الخلاصةُ
في أحكام الحديثِ الضَّعيفِ
إعداد
الباحث في القرآن والسُّنَّة
علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وصفيُّهُ وخليلهُ،خيرُ نبيٍّ مرسلٍ،وأكرمُ شافعٍ مفضَّلٍ،صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ البدورِ الكُمَّلِ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
وبعدُ:
لا خلاف بين جمهور السلف والخلف على أن السُّنَّة النبوية تأتي من حيث المرتبة بعد القرآن الكريم،قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7 ) سورة الحشر.
وهي إما مؤكدة للقرآن الكريم،أو مبينة لمجمله،وموضحة لمبهمه أو مخصصة لمطلقه،أو مقيدة لعامِّه،أو زائدة عليه .
والسُّنَّة- بشكلٍ عامٍ - تنقسمُ إلى متواترة وإلى أحادٍ،وإلى ضعيفةٍ،وإلى متروكة وموضوعةٍ
أمَّا السُّنَّة المتواترةُ-الحديث المتواتر- فلا خلاف في العمل بها،والاعتقاد بموجبها على تفصيلٍ في ذلك.
وأمَّا السُّنَّة الآحاديةُ (حديثُ الآحاد الصحيح ) - وهيَ كلُّ خبرٍ صحيحٍ وحسَنٍ،لم يبلغ درجة التواترِ - فقد اتفق العلماء على وجوب العمل بها،ولكنهم اختلفوا في كونها تفيد القطع واليقين أم لا ؟ .
وأمَّا السُّنَّة الضعيفةُ ( الحديثُ الضعيفُ ) - وهي التي لم تبلغ درجة الصحيح ولا الحسن بشِقَّيهِ- فقد اضطربتِ الأقوالُ حولها ما بين محتجٍّ بها مطلقاً،وما بين مانعٍ،وما بين مفصِّل .
وأمَّا المتروكة والموضوعةُ،فقد اتفقَ العلماءُ على منع العمل بموجبها،والمنع من روايتها إلا على سبيل التحذير منها .
وفي عصرنا هذا تباينت الآراء تبايناً عجيباً،فترى كثيرا من الوعاظ وطلاب العلم يروي ما هبَّ ودبَّ دون تثبتٍ من صحةِ ما يروي،بحجة أنَّ الحديث الضعيف يستحبُّ العملُ به في فضائلِ الأعمال - دون تمييز بين الضعيف ضعفاً يسيراً،والواهي والساقط والمتروك،بل والموضوع أيضاً -.
وهذا يدلُّ على عدم درايتهم بأقوالِ العلماء في هذا الموضوع الخطير.
وبالمقابل وجدَ قومٌ منَ المنسوبين للعلم يمنعونَ العمل بالحديث الضعيف مطلقا،دون تمييز بين الضعيف ضعفاً يسيراً،وبين الشديد الضعفِ،بل واعتبروه كالموضوع تماماً،محذِّرينَ الأمة من خطر الأحاديث الضعيفة والموضوعة،ضاربين بأقوال العلماء المعتبرين- في هذا الفنِّ - عُرْضَ الحائط،بل ضعَّفوا كثيراً من الأحاديث الصحيحة والحسنة بحجة المحافظة على السُّنَّة،وخالفوا جمهورَ السَّلَفِ والخلَفِ في الجرح والتعديل،وحشروها في زمرة الأحاديث الضعيفة الموضوعة،وحذروا الأمة منها،ورموا من يعملُ بها بالابتداع في الدِّين،واتباع غير سبيل المؤمنين !!.
وبالرغم من كثرة البحوث العلمية في هذا الموضوع،إلا أنني لم أجد بحثا يشفي الغليل،ويزيح النقاب عن هذه الإشكالات الخطيرة بين هذه الأطراف المتنازعة .
وقد بحثتُ بعض هذه القضايا في رسالتي (حكم العمل بالحديث الضعيف ووجوب العمل بالصحيح ) والتي قد كتبتها منذ قريب العشرين سنة .
وقد نفذتِ الطبعة الأولى منها،ثم أعدت البحث فيها بشيء من التفصيل والإسهابِ،نظراً لخطورتها البالغة،وقد رأيت فصل الكلام عن الحديث الضعيف بكتاب مستقل،وسميته ( الخلاصةُ في أحكام الحديث الضعيف )
وقد قسمته للموضوعات التالية :
تمهيد حول تعريف الحديث المقبول وحكمه
المبحث الأولُ: تعريفُ الحديث الضعيف ...
المبحث الثاني: أقسامُ الضعيف وتحته مطالب ...
المبحث الثالث: أَوْهَى الأسانيد
المبحث الرابع: حكُم رواية الحديث الضعيف ضعفا يسيراً
المبحث الخامس: متى يقوَى الحديثُ الضعيفُ ؟
المبحث السادس:حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيف
المبحث السابع: أمثلةٌ للحديث الضعيف الذي يجوزُ العملُ به في الفضائل بالشروط
المبحث الثامن: سببُ الأخذ بالحديث الضعيف
المبحث التاسع: كيفَ يُروَى الحديثُ الضعيفُ ؟ ...
المبحث العاشر: الجوابُ عن روايةِ بعض كبار الأئمةِ عنِ الضعفاءِ
المبحثُ الحادي عشر: مسائلُ تتعلقُ بالحديث الضعيف
المبحث الثاني عشر: مصادرُ الأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة والصحيحة
خاتمة فيها خلاصة هذا الموضوع
هذا وقد ذكرت كل مصدر في الهامش في الأغلب،والأحاديث قمت بتخريجها من مصادرها باختصار وحكمت على الأحاديث التي ليست في الصحيحين بما يناسبها جرحا وتعديلا .
ولم أسلك مسلك المتشددين،ولا مسلك المتساهلين في هذا الأمر،بل سرت وفق المنهج الوسط الذي سار عليه جمهور السلف والخلف .
وقد اضطررت للإسهاب في بعض القضايا لتجلية الأمر أو للرد على الشبهات المثارة حوله . فإن أصبت فمن الله الفضل والمنَّة،وإن أخطأت فمن تقصيري وأستغفر الله .
قال تعالى: { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } (83 ) سورة النساء
وكتبه
الباحث في القرآن والسُّنَّة
علي بن نايف الشحود
24 ربيع الآخر 1429 هـ الموافق ل 30/4/208 م
- - - - - - - - - - - - - -
تمهيدٌ
حول تعريف الحديث المقبول(1)
1- تعريفُ الحديث الصحيح:
لغةً: الصحيحُ ضد السقيم،وهو حقيقةٌ في الأجسام مجازٌ في الحديث وسائر المعاني.
اصطلاحاً: ما اتصل سنده بنقل العَدْلِ الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا عِلَّة.(2)
2- شرحُ التعريف:
اشتمل التعريف السابقُ على أمور يجب توفرها حتى يكون الحديث صحيحاً،وهذه الأمور هي:
اتصالُ السند:ومعناه أن يكون كل واحد من رواة الحديث قد تلقاه ممن فوقه من الرواة وهكذا إلى أن يبلغ التلقي قائله. فخرج بذلك المرسل والمنقطع بأي نوع من أنواع الانقطاع.
لأنه إذا لم يكن متصلا فمعناه أنه سقط من سنده واسطة أو أكثر،ويحتمل أن يكون الواسطة المحذوف ضعيفا،فلا يكون الحديث صحيحا.
عدالةُ الرواة: وهي ركن هام في قبول الرواية،لأنها الملكة التي تحث على التقوى،وتحجز صاحبها عن المعاصي والكذب وما يخل بالمروءة،فخرج بهذا الشرط الحديث الموضوع،وما ضعف لاتهما الراوي بالفسق والإخلال بالمروءة،أو غير ذلك...
ضبطُ الرواة: الضبط ومعناه أن يحفظ الراوي الحديث في صدره أو كتابه،ثم يستحضره عند الأداء،وهذا الشرط يستدعي عدم غفلته،وعدم تساهله عند التحمل والأداء،إلى آخر ما ذكرنا في أبحاث الضبط وفي علوم الرواية.
عدمُ الشذوذ: والشذوذ هو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أقوى منه لأنه إذا خالفه من هو أولى منه بقوة حفظه أو كثرة عدد كان مقدما عليه،وكان المرجوح شاذا. وتبين بشذوذه وقوع وهم في رواية هذا الحديث.
والحقيقة أن نفي الشذوذ يتحقق بالشروط السابقة،لكنهم صرحوا بانتفائه لأن الضبط ملكة عامة بالنسبة لجملة أحاديث الراوي،إلا أنه قد يحتمل أن يقع منه وهم في حديث ما،دون أن يفقد صفة الضبط لسائر حديثه،فهذا يخل بصحة الحديث الذي وهم فيه فقط،لذلك صرحوا بنفي الشذوذ.
عدمُ العلة: ومعناه سلامة الحديث من علة تقدح في صحته،أي خلوه من وصف خفي قادح في صحة الحديث والظاهر السلامة منه،فخرج بهذا الشرط الحديث المعلل،فلا يكون صحيحا...(3)
3- شروطُه: يتبينُ من شرح التعريف أنَّ شروط الصحيح التي يجب توفرها حتى يكون الحديثُ صحيحاً خمسةٌ وهي: { اتصالُ السند ـ عدالةُ الرواة ـ ضبطُ الرواة ـ عدمُ العلة ـ عدمُ الشذوذ }.
ووجه دلالة هذه الشروط الخمسة على صحة الحديث: أن العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كما سمع من قائله،واتصال السند على هذا الوصف في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند،وعدم الشذوذ يحقق ويؤكد ضبط هذا الحديث الذي نبحثه بعينه وأنه لم يدخله وهم،وعدم الإعلال يدل على سلامته من القوادح الظاهرة،فكان الحديث بذلك صحيحا لتوفر عامل النقل الصحيح واندفاع القوادح الظاهرة والخفية. فيحكم له بالصحة بالإجماع.
مثالُه: ما أخرجه البخاري في صحيحه(4): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ في الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ .
فهذا الحديثُ صحيحُ لأنَّ:
أ. سندَهُ متصلٌ: إذْ أنَّ كلَّ راوٍ من رواته سمعه منْ شيخه .
وأمَّا عنعنةُ(5)مالك وابن شهابِ وابن جبيرٍ فمحمولةٌ على الاتصال،لأنهم غير مُدَلِّسِيْنَ.
ب. ولأنَّ رواتَه عدولٌ ضابطونَ: وهذه أوصافهم عند علماءِ الجرحِ والتعديلِ:
عبد الله بن يوسف: ثقة متقن من أثبت الناس في الموطأ(6)
مالك بن أنس: إمامُ دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر.(7)
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري: فقيه حافظٌ مٌتَّفقٌ على جلالته وإتقانه.(8)
محمد بن جبير: ثقة عارف بالنسب.(9)
جٌبَير بن مٌطْعِم: صحابي عارف بالأنساب .(10)
ج. ولأنه غيرُ شاذٍّ: إذ لم يعارضْه ما هو أقوى منه .
د. ولأنه ليس فيه علةٌ منَ العللِ .
4- حُكْمُ الحديثِ الصحيحِ:
أجمعَ العلماءُ من أهل الحديث ومن يعتدُّ به من الفقهاء والأصوليين على أنَّ الحديث الصحيح حجةٌ يجبُ العملُ به , سواءٌ كان راويهِ واحداً لم يروه غيرُه , أو رواهُ معه راو آخر, أو اشتُهرَ بروايةِ ثلاثةٍ فأكثرَ ولم يتواترْ .
وهذا أمرُ بدَهيٌّ في نظرنا تقضي به الفطرةُ الإنسانيةُ،لا يحتاجُ إلى كثيرٍ منَ الاستدلالات والبراهين،فما منْ إنسانٍ إلا وهو يُعوِّلُ في إبرامِ شؤونهِ في العملِ أو التجارةِ أو الدراسةِ أو غيرِها على ما يخبرُه بهِ واحدٌ موثوقٌ منَ الناسِ حيثُ يقعُ في نفسهِ صِدْقُ المخبرِ،ويغلبُ على احتمال الغلط أو احتمالِ الكذبِ،بل إنَّ الشؤون الكبرى في مصير الأمم يعتمدُ فيها على أخبارِ الآحاد الثقاتِ كالسفراءِ أو المبعوثينَ من قبلِ الحكوماتِ،فالتوقفُ عن قبولِ خبرِ الواحدِ يُفضي إلى تعطيلِ مصالحِ الدين والدنيا .
ومعَ اتفاقِ العلماءِ على وجوبِ العملِ بالحديثِ الصحيحِ الأحاديِّ في أحكامِ الحلالِ والحرامِ فقدِ اختلفوا في إثباتِ العقائدَ ووجوبِها بهِ, وقد أفردناه ببحث مفصل.
5- الحديث الحسن(11): هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل عدل خف ضبطه غير شاذ ولا معلل .
وبالموازنة بين هذا التعريف،وبين تعريف الحديث الصحيح،نجد بينهما تشابها كبيرا،حيث اتفقا في سائر الشروط عدا ما يتعلق بالضبط،فالحديث الصحيح راويه تام الضبط،وهو من أهل الحفظ والإتقان،أما راوي الحديث الحسن فهو قد خف ضبطه.
وهذا ينطبق عليه ويوضحه قول ابن الصلاح:"أن يكون من المشهورين بالصدق والأمانة،غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح،لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان،وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، فجاء مطابقا للمعرف،مميزا له عن غيره تماما.
مثال الحديث الحسن: ما رواه أحمد في مسنده (20561 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ قَالَ:« أُمَّكَ ». قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ:« ثُمَّ أُمَّكَ ». قَالَ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ قَالَ:« أُمَّكَ ». قَالَ:قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ:« ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ ».
فهذا الحديث سنده متصل،لا شذوذ فيه ولا علة قادحة،حيث لم يقع في هذه السلسلة أي اختلاف بين الرواة ولا في المتن.
والإمام أحمد وشيخه يحيى بن سعيد وهو القطان إمامان جليلان،وبهز بن حكيم من أهل الصدق والصيانة حتى وثقه علي بن المديني ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم،لكن استشكل العلماء بعض مروياته حتى تكلم فيه شعبة بن الحجاج بسبب ذلك،وهذا لا يسلبه صفة الضبط،لكنه يشعر بأنه خف ضبطه(12)،ووالده حكيم وثقه العجلي وابن حبان. وقال النسائي: ليس به بأس. فيكون حديث بهز هذا حسنا لذاته كما حكم العلماء،بل هو من أعلى مراتب الحسن.
ومن هذا تبين أن ثمة تشابها كثيرا بين الحسن والصحيح. حتى إن طائفة من أهل الحديث جعلت الحسن مندرجا في الصحيح،ولم يجعلوه نوعا منفردا،وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله النيسابوري في تصرفاته. لكن العمل بين المحدثين استقر على اعتبار الحسن نوعا منفردا.
6- حكم العمل به: الحديث الحسن مقبول عند الفقهاء كلهم في الاحتجاج والعمل به وعليه معظم المحدثين والأصوليين،وذلك لأنه قد عرف صدق راويه وسلامة انتقاله بالسند،وخفة الضبط كما عرفت لا تخرجه عن الأهلية للأداء كما سمع،لأن المقصود أنه درجة أدنى من الصحيح،من غير اختلال في ضبطه،وما كان كذلك فإن النفس تميل إلى قبوله،ولا يأباه القلب،والظن يحسن بسلامته فيكون مقبولا.(13)
7-الصحيح لغيره: هو الحسن لذاته إذا رُويَ من طريق آخر مِثْلُهُ أو أقوى منه . وسُميَ صحيحاً لغيره لأن الصحة لم تأت من ذات السند،وإنما جاءت من انضمام غيره له .
قال السيوطي رحمه الله: " إذا كان راوي الحديث متأخرًا عن درجة الحافظ الضابط مع كونه مشهورا بالصِّدق والستر،وقد علم أنَّ من هذا حاله فحديثه حسن،فرُوي حديثه من غير وجه،ولو وجهًا واحدًا كما يُشير إليه تعليل ابن الصَّلاح،قوي بالمُتابعة, وزال ما كُنَّا نخشاهُ عليه من جهة سوء الحفظ, وانجبر بها ذلك النَّقص اليسيرُ وارتفع حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصَّحيح.(14)
مثاله: كما في سنن الترمذى (22 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ ».
قَالَ:أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَحَدِيثُ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - كِلاَهُمَا عِنْدِى صَحِيحٌ لأَنَّهُ قَدْ رُوِىَ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْحَدِيثُ. وَحَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّمَا صَحَّ لأَنَّهُ قَدْ رُوِىَ مِن غَيْرِ وَجْهٍ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَصَحُّ" .
فمحمَّد بن عَمرو بن عَلْقمة(15)من المَشْهورين بالصِّدق والصِّيانة, لكنَّهُ لم يكن من أهل الإتقان, حتَّى ضعَّفه بعضهم من جهة سُوء حفظه, ووثَّقه بعضهم لِصْدقه وجَلالتهِ, فحديثهُ من هذه الجهة حسن, فلمَّا انضمَّ إلى ذلك كونه رُويَ من أوجه أُخر حكمنا بصحَّته, والمتابعة في هذا الحديث ليست لمحمَّد عن أبي سلمة, بل لأبي سلمة عن أبي هُريرة, فقد رواه عنه أيضًا الأعرج وسعيد المقبُري وأبوه وغيرهم.
8- الحسن لغيره(16): هو الضعيف ضعفاً يسيراً إذا تعددت طرقه،ولم يكن سببُ ضعفه فِسْقَ الراوي أو كَذِبَهُ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"ومَتى تُوبِعَ السَّيِّءُ الحِفْظِ بِمُعْتَبَرٍ(17)؛"أي" كأَنْ يكونَ فوقَهُ أَو مِثْلَه لا دُونَه(18)،وكَذا المُخْتَلِطُ الَّذي لم يتَمَيَّزْ و"كذا" المَسْتورُ والإِسنادُ المُرْسَلُ وكذا المُدَلَّسُ إِذا لم يُعْرَفِ المحذوفُ منهُ صارَ حديثُهُم حَسناً(19)؛ لا لذاتِهِ،بل وَصْفُهُ بذلك باعتبارِ المَجْموعِ من المتابِعِ والمتَابَعِ؛ لأنَّ [معَ] كلِّ واحدٍ منهُم احْتِمالَ كونِ روايتِه" معه" صواباً أَو غيرَ صوابٍ على حدٍّ سواءٍ .
فإِذا جاءَتْ مِنَ المُعْتَبَرينَ روايةٌ مُوافِقةٌ لأحدِهِم؛ رُجِّحَ أَحدُ الجانِبينِ مِن الاحْتِمالينِ المَذكورَيْنِ،ودلَّ ذلك على أَنَّ الحَديثَ مَحْفوظٌ،فارْتَقى مِن درَجَةِ التوقُّفِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ, ومعَ ارْتِقائِهِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ؛ فهُو مُنْحَطٌّ عنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ لذاتِه،ورُبَّما توقَّفَ بعضُهم عنْ إِطلاقِ اسمِ الحَسَنِ عليهِ".(20)
أمثلة: أخرج ابن حبان في صحيحه (5601 ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى،قَالَ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ،عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ:رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ.
فهذا الحديث بهذا الإسناد ليس بالقوي،اختلَّ فيه من شروط القبول شرط الضبطِ في أحد رواته،وهو مسلم بن خالد،وهو المعروف بالزنجي،كان صدوقا كثير الأوهام كما في التقريب .
لم نجد بعد النظر في الإسناد علة سوى ذلك،فقلنا: ما نخشاه من سوء حفظ مسلم فجائز أن يندفع بالوقوف على الحديث لفظاً أو معنى من غير طريقه .
فوجدنا الحديث أخرجه الدولابي (240 ) والبيهقي في شعب الإيمان (7575 ) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ً - صلى الله عليه وسلم - : " لَيْسَ لِلنِّسَاءِ سَرَاةُ الطَّرِيقِ " يَعْنِي : وَسَطَ الطَّرِيقِ،وهذه طريق ثابتة إلى ابن أبي ذئب ،لكن أدخل مرّةً بينه وبين الحارث ابن شهاب الزهري،كما أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد فيه لين (3136 ) عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ لِلنِّسَاءِ سَرْأَةُ الطَّرِيقِ " لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ.
،ولو صحت الزيادة فالزهري هو الحافظ الإمام،والحارث بن الحكم هو الضمري يعتبر بحديثه،صالح للاعتبار،لم يجرح،ووثقه ابن حبان في الثقات ( 7216 ) ،وإن كان المحفوظ رواية ابن أبي ذئب عنه لا الزهري،فابن أبي ذئب لم يكن يروي إلا عن ثقة سوى رجل واحد،ليس الحارث بن الحكم به،وابن حماس غير مشهور،ففيه لين بهذا الاعتبار،ثم إن شرط الاتصال إلى منتهى الإسناد قد تخلف،فهذا مرسل،ولم يصب من جعل لابن حماس صحبة . وروي متصلا ولا يصح ،فالعبرة برواية ابن حماس المرسلة،فهي العاضد الذي يدفع عن رواية مسلم بن خالد أثر سوء حفظه،وبها يكون حديث أبي هريرة حسناً .(21)
__________
(1) - تيسير مصطلح الحديث (ج 1 / ص 6 ) ومقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 1 ) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 1 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 78 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 234 ) والموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 1 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 66 ) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 37 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 10 ) ومحاضرات في علوم الحديث (ج 1 / ص 1 ) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (ج 1 / ص 36 ) والتقريرات السنية (ج 1 / ص 10 ) وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 1 / ص 190 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 9 ) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 242 )
(2) - انظر: المختصر في أصول الحديث-(ج 1 / ص 1 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 40 ) وتيسير مصطلح الحديث-(ج 1 / ص 17 )
(3) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 242 )
(4) - صحيح البخاري, برقم: (765 )
(5) - العنعنة : رواية الحديث عن الشيخ بلفظ " عن "
(6) -تقريب التهذيب [ج1 -ص 330 ] (3721 )
(7) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 516 ] (6425 )
(8) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 506 ] (6296 )
(9) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 471 ] (5780 )
(10) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 138 ] (903 )
(11) - بتصرف يسير عن شرح النخبة: 17، وانظر شرح البيقونية للزرقاني: 25. ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 264 )
(12) - المغني رقم: 1007، والتهذيب:ج1: ص498-499.
(13) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 266 )
(14) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 2 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 117 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 71 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 114 )
(15) - وفي تقريب التهذيب [ج1 -ص 499 ] (6188 ) محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام من السادسة مات سنة خمس وأربعين على الصحيح ع
(16) - قواعد التحديث, ج:1 ص:108
(17) - جَبْرُ الرواية بتعدد الطرق: شَرْطها في المتابَعِ، بالفتح، أن يكون ضعفه محتمَلاً، بحيث يمكن جبره بتعدد الطرق؛ وذلك إذا لم يكن الطعن منصباً على العدالة، كسوء الحفظ، والاختلاط الذي لم يتميز، والمستور، والمرسَل، والمدلَّس. وشَرْطها في المتابِعِ، بكسر الباء، أن يكون المتابِعُ معتَبَراً في المتابعة، أو معتَبَراً به في هذا الباب، وذلك بأن يكون -في درجة الثقة- أعلى من المتابَع، أو مثلَهُ، لا دُونَهُ.
(18) - إذا توبع بمعتبر مثله أو أحسن منه صار حديثه حسناً فإذا روى ابن لهيعة حديثاً وروى شريك القاضي أو غيره حديثاً مثله أو أحسن منه يكون من باب الحسن إذا كان المتابع مثله أو أحسن منه.
(19) - فيكون حديثهم من باب الحسن لغيره لا لذاته .
(20) - نزهة النظر (ج 1 / ص 129 )
(21) انظر تحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 121 )(1/1)
مثال آخر: الحديث الوارد عَنْ حَرْبِ بْنِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ،عَنْ وَحْشِيٍّ؛أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّا نَأْكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ،قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ،قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ،وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ،يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ.ابن ماجه.
- وفي رواية: أَنَّ رَجُلاً قَالَ:لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّا نَأْكُلُ وَمَا نَشْبَعُ،قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُفَرَّقِينَ،اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ،وَاذْكُروا اسْمَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ،يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ. أحمد
- وفي رواية: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّا نَأْكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ ؟ قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ،قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ،وَاذْكُروا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ،يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ. أبو داود.
أخرجه أحمد,ج3/501(16176 ) قال: حدَّثنا يَزِيد بن عَبْد رَبِّه. وأبو داود: 3764 قال: حدَّثنا إبراهيم بن مُوسَى الرَّازِي. و"ابن ماجة"3286 قال: حدَّثنا هِشَام بن عَمَّار،وداود بن رُشَيْد،ومُحَمد ابن الصَّبَّاح.
خمستهم (يَزِيد،وإبراهيم،وهِشَام،وداود،وابن الصَّبَّاح ) قالوا: حدَّثنا الوَلِيد بن مُسْلم،قال: حدَّثنا وَحْشِي بن حَرْب بن وَحْشِي بن حَرْب،عن أبيه،عن جَدِّه وَحْشِي،فذكره(1).
قلت: وعلة هذا الحديث أنه من طريق وَحْشِي بن حَرْب وهو وأبوه فيهما جهالة .
وقصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن (لغيره ) ،وقال الحافظ ابن حجر: في صحته نظر،فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة،وثبت أنه لما أسلم قال له المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي ،فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل وقول ابن عساكر: إن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يردُّه ورود التصريح بأنه قاتله في عدة طرق للطبراني و غيره" .
أقولُ: وبالجملة فالإسناد ضعيف لما ذكرناه،و أما ما نظر فيه الحافظ ابن حجر فلا طائل تحته،فإن غاية ما فيه أن وحشيا أرسله و مرسل الصحابي حجةٌ كما تقرر في المصطلح،على أنه لا تلازم عندي بين قوله عليه السلام:" غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي "(2)و بين عدم سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - . لكن الحديث حسن لغيره لأن له شواهد في معناه فانظر:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كَثْرَةَ الْأَيْدِي فِي الطَّعَامِ "(3). و" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كَثْرَةَ الْأَيْدِي فِي الطَّعَامِ"(4)و"كُلُوا جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ "(5). ولذلك أورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب, بصيغة الجزم.(6)
9- حكم العمل به(7):
الحديث الحسن لغيره حجة يعمل به أيضا عند جماهير العلماء من المحدثين والأصوليين وغيرهم،لأنه وإن كان في الأصل ضعيف لكنه قد انجبر وتقوَّى بوروده من طريق آخر،مع سلامته من أن يعارضه شيء،فزال بذلك ما نخشاه من سوء حفظ الراوي أو غفلته،وتحصل بالمجموع قوة تدل على أنه ضبط الحديث،وحسن الظن براويه أنه حفظه وأداه كما سمعه،لذلك سمي الحديث حسنا.
ــــــــــــــــ
__________
(1) - المسند الجامع (ج 15 / ص 1073 ) (690 ) ( 12098 )
(2) - هو في الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (1868 ) وهو في البخاري بنحوه (4072 ) مطولا
(3) - الْكُنَى وَالْأَسْمَاءُ لِلدُّولَابِيِّ (100134 )
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي(2045 ) وهو حديث قوي
(5) - سنن ابن ماجه(3412 ) وفيه ضعف
(6) -الترغيب والترهيب, [ج3 - صفحة 98 ](3228 ) , وانظر السلسلة الصحيحة,ج2/ 272(664 )
(7) - انظر منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 268 ) فما بعدها(1/2)
المبحث الأولُ
تعريفُ الحديث الضعيف(1)
هو ما فقد شرطا من شروط الحديث المقبول وهي ستة:
1 -العدالة: أي الصدق والتقوى والالتزام الظاهر بأحكام الإسلام.
2 -الضبط: هو الدقة في الحفظ والإتقان ثم الاستحضار عند الأداء .
3 -الاتصال: أي كل واحد من الرواة قد تلقاه من رواة الحديث حتى النهاية دون إرسال أو انقطاع.
4- عدم الشذوذ: وهو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أثق منه .
5- عدم وجود العلة القادحة: أي سلامة الحديث من وصف خفي قادح في صحة الحديث والظاهر السلامة منه .
6 -العاضدُ عند الاحتياج إليه .(2)
والسببُ في الحكم على الحديث بالضعف لفقدِ أحد شروط القبول أنه باجتماع هذه الشروط ينهضُ الدليلُ الذي يثبت أنَّ الحديث قد أداهُ رواته كما هو،فإذا اختلَّ واحدٌ منها فقدَ الدليلَ على ذلك .
ومنْ هنا يتَّضحُ لنا احتياطَ المحدِّثين الشديدَ في قبولِ الحديث،حيث إنهم جعلوا مجردَ فقدِ الدليل كافياً لردِّ الحديثِ والحكم عليهِ بالضعفِ،مع أنَّ فقد الدليل ليس دليلاً محتِّماً على الخطأ أو الكذب في رواية الحديث .
كما أنه يتبين لنا منَ التعداد الذي أوردناه لشروط القبول أنَّ هذا الاصطلاح لقبٌ عامٌّ يشمل كلَّ حديثٍ مردودٍ مهما كانْ سببُ ردِّهِ .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - مقدمة ابن الصلاح-(ج 1 / ص 6 ) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث-(ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 73 ) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث-(ج 1 / ص 2 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 120 ) الشاملة2
(2) - راجع التدريب ص 105 وتوضيح الأفكار 1/248 وشرح الزرقاني 30 ومنهج النقد في علوم الحديث لأستاذنا العتر 224-225 و266-267(1/3)
المبحث الثاني
أقسامُ الحديثِ الضَّعيفِ
يقسم الحديث الضعيف إلى أنواع كثيرةٍ جدا،وأكثرُ أهل العلم على تصنيفه بحسب الأنواع الرئيسة،حيث إنها ضوابطُ كافيةٌ لتمييزِ المقبول من المردود،تندرجُ تحتها كافةُ الصُّوَر،كما أنها تبين إلى أي مدًى بلغَ الضعفُ،هل هو هيِّنٌ يصلحُ للتقويةِ إنْ وجِدَ عاضدٌ،أو شديدٌ لا يصلحُ للتقوية،أو مكذوبٌ مختلَقٌ جزماً ؟ .
وهو ثلاثةُ أنواع رئيسةٍ:
أ - الضعيف ضعفا يسيراً،وهو أنواع كثيرة منها(1):
1- سوءُ الحفظ،مثل سليمان بن قرم،و محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري،رشدين بن سعد أبو الحجاج المهري،ومحمد بن جابر الحنفي اليمامي.(2)
مثاله: أخرج النسائيُّ في سننه الكبرى أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ : سَمِعْتُ شُعْبَةَ ، يَقُولُ : أَتَيْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى ، فَقُلْتُ : أَقْرِئْنِي عَنْ سَلَمَةَ حَدِيثًا مُسْنَدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَدَّثَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : إِذَا أَصْبَحَ : " أَصْبَحْنَا عَلَى الْفِطْرَةِ " فَذَكَرَ الدُّعَاءَ قَالَ شُعْبَةُ : فَأَتَيْتُ سَلَمَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا شَيْئًا ، قُلْتُ : وَلَا مِن قَوْلِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : وَلَا حُدِّثْتَ عَنْهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ ذَرًّا يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِن كِتَابِي : فَدَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْتُ : أَيْنَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مِن ذَرٍّ ؟ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : أَيْنَ ذَرٌّ مِنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ؟ قَالَ : هَكَذَا ظَنَنْتُ ، قُلْتُ : هَكَذَا تُعَامِلُ بِالظَّنِّ ؟ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَحَدُ الْعُلَمَاءِ ، إِلَّا أَنَّهُ سَيِّئُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الْخَطَأِ(3)
2 -الاختلاطُ،مثل: بحر بن مرار وحبان بن يسار الكلابي وحجاج بن محمد المصيصي الأعور وخالد بن طهمان الكوفي وخطاب بن القاسم الحراني ورواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وسعيد بن أبي عروبة مهران وعطاء بن السائب .....(4)
مثاله ما رواه أحمد في مسنده حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ضَافَ ضَيْفٌ رَجُلاً مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ وَفِى دَارِهِ كَلْبَةٌ مُجِحٌّ فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ وَاللَّهِ لاَ أَنْبَحُ ضَيْفَ أَهْلِى. قَالَ: فَعَوَى جِرَاؤُهَا فِى بَطْنِهَا،قَالَ قِيلَ مَا هَذَا قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى رَجُلٍ مِنهُمْ هَذَا مَثَلُ أُمَّةٍ تَكُونُ مِن بَعْدِكُمْ يَقْهَرُ سُفَهَاؤُهَا أَحْلاَمَهَا »(5).
فهذا الحديث مداره على عطاء بن السائب ، وقد اختلط، وكل من رواه عنه فبعد اختلاطه واضطرب فيه اضطرابا شديدا ، والأرجح عدم رفعه .
3 -الانقطاع،وهو أن يروي عمن لم يسمع منه،كما في سنن ابن ماجه (250 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ المدني حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الْحَسَنِ البصري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ عِلْمًا ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ »
فهذا الحديث في سنده انقطاع،لأن الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة عند جمهور المحدثين .
وكما في سنن أبى داود (1055 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ الْعُجَيْفِىِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ ».
فهذا الحديث فيه قدامة بن وبرة لم يسمعه من سمرة كما بين البخاري(6)
4 -الإرسال،وهو أن يروي التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة،دون ذكر الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ففي المراسيل لأبي داود (1 ) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي قَنَانٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - " كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ،فَأَتَى عَزَازًا مِنَ الْأَرْضِ،أَخَذَ عُودًا،فَنَكَتَ بِهِ حَتَّى يُثَرَّى،ثُمَّ يَبُولُ"
قلت: طلحة بن قنان تابعي(7)
ومثله (2 ) عَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ،الرِّجْسِ النَّجِسِ،الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"
قلت: الحسن البصري تابعي
ومثله (3 ) عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَالَ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِدِ".
قلت: مكحول تابعي
5 -التدليس،وهو أنواع متعددة،مثل إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي وبقية بن الوليد الحمصي،والحسن بن ذكوان, وخارجة بن مصعب بن خارجة وشعيب بن أيوب بن رزيق،والوليد بن مسلم الدمشقي .....(8)
روى الخطيب من طريق بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصابه جهدٌ في رمضان فلم يفطرْ فماتَ دخلَ النارَ.(9)
قال علي بن عمر الدارقطني: غريب من حديث عبيد الله بن عمر تفرد به بقية عنه وتفرد به عبد الرحمن بن يونس عن بقية.
قلت : هذا الحديث لا يصحُّ لأن بقية بن الوليد لم يصرح بالتحديث ، وقد قالوا إنه كان يدلس على عبيد الله بن عمر ، وهذا منها ، ومتنه فيه نكارة .
6 -الإعضال،ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي،مثل حديث ابْنِ جُرَيْجٍ،أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ،أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ،قَالَ:"مَنْ طَلَّقَ لاعِبًا،أَوْ نَكَحَ لاعِبًا فَقَدْ جَازَ"(10).
فعبد الكريم سواء أكان الجزري ( الثقة ) أو ابن أبى المخارق ( الضعيف ) فكلاهما من الذين عاصروا صغار التابعين،فبينه وبين ابن مسعود راويان أو أكثر،ولذلك قال الهيثمي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ،وَفِيهِ مُعْضِلٌ،وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ(11).
وكما في مسند أحمدحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيٍّ يَعْنِي ابْنَ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ سَفِينَةَ أَنَّ رَجُلًا سَاطَ نَاقَتَهُ بِجِذْلٍ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا"(12)
فيحيى بن أبي كثير بينه وبين سفينة مفاوز، ومن ثم قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده معضل ضعيف.
7 -الشذوذ،أن يخالف الثقة من هو أوثق منه برواية حديث ما أو جملة يتفرد بها ويخالف الثقات،وله مواضع :
مثال الشذوذ في السند:"ما رواه أبو داود(13)والسنن الكبرى للبيهقي(14)والترمذى(15)كلهم من طريق حَمَّادَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّىَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« انْظُرُوا هَلْ لَهُ وَارِثٌ ». فَقَالُوا: لاَ إِلاَّ غُلاَمًا كَانَ لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ادْفَعُوا إِلَيْهِ مِيرَاثَهُ ». وتابع ابن عيينة على وصله ابن جُرَيْج وغيره،وَخَالَفَهُمَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً.ففي السنن الكبرى للبيهقي(16), أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ القاضي حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ وَعَارِمٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى لَهُ هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِيرَاثَهُ. قَالَ:القاضي هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مُرْسَلاً لَمْ يَبْلُغْ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً قَالَ:الْبُخَارِىُّ: عَوْسَجَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ قَالَ:الشَّيْخُ: وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ غَلَطٌ لاَ شَكَّ فِيهِ.
قال أبو حاتم: المَحفُوظ حديث ابن عُيينة.
قال ابن حجر: فحمَّاد بن زيد من أهل العَدَالة والضَّبط, ومع ذلك رجَّح أبو حاتم رِوَاية من هم أكثر عددًا منه, قال: وعرف من هذا التقرير أنَّ الشَّاذ ما رواه المقبول مُخَالفًا لمن هو أولَى منهُ. قال: وهذا هو المُعتمد في حدِّ الشَّاذ بحسب الاصطلاح..(17)
مثال الشذوذ في المتن(18): ما رواه أبو داود(19)حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ». فَقَالَ:لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ ..قَالَ:لاَ. قَالَ:فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ:أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ:فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يقول: قَالَ:لاَ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا. قَالَ:فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:فَمَا ذَنْبِى إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا.
قال البيهقي(20), َقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ حِكَايَةً عَنْ فِعْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. {ق} قَالَ:الشَّيْخُ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.(21)
8 -الوهم،والوهم قد يكون من الثقة سواء في الإسناد أو المتن،وقد يكون من الضعيف،فيضعف إذا كثرت أوهامه،كما في سنن أبى داود(3294 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِى كَثِيرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ قَالَتْ قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ». قَالَ:أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ: إِنَّمَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . أَرَادَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ وَهِمَ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِىُّ وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ. قَالَ:أَبُو دَاوُدَ: رَوَى بَقِيَّةُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإِسْنَادِ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلَهُ.
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم ( 81 ) سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَمِرٍ الْيَحْصُبِيِّ،عَنِ الزُّهْرِيِّ،عَنْ عُرْوَةَ،عَنْ مَرْوَانَ،عَنْ بُسْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ،وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ
فَقَالَ:أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ وَهِمَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَرْوِيهِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ قُلْتُ لأَبِي: فَحَدَيِثُ أُمِّ حَبِيبَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ؟
قَالَ:أَبِي: رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُوهِنُ الْحَدِيثَ أَوْ تَدُلُّ رِوَايَتُهُ أَنَّ مَكْحُولا قَدْ أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ رَجُلا"
وفي العلل ( 141 ) وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،عَنْ جَابِرٍ،قَالَ: كَانَ السِّوَاكُ مِن أذُنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِن أُذُنِ الْكَاتِبِ. قَالَ:أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا وَهْمٌ،وَهِمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ
9 -العلة القادحة،هي: سببٌ يقدحُ في صحّةِ حديثٍ ظاهرهُ الصحّةُ والخلوُّ منها،ولا تتبيّنُ إلاّ للنقّاد الجهابذة .
كحديث يَعْلى بن عُبيد الطنافسي(22)أحد رجال الصَّحيح عن سُفيان الثَّوري, عن عَمرو بن دينار عن ابن عُمر عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حديث: «البَيِّعان بالخِيَار...» غلط يعلى عن سُفيان في قوله: عَمرو بن دينار إنَّما هو عبد الله بن دينار هكذا رَواهُ الأئمة أصْحَاب سُفيان, كأبي نُعيم الفَضْل بن دُكين(23), ومحمَّد بن يوسف الفِرْيابي(24), ومخلد بن يزيد(25)وغيرهم.(26)
ومن ذلك أن يَكُون السَّند ظاهر الصِّحة, وفيه من لا يُعرف بالسَّماع ممَّن روى عنه.
قال الحاكم(27):كحديث مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:" مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ،فَقَالَ:قَبْلَ أَنْ يَقُومَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ". قَالَ:أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْ تَأَمَّلَهُ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ مِن شَرْطِ الصَّحِيحِ،وَلَهُ عِلَّةٌ فَاحِشَةٌ(28).
(237 ) حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ حَمْدُونَ الْقَصَّارَ يقول: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ:" وَجَاءَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ،فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ،وَقَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أَسْتَاذَ الْأُسْتَاذَيْنِ،وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ،وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ حَدَّثَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: ثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ سُهَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ فَمَا عِلَّتُهُ ؟،قَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا حَدِيثٌ مَلِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ،إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ" حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: ثَنَا سُهَيْلٌ , عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَوْلَهُ،قَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُذْكَرُ لِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ سَمَاعًا مِن سُهَيْلٍ(29)
10- المضطرب،هو الحديث الذي تختلف فيه الرواة مع اتحاد مصدرهم،ولم يستقم التوفيق بينهم ولا الترجيح على طريقة المحدثين النقاد،وإن كان ذلك ممكنا على التجويز العقلي المجرد.
فمثالها في السند: ما وقع من الاضطراب الشديد في إسناد حديث جرهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" الفخذ عورة" .
فهذا الحديث اضطرب فيه الرواة على نحو من عشرين وجهاً مختلفاً،قد يمكن إرجاع بعض منها إلى بعضها الآخر،لكن لا انفكاك عن بقاء الاختلاف المؤثر،الذي يتعذر معه ترجيح بعضها على بعض(30).
__________
(1) - أصول الحديث ومصطلحه, الخطيب 337-347, وقواعد التحديث للقاسمي 108-165 والحديث النبوي الصباغ, 257-274 والباعث الحثيث شاكر, ص44-73 .
(2) - انظر ترجمتهم في التقريب والكاشف
(3) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي الرسالة (10105 )
(4) - انظر ترجمتهم في التقريب للحافظ ابن حجر
(5) - مسند أحمد (6745 ) ومجمع 1/183 7/280 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة(3812 ) وهو ضعيف
(6) - انظر ضعفاء العقيلي [ج3 -ص 484 ] 1543 والبدر المنير (ج 4 / ص 693 ) فما بعدها
(7) - ففي الجرح والتعديل [ج4 -ص 476 ] 2089 - طلحة بن أبى قنان روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل روى عنه الوليد بن سليمان بن أبى السائب سمعت أبى يقول ذلك
(8) - انظر تراجمهم في التقريب
(9) - تاريخ بغداد - (ج 4 / ص 434 ) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6920 )
(10) - المعجم الكبير للطبراني(9592 )
(11) - مجمع الزوائد (7530 )
(12) - برقم(22560 )
(13) - برقم (2907 )
(14) ج 6 / ص 242 ) برقم (12766 )
(15) - برقم (2252 )
(16) ج 6 / ص 242 ) برقم (12768 )
(17) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 186 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 174 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 14 )
(18) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 174 )
(19) - برقم (1263 ) برقم (1263 ) انظر ألفاظه وطرقه في في المسند الجامع - (ج 16 / ص 1554 ) (13159 ) وصحيح ابن حبان (2512 ) وصحيح ابن خزيمة (1057 ) وشرح السنة للبغوي - (ج 2 / ص 146 ) 887 وعمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 6 / ص 176 ) وتعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين والترمذى برقم (422 ) و قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ فِى بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا اسْتِحْبَابًا.
(20) - في السنن الكبرى (ج 3 / ص 45 ) برقم (5085 )
(21) - قلت : والأعمش أثبت منهما في أبي صالح. فإن قلت: نعم، ولكن الشأن في الراوي عنه وهو ابن زيادٍ. قلنا: نعم، وقد قدمنا لك أنه أحدُ الأثبات في الأعمش كما قال ابن معين. فالصوابُ الحكمُ له حتى يظهر لنا أنه قد خالفه من هو أمكنُ منه. فالراجح عندي: صحةُ الحديث بالشرط المذكور. والله أعلم" . قلتُ : الصوابُ صحةُ الحديث الموصول ، والتعليل بشذوذ المتن فيه نظر, انظر الفتاوى الحديثية للحويني - (ج 2 / ص 26 )
(22) - الخليلي في الإرشاد 1/341
(23) - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/269و273 وابن عبد البر في التمهيد 14/22
(24) - البخاري (2113 )
(25) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (ج 7 / ص 188 ) (11668 )
(26) - انظر الروايات كلها في المسند الجامع (ج 10 / ص 727 ) (7730 )
(27) - علوم الحديث ص 113- 118
(28) - شرح السنة للبغوي(1340 ) ومعرفة علوم الحديث (236 )
(29) - كونه فيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه ، ليس هو العلة ، بل دليل على العلة ، وإنما العلة : أنه روي عن عون بن عبد الله موقوفا عليه ، وقد أعلَّه أبو حاتم في العلل (2079 ) بالوقف ، وبين الحافظ ابن حجر في النكت 2/726 أن قول البخاري : لا يذكر لموسى سماع من سهيل ، معناه أنه إذا كان غير معروف بالأخذ عنه ، ووقعت عنه رواية واحدة ، خالفه فيها من هو أعرف بحديثه وأكثر له ملازمة ، رجحت روايته على تلك الرواية المنفردة "
قلت : وهذا ذهاب منه إلى أن العلة الاختلاف بين رفعه ووقفه ، وكلامه يدلُّ على ترجيح الوقف ، ويدلُّ أيضاً على أن قول البخاري السابق هو من أدلته على ترجيح الوقف ، لا أنه العلة المقصودة . تدريب الراوي هامش 1/422
(30) - انظر المسند الجامع(ج 4 / ص 965 ) (3130 ) والبدر المنير (ج 4 / ص 14-152 )(1/4)
قَالَ:ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ:"وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ لَهُ عِلَّتَانِ: إحْدَاهُمَا: الِاضْطِرَابُ الْمُؤَدِّي لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِهِ،وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ،فَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ بْنُ مُسْلِمٍ،ثُمَّ مِن هَؤُلَاءِ مَنْ يقول: عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمِنهُمْ مَنْ يقول: زُرْعَةُ عَنْ آلِ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: وَإِنْ كُنْت لَا أَرَى الِاضْطِرَابَ فِي الْإِسْنَادِ عِلَّةً،فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ثِقَةً،فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ عَلَيْهِ إلَى مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ،أَوْ رَافِعٍ وَوَاقِفٍ،أَوْ وَاصِلٍ،وَقَاطِعٍ،وَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ غَيْرَ ثِقَةٍ،أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ،فَالِاضْطِرَابُ يُوهِنُهُ،أَوْ يَزِيدُهُ وَهْنًا وَهَذِهِ حَالُ هَذَا الْخَبَرِ،وَهِيَ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ زُرْعَةَ،وَأَبَاهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْ الْحَالِ،وَلَا مَشْهُورَيْ الرِّوَايَةِ".(1)
ومثال مضطرب المتن: كما في سنن الترمذى عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الزَّكَاةِ فَقَالَ:« إِنَّ فِى الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ». ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِى فِى الْبَقَرَةِ:{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177 ) سورة البقرة.(2)ورواه ابن ماجه عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ - تَعْنِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - - يقول: « لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ »(3). قال العراقي" فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل" .
11- المقلوب،هو الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدلَ فِيْهِ راويه شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً(4)
ومن أسوأ أمثلة القلب: ما نقله ابن أبي حاتم العلل (1371 ) وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،عَنْ جَابِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"لا يُسْتَقَادُ مِنَ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ"،قَالَ:أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ مُرْسَلٌ مَقْلُوبٌ.
يعني أبو زرعة أن صوابه: ( ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن جابر عن الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
فهذا قلب مفسد جداً،ليس في تصيير المرسل موصولاً فقط؛ إذ الشعبي تابعي،بل جابر هذا في حال الوصل هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي،وفي حال كونه الراوي عن الشعبي فهو جابر بن يزيد الجعفي أحد المتروكين في الحديث،فتأمل !
ــــــــــــــــ
__________
(1) - نصب الراية (ج 4 / ص 242 )
(2) - برقم (661 ) وطبرى 2/57 وهق 4/84 والإتحاف 4/105 وعدى 4/1328 وقط 2/125 وكثير 1/98 ومعانى 2/27 وتخ 3/90 والنيل 8/155 وقواه
(3) - برقم (1861 ) وفي السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي (ج 4 / ص 84 ) برقم (7493 ) قال عقبه : فَهَذَا حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِأَبِى حَمْزَةَ : مَيْمُونٍ الأَعْوَرِ كُوفِىٌّ وَقَدْ جَرَحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ. وَالَّذِى يَرْوِيهِ أَصْحَابُنَا فِى التَّعَالِيقِ "لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" فَلَسْتُ أَحْفَظُ فِيهِ إِسْنَادًا وَالَّذِى رُوِّيتُ فِى مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قلت :صحح بعض الأئمة وقفه على بعض الصحابة والتابعين وورد عكسه وهو ليس فى المال حق سوى الزكاة وفى سنده ضعف وفى معناه : "إذا أديت زكاة مالك فقد ذهب عنك شره ..." هق 4/84 . صحيح.
والجمع بينهما سهل ميسور بإذن الله ، فالحديث الثاني محمول على الحالة العادية للمسلمين حيث أن زكاة المال ونحوها من موارد الدولة الإسلامية تكفى حاجة الفقراء والمساكين .
والحديث الأول يحمل على الأحوال الطارئة : حروب كوارث طبيعية... حيث زكاة المال لا تكفى لسد مثل هذه الضروريات فيجوز لولى الأمر العادل أخذ ما يحتاج إليه الفقراء أو الجهاد -- من فضول أموال الأغنياء... وهذا ما قاله كثير من علماء السلف والخلف وهو الحق ، انظر الفيض 2/472 و 473 ، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للقرضاوى
(4) - انظر أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء : 311 ومَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 91 والإرشاد 1/266-272 ، والتقريب: 86-87 والاقتراح:236 والمنهل الروي : 53 ، والخلاصة : 76 ، والموقظة : 60 ، واختصار علوم الْحَدِيْث : 87 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/282 ونزهة النظر : 125 ، وفتح المغيث 1/253 وألفية السيوطي: 69-72 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي : 225 وفتح الباقي 1/282 وتوضيح الأفكار 2/98 وظفر الأماني : 405 ، وقواعد التحديث : 230 .(1/5)
ب الضعيفُ ضعفاً شديداً وهو أنواع منها:
1. المنكرُ: هو ما رواه الضعيف مخالفا للثقات وتفرد به،أو المنكرُ هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ الرجلُ،ولا يُعرفُ متُنُه من غيرِ روايتِهِ،لا من الوجهِ الذي رواهُ منهُ ولا من وجهٍ آخرَ(1)
فالأولُ: مثالٌ للفردِ الذي ليسَ في راويهِ من الثقةِ والإتقانِ ما يحتملُ معهُ تفرُّدُهُ،وهوَ ما رواهُ النسائيُّ،وابنُ ماجه منْ روايةِ أبي زُكَيْرٍ يحيى بنِ محمّدِ بنِ قيسٍ عنْ هِشامِ بنِ عُروةَ عنْ أبيهِ عنْ عائشةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) ،قالَ:" كلوا البَلَحَ بالتَّمْرِ،فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلَهُ غَضِبَ الشيطانُ، ... الحديثَ"،قالَ النسائيُّ هذا حديثٌ منكرٌ(2)،قالَ ابنُ الصلاحِ تفرّدَ بهِ أبو زُكيرٍ،وهوَ شيخٌ صالحٌ أخرجَ عنه مسلمٌ في كتابِهِ غيرَ أنَّهُ لَمْ يبلغْ مبلغَ مَنْ يحتملُ تفرُّدُهُ.
قلت: أخرجَ لهُ مسلمٌ في المتابعات .
2 المتروك: هو الحديث الذي انفرد به راو متهم بالكذب وهو من عرف بالكذب في كلام الناس لا في الحديث النبوي. وزاد بعضهم ما انفرد به من رمي بفسق أو كثير الغفلة أو الوهم.(3).
مثال: حديث عمرو بن شَمِر الجُعْفي الكوفي الشيعي،عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار قالا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر،ويكبر يوم عرفة من صلاة الغَداة،ويقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق"
وفي لسان الميزان لابن حجر(4): عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد الله عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي والأعمش روى عباس عن يحيى ليس بشيء وقال الجوزجاني زائغ كذاب وقال ابن حبان رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات وقال البخاري: منكر الحديث قال يحيى: لا يكتب حديثه... وقال النسائي والدارقطني وغيرهما متروك الحديث... وقال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره, وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء وقال أبو نعيم يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير"(5)
قلت: لكن أكثر ما يستخدم المحدِّثون ( المتروك ) على الرواة دون الروايات،فكثيراً ما يقولون (فلانٌ متروك )(6)أو (متروكُ الحديث )(7)أو( تركوه )(8)،أو (تركه الناسُ )(9).
أما في الحديث فلا يستعملونه إلا نادراً،ومع ذلك فلا يحصرونه في رواية المتهم بالكذب،كما قال ذلك البعض،بل الحديثُ عندهم يُتركُ إذا قامتِ الدلائل على ضعفه،أو لم تقم على قبوله،وإن لم يكن ذلك موجباً لترك راويه،لأن الراوي لا يترك إلا إذا كثر الخطأ منه،لكن إذا أخطأ- ولو قليلاً - ترك الحديث الذي أخطأ فيه .
3 المطروح: وهو مثل المتروك ومثله الواهي والساقط . وهذا النوع أفرده الحافظ الذهبي وعرفه بأنه: ما نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع.
ومثل له الذهبي بحديث جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس .
وهي سلسلة يروى بها أحاديث كثيرة منها: عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا قال:"تجب الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق" .
جويبر: قال ابن معين ليس بشيء،وقال الجوزجاني: لا يشتغل به. وقال النسائي والدراقطني وغيرهما: متروك.(10)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 80 )
(2) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (6690 )
(3) - منظومة مصباح الراوي في علم الحديث (ج 1 / ص 69 )
(4) - لسان الميزان للحافظ ابن حجر (ج 4 / ص 116 ) [ 1075 ]
(5) - وانظر ميزان الاعتدال ـ3 ـ ص 268 والجرح والتعديل (ج 4 / ص 116 ) [ 1075 ]
(6) - كما في تقريب التهذيب (ج 1 / ص 78 ) 14- أحمد ابن بشير البغدادي آخر متروك خلطه عثمان الدارمي بالذي قبله وفرق بينهما الخطيب فأصاب من العاشرة تمييز
(7) - كما في تقريب التهذيب (ج 1 / ص 92 ) 215- إبراهيم ابن عثمان العبسي بالموحدة أبو شيبة الكوفي قاضي واسط مشهور بكنيته متروك الحديث من السابعة مات سنة تسع وستين ت ق.
(8) - كما في تقريب التهذيب (ج 2 / ص 610 ) 7862- يوسف ابن خالد ابن عمير السمتي بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثناة أبو خالد البصري مولى بني ليث تركوه وكذبه ابن معين وكان من فقهاء الحنفية من الثامنة مات سنة تسع وثمانين ق
(9) - كما في لسان الميزان للحافظ ابن حجر (ج 1 / ص 109 ) [ 1088 ] إسحاق بن إدريس الأسواري البصري أبو يعقوب عن همام وأبان وعنه عمر بن شبة وابن مثنى تركه ابن المديني وقال أبو زرعة واه وقال البخاري تركه الناس وقال الدارقطني منكر الحديث ....
(10) - انظر منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 300 )(1/6)
ج. الموضوع(1):
هو الكذبُ المُخْتَلَق المصنوعُ المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد عَلِمَ حالَهُ في أي معنى كان سواء الأحكام, والقَصَص, والتَّرغيب وغيرها،إلا مع بيان وضعه،لحديث مسلم: « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ».(3)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 18 ) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 10 ) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 6 ) والمختصر في أصول الحديث (ج 1 / ص 5 ) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 126 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 236 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 21 ) وألفية السيوطي في علم الحديث (ج 1 / ص 16 ) وتيسير مصطلح الحديث (ج 1 / ص 16 ) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 435 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 124 ) والموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 5 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 223 ) وألفية العراقي في علوم الحديث (ج 1 / ص 20 ) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 94 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 225 ) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي (ج 1 / ص 29 ) وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 256 ) وتوضيح الأفكار (ج 2 / ص 68 )
(2) - المصادر السابقة
(3) - صحيح مسلم برقم (1 ) ومقدمة مسلم بشرح النووي جـ 1 ـ ص 62 .(1/7)
المبحث الثالث
أَوْهَى الأسانيد(1)
كما ذكر العلماء أصح الأسانيد،فقد ذكروا في بحث" الضعيف" ما يسمَّى بـ"أوهى الأسانيد"
قال الحاكم(2): فأوهى أسانيد الصِّديق: صدَقة الدَّقيقي(3), عن فَرْقد السَّبخي(4), عن مُرَّة الطيب(5)عنه.
كما في سنن الترمذى(6)حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِىِّ عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ».
وأوهى أسانيد أهل البيت: عَمرو بن شمر(7), عن جابر الجُعْفي(8), عن الحارث الأعور(9), عن علي - رضي الله عنه -
ولكن الأحاديث بهذا السند نادرة جدًّا
وأوهى أسانيد العُمريين(10): محمد(11)بن القاسم(12)بن عبد الله(13)بن عمر بن حفص(14)بن عاصم،عن أبيه،عن جده, فإنَّ الثلاثة لا يحتج بهم.
وأوْهَى أسانيد أبي هُريرة(15): السَّري بن إسماعيل(16), عن داود بن يزيد الأوْدي,(17)عن أبيه(18), عنه.
قلتُ: والأحاديث بهذا السند نادرة جدا.
وأوْهَى أسَانيد عائشة: نُسْخة عندَ البَصْريين عن الحارث بن شِبْل, عن أمِّ النُّعمان, عنها.(19)
مثال كما في المعجم الأوسط للطبراني(11508 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَخْرَمِيُّ،نَا شَاذُّ بْنُ الْفَيَّاضِ،ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ،عَنْ أُمِّ النُّعْمَانِ،عَنْ عَائِشَةَ،- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - قَالَتْ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" أَخَفُّ النِّسَاءِ صَدَاقًا أَعْظَمُهُنَّ بَرَكَةً" لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ النُّعْمَانِ،عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ،تَفَرَّدَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ"
قلتُ: لا يلزم من ضعف السند ضعف الحديث،فهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد(20)
وأوْهَى أسَانيد ابن مسعود: شَريك,(21)عن أبي فزارة(22), عن أبي زيد(23), عنه.
كما في سنن أبى داود برقم (84 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِى فَزَارَةَ عَنْ أَبِى زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ:« مَا فِى إِدَاوَتِكَ ». قَالَ:نَبِيذٌ. قَالَ:« تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ ». قَالَ:أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ:سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ أَبِى زَيْدٍ أَوْ زَيْدٍ كَذَا قَالَ:شَرِيكٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ.( ولا يصح ) - الإداوة: إناء صغير من جلد
وقال الترمذى (88 ) عقبه:وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مِنهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ:بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يُتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ:إِسْحَاقُ إِنِ ابْتُلِىَ رَجُلٌ بِهَذَا فَتَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ وَتَيَمَّمَ أَحَبُّ إِلَىَّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَقَوْلُ مَنْ يقول: لاَ يُتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ أَقْرَبُ إِلَى الْكِتَابِ وَأَشْبَهُ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (43 ) سورة النساء
وأوْهَى أسَانيد أنس(24): داود بن المُحْبر(25)بن قَحْذم, عن أبيه(26), عن أبان بن أبي عيَّاش(27), عنه.
قلتُ: ما ورد بهذا السند فلا يشك أنه كذبٌ مفترى.
وأوْهَى أسانيد المَكِّيين(28): عبد الله بن ميمون القَدَّاح(29), عن شهاب بن خِرَاش(30), عن إبراهيم بن يزيد الخوزي(31), عن عِكْرمة, عن ابن عبَّاس.
قلت: وما كان في هذا السند فكذب بلا ريب .
وأوْهَى أسانيد اليمانيين(32): حفص بن عُمر العَدَني(33), عن الحكم بن أبان(34), عن عكرمة(35), عن ابن عبَّاس.
قال البَلْقيني فيهما: لعله أراد, إلاَّ عكرمة, فإن البُخَاري يحتجُّ به.
قلت: لا يوجدُ ضعيف في هذا السند سوى حفص والباقي ثقات كما رأينا،فالعلة منحصرة به،ليس إلا .
مثال: كما في المعجم الكبير للطبراني (11458 ) - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ،حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ،حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ الْعَدَنِيُّ،عَنِ الْحَكَمِ بن أَبَانَ،عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ،وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ،وَلا يَنْتَهِبُ النُّهْبَةَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ.(36)
وأمَّا أوْهَى أسانيد ابن عبَّاس مُطْلقا(37): فالسُّدي الصَّغير محمد بن مروان(38), عن الكَلْبيِّ(39), عن أبي صالح(40), عنه. قال ابن حجر: هذه سلسلة الكَذِب, لا سِلْسلة الذَّهب.
قلتُ: وقد اختلقَ هؤلاء تفسيرا مطوَّلاً عن ابن عباس (المقباس من تفسير ابن عباس ) وكله كذبٌ.
وقال البيهقي :"الْكَلْبِىُّ مَتْرُوكٌ وَأَبُو صَالِحٍ هَذَا ضَعِيفٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَلِىٌّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَفِيدُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمَدِينِىِّ قَالَ:سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ:قَالَ:لِىَ الْكَلْبِىُّ قَالَ:لِى أَبُو صَالِحٍ: كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ كَذِبٌ."(41)
قال الحاكم: وأوْهَى أسانيد المِصْريين: أحمد بن محمَّد بن الحجَّاج بن رِشْدين(42), عن أبيه, عن جدِّه(43), عن قُرَّة بن عبد الرَّحمن(44), عن كلِّ من رَوَى عنه, فإنَّها نُسْخة كبيرة.
وأوْهَى أسَانيد الشَّاميين: محمَّد بن قَيْس المَصْلوب(45), عن عُبيد الله بن زحر(46), عن علي بن يزيد(47), عن القاسم(48), عن أبي أُمَامة.
قلت: فلو ورد سند بهذا الشكل،فلا يشكُّ بأنه كذب،وأما إذا روى عن عبيد الله بن زحر ثقةٌ، فالحديث يدور بين الحسن إذا توبع والضعف إذا لم يتابع،وقد أخرج الترمذي وابن ماجة وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والحاكم والطبراني بهذا السند وأكثر منه الإمام أحمد في مسنده،وقد وهم الشيخ شعيب،حيث اعتبر أن ما ورد بهذا السند يدور بين الضعف الشديد والشبيه بالموضوع!.
وهذا مثال واحد ،قال البزار في مسنده: (498 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ،عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ،عَنِ الْقَاسِمِ،عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنْ عَلِيٍّ،قَالَ: كُنْتُ آتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْتَأْذِنُ،فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ تَنَحْنَحَ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاةٍ أَذِنَ لِي.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مِن هَذَا الْوَجْهِ،وَمَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ،عَنْ عَلِيٍّ(49)وَهَذَا الإِسْنَادُ وَالإِسْنَادُ الآخَرُ الَّذِي يُرْوَى فِي ذَلِكَ لَيْسَا بِالْقَوِيَّيْنِ وَهَذَا الإِسْنَادُ أَحْسَنُ اتِّصَالا لأَنَّهُ عَنْ صَحَابِيٍّ،عَنْ عَلِيٍّ،وَإِنْ كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زَحْرٍ،وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ،وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيهِمْ.
قلتُ: فالحديث حسن لغيره بتلك المتابعة لأن إسنادها حسنٌ.(50)
وأوْهَى أسَانيد الخُرَاسانيين: عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة(51), عن نَهْشل بن سعيد(52), عن الضحَّاك(53), عن ابن عبَّاس.
ففي المعجم الكبير للطبراني(12492 ) حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ مُحَمَّدُ بن عُثْمَانَ بن سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ , حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ , عَنْ وَرْقَاءَ , عَنْ نَهْشَلِ بن سَعِيدٍ , عَنِ الضَّحَّاكِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ , فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ , ثُمَّ قَرَأَ {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (41 ) سورة الأنفال، مِفْتَاحِ كَلامٍ الِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ , فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَاحِدًا ,"وَلِذِي الْقُرْبَى" , فَجَعَلَ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ قُوَّةً فِي الْخَيْلِ وَالسِّلاحِ , وَجَعَلَ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِلا يُعْطِيهِ غَيْرَهَمْ , وَجَعَلَ الأَرْبَعَةَ الأَسْهُمَ الْبَاقِيَةَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ , وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ , وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وهذا إسناد ساقط لايعوَّل عليه سندا ولا متنا.
وحكمُ هذا القسم أنه من قبيل المتروك الذي لا يحتجُّ بما تفرد به هؤلاء بحال من الأحوال .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 496 ) والموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 5 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 )
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 121 )
(3) - صدقة بن موسى الدقيقي أبو المغيرة أو أبو محمد السلمي البصري صدوق له أوهام من السابعة بخ د ت .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 275 ] (2921 )
(4) - فرقد بن يعقوب السبخي بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة أبو يعقوب البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ من الخامسة مات سنة إحدى وثلاثين ت ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 444 ] (5384 )
(5) - مرة بن شراحيل البكيلى الهمداني وهو مرة الطيب توفى زمن الحجاج بعد الجماجم روى عن أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود روى عنه الشعبي وأبو إسحاق الهمداني وعمرو بن مرة وحصين وفرقد السبخي واسلم الكوفى سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال مرة ثقة .الجرح والتعديل[ج8 - صفحة 366 ] (1668 )
(6) - برقم (2090 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وفي نسخة أخرى : هذا حديث غريب وفيه ضعف ،الخِبُّ : المخادع الذى يسعى بين الناس بالفساد
(7) - عمرو بن شمر الجعفي أبو عبد الله : متروك الحديث انظر الجرح والتعديل [ج6 -ص 239 ] (1324 )
(8) - جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات سنة سبع وعشرين ومائة وقيل سنة اثنتين وثلاثين د ت ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 137 ](878 )
(9) - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني عن علي وابن مسعود وعنه عمرو بن مرة والشعبي شيعي لين قال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن أبي داود كان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس مات 65 هـ 4 .الكاشف [ج1 -ص 303 ] (859 )
(10) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 121 ) و قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعاني (ج 1 / ص 405 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 496 ) والاقتراح في فن الاصطلاح لابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 )
(11) - لم أجد له ترجمة
(12) - القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني متروك رماه أحمد بالكذب مات بعد الستين من الثامنة ق .تقريب التهذيب [ج1 -ص 450](5468 )
(13) - عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العمري المدني ضعيف عابد من السابعة مات سنة إحدى وسبعين وقيل بعدها م .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 314 ] (3489 )
(14) - عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب والد عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عمر من سادات أهل المدينة حفظا وإتقانا وورعا وفضلا مات بالمدينة .مشاهير علماء الأمصار [ج1 -ص 128 ](1000 )
(15) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 121 )
(16) - السري بن إسماعيل الهمداني الكوفى ابن عم الشعبي ولي القضاء وهو متروك الحديث من السادسة ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 230 ](2221 )
(17) - داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الزعافري بزاي مفتوحة ومهملة وكسر الفاء أبو يزيد الكوفي الأعرج عم عبد الله بن إدريس ضعيف من السادسة مات سنة إحدى وخمسين بخ ت ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 200 ] (1818 )
(18) - يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي عن علي وأبي هريرة وعنه ابناه داود وإدريس وثق ت ق .الكاشف [ج2 -ص 386 ] (6334 )
(19) - وفي لسان الميزان [ج2 -ص 152 ]672 - الحارث بن شبل بصري عن أم النعمان الكندية قال يحيى: ليس بشيء وضعفه الدارقطني وقال البخاري: ليس بمعروف ..
(20) - انظر طرقه مصنف ابن أبي شيبة (4 /ص 189 ) (16641 ) وفي المستدرك للحاكم (2732 ) وحِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (2029و2030 ) وله متابعة في أَمْثَالُ الْحَدِيثِ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (58 ) وأخرى في مسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (830 ) وله متابعة في مُسْنَدُ الشِّهَابِ الْقُضَاعِيِّ (117 ) وبنحوه الإحسان (4034 ) و (4072 ) ابن عباس وعقبة والسير 5/58 والإصابة(4254 ) فالحديث على الأقل حسن لغيره
(21) - شريك بن عبد الله أبو عبد الله النخعي القاضي أحد الأعلام عن زياد بن علاقة وسلمة بن كهيل وعلي بن الأقمر وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر وثقه بن معين وقال غيره سيء الحفظ وقال النسائي ليس به بأس هو أعلم بحديث الكوفيين من الثوري قاله بن المبارك توفي 177 عاش اثنتين وثمانين سنة خت 4 م متابعة .الكاشف [ ج1 -ص 485 ] (2276 )
(22) - راشد بن كيسان العبسي بالموحدة أبو فزارة الكوفي ثقة من الخامسة بخ م د ت ق . تقريب التهذيب [ ج1 -ص 204 ] (1856 )
(23) - أبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عن عبد الله بن مسعود روى عنه أبو فزارة سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن قال وسمعت أبا زرعة يقول أبو زيد هذا مجهول لا يعرف ولا اعرف اسمه .الجرح والتعديل [ ج9 -ص 373 ] (1721 )
(24) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(25) - داود بن المحبر بمهملة وموحدة مشددة مفتوحة بن قحذم بفتح القاف وسكون المهملة وفتح المعجمة الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد متروك وأكثر كتاب العقل الذي صنفه موضوعات من التاسعة مات سنة ست ومائتين قد ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 200 ] (1811 )
(26) - محبر بن قحذم والد داود يروي عن أبيه ضعيف ... لسان الميزان [ ج5 -ص 17 ](61 )
(27) - أبان بن أبي عياش فيروز البصري أبو إسماعيل العبدي متروك من الخامسة مات في حدود الأربعين د .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 87 ] (142 )
(28) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 498 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(29) - عبد الله بن ميمون القداح مولى بني مخزوم بمكة عن يحيى بن سعيد وابن جريج وجعفر بن محمد وعنه مؤمل بن إهاب وأحمد بن الأزهر قال البخاري ذاهب الحديث ت .الكاشف [ج1 -ص 602 ] (3013 )
(30) - شهاب بن خراش بن حوشب الشيباني أبو الصلت الواسطي بن أخي العوام بن حوشب نزل الكوفة له ذكر في مقدمة مسلم صدوق يخطىء من السابعة د .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 269 ](2825 )
(31) - إبراهيم بن يزيد الخوزي مكي واه عن طاوس وطائفة وعنه وكيع وعبد الرزاق قال البخاري سكتوا عنه وقال أحمد متروك مات151 ت ق .الكاشف[ج1 -ص 227 ] (223 )
(32) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 498 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(33) - حفص بن عمر بن ميمون العدني الفرخ عن ثور بن يزيد وشعبة وعنه محمد بن المصفى وعباس الترقفي ضعفوه ق .الكاشف [ ج1 -ص 342 ] (1159 )
(34) - الحكم بن أبان العدني عن طاوس وعكرمة وعنه بن علية وموسى القنباري ثقة صاحب سنة إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله وكان سيد أهل اليمن عاش ثمانين سنة مات 154 4 .الكاشف [ ج1 -ص 343 ] (1172 )
(35) - عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن بن عمر ولا تثبت عنه بدعة من الثالثة مات سنة أربع ومائة وقيل بعد ذلك ع . تقريب التهذيب [ج1 -ص 397 ](4673 )
(36) - قلت: لم يتفرد به فله متابعة في تهذيب الآثار للطبري (1901 ) وهو في البخاري بنحوه (6809 ) فالحديثُ صحيح .
انتهب : أخذ وسلب ما لا يجوز له ولا يحق ظلما = النهبة : كل ما يؤخذ بلا حق قهرا وظلما كالمال المنهوب من الغنيمة وغيرها
(37) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 498 ) والاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد (ج 1 / ص 5 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 122 )
(38) - محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل السُّدِّي بضم المهملة والتشديد وهو الأصغر كوفي متهم بالكذب من الثامنة تمييز .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 506 ](6284 )
(39) - محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي النسابة المفسر متهم بالكذب ورمي بالرفض من السادسة مات سنة ست وأربعين ت فق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 479 ] (5901 )
(40) - باذام بالذال المعجمة ويقال آخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف يرسل من الثالثة 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 120 ](634 )
(41) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 8 / ص 123 )
(42) - وفي لسان الميزان [ج1 -ص 257 ] 804 - أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري قال بن عدي كذبوه ..
(43) - محمد بن الحجاج بن رشدين الهروي عن أبيه عن جده قال العقيلي في حديثه نظر روى عنه ابنه أحمد بن محمد ويروي أيضا عن بن وهب توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين انتهى قال بن عدي كان بيت رشدين خصوا بالضعف رشدين ضعيف وابنه حجاج ضعيف وللحجاج بن يقال له محمد ضعيف قلت وابن محمد أحمد ضعيف وقد تقدم ويقال له أحمد رشدين ينسب إلى جده الأعلى .لسان الميزان [ ج5 -ص 118 ](392 )
(44) - قرة بن عبد الرحمن بن حيويل بمهملة مفتوحة ثم تحتانية وزن جبريل المعافري المصري يقال اسمه يحيى صدوق له مناكير من السابعة مات سنة سبع وأربعين م 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 455 ] (5541 )
(45) - محمد بن سعيد المصلوب شامي هالك عن مكحول ونحوه وعنه أبو معاوية وأبو بكر بن عياش كذبه النسائي وقال البخاري ترك حديثه ت ق .الكاشف [ج2 -ص 174 ] (4871 )
(46) - عبيد الله بن زحر بفتح الزاي وسكون المهملة الضمري مولاهم الإفريقي صدوق يخطىء من السادسة بخ 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 371 ](4290 )
(47) - علي بن يزيد الألهاني عن القاسم أبي عبد الرحمن بنسخة وعنه عبيد الله بن زحر ويحيى الذماري وطائفة ضعفه جماعة ولم يترك ت ق .الكاشف [ج2 -ص 49 ] (3983 )
(48) - القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي مولى بني أمية عن علي وسلمان مرسلا وعن معاوية وعمرو بن عبسة وقيل لم يسمع من صحابي سوى أبي أمامة وعنه ثابت بن عجلان وثور ومعاوية بن صالح قال يحيى الذماري عنه لقيت مائة صحابي صدوق مات 112 4 .الكاشف [ج2 -ص 129 ] (4517 )
(49) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 247 ) (3467 ) و سنن النسائي (1219 ) وهو حديث حسن
(50) - وانظر الأحاديث التالية بهذا الطريق في مسند البزار (1279 ) وهو ضعيف وله شاهد قاصر يقوى به بعضه في شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2909 ) ، والحديث (1460 ) وبنحوه في المعجم الأوسط للطبراني (7632 ) وفي مسند الطيالسي (2525 ) فيحسن بهما ، والحديث(2120 ) وهو في البخاري ( 6541 ) عن ابن عباس ومسلم (546 ) عن عمران وغيرهما،فالحديث صحيح لغيره ، والحديث (2121 ) وقد ورد من طريق آخر عنه كما في صحيح البخاري (5672 ) فالحديث صحيح لغيره .
(51) - عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة النيسابوري عن عكرمة بن عمار قال الحاكم أبو عبد الله الغالب على رواياته المناكير...لسان الميزان [ ج3 -ص 308 ](1273 )
(52) - نهشل بن سعيد بن وردان الورداني بصري الأصل سكن خراسان متروك وكذبه إسحاق بن راهويه من السابعة ق .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 566 ](7198 )
(53) - الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير الإرسال من الخامسة مات بعد المائة 4 .تقريب التهذيب [ ج1 -ص 280 ] (2978 )(1/8)
المبحث الرابع
حكُم رواية الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً
يجوز عند أهل الحديث وغيرهم رواية الأحاديث الضعيفة والتساهل في أسانيدها من غير بيان ضعفها ـ بخلاف الأحاديث الضعيفة جدا و الموضوعة،فإنه لا يجوز روايتها إلا مع بيان وضعها ـ بشرطين .
أن لا تتعلق بالعقائد،كصفات الله تعالى أو أصول الدين .
أن لا تكون في بيان الأحكام الشرعية الأصلية مما يتعلق بالحلال والحرام.
وقد أجاز بعض الفقهاء العمل بها في الأحكام الشرعية إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منها كالحنفية والحنابلة،بل وجلُّ المذاهب على ذلك كما سنرى .
يعني يجوز روايتها في مثل المواعظ والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك،وممن رُوي عنه التساهل في روايتها سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مَهدي وأحمد بن حنبل .(1)
قال الخطيب البغدادي في الكفاية(2):" بَابُ التَّشَدُّدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ , وَالتَّجَوُّزِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ قَدْ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا عَمَّنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ التُّهْمَةِ , بَعِيدًا مِنَ الظِّنَّةِ , وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَتْبُهَا عَنْ سَائِرِ الْمَشَايِخِ"
قَالَ:سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ:" لَا تَأْخُذُوا هَذَا الْعِلْمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَّا مِنَ الرُّؤَسَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ , الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ , وَلَا بَأْسَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَشَايِخِ".
وقَالَ:يَحْيَى بْنَ الْمُغِيرَةِ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ , يقول: " لَا تَسْمَعُوا مِن بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي سُنَّةٍ , وَاسْمَعُوا مِنهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ وَغَيْرِهِ" .
وقالَ النَّوْفَلِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يقول: " إِذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالسُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ , وَإِذَا رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمَا لَا يَضَعُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ"
وقَالَ:الْمَيْمُونِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يقول: " الْأَحَادِيثُ الرِّقَاقُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُتَسَاهَلَ فِيهَا حَتَّى يَجِيءَ شَيْءٌ فِيهِ حُكْمٌ" .
وقَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ , يقول: " الْخَبَرُ إِذَا وَرَدَ لَمْ يُحَرِّمْ حَلَالًا , وَلَمْ يُحِلَّ حَرَامًا , وَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا , وَكَانَ فِي تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ , أَوْ تَشْدِيدٍ أَوْ تَرْخِيصٍ , وَجَبَ الْإِغْمَاضُ عَنْهُ , وَالتَّسَاهُلُ فِي رُوَاتِهِ".
- مثالُه:ما أخرجه الترمذى في سننه(3)حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَبَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ(4)عَنْ أَبِى تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ». قَالَ:أَبُو عِيسَى لاَ نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاَّ مِن حَدِيثِ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ عَنْ أَبِى تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ أَتَى حَائِضًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ ». فَلَوْ كَانَ إِتْيَانُ الْحَائِضِ كُفْرًا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ. وَضَعَّفَ مُحَمَّدٌ(5)هَذَا الْحَدِيثَ مِن قِبَلِ إِسْنَادِهِ. وَأَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِىُّ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ.
قلتُ: لأن في إسناده حكيماً الأثرم،وقد ضعفه العلماء .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 19 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 240 ) وقسم الحديث والمصطلح (ج 44 / ص 25 ) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 296 )
(2) - رقم(360-364 ) بتصرف
(3) - برقم (135 )
(4) - حكيم الأثرم .. صدوق 4 .الكاشف [ج1 -ص 348 ] (1208 ) وفي تقريب التهذيب فيه لين من السادسة 4 [ ج1 -ص 177 ](1481 )
(5) - أي البخاري(1/9)
المبحثُ الخامس
متى يقوَى الحديثُ الضعيفُ ؟
تنحصرُ أسباب الضعف والقدح في الرواة في فئتين:
إحداهما تضمُّ ما يقدح في العدالة: كالكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،أو التهمة به أو الكذبِ في أحاديث الناس،أو الفسق أو جهالة الراوي أو الابتداع بمكفر ونحو ذلك،فكلُّ ما كان ضعفُه ناشئاً عن مثل هذه الأسباب لا تؤثِّرُ فيه كثرةُ الطرق،ولا يرتقي عن درجة الضعف لشدةِ أسبابِ هذا الضعف،وتقاعدِ الجابر عن جبر ضعفِ المروي،نعم, قد يَرْتقي بمجموع طُرقه عن كَوْنهِ مُنْكرًا, أو لا أصل له, كما صرَّح به ابن حجر،حيث قال:" بَلْ ربَّما كَثُرت الطُّرقُ, حتَّى أوصلتهُ إلى درجة المَسْتُور, أو السَّيء الحفظ, بحيث إذا وجد له طريق آخر, فيه ضعفٌ قريبٌ مُحتمل, ارتقَى بمجمُوع ذلك إلى درجة الحَسَن.."(1)
والفئةُ الثانيةُ: ينطوي تحتها ما يقدحُ في الحفظ والضبط والاتصال،والأسباب القادحةُ فيهما: الغفلةُ وكثرةُ الغلط وسوءُ الحفظ والاختلاطُ والوهمُ،كوصل مرسل أو منقطع،فكلُّ ما كان ضعفُه بسببِ عدمِ ضبطِ راويه الصدوقِ الأمينِ،الذي لم تثلمْ عدالتُه فإنَّ كثرة الطرق تقويه،ويجبرُ ضعفُه بمجيئهِ من وجهٍ آخرَ؛ لأننا نعرفُ من الوجهِ الآخر أنَّ حفظَ راو الطريقِ الأول لم يختلَّ فيه ضبطُه وبهذا يرتقي من درجة الضعيفِ ضعفاً يسيراً إلى درجةِ الحسَنِ لغيرهِ .
قال النووي:" الحديثُ الضعيف عندَ تعددِ الطرق يرتقي عن الضعفِ إلى الحسن،ويصير مقبولاً معمولاً به".(2)
وقال ابن تيمية:" وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا لِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِي حَدِيثِهِ وَيَكُونُ حَدِيثُهُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ بِهِ؛ فَإِنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ وَكَثْرَتَهَا يُقَوِّي بَعْضَهَا بَعْضًا حَتَّى قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهَا،وَلَوْ كَانَ النَّاقِلُونَ فُجَّارًا فُسَّاقًا،فَكَيْفَ إذَا كَانُوا عُلَمَاءَ عُدُولًا وَلَكِنْ كَثُرَ فِي حَدِيثِهِمْ الْغَلَطُ؟
وَمِثْلُ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ فَإِنَّهُ مِن أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ قَاضِيًا بِمِصْرِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ مَنْ حَفِظَهُ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ غَلَطٌ كَثِيرٌ،مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى حَدِيثِهِ الصِّحَّةُ،قَالَ:أَحْمَد: قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ: مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ مِنهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَمِنهُمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَنْ هَذَا شَيْئًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ،لَمْ يَرْوِ فِي مُسْنَدِهِ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ(3)؛ لَكِنْ يَرْوِي عَمَّنْ عَرَفَ مِنهُ الْغَلَطَ لِلِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ .
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ مَنْ يُكَذِّبُ وَيقول: إنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يُكَذِّبُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يُكَذِّبُهُ،وَيُذْكَرُ عَنِ الثَّوْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَيَنْهَى عَنِ الْأَخْذِ عَنْهُ وَيُذْكَرُ أَنَّهُ يَعْرِفُ،وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِشَخْصِ إذَا حَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا صَدَقَ فِيهِ وَمَا كَذَبَ فِيهِ بِقَرَائِنَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا . وَخَبَرُ الْوَاحِدِ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَ،أَوْ تَقْتَرِنُ بِهِ الْقَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذَبَ "(4).
وقال السخاوي:" ولا يقتضي ذلك الاحتجاج بالضعيف،فإنَّ الاحتجاج إنما هو بالهيئة المجموعة كالمرسل حيث اعتضد بمرسل آخر،ولو كان ضعيفاً كما قاله الشافعي والجمهور،وكذلك يقوَى الحديثُ إنْ كان له متابعٌ مثلُه فأكثرُ،أو كان لهُ شاهدٌ بلفظهِ أو معناهُ،أو آيةٌ قرآنيةٌ،أو عمِلَ بهِ كثيرٌ منَ العلماء السابقينَ،أو تلقَّوهُ بالقبولِ ونحو ذلك .."(5).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 119 )
(2) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69 ) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 12 ) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 297 )
(3) - قلت : هذا في حدود علم الإمام ، وإلا فقد روى عن محمد بن القاسم الأسدي ، وهو متهم انظر مسند أحمد(21399 ) .
(4) - مجموع الفتاوى-(ج 18 / ص 26 )
(5) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 66 ) الشاملة2 وأصول الحديث 349-350 وتدريب الراوي ص 104 و فتح المغيث 1/42-43 وقواعد التحديث 109-110 والرسالة للشافعي 461-462 و شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 408 )(1/10)
المبحث السادس
حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيفِ ضعفاً يسيراً
لقد اتفق أهلُ العلم على الأمور التالية:
1- لا يجوزُ العملُ بالحديثِ الضعيفِ في العقائدَ،ولا بأصولِ العباداتِ أو المعاملاتِ .
فإن أكثرَ أهلِ العلم على أنَّ العقائدَ تبنَى على الحديثِ المتواترِ والمعلومِ منَ الدِّينِ بالضرورةِ والبداهةِ،وهو ما يفيدُ القطعَ واليقينَ،وبعضهُم جوَّزَ العملَ بالحديثِ الصحيحِ في بناءِ العقيدةِ .
قلتُ: والصوابُ -عندي- أنه لا يعملُ به- يعني الصحيح- في العقيدةِ إلا في فروعِها - يعني يجبُ ثبوتُ الحكمِ الأصليِّ بالمتواترِ حصراً .
2- لا يجوزُ الاعتمادُ على الحديثِ الضعيفِ في بناءِ الأحكامِ العمليةِ المشهورةِ:
إذ كيف تكون مشهورةً،ولا يوجدُ حديثٌ صحيح تعتمِدُ عليه ؟!!
3- لا يجوزُ العملُ بالحديثِ الذي اشتدَّ ضعفُه(1)أو ما كانَ موضوعاً مطلقاً؛ لا في أحكامٍ شرعيةٍ،ولا في فضائلِ الأعمالِ،ولا تحلُّ روايتُهُ إلَّا على سبيلِ القدحِ والتنفيرِ منهُ .
واختلفوا فيما سوى ذلكَ في الأخذ بالضعيف على ثلاثةِ مذاهبَ(2):
المذهبُ الأولُ
لا يعملُ به مطلقاً لا في الفضائلِ ولا في الأحكامِ
هذا المذهب حكاهُ ابن سيد الناس عن الإمام يحيى بن معين،وإليه ذهب أبو بكر ابن العربي،والظاهر أنه مذهبُ البخاري ومسلم لما عرفناه من شروطهما للصحيح،وهو مذهب ابن حزم الظاهري(3)والشهاب الخفاجي والجلال الدواني وغيرهم .
قال ابن حزم: " والخامسُ شيءٌ نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الطريق فيه رجلٌ مجروحٌ يكذب أو فيه غفلةٌ أو مجهولُ الحال فهذا أيضاً يقول: به بعض المسلمين،ولا يحلُّ عندنا القولُ به ولا تصديقُُه ولا الأخذُ بشيء منه"(4)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - هذا الشرط فيه خلاف كبير كما سنرى ، فليس متفقاً عليه
(2) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 72 ) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 232 ) و ومجموع الفتاوى (ج 18 / ص 65 ) وتيسير مصطلح الحديث (ج 1 / ص 12 ) ومحاضرات في علوم الحديث (ج 1 / ص 13 ) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 292 )
(3) - الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 130 و180 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 72 )
(4) - الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 130 و180 )(1/11)
المذهبُ الثاني
يعملُ بالحديث الضعيف مطلقاً(1)
وعزيَ هذا إلى أبي داود والإمام أحمد وأنهما يريانِ ذلك أقوى من رأي الرجال،وهذا محمولٌ على الضعيفِ غير شديدِ الضعفِ ولا موضوعٍ كما مرَّ .
قلت: ويظهر هذا لنا جليًّا من خلال سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد،ففيهما الصحيح والحسن والضعيف،بل الواهي أحياناً .
وفي سير أعلام النبلاء [(11/329 ) " قال ابْنُ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ،قَالَ: جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ،أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ،وَقَرَأَ عَلَيْنَا (المُسْنَدَ ) ،مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا.
وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِن أَكْثَرَ مِن سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً،فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِن حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَارْجِعُوا إِلَيْهِ،فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ،وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.(2)
قُلْتُ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي (المُسْنَدِ ) .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ،فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا،ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِن هَذَا القَوْلِ: أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً،فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا،وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا،وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ،وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ."(3)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر شرح الكوكب المنير (ج 2 / ص 571 ) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 70 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 233 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 436 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 197 ) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 277 )
(2) - انظر فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 83 ) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد - الرقمية (ج 1 / ص 44 ) وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 146 )
(3) - قلت : وسترد تفاصيل لهذا الأمر عند مناقشة الأدلة .(1/12)
المذهبُ الثالثُ
يعملُ به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك بشروطٍ
وقد ذكرها ابن حجر وهي:
1- أنْ يكونْ الضعفُ غيرَ شديدٍ،فيخرجُ من انفردَ من الكذابين والمتهمين بالكذب،ومن فحُش خطأُه،وقد نقل العلائيُّ الاتفاقَ على هذا الشرط .
ومن ثم فلا تجوز روايته،ولو كان في الترغيب والترهيب إلا على سبيل بيان حاله لكي لا يغترَّ به أحد.
قلتُ: ويخدشُ هذا الشرط والاتفاق عليه قول النووي في الأذكار:" قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا".(1)
وقوله في التقريب:" ويَجُوز عِنْد أهل الحديث وغيرهم التَّساهُل في الأسَانيد, ورِوَاية ما سِوَى الموضُوع من الضَّعيف, والعمل به من غير بَيَان ضعفه, في غير صِفَات الله تعالى, والأحْكَام, كالحَلالِ والحَرَام, ومِمَّا لا تعلُّق له بالعَقَائد والأحْكَام. "(2)
وقال ابن الصلاح:"يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد،ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة،من غير الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ،والقصص،وفضائل الأعمال،وسائر فنون الترغيب والترهيب،وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد".(3)
وقال العراقي في شرح ألفيته:"وأمّا غيرُ الموضوعِ فجوّزوا التساهُل في إسنادِهِ وروايتِهِ من غيرِ بيانٍ لضَعْفِهِ إذا كانَ في غيرِ الأحكامِ والعقائدِ. بلْ في الترغيبِ والترهيبِ،من المواعظِ والقصصِ،وفضائلِ الأعمالِ،ونحوِها"(4)
وذكر الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر في كتابه خطورة مساواة الضعيف بالموضوع(5)أنه يخدش قول العلائي أيضاً: الضربُ الثاني عند البيهقي والرابع عند ابن أبي حاتم ,وكذا قول السخاوي في تعليقه على حديث في سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ( 481 ) عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ،أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِن بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ،ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ،وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ،سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ،الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ،أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ،وَالسَّلَامَةَ مِن كُلِّ إِثْمٍ،لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ،وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ،وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ":"هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ،فَائِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ،وَفَائِدٌ هُوَ أَبُو الوَرْقَاءِ"(6)في الجملة هو حديث ضعيف جدا،يكتب في فضائل الأعمال اهـ(7)
وهو رأي ابن تيمية كذلك،حيث قال:" وَهَذَا كالإسرائيليات: يَجُوزُ أَنْ يُرْوَى مِنهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيهَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي شَرْعِنَا وَنَهَى عَنْهُ فِي شَرْعِنَا"(8)
وقال أيضاً:" إِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا - فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ"(9)
2- أنْ يندرجَ تحتَ أصلٍ عامٍّ معمولٍ بهِ منْ أصول الشريعة،فيخرجُ ما يخترَعُ بحيثُ لا يكون لهُ أصلٌ أصلاً .
أي أن يكون الحديثُ له أصلُ صحيح ثابت في الكتاب أو السُّنَّة،مثاله: لو جاءنا حديث يرغِّب في بر الوالدين،وحديث آخر يرغب في صلاة الجماعة،وآخر يُرغب في قراءة القرآن وكلها أحاديث ضعيفة،ولكن قد ورد في بر الوالدين،وفي صلاة الجماعة،وفي قراءة القرآن أحاديث صحيحة ثابتة في الكتاب والسُّنَّة،فعندئذٍ فلا حرج في العمل به .
3- أنْ لا يعتقدَ عندَ العملِ به ثبوتَه،لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله،بلْ يُعتقدُ الاحتياطَ .(10)
لأنه لا يجوز أن يعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حديثاً إلا إذا كان قد صحَّ عنه ذلك.
وزاد بعض أهل العلم شرطاً آخر،وهو أن يكون الحديث في الترغيب والترهيب.(11)
قلتُ: وهذا شرطٌ مختلفٌ فيه كما سنرى والراجح عدمه،فلا يمكن اعتباره قيداً إلا إذا قصد ثوابت الحلال والحرام،أي لا ينشئ حكماً،وإلا فقد ذهب فريق كبير من أهل العلم إلى العمل بالحديث الضعيف في الأحكام لا سيما إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه،وقدَّموه على رأي الرجال .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - الأذكار للنووي (ج 1 / ص8 )
(2) - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث (ج 1 / ص 6 ) ولم يعترض عليه السيوطي في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 232 )
(3) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 19 ) ومثله في قواعد التحديث للقاسمي ص 114، وتوجيه النظر للجزائري (ج 3 / ص 40 ) وسكتا عليه ، وسكت عليه العراقي في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 233 )
(4) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 101 ) وبنحوه في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 272 )
(5) - ص 61
(6) قلت وفائد متروك ) :
(7) - من القول البديع 431-432
(8) - مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 251 )
(9) - مجموع الفتاوى (ج 18 / ص 66 ) وذكره هنا ثلاث مرات مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 ) فما بعد
(10) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 233 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 76 )
(11) - قسم الحديث والمصطلح (ج 44 / ص 25 )(1/13)
الأدلةُ ومناقشتُها
أدلةُ المذهب الأول ومناقشتها
أمَّا الرأي الأول فيرى بعض العلماء(1)أنه أسلمُ المذاهب،" ولدينا مما صح في الفضائل والترغيب والترهيب من جوامع كلم المصطفى ثروة يعجز البيان عن وصفها،وهي تغنينا عن رواية الأحاديث الضعيفة في هذا الباب،وبخاصة أن الفضائل ومكارم الأخلاق من دعائم الدين ولا فرق بينها وبين الأحكام من حيث ثبوتها بالحديث الصحيح أو الحسن،فمنَ الواجب أن يكون مصدرها جميعا الأخبار المقبولة ."
قلتُ: مع تسليمنا بصحة هذا القول إلا أنه لا يدلُّ على منع العمل بالحديث الضعيف وإنما يحتاط في ذلك،وهذا ليس بكاف لردِّ العمل بالحديث الضعيف وإذا جوَّزنا العمل بالضعيف فلا يعني هذا أنه على حساب الصحيحِ والحسن مطلقاً.
ومما يعترضُ به على هذا الرأي أنه لا يصحُّ هذا القولُ عن أحد من الأئمة المتقدمين- بما فيهم الإمام البخاري- بل الذي ثبت عنهم عكسه،فقد احتجَّ البخاري في صحيحه بالضعيف في الأحكام الشرعية وبالفضائل في تراجم الأبواب،وفي الأدب المفرد وغيره من كتبه،وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن بعض الضعفاء،وهناك أقوال متعددة للإمام ابن حزم الأندلسي وسيرد بعضها.
بل نلاحظ أن جميع الفقهاء يحتجون في كتبهم الفقهية بالأحاديث الضعيفة،بل والمنكرة أحيانا،ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب نصب الراية للزيلعي والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر وغيرهما من كتب التخريج.
والأهمُّ من ذلك أن كثيرا من الأحاديث الضعيفة سابقاً وجدنا لها ما يقويها ويرفعها إلى مرتبة المقبول الحسن أو الصحيح،ذلك لأن السُّنَّة النبوية لم تجمع جمعاً تاماً من قبل،فقد يضعِّفُ المحدِّثُ حديثاً لضعفٍ في سنده،وليس بالضرورة أن يكون متنه ضعيفاً.
كما أن الحديث الضعيف - ضعفاً يسيراً- رجح عندنا عدم صحته،وقد لا يكون الأمر كذلك .
وكذلك يعترض على هذا القول في باب الجرح والتعديل،فعندنا مذاهب متعددة في الجرح والتعديل،منها المتشدد ومنها المعتدل،ومنها المتساهل،فبأيها نأخذ ؟
فلو أخذنا بكلام المتشددين(كابن الجوزي في كتابه الموضوعات،أو الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع والضعيفة ونحوهما فقد ضعف آلاف الأحاديث الثابتة ) لرددنا كثيرا من السُّنَّة النبوية،بما فيها الأحاديث التي في الصحيحين،ولو أخذنا برأي المتساهلين( أمثال السيوطي في كثير من كتبه وتصحيحاته ) لنسبنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله.
ولو أخذنا برأي المعتدلين في الجرح والتعديل - وهو الذي جرى عليه العمل في التاريخ الإسلامي - لهان الخطبُ كثيرا،ولوجدنا أن الخلاف بينهما صار يسيراً - أعني بين المانعين والمجيزين- .
وقال بعضُهم: إنَّ العمل بالضعيف في الفضائل اختراعُ عبادةٍ وتشريعٌ في الدِّين لما لم يأذنْ به الله تعالى !!!.
وردَّ هذا القول كذلك بأن هذا الاستحبابَ معلومٌ من القواعد الشرعية الدالةِ على استحباب الاحتياط في أمر الدين،والعملُ بالحديث الضعيف من هذا القبيل،فليس ثمة إثباتُ شيء من الشرع بالحديثِ الضعيف،فأصلُ المشروعية ثابتٌ بالأصلِ الشرعيِّ العام،وجاء هذا الخبرُ الضعيفُ موافقاً له .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - مثل: د- محمد عجاج الخطيب في كتابه أصول الحديث ص 352 ط دار الفكر(1/14)
أدلةُ المذهب الثاني ومناقشتها
وأمَّا أصحابُ الرأي الثاني فقد قالوا ذلك لمَّا كان الحديثُ الضعيف محتملاً للإصابة،ولم يعارضه شيءٌ أقوى منه،فإنَّ هذا يقوي جانبَ الإصابة في روايته فيعمل به .(1)
وقد ذهب كثيرٌ منهم إلى الأخذ بالحديث المرسل ( بمعناه العام ) ،فيدخل فيه المنقطع بأنواعه،وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد وطائفة كبيرة من أهل العلم .(2)
كما ذهبوا إلى الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً إذا كان ناتجاً عن العوارض البشرية أو الجهالة،ما لم يصل إلى الضعف الشديد،كأن يكون الراوي كذاباً،أو متهماً،أو فاحش الغلط .
وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله(3)،حيث إنه يرى أن المرسل،وضعيفَ الحديث أولى عنده من الرأي والقياس .
قال ابن تيمية موضحاً رأي الإمام أحمد:" وَأَمَّا الْغَلَطُ فَلَا يَسْلَمُ مِنهُ أَكْثَرُ النَّاسِ بَلْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَدْ يَغْلَطُ أَحْيَانًا وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ . وَلِهَذَا كَانَ فِيمَا صُنِّفَ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ يُعْلَمُ أَنَّهَا غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ . فَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ يَعْلَمُ أَنَّهَا غَلَطٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ نَفْسُهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ رَوَاهَا لِتُعْرَفَ بِخِلَافِ مَا تَعَمَّدَ صَاحِبُهُ الْكَذِبَ؛ وَلِهَذَا نَزَّهَ أَحْمَدُ مُسْنَدَهُ عَنْ أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ يَرْوِي عَنْهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِثْلِ مَشْيَخَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ أَبُو دَاوُد يَرْوِي فِي سُنَنِهِ مِنهَا(4)،فَشَرْطُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَجْوَدُ مِن شَرْطِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ(5).
قلت : روى له أبو داود حديثاً واحداً ، وله متابعة وهذا هو في سنن أبى داود (3064 ) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعَبَّاسُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا - وَقَالَ غَيْرُ الْعَبَّاسِ جَلْسَهَا وَغَوْرَهَا - وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِن قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَكَتَبَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ أَعْطَاهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا ». وَقَالَ غَيْرُ الْعَبَّاسِ « جَلْسَهَا وَغَوْرَهَا ». « وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِن قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ ». قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ وَحَدَّثَنِى ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ مَوْلَى بَنِى الدِّيلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. (وقد حسنه الألباني لهذا السبب )
قال : " وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُرْوَى فِي ذَلِكَ مِن جِنْسِ أَمْثَالِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ الْمُنْكَرَةِ بَلْ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا مَنْ يَجْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ،كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ وَفَضَائِلِ الْعِبَادَاتِ وَفَضَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَفَضَائِلِ الْبِقَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ،فَإِنَّ هَذِهِ الْأَبْوَابَ فِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَأَحَادِيثُ حَسَنَةٌ وَأَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَأَحَادِيثُ كَذِبٍ مَوْضُوعَةٌ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَلَا حَسَنَةً لَكِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهُ مِن الْعُلَمَاءِ جَوَّزُوا أَنْ يُرْوَى فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَال مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ .
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَرُوِيَ فِي فَضْلِهِ حَدِيثٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ جَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ حَقًّا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا بِحَدِيثِ ضَعِيفٍ،وَمَنْ قَالَ:هَذَا فَقَدَ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرَّمَ شَيْءٌ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ لَكِنْ إذَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ وَرُوِيَ حَدِيثٌ فِي وَعِيدِ الْفَاعِلِ لَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ جَازَ أَنْ يَرْوِيَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لَكِنْ فِيمَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ رَغَّبَ فِيهِ أَوْ رَهَّبَ مِنهُ بِدَلِيلِ آخَرَ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَجْهُولِ حَالُهُ .
وَهَذَا كالإسرائيليات: يَجُوزُ أَنْ يُرْوَى مِنهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيهَا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي شَرْعِنَا وَنَهَى عَنْهُ فِي شَرْعِنَا . فَأَمَّا أَنْ يُثْبِتَ شَرْعًا لَنَا بِمُجَرَّدِ الإسرائيليات الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ فَهَذَا لَا يقولهُ عَالِمٌ وَلَا كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَلَا أَمْثَالُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الشَّرِيعَةِ .
قلت : قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله في مقدمة تفسيره -بعد أن ذَكر حديثَ "بلّغُوا عنِّي ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَجَ، ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأْ مقعده من النار"-: "ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد. فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم. وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه تعودُ إلى أمرٍ دينيّ. ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلافٌ بسبب ذلك. كما يَذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعِدّتهم، وعصا موسى من أيِّ شجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم. ولكن نقلُ الخلاف عنهم في ذلك جائز. كما قال تعالى: { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } إلى آخر الآية [الكهف: 22](6).
قال : "وَمَنْ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيحِ وَلَا حَسَنٍ فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ،وَلَكِنْ كَانَ فِي عُرْفِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ: صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ . وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ إلَى ضَعِيفٍ مَتْرُوكٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِلَى ضَعِيفٍ حَسَنٍ(7)،كَمَا أَنَّ ضَعْفَ الْإِنْسَانِ بِالْمَرَضِ يَنْقَسِمُ إلَى مَرَضٍ مَخُوفٍ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ مِن رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَى ضَعِيفٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِن ذَلِكَ .
وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَسَّمَ الْحَدِيثَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ - صَحِيحٌ وَحَسَنٌ وَضَعِيفٌ - هُوَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ .
وَالْحَسَنُ عِنْدَهُ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي رُوَاتِهِ مُتَّهَمٌ وَلَيْسَ بِشَاذِّ . فَهَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ يُسَمِّيهِ أَحْمَدُ ضَعِيفًا وَيَحْتَجُّ بِهِ وَلِهَذَا مَثَّلَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ الهجري وَنَحْوِهِمَا . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ"(8).
قلتُ: ولكن الإمام أحمد رحمه الله،قد روى عمَّن هو مثلهم،بل دونهم،أمثال محمد بن القاسم الأسدي(9)وهو متهم كما سيرد معنا أثناء الرد على هذا القول .
وقال ابن القيم موضحا رأي الإمام أحمد وغيره: " الْأَخْذُ بِالْمُرْسَلِ وَالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ،إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ،وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ عَلَى الْقِيَاسِ،وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَهُ الْبَاطِلَ وَلَا الْمُنْكَرَ وَلَا مَا فِي رِوَايَتِهِ مُتَّهَمٌ بِحَيْثُ لَا يَسُوغُ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِهِ؛ بَلِ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ عِنْدَهُ قَسِيمُ الصَّحِيحِ وَقِسْمٌ مِن أَقْسَامِ الْحَسَنِ،وَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُ الْحَدِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ،بَلْ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ،وَلِلضَّعِيفِ عِنْدَهُ مَرَاتِبُ،فَإِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ أَثَرًا يَدْفَعُهُ وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ،وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنَ الْقِيَاسِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِن الْأَئِمَّةِ إلَّا وَهُوَ مُوَافِقُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِن حَيْثُ الْجُمْلَةُ،فَإِنَّهُ مَا مِنهُمْ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ قَدَّمَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَلَى الْقِيَاسِ ،فَقَدَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ،وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ"
قلت : هو في المعجم الصغير للطبراني - (ج 2 / ص 185 ) (999 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْكَشْرُ وَلَكِنْ تَقْطَعُهَا الْقَهْقَهَةُ ، لَمْ يَرْوِهِ مَرْفُوعًا عَنْ سُفْيَانَ ، إِلَّاثَابِتٌ،وَحَدَّثَنَاهُ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ مِن قَوْلِ جَابِرٍ. (1000 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، مِن قَوْلِ جَابِرٍ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي(ج 1 / ص 144 ) (691 ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ : زَيْدُ بْنُ أَبِى هَاشِمٍ الْحُسَيْنِىُّ بِالْكُوفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ دُحَيْمٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ : سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَضْحَكُ فِى الصَّلاَةِ قَالَ : يُعِيدُ الصَّلاَةَ وَلاَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ. (وإسناده صحيح موقوف )
قال : "وَقَدَّمَ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْقِيَاسِ،وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُهُ.
قلت : قال الطحاوي : " بَابُ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ ، هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ ، أَوْ يَتَيَمَّمُ ؟
وذكر الأحاديث الواردة في هذا الباب ، ثم قال في آخرها : " وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ . فَلَمَّا كَانَ خَارِجًا مِن حُكْمِ الْمِيَاهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , كَانَ كَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ . وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ التَّوَضُّؤُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ بِهِ , وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مِن مَكَّةَ يُرِيدُهُمْ , فَقِيلَ إِنَّهُ تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ , وَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ , لِأَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ , فَهُوَ أَيْضًا فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ ذَلِكَ النَّبِيذَ هُنَالِكَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ إِيَّاهُ بِمَكَّةَ . فَلَوْ ثَبَتَ هَذَا الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيذَ مِمَّا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي , ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , وَفِي حَالِ عَدَمِهِ . فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ , وَالْعَمَلِ بِضِدِّهِ , فَلَمْ يُجِيزُوا التَّوَضُّؤَ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ , وَلَا فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمْصَارِ , ثَبَتَ بِذَلِكَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ , وَخَرَجَ حُكْمُ ذَلِكَ النَّبِيذِ , مِن حُكْمِ سَائِرِ الْمِيَاهِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَهُوَ النَّظَرُ عِنْدَنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ(10)
قال : " وَقَدَّمَ حَدِيثَ" أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ" وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ(11)؛ فَإِنَّ الَّذِي تَرَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مُسَاوٍ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ وَالصِّفَةِ لِدَمِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ"
وَقَدَّمَ حَدِيثَ { لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِن عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } - وَأَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ،بَلْ بُطْلَانِهِ - عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ،فَإِنَّ بَذْلَ الصَّدَاقِ مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ بَذْلِ الْبُضْعِ،فَمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا(12)."
قلتُ : ففي السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 240 ) (14777 ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :قَالَ :الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَوْا عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ شَيْئًا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لاَ يَكُونَ مَهْرٌ أَقُلُّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ، {ج} وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنِى ابْنُ الْبَصِيرِ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الأَشْجَعِىِّ قَالَ :قُلْتُ لِسُفْيَانَ يَعْنِى الثَّوْرِىَّ حَدِيثُ دَاوُدَ الأَوْدِىِّ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : لاَ مَهْرَ أَقُلَّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَ :سُفْيَانُ : دَاوُدُ دَاوُدُ مَا زَالَ هَذَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ قُلْتُ إِنَّ شُعْبَةَ رَوَى عَنْهُ فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ وَقَالَ :دَاوُدُ دَاوُدُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ : إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا سَيَّارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ : لَقَنَّ غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ دَاوُدَ الأَوْدِىَّ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لاَ يَكُونُ مَهْرٌ أَقُلُّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَصَارَ حَدِيثًا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ :سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : غِيَاثٌ كَذَّابٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلاَ مَأْمُونٍ قَالَ :أَبُو الْفَضْلِ : هُوَ غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِىُّ قَالَ :وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ دَاوُدُ الأَوْدِىُّ لَيْسَ بِشَىْءٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ أَخْبَرَنَا السَّاجِىُّ قَالَ :سَمِعْتُ ابْنَ الْمُثَنَّى يَقُولُ مَا سَمِعْتُ يَحْيَى يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ وَلاَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ حَدَّثَا سُفْيَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ شَيْئًا قَطُّ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ :عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.(13)
قال:" وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ تَحْرِيمِ صَيْدِ وَجٍّ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الْقِيَاسِ"
قلت :خبر صيد وج في سنن أبى داود (2034 ) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِنْسَانٍ الطَّائِفِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ :لَمَّا أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن لِيَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا عِنْدَ السِّدْرَةِ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى طَرَفِ الْقَرْنِ الأَسْوَدِ حَذْوَهَا فَاسْتَقْبَلَ نَخِبًا بِبَصَرِهِ وَقَالَ :مَرَّةً وَادِيَهُ وَوَقَفَ حَتَّى اتَّقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ ثُمَّ قَالَ :« إِنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ ». وَذَلِكَ قَبْلَ، وفي التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 3 / ص 289 ) (1105 ) حَدِيثُ : رُوِيَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : { صَيْدُ وَجٍّ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ تَعَالَى } أَبُو دَاوُد مِن حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ ، فَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَا نَقَلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ : إنَّهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا قَالَ :الْأَزْدِيُّ ، وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ صَحَّحَهُ ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ ، وَقَالَ :ابْنُ حِبَّانَ فِي رَاوِيهِ الْمُنْفَرِدِ بِهِ : وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إنْسَانٍ الطَّائِفِيُّ كَانَ يُخْطِئُ ، وَمُقْتَضَاهُ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقَالَ :الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ إلَّا مِن جِهَةِ تَقَارُبِهِ فِي الضَّعْفِ ، وَقَالَ :النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ : إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، قَالَ : وَقَالَ :الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : لَا يَصِحُّ كَذَا قَالَ :، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي تَارِيخِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ :ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إنْسَانٍ وَإِلَّا فَالْبُخَارِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا فِي صَحِيحِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(14)
قال : "وَقَدَّمَ خَبَرَ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ مَعَ ضَعْفِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ غَيْرِهَا مِن الْبِلَادِ"
قلت : وأما الصلاة في البيت الحرام ، فقد أخرجه عبد الرزاق [9004]، ومن طريقه أحمد 4/80، والطبراني [1599]، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، به. ومن طرق عن ابن جريج به أخرجه أحمد 4/81 و84.كلهم من طريق أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ :قَالَ :رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ». (وهو حديث صحيح )
__________
(1) - انظر ألفية العراقي بشرحيها للعراقي والشيخ زكريا 1/102-103 وفتح المغيث 1/79-82
(2) - انظر كتاب حجية الحديث المرسل عند الإمام الشافعي د خليل إبراهيم ملا خاطر ص 32-36
(3) - انظر : النكت للزركشي 2/319 وفتح المغيث 1/80 وقواعد في علوم الحديث 95-96 والإحكام في أصول الأحكام 7/54 ومرقاة المفاتيح 1/3
(4) - الجلس : المرتفع = الغور : المنخفض
(5) - قلت : في هذا الكلام نظر ، ومن راجع تخريج الشيخ شعيب لأحاديث المسند رأى غير ذلك ، وإن كنا لا نسلِّم له ببعضها .
(6) - تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 31 )
(7) - قلت : في نسبة هذا القول للإمام أحمد ولعصره نظر ، سنناقشه بعد قليل إن شاء الله
(8) - مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 ) فما بعد
(9) - انظر مسند أحمد رقم (21399 )
(10) - شرح معاني الآثار (365-369 ) وانظر : نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 282 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 62 ) (57 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 111 )
(11) - انظر تخريجه في سنن الدارقطنى (826-828 و856-858 ) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 408- 412 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 83 ) (68 ) وهو ضعيف
(12) - وهذا مذهب الأكثرين إذ لا حدَّ عندهم لأقله ولا أكثره
(13) - انظر نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 6 / ص 105 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 2 / ص 62 ) (549 )
(14) - انظر الكلام عليه مطولا في البدر المنير (ج 6 / ص 367 ) وانظر معرفة السنن والآثار للبيهقي (3275 ) وأحمد 1/165 والحميدى (63 ) = العضاه : كل شجر عظيم له شوك الواحدة عِضَة(1/15)
وفي سنن الترمذى (184 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :إِنَّمَا صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ لأَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ فَشَغَلَهُ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَلاَّهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ لَهُمَا. وَفِى الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِى مُوسَى. قَالَ :أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ. وَهَذَا خِلاَفُ مَا رُوِىَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ».
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ حَيْثُ قَالَ :لَمْ يَعُدْ لَهُمَا. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَائِشَةَ فِى هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ رُوِىَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَرُوِىَ عَنْهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَالَّذِى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِىَ مِن ذَلِكَ مِثْلُ الصَّلاَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ بَعْدَ الطَّوَافِ فَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رُخْصَةٌ فِى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ :بِهِ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمُ الصَّلاَةَ بِمَكَّةَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ.وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ.اهـ
قال:" وَقَدَّمَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ حَدِيثَ:{ مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلِيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ } عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ ضَعْفِ الْخَبَرِ وَإِرْسَالِهِ."
قلت : هو في السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 142 ) (687 ) أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ : أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِىٍّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ :أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَتِهِ أَوْ قَلَسَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِن صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ ». قَالَ :أَبُو أَحْمَدَ : هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً هَكَذَا ، وَمَرَّةً قَالَ :عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَكِلاَهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ.(1)
قال ابن القيم(2):" وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْبَلَاغَاتِ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ "(3).
قلت : المرسل كما في موطأ مالك (3 ) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ ثُمَّ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ :« مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ ». (وهو صحيح مرسل )(4)
وَالْمُنْقَطِعَ كما موطأ مالك 1:7 (6 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِى الصَّلاَةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ. ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَىْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ وَالصَّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ. (فهذا منقطع )
وَالْبَلَاغَاتِ كما في موطأ مالك (143 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا. قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ فَقَالَ بَلَغَنِى أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْغَائِطِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ.
و(354 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِى السَّفَرِ. قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّافِلَةِ فِى السَّفَرِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ بَلَغَنِى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
و(355 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَنِى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَنَفَّلُ فِى السَّفَرِ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ كما في موطأ مالك (7 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِى سُهَيْلٍ (هو نافع بن مالك بن أبى عامر الأصبحى التيمى ، أبو سهيل المدنى ) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِى مُوسَى أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ. (وهذا إسناد صحيح موقوف )
قلتُ: وكذلك هذا هو رأي الإمام أحمد في تقديم الضعيف على الرأي،ولو كان في الأحكام،وفي الاحتجاج بالرجل حتى يُجمعَ على تركه.
قال الحافظ العراقي(5):
77 - كَانَ ( أبُوْ دَاوُدَ ) أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ،والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ
78 - في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِن رَأيٍ أقوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ )
79 - وَالنَّسَئي(6)يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً،مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ
وقال: هذا بيانٌ لكونِ السُّننِ فيها غيرُ الحسن . قالَ ابنُ الصلاحِ: روينا عنه أي: عن أبي داودَ ما معناهُ أنَّهُ يذكرُ في كلِّ بابٍ أصحَّ ما عرَفَهُ في ذلك الباب . وقال أبو عبد الله ابنُ منده عنه: إنَّهُ يخرجُ الإسنادَ الضعيفَ إذا لم يجدْ في البابِ غيرَهُ؛ لأنَّهُ أقوى عندَهُ من رأي الرجالِ . وَقَالَ:ابنُ منده: إنَّهُ سمعَ محمدَ بنَ سعدٍ الباورديَّ بمصرَ يقول: كانَ من مذهبِ أبي عبدِ الرحمنِ النَّسائيِّ أنْ يخرجَ عن كلِّ منْ لم يُجمَعْ على تركهِ .
فقولُهُ: (والضعيفَ ) أي: ويروِي الضعيفَ . وقولُهُ: ( مذهبٌ متّسعٌ ) ،خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ،وحَكَى ابن مَنْده أنَّه سمعَ مُحمَّد بن سعد الباوردي يقول: كان من مذهب النَّسائي أن يُخرِّج عن كلِّ من لم يُجْمع على تَرْكه.
قال ابن منده: وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه, ويُخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره, لأنَّه أقوى عنده من رأى الرجال.
وهذا أيضًا رأي الإمام أحمد, فإنَّه قال: إنَّ ضعيف الحديث أحبُّ إليه من رأيِ الرِّجال, لأنَّه لا يُعدل إلى القياس, إلاَّ بعد عدم النص.(7)
وهذا مذهب الثوري والأوزاعي وأبي حاتم الرازي وابن حزم رحمهم الله تعالى .(8)
بل هو مذهبُ عامة الأئمة رحمهم الله تعالى .(9)
فما من إمامٍ من الأئمة المجتهدين حتى الذين انقرضت مذاهبهم إلا وقد أخذ بالحديث الضعيف في الأحكام،إذا خلا البابُ من حديث مقبولٍ،ولم يكن فيه سواهُ،أو تلقته الأمة بالقبول،.كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله قبل قليل .
وقد أخذ الإمام أحمد رحمه الله بحديث ( الناس أكفاء ) مع أنه منكر،وحكم ابن عبد البر بوضعه(10)
وأخذ بحديث حكيم بن جبير فيمن تحلُّ له الصدقة(11)مع أنه منكر الحديث "
قلت : هو في سنن أبى داود(1628 ) والنسائي (2604 ) وابن ماجة (1913 ) ومصنف ابن أبي شيبة(ج 3 / ص 180 ) (10533 ) وأحمد (3747 و4293 ) كلهم من طريق سُفْيَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ :رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ - أَوْ خُدُوشٌ - أَوْ كُدُوحٌ - فِى وَجْهِهِ ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى قَالَ :« خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ ». قَالَ :يَحْيَى فَقَالَ :عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ حِفْظِى أَنَّ شُعْبَةَ لاَ يَرْوِى عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ :سُفْيَانُ فَقَدْ حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ.
وفي مسند البزار(1913 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي وَجْهِهِ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا غِنَاهُ ؟ قَالَ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ عِدْلُهَا مِنَ الذَّهَبِ. قَالَ :يَحْيَى بْنُ آدَمَ : فَعَلِمْتُ أَنَّ شُعْبَةَ لاَ يُرْضِي حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : حَدَّثَنِيهِ سُفْيَانُ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ عَبْدِ اللهِ ، وَحَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْكُوفَةِ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ ، وَزُبَيْدٌ فَلَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ.
وفي علل الدارقطني(829 ) وسئل عن حديث عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح أو خموش "
فقال: يرويه حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه حدث به عنه الثوري وشريك وإسرائيل وحماد بن شعيب ورواه محمد بن مصعب القرقساني عن حماد بن سلمة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ووهم في قوله عن أبي إسحاق ، وإنما رواه إسرائيل عن حكيم بن جبير، ورواه شعبة عن حكيم بن جبير أيضا حدث به عنه إبراهيم بن طهمان ويحيى القطان ورواه زبيد ومنصور بن المعتمر عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد لم يجاوز ابنه محمدا وقولهما أولى بالصواب."
قلت: وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (499 ) وذكر " فقال رجل لسفيان : إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : قد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد " .
قال : حكيم بن جبير ضعيف ، لكن متابعة زبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوي الحديث ،فإنه ثقة ثبت ، و كذلك سائر الرواة ثقات ، فالإسناد صحيح من طريق زبيد .قال الترمذي " حديث حسن " .
قلتُ (علي ) : لم يصحَّ وصله من طريق زبيد كما قال الدارقطني وغيره ، فكيف يحكم عليه بالصحة ؟!.
وحكيم بن جبير ، ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني ويعقوب بن شيبه وأبو حاتم الرازي وغيرهم ، وقال الدارقطني ، متروك . وأكثر من هذا أن شعبة تركه من أجل حديث الصدقة المذكور أعلاه والذي يدعي الألباني صحته !(12)
وأخذ الإمام أحمد كذلك بحديث (لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ ) وهو ضعيف جدًّا وذكره ابن الجوزي في الموضوعات .(13)
وكذلك إذا لم يوجد حديث مقبولٌ،ولم يوجد في الباب إلا الحديث الضعيف،فقد ذهب عددٌ من الأئمة إلى الأخذ به من باب الانكفاف والاحتياط .
وقد نقل الإمام الماوردي وغيره عن الإمام الشافعي رحمه الله،أنه يأخذ بالمرسل إذا لم يوجد دلالةٌ سواهُ،إذا دلَّ على محظورٍ،احتياطاً،كما قال الإمام السبكي رحمه الله .(14)
وكذا إذا كان ضعيفاً بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة،فالاستحبابُ التنزه عنه،كما قال النووي رحمه الله،ولكن لا يجب .(15)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الكلام عليه مفصلا في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 77 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 1 / ص 29 ) (22 ) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير-(ج 2 / ص 44 ) (431 ) والبدر المنير (ج 4 / ص 100 )
(2) - إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج 1 / ص 38 )
(3) - إعلام الموقعين عن رب العالمين-(ج 1 / ص 37-38 )
(4) - أسفر : صلى حين انكشف الصبح وأضاء جدا
(5) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 56 ) و شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 55 )
(6) - قَصَدَ النَّسائي وإنما قال : ((النسئي ) ) ؛ لضرورة الوزن .
(7) - انظر : المختصر في أصول الحديث-(ج 1 / ص 2 ) وقواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 214 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 72 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي-(ج 1 / ص 112 ) و منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 292 )
(8) - الجرح والتعديل 8/347 وسير أعلام النبلاء 7/122-114 والمحلى 4/147-148
(9) -انظر إعلام الموقعين 1/31-33و77 وفتح الباري 5/90
(10) - مسند أبي حنيفة (236 ) ومعجم ابن الأعرابي (1972 ) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 6 / ص 90 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 2 / ص 62 ) وتنزيه الشريعة المرفوعة-(ج 1 / ص 17 ) والعلل المتناهية (1018 ) و البدر المنير (ج 7 / ص 583 ) وسنده واه
(11) - الشرح الكبير لابن قدامة (ج 2 / ص 693 ) والكافي في فقه ابن حنبل (ج 1 / ص 428 ) وفقه العبادات - حنبلي (ج 1 / ص 376 ) والعدة شرح العمدة (ج 1 / ص 142 )
(12) - وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1 / 246 ) وابن عدي في الكامل (2 / 636 ) في ترجمته على أنه من منكراته . ولم تصح متابعته لحكيم ، ولذلك ضعف هذا الحديث الأئمة منهم النسائي (5 / 97 ) ، وأبو حاتم الرازي (الجرح والتعديل 1 / 2 / 201 ) ، والخطابي في معالم السنن (2 / 226 ) ، وأطال الحافظ المنذري في بيان ضعفه في اختصار السنن (2 / 226 - 227 ) . وانظر تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي-(ج 2 / ص 183 )
(13) - انظر : نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 13 / ص 363 ) والدراية في تخريج أحاديث الهداية-(ج 2 / ص 292 ) والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير-(ج 2 / ص 136 ) واللآلي المصنوعة-(ج 2 / ص 14 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي-(ج 2 / ص 114 ) (1309 ) والشرح الكبير لابن قدامة-(ج 1 / ص 111 ) والفروع لابن مفلح-(ج 3 / ص 93 ) والمغني-(ج 3 / ص 409 ) ومنار السبيل شرح الدليل-(ج 1 / ص 79 )
(14) - انظر : فتح المغيث 1/80و142و143 و268 ونكت الزركشي 2،313 وحجية الحديث المرسل عند الإمام الشافعي لإبراهيم خليل ملا خاطر
(15) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 70(1/16)
حكم الحديث ُالضعيفِ
إذا جرى عليه العمل،أو تلقته الأمة بالقبول
لقد اتفقَ العلماءُ على العمل بالحديث الضعيف إذا جرى العملُ به،ويكون هذا مما تلقته الأمة بالقبول - غالباً- ولا نعلم لهم مخالفاً في هذه القضية .
وقد ذكر الإمام الترمذي عقب كثير من الأحاديث وعليه العمل عند أهل العلم أو عند عامة أهل العلم،أو عند بعض أهل العلم،مع حكمه على تلك الأحاديث بالضعفِ،سواء بالاضطراب،أو بانقطاع السند،أو لعدم صحة السند،أو لضعف الراوي ونحو ذلك .
والمراد بأهل العلم عنده رحمه الله: من كان قبله،من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين،بالإضافة إلى الأئمة الأربعة وأقرانهم .
وهذه أمثلة من سنن الترمذي أتيت بها للتدليل على هذه القاعدة الهامة وأذكر الباب ورقمه والحديث ورقمه:
26 - باب مَا جَاءَ فِى الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِى الْحَضَرِ. (24 )
188 - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِن أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى وَحَنَشٌ هَذَا هُوَ أَبُو عَلِىٍّ الرَّحَبِىُّ وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لاَ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ إِلاَّ فِى السَّفَرِ أَوْ بِعَرَفَةَ.
وفي 82 - باب مَا جَاءَ فِى التَّسْبِيحِ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (79 )
262 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِىِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ:فِى رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ:فِى سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ ». قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ. عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لاَ يَنْقُصَ الرَّجُلُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِن ثَلاَثِ تَسْبِيحَاتٍ.
وفي 157 - باب مَا جَاءَ فِى الإِمَامِ يَنْهَضُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ نَاسِيًا. (153 )
365 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ:صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ وَسَبَّحَ بِهِمْ فَلَمَّا صَلَّى بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ بِهِمْ مِثْلَ الَّذِى فَعَلَ. قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَدْ رُوِىَ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى ابْنِ أَبِى لَيْلَى مِن قِبَلِ حِفْظِهِ.
قَالَ:أَحْمَدُ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى. وَقَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْنُ أَبِى لَيْلَى هُوَ صَدُوقٌ وَلاَ أَرْوِى عَنْهُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرِى صَحِيحَ حَدِيثِهِ مِن سَقِيمِهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِثْلَ هَذَا فَلاَ أَرْوِى عَنْهُ شَيْئًا. وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَجَابِرٌ الْجُعْفِىُّ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَغَيْرُهُمَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ مَضَى فِى صَلاَتِهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِنهُمْ مَنْ رَأَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَمِنهُمْ مَنْ رَأَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ. وَمَنْ رَأَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَحَدِيثُهُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى الزُّهْرِىُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ.
158 - باب مَا جَاءَ فِى مِقْدَارِ الْقُعُودِ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ. (154 )
367 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هُوَ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. قَالَ:شُعْبَةُ ثُمَّ حَرَّكَ سَعْدٌ شَفَتَيْهِ بِشَىْءٍ فَأَقُولُ حَتَّى يَقُومَ فَيقول: حَتَّى يَقُومَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلاَّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِن أَبِيهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ لاَ يُطِيلَ الرَّجُلُ الْقُعُودَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وَلاَ يَزِيدَ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا.
وَقَالُوا إِنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ. هَكَذَا رُوِىَ عَنِ الشَّعْبِىِّ وَغَيْرِهِ.
191 - باب مَا جَاءَ فِى الصَّلاَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِى الطِّينِ وَالْمَطَرِ. (187 )
(413 ) قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الرَّمَّاحِ الْبَلْخِىُّ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ مِن حَدِيثِهِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ رُوِىَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى فِى مَاءٍ وَطِينٍ عَلَى دَابَّتِهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يقول: أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
254 - باب مَا جَاءَ فِى اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ إِذَا خَطَبَ. (249 )
511 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ مَنْصُورٍ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ يَسْتَحِبُّونَ اسْتِقْبَالَ الإِمَامِ إِذَا خَطَبَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَلاَ يَصِحُّ فِى هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - شَىْءٌ.
302 - باب مَا ذُكِرَ فِى الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ كَيْفَ يَصْنَعُ (297 )
594 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِىُّ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِىُّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِىٍّ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالاَ قَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إِلاَّ مَا رُوِىَ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالُوا إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ وَالإِمَامُ سَاجِدٌ فَلْيَسْجُدْ وَلاَ تُجْزِئُهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إِذَا فَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الإِمَامِ وَاخْتَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ الإِمَامِ وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فَقَالَ:لَعَلَّهُ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِى تِلْكَ السَّجْدَةِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ.
11 - باب مَا جَاءَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِزْيَةٌ. (11 )
634 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ فِى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِزْيَةٌ ».
635 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وَفِى الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَجَدِّ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىِّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِىَ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّصْرَانِىَّ إِذَا أَسْلَمَ وُضِعَتْ عَنْهُ جِزْيَةُ رَقَبَتِهِ. وَقَوْلُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ » إِنَّمَا يَعْنِى بِهِ جِزْيَةَ الرَّقَبَةِ وَفِى الْحَدِيثِ مَا يُفَسِّرُ هَذَا حَيْثُ قَالَ:« إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ ».
13 - باب مَا جَاءَ فِى زَكَاةِ الْخُضْرَوَاتِ. (13 )
639 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُهُ عَنِ الْخُضْرَوَاتِ وَهِىَ الْبُقُولُ فَقَالَ:« لَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَيْسَ يَصِحُّ فِى هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - شَىْءٌ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَيْسَ فِى الْخُضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَالْحَسَنُ هُوَ ابْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ وَتَرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ.
75 - باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ الْحَلْقِ لِلنِّسَاءِ. (75 )
925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْجُرَشِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِىٍّ قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.
926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ خِلاَسٍ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَلِىٍّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَلِىٍّ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَرُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقًا وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَيْهَا التَّقْصِيرَ.
( قلت: قتادة لم يسمع من عائشة )
15 - باب مَا جَاءَ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. (15 )
1127 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« الْبَغَايَا اللاَّتِى يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ». قَالَ:يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ رَفَعَ عَبْدُ الأَعْلَى هَذَا الْحَدِيثَ فِى التَّفْسِيرِ وَأَوْقَفَهُ فِى كِتَابِ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
1128 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلاَّ مَا رُوِىَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مَرْفُوعًا. وَرُوِىَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا وَالصَّحِيحُ مَا رُوِىَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ هَكَذَا رَوَى أَصْحَابُ قَتَادَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ نَحْوَ هَذَا مَوْقُوفًا. وَفِى هَذَا الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَنَسٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِشُهُودٍ.
7 - باب مَا جَاءَ أَنَّ طَلاَقَ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ. (7 )
1218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:حَدَّثَنِى مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ:حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ ».
1219 - قَالَ:مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَحَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَنْبَأَنَا مُظَاهِرٌ بِهَذَا. قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِن حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُظَاهِرٌ لاَ نَعْرِفُ لَهُ فِى الْعِلْمِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
15 - باب مَا جَاءَ فِى طَلاَقِ الْمَعْتُوهِ. (15 )
(1229 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِىُّ أَنْبَأَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ طَلاَقٍ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِن حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ. وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلاَنَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْتُوهًا يُفِيقُ الأَحْيَانَ فَيُطَلِّقُ فِى حَالِ إِفَاقَتِهِ.
39 - باب مَا جَاءَ فِى الْقَطَائِعِ. (39 )
1437 - قَالَ:قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِىُّ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شُرَاحِيلَ عَنْ سُمَىِّ بْنِ قَيْسٍ عَنْ شُمَيْرٍ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ:رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ أَتَدْرِى مَا قَطَعْتَ لَهُ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ:فَانْتَزَعَهُ مِنهُ. قَالَ:وَسَأَلَهُ عَمَّا يُحْمَى مِنَ الأَرَاكِ قَالَ:مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفَافُ الإِبِلِ ». فَأَقَرَّ بِهِ قُتَيْبَةُ وَقَالَ:نَعَمْ.
1438 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِىُّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. الْمَأْرِبُ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ وَائِلٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ فِى الْقَطَائِعِ يَرَوْنَ جَائِزًا أَنْ يُقْطِعَ الإِمَامُ لِمَنْ رَأَى ذَلِكَ.
9 - باب مَا جَاءَ فِى الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ يُقَادُ مِنهُ أَمْ لاَ (9 )
1460 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ:حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقِيدُ الأَبَ مِنِ ابْنِهِ وَلاَ يُقِيدُ الاِبْنَ مِن أَبِيهِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِن حَدِيثِ سُرَاقَةَ إِلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ يُضَعَّفُ فِى الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُرْسَلاً وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الأَبَ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ وَإِذَا قَذَفَ ابْنَهُ لاَ يُحَدُّ.
11 - باب مَا جَاءَ فِى النَّفْىِ. (11 )
1508 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
قَالَ:وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ فَرَفَعُوهُ.
1509 - وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ.
وَهَكَذَا رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِن غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَ هَذَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّفْىُ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِىٌّ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ رُوِىَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِن فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
3 - باب مَا جَاءَ فِى صَيْدِ الْبُزَاةِ. (3 )
1540 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ وَهَنَّادٌ وَأَبُو عَمَّارٍ قَالُوا حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَيْدِ الْبَازِى فَقَالَ:« مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ بَأْسًا.(1/17)
22 - باب مَا جَاءَ فِى الْمَرْأَةِ إِذَا اسْتُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا . (22 )
1524 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا مُعَمَّرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّقِّىُّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:اسْتُكْرِهَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَرَأَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَدَّ وَأَقَامَهُ عَلَى الَّذِى أَصَابَهَا وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَهْرًا. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِن غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ:سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يقول: عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِن أَبِيهِ وَلاَ أَدْرَكَهُ يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَشْهُرٍ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَكْرَهَةِ حَدٌّ.
22 - باب (... ) (22 )
1604 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:شَهِدْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنبَرِهِ فَأُتِىَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ وَقَالَ:« بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّى وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِن أُمَّتِى ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنْ يقول: الرَّجُلُ إِذَا ذَبَحَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِن جَابِرٍ.
15 - باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ وَطْءِ الْحَبَالَى مِنَ السَّبَايَا . (15 )
1657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ وَهْبٍ أَبِى خَالِدٍ قَالَ:حَدَّثَتْنِى أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ أَبَاهَا أَخْبَرَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُوطَأَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِى بُطُونِهِنَّ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ. وَحَدِيثُ عِرْبَاضٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ:الأَوْزَاعِىُّ إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ مِنَ السَّبْىِ وَهِىَ حَامِلٌ فَقَدْ رُوِىَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ:لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ. قَالَ:الأَوْزَاعِىُّ وَأَمَّا الْحَرَائِرُ فَقَدْ مَضَتِ السُّنَّة فِيهِنَّ بِأَنْ أُمِرْنَ بِالْعِدَّةِ. قَالَ:حَدَّثَنِى بِذَلِكَ عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ:حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ.
5 - باب مَا جَاءَ فِى مِيرَاثِ الإِخْوَةِ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ. (5 )
2240 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ:قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَعْيَانَ بَنِى الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِى الْعَلاَّتِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن حَدِيثِ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ. وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الْحَارِثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
17 - باب مَا جَاءَ فِى إِبْطَالِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ. (17 )
2255 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« الْقَاتِلُ لاَ يَرِثُ ». قَالَ:أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لاَ يَصِحُّ وَلاَ يُعْرَفُ إِلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ قَدْ تَرَكَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ لاَ يَرِثُ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَقَالَ:بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرِثُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
6 - باب مَا جَاءَ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. (6 )
2268 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ. قَالَ:أَبُو عِيسَى وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.( قلت: الحارث الأعور ضعيف )
ونلاحظ أن هذه الأحاديث كلها في الأحكام الشرعية،وقد قال بها أهلُ العلم .
وأما الأحاديث التي قال بها بعض أهل العلم فهي كثيرة جدا في سننه، ففي سنن الترمذى(21 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى مَرْدَوَيْهِ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ فِى مُسْتَحَمِّهِ. وَقَالَ « إِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنهُ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ رَجُلٍ مِن أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِن حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ لَهُ أَشْعَثُ الأَعْمَى. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَوْلَ فِى الْمُغْتَسَلِ وَقَالُوا عَامَّةُ الْوَسْوَاسِ مِنهُ. وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنهُمُ ابْنُ سِيرِينَ وَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ يُقَالُ إِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنهُ فَقَالَ رَبُّنَا اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَدْ وُسِّعَ فِى الْبَوْلِ فِى الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الآمُلِىُّ عَنْ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ."
وانظر الأرقام التالية- طبعة المكنز- (37 و88 و113 و137 و179 و188 و194 و201 .... ) وهذا من المائتي حديث الأولى فقط، وهذه الأحاديث قد قال بها عامة أهل العلم إما لاعتضاده،أو لعدم وجود حديث مقبول في الباب،أو لأنه لا يوجد سواه في الباب ....
وإذا جاز الأخذ بها في الأحكام،فما سواها من باب أولى والله أعلم .(1)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص71-76(1/18)
حكمُ الحديث الضعيف
إذا تلقته الأمة بالقبول،وعملوا به،وأجمعوا عليه
اتفق العلماء على العمل بالحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول،ولا نعلم مخالفاً لهم في ذلك .
قال الخطيب البغدادي:"وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ فَهُوَ مَا قَصَرَ عَنْ صِفَةِ التَّوَاتُرِ , وَلَمْ يَقَعْ بِهِ الْعِلْمُ وَإِنْ رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ . وَالْأَخْبَارُ كُلُّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ فَضَرْبٌ مِنهَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ , وَضَرْبٌ مِنهَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ , وَضَرْبٌ مِنهَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ .
أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ , وَهُوَ مَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ , فَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَدُلُّ الْعُقُولُ عَلَى مُوجَبِهِ , كَالْإِخْبَارِ عَنْ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ , وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ , وَصِحَّةِ الْأَعْلَامِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ , وَنَظَائِرِ ذَلِكَ , مِمَّا أَدِلَّةُ الْعُقُولِ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ , وَقَدْ يُسْتَدَلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمَرٍ اقْتَضَاهُ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّة الْمُتَوَاتِرَةِ , أَوِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَصْدِيقِهِ , أَوْ تَلَقَّتْهُ الْكَافَّةُ بِالْقَبُولِ , وَعَمِلَتْ بِمُوجَبِهِ لِأَجْلِهِ "(1)
وهذه بعضُ الأمثلة:
حديثُ"لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"(2)،قال الإمام الشافعي(3):" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ يَعْنِي فِي حَدِيثِ { لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } .
قَالَ:الشَّافِعِيُّ: وَرَأَيْتُ مُتَظَاهِرًا عِنْدَ عَامَّةِ مَنْ لَقِيت مِن أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:فِي خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ { لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } , وَلَمْ أَرَ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفًا"(4).
وقال في الرسالة: " قال الله - تبارك وتعالى -:" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180 ) [البقرة/180]
وقال الله: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (240 ) سورة البقرة
فأنزل الله ميراثَ الوالِدَيْن ومن ورث بعدَهما ومَعَهما من الأقْرَبِين وميراثَ الزوج من زوجته والزوجةِ من زوجها،فكانت الآيتان محتملتين لأن تُثْبِتا الوصيةَ للوالدَيْن والأقربين والوصيَّةَ للزوج والميراثَ مع الوصايا فيأخذون بالميراث والوصايا ومحتملةً بأن تكون المواريث ناسخةً للوَصَايَا،فلَمَّا احتملتِ الآيتان ما وصفنا كان على أهل العلم طَلَبُ الدِّلالة من كتاب الله فما لم يجدوه نصاً في كتاب الله طَلَبُوه في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن وَجَدوه فما قَبِلُوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَنِ اللهِ قَبِلُوهُ بما افْتَرَضَ مِن طاعته .
ووَجدْنا أهلَ الفُتْيَا ومَنْ حَفِظْنَا عنه مِن أهل العلم بالمَغَازِي مِن قُريش وغيرهمْ: لا يختلفون في أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عامَ الفَتْحِ:" لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ" ويَأْثُرُونه عَنْ مَنْ حَفظوا عنه مِمَّنْ لَقُوا منْ أهل العلم بالمغازي،فكان هذا نَقْلَ عامَّةٍ عنْ عامَّة وكان أقوى في بعض الأمْرِ من نقْلِ واحد عن واحدٍ وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مُجتمعين.
قال: ورَوَى بعضُ الشَّامِيِّين حديثاً ليس مما يُثْبِتُه أهل الحديث فيه: أنَّ بعضَ رِجاله مجهولون فَرَوَيْناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطِعًا وإنما قَبِلْنَاه بما وَصَفْتُ من نقْل أهل المغازي وإجماع العامة عليه وإن كُنَّا قد ذكرنا الحديث فيه واعتمدنا على حديثِ أهل المغازي عامًّا وإجماع الناس .
أخْبَرنا" سفيان" عن" سليمان الأحْوَل" عن" مجاهد" أنَّ رسولَ الله قال:" لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" فاستدللنا بما وصفتُ من نقْلِ عامَّة أهل المغازي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن:" لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" على أنَّ المواريث ناسخةٌ للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المُنْقَطع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماعِ العامَّة على القول به."(5).
قلتُ: لكنَّ هذا الحديث لم يصلْه من طريق صحيح،وإنما أخذ برواية أهل المغازي،وإجماعِ العلماء على مقتضى الحديث،مع أن الحديث ورد من طرق أخرى موصولة،لكنْ بعد الإمام الشافعي،أو لم يطلع عليها.
وحديث: « إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ »(6).
قال الإمام الشافعي في اختلاف الحديث(7):" وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُحَرَّمٍ يُخَالِطُهُ لَمْ يَطْهُرِ الْمَاءُ أَبَدًا حَتَّى يُنْزَحَ،أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ،حَتَّى يَذْهَبَ مِنهُ طَعْمُ الْمُحَرَّمِ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ،فَإِذَا ذَهَبَ فَعَادَ بِحَالِهِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ بِهَا طَهُورًا،ذَهَبَتْ نَجَاسَتُهُ،وَمَا قُلْتَ مِن أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ كَانَ نَجِسًا،يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ مِثْلَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ،وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ،لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا "(8)
وحديث"لا زكاةَ في الذهب حتى يبلغ عشرين ديناراً"
قال أبو عمر ابن عبد البر(9):"لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الذهب شيء من جهة نقل الآحاد العدول الثقات الأثبات،وقد روى الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي ( رضي الله عنه ) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال هاتوا زكاة الذهب من كل عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ،(10)كذلك رواه أبو حنيفة فيما زعموا ولم يصح عنه ولو صح لم يكن فيه عند أهل العلم بالحديث أيضا حجَّة،والحسن بن عمارة متروك الحديث أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه،رواه عن الحسن بن عمارة عبد الرزاق .(11)
وأجمع العلماء على أن الذهب إذا بلغ أربعين مثقالا فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول،ربع عشره وذلك دينار واحد.
وأجمعوا أنه ليس فما دون عشرين دينارا زكاة ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم .(12)
وكذلك حديثُ معاذ بن جبل رضي الله عنه،فعَنْ أُنَاسٍ مِن أَهْلِ حِمْصٍ،مِن أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ:" كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟"،قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ،قَالَ:" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟"،قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟" قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي،وَلَا آلُو فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدْرَهُ،وَقَالَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ،رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ".(13)
وقال الخطيب البغدادي عقب روايته له:" فَإِنِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُ بِأَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْخَبَرُ , لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ أُنَاسٍ مِن أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمَّوْا فَهُمْ مَجَاهِيلٌ .
فَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أُنَاسٍ مِن أَهْلِ حِمْصٍ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ , يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ , وَكَثْرَةِ رُوَاتِهِ , وَقَدْ عُرِفَ فَضْلُ مُعَاذٍ وَزُهْدُهُ , وَالظَّاهِرُ مِن حَالِ أَصْحَابِهِ الدِّينُ وَالثِّقَةُ وَالزُّهْدُ وَالصَّلَاحُ , وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ , عَنْ مُعَاذٍ , وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ , وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ , عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ تَقَبَّلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ , فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ(14), وَقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ: هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ(15), وَقَوْلِهِ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ , وَقَوْلِهِ: الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ , وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِن جِهَةِ الْإِسْنَادِ , لَكِنْ لَمَّا تَلَقَّتْهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنَوْا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا(16), فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ , لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنَوْا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهُ فَإِنْ قَالَ: هَذَا مِن أَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا أَشْهُرُ وَأَثْبَتُ مِن قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ , فَإِذَا احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ , كَانَ هَذَا أَوْلَى وَجَوَابٌ آخَرُ , وَهُوَ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ جَائِزٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَثْبِيتُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِثْلَ: تَحْلِيلٍ , وَتَحْرِيمٍ , وَإِيجَابٍ , وَإِسْقَاطٍ , وَتَصْحِيحٍ , وَإِبْطَالٍ , وَإِقَامَةِ حَدٍّ بِضَرْبٍ , وَقَطْعٍ , وَقَتْلٍ , وَاسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَكَانَ الْقِيَاسُ أَوْلَى , لِأَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقٌ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ , وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ دُونَ الطَّرِيقِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ "(17).
وقال الجصاص عقب روايته له:"فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ ،قِيلَ لَهُ: لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ،لِأَنَّ إضَافَتَهُ ذَلِكَ إلَى رِجَالٍ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ تُوجِبُ تَأْكِيدَهُ،لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ أَنَّهُمْ مِن أَصْحَابِهِ،إلَّا وَهُمْ ثِقَاتٌ مَقْبُولُو الرِّوَايَةِ عَنْهُ.
وَمِن جِهَةٍ أُخْرَى إنَّ هَذَا الْخَبَرَ قَدْ تَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ،وَاسْتَفَاضَ،وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ مِن أَحَدٍ مِنهُمْ عَلَى رُوَاتِهِ،وَلَا رَدٍّ لَهُ ،وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَصِيرَ مُرْسَلًا،وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا مَقْبُولٌ "(18).
وقال الإمام الغزالي:"وَهَذَا حَدِيثٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ،وَلَمْ يُظْهِرْ أَحَدٌ فِيهِ طَعْنًا،وَإِنْكَارًا،وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُهُ مُرْسَلًا بَلْ لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ إسْنَادِهِ"(19)
وقال ابن القيم عقبه:" فَهَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ فَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاذٍ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ جَمَاعَةٍ مِن أَصْحَابِ مُعَاذٍ لَا وَاحِدٍ مِنهُمْ،وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ مِن أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاحِدٍ مِنهُمْ لَوْ سُمِّيَ،كَيْفَ وَشُهْرَةُ أَصْحَابِ مُعَاذٍ بِالْعِلْمِ وَالدَّيْنِ وَالْفَضْلِ وَالصِّدْقِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَخْفَى ؟
وَلَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِهِ مُتَّهَمٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا مَجْرُوحٌ،بَلْ أَصْحَابُهُ مِن أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارِهِمْ،لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فِي ذَلِكَ،كَيْفَ وَشُعْبَةُ حَامِلُ لِوَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ ؟
وَقَدْ قَالَ:بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: إذَا رَأَيْتَ شُعْبَةَ فِي إسْنَادِ حَدِيثٍ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ،قَالَ:أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذٍ،وَهَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ،وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ،عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَقَلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ،فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ،كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ }،وَقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ {،هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ }،وَقَوْلِهِ: { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ }،وَقَوْلِهِ: { الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ }،وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِن جِهَةِ الْإِسْنَادِ،وَلَكِنْ لَمَّا تَلَقَّتْهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنُوا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا،فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنُوا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهُ،انْتَهَى كَلَامُهُ "(20).
ـــــــــــــ
الردُّ على يزعم أن القدامى لم يفرِّقوا بين الحسن والضعيف
قَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ:" خُذُوا هَذِهِ الرَّغَائِبَ وَهَذِهِ الْفَضَائِلَ مِنَ الْمَشْيَخَةِ فَأَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَلَا تَأْخُذُوهُ إِلَّا عَمَّنْ يَعْرِفَ الزِّيَادَةَ فِيهِ مِنَ النَّقْصِ"(21)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ،أَنَّهُ كَانَ يقول: " إِذَا رَوِينَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ،تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ وَالرِّجَالِ،وَإِذَا رَوِينَا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الرِّجَالِ"(22)
قال أستاذنا د- محمد عجاج الخطيب معلقاً على كلام الخطيب البغدادي:
" إنما يريدون به أنهم يشددون في أحاديث الأحكام فلا يروون إلا ما توافرت فيه شروط الصحة،ويتساهلون بقبول غيرها وروايته عمن خفت فيه هذه الشروط،فنزل إلى درجة الحسن بنوعيه في اصطلاح المتأخرين وهو الذي يقابله الضعيف الذي يعمل به في اصطلاح المتقدمين،إذ لم يستقرَّ اصطلاحُ الحسن في عصرهم بعدُ،ومما يرجح ما ذهبتُ إليه قول سفيان الثوري:" لَا تَأْخُذُوا هَذَا الْعِلْمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَّا مِنَ الرُّؤَسَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ , الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ , وَلَا بَأْسَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَشَايِخِ"(23).
وما الرؤساءُ المشهورون إلا الأئمة،ومن توفرت فيهم أعلى شروط الصحة،وأما المشايخ فإنْ كان المراد بهم المعنى الاصطلاحي في التعديل فقولهم( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث،وإن لم يكن المراد ( بالمشايخ ) المعنى الاصطلاحي- بل عموم أهل العلم- فالمقصودُ به الرواية عمن لا يكونُ شديدَ الضعف،ويؤيد هذا أنهم كرهوا الرواية والاحتجاج بمن غلبَ على حديثهِ روايةُ الشواذِّ وروايةُ الغرائبِ والمناكير،كما كرهوا الرواية عن أهلِ الغفلة ومن أصيبوا بالاختلاطِ،وعمَّنْ عُرف بقبول التلقين وبالتساهلِ في سماع الحديث،وعمَّنْ كثرَ غلطهُ(24)،ومَن سواهم كانوا يحملون عنهم،وهم المقصودون في قول سفيان في روايته غير الحلال والحرام،وهم في رأينا رجالُ الحَسَنِ .
وفي رأينا أنَّ بعضَ الناس فهِمَ ما نُقلَ عنِ الإمام أحمدَ وابن المهدي وابن المبارك،فهماً بعيداً عن مراد هؤلاء الأئمة رحمهم الله،فتناقلوا هذه العبارة"يجوزُ العملِ بالضعيف" في فضائل الأعمال مؤيدينَ تساهلهم في رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيانِ ضعفها،مجوِّزينَ لأنفسهم إدخالَ أشياءَ كثيرةٍ في بعض أمورِ الدِّينِ،لا تستندُ إلى دليلٍ مقبولٍ،أو إلى أصلٍ معروفٍ،اعتماداً منهم على ضعيفِ الحديث،منْ غير أنْ يفرِّقوا بينَ مفهومِ الضعيفِ عند القدامَى والمتأخِّرينَ"(25).
ويردُّ على ابن القيم والخطيب بما يلي:
__________
(1) - في الكفاية ص 51
(2) - الترمذي (2120 و 2121 ) والنسائي (3656- 3658 ) وابن ماجة (2713 و 2714 ) وأحمد 4 / 186 و 187 و 238 والبيهقي 6 / 85 و 244 و 264 وابن أبي شيبة (31360 ) والشافعي (1384 ) وعبد الرزاق (7277 ) وصحيح الجامع (7570 ) . وهو صحيح مشهور
(3) - الأم للشافعي (ج 10 / ص 480 ) و (ج 11 / ص 37 ) الشاملة 2
(4) - في الكفاية ص 51
(5) - الرسالة للشافعي ص (138-142 )
(6) - سنن ابن ماجه (563 ) وعدى 2/297 وهق 1/260 وعب (264 ) وهو ضعيف
(7) - برقم (56 ) جامع الحديث واختلاف الحديث-(ج 1 / ص 500 ) ومختصر المزني-(ج 1 / ص 557 )
(8) - قلتُ : وقال ابن الملقن بعد أن أثبت الجملة الأولى من الحديث ، عما ورد فيه من استثناء : " فَتَلَخَّصَ أَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور ضعيفٌ ، لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ ، لِأَنَّهُ مَا بَين مُرْسل وَضَعِيف .
وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى تَضْعِيفه.. . اهـ البدر المنير (ج 1 / ص 397 ) فما بعدها.
(9) - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار-(ج 3 / ص 117 )
(10) - قلت : هو في مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 119 ) (9966 ) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنَ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ ، وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ ، وَفِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ. (وهو حديث حسن موقوف )
(11) - مصنف عبد الرزاق(7078 ) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَلِيُّ إِنِّي عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ، فَأَمَّا الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالشَّاءُ فَلا ، وَلَكِنْ هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ ، مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ ، وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ"
(12) - انظر الاستذكار 9/21-35و39 والأم 2/34
(13) - أبو داود (3594 ) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 178 ) (22978 ) وحم 5/230 و236 و242 ومي 1/60 ونصب 4/63 وش 7/293 و10/177 وسنة 10/116 وتلخيص 4/182 وت (1327 ) سنده لين، ولكنه من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، وهذا كاف لتقويته والعمل به. وأخطأ الألباني في فهم هذا الحديث في الضعيفة (881 ) حيث قال بعد أن ضعفه:" ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن وإنزاله إياه معه منزلة الاجتهاد منهما، فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب، وهذا التفريق بينهما لا يقول به مسلم، بل الواجب النظر بالكتاب والسنة معاً وعد التفريق بينهما، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن وتقيد مطلقه وتخصص عمومه كما هو معلوم ... ا.هـ
أقولُ: وهذه القضيةُ التي أثارها لا وجود لها أصلاً، ولم يقل أحدٌ ممن فسر هذا الحديث بذلك. ومعنى الحديث: إذا عرضت عليَّ قضيةٌ أنظر هل لها حلٌّ في كتاب الله فإن كان لها حلٌّ في كتاب الله تعالى صريح كالمواريث مثلاً أحكم بها مباشرة دون الرجوع للسنة، لأن السنَّة في هذه الحال تكون ـ إن وجدت ـ مؤكدة للحكم فقط، وإن كان لها حكم مجمل في الكتاب يرجع إلى السنة المفصلة لهذا الحكم ، وإذا لم يكن لها حكم في الكتاب فنرجع إلى السنَّة لأن فيها أحكاماً زائدة عَلى القرآن كتحريم الحمر الأهلية مثلاً: فهذا مقصد معاذ ـ وإن لم يوجد نصٌّ صريح لا في الكتاب ولا في السنَّة نجتهد ... انظر كتابي الرد على الرد على الألباني حول تفسير القرآن الكريم
(14) - مر تخريجه
(15) - موطأ مالك(42 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ - مِنْ آلِ بَنِى الأَزْرَقِ - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ - وَهُوَ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ». وهو حديث صحيح خلافاً لمن زعم ضعفه واضطرابه وانظر البدر المنير (ج 1 / ص 370 ) فما بعد
(16) - وانظر تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج (ج 1 / ص 109 ) ومشكل الآثار للطحاوي(1977 )
(17) - الفقيه والتفقه برقم (509 )
(18) - الفصول في الأصول (ج 2 / ص 412 )
(19) - المستصفى (ج 2 / ص 233 )
(20) - إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج 1 / ص 275 )
(21) - رواه الخطيب البغدادي في الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ (1279 )
(22) - نفسه (1280 )
(23) - الكفاية في علم الرواية برقم(360 )
(24) - هذا إذا تفردوا بما يخالف الثقات ، ولم يتابعوا عليه
(25) - أصول الحديث ص 352- 354(1/19)
1- قول الخطيب مفسرا قول أبي حاتم (شيخ ) وذلك بقوله: فقولهم ( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث )
فهذا الكلام فيه نظر،وإليك البيان:
"تأتي هذه اللفظة (شيخ ) في باب النقد - أي التجريح والتعديل ونحوهما - بمعانٍ كثيرة أكثرها متقاربة أو متناسبة،أو هي - في الأقل - راجعة إلى أصول قليلة أهمها ما يلي:
الأصل الأول: قلة روايته؛ ولذلك تراهم أحياناً يطلقونها على المقل إذا لم يكن مشهوراً ولو كان مقبول الرواية؛ ومن ذلك أنهم قد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن محدث بعينه،كما يقول: بعض أصحاب المسانيد: حديث المشايخ عن أبي هريرة أو عن أنس فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم وإن كانوا مكثرين عن غيرهم؛ وكذلك إذا قالوا: أحاديث المشايخ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثين ونحو ذلك .
الثاني: قلة الرواة عنه؛ وهذان قد يكونان سببين في جهالة حاله.
الثالث: قلة علمه؛ فهم يصفون بها أحياناً من لم يكن من أهل العلم من الرواة .
الرابع: قلة اعتنائه بضبط الروايات وحفظها؛ وهذا قد يكون سبباً في سوء حفظه للمرويات،أو عدم ضبطه وإتقانه لما يؤديه.
الخامس: كونه أهلاً لأن يُروى عنه في الجملة،وأنه من جملة الرواة الذين كُتبت أحاديثهم،وصاروا شيوخاً لغيرهم .
وبناء على ما تقدم أو بعضه تراهم يطلقون كلمة"شيخ" أحياناً على المجهول،وأحياناً على الضعيف الذي لم يشتد ضعفه،وأحياناً على من هو وسط بين المقبولين والمردودين،وأحياناً على من هو دون الأئمة والحفاظ سواء كان من الثقات أو لم يكن منهم .
ولا بد هنا من الاستعانة بالقرائن والسياقات لمعرفة المراد في كل عبارة يقولها ناقد من النقاد .
وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال ) في ترجمة العباس بن الفضل العدني: (سمع منه أبو حاتم،وقال: شيخ؛ فقوله"هو شيخ" ليس هو عبارة جرح؛ ولهذا لم أذكر في كتابنا أحداً ممن قال فيه ذلك؛ ولكنها أيضاً ما هي عبارة توثيق؛ وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة .
ومن ذلك قوله"يكتب حديثه"،أي ليس هو بحجة ) .
وقال الذهبي في مقدمة (الميزان ) : (ولم أتعرض لذكر من قيل فيه:"محله الصدق"،ولا من قيل فيه:"لا بأس به"،ولا من قيل فيه:"هو شيخ" أو:"هو صالح الحديث"؛ فإن هذا باب تعديل )(1).
وقال الذهبي في (الموقظة ) :"الثقة: من وثَّقَه كثيرٌ ولم يُضعَّف،ودُونَه من لم يُوثَّق ولا ضُعِّف ،فإن خُرِّج حديثُ هذا في الصحيحين،فهو مُوَثَّق بذلك،وإن صَحَّح له مثلُ الترمذيِّ وابنِ خزيمة فجيِّدٌ أيضاً،وإن صَحَّحَ له كالدارقطنيِّ والحاكم،فأقلُّ أحوالهِ: حُسْنُ حديثه،وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين إطلاقُ اسم"الثقة" على من لم يُجْرَح،مع ارتفاع الجهالةِ عنه؛ وهذا يُسمَّى: مستوراً،ويُسمىَّ: محلهُّ الصدق،ويقال فيه: شيخ "(2).
وقال الزركشي في (نكته على ابن الصلاح ) : "قال الحافظ جمال الدين المزي: المراد بقولهم"شيخ" أنه لا يترك ولا يحتج بحديثه مستقلًّا"(3).
وقال ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام ) في بعض الرواة: "فأما قول أبي حاتم فيه:"شيخ" فليس بتعريف بشيء من حاله إلا أنه مقل،ليس من أهل العلم،وإنما وقعت له رواية أُخذت عنه "(4).
وقال ابن القطان أيضاً: (وذكر [يعني عبد الحق الإشبيلي] من طريق الدارقطنى(4125 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِىَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ ».(5)
ثم قال: محمد بن عمرو شيخ،وهذا الحديث المحفوظ فيه موقوف؛ انتهى ما ذَكر؛ وليس هذا بيان علته،وإنما علته أن هذا الرجل مجهول الحال لا يعرف إلا برواية ابن وهب عنه؛ وقد جازف في قوله فيه:"شيخ"،فإنَّ هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفاً بالرواية ممن أخَذ وأخَذ عنه،وإنما وقعت له روايةٌ لحديث أو أحاديث فهو يرويها . هذا الذي يقولون فيه:"شيخ"،وقد لا يكون مَن هذه صفته من أهل العلم .
وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن شخص مخصوص،كما يقولون : حديث المشايخ عن أبي هريرة أو عن أنس فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم وإن كانوا مكثرين عن غيرهم ،وكذلك إذا قالوا: أحاديث المشايخ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثان ونحو ذلك .
وأبو محمد(6)لم يرَ في هذا الرجل القول بأنه شيخ،فإنهم لم يقولوا ذلك فيه فيما أعلم،وإنما رأى في كتاب ابن أبي حاتم سؤال أبي محمد أباه وأبا زرعة عنه،فقالا: هو شيخ لابن وهب(7)،فهذا شيء آخر،ليس هو الذي ذكر،فإن لفظة"شيخ" لفظة مصطلَح عليها كما تقدم،فأما لفظة شيخ لفلان فإنه بمعنى آخر .
والمقصود أن تعلم أن هذا الرجل لم تُنقَل لنا عدالتُه؛ ثم هو قد خالفه فيه عبد الرزاق،فرواه عن ابن جريج،فوقفه ولم يرفعه .(8)
فإذن إنما ترجح الموقوف،لأنه عن ثقة،والمرفوع عمن لا نعلم عدالته،فاعلم ذلك "؛ هذا كله كلام الحافظ ابن القطان(9).
وقال أيضاً: (لفظ"شيخ" لا يعطي معنى التعديل المبتغى ولا أيضاً التجريح )(10).
وقال الدكتور قاسم علي سعد في (مباحث في علم الجرح والتعديل ) عقب قول ابن القطان هذا ونقَلَ قبلَه قولَه الذي قبْله: "وقد أيقظ ابنُ القطان في كلامه الأول إلى فائدة مهمة،وهي أنهم قد يُطلقون لفظة الشيوخ على الثقات الذين هم دون الأئمة الحفاظ؛ فحماد بن سلمة مثلاً شيخ في قتادة بالنسبة لهشام الدستوائي أو شعبة أو ابن أبي عروبة،لخفة ضبطه عنه بالنسبة لهم "(11).
وقال الزيلعي: "قال ابن القطان: الرازيان يعنيان بذلك أنه ليس من أهل العلم وإنما هو صاحب رواية"(12).
وقال ابن رجب في (شرح علل الترمذي ) : "والشيوخ في اصطلاح أهل العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره"(13).
وقال ابن أبي حاتم في (تقدمة الجرح والتعديل ) : "وإذا قيل:"شيخ" فهو بالمنزلة الثالثه،يكتب حديثه وينظر فيه،إلا أنه دون الثانية "(14).
وقال الترمذي في"سننه" في بعض الرواة: "وهو شيخ ليس بذاك،فقال المباركفوري في كتابه (تحفة الأحوذي )(15)في شرح هذه العبارة (وهو شيخ ليس بذاك ) : "أي بذاك المقام الذي يوثق به " أي روايته ليست بقوية،كذا في الطيبي؛ وظاهره يقتضي أن قوله"وهو شيخ" للجرح،وهو مخالف لما عليه عامة أصحاب الجرح والتعديل من أن قولهم"شيخ" من ألفاظ مراتب التعديل.
فعلى هذا يجيء إشكال آخر في قول الترمذي،لأن قولهم ليس بذاك من ألفاظ الجرح اتفاقاً،فالجمع بينهما في شخص واحد جمع بين المتنافيين .
فالصواب أن يُحمل قوله"وهو شيخ" على الجرح بقرينة مقارنته بقوله"ليس بذاك" وإن كان من ألفاظ التعديل،ولإشعاره بالجرح لأنهم وإن عدوه في ألفاظ التعديل صرحوا أيضاً بإشعاره بالقرب من التجريح .
أو نقول: لا بد في كون الشخص ثقةً من شيئين: العدالة والضبط،كما بُيِّن في موضعه،فإذا وُجد في الشخص العدالةُ دون الضبط يجوز أن يعدل باعتبار الصفة الأولى ويجوز أن يجرح باعتبار الصفة الثانية،فإذا كان كذلك لا يكون الجمع بينهما جمعاً بين المتنافيين؛ كذا في قواعد التحديث السيد جمال الدين رحمه الله؛ كذا في المرقاة ) "(16).
وهذا نص عبارة ابن أبي حاتم - وهي في الجرح والتعديل حيث قال: "وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى:
فإذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبتٌ،فهو ممن يحتج بحديثه.
وإذا قيل له: إنه صدوق،أو محله الصدق،أو لا بأس به،فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.
وإذا قيل: شيخ،فهو بالمنزلة الثالثة،يكتب حديثه وينظر فيه،إلا أنه دون الثانية.
وإذا قيل: صالح الحديث،فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
وإذا أجابوا في الرجل بـ(لين الحديث ) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً.
وإذا قالوا: ليس بقوي فهو بمنزلة الأولى في كِتبة حديثه إلا أنه دونه.
وإذا قالوا: ضعيف الحديث،فهو دون الثاني،لا يطرح حديثه،بل يعتبر به.
وإذا قالوا: متروك الحديث،أو ذاهب الحديث،أو كذاب،فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه،وهي المنزلة الرابعة"(17).
قلتُ: وبعد نظري فيمن قال عنهم ( شيخ ) فقط أن أحاديثهم قليلة،وفيهم من هو حسن الحديث،وفيهم لين الحديث وفيهم المجهول،فلا نستطيع الجزم بأنه يقصد في هذه المرتبة حسن الحديث،وابن أبي حاتم فرَّق بين الثقة وبين الصدوق،وهذا يدلُّ بيقين على أن من قال فيه شيخٌ ليس هو الصدوق،فهو ما ذكرت تماماً،ومن ثم فلا يجوز تفسير كلامه بهذا الشكل غير المنضبط .(18)
2- ما قاله أبو داود السجستاني - وهو تلميذ الإمام أحمد - في رسالته لأهل مكة: " وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على أنه متصل،وهو مثل الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة والحكم عن مقسم عن ابن عباس"(19).
وقال فيها أيضاً(20):"وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء،وإذا كان في حديثه منكر بينت أنه منكر(21)وليس على نحوه في الباب غيره، ثم قال:" فإنْ ذُكِرَ لَك عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّةٌ لَيْسَ فِيمَا خَرَّجْتُه،فاعْلَم أنَّه حَدِيث واهٍ،إلَّا أَن يكون فِي كتابي من طَرِيق (آخر ) ،(فإنِّي ) لم أخرج الطّرق (بِهِ ) ،(فإنَّه يكثر ) عَلَى المتعلم،وَلَا أعرف أحدا جَمَعَ عَلَى الاستقصاءِ غَيْرِي(22)".
وَنقل النَّوَوِيّ النَّص الْمُتَقَدّم عَن أبي دَاوُد - الَّذِي (شَارك ) ابْن الصّلاح فِيهِ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد - ثمَّ قَالَ: وَهَذَا يُشْكِلُ؛ فإنَّ فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يُبَيِّنْها،مَعَ أَنَّهَا مُتَّفق عَلَى ضعفها عِنْد الْمُحدثين،كالمرسل،والمنقطع،وَرِوَايَة مَجْهُول . ك «شيخ»،و«رجل»،وَنَحْوه،فَلَا بدّ من تَأْوِيل هَذَا الْكَلَام .
قَالَ: وليعلم أَن مَا وَجَدْنَاهُ فِي «سنَنه»،وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا،وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّته أَو حسنه أحد مِمَّن يعْتَمد،وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حسن عِنْد أبي دَاوُد أَو صَحِيح،فَيحكم بِالْقدرِ الْمُحَقق،وَهُوَ أَنه حسنٌ . فإنْ نصَّ عَلَى ضعفه من يُعْتَمدُ،أَو رَأَى الْعَارِفُ فِي سَنَده مَا يَقْتَضِي الضعْف،وَلَا جابِرَ لَهُ حَكَمْنَا بضعفه .
وَقد قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: "إِن أَبَا دَاوُد يخرج الإِسنادَ الضَّعِيف إِذا لم يجدْ فِي الْبَاب غَيره؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْده من رَأْي الرِّجَال ".
وَقَالَ الْخطابِيّ: "كتاب أبي دَاوُد جَامع للصحيح وَالْحسن،وأَمَّا الضَّعِيف فإنَّه خَليٌ مِنهُ . قَالَ: وإنْ وَقع مِنهُ شيءٌ - لضربٍ من الْحَاجة - فإنَّه لَا يَأْلُو أَن يبِّين أمره،وَيذكر علته،ويَخْرُجَ من عهدته " .
قَالَ: "ويُحكى لنا عَن أبي دَاوُد أنَه قَالَ: مَا ذكرت فِي كتابي حَدِيثا اجْتمع الناسُ عَلَى تَركه ".
وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي أول «أَطْرَافه»:"صنف أَبُو دَاوُد كِتَابه الَّذِي سمَّاه «السّنَن»،فأجاد فِي تصنيفه وَأحسن،وَقصد أَن يَأْتِي فِيهِ بِمَا كَانَ صَحِيحا مشتهرًا،أَو غَرِيبا (حسنا ) مُعْتَبرا،ويطرح مَا كَانَ مطَّرحًا مستنكرًا،(ويجتنب ) مَا كَانَ شاذًّا مُنْكرا ".
قلتُ: وَمَا حَكَاهُ الْخطابِيّ فِيهِ نظر؛ فإنَّ فِي «سنَنه» أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبينها،مَعَ أنَّها ضَعِيفَةٌ كالمرسل،والمنقطع،وَرِوَايَة مَجْهُول: كشيخ،وَرجل،وَنَحْوه،كَمَا سَلَفَ .
وَأجَاب النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَنه» (عَنهُ ) : بِأَنَّهُ - (وَهُوَ ) مُخَالف أَيْضا لقَوْله: "وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَيَّنْتُه" لَمَّا كَانَ ضَعْفُ هَذَا النوعِ ظَاهرا،اسْتَغنَى بظهوره عَن التَّصْرِيح ببيانه" .
قلتُ: فعلَى كل حَال لَا بُدَّ من تَأْوِيل كَلَام أبي دَاوُد،والحقُّ فِيهِ مَا قَرَّره النَّوَوِيّ .
وَأمَّا قَول الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي: "سنَن أبي دَاوُد من الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَى صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب" فَفِيهِ تساهلٌ كبيرٌ،وتَأَوَّلَه النوويُّ عَلَى إِرَادَة الْمُعظم .(23)
ونقل ابن الصلاح في مقدمته قال: "وروينا عنه - يعني أبا داود - أيضا ما معناه أنه يذكر في كل باب أصحَّ ما عرفه في ذلك الباب"(24).
قال ابنُ الصلاحِ:" فعلى هذا ما وجدناه في كتابِهِ مذكوراً مطلقاً،وليس في واحدٍ من الصحيحينِ،ولا نَصَّ على صحتِهِ أحدٌ ممَّنْ يُميِّزُ بين الصحيحِ والحسنِ عرفناه بأنَّهُ من الحسَنِ عند أبي داودَ . وقد يكونُ في ذلك ما ليسَ بحسَنٍ عند غيرِهِ،ولا مندرجٍ فيما حقّقنا ضبطَ الحسنِ به" .
وقد اعترضَ أبو عبد اللهِ محمدُ بنُ عمرِ بنِ محمدِ الفِهريُّ الأندلسيُّ المعروفُ بابن رُشَيد،على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ فقال:" ليس يلزمُ أنْ يُستفادَ من كونِ الحديثِ لم ينصَّ عليه أبو داودَ بضَعْفٍ،ولا نَصَّ عليهِ غيرُهُ بصحةٍ أنَّ الحديثَ عند أبي داودَ حسنٌ . إذْ قد يكونُ عنده صحيحاً،وإنْ لم يكن عندَ غيرِهِ كذلك". وقال أبو الفتح اليعمريُّ:" وهذا تعقّبٌ حسنٌ"(25).
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاسَةَ:"سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يقول: كَتَبْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسَ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ،انْتَخَبْتُ مِنهَا مَا ضَمَّنْتُهُ هَذَا الكِتَابَ -يَعْنِي: كِتَابَ (السُّنَنِ ) - جمعتُ فِيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ وثمَانِي مائَةِ حَدِيْثٍ،ذَكَرْتُ الصَّحِيْحَ،وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ"(26).
وقال الذهبي:" قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: "سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ،يقول: ذَكَرْتُ فِي (السُّنَنِ ) الصَّحِيْحَ وَمَا يُقَارِبَهُ،فَإِنْ كَانَ فِيْهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ".
قُلْتُ - الذهبي-: فَقَدْ وَفَّى -رَحِمَهُ اللهُ- بِذَلِكَ بِحَسَبِ اجتِهَادِهِ،وَبَيَّنَ مَا ضَعْفُهُ شَدِيْدٌ،وَوَهْنُهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ،وَكَاسَرَ عَنْ مَا ضَعْفُهُ خَفِيْفٌ مُحْتَمَلٌ،فَلاَ يَلْزَمُ مِن سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُونَ حَسَناً عِنْدَهُ،وَلاَ سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد الحَادِث،الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِن أَقسَامِ الصَّحِيْحِ،الَّذِي يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ،أَوِ الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ،وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ،وَبَالعَكْسِ،فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ،فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ،وَلَبَقِيَ مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحَسَنِ،فَكِتَابُ أَبِي دَاوُدَ أَعْلَى مَا فِيْهِ مِنَ الثَّابِتِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ،وَذَلِكَ نَحْو مِن شَطْرِ الكِتَابِ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ،وَرَغِبَ عَنْهُ الآخَرُ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا رَغِبَا عَنْهُ،وَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّداً،سَالِماً مِن عِلَةٍ وَشُذُوْذٍ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ إِسْنَادُهُ صَالِحاً،وَقَبِلَهُ العُلَمَاءُ لِمَجِيْئِهِ مِن وَجْهَيْنِ لَيِّنَيْن فَصَاعِداً،يَعْضُدُ كُلُّ إِسْنَادٍ مِنهُمَا الآخَرُ،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا ضُعِّفَ إسنَادُهُ لِنَقْصِ حِفْظِ رَاوِيهِ،فَمِثْلُ هَذَا يُمَشِّيْهِ أَبُو دَاوُدَ،وَيَسْكُتُ عَنْهُ غَالِباً،ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ بَيِّنَ الضَّعْفِ مِن جِهَةِ رَاوِيْهِ،فَهَذَا لاَ يَسْكُتُ عَنْهُ،بَلْ يُوْهِنُهُ غَالِباً،وَقَدْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِحَسْبِ شُهْرَتِهِ وَنَكَارَتِهِ،وَاللهُ أَعْلَمُ"(27).
3 - قال ابن حجر في كتابه المحرر النفيس النكت على مقدمة ابن الصلاح حول شرط أبي داود(28): " وفي قول أبي داود: (وما كان فيه وهن شديد بينته ) ،ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد؛ أنه لا يبينه،ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي،بل هو على أقسام:
1- منه ما هو على شرط الصحيحين أو على شرط الصحة.
2- ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3- ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدًّا.
4- ومنه ما هو ضعيف،لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالباً.
وكلُّ هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها.
كما نقل ابن منده عنه: أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره،وأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
وكذلك قال ابن عبد البر: كلُّ ما سكت عليه أبو داود؛ فهو صحيح عنده،لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره.
ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر عنه: أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره.
وأصرح من هذا ما روينا عنه فيما حكاه أبو العز بن كادش(29)أنه قال لابنه: لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي؛ لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء،ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث: أني لا أخالف ما يُضَعَّف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه.(30)
ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه؛ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يقول: لَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الرَّأْيِ إلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ ..(31)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِن سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ،فَقَالَ أَبِي: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ،وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِن الرَّأْيِ(32).
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود،ولا عجبَ؛ فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد،فغير مستنكر أن يقول: قوله"(33).
قلتُ: بل إن ابن تيمية يرى أن شرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود قال في التوسل والوسيلة(34):"وَلِهَذَا نَزَّهَ أَحْمَدُ مُسْنَدَهُ عَنْ أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ يَرْوِي عَنْهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِثْلِ مَشْيَخَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ أَبُو دَاوُد يَرْوِي فِي سُنَنِهِ مِنهَا فَشَرْطُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَجْوَدُ مِن شَرْطِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ".(35)
__________
(1) 1ج/ص3-4 )
(2) - (ص37-38 )
(3) - (3/434 )
(4) - (4/627 )
(5) - والمستدرك للحاكم (8007 ) وصححه ووافقه الذهبي
(6) - هو العلامة عبد الحق .
(7) - الجرح والتعديل (8/32 ) .
(8) - كما في سنن الدارقطنى(4126 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو الأَزْهَرِ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لاَ يَرِثُ الْيَهُودِىُّ وَلاَ النَّصْرَانِىُّ الْمُسْلِمَ وَلاَ يَرِثُهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ الرَّجُلِ أَوْ أَمَتَهُ. مَوْقُوفٌ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ .
(9) - في (بيان الوهم والإيهام ) (3/538-540 ) (1318 )
(10) - نسخة دار الكتب المصرية (2/ ورقة 14أ ) ، كما في (مباحث في علم الجرح والتعديل ) (ص40 ) .
(11) ص40 )
(12) - في (نصب الراية ) (4/233 )
(13) 1/461 )
(14) 2 / 37 )
(15) 1/303-304 )
(16) - انظر معجم لسان المحدثين (ج 3 / ص 103 )
(17) - (1/1/37 )
(18) - انظر معجم لسان المحدثين (ج 5 / ص 114 ) و(منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها ) (ص154-166 ) للعاني
(19) - ص 3
(20) -(رسالة أبي داود إلى أهل مكة ت محمد الصباغ - المكتب الإسلامي - ط3 (ص25 ) فما بعدها
(21) - قال ابن رجب : "ومراده أن لم يخرج لمتروك الحديث عنده ، على ما ظهر له ، أو لمتروك متفق على تركه ، فإنه قد خرج لمن قد قيل : إنه متروك ، ومن قد قيل : إنه متهم بالكذب ، وقد كان أحمد ابن صالح المصري وغيره ، لا يتركون إلا حديث من اجتمع على ترك حديثه ، وحكَى مثله عن النسائي " شرح علل الترمذي لابن رجب (ج 1 / ص 227 )
(22) - يقصد أحاديث الأحكام
(23) - البدر المنير (ج 1 / ص 300 ) فما بعدها
(24) -(ص33 ) ومقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 5 ) الشاملة 2 والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 5 ) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 115 ) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 53 ) وشرح اختصار علوم الحديث (ج 1 / ص 95 )
(25) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 53 )
(26) - سير أعلام النبلاء (13/210 )
(27) - سير أعلام النبلاء (13/214 )
(28) - انظر : النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 435 ) وتوضيح الأفكار [ج1 -ص 205 -210] وفتح المغيث [ ج1 -ص 80 ] وتوجيه النظر إلى أصول الأثر [ج1 -ص 368 ]
(29) - هو أحمد بن عبيد الله بن كادش (أبو العز ) محدث من شيوخ ابن عساكر خرج وألّف توفي سنة 556. لسان الميزان (1/218 ) ، معجم المؤلفين (1/308 )
(30) - حكى أبو موسى المديني المتوفى سنة 581 هذه الرواية في خصائص المسند (ص27 ) من الجزء الأول من مسند أحمد تحقيق أحمد محمد شاكر ثم ردها ثم قال: "فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف".
(31) - انظر جامع بيان العلم (2/170 ) .
(32) - الأحكام لابن حزم (ج 6 / ص 792 ) وإعلام الموقعين (ج 1 / ص 76 ) وإيقاظ همم أولي الأبصار (ج 1 / ص 119 )
(33) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 13 ) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 76 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 437 )
(34) ص82 ) طبعة دار العروبة ومجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250 )
(35) - هذا وقد نقل الصنعاني هذه الأقوال قول ابن منده وابن عبد البر وأبي العز ابن كادش والنجم الطوفي. انظر توضيح الأفكار (1/197- 198 ) . وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 145 )(1/20)
وقال ابن حجر متابعاً كلامه(1):"ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتجُّ بكل ما سكت عليه أبو داود،فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها؛ مثل: ابن لهيعة،وصالح مولى التوأمة،وعبد الله بن محمد بن عقيل(2)،وموسى بن وردان،وسلمة بن الفضل،ودلهم بن صالح،وغيرهم(3).
فلا ينبغي للناقد أن يقلِّده في السكوت على أحاديثهم،ويتابعه في الاحتجاج بهم،بل طريقه أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع،فيعتضد به؟ أو هو غريب،فيتوقف فيه؟ لا سيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه؛ فإنه ينحطًّ إلى قبيل المنكر.
وقد يخرج لمن هو أضعفُ من هؤلاء بكثير؛ كالحارث بن وجيه،وصدقة الدقيقي،وعثمان بن واقد العمري،ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني،وأبي جناب الكلبي،وسليمان بن أرقم،وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة،وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك مافيه من الأسانيد المنقطعة،وأحاديث المدلِّسين بالعنعنة،والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم.
فلا يتجهُ الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته: تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه،وتارة يكون لذهول منه،وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما،وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه -وهو الأكثر-؛ فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه من طريق الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ ». فإنه تكلم عليه في بعض الروايات،فقال: « الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ.؛ »،(4)وفي بعضها اقتصر على بعض هذا،وفي بعضها لم يتكلم فيه.
وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج «السنن»،ويسكت عنه فيها،ومن أمثلته ما رواه في «السنن» من طريق مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِىِّ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ قَالَ:انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِى حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ فَكَانَ مِن حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ:مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِن غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِى السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ وَقَالَ:« إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِى أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ ».(5)؛ لم يتكلم عليه في «السنن»،ولما ذكره في«كتاب التفرد»؛ قال: «لم يتابع أحد محمد بن ثابت على هذا»،ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: «هو حديث منكر».
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام؛ ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة؛ منها-وهو ثالث حديث في كتابه-: سنن أبى داود(3 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِى شَيْخٌ قَالَ:لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ فَكَانَ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِى مُوسَى فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِى مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنِّى كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِى أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ثُمَّ قَالَ: - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا ».(6)؛ لم يتكلم عليه في جميع الروايات،وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصوابُ: عدمُ الاعتماد على مجرد سكوته،لما وصفنا أنه يحتجُّ بالأحاديث الضعيفة،ويقدِّمها على القياس،إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك،فكيف يقلِّده فيه؟ !
وهذا جميعه إن حملنا قوله: « وما لم أقل فيه شيئاً؛ فهو صالح» على أن مراده: أنه صالح للحجة،وهو الظاهر،وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك -وهو الصلاحية: للحجة،أو للاستشهاد،أو للمتابعة-؛ فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف،ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة؛ هل فيها أفراد أم لا؟ إن وجد فيها أفراد؛ تعين الحمل على الأول،وإلا حمل على الثاني،وعلى كل تقدير؛ فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقاً،وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي فقال: في «سنن أبي داود» أحاديث ظاهرة الضعف لم يبيِّنها،مع أنّه متفق على ضعفها؛ فلا بدّ من تأويل كلامه،ثم قال: والحق أن ما وجدناه في «سننه» مما لم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد؛ فهو حسن،وإن نص على ضعفه من يعتمد،أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له؛ حكم بضعفه،ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود.(7)
قلت: وهذا هو التحقيق،لكنه خالف في مواضع من «شرح المهذب» وغيره من تصانيفه،فاحتجَّ بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها،فلا يغتر بذلك،والله أعلم» ا.هـ. كلام الحافظ ابن حجر بطوله(8).
قلتُ: وهذا مثال لتصرف الإمام النووي،قال في شرح المهذب:"وَدَلِيلُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ حَدِيثُ الْمُسَوَّرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بْنُ يَزِيدَ الْمَالِكِيُّ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه قَالَ:" { شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصَّلَوَاتِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقَالَ:لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا ؟ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ , وَلَمْ يُضَعِّفْهُ , وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ "(9).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 146 )
(2) - قلت : قد ناقض نفسه ، فقد قال في التقريب عن عبد الله بن محمد بن عقيل الهاشمي ، صدوق فيه لين وحسن له في التغليق 4/461 و تغليق التعليق (ج 3 / ص 155 ) الشاملة 2 وفي التلخيص الحبير 2/17 والتلخيص الحبير (ج 2 / ص 255 ) (745 ) الشاملة 2
وقال موضحاً حاله في موضع آخر من التلخيص الحبير : " وَابْنُ عَقِيلٍ سيء الْحِفْظِ يَصْلُحُ حَدِيثُهُ لِلْمُتَابَعَاتِ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ فَيَحْسُنُ وَأَمَّا إذَا خَالَفَ فَلَا يُقْبَلُ " 2/108 و التلخيص الحبير (ج 2 / ص 255 ) دار الكتب العلمية
قلت : وهذا يفيد أن أن من كان صدوقاً سيء الحفظ ، فحديثه حسن إذا انفرد ،أما إن حديث عبد الله بن محمد هذا فلا يصلح إلا للمتابعات ، ففي هذا القول نظر ، بل هو يصلح للاحتجاج ، وقد احتجَّ به أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو بكر الحميدي ، وصحح له أحمد ، وقد احتجَّ ابن حجر نفسه بمن هو دون ابن عقيل .
(3) - قلت معظم هؤلاء رواة مختلف فيهم جرحاً وتعديلاً ، والصواب أن حديثهم حسن إلا إذا ثبت أنهم أخطؤوا فيه ولم يعضد . انظر كتابي الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب _المرتبة الخامسة من قال فيه صدوق سيء الحفظ أو يهم أو يخطئ ... ( الراوي المختلف فيه ) -المطلب الثالث -أمثلة كثيرة عن أصحاب هذه المرتبة تبين حالهم
(4) - سنن أبى داود(248 )
(5) - قلت : بل تكلم عليه فقال : قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِى التَّيَمُّمِ، قَالَ ابْنُ دَاسَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يُتَابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَوَوْهُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ.سنن أبى داود(330 )
(6) - الدمث : الأرض السهلة الرخوة = يرتاد : يطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله
(7) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 72 ) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 444 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 199 )
(8) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 445 ) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 199 ) وقواعد في علوم الحديث للتهانوي - تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله ص 85
(9) - المجموع 4/138، والحديث في سنن أبى داود(907 ) وهو حديث حسن ، وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده يحيى بن كثير الكاهلي، قال الحافظ فيه لين الحديث. تقريب 2/356.
وانظر الأماكن التالية المجموع شرح المهذب (ج 2 / ص 77 ) و(ج 4 / ص 99 ) و(ج 5 / ص 8 ) و(ج 6 / ص 48 ) و(ج 8 / ص 56 ) لم يضعف أبو داود هذا الحديث فهو حسن عنده(1/21)
4- الردُّ على ابن القيم والخطيب حول ظنهما أن المقصود بالضعيف - عند المتقدمين- هو الحسَنُ عندَ المتأخرين .
وهذا غير مسلَّم،إذ أنَّ إطلاق الحسَن على الحديث وعلى الراوي أيضا واردٌ على لسان عدد من العلماء السابقين للإمام الترمذي من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه،بل ورد هذا الإطلاق على لسان الإمام أحمد نفسه، قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح:" وأمَّا علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في مسندهِ وفي علله،وظاهرُ عبارته قصدُ المعنى الاصطلاحي،وكأنهُ الإمام السابقُ لهذا الاصطلاح،وعنه أخذ البخاريُّ ويعقوب بن شيبة وغيرُ واحد،وعن البخاريِّ أخذَ الترمذيُّ " .(1)
ولهذا قال ابن الصلاح:" ويوجدُ -أي التعبير بالحسن الاصطلاحي- في متفرقاتٍ من كلام مشايخ الترمذي،والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما"(2)
وقد عبَّر الإمامُ أحمد بالحسن عما هو حسن اصطلاحاً،فقد قال في ابن إسحاق -صاحب المغازي - حسَنُ الحديث كما في الميزان للذهبي(3)،ولم يردْ أنه ثقةُ الحديث بدليل ما قاله فيه:هو كثير التدليس جدا،قيل له فإذا قال أخبرني وحدثني فهو ثقة ؟ قال:"هو يقول: ( أخبرني ) ويخالف"،وظاهرٌ أنَّ هذا الكلام لا يقوله الإمام أحمد فيمن يعتبرهُ ثقةً صحيحَ الحديثِ.
وهذا أمثلة من كلام الإمام أحمد:
- قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سألت أحمد , يعني ابن حنبل , عن حارثة بن مضرب . فقال: هو حسن الحديث. (الجرح والتعديل ) 3/ (1137 ) .
وقال أبو داود: سمعت أحمد . قال: زيد بن أبي أنيسة , ليس به بأس. (سؤالاته ) (324 ) .
- وقال أحمد بن محمد بن هانىء: قلت لأبي عبد الله: زيد بن أبي أنيسة كيف هو عندك ؟ فقال: إن حديثه لحسن مقارب , وإن فيها لبعض النكارة،وهو على ذلك حسن الحديث. (ضعفاء العقيلي ) (519 ) .
-وقال الميموني: حدثنا أحمد. قال: حدثنا وكيع. قال: حدثنا سعيد بن السائب،حسن الحديث. (سؤالاته ) (501 ) .
-سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي،مولاهم،الكوفي،قال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث. (تهذيب التهذيب ) 4/ (90 ) .
- وقال أبو داود: سمعت أحمد. قال: سلم بن أبي الذيال،حسن الحديث،وهو صاحب رأي،ومسائل دقائق،كتبنا عن معتمر عنه كتابا،سمعت أحمد ذكره مرة أخرى. فقال: حديثه مقارب. (سؤالاته ) (493 ) .
- وقال العباس بن محمد الدوري: قال أحمد بن حنبل: سلم بن أبي الذيال،أحاديثه متقاربة،لم يرو عنه غير معتمر. (الجرح والتعديل ) 4/ (1145 ) .
-سلام بن أبي الصهباء،بصري،يكنى أبا المنذر،قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سلام أبو المنذر،حسن الحديث. (الكامل ) (768 ) .
-عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي،مولاهم،الكوفي،قال الأثرم: قلت لأحمد: سعيد،وعبد الله أخوان؟ قال: نعم. قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: كلاهما عندي حسن الحديث. (تهذيب التهذيب ) 5/ (490 ) .
-عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي،أبو عتبة الشامي،الداراني،وقال أبو داود: وسمعت أحمد قال: ابن جابر،حسن الحديث. (سؤالاته ) (279 ) .
وقال أبو داود: قيل لأحمد: فعبد الرحمن بن يزيد بن جابر؟ قال: عبد الرحمن،ليس به بأس. (سؤالاته ) (289 ) .
-فراس بن يحيى الهمداني،الخارفي،أبو يحيى الكوفيُّ المكتب،قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي وأنا أسمع عن فراس بن يحيى،وإسماعيل بن سالم،فقال: فراس أقدم موتًا بن إسماعيل،وإسماعيل أوثق منه -يعني في الحديث- فراس فيه شيء من ضعف،وإسماعيل بن سالم أحسن استقامة منه في الحديث،وأقدم سماعًا،إسماعيل سمع من سعيد بن جبير،وفراس أقدم موتًا. (العلل ) (551 ) .
وقال ابن هانئ: قلت لأبي عبد الله: أيما أحب إليك زكريا،أو فراس ؟ قال: ما فيهما إلا ثقة،وزكريا حسن الحديث. (سؤالاته ) (2167 ) .
- وقال المروذي: سألته (يعني أبا عبد الله ) عن محمد بن إسحاق كيف هو ؟ فقال: هو حسن الحديث،ولكنه إذا جمع عن رجلين،قلت: كيف ؟ قال: يحدث عن الزهري ورجل آخر،فيحمل حديث هذا على هذا،ثم قال: قال يعقوب: سمعتُ أَبي يقول: سمعت المغازي منه ثلاث مرات ينقضها ويغيرها.((سؤالاته ) ) (55 و56 و57 ) .
- وقال حرب بن إسماعيل: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: محمد بن فضيل ؟ قال: كان يتشيع،وكان حسن الحديث. (الجرح والتعديل ) 8/ (263 ) .
وقال أبو بكر الأثرم: سألته يعني أحمد بن حنبل،عن محمد بن إسحاق كيف هو ؟ فقال: هو حسن الحديث،ولقد قال مالك حين ذكره: دجال من الدجاجلة(4). ((تاريخ بغداد ) ) 1/223.
-وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أَبي يقول: كان محمد بن يونس الكديمي حسن الحديث،حسن المعرفة،ما وجد عليه إلا صحبته لسليمان الشاذكوني،ويقال: إنه ما دخل دار دميك أكذب من سليمان الشاذكوني. (تاريخ بغداد ) 3/439.
-وقال المروذي: قلت له (يعني لأبي عبد الله ) : أيما أحب إليك الحوضي،أو أبو الوليد؟ فقال: الحوضي أكيس من أبي الوليد وأثبت،كان متيقظًا،وإن كان أبو الوليد حسن الحديث عن شعبة. (سؤالاته ) (240 ) . اهـ
-ونقل الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين عن الإمام أحمد تحسين حديث ركانة في طلاق امرأته ثلاثا في مجلس واحد،فقال:" وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْإِسْنَادَ وَحَسَّنَهُ"(5).
ونقل ابن تيمية(6): عن الإمام أحمد والترمذي تحسينهما الحديث {مَن كُنْتُ مَولاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاهُ}(7)
وكذلك ما أدخله ابن الجوزي من أحاديث المسند في كتابه الموضوعات،وكذا الحافظ العراقي حيث ذكر تسعة أحاديث - فهو - وإن لم يسلَّمْ لهما بأنها موضوعة،لكن منها ما لا يرتفع إلى درجة الحسن أو الصحيح،بل هي في درجة الضعيف،ومنها ضعيف جدًّا،وقد أوضح ذلك الأئمة ابن حجر والسيوطي وابن عراق والعلامة محمد المدراسي.(8)
وكذلك أخذه رحمه الله بالضعيف في الأحكام،وأن عليه العمل،وقد ذكرنا بعضاً من ذلك قبلُ .
وكذلك روايته - في كتابه المسند،فضلاً عن غيره -عن بعض الرجال الشديدي الضعف،وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه تعجيل المنفعة أكثرهم،فقد روى عن طائفة مما قيل فيهم كذاب،يروي الموضوعات،منكر الحديث،متروك،كان يضع الحديث ... ونحو ذلك .
وها هي باختصار:
كذاب
(ا - أسد بن عمرو بن عامر البجلي و لسان الميزان[ج 1 -ص383 ] (1202 ) المسند رقم(353 )
(ا - الحسين بن عبد الله بن ضميرة الحميرى ، لسان الميزان[ج 2 -ص289 ] (1214 ) ، المسند رقم(17167 )
(ا- رشيد الهجري كوفي ،المسند رقم(7012 و7013 و7142 )
(ا - كثير بن مروان السلمي أو الفهري أبو محمد الفلسطيني. المسند رقم(18536 )
-------------
يروي الموضوعات
(ا - عمران بن أبي الفضل الأيلي ، المسند رقم(26873 )
------------
منكر الحديث
(ا - إسحاق ) بن ثعلبة أبو صفوان الحميري الحمصي، المسند رقم(20717 و20735 )
(ا - أوس ) بن عبد الله بن بريدة بن الحصيب، المسند رقم(18064و23720 )
(ا - سهل ) بن عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المسند رقم(23720 )
(ا - عامر ) بن يساف ويقال ابن عبد الله بن يساف اليمامي، المسند رقم(11086 )
(ا - عبد الله ) بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام، لسان الميزان[ج 3 -ص363 ] (1458 ) ، المسند رقم(25112 )
(ا - عبد الواحد ) بن زيد القاص أبو عبيدة البصري. المسند رقم(17585 )
(ا - عكرمة ) بن إبراهيم الباهلي. المسند رقم(451 و569 )
(ا - عمر ) بن موسى بن الوجيه الوجيهي الأنصاري الشامي،(9)
(ا - عمران ) بن أبى الفضل الأيلي ،المسند رقم(26873 )
(ا - كثير ) بن كليب الحضرمي ويقال الجهني. المسند رقم(15830 و15432 )
(ا - محمد ) بن عثيم ،المسند رقم(5024 و5025 و6016 )
(ا - يُوسُفُ بْنُ أَبِي ذَرَّةَ الأَنْصَارِيُّ. المسند رقم(13625 )
(ا - عبد الرزاق ) عن شيخ من أهل نجران عن ابن البيلمانى وهو محمد بن عثيم سماه هشام بن يوسف. المسند رقم(5023 )
وأما من قيل فيه متروك :
(ا - إبراهيم ) بن أبي الليث واسمه نصر الترمذي ،المسند رقم(18022 )
(جرير ) بن أيوب بن أبي زرعة بن هارون بن جرير البلخي الكوفي. المسند رقم(10006 )
(ا - عبد الغفار ) بن القاسم بن قيس الأنصاري أبو مريم الكوفي مشهور بكنيته المسند رقم(19117 )
(ا - عبد الواحد ) بن زيد القاص أبو عبيدة البصري. المسند رقم(17585 )
(ا - محمد ) بن عبد الرحمن بن المجبر العدوي العمري. و لسان الميزان [ج 5 -ص245 ](850 ) ، المسند رقم(1418 )
(ا - نصر ) بن باب الخراساني أبو سهل المروزي نزيل بغداد. المسند رقم(1776 و2266 و2267 و2268 و2269و.... )
(عب- أبو الجوزاء ) عن أبي بن كعب رضي الله عنه. المسند رقم(21891 و21892 )
(ا - أبو شعبة ) الطحان الكوفي جار الأعمش. المسند رقم(6339 )
--------------
كان يضع الحديث
(ا - سلمة ) بن حفص السعدي الكوفي. المسند رقم(21535 )
(ا -عبد الغفار ) بن القاسم بن قيس الأنصاري أبو مريم الكوفي، المسند رقم(19117 )
-----------------
وهذه نماذج مما ذكره في المسند مما انفرد بالرواية عنهم،ولا نذكر من قيل فيه مجهول،لا يعرف،لا شيء،ضعيف ونحو ذلك،ولا من اشترك في الرواية عنهم مع غيره من الأئمة الثلاث ( وهم أبو حنيفة مالك والشافعي ) .
1- إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني أبو إسحاق ويقال إبراهيم بن إسحاق متروك(10)،2/356 رقم(8666و8667 )
2- إبراهيم بن أبي الليث وهو متروك متهم(11)برقم(18022 ) الأزهر.
3- إسحاق بن ثعلبة أبو صفوان الحميري الحمصي عن عبد الله بن دينار الحمصي .. قال أبو حاتم مجهول منكر الحديث وقال ابن عدي وأحاديثه كلها غير محفوظة،ولم يسمع مكحول من سمرة(12)،له حديثان برقم(20717و20735 ) الأزهر
4- أوس بن عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي نزيل مرو،قال البخاري فيه نظر،وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن عدي في بعض أحاديثه مناكير وقال الدارقطني متروك،قلت: وقال الساجي منكر الحديث(13).. برقم(23720 )
5- جرير بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البلخي الكوفي قال أبو حاتم وأبو زرعة منكر زاد أبو حاتم ضعيف الحديث وهو أوثق من أخيه يحيى يكتب حديثه ولا يحتج به،وقال الساجي ضعيف الحديث جدا وقال النسائي متروك ومرة أخرى ليس بثقة ولا يكتب حديثه،وقال العقيلي منكر الحديث وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين ليس بشيء وروى عبد الله بن الدورقي عن يحيى ليس بذاك وقال أبو نعيم كان يضع الحديث، وقال البخاري منكر الحديث(14)برقم(10006 )
6- الحسين بن عبد الله بن ضميرة الحميري . كذبه مالك وقال أحمد لا يساوي شيئا متروك الحديث،وقال أبو حاتم الرازي متروك الحديث كذاب،وقال ابن معين ليس بثقة ولا مأمون،وقال البخاري منكر الحديث،وقال ابن حبان روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة،وقال أبو زرعة ليس بشيء اضرب على حديثه وقال البخاري في التاريخ الأوسط تركه علي وأحمد،وقال الدارقطني متروك وقال أبو داود: ليس بشيء وقال النسائي ليس بثقة ولا يكتب حديثه(15)برقم(17167 )
7- رُشيد الهجري كوفي،قال الدوري عن ابن معين ليس يساوي حديثه شيئا،وقال البخاري يتكلمون فيه،وقال النسائي ليس بالقوي وقال الجوزجاني كذاب(16)برقم(7012 و7013 و7142 )
8- وغير هؤلاء وأهمهم نصر بن باب الخراساني أبو سهل المروزي نزيل بغداد،قال البخاري: يرمونه بالكذب،وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان روى عنه العراقيون وأهل بلده كان ممن يتفرد عن الثقات بالمقلوبات ويروى عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ..(17)برقم (1776 و2266 و2267 و2268 و2269 و2270 و2271 و4533 و7079 و7080 و7081 و7082 و7083 و7084 و7085 و14699 و14700 و14701 و14702 و14703 و27752 ) واحد وعشرون حديثا
وهذه بعض الأسماء التي اشترك معه الترمذي وابن ماجة أو أحدهما،وبعضهم من شيوخه مقتصرين على قول الحافظ ابن حجر في التقريب عنهم:
1- حصين بن عمر الأحمسي بمهملتين الكوفي متروك من الثامنة ت(18)وأحمد برقم(529 )
2- عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير القرشي الأسدي الزبيري أبو الحارث المدني نزل بغداد متروك الحديث أفرط فيه بن معين فكذبه وكان عالما بالأخبار من الثامنة مات في حدود التسعين ت(19)(16203 و17122 و27133 و22524 و25995 و26954 و27133 و27134 و27135 و27136 و27137 و27138 و27139 و27140 و27141 و27142 و27160 و27162 و27163 و27164 و27165 ) واحد وعشرون حديثا
3- عباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن حنظلة بن رافع الأنصاري الواقفي بقاف ثم فاء البصري نزيل الموصل وقاضيها في زمن الرشيد متروك واتهمه أبو زرعة وقال ابن حبان حديثه عن البصريين أرجى من حديثه عن الكوفيين من التاسعة ق(20)(23619 )
4- عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي متروك وكان حافظا من كبار التاسعة مات سنة أربع وتسعين ت ق(21)(18102 و18440 )
5- فائد بن عبد الرحمن الكوفي أبو الورقاء العطار متروك اتهموه من صغار الخامسة بقي إلى حدود الستين ت ق(22)(19938 و19939 )
6- محمد بن القاسم الأسدي أبو القاسم الكوفي شامي الأصل لقبه كاو كذبوه من التاسعة مات سنة سبع ومائتين ت(23)(21399 و22538 )
ولعل للإمام أحمد رحمه الله العذر في روايته عن هؤلاء،فإمَّا أنه لم يثبت عنده الجرح،أو أنه لم يعرفهم،أو أنه لم يسبر أحوالهم،أو كانت روايته عنهم عند جمعه الكتاب،فعاجلته المنية قبل أن يتمكن من تنقيحه،أو أنه أمر بالضرب على حديثهم قبل موته فلم يتمَّ له ذلك .. ونحو ذلك .(24)
وأما ما أضافه ولده عبد الله بعد وفاة أبيه فلم أتعرض له،كما لم أتعرض لما هو من رجال التهذيب إلا نادرا،إذ يوجد عشرات ممن ضُعِّفَ،وقد روى رحمه الله عنهم .وكلُّ هذا دالٌّ على وجود الضعيف،بل الضعيف جدًّا في مسنده،والله تعالى أعلم .
كذلك فإنَّ روايته للأحاديث الضعيفة ووجودها في المسند:خير شاهد على أن الضعيف عنده هو الضعيف عند المحدِّثين،وفي الأجزاء الخمسة عشر التي حققها العلامة أحمد شاكر رحمه الله وفيها (8108 ) أحاديث فيها (852 ) حديثاً ضعيفا،مع أنَّ الشيخ أحمد شاكر معروف بتساهله عن عند الكثيرين، وقد حكم الشيخ شعيب الأرناؤوط على أكثر من (2400 ) حديث بضعف سندها وإسناده ضعيف جدا (124 ) حديثا،وإسناده واه (3 ) أحاديث , وحكم على أحاديث بالوضع أو شبه الوضع وعددها(8 ) ،وهذه ضعيفة بمقاييس علماء الحديث،وليست حسنة كما تصورها ابن تيمية ومن قلَّده،ويضاف لذلك ما في كتبه الأخرى،مما يدلُّ على أن الضعيف عنده هو الضعيفُ عند علماء الحديث،وإن كان الضعيفُ يتفاوتُ .
وكذلك فإنَّ أخذ الإمام أحمد بالمرسل،والحديث الضعيف،وتقديمه على القياس،بل تقديمه أقوال الصحابة رضي الله عنهم على القياس،دلالة على أن الضعيف ليس هو في درجة الحسن،كما قيل،بل لو قيل إنه يدخل الحسن في الصحيح لكان أولى،وقد سبق النقل عن أعلام الموقعين ذكر أصول الإمام أحمد،حيث جعل المرسل والحديث الضعيف هو الأصل الرابع،وقدَّمه على القياس،ومعلوم أن الحديث المرسل عند المحدِّثين يدخل في الضعيف،لكنه يقدِّمه على القياس،لأن ما نسِبَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وكان ضعيفاً أولى من الرأي.
وكذلك تقرير ابن تيمية نفسه بوجود الضعيف في مسند أحمد وكذا قال غيره من العلماء،حيث قال(25): " تَنَازَعَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الهمداني وَالشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَلْ فِي الْمُسْنَدِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ؟ فَأَنْكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْنَدِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ وَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ . فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ فِي اصْطِلَاحِ أَبِي الْفَرَجِ هُوَ الَّذِي قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ بِهِ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ بَلْ غَلِطَ فِيهِ،وَلِهَذَا رَوَى فِي كِتَابِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِن هَذَا النَّوْعِ وَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ،وَقَالُوا: إنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ،بَلْ بَيَّنُوا ثُبُوتَ بَعْضِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ .
وَأَمَّا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَمْثَالُهُ فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِالْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقَ الْمَصْنُوعَ الَّذِي تَعَمَّدَ صَاحِبُهُ الْكَذِبَ وَالْكَذِبُ كَانَ قَلِيلًا فِي السَّلَفِ." اهـ
قلتُ: وقد أنكر أبو الفرج على علماء الحنابلة الذين ردوا عليه بعدم وجود الموضوع في المسند،وشنَّع عليهم أشدَّ التشنيع،واتهمهم بأنواع من الاتهامات،وذلك في كتابه صيد الخاطر،حيث قال: " جرى بيني وبين أحد أصحاب الحديث كلام في قول الإمام أحمد: صح من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،سبع مائة ألف حديث.
فقلت له: إنما يعني به الطرق،فقال: لا بل المتون،فقلت: هذا بعيد التصور.
ثم رأيت لأبي عبد الله الحاكم كلاماً ينصر ما قال ذلك الشخص،وهو أنه قال في كتاب المدخل إلى كتاب الإكليل: كيف يجوز أن يقال: إن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغ عشرة آلاف حديث،وقد روى عنه من أصحابه أربعة آلاف رجل وامرأة صحبوه نيفاً وعشرين سنة بمكة ثم بالمدينة حفظوا أقواله وأفعاله،ونومه ويقظته وحركاته وغير ذلك سوى ما حفظوا من أحكام الشريعة.
واحتج بقول أحمد: صحَّ من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع مائة ألف حديث وكسر،وأن إسحاق بن راهويه كان يملي سبعين ألف حديث حفظاً،وأن أبا العباس بن عقدة قال: أحفظ لأهل البيت ثلاث مائة ألف حديث.
قال ابن عقدة: وظهر لابن كريب بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث.
قلت: ولا يحسن أن يشار بهذا إلى المتون. وقد عجبت كيف خفي هذا على الحاكم وهو يعلم أن أجمع المسانيد الظاهرة مسند أحمد بن حنبل،وقد طاف الدنيا مرتين حتى حصله وهو أربعون ألف حديث(26)،منها عشرة آلاف مكررة.
قال حنبل بن إسحاق: جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله،وقرأ علينا المسند،وقال لنا: هذا كتاب جمعته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين ألفاً.
فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه،فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة.
أفترى يخفى على متيقظ أنه أراد بكونه جمعه من سبعمائة ألف أنه أراد الطرق. لأن السبع مائة الألف إن كانت من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف أهملها ؟.
فإن قيل: فقد أخرج في مسنده أشياء ضعيفة. ثم أعوذ بالله أن يكون سبع مائة ألف ما تحقق منها سوى ثلاثين ألفاً.
__________
(1) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 426 )
(2) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 5 )
(3) - 3/469
(4) - قلت : كلام الإمام مالك فيه من باب جرح الأقران ، فلا يقبل.
(5) - 3/42-43 و إعلام الموقعين (ج 3 / ص 31 ) الأزهرية
(6) - في رسالته في تفضيل أبي بكر على علي رضي الله عنهما المطبوعة بحلب سنة 1372 هـ
(7) - انظر مجموع الفتاوى-(ج 4 / ص 417-418 ) وفيه "فَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهُ "،وقال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل-(ج 1 / ص 494 ) :"وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً "
قلت : بل هو حديث صحيح مشهور انظر بعض طرقه وأسانيده في المسند الجامع رقم(1814و1907و3260و3570 و4122 و7017 و10330 -10335و15467 و15485 ) 307 و الصحيحة (1750 ) وصحيح الجامع (6523 )
(8) - انظر القول المسدد وذيله ، والنكت على ابن الصلاح 1/450 وما بعد وتدريب الراوي 1/172-73 و278-281 )
(9) - وهذا حديثه مسند أحمد(20944 ) حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الزُّهْرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي قَالَا ثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْوَجِيهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةِ ثَابِتِ بْنِ الدَّحْدَاحَةِ عَلَى فَرَسٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ تَحْتَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مَعَهُ النَّاسُ وَهُمْ حَوْلَهُ قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ ثُمَّ قَامَ فَقَعَدَ عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَسِيرُ حَوْلَهُ الرِّجَالُ"
قلت : ووهم شيخنا الشيخ شعيب حيث حسَّن الحديث لذاته ، ولم يتكلم على عمر بن موسى بن الوجيه بشيء ،انظر الحديث رقم(20944 ) من المسند ط الرسالة
وفي تعجيل المنفعة[ ج 1 -ص 303 ] -777 - ا عمر بن موسى بن الوجيه الوجيهي الأنصاري الشامي عن الزهري وسماك ومكحول وقتادة وعدة وعنه بقية وابن إسحاق وآخرون، قال ابن حبان :كان يضع الحديث ،قلت :وقال :إنه حمصي وقيل دمشقي ووهم من عده كوفيا ،ويقال له أيضا الميثمي ذكره ابن عدي في الكامل وقال :إنه كان ممن يضع الحديث متنا وإسنادا ،وقال ابن معين ليس بثقة وقال في رواية إبراهيم بن الجنيد عنه: كذاب ليس بشيء ،وقال النسائي والدارقطني :متروك، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث كان يضع الحديث ،وقال البخاري: منكر الحديث ،وقال الجوزجاني :رأيتهم يذمون حديثه ....
(10) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 92 ] (228 )
(11) - لسان الميزان [ ج1 -ص 93 ] (270 )
(12) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 28 ] (36 )
(13) - تعجيل المنفعة [ ج1 -ص 43 ] (69 )
(14) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 68 ] (132 )
(15) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 96 ] (209 )
(16) - تعجيل المنفعة [ ج1 -ص 130 ] (318 )
(17) - تعجيل المنفعة [ج1 -ص 420 ] (1102 )
(18) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 170 ] برقم (1378 )
(19) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 287 ] (3096 )
(20) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 293 ] (3183 )
(21) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 417 ] (4979 )
(22) - تقريب التهذيب [ج1 -ص 444 ] (5373 )
(23) - تقريب التهذيب [ ج1 -ص 502 ] (6229 )
(24) - انظر كتاب الإمام الشافعي وأثره في الحديث وعلومه - الحديث عن مسند أحمد ، وفي بعض ما قله عنه نظر .
(25) - مجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 248 )
(26) - قلت: أقصى رواية مطبوعة لم يصل العدد فيها لثلاثين ألفاً !(1/22)
وكيف ضاعت هذه الجملة ؟ ولم أهملت وقد وصلت كلها إلى زمن أحمد فانتقى منها ورمى الباقي ؟.
وأصحاب الحديث قد كتبوا كل شيء من الموضوع والكذب.
وكذلك قال أبو داود: جمعت كتاب السنن من ستمائة ألف حديث.
ولا يحسن أن يقال: إن الصحابة الذين رووها ماتوا ولم يحدثوا بها التابعين.
فإن الأمر قد وصل إلى أحمد فأحصى سبع مائة ألف حديث،وما كان الأمر ليذهب هكذا عاجلاً.
ومعلوم أنه لو جمع الصحيح والمحال الموضوع وكل منقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغ خمسين ألفاً.
فأين الباقي ؟.
ولا يجوز أن يقال تلك الأحاديث كلام التابعين؛ فإن الفقهاء نقلوا مذاهب القوم ودونوها وأخذوا بها،ولا وجه لتركها،ففهم كل ذي لب أن الإشارة إلى الطرق،وأن ما توهمه الحاكم فاسد.
ولو عرض هذا الاعتراض عليه،وقيل له: فأين الباقي لم يكن له جواب.
لكن الفهم عزيز. والله المنعم بالتوفيق.
ومثل هذا تغفيل قوم قالوا: إن البخاري لم يخرج كل ما صحَّ عنده،وأن ما أخرج كالأنموذج،وإلا فكان يطول.
وقد ذهب إلى نحو هذا أبو بكر الإسماعيلي،وحكي عن البخاري أنه قال: ما تركت من الصحيح أكثر.
وإنما يعني الطرق،يدل على ما قلته أن الدارقطني وهو سيد الحفاظ جمع ما يلزم البخاري ومسلم إخراجه فبلغ ما لم يذكراه أحاديث يسيرة،ولو كان كما قالوا لأخرج مجلدات،ثم قوله: ما يلزم البخاري دليل صريح على ما قلته،لأنه من أخرج الأنموذج لا يلزمه شيء.
وكذلك أخرج أبو عبد الله الحاكم كتاباً جمع فيه ما يلزم البخاري إخراجه فذكر حديث الطائر فلم يلتفت الحفاظ إلى ما قال.
فما أقل فهم هؤلاء الذين شغلهم نقل الحديث عن التدقيق الذي لا يلزم في صحة الحديث،وإنما وقع لقلة الفقه والفهم.
إن البخاري ومسلم تركا أحاديث أقوام ثقات لأنهم خولفوا في الحديث،فنقص الأكثرون من الحديث وزادوا هم،ولو كان ثم فقه لعلموا أن الزيادة من الثقة مقبولة.
وتركوا أحاديث أقوام لأنهم انفردوا بالرواية عن شخص. ومعلوم أن انفراد الثقة لا عيب فيه،وتركوا من ذلك الغرائب،وكل ذلك سوء فهم.
ولهذا لم يلتزم الفقهاء هذا،فقالوا: الزيادة من الثقة مقبولة ولا يقبل القدح حتى يبين سببه.
وكل من لم يخالط الفقهاء وجهد مع المحدثين تأذى وساء فهمه. فالحمد لله الذي أنعم علينا بالحالتين"اهـ(1).
وقال أيضاً:" درجات الحديث في مسند الإمام أحمد،كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح ؟ فقلت: نعم.
فعظم ذلك على جماعة ينسبون إلى المذهب فحملت أمرهم على أنهم عوام،وأهملت فكر ذلك.
وإذا بهم قد كتبوا فتاوى،فكتب فيها جماعة من أهل خراسان،منهم أبو العلاء الهمداني يعظمون هذا القول،ويردونه ويقبحون قول من قاله.
فبقيت دهشاً متعجباً،وقلت في نفسي: واعجبا صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضاً.
وما ذاك إلا أنهم سمعوا الحديث ولم يبحثوا عن صحيحه وسقيمه،وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد.
وليس كذلك فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء.
ثم هو قد رد كثيراً مما روى ولم يقل به ولم يجعله مذهباً له.
أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ مجهول !.
ومن نظر في كتاب العلل الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند،وقد طعن فيها أحمد.
ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألة النبيذ قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر،ولم يقصد الصحيح ولا السقيم.
ويدل على ذلك أن عبد الله قال قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن حراش عن حذيفة ؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي داود ؟ قلت: نعم.
قال: الأحاديث بخلافه. قلت: فقد ذكرته في المسند. قال قصدت في المسند المشهور،فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرد لهذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير.
ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث،لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه.
قال القاضي - وقد أخبر عن نفسه - كيف طريقه في المسند فمن جعله أصلاً للصحة فقد خالفه وترك مقصده.
قلت: قد غمني في هذا الزمان أن العلماء لتقصيرهم في العلم صاروا كالعامة،وإذا مر بهم حديث موضوع قالوا قد روي.
والبكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم."(2)
بل نجد أن ابن تيمية قد طعن بأحاديث جاءت في مسند أحمد لمخالفتها لوجهة نظره،فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ خَرَجَ مِن بَيْتِهِ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ:اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَاىَ هَذَا فَإِنِّى لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلاَ بَطَرًا وَلاَ رِيَاءً وَلاَ سُمْعَةً وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِى مِنَ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِى ذُنُوبِى إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ - أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ».(3).
قال عن هذا الحديث:"وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَطِيَّةُ العوفي وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنْ كَانَ مِن كَلَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ مِن هَذَا الْبَابِ لِوَجْهَيْنِ:
- ( أَحَدُهُمَا ) لِأَنَّ فِيهِ السُّؤَالَ لِلَّهِ تَعَالَى بِحَقِّ السَّائِلِينَ وَبِحَقِّ الْمَاشِينَ فِي طَاعَتِهِ وَحَقُّ السَّائِلِينَ أَنْ يُجِيبَهُمْ وَحَقُّ الْمَاشِينَ أَنْ يُثِيبَهُمْ وَهَذَا حَقٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى شَيْئًا . وَمِنهُ قَوْله تَعَالَى: { ..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (54 ) سورة الأنعام،وقَوْله تَعَالَى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47 ) سورة الروم،.... وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ قَالَ:« هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ:« حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا » . ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ:« يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . فَقَالَ:« هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ:« حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ »(4).. وَالْعَبْدُ يَطْلُبُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوَّلًا؛ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْإِعَانَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْهِدَايَةِ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ وَبِذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْعِبَادَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ الْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الدُّعَاءَ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْعَمَلَ لَهُ سَبَبٌ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْعَبْدِ فَهُوَ كَالتَّوَسُّلِ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّالِحِينَ مِن أُمَّتِهِ،وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّالِحِ إمَّا أَنْ يَكُونَ إقْسَامًا بِهِ أَوْ سَبَبًا بِهِ،فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ" بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك" إقْسَامًا فَلَا يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ إلَّا بِهِ،وَإِنْ كَانَ سَبَبًا فَهُوَ سَبَبٌ بِمَا جَعَلَهُ هُوَ سُبْحَانَهُ سَبَبًا وَهُوَ دُعَاؤُهُ وَعِبَادَتُهُ . فَهَذَا كُلُّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِن ذَلِكَ دُعَاءٌ لَهُ بِمَخْلُوقِ مِن غَيْرِ دُعَاءٍ مِنهُ وَلَا عَمَلٍ صَالِحٍ مِنَّا .
وَإِذَا قَالَ:السَّائِلُ: أَسْأَلُك بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ أَوْ بِحَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَحَقِّ الصَّالِحِينَ؛ وَلَا يقول: لِغَيْرِهِ أَقْسَمْت عَلَيْك بِحَقِّ هَؤُلَاءِ - فَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ وَلَا يُقْسِمَ عَلَى مَخْلُوقٍ بِهِ فَكَيْفَ يُقْسِمُ عَلَى الْخَالِقِ بِهِ ؟ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْسِمُ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَسَبَّبُ بِهِ فَلَيْسَ فِي مُجَرَّدِ ذَوَاتِ هَؤُلَاءِ سَبَبٌ يُوجِبُ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ،وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِن سَبَبٍ مِنهُ كَالْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنهُمْ كَدُعَائِهِمْ . وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِن النَّاسِ تَعَوَّدُوا كَمَا تَعَوَّدُوا الْحَلِفَ بِهِمْ حَتَّى يقول: أَحَدُهُمْ: وَحَقُّك عَلَى اللَّهِ وَحُقُّ هَذِهِ الشَّيْبَةِ عَلَى اللَّهِ . وَإِذَا قَالَ:الْقَائِلُ: أَسْأَلُك بِحَقِّ فُلَانٍ أَوْ بِجَاهِهِ: أَيْ أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِي لَهُ وَهَذَا مِن أَعْظَمِ الْوَسَائِلِ . قِيلَ: مَنْ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ،لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَقْصُودَ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ،فَمَنْ قَالَ: أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِك وَبِرَسُولِك وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِإِيمَانِي بِرَسُولِك وَمَحَبَّتِي لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي ذَلِكَ.... اهـ(5)
فبان تضعيفه للحديث،وحكمه عليه،مع أنه في مسند أحمد،ونسبه هو للمسند فكيف يقال: هو حسن عنده،وقد حكم عليه أو على راويه بالضعف بالإجماع،وأنه لا تقوم به حجة ؟ والله أعلم .
ومن المعروف أن أبا داود هو تلميذ الإمام أحمد،وعنه أخذ منهجه وأسلوبه ورأيه،بل كان شرطه موافقاً لشرط أبي داود كما قال بعض أهل العلم(6).
قال ابن تيمية في المسودة(7): "وعلى هذه الطريقة التي ذكرها أحمد بنى عليه أبو داود كتاب السُّنن لمن تأمله،ولعله أخذ ذلك عن أحمد فقد بين أن مثل عبد العزيز بن أبي راود ومثل الذي فيه رجل لم يسم يعمل به إذا لم يخالفه ما هو أثبت منه. "أهـ
وعلى هذا كذلك درج أئمة الحنابلة،حيث بنوا بعض الأحكام على الأحاديث الضعيفة،وقد نصَّ الإمامُ أحمد رحمه الله نفسه على ضعفها.
قال ابن قدامة في المغني(8):" ( 130 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْوُضُوءِ .
ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَسْنُونَةٌ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ كُلِّهَا .رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِن أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ:الْخَلَّالُ الَّذِي اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ .يَعْنِي إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ .
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ،وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهَا كُلِّهَا؛ الْوُضُوءِ،وَالْغُسْلِ،وَالتَّيَمُّمِ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ »..رَوَاهُ أَبُو دَاوُد(9)،وَالتِّرْمِذِيُّ،رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَاعَةٌ مِن أَصْحَابِهِ .
قَالَ:الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ .وَقَالَ:التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحْسَنُ .وَهَذَا نَفْيٌ فِي نَكِرَةٍ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ وُضُوءُهُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّهَا طَهَارَةٌ،فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى التَّسْمِيَةِ،كَالطَّهَارَةِ مِن النَّجَاسَةِ،أَوْ عِبَادَةٌ،فَلَا تَجِبُ فِيهَا التَّسْمِيَةُ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ،وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَالْأَحَادِيثِ،قَالَ:أَحْمَدُ: لَيْسَ يَثْبُتُ فِي هَذَا حَدِيثٌ،وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: ضَعَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ فِي التَّسْمِيَةِ،وَقَالَ: أَقْوَى شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ رُبَيْحٍ - يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ - ثُمَّ ذَكَرَ رُبَيْحًا،أَيْ مَنْ هُوَ ؟ وَمَنْ أَبُوهُ ؟ فَقَالَ: يَعْنِي الَّذِي يَرْوِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ .يَعْنِي أَنَّهُمْ مَجْهُولُونَ،وَضَعَّفَ إسْنَادَهُ .
وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ وَنَفْيِ الْكَمَالِ بِدُونِهَا،كَقَوْلِهِ: « لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِى الْمَسْجِدِ »(10)أهـ
وقال أيضاً(11):" ( 188 ) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِندِيلِ مِن بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ،قَالَ:الْخَلَّالُ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّنْشِيفِ بَعْدَ الْوُضُوءِ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَخْذُ الْمِندِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عُثْمَانُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَسٌ،وَكَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَنَهَى عَنْهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَكَرِهَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَيْمُونَةَ رَوَتْ { أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اغْتَسَلَ فَأَتَيْته بِالْمِندِيلِ،فَلَمْ يُرِدْهَا،وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ.} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ(12).
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ،وَتَرْكُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ،فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ كَمَا يَفْعَلُهُ،وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ فِي "الشَّافِي" بِإِسْنَادِهِ،عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ.(13)وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ،فَقَالَ: مُنْكَرٌ مُنْكَرٌ .
وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:أَتَانَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْنَا لَهُ غِسْلاً فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِحِمَارٍ لِيَرْكَبَ فَقَالَ:« صَاحِبُ الْحِمَارِ أَحَقُّ بِصَدْرِ حِمَارِهِ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحِمَارُ لَكَ(14). إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَال: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ ...."أهـ
وقال ابن قدامة أيضاً :" ( 478 ) فَصْلٌ: فَإِنْ وَطِئَ الْحَائِضَ فِي الْفَرْجِ أَثِمَ،وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى،وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا،يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد،وَالنَّسَائِيُّ،بِإِسْنَادِهِمَا،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الَّذِى يَأْتِى امْرَأَتَهُ وَهِىَ حَائِضٌ قَالَ:« يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ».(15).
وَالثَّانِيَةُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ،وَبِهِ قَالَ:مَالِكٌ،وَأَبُو حَنِيفَةَ،وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يقول: وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً حَائِضًا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ».(16)رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ،وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْأَذَى،فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ .
وَحَدِيثُ الْكَفَّارَةِ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ،وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: فِي نَفْسِك مِنهُ شَيْءٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ مِن حَدِيثِ فُلَانٍ .أَظُنُّهُ قَالَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَالَ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّا نَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ...."(17)
وفي "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" لابن عبد الهادي(18): "ومن مذهب أحمد تقديم الحديث الضعيف على القياس،قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ليس في هذا حديث يثبت وأحسنها حديث كثير بن زيد وضعف حديث ابن حرملة وقال: أنا لا آمره بالإعادة وأرجوا أن يجزيه الوضوء لأنه ليس في هذا حديث أحكم به"(19)
وقال ابن قدامة في تعليقه على حديث صلاة التسابيح: "وَلَمْ يُثْبِتْ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِيهَا،وَلَمْ يَرَهَا مُسْتَحَبَّةً،وَإِنْ فَعَلَهَا إنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ النَّوَافِلَ وَالْفَضَائِلَ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ فِيهَا"(20).
وقال في معرض حديثه عن الكفاءة في النكاح:" ( 5194 ) فَصْلٌ: فَأَمَّا الصِّنَاعَةُ, فَفِيهَا رِوَايَتَانِ أَيْضًا؛ إحْدَاهُمَا, أَنَّهَا شَرْطٌ, فَمَنْ كَانَ مِن أَهْلِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ, كَالْحَائِكِ, وَالْحَجَّامِ, وَالْحَارِسِ, وَالْكَسَّاحِ, وَالدَّبَّاغِ, وَالْقَيِّمِ, وَالْحَمَّامِيِّ, وَالزَّبَّالِ, فَلَيْسَ بِكُفْءٍ لِبَنَاتِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ, أَوْ أَصْحَابِ الصَّنَائِعِ الْجَلِيلَةِ, كَالتِّجَارَةِ, وَالْبِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ, فَأَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ, وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: { الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ, إلَّا حَائِكًا, أَوْ حَجَّامًا }(21)
قِيلَ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَيْفَ تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ ؟ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ،يَعْنِي أَنَّهُ وَرَدَ مُوَافِقًا لِأَهْلِ الْعُرْفِ "(22).
وغير ذلك مما يدلُّ بشكل واضحٍ مدى أخذ الحنابلة بالحديث الضعيف, اتباعاً لمذهب إمامهم رحمه الله, علما بأن هذه الأحاديث قد رواها الإمام أحمد في مسنده.
-------------
وممن استعمل الحسن الاصطلاحي كذلك أبو حاتم الرازي في كتابه الجرح والتعديل كما قال مثلا في محمد بن راشد المكحولي:" قال أبي كان صدوقا حسن الحديث"(23).
وهذا أمثلة أخرى عند أبي حاتم:
-قال عبد الرحمن سمعت أبي يقول: إبراهيم بن طهمان صدوق حسن الحديث.(24)
-إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي كوفي روى عن أبيه روى عنه إسحاق بن منصور ومالك بن إسماعيل وأبو كريب وعبد الله ابن سالم القزاز سمعت أبي وأبا زرعة يقول: ان ذلك،قال وسمعت أبي يقول: يكتب حديثه وهو حسن الحديث.(25)
__________
(1) - صيد الخاطر-(ج 1 / ص 82 )
(2) - صيد الخاطر-(ج 1 / ص 100 )
(3) - سنن ابن ماجه برقم (827 ) وفيه ضعف وقد مر = الأشر : الطغيان بالنعمة =البطر : التكبر على الحق فلا يقبله
(4) - صحيح البخارى(5967 ) ومسلم (152 )
(5) - مجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 287 ) وانظر مجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 340 ) ومجموع الفتاوى-(ج 1 / ص 369 )
قلتُ:فليحملْ تصرفهم على الثاني الصحيح،وإن أخطئوا في العبارة،فلتصحح لهم،ومع هذا فقد ورد ما هو أعظم من ذلك،ولم يؤاخذهم الشارع الحكيم،فعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ.أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " صحيح مسلم (7136 ) .. فهذا لم يؤاخذه الله تعالى بما تلفَّظ به ؛ لأنه لم يقصده،فالإنسان إذا اشتدَّ فرحه لا يدري ما يقول،كما أنه إذا اشتد غضبه لا يدري ما يقول،وكذلك إذا اشتدَّ حزنه أو كربه .،فلماذا يؤاخذ المؤمنون الموحدون بما دون ذلك ؟ !.
(6) - انظر النكت على ابن الصلاح 1/437-438 وفتح المغيث 1/80
(7) - المسودة - الرقمية-(ج 1 / ص 275 )
(8) - المغني-(ج 1 / ص 174 ) و1/45-146
(9) - سنن أبى داود (102 ) ولا يصح
(10) - مر ، ولا يصح رفعه
(11) - المغني-(ج 1 / ص 245 )
(12) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى خَالَتِى مَيْمُونَةُ قَالَتْ أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا... ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ.صحيح مسلم(748 )
وعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِىَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَمَسَّهُ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِى يَنْفُضُهُ.صحيح مسلم (750 )
(13) - هو في السنن الكبرى للبيهقي(ج1 / ص185 ) 911- وقال عقبه:"أَبُو مُعَاذٍ هَذَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وروي نحوه بسند ضعيف (912 ) عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ.
(14) - مسند أحمد (24573 ) وهو ضعيف. العكن: جمع عكنة وهى ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا = الورس : نبات يستخدم لتلوين الحرير
(15) - انظر الروايات والطرق في المسند الجامع (ج 9 / ص 340 ) 6468
(16) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 198 ) (14504 ) وصحيح الجامع (5942 ) وهو حديث صحيح
(17) - المغني-(ج 2 / ص 92 )
(18) -(ج 1 / ص 66 )
(19) - وانظر الآداب الشرعية-(ج 2 / ص 409- 419 ) حيث ذكر نقولا كثيرة عنه في العمل بالحديث الضعيف
(20) - المغني-(ج 3 / ص 324 ) قلت : الحديث صحيح ، وقد صححه جمع لطرقه
(21) - انظر طرقه ومناقشتها في البدر المنير (ج 7 / ص 583 ) فما بعد
(22) - المغني-(ج 14 / ص 421 ) وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية (ج 34 / ص 276 )
(23) -7/253
(24) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 107 )
(25) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 148 )(1/23)
-سمعت أبي يقول: أبو إسرائيل الملائي حسن الحديث جيد اللقاء له أغاليط لا يحتج بحديثه(1)
-سألت أبي عن إسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار فقال: يكتب حديثه كان حسن الحديث.(2)
-حدثنا عبد الرحمن أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إلي قال سألت أحمد يعني بن حنبل - عن حارثة بن مضرب فقال: هو حسن الحديث.(3)
-حدثنا عبد الرحمن سمعت أبى يقول: حريز بن عثمان حسن الحديث.(4)
-سمعت ابى يقول: سعيد الجريرى تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح وهو حسن الحديث.(5)
- سليمان بن عامر المروزي روى عن الربيع بن أنس روى عنه أبو حجر عمرو بن رافع،حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول: ذلك وسمعته يقول: هو مستوي الحديث،حسن الحديث،صدوق لو أدرك شعبة هذا لعله كان يكتب كلامه،ألا ترى كيف يتوقى،لا يجاوز الربيع بن أنس.(6)
- نا عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول: شيبان النحوي كوفي حسن الحديث صالح الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به .(7)
- نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن طلحة بن يحيى فقال: صالح الحديث،حسن الحديث،صحيح الحديث،ثنا عبد الرحمن سالت أبا زرعة عن طلحة بن يحيى بن طلحة فقال: صالح.(8)
- سألت أبي عن أبي حريز فقال: هو حسن الحديث،ليس بمنكر الحديث يكتب حديثه.(9)
- محمد بن عبد الله المرادي روى عن عمرو بن مرة روى عنه شريك بن عبد الله النخعي سمعت أبى يقول: ذلك،نا عبد الرحمن قال:سألت أبي عنه فقال: هو شيخ لشريك حسن الحديث صدوق.اهـ(10)
وممن استعمل الحسن الاصطلاحيَّ الإمام الشافعي كما ذكره العراقي في التقيد والإيضاح(11)
وأبو زرعة الرازي وغيرهم .
ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة (ضعيف ) بالحسن؟ مع أنَّ ظاهر كلام الإمام أحمد يشير إلى أنَّ مراده بالضعيف: الضعيفُ الذي لم تتحققْ فيه شروطُ القبول،فإنه يريد أنَّ الرأيَ لا يعتدُّ به عنده ما دامَ قد نُقل في المسألة نصٌّ, ولوكانَ ضعيفاً, فإنَّ الضعيفَ خيرٌ منَ الرأي.
وقال ابن حزم:" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَيْوَنٍ الْحِجَازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يقول: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ.
حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لا يَجِدُ فِيهِ إلا صَاحِبَ حَدِيثٍ لا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِن سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ مَنْ يَسْأَلُ ؟ فَقَالَ:أَبِي: يَسْأَلُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ وَلا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِن رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ"(12).
وقال ابن القيم:"وَقَالَ:عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا: سَمِعْت أَبِي يقول: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيَّ مِن الرَّأْيِ, فَقَالَ:عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِن سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ, فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ, فَقَالَ:أَبِي: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ, وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ, ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنَ الرَّأْيِ"(13).
ولا عتب عليه في هذا التقديم والاعتبار،لأنه معلومٌ ومقررٌ أنَّ التضعيف ومثله التصحيحَ أمرٌ اجتهاديٌّ, فقد يضبطُ المغفَّلُ والمختلطُ المتغيِّرُ, وقد يحفظُ سيئ الحفظِ وهكذا .
وإذا فسرنا (الضعيفَ ) بالحَسَنِ بقسميه, فأيُّ فائدةٍ في هذا التنصيص على الأمام أحمد على أنَّ الحسنَ مقدَّمٌ على الرأي؟.
إذ أنَّ هذا أمرٌ ثابتٌ مقررٌ, فالحسَنُ حجةٌ في كافةِ وجوهِ الاحتجاجِ, وعلى كلِّ حالٍ فكلامُ الإمامِ (أحمد رحمه الله ) يحمَلُ على ظاهرهِ, وأنهُ يريدُ الضعيفَ المتوسط الضعف, وهو ما يقالُ في راويه ضعيفُ الحديث, أو مردودُ الحديث،أو منكرُ الحديث وما فوقه،مما هو إلى الحسَن أقربُ, وهو ما يقالُ في أحد رواته ليِّنَ الحديثِ،أو فيه لينٌ, وهو الملقَّب بالمشبَّه- أي المشبَّه بالحسَن من وجهٍ وبالضعيفِ من وجهٍ آخرَ- وهو إلى الحسَنِ أقربُ,والله أعلمُ(14).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 166 )
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 220 )
(3) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 255 )
(4) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 3 / ص 289 )
(5) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 2 )
(6) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 133 )
(7) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 356 )
(8) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 4 / ص 477 )
(9) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 5 / ص 35 )
(10) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 7 / ص 309 )
(11) - ص 8 و38
(12) - المحلى ج 1 / ص 131 ) مَسْأَلَةٌ : سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالدِّينِ 104
قلت : الصواب أقوى من الرأي، لأن الإمام أبي حنيفة رحمه الله يقدم الحديث الضعيف على القياس ، كما ذكر ابن حزم نفسه .
(13) - إعلام الموقعين عن رب العالمين-(ج 1 / ص 97 )
(14) - انظر كلام الشيخ محمد عوامة في قواعد في علوم الحديث ص97-109 ففيه فوائد حول موضوعنا هذا.(1/24)
5- مناقشة قول من نُسِبَ إليه المنع مطلقاً:
أمَّا الإمام البخاري, فقد أورد في كثير من التراجم في صحيحه أحاديث ليست على شرطه وهي المعلقة وفيها بعض الضعيف,وكذلك ما أورده في كتابه الأدب المفرد وكذا غيره من كتبه ففيها الكثير من الضعيف, فقد ضعف الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - حوالي (215) حديثا في الأدب المفرد إن كان ينازع في بعضها, ولكنها موجودة فيه وفي غيره من كتبه, ولو كان لا يجوِّزُ الاحتجاج بالضعيف عنده لما ذكرها في كتبه وسكت عليها, وهل يصعب عليه اختيار الصحيح وهو الذي يحفظ مائة ألف حديث صحيح ؟!!
وأما الإمام مسلم رحمه الله, فيردُّه تقسيمه الحديث إلى ثلاثة أقسامٍ, وأن يأتي بها تباعاً, أو يفرد لكل قسم منها كتاباً,حيث قال رحمه الله في مقدمة صحيحه:" إِنَّا نَعْمِدُ إِلَى جُمْلَةِ مَا أُسْنِدَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَقْسِمُهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ وَثَلاَثِ طَبَقَاتٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ تَكْرَارٍ. إِلاَّ أَنْ يَأْتِىَ مَوْضِعٌ لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ لأَنَّ الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِى الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍّ فَلاَ بُدَّ مِن إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِى فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ أَوْ أَنْ يُفَصَّلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِن جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ. وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ رُبَّمَا عَسُرَ مِن جُمْلَتِهِ فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ أَسْلَمُ فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِن إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ فَلاَ نَتَوَلَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ: فَإِنَّا نَتَوَخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الأَخْبَارَ الَّتِى هِىَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ مِن غَيْرِهَا وَأَنْقَى مِن أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِى الْحَدِيثِ وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا لَمْ يُوجَدْ فِى رِوَايَتِهِمِ اخْتِلاَفٌ شَدِيدٌ وَلاَ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ كَمَا قَدْ عُثِرَ فِيهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَانَ ذَلِكَ فِى حَدِيثِهِمْ فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِى أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ فَإِنَّ اسْمَ السِّتْرِ وَالصِّدْقِ وَتَعَاطِى الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ وَلَيْثِ بْنِ أَبِى سُلَيْمٍ وَأَضْرَابِهِمْ مِن حُمَّالِ الآثَارِ وَنُقَّالِ الأَخْبَارِ. فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلْمِ وَالسِّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرُوفِينَ فَغَيْرُهُمْ مِن أَقْرَانِهِمْ مِمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الإِتْقَانِ وَالاِسْتِقَامَةِ فِى الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَهُمْ فِى الْحَالِ وَالْمَرْتَبَةِ لأَنَّ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ أَلاَ تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ عَطَاءً وَيَزِيدَ وَلَيْثًا بِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ فِى إِتْقَانِ الْحَدِيثِ وَالاِسْتِقَامَةِ فِيهِ وَجَدْتَهُمْ مُبَايِنِينَ لَهُمْ لاَ يُدَانُونَهُمْ لاَ شَكَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِى ذَلِكَ لِلَّذِى اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ مِن صِحَّةِ حِفْظِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِتْقَانِهِمْ لِحَدِيثِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِن عَطَاءٍ وَيَزِيدَ وَلَيْثٍ وَفِى مِثْلِ مَجْرَى هَؤُلاَءِ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الأَقْرَانِ كَابْنِ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ مَعَ عَوْفِ بْنِ أَبِى جَمِيلَةَ وَأَشْعَثَ الْحُمْرَانِىِّ وَهُمَا صَاحِبَا الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ كَمَا أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا إِلاَّ أَنَّ الْبَوْنَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَيْنِ بَعِيدٌ فِى كَمَالِ الْفَضْلِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ عَنْ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّ الْحَالَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلاَءِ فِى التَّسْمِيَةِ لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً يَصْدُرُ عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِىَ عَلَيْهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ فَلاَ يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِى الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ وَلاَ يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِى الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ وَيُعْطَى كُلُّ ذِى حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله تعالى عنها - أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ. مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِن قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ) فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَمَّا مَا كَانَ مِنهَا عَنْ قَوْمٍ هُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّهَمُونَ أَوْ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنهُمْ فَلَسْنَا نَتَشَاغَلُ بِتَخْرِيجِ حَدِيثِهِمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِسْوَرٍ أَبِى جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِىِّ وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ الْقُدُّوسِ الشَّامِىِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ وَغِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو أَبِى دَاوُدَ النَّخَعِىِّ وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَتَوْلِيدِ الأَخْبَارِ. وَكَذَلِكَ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ أَوِ الْغَلَطُ أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ."(1).
فقد قسَّم الرجال إلى أربع طبقات,الثقات الأثبات, والمتوسطون, والمتهمون, والغالب على حديثهم النكارة أو الغلط, فهو لا يخرج للطبقيتين الأخيرتين, ويخرج للأولى في صحيحه, واختلف في الطبقة الثانية هل أخرج لها في الصحيح أم أراد إفراد كتاب لها فمات, أو كتبه لكن لم يقرأه على الناس ؟!!(2)
وقال إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم " إن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات:
أحدها هذا الذي قرأه على الناس .
والثاني: يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق صاحب المغازي, وأمثالهما.
والثالث:يدخل فيه من الضعفاء"(3):
وأما ما ذكر عن الإمام يحيى بن معين رحمه الله, فيردُّه ما نقلناه عنه من التفريق بين أحاديث الأحكام وأحاديث المغازي والرقائق ونحوها .
وقال عن نجيح أبو معشر المديني السندي:"هُوَ ضَعِيفٌ،يُكْتَبُ مِن حَدِيثِهِ الرِّقَاقُ،"(4)
وقال عن إدريس بن سنان:"يكتب من حديثه الرقاق"(5).
وقال عن موسى بن عبيدة الربذي:"ضعيف إلا أنه يكتب من حديثه الرقاق"(6)
وقال عن زياد البكائي صاحب المغازي:" لا بأس به في المغازي خاصة وأما في غيرها فلا"(7).
وأمَّا ما ذكر عن ابن حزم فيردُّهُ قول ابن حزم نفسه, فقد قال في المحلَّى:"وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ قَالا: ثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ السَّعْدِيُّ - قَالَ:" قَالَ:الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ - قَالَ:ابْنُ جَوَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ،ثُمَّ اتَّفَقَا: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ،وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ،وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ،وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ،وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ،إنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ،وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ"(8)
قَالَ:عَلِيٌّ: الْقُنُوتُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاءٌ،فَنَحْنُ نُحِبُّهُ.وَهَذَا الأَثَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَهُ،وَقَدْ قَالَ:أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ،قَالَ:عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَقُولُ،وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - الْقُنُوتُ بِغَيْرِ هَذَا وَالْمُسْنَدُ أَحَبُّ إلَيْنَا"(9).
يعني: المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن كان ضعيفاً حسب وجهة نظره, أحب إليه من الموقوف على صحابي, ولو كان بمثل عمر رضي الله عنه.
وأما ما نقل عن القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله:فهو - وإن نقله عامة من تكلَّم عن حكم الحديث الضعيف بأنه يذهب إلى المنع مطلقاً - وحمله بعضهم فيما إذا كان شديد الضعف - منقوضٌ بنصِّ القاضي رحمه الله؛ ذلك أن الموجود في كتبه مغايرٌ لما نقل عنه, وعند تتبع عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي, وجدنا أنه يذهب إلى العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والخير والرقائق والترغيب والترهيب, بل في المستحبات, بل في الانكفاف في العبادات, وهذه بعض النماذج:
قال رحمه الله في تعليقه على حديث" التنشيف بعد الوضوء""هذان خبران لم يصحا, وفي الصحيح عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل عندها فناولته المنديل فرده ... ثم ذكر ثلاثة أقوال في المسألة, ثم قال : والصحيح جواز التنشيف بعد الوضوء, وأما حديث ميمونة فهو حكاية حال, وقضية عين .."(10).
وقال في تعليقه على أمره - صلى الله عليه وسلم - من يستيقظ ويجد البلل ولا يذكر احتلاماً بالغسل" قد بين أبو عيسى ضعفه, لأنه مخرَّجٌ من طريق عبد الله العمري وهو ضعيف ... ثم قال: والصحيحُ وجوب الغسل إذا لم يلبسه غيره, لأنه يقطع على أنه منه اهـ(11):
وقال في تعليقه على حديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه في التأمين:" قد علل أبو عيسى حديث وائل, وليس في قول رسول الله صلى اله عليه وسلم لآمين حديث صحيح, وإنما ذكره مالك عن ابن شهاب مرسلاً كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: آمين ... ثم قال: السُّنَّة أن يقولها الإمامُ لقوله" إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا" ولرواية ابن شهاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقولها, والمرسل عندنا حجة كالمسند, لا سيما مرسل ابن شهاب ..."(12)
وهناك نماذج كثيرة(13)،وسوف نقتصر على نموذج واحدٍ فقط يوضح رأيه بشكلٍ صريحٍ لا يحتمل اللبسَ, وذلك بتصريحه بالعمل بالحديث الضعيف, مع ضعفه عنده, فقد قال في تعليقه على حديث التشميت إذا زاد على الثلاثة:" روى أبو عيسى حديثاً مجهولاً" إن شئت شمتْه وإن شئتَ فلا" وهو إن كان مجهولاً, فإنه يستحبُّ العمل به, لأنه دعاءٌ بخيرٍ, وصلةٌ للجليسِ, وتوددٌ لهُ"(14)
وبهذا يتَّضِحُ أن مذهب القاضي أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله كمذهب عامة أهل العلم, وهو جواز رواية الحديث الضعيف, وجواز العمل به ما لم يكن ضعفه شديداً كالموضوع والمتروك ونحوهما, والله أعلم(15)
قلتُ: وهذا يدلُّ على أنَّ المسالةَ موضعُ إجماعٍ عند المتقدمين على جواز العمل بالحديث الضعيف, لإيرادهم إياه في كتبهم, واحتجاجهم به, بما فيهم الإمام البخاري رحمه الله - كما ذكرتُ من قبلُ .
ـــــــــــــــ
المذهبُ الثالثُ
الشروطُ التي قيَّد بها المتأخرون العمل بالحديث الضعيفِ
يرَى أستاذُنا الخطيبُ - حفظهُ اللهُ -أنَّ هذه الشروطَ- وإنْ تحققتْ لا تقوَى على جعلِ الضعيفِ مصدراً لإثباتِ حُكْمٍ شرعيٍّ,أو فضيلةٍ خُلُقيَّةٍ, وفي رأيه أنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي توفرت فيه هذه الشروط شبهةُ استحبابِ العملِ به منْ بابِ الاحتياطِ,لا منْ بابِ الإثباتِ.
ثم إنَّ المرءَ يطمئنُّ إلى ما ثبتت صحتُه أكثرَ من اطمئنانه إلى ما تبينَ له ضعفهُ،وإنا لا نتصورُ فضيلةً خلقيةً أو أمراً في ترغيبٍ أو ترهيبٍ لا يُكتَبُ له الانتقالُ إلينا بطريقٍ صحيحٍ أو حسنٍ,أو بطرقٍ ضعيفةٍ محتملةٍ ترتقي إلى درجةِ الحسَنِ لغيرهِ - وهو أدنَى درجاتِ القبولِ - لا نتصوَّرُ هذا،بعد أنْ عرفنا الجهودَ التي بذلها العلماءُ منذُ الصدرِ الأولِ،في سبيلِ حفظِ السُّنَّة, وصيانتِها ونقلِها،وبيان صحيحِها من سقيمِها, وجمعِها في مدوناتٍ كثيرةٍ تؤكدُ أنَّ السُّنَّة قدْ حُفظتْ بعناية المسلمينَ عنايةً فائقةً جليلةً, وحسبُنا أنْ نعتمدَ في كلِّ هذا على صِحاحِ الحديثِ وحسانهِ, بعد أنْ عرفنا اختلافَ مفهومِ الضعيفِ بين القدامَى و المتأخرينَ."(16)
ويشكلُ على كلام أستاذنا أنَّ هناكَ أحاديثَ ضعيفةٍ قد ترتقي إلى درجةِ الحسَنِ لغيرها, إذا تتبعنا طرقَها - بل هناكَ أحاديثُ ضعيفةٌ لم تتَّبعْ طرقُها إلى الآن،ولو تتبعناها لوجدنا لبعضها شواهدَ تقويه - في مصادر حديثيةٍ كادتْ أنْ تنسَى.(17)
وكذلك فإنَّ خيرةَ علماءِ الحديث قد رووا هذه الأحاديثَ - كالإمام أحمد وأصحاب السنن والحاكم والطبري والبيهقي وابن حبان وغيرهم- وهم علماءُ أجلاءُ لا يجوزُ لنا أنْ نغمطَهم حقَّهم .
والراجح المذهب الثالث - وهو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم- وحكَى الاتفاقَ عليه بين العلماء الإمامُ النووي وابنُ حجر الهيثمي والشيخُ ملَّا علي القاري.(18)
وقال الحافظ العراقي في شرح ألفية الحديث:" وأمّا غيرُ الموضوعِ فجوّزوا التساهُل في إسنادِهِ وروايتِهِ من غيرِ بيانٍ لضَعْفِهِ إذا كانَ في غيرِ الأحكامِ والعقائدِ. بلْ في الترغيبِ والترهيبِ, من المواعظِ والقصصِ, وفضائلِ الأعمالِ،ونحوِها . أما إذا كانَ في الأحكامِ الشرعيةِ من الحلالِ والحرامِ وغيرِهما, أو في العقائدِ كصفاتِ اللهِ تَعَالَى, وما يجوزُ ويستحيلُ عَلَيْهِ, ونحوِ ذلكَ . فَلَمْ يَرَوا التساهلَ في ذَلِكَ . وممَّنْ نصَّ عَلَى ذَلِكَ من الأئمةِ عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ, وأحمدُ بنُ حنبلٍ, وعبدُ اللهِ بنُ المباركِ, وغيرُهُمْ "(19).
وقال ابن حجر المكيِّ:" قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال،لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أعطيَ حقَّه منَ العمل به وإلا لم يترتبْ على العمل به مفسدةُ تحليلٍ ولا تحريمٍ ولا ضياعِ حقٍّ للغير، وأشار المصنِّفُ بحكاية الإجماع على ما ذكره إلى الردِّ على مَن نازع فيه, بأن الفضائل إنما تتلقَّى منَ الشرعِ, فإثباتها بالحديثِ الضعيفِ اختراعُ عبادةٍ وشرعٌ في الدين بما لم يأذنْ بهِ اللهُ" .(20)
ووجهُ ردِّه: أنَّ الإجماع لكونه قطعياً تارةً وظنيا ظنًّا قويًّا تارةً أخرى, ولا يرَدُّ بمثل ذلك لو لم يكنْ عنه جوابٌ, فكيفَ وجوابُه واضحٌ ؟! إنَّ ذلك ليس منْ بابِ الاختراعِ, وإنما هو ابتغاءُ فضيلةٍ ورجاؤها بأمارةٍ ضعيفةٍ، منْ غيرِ ترتُّبِ مفسدةٍ عليهِ كما تقررَ ."(21)
وقال ابن حجر المكي أيضاً بعد أن سئل عن بعض الأذكار: " فينبغي ندبُ هذه التي وردت بها تلك الأحاديث على كيفية ورودها وإن لم أر من صرح بذلك, ولا يضر أن في بعض أحاديثها ضعفا, لأن الحديث الضعيف والمرسل والمعضل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا بل إجماعا على ما فيه" .(22)
وفي الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر المكي: " وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ, كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ, وَالْإِرْشَادِ"(23)
وقال في الفتاوى الفقهية الكبرى أيضاً:" وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضِلَ, وَالْمَوْقُوفَ يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إجْمَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْمَ رَجَبٍ مِن فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مَغْرُورٌ"(24)
وفي الفتاوى الفقهية الكبرى: " ( وَسُئِلَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ أَفْضَلُ مِنَ الذَّكَرِ غَيْرِ الْمَأْثُورِ وَالْمَأْثُورُ أَفْضَلُ مِنهَا مَا الْمُرَادُ بِالْمَأْثُورِ ؟
( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قِيلَ مَا أُثِرَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمَأْثُورِ عَنْ صَحَابِيٍّ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ أَلِيقَ مِنهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلِمَّا كَرِهَهَا بَعْضُهُمْ فِيهِ مُطْلَقًا قَدَّمُوا الْمَأْثُورَ وَلَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ،وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَصِحَّ سَنَدُهُ أَوْ لَا،لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوع ."(25)
ورجح أستاذنا العتر هذا المذهب وقال عنه:" إنه أوسطُ هذه المذاهب وأقواها وأعدلها, وذلك أننا إذا تأمَّلنا الشروط التي وضعها العلماءُ للعمل بالحديث الضعيف, فإننا نلاحظُ أنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي نبحث فيه لم يحكمْ بكذبِهِ،لكنْ لم يترجحْ جانبُ الإصابةِ, إنما بقي محتملاً, وهذا الاحتمال قد تقوَّى بعدم وجود معارضٍ لهُ, ولانطوائِه ضمنَ أصلٍ شرعيٍّ معمولٍ بهِ, مما يجعلُ العملَ به مستحبًّا ومقبولاً رعايةً لذلك .
أمَّا زعمُ المعارضين أن العمل بالضعيف في الفضائل اختراعُ عبادة وتشريع في الدين لما لم يأذن به الله تعالى. فقد أجاب عنه العلماء :بأن هذا الاستحبابَ معلومٌ من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين،والعملُ بالحديث الضعيف من هذا القبيل،فليس ثمة إثبات شيء من الشرع بالحديث الضعيف.
وفي رأيي أن الناظر في شروط العمل بالحديث الضعيف يجد فيها ما ينفي الزعم بأنه إثباتُ شرعٍ جديدٍ،وذلك أنهم اشترطوا أن يكون مضمونه مندرجاً تحت أصلٍ شرعي عام من أصول الشريعة الثابتة،فأصلُ الشريعة ثابتٌ بالأصل الشرعي العام،وجاء هذا الخبر الضعيف موافقا له"(26).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم 1/ص 2
(2) - انظر مكانة الصحيحين الطبعة الأخيرة وشرح مقدمة صحيح مسلم لخليل خاطر والخلاف بين القاضي عياض والحاكم والبيهقي رحمهم الله تعالى في هذه المسالة .
(3) - انظر صيانة مسلم 91 ومقدمة شرح صحيح مسلم لملا خاطر 128
(4) - سير أعلام النبلاء-(ج 3 / ص 325 )
(5) - الكامل لابن عدي-(ج 1 / ص 366 )
(6) - الكامل لابن عدي-(ج 6 / ص 334 )
(7) - من له رواية في الكتب الستة-(ج 1 / ص 411 ) وميزان الاعتدال-(ج 2 / ص 91 ) والكامل لابن عدي-(ج 3 / ص 191 ) وتاريخ ابن معين - الدارمي-(ج 1 / ص 114 )
(8) - الترمذي : الصَّلَاةِ (464 ) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1745 ) ، أبو داود : الصلاة (1425 ) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1178 ) ، أحمد (1/199 ) ، الدارمي : الصلاة (1591 ) . وهو حديث صحيح عكس ما يقول ابن حزم
(9) - المحلى ج 2 / ص 677 )
(10) - عارضة الأحوذي 1/69-70
(11) - العارضة 1/172-173
(12) - العارضة 2/48-50 وانظر فيه 1/13 لتصحيحه مرسل الزهري
(13) - انظر العارضة 2/79-80 و12-113و215-216و10/155-156
(14) - العارضة 10/205
(15) - انظر خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 79-84
(16) - أصول الحديث 353-354، وقد سبقه إلى هذا الرأي العلامة أحمد شاكر في الباعث الحثيث ص 91-92
(17) - وقد يسَّر الله لي كثيرا من ذلك في موسوعتي (موسوعة السنة النبوية ) - مخطوطة-حيث حسّنت وصححت كثيرا من الأحاديث التي كان يظنُّ أنها غير مقبولة ، وذلك بعد تتبعي لطرقها وشواهدها ، أو مناقشة سبب ضعفها .
(18) - انظر الأذكار للنووي ص 7 و217 ، والمنهل للطيف ص 13، والأجوبة الفاضلة ص 37 و42 ، ومنهج النقد في علوم الحديث ص 274 -275
(19) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 101 )
(20) - الفتح المبين ص 32
(21) - المصدر السابق
(22) - ذكره ضمن جوابه على سؤال عما في أذكار النووي من أنه يسن أن يقرأ في كل يوم يس والواقعة والدخان والسجدة وإذا زلزلت ، فهل بقي سور وآيات أخر ورد فيها نظير ذلك ؟ . الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي-(ج 1 / ص 284 )
(23) -(ج 1 / ص 468 )
(24) --(ج 3 / ص 294 )
(25) --(ج 4 / ص 1 )
(26) - منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية (ج 1 / ص 294 )(1/25)
رأيُ الجلال الدواني في الضعيف(1):
قال المحقق جلال الدين الدواني في رسالته أنموذج العلوم: "اتفقوا على أنَّ الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية(2)،ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحبُّ العملُ بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وممن صرح به النووي في كتبه لا سيما كتاب"الأذكار"(3)وفيه إشكال لأنَّ جوازَ العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الشرعيةِ الخمسة, فإذا استحبَّ العمل بمقتضى الحديث الضعيف كان ثبوتُه بالحديث الضعيف وذلك ينافي ما تقرر من عدم ثبوت الأحكام(4)بالأحاديث الضعيفة, وقد حاول بعضهم التفصي عن ذلك،وقال: إنَّ مرادَ النوويَ أنه إذا ثبت حديثٌ صحيحٌ أو حسنٌ في فضيلةِ عملٍ من الأعمالِ تجوزٌ روايةُ الحديث الضعيفِ في هذا البابِ, ولا يخفَى أنَّ هذا لا يرتبط بكلام النووي فضلاً عن أنْ يكون مرادُه, فكم من فرقٍ بين جوازِ العملِ واستحبابهِ,وبين مجردِ نقلِ الحديث,على أنهُ لو لم يثبت الحديثَ الصحيحَ أو الحسنَ في فضيلةِ عملٍ من الأعمالِ يجوزُ نقلُ الحديث الضعيف فيها،لا سيما مع التنبيه على ضعفه, ومثل ذلك في كتبِ الحديث وغيره كثيرٌ شائعٌ يشهدُ به مَنْ تتبعَ أدنى تتبع,والذي يصلحُ للتعويل أنه إذا وجدَ حديثٌ ضعيفٌ في فضيلةِ عملٍ منَ الأعمال ولم يكن هذا العملُ مما يحتمل الحرمةَ أو الكراهةَ فإنه يجوزُ العملُ به ويستحبُّ, لأنه مأمونُ الخطرِ ومرجوُّ النفعِ, إذ هو دائرٌ بين الإباحةِ والاستحبابِ،فالاحتياطُ العملُ بهِ رجاءَ الثوابِ،وأمَّا إذا دارَ بين الحرمةِ والاستحبابِ, فلا وجهَ لاستحبابِ العمل بهِ, وأمَّا إذا دارَ بين الكراهةِ والاستحبابِ فمجالُ النظرِ فيه واسعٌ, إذ في العملِ دغدغةُ الوقوعِ في المكروهِ وفي التركِ مظنةُ تركِ المستحبِّ, فلينظرْ إن كانَ خطرُ الكراهة أشدَّ بأنْ تكونَ الكراهةُ المحتملةُ شديدةً كان خطرُ الكراهةِ أضعفَ, بأن تكونَ الكراهةُ على تقديرِ وقوعِها ضعيفةً دون مرتبةِ تركِ العمل على تقدير استحبابِه, فالاحتياطُ العملُ به, وفي صورةِ المساواةِ يحتاجُُ إلى نظرٍ تامٍّ والظاهرُ أنه يستحبُّ أيضاً؛ لأنَّ المباحاتِ تصيرُ بالنيةِ عبادةٌ, فكيفَ ما فيه شبهةُ الاستحبابِ لأجلِ الحديثِ الضعيفِ ؟!!(5)
فجوازُ العملِ واستحبابُه مشروطانِ،أمَّا جوازُ العملِ فبعدمُ احتمالَ الحرمةِ وأمَّا الاستحبابُ فيما ذكر مفصلاً ..
"بقي ههنا شيءٌ وهو أنه عدمُ احتمالِ الحرمةِ فجوازُ العملِ ليس لأجل الحديثِ, إذا لم يوجدْ يجوزُ العملُ أيضاً, لأنَّ المفروضَ انتفاءٌُ الحرمة, لا يقالُ الحديثُ الضعيفُ ينفي احتمالَ الحرمةِ, لأننا نقولُ: الحديثُ الضعيفُ لا يثبتُ به شيءٌ من الأحكام الخمسةِ, وانتفاءُ الحرمةِ يستلزمُ ثبوتَ الإباحةِ, والإباحةُ حكمٌ شرعيٌّ فلا يثبتُ بالحديثِ الضعيفِ ولعل مرادَ النووي ما ذكرنا وإنما ذكر جواز العمل توطئةً للاستحبابِ .
"وحاصلُ الجوابِ أنَّ الجوازَ معلومٌ منْ خارجٍ والاستحبابَ أيضاً معلومٌ من القواعدِ الشرعيةِ الدالةِ على استحبابِ الاحتياطِ في أمر الدينِ, فلم يثبتْ شيءٌ منَ الأحكامِ بالحديثِ الضعيفِ،بل أوقعَ الحديثُ شبهةَ الاستحبابِ فصارَ الاحتياطُ أنْ يعملَ بهِ, فاستحبابُ الاحتياطِ معلومٌ منْ قواعدِ الشرعِ" انتهى
وقد ناقشَ الدواني رحمه الله الشهابُ الخفاجي في"شرح الشفا" فقال بعد نقله ملخص كلامه المذكور ما صورته: "ما قاله الجلالُ مخالفٌ لكلامِهم برمَّتهِ،وما نقله منَ الاتفاق غيرُ صحيحٍ مع ما سمعته من الأقوال - يعني في العمل بالضعيف - والاحتمالاتُ التي أبداها لا تفيدُ سوى تسويدِ وجهِ القرطاسِ،والذي أوقعَه في الحيرةِ توهُّمه أنَّ عدمَ ثبوتِ الأحكام بهِ متفقٌ عليه وأنه يلزمُ منَ العمل بهِ في الفضائلِ والترغيبِ أنه يثبتُ بهِ حكمٌ منَ الأحكام وكلاهما غيرُ صحيح, أمَّا الأولُ فلأنَّ منَ الأئمةِ منْ جوَّزَ العملَ بهِ بشروطِه وقدَّمه على القياس وأمَّا الثاني فلأنَّ ثبوتَ الفضائلِ والترغيبِ لا يلزمُه الحكمُ, ألا ترى أنه لو رويَ حديثٌ ضعيفٌ في ثوابِ بعضِ الأمورِ الثابتِ استحبابها والترغيبِ فيه،أوفي فضائلِ بعضِ الصحابةِ رضوان الله عليهمِ أو الأذكارِ المأثورةِ,لم يلزمْ مما ذكرَ ثبوتُ حكمٍ أصلاً, ولا حاجةَ لتخصيصِ الأحكامِ والأعمالِ كما توهَّم, للفرقِ الظاهرِ بين الأعمالِ وفضائلِ الأعمالِ, وإذا ظهرَ عدمُ الصوابِ،لأنَّ القوسَ في يدِ غيرِ باريها, ظهرَ أنهُ لا إشكالَ ولا خللَ ولا اختلالَ" اهـ .
وأقولُ: إنَّ للشهابِ ولعاً في المناقشة غريباً, وإنْ لم يحظَ الواقفُ عليها بطائلٍ, وتلك عادةٌ استحكمتْ منه في مصنفاتِه,كما يعلمُه مَنْ طالعها ولعله هو الذي سوَّد وجهَ القرطاسِ ههنا, إذ لا غبارَ على كلام الجلالِ وأمَّا انتقادهُ عليه بنقله الاتفاقَ على أنَّ الحديثَ الضعيفَ لا تثبتُ به الأحكامُ مع وجودِ الخلاف فيه, فلأنهُ عنى اتفاقَ مدققي النقادِ وأولى اشتراطَ الصحةِ في قبول الإسناد,كالشيخين وأضرابهما ممن أسلفنا النقل عنهما في المذهب الأول في الضعيف(6),إن لم نقل إنَّ الجلالَ لم يرَ مقابلَه مما يجدرُ سوقُه مقابلاً حتى يحكي الخلافَ فيه،وكثيراً ما يترفعُ المؤلفون عن الأقوال الواهيةِ ولو في نظرهِم فيحكونَ الاتفاقَ،ومرادُهم اتفاقُ ذوي التحقيق كما هو معلوم في المؤلفات المتداولة،وأمَّا مناقشتُه بأنَّ ثبوتَ الفضائلِ والترغيبِ لا يلزمُه الحكمُ فإلزامٌ لما لمْ يلتزمْه الجلالُ،لأنه لم يدَّعِهْ وكلامُه في الأعمال خاصةً, فمؤاخذتُه بمطلقِ الفضائلِ افتراءٌ أو مشاغبةٌ وأمَّا قوله:(ولا حاجةَ لتخصيصِ الأحكام إلى آخره ) فشطٌّ منَ القلِم إلى جداولِ الجدلِ الفاضحِ, وهلَ كلامُه إلا في الأحكامِ والأعمالِ ؟!
وتعليلُه بظهورِ الفرق بين الأعمالِ وفضائلِها غيرُ ظاهرٍ هنا لاتحادها في هذا المبحث،لأنَّ إضافةَ الأعمالِ بيانيةٌ أو منْ إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ أي الأعمالِ الفاضلةِ, فتأمل لعلكَ ترى القوسَ في يدِ الجلالِ كما رآه الجمالُ"اهـ .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 118-120 )
(2) - أي الأساسية
(3) - انظر الأذكار للنووي-(ج 1 / ص 8 )
(4) - الأساسية
(5) - لحديث عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » . صحيح البخاري (1 )
(6) - قلت : لم يثبت هذا النقل عنهما إلا عن ابن حزم رحمه الله ، ومع ذلك فله رأي آخر كمذهب الجمهور ، كما بيناه من قبل ، فارجع إليه إن شئت .(1/26)
رأيُ ابن تيمية في الحديث الضعيف
قَالَ ابن ُ تيميةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ -(1):" قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ: إذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ؛ وَإِذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ؛ وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ(2)فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ: لَيْسَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ،وَمَنْ أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ يُحِبُّ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ مِن غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ شَرَعَ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ،كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْإِيجَابَ أَوْ التَّحْرِيمَ؛ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي غَيْرِهِ, بَلْ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ الْمَشْرُوعِ.
وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ أَوْ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ؛ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ؛ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ؛ وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ؛ وَكَرَاهَةِ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا - فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ(3)جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى: أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ, كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا،فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ,وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ؛ وَمِثَالُ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بالإسرائيليات(4)؛ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ؛ وَوَقَائِعِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ؛ لَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا غَيْرِهِ,وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ؛ وَالتَّرْجِيَةِ وَالتَّخْوِيفِ .
فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ,فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ, وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا،فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزِ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا،وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ, وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ.
وَأَحْمَد إنَّمَا قَالَ: إذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ .
وَمَعْنَاهُ: أَنَّا نَرْوِي فِي ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثُوهَا مِنَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِهِمْ, فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهَا الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِثْلَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِنَابِ لِمَا كُرِهَ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ, وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ: « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً, وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ, وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(5), مَعَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلاَ تُصَدِّقُوهُمْ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ »(6). فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ, وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ, فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ, وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؛ فَالنُّفُوسُ تَنْتَفِعُ بِمَا تَظُنُّ صِدْقَهُ فِي مَوَاضِعَ, فَإِذَا تَضَمَّنَتْ أَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ الضَّعِيفَةِ تَقْدِيرًا وَتَحْدِيدًا مِثْلَ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِقِرَاءَةِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ هَذَا الْوَصْفِ الْمُعَيَّنَ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُوِيَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا،فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ فِي السُّوقِ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِن ذِكْرِ اللَّهِ بَيْنَ الْغَافِلِينَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: « ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ بَيْنَ الشَّجَرِ الْيَابِسِ »(7).
فَأَمَّا تَقْدِيرُ الثَّوَابِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ ثُبُوتُهُ وَلَا عَدَمُ ثُبُوتِهِ،وَفِي مِثْلِهِ جَاءَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: « مَنْ بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ شَيْءٌ فِيهِ فَضْلٌ فَعَمِلَ بِهِ رَجَاءَ ذَلِكَ الْفَضْلِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ »(8).
فَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ(9),ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ".
قلتُ: وهذا الكلامُ - من شيخ الإسلام ابن تيمية- كلامٌ نفيسٌ في بابه, وهو- فيما أرى- أوفى ما كتِبَ حول هذا الموضوع الخطير .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - مجموع الفتاوى-(ج 18 / ص 65-69 ) ومجموع الفتاوى-(ج 27 / ص 396 )
(2) - يعني ضعفاً يسيراً كما ذكر أكثر أهل العلم .
(3) -قلت : قد تكرر ذلك منه ومن الإمام النووي وغيرهما ، كما ذكرت من قبل ،أن ما سوى الموضوع فقط يجوز روايته والعمل به في فضائل الأعمال ، مما يدلُّ على أن هذا الشرط - أعني ألا يكون شديد الضعف - شرطٌ غير متفق عليه عندهم، وإن كان الأكثر يقول به .
(4) - الإسرائيليات :هي ما رواه مسلمة أهل الكتاب عن أنبيائهم وصالحيهم ، والمقصود بها هنا التي لا تنافي شرعنا .
(5) - صحيح البخاري (3461 )
(6) - مسند أحمد (17688 ) وهو صحيح لغيره
(7) - المعجم الكبير للطبراني (9676 ) والمعجم الأوسط للطبراني (276 ) وشعب الإيمان للبيهقي (591 و592 ) والبزار (1759 و6139 ) من طرق وهو حسن لغيره
(8) - ليس هو في الترمذي وإنما أخرجه الخطيب (8/295 ) ، والديلمي (3/559 ، رقم 5757 ) وجامع الأحاديث(ج 20 / ص 119 ) (21665 ) وإتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (5972 و7147 ) وهو حديث ضعيف
وحكم الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (ج 1 / ص 647 ) 451 بوضعه !!!
(9) - ويقصد به التشريع ، كما أنه لا يعمل به أصلاً في مسائل العقيدة .(1/27)
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله موضحا العمل بالحديث الضعيف(1):
" ويعرف منْ كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه - هؤلاء هم أهل العدالة.
ومنهم الصدوق في روايته الورع في دينه الثبت الذي يهم أحيانا وقد قبله الجهابذة النقاد - فهذا يحتج بحديثه أيضا.
ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط - فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب،ولا يحتجُّ بحديثه في الحلال والحرام.
ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلَّسها بينهم - ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب،فهذا يترك حديثه ويطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به."
قلت : وهذا يؤكد وضوح هذه القاعدة واستقرارها عند أهل العلم،فكلام ابن أبي حاتم - رحمه الله- واضح وصريح في ذلك .
ــــــــــــــــ
__________
(1) -مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(ج 1 / ص 6 )(1/28)
رأي الفتوحي المعروف بابن النجار
قال الفتوحي - رحمه الله - في شرح الكوكب المنير(1):"وَيُعْمَلُ بِـ" الْحَدِيثِ"الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُوَفَّقِ وَالأَكْثَرِ(2).
قَالَ:أَحْمَدُ:" إِذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالسُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ , وَإِذَا رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمَا لَا يَضَعُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ"(3)..
وَاسْتَحَبَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ الاجْتِمَاعَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي رِوَايَةٍ. فَدَلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لَوْ كَانَ شِعَارًا.
وَفِي"الْمُغْنِي" فِي صَلاةِ التَّسْبِيحِ:"الْفَضَائِلُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ"(4)،وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ لَيْلَةَ الْعِيدِ. فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي"أُصُولِهِ".
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى،لا يُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ صَلاةَ التَّسْبِيحِ لِضَعْفِ خَبَرِهَا عِنْدَهُ(5)،مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ مَشْهُورٌ عُمِلَ بِهِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن الأَئِمَّةِ(6)،وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَيْضًا التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْهُ(7)،مَعَ أَنَّ فِيهِ أَخْبَارًا وَآثَارًا(8).
وَغَيْرَ ذَلِكَ مِن مَسَائِلِ الْفُرُوعِ(9).
قَالَ:بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ،لا فِي إثْبَاتِ مُسْتَحَبٍّ وَلا غَيْرِهِ(10).
قَالَ:الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ. قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ،وَتَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ.
وَمِثَالُ ذَلِكَ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بِالإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَوَقَائِعِ الْعَالِمِ،وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ،لا اسْتِحْبَابٍ وَلا غَيْرِهِ. لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ،وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلاً.
وَقَالَ:فِي"شَرْحِ الْعُمْدَةِ" فِي التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ: وَالْعَمَلُ بِالضِّعَافِ إنَّمَا يَسُوغُ فِي عَمَلٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِذَا رُغِّبَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ عُمِلَ بِهِ. أَمَّا،إثْبَاتُ سُنَّةٍ فَلا.
وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ،كَابْنِ لَهِيعَةَ وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ. فَيُقَالُ لَهُ. فَيقول: أَعْرِفُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ،كَأَنِّي أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ،لا أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ(11). وَيقول: يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَيقول: الْحَدِيثُ عَنِ الْجُعْفِيِّ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ. وَقَالَ: كُنْت لا أَكْتُبُ حَدِيثَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ،ثُمَّ كَتَبْته أَعْتَبِرُ بِهِ(12). وَقَالَ:أَيْضًا: مَا أَعْجَبَ أَمْرَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ. وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ(13)مِن أَعْجَبِهُمْ،يَكْتُبُ عَنِ الرَّجُلِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ(14).
وَفِي"جَامِعِ" الْقَاضِي: أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْمَآثِمِ(15).
وَقَالَ:الْخَلاَّلُ: مَذْهَبُهُ - يَعْنِي: الإِمَامَ أَحْمَدَ - أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ:بِهِ(16).
وَقَالَ:فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ: مَذْهَبُهُ فِي الأَحَادِيثِ،إنْ كَانَتْ مُضْطَرِبَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ قَالَ:بِهَا.
وَقَالَ:أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقِي لَسْت أُخَالِفُ مَا ضَعُفَ مِنَ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ مَا يَدْفَعُهُ. اهـ
قلت : وهذا واضح تماما في نقل رأي الإمام أحمد رحمه الله في هذه المسألة،ولكن ما ذكره من أن الإمام أحمد لم يأخذ ببعض الأحاديث الضعيفة،فهذا لا يعارض مذهب أحمد،فقد يكون سبب الترك أنه قد ورد ما يعارضها فأخذ به،أو أنها تشتمل على بعض التفاصيل التي لم يرد من طريق صحيح ما يشبهها،حتى تندرج تحته .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - شرح الكوكب المنير (ج 2 / ص 569 ) فما بعدها والتحبير شرح التحرير (ج 4 / ص 1948 )
(2) - وهو المعتمد عند الأئمة.
(3) - رواه الخطيب بسنده في "الكفاية ص 134" ورواه النوفلي عن أحمد انظر: المسودة ص 273و"انظر: المجموع للنووي 1/ 59، المسودة ص 273، الكفاية ص 33، قواعد التحديث ص 113، مقدمة ابن الصلاح ص 49، تيسير التحرير 3/ 37، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97، الأجوبة الفاضلة ص 228 وما بعدها".
(4) - المغني لابن قدامة 2/ 98.
(5) - قال ابن قدامة: "فأما صلاة التسبيح، فإن أحمد قال: ما تعجبني، قيل له: لم؟ قال: ليس فيها شيء يصح، ونَفَضَ يده كالمنكر" "المغني 2/ 98".
(6) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ « يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلاَ أُعْطِيكَ أَلاَ أَمْنَحُكَ أَلاَ أَحْبُوكَ أَلاَ أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ عَشْرَ خِصَالٍ أَنْ تُصَلِّىَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِى أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِى سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِى كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى عُمُرِكَ مَرَّةً ». سنن أبى داود (1299 ) وهو حديث حسن
(7) - قال ابن قدامة: "المسنون عند أحمد: "التيمم ضربة واحدة" "المغني 1/ 179-180".
واستدل الحنابلة بما رواه أحمد أحمد (18814 ) وغيره عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يُونُسُ إِنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّيَمُّمِ فَقَالَ « ضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ ». وَقَالَ عَفَّانُ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِى التَّيَمُّمِ « ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ». (صحيح ) ، وهو قول عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق والصادق والإمامية، ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره، وهو قول عامة أهل الحديث.
(8) - منها عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :" التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ : ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ" المستدرك للحاكم (634 ) صحيح وهو قول جمهور الفقهاء. وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية (ج 14 / ص 262 )
(9) - وهو قول البخاري ومسلم وابن حزم ويحيى بن معين وأبي بكر بن العربي "انظر: قواعد التحديث ص 113، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97".
(10) - وقيل: يعمل به مطلقاً. قال السيوطي: "وعزي إلى أبي داود وأحمد، لأن ذلك عندهما أقوى من رأي الرجال"."انظر: الكفاية ص 133، قواعد التحديث ص 113، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97".
(11) - انظر: المسودة ص 274، 275.
(12) - انظر: المسودة ص 274.
(13) - انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 317
(14) - انظر: المسودة ص 274، قواعد التحديث ص 114، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97.
(15) - انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 97.
(16) - انظر: المسودة ص 273، 275، المدخل إلى مذهب أحمد 97.(1/29)
رأيٌ الأستاذ محمد الصباغ في الحديث الضعيف
قال الأستاذ محمد الصباغ في كتابه القيم الحديث النبوي:" وأحبُّ أن أبدي وجهة نظرٍ في هذا الموضوع،وهي أنني أرى أنَّ هناك فرقاً بين ما يرتضيهِ المسلمُ احتياطاً وورعاً, وبين ما يريدُ أنْ يدعوَ الناسَ إليهِ ليقيموا حياتَهُم على أساسهِ في زمانٍ يُستهدَفُ فيه المسلمونَ منْ كلِّ جانبٍ .
إنَّ التمييزَ بينَ الأمرينِ هو الذي يحتاجُ إليهُ الدعاةُ, والتفريقُ بينهُما مما تقتضيهِ مراعاةُ المنهجِ الربانيِّ السَّامي الكريمِ, الذي رسمَهُ الإسلامُ للناسِ. لقدْ رأينا أنَّ منْ شروط العملِ بالحديثِ الضعيفِ الاحتياطَ وعدمَ الاعتقاد أنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - قالَهُ .
إذنْ فالاحتياطُ هو الدافعُ الذي يحملُ على العملِ بالحديثِ الضعيفِ, ولذا فقد يبدو أنهُ مقبولٌ أنْ يلتزمَ إنسانٌ طيِّبٌ راغبٌ في الثوابِ بمضمونِ الحديثِ الضعيفِ احتياطاً لنفسِه, لا لاحتمال أنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - قدْ قالَهُ .
ولكنْ ليسَ لهُ أنْ يدعو الناسَ إلى ذلك لسببين:
الأولُ: لأنَّ الحديثَ الضعيفَ ليسَ بثابتٍ, بلِ الأغلبُ أنه ليسَ منْ كلامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فكيفَ نُلزِمُ عبادَ اللهِ بما لم يثبتْ لنا أنهُ مما شرعَهُ اللهُ ؟!! .
الآخرُ: لأنَّ قبولَ الناسِ الالتزامَ وأداءَ الواجباتِ محدودٌ, فلماذا لا نصرفُ هممَ الناسِ إلى العملِ بما صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - , وهو كثيرٌ ؟! .
وانطلاقاً منْ هذا فإنَّ الحديثَ الذي يقول العلماءُ بضعفِه نؤثرُ عدمَ إلزامِ الناسِ به, وعدمَ روايتِه لهم, إلا أنْ يحتاطَ منْ يأخذُ نفسَهُ بالقوةِ والعزمِ في أمور الدِّينِ, فهذا لهُ العمل بهِ بالشروطِ التي ذكرها الجمهورُ"(1).
قلت: مع وجاهة كلامه لكن ما ذهب إليه مخالف لقول جمهور السلف والخلف،من رواية الأحاديث الضعيفة في الفضائل والترغيب والترهيب،وجمعها في مصنفات سواء أكانت مستقلة أو مع الأحاديث المقبولة،والذي يروي هذه الأحاديث للناس لا يلزمهم بها،وإنما يرغبهم ويرهبهم،وكيف يستقيم ما ذهب إليه الأستاذ الصباغ مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً،وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(2)،وهذه الحكايات والقصص التي يرويها أهل الكتاب عن أنبيائهم وصالحيهم لا يوجد لواحدة منها إسناد ولو ضعيف - فهل من المعقول أن يسوِّغ لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرواية عن بني إسرائيل مع علمنا بتحريف كتبهم وعدم وجود إسناد لها،ثم لا يسوِّغ لنا أن نروي حديثاً ضعيفاً- ضعفاً يسيرا- لعامة الناس ؟!.
وأما أن تكون على حساب الأحاديث المقبولة،فهذا غير سائغ،ونحن معه في هذه النقطة .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - ص 275- 276
(2) - أخرجه البخاري (3461 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ(1/30)
رأيُ الشيخِ ناصر الدين الألباني ومناقشتُه
يرى الشيخُ ناصر الدين الألباني -رحمه الله -: أنه لا يحلُّ العملُ بالضعيف مطلقاً, بحجة أنه في الصحيح غنيةٌ عنِ الضعيف .
وقد مرَّ نقاشُ هذا الرأي, وكأنَّه ساوَى في كتابه ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة ) بين الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً, وبين الحديث الضعيفِ ضعفاً شديداً, وبين الموضوعِ .
وهذا- فيما أظنُّ لم يسبقْ إليه - إذ لم يدرج أحدٌ الأحاديثَ الضعيفةَ ضعفاً يسيراً مع الواهيةِ والموضوعةِ, ويحذرُ الأمةَ منْ خطرِها !!!.
ولنا على هذه السلسلة ملاحظات كثيرة أهمها:
" الأولى: أن هذا التقسيم لم يسبق إليه, فوضع الأحاديث الضعيفة ضعفاً محتملاً مع شديدة الضعف, بل الموضوعة واعتبارها قسماً واحداً, ليس قول أحدٍ من أهل العلم الذين هم المرجع في هذا الباب .
الثانية: فرّقَ أهلُ العلم بين الضعيف ضعفاً محتملاً وبين شديد الضعف والموضوع, واعتبروا لكلِّ واحد منها حكماً,فالضعيف ضعفاً يسيراً قد عملت به الأمة من قبل وهو موجود في أكثر كتب السُّنَّة والفقه والتفسير والأصول . ومنهم من عمل به مطلقاً في الأحكام وفي غيرها .. ومنهم من عمل به في فضائل الأعمال مطلقاً أو بشروط .
الثالثة: الأحاديثُ الضعيفةُ تشكِّلُ قسماً غير قليل من السُّنَّة, فإهدارها إهدار لجانب هامٍّ منَ السُّنَّة ؛لأنها توضح مجملاً أو تزيده تأكيداً وقوة, أو تحثُّ على العمل الصالح, أو تنفِّرُ من الأعمال والتصرفات السيئةِ.
الرابعة: الضعفُ أمر نسبيٌّ تبعاً لاختلاف الشروط التي وضعها أهلُ العلم, وهذا الاختلاف يؤدي بدوره إلى الاختلافِ في الحكمِ على الحديث صحةً وضعفاً .
الخامسة: قد يكونُ الحديث ضعيفاً في زمانٍ معينٍ أو مكانٍ معيَّن ٍ،لأنه لم يتحْ للناقدِ الوقوفُ على جميعِ طرقه,ثم يتاحُ لغيره من العلماء الوقوفُ على طرقهِ وشواهده بعد ذلك, فيصير حسناً لغيره,أو صحيحاً لغيره, ولابدَّ منْ ملاحظة أقوالِ النقَّادِ في التضعيف, فكثيراً ما يقيدونه بطريقٍ معيَّنٍ, فلا يكون تضعيفهم هذا شاملا للطرق الأخرى. وقد يحسُنُ أو يصحُّ بعد ذلك تبعاً لجمع طرقه وشواهده .
السادسة: التسرُّعُ في تضعيف الأحاديث وتوهينها, ليس هو منهج أهل العلم, فكيف بالحكم عليها بالوضعِ ؟! فهذا يؤدي بدوره إلى إنكار الكثير مما ثبتَ من السُّنَّة .
السابعة: عدم التزامه بالقواعد العلمية الموضوعة في هذا الفن - كما سترى - وإن ذكر في مقدمته أنه التزم بها .
الثامنة: أنه يضعِّفُ الحديثَ لأدنى شبهةٍ حتى لو كان في الصحيحين, أو صحَّحَه الأئمةُ الكبار ُ.
التاسعة: الأحاديث التي أوردها في السلسة الضعيفة على أنواع:
- قسم ٌضعَّفه وهو حسن لذاته أو لغيره:انظر الأحاديث رقم (1579 ) و (1300) و (1079 ) و (1547 ) و (1489 ) و (1711 ) و (1492 ) و (1587 ) و (1588 ) و (1715 ) و (1594 ) و (1716 ) و (1674 ) و (1745 ) و (1753 ) وغيرها كثير.
- وقسمٌ ضعَّفه وهو صحيح لذاته أو لغيره: انظر الأحاديث (1756 ) و (1702) و (1787 ) و (1730 ) و (1850 ) و (1619 ) و (1771 ) و (1921 ) و (956 ) و (397 ) و (907 ) و (1540 ) و (1533 ) و (1486 ) و (936 ) و (1007 ) و (632 ) و (13 ) و (1177 ) و (1850 ) و (1537 ) وغيرها كثير .
- وقسمٌ ضعَّفه لأنه مرسلٌ, والصوابُ أنَّ المرسلَ يعملُ به عند جماهير أهل العلم, انظر الأحاديث رقم (1702 ) و (1743 ) و (1863 ) و (275 ) و (1647 ) و (1823 ) و (1953 ) .
- وقسمٌ ضعَّفه لأنه ورد مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه, وكثير من هذا الموقوف مثله لا يقال بالرأي وهو في حكم المرفوع, انظر الأحاديث رقم (13 ) و (210 ) و (1094 ) و(1163 ) و (1657 ) و(1690 )
- وقسم ٌضعَّفه جداً, والصوابُ أنه حسن لذاته أو لغيره أو صحيح لذاته أو لغيره, أو حسنٌ مرسل, أو صحيحٌ مرسل،انظر الأحاديث (515 ) و (759 ) و (1500 و1642 ) و (1383 ) و (1544 ) و (1755 ) و (1772 ) و (1784 ) و (1995 ) و (1798 ) و (1812 ) و (1813 ) و (1835 ) و (1870 ) و (1871 ) و (1881 ) و (1828 ) .
- وقسمٌ ضعَّفه وهو في الصحيحين أو في أحدهما أو في موطأ مالك مثل الحديث رقم (1299 ) في سلسة الأحاديث الضعيفة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِن رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً،يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ،وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ » وهو في البخاري (6478 ) والفتح 11/308 ومسند أحمد(8635 ) 2/334 وجامع الأصول 11/730(9410 ) وانظر المسند الجامع - (ج 17 / ص 1341 ) (14242) !
والحديث رقم (1030 ) عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ،فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » . وهو في صحيح البخاري(136 ) وصحيح مسلم (603 ) وانظر طرقه في المسند الجامع - (ج 16 / ص 959 ) (12755 ) وقد أدخله في سلسة الأحاديث الضعيفة لمجرد إدراجٍ في آخره مختلفٍ فيه !(1)
- وقسمٌ حكم بوضعه وليس موضوعاً, فقد يكون ضعيفاً أو حسناً أو صحيحاً, أو صحيحاً موقوفاً, انظر الأحاديث (788 ) و (1302 ) و (1585 ) و (678 ) و (1676 ) و (1742 ) و (1797 ) و (163 ) و (1437 ) و (1958 ) و (139 ) و (1563 ) و (1866 ) و (1033 ) و (144 ) و (601 ) .
- وقسمٌ ضعَّفه أو ضعَّفه جداً أو حكم بضعَفه هنا, وحسنه أو صححه في كتبه الأخرى دون أن ينبه على ذلك.
كالحديث رقم (1163 ) ضعفه, وصححه في المشكاة (2831 ) !
والحديث رقم (956 ) ضعفه, وصححه في الإرواء (1803 ) !
والحديث رقم (1150 ) ضعفه, وصححه في صحيح الترمذي (2787 ) !
والحديث رقم (582 ) ضعفه, وصححه في صحيح الجامع (1385 ) والصحيحة (1128 ) !
والحديث رقم (1736 ) حكم بوضعه, وحسنه في صحيح الترمذي (2170 ) !
والحديث رقم (1324 ) ضعفه, وصححه في الإرواء 3/237-238 !
العاشرة: عدمُ تحققه من الجرح والتعديل, كتضعيفه أحاديث أبي الزبير المكي وابن إسحاق والحسن البصري إذا لم يصرحوا بالتحديث,بحجة أنهم مدلِّسون, دون أن يحقق هل الصواب تدليسهم أم لا ؟ وهل تدليسهم عام أم خاص ؟
وكذلك تضعيفه لأحاديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم بحجة أن الحافظ ابن حجر قال عنه في التقريب : صدوق في روايته عن أبي الهيثم ضعف،دون أن يرجع إلى الكتب السابقة المطوَّلة ليتأكد من ذلك انظر الأحاديث التالية (278 ) و (309 ) و (15 ) و (210 ) و (273 ) و (338 ) و (348 ) و (363 ) و (494 ) و (151 ) و (401 ) .
الحادية عشرة: تضعيفُه لأحاديث الرواة المختلف فيهم,وهم كثر كأبي صالح كاتب الليث انظر الأحاديث (228 ) و (292 ) و (475 ) وعبد الله بن لهيعة انظر الأحاديث (57 ) و (228 ) و (278 ) و (328 ) و (471 ) و (476 ) وبقية بن الوليد الحمصي انظر الأحاديث (168 ) و (229 ) و (232 ) و (341 ) و (482 ) .
أمثلة من أخطائه الجسيمة:
كقوله في ترجمة أبي صالح كاتب الليث: وإن روى له البخاري ففيه ضعف, فقد قال ابن حبان: كان في نفسه صدوقاً, وإنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له, فسمعت ابن خزيمة يقول: كان بينه وبينه عداوة, كان يضع الحديث على شيخ ابن صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله, ويرميه في داره بين كتبه, فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدِّثُ به !, ا هـ 1/19 و20 .
أقول: هذه القصة غير صحيحة لأنها ليست موصولة،والذي حدَّث بها وُلدَ بعد وفاة أبي صالح !
وكيف كان يرمي بها ثم تصل إلى كتبه وتجلس بينها ولا تميز ، فهذا من أبطل الباطل ، ولا يمكن لعاقل في الأرض يصدق به بهذا الشكل الذي رويت به .
كما أن ابن حبان متهوِّرٌ ٌفي الجرح كما سنذكره مفصلاً،راجع ترجمة عبد الله بن صالح كاتب الليث في التهذيب 5/256-261 والكامل لابن عدي 4/206-208 . والصواب أنه صدوق له أفراد, وهو من أوثق الناس رواية عن الليث .
قلت : وقد ناقض نفسه فقال في السلسلة الصحيحة(1227 ) " . قلت : و عليه فالإسناد جيد لأن راشد بن سعد ثقة اتفاقا ، و من دونه من رجال " الصحيح " ، و في عبد الله بن صالح كلام لا يضر هنا إن شاء الله تعالى "
وفي السلسلة الصحيحة (2917 ) " فالسند حسن للخلاف المعروف في محمد ابن عجلان . و أعله الهيثمي بـ ( عبد الله بن صالح ) فقال ( 2 / 81 ) : " رواه البزار ، و فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ، وثقه عبد الملك بن شعيب ابن الليث ، فقال : " ثقة مأمون " ، و ضعفه أحمد و غيره " .و توسط الحافظ فيه فذهب إلى أنه ثقة في رواية الأئمة الكبار عنه كالبخاري و أبي حاتم و نحوهما . انظر ترجمته في " مقدمة الفتح " .
وكنقله عن الهيثمي في المجمع 1/21: وفيه يحيى بن المتوكل . أبو عقيل وهو كذاب ! ا هـ .
أقول: كان عليه أن يتأكد بنفسه عن الحكم في هذا الراوي والصواب أنه ضعيف التقريب (7633 ) والكاشف (6348 )
وناقض نفسه فقال السلسلة الصحيحة (863 ) " و له شاهد من حديث عائشة بهذا اللفظ . أخرجه أحمد ( 6 / 138 ) : حدثنا وكيع قال : حدثني أبو عقيل عن بهية عنها . وأبو عقيل اسمه يحيى بن المتوكل المدني وهو ضعيف ، و بهية لا تعرف ".
وقوله في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف نقلاً عن التقريب 1/22 .
أقول: الصواب فيه أنه حسن الحديث إذا روى عن أهل بلده (المصريين ) وكان الراوي عنه ثقة .
وقد وثقه سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين في رواية والجوزجاني ويعقوب بن شيبة, ويعقوب بن سفيان, وأبو زرعة وأحمد بن صالح المصري, والبخاري, وابن وهب, وسحنون والحربي .
وضعفه يحيى وهشام بن عروة وأحمد .. علماً أنه روى عنه في المسند,ولينه أبو حاتم وأبو زرعة إذا روى عن مجاهيل, وصالح جزرة والنسائي وابن خزيمة والساجي وابن حبان وابن عدي راجع التهذيب 6/173-176 .
وقوله عن حديث (أهل الشام سوط الله .. ) رقم (3 ) ضعيف, وصحح وقفه على الصحابي خريم بن فاتك, وفاته أن مثله لا يقال بالرأي, لأن هذا الصحابي يتحدَّث عن مسألة لا تعرف بالرأي .
وكقوله 1/25 عن المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله وهو ضعيف لاختلاطه ا هـ .
دون أن يميز بين ما رواه قبل الاختلاط وما رواه بعد الاختلاط, وقد قال الحافظ في التقريب (صدوق اختلط قبل موته ) وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط - (3919 ) . وفي الكاشف (3281 ) قال ابن نمير: ثقة اختلط بآخره, وقال سي: لا بأس به, وقال مسعر: ما أعلم أحداً أعلم بعلم ابن مسعود منه .
وفي ص 1/33 قال عن روح بن صلاح: فقد ضعفه ابن عدي ... وقال بعد أن خرج له حديثين: له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة اهـ .
أقول: لم يضعفه ابن عدي, وإنما ذكره وذكر له حديثين وقال عقبهما: وهذان الحديثان بإسناديهما ليسا محفوظين, ولعل البلاء فيه من عيسى هذا فإنه ليس بمعروف - أي الراوي عن روح - ولروح ... أحاديث ليست بالكثيرة عن ابن لهيعة والليث وسعيد بن أبي أيوب, ويحيى بن أيوب وحيوة وغيرهم, وفي بعض حديثه نكرة اهـ الكامل 3/146.
وكذلك نقله عن فضيل بن مرزوق: أقوال المضعفين له دون الموثقين 1/35 نقلاً عن التهذيب ليس سديداً .
فقد قال الحافظ ابن حجر في التهذيب ما خلاصته: وثقه الثوري وابن عيينة وابن معين وأحمد وابن عدي والعجلي .. وضعفه من ذكرهم الشيخ ناصر انظر التهذيب 8/299-300 .
أقول: والصواب فيه ما قاله ابن عدي: ولفضيل أحاديث حسان وأرجو أنه لا بأس به الكامل 6/19 وقال الذهبي في الكاشف (4562 ) ثقة اهـ وقد وثقه الكبار انظر الجامع في الجرح والتعديل (3532 ) .
قلت : وناقض نفسه وحسن له في السلسلة الصحيحة (107) "قلت : مروان ثقة ، وسليمان بن موسى أبو داود الكوفي صويلح كما قال الذهبي ، و فضيل إن كان ابن مرزوق ففيه ضعف ، و إن كان ابن غزوان فهو ثقة احتج به الشيخان ، فإن كان هو راوي الحديث فهو حسن إن شاء الله تعالى " .
وفي السلسلة الصحيحة(1136 ) وأحمد ( 2 / 328 ) ". قلت : وإسناده حسن ، فإن فضيل بن مرزوق صدوق يهم كما قال الحافظ في " التقريب " .
وكقوله عن عبد الحكم بن ذكوان: "لقد عاد الشيخ إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان - له - مع اعترافه بشذوذه في ذلك كما سبق النقل عنه, هذا مع قول ابن معين في ابن ذكوان هذا: لا أعرفه, فإذا لم يعرفه إمام الجرح والتعديل فأنى لابن حبان أن يعرفه ؟! " 1/37 .
أقول: لي على كلامه - هذا -عدة ملاحظات:
الأولى: أنه لا يعتدُّ بتوثيق ابن حبان ويعتبره من المتساهلين والصواب بعكس ما يقول: , لأن ابن حبان من المتشددين في الجرح والتعديل راجع مقدمة الإحسان 1/36-40 .
الثانية: كان عليه أن يرجع إلى ترجمة عبد الحكم هذا في التهذيب مثلاً: فقد روى عنه مروان بن معاوية وأبو داود الطيالسي وأبو عمر الحوضي وقال ابن معين: لا أعرفه, وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي هو أحب إليك أم عبد الحكم القسملي ؟ فقال: هذا أستر, وذكره ابن حبان في الثقات اهـ التهذيب 6/107 وقال الذهبي في الكاشف (3133 ) وثقه البستي اهـ فالصواب أن حديثه حسن.
والثالثة: إذا لم يعرفه ابن معين وعرفه غيره فهذا أمر طبيعي, لا يمكن للإمام ابن معين ولا غيره أن يعرف كل الرجال . ولو رحت أتتبع أخطاءه في الجرح والتعديل لملأت مجلداً ضخماً .
الثانية عشرة: إكثارُه من الرد على مخالفيه ووصمهم بكل نقيصة انظر الضعيفة 1/17 و22 و23 و25 و30 و31 و33 و35 و36 و38 .
وقال الألباني في تعليقه على هذا الحديث في الضعيفة 1/76 و77(57): " لا أصل له ،ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا ، حتى قال السيوطي في " الجامع الصغير " : ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا ! .
وهذا بعيد عندي ، إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده .
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال : وليس بمعروف عند المحدثين ، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع .
وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوي " ( ق 92 / 2 )
ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء ، فقال العلامة ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " ( 5 / 64 ) بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث :
"وهذا من أفسد قول يكون ، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا ، وهذا ما لا يقوله مسلم ، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف ، وليس إلا رحمة أو سخط..."(2)
"وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيراً من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة,ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم, بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا بردِّ بعضها المخالف للدليل, وقبول البعض الآخر الموافق له،وهذا مالا يفعلونه, وبذلك نسبوا إلى الشريعة التناقض وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِن عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء, فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله, فكيف يصحُّ إذن جعله شريعة متبعة, ورحمة منزلة ؟ ".
أقول: في هذا الكلام خلط عجيب, لا أعتقد أن أحداً من السابقين يقول به, وسأذكر بعضه:
الأول: زعمه أن (معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء) ولم يورد شيئا لإثبات هذا الزعم سوى قول ابن حزم، فهل ابن حزم رحمه الله هو مرجع الأمة وحده ؟.
وهل هو ممثل العلماء ؟
وأين هم المحققون الذين استنكروا معنى هذا الكلام ؟
والصواب أنه لم يستنكره إلا ابن حزم ، وسائر أهل العلم قد ذكروه في كتبهم دون نكير .
وهنا يصف ابن حزم بالعلامة وبالتحقيق ، بينما في كتبه الأخرى يقول عنه غير ذلك ، وإليك البيان :
قال في تعليقه على الحديث " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر.." قلت : وهذا إسناد صحيح ومتابعة قوية لهشام بن عمار وصدقة بن خالد ، و لم يقف على ذلك ابن حزم في " المحلى " ، ولا في رسالته في إباحة الملاهي ، فأعل إسناد البخاري بالانقطاع بينه وبين هشام ، وبغير ذلك من العلل الواهية ، التي بينها العلماء من بعده وردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها ، مثل المحقق ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272 ) والحافظ ابن حجر في " الفتح " وغيرهما ،وقد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها ، يسر الله تبيضه و نشره .
وابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله وعقله ، فهو ليس طويل الباع في الاطلاع
على الأحاديث وطرقها ورواتها . ومن الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث . السلسلة الصحيحة(91 )
وقال في كلامه على حديث - " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة .." والآخر : أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم ، لاسيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد ، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة فكيف إذا خالف ؟ !السلسلة الصحيحة ( 204 )
وقال أيضاً " فلا يقبل بعد هذا قول ابن حزم فيه ( 8 / 196 ) : " وهو مجهول " وأعل الحديث به ، فإنه لا سلف له في ذلك ، وقد وثقه هؤلاء الأئمة ".السلسلة الصحيحة (260 )
وقال أيضاً :"وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم : ضعيف " . ومن عرف حال أبي الفتح الأزدي وما فيه من الضعف المذكور في ترجمته في " الميزان " وغيره و عرف شذوذ ابن حزم في علم الجرح عن الجماعة كمثل خروجه عنهم في الفقه لم يعتد بخلافهما لمن هم الأئمة الموثوق بهم في هذا العلم" السلسلة الصحيحة(503 )
وقال أيضا :" وفيما تقدم رد قوي على ابن حزم في قوله في " رسالة الملاهي" (ص97) : أنه لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير الآية بأنه الغناء ! قال : " وإنما هو قول بعض المفسرين ممن لا تقوم بقوله حجة " ! و مع سقوط كلامه هذا بما سبق ، فيخالفه صنيعه في " المحلى " ، فقد ساق فيه الروايات المتقدمة عن ابن مسعود وابن عباس ، وعن غيرهما من التابعين ، ولم يضعفها ، وإنما قال : " لا حجة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " !
فنقول : كلمة حق أريد بها باطل ، لأنه لم يذكر عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف تفسيرهم . ثم زعم أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين ! وهذا كالذي قبله ، فإنه لم يذكر ولا رواية واحدة مخالفة ، ولو كان لديه لسارع إلى بيانها . ثم احتج بأن الآية فيها صفة من فعلها كان كافرا . فنقول : هذا حق ، ولكن ذلك لا ينفي أن يؤاخذ المسلم بقدر ما قام فيه من تلك الصفة ، كالالتهاء بالأغاني عن القرآن . السلسلة الصحيحة (2922 )
الثاني - عدم معرفته بأسباب اختلاف الفقهاء, وقد ألفت عشرات الكتب فيها قديماً وحديثاً ككتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية رحمه الله وقد قمت بشرحه والتعليق عليه مطولا.
الثالث: يستحيل إزالة أسباب الخلاف إزالة تامة, لأنه يرجع إلى النصوص نفسها،فغالبها ليس قطعي الدلالة,بل ظني الدلالة, فكيف نرجع الخلاف إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة ؟ .
الرابع: أن الفقهاء استنبطوا أحكامهم من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس وليس من فراغ .
الخامس: لو شاء الله تعالى لجعل نصوص هذه الشريعة كلها قطعية الدلالة لا تحتمل أكثر من معنى, ولكن لم يشأ ذلك, فكيف نزيل الخلاف ؟
السادس: يعني الفقهاء بقولهم الاختلاف رحمة: أنه يوجد في المسألة الواحدة أكثر من قول والمكلَّف في سعة من أمره طالما أنه لم يبلغ درجة الاجتهاد, وهذا الاختلاف موجود منذ عهد الصحابة وسيبقى إلى قيام الساعة،ولن يستطيع أحد إزالته .
السابع: قوله أنهم يرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة اهـ وعزاه لفيض القدير 1/209 .
قلت :" قال المناوي رحمه الله:" إن اختلافهم توسعة على الناس يجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلها, لئلا تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم, ولم يكلفوا مالا طاقة لهم به, توسعة في شريعتهم السمحة السهلة, فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه الأمة, فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له, وقد وعد بوقوع ذلك, فوقع, وهو من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - , أما الاجتهاد في العقائد فضلالٌ ووبالٌ كما تقرر "1/209
وهناك فرق كبير بين كلام الشيخ ناصر وكلام المناوي ."
الثامن: منْ قال بأنَّ الشريعة متناقضةٌ ؟!،علماً أن الفقهاء يصرحون ويقولون قال أبو حنيفة:رأيي في هذه المسألة كذا, . وهكذا غيره, لذلك يقولون لك إذا سألتهم عن حكم مسألة مثلاً: هذه حلال في المذهب الشافعي, ولا يقولون من الله .. بل إن اختلاف الفقهاء هو اختلاف تنوُّع وليس اختلاف تضادٍّ .
التاسع: ما علاقة الآية القرآنية باختلاف الفقهاء،ولا سيما أنها واردة في حقِّ القرآن الكريم وليس على غيره كما هو معلوم ؟ .
العاشر: ما قاله ابن حزم غير صحيح, إذا كان الاختلاف رحمة كان الاتفاق سخطاً, فهذا الثاني غير لازم قطعاً ولا مراد,والاختلاف من طبيعة البشر والحياة والنصوص, فمن أراد أن يزيله فليغير طبيعة البشر والحياة والنصوص حتى يتسنَّى له ذلك, ولا يقدر على هذا إلا اللهُ وحده.(3)
الثالثة عشرة: تضعيفه للإمام أبي حنيفة انظر ص 390 و465 .
وهذا كلام مردود, فهؤلاء الأئمة الكبار لا يجوز الوقوع فيهم, فقد بلغوا القنطرة, ولم يذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة أبي حنيفة من التهذيب 10/449-452 حرفاً واحداً مما سوَّد به الشيخ ناصر كتابه هذا !. ولا الإمام الذهبي كذلك إلا كل خير .
__________
(1) - انظر كتابي الدفاع عن كتاب رياض الصالحين 29- (1024)
(2) - الإحكام 5/64
(3) - إذا أردت التفصيل فارجع إلى كتاب الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم للدكتور يوسف القرضاوي .
وبالجملة فهذه السلسلة لا يعتمد عليها للأخطاء الفاحشة التي وردت فيها
ــــــــــــــــ(1/31)
الفوارقُ بين الحديث الضعيف والموضوع
هناك فوارقُ كثيرةٌ بين الحديث الضعيف والموضوع منها:
? إنَّ الحديث الضعيف هو في الأصل منسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , بخلاف الموضوع فهو مكذوب مختلق مصنوع, فلا يجوز معاملتهما على حدٍّ سواء .
? إنَّ سبب ضعف الحديث هو إما سقط في السند أو لعوارض بشرية, من سوء حفظٍ أو وهم أو غلط .. بالإضافة إلى جهالة الراوي, بينما الموضوع فهو مكذوب, وملصق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - , وله أسباب مختلفة كالزندقة, ونصرة المذاهب والأهواء, والرغبة في الدعوة إلى الخير مع الجهل, والأغراض الدنيوية, في تفاصيل ذكرتها كتب الحديث،فلا يجوز أن يعاملا على أنهما واحد.
? إنَّ الحديث الضعيف تحلُّ روايته بالإجماع, لذا أدخله عامة أهل الحديث في مصنَّفاتهم, حتى الذي أفرد الصحيح أدخله فيه عدا الشيخين, فلم يدخلاه في الصحيحين إلا المعلقات, لكنهما أدخلاه في غيرهما من كتبهما, بخلاف الموضوع, فلا تجوز روايته إلا لبيان وضعه حتى يحذره الناس, فافترقا.
? إنَّ الحديث الضعيف عمل به العلماء- بالإجماع - في الفضائل والترغيب والترهيب, كما عمل به عامة أهل العلم في الأحكام إذا خلا الباب من حديث مقبول،والأمة لا تجتمع على ضلالة, بخلاف الموضوع فإنه يحرم العمل به, فافترقا.
? إنَّ علماء الحديث قد أدخلوا الحديث الضعيف في مصنفاتهم مع الصحيح والحسن, أو أفردوا بعض أصنافه في مصنفات, كالمرسل والمضعَّفِ،ولم يدخلوا الموضوع, ومن أدخله فقد عابوه, بخلاف الموضوع, فمن أفرده لم يدخل معه شيئا من الحديث الضعيف - حسب وجهة نظره - فافترقا .
? إنَّ الحديث الضعيف مندرجٌ تحت أصلٍ معمولٍ به في الشريعة, لذا يعمل به, فإن كان في الأصل كما هو,كان كذلك, وإلا فالعملُ بالأصل المعمول به, بخلاف الموضوع,فإنه مكذوب, ولا يحلُّ العمل به, فافترقا .
? إنَّ الحديث الضعيف بين الراجح والمرجوح, فإن ثبت صدقه فهو الخير وإلا فلا يضرُّ .
قال ابن تيمية وهو يتكلم عن أقسام الحديث(1):" فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا،فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزِ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ, وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ" بخلاف الموضوع, فيحرمُ العمل به, فافترقا .
? إنَّ رواية الحديث الضعيف والعمل به هو موافق لإجماع علماء الأمة منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم - الذين يرسلون ولا يسندون -حتى نهاية عصر التدوين, بخلاف الموضوع, حيث لم يعمل به أحد،لأنه يحرمُ العمل به بالإجماع, وكذا روايته إلا لبيان وضعه, فافترقا .
? نحن مأمورون بالعمل بغلبة الظنِّ, والحديثُ الضعيفُ يغلب على الظنِّ إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , حتى يقوم الدليل على نفيه, بخلاف الموضوع حيث يجزم بكذبه للقرائن التي تدلُّ عليه, كما بينت كتب علوم الحديث.
? إنَّ الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه, أو وجد له المتابع أو الشاهد فإنه يرتقي إلى مرتبة الحسن, بخلاف الموضوع, فمهما تعددت طرقه فهو مكذوب لا يحلُّ العمل به, فافترقا.
? إنَّ علماء الحديث يتساهلون في بيان ضعف الحديث, كما مرَّ لكنهم لا يجوِّزون وراية الموضوع, إلا لبيان حاله, فضلاً عن السكوت عليه, فافترقا.
? إنَّ الحديث الضعيف يوجد ما يشهد له - وهو الأصل المعمول به في الشريعة - بخلاف الموضوع, فقد دلت الدلائل على أنه مكذوب مصنوع, ولا يوجد ما يشهد له .
? إنَّ العلماء لم يختلفوا في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والرقائق والترغيب والترهيب, ولكنهم اختلفوا من حيث النظر - في العمل به في الأحكام -،وقد سبق ذلك وأن عامتهم عمل به إذا خلا الباب من حديث مقبول, ولكن الموضوع لم يختلفوا في عدم جواز روايته - إلا لبيان حاله - فضلا على عدم العمل به, فافترقا0
? إنَّ عدم الأخذ بالحديث الضعيف هو مخالفةٌ لكلِّ علماء الأمة, بل هو طعنٌ فيهم, لأنهم أدخلوه في كتبهم, ولا شكَّ أنهم أزكى وأتقى وأورع, وأخوف وأحرص على دين الله تعالى, ممن جاء بعدهم, فلو لم يجز لما فعلوه, والله أعلم.
? إنَّ عدم الأخذ بالحديث الضعيف هو مخالفٌ لكل علماء الأمة الذين أخذوا بالعمل به وطعن فيهم, سواء قصروه على الترغيب والترهيب والرقائق ونحو ذلك, وهذا بإجماعهم, أو الذين أخذوا به في الأحكام, عند فقد الحديث الصحيح أو الحسن،وهم عامتهم كما مرَّ .
? إنَّ الأخذ بالحديث الضعيف هو أولى من رأي الرجال, وذلك لوجود قرينة تدلُّ على نسبته إلى صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - , بخلاف الموضوع, فافترقا .
? إنَّ الأخذ بالحديث الضعيف - إذا لم يكن شديد الضعف،وبشروطه التي مرَّ ذكرها- هو اتباع لعامة علماء الأمة؛ من محدِّثين وفقهاء وغيرهم, وأمَّا الموضوعُ فلم يقل بالعمل به أحد منهم, والله أعلم .
? إنَّ قرنَ الحديث الضعيف بالموضوع مخالفةٌ للأمة- المتمثلة بعلمائها- الذين رووه وعملوا به, وقد نهانا الشارع عن اتباع غير سبيل المؤمنين, والله أعلم .
? لذا فإنَّ تقسيم كتب الحديث إلى صحيح وضعيف خطورة وأيما خطورة, ومغايرة لما أراده أصحاب تلك الكتب, مع إمكانهم فصلها, وكان بإمكانهم ذلك, لكن جعله مع الموضوع أشدُّ خطورةً .
? قال ابن محرز رحمه الله(2):"سمعت علي بن المديني يقول: ليس ينبغي لأحدٍ أن يكذِّب بالحديث إذا جاءه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن كان مرسلاً, فإنَّ جماعة كانوا يدفعون حديث الزهريِّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من احتجم يوم السبت أو الأربعاء فأصابه وضَحٌ - يعني البرصُ- فلا يلومنَّ إلا نفسهُ"(3)فكانوا يفعلونه فبُلوا, منهم عثمان البتيِّ،فأصابه الوضحُ, ومنهم عبد الوارث -يعني: ابن سعيد التنَّنوري- فأصابه الوضح،ومنهم أبو داود, فأصابه الوضح،ومنهم عبد الرحمن فأصابه الوضح اهـ(4)
-------------
فلو اقتصرَ ( الشيخ ناصر رحمه الله ) على الشديدِ الضَّعفِ الذي لا ينجبرُ والموضوع, لكانَ هو الأليقُ بأمثالهِ, ونحنُ لا ننكر جهودَهُ وخدمتهُ الفذةَ لحديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , لكنَّ إيرادَ الضعيفِ ضعفاً يسيراً معهما خطأٌ كبيرُ, إذْ أنَّ الحديثَ الضعيفَ قدِ اتفقوا على العمل بهِ في فضائلِ الأعمالِ - ضمن الشروط السابقة- فإلغاؤُه مطلقاً معناهُ الحكمُ عليهِ وكأنَّهُ موضوعٌ, وهذا لا يقول به أحدٌ .
بلْ ذكرَ الشيخُ في سلسة الأحاديث الضعيفة وضعيف الجامع الصغير وغيرها كثيراً من الأحاديث التي لا تستحِقُّ التضعيفَ أصلاً !!!
وكذلك قامَ من تابعه على ذلك بالإنكار الشديد على منْ يعملُ بحديث ضعيفٍ في فضيلةٍ خلقيةٍ, واعتبروه مبتدعاً في الدِّين مخالفاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - , وهذا خطأٌ جسيمٌ, فلا يجوز التسرُّع في الإنكار في المسائل المختلَف فيها،وهذا منها فلا إنكارَ فيها كما هو معلومٌ, لكنْ لسنا ملزمين بقولٍ معيَّنٍ فيها, وإنما الذي يسوغُ فيها النصحُ والإرشادُ من قِبل أهل العلم المختصين في هذا الباب ليس إلا.
وسببُ وقوعِ هذا الخطأ برأيي: هو ابتعادُ هؤلاء عن منهجِ السَّلفِ الصالحِ في علم مصطلحِ الحديث والجرحِ والتعديلِ, وأصول الفقهِ،لذلك أرجوا من هؤلاء أن يعيدوا النظر فيما قالوه, وأنْ يعودوا لما قاله جمهورُ الأمةِ من السَّلفِ والخلَفِ حول حكمِ الحديثِ الضعيفِ .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - مجموع الفتاوى(ج 18 / ص 66 )
(2) - معرفة الرجال 2/190
(3) - مسند البزار(7807 ) الصواب أنه مرسل
(4) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 105-109(1/33)
6- الناسُ اليوم طرفان ووسط حول رواية الحديث الضعيف والعمل به
قال الشيخ محمد خلف سلامة تحت عنوان الترغيب والترهيب(1):
" أمَّا الترغيب فالمراد به تحبيب النفوس في فعل الأعمال الصالحة, ودفعِها إلى ذلك, وذلك بذكر النصوص المبينة لثواب تلك الأعمال والفضل المرجو من فِعلها.
وأما الترهيب فالمراد به التخويف مِن فعل الأعمال السيئة والمعاصي, وذلك بذكر عقوباتها وأضرارها .
والمرادُ بالأعمال الصالحة تلك الأعمال التي ثبت بالآيات أو الأحاديث الثابتة أنها أعمال صالحة, وتشمل الواجبات والمستحبات, ومن المعلوم المقرَّر أن الوجوب والاستحباب حكمان شرعيان لا يثبتان لعمل من الأعمال بحديث ضعيف .
ومثل ذلك يقال في الأعمال السيئة, فالمراد بها: الأعمال التي ثبت بالكتاب والسُّنَّة الثابتة أنها أعمال محرمة, فلا تثبت الحرمة بحديث غير ثابت .
وأما المكروهات فقد ورد في النصوص الشرعية وأصول الدين ترغيب في اجتنابها, فإنَّ في اجتنابها ثواباً لمن يجتنبها, والتحقيق أن ترك المكروهات لوجه الله هو في الحقيقة داخل في جملة الحسنات والأعمال الصالحة, ومثله ترك المباحات بقصد التفرغ للطاعات والتقوّي عليها, وكذلك فِعلها - أي المباحات - بقصد التقوي على الطاعات: كل ذلك يثاب عليه المرء لأنه عملٌ صالح, و« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »(2).
هذا وإنَّ أحاديث الترغيب والترهيب تسمَّى اختصاراً أحاديث الفضائل .
وقد كانت هذه التسمية واحداً من جملة أسبابٍ أوقعت كثيراً من أهالي العصور المتأخرة في لبس شديدٍ وغلط بعيد, في هذا الباب؛ فقد خلط أكثرُ العامة وكثير من أشباههم ممن يعدون أنفسهم في جملة طلبة العلم الشرعي بين فضائل الأعمال والأعمال الفاضلة, ففهموا ما قاله كثير من العلماء من أن الحديث الذي فيه ضعف غير شديد وهو غير منكر يعمل به إذا كان وارداً في فضائل الأعمال, أي في الترغيب والترهيب المتقدم معناهما, وإنما مرادهم بذلك ما أسلفتُه, ولكن هؤلاء ظنوا - جهلاً - أن معنى"فضائل الأعمال" هو"الأعمال الفاضلة", فصارت القاعدة التي لخص فيها بعض أهل العلم مذهب الأئمة في الأحاديث الضعيفة, والتي نصُّها (يعملُ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ) , أقول: صار معنى هذه القاعدة عند هؤلاء الجهلة والمتساهلين: (يعمل بالحديث الضعيف في بيان الأعمال الفاضلة ) , وبعبارة أخرى: (الحديث الضعيف يثبت به حكم الوجوب وحكم الاستحباب, للأعمال, لأن الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة: أعمال فاضلة ) , وهذا خلط ليس بعده خلطٌ أشد منه ولا أعجب؛ وهكذا نَجَمت كثير من البدع, ونُصرت كثير من الضلالات, وأُميتت كثير من السُّنن, وكيدت كثير من الحقوق, والله وحده المستعان ."
ثم تابع قائلاً :
"هذا جانب مما يتعلق بأحاديث الترغيب والترهيب, وكان السلف يسمونها أيضاً الرقاق, وبقي جانبٌ آخرُ مضادٌّ لهذا الجانب, وهو أنَّ طائفة من طلبة العلم, وقد يكون بينهم بعض العلماء - منعوا رواية الحديث الضعيف أصلاً, ومنعوا الترغيب والترهيب به, وهذا مخالف لطريقة أئمة هذا العلم, والتي نقلها عنهم الخطيب البغدادي في (الكفاية ) و(الجامع ) , ونقلها غيره أيضاً ."
قال الخطيب في (الكفاية ) تحت بابٍ أسماه (باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوز في فضائل الأعمال )(3):
(" بَابُ التَّشَدُّدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ , وَالتَّجَوُّزِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ قَدْ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا عَمَّنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ التُّهْمَةِ , بَعِيدًا مِنَ الظِّنَّةِ , وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَتْبُهَا عَنْ سَائِرِ الْمَشَايِخِ" ) ؛ ثم أسند عدة آثار ..."
ثم قال خلف :
"إن رواية الحديث الضعيف للترغيب به في عمل صالح, أو للترهيب به من عمل سيء: ليست عملاً به ولا تصحيحاً له, والقول الصحيح هو جواز ذلك, فيجوز ذِكر الحديث الضعيف للناس لعلهم ينتفعون بمعناه, ولكن لذلك شروط:
الأول منها: أنه يجب أن يُقتصر في ذلك على جانب واحد فقط, هو جانب الترغيب والترهيب؛ ويجب أن يكون العملُ المرغَّبُ فيه قد ثبت كونُه واجباً أو مستحبّاً بالنصوص الثابتة, كما تقدم .
والثاني: أن يكون الحديثُ المرغَّبُ به متنُه غيرُ منكر(4), وضعفُه غيرُ شديد .
والثالث: أن لا يُوهمَ ذِكرُ الحديث الضعيف أو روايتُه ثُبوتَه, وأن لا يجرّ ذلك أي مفسدةً إلى الدين, مثل أن يوافق الحديثُ هوى بعض الجاهلين أو المبتدعة المتهاونين, فينشره ويحاجج به على رغم معرفته بضعفه؛ ولذلك فإنه يجب أن يبرأ المرغِّب بذلك الحديث من تصحيحه ويبين ضعفه, وأن يبين ذلك بالطريقة التي يفهمها الحاضرون .
فلا يكتفي بالإشارة الغامضة, مثل ما يصنعه بعض الخطباء ونحوهم من الاسترواح والاكتفاء في بيان ضعف الحديث!!
بالإشارة إلى ذلك بأن يذكر الحديث بلفظة (رُوي ) زاعماً أنها تفيد تضعيف الحديث, وهل يفهم العامة ذلك ؟! .
ولا يكتفي بإطلاق الاصطلاح, مثل أن يقول: هذا الحديث غير ثابت, أو يقول: في إسناده نظر, أو: مختلف في صحته, ونحو ذلك, إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون مقاصد هذه العبارات .
بل حتى كلمة"ضعيف" ونحوها أرى أن يشرحها الخطيب - إذا رأى حاجةً لذلك - وأن يبين معناها بوضوح تامِّ مناسب لحال المخاطَبين, ويكرر ذلك على المنبر مرات ومرات, مع بيان حكم الحديث الضعيف ومع الترهيب من أن يُنسَبَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من المرويات غير الثابتة عنه .
ولعل الأولى أنه إذا احتاج إلى ترغيب جماعة في أمر من الأمور, وكان عَلِم - أو خشيَ - تساهلهم في تلقف الأحاديث ولا سيما الغريبة منها ونشرِها بين الناس مع جزمهم بنسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , أقول لعل الأولى هنا إن أبى إلا أن يذكّرهم ويعظهم بمتن ذلك الحديث أن يقول: لهم: ورد في بعض الآثار كذا وكذا, ثم يقول: لهم: هذا ليس بحديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز لأحد أن ينسبه إليه, أو نحو ذلك من الاحترازات المشروعة؛ وصيانة السُّنَّة الصحيحة والذبُّ عنها مع التقصير في جانب الترغيب والترهيب - لو قُدّر وقوع هذا - أولى من ترغيب الناس بما يكون سبباً في انتهاء تلك الصيانة وانتفاء ذلك الذب،قلت: قد حصل تساهل ضار في هذا الباب.
وأرجعُ إلى ما كنتُ فيه, وهو بيان عدم التلازم بين الامتناع من رواية الحديث الضعيف وبين ترك الانتفاع بما قد يرد فيه من الحكم العالية والمواعظ الجليلة, وأزيد على ما تقدم أنَّ طرد ذلك الأصل في الأخبار غير المرفوعة يكون من باب الأولى؛ ولهذا كان العمل على جواز رواية ونشر أحاديث الترغيب والترهيب غير المرفوعة, وإن كانت ضعيفة الأسانيد .
فمن أراد أن يجمع كتاباً أو كلاماً في الزهد من أقوال السلف وأخبارهم رحمهم الله،الصحابة والتابعين ومن بعدهم من القدماء فإنه لا يُشترط - لجواز نشر تلك المرويات بين الناس - صحةُ أسانيدها, وذلك لأن باب هذه الأخبار هو باب الترغيب والترهيب في مسائل أعمال القلوب المتفق على أنها من أبواب الدين وشعب الإيمان؛كالصبر والشكر والحياء والتوكل والخوف والرجاء ونحوها؛ ثم إن العلماء اختلفوا في رواية الضعيف من أحاديث الترغيب والترهيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتفقوا على منع ذلك, بل الأرجح الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين هو جواز ذلك(5)ولكن بشروط مشى عليها المتقدمون وفصَّل فيها المتأخرون, وقد تقدم التفصيل في ذلك؛ ولا شكَّ أن الأمر في باب الآثار الموقوفة والمقطوعة أسهل وأقرب, كما تقدم, بل لعل الباحث لا يكاد يقف على كبير نهي لهم عن رواية هذا النوع من الأخبار غير المرفوعة .
بل إن من أراد نشر مثل تلك الآثار وروايتها لغيره،فإن له في هذا المسلك سلفاً من كبار أئمتنا،فتأمل ما جرى عليه من صنَّف في الزهد والأخلاق والأدب ونحوها من أئمة الإسلام وكبار علمائه كابن المبارك ووكيع وأحمد ثم البيهقي في مؤلفاتهم في الزهد والبخاري في الأدب المفرد وما شاكله من كتبه،وابن حبان في روضة العقلاء والآجري في مؤلفاته في الأخلاق والآداب،وكذلك من جمع أبواباً في الزهد والرقائق ؛كأصحاب السُّنَن وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما،وكذلك من ألَّف أو كتب في هذا الفن وما قاربه أو شاركه في بعض مسائله كفنِّ المناقب والسير ونحو ذلك من المتوسطين والمتأخرين كالخطيب وابن الجوزي وابن قدامة والنووي وابن تيمية والمزي والذهبي وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن حجر وغيرهم،تأمل صنيع هؤلاء العلماء في هذه الكتب وهذه الأبواب تجد أنهم جميعاً تساهلوا في هذا الباب في إيراد ما لا يثبت سنده من غير المرفوعات؛لأن الغاية سماع الحكمة الصحيحة والموعظة الحسنة والعبرة المؤثرة،ولقد كاد أكثر قدماء المحدثين على جواز التساهل برواية المرفوع - فضلاً عن الموقوف والمقطوع - من أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وكل ما ليس فيه إثبات عقيدة أو تشريع،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً, وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ, وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »رواه البخاري(6).
أفلا يكفي هذا الترخيص في التحديث عن بني اسرائيل - رغم كل الذي جرى من تحريف في كتبهم وانقطاع فظيع في أسانيدهم - دليلاً ومستنَداً للتحديث عن أحد من أفاضل علماء المسلمين أو أكابر واعظيهم بخبر تظهر صحة معناه وتشهد له النصوص الثابتة والأصول المقررة أو هي - في الأقل - لا يعارضها ولا تدلُّ على بطلان فيه أو نكارة ؟! ".
قلت : وهذا كلام قيم ورائع،من عالم متبحر في هذا الأمر الجلل .وإنه لمما يناسب هذا المقام أن أسوق فيه جملة من أقوال العلماء في هذا الباب تأييداً لهذا التأصيل؛ فأقول: روى الخطيب في (اقتضاء العلم العمل )(7)عن الغلابي قَالَ:" سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُيَيْنَةَ, عَنْ إِسْنَادِ, حَدِيثٍ, قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِإِسْنَادِهِ ؟ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ بَلَغَتْكَ حِكْمَتُهُ وَلَزِمَتْكَ مَوْعِظَتُهُ".
وذكر الماوردي في (أدب الدنيا والدين )(8)قال: حَدَّثَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِحَدِيثٍ فَقَالَ:لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا سَعِيدٍ, عَمَّنْ ؟ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِعَمَّنْ, أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَالَتْك عِظَتُهُ, وَقَامَتْ عَلَيْك حُجَّتُهُ.
وقال الذهبي في ترجمة الإمام الشافعي من (سير أعلام النبلاء )(9): وَبَلَغَنَا عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَلْفَاظٌ قَدْ لاَ تَثْبُتُ،وَلكِنَّهَا حِكَمٌ،فَمِنهَا:
مَا أَفْلَحَ مَنْ طَلَبَ العِلْمَ إِلاَّ بِالقِلَّةِ.
وَعَنْهُ،قَالَ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ،وَلاَ حَلَفْتُ بِاللهِ،وَلاَ تَرَكْتُ غُسْلَ الجُمُعَةِ،وَمَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً،إِلاَّ شبعَةً طَرَحْتُهَا مِن سَاعَتِي.
وَعَنْهُ،قَالَ: مَنْ لَمْ تُعِزُّهُ التَّقْوَى،فَلاَ عِزَّ لَهُ. ... اهـ
وقال أبو نعيم في (الحلية )(10): " قَالَ:ذُو النُّونِ" صُدُورُ الْأَحْرَارِ قُبُورُ الْأَسْرَارِ .
وَسُئِلَ ذُو النُّونِ لَمْ أَحَبَّ النَّاسُ الدُّنْيَا ؟ قَالَ:" لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهَا خِزَانَةَ أَرْزَاقِهِمْ فَمَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلَيْهَا"،وَقِيلَ لَهُ: مَا إِسْنَادُ الْحِكْمَةِ قَالَ:" وُجُودُهَا"وَسُئِلَ يَوْمًا: فِيمَ يَجِدُ الْعَبْدُ الْخَلَاصَ ؟ فَقَالَ:" الْخَلَاصُ فِي الْإِخْلَاصِ, فَإِذَا أَخْلَصَ تَخَلَّصَ", فَقِيلَ: فَمَا عَلَامَةُ الْإِخْلَاصِ ؟ قَالَ:"إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَمَلِكَ صُحْبَةُ الْمَخْلُوقِينَ, وَلَا مَخَافَةُ ذَمِّهِمْ, فَأَنْتَ مُخْلِصٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى"(11)
وَقَالَ:ذُو النُّونِ:" النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا وَحُسَّادُ مَا مُنْعُوا مِن جُهِلَ قَدْرُهُ هُتِكَ سِتْرُهُ قَالَ: وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَبَا الْفَيْضِ أَوْصِنِي فَقَالَ: بِمَ أُوصِيكَ إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ قَدْ أُيِّدْتَ مِنهُ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ بِصِدْقِ التَّوْحِيدِ فَقَدْ سَبَقَ لَكَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا دُعَاءُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَذَلِكَ خَيْرٌ مِن وَصِيَّتِي, وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَنْ يَنْفَعَكَ النِّدَاءُ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يقول: اسْتَعَبْدَنَا بِالْعَنَاءِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِانْقِيَادِ لَهُ قَالَ: وَسُئِلَ: لِمَ أَحَبَّ النَّاسُ الدُّنْيَا ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا خِزَانَةَ أَرْزَاقِهِمْ فَمَدُّوا أَعْينَهُمْ إِلَيْهَا وَقَالَ: الْحَبِيبُ يَسْبِقُ الِاغْتِفَارَ قَبْلَ الِاعْتِذَارِ وَقَالَ: مَنْ يَسْكُنْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ فَلَا تُفْشِ سَرَّكَ إِلَيْهِ وَسُئِلَ: مَنْ دُونَ النَّاسِ غَمًّا ؟ قَالَ: أَسْوَؤُهُمْ خُلُقًا قِيلَ: وَمَا عَلَامَةُ سُوءِ الْخُلُقِ ؟ قَالَ: كَثْرَةُ الْخِلَافِ وَقَالَ: صُدُورُ الْأَحْرَارِ قُبُورُ الْأَسْرَارِ وَسُئِلَ يَوْمًا: فِيمَ يَجِدُ الْعَبْدُ الْخَلَاصَ ؟ قَالَ: الْخَلَاصُ فِي الْإِخْلَاصِ فَإِذَا أَخْلَصَ تَخَلَّصَ, قِيلَ: فَمَا عَلَامَةُ الْإِخْلَاصِ ؟ قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَمَلِكَ مَحَبَّةُ حَمْدِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَا مَخَافَةُ ذَمِّهْمِ فَأَنْتَ مُخْلِصٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.."
وقال الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )(12)تحت هذه الترجمة (مَا لَا يَفْتَقِرُ كَتْبُهُ إِلَى الْإِسْنَادِ ) كُلُّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَفْتَقِرُ كَتْبُهُ إِلَى الْإِسْنَادِ فَلَوْ أُسْقِطَتْ أَسَانِيدُهُ وَاقْتُصِرَ عَلَى أَلْفَاظِهِ فَسَدَ أَمْرُهُ وَلَمْ يُثْبَتْ حُكْمُهُ لِأَنَّ الْأَسَانِيدَ الْمُتَّصِلَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ بِهِ،قَالَ:عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ:" الْإِسْنَادُ عِنْدِي مِنَ الدِّينِ لَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ:مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ "
وَأَمَّا أَخْبَارُ الصَّالِحِينَ وَحِكَايَاتُ الزُّهَّادِ وَالْمُتَعَبْدِينَ وَمَوَاعِظُ الْبُلَغَاءِ وَحِكَمُ الْأُدَبَاءِ فَالْأَسَانِيدُ زِينَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي تَأْدِيَتِهَا"قَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ: " إِسْنَادُ الْحِكْمَةِ وُجُودُهَا"،وعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ, قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ:" وَسَأَلْنَاهُ قُلْنَا: نَجِدُ الْمَوَاعِظَ فِي الْكُتُبِ فَنَنْظُرُ فِيهَا ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ وَإِنْ وَجَدْتَ عَلَى الْحَائِطِ مَوْعِظَةً فَانْظُرْ فِيهَا تَتَّعِظْ قِيلَ لَهُ: فَالْفِقْهُ ؟ قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ"
وعن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ, قَالَ:" كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَخُرَاسَانِيٌّ يَكْتُبُ الْكَلَامَ وَلَا يَكْتُبُ الْإِسْنَادَ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ أَوْ قِيلَ لَهُ: مَالَكَ لَا تُكْتَبُ الْإِسْنَادَ ؟ فَقَالَ:" أَنَا خَانَهْ خَوَاهُمْ نَبَازَارَ", قَالَ:أَبُو طَالِبٍ تَفْسِيرَهُ قَالَ: أَنَا لِبَيْتٍ أُرِيدُهُ لَا لِلسُّوقِ" قَالَ:أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَ الَّذِي كَتَبَهُ الْخُرَاسَانِيُّ مِن أَخْبَارِ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ وَحِكَايَاتِ التَّرْغِيبِ وَالْمَوَاعِظِ فَلَا بَأْسَ بِمَا فَعَلَ،وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِن أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي إِسْقَاطِ أَسَانِيدِهِ لِأَنَّهَا هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى تَبَيُّنِهِ فَكَانَ يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ عَنْ أَمْرِهِ وَالْبَحْثُ عَنْ صِحَّتِهِ"
إذا عُلم هذا فليعلم أنه لا بد من الاحتياط الكافي،فعلَى من يجمع أو يروي تلك الأخبار أن يختار من أقوالهم ما لا يرى فيه مخالفة صريحة لشيء من نصوص الوحيين وأصول المعتقد الإسلامي؛ وهذا يقتضي أن لا يُقْدِمَ على مثل هذا العمل إلا من يكون من أهل السُّنَّة والاتباع ومن طلبة العلم النابهين وأهل الاطلاع على العلوم الإسلامية،العقائد والسُّنن والتفسير والسيرة وغيرها...
ــــــــــــــــ
__________
(1) - معجم لسان المحدثين (ج 2 / ص 106 ) فما بعد
(2) - صحيح البخاري (1 ، 2529 ، 3898 ، 5070 ، 6689 ، 6953 )
(3) -(2/398-400 )
(4) - لو جرينا على جادة التحقيق والتدقيق لما احتجنا إلى الاحتراز عن المنكر ، فإنه يُغني عنه الاحتراز عن شدة الضعف ، فالمنكر أقل ما يوصف به أنه شديد الضعف ، ولكن المقام مقام تفصيل وبيان لمسألة خطيرة فصار التقسيم المذكور غير منكور ، وعلى مِثله جرى غير واحد من العلماء المتأخرين ممن تكلم في هذه القضية .
(5) - قلت : قد نقل الإجماع على الجواز أكثر من واحد
(6) - صحيح البخاري (3461 )
(7) - اقْتِضَاءُ الْعِلْمِ الْعَمَلَ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ(128 )
(8) ص88-89 ) و أدب الدنيا والدين (ج 1 / ص 61 ) الشاملة 2
(9) 10/97 )
(10) 9/377-378 )
(11) 14689 -14692 ) هذا كلام ذي النون المصري ينقله يوسف بن الحسين الرازي، وأما في رواية الخطيب الآتية بعد قليل ففيها أن الكلام المتعلق بالحكمة ليوسف الرازي، ولا تنافي، فكأنه سمعها من ذي النون فمرة رواها عنه، ومرة سئل هو عنها فأجاب بما سمعه من ذي النون.
(12) 2/213-215 ) رقم (1654-1661 )(1/34)
المبحث السابع
أمثلةٌ للحديث الضعيف الذي يجوزُ العملُ به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر:
المثالُ الأوَّلُ
إحياءُ ليلتي العيد
أخرج ابن ماجة في سننه حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْمَرَّارُ بْنُ حَمُّويَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ قَامَ لَيْلَتَىِ الْعِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ »(1).
فهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أن ثور بن يزيد قد رميَ بالقدر(2)إلا أنه هنا يروي ما لا صلة له ببدعته, فلا يخلُّ بالاحتجاج به, ومحمد بن المصفَّى صدوقٌ كثير الحديث, حتى وصفه الحافظ ابن حجر في اللسان بأنه حافظٌ(3)،وقال الذهبي في الميزان: ثقةٌ مشهورٌ لكن وقعت له في رواياته المناكير(4).
وفي سنده بقية بن الوليد وهو من الأئمة الحفاظ صدوق, لكنه كثيرُ التدليس عن الضعفاء, روى له مسلم متابعة فقط(5), وهو هنا لم يصرح بما يثبت سماعه للحديث فيكون ضعيفا .(6)
وأعله الألباني في السلسلة الضعيفة به (521 ) وقال:" بقية سيء التدليس, فإنه يروي عن الكذابين عن الثقات ثم يسقطهم من بينه وبين الثقات ويدلِّس عنهم فلا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين .."واعتبره موضوعاً !
أقولُ: من راجع ترجمة بقية في التهذيب وجد أنَّ الأكثر على توثيقه بقوة والثاني أنه ثقة وحجة فيما رواه عن أهل بلده،وهذا ما أكده ابن عدي كذلك،وهذا منها،فهو يرويه عن شيخه ثور بن يزيد الحمصي،فينبغي أن يقبل هذا الحديث, وهو الذي لازمه مدة طويلة فلا حاجة لأن يدلِّس عنه, وإنما يكون التدليس عن شيخ سمع منه شيئاً قليلاً(7).
قال ابن عدي بعد ترجمته المطولة(8):" إذا روى عن الشاميين فهو ثبت, وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لامنه, وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم, وربما كان الوهم من الراوي عنه, وبقيةُ صاحبُ حديثٍ, ومن علامةِ صاحبِ الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار, ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صورة بقية" .
قلت :الحديثُ مرويٌّ من طرق أخرى فيها ضعف(9)
وفي قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي،قال: هَارُونُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:" بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ" أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْعِيدِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ" وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُهُ . وَعَنْ مُجَاهِدٍ:" لَيْلَةُ الْفِطْرِ كَلَيْلَةٍ مِن لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يَعْنِي فِي فَضْلِهَا" وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ" يَقُومُ لَهُمْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَأَوْتَرَ بِسَبْعٍ" وَصَلَّى وُهَيْبٌ يَوْمَ الْعِيدِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ جَعَلُوا يَمُرُّونَ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ زَفَرَ وَقَالَ:" لَئِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ أَصْبَحُوا مُسْتَيْقِنِينَ أَنَّهُ قَدْ تُقُبِّلَ مِنهُمْ شَهْرُهُمْ هَذَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصْبِحُوا مَشَاغِيلَ بِأَدَاءِ الشُّكْرِ عَمَّاهُمْ فِيهِ , وَلَئِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا أَشْغَلَ وَأَشْغَلَ" ثُمَّ قَالَ: كَثِيرًا مَا يَأْتِينِي مَنْ يَسْأَلُنِيَ مِن إِخَوَانِي فَيقول: يَا أَبَا أُمَيَّةَ مَا بَلَغَكَ عَمَّنْ طَافَ سَبْعًا بِهَذَا الْبَيْتِ مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ ؟ فَأَقُولُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ , بَلْ لَوْ سَأَلُوا عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِن أَدَاءِ الشُّكْرِ فِي طَوَافِ هَذَا السَّبْعَ , وَرَزَقَهُ حِينَ حَرَمَ غَيْرَهُ , فَيقولون : إِنَّا نَرْجُوا , فَيقول: وُهَيْبٌ:" وَلَا وَاللَّهِ مَا رَجَا عَبْدٌ قَطُّ حَتَّى يَخَافَ ثُمَّ يقول: كَيْفَ تَجْتَرِي , إِنَّكَ تَرْجُو رِضَاءَ مَنْ لَا تَخَافُ غَضَبَهُ , إِنَّمَا كَانَ الرَّاجِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ إِذْ يُخْبِرُكَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ , يقول: وُهَيْبٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِلَى مَاذَا قَالَا: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ , رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً الْآيَةُ, ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ , ثُمَّ قَالَ: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخَرِينَ"(10)
قَالَ الشَّافِعِيُّ بعد روايته لهذا الحديث:أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ(11)،قَالَ : رَأَيْتُ مَشْيَخَةً مِن خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ حَتَّى تَذْهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ،قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّمَا حَكَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِن غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا،وَأُحِبُّ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ،وَبَيْنَ ذَلِكَ وَغَادِيًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ،يَعْنِي يَوْمَ الْفِطْرِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ يَعْنِي عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ يَعْنِي عِنْدَ إِكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ "(12)
وقال الجزيري:" ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر وصلاة وتلاوة قرآن ونحو ذلك لقوله صلى الله عليه و سلم:" من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" رواه الطبراني ويحصل الإحياء بصلاة العشاء والصبح في جماعة وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوبا لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان الله تعالى الذي لا سخط لعده والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان الله تعالى بدون نزاع ومن تركها استحق سخطه أما ما عداها من فضائل الأعمال فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن ومن يتركها فلا شيء عليه وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات فإذا ترك المكلفون صيام رمضان وترك القادرون الحج إلى بيت الله الحرام والصدقات المطلوبة منهم ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئا . نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة كان له أثر كبير وهو محو الذنوب والآثام لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق "(13)
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية(14): "يُنْدَبُ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ ( الْفِطْرِ, وَالأَْضْحَى ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ(15). لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ(16). وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ اتِّبَاعًا لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ ثَوَابُ الإِْحْيَاءِ بِصَلاَةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً, وَالْعَزْمِ عَلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً "(17).
وجاء فيها أيضاً(18)" يُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِن ذِكْرٍ وَصَلاَةٍ وَتِلاَوَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَار .. ".
قلت :فنحن نعلم أن قيام الليل والتعبد فيه وردَ الحضُّ عليه في القرآن والسُّنَّة المتواترة، والتقرب إلى الله تعالى بالذكر والدعاء ونحوها, مرغبٌ فيه كل الأوقات والأحوال, وكلُّ ذلك يشملُ بعمومه ليلتي العيدين اللتين لهما من الفضل ما لهما،وهذا يوضح تماما أن الحديث لم يشرع شيئا جديدا, وإنما جاء بجزئية موافقة لأصول الشريعة ونصوصها العامة, مما لا يدعُ أيَّ مجالٍ للتردد في استحباب العمل به, والأخذ به والأخذِ بمقتضاهُ .
وزعم صاحب فتاوى يسألونك أن إحياءهما بدعة بقوله:" وخلاصة الأمر أن إحياء ليلتي العيدين بدعة لم يثبت فيه حديث يصلح للاحتجاج به أو الاعتماد عليه."(19)!!!
وهو كلام مخالف لاتفاق الفقهاء وللحديث الشريف الآنف الذكر .
ــــــــــــــــ
المثالُ الثاني
استحبابُ إرسال الأذان والحدر في الإقامة
روى الترمذي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ هُوَ صَاحِبُ السِّقَاءِ قَالَ:حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لِبِلاَلٍ: « يَا بِلاَلُ إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِى أَذَانِكَ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِن أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِن شُرْبِهِ وَالْمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِى ». و قَالَأَبُو عِيسَى ( الترمذي ) : حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ مِن حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ وَعَبْدُ الْمُنْعِمِ شَيْخٌ بَصْرِىٌّ.اهـ(20)
قلتُ: لكن لما كان الحديثُ الضعيفُ كافياً في فضائل الأعمال حكموا باستحباب ذلك مع كونه مؤيدا بعمل الصحابة فمَن بعدهم .
ففي الموسوعة الفقهية الكويتية(21)": اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْحَدْرِ فِي الإِْقَامَةِ وَالتَّرَسُّل فِي الأَْذَانِ..."(22).
ــــــــــــــــ
المثال الثالث
تلقينُ الميت
روى الطبراني في الكبير حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ أَنَسُ بن سَلْمٍ الْخَوْلانِيُّ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ بن الْعَلاءِ الْحِمْصِيُّ،حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ،عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ،عَنْ سَعِيدِ بن عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيِّ،قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ،فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ،فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا،أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:"إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِن إِخْوَانِكُمْ،فَسَوَّيْتُمِ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ،فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ،ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ،فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلا يُجِيبُ،ثُمَّ يقول: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ،فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا،ثُمَّ يقول: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ،فَإِنَّهُ يقول: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ،وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ،فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا،وَبِالإِسْلامِ دِينًا،وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا،وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا،فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ،وَيقول: انْطَلِقْ بنا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ،فَيَكُونُ اللَّهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا"،فَقَالَ:رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ:"فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ،يَا فُلانَ بن حَوَّاءَ"..(23)
قال ابن المقن رحمه الله(24): " إِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا, وَذكره الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح», وَزَاد بعد قَوْله: «قد لقن حجَّته»: «وَيكون الله (حجَّته ) دونهمَا» . قَالَ: وَقد أرخص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي تلقين الْمَيِّت, وَأَعْجَبهُ ذَلِك, وَقَالَ: (أهل ) الشَّام يَفْعَلُونَهُ . قَالَ:أَبُو مَنْصُور: وَهُوَ من العزمات والتذكير بِاللَّه, و(السماح ) بذلك مأثور عَن السّلف, وَقَالَ:الْحَافِظ زَكى الدَّين فِي الْجُزْء الَّذِي خرجه فِي التَّلْقِين بعد أَن سَاقه: وَفِيه بعد الشَّهَادَتَيْنِ «وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا, وَأَن الله (يبْعَث ) من فِي الْقُبُور» . قَالَ:أَبُو نعيم الْحداد: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث حَمَّاد بن زيد, مَا كتبته إِلَّا من حَدِيث سعيد (الْأَزْدِيّ ) , وَقَالَ:ابْن أبي حَاتِم: سعيد (الْأَزْدِيّ ) عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَوَى عَنهُ ... سَمِعت أبي يقول: ذَلِك(25). قَالَ:الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا قَالَ: (الْأَزْدِيّ ) وَوَقع فِي روايتنا «الأودي», وَهُوَ مَعْنَى الْمَجْهُول, وَقَالَ:الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء»: سعيد (الْأَزْدِيّ ) لم أر لَهُ ذكر فِي الضُّعَفَاء وَلَا غَيرهم.
قلت: لَكِن حَدِيثه هَذَا لَهُ شَوَاهِد يعتضد بهَا - والغريب أَن الشَّيْخ زَكي الدَّين لم يذكر فِي مُصَنَّفه الْمَذْكُور مِنهَا غير حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَحده -
مِنهَا حَدِيث: « واسألوا لَهُ (التثبيت ) »(26)وَقد سلف .
وَمِنهَا: حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا دفنتموني فسنوا عَلّي التُّرَاب سنّا, ثمَّ أقِيمُوا حول قَبْرِي قدر مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحمهَا؛ حَتَّى أستأنس بكم, وَأعلم مَاذَا أراجع رسل رَبِّي» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» فِي كتاب الْإِيمَان, وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل(27).
«سنوا»: رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وبالمهملة, وَكِلَاهُمَا مُتَقَارب الْمَعْنى صَحِيح .
وَالْجَزُور - بِفَتْح الْجِيم - من الْإِبِل, والجزرة من غَيرهَا . ذكره عِيَاض, وَفِي كتاب «الْعين»: الجزرة من الضَّأْن والمعز خَاصَّة .
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن حمْرَان, عَن عَطِيَّة الرعاء, عَن الحكم بن الْحَارِث السّلمِيّ «أَنه غزا مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاث غزوات, قَالَ: قَالَ:لنا: إِذا دفنتموني ورششتم عَلَى قَبْرِي المَاء فَقومُوا عَلَى قَبْرِي, واستقبلوا الْقبْلَة, وَادعوا لي»(28).
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» قَالَ: سَأَلت (أبي عَن حَدِيث ) ثُمَامَة بن النَّضر بن أنس (قَالَ: (كَانَ أنس ) إِذا شهد جَنَازَة الْأَخ من إخوانه وقف عَلَى قَبره بعد أَن يدْفن, فَيقول: جَاف الأَرْض عَن (جَنْبَيْهِ ) » . فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس(29).
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا, من حَدِيث مُبشر بن إِسْمَاعِيل, ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج, عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ:أبي: «يَا بني, إِذا أَنا مت فألحدني, فَإِذا وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: باسم الله, وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله . ثمَّ سنّ عليّ التُّرَاب سنًّا, ثمَّ اقْرَأ عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها, فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذَلِك»(30). (وَعبد الرَّحْمَن هَذَا،الراوي عنه مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي ) , ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته»(31).
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث (إِبْرَاهِيم بن بكر بن عبد الرَّحْمَن ) , عَن إِدْرِيس الأودي, عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «حضرت ابْن عمر فِي جَنَازَة, فَلَمَّا وَضعهَا فِي اللَّحْد قَالَ: باسم الله, وَفِي سَبِيل الله, وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله, فَلَمَّا أَخذ فِي اللَّبِن عَلَى اللَّحْد قَالَ: اللَّهُمَّ أجرهَا من الشَّيْطَان, وَمن عَذَاب الْقَبْر . فَلَمَّا سُوَى اللَّبن عَلَيْهَا قَامَ إِلَى جَانب الْقَبْر, ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جنبيها, وَصعد روحها, ولقها مِنك رضواناً . فَقلت: أشيئًا سمعته من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شَيْئا قلته من رَأْيك ؟ قَالَ: إِنِّي إِذا لقادر عَلَى القَوْل, بل سَمِعت من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - »(32). وَإِدْرِيس هَذَا مَجْهُول . قَالَه أَبُو حَاتِم.. .
__________
(1) - سنن ابن ماجه (1854 ) والشعب (3556 ) والطبراني في الأوسط (193 ) والسنن الكبرى للبيهقي 3 / 319 (6518 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (5333 ) من طرق والصواب أنه حديث حسن لغيره
(2) - انظر تقريب التهذيب [ج1 -ص 135 ] (861 )
(3) - لسان الميزان [ج7 -ص 376 ] (4749 ) وفي تقريب التهذيب [ج1 -ص 507 ] (6304 ) صدوق له أوهام وكان يدلس ، وفي الكاشف [ج2 -ص 222 ] (5157 ) ثقة يغرب
(4) - ميزان الاعتدال(ج 4 / ص 43 ) (8181 ) وختم ترجمته بقوله : كان ابن مصفى ثقة صاحب سنة، من علماء الحديث.
(5) -انظر تقريب التهذيب [ج1 -ص 126 ] (734 ) وفي الكاشف [ج1 -ص 273 ] (619 ) .. وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة ..
(6) -هذا ما ذكره أستاذنا د- نور الدين عتر في كتابه الصلوات الخاصة ص 102 -103، والصواب أنه حسن لغيره
(7) - راجع التهذيب 10/473 - 478
(8) - الكامل 2/72 - 80
(9) - فعن عبادة في المعجم الأوسط للطبراني(163 ) وعن أبي الدرداء في السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 319 ) (6518 ) وعن كردوس في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(5333 ) ولكنها بكل حال تقوي حديث أبي أمامة
(10) - قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي (ج 1 / ص 90 ) الشاملة 2 - جامع السنة
(11) - إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني متروك من السابعة مات سنة أربع وثمانين وقيل إحدى وتسعين ق. تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 93 ] -241 -
(12) - فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ = بَابٌ فِي فَضْلِ الْعِيدِ =(150 )
(13) - الفقه على المذاهب الأربعة(ج 1 / ص 539 ) الشاملة 2 ، في الفقه الإسلامي وأدلته(ج 2 / ص 537 ) وانظر مراقي الفلاح:89/1 وما بعدها، تبيين الحقائق: 224/1 وما بعدها، فتح القدير: 423/1،429، الفتاوى الهندية: 140/1، الدر المختار: 776/1 وما بعدها، اللباب: 116/1 وما بعدها، الشرح الصغير: 527/1-531، مغني المحتاج: 312/1 وما بعدها، المهذب: 119/1، المغني: 369/2-374، 389،399، كشاف القناع: 56/2-58.
(14) - (ج 2 / ص 235 )
(15) - المجموع 4 / 45 ، وشرح المنهاج 2 / 127 ، وابن عابدين 1 / 460 ، ومراقي الفلاح ص 318 ، وكشف المخدرات ص 86 ، والبحر الرائق 2 / 256 ط الأولى بالمطبعة العلمية ، وحاشية الرهوني 1 / 181 طبع بولاق 1306 ، والمغني 1 / 159
(16) - مر تخريجه
(17) - ابن عابدين 1 / 462
(18) -(ج 31 / ص 115 ) وانظر: فقه العبادات - حنفي(ج 1 / ص 107 ) ومواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل(ج 5 / ص 288 ) وفقه العبادات - مالكي(ج 1 / ص 205 ) والفروع لابن مفلح(ج 2 / ص 373 ) وكشاف القناع عن متن الإقناع(ج 3 / ص 329 ) والمبدع شرح المقنع(ج 2 / ص 251 ) والفتاوى الفقهية الكبرى(ج 3 / ص 331 ) و لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني(ج 1 / ص 240 ) الشاملة 2
(19) - فتاوى يسألونك(ج 6 / ص 82 ) وغالب السلفية المعاصرين يوافقونه على هذا الزعم !!!
(20) - سنن الترمذى (195 ) ومصنف ابن أبي شيبة (2234 ) والمستدرك للحاكم (732 ) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 428 ) (2092 ) من طرق وهو ضعيف ، وانظر الكلام على هذا الحديث وطرقه البدر المنير لابن المقلن (ج 3 / ص 349 ) فما بعدها
احدر : أسرع وعجل = ترسل : تأن ولا تعجل = المعتصر : من يؤذيه بول أو غائط
(21) - (ج 6 / ص 8 )
(22) - المغني 1 / 407 ، والاختيار 1 / 43 ط دار المعرفة ، ومواهب الجليل 1 / 437 ، والمجموع 3 / 108 ، وفتح القدير 1 / 170 ط دار صادر ، والأشباه والنظائر بحاشية الحموي 2 ر 244 ط العامرة . وانظر : المبسوط(ج 1 / ص 384 ) وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع(ج 2 / ص 97 ) وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق(ج 1 / ص 437 ) والهداية للمرغياني(ج 1 / ص 49 ) وفتح القدير(ج 1 / ص 462 ) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق(ج 3 / ص 14 ) وفقه العبادات - حنفي(ج 1 / ص 73 ) والفقه الإسلامي وأدلته(ج 1 / ص 621و633 )
(23) - الطبراني(7979 ) وتاريخ ابن عساكر 24/73والمجمع 3/45 والدعاء للطبراني (1214 ) وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 10/368 و369 ونيل الأوطار 4/89 - 90 وهو حديث حسن لغيره - دون لفظة لأمه - فإنها منكرة ومخالفة لما ورد من دعوة الناس لآبائهم وليس لأمهاتهم .
(24) - البدر المنير (ج 5 / ص 334 )
(25) - الجرح والتعديل [ ج4 -ص 76 ]323
(26) - عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ ».اثبات عذاب القبر للبيهقي(186 ) والزهد لأحمد بن حنبل (693 ) وسنن أبى داود (3223 ) صحيح
(27) - صحيح مسلم(336 )
(28) - المعجم الكبير للطبراني(3100 ) ومجمع الزوائد (4245 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَفِيهِ عَطِيَّةُ الدَّعَّاءُ ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ .
(29) - علل الحديث(1090 )
(30) - المعجم الكبير للطبراني(15833 ) والسنن الكبرى للبيهقي(ج 4 / ص 56 ) (7319 ) ومجمع الزوائد (4243 ) وقال عقبه : "وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ ".قلت :وهو حديث قوي
(31) - الثقات لابن حبان [ ج 7 - ص 90 ] (9144 ) وفي تقريب التهذيب[ج 1 - ص 348 ] -3975 - عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج بجيمين نزيل حلب مقبول من السابعة ت
(32) - سنن ابن ماجه(1620 ) والمعجم الكبير للطبراني(12917 ) وهذا إسناد فيه حماد بن عبد الرحمن وهو متفق على تضعيفه.(1/35)
وَمِنهَا: مَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» عَن رَاشد بن سعد, وضمرة بن حبيب, وَحكم بن عُمَيْر, قَالُوا: «إِذا سوي عَلَى الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ؛ كَانُوا يستحبون أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان, قل: لَا إِلَه إِلَّا الله, أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - ثَلَاث مَرَّات - قل: رَبِّي الله, وديني الْإِسْلَام, ونبيي مُحَمَّد (ثمَّ ينْصَرف ) "(1). فَهَذِهِ شَوَاهِد لحَدِيث أبي أُمَامَة الْمَذْكُور.
قَالَ:الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم, وَلكنه (يعتضد) بشواهد وبعمل أهل الشَّام بِهِ قَدِيما .
وَقَالَ:النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب»(2): "هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا فيستأنس بِهِ, وَقد اتّفق عُلَمَاء الْمُحدثين وَغَيرهم عَلَى الْمُسَامحَة فِي أَحَادِيث الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب, لَا سِيمَا وَقد اعتضد بشواهد, وَلم يزل أهل الشَّام عَلَى الْعَمَل بِهَذَا فِي زمن من يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآن ".
قلت: لَكِن قَالَ:الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله - يَعْنِي: ابْن حَنْبَل -: فَهَذَا الَّذِي تصنعونه إِذا دفن الْمَيِّت ! يقف الرجل وَيقول: يَا فلَان ابْن فُلَانَة, اذكر مَا فَارَقت عَلَيْهِ؛ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله . فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا فعل هَذَا إِلَّا أهل الشَّام حِين مَاتَ أَبُو الْمُغيرَة, (جَاءَ إِنْسَان فَقَالَ:ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْمُغيرَة ) يرْوَى مَتنه عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم, عَن أَشْيَاخهم أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ, وَكَانَ ابْن عَيَّاش يروي بِهِ . يُشِير بذلك إِلَى حَدِيث أبي أُمَامَة السالف ."(3)
قلتُ: هذا التلقين ليس فيه جديداً, لأن مفرداته ثابتة بنصوص صحيحة, والمنكر فيه عندي هو لفظة يا ابن فلانة, لأن الثابت بالنصوص الشرعية النسبة للأب لا الأم . ولهذا استحبَّ هذا التلقين كثير من السلف والخلف.
وأمَّا ما زعمه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في الضعيفة (599 ) من رده للحديث واعتباره منكراً وذلك بسبب عدم إطلاعه على بقية أسانيده وشواهده حيث قال: " وجملة القول: أن الحديث منكر عندي إن لم يكن موضوعاً . ونقل عن الصنعاني في سبل السلام: "ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة, ولا يغترَّ بكثرة من يفعله"(4).
أقولُ: هذا كلامٌ مردودٌ من الاثنين، فمن هم الذين أنكروا الحديث من السلف ؟! ومن قال من السلف بأن العمل بهذا الحديث بدعة ؟!
قلت : وقد ناقض نفسه فرد على الصنعاني في أمكنة عدة ففي السلسلة الصحيحة - (ج 1 / ص 152) " وهو حديث صحيح كما تقدم ، فلا يغتر بقول الصنعاني في " سبل السلام " ( 3 / 133 ) : " و الاستهلال روي في تفسيره حديث مرفوع ضعيف : " الاستهلال العطاس " . أخرجه البزار " .
وفي السلسلة الصحيحة (191 )" وأما الصوم في السفر ، فقد بدرت من الصنعاني في " سبل السلام " كلمة نفى فيها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر فرضا فقال ( 2 / 34 ) : ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم رباعية في سفر ، و لا صام فيه فرضا " !
و لهذا توجهت الهمة إلى ذكر بعض الأحاديث التي تدل على خطأ النفي المذكور ،
و قد وهم في الحديث الصنعاني في " العدة " و هما آخر فقال ( 3 / 368 ) : " و هذا الحديث في مسلم لأبي الدرداء و في البخاري نسبة لأم الدرداء " . والصواب أن الحديث عند البخاري كما هو عند مسلم من مسند أبي الدرداء ، لكنهما أخرجاه من طريق أم الدرداء عنه .
وفي السلسلة الصحيحة(239 ) "ومن الغرائب قول الصنعاني في شرح حديث عائشة الضعيف : " والظاهر أنه مجمع على حل الطيب و غيره إلا الوطء بعد الرمي ، و إن لم يحلق "
فإن هذا وإن كان هو الصواب ، فقد خالف فيه عمر وغيره من السلف و حكى الخلاف فيه غير واحد من أهل العلم منهم ابن رشد في " البداية " ( 1 / 295 ) فأين الإجماع ؟ ! اهـ
قلت : مع أن ابن القيم رحمه الله قد ذكر في كتاب الروح أن العمل قد جرى على هذا الحديث في أمصار المسلمين فأيهما أولى بالإتباع ؟!
قال الإمام النووي رحمه:" وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهَذَا مِنهَا"(5).
وقال عقب حديث:" وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ , وَهَذَا مِن ذَاكَ"(6)
وقال أيضا:" وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الْخَطِّ ; لِأَنَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ - فَفِيهِ تَحْصِيلُ حَرِيمٍ لِلْمُصَلِّي , وَقَدْ قَدَّمْنَا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ دُونَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , وَهَذَا مِن نَحْوِ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ"(7)
وقال أيضاً:" وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّسَامُحِ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَحْوِهَا , مِمَّا لَيْسَ مِن الْأَحْكَامِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ"(8).
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية(9):" اخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ, فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّلْقِينَ لاَ بَأْسَ بِهِ, فَرَخَّصُوا فِيهِ, وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ, لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَقَدْ نُقِل عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِهِ كَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ, وَصِفَتُهُ أَنْ يقول: يَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ: اذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا, وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبِيًّا(10).
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لاَ يُلَقَّنُ, إِذِ الْمُرَادُ بِمَوْتَاكُمْ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْمَوْتِ, وَفِي الْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ شَيْئًا, وَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ لِلأَْئِمَّةِ قَوْلاً سِوَى مَا رَوَاهُ الأَْثْرَمُ, فَقَال: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَل هَذَا إِلاَّ أَهْل الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ, جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَال ذَلِكَ(11)" .
وانظر إلى ما يقول: هؤلاء المانعون:
يقول صالح الفوزان:" وإنما استحب تلقين الميت بعد دفنه جماعة من العلماء،وليس لهم دليل ثابت عن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لأن الحديث الوارد في ذلك مطعون في سنده،فعلى هذا يكون التلقين بعد الدفن لا أصل له من سنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،وإنما قال به بعض العلماء اعتمادًا على حديث غير ثابت"(12).
وسئل ابن باز- رحمه الله- عن حكم التلقين بعد الدفن ،فقال : "بدعة وليس له أصل , فلا يلقن بعد الموت وقد ورد في ذلك أحاديث موضوعة ليس لها أصل , وإنما التلقين يكون قبل الموت ".(13)
قلتُ: وأبلغ ردٍّ عليهم لابن تيمية رحمه الله:"فقد سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ تَلْقِينِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِن دَفْنِهِ هَلْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ عَنْ صَحَابَتِهِ ؟ وَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَجُوزُ فِعْلُهُ ؟ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ: هَذَا التَّلْقِينُ الْمَذْكُورِ قَدْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِهِ كَأَبِي أمامة الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ . وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَكِنَّهُ مِمَّا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ؛ وَلَمْ يَكُنْ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ:الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إنَّ هَذَا التَّلْقِينَ لَا بَأْسَ بِهِ فَرَخَّصُوا فِيهِ وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ, وَاسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِن أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ .وَاَلَّذِي فِي السُّنَن عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِن دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ »(14).
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ».(15).
فَتَلْقِينُ الْمُحْتَضِرِ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَقْبُورَ يُسْأَلُ وَيُمْتَحَنُ وَأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ فَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ التَّلْقِينَ يَنْفَعُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ, وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ, أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيقول: اَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيقول: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ, أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ:النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيقول: لاَ أَدْرِى, كُنْتُ أَقُولُ مَا يقول: النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ, فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ »(16).
وَأَنَّهُ قَالَ: « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنهُمْ »(17)وَأَنَّهُ أَمَرَنَا بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى . فَقَالَ:" مَا مِن رَجُلٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ"(18)وَاَللَّهُ أَعْلَمُ"(19).
وقال ابن القيم بعد إيراده الحديث المذكور :" فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كافٍ في العمل به, وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمةً طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكملُ الأمم عقولاً وأوفرُها معارفَ تطيقُ على مخاطبةِ مَنْ لا يسمعُ ولا يعقلُ وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكرٌ, بل سنَّه الأولُ للآخر ويقتدي فيه الآخرُ بالأولِ, فلولا أنَّ المخاطَبَ يسمعُ لكان ذلك بمنزلة الخطابِ للترابِ والخشب والحجر والمعدوم, وهذا وإن استحسنهُ واحدٌ فالعلماءُ قاطبةٌ على استقباحه واستهجانه . وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِن دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ »(20).
فأخبر أنه يسأل حينئذ،وإذا كان يسألُ فإنه يسمع التلقين, وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ(21):« الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ،وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ،أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ،أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى،كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ،فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ » اهـ(22).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - بلوغ المرام من أدلة الأحكام (583 ) والتلخيص الحبير (ج 2 / ص 311 ) (796 ) وهو صحيح مقطوع
(2) - المجموع(ج 5 / ص 304 )
(3) - انظر التلخيص الحبير (ج 2 / ص 397 ) والمغني لابن قدامة (ج 4 / ص 465 ) (1590 )
(4) - سبل السلام(2/161 )
(5) - المجموع شرح المهذب (ج 2 / ص 94 )
(6) - المصدر السابق (ج 3 / ص 122 )
(7) - المصدر السابق (ج 3 / ص 248 )
(8) - المصدر السابق (ج 8 / ص 261 )
(9) ج 13 / ص 296 )
(10) - الزيلعي 1 / 234 ط الأميرية ببولاق ، والحطاب 2 / 219 ، ومغني المحتاج 1 / 330 ، وفتاوى ابن تيمية 23 / 296 .
(11) - المغني والشرح الكبير 2 / 385 ، والفتاوى الهندية 1 / 157 ، ومغني المحتاج 1 / 330 ، والزيلعي 1 / 134 ، وانظر : الفقه الإسلامي وأدلته(ج 2 / ص 677 ) و فتاوى الأزهر(ج 5 / ص 467 ) تشييع النساء للجنازة وتلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 5 / ص 497 ) ما يشترط فى تلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 6 / ص 3 ) تلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 8 / ص 303 ) تلقين الميت
(12) - المنتقى من فتاوى الفوزان (ج 41 / ص 3 ) الشاملة 2
(13) - مجموع فتاوى ابن باز - (ج 13 / ص 39 )
(14) - سنن أبى داود (3223 ) صحيح
(15) - قلت : هو في صحيح مسلم (2162 ) فقط ، ولم يخرجه البخاري وانظر طرقه ومخرجيه في المسند الجامع (ج 6 / ص 459 ) (4302 ) و(ج 17 / ص 1 ) (13212 )
(16) - صحيح البخاري (1338 ) ومسلم (7395 )
(17) - صحيح البخاري (3976 )
(18) - فوائد تمام (132 ) وأخرجه ابن عساكر (43/312 ) ومُعْجَمُ الشُّيُوخِ لِابْنِ جُمَيْعٍ الصَّيْدَاوِيِّ(326 )
وفي عون المعبود (ج 9 / ص 117 ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ " مَا مِنْ رَجُل يَمُرّ بِقَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّم عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ رُوحه حَتَّى يُرَدّ عَلَيْهِ السَّلَام " وفي شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (8989 ) قَالَ ونا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ أنا هِشَامُ بْنُ سَعْدِ نا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ " (وهو حديث صحيح ) قلت : فالحديث حسن لغيره
(19) - مجموع الفتاوى لابن تيمية (ج 24 / ص 296 ) وانظر (ص 497 ) ففيه نحوه
(20) - سنن أبى داود(3223 ) وهو حديث صحيح
(21) - صحيح البخاري (1338 )
(22) - الروح لابن القيم (ج 1 / ص 5 )(1/36)
المبحث الثامن
سببُ الأخذ بالحديث الضعيف
إن الحديث الضعيف يضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فيقالُ: رويَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وهو مندرجٌ تحت أصلٍ عامٍّ, وله شروط معينةٌ, ولذا فإنَّ سبب أخذ العلماء به يعود لأمور ٍ منها:
? لقد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرواية عن أهل الكتاب, فقال: « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً،وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(1)،مع أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:« لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ, وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (84 ) سورة آل عمران.(2)
ومعلوم أن أهل الكتاب غيَّروا وبدَّلوا, لكن بقي من كتابهم ما لم يتغيَّر،وما ينقلونه منه فمنه مقطوعٌ بكذبه فهذا لا يصدَّقُ, ومنه ما هو مقطوع بصدقه فهذا يصدَّقُ, ومنه ما لا يعلم حاله, فهو مشكوك فيه, ومع هذا فقد أجاز روايته- ما لم يعلم أنه كذب- فإذا جاز رواية ما هذا حاله, وهو عن أهل الكتاب, فما أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,ونقلته من أهل الإيمان والإسلام فهو أولى وأولى, والله أعلم .
? إذا كان سببُ ضعف الحديث هو السقطُ في السند, فذلك للجهالة بحال الراوي المحذوف, هل هو ثقة أم لا, والفقهاء الذين أخذوا بالمنقطع نظروا إلى أنَّ هؤلاء من القرون المفضَّلة, وعامَّتهم من الثقات, ولا يروون إلا ما سمعوا،لذا فلحُسنِ الظنِّ بهم أخذوا بمروياتهم .
ثم إن تدوين السُّنَّة النبوية كان قد ابتدأ منذ العهد الأول, وكثرت الكتب المدوَّنة في القرن الأول والثاني, وأصحاب هذين القرنين الغالب عليهم العدالة والحفظ والأمانة, لأنهم من القرون المفضَّلة التي مدحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: « خَيْرُكُمْ قَرْنِى،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ »(3)..
وبقوله - صلى الله عليه وسلم - :« خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ يَجِىءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ،وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ »(4).
ثم إن الانقطاع في السند في تلك العصور كان أغلبه متعمَّداً،لأنَّ السنَّد لم يعرف قبل الإسلام, ولا في ابتدائه, إنما بدأ الصحابةُ رضي الله عنهم ثم تلاهم التابعون بالتنقير على السَّند من باب الاحتياط على السُّنَّة النبوية, حتى لا يقتحم سورها من ليس أهلاً فيفتضح،ومع هذا فقد وجدَ في التابعين من يروي إرسالاً .
? إذا كان سببُ الضعف ناتجاً عن سوء حفظ الراوي أو وهمه أو غلطه ... وهو لم يصل إلى درجة متدنية جدًّا،فلا يعني أنَّ جميع ما يرويه هو كذلك, بل الغالب على روايته الصواب, وقد يكون قد وهم فيها, فمثل هذا مما يدخل في المتابعات والشواهد, وقد نقِل عن الإمام الدارقطني رحمه الله نماذج كثيرة من هذا النمط, فلو وجد ما يعضده ارتقت روايته إلى الحسن, فإهمالها تضييعٌ لكثير من النصوصِ،التي يمكن أن تحسنَ أو تصحَّ بعد جمع طرقها وشواهدها فيما بعدُ.
? إمَّا إذا كان السببَ نتيجة فحش غلطه وكثرة الوهم في روايته, فهذا وإن كان حديثه منكراً, لكنْ لا يعني أنَّ كلَّ حديثه كذلك, وإذا كان الكاذب قد يصدقُ, فمنْ كان دون ذلك فمن باب أولى, لذا لو وجدَ له طرق كثيرة مختلفة نحو ذلك فإنه يرتقي إلى مرتبة المستور, كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله(5).
? أمَّا إذا كان السببُ لكونه كذاباً أو متهما به, فهذا مردود بالاتفاق, مع أن الكاذب لا يعني أن كلامه كله كذباً, لذا فقد يصدق الكذوب, وهذا ما قاله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة رضي الله عنه في قصة حراسته للصدقة, ومجيء الشيطان في الليل يحثو منه كما في الصحيح .(6)،فإذا كان الكذوب يصدق, فمَن كان دونه فهو أولى .
? إن الأصل في الحديث الضعيف, إذا كان سبب ضعفه الانقطاع, أو سوء حفظ الراوي أو الوهم ... ونحو ذلك هو الصواب, لكن يشكُّ في حديثه, لاحتمال الخطأ, فصار كمن شكَّ في صلاته, هل صلَّى ثلاثا أم أربعاً, فلا يتركْ حديثه, لغلبة الظنِّ على صحته .
? إن الحديث الضعيف إذا كان ضعفه محتملاً -كأن يكون لسقطٍ في السند أو جهالة ٍ أو وهم أو خطأ.. ونحو ذلك هذا يجبر إذا كان له متابعات وشواهدُ, لذا يروَى ويحسَّن بالمتابعات والشواهد،وإن كان سنده ضعيفاً, لأن وجود المتابع والشاهد يزيلُ ما كنا نخشاهُ من الخطأ, وهذا ما تجده بكثرة عند الإمام الترمذي رحمه الله, حيث يحسِّنُ الحديث الضعيف المنجبر بشواهده عندما يقول: وفي الباب(7).
? إن الحديث الحسن لغيره: هو حديث ضعيف وجدَ له متابعٌ أو شاهدٌ, بمثله أو أحسن حالاً منه, فلولم يذكر الضعيف الذي حُسِّنَ ماذا يكون ؟ أليس في ذلك إهدار للحديث ؟
? كم من حديث ضعيف في سنده, ولكنه صحيح المعنى, لذا فمثله لا يترك.
قال الحافظ ابن عبد البرِّ رحمه الله(8): ربَّ حديثٍ ضعيفِ الإسنادِ صحيح المعنى ...
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في تعليقه على حديث ابن عمر رضي الله عنهما(9):
« لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلاَّ سَجْدَتَيْنِ »(10).فهو وإن لم يصحَّ مسندا, فهو صحيحُ المعنى"
وقال أيضاً في تعليقه على حديث السيدة فاطمة رضي الله عنها فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ :« بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ». وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: « بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَحْ لِى أَبْوَابَ فَضْلِكَ »(11).حديث فاطمة وإن كان منقطعَ السند, فإنه متصلُ المعنى ...(12)
? إن الشروط التي وضعها علماء الحديث للعمل بالحديث الضعيف مهمةٌ جدًّا،وتزيلُ كلَّ إشكالٍ؛ ذلك: إذا كان الضعفُ محتملا ونتيجة قطع في السند أو سوء حفظ أو وهم أو غلط ... ولم يوجد في الباب ما يعارضه وهو مندرج تحت أصل معمول به في الشريعة, فيعمل به احتياطاً, فإنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر, فقد أعطيَ حقَّه من العمل,وإلا لم يترتبْ على العمل به مفسدةُ تحليل ولا تحريمٍ,لأنه إنما عمل بالأصل العام،لذا فإخراج علماء الحديث رحمهم الله للحديث الضعيف في مصنفاتهم له ما يبرره،وإنما شددوا احتياطاً على سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,حتى لا يتسلَّطَ عليها من ليس من أهلها, وإلا فلمَ أخرجَ هؤلاء الحافظ تلك الأحاديث في مصنفاتهم, سواء في كتب مفردة أو ضمن الأحاديث الصحيحة, أوليس بإمكانهم تركها, بل حتى الذين أفردوا الصحيح أخرجوها في كتبهم الأخرى, فمن غايرهم فقد خالف منهجهم والله أعلم .(13)
ــــــــــــــــ
__________
(1) - البخاري (3461 ) وسنن أبى داود (3664 ) وانظر طرقه وتخريجه مفصلا في المسند الجامع (ج 11 / ص 427 ) (8665 )
(2) - صحيح البخاري (4485 )
(3) - صحيح البخاري (2651 ،3651 ، 6429 ، 6658 ) ومسلم (6638 )
(4) - صحيح البخاري (2652 ) ومسلم (6632 )
(5) - انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 119 ) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ص 109 )
(6) - انظر الحديث في صحيح البخاري (2311 و3275 و5010 )
(7) - انظر الأحاديث التالية في سنن الترمذي رقم (1، 37 ،66 ،155 ،169 ،176 ،184 ... )
(8) -التمهيد 1/58
(9) - عارضة الأحوذي 2/215-216
(10) - أخرجه الترمذي (421 ) وفيه ضعف ، ومعناه: لاَ صَلاَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلاَّ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ.
(11) - سنن ابن ماجه(820 ) ومصنف ابن أبي شيبة(ج 1 / ص 338 ) (3431 ) ومسند أحمد (27174 ) في سنده ضعف ،ومع هذا فهو صحيح لغيره
(12) - عارضة الأحوذي 2/112 -113
(13) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 99-103(1/37)
المبحث التاسع
كيفَ يُروَى الحديثُ الضعيفُ ؟
يفضِّلُ علماءُ الحديثِ لمنْ يروي حديثاً ضعيفاً بغيرِ إسنادٍ أن لا يروهِ بصيغةِ الجزمِ, فلا يقول: فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا وما أشبه ذلك, بلْ يرويهِ بصيغةٍ تدلُّ على الشكِّ في صحتهِ نحو رويَ أو جاءَ أو نقِلَ أو فيما يروَى ونحو هذا, ويكرهُ قولُ ذلك في روايةِ الحديثِ الصحيحِ, فيجبُ ذكرهُ بصيغةِ الجزمِ, ويقبحُ فيهِ صيغةَ الشكِّ والتمريضِ،كما يكرهُ في الضعيفِ صيغةُ الجزمِ .(1)
وأمَّا إذا نقَلَ حديثاً ضعيفاً أو حديثاً لا يعلمُ حالَه أصحيحٌ أم ضعيفٌ،فإنه يجبُ أنْ يذكرَهُ بصيغةِ التمريضِ،كأنْ يقول: رويَ عنه كذا أو بلغَنا كذا, وإذا تيقَّنَ ضعفَهُ وجبَ عليهِ أنْ يبينَ أنَّ الحديثَ ضعيفٌ, لئلا يغترَّ بهِ القارئُ أو السامعُ, ولا يجوزُ للناقلِ أنْ يذكرَهُ بصيغةِ الجزمِ, لأنهُ يوهمُ غيرَه أنَّ الحديثَ صحيحٌ, خصوصاً إذا كانَ الناقلُ منْ علماءِ الحديثِ الذينَ يثقُ الناسُ بنقلهِم, ويظنون أنهم لا ينسبونَ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً لم يجزموا بصحَّةِ نسبتِه إليه, وقدْ وقعَ في هذا الخطأِ كثيرٌ منَ المؤلفينَ رحمهُم اللهُ وتجاوزَ عنهُم.(2)
وكما يكَرهُ أنْ يُذكرَ الحديثُ الضعيفُ بصيغة الجزم ( نحو : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،أو فعلَ،أو أقرَّ ونحو ذلك ) ،فكذلكَ يكرهُ أن يذكرَ الحديثُ الصحيحُ بصيغةِ التمريضِ(3).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر أصول الحديث ومصطلحه ص 353-354
(2) - أفاده العلامة أحمد شاكر رحمه الله في الباعث الحثيث ص 91
(3) - انظر محاضرات في علوم الحديث د: ماهر ياسين الفحل(ج 1 / ص 14 )(1/38)
المبحث العاشر
الجوابُ عن روايةِ بعض كبار الأئمةِ عنِ الضعفاءِ:
قال الإمام النووي في شرح مسلم: " قَدْ يُقَال لِمَ حَدَّثَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ رَوَوْهَا لِيَعْرِفُوهَا, وَلِيُبَيِّنُوا ضَعْفَهَا؛ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فِي وَقْتٍ عَلَيْهِمْ, أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ, أَوْ يَتَشَكَّكُوا فِي صِحَّتِهَا .
الثَّانِي: أَنَّ الضَّعِيف يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِيُعْتَبَرَ بِهِ أَوْ يُسْتَشْهَدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْل الْمُتَابَعَات, وَلَا يُحْتَجّ بِهِ عَلَى اِنْفِرَاده .
الثَّالِث: أَنَّ رِوَايَات الرَّاوِي الضَّعِيف يَكُون فِيهَا الصَّحِيح وَالضَّعِيف وَالْبَاطِل؛ فَيَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يُمَيِّزُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْإِتْقَان بَعْضَ ذَلِكَ مِن بَعْضٍ, وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ مَعْرُوف عِنْدهمْ . وَبِهَذَا اِحْتَجَّ سُفْيَان الثَّوْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه حِين نَهَى عَنْ الرِّوَايَة عَنِ الْكَلْبِيّ, فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تَرْوِي عَنْهُ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ مِن كَذِبِهِ .(1)
الرَّابِع: أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْهُمْ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ, وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ, وَالْقَصَص, وَأَحَادِيث الزُّهْد, وَمَكَارِم الْأَخْلَاق, وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِر الْأَحْكَام, وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْحَدِيث يَجُوز عِنْد أَهْل الْحَدِيث وَغَيْرهمُ التَّسَاهُل فِيهِ .
وَرِوَايَة مَا سِوَى الْمَوْضُوع مِنهُ(2)وَالْعَمَل بِهِ, لِأَنَّ أُصُول ذَلِكَ صَحِيحَة مُقَرَّرَة فِي الشَّرْع مَعْرُوفَة عِنْد أَهْله . وَعَلَى كُلّ حَال فَإِنَّ الْأَئِمَّة لَا يَرْوُونَ عَنِ الضُّعَفَاء شَيْئًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى اِنْفِرَاده فِي الْأَحْكَام, فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَفْعَلُهُ إِمَامٌ مِن أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ, وَلَا مُحَقِّقٌ مِن غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ .
وَأَمَّا فِعْلُ كَثِيرِينَ مِنَ الْفُقَهَاء أَوْ أَكْثَرِهِمْ ذَلِكَ, وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَيْهِ, فَلَيْسَ بِصَوَابٍ, بَلْ قَبِيح جِدًّا, وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْرِف ضَعْفَهُ لَمْ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَحْتَجّ بِهِ . فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ بِالضَّعِيفِ فِي الْأَحْكَام, وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ ضَعْفُهُ, لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَهْجُم عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ مِن غَيْر بَحْثٍ عَلَيْهِ بِالتَّفْتِيشِ عَنْهُ إِنْ كَانَ عَارِفًا, أَوْ بِسُؤَالِ أَهْل الْعِلْم بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا . وَاَللَّه أَعْلَمُ "(3).
قلت : وهو كلام في غاية الروعة،وأما كلامه(فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ بِالضَّعِيفِ فِي الْأَحْكَام ) .
قلت : قد احتجُّوا به في صور كثيرة جدا ولا سيَّما إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه،وهو قول الأكثرين إن لم يكن قول الجميع،وقد مرَّ هذا البحثُ سابقا،إلا إذا قصد شديدَ الضعف أو في أصول الحلال والحرام،فعندئذ يسوغُ كلامُه . والله تعالى أعلم .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي (ص 115 ) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (ج 3 / ص 40 )
(2) - والمتروك كذلك على رأي الكثيرين .
(3) - شرح النووي على مسلم(ج 1 / ص 62 ) و1/125-126 وقواعد التحديث 114-115 ، وانظر كلام الإمام أحمد في إعلام الموقعين عن رب العالمين(ج 1 / ص 97 ) و(ج 5 / ص 60 )(1/39)
المبحثُ الحادي عشر
مسائلُ تتعلقُ بالحديث الضعيف(1):
الأولى- إذا رأيتَ حديثًا بإسنادٍ ضعيف, فلكَ أن تقول: هو ضعيف بهذا الإسْناد, ولا تقل: ضعيف المتن ولا ضعيفٌ, ولا تطلق لمجرَّد ضعف ذلكَ الإسْنَاد فقد يكون له إسناد آخر صحيح - لا سيما إن كان معناه غير مخالف للأصول الشرعية المعتبرة- إلاَّ أن يقول إمامٌ من أئمة الجرح والتعديل: إنَّه لم يُرو من وجه صحيحٍ،أو ليس له إسْنَادٌ يثبت به, أو إنَّه حديثٌ ضعيفٌ, مُفسِّرًا ضعفَه.
ومع هذا،فقد قال عدد من أئمة الجرح والتعديل ذلك،ولم يسلِّم لهم من جاء بعدهم به.
الثانية- منْ أرادَ روايةَ حديثٍ ضعيفٍ بغير إسنادٍ فلا يقلْ"قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "،بل يقول:رويَ عنه كذا أو بلغنا عنه كذا أو بلغنا عنه كذا, أو ورد عنه أو جاء عنه أو نقل عنه" وما أشبه ذلك منْ صيغِ التمريضِ,كروَى بعضهُم وكذا يقول: فيما يشكُّ في صحتهِ وضعفهِ ..
الثالثة - لا يتصدَّى للجوابِ عن الحديثِ المشكِل إلا إذا كانَ صحيحاً،وأمَّا إذا كان ضعيفاً فلا .
قال العلامة السيد أحمد بن المبارك في"الإبريز" في خلال بحثٍ في بعض الأحاديثِ الضعيفةِ:"وإنْ كانَ الحديثُ في نفسِه مردوداً هانَ الأمرُ, وللهِ درُّ أبي الحسنِ القابسي - رحمه الله - حيثُ اعترض على الأستاذِ أبي بكر بن فوركٍ- رحمه الله - حيثُ تصدَّى للجوابِ عن أحاديثَ مشكلةٍ وهيَ باطلةٌ،قال القابسي:"لا يتكلَّفُ الجوابَ عن الحديثِ حتى يكونَ صحيحاً والباطلُ يكفي في ردِّه كونُه باطلاً" انتهى
وقال ابن حجر الهيتمي:" ..مع أن البارزي حكى عن القادسي أنهُ كان يدعو على ابن فورك من أجل أنه أدخل في كتابه أحاديثَ مشكلةٍ, وتكلَّف الجواب عنها مع ضعفها فكان في عدم ذكرها غناء عن ذكرها انتهى .
وليس هذا الدعاءُ في محلِّه بل هو من بعضِ التعصُّب, وكيفَ وابن فورك إمامُ المسلمينَ والذابُّ عن حمَى حومةِ الدِّين،وإنما تكلَّف الجوابَ عنها مع ضعفِها لأنهُ ربما تشبثَ بها بعضُ منْ لا علمَ له بصحيحِ الأحاديثِ منْ ضعيفِها, فطلبَ الجوابَ عنها بفرضِ صحتِها, إذِ الصحَّةُ والضَّعفُ عندَ أئمةِ الحديثِ ليسا منَ الأمور القطعيةِ بلِ الظنيَّةِ, والضعيفُ يمكنُ أنْ يكونَ صحيحاً،فبهذا الغرضِ يحتاجُ إلى الجوابِ عنه،فما فعلَهُ ابنُ فورك هو الصوابُ فجزاهُ الله عن المسلمينَ خيرا"(2).
قال القاسمي:" وأما اعتذار ابن حجر الهيتمي في"فتاواه الحديثية" عن ابن فورك .. فلا يخفَى ما فيهِ إذِ الكلامُ معَ مَنْ يعلمُ ومنْ لا يعلمُ،فأحقرُ مِن أنْ يتمحلَّ لهُ, والإمكانُ المذكورُ لا عبرةَ بهِ, لأننا نقفُ معَ ما صححوه أو ضعَّفوه وقوفَ الجازمِ به،ونطرحُ ذاك الفرضَ الذي لا عبرةَ له في نظرِ الأئمةِ إذ لا ثمرةَ لهمْ فافهَمْ.(3)وفي الموعظةِ الحسنةِ:" لا يستحقُّ ما لا أصلَ لهُ أنْ يشتغلَ بردِّه, بلْ يكفي أنْ يقالَ:"هذا كلامٌ ليسَ منَ الشريعةِ" وكلُّ ما هو ليسَ منها فهو ردٌّ أي مردودٌ على قائلِه مضروبٌ في وجهِه" .
نعم لو اختلِفَ في صحَّةِ حديثٍ لعلةٍ فيهِ رآها بعضُهم غيرِ قادحةٍ, فصححَهُ وخالفَهُ آخرٌ فلا بأسَ أنْ يشتغلَ بتأويلِ هذا المعلَّل المختلَّف في صحَّتهِ لاحتمالِ صحتِه فيتأوَّلُ على هذا التقديرِ" .(4)
الرابعة - قال الإمام السيوطي:" إذا قال الحافظُ المُطَّلع الناقد في حديث: لا أعرفهُ, اعْتُمد ذلك في نفيه, كما ذكر ابن حجر.
فإن قيل: يُعارض هذا ما حُكي عن أبي حازم: أنَّه روى حديثًا بحضرة الزُّهْري فأنكرهُ وقال: لا أعرفُ هذا. فقيل له: أحفظتَ حديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهُ؟ قال: لا. قال: فنصفه؟ قال: أرجُو. قال: اجعل هذا من النِّصف الَّذي لم تعرفه, هذا وهو الزُّهْري, فما ظنَّكَ بغيره.
وقريبٌ منه ما أسندهُ ابن النجَّار في «تاريخه» عن ابن أبي عَائشة قال: تكلَّم شاب يومًا عند الشَّعبي, فقال الشَّعبي: ما سمعنَا بهذا؟ فقال الشَّاب: كل العلم سمعتَ؟ قال: لا. قال: فشِطْرهُ؟ قال: لا. قال: فاجعل هذا في الشِّطر الَّذي لم تسمعهُ, فأفحم الشَّعبي.
قُلنا: أُجيب عن ذلك بأنَّه كان قبل تدوين الأخبار في الكُتب, فكان إذ ذاك عند بعض الرُّواة ما ليسَ عند الحُفَّاظ, وأمَّا بعد التدوين والرُّجُوع إلى الكُتب المُصنَّفة فيَبْعُد عدم الاطلاع من الحافظ الجَهْبذ, على ما يُوردهُ غيره, فالظَّاهر عدمه .
وقد ألَّف عُمر بن بدر المَوْصلي, وليسَ من الحُفَّاظ كتابًا في قولهم: لم يصح شيء في هذا الباب, وعليه في كثير مِمَّا ذكره انتقاد".(5)
الخامسة- قولهم: هذا الحديث ليسَ له أصلٌ, أو لا أصلَ له،قال ابن تيمية: معناهُ ليسَ لهُ إسْنادٌ.(6)
السادسة - قال الحافظ ابن حجرفي تعليقه على حديث )َ الصبحة تمنع الرزق ) قلت: ابْن أبي فَرْوَة هُوَ إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْمدنِي رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ تكلمُوا فِيهِ لَكِن لم يتهم بِالْكَذِبِ نعم لَهُ مَنَاكِير وعد ابْن عدي هَذَا الحَدِيث من مَنَاكِيره،وَكَونه مُنْكرا لَا يسْتَلْزم أَن يكون مَوْضُوعا"(7)
وقالَ الزركشيُّ(8):"بين قولِنا موضوعٌ وقولِنا لا يصحُّ بونٌ كثيرٌ،فإنَّ في الأولِ إثباتَ الكذبِ والاختلاقِ وفي الثاني إخباراً عن عدمِ الثبوتِ،ولا يلزمُ منه إثباتٌ العدمِ،وهذا يجيءُ في كلِّ حديثٍ قال فيه ابن الجوزي لا يصحُّ ونحوه.(9)
السابعة - كثيراً ما يغترُّ منْ لم يصلْ إلى درجةِ الاجتهادِ في هذا الفنِّ بتضعيفِ بعضِ الأئمةِ لحديثٍ ما فيحكمُ عليه بالضعفِ مطلقاً,كاغترارهِ بقولِ الإمامِ الذهبيِّ على المستدركِ,أو الهيثميِّ في المجمعِ عندما يضعِّفُ أحدهُما حديثاً لعلةٍ في سندهِ , إذْ ليسَ منَ الضروري أن يكونَ متنُه ضعيفاً,لأنهما يتكلمانِ عن سندٍ معيَّنٍ, وما أكثرَ الأحاديثَ الصحيحة التي جاءت بعض أسانيدِها ضعيفةً .
مثالٌ: ففي مجمع الزوائد:
(2 ) وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ:" مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ لَهُ نَجَاةٌ" . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى, وَفِي إِسْنَادِهِ: كَوْثَرٌ, وَهُوَ مَتْرُوكٌ ."ولكن لهذا المتن شواهد صحيحة تقويه .
(4 ) وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" . قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ فَقُلْتُ: قَالَ:لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" فَقَالَ:عُمَرُ: ارْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا عَلَيْهَا, فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:" مَا رَدَّكَ ؟" فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ, فَقَالَ:" صَدَقَ" . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى, وَفِي إِسْنَادِهِ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَهُوَ مَتْرُوكٌ " أقول: سويد ضعيف, والمتن صحيح له شواهد صحيحة ذكرتها في مكانها.
( 6 ) وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا رَدِيفُهُ, فَقَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" يَا سُهَيْلُ بْنَ الْبَيْضَاءِ", وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا, كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُهُ سُهَيْلٌ, فَسَمِعَ النَّاسُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُهُمْ, فَحُبِسَ مَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَحِقَهُ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ, حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا قَالَ:رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ, وَأَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ" . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَمَدَارُهُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ, قَالَ:ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدْ رُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ مُرْسَلًا, وَابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلًا" أقول: الحديث صحيح لشواهده الكثيرة(10)
( 9 ) وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذْ حَضَرَ, قَالَ: أَدْخِلُوا عَلَيَّ النَّاسَ, فَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: " مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ", وَمَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ, وَالشَّهِيدُ عَلَى ذَلِكَ عُوَيْمِرٌ أَبُو الدَّرْدَاءِ . فَانْطَلَقُوا إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي, وَمَا كَانَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ إِلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ, إِلَّا أَنَّ أَبَا صَالِحٍ لَمْ يَسْمَعْ مِن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ" أقول: ورد من طرق أخرى صحيحة(11)
الثامنة- تقديمُ الإمام أبي حنيفةَ ( رحمه اللهُ ) الحديثَ الضَّعيفَ على القياسِ .
قال الإمام ابن حزم:"جميعُ الحنفية مجمعون على أنَّ مذهبَ أبي حنيفةَ (رحمه اللهُ ) أنَّ ضعيفَ الحديثِ أولى منَ القياسِ ولا يحلُّ القياسُ مع وجودهِ"(12).
وقال علي القاري في المرقاة:" إن مذهبهُم القويَّ تقديمُ الحديثِ الضعيفِ على القياسِ المجرَّدِ الذي يحتملُ التزييفَ"(13).
أقول: فاتهامهم بأنهم أصحابُ رأي،وأنَّ بضاعتهم في الحديث مزجاةٌ , فيه شططٌ كبيرٌ،وعصبيةٌ مقيتة .
روى الخطيب عن عَبْدَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ , يقول: " لِيَكُنِ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ , وَخُذْ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكَ الْحَدِيثَ"(14)
التاسعة -" حَكَى ابن مَنْده أنَّه سمعَ مُحمَّد بن سعد الباوردي يقول: كان من مذهب النَّسائي أن يُخرِّج عن كلِّ من لم يُجْمع على تَرْكه.
قال ابن منده: وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه, ويُخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجدْ في الباب غيره, لأنَّه أقوى عنده منْ رأىِ الرجال.
وهذا أيضًا رأي الإمام أحمد, فإنَّه قال: إنَّ ضعيفَ الحديث أحبُّ إليه من رأي الرِّجال, لأنَّه لا يُعدلُ إلى القياسِ, إلاَّ بعدَ عدمِ النصِّ.."(15)
قلتُ: والمقصودُ به الضعيفُ ضعفاً يسيراً, وليس شديدَ الضعفِ ولا الموضوعِ كما هو معلومٌ،وهذا مذهب سائر أهل العلم على التحقيق .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر قواعد التحديث للقاسمي(ج 1 / ص 81 ) وتدريب الراوي للسيوطي(ج 1 / ص 231 )
(2) - الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي(ج 1 / ص 234 )
(3) - قلت : هذا الاعتراض صحيح إذا جزم عالم كبير من علماء الحديث كالحافظ ابن حجر رحمه الله على وضعه أو ضعفه الشديد .
(4) - قواعد التحديث للقاسمي(ج 1 / ص 82 )
(5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي(ج 1 / ص 231 ) وقواعد التحديث للقاسمي(ج 1 / ص 82 )
(6) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي(ج 1 / ص 231 )
(7) - القول المسدد (ج 1 / ص 37 ) و ذيل القول المسدد (ج 1 / ص 62 ) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ج 1 / ص 8 )
(8) - الرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ج 1 / ص 8 )
(9) - قواعد التحديث ج:1 ص:122
(10) - انظر مسند أحمد 3/135 و451 و4/402 و5/236 و318 والصحيحة (1135 ) والمطالب (2845 ) .
(11) - انظر المستدرك 3/247 و ابن سعد 6/29 والبخاري 1/44 ومسلم الإيمان 152
(12) - ملخص إبطال القياس ص 98 والإحكام 7/54
(13) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(ج 1 / ص 3 )
(14) - الفقيه والمتفقه للخطيب (1068 )
(15) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي(ج 1 / ص 112 )(1/40)
المبحث الثاني عشر
مصادرُ الأحاديث
1
مصادر الأحاديث الضعيفة
1 ـ السُّنَنُ الأربعةُ
2 ـ سنن البيهقي
3 ـ سنن الدارقطني
4 ـ شعب الإيمان للبيهقي
5 ـ الكامل في الضعفاء لابن عدي
6 ـ الضعفاء للعقيلي
7 ـ المجروحين لابن حبان
7 ـ تاريخ ابن عساكر
9 ـ تاريخ بغداد للبغدادي
10 ـ حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني
11 ـ مجمع الزوائد للهيثمي
12 ـ المطالب العالية لابن حجر العسقلاني
13 ـ فردوس الأخبار للديلمي
14 ـ مسند الشهاب للقضاعي
15 ـ الترغيب والترهيب للمنذري
16 ـ إحياء علوم الدين للغزالي
17 ـ سلسلة الأحاديث الضغيفة للشيخ ناصر الدين الألباني, وهو منازَعٌ في كثير منها .
2
مصادرُ الأحاديثِ الواهية والموضوعة
1 ـ علل الحديث للدارقطني
2 ـ العلل لابن أبي حاتم
3 ـ العلل الواهية لابن الجوزي, وهو منازعٌ في بعضها
4 ـ الميزان للإمام الذهبي
5 ـ لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني
6 ـ موضوعات ابن الجوزي , وهو منازع في بعضها
7 ـ اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للإمام السيوطي
8 ـ تنزيه الشريعة لابن عراق
9 ـ الفوائد المجموعة للشوكاني
10 ـ الأسرار المرفوعة للقاري
11 ـ الموضوعات الصغرى للقاري
12 ـ الروض الفائق في المواعظ والرقائق شعيب الحريفيش
13 ـ إحياء علوم الدين للغزالي
14 ـ تنبيه الغافلين للسمرقندي
15 ـ عرائس المجالس للثعالبي
16 ـ الدر المنثور للسيوطي
17 ـ دلائل النبوة لأبي نعيم
18 ـ دلائل النبوة للبيهقي
19 ـ الخصائص الكبرى للسيوطي
20 ـ المواهب اللدنية للزرقاني
21 ـ ضعيف الجامع الصغير وزياداته للألباني،وهو منازع في بعضها
ــــــــــــــــ(1/41)
3
مصادرُ الحديثِ الصَّحيح والحسن
1 ـ الصحيحان للبخاري ومسلم
2 ... -سنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة
3 ... - جامع الأصول لابن الأثير للشيخ عبد القادر الأرناؤوط
4 ... -صحيح ابن خزيمة
5 ... -صحيح ابن حيان الإحسان تحقيق شعيب الأرناؤوط
6 ... -الفتح الرباني شرح مسند الإمام احمد للساعاتي, وكذا مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط
7 ... -مستدرك الحاكم
8 ... -السنن الكبرى للبيهقي
9 ... -مجمع الزوائد للهيثمي
10 ... -المطالب العالية لابن حجر
11 ... -مصنف عبد الرزاق
12 ... -مصنف بن أبي شيبة
13 ... -فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي
14 ... -شرح السُّنَّة للبغوي
15 ... -السلسلة الصحيحة للألباني
16 ... -صحيح الجامع الصغير وزياداته له
17 ... -سنن الدارمي
18 ... -الترغيب والترهيب للمنذري
19 ... -موسوعة السُّنَّة النبوية للمؤلف ـ الشيخ علي بن نايف الشحود - مخطوطة
خاتمةٌ
خلاصةُ هذا الموضوع
1- حديثُ الآحاد الصحيح والحسن لا خلاف بين أهل العلم في وجوبِ العمل به, وهناك اختلافُ كبير بين العلماء حول إفادة خبر الواحد العدل القطع واليقين أم غلبة الظنِّ.
2- الحديث المتواتر يفيد القطع واليقين, وتبنى عليه أصولُ العقيدة وأصولُ الشريعة, ويوجبُ العمل, ويكفر منكره بعد إقامة الحجَّة عليه .
3-جواز العمل بالحديث الضعيف- ضعفاً يسيراً- في الفضائل والترغيب والترهيب والزهد والمغازي والقصص ونحو ذلك,دون العقائد, والأحكام في الحلال والحرام, وهذا مذهب عامة أهل العلم, بل نقل الإمام النوويُّ رحمه الله الإجماع عليه, كما تساهلوا في عدم ذكر ضعفهِ . ولكن الإمام النوويَ شرط بيان الضعفِ كما هو مبين في فتاويه .(1)
4- جوازُ العملِ بالحديث الضعيف- ضعفاً يسيراً- في الأحكام إذا لم يوجد في الباب حديثٌ صحيحٌ أو حسنٌ, كما مرَّ عن الإمام أحمد وأبي داود, وهو منقول عن أبي حنيفة,بل نقله الإمام ابن القيم عن عامة أهل العلم(2). وقد ذكرنا أمثلة على ذلك, مع ضعف الأحاديث فيها عند المحدِّثين, ومع هذا فقد ذهب أهل العلم إلى العمل بها .
5-جوازُ العمل بالحديث الضعيف إذا انتشر وتلقته الأمة بالقبول, وهذا متفقٌ عليه أيضاً .
? جواز العمل بالضعيف إذا كان له شواهد ومتابعات،كما هو صنيع الإمام الترمذي رحمه الله .
6-ما نقِلَ عن بعض العلماء كالقاضي أبي بكر العربي وغيره من عدم العمل به مطلقاً, فما هو موجود في كتبهم يغاير ذلك, مع التفريق في المواضيع, وقد وجه بعضهم فيما إذا كان شديد الضعفِ والله أعلم .
7- ما ذكره بعض العلماء أن الحديث الضعيف عند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, يعني به الحسن عند غيره, فهذا القولُ يردُّه قول الإمام أحمد نفسه وفعله, وإنما هو الضعيف كما هو عند عامة المحدِّثين .
كل هذا دالٌّ على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ونحوها, من الترغيب والترهيب والرقائق والزهد والقصص, مما فيه ترغيب في أمور الآخرة, وترهيب وزجر عن المعاصي, شريطة ألا يكون الضعفُ شديداً, مع تبيان سبب الضعف, وأن يروَى بصيغة التمريض, ليعرَفَ أنه غير صحيح - خاصة ممن يشتغل في الحديث وعلومه - وأما في الأحكام ونحوها من الحلال والحرام, فلا يصحُّ الأخذ به طالما فيه أحاديث صحيحة أو حسنة, أمَّا إذا خلا الباب من الصحيح وما يقاربه, ولم يبق إلا الضعيف, فالأولى الانكفافُ لأجلهِ,استحباباً لا وجوباً . لأنه أولى من رأي الرجال,لذا يؤخذ به احتياطاً, لأن رأيَ الرجال محضُ اجتهادٍ, قد يخطئ وقد يصيب, أمَّا الحديث الضعيف فقد يكون - هو في الأصل- حديثاً قد قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - , وقد لا يكون،فإن كان قد قاله - وإن لم يصح السند- فهو قد أخذ حظَّهُ من العمل به،لأننا مطالبون بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعه, وإن لم يصحَّ فقد عملنا بالأصل العام الذي اندرج الحديثُ تحته .
أمَّا في العقائد فلا يؤخذ به, لأنه لا بدَّ من القطع أو الجزم بصحته،وليس في العقائد ظنٌّ أو احتياطٌ .(3)
8- لا يعمل بالحديث الضعيف إذا كان هناك حديثٌ صحيحٌ أوحسنٌ, يغني عنه في المسألة نفسٍها،إذا وصل ذلك للمحدِّثِ أو الفقيهِ أو الزاهدِ.
9-لا يجوزُ معارضةُ الحديث الصحيح بضعيفٍ أصلاً, وإنما يعارضُ بمثله أو بما هو أقوى منه .
10- الحرصُ على السُّنَّة النبوية الشريفة بعمومها - لأنها- إضافة إلى أنها من الوحي الذي خصَّ الله به نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - , فهي - المتممُ والمفسِّرُ والمقيِّدُ .. لما في القرآن الكريم, وهي المصدر الثاني للتشريع .
11- العملُ على نشر السُّنَّة النبوية والتمسكِ بها, والعمل بما جاء فيها, لأن ما ثبت فيها كما ثبت في القرآن الكريم ،فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِى شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِن حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِىِّ وَلاَ كُلُّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ أَلاَ وَلاَ لُقَطَةٌ مِن مَالِ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ »(4)..
12-العملُ على منع غير أهل الاختصاص من تحقيق كتب الحديث،وتخريجها, والتعليق عليها, وفضحهم - خاصة ممن ثبتت خيانته, وتغييره واعتداؤه, كما كان يفعلُ الأئمة في القرون الأولى, لأن خطأ هؤلاء كبير, والخلط الذي يقع في تلك الكتب جسيمٌ .
13- يجبُ نشرُ الأحاديث المقبولةِ بين طلاب العلم في بداية تحصيلهم العلمي,وتحاشي الضعيف فما دون, إلا بعد تمكنهم من التمييز بينهما, وحفظ العدد الكثير من الأحاديث المقبولة ( الصحيحة والحسنة بشقيها )
14- لا يجوز رواية الأحاديث الواهيةِ والموضوعةِ إلا على سبيل القدحِ والتحذير منها،وبالطبع لا يجوز العمل بها بتاتا,كما لا يجوزُ روايةُ القصصِ والخرافاتِ والإسرائيلياتِ المنافيةِ لشرعِنا إلا مع بيانِ بطلانها.
15-على طالبِ العلم أنْ لا يحدِّثَ بحديثٍ حتى يعرفَ أهو صحيح أم لا, وعليه تحرِّي الصحةَ في أقواله ومواعظه ما أمكن ذلك .
16- إذا كان في الحديثِ ( الصحيح والحسن بشقيه والضعيفِ ضعفاً يسيرا ) إشكالٌ في معناه فيجبُ شرحُ معناهُ وفق أصولِ التفسيرِ الموضوعة في هذا الفنِّ, مع الرجوع لكتب مشكل الحديث ككتاب الإمام الطحاوي ونحوه .
17- على طالبِ العلم عدمُ التسرُّع في الحكم على حديثٍ ما إلا بعد التأكُّد منْ أقوالِ أهلِ العلمِ فيه, وبعد البحث عن شواهده وطرقه ومتابعاته.
18- إنَّ علماء الجرح والتعديل منهم المتشددُ, ومنهم المعتدلُ, ومنهم المتساهلُ, وقد ذهب عامةُ علماء الحديث إلى اعتماد الاعتدال في الجرح والتعديل, مع شروطه المعروفة, لذا لا يحسن اعتماد منهج المتشددين في تجريح الرواة, والحكم على الحديث بالضعف،ولا اعتماد منهج المتساهلين في تعديل الرواة, والحكم على الحديث بالصحة أو الحسن, فكلاهما مخالف لعامة أهل العلم, فلو أخذنا بقول المتشددين- كما يفعل كثير من علماء العصر - لأنكرنا كثيرا من السُّنَّة النبوية الثابتة, ولو أخذنا بمنهج المتساهلين في الجرح والتعديل - ككثير من السابقين وبعض اللاحقين, لنسبنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله, وخير الأمور أوسطها, قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ..} (143 ) سورة البقرة.
19- لا يجوزُ الخروج على القواعد والضوابط التي وضعت للحكم على الحديث صحة وضعفاً, فيجب اعتماد ما ذهب إليه جمهور علماء الحديث .
20- عدم اعتماد الشاذِّ من آراء العلماء, وجعله ديناً, يتسلَّطُ به على الرقاب،وإن كان صاحبه ذا مرتبةٍ عالية مرموقةٍ, لأنَّ الكثرةَ مظنَّةُ الصوابِ, سواء كان ذلك في الحكم على الحديث أو الفكرة أو الجرح أو التعديل .
21- إنَّ عمل الفقهاء بالحديث الضعيف - إذا لم يكن في الباب حديثٌ مقبولٌ- هو خيرٌ من آراء الرجال, لذا ما من أمامٍ إلا وعمل بحديث ضعيف في الأحكام, حتى من نُسِبَ منهم إلى التشدد في ذلك .
22- إَّنَّ تقسيمَ كتب الحديث المعتمدة - اليوم- إلى صحيح وضعيف: هو خروجٌ عن مذهب علماء الأمة والمتقدمين والمتأخرين, واعتداء على أصحاب تلك الكتب،لأنه ما من واحدٍ منهم إلا كان بإمكانه تقسيم كتابه إلى ذلك, لأنهم حفاظٌ متقنون،وقادرون على ذلك, فلما لم يفعلوا دلَّ على اعتماد منهج معين عنده, ومن أراد تقسيم كتابٍ منها فليفعل ذلك لنفسه من غير اعتداء على كتب الأقدمين, خاصة ونحن نرى ما في تلك الكتب الجديدة من خروج على منهج السابقين, سواء في التصنيف أو الجرح والتعديل, ولكن لا مانع من اختصار أي كتاب كان وتهذيبه, ليكون بين يدي عامة الناس, كما فعل الأقدمون حيث اختصروا بعض الكتب من أجل عامة الناس, وليس للعلماء, كمختصر صحيح البخاري ومختصر صحيح مسلم, ومختصر الترغيب والترغيب والترهيب مثلا, وأن يبين منهجه في الاختصار بشكل دقيق وواضح, دون الخروج عن القواعد والضوابط التي وضعت في هذا الفنِّ .
23-إنَّ إدراجَ الحديث الضعيف - ضعفاً يسيراً- مع الموضوع في حكم واحد, والتحذير منهما معاً, واعتبارهما خطراً على الأمة: هو اعتداءٌ سافرٌ على علماء الأمة, سلفِها وخلفِها, الذين فرَّقوا بين الضعيف ضعفاً يسيراً وبين شديد الضعف, وبين الموضوع, بل وبدعة منكرة لا أساس لها من الدِّينِ،وعدم فهم لكلام العلماء السابقين, وتقويلهم ما لم يقولوا, حيث إننا لا نجد أحدا من العلماء السابقين ساوى بين الحديث الضعيف ( ضعفاً يسيراً ) والحديث الموضوع،فيجب التفريق بين الأمرين حكماً وعملاً .
24- هناك فرق كبير بين منهج المحدِّثين ومنهج علماء السير والمغازي في التصنيف, مع أن كل علماء السير والمغازي الأوائل من علماء الحديث, ومع هذا فقد اختطوا لأنفسهم منهجاً في السير والمغازي يختلف عن منهج روايات الحديث, وذلك بذكر الرواية في السيرة من غير سندٍ, أو بذكر بعضه وإرسال الباقي, لذا فإن من الخطأ تطبيق منهج المحدِّثين - مع أنه تأخر لفترة من الزمن - على فعل أهل المغازي والسير .
فلو أخذنا بمنهج المحدِّثين في نقد روايات السيرة النبوية - كما فعله بعض المعاصرين - لوقعنا في أخطاء جسيمة, ولتركنا جزءا مهماً جدًّا من السيرة النبوية العطرة, والتي أمرنا الله تعالى بالإقتداء بصاحبها - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21 ) سورة الأحزاب .
لذلك نجد أن من كتب في السيرة النبوية من المحدثين, كالإمام ابن كثير رحمه الله, لم يسلك مسلك المحدثين في روايات السيرة ولا تلميذه الإمام الذهبي في السير ولا التاريخ, فدلَّ ذلك على أن ما فعله هؤلاء المعاصرون - مع تقديرنا لجهودهم- هو مخالفٌ لما عليه كتَّابُ السيرة من السلف والخلف فهناك فرق كبير بين رواية الموضوعات والمناكير في السيرة النبوية - كما فعله بعض المتقدمين - وبين رواية الضعيف المحتمل, الذي لا يخالف الصحيح والمشهور منها, بل يعضدها ويؤيدها .
25- لا يجوز فتح باب نقد المتون, وإعمال العقول القاصرة في النقد - كما يفعل بعض علماء العصر, الذين أنكروا كثيراً من الأحاديث المتفق على صحتها, بحجة مخالفتها لعقولهم القاصرة - فإنه إذا فتحَ هذا البابُ نكون بذلك قد فتحنا باب شرٍّ على السُّنَّة،لن يغلقَ بسهولةٍ بعد ذلك, بل يجبُ علينا الوقوف صفًّا واحداً في وجه التحديات, والطعون التي تسلَّطُ على السُّنَّة النبوية - سواء من الكفار أو من قبل بعض المسلمين الذين تأثروا بحضارة الغرب العفنة, وبمقاييسها الضحلة،الذين يوجهون سهامهم بقصد التشويش والتشكيك, وردِّ شبههم ودحض مفترياتهم .
26- على كلِّ طالب علم يخاف الله تعالى أن يبحث مسائل الخلاف بموضوعية تامة, بعيداً عن ضغوط الواقع ومنحنياته المتعرجة, وليكن رائده نصرة الحقِّ ليس إلا, ولكن عليه جمع شتات المسألة المتنازع فيها من مصادرها الرئيسة, وبحثها بحثاً هادئا،والنظر في أدلة المختلفين بدقةٍ تامةٍ, بعيداً عن الآراء المسبقة, وضيق الأفق, راجياً من بحثه لمَّ شعث المختلفين, ورأب الصدع, بعيداً عن التجريح, وأن يكون رائده قول الأئمة السابقين" قولي صوابٌ يحتملُ الخطأَ, وقولُكَ خطأُ يحتمل ُ الصوابَ", فجميعُ القضايا المختلف فيها بين أئمة الإسلام, لا تتعدى ذلك, فليس فيها حقٌّ وباطلٌ, وإنما صوابٌ وخطأٌ أو بين بين, فكلُّهم على خير, وكلهم كان عمدته السُّنَّة النبوية المطهرة بعد القرآن الكريم , فلسنا بأحرصَ على السُّنَّة منهم, فكلُّ بحثٍ يفرِّقُ جمع المسلمين, ويشتِّتُ كلمتهم لا خيرَ فيه .
27- على المسلمين - خاصة أهل العلم, والغيورين منهم - أن يمسكوا عما بينهم من خلاف في الفروع,احتمله الأقدمون, وكذا فيما لا يخرج من الملة, لأنَّ الإسلام في هذا الزمان في محنةٍ شديدةٍ, والسهام موجهةٌ عليه من كلِّ حدَبٍ وصوبٍ, لذا لزم على المسلمين رصَّ صفوفهم فيما بينهم, ونسيان ما بينهم من خلاف،لملاقاة العدو الأكبر, والذي تسلَّط على كثير من بلدان المسلمين الواحدة بعد الأخرى .
إنَّ مثل المسلمين فيما بينهم كنار تشتعل, فعلى الجميع أن يتعاونوا على إطفائها, بأن يسكبَ كلُّ واحدٍ منهم ما يقدر عليه من الماء على تلك النار, ويطفئ منها ما يستطيع, حتى تنطفئ, وإلا فإن النار سوف تستعرُ, وتصلُ إلى الجميع, والمشتكى إلى الله تعالى .
إنَّ نقاط الالتقاء بين المسلمين لا يمكنُ عدُّها لكثرتها, أمَّا نقاط الخلاف الحقيقية فهي محدودة جدًّا،لذا على الغيور على دينه أن يعلم أن الخلاف شرٌّ،فعَنِ الأَعْمَشِ قَالَ:حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يقول: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضى الله عنه - بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ, فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ, وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنه - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ, وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ, فَلَيْتَ حَظِّى مِن أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ .متفق عليه .(5)
زاد أبو داود في روايةٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ:فَقِيلَ لَهُ:عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعًا قَالَ: الْخِلاَفُ شَرٌّ.(6)
فالخلاف شرٌّ وبلاءٌ, فهل يعي المسلمون هذه الحقيقة ؟؟ .
28-إبراز منهج المحدِّثين, وأنه لا يوجد فنٌّ في العالم خُدِمَ كما خدمتِ السُّنَّة النبويةُ, كل ذلك من أجل الحفاظ على الشريعة, إذ لولا الجهود المضنية التي بذلها علماء الحديث رحمهم الله تعالى وأسكنهم فسيح جناته, لحصل في رسالة الإسلام ما حصل في الرسالات الأخرى،ولكنَّ الله تعالى الذي تكفَّل بحفظ هذا الدين قيَّضَ له هؤلاء الجهابذة, فبذلوا الغالي والنفيس قبل الرخيص في سبيل الحافظ عليه .
وهاتان قصتان عنهم الأولى عن أحفظ الصحابة على الإطلاق فعَنْ مُحَمَّدٍ،قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ،فَتَمَخَّطَ،فَمَسَحَ بِرِدَائِهِ،وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الكَتَّانِ،لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَالمِنبَرِ مَغْشِيّاً عَلَيَّ مِنَ الجُوْعِ،فَيَمُرُّ الرَّجُلُ،فَيَجْلِسُ عَلَى صَدْرِي،فَأَرْفَعُ رَأْسِي،فَأَقُوْلُ: لَيْسَ الَّذِي تَرَى،إِنَّمَا هُوَ الجُوْعُ،قُلْتُ: كَانَ يَظُنُّهُ مَنْ يَرَاهُ مَصْرُوْعاً،فَيْجْلِسُ فَوْقَهُ لِيَرْقِيْهِ،أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.(7)
والثانية عن أبي حاتم الرازي رحمه الله،قال عبد الرحمن سَمِعْتُ أَبِي يقول: بَقِيْتُ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ،ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ بِالبَصْرَةِ،وَكَانَ فِي نَفْسِي أَنْ أُقِيْمَ سَنَةً،فَانْقَطَعَتْ نَفَقَتِي،فَجَعَلْتُ أَبِيْعُ ثِيَابِي حَتَّى نَفِدَتْ،وَبَقَيْتُ بِلاَ نَفَقَةٍ،وَمَضَيْتُ أَطُوْفُ مَعَ صَدِيْقٍ لِي إِلَى المَشْيَخَةِ،وَأَسْمَعُ إِلَى المَسَاءِ،فَانْصَرَفَ رَفِيْقِي،وَرجَعْتُ إِلَى بَيْتِي،فَجَعَلْتُ أَشْرَبُ المَاءَ مِنَ الجُوْعِ،ثُمَّ أَصْبَحْتُ،فَغَدَا عَلَيَّ رَفِيْقِي،فَجَعَلْتُ أَطُوْفُ مَعَهُ فِي سَمَاعِ الحَدِيْثِ عَلَى جُوْعٍ شَدِيْدٍ،وَانصَرَفْتُ جَائِعاً،فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ،غَدَا عَلَيَّ،فَقَالَ: مُرَّ بِنَا إِلَى المَشَايِخِ. قُلْتُ: أَنَا ضَعِيْفٌ لاَ يُمْكِنُنِي.قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟
قُلْتُ: لاَ أَكْتُمُكُ أَمْرِي،قَدْ مَضَى يَوْمَان مَا طَعمتُ فِيْهِمَا شَيْئاً.فَقَالَ: قَدْ بَقِيَ مَعِيَ دِيْنَارٌ،فَنِصْفُهُ لَكَ،وَنَجْعَلُ النِّصْفَ الآخَرَ فِي الكِرَاءِ،فَخَرَجْنَا مِنَ البَصْرَةِ،وَأَخَذْتُ مِنهُ النِّصْفَ دِيْنَار.
__________
(1) - فتاوى الإمام النووي 301-302
(2) - انظر أعلام الموقعين 1/30-31 وخصائص المسند (27 )
(3) - انظر كتاب خطورة مساواة الضعيف بالموضوع ص 111-113
(4) - مسند أحمد (17637 ) وهو حديث صحيح ،يقرى : يكرم الضيف ويقوم بحق ضيافته
(5) - صحيح البخاري (1084 ) ومسلم (1628 )
وفي شرح النووي على مسلم(ج 3 / ص 5 ) : قَوْله : (فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَع رَكَعَات رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ ) مَعْنَاهُ : لَيْتَ عُثْمَان صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَدَل الْأَرْبَع كَمَا كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي صَدْر خِلَافَته يَفْعَلُونَهُ . وَمَقْصُوده كَرَاهَة مُخَالَفَة مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَصَاحِبَاهُ ، وَمَعَ هَذَا فَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مُوَافِق عَلَى جَوَاز الْإِتْمَام ، وَلِهَذَا كَانَ يُصَلِّي وَرَاء عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مُتِمًّا ، وَلَوْ كَانَ الْقَصْر عِنْده وَاجِبًا لَمَا اِسْتَجَازَ تَرْكه وَرَاء أَحَد .
(6) - سنن أبى داود (1962 ) حديث صحيح ،قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَوْ كَانَ الْمُسَافِر لَا يَجُوز لَهُ الْإِتْمَام كَمَا يَجُوز لَهُ الْقَصْر لَمْ يُتَابِعُوا عُثْمَان إِذْ لَا يَجُوز عَلَى الْمَلَأ مِنْ الصَّحَابَة مُتَابَعَته عَلَى الْبَاطِل ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ رَأْيهمْ جَوَازَ الْإِتْمَام وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَار عِنْد كَثِير مِنْهُمْ الْقَصْر ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْد اللَّه أَتَمَّ الصَّلَاة بَعْد ذَلِكَ وَاعْتَذَرَ بِقَوْلِهِ الْخِلَاف شَرّ ، فَلَوْ كَانَ الْإِتْمَام لَا يَجُوز لَكَانَ الْخِلَاف لَهُ خَيْرًا مِنْ الشَّرّ إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ كَانَ اِتَّخَذَهَا وَطَنًا . وَعَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اِتَّخَذَ الْأَمْوَال بِالطَّائِفِ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيم بِهَا ، وَكَانَ مِنْ مَذْهَب اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ الْمُسَافِر إِذَا قَدِمَ عَلَى أَهْل أَوْ مَاشِيَة أَتَمَّ الصَّلَاة . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل بِمِثْلِ قَوْل اِبْن عَبَّاس اِنْتَهَى . عون المعبود(ج 4 / ص 348 )
(7) - سير أعلام النبلاء (2/591 ) ومثلها كثير عنه رضي الله عنه(1/42)
وَسَمِعْتُ أَبِي يقول: خَرَجْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ،مِن عِنْدِ دَاوُدَ الجَعْفَرِيِّ،وَصِرْنَا إِلَى الجَارِ وَرَكِبْنَا البَحْرَ،فَكَانَتِ الرِّيْحُ فِي وَجُوْهِنَا،فَبَقِيْنَا فِي البَحْرِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ،وَضَاقتْ صُدُوْرُنَا،وَفَنِيَ مَا كَانَ مَعَنَا،وَخَرَجْنَا إِلَى البَرِّ نَمْشِي أَيَّاماً،حَتَّى فَنِيَ مَا تَبَقَّى مَعَنَا مِنَ الزَّادِ وَالمَاءِ،فَمَشَيْنَا يَوْماً لَمْ نَأْكلْ وَلَمْ نَشْرَبْ،وَيَوْمَ الثَّانِي كمثل،وَيَوْمَ الثَّالِثِ،فَلَمَّا كَانَ يَكُوْنُ المَسَاءَ صَلَّيْنَا،وَكُنَّا نُلْقِي بِأَنْفُسِنَا حَيْثُ كُنَّا،فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ،جَعَلنَا نَمْشِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِنَا،وَكُنَّا ثَلاَثَةَ أَنْفُسٍ: شَيْخٌ نَيْسَابُورِيٌّ،وَأَبُو زُهَيْرٍ المَرْوَرُّوْذِيُّ،فَسَقَطَ الشَّيْخُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ،فَجِئْنَا نُحَرِّكُهُ وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ،فَتَرَكْنَاهُ،وَمَشَيْنَا قَدْرَ فَرْسَخٍ،فَضَعُفْتُ،وَسَقَطْتُ مَغْشِيّاً عَلِيَّ،وَمَضَى صَاحِبِي يَمْشِي،فَبَصُرَ مِن بُعْدٍ قَوْماً،قَرَّبُوا سَفِيْنَتَهُم مِنَ البِرِّ،وَنَزَلُوا عَلَى بِئْرِ مُوْسَى،فَلَمَّا عَايَنَهُم،لَوَّحَ بِثَوْبِهِ إِلَيْهِم،فَجَاؤُوهُ مَعَهُم مَاءٌ فِي إِدْاوَةٍ،فَسَقَوْهُ وَأَخَذُوا بِيَدِهِ،فَقَالَ:لَهُم: الحَقُوا رَفِيْقَيْنِ لِي،فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ بِرَجُلٍ يَصُبُّ المَاءَ عَلَى وَجْهِي،فَفَتَحْتُ عَيْنِيَّ،فَقُلْتُ: اسقِنِي،فَصَبَّ مِنَ المَاءِ فِي مَشْربَةٍ قَلِيْلاً،فَشَرِبْتُ،وَرَجَعَتْ إِليَّ نَفْسِي،ثُمَّ سَقَانِي قَلِيْلاً،وَأَخَذَ بِيَدِي،فَقُلْتُ: وَرَائِي شَيْخٌ مُلْقَى،فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَيْهِ،وَأَخَذَ بِيَدِي،وَأَنَا أَمشِي وَأَجُرُّ رِجْلَيَّ،حَتَّى إِذَا بَلغْتُ إِلَى عِنْدِ سَفِيْنَتِهِم،وَأَتَوا بِالشَّيْخِ،وَأَحْسَنُوا إِليْنَا،فَبَقِينَا أَيَّاماً حَتَّى رَجَعَتْ إِلَيْنَا أَنْفُسُنَا،ثُمَّ كَتَبُوا لَنَا كِتَاباً إِلَى مَدِيْنَةٍ يُقَالُ لَهَا: رَايَة،إِلَى وَالِيهِم،وَزَوَّدُونَا مِنَ الكَعْكِ وَالسَوِيْقِ وَالمَاءِ. فَلَمْ نَزَلْ نَمْشِي حَتَّى نَفِدَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ المَاءِ وَالقُوْتِ،فَجَعَلْنَا نَمْشِي جِيَاعاً عَلَى شَطِّ البَحْرِ،حَتَّى دُفِعْنَا إِلَى سُلَحْفَاةٍ مِثْلَ التُّرْسِ،فَعَمَدْنَا إِلَى حَجَرٍ كَبِيْرٍ،فَضَرَبْنَا عَلَى ظَهْرِهَا،فَانْفَلَقَ،فَإِذَا فِيْهَا مِثْلُ صُفْرَةِ البَيْضِ،فَتَحَسَّيْنَاهُ حَتَّى سَكَنَ عَنَّا الجُوْعَ ٌ ثُمَّ وَصَلْنَا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّايَةِ،وَأَوْصَلْنَا الكِتَابَ إِلَى عَامِلِهَا،فَأَنْزَلَنَا فِي دَارِهِ،فَكَانَ يُقَدِّمُ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ القَرْعَ،وَيقول: لخَادِمِهِ: هَاتِي لَهُم اليَقْطِيْنَ المُبَارَكِ،فَيُقَدِّمُهُ مَعَ الخُبْزِ أَيَّاماً.فَقَالَ:وَاحِدٌ مِنَّا: أَلاَ تَدْعُو بِاللَّحْمِ المَشْؤُومِ؟! فسَمِعَ صَاحِبُ الدَّارِ،فَقَالَ: أَنَا أُحْسِنُ بِالفَارِسِيَّةِ،فَإِنَّ جَدَّتِي كَانَتْ هَرَوِيَّة،وَأَتَانَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ،ثُمَّ زَوَّدَنَا إِلَى مِصْرَ.(1)
29- إظهار محاسن السُّنَّة النبوية, وشمولها لجميع مناحي الحياة, الدينية والأخروية, وتبيانها لدقائق الأمور الروحية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية ...
30- السعي لإيجاد موسوعة حديثية شاملة, تقوم على أسس علمية رصينة, متعددة الأطراف, مقسمة حسب العلوم والأنظمة, مع بيان حال الأحاديث النبوية, على أن يستبعد منها المكذوب والموضوع والواهي, ولا تكون بقصد الربح, بقدر ما تكون بقصد النفع, فتوضع بين أيدي العلماء والباحثين والمفكرين, ليستفيدوا منها, وتكون زادهم فيما يذهبون إليه من علوم, وتعتبر موسوعتي ( نواة ) لهذه الموسوعة الشاملة بعون الله تعالى .
31- حصر الأحاديث الموضوعة ومالا أصل له في موسوعة واحدة, حسب قواعد علوم الحديث المتفق عليها, وتحذير المسلمين منها, وفضح الوضاعين والكذابين .(2)
32-حصر الأحاديث المتواترة في كتاب واحد مفصَّلٍ, وذلك لأهميتها البالغة اعتقاداً وعملاً .
وغير ذلك من أمور هامة تتعلق بالسُّنَّة النبوية .
والحمد لله رب العالمين .
قال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام: { قَالَ:يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (88 ) سورة هود . ...
وكتبه
الباحث في القرآن والسُّنَّة
علي بن نايف الشحود
24 ربيع الآخر 1429 هـ 30/4/2008 م
ــــــــــــــــ
__________
(1) - سير أعلام النبلاء 13/257-259
(2) - انظر كتاب خطر المساواة بين الضعيف والموضوع 115-121(1/43)
المصادرُ والمراجع
1. القرآن الكريم
2. تفسير الطبري
3. تفسير ابن كثير
4. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
5. تفسير الرازي
6. مناهل العرفان في علوم القرآن
7. موطأ مالك
8. صحيح البخارى
9. صحيح مسلم
10. سنن أبى داود
11. سنن الترمذي
12. سنن النسائي
13. سنن ابن ماجه
14. مصنف عبد الرزاق مشكل
15. مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل
16. مسند أحمد
17. مسند احمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط )
18. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم
19. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
20. المستدرك للحاكم
21. المعجم الكبير للطبراني
22. المعجم الأوسط للطبراني
23. المعجم الصغير للطبراني
24. دلائل النبوة للبيهقي
25. السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي
26. شعب الإيمان للبيهقي
27. سنن الدارمى
28. مستخرج أبي عوانة
29. مسند البزار 1-14
30. مسند أبي يعلى الموصلي
31. مسند الحميدى
32. سنن الدارقطنى
33. صحيح ابن حبان
34. صحيح ابن خزيمة
35. مسند الشاميين
36. مسند الطيالسي
37. مسند عبد بن حميد
38. مسند الشافعي
39. شرح معاني الآثار
40. مشكل الآثار للطحاوي
41. معرفة السنن والآثار للبيهقي
42. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود
43. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني
44. بلوغ المرام من أدلة الأحكام
45. مجمع الزوائد
46. موسوعة السُّنَّة النبوية
47. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة
48. المقاصد الحسنة للسخاوي
49. كشف الخفاء من المحدث
50. نظم المتناثر
51. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية
52. الدراية في تخريج أحاديث الهداية
53. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير
54. روضة المحدثين
55. تخريج أحاديث الإحياء
56. السلسلة الضعيفة
57. السلسلة الصحيحة
58. إرواء الغليل
59. صحيح الترغيب والترهيب
60. ضعيف الترغيب والترهيب
61. صحيح وضعيف سنن أبي داود
62. صحيح وضعيف الجامع الصغير
63. علل الحديث
64. علل الدارقطني
65. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل
66. المنتقى - شرح الموطأ
67. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
68. فتح الباري لابن حجر
69. عمدة القاري شرح صحيح البخاري
70. شرح ابن بطال
71. شرح النووي على مسلم
72. عون المعبود
73. تحفة الأحوذي
74. تأويل مختلف الحديث
75. فيض القدير،شرح الجامع الصغير
76. فتاوى الأزهر
77. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
78. مجموع فتاوى ابن تيمية
79. فتاوى الرملي
80. الفتاوى الفقهية الكبرى
81. فتاوى يسألونك
82. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
83. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
84. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي
85. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين
86. الموسوعة الفقهية1-45 كاملة
87. فتاوى الزحيلي
88. الفقه الإسلامي وأدلته
89. فتاوى السبكي
90. طرح التثريب
91. سبل السلام
92. نيل الأوطار
93. الفقه على المذاهب الأربعة
94. المحلى لابن حزم
95. حاشية رد المحتار
96. المبسوط للسرخسي
97. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
98. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
99. فتح القدير لابن الهمام
100. درر الحكام شرح غرر الأحكام
101. المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة
102. الشرح الكبير للشيخ الدردير
103. التاج والإكليل لمختصر خليل
104. مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل
105. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
106. بداية المجتهد ونهاية المقتصد
107. روضة الطالبين وعمدة المفتين
108. المهذب للشيرازي
109. المجموع شرح المهذب
110. حاشيتا قليوبي - وعميرة
111. تحفة المحتاج في شرح المنهاج
112. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
113. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج
114. حاشية البجيرمي على الخطيب
115. الأم للشافعي مشكل
116. الرسالة للشافعي
117. الشرح الكبير لابن قدامة
118. الفروع لابن مفلح
119. الإنصاف للمرداوي
120. كشاف القناع عن متن الإقناع
121. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
122. المغني لابن قدامة
123. فصل المقال ابن رشد
124. أصول السرخسي
125. الإحكام في أصول الأحكام الآمدي
126. الأحكام لابن حزم
127. المحصول للرازي
128. المستصفى للغزالي
129. تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية
130. أنوار البروق في أنواع الفروق
131. كشف الأسرار للبزدوي
132. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم
133. البحر المحيط للزركشي
134. التقرير والتحبير لابن أمير الحاج
135. شرح الكوكب المنير الفتوحي
136. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع
137. الفصول في الأصول للرازي
138. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
139. كتب وليد بن راشد السعيدان
140. قواطع الأدلة في الأصول / للسمعانى
141. البرهان في أصول الفقه الجويني
142. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد - ابن بدران
143. الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي
144. حجة الله البالغة الدهلوي
145. بحوث في علم أصول الفقه الكردي
146. القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني
147. تحفة الأبرار بنكت الأذكار لابن حجر
148. الأذكار للنووي
149. المدخل لابن الحاج
150. الآداب الشرعية لابن مفلح
151. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
152. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية
153. مقدمة ابن الصلاح
154. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث
155. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث
156. المختصر في أصول الحديث
157. البيقونية
158. أدب الإملاء والاستملاء
159. قواد التحديث للقاسمي
160. الكفاية في علم الرواية الخطيب
161. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي
162. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي
163. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر الجزائري
164. ألفية السيوطي في علم الحديث
165. تيسير مصطلح الحديث الطحان
166. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر القاري
167. عيون الأثر لابن سيد الناس
168. زاد المعاد لابن القيم
169. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد الصالحي
170. سيرة ابن هشام
171. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث علي محمد الصلابي
172. لسان الميزان ابن حجر
173. الإصابة في معرفة الصحابة ابن حجر
174. ثقات ابن حبان
175. تعجيل المنفعة ابن حجر
176. تاريخ البخاري
177. الأعلام للزركلي
178. سير أعلام النبلاء الذهبي
179. الطبقات الكبرى لابن سعد
180. تذكرة الحفاظ للذهبي
181. ميزان الاعتدال للذهبي
182. مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
183. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
184. الكامل لابن عدي
185. تهذيب الكمال للمزي
186. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي
187. تقريب التهذيب لابن حجر
188. تهذيب التهذيب لابن حجر
189. النهاية في غريب الأثر
190. تاج العروس الزبيدي
191. لسان العرب ابن منظور
192. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية
193. القاموس المحيط الفيروز أبادي
194. معجم لسان المحدثين محمد خلف
195. المنهل اللطيف لابن علوي المالكي
196. برنامج قالون
197. إتحاف السادة المتقين الزبيدي دار الفكر- الزبيدي
198. قواعد في علوم الحديث للتهاوني مكتب المطبوعات الإسلامية حلب
199. الأجوبة الفاضلة اللكنوي ت عبد الفاتح أبو غدة
200. منهج النقد في علوم الحديث العتر دار الفكر
201. أصول الحديث ومصطلحه محمد عجاج الخطيب دار الفكر
202. القول البديع للسخاوي دار الكتب العلمية
203. الفتح المبين شرح الأربعين لابن حجر المكي
204. الحديث النبوي محمد الصباغ المكتب الإسلامي
205. الحديث النبوي لابن تيمية عالم الكتب
206. الصلوات الخاصة لأستاذنا العتر
207. برنامج المكتبة الشاملة الإصدار الثاني
ملاحظة غالب هذه المصادر في الشاملة2 و3 وليست كلها موافقة للمطبوع
=========================
الفهرس العام
تمهيدٌ ... 6
حول تعريف الحديث المقبول ... 6
1- تعريفُ الحديث الصحيح: ... 6
2- شرحُ التعريف: ... 6
4- حُكْمُ الحديثِ الصحيحِ: ... 9
المبحث الأولُ ... 16
تعريفُ الحديث الضعيف ... 16
المبحث الثاني ... 18
أقسامُ الحديثِ الضَّعيفِ ... 18
وهو ثلاثةُ أنواع رئيسةٍ: ... 18
أ - الضعيف ضعفا يسيراً،وهو أنواع كثيرة منها : ... 18
ب الضعيفُ ضعفاً شديداً وهو أنواع منها: ... 29
ج. الموضوع: ... 31
أَوْهَى الأسانيد ... 32
المبحث الرابع ... 40
حكُم رواية الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً ... 40
المبحثُ الخامس ... 42
متى يقوَى الحديثُ الضعيفُ ؟ ... 42
المبحث السادس ... 45
حكمُ العملِ بالحديثِ الضعيفِ ضعفاً يسيراً ... 45
المذهبُ الأولُ ... 46
لا يعملُ به مطلقاً لا في الفضائلِ ولا في الأحكامِ ... 46
المذهبُ الثاني ... 47
يعملُ بالحديث الضعيف مطلقاً ... 47
المذهبُ الثالثُ ... 48
يعملُ به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك بشروطٍ ... 48
الأدلةُ ومناقشتُها ... 52
أدلةُ المذهب الأول ومناقشتها ... 52
أدلةُ المذهب الثاني ومناقشتها ... 54
حكم الحديث ُالضعيفِ ... 69
إذا جرى عليه العمل،أو تلقته الأمة بالقبول ... 69
حكمُ الحديث الضعيف ... 80
إذا تلقته الأمة بالقبول،وعملوا به،وأجمعوا عليه ... 80
الردُّ على يزعم أن القدامى لم يفرِّقوا بين الحسن والضعيف ... 87
قال أستاذنا د- محمد عجاج الخطيب معلقاً على كلام الخطيب البغدادي: ... 87
1- قول الخطيب مفسرا قول أبي حاتم (شيخ ) وذلك بقوله: فقولهم ( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث ) ... 88
5- مناقشة قول من نُسِبَ إليه المنع مطلقاً: ... 130
المذهبُ الثالثُ ... 136
الشروطُ التي قيَّد بها المتأخرون العمل بالحديث الضعيفِ ... 136
رأيُ الجلال الدواني في الضعيف: ... 140
رأيُ ابن تيمية في الحديث الضعيف ... 144
رأي الفتوحي المعروف بابن النجار ... 148
رأيٌ الأستاذ محمد الصباغ في الحديث الضعيف ... 152
رأيُ الشيخِ ناصر الدين الألباني ومناقشتُه ... 154
الفوارقُ بين الحديث الضعيف والموضوع ... 167
6- الناسُ اليوم طرفان ووسط حول رواية الحديث الضعيف والعمل به ... 172
المبحث السابع ... 181
أمثلةٌ للحديث الضعيف الذي يجوزُ العملُ به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر: ... 181
المثالُ الأوَّلُ ... 181
إحياءُ ليلتي العيد ... 181
المثالُ الثاني ... 187
استحبابُ إرسال الأذان والحدر في الإقامة ... 187
المثال الثالث ... 188
تلقينُ الميت ... 188
المبحث الثامن ... 198
سببُ الأخذ بالحديث الضعيف ... 198
المبحث التاسع ... 202
كيفَ يُروَى الحديثُ الضعيفُ ؟ ... 202
المبحث العاشر ... 203
الجوابُ عن روايةِ بعض كبار الأئمةِ عنِ الضعفاءِ: ... 203
المبحثُ الحادي عشر ... 205
مسائلُ تتعلقُ بالحديث الضعيف : ... 205
المبحث الثاني عشر ... 211
مصادرُ الأحاديث ... 211
1 ... 211
مصادر الأحاديث الضعيفة ... 211
2 ... 212
مصادرُ الأحاديثِ الواهية والموضوعة ... 212
3 ... 213
مصادرُ الحديثِ الصَّحيح والحسن ... 213
خاتمةٌ ... 214
خلاصةُ هذا الموضوع ... 214
المصادرُ ... 225(1/44)