الصعوبات التي يواجهها الطلبة
في مساق علوم الحديث أسبابها وعلاجها
د. عبد العزيز شاكر حمدان الكبيسي
أستاذ الحديث المساعد بقسم الدراسات الاسلامية
جامعة الإمارات العربية المتحدة
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن علوم الحديث من أهم العلوم الإسلامية وأجلها، وأحقها بالتعليم والتعلم، وأولاها بكل اهتمام وعناية، فبها يعرف الحديث الصحيح من السقيم، ومن خلالها نقف على البيان لكتاب الله تعالى وتفصيل آياته، وتوضيح أحكامه.
وهي العلوم التي أدت لنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأسمعتنا منير حروفها، وأرتنا مواقع العبر، وبصرتنا معالم الاقتداء، ومثلت لنا الأسوة الحية في شخصه صلى الله عليه وسلم.
وهي العلوم التي حرست الدين، وحمت الشريعة من كذب الكاذبين، وافتراء المبطلين، وجهل المسلمين، ولهذا لقيت هذه العلوم عناية فائقة من العلماء في كل عصر من العصور وعلى مدار الاجيال والأزمان، فصنفت فيها المصنفات الكثيرة، وكتبت فيها الدراسات والتحقيقات، وخدمت قواعدها ومبادئها وتواتر الناس على دراستها، ولكن مما يلاحظ أن كثيراً من طلبتنا يعانون صعوبة في فهم تلك القواعد والمبادئ والمصطلحات، ونلمس ضعفا واضحا في استيعابها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي تلك الصعوبات التي يواجهها طلبتنا في فهم مقررات علوم الحديث؟ وما هي أسباب ضعفهم؟ وما هو السبيل لعلاج تلك الصعوبات؟ وما هي العوامل التي يمكن أن تساعدهم في تجاوزها؟
في هذه الورقة نحاول الإجابة على هذا التساؤل المطروح، داعيا المولى سبحانه وتعالى، أن يوفقنا في تلمس سبيل العلاج، إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
تمهيد في التعريف بعلوم الحديث وثمرتها
تعريف علم الحديث دراية:
قال عز الدين ابن جماعة: علم الحديث »علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن«.(1/1)
وبتعبير آخر هو مجموع القواعد والمباحث الحديثية المتعلقة بالإسناد والمتن، أو بالرواي والمروي حيث تقبل أو ترد.
وهذا العلم له تسميات عديدة هي: »علم مصطلح الحديث« و »علم الحديث« و »علوم الحديث« و »أصول الحديث«.
موضوعه:
موضوع علم الحديث دراية يشتمل على الراوي والمروي أو السند والمتن من حيث القبول أو الرد أو التوقف، فهو يبحث في حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وما يتصل بها من أحكام، كما يبحث في حال الرواة وشروطهم، وأنواع المرويات وما يتعلق بها من مسائل وأحكام.
ثمرته:
تتمثل ثمرة هذا العلم في معرفة المقبول من المردود، وبمعرفة المقبول يعرف الحديث المعمول به الذي يثبت به الحكم الشرعي، أو يفصل به حكم ورد مجملا في القرآن الكريم، أو يفسر به أمر مبهم، وهكذا.
وبمعرفة المردود يعرف الحديث الموضوع أو الضعيف الذي لا يعمل به فيترك وينتبه إليه المسلمون فلا يغترون به ولا يحتجون بما جاء فيه، ولا يعملون به، وتتركز ثمرة هذا العلم في الحفاظ على الشريعة الإسلامية، وأحكامها، وأدلتها.
المبحث الأول
أسباب الصعوبات التي يواجهها الطلبة في مساق علوم الحديث
من خلال التتبع والاستقراء لواقع مساق علوم الحديث في جامعاتنا واستطلاع آراء الطلبة يمكننا أن نقسم أسباب الصعوبات التي يواجهها طلبتنا في فهم مقررات مساق علوم الحديث إلى ما يأتي:
أولا: أسباب تتعلق بالمنهج.
ثانيا: أسباب تتعلق بالمدرس.
ثالثا: أسباب تتعلق بالطالب وهو محور العملية التعليمية.
رابعا: أسباب أخرى متفرقة.
أولا: الأسباب المتعلقة بالمنهج:
وتعد هذه الأسباب من العناصر الرئيسة التي يهم في عدم استيعاب طلبتنا الاستيعاب الكامل لمبادئ مصطلح الحديث وقواعده، وهذه الأسباب هي:
أ ـ كثافة المنهج:(1/2)
حيث وجدت من خلال التجربة العملية في تدريس المساق، كثافة المقررات التي لا يمكن تغطيتها في فصل دراسي واحد، فمن المعلوم أن الفصل الدراسي الواحد في الغالب يشتمل على ستة عشر أسبوعا، وبما يعادل ثمانية وأربعين ساعة. وهي في حقيقتها تعادل أربعين ساعة فقط بعد طرح أوقات الاستراحة منها
وإذا ما طرحنا من تلك الأسابيع الستة عشر: أسبوع الامتحانات (امتحان السعي والمنتصف) وأسبوع المراجعة في نهاية الفصل، والذي يتغيب عنه الطلبة في أغلب الأحيان سيتبقى لدينا أربعة عشر أسبوعا متمثلة في (35) ساعة فقط.
فيا ترى هل يمكن لتلك الساعات أن تؤدي إلى استيعاب مقررات علوم الحديث ؟
وهل باستطاعة تلك الساعات العجاف أن تسهم في تخريج جيل من الطلبة قادر على فهم مصطلح الحديث وقواعده؟
ب -الكتاب الدراسي المقرر:
ومما يتعلق بهذا الجانب: عدم ارتباط جزئيات منهج الكتاب وموضوعاته بعضها ببعض من جانب، والإيجاز المخل من جانب آخر.
ولو أخذنا على سبيل المثال: الكتاب المقرر في قسمنا بجامعة الإمارات، وهو كتاب (الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث) للشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله تعالى ـ وأصل الكتاب للحافظ ابن كثير.
ومن المعروف أن الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ قد اختصر بكتابه هذا »علوم الحديث« لابن الصلاح المشهور بمقدمة ابن الصلاح، وقد جاء اختصاره مخلا في كثير من الأحايين، كما لا يخفى على أهل الاختصاص، وعذره في ذلك أنه قد وضع ذلك لأهل عصره فأراد العلامة أحمد شاكر ـ رحمه الله ان يعالج هذا الاختصار، فكتب تعليقاته عليه، وسماها »الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث« ولا شك أن الأسلوب الذي كتب به تعليقاته تلك يختلف عن أسلوب الحافظ ابن كثير.
إن كتاب الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - على جلالة قدره، ومكانة صاحبه العلمية التي لا تخفى على كل مختص، لكننا نجد عند الطلبة صعوبات كثيرة في دراسته دراسة منهجية نظامية وذلك بسبب ما يأتي:(1/3)
1- افتقار الكتاب إلى الترتيب المنهجي، وذلك لكونه مختصرا لكتاب ابن الصلاح - رحمه الله تعالى - الذي أملى كتابه شيئا فشيئا عندما تولى تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية بدمشق، ولهذا لم يحصل ترتيبه على الوجه المناسب، فجاء كتاب الحافظ ابن كثير كأصله.
2- عدم ذكر الأمثلة التوضيحية لكثير من المصطلحات التي أوردها في كتابه كما هو الحال في الحديث الصحيح، والحسن، والمرفوع والموقوف والمقطوع، والمرسل، والشاذ، والمنكر، والمضطرب، والمدرج.
3- عدم ذكر الحكم المتعلق بمصطلح ما، وإغفال ذكر مظانه أحيانا كما فعل في الحديث المضطرب.
4- عدم ذكر التعريف عند الحديث عن نوع ما من أنواع الحديث، مكتفيا بذكر أقسامه أو بعضها، كما فعل في الحديث المقلوب والمسلسل.
5- صعوبة عبارته.
ثانيا: الأسباب المتعلقة بالمدرس:
وهذه الأسباب التي تتعلق بالمدرس الذي ينهض بتدريس المساق يمكن إجمالها في عدة نقاط، هي:
أ ـ عدم التخصص: حيث نجد أن بعض المدرسين الذين ينهضون بتدريس علوم الحديث في جامعاتنا ليسوا من المتخصين في هذا المجال، كما هو الحال في بعض الجامعات الإسلامية ولا يخفى أن غير المختص وإن تمكن من إدارة الفصل، لكنه لا يمكن له أن يوصل المادة العلمية إلى أذهان الطلبة كما ينبغي.
ب ـ عدم عناية بعض المدرسين بالطلبة الضعفاء، وعدم الحرص على رفع مستواهم للحاق بزملائهم الآخرين.
ج ـ تعويد بعض المدرسين الطلبة على الحفظ فقط.
د ـ فقدان معاني التشويق والإثارة العلمية في طرح موضوعات المساق من قبل بعض المدرسين.
هـ ـ الاقتصار على الجانب النظري في التدريس وإهمال الجانب التطبيقي وعدم الربط بين مناهج المحدثين في تصحيح الأحاديث وتضعيفها وتوثيق الرواة وتجريحهم بمبادىء مصطلح الحديث وقواعده، مما يفقد الطالب القدرة على أن تكون له الملكة الحديثية التي تمكنه من استيعاب موضوعات المساق وتذوقها.
ثالثا: الأسباب المتعلقة بالطالب:
وهذه الأسباب هي:(1/4)
أ - طريقة الاستذكار الخاطئة من قبل بعض الطلبة.
ب- كثرة غياب بعض الطلبة عن حضور المحاضرا ت الدراسية للمساق.
ج -كثافة المواد الدراسية التي يقوم الطالب او الطالبة في التسجيل فيها، مما ينعكس ذلك سلبا على القدرة في الاستيعاب بسبب الإرهاق. وزحمة الجدول الدراسي وكثافته في اليوم الواحد.
د -عدم متابعة الطالب أو الطالبة لشرح المدرس في الفصل الدراسي، والتشاغل عن المحاضرة، ولا سيما في الفصول ذات الكثافة الطلابية الكبيرة.
رابعا: أسباب أخرى متفرقة:
ومن أهمها:
كثافة الفصول الدراسية:
حيث نلاحظ كثرة أعداد الطلبة المسجلين في الشعبة الواحدة، حيث يصل عددهم ما بين أربعين إلى خمسين طالبا أو طالبة.
ولا شك أن هذه الكثافة في الفصل الواحد تؤدي إلى عدم تمكن بعض الطلبة من استيعاب الموضوعات من جهة، وعدم تمكن مدرس المساق من إيصال المادة العلمية إلى جميع الطلبة من جهة أخرى وبخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار تفاوت الطلبة في قدراتهم الاستيعابية، وطاقاتهم العلمية.
المبحث الثاني
مقترحات وتوصيات لعلاج تلك الصعوبات
وبعد أن وضعنا النقاط على الحروف، والحروف على السطور، ووقفنا معا على أسباب الصعوبات التي يواجهها الطلبة في فهم مقررات مساق علوم الحديث، أضع بين يديكم مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في علاجها، وهي:
أولا: الدعوة إلى الاستفادة من تقنيات التعليم المعاصر، وأدوات الثورة المعلوماتية الهائلة التي نشهدها اليوم، وتفعيل عملية التعلم من خلالها، وتسخير ذلك في تدريس مساق علوم الحديث، وتطوير طرق التدريس في ضوء هذه المتغيرات التقنية، والانتفاع من وسائل الإيضاح الحديثة.
ثانيا: طرح مساق علوم الحديث على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) وتضمين موقع المساق الوصلات التي تمكن الطالب من الوصول الى المواقع الحديثية الموجودة على الشبكة.(1/5)
ثالثا: استخدام البرمجيات المختصة في علوم الحديث، والاستعانة بها في التدريس، فضلا عن البحث، وتوجيه الطلبة الى الاستفادة منها، وتزويدهم بمهارات التعامل مع المعلومات والمعرفة المتطورة.
رابعا: التركيز على غرس حب القواعد الحديثية في نفوس الطلبة، وذلك من خلال بيان الفضل الكبير، والأجر العميم في تعلم هذه القواعد، وكونها تسهم في الحصول على الميراث النبوي الكريم والتشرف بحمل لقب الوراثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسا: ضرورة العمل على ربط منهج المحدثين النقاد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها وتوثيق الرواة وتجريحهم بمبادئ مصطلح الحديث وقواعده وعدم الاقتصار على الجانب النظري في هذا الميدان.
سادسا: طرح مساق علوم الحديث في فصلين دراسيين متتاليين تحت مسمى: علوم الحديث (1) وعلوم الحديث (2)، وذلك لتمكين الطلبة من استيعاب المقررات الكثيرة المطلوبة في هذا المساق.
سابعا: خفض كثافة الفصول الدراسية ليتمكن الطلبة من المشاركة في الحصة الدراسية، والتفاعل معها، وأخذ حظهم من الأسئلة والمناقشة.
ثامنا: دعوة الأساتذة الذين ينهضون بتدريس مساق علوم الحديث إلى اتباع الأساليب المشوقة، واصطحاب الإثارة العلمية في طرق تدريسهم، وغرس معاني التذوق الحديثي في نفوس الطلبة.
تاسعا: وضع كتاب دراسي يقوم على استيعاب جميع أبحاث المصطلح بشكل يناسب مستوى الطلبة الدراسي، ويمكنهم من فهم المصطلحات الحديثية واستيعابها وذلك من خلال منهجية تقوم على البدء بتعريف المصطلح أولا، ثم ذكر أمثلة توضحه، ثم بيان أقسامه إن كان له أقسام، ثم العروج على بيان حكمه، ثم بيان المصنفات التي صنفت فيه ، وهكذا.(1/6)
وهذا ما فعله - على سبيل المثال لا الحصر - الدكتور محمود الطحان في كتابه (تيسير مصطلح الحديث) حيث قام بتقسيم كل بحث الى فقرات مرقمة متسلسلة مبتدئا بتعريفه، ثم بمثاله، ثم بأقسامه، وهكذا حتى يختتمه بذكر أشهر المصنفات فيه. متبعا أسلوبا علميا واضحا لا تعقيد فيه ولا غموض، وعبارة سهلة قريبة إلى الأفهام.
ولكن مما يؤخذ على هذا الكتاب أن مؤلفه - على الرغم من إعادة طبعه للكتاب مرات كثيرة - لم يعد النظر فيه منذ عام 1985م، ولم يفكر ببيان المصنفات التي طبعت منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا.
عاشرا: الحرص على ربط جزيئات المنهج بعضها بالبعض الأخر.
حادي عشر: دعوة المدرسين المختصين في تدريس المساق إلى توعية الطلبة بالطريقة المثلى لدراسة مبادئ مصطلح الحديث وقواعده.
ثاني عشر: الدعوة إلى الاهتمام بالطلبة الضعفاء، وتوجيه الأسئلة المناسبة لمستواهم، وتشجيعهم على المشاركة في الحصة الدراسية.
ثالث عشر: توجيه الطلبة إلى الرجوع إلى المكتبة الحديثية والاستفادة منها وعدم الاقتصار على الكتاب الدراسي المقرر فقط.
وفي نهاية المطاف أقول:
إن مما لا شك أن دعم العملية التعليمية والبناء العلمي السليم يكون دائما على أسس العقيدة والأخلاق، وأن العمل ما لم يكن رائده الإخلاص، ومستودعه الغزارة العلمية، ومحبة نفع الآخرين، لم يثمر نفعا وقبولا بين رواده ومستقبليه، نسأل الله تعالى أن يعين الجميع على تحقيق هذه المعاني، وتطبيقها، إنه نعم المولى ونعم النصير.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين(1/7)