بسم الله الرحمن الرحيم
العلة وعلم العلل
- هذا الموضوع هام جداً ، بل لا يحق لطالب العلم أن يصحح أو يضعف إلا بعد أن يعرف علم العلل ، وإلا فإنه لا يحق له الكلام على الأسانيد والأحاديث ... ، ولذا اهتم به أهل العلم بالحديث ، وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة .
- العلة ، والحديث المعلول ، عرفه أهل العلم ، فقالوا : هو الخبر الذي ظاهره السلامة واطُّلِعَ بعد التدقيق والتفتيش فيه على قادح . هذا تعريف العراقي .
وعرفه ابن حجر ، قال : ثم إن الوهم إذا اطُّلِعَ عليه بالقرائن وجمع الطرق ، فهو المعلل . وهذا التعريف بنحو الأول .
- السلامة : من القدح أو العلة .
- وبالتفتيش والبحث وجمع الطرق تبينت فيه علة .
…ولذا قال الحاكم في معرفة علوم الحديث - ولعله أول من عرف الحديث المعلل - قال: أن الحديث المعلل يُقدح فيه من أوجه ليس للجرح والتعديل فيها مدخل .
…ومعنى هذا : أن المعلول لا يكون الذي في إسناده رجل ضعيف ولا يحتج به ، وإنما الخبر الذي ظاهره الصحة .(1/1)
- هذا هو المشهور في تعريف المعلل ، لكن ألحق أهل العلم بالحديث المعلول أي حديث وقع فيه اختلاف في الإسناد أو المتن ولو روي بالطرق الضعيفة ، فإنهم يذكرونه في كتب العلل ، ويلحقونه بالأحاديث المعلولة ، ووجه إدخالهم هذا : لأن هذا الحديث عندما وقع فيه اختلاف وإن كان جاء من طرق ضعيفة ، ولكنه ملحق بالأحاديث التي ظاهرها الصحة ، ولكن هناك ما يقدح في هذه الصحة . بل إن أهل العلم بالعلل يدخلون مع الأحاديث المعلولة ، الأحاديث التي لم يختلف في إسنادها ، وضعفها واضح ، ومن ذلك ما ذكره الترمذي في كتاب العلل الكبير : ذكر حديثاً رواه عن قتيبة عن محمد بن موسى المخزومي عن كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» ، فلما سأل البخاري قال عن ربيح : منكر الحديث . فهذا الحديث ضعيف والعلة فيه واضحة وظاهرة ، وهي أن في إسناده ربيح .
…وذكر أبو عيسى أيضاً حديثاً آخر ، وهو ما رواه يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» ، فلما سأل البخاري قال عن يعقوب بن سلمة : لا يعرف ولا يدرى عن سماعه من أبيه ولا يدرى عن سماع أبيه من أبي هريرة .
…فأهل العلم بالحديث يلحقون أحاديثاً لم يختلف في أسانيدها ، والعلة فيها ظاهرة ، ولا تحتاج إلى بحث وجمع طرق .
…وأيضاً يدخلون مع العلل : الكلام في الرجال ، كالعلل الكبير للترمذي - في نهايته - ، ووجه إدخال مثل ذلك : لأن التعليل ينبني على مثل ذلك ، على ضعف رجل من قوته ، أو أن فلان سمع أو لم يسمع من فلان ، أو أن فلان يدلس . بل إن العلل الصغير للترمذي ليس فيه كلام على الأحاديث التي ظاهرها الصحة ، بل فيه كلام يتعلق بأهمية الإسناد ، ثم تكلم عن الرجال ...
…لكن الأصل إذا أطلقت العلة انصرفت إلى أول تعريف ذكرناه .(1/2)
* الأحاديث المعلولة تنقسم قسمين :
1/ الحديث الذي فيه ضعف ظاهر : إما الضعف لأن فيه رجلاً ضعيفاً ، أو الإسناد منقطع ... والأئمة يلحقون مثل هذا بكتب العلل .
2/ الحديث الذي لا تكتشف العلة فيه إلا بعد التفتيش والتنقيب وجمع الطرق ، وظاهره السلامة : وهذا القسم هو الذي إذا أطلق الحديث المعل انصرف إليه . والعلة تكون فيه إما في المتن أو في الإسناد .
* والعلة التي في المتن :
إما في كل المتن ، ومثالها : ما رواه أبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي ، كلهم من طريق ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «حسنوا أكفان موتاكم فإنهم يبعثون يوم القيامة في أكفانهم» ، وفي رواية أن أبا سعيد لما حضره الموت لبس ثياباً جديدة وحدث بهذا الحديث . لكن هذا الحديث معلول ، ووجه تعليله من جهة الإسناد ومن جهة المتن :
…أما من جهة الإسناد ، فهذا الإسناد فيه أمران :
1. يحيى بن أيوب متكلم فيه ، بل الأحرى أنه مختلف فيه ، فوثقه البخاري وابن معين في رواية ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ويكتب حديثه ولا يحتج به .... وهناك من فصل في حديث كأبي أحمد الحاكم : فرق بينما إذا حدث من كتابه وحفظه . وخرج له الشيخان ما صح له من حديثه . وله أحاديث تستنكر . ومن تلك هو هذا الحديث .(1/3)
2. غرابة الإسناد ، فكل من رواه من طريق ابن أبي مريم .... والغرابة في الإسناد ليست دائماً علة ، وإنما يعل بها الخبر أحياناً ، وكل ذلك بشروط - لعله يأتي - ( إذا قال الترمذي غريب فقط ولم يلحقه بصحة أو ضعف ، فهو شديد الضعف عنده ) . فابن أبي مريم مع ثقته عدم متابعته ، واستمرار الغرابة إلى الطبقات المتأخرة - طبقة أحمد وابن معين ... - دليل على ضعف الحديث ، فلا يمكن أن يوجد حديث صحيح ويتفرد به من هو في طبقة أحمد وابن معين. ثم أين أصحاب أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأين أصحاب التيمي محمد بن إبراهيم .
…وأما ما يتعلق بالمتن ، فلأنه ثبت في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يبعث الناس حفاةً عراةً غرلاً...» . فأفاد أن الناس يحشرون حفاة عراة ، لا كما في الحديث الأول أنهم يحشرون في أكفانهم ، ولحديث ابن عباس في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً» ، ويوافق ما جاء في القرآن الكريم : ? كما بدأنا أول خلق نعيده ? . ولذا اضطر ابن حبان لمَّا صحح هذا الحديث إلى تأويل متنه ، فقال : ( يبعثون في أكفانهم ) أي : في أعمالهم ، وأن الثياب تسمى عملاً . ولكن ما قاله ابن حبان فيه نظر ، وأبو سعيد الذي روى هذا الحديث لبس ثياباً جديدة ، وأن الأصل في قوله ( أكفانهم ) أنها الأكفان . فابن حبان عرف أن هذا الحديث مخالف للنصوص الأخرى ، فأوله . فهو معلول لا يحتاج إلى تأويل .
والعلة أيضاً تكون في بعض المتن : مثل ما جاء من حديث أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وإذا قرأ فأنصتوا» ، فهذه الزيادة معلولة . وقد جاءت أيضاً من طريق سليمان التيمي عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري .(1/4)
…فأما الزيادة من حديث أبي هريرة فقد تكلم فيها البخاري وشيخه يحيى بن معين ، وتكلم فيها أبو داود ، وضعفوها ، ووجه تضعيف هذه الزيادة : أن حديث أبي هريرة قد جاء من طرق عن أبي هريرة ، فرواه الليث بن سعد وبكر بن مضر عن ابن عجلان ولم يذكرا هذه الزيادة ، وهما مقدمان معاً على أبي خالد الأحمر . وأيضاً جاء الحديث من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، وليس فيه هذه الزيادة . وجاء من طرق أخرى - غير طريق أبي صالح - عن أبي هريرة ، طريق همام وغيره ، وليس فيه هذه الزيادة . فهذه الزيادة شاذة ، وأبو خالد الأحمر متكلم فيه ، والأصل أنه صدوق له بعض الأوهام ، ومن أوهامه هذه ، وقد توبع على هذه الزيادة كما عند النسائي ، ولكن هذه المتابعة خطأ .
…فالخلاصة عدم صحة هذه الزيادة من حديث أبي هريرة لأمور :
1. أن أبا خالد الأحمر قد تفرد بها .
2. أن أبا خالد الأحمر متكلم فيه وإن كان الراجح أن صدوق له أوهام .
3. أن الحديث قد جاء من طرق أخرى دون ذكر هذه الزيادة ، من طريق أصح عن ابن عجلان ، ومن طريق أبي صالح ، ومن طريق أبي هريرة . فدل على شذوذها .
…أما حديث أبي موسى ، رواه جمع كشعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة ، ولم يذكروا هذه الزيادة ، لذا أعلها جمع من الحفاظ ، كالبخاري ، وأبي علي النيسابوري ، والبيهقي ، والبزار ، والدارقطني .
…وإن كان قد توبع سليمان التيمي في روايته عن قتادة - في حديث أبي موسى الأشعري - ، تابعه عمر بن عامر ، وهذا قال الدارقطني : ليس بالقوي ، يترك - أو نحو هذا - .
* القسم الثاني : العلة التي تكون في الإسناد :
وهي على أقسام متعددة :(1/5)
1/ إما أن تكون في رفع الخبر أو وقفه . مثاله : ما جاء من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالسمك والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال» . وهذا رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وجاء من طريق أخويه عبد الله وأسامة . ورواه البيهقي من طريق عبد الله ابن وهب عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال موقوفاً عليه : «أحل لنا ... » ، وهذا أصح من الأول ، لأن أولاد زيد بن أسلم متكلم فيهم ، وسليمان بن بلال ثقة مشهور خرج له الجماعة ، فرواية زيد بن أسلم موقوفة على ابن عمر . فالصواب وقفه ، لكن له حكم الرفع ، لكن من حيث الصناعة الحديثية هو موقوف لا مرفوع ، وهذا ما رجحه البيهقي ، وقال : هو بمعنى المسند .
2/ أو أن تكون في وصل الخبر أو إرساله . ومثاله : ما رواه علي بن حفص المدائني عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» خرجه مسلم في المقدمة . والصواب أن هذا الحديث مرسل ، لأن أصحاب شعبة ومنهم عبد الرحمن ابن مهدي ومعاذ بن معاذ وغندر وسليمان بن حرب وآدم بن أبي إياس وكلهم ثقات حفاظ ، كلهم رووه عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم مرسلاً دون ذكر أبي هريرة ، ولهذا رجح الدارقطني إرساله ، ووجه ترجيح الإرسال :
أن علي بن حفص الراوي عن شعبة لا يصل إلى درجة الحفاظ ، وقد تفرد بالوصل .
أن هناك من هو أحفظ بكثير من علي بن حفص وأرسلوه .
أن الذين أرسلوه أكثر عدداً .(1/6)
…فالراجح إرسال الخبر ، وأنه معلول لا يصح . ووقع عند ابن أبي شيبة متابعة أبي أسامة لعلي بن حفص في الوصل ، لكن قد يكون ذكر أبي أسامة خطأً ، لأن المصنف فيه أخطاء ، ويحتاج إلى تحقيق ، وفي كثير من الأحيان لا يعتمد على النسخ المطبوعة ، ولا أعرف أن الدارقطني ذكر متابعة أبي أسامة ، ولذا في طبعة فؤاد عبد الباقي لمسلم وقعت رواية ابن مهدي ومعاذ بن معاذ عن شعبة موصولة أيضاً !
…ورواه ابن المبارك في الزهد من طريق يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، لكن هذه الطريق ساقطة ، فيحيى بن عبيد الله شبه المتروك ، وأبوه لا يعرف .
3/ أو أن تكون في اتصال الخبر أو انقطاعه - زيادة رجل فيه - . ومثاله : ما رواه يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «الطهور شطر الإيمان ...» ، خرجه الإمام مسلم من هذه الطريق ، وأعله الدارقطني وغيره ، وذلك أن معاوية بن سلام أخا زيد بن سلام قد روى هذا الحديث عن أخيه زيد عن أبيه أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري ، فجعل بين أبي سلام وأبي مالك الأشعري عبدَ الرحمن بن غَنْم ، ورواية معاوية بن سلام ترجح لأمرين :
أن معاوية أخو زيد ،
وأن هذا الحديث جاء عن أبي سلام الذي هو أبو معاوية وأبو زيد . والإنسان أعلم بما روى أخوه وما روى أبوه ، وهذا ليس دائماً ، لكن في أحيان كثيرة .
أن يحيى بن أبي كثير أخذ حديث زيد بن سلام من معاوية أخيه ، قال معاوية : جاءني يحيى بن أبي كثير وأخذ كتاب زيد مني ، وكثير من أهل العلم قالوا : إن يحيى لم يسمع من زيد .
وأن أبا سلام لم يدرك أبا مالك الأشعري ، فيكون بينهما عبد الرحمن بن غنم .(1/7)
…والحديث صحيح ، لأننا عرفنا أن الساقط بين أبي سلام وأبي مالك : عبد الرحمن بن غنم ، من أجلة التابعين وكبرائهم وثقاتهم . لكن هذا مثال على العلة التي في الإسناد ( انقطاع الإسناد ) ، فهذا قد يظن أنه متصل ، وهو منقطع .
ومن ذلك : حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت ( أو بن الصلت ) عن عراك بن مالك عن عائشة ... ، فجاء هذا من طريق خالد الحذاء بدون خالد بن أبي الصلت ، بينما الصواب أن بين خالد الحذاء وعراك خالد هذا ، كما بينته رواية حماد بن سلمة . وخالد هذا مجهول لا يعرف ، فهذا من أسباب علة الخبر ، ولذا رجحنا عليه إسناداً آخر رواه جعفر بن ربيعة عن عراك عن عروة عن عائشة موقوفاً عليها ، فهذا صحيح ، وهو أقوى من السابق ، وأن الخبر موقوف على الصحيح ، وأخطأ من رفعه .
* الكتب المؤلفة في العلل :
هي كثيرة ، وتختلف من حيث الترتيب وما يذكر فيها ، فهناك من يرتب كتب العلل على المسانيد ، كعلل الدارقطني ، وهذا هو الأصل ، لأن طريقة المسانيد لها علاقة كبيرة بالتعليل ، وكمسند البزار المعلل ، بدأ من مسانيد الخلفاء الراشدين ، وهكذا ، والدراقطني بدأ بالعشرة .
أو ترتب كتب العلل على حسب الأبواب الفقهية ، كعلل ابن أبي حاتم ، وعلل الترمذي ، بترتيب أبي طالب القاضي .
وهناك طريقة ثالثة : أن تجمع علل أحاديث أحد الرواة المشهورين بالرواية ، كعلل أحاديث الزهري للذهلي ، جمع أحاديثه وتكلم فيها تعليلاً وتصحيحاً ، وعلل حديث ابن عيينة ، لتلميذه ابن المديني .
وهناك طريقة رابعة : أن لا ترتب كتب العلل على شيء ، فيسأل المعلِّل ويجيب ، كالعلل التي نقلت عن الإمام أحمد في كتابه العلل والرجال ، أو ما هو ملحق بسؤالات أبي داود للإمام أحمد ، سأله في الآخر مسائل تتعلق بالعلل والكلام على الرجال .(1/8)
وهناك من أهل العلم ممن ذكر أمراً خامساً : أنه في كتب الجرح والتعديل ، ككتاب العقيلي الضعفاء الكبير ، وكتاب ابن عدي الكامل ، يذكر الضعفاء ، والأحاديث التي تستنكر على الراوي ، وفي ثنايا هذه الكتب تعليل لأحاديث كثيرة .
وهناك قسم سادس : يلحق بكتب العلل شيء ينبني عليه علم العلل ، وهو من الناحية النظرية ، كالعلل الصغير للترمذي ، فليس فيه أحاديث معلة ، وإنما كلام على الرجال ، ومشروعية الجرح والتعديل ، وذكر بعض الأئمة الذين تكلموا في الرجال والعلل ... وهكذا .
* كيفية الاستفادة من كتب العلل :
هناك كتاب مهم في العلل ، وهو كتاب التمييز لمسلم بن الحجاج ، وهذا لم يوجد كله ، بل بعضه ، ومسلم يتميز بتبسيط المادة ، بخلاف البخاري ، البخاري يروي واحد ، فيبحث ويتعب ويجهد نفسه ، مثلاً يقول : حدثنا محمد ، واختلف العلماء من عصر البخاري إلى الآن من محمد هذا ؟ أو يبوب باب كذا ، وتجد ظاهر الحديث لا يدل عليه ، فاختلف العلماء في الأبواب ، ولذا ألفت كتب في شرح تراجم البخاري ... فمسلم ليس كذلك ، والتمييز كتاب نفيس ، شرح فيه كيف تعلل الأخبار ، وبين فيه أقسام الخطأ الذي يكون في الحديث : في المتن ، في الإسناد ، وخطأ سهل ، وشديد ، وضرب أمثلة ، فهو قيم جداً ، وإن كان لم يوقف إلا على جزء صغير منه .
وعندنا كتاب آخر ، وهو كتاب العلل الكبير للترمذي ، وهو سهل ، لكن التمييز أسهل .
وعندنا علل الدارقطني ، وتوسع فيه وشرح أكثر في بيان العلة ، فيذكر الحديث ، ويبين أوجه الاختلاف ، ويبين من تابع فلان ، ومن خالفه ، وقد يتكلم على الحديث في نحو عشرين صفحة ، ونحو ذلك ، مثل ما تكلم على حديث : «شيبتني هود وأخواتها» وأطال في الكلام عليه .
فينبغي أن يُرجع إلى مثل هذه الكتب . يُبدأ بكتاب التمييز لمسلم ، ثم العلل الكبير للترمذي ، ثم علل الدارقطني وهكذا .(1/9)
وعندنا كتاب العلل لابن أبي حاتم ، كتاب قيم ، لكنه أصعب من هذه الكتب ، فيه تعليل لأحاديث واضح تعليلها ، وفيه أشياء تحتاج إلى شرح وفك وتفسير وبيان .
…فينبغي على الإخوان حتى يعرفوا هذا العلم وهذا الفن الرجوع إلى هذه الكتب ، ولذلك أنا جعلت الدرس في العلل الكبير للترمذي لنتعلم كيف الحكم على الأسانيد وكيف نعلل الأخبار ... فلمن أراد أن يتخصص في الحديث لا بد من ذلك .(1/10)