهر بطلب العلم ولا عرفه العلماء به، ولم يعرفه حديثه إلا من جهة راو واحد ولعل توثيق العجلي ليسف الشامي يرج لرواية الثقة خالد بن معدان عنه وكونه من التابعين الذين ندر فهيم الكذب.
رابعاً:(1/15)
قال النسائي (السنن الكبرى، 4/305 ح 7273): أخبرنا سفيان بن يعقوب الفارسي قال حدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني القاسم بن رشدين بن عمير، قال حدثني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عمرو بن الشريد، أنه سمع الشريد، وهو بن سويد يقول: رجمت امرأة على عهد رسول الله ×.
قال أبو عبد الرحمن: ليس لعمرو بن الشريد صحبه والقاسم بن رشدين لا أعرفه ويشبه أن يكون مدنياً، ومخرمة بن عبد الله بن الأشج لم يسمع من أبيه.
الترجمة: هو مولى بني مخزوم.
قال ابن سعد (الطبقات الكبرى، القسم المتمم، 1983م، ص 313): مات قديماً وكان قليل الحديث.
روى له النسائي حديثاً واحداً (المزي، تهذيب الكمال 23/349).
وحكى المزي، والذهبي، الميزان 3/370، وابن حجر التهذيب 8/313، قول النسائي فيه، وقال ابن حجر (التقريب ص 450): مجهول.
الخلاصة: اتضح لنا من الترجمة أن مراد النسائي بـ لا أعرفه أنه مجهول العين واعتمد المزي والذهبي ابن حجر قول النسائي ولم يجدوا له مخالفاً. ومن قول ابن سعد يتبين لنا سبب جهالة هذا الراوي المتلخصة في قلة حديثه.
خامساً:
قال النسائي (السنن الكبرى 5/228 ح 8749): أخبرني عبد الله بن عبد الصمد، عن إسحاق بن عبد الواحد، عن المعافى بن عمران، عن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني سعيد المقبري، عن عطاء مولى بن أحمد قال سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: أن رسول الله × بعث بعثاً فدعاهم فجعل يقول للرجل.
«ما معك من القرآن يا فلان؟» قال: كذا وكذا فاستقرأهم بذلك حتى مرَّ على رجلٍ معهم هو من أحدثهم سناً فقال:
«ماذا معك يا فلان؟» قال: كذا وكذا وسورة البقرة. فقال له النبي ×: «أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم اذهب فأنت أميرهم». قال رجلٌ من أشرافهم: «إن أخوتكم عندي من طلبه». فما استعان بهما على شيء (ح).(1/16)
قال أبو عبد الرحمن: إسحاق بن عبد الواحد لا أعرفه، وعبد الله بن عبد الصمد (قد حدثنا عن) (1) المعافى بن عمران بغير حديث.
الترجمة: هو إسحاق بن عبد الواحد القرشي الموصلي.
قال الأزدي: كثير الحديث رجال فيه، أكثر عن المعافي، ونظرائه من المواصلة، وصنف وكتب الناس عنه، وتوفي سنة ست وعشرين ومئتين. (المزي، تهذيب الكمال، 2/254 - 256).
ذكره ابن حبان (الثقات 8/115).
وخلاصة القول فيه: محدث مكثر مصنف تكلم فيه بعضهم (ابن حجر، التقريب ص 102).
الخلاصة: ظهر من هذه الترجمة أن إسحاق الموصلي معروف في طلب العلم والرحلة فيه والتصنيف فيه، وأخذ الناس عنه، وكتابتهم لحديثه، ومثله لا يخفى على الإمام النسائي غالباً، فمراده من قوله لا أعرفه أي في هذا الإسناد، لأن شيخه عبد الله بن عبد الصمد قد حدثه مباشرة عن المعافى بن عمران بغير واسطة في أكثر من حديث كما أوضح ذلك النسائي، فلما جاء إسحاق بينهما قال لا أعرفه لأن الطريق المسلوك في الرواية كان بدونه.
فإن صح ما ذهبت إليه فالأولى أن نقيد عدم المعرفة بهذا الإسناد أو بهذا الحديث.
وهناك احتمال نحمل عليه قول النسائي «لا أعرفه» بأنه لم يطلع على حقيقة أمره وواقع خبره، فجهله ولم يعرفه - وهو بعيد -، فيكون هذا الراوي ممن فات النسائي معرفتهم مع أنه مشهور معروف عند غيره، والإحاطة بالرجال متعذرة ومن المعلوم أن الراوي قد يكون معروفاً عند بعض معاصريه من أئمة النقد، ومجهولاً عند بعض معاصريه الآخرين.
سادساً:
__________
(1) تصحفت في المطبوعة السنن الكبرى، والتصويب من (المزي، تهذيب الكمال، 2/456).(1/17)
قال النسائي (السنن الكبرى 5/217حـ 8710): أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق وأحمد بن يوسف قالا: حدثنا أبو المغيرة، قال حدثنا الوليد بن سليمان، قال حدثني بشر بن عبيد الله عن عبد الله بن محيريز، عند عبد الله بن السعدي، عن محمد بن حبيب المصري قال: أتينا رسول الله × في نفر كلنا ذو حاجة فتقدموا بين يديه فقضى الله لهم على لسان نبيه ما شاء ثم أتيته فقال لي رسول الله ×: «ما حاجتك؟» قلت: سمعت رجالاً من أصحابنا يقولون: قد انقطعت الهجرة. قال: «تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار». واللفظ لأحمد (ط).
قال أبو عبد الرحمن: محمد بن حبيب هذا لا أعرفه.
الترجمة: محمد بن حبيب المصري، ويقال النصري.
صحابي له حديث واحد مختلف في إسناده(1) (ابن عبد البر، الاستيعاب، 1338هـ 3/1369، ابن حجر، الإصابة 3/373، التقريب ص 437).
وعند المزي (تحفة الأشراف 1983، 8/356، 6/402- 403) بيان شاف لطرق هذا الحديث، وإن ذكر محمد بن حبيب وهم في الإسناد.
الخلاصة: فكان النسائي أراد بـ لا أعرفه: أي في هذا الإسناد، لأن الحديث معروف وصحيح من غير ذكر محمد بن حبيب، وهو صحابي، ولم يرد معنى الجهالة فيما يظهر، ويبعد أن النسائي لا يعرفه.
سابعاً:
قال النسائي (السنن الكبرى 4/467 ح 7970): أخبرنا محمد بن الخليل، قال أخبرنا مروان وهو ابن معاوية، عن علي بن عبد العزيز، عن عبادة بن مسلم الفزاري عن جبير بن أبي سليمان، عن ابن عمر قال: كان النبي × يقول اللهم وذكر الدعاء وقال في آخره وأعوذ بك أن أغتال من تحتي).. (ي).
قال النسائي: علي بن عبد العزيز لا أعرفه، ينبغي أن يكون نسبه إلى جده.
الترجمة: علي بن عبد العزيز، يقال أنه على بن غراب، وعلي بن أبي الوليد، أبو يحيى الفزاري الكوفي.
__________
(1) أي يذكر فيه محمد بن حبيب في رواية ولا يذكر في أخرى.(1/18)
روى عن حسين بن ذكوان المعلم وخالد بن محدوج، وسفيان الثوري.. روى عنه إسماعيل بن أبان الوراق، ومروان بن معاوية الفزاري، ونصر بن مزاحم المنقري.. المزي (تهذيب الكمال، 21/55-56، ابن حجر، التهذيب 7/362).
قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو زرعة هو عندي صدوق (ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، 1953م، 6/196).
وثقة ابن معين والدارقطني وقال أبو داود: تركوا حديثه، وقال أحمد: ما لي به خبرة، سمعت منه مجلساً وكان يدلس، ما أراه إلا كان صدوقاً (الذهبي، الميزان 3/149).
الخلاصة: فهذا الراوي معروف بطلب العلم وأخذ الناس عنه، وعرفه العلماء كابن معين وأحمد وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيان، وأبي داود، والدارقطني، فما مراد النسائي بـ لا أعرفه؟
الظاهر أنه قد جهل أمره ولم يعرفه، وليس بشائن النسائي أنه لم يعرف راوياً أو عدداً من الرواة، لما سبق من أن الإحاطة بهم متعذرة فيضاف هذا إلى ما يستدرك على النسائي من الرواة الذي جهلهم وهم معروفون.
ثامناً:
قال النسائي (السنن الكبرى، 1/450 ح 1439): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثن يونس بن سليم، قال: أملى عليّ يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان رسول الله × إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال: (اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، ولا تخزنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، ثم قال: أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (ك)..
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث منكر لا نعلم أحداً رواه غير يونس بن سليم، ويونس بن سليم لا نعرفه والله أعلم.
الترجمة: ذكره ابن حبان (الثقات 9/288) وقال: روى عنه اليمانيون عبد الرزاق وغيره.(1/19)
وقال العقيلي (الضفعاء 7/174- 175): لا يتابع على حديثه ولا يعرفه إلا به.
قال المزي (تهذيب الكمال، 32/508- 510): روى له الترمذي والنسائي حديثاً واحداً من طريق عبد الرزاق عنه.
وقال الذهبي (الميزان 4/418): حدّث عنه بعد الرزاق وتكلم فيه ولم يعتمده في الرواية ومشاه غيره. وقال ابن حجر (التقريب ص 613): مجهول.
الخلاصة: استخدام النسائي لهذا المصطلح لا نعرفه في يونس بن سليم كاستخدامه للمجهول - العين - وهو الأصل فهو مقل من الحديث جداً، فلم يرو إلا حديثاً واحداً ولا يعرفه إلا به، ولا يتابع عليه، ولم يرو عنه غير عبد الرزاق وقال فيه: أظنه لا شيء ولم يعتمده في الرواية ولعل كلامه فيه وأنه ليس من أهل هذا الشأن مع قلة أحاديثه جعل الطلبة ينصرفون إلى المعروفين بالطلب المكثرين من الرواية.
تاسعاً:
قال النسائي (السنن الكبرى 4/339 حـ 7421: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الطبراني، قال حدثنا عبد الرحمن بن بحر أبو علي قال حدثنا مبارك بن سعد(1)(6) قال حدثني يحيى ابن أبي كثير، قال أخبرني عكرمة، أن امرأة أخبرته، أن عائشة أم المؤمنين أخبرتها أن رسول الله × قال: تقطع اليد في المجن.. (ل).
قال أبو عبد الرحمن: لا أعرفه عبد الرحمن بن بحر، ولا مبارك هذا.
ترجمة عبد الرحمن بن بحر:
قال المزي (تهذيب الكمال 16/542): عبد الرحمن بن بحر البصري، أبو علي الخلال.
روى عن: رديح بن عطية المقدسي، ورشدين بن سعد المصري، ومبارك بن سعد اليمامي، ويحيى بن عيسى الرملي.
روى عنه: جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي، وأبو سهل سعيد بن عثمان التستري، وعبيد الله بن واصل البخاري البيكندي، وعلي بن الحسن الهسنجاني، وأبو بكر محمد بن إسماعيل الطبراني ويعقوب بن سفيان الفارسي.
روى له النسائي حديثاً واحداً في القطع.
قال ابن حجر (التهذيب، 6/143): وله عنده حديث آخر في المزارعة.
وقال (التقريب ص 336): مقبول.
__________
(1) تصحفت في المطبوعة إلى سعيد.(1/20)
ولم يذكره الذهبي في الميزان. واقتصر في الكاشف 2/139 على ذكر اثنين من شيوخه وتلاميذه.
الخلاصة: فعبد الرحمن بن بحر كما ترى روى عنه أكثر من راوٍ ولم يوثق، وهذا أحد نوعي المجهول، فقول النسائي فيه لا أعرفه، أي أنه مجهول الحال، وانظر إلى المزي والذهبي وابن حجر أن يعطيه مرتبة في التقريب جعله في المقبول، مع أن الموافق لاصطلاحه أن يجعله في مجهول الحال أو المستور وهي المرتبة السابعة: من روى عنه أكثر من واحدٍ ولم يوثق. (ابن حجر، التقريب ص 74). فلعله وقف له على متابع.
ترجمة مبارك بن سعد:
هو اليمامي البصري، ذكره ابن حبان (الثقات 9/190).
روى عن يحيى بن أبي كثير، روى عنه أبو علي عبد الرحمن بن بحر الخلال، روى له النسائي حديثاً واحداً. (المزي، تهذيب الكمال 27/177).
قال الذهبي (الميزان، 3/431): لا يعرف. وقال (الكاشف 3/104): ثقة.
الخلاصة: يظهر جلياً أن مراد النسائي من قوله لا أعرفه في مبارك بن سعد، أنه مجهول العين حيث لم يرو عنه غير واحدٍ ولم يوثقه أحد ممن تقدم النسائي.
ومن هذه الترجمة والتراجم السابقة لها مع اختلافها نستنتج أن النسائي يطلق على من جهل حاله أو عينه أو المجهول عموماً لا أعرفه، لأن هذا التقسيم للمجهول لم يكن إذ ذاك.
عاشراً:
قال النسائي (السنن الكبرى 6/46 حـ 9982): أخبرنا أحمد بن سليمان، قال حدثنا يعلى، قال حدثنا موسى - وهو الجهني -، عن موسى، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: من قال في دبر كل صلاة عشر تسبيحات، وعشر تكبيرات، وعشر تحميدات في خمس صلوات، فتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذ مضجعة مائة باللسان وألف في الميزان، فأيكم يصيب في يوم ألف وخمسمائة سيئة؟). (م)..
قال أبو عبد الرحمن: موسى الثاني لا أعرفه.(1/21)
قلت: موسى - الثاني - الراوي عن أبي زرعة في هذا الإسناد، والراوي عنه موسى الجهني لم يذكر في شيوخ موسى الجهني. (المزي، تهذيب الكمال 29/96) ولا في تلاميذ أبي زرعة (المزي، تهذيب الكمال 33/324).
وعند المزي (تحفة الأشراف، 10/449) تحت ترجمة موسى بن عبد الله الجني، عن أبي زرعة عن أبي هريرة حديث القول في دبر الصلاة، أحال المزي إلى ترجمة مصعب بن سعد عن أبيه (3/321) وفيها:
حديث: ما يمنع أحدكم أن يسبح دبر كل صلاة عشراً ويكبر عشراً.. (سي) في اليوم والليلة عن زكريا بن يحيى، عن عرفة، عن المبارك بن سعيد، عن موسى الجهني، عنه به (أي عن مصعب بن سعد بن أبيه).
وعن أحمد بن سليمان الرهاوي، عن يعلى بن عبيد، عن موسى الجهني، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قوله، وقال: الصواب حديث يعلى.
وفي الحاشية بخط المؤلف (أي المزي): في رواية بن الأحمر خالفه يعلى بن عبيد رواه عن موسى الجهني، عن موسى، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة.
حدثنا أحمد بن سليمان، ثنا يعلى، ثنا موسى - وهو الجهني - عن موسى، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة.. فذكرا الحديث. ثم قال: موسى الثاني لا أعرفه.
وفي كتاب «عمل اليوم والليلة» للنسائي ص 308-0309 المطبوع استقلالاً بتحقيق أستاذنا الدكتور فاروق حمادة - رعاه الله - ليس فيه موسى الثاني لا أعرفه.
الخلاصة: فإن كانت العبارة حفظها ابن الأحمر عن النسائي فمعناها لا أعرفه في هذا الإسناد فأعل النسائي هذا الحديث بالوقف، ثم أعله بزيادة رجل في إسناده لا تعرفه له رواية فيه.
الحادي عشر:
قال النسائي (السنن الكبرى 5/487 ح 9695): أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكم الأودي، قال حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا عبد الملك بن الحسن، قال: سمعت سهم بن المعتمر بحديث عن الهجيمي أنه قدم المدينة فلقي النبي × في بعض أزقة المدينة فوافقه فإذا هو متزر بإزار قطر قد انتثرت حاشيته وقال: عليك السلام يا رسول الله فقال رسول الله ×.(1/22)
(عليك السلام تحية الموتى) فقال: يا رسول الله أوصني فقال: (ولا تحقرن شيئاً من المعروف أن تأتيه ولو أن تهب صلة الحبل ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تلقى أخاك المسلم ووجهك بسط إليه ولوأن تؤنس الوحشتان بنفسك ولو أن تهب الشسع). (ن).
قال أبو عبد الرحمن: سهم بن المعتمر ليس بمعروف.
الترجمة: سهم بن المعتمر البصري.
ذكره ابن حبان (الثقات 6/460.
قال المزي (تهذيب الكمال 12/215): روى عن أبي جري الهجيمي (سي) في النهي عن الإسبال وغير ذلك.
روى عنه عبد الملك بن الحسن الجاري الأحول (سي) روى له النسائي هذا الحديث الواحد قال الذهبي (الكاشف 1/327): وثق(1). ولم يذكره في الميزان.
وقال ابن حجر (التقريب ص 258): مقبول.
الخلاصة: يلاحظ أن ترجمة من قال فيه النسائي ليس بمعروف تدل على أنه مجهول، وما جاء في ترجمة من ليس بمعروف يتفق مع ما جاء في ترجمة «المجهول»، ومما يدل على جهالة سهم بن المعتمر تفرد عبد الملك بن الحسن في الرواية عنه، ولم يوجد من يوثقه، وابن حبان إنما ذكره فقط ولم يزد على ذلك لكونه لم يعرفه.
فعبارة النسائي: ليس بمعروف رائقة ولائقة بمقام المجهول، فليس هو بمعروف في الأوساط العلمية، لا بالتحمل ولا بالأداء.
الثاني عشر:
قال النسائي (السنن الكبرى 3/232 حـ 5189): أخبرنا أبو بكر بن علي، قال أنبأنا إبراهيم بن حجاج، قال حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن قرصافة امرأة منهم عن عائشة قالت: إشربوا ولا تسكروا.
قال أبو عبد الرحمن: وهذا غير ثابت، وقرصافة هذه لا ندري من هي.
الترجمة: قرصافة الذهلية.
ذكر المزي (تهذيب الكمال، 35/272) أنها روت عن عائشة الحديث السابق وعنها سماك بن حرب وأن روايتها في سنن النسائي ثم ساق الحديث وكلام النسائي عليه.
وقال الذهبي (الميزان، 4/609): تفرد عنه سماك، ثم حكى قول النسائي فيها.
__________
(1) عادة الذهبي أن يقول فيمن ذكره ابن حبان في الثقات: وثق.(1/23)
ولم يزد ابن حجر (التهذيب 12/446) على ما عند المزي شيئاً، وقال (التقريب ص 752): لا يعرف حالها.
الخلاصة: فعلمنا من هذه الترجمة، أن قول النسائي «لا ندري من هي» يطلقه على الراوي مجهول العين، فلا يعرف حال قرصافة، ولا يدري من هي.
وعلمنا أن قول النسائي فيها هو العمدة فلم ينقل المزي والذهبي وابن حجر قولاً لغيره فيها ولو وجد لما ترك.
المبحث السادس: تراجم الرواة الذي قيلت فيهم ألفاظ المجموعة الثالثة:
ليس بمشهور، ليس بالمشهور، ليس بذاك المشهور، ليس بهذه الشهرة.
الفرع الأول: ليس بمشهور:
قال النسائي (السنن الكبرى 4/227 ح 7166): أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم، قال أنا حبان - هو ابن موسى - قال أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير، عن عبد الرحمن بن هضهاض، عن أبي هريرة أن ماعزاً أتى رجلاً يقال له هزال فقال: يا هزال إن الآخر قد زنى..
قال أبو عبد الرحمن: عبدالرحمن بن هضهاض ليس بمشهور، وقد اختلف على أبي الزبير في اسم أبيه.
الترجمة: قال البخاري (التاريخ الكبير، 5/361): لا يعرف إلا بهذا الحديث. وذكره ابن حبان (الثقات، 5/114).
له حديث واحد في شهادة الأسلمي على نفسه بالزنى، تفرد عنه ابن أبو الزبير، فلا يدري من هذا (الذهبي، الميزان، 2/571)، ولم يذكره في الكاشف.
ونقل ابن حجر، التهذيب 6/198، قول النباتي : من لا يعرف إلا بحديث واحد، ولم يشهر حاله فهو في عداد المجهولين.
قلت : قول النسائي في هذا الراوي ليس بمشهور يطابق ما جاء في ترجمته فمن ليس له إلا حديثاً واحداً، ولا يعرف إلا به، وتفرد بالرواية عنه راوٍ فقط فأنى له بالشهرة، بل إن ندرة رواية الراوي وندرة الرواة عنه تكون سبباً لجهالته - كما تقدم - ونخلص من هذا إلى أن النسائي يستخدم هذا المصطلح فيمن يصدق عليه أنه مجهول وليس بمشهور في التحمل والأداء.
الفرع الثاني: ليس بالمشهور.(1/24)
أطلق النسائي هذا اللفظ في ثلاثة رواة هم: حسان بن عبد الله الضمري وعبد الملك بن نافع، وعوسجة.
أولاً: قال النسائي (السنن الكبرى 5/126 حـ 8708): أخبرنا محمود بن خالد، قال: حدثنا مروان - يعني ابن معاوية - قال حدثنا عبد الله بن العلاء بن زيد قال: حدثنا بشر بن عبد الله، عن أبي إدريس الخولاني عن حسان بن عبد الله الضمري، عن أبي إدريس الخولاني عن حسان بن عبد الله الضمري، عن عبد الله بن السعدي قال وفدنا على رسول الله × فدخل عليه أصحابي فقضى حاجتهم ثم كنت آخرهم دخولاً عليه فقال: «حاجتك؟» فقلت: يا رسول الله متى تنقطع الهجرة؟ قال رسول الله ×: الهجرة ما قوتل الكفار). (ع).
قال أبو عبدالرحمن: حسان بن عبد الله الضمري ليس بالمشهور.
الترجمة: شامي ثقة (العجلي الثقات ص 112)، وذكره ابن حبان (الثقات 4/164). روى عن عبد الله بن السعدي حديث وفادته على رسول الله ×، وروى عنه أبو إدريس الخولاني (المزي - تهذيب الكمال 6/30).
وقال ابن حجر (التقريب ص 158): ثقة مخضرم.
الخلاصة: من خلال الترجمة المتقدمة يظهر أن حسان الضمري ليس بمشهور في الأوساط العلمية لقلة حديثه الذي تسبب في قلة الرواة عنه، وهو مراد النسائي من قوله فيه ليس بمشهور.
وأما توثيق العلماء له فليس بمستغرب، فمنهم من يوثق من لم يرو عنه إلا راو إذا كان ثقة خاصة إذا كان من التابعين لقلة الكذب فيهم، وحسان من المخضرمين فله فضل سبق وتقدم.(1/25)
ثانياً: قال النسائي (السنن الكبرى 3/235حـ 5205): أخبرنا زياد بن أيوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أنبأنا العوام، عن عبد الملك بن نافع، قال: قال ابن عمر: رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله × بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه فوجده شديداً فرده على صاحبه فقال له رجل من القوم: يا رسول الله أحرام هو؟ فقال: عليّ بالرجل، فأتي له فأخذ منه القدح ثم دعا بماء فصبه فيه ثم رفعه إلى فيه فَقَطبَ ثم دعا بماء أيضاً فصبه فيه ثم قال: «إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فكسروا متونها بالماء») (ف).
قال أبو عبد الرحمن: عبدالملك بن نافع وليس بالمشهور، ولا يحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عمر خلاف حكايته.
الترجمة: قال البخاري (التاريخ الكبير 5/433): روى عن ابن عمر في النبيذ، لا يتابع عليه.
قال أبو حاتم: شيخ مجهول، لا يرو إلا حديثاً واحداً، فقطع الشيباني ذلك الحديث حديثين لا يكتب حديثه، منكر الحديث، (ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 5/371).
وقال العقيلي (الضعفاء الكبير، 3/36): لا يتابع على حديثه.
وذكر المزي (تهذيب الكمال 18/424): من الرواة عنه خمسة.
قال ابن حجر (التقريب، ص 365): مجهول.
الخلاصة: دلت ترجمة هذا الراوي على أن مراد النسائي بقوله فيه ليس بمشهور أنه مجهول الحال، فليس له إلا خبر واحد، ومن كانت هذه صفته في الرواية فإنها مدعاة لاخمال ذكره وعدم اشتهار حديثه وانتشاره بين العلماء.
ثالثاً: قال النسائي (السنن الكبرى 4/88 ح 6409): أخبرنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البلخي قال: حدثنا سفيان - يعني ابن عيينة - عن عمرو - يعني ابن دينار - قال سمعت عوسجة، يحدث عن ابن عباس أن رجلاً مات على عهد النبي × ولم يترك وارثاً إلا عبداً هو أعتقه فأعطاه ميراثه.
قال أبو عبد الرحمن: عوسجة ليس بالمشهور، لا نعلم أحداً يروي عنه غير عمرو بن دينار، ولم نجد هذا الحديث إلا عند عوسجة (ص).(1/26)
الترجمة: قال أبو حاتم: ليس بالمشهور. (ابن أبي حاتم، الجرح 7/24) وذكره ابن حبان (الثقات 5/281).
قال ابن عدي (الكامل 5/384): عند ابن عيينة، عن عمرو، عن عوسجة، عدة أحاديث.
قال المزي (تهذيب الكمال 22/434): روى له الأربعة حديثاً واحداً، وذكر من الرواة عنه عمرو بن دينار فقط قال ابن حجر (التقريب، ص 433): ليس بمشهور.
الخلاصة: اتضح من هذه الترجمة أن عوسجه كان مقلاً من الرواية ولهذا قل تلاميذه، فلم يرو عنه غير عمرو بن دينار فهو كالمجهول العين سواء، مما نأى به عن الشهرة العلمية وهو مراد النسائي «بليس بالمشهور».
رابعاً: قال النسائي (السنن الكبرى 2/312 ح 3566): 4103 أخبرنا محمد بن معامر البصري الحراني قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن شريك بن شهاتب قال كنت أتمنى أن ألقى رجلاً من أصحاب النبي × أسأله عن الخوارج فلقيت أبا برزة في يوم عيد في نفر من أصحابه فقلت له هل سمعت رسول الله × يذكر الخوارج فقال نعم سمعت رسول الله × بأُذني ورأيته بعيني أتي رسول الله × بمال فقسمه فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من وراءهُ شيئاً فقام رجل من ورائه فقال يا محمد ما عدلت في القسمة رجل أسود مطموم الشعر علي ثوبان أبيضان فغضب رسول الله × غضباً شديداً وقال والله لا تجدون بعدي رجلاً هو أعدل مني ثم قال يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة) (ق).
قال أبو عبد الرحمن: شريك بن شهاب ليس بذاك المشهور.
الترجمة: شريك بن شهاب الحارثي البصري.
روى عن أبي برزة الأسلمي (سي)، روى عنه الأزرق بن قيس (سي) (المزي، تهذيب الكمال 12/460، الذهبي، الكاشف 2/9).(1/27)
ولا يعرف إلا براوية الأزرق بن قيس عنه. (الذهبي، الميزان 2/269).
الخلاصة: تبين من ترجمة شريك بن شهاب أن مراد النسائي من قوله فيه ليس بذاك المشهور عدم اشتهاره علمياً، فلا يعرف إلا برواية راو واحد عنه وهو الأزرق بن قيس فهو كالمجهول - العين - سواء.
الفرع الثالث، ليس بذاك المشهور.
قال النسائي (السنن الكبرى 1/432 ح 1375): أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، أنه سأل أم سلمة زوج النبي × عن قراءة رسول الله × وصلاته فقالت: ما لكم وصلاته؟ كان يصلي، ثم ينام بقدر ما صلى حتى يصبح، ثم نعتت له قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً) (د).
قال أبو عبد الرحمن: يعلى بن مملك بذاك المشهور.
الترجمة: ذكره ابن حبان (الثقات 5/556، 7/652).
قال الذهبي (الميزان 4/458): ما حدث عنه سوى ابن أبي مليكة وقال (الكاشف 3/259): وثق.
الخلاصة: تبين من هذه الترجمة أن صاحبها مجهول حسب اصطلاح المحدثين لعدم اشتهاره بطلب العلم وقلة الآخذين عنه، فلم يحدث عنه سوى ابن أبي مليكة، مما يجعل الراوي مغموراً، وليس بذاك المشهور عند طلبه العلم والعلماء وهو مراد النسائي بقوله المتقدم فيه.
الفرع الرابع: ليس بهذه الشهرة.
قال النسائي (السنن الكبرى 4/320 ح 7332): أخبرني محمد بن وهب قال: حدثني محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان، عن عبد الرحمن بن جابر - فحدث سليمان ثم أقبل عليهم سليمان - فقال حدثين عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة يقول: سمعت رسول الله × يقول: الجلد فوق عشرة إلا في حد من حدود الله). (ش).
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب التسعة وعمير بن إسحاق له أربعة أحاديث في مستند أحمد وواحد في الدارمي وليس لها علاقة بنص الحديث.
ونبيح العنزي ك 31 رواية وهذا الحديث ليس منها.(1/28)
قال أبو عبد الرحمن: عبد الرحمن بن جابر ليس بهذه الشهرة.
الترجمة: قال ابن سعد (الطبقات 5/275): في روايته ورواية أخيه ضعف، وليس يحتج بهما وقال العجلي (الثقات ص 290): ثقة. وذكره ابن حبان (الثقات 5/77).
وقال المزي (تهذيب الكمال 1724): روى عن أبيه جابر بن عبد الله.
وذكر من الرواة عنه عشرة تلاميذ وحكى قول العجلي والنسائي فيه أنه: ثقة.
الخلاصة: يظهر من هذه الترجمة أن صاحبها عبد الرحمن بن جابر قد عرف في الأوساط العلمية فروى عنه عشرة تلاميذ إلا أنه قليل الحديث ولا يتساوى مع من سبق من الرواة الذين لم يرو عنهم إلا راوٍ من أفراد هذه المجموعة(1)، فكأنه لم ينظر إلى مجرد كثرة الرواة عنه بل نظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء وكثرة حديثه مما يجعلنا نقول أن في استعمال النسائي لهذا المصطلح توسع وعدم استقرار على حد معين فيه ولعل عذره في ذلك أن المصطلحات في زمنه لم تستقر بعد وكان هو من صناعها فيستخدم مصطلحات هذه المجموعة على مجهول الحال ومجهول العين ومن هو أرفع منهما كعبد الرحمن بن جابر.
المبحث السابع: تراجم الرواة الذين قيلت فيهم مصطلحات المجموعة الرابعة: لا نعلم أحداً روى عنه غير فلان، لا أعرفه له غير هذا الحديث.
أولاً: قال النسائي (السنن الكبرى 5/227 ح 8748): أخبرنا حميد بن سعدة، عن بشر، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن المقدام بن الأسود أن رسول الله × بعثه مبعثاً فلما رجع قال: (كيف وجدت نفسك؟) قال: ما زلت حتى ظننت أن معي خول لي وايم (و) الله ما أعمل على رجلين ما دمت حياً. (ت).
قال أبو عبد الرحمن: عمير بن إسحاق هذا لا نعلم أحداً روى عنه غير ابن عون، ونبيح العنزي لا نعلم أن أحداً روى عنه غير الأسود بن قيس.
الفرع الأول: ترجمة عمير بن إسحاق.
هو أبو محمد القرشي مولى بني هاشم.
__________
(1) كيعلى بن مملك، وشريك بن شهاب، وعوسجة، وعبد الملك بن نافع، وحسان الضمري، وعبد الرحمن بن هضهاض.(1/29)
روى عن الحسن بن علي بن أبي طالب، وسعيد بن العاص الأموي، والمقداد بن الأسود (المزي - تهذيب الكمال 22/369) ولم يرو عنه سوى ابن عون. (النسائي، تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد، 1987م، ص 37، ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 6/375، العقيلي، الضعفاء الكبير: 3/317، ابن عدي، الكامل: 5/69).
ذكره ابن حبان (الثقات 5/254).
قال عباس الدوري عن ابن معين: لا يساوي شيئاً، ولكن يكتب حديثه.
قال عباس: يعني لا يعرف، ولكن ابن عون روى عنه.
فقلت ليحيى: ولا يكتب حديثه قال بلى (ابن معين تاريخ يحيى بن معين 1979م، 2/456).
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: كيف حديثه؟ قال: ثقة. (المزي، تهذيب الكمال 22/369). قال النسائي: ليس به بأس. (المزي، 22/369، الذهبي 3/296).
وقال ابن عدي (الكامل 5/69): له من الحديث شيء يسير، ويكتب حديثه.
قال ابن حجر (التهذيب 8/143): ذكره العقيلي في الضعفاء لأنه لم يرو عنه غير واحد.
الخلاصة: يظهر من ترجمة عمير بن إسحاق أنه لم يرو عنه غير ابن عون كما قال النسائي في السنن الكبرى، وفي رسالته تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد - ومن تبع النسائي ممن تقدم ذكرهم - ومن هذه حاله لا يكون مشهوراً وغالباً ما تكون أحاديثه يسيرة كما هو واقع عمير هذا، ويكون هذا مدعاة لعده في الضعفاء وبه علل ابن حجر صنيع العقيلي في ذكره في الضعفاء، فمراد النسائي: بـ لم يرو عنه غير ابن عون، أنه غير معروف ولا مشهور، وأحاديثه قليلة.(1/30)
ولكن لم يعد من له راو فقط في الضعفاء(1) من أجل هذا - والحال أن من كانت أحاديثه قليلة فإن ذلك يكون مدعاة لزيادة ضبطها وتعاهدها، فإن كان الراوي عنه ثقة كابن عون، بعث ذلك على مزيد الاطمئنان إليه والثقة بأحاديثه وبذلك فسر عباس الدوري كلام ابن معين فجعل رواية ابن عون عنه مدعاة لكتب حديثه وهو ما قاله ابن عدي بعد سبر أحاديثه.
ومما يؤيد هذا قول مالك بن أنس في عمير بن إسحاق: لا أدري ما هو إلا أنه روى عنه رجل لا نستطيع أن نقول فيه شيئاً: ابن عون (العقيلي، الكامل، 3/317).
الفرع الثاني: ترجمة نبيح العنزي:
روى عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، روى عنه الأسود بن قيس، وأبو خالد الدالاني (المزي - تهذيب الكمال 29/314).
قال أبو زرعة (المزي، 29/314) وابن المديني (ابن حجر، التهذيب ، 1(/417) والنسائي (تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد ص 37): لم يرو عنه غير الأسود بن قيس. والصحيح أنه روى عنه الأسود بن قيس، وأبو خالد الدالاني (المزي 29/304، الذهبي، الميزان 4/445).
قال العجلي (الثقات ص 448): ثقة.
وذكره ابن حبان (الثقات: 5/484).
قال الذهبي (الميزان 4/445): تابعي فيه لين وقد وثق.
الخلاصة: فهمنا من ترجمة نبيح العنزي ندرة الرواة عنه فلم يرو عنه سوى اثنين، وإن قول النسائي فيه لم يرو عنه غير الأسود بن قيس سبقه إليه ابن معين وأبو زرعة، وذلك لعدم شهرته بالتحمل والأداء في الحديث حتى لا يكاد يعرف عنه إلا راوٍ فهو مقل وإن كان حديثه مستقيماً ولذلك وثقه العلماء، وبأن للمتأخرين (كالمزي والذهبي( بعد استقرار عصر الرواية وجمع الروايات راوٍ آخر عن نبيح. وهو استدراك وارد عليهم رحمهم الله.
__________
(1) لم يورد النسائي في كتابه (الضفعاء والمتروكين) أحداً ممن أطلق عليهم المجهول أو العبارات الدائرة في فلكه والذين كانوا موضع دراستنا).(1/31)
ثانياً: قال النسائي (السنن الكبرى 6/144 ح 10398): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا بقية حدثنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني شريح بن عبيد، عن الزبير بن الوليد عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله × إذا سافر فأقبل الليل، فال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك ومن شر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليه، أعوذ بك من أسد وأسود، من الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد).
قال أبو عبد الرحمن: الزبير بن الوليد شامي ما أعرف له غير هذا الحديث.
الترجمة: ذكره ابن حبان (الثقات: 4/261).
قال المزي (تهذيب الكمال 9/331):
روى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (سي) روى عنه شريح بن عبيد الحضرمي (سي) روى له أبو داود والنسائي حديثاً واحداً.
قال الذهبي (الميزان 2/68): تفرد عنه شريح بن عبيد.
وقال (الكاشف 1/250): ثقة.
وقال ابن حجر (التقريب ص 214): مقبول.
الخلاصة: تفيد ترجمة الزبير بن الوليد أنه مقل في التحمل والأداء، فروى عن ابن عمر حديثاً واحداً، وتفرد عنه شريح بن عبيد ، ولم يعرف العلماء له غير هذا الحديث وكذا لم يعرفوا له غير هذا الراوي وإلا لذكروا ذلك واستدركوه على النسائي. فوافق قول النسائي فيه: ما أعرف له غير هذا الحديث واقع حاله، ودل على أنه غير معروف بالرواية عند المحدثين.
أما توثيق الذهبي له فيرجع فيما أحسب إلى:
كون الزبير بن الوليد من التابعين -الرواة المتقدمين- الذين يندر فيهم الكذب.
لرواية الثقة عنه -شريح بن عبيد (ابن حجر، التقريب، ص 265).
لخلوه عن الجرح.(1/32)
وأما عد ابن حجر له في المقبول، فيمشي على اصطلاحه فيه (من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه لأجله، كما في (التقريب ص 74). وإن كان الأشبه باصطلاحه في مثل هذا الراوي (من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ مجهول) (التقريب ص 74). فلعله نقله إلى المقبول للأسباب السابقة ولم يجعله في الثقات كما صنع الذهبي.
الخاتمة:
بعد أن فرغت من هذا البحث ألخص في هذه الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها وهي:
توسع النسائي في إطلاق (الجهالة) وعدم ضبطها بحد معين.
يطلق مصطلح (المجهول) عند النسائي على:
من لا تعرفه حاله أو عينه عموماً.
من لم يعرف بإسناد معين.
بعض الرواة الذين جهلهم النسائي ولم يقف على خبرهم قد عرفهم غيره من النقاد ووقفوا على أحوالهم.
تفرد النسائي من بين النقاد في الكلام في بعض الرواة، واعتماد قوله فيهم.
المصادر والمراجع
البخاري، محمد بن إسماعيل، التاريخ الكبير، الهند، 1361هـ.
البخاري، محمد بن إسماعيل، الضعفاء الصغير، حلب، 1396هـ.
ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن أبي حاتم، الجرح والتعديل، الهند، 1952م، ط1.
ابن حبان، محمد بن حبان، الثقات، المعارف العثمانية، حيدر آباء الدكن، الهند ط1.
ابن حجر، أحمد بن علي، تقريب التهذيب، حلب، 1991م، ط3.
ابن حجر، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، الهند، 1325هـ.
ابن حجر، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، مصر، 1977م، ط 1.
حمادة، فاروق حمادة، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل، الرباط، 1989م، ط 2.
الخطيب، علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية، مصر، ط 1.
أبو داود، سليمان بن الأشعث، سؤالات الآجري، لأبي داود السجستاني المدينة المنورة، ط 1، 1983م.
الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، بيروت عن طبعة القاهرة، 1382هـ.
الذهبي، محمد بن أحمد، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، القاهرة، 1972م.(1/33)
الذهبي، محمد بن أحمد، الموقظة، حلب، 1412هـ، ط2.
الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، بيروت، 1986م.
ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم، المدينة المنورة، 1983م, ط1.
ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب، القاهرة، 1355هـ.
العجلي، أحمد بن عبد الله، تاريخ الثقات، بيروت، 1984م، ط1.
ابن عدي، عبد الله بن عدي، الكامل في الضفعاء، بيروت، 1985م.
العقيلي، محمد بن عمرو، الضعفاء، الكبير, دار الكتب العلمية ط1، 1984.
المزي، يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، بيروت، 1992م، ط2.
المزي، يوسف بن عبد الرحمن، تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، بيروت، 1983م، عن طبعة الهند.
النسائي، أحمد بن شعيب، السنن الكبرى، بيروت، 1992م، ط 2.
النسائي، أحمد بن شعيب، عمل اليوم والليلة، الرباط، 1981م، ط 1.
النسائي، أحمد بن شعيب، تسمية من لم يرد عنه غير رجل واحد، الزرقاء، 1987م، ط 2.(1/34)