الخَبَرُ الثَّابِتُ
قواعد ثبوته
مع أصول في علم الجرح والتعديل
وعلل الأحاديث
إعداد
يوسف بن هاشم بن عابد اللحياني
تقديم
فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد
مُلْتَقَى أهل الحديث
www.ahlalhdeeth.com(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد
إن الحمد نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
أما بعد ، فقد اطلعت على ما كتبه الأخ الشيخ يوسف بن هاشم اللحياني في مؤلفه المسمى بـ : الخبر الثابت .
فوجدته كتاباً مفيداً في بابه جميلاً في معناه ، حاوياً على فوائد وفرائد ونكت ولطائف ، فجزاه الله تعالى خيراً وكتب له التوفيق والسداد ، ولعلي أذكر بعض ما يتميز به هذا الكتاب ، وهو :
1- إكثاره من النقل عن المتقدمين من أئمة هذا الفن وهم علم الحديث ، ولا يخفى لما في هذا من الأهمية الكبيرة والفائدة العظيمة .
2- رجوعه إلى المصادر الأصلية والسؤالات لابن معين ، والرسالة للشافعي ، ومقدمة مسلم ، والعلل الصغير للترمذي وغيرها .
3- اهتمامه ببعض قضايا المصطلح المهمة التي ينبني عليه تصحيح الخبر أو تضعيف ، كمسألة الجهالة فقد فصّل ـ وفقه الله تعالى ـ فيها وبين مذهب المتقدمين في الجهالة ، ثم ذكر أسباب الجهالة ، ثم بين أن الجهالة قد تقترن بالتوثيق أو بالتجريح أحياناً ، وهذه الفائدة قد تخفى على الكثير ، بل ويستشكلها الكثير ، وقد ذكر مثالاً لخبر في إسناده من ليس بمشهور ، ومع ذلك صححه كبار الحفاظ ، ومثالاً آخر لخبر رده الحفاظ بسبب الجهالة مع توجيه ذلك .
4- إيضاح بعض قضايا المصطلح ، وذلك باعتماده على التقسيم فيها وتفصيلها ، وهذا لا شك يؤدي إلى تبيينها وفهما وإزالة الإشكال فيها ، كما مرّ سابقاً في مسألة الجهالة والاختلاط حيث قسمه إلى قسمين ؛ ضار وغير ضار ـ ، وأيضاً مسألة التلقين ومتى يكون جرحاً ومتى لا يكون .
5- ذكره لكثير من القواعد التي تتعلق بعلم الصناعة الحديثية وبالذات قواعد الجرح والتعديل .
وغير ذلك مما تميزت به هذه الرسالة ، وإن كان هناك قضايا ذكرها المؤلف تحتاج إلى تحرير ، ومسائل تحتاج إلى شرح وتفصيل ، ولكن النقص من طبيعة البشر ، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخاصة وأن هذه الرسالة لعلها أول مؤلفات الأخ الشيخ / يوسف ، فجزاه الله تعالى خيراً ووفقه لما يحبه ويرضاه .
وكتبه / عبد الله بن عبد الرحمن السعد
30/4/1421هـ
+++++(1/2)
كتاب الخبر الثابت
مقدمة المؤلف
ما هو الخبر الثابت ؟
الباب الأول : اتصال الإسناد وانقطاعه .
الباب الثاني : علم الجرح والتعديل .
الباب الثالث : علم علل الحديث .
خاتمة الكتاب .(1/3)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فالواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً ، وأشد الخلق تواضعاً ، وأعظمهم نزاهة وتديناً ، وأقلهم طيشاً وغضباً ، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه ، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ، وطرائق المحدثين ، ومآثر الماضيين ، فيأخذوا بأجملها وأحسنها ، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها(1) .
قال أبو عاصم : من طلب الحديث فقد طلب أعلى الأمور فيجب أن يكون خير الناس(2) .
فإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة ، وأنفع العلوم النافعة ، يحبه ذكور الرجال وفحولهم ، ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ، ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم(3) .
وقال الخطيب البغدادي : ولما كان ثابت السنن والآثار ، وصحاح الأحاديث المنقولة والأخبار ، ملجأ المسلمين في الأحوال ، ومركز المؤمنين في الأعمال ؛ إذ لا قوام للإسلام باستعمالها ، ولا ثبات للإيمان إلا بانتحالها ، وجب الاجتهاد في علم أصولها ، ولزم الحث على ما عاد بعمارة سبيلها(4) .
وقال الإمام الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله تعالى ـ : فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك ، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولاً ، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانياً ، وفي ذلك كفاية لمن عقل ، وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل(5) .
وقال : ويحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه ، وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل ، فمن لم يعرف ذلك فهو غير واثق بما ينقله ويلتبس حقه بباطل ولا يثق بما عنده من ذلك(6)
قلت : وهذه رسالة جمعتها ـ بعون الله وتوفيقه ـ في علم الجرح والتعديل والعلل .
وحاولت فيها إيضاح منهج النقاد من أهل الحديث المتقدمين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ونقد الرجال وبيان القوي منهم والضعيف .
واجتهدت في جمع كلامهم ، حتى يتضح هذا العلم بكلام مؤسسيه ، مكتفياً به عن شرحه لوضوحه ، ولم أتعرض لتزييف الأقوال المخالفة لهم ، إلا بعض الإشارات اليسيرة .
وأتقدم بالشكر الجزيل لشيخيّ الفاضلين المحدثين ؛ الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن السعد ، والشيخ / الشريف أبي محمد حاتم بن عارف العبدلي ، وقد استفدت منهما كثيراً في تصنيف وجمع هذه الرسالة .
وليس لي فيها إلا زيادات يسيرة على ما قالا ، واجتهاداً في جمع كلام الأئمة المتقدمين ـ رحمهم الله ـ في علم الحديث ، وقد سميتها : الخبر الثابت .
__________
(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع .(1) 1)
(2) المصدر السابق .(2) 2)
(3) مقدمة ابن الصلاح (3)(3) 3)
(4) الكفاية في علم الرواية (3) .(4) 4)
(5) بيان فضل علم السلف على علم الخلف (150) ، تحقيق محمد بن ناصر العجمي .(5) 5)
(6) المصدر السابق (148)(6) 6)(1/4)
الخبر الثابت
اشترط علماء الحديث رحمهم الله لثبوت الخبر شروطاً ، وقصدنا هنا أن نذكر ضابطاً بجمعها .
فإنما يثبت الخبر بضبط رواته له ، والضبط غالباً عليه مدار التصحيح والتعليل ، والجرح والتعديل ، وذلك لأن صحة الحديث لا تحصل إلا بالعناية به من حين سماعه وحتى تبليغه ، وذلك هو الضبط .
فيرد ما انقطع سنده وأرسله راويه ، وليس لعدم الاتصال ؛ بل لأن الساقط من السند لا ندري هل هو ضابط للحديث أم لا . وقبول الحديث المتصل سنده ليس لأنه متصل بل لأمر آخر .
ولا تقبل أحاديث الضعفاء إذا انفردوا ؛ لأنهم ليسوا أهل ضبط ، وتفردهم وعدم مواطئة الثقات على ما رووه دليل على غلطهم وغفلتهم .
ولا تقبل أحاديث الثقات وممن تجاوز القنطرة إذا خالفوا من هو أوثق منهم ، وتبين لنا خطؤهم فلم يضبطوا .
وإذا توبع الرجل الضعيف أو ورد الحديث المنقطع من وجه آخر معتبر به ، دلّ ذلك على حفظه له ، وأن الساقط من السند ضابط لهذا الحديث ، والحديث الصحيح ما ضبطه رواته .(1/5)
قال الإمام الشافعي : ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة(1) حتى يجمع أموراً :
منها : أن يكون من حدث به ثقة في دينه ، معروفاً بالصدق في حديثه ، عاقلاً لما يحدث به ، عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع ، لا يحدث به على المعنى ؛ لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام .
وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه فيه إحالته الحديث ، حافظاً إن حدث به من حفظه ، حافظاً لكتابه إن حدث من كتابه ، إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم ، برياً أن يكون مدلساً : يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ، يحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي .
ويكون من فوقه ممن حدثه ، حتى ينتهي بالحديث موصولاً إلى النبي أو إلى من انتهى به إلى دونه ؛ لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه ، ومثبت على من حدث عنه ، فلا يستغني في كل واحد منهم عما وصفت(2) . ثم كلامه .
__________
(1) يعني الشافعي بـ (( خبر الخاصة )) كل ما روي بإسناد ، ولو رواه جمع كثير عن جمع كثير ، وأما خبر العامة عنده ، فهو ما تناقله المسلمون قرناً بعد قرن مما هو معلوم من الدين بالضرورة .(1) 1)
(2) الرسالة (370ـ372) .(1) 1)(1/6)
قال الحميدي : فإن قال قائل : فما الحديث الذي يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلزمنا الحجة به ؟
قلت : هو أن يكون الحديث ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متصلاً غير مقطوع معروف الرجال .
أو يكون حديثاً متصلاً حدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتاً يعرفه من حدثنيه عنه حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يقل كل واحد ممن حدثه : سمعت أو حدثنا ، حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقاً مدركاً لمن روى ذلك عنه(1) .
__________
(1) الكفاية (24) .(2) 2)(1/7)
قال الذهلي : لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح(1) .
__________
(1) الكفاية (20) .(3) 3)(1/8)
الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
وفيه خمسة فصول
الأول : أهمية الإسناد للحديث .
الثاني : ألفاظ الأداء ودلالتها على اتصال السند
الثالث : ثبوت اتصال الإسناد .
الرابع : التدليس في الإسناد .
الخامس : حكم الحديث إذا علمنا الساقط من السند .(1/9)
فصل في أهمية الإسناد للحديث
وقال ابن المبارك : طلب الإسناد المتصل من الدين(1) .
وقال : الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء(2) .
وقال عتبة بن أبي حكيم : جلس إسحاق بن أبي فروة إلى الزهري فجعل يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الزهري : مالك قاتلك الله ؟! تحدث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة(3) .
وقال عبد الله بن عون : ذكر أيوب لمحمد حديث أبي قلابة ، فقال : أبو قلابة إن شاء الله ثقة رجل صالح ، ولكن عمن ذكره أبو قلابة(4) .
وقال أبو إسحاق الطالقاني : سألت ابن المبارك قلت : الحديث الذي يروى ( من صلى على أبويه ) فقال : من رواه ؟ قلت : شهاب بن خراش . فقال : ثقة ، عمن ؟ قلت : عن الحجاج بن دينار ، فقال : ثقة ، عمن ؟ قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : إن ما بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل(5).
وقال شعبة : كل حديث ليس فيه حدثنا أخبرنا فهو خل وبقل(6).
قلت : ولأجل ذلك فإن اتصال الإسناد من شروط صحة الحديث ، فلا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة .
قال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : لا يحتج بالمراسيل ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة(7) .
وقال الإمام مسلم : المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بالحجة(8) .
وقال الترمذي : والحديث إن كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث وقد ضعفه غير واحد منهم(9) .
وقال الحاكم : والمراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز غير محتج بها(10) .
قال عبد الله بن الزبير الحميدي : فإن قال قائل : فما الحجة في ترك الحديث المقطوع والذي في إسناده رجل ساقط وأكثر من ذلك ، ولم يزل الناس يحدثون بالمقطوع وما كان في إسناده رجل ساقط أو أكثر ؟
قال عبد الله : قلت : لأن الموصول وإن لم يقل فيه ( سمعت ) حتى ينتهي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن ظاهره كظاهر السامع المدرك حتى يتبين فيه غير ذلك ، كظاهر الشاهد الذي يشهد على الأمر المدرك ، فيكون ذلك عندي كما يشهد لإدراكه من شهد ، وما شهد عليه حتى أعلم منه غير ذلك ، والمقطوع العلم يحيط بأنه لم يدرك من حدث عنه ، فلا يثبت عندي حديثه لما أحطت به علماً ، وذلك كشاهد شهد عندي على رجل لم يدركه أنه تصدق وأعتق عبده فلا أجيز شهادته على من لم يدركه(11) .
وقال الترمذي : ومن ضعف المرسل فإنه ضعف من قبل أن هؤلاء الأئمة حدثوا عن الثقات وغير الثقات ، فإذا روى أحدهم حديثاً وأرسله لعله أخذه عن غير ثقة(12) .
وقال أبو حاتم بن حبان : المرسل والمنقطع من الأخبار لا يقوم بها حجة ؛ لأن الله جلا وعلا لم يكلف عباده أخذ الدين عمن لا يعرف ، والمرسل والمنقطع ليس يخلو ممن لا يعرف ، وإنما يلزم العباد قبول الدين الذي هو من جنس الأخبار إذا كان من رواية العدول ، حتى يرويه عدل من عدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موصولاً(13) .
وقال ابن رجب : تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أسباب :
أحدها : أن من عزى روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره .
الثاني : أن من عرف له إسناد صحيح على من أرسل عنه ، فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك ، وهذا معنى قول يحيى بن سعيد القطان : مجاهد عن علي ليس به بأس ، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي .
الثالث : أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه وثبت في قلبه ، ويكون منه ما لا يجوز الاعتماد عليه ، بخلاف من لم يكن له قوة في الحفظ .
وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثاً وقال : ليس هو من حديثك ، إنما ذوكرت به فوقع في قلبك ، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه .
الرابع : أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا بكاد يترك اسمه بل يسميه فإذا ترك اسم الراوي دل على أنه غير مرضي ، وقد كان يقول ذلك الثوري وغيره كثيراً يكنون عن الضعيف ولا يسمونه لا يقولون عن رجل وهذا معنى قول القطان : كان فيه إسناد لصح به ، يعني لو كان أخذه عن ثقة لسماه وأعلن باسمه .
وخرّج البيهقي من طريق أبي قدامة السرخسي قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : مرسل الزهري شر من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ ، وكل ما يقدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه(14) .
__________
(1) الكفاية ( 392) .(1) 1)
(2) مقدمة صحيح مسلم (15) .(2) 2)
(3) معرفة علوم الحديث للحكم (6) ، والكفاية للخطيب البغدادي (391) .(3) 3)
(4) الكامل لابن عدي (1/147) .(4) 4)
(5) الكفاية (292) .(5) 5)
(6) الكامل في ضعفاء الرجال (1/34) .(6) 6)
(7) المراسيل لابن أبي حاتم (15) .(7) 7)
(8) مقدمة الصحيح (1/30) .(8) 8)
(9) العلل الصغير (753) في آخر كتابه الجامع .(1) 1)
(10) المدخل إلى كتاب الإكليل (37) .(2) 2)
(11) الكفاية (390ـ 391) .(3) 3)
(12) العلل الصغير (5/755) آخر كتابه الجامع .(4) 4)
(13) كتاب المجروحين (2/72) .(5) 5)
(14) شرح علل الترمذي (175 ، 176 ) .(1) 1)(1/10)
فصل وألفاظ الأداء من حيث دلالتها على الاتصال ثلاثة :
الأولى : صريحة في السماع ، وهي سمعت وحدثنا وأخبرنا وقرأ علينا وسمعنا عليه وقال لنا وحكى لنا وذكر لنا وشافهنا وعرض علينا وعرضنا عليه وناولنا وكتب لنا ، أو ما أشبهها من العبارات الدالة على الاتصال ، النافية للانفصال(1) .
الثانية : محتملة للاتصال وعدمه ، وهي أنا وقال وحدث وذكر وغيرها .
الثالثة : صريحة في الانقطاع ، وهي حُدثت وأُخبرت وغيرهما مما في معناهما .
الرابعة : أن وعن وليست ألفاظاً للأداء ، وسبب إدخالها ضمنها ؛ أنها تذكر في سياق الإسناد كألفاظ الأداء ونيابة عنها .
وهناك فرق دقيق بين (عن) و (أن)(2) ، وحاصل الفرق : أن الراوي إذا قال : عن فلان ، فلا فرق أن يضيف القول أو الفعل في اتصال الإسناد .
وإذا قال : أن فلاناً ، ففيه فرق ؛ وذلك أن ينظر ، فغن كان خبرها قولاً لم يعتمد لمن لم يدركه
التحقت بحكم عن بلا خلاف . كأن يقول التابعي أن أبا هريرة قال : كذا وكذا .
وإن كان خبر (أن) فعلاً ، نظر إن كان الراوي أدرك ذلك الفعل التحقت بحكم عن ، وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها ، إلا ممن لازمه كقول عروة : قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم .
وكلمة (عن) خاصة أظهر في الاتصال عرفاً فيمن أمكن لقاء أحدهما من الآخر إلا من مدلس ، واستعملها المتأخرون في الإجازة .
واقتصر رواة الأحاديث عن قولهم : حدثنا وأخبرنا بعن للتخفيف ، وقال الخطيب البغدادي : وإنما استجاز كتبه للحديث الاقتصار على العنعنة لكثرة تكررها ، ولحاجتهم إلى كتب الأحاديث المجملة بإسناد واحد ، فتكرار قول المحدث ( ثنا فلان ) عن سماعه من فلان يشق ويصعب ، وفي كل حديث لو أورد مثل ذلك الإسناد ، لطال واضجر ، وربما كثر رجال الإسناد حتى يبلغوا العشرة وزيادة على ذلك ، وفيه إضرار بكتبة الحديث وخاصة المقلين منهم والحاملين لحديثهم في الأسفار(3) .
قال الوليد بن مسلم : كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول : ثنا يحيى قال : ثنا فلان قال : ثنا فلان حتى ينتهي ، فربما حدثتك حدثني وربما قلت : عن عن تخففنا من الأخبار(4) .
قال المعلمي : كلمة (عن) ليست من لفظ الراوي الذي يذكر اسمه قبلها بل هي من لفظ من دونه ، كما لو قال همام : حدثنا قتادة عن أنس ، فكلمة (عن) من لفظ همام ؛ لأنها متعلقة بكلمة حدثنا ، وهي من قول همام ، فبهذا يتضح أنه في قول همام : حدثنا قتادة عن أنس ، لا يدري كيف قال قتادة فقد يكون قال : حدثني أنس أو قال أنس أو حدث أنس أو ذكر أنس أو سمعت أنساً ، أو غير ذلك من الصيغ التصريح بالسماع أو تحتمله ، لكن لا يحتمل أن يكون قال بلغني أنس ، إذ لو بال هكذا لزم هماماً أن يحكي لفظة أو معناه كأن يقول : حدثني قتادة عمن بلغه عن أنس وإلا كان همام مدلساً تدليس التسوية وهو قبيح(5) . انتهى .
قلت : وقد تأتي كلمة (عن) من قول الراوي الذي يذكر اسمه قبلها أحياناً . وقد تستعمل (عن) في التعبير عن القصة ؛ كرواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن البهزي قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعوه فإنه يوشك ظلن يأتي صاحبه )) ، فجاء البهزي وهو صاحبه فقال : شأنكم به ... الحديث .
قال ابن حجر : وظاهر هذا يعطي أن عمير بن سلمة رواه عن البهزي ، وليس كذلك ، بل عمير بن
سلمة حضر القصة وشاهدها كلها .
فقد رواه الليث بن سعد أن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى ابن طلحة عن عمير بن سلمة ، قال : بينما نحن مع رسول الله صلى اله عليه وسلم ... فذكر الحديث .
قال ابن أبي حاتم : حديث ابن الهاد أشبه ؛ لأن في حديث ابن الهاد ذكر البهزي ، والحديث عن عمير وكان المجني على الحمار البهزي(6).
قال موسى بن هارون : الظاهر أن قوله : عن البهزي من زيادة يحيى بن سعيد كان أحياناً يقولها وأحياناً لا يقولها ، وكان هذا جائزاً عند المشيخة الأول أن يقولوا : عن فلان ، ولا يريدون ذلك الرواية وإنما معناه : عن قصة فلان(7).
قال الحافظ بن حجر : وأمثلة ذلك كثيرة ، ومن تتبعها وجد سبيلاً إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف ، في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفناه من المراد بالعنعنة . والله أعلم(8).
__________
(1) السنن الأبين لابن رشيد (17) .(2) 2)
(2) شرح علل الترمذي (221،222) التقييد والإيضاح للعراقي (85ـ86) والنكت للحافظ ابن حجر (228ـ229) .(3) 3)
(3) الكفاية (390) .(1) 1)
(4) الكفاية (390) .(2) 2)
(5) التنكيل (1/82) .(3) 3)
(6) علل أبي حاتم (1/299) .(1) 1)
(7) التمهيد لابن عبد البر (23/343) النكت على كتاب ابن الصلاح (227) .(2) 2)
(8) النكت على كتاب ابن الصلاح (228) .(3) 3)(1/11)
فصل في ثبوت الاتصال في السند
ويثبت اتصال الإسناد من جهتين :
الأولى : أن يصرح بالسماع من شيخه في رواية من رواياته عنه ، ويكون طريق السماع صحيحاً .
قال ابن رجب : وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد ويقول هو خطأ ، يعني ذكر السماع ، قال في رواية هدبة عن حماد عن قتادة ثنا خلاد الجهني وهو خطأ ؛ خلاد قديم ما رأى قتادة خلاداً .
قال ابن رجب : وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد ، فقد ذكروا أن شعبة وجدوا له غير شئ يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعا(1)ً .
وقال الإمام أحمد : في حديث زائدة عن السدي عن البهي قال : حدثتني عائشة في حديث الخمرة : كان عبد الرحمن قد سمعه من زائدة فكان يدع فيه حدثتني عائشة ونكره(2) .
والثانية : إذا لم يصرح بالسماع من شيخه اشترط أن تطول معاصرة الروابين عرفاً وألا يدل عللا
الانقطاع .
كرواية راشد بن سعد الحمصي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يصرح بالسماع منه في شئ من رواياته عنه فقال الإمام أحمد : راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان .
والأرجح أنه سمع منه ، وجزم به البخاري في التاريخ الكبير ، لأنه عاصره في حمص على أقل تقدير عشر سنوات ، فإنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ثوبان إلى الشام فنزل الرملة ، ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها داراً ولم يزل بها إلى أن مات سنة أربع وخمسين ـ رضي الله عنه ـ ، وقد شهد راشد معركة صفين سنة سبع وثلاثين ، فالغالب أنه سمع منه لأنه من طلبة العلم وثوبان من الصحابة(3) .
قال الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ : القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً ، وجائز ممكن له لقاءه والسماع منه لكونهما كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام ؛ فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة ، ألا أن يكون دلالة بينه أن هذا الرواي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئاً ، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرناه فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بينا(4) .
قال المعلمي : وجمعه بين جائز وممكن يشعر بأن المراد الإمكان الظاهر الذي يقرب في العادة ، والأمثلة الذي ذكرها مسلم واضحة في ذلك . والمعنى يؤكد هذا فإنه قد ثبت أن الصيغة بحسب العرف ، ولا سيما عرف المحدثين وما جرى عملهم في السماع ، فهذا الظهور يحتاج إلى دافع ، فمتى لم يعلم اللقاء فإن كان مع ذلك مستبعداً والظاهر عدمه فلا وجه للحمل على السماع لأن ظهور عدم اللقاء بدافع الصيغة(5) .
قلت : وينبغي إذا نفى ناقد عالم بأخبار الرواة سماع رجل من راو عاصره ألا يرد نفيه بالمعاصرة فتدقيق من دقق في ذكر السماع إنما هو لمآخذ عدة :
فمنها : أن يكون مدلساً . قال يحيى بن سعيد القطان : قال شعبة أو غيره : لم يسمع قتادة من حميد بن عبد الرحمن(6) .
ومنها : أن يروي أن يروي عن شيخ من غير أهل بلده ، ولم يعلم أنه دخل إلى بلده ، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيها(7) .
قال أبو حاتم : في رواية ابن سيرين عن أبي الدرداء : لقد أدركه ولا أظنه سمع منه ، ذاك بالشام وهذا بالبصرة(8) .
ومنها : أن يدخل كثيراً بينه وبين شيخه واسطة(9) .
وقال أبو حاتم : الزهري لم يثبت له مساع من المسور ، يدخل بينه وبينه سليمان بن يسار وعروة بن الزبير(10) .
فإن في هذه الأمور مما يدل على أن ارلاوي لم يسمع ممن حدث عنه . فإذا روى عمن لم يدركه زمناً كان ذلك دالاً على إرساله بلا شك .
ولذلك فإن من علامة كذب الراوي أن يصرح بالسماع من رجال لم يلحقهم زمناً(11) .
وقال سفيان الثوري : لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ(12) . فإن ثبت سماعه من شيخه كان إسناده عنه متصلاً وإن لم يذكر السماع .
قال الحميدي : وإن لم يقل كل واحد ممن حدثه : سمعت أو حدثنا ، حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن أمكن أن يكون بين المحدث والمحدث عنه وأحد أو أكثر ، لأن ذلك عندي على السماع ؛ لإدراك المحدث من حدث عنه ، حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقاً مدركاً لمن روى ذلك عنه(13) .
وقال الشافعي : وكان قول الرجل : سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً ، وقوله حدثني فلان عن فلان سواء عندهم ، لا يحدث واحد منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عنا بهذه الطريق قبلنا منه حدثني فلان عن فلان(14) .
وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ : وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن أقول المحدث حدثنا فلان صحيح معمول به ، إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه ، ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس ، ولا يعلم أن يستجيز إذا حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك حديثاً فلان عن فلان ـ أعني الذي لم يسمعه منه ـ لأنه الظاهر من الحديث السالم رواية
مما وصفنا الاتصال ، وإن كانت العنعنة هي الغالبة على الإسناد(15) .
__________
(1) شرح علل الترمذي (217ـ218) .(4) 4)
(2) المراسيل لابن أبي حاتم (188) .(1) 1)
(3) التاريخ الكبير (3/292) ، وتهذيب الكمال (4/414) .(2) 2)
(4) مقدمة صحيح الإمام مسلم (1/29،30) .(3) 3)
(5) التنكيل ( 79 ، 80 ) .(4) 4)
(6) المراسيل (140) .(2) 2)
(7) شرح علل الترمذي (217) .(3) 3)
(8) المراسيل (151) .(4) 4)
(9) شرح علل الترمذي (214) .(5) 5)
(10) المراسيل (153) .(6) 6)
(11) وانظر : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/131) وما بعدها .(7) 7)
(12) الكامل (1/84) .(8) 8)
(13) الكفاية (24) .(9) 9)
(14) الرسالة (379) .(1) 1)
(15) الكفاية (ص291) .(2) 2)(1/12)
فصل في التدليس
وإذا لم يصرح المحدث بالتحديث والسماع ممن فوقه في الإسناد اشترط لاتصاله ألا يكون مدلساً غلب عليه التدليس في الإسناد .
قال الخطيب البغدادي : إن الإرسال للحديث ليس بإبهام من المرسل كونه سامعاً ممن لم يسمع منه وملاقياً لمن لم يلقه ، إلا أن التدليس متضمن للإرسال لا محالة من حيث كان المدلس ممسكاً عن ذكر من بينه وبين من دلس عنه ، وإنما يفارق حاله حال المرسل بإبهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط ، وهو الموهن لأمره ، فوجب كون هذا التدليس متضمناً للإرسال ، والإرسال لا يتضمن التدليس ؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه ، ولهذا المعنى لم يذم العلماء من أرسل الحديث وذموا من دلسه(1) .
قلت : والتدليس من الراوي هو أن يسقط الواسطة بينه وبين من لقيه ، أو الواسطة بينه وبين من عاصره ولم يلقه ، أو يسقط شيخ شيخه ، ويسوي الإسناد بعن ويصير عالياً .
فالأول : ( وهو من دلس عمن سمع منه ) : يشترط فيه التصريح بالسماع في كل حديث ، وإلا توقف في روايته .
ولكن تحمل روايته لازمه متصلة(2) . كرواية هشيم عن حصين ، والوليد بن مسلم عن الأوزاعي ، وابن جريج عن عطاء ونافع .
قال الإمام أحمد : هشيم لا يكاد يسقط عليه شئ من حديث حصين ولا يكاد يدلس عن حصين(3)
وقال مروان بن محمد : إذا كتبت حديث الأوزاعي عن الوليد بن مسلم فما تبالي من فاتك .
وقال : كان الوليد بن مسلم عالماً بحديث الأوزاعي(4) .
وقال يحيى بن سعيد القطان : ابن جريج أثبت من مالك في نافع .
وقال الإمام أحمد : عمرو بن دينار وابن جريج أثبت في عطاء(5) .
والثاني : من أنواع التدليس ( وهو الإرسال بين المتعاصرين ) :
يشترط فيه التصريح بالسماع عمن عاصره ، ولو في حديث واحد ؛ لأنه حينئذ قد لقيه فلا يدلس
عنه ، وتحمل روايته عمن سمع منه على الاتصال .
…والمحدثون يسمون هذا الإرسال الخفي تدليساً ، وكثير ممن وصف بالتدليس تدليسه من هذا النوع ، ومنه : مكحول الشامي ، والحسن البصري ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبو إسحاق السبيعي ، وإبراهيم النخعي ، ويحيى بن أبي كثير ، وقتادة ، وأبو الزبير المكي ، والزهري ، وهشيم .
…ولذلك اشترط الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في قبول العنعنة في المتعاصرين ألا يكون الراوي عمن عاصره مدلساً ، حيث قال : وما علمنا أحداً من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها ، مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ويحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث ، فتشوا عن موعد السماع في الأسانيد ، وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس وشهر به ، فحينئذ يبحثون عن سماع في روايته ويتفقدون ذلك منه ، كي تنزاح عنهم علة التدليس ، فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي حكينا قوله فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة(6) .
وقال الحاكم : الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس ، هي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل ، على تورع رواتها عن أنواع التدليس(7) .
والثالث : ( وهو تدليس التسوية )(8) وهو لم يغلب على من اتصف به .
قال أبو حاتم بن حبان ـ رحمه الله ـ : قد ظهر أقوم من المتأخرين يسوقون الأخبار ، فإذا كان بين الثقتين ضعيف ، واحتمل أن يكون الثقتان رأى أحدهما الآخر ، أسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخبر ،
فإذا سمع المستمع خبر أسام رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح(9) .
وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ : وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذي حدثه ، لكنه يسقط ممن بعده في الإسناد رجلاً يكون ضعيفاً في الرواية أو صغير السن يحسن الحديث بذلك ، وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوري وبقية بن الوليد يفعلون هذا(10) . انتهى .
كالحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه عن بقية قال : حدثني أبو وهب الأسدي قال : حدثنا نافع عن ابن عمر قال : لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا رأيه .
قال أبو حاتم الرازي : هذا الحديث له علة قلّ من يفهمها ، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعبيد الله بن عمر وكنيته أبو وهب وهو أسدي ، فكأن بقية بن الوليد كنى عبيد الله بن عمرو ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن به ، حتى إذا ترك إسحاق ابن أبي فروة من الوسط لا يهتدى إليه ، وكان بقية من أفعل الناس لهذا . وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب : حدثنا نافع ، وهم . غير أن وجهه عندي أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث ، ولما يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الله بن عمرو ، فلم يفتقد لفظة بقية في قوله حدثنا نافع أو عن نافع(11) .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي : سئل يحيى بن معين عن الرجب يلقي الرجل الضعيف من بين الثقتين يوصل الحديث ثقة عن ثقة ، ويقول : أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذاك ؟ فقال : لا يفعل ، لعل الحديث عن كذاب ليس بشئ ، فإذا هو قد حسنه وثبته ولكن يحدث به كما روى .
قال عثمان : وكان الأعمش ربما فعل ذلك(12) .
وقال الدار قطني : الوليد بن مسلم ، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي ؛ مثل نافع وعطاء والزهري ، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع ، وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري يعني : مثل عبد الله بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم(13) .
ولا يتوقف في قبول عنعنة المدلس إلا عند من غلب عليه التدليس .
قال يعقوب بن شيبة السدوسي : سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا ؟ قال : إذا كان الغالب عليه التدليس فلا ، حتى يقول : حدثنا(14) .
وقال أبو زرعة عن مبارك بن فضالة : يدلس كثيراً ، فإذا قال : حدثنا فهو ثقة(15).
وقال أبو حاتم الرازي في سويد الحدثاني : كان صدوقاً وكان يدلس ، يكثر ذلك ، يعني التدليس(16)
قلت : فلا تهدر رواياته بالعنعنة ونحوها عمن سمع منهم كلها ، إذا كان قليل التدليس ، فإذا أكثر كان تدليسه قادحاً ضاراً في الاتصال إذا لم يذكر التحديث .
…ومما يستدل به على قلة تدليس الراوي نزوله في حديثه عن شيوخه الذين سمع منهم . كرواية ابن جريج ، قال : أخبرني عبيد الله بن حفص أن عمر بن نافع أخبره عن نافع مولى عبد الله(17) .
قال الحافظ ابن حجر : نزل ابن جريج في هذا الإسناد درجتين ، وفيه دلالة على قلة تدليسه(18) .
وقال يعقوب بن شيبة : سألت يحيى بن معين عن التدليس ، فكرهه وعابه . قلت له : أيكون المدلس حجة فيما روى أو حتى يقول : حدثنا وأخبرنا ؟ فقال : لا يكون حجة فيما دلس(19) .
قلت : فإذا كان الراوي مكثراً من التدليس وروى بصيغة محتملة وأمن جانب تدليسه باستقامة حديثه سنداً ومتناً قبلنا خبره ، وإن كان مقلاً وعلمنا تدليسه أو ارتبنا من سماعه من شيخه ، توقفنا فيه ، أو رددنا خبره إذا كانت الواسطة رجلاً ضعيفاً .
قال الدار قطني : تجنب تدليس ابن جريج ؛ فإنه لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح ، مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما ، وأما ابن عيينة فكان يدلس عن الثقات(20) .
قال يعقوب بن شيبة : التدليس ؛ جماعة من المحدثين لا يرون به بأساً ، وكرهه جماعة منهم ، ونحن نكرهه ، ومن رأى التدليس منهم فإنما يجوزه عن الرجل الذي سمع منه ويسمع من غيره عنه ما لم يسمعه منه ، فيدلسه يرى أنه قد سمع منه ،ولا يكون ذلك أيضاً عندهم إلا عن ثقة،فأما من دلس عن غير ثقة وعمن لم يسمع هو منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء(21) .
. انتهى .
وكذلك يدقق في ذكر الخبر والسماع عندما يكون الحديث منكراً ، لا تحتمله حال الراوي .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سئل أبو زرعة عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ؟ فقال : روى عن ثور بن يزيد حديثين ليسا من حديث ثور ، ذكر عن يحيى بن معين هذين الحديثين ، فقال : لم يذكر فيها الخبر(22) .
وقال صالح بن محمد الأسدي : أنكروا الخفاف حديثاً رواه لثور بن زيد عن مكحول كريب عن ابن عباس ، حديثاً في فضل العباس ، وما أنكروا عليه غيره ، فكان يحيى بن معين يقول : هذا موضوع وعبد الوهاب لم يقل فيه : حدثنا ثور ، ولعله دلس فيه وهو ثقة(23) .
قلت : ورواية الأئمة الحفاظ عن المدلس مما يقوي حديثه ، فإنهم ينتقون ويميزون وليسوا كحاطب ليل ؛ ولا يحدثون بكل ما سمعوا ، فإنه لا يكون إماماً في العلم من حدث بكل ما سمع .
قال الحاكم : وأخبار المدلسين كثيرة ، وضبط الأئمة عنهم ما لم يدلسوا ، والتمييز بين ما دلسوا وما لم يدلسوا ظاهر في الأخبار(24) .
وقال أبو داود السجستاني : ربما يجئ الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه غير متصل ، ولا يتنبه إلا بأن يعلم الأحاديث ، ويكون له فيه معرفة ، فيقف عليه ، مثل ما يروى عن ابن جريج قال : أُخبرت عن الزهري ، ويرويه البرساني عن ابن جريج عن الزهري ، فالذي يسمع يظن أنه متصل ، ولا يصح بتة(25) .
__________
(1) الكفاية (357) .(3) 3)
(2) انظر : ميزان الاعتدال (2/224) .(4) 4)
(3) شرح علل الترمذي (312) .(5) 5)
(4) تهذيب بالكمال (31/93) .(1) 1)
(5) تهذيب الكمال (18/348) .(2) 2)
(6) مقدمة صحيح الإمام مسلم (1/32 ، 33) .(3) 3)
(7) معرفة علوم الحديث للحاكم (34) .(4) 4)
(8) شرح علل الترمذي (366) .(5) 5)
(9) كتاب المجروحين (1/94) .(1) 1)
(10) الكفاية (364) .(2) 2)
(11) علل الحديث لابن أبي حاتم (1/154 ، 155) .(3) 3)
(12) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ، برقم (952) .(4) 4)
(13) تهذيب الكمال (31/97 ) ، وانظر كتاب الضعفاء والمتروكين (187) .(5) 5)
(14) الكفاية (362) .(1) 1)
(15) الجرح والتعديل (8/339) .(2) 2)
(16) الجرح والتعديل (4/240) .(3) 3)
(17) صحيح البخاري (5920) .(4) 4)
(18) فتح الباري (10/377) .(5) 5)
(19) الكامل لابن عدي (1/34) ، والكفاية (362) .(6) 6)
(20) سؤالات الحاكم (265) ، وتهذيب التهذيب (6/355) .(7) 7)
(21) الكفاية (362) .(8) 8)
(22) الجرح والتعديل (6/72) .(1) 1)
(23) تاريخ بغداد (11/23 ، 24) .(2) 2)
(24) المدخل إلى كتاب الإكليل (40) .(3) 3)
(25) رسالة إلى داود إلى أهل مكة (53) .(4) 4)(1/13)
فصل حكم الحديث إذا علمنا الساقط من السند
فإن علمنا الواسطة المسقطة فبحسبها ، فإن كانت ثقة قبلنا الخبر ؛ ولأجل ذلك قبلنا عنعنة من لا يدلس إلا عن الثقات ، كسفيان بن عيينة .
ومن ذلك صحة رواية أبي الزبير المكي عن جابر ، قيل : إنه يدلس ، فالواسطة ـ إن دلس ـ سليمان بن قيس وهو ثقة(1) .
وكما روى حصين بن عبد الرحمن ومنصور بن المعتمر وعمرو بن مرة كلهم عن سالم بن أبي الجعد ( مرسلاً ) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب يوم الجمعة ، وذكر في خطبته : الخلافة والكلالة وكراهية الثوم والبصل .
رواه شعبة وهشام وسعيد بن عروبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمر بن الخطاب(2) .
وهذا الاختلاف ليس من قبيل الوهم ؛ إذ أن سالماً كثر الإرسال ، فربما أرسل الحديث ، وربما وصله ، فبين قتادة الواسطة بين سالم وبين عمر بن الخطاب ، وهي معدان بن أبي طلحة ، وهو ثقة ولذلك أخرج الحديث الإمام مسلم في طريقه .
قال أبو حاتم بن حبان : وإنم قبلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا ، وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذلك الذي سمعه منه ؛ لأنهم رضي الله عنهم أجمعين كلهم أئمة سادة قادة عدول نزه اله عز وجل أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أن يلزق بهم الوهن(3) .
وعن حميد الطويل أن أنس بن مالك ربما سئل إذا حدث فيقال له : أنت سمعت هذا من رسول الله ؟ فيغضب ثم يقول : ما كل ما نحدثكم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان بعضنا يكذب على بعض(4) .
وقال قتادة عن أنس فذكر حديثاً في تحريم الخمر ، فقال رجل لأنس : أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم أو حدثني من لا يكذب ، والله ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب(5) .
قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : إذا قال رجل من التابعين : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح ؟ قال : نعم(6) .
وقال الحسين بن إدريس : سألت محمد بن عبد الله بن عمار ، إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أيكون حجة ؟ قال : نعم ، وإن لم يسمه فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة(7) .
وقد روى البخاري عن الحميدي قال : إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل(8) .
وإذا لم يكن الرجل المبهم في الإسناد صحابياً ، فهو في معنى المنقطع ؛ لجهالة الراوي(9) ، وهو ضعيف
وقال ابن رجب : إن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه بل يسميه ، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي ، وقد كان يقول ذلك الثوري وغيره كثيراً يكون عن الضعيف ولا يسمونه ، بل يقولون عن الرجل ، وهذا معنى قول القطان : لو كان فيه إسناد لصاح به ، يعني لو كان عن ثقة لسماه وأعلن باسمه(10) .
وإذا عرف المبهم فعلى حاله . والله اعلم .
* * *
__________
(1) الجرح والتعديل (4/136) .(5) 5)
(2) صحيح مسلم (567) ، وانظر التتبع للدار قطني (ص272،273) .(1) 1)
(3) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/161 ، 162 ) .(2) 2)
(4) الكامل لابن عدي (1/157) .(3) 3)
(5) الكامل لابن عدي (1/159) .(4) 4)
(6) الكفاية (415) .(5) 5)
(7) الكفاية (415) .(6) 6)
(8) التقييد والإيضاح (74) .(1) 1)
(9) انظر : معرفة علوم الحديث للحاكم (27 ، 28) .(2) 2)
(10) شرح علل الترمذي (176) .(3) 3)(1/14)
الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وفيه عشرة فصول
…الأول : البحث عن أحوال الرواة ومعرفة ضبطهم وعدالتهم .
…الثاني : عدالة الرواة .
…الثالث : الرواة الموصوفون بالبدعة .
…الرابع : ضبط الرواة للحديث .
…الخامس : الصحابة رضي الله عنهم .
…السادس : فيمن دون الصحابة .
…السابع : المجهول .
…الثامن : من تقبل ورايته في بعض الأحوال دون بعض .
…التاسع : قواعد الجرح والتعديل .
…العاشر : كيف كان حال الحفاظ ينتقدون الراوي في ضبطه ؟(1/15)
فصل في البحث عن أحوال الرواة ومعرفة ضبطهم وعدالتهم
قال أبو عيسى الترمذي : وقد عاب بعض من لا يفهم على أصحاب الحديث الكلام في الرجال ، وثد وجدنا غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجل منهم الحسن البصري وطاوس تكلمنا في معبد الجهني ، وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب وتكلم إبراهيم النخعي والشعبي في الحارث الأعور .
وهكذا روى عن أيوب السختياني وعبد الله بن عون وسليمان التيمي وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ويحي بن سعيد القطان ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي ، وغيرهم من أهل العلم ، أنهم تكلموا في الرجال وضعفوا .
وإنما حملهم على ذلك عندنا ـ والله أعلم النصيحة للمسلمين لا يظن بهم إنهم أرادوا الطعن على الناس أو الغيبة ، إنما أرادوا عندنا أن يبينوا ضعف هؤلاء لكي يعرفوا لأن بعض الذين ضعفوا كان أصحاب بدعة ، وبعضهم كان متهماً في الحديث ، وبعضهم كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ ، ، فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم شفقة على الدين وتثبيتاً ؛ لأن الشهادة في الدين أحق أن يثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال(1) .
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم : فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شئ من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية ؛ وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والتثبت والإتقان منهم ، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة(2) .
وقال أبو حاتم بن حبان : فالواجب على كل من انتحل العلم أو نسب إليه حفظ سسن المصطفى صلى الله عليه وسلم والتفقه فيها ، ولا حيلة لأحد في السبيل إلى حفظها إلا بمعرفة تاريخ المحدثين ومعرفة الضعفاء منهم من الثقات ؛ لأنه متى لم يعرف ذاك لم يحسن تمييز الصحيح من السقيم ، ولا
عرف المسند من المرسل والموقوف من المنقطع(3) .
قال أبو زرعة الدمشقي : سمعت أبا مسهر يُسأل عن الرجل يغلط ويهم ويصحف ؟ فقال : بين أمره . فقلت لأب مسهر : أترك ذلك من غيبة ؟ قال : لا(4) .
وقال عفان بن مسلم : كنا عند إسماعيل بن علية فحدث رجل عن رجل . فقلت : إن هذا ليس بثبت . فقال الرجل : اغتبته . قال إسماعيل : ما اغتابه ولكنه حكم أنه ليس بثبت(5) .
وقال يحيى بن سعيد : سألت سفيان وشعبة ومالك وابن عيينة عن الرجل يتهم أو لا يحفظ ؟ قالوا : جميعاً : بين أمره(6) .
وقال محمد بن بندار السباك الجرجاني : قلت لأحمد بن حنبل : إنه ليشتد على أن أقول : فلان ضعيف ، فلان كذاب ، فقال أحمد : إذا سكت أنت وسكت أنا ، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم!؟(7) . انتهى .
ولذلك فإن فرسان الحديث وحماة السنة متوقون ، يندر التجازف والتساهل في أحكامهم .
قال أبو حاتم بن حبان : لا يتهيأ إطلاق العدالة على من ليس نعرفه بها يقيناً ، فيقبل ما انفرد به ، فعسى نحل الحرام ونحرم الحلال برواية من ليس بعدل ، أو نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل اعتماداً منا على رواية من ليس بعدل عندنا .
كما لا يتهيأ إطلاق الجرح على من ليس يستحقه بإحدي أسبابه ، وعائذ بالله من هذين الخصلتين أن نجرح العدل أو نعدل المجروح من غير يقين . وتسأل الله الستر(8) .
وقال : ولسنا ممن يطلق الكلام على الجزاف ، بل نعطي كل شيخ قسطه ، وكل راو حظه ، والله الموفق لذلك المان بما يجب من القول والفعل معاً(9) .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : من غرف من أهل العراق ومن أهل بلدنا بالصدق والحفظ قبلنا حديثه ، ومن عرف منهم ومن أهل بلدنا بالغلط رددنا حديثه ، وما حابينا أحداً ولا حملنا عليه(10) .
وقال أبو حاتم بن حبان : قد سئل علي بن المديني عن أبيه . فقال : أسألوا غيري . فقالوا : سألناك : فأطرق ثم رفع رأسه وقال : هذا هو الدين ، أبي ضعيف(11) .
__________
(1) كتاب العلل الصغير (738 ، 739 ) المطبوع بآخر الجامع ) .(1) 1)
(2) تقدمة الجرح والتعديل (5) .(2) 2)
(3) كتاب الثقات لابن حبان (1/8) .(3) 3)
(4) الكفاية (45) .(4) 4)
(5) مقدمة صحيح مسلم (26) .(1) 1)
(6) الكامل لابن عدي (1/67) . وانظر له رواية أخرى في : مقدمة صحيح مسلم (17) .(2) 2)
(7) الكفاية (46) ، وفي ذلك عبرة لمحدثي زماننا ؛ لأننا لا نعلم صحيح النقل من سقيمه إلا بالنظر في كلام أولئ كالجهابذة ، لا بتمييز مكن منا ( فاعتبروا يأولي الألباب ) .(3) 3)
(8) كتاب المجروحين (2/28) .(4) 4)
(9) الثقات (6/218) .(5) 5)
(10) الكامل لابن عدي (1/115) .(6) 6)
(11) كتاب المجروحين (2/15) . وانظر : كتاب علم الرجال وأهميته للعلامة المعلمي (30) .(7) 7)(1/16)
فصل عدالة الرواة
وأهل الحديث رحمهم الله عندما تكلموا في الرجال بحثوا في صفتين :
الأولى : العدالة :
قال أبو عبد الله الحاكم ـ رحمه الله ـ : أصل عدالة المحدث أن يكون مسلماً لا يدعو إلى بدعة ولا يعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به عدالته(1) .
وسئل ابن المبارك عن العدل فقال : من كان فيه خمس خصال : يشهد الجماعة ، ولا يشرب هذا الشراب ، ولا تكون في دينه خربة ، ولا يكذب ، ولا يكون في عقله شئ(2) .
وروي عن أبي هريرة وابن عباس والحسن البصري وزيد بن أسلم وابن سيرين وإبراهيم النخعي والضحاك بن مزاحم أنهم قالوا : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه(3) .
وقال يحيى بن معين : آلة الحديث الصدق ، والشهرة بالطلب ، وترك البدع ، واجتناب الكبائر(4) .
وهي شرط في قبول حديث الراوي صيانة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكذب ، إذ الفاسق لا يوثق به لعدم تحرزه من الكذب .
قال يزيد بن هارون : لا يجوز حديث الرجل حتى تجوز شهادته(5) .
قلت : وأما عدالته الباطنة ـ التي لا يعلمها إلا الله ـ فلسنا نبحث عنها .
قال ابن حبان : العدل من لم يعرف منه الجرح ضد التعديل ، فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يبين ضده إذ لم يكلف الناس معرفة ما غاب منهم وإنما كلفوا حكم الظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم(6) .
وقوله : ( فمن لم يعلم بجرح فهو عدل ) ، مقيد عنده بالمشاهير ، قال ابن حبان : إذ الناس أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب الجرح ، هذا حكم المشاهير من الرواة(7) .
وروى أبو زرعة عن ابن جابر قوله : لا يؤخذ هذا العلم إلا عمن شهد له بالطلب ، قال أبو زرعة : فسمعت أبا مسهر يقول : إلا جليس العالم فإن ذلك طلبه .
قال الخطيب البغدادي : : أراد أبا مسهر بهذا القول أن من عرفت مجلسته للعلماء وأخذه عنهم أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل عن حاله . والله أعلم(8) .
قال الوليد بن مسلم : اجتمعت أنا وابن المبارك ومروان الفزاري عند سفيان الثوري وسعيد بن سالم القداح إذ جاء سفيان بن عيينة فتذاكرنا : من العدل في الإسلام ؟ فكلنا نظرنا إلى سفيان الثوري أن يتكلم فبادر عبد الله بن المبارك فقال : من رضيه أهل العلم فكتبوا عنه حديثه فهو عدل جائز الشهادة . فتبسم سفيان الثوري وقال : أحسن والله أبو عبد الرحمن(9) .
وقد جرى على ذلك الإمام أبو عمر بن عبد البر ، فقال : كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة ، حتى تتبين جرحته في حاله ، أو في كثرة غلطه(10) .
أما الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة بعدالتهم فيكتفي فيهم بالعدالة الظاهرة ؛ وهي الإسلام وعدم العلم بالمفسق ؛ لأن الأصل في المسلمين السلامة في العصور المتقدمة .
قال المعلمي رحمه الله تعالى : وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح ، نص على ذلك في الثقات وذكره ابن حجر في اللسان(11) واستغربه ولو تدبر لوجد كثيراً من الأئمة يبنون عليه فإذا وجد أحدهم أحاديث الراوي فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط ولم يبلغ ما يوجب طعناً في دينه وثقة وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف وربما بنى بعضهم على هذا حتى في أهل بلده(12) . انتهى كلامه .
قال ابن الصلاح : ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة ، في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم ، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم ، والله أعلم(13) . انتهى .
قال إبراهيم النخعي : كان يقال العدل من المسلمين من لم تظهر منه ريبة(14) .
وقال عطاف بن خالد : حدث زيد بن أسلم بحديث ، فقال له رجل : يا أبا أسامة عن من هذا ؟ قال : يا ابن أخي ما كنا نجالس السفهاء(15) .
وقال أبو العالية : كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام ، فأتفقد صلاته ، فإن أجده يحسنها ويقيمها ، أقمت عليه وكتبت عنه ، وإن أجده يضيعها رحلت عنه ، وقلت : هذا لغير الصلاة أضيع(16) .
وقال الإمام مالك بن أنس : لم يقدم علينا أحد من أهل العراق يشبه أيوب السختياني ، قدم بلادنا فلم يسمع إلا ممن عندنا ثقة مأمون ، وقد كان غيره يقدم فيسمع ممن لا تجوز شهادتهم على حزمة كرات ،فعلمنا أن علمه في الموضع الذي يعرف أنه نقي كما أنه في الموضع الذي لا يعرف أنه نقي(17)
ويقدح في عدالة الراوي الفسق ، وهو على قسمين :
الأول : الفسق بالقول والعمل ـ كالزنا وشرب الخمر والعياذ بالله ـ ومن تلبس به لا تقبل روايته مطلقاً ، ولا يوثق .
قال ابن إدريس : لا يسمع الحديث ممن شرب المسكر ، ولا كرامة(18) .
وقال الإمام مالك : لا يؤخذ العلم من أربعة ، وخذوا ممن سوى ذلك : لا يؤخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس ، ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ، ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس ، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله ، ولا من شيخ له عبادة وفضل ، إذ كان لا يعرف ما يحدث(19) .
قال أبو حاتم بن حبان : ومن المجروحين المعلن بالفسق والسفه وإن كان صدوقاً غي روايته ، ؛ لأن الفاسق لا يكون عدلاً ، والعدل لا يكون مجروحاً ، ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه ، وإن صدق في شئ بعينه في حاله من الأحوال إلا أن يظهر عليه ضد الجرح حتى يكون أكثر أحواله طاعة الله عز وجل ، فحينئذ يحتج به بخبره ، فأما ظهور ذلك فعلاً(20) .
وقال أيضاً : لأن العدل إذا ظهر عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك ، كما أن من ظهر عليه أكثر علامات التعديل استحق العدالة(21) .
وقال الحافظ الذهبي : ما كل أحد فيه بدعة أو هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً(22) .
قال سعيد بن المسيب : ليس من شريف ولا من عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب ولا بد ، ولكن من الناس لا تذكر عيوبه ؛ من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله(23) .
وقال الإمام الشافعي : لا أعلم أحداً أعطى طاعة الله حتى لم يخلطها بمعصية الله إلا يحيى بن زكريا عليه السلام ، ولا عصى الله فلم يخلطها بطاعة ، فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل ، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح(24) .
قلت : أما من وقع في المعصية وهو متأول فلا يجرح في عدالته ؛ لأن وقوعه في المحرم ليس من قبيل العناد واتباع الشهوات ، بل بسبب خطئه في الاجتهاد .
قال أبو حاتم الرازي : جاريت أحمد بن حنبل من شرب النبيذ من محدثي الكوفة وسميت له عدداً منهم فقال : هذه زلات لهم ولا تسقط بزلاتهم عدالتهم(25) .
__________
(1) معرفة علوم الحديث (53) .(1) 1)
(2) الكفاية (79) .(2) 2)
(3) كتاب المجروحين (1/21 ، 23) .(3) 3)
(4) الكفاية (101) ، والجامع للخطيب (1/128) .(4) 4)
(5) الجرح والتعديل (2/31) .(5) 5)
(6) الثقات (1/13) .(6) 6)
(7) كتاب المجروحين (2/192 ، 193) .(7) 7)
(8) الكفاية (88) .(1) 1)
(9) الكامل لابن عدي (1/104) .(2) 2)
(10) التمهيد (1/28) .(3) 3)
(11) لسان الميزان (1/93) .(4) 4)
(12) التنكيل (1/67) .(5) 5)
(13) مقدمة ابن الصلاح (53) .(6) 6)
(14) السنن الكبرى للبيهقي (10/124) .(7) 7)
(15) الكامل لابن عدي (1/158) .(8) 8)
(16) الكامل لابن عدي (1/54) .(1) 1)
(17) الكامل لابن عدي (1/61) .(2) 2)
(18) كتاب المجروحين (1/23) .(3) 3)
(19) الكامل لابن عدي (1/92) .(4) 4)
(20) كتاب المجروحين (1/79) .(5) 5)
(21) كتاب المجروحين (1/76 ، 77) .(6) 6)
(22) ميزان الاعتدال (3/141) .(7) 7)
(23) الكفاية (79) .(1) 1)
(24) الكفاية (79) .(2) 2)
(25) الجرح والتعديل (2/26) .(3) 3)(1/17)
فصل الرواة الموصوفون بالبدعة
الثاني : الفسق بالاعتقاد :
وهو أصحاب البدع ، من الخوارج والقدرية والشيعة والمرجئة وغيرهم . فهؤلاء إن أخرجتهم بدعتهم عن حد العدالة فلا يقبل حديثه . والله أعلم .
قال الإمام مسلم بن الحجاج : واعلم ـ وفقك الله تعالى ـ أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين ، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه ، والستارة في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع .
والدليل على أن الذي قلنا من هذا ، هو اللازم دون ما خالفه قول الله عز وجل ذكره : ( يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) [ الحجرات :6) . وقال جل ثناؤه : ( ممن ترضون من الشهداء ) [ البقرة :282] . وقال عز وجل : ( وأشهدوا ذوى عدل منكم ) [ الطلاق :2] .
فدل بما ذكرنا من هذه الآيات أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول ، وأن شهادة غير العدل مردودة .
والخبر وإن فارق معنى الشهادة ؛ فقد يجتمعان في اعظم معانيها ؛ إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عن أهل العلم كما أن شهادته مردودة عن جميعهم(1) .
قال ابن حبان : ومن المجروحين ، المبتدع إذا كان داعية يدو الناس إلى بدعته حتى صار إماماً يقتدى به في بدعته ويرجع إليه في ضلالته كغيلان ، وعمرو بن عبيد ، وجبر الجعفي ، وذويهم(2) .
قال ابن الجنيد : سأل رجل يحيى عن يونس بن خباب ؟ فقال : ليس بذاك ، كان يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يشتم عثمان ، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فليس بثقة(3) .
فالبدعة قادحة في العدالة ؛ إلا أن التأول لا يجعله من المعاندين ، ومن ثبت صدقه لا يخشى منه الكذب ، فلنا حديثه وعليه بدعته .
فيقبل حديث الثقات ممن رمى ببدعة سواء كان داعية إلى بدعته أو غير داعية ، ما دام متأولاً غير معاند ، إذا لم يرو حديثاً منكراً يؤيد بدعته .
قال الجوزجاني : وكان قوم يتكلمون في القدر منهم من يزن(4) ويتوهم عليه ، احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين وصدق ألسنتهم وأمانتهم في الحديث ، لم يتوهم عليهم الكذب ، ، وإن بلوا بسوء رأيهم(5).
وقال سليمان بن أحمد الواسطي : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : سمعتك تحدث عن رجل ، أصحابنا يكرهون الحديث عنه ، قال : من هو ؟ قلت : محمد ابن راشد الدمشقي . قال : ولم ؟ قلت : كان قدرياً . فغضب وقال : ما يضره(6) .
وقال الحين بن إدريس : وسألته ـ يعني محمد بن عبد الله بن حماد الموصلي ـ عن علي بن غراب ، فقال : كان صاحب حديث بصيراً به ، قلت : أليس هو ضعيف ؟ قال : إنه كان يتشيع ولست أنا بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث يبصر الحديث ، بعد أن لا يكون كذوباً للتشيع أو القدر ، ولست براو عن رجل لا يبصر الحديث ولا يعقله ، ولو كان أفضل من فتح ـ يعني الموصلي(7) ـ انتهى .
قلت : لأن العبرة بضبطه للحديث ، وترك حديثه الصحيح رد للسنة النبوية ، كما قال الذهبي في أبان بن تغلب : كوفي شيعي جلد ، لكنه صدوق ، قلنا صدقه وعليه بدعته(8) .
وقال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد القطان : إن عبد الرحمن بن مهدي قال : أنا أترك من أهل الحديث ممن كان رأساً في البدعة ، فضحك يحيى بن سعيد فقال : كيف يصنع بعمر بن ذر الهمداني وبابن أبي رواد ؟ ! وعدّ يحيى قوماً أمسكت عن ذكرهم ، ثم قال يحيى : إن ترك عبد الرحمن بن مهدي هذا الضرب ترك خيراً كثيراً(9) .
وقال ابن المديني : لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي ـ يعني التشيع ـ لخربت الكتب . قال الخطيب : قوله خربت الكتب يعني لذهب الحديث(10) .
وقال أبو حاتم بن حبان : ولو عمدنا إلى ترك حديث الأعمش وأبي إسحاق وعبد الملك بن عمير وأضرابهم لما انتحلوا ، وإلى قتادة وسعيد بن أبي عروبة وابن أبي ذئب وأشباههم بما تقلدوا ، وإلى عمر بم ذر وإبراهيم التيمي ومسعر ابن كدام وإخوانهم بما اختاروا ، فتركنا حديثهم لمذاهبهم ، لكان ذلك ذريعة إلى ترك السنن كلها حتى لا يحصل في أيدينا من السنن إلا الشئ اليسير ، وإذا استعملنا ما وصفنا أعنا على دحض السنن وطمسها(11) .
قلت : والعلة في رد حديث المبتدع هي خشية ولوغه في الكذب لنصرة رأيه ، وهذا منتف ـ ولله الحمد ـ ممن وثقه العلماء .
قال الحاكم : وأصحاب الأهواء رواياتهم عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين ، واتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بأبي معاوية محمد بن خازم وعبيد الله بن موسى وقد اشتهر عنهما الغلو(12) .
ووثق العلماء معبد الجهني وهو أول من دعا إلى القدر . قال يحيى بن معين : ثقة ، وقال الدار قطني : حديثه صالح ومذهبه ردئ . وقال العجلي : تابعي ثقة كان لا يتهم بالكذب(13) .
وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وثقة الإمام يحيى بن معين وغيره وقال أبو داود : ثقة داعية إلى الإرجاء(14) .
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه : عن عدي بن ثابت عن زر قال : قال علي : والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى اله عليه وسلم إلى أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق(15)
وقال ابن معين في عدي بن ثابت : شيعي مفرط .
قلت : ومع تأييد روايته لمذهبه ، صحح مسلم حديثه لعدم نكارته(16) .
وقال المعلمي : والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته ، فإن كان كل من اعتقد أمراً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة ، وهذا باطل قطعاً ، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل ، وإلا وجب أن لا يحتج بخبرة ألبتة ، سواء أوافق بدعته أم خالفها(17) . انتهى .
لكن إن كان الخبر المؤي لبدعته منكراً فإنه يرد .
قال الحافظ الجوزجاني : ومنهم زائغ عن القصد صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه إذ كان مخذولاً في بدعته مأموناً في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ منهم ما يعرف إذا لم يقوي بدعته فيتهم به عند ذلك(18) .
وقال أيضاً : فما روى من هؤلاء مما يقوي مذهبهم عن مشايخهم المغموزين وغير الثقات المعروفين ، فلا ينبغي أن يغتر بهم الضنين بدينه ، الصائن لمذهبه ، خيفة أن يختلط الحق المبين بالباطل الملتبس ، فلا لهؤلاء قولاً هو أصدق من هذا(19) .
وقال المعلمي : المروي المقوي لبدعة راويه ، إما غير منكر ، فلا وجه لرده فضلاً عن رد راويه ، وإما منكر ، فحكم المنكر معروف ، وهو أنه ضعيف ، فأما راويه فإنه اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط ألبته ، وإن اتجه الحمل على غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك ، وإن تردد الناظر ـ وقد ثبتت العدالة ـ وجب القبول ، وإلا أخذ بقول من هو أعرف منه وأوقف(20) . انتهى .
ولا يمكن لرجل أن يدخل حديثاً ويوثقه الحفاظ أبداً ، فمدار القبول في رواية المبتدع على التوثيق لا غير .
قال عمر الناقد : دين النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتمل الدنس ـ يعني الكذب(21) ـ .
قال سفيان الثوري رحمه الله : لو هم الرجل أن يكذب في الحديث في جوف الليل لأظهر الله عليه(22)
وقال : من هم أن يكذب في الحديث سقط حديثه(23) .
وقال أيضاً : إني لأحسب رجلاً لو حدث نفسه بالكذب في الحديث لعرف به(24) .
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين : قال سفيان الثوري : من كذب في الحديث افتضح . قال أبو نعيم : وأنا أقول : من همّ أن يكذب افتضح(25) .
وقيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال : يعيش لها الجهابذة(26) .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : لو أن رجلاً همّ أن يكذب في الحديث أسقطه الله عز وجل(27) .
وقال المعلمي : ومن مارس أحوال الراوية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها(28) .
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم (8 ، 9) .(4) 4)
(2) كتاب المجروحين (1/82) .(1) 1)
(3) سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين (559 ، 869)(2) 2)
(4) يزن : يظن .(3) 3)
(5) أحوال الرجال (181) .(4) 4)
(6) الكفاية (129) .(5) 5)
(7) الكفاية (130) .(6) 6)
(8) ميزان الاعتدال (1/5) .(7) 7)
(9) الكفاية (129) .(1) 1)
(10) الكفاية (129) .(2) 2)
(11) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/160) .(3) 3)
(12) المدخل إلى كتاب الإكليل (42) .(4) 4)
(13) تهذيب الكمال (28/244) .(5) 5)
(14) ميزان الاعتدال (2/648) .(6) 6)
(15) صحيح مسلم برقم (78) .(1) 1)
(16) وانظر التنكيل (1/50 ، 51) .(2) 2)
(17) التنكيل (1/48) .(3) 3)
(18) أحوال الرجال (32) .(4) 4)
(19) أحوال الرجال (82) .(5) 5)
(20) التنكيل (1/51) .(6) 6)
(21) الكفاية (36) .(1) 1)
(22) كتاب المجروحين لابن حبان (1/25) .(2) 2)
(23) كتاب المجروحين لابن حبان (1/21) .(3) 3)
(24) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/8) .(4) 4)
(25) كتاب المجروحين لابن حبان (1/117 ، 118) .(5) 5)
(26) الجرح والتعديل (2/18) ، والكامل (1/103) .(6) 6)
(27) الجامع للخطيب (2/8) .(7) 7)
(28) التنكيل (1/47) .(8) 8)(1/18)
فصل ضبط الرواة للحديث .
الصفة الثانية : الضبط : وهو شرط في قبول خبر الراوي ، فإن ثبوت عدالته الدينية لا يكفي حتى يجمع بينهما .
قال أبو حاتم محمد بن حبان : وقد يكون العدل الذي يشهد له جيرانه وعدول بلده به وهو غير صادق فيما يروي من الحديث ؛ لأن هذ شئ ليس يعرفه إلا من صناعته الحديث ، وليس كل معدّل يعرف صناعة الحديث حتى يعدل العدل على الحقيقة في الراوية والدين معاً(1) .
وقال مالك بن أنس : إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، لقد أدركت في هذا المسجد سبعين ـ وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ممن يقول : قال فلان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أخذت عنهم شيئاً ، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان
به أميناً ؛ لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن(2) .
وقال أبو الزناد : أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ، لا يؤخذ عنهم العلم ، كان يقال : ليس هم من أهله(3) .
والضبط على نوعين : قال ابن معين رحمه الله : هما ثبتان : ثبت حفظ وثبت كتاب(4) . انتهى .
فأما ضبط الصدر : فهو أن يكون حافظاً لما يحدث به ، أو عالماً بما يحيل المعاني من الألفاظ إن حدث بالمعنى .
وأما ضبط الكتاب : فهو كون كتابه صحيحاً بصيانته له حتى الأداء منه .
قال الحافظ بن حجر رحمه الله : الرواة الذين للصحيح على قسمين :
قسم كانوا يعتمدون على حفظ حديثهم ، فكان الواحد منهم يتعاهد حديثه ويكرر عليه فلا يزال مبيناً له ، وسهل ذلك عليهم قرب الإسناد ، وقلة ما عند الواحد منهم من المتون ، حتى كان من يحفظ منهم ألف حديث يشار إليه بالأصابع ، ومن هنا دخل الوهم والغلط على بعضهم لما جبل عليه الإنسان من السهو والنسيان .
وقسم كانوا يكتبون ما يسمعونه ويحافظون عليه ولا يخرجونه من أيديهم ، ويحدثون منه ، وكان الوهم في حديثهم أقل من القسم الأول ، إلا من تساهل منهم ، كمن حدث من غير كتابه ، أو أخرج كتابه من يده إلى غيره فزاد فيه ونقص وخفي عليه ، فتكلم الأئمة فيمن وقع له ذلك منهم(5) . انتهى .
قال مروان : ثلاثة ليس لصاحب حديث عنها غنى : الحفظ والصدق وصحة الكتب ، فإن أخطأ واحدة وكانت فيه ثنتين لم يضره ، إن أخطأ الضبط والحفظ ورجع إلى الكتب لم يضره .
وقال : طال الإسناد وسيرجع إلى الكتب(6) .
قال الخطيب البغدادي : الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه ، ليسلم من الوهم والغلط ويكون جديراً بالبعد من الزلل(7) .
وقيل ليحيى بن معين : أيهما أحب إليك ثبت حفظ أو ثبت كتاب ؟ قال :ثبت كتاب(8) .
قال الإمام أحمد : حدثنا قوم من حفظهم وقم من كتبهم ،فكان الذين من حدثونا من كتبهم أتقن(9)
قال الذهبي : الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب كمان كان يفعل ويوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل(10) .
وقال علي بن المديني : ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغني أنه لا يحدث إلا كم كتاب ، ولنا فيه أسوة(11) .
قال علي بن المديني : أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب(12) .
قلت : والمعتبر في الثقة صحة أدائه للحديث كما هو ممن أخذ عنه ، بغض النظر عن طريقة التحمل .
قال يحيى بن معين : سمعت عبد الله بن وهب يقول لسفيان بن عيينة : يا أبا محمد ! الذي عرض عليك أمس فلان ، أجزها لي . فقال : نعم .
وقال : رأيت عبد الله بن وهب ، يعرض له على سفيان بن عيينة ، وهو قاعد ينعس .
وقال يحيى بن إسحاق : رأيت سفيان بن عيينة يحدث وابن وهب نائم(13) .
قال أبو طالب : قال أحمد بن حنبل : عبد الله بن وهب صحيح الحديث يفصل السماع من العرض ، والحديث من الحديث ، ما أصح حديثه وأثبته ، قيل له : أليس كان سيئ الأخذ ؟ قال : قد كان سيئ الأخذ ولكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه وجدته صحيحاً(14) .
قلت : ومن ذلك صحة الوجادة ، وهي : التحمل من الكتاب بدون سماع ولا إجازة ، كرواية الحسن عن سمرة بن جندب ، ومخرمة بن بكير عن أبيه ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وغيرهم .
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله : ولم تزل الأمة تعمل قديماً وحديثاً ، وأجمع الصحابة على العمل بالكتب ، وكذلك الخلفاء بعدهم ، وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الكتب ، فإن لم يعمل بالكتب تعطلت الشريعة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب كتبه إلى الآفاق والنواحي فيعمل بها من تصل إليه ، ولا يقول هذا كتاب !! فرد السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل
الباطل ، والحفظ يخون والكتاب لا يخون(15) .
__________
(1) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/152) .(9) 9)
(2) تهذيب الكمال (26/438) ، والكامل (1/92) .(1) 1)
(3) مقدمة صحيح مسلم (15) ، والكامل لابن عدي (1/155) .(2) 2)
(4) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/38) .(3) 3)
(5) النكت على كتاب ابن الصلاح (55) .(4) 4)
(6) الكامل (1/159) .(5) 5)
(7) الجامع للخطيب (2/10) .(6) 6)
(8) الجامع للخطيب (2/38) .(1) 1)
(9) شرح علل الترمذي (57) .(2) 2)
(10) سير أعلام النبلاء (9/383) .(3) 3)
(11) الجامع للخطيب (2/12) .(4) 4)
(12) سير أعلام النبلاء (11/200) ، والجامع للخطيب (2/12) .(5) 5)
(13) تاريخ ابن معين برواية الدوري : (2/336) .(6) 6)
(14) الجرح والتعديل (5/190 ، 189) .(7) 7)
(15) إعلام الموقعين (2/144) .(1) 1)(1/19)
فصل في الصحابة
فأما الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، فهؤلاء كما قال الله عز وجل فيهم : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) [ التوبة : 100 ] .
وقال تعالى : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ) [ الفتح : 18 ] .
قال تعالى : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) [ الحشر : 8 ، 9 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تسبوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصفيه ))(1) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ))(2) .
قال الإمام أحمد رحمه الله : ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه لحدث كان منه ، أو ذكر مساوئه كان مبتدعاً ، حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً(3) .
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم الزنادقة(4) .
وقال ابن عدي : فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لحق صحبتهم وتقادم قدمهم في الإسلام لكل واحد منهم في نفسه حق وحرمة ، فهم أجل من أن يتكلم أحد فيهم(5) .
وقال ابن حاتم بن حبان رحمه الله تعالى : فإن قال قائل : فكيف جرحت من بعد الصحابة وأبيت ذلك في الصحابة ، والسهو والخطأ موجود في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين ؟
يقال له : إن الله ـ عز وجل ـ نزه أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلب قادح ، وصان أقدارهم عن وقيعة منتقص ، وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم ، فالثلب لهم غير حلال والقدح فيهم ضد الإيمان ، والتنقيص لأحدهم نفس النفاق ؛ لأنهم خير الناس قرناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحكم من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم .
…وإن من تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبداعهم ما ولاه الله بيانه للناس ، لبالحري من أن لا يجرح ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلا وهم عنده صادقون جائز والشهادة ، ولو لم يكونوا كذلك لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه ؛ لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدح في الرسالة . وكفى بمن عدله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم شرفاً ، وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك ، لأن الصحابي إذا أدى إلى من بعده يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقاً ، أو مبتدعاً ضالاً ينقص من الخير أو يزيد فيه ، ليضل به العالم من الناس ، فمن أجله فرقنا بينهم وبين الصحابة ، إذ صان الله ـ عز وجل ـ أقدار الصحابة عن البدع والضلال . جمعنا الله وإياهم في مستقر رحمته بمنه(6) . قلت : آمين . وقد كانوا ـ ولأجل عظيم عدالتهم ـ لا يحدثون إلا بما يتقنون .
عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : كان عبد الله يمكث السنة لا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخذته الرعدة ، ويقول : أو هكذا أو نحوه أو شبهه(7) .
وعن عمرو بن ميمون ، قال : اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة فما سمعته يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه جرى على لسانه يوماً فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلاه كرب حتى جعل يعرق ، ثم قال : إن شاء الله ذا ، أو دون ذا أو نحوه(8) .
وعن ابن أبي ليلى ، قال : كنا إذا أتينا زيد بن أرقم فنقول له : حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول : إنا كبرنا ونسينا ، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد(9) .
عن الشعبي،قال : جالسن ابن عمر سنة،فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً(10)
قال عبدوس بن مالك العطار : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر ، فقال : ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القرن الذي بعث فيهم ، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه ، فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه(11) .
وقال أبو عبد الله البخاري رحمه الله : من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه(12) . انتهى .
وتثبت صحة الراوي بالشهرة ، كالعشرة البمشرين بالجنة وغيرهم ، وباتصال الإسناد سواء بالتصريح بالسماع عن النبي صلى الله عليه وسلم أو المعاصرة بشرطها .
ومما يدل على صحبة الراوي رواية كبار التابعين عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى ذلك عمل أهل العلم بالحديث .
وآخر الصحابة موتاً عامر بن وائلة ـأبو الطفيل ـ ومن مات بعده ليست له صحبة .
قال الإمام مسلم : مات أبو الطفيل سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم(13) .
قلت : فكل من مات بعده فليس من الصحابة . ومما يشير إلى عدم صحبة الراوي الذي لم تثبت صحبته ، روايته عن الصحابة(14) .
__________
(1) صحيح البخاري (3673) .(2) 2)
(2) صحيح البخاري (3651) .(3) 3)
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/182) .(4) 4)
(4) الكفاية (49) .(5) 5)
(5) الكامل في ضعفاء الرجال (3/208) .(1) 1)
(6) كتاب المجروحين (1/33 ، 34) .(2) 2)
(7) المحدث الفاصل (734) .(3) 3)
(8) المحدث الفاصل (734) ، ونحوه عن ابن ماجه (737) .(4) 4)
(9) سنن ابن ماجه (25) ، والمحدث الفاصل (737) . (1) 1)
(10) سنن ابن ماجة (26) ، والمحدث الفاصل (739) .(2) 2)
(11) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/180) ، ، والكفاية (51) .(3) 3)
(12) فتح الباري (7/5) ، والكفاية (51) .(4) 4)
(13) تهذيب الكمال (14/81) .(5) 5)
(14) الكامل لابن عدي (7/288) .(6) 6)(1/20)
فصل فيمن دون الصحابة .
وأما من كان دون الصحابة ، من التابعين وأتباعهم ، وتبع الأتباع ومن دونهم فهم عل قسمين :
القسم الأول : مقبولة روايتهم . وهم ثلاث طبقات :
الأولى : كبار الحفاظ والأئمة النقاد : وفي روايتهم عن غيرهم ميزات وخصائص ترفع شأن حديثه .
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم : منهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث ، فهذا لا يختلف فيه . ويعتمد على جرحه وتعديله ، ويحتج بكلامه في الرجال(1) .
وقال الحاكم : والفهم عندنا أجل من الحفظ(2) .
وقال الإمام مالك : اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماماً أبداً ، وهو يحدث بكل ما سمع(3) .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : الأئمة ممن أدركنا أربعة : الأوزاعي وحماد ابن زيد وسفيان الثوري ومالك بن أنس ، وليس بإمام من حدث بكل ما سمع ، وحدث عن كل من لقي ، وحدث بكل ما يسأل عنه ، وحدث كل من يسأله(4) .
الثانية : الثبت المتقن :
قال ابن أبي حاتم : ومنهم العدل في نفسه ، الثبت في روايته ، الصدوق في نقله ، الورع في دينه ، الحافظ لحديثه ، المتقن فيه ، فذلك العدل الذي يحتج بحديثه ، ويوثق في نفسه(5) .
الثالثة : من تقبل روايته ولكن دون سابقه : وهم : المشايخ من الثقات والصدوقين .
وقال ابن أبي حاتم : ومنهم الصدوق الورع في دينه الثبت الذي يهم أحياناً ، وقد قبله الجهابذة النقاد ، فهذا يحتج بحديثه أيضاً(6) .
وقد وردت آثار عن السلف وأئمة الحديث في الحث على طلب الحديث من الثقات :
فعن سليمان بن موسى ، قال : قلت لطاوس : حدثني فلان كيت وكيت . قال : إن كان صاحبك ملياً فخذ عنه(7) .
قال سعد بن إبراهيم : كان يقال : خذوا الحديث من الثقات(8) . وفي رواية : لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات(9) .
وقال الثوري : إذا حدثك ثقة عن غير ثقة فلا تأخذ ، وإذا حدث غير ثقة عن ثقة فلا تأخذ ، وإذا حدثك ثقة عن ثقة فخذه(10) .
وقال الأوزاعي : خذ دينك عمن تثق به وترضى(11) .
وكان بهز بن أسد إذا ذكر له الإسناد الصحيح : هذه شهادات الرجال العدول المرضيين بعضهم على بعض ، وإذا ذكر له الإسناد فيه شئ قال : هذا فيه عهدة ، ويقول : لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ، ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين ، فدين الله أحق أن يؤخذ من العدول(12)
القسم الثاني : مردودة روايتهم . وهم منزلتان :
الأولى : لا يحتج بحديثه إذا انفرد ولا يسقط ويعتبر به في الشواهد والمتابعات :
قال ابن أبي حاتم : ومنهم الصدوق الورع المغفل ، الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط ، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام(13) .
وقال ابن مهدي : الناس ثلاثة : من حفظ عن الرجل الحافظ المتقن فهذا لا يختلف فيه ، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه ، لو ترك حديث مثل هذا لذهب حديث الناس ، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه ـ يعني لا يحتج(14) ـ. انتهى .
الثانية : شديد الضعف ، والمتهم بالكذب ، فلا يعتبر بهم في الشواهد والمتابعات :
قال ابن أبي حاتم : ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلساً بينهم ، ممن قد ظهر كذبه للنقاد العلماء بالرجال ، فهذا يترك حديثه وتطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به(15) .
قال عروة بن الزبير : إني لأسمع الحديث فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمع سامع فيقتدي به ؛ أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق ،وأسمعه من الرجل أثق به قد حدث عمن لا أثق به(16)
قال الإمام مسلم : فأما ما كان عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم ، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم ، كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني ، وعمرو بن خالد ، وعبد القدوس الشامي ، ومحمد بن سعيد المصلوب ،و غياث بن إبراهيم ، وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي ، وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار .
كذلك من كان الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ، أمسكنا أيضاً عن حديثهم .
وعلامة المنكر في حديث المحدث ، إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا ، خالفت روايته أو لم تكد توافقها ، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك ، كان مهجور الحديث غير مقبولة ولا مستعملة(17) .
قال ابن مهدي : لا يترك حديث رجل إلا رجلاً متهماً بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط(18) .
وقال الترمذي : كل من كان متهماً في الحديث بالكذب أو كان مغفلاً يخطئ الكثير ، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أنه لا يشتغل بالرواية عنه(19) .
قال ابن رجب : والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ ويحدث عمن دونهم في الضعف مثل من في حفظه شئ ، ويختلف الناس في تضعيف وتوثيقه . وكذلك كان أبو زرعة يفعل(20) .
وقال أبو حاتم بن حبان : إن الكثرة اسم يشتمل على معان شتى ، ولا يستحق الإنسان ترك روايته حتى يكون منه الخطأ ما يغلب على صوابه ، فإذا فحش ذلك منه وغلب على صوابه ، استحق مجانبة روايته ، وأما من كثر خطؤه ، ولم يغلب على صوابه ، فهو مقبول الرواية فيما لم يخطئ فيه ، واستحق مجانبة ما أخطأ فيه فقط ، مثل شرك وهشيم وأبي بكر بن عياش ، وأضرابهم كانوا يخطئون فيكثرون ، فروى عنهم واحتج بهم كتابة ، وحماد واحد من هؤلاء(21) .
قال الحميدي : فإن قال قائل : فما الحجة في الذي يغلط فيكثر غلطه ؟ قلت : مثل الحجة على الرجل الذي يشهد على من أدركه ، ثم يثبت على تلك الشهادة فلا يرجع عنها ، ولأنه إذا أكثر ذلك من لم يطمأن إلى حديثه وإن رجع عنه ، لما يخاف أن يكون مما يثبت عليه من الحديث مثل ما رجع عنه ، وليس هكذا الرجل يغلط في الشئ ، فيقال له فيه فيرجع ولا يكون معروفاً بكثرة الغلط(22)
قلت : وفائدة تقسيم الرواة إلى درجات هي قوة الاعتبار بهم ، وشد حديثهم إذا وهن ، وفيما إذا اختلفوا ترجح رواية الأقوى .
وأما الرواة المتأخرون ، فيتخفف في شروط الثقة لديهم .
قال ابن الصلاح : أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في الحديث ومشايخه ؛ فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم ، وكان عليه ما تقدم .
ووجه ذلك : ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها .
فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده ، وليكف في أهلية الشيخ بكونه مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بالفسق والسخف ، وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتاً بخط غير متهم ، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه .
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله تعال ؛ فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذي لا يحفظون حديثهم ، ولا يحسنون قراءته من كتبهم ، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة من أصل سماعهم .
ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شئ منها على جمعيهم ، وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها .
قال البيهقي : فمتى جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه ينفرد بروايته ، والحجة قائمة بحديثه برواية غيرة . والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث شرفاً لنبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . والله أعلم(23) . انتهى كلام ابن الصلاح رحمه الله .
__________
(1) تقدمه الجرح والتعديل (6 ، 10) .(1) 1)
(2) سير أعلام النبلاء (14/504) .(2) 2)
(3) مقدمة صحيح مسلم (11) .(3) 3)
(4) الكامل لابن عدي (1/88) .(4) 4)
(5) تقدمة الجرح والتعديل (6 ، 10) .(5) 5)
(6) تقدمة الجرح والتعديل (6 ، 10) .(6) 6)
(7) مقدمة صحيح مسلم (15) .(7) 7)
(8) الجرح والتعديل (2/29) .(8) 8)
(9) مقدمة صحيح مسلم (15) .(9) 9)
(10) الجرح والتعديل (2/29) .(1) 1)
(11) الجرح والتعديل (2/29) .(2) 2)
(12) الجرح والتعديل (2/16) ، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (1/148) ،ومثله ورد عن أبي غسان بن عمرو الرازي . أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع (1/127 ، 128) . (3) 3)
(13) تقدمة الجرح والتعديل (6 ، 10) .(4) 4)
(14) الجرح والتعديل (2/38) .(5) 5)
(15) تقدمة الجرح والتعديل (7 ، 10) .(6) 6)
(16) الكامل (1/52) .(7) 7)
(17) صحيح مسلم (1/7) . (1) 1)
(18) الكفاية (143) .(2) 2)
(19) العلل الصغير (5/743) آخر كتابه الجامع .(3) 3)
(20) شرح علل الترمذي (85) .(4) 4)
(21) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/153 ، 154) .(5) 5)
(22) الكفاية (144) .(6) 6)
(23) مقدمة ابن الصلاح (57 ، 58) .(1) 1)(1/21)
فصل في المجهول
عرف الخطيب البغدادي المجهول عند أصحاب الحديث بأنه : كل من لم يشتهر بطلب العمل في نفسه ، ولا عرفه العلماء به ، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد(1) .
وهذا التعريف جامع لمذاهب أهل الحديث في المجهول .
فمنهم من قصر المجهول على من روى عنه واحد فقط ، واكتفى بروايتين عنه في رفع جهالته ، ويكون معروفاً ، وهو مذهب منسوب إلى الذهلي ، والبزار(2) ، وموسى بن هارون الحمال(3) ، وابن عدي ، والدار قطني ، والحاكم(4) ، وابن منده ، والبيهقي(5) وغيرهم .
قال الذهلي : إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة(6)
وقال ابن عدي : ولا أعلم يروي عن سعيد غير مروان الفزاري ، وإذا روى عنه رجل واحد كان
شبه المجهول(7) .
وقال الدار قطني : وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعداً ، فإذا كان هذه صفته ارتفع اسم الجهالة عنه وصار حينئذ معروفاً(8) .
وقال ابن منده : من حكم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي واحد وإن كان مشهوراً مثل الشعبي وسعيد بن المسيب ينسب إلى الجهالة ، فإن روى عنه رجلان صار مشهوراًً(9) .
ومنهم نظر إلى أن الشهرة لا تحصل بروايتهما عنه بل برواية أهل العلم ممن لا يروي عن المجاهيل .
قال يعقوب بن شيبة : قلت لابن معين : متى يكون الرجل معروفاً إذا روى عندكم ؟ قال : إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي وهؤلاء من أهل العلم فهو غير مجهول . قلت : فإذا روى عنه مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ قال : هؤلاء يروون عن مجاهيل .
قال ابن رجب : وهو تفصيل حسن ، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون(10) .
ومنهم من لا ينظر إلى ذلك بل إلى حصول شهرته وكثرة حديثه كعلي بن المديني وغيره(11) .
قال ابن رجب رحمه الله : وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة ، وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات(12) .
والظاهر أن هذا الاختلاف في تحديد معنى الجهالة ، إنما هو اختلاف تنوع ليس اختلاف تضاد ، فيعطى لكل صورة من الجهالة حكمها .
ولجهالة الراوي أسباب :
منها : قلة حديثه ؛ كقول ابن معين في عاصم بن سويد : لا أعرفه . وقال ابن عدي معلقاً : وإنما لا يعرفه لأنه قليل الرواية جداً ، ولعل ما يرويه ولا يبلغ خمسة أحاديث(13) .
ومنها : سكناه في بلد نائية كالبادية ؛ مثل مدلاج بن عمرو السلمي ، قال أبو حاتم : مجهول(14) .
ومنها : تدليس الشيوخ ، وهو تعمية الراوي أمر شيخه ، فيذكره بغير ما اشتهر به .
قال الذهبي : علي بن سويد شيخ ليحيى الحماني لا يعرف فيقال :هو معلى بن هلال دلسه الحماني(15)
قال وكيع : من كنى من يعرف بالاسم وسمى من يعرف بالكنية فقد جهل العلم(16) .
ولهذه الأسباب وغيرها يقل الرواة عنه مما يؤدي إلى عدم شهرته . وهي أيضاً نسبية فيكون معروفاً عند قوم ، مجهولاً عند آخرين ، مثل : بيان بن عمرو البخاري العابد(17) ، روى عنه البخاري وأبو زرعة وجماعة ، قال ابن عدي : عالم جليل له غرائب ، وقال أبو حاتم : مجهول(18) .
ونعرف جهالة الراوي أيضاً بعدم معرفته عند من كان مطلعاً على الأسانيد ، مهتماً بالرجال وسبر أحوالهم .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي : قلت ليحي بن معين : مالك بن عبيدة الديلي ،تعرفه ؟ قال : ما أعرفه .
قال أبو محمد بن أبي حاتم : يعني مجهول(19) .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي : سألت يحيى عن عبد الرحمن بن آدم كيف هو ؟ فقال : لا أعرفه .
قال ابن عدي : وهذان الاسمان اللذان ذكرهما عثمان عن ابن معين ، فقال : لا أعرفهما ، وإذا قال مثل ابن معين : لا أعرفه ، فهو مجهول غير معروف ، وإذا عرفه غيره ولا يعتمد على معرفة غيره ، لأن الرجال بابن معين تسبر أحوالهم(20) .
قلت : هذا الكلام يطرد فيمن كان من طبقة شيوخ ابن معين ومن فوقهم من القدماء ، ولا يطرد فيمن كان في طبقة يحيى ومن دونه وخاصة من غير بلده ؛ كالمصريين ونحوهم .
ومعنى قول ابن عدي لا يعتمد على معرفة غيره : ألا يصير معروفاً عند أهل العلم ، بل يبقى على جهالته ، وإن عرف حكمه من حيث الجرح والتعديل ؛ لأنه لا مخالفة بين الجرح والتعديل والجهالة .
وتقترن الجهالة بالتوثيق وبالتجريح مما يدل على أنه ليس المجهول من جهل ضبطه دائماً ، ومنه قول أبي حاتم الرازي في محمد بن طهمان : مجهول لا بأس به(21) . وقول الذهلي في عبد الله بن زياد الرصافي : مجهول مقارب الحديث(22) .
وكقول البخاري في الحسن بن ميسرة : منكر الحديث مجهول(23) . وقول أبي حاتم في الحسن بن شداد الجعفي : مجهول فيه نظر(24) . وقول أبي زرعة الرازي في أبي القاسم الضرير : لا أدري عنه وهو منكر الحديث(25) . وبما سبق تعلم فساد تعريف المجهول بأنه من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل . نعم ؛ كل من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل فهذا قربنه على جهالته ، ولكن لا عكس .
وقال ابن عدي : حاجب لا ينسب ، وإن لم ينسب كان مجهولاً(26) .
وقال ابن معين : ربيع الغطفاني لا أعرفه . وقال ابن عدي : وأنا لا اعرفه ولا أدري من يروي عنه وعمّن يروي ولم ينسب ابن من ؟ ، فهو مجهول من كل جهاته(27) . وقال : وإذا لم يعرف الرجل وكان مجهولاً كان حديثه مجهولاً(28) .
فالجهالة ليست بجرح ولا تعديل كما أن الشهرة ليست كذلك أيضاً ؛ فبعض الرواة مشهورون ولكن بالكذب ، ونخلص من ذلك أن معناها عند النقاد على المعنى اللغوي مخصصاً بالسياق الحديثي .
قال الحافظ الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح(29) .
وقال في محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : ما علمت به بأساً ، ولا رأيت لهم فيه كلاماً ، وقد روى له أصحاب السنن الأربعة فما استنكر له حديث(30)
قلت : شرط العدالة في قبول المجهول متوفر ، ليس كتوفرة في الرواة المشهورين ، وذلك بدلالة استقامة الأحاديث التي رواها مع السلامة من قدحه(31) .
وذلك مثل عبيد الله بن عبد الله بن موهب القرشي(32) . قال الشافعي : لا نعرفه ، ، وقال أحمدبن حنبل : لا يعرف(33) .
وقال أبو إسحاق السعدي : لا يعرف وأحاديث متقاربة من حديث أهل الصدق(34) .
وقال ابن حبان : روى عنه ابنه يحيى بن عبيد الله وهو لا شئ ، وأبوه ثقة ، وإنما وقع المناكير في حديث أبيه من قبل ابنه يحيى(35) .
وأما قول الذهبي رحمه الله ( روى عنه جماعة ) فهذا ليس شرطاً .
قال الإمام أبو عبد الله النيسابوري في كتابه المدخل إلى الإكليل :
القسم الثالث من الصحيح المتفق عليها : أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة ، والتابعون ثقات ، إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا الراوي الواحد ، مثل محمد بن حنين ، وعبد الرحمن بن فروخ ، وعبد الرحمن بن معبد ، وزياد ابن الحرث ، وغيرهم ، ليس لهم راو وإلا عمرو بن دينار وهو إمام أهل مكة . وكذلك الزهري محمد بن مسلم ، تفرد بالراوية عن جماعة من التابعين ، منهم عمرو بن أبان بن عثمان ، ومحمد بن عروة بن الزبير ، وعقبة بن سويد الأنصاري ، وسنان بن أبي سنان ، وغيرهم ، وتفرد يحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين بالرواية ، منهم يوسف بن مسعود الزرقي ، وعبد الله بن أنيس الأنصاري ، وعبد الرحمن بن المغيرة ، وغيرهم .
وليس في الصحيح من هذه الروايات شئ ، وكلها صحيحة بنقل العدل عن العدل متداولة بين الفريقين محتج بها(36) . انتهى .
قال الذهبي في ترجمة أسقع بن الأسلع : ما علمت روى عنه سوى سويد بن حجير الباهلي وثقة مع هذا يحيى بن معين ، فما كل من لا يعرف ليس بحجة لكن هذا هو الأصل(37) . انتهى .
قلت : فحديث المجهول الذي لا تعلم حاله يتوقف فيه إلى أن تدل القرائن على قبوله وإلا رد.
قال الثوري : إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه : أسمع الحديث من الرجل أتخذه ديناً ، وأسمع من الرجل أقف فيه ، وأسمع من الرجل لا أعبأ به وأحب معرفته(38) .
وقال الجوزجاني : أبو إسحاق ـ السبيعي ـ روى عن قوم لا يعرفون ، ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم ، فإذا روى تلك الأشياء التي إذا عرضتها الأمة على ميزان القسط الذي جرى عليه سلف المسلمين وأئمتهم الذين هم الموئل لم تتفق عليها ، كان الوقف في ذلك عندي الصواب ؛ لأن السلف أعلم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأويل حديثه الذي لا
أصل عندهم(39) .والراوي الذي لم يشتهر ولكن روى بعض الأحاديث التي استقامت يقبل حديثه .
وقال الخطيب البغدادي : من لم يرو عنه غير حديث أو حديثين ولم يعرف بمجالسة العلماء ، وكثرة
الطلب ، غير أنه ظاهر الصدق ، مشهود بالعدالة ، قبل حديثه ، حراً كان أو عبداً ، وكذلك إن لم يكن من أهل العلم بمعنى ما روى لم يكن بذلك مجروحاً ؛ لأنه ليس يؤخذ عنه فقه الحديث ، وإنما يؤخذ منه لفظه(40) .
والمجهولون على درجات ، قال الذهبي رحمه الله : أما المجهولون من الرواة ؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ
وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ، ويختلف ذلك باختلاف جلاله الراوي عنه ، وتجربة وعدم تجربة ذلك .
وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره لا سيما إذا انفرد به(41) .
وقال ابن أبي حاتم : باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنه تقوية ، وعن المطعون عليه أنها لا تقويه .
__________
(1) الكفاية (88) .(2) 2)
(2) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/128) .(3) 3)
(3) تهذيب التهذيب (1/268) .(4) 4)
(4) معرفة علوم الحديث (62) .(4) 4)
(5) السنن الكبرى (1/245) .(5) 5)
(6) الكفاية (98) .(1) 1)
(7) الكامل في ضعفاء الرجال (3/389) .(2) 2)
(8) السنن (3/471) .(3) 3)
(9) شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي (19) .(4) 4)
(10) شرح علل الترمذي (8) .(5) 5)
(11) شرح علل الترمذي (8 ، 18) .(6) 6)
(12) شرح علل الترمذي (18) .(7) 7)
(13) الكامل لابن عدي (5/240) .(1) 1)
(14) الجرح والتعديل (8/428) .(2) 2)
(15) ميزان الاعتدال (9/585) .(3) 3)
(16) الكفاية (371) .(4) 4)
(17) ميزان الاعتدال (4/133) .(5) 5)
(18) الجرح والتعديل (2/425) .(6) 6)
(19) الجرح والتعديل (8/213) .(7) 7)
(20) الكامل في ضعفاء الرجال (4/298) .(8) 8)
(21) ميزان الاعتدال (3/588) .(1) 1)
(22) ميزان الاعتدال (3/8) .(2) 2)
(23) ميزان الاعتدال (1/524) .(3) 3)
(24) ميزان الاعتدال (1/964) .(4) 4)
(25) الجرح والتعديل (9/427) .(5) 5)
(26) الكامل في ضعفاء الرجال (2/448) .(6) 6)
(27) الكامل في ضعفاء الرجال (3/137) .(7) 7)
(28) الكامل في ضعفاء الرجال (3/76) .(8) 8)
(29) ميزان الاعتدال (3/624) .(9) 9)
(30) ميزان الاعتدال (3/668) .(10) 10)
(31) التنكيل (1/76) .(1) 1)
(32) تهذيب الكمال (31/79 ، 80) ، وتهذيب التهذيب (7/24) .(2) 2)
(33) الجرح والتعديل (9/168) .(3) 3)
(34) أحوال الرجال (231) .(4) 4)
(35) كتاب الثقات (5/72) .(5) 5)
(36) المدخل إلى كتاب الإكليل (33 ، 34) .(6) 6)
(37) ميزان الاعتدال (1/211) .(7) 7)
(38) الكفاية (402) ، والكامل لابن عدي (1/82) .(1) 1)
(39) أحوال الرجال (81) .(2) 2)
(40) الكفاية في علم الراوية (93) .(3) 3)
(41) ديوان الضعفاء (374) .(4) 4)(1/22)
قال : سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه ؟ قال : إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه ، وإذا كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه .
وقال : سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه ؟ قال : أي لعمري ، قلت : الكلبي روى عنه الثوري ، قال : إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء وكان الكلبي يتكلم فيه(1) .
وقال عيسى بن يونس : كان سفيان لا يأخذ لا يأخذ عن أحد إلا أخذنا عنه ، فأخبرني أصحابنا أنهم كانوا مع سفيان ، ودخل على محمد بن سعيد ، ونحن بالباب ، فخرج ، فقال : كذاب ـ يعني الذي قتله أبو جعفر(2) .
وقال الذهبي : وإن كان المنفرد عنه من كبار الأثبات فأقوى لحاله ويحتج بمثله جماعة كالنسائي وابن حبان(3) .
قلت : وإن كان الراوي عن المجهول ممن لا يروي إلا عن ثق كان ذلك أرفع لحديثه وأوقى لعدالته .
وممن لا يروي إلا عن ثقة : عامر بن شراحيل الشعبي ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وعروة بن الزبير ، ويحيى بن أبي كثير ، وابن أبي ذئب ، وشعبة بن الحجاج ، وإسماعيل بن أبي خالد ، ومنصور بن المعتمر ، ومالك ابن أنس ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي في آخر أمره ، وغيرهم .
وقال أبو حاتم الرازي : محمد بن أبي رزين شيخ بصري لا أعرفه ، لا أعلم من روى عنه غير سليمان بن حرب ، وكان سليمان بن حرب قل أن يروي عن المشايخ ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة(4) .
وقال الحميدي في وصفه للحديث الثابت : متصل غير مقطوع معروف الرجال ، أو يكون حديثاً متصلاً حدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتاً يعرفه من حدثنيه حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم(5) . انتهى المراد منه .
وقال المعلمي : والحكم فيمن روى عنه أولئك المحتاطون أن يبحث عنه ، فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبين أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقاً ، وإن وجد غيره قد جرحه جرحاً أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح ، وإلا فظاهر روايته عنه التوثيق(6) .انتهى .
قلت : وقد كانوا يكتبون أحاديث الضعفاء للمعرفة ، ويتساهلون في التحديث أثناء المذاكرة فيحدثون عن كل من رووا عنه ، ولذلك فتحمل تساهلهم في التحديث عن الكذابين وغيرهم ، على التحديث أثناء المذاكرة أو للتعجب .
قال سفيان الثوري : إذا جاءت المذاكرة جئنا بكل ، وإذا جاء التحصيل جئنا بمنصورين المعتمر(7) .
وقال أبو داود السجزي : حدث شعبة عن جماعة من الضعفاء : عن مسلم الأعور والعرزمي وعمرو بن عبيد وموسى بن عبيدة وجابر الجعفي والحسن ابن عمارة ، وكان شعبة يقول : لا يحل لي أن أحدث عن احسن بن عمارة .
وقال : قد حدث يحيى ـ يعني القطان ـ عن مشايخ ضعفاء على نقده للرجال : أجلح ومجالد وجعفر بن ميمون صاحب الأنماط ، وكان يحدث عن عمرو بن عبيد ثم تركه بآخره ، وحدث عن موسى الأسواري ثم تركه(8) .
وقال أبو حاتم بن حبان : وأما شعبة وغيره من شيوخنا فإنهم رأوا عند جابر الجعفي أشياء لم يصبروا عنه وكتبوها ليعرفوها ، فربما ذكر أحدهم الشئ بعد الشئ على جهة التعجب فتداوله الناس بينهم ، والدليل على صحة ما ذكرنا أن وكيعاً قال لشعبة : مالك تركت فلاناً وفلاناً ورويت عن جابر الجعفي ؟ قال : روى أشياء لم نصبر عنها .
وقال محمد بن أبي رافع : رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر ر، وهو يكتبه ، فقلت : يا أبا عبد الله تنهوننا عن حديث جابر وتكتبونه ؟! قال : نعرفه(9) .
وهم متفاوتون في انتقاء المشايخ فمنهم المتسمح ومنهم المتوقي والمتشدد .
قال القعنبي : سمعت مالكاً يقول لسفيان الثوري : لا تكتب عن رجال فيهم ما فيهم ، فغضب . قال : فقال شعبة :لا تأخذوا عن سفيان الثوري إلا عن رجل تعرفون،فإنه لا يبالي عمن حصّل الحديث(10)
قال الذهبي : مروان بن معاوي الفزاري ، ثقة عالم صاحب حديث لكن يروي عمن ذهب ودرج ، فيستأنى في شيوخه . قال ابن المديني : ثقة فيما روى عن المعروفين(11) . وقال ابن نمير : كان يلتقط الشيوخ من السكك(12) .
قلت : وإن كان الراوي عن المجهول موصوفاً بتدليس الشيوخ ، فإن ذلك مما يوهنه .
قال أبو حاتم : إن محمداً بن سعيد صلب في الزندقة ، والناس يموهون في الرواية عنه ، فيقلبون اسمه حتى لا يفطن له ، مروان بن معاوية يسميه محمداً بن أبي قيس ، وعبد السلام بن حرب : يقول : محمد بن حسان ، ومنهم من يقول :أبو عبد الله الشامي ، ومنهم من يقول:أبو عبد الرحمن الأردني(13)
وقال ابن حبان رحمه الله : فلا يجوز الاحتجاج بخبر من في روايته كنية إنسان لا يدرى من هو ، وإن كان دونه ثقة ؛ لأنه يحتمل أن يكون كذاباً كنى عن ذكره(14) . انتهى .
وممن يدلس الشيوخ : مروان بن معاوية الفزاري ، وبقية بن الوليد ، والوليد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ، ومحمد بن إسحاق ، وهشيم بن بشير الواسطي .
وقال ابن المبارك : نعم الرجل بقية ، لولا أنه يكني الأسامي ويسمي الكنى ، كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي ، فنظرنا فإذا هو عبد القدوس(15) .
ولكن يلاحظ أن تدليس اشيوخ قد يكون سببه الإغراب والتكثر من الشيوخ . وإن لم يكن الذي
عمي في الإسناد ضعيفاً . وكان يفعل ذلك سفيان الثوري . وأوهى مراتب المجهولين الذين لم يرو
عنهم إلا الضعفاء .
قال ابن حبان : أما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متركون على الأحوال كلها(16) .
وقال(17)…: زعم ابن معين أن أبان بن عبد الله الرقاشي ضعيف ، وهذا شئ لا يتهيأ لي الحكم به ؛ لأنه لا راوي له عنه إلا ابنه يزيد ، ويزيد ليس بشئ في الحديث ، فلا أدري التخليط في خبره منه أم من أبيه ؟ على أنه لا يجوز الاحتجاج بخبره على الأحوال كلها ؛ لأنه لا راوي له غير ابنه .
قلت : ولما كانت الجهالة بهذا المعنى فإن جهابذة النقاد صيارفة الحديث تارة يصححون أحاديث المجاهيل ، وتارة يردونها ، وإليك بعض الأمثلة المصرحة بذلك :
قال عبد الخالق بن منصور : سألت يحيى بن معين عن حاجب فقلت : أترى أن أكتب عنه ؟ فقال : ما أعرفه ، أما أحاديث فصحيحة . فقلت : أترى أن أكتب عنه ؟ فقال : ما أعرفه وهو صحيح الحديث ، وأنت أعلم(18) .
وسأل الدارمي ابن معين عنه أبي دراسة ما حاله ؟ فقال : إنما يروي حديثاً واحداً ليس به بأس(19) .
وقال ابن الجنيد : سألت يحيى عن حديث شريك عن علي بن علي عن إبراهيم قال : سمع علقمة مؤذناً بليل ، فقال : خالف هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، لو بات على فراشه كان خيراً له .
قلت ليحيى : من علي بن علي هذا ؟ قال : هذا علي بن السائب ، كوفي ثقة ، يحدث عن شريك . قلت : من يحدث عنه غير شريك ؟ قال : ما علمت أحداً يحدث عنه غير شريك(20) .
وقال أحمد في خالد بن عمير : لا أحد روى عنه غير الأسود بن شيبان ولكنه حسن الحديث . وقال مرة : حديثه عندي صحيح(21) .
وقال في عبيد الله بن موهب التيمي : أحاديث مناكير ولا يعرف هو ولا أبوه(22) .
وقال ابن أبي حاتم : أحمد بن المنذر بن الجارود القزاز ... سألت أبي عنه فقال : لا أعرفه وعرضت عليه حديث فقال : حديث صحيح(23) .
وقال عن أحمد بن إبراهيم : أبو صالح الخراساني شيخ مجهول والحديث الذي رواه صحيح(24) .
وقال في مغيرة بن أمي البصري المنقري:لا أعلم روى عنه غير ابنه عبد العزيز وأرى حديثه مستقيماً(25)
وقال أبو حاتم عبد الوهاب بن الحسن : أحاديث مناكير ولا أعرفه(26) .
وقال أبو داود السجستاني في يحيى بن عباد السعدي : لا أعرفه وحديثه منكر(27) .
وإني ممثل بمثالين يتضح بهما ـ إن شاء الله ـ قبول حديث المجهول ورده :
المثال الأول : حديث أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بوضوء ، فقلت : يا رسول الله ما معي إلا نبيذ في إداوة ، فقال : (( ثمرة طيبة وماء طهور ))(28) .
قال أبو عيسى الترمذي : وإنما روى هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث ، لا تعرف له رواية غير هذا الحديث(29) .
وقال البخاري : أبو زيد رجل مجهول ، لا يعرف بصحبة عبد الله ، وروى علقمة عن عبد الله أنه قال : لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عدي : وهذا الحديث مداره على أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود ، وأبو فزارة مشهور ، وأبو زيد مجهول ، ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو خلاف القرآن(30) .
وقال ابن حبان : أبو زيد يروي عن ابن مسعود ما لم يتابع عليه ، ليس يدري من هو ، لا يعرف أبوه ولا بلده . والإنسان إن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبراً واحداً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس والنظر والرأي يستحق مجانبته فيها ولا يحتج به(31) .
والحاصل إن ردّ هذا الحديث من وجوه :
الأول : تفرد أبي زيد عن ابن مسعود وليس من أصحابه . وابن مسعود له أصحاب كثر لازموه فما بالهم قد غفلوا عن هذا الحديث ؟!
وعندما تفرد خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود ، قال الدار قطني : وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل مجهول غير معروف ، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلاً مشهوراً ، أو رجلاً ارتفع اسم الجهالة عنه(32) .
الثاني : مخالفة هذا الخبر لظاهر القرآن ، قال تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً ) فلم تذكر الآية النبيذ .
الثالث : مخالفته لما هو ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه من أنه لم يشهد ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم .
الرابع : أن هذه القصة رويت من طرق ، ولم تذكر النبيذ ، فهذه الزيادة مردودة منكرة .
__________
(1) الجرح والتعديل (2/36) .(5) 5)
(2) سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي (2/727) .(1) 1)
(3) الموقظة (79) .(2) 2)
(4) الجرح والتعديل (7/255) .(3) 3)
(5) الكفاية (24) .(4) 4)
(6) التنكيل (1/429) .(5) 5)
(7) تهذيب الكمال (28/553) .(6) 6)
(8) سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني (977 ، 978) . (1) 1)
(9) كتاب المجروحين (1/209) .(2) 2)
(10) الكامل في ضعفاء الرجال (1/68) .(3) 3)
(11) ميزان الاعتدال (4/93 ، 94) .(4) 4)
(12) الجرح والتعديل (8/273) .(5) 5)
(13) سؤالات البرذعي لأبي زرعة (2/726) .(6) 6)
(14) كتاب المجروحين (1/91) .(1) 1)
(15) مقدمة صحيح مسلم (26) .(2) 2)
(16) كتاب المجروحين (2/193) .(3) 3)
(17) كتاب المجروحين (1/98) .(4) 4)
(18) تاريخ بغداد (8/271) .(5) 5)
(19) سؤالات الدارمي ليحيى بن معين (961) .(6) 6)
(20) سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين (66) .(1) 1)
(21) شرح علل الترمذي (81) .(2) 2)
(22) ميزان الاعتدال (3/11) .(3) 3)
(23) الجرح والتعديل (2/78) .(4) 4)
(24) الجرح والتعديل (2/39) .(5) 5)
(25) الجرح والتعديل (8/219) .(6) 6)
(26) ميزان الاعتدال (2/675) .(7) 7)
(27) ميزان الاعتدال (4/388) .(8) 8)
(28) الكامل لابن عدي (7/291) .(9) 9)
(29) جامع الترمذي (1/147) .(10) 10)
(30) الكامل (7/292) .(1) 1)
(31) كتاب المجروحين (3/158) .(2) 2)
(32) السنن (3/174) .(3) 3)(1/23)
الخامس : أن أبا زيد لا يعرف له سماع من ابن مسعود ، وذلك لأن الغالب في المجهولين إلا تعرف سنة ولادتهم ووفاتهم ، فلم تتحقق معاصرته لعبد الله ابن مسعود .
ووجه واحد من هذه الأوجه كاف في رد الحديث .
المثال الثاني : حديث البحر : (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) . رواه سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة ... الحديث مرفوعاً(1) .
وسعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة فيهما جهالة ، وقال ابن المديني : المغيرة بن أبي بردة رجل من بني عبد الدار سمع من أبي هريرة ، ولم يسمع به إلا في هذا الحديث(2) .
قلت : إن العلماء تتابعوا على تصحيح هذا الحديث(3) ؛ وذلك لأنه موافق لظاهر القرآن وليس فيه تفرد منكر ، ولذلك وثق هذين الروايتين النسائي رحمه الله .
وحديث حميدة بنت رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك ، وكانت عند عبد الله بن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة : (( إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات ))(4) .
وحميدة وكبشة فيهما جهالة ، ولما كان الحديث موافقاً لأصول الشريعة وليس مخالفاً للأحاديث الصحيحة ولم يكن طويلاً ـ لأن الحديث الطويل يحتاج إلى حافظ ولا يمكن الوثوق بحفظهما ، ولم يرويا إلا قليلاً من الأحاديث ـ صححه العلماء ، وقال عنه الترمذي : حسن صحيح .
__________
(1) جامع الترمذي (1/101) .(4) 4)
(2) تهذيب التهذيب (10/257) (5) 5)
(3) جامع الترمذي (1/153 ، 154) .(1) 1)
(4) جامع الترمذي (1/153 ، 154) .(2) 2)(1/24)
فصل من تقبل ورايته في بعض الأحوال دون بعض .
ومن الرواة من تقبل روايته في بعض الأحوال دون بعض .
ومنهم المختلط : وهو من ساء حفظه(1) ، والأصل في الثقات عدم الاختلاط ما لم يفحش ، ويعرف الاختلاط الفاحش من اليسير بأمور :
الأول : أن يعرف بنص الأئمة ، قال الحسن : قلت لعلي بن المديني : حصين ؟ قال : حصين حديثه واحد وهو صحيح ، قلت : فاختلط ؟ قال : لا ، ساء حفظه ، وهو على ذلك ثقة(2) .
وقال الذهبي : هشام بن عروة حجة إمام ، لكن في الكبر تناقص حفظه ولم يختلط أبداً ، تغير قليلاً ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة ، فنسي بعض محفوظه أو وهم(3) . انتهى مختصراً .
والثاني : بأن تروى عنه أخبار تدل على اختلاط عقله تماماً ، كقول أبي عمر الحوضي : دخلنا على سعيد بن أبي عروبةأريد أن أسمع منه وقد اختلط ، فسمعته يقول : الأزد أزد عريضة ، ذبحوا شاة مريضة ، أطعموني فأبيت ، ضربوني فبكيت ، فعلمت أنه مختلط ، فلم أسمع منه(4) .
ومثله ورد عن خلف بن خليفة الواسطي(5) ، وعارم السدوسي(6) ، وليث ابن أبي سليم(7) وعطاء بن السائب(8) ، وصالح مولى التوأمة(9) .
والثالث : بأن توجد له أحاديث منكرة ، فإن لم توجد دل ذلك على أن اختلاطه ليس بضار في حديثه .
قال ابن عدي في أبان صمعة : إنما عيب عليه اختلاطه لما كبر ، ولم ينسب إلى الضعف ؛ لأن مقدار ما يرويه مستقيم(10) .
والرابع : يعمل الحفاظ تجاه من وصف بالاختلاط ، كإخراج البخاري حديث أبي إسحاق السبيعي كثيراً في صحيحه عمن روى عنه بعد اختلاطه ومنهم ابنه إسرائيل ، فعلم من هذا أن اختلاطه يسير وليس بضار(11) .
قال أبو حاتم بن حبان : وأما المختلطون في أواخر أعمارهم مثل الجريري وسعيد بن أبي عروبة وأشباههم ، فإنا نروي عنهم في كتابنا هذا ونحتج بما رووا ، إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا ما روي عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم ، وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى ؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم ، وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم ، حكم الثقة إذا أخطأ أن الواجب ترك خطئه إذا علم ، والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه ، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهو قبل الاختلاط سواء(12) .
قلت : فإذا كان اختلاطه ضاراً ، والراوي عنه سمع منه بعد الاختلاط فإنه لا يحتج به .
قال ابن عمار الموصلي : سمع وكيع والمعافى بن عمران من سعيد بعد الاختلاط ، قال : وليس روايتهما عنه بشئ(13) .
وقال الخطيب البغدادي : وكان عطاء بن السائب قد اختلط في آخر عمره ، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل سفيان الثوري وشعبة ، لأن سماعهم منه كان في الصحة وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه أخيراً(14) .
وإذا لن يتميز حديثه ، أو كان الراوي عنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده ، يتوقف فيه ولا يحتج به .
قال يحيى بن معين : وقد سمع أبو عوانة من عطاء في الصحة والاختلاط جميعاً ، ولا يحتج بحديثه(15) .
فأما من لم يحدث بعد اختلاطه فهو كغير المختلط ، واختلاطه ليس بضار . ومنهم جرير بن حازم البصري ، قال ابن مهدي : واختلط ، وكان له أولاد أصحاب حديث ، فلما أحسوا ذلك منه حجبوه ، فلم يسمع منه أحد في حال اختلاطه شيئاً(16) .
ومثل جير حجاج الأعور(17) ، وعبد الوهاب الثقفي(18) .
وقال الذهبي : كل تغير يوجد في مرض الموت فليس بقادح في الثقة ، فإن غالب الناس يعتريهم في المرض الحاد نحو ذلك ، ويتم لهم وقت السياق وقبله أشد من ذلك ، وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة ، فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده أو متنه فيخالف فيه(19) . انتهى .
وقد تقبل أخبار المختلطين إذا كان الراوي عنهم من كبار الحفاظ .
وقال وكيع : كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة فنسمع ، فما كان من صحيح حديثه أخذناه ، وما لم يكن صحيحاً طرحناه(20) .
قال ابن معين : قلت لوكيع بن الجراح : تحدث عن سعيد بن أبي عروبة وإنما سمعت منه في الاختلاط ؟ قال : رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو؟!(21) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمة عبد الله بن صالح الجهني : ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً ، ثم طرأ عليه فيه تخليط ، فمقتضى ذلك أن ما يجئ من روايته عند أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه ، وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه(22) .
ومنهم من أضر آخر عمره وكان لا يحفظ جيداً فكان يتلقن(23) . وليس كل تلقين يضر ، ولا كل من تلقن يضعف حديثه .
قال سفيان بن عيينة : إنما مثل التلقين لمن يحفظ رجل قيل له : تعرف فلاناً ؟ قال : لا . قيل له : ابن
فلان ابن فلان ، منزله في موضع كذا . قال : نعم .
قال مسلم بن وارة : ومما يحقق قول ابن عيينة قول الله يعني : ( فتذكر إحداهما الأخرى ) [ البقرة : 282 ] فإنما هو من التذكير ، فإذا ذكّر ذكر(24) .
قال المعلمي : التلقين القادح في الملقن هو أن يدفع الشيخ في الكذب ولا يبين ، فإن كان فإنما فعل ذلك امتحاناً للشيخ وبيّن ذلك في المجلس لم يضر ، وإما إن قبل التلقين وكثر منه فإنه يسقط(25) .
قلت : وإنما يضر التلقين بالراوي إذا كثر منه وكان ما تلقنه ليس من حديثه ، ورواية كبار الحفاظ عنه من أرفع حديثه .
وسئل يحيى بن معين عن سويد بن سعيد فقال : ما حدثك فكتب عنه ، وما حدث به تلقيناً فلا(26) .
وقال أبو القاسم البغوي : كان من كبار الحفاظ ، وكان أحمد بن حنبل ينتقي عليه لولديه صالح وعبد الله يختلفان إليه فيسمعان منه(27) .
قال عبد الله بن الزبير الحميدي : ومن تلقن فتلقن يرد حديثه الذي لقن فيه ، وأخذ عنه ما أتقن حفظه ، إذا علم أن ذلك التلقين حادث في حفظه ، لا يعرف به قديماً ، فأما من عرف به قديماً في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ، ولا يؤمن أن يكون ما حفظ مما لقن(28) .
قال أبو حاتم الرازي في محمد بن جابر اليمامي : ذهبت كتبه في آخر عمره ، وساء حفظه ، وكان يلقن ، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ثم تركه بعد ، وكان يروي أحاديث مناكير وهو معروف بالسماع جيد اللقاء ، رأوا في كتبه لحقاً(29) .
ومنهم من كان ثقة في شيخ ضعيفاً في آخر(30) .
مثل جرير بن حازم ، قال عبد الله بن أحمد عن يحيى بن معين : ليس به بأس . قال عبد الله : فقلت له : يحدث عن قتادة عن أنس بأحاديث مناكير ؟ فقال : ليس بشئ عن قتادة وهو ضعيف(31) .
ومنهم من حفظه فيه شئ وكتابه صحيح(32) .
مثل إبراهيم بن سعد الزهري ، قال أحمد : كان يحدث من حفظه فيخطئ ، وفي كتابه صواب(33) .
ويعرف تحديث الراوي من كتابه بواحد من أمور :
الأول : أن يصرح الراوي أن شيخه حدثه من كتابه .
الثاني : أن يعرف من منهج الراوي ألا يحدث إلا من كتابه . ومنهم جرير ابن عبد الحميد الضبي(34) .
الثالث : أن يعرف من منهج الراوي ألا يأخذ من شيوخه إلا ما حدثوا به من كتبهم .
ومنهم : يحيى بن معين قال : ما كتبت عن عبد الرزاق حديثاً واحداً إلا من كتابه(35) .
وكبار حفاظ أهل الحديث غالباً لا يأخذون من شيوخهم إلا ما حدثوا به من كتبهم ، وخاصة إن كان الراوي ممن يهم في حفظه ، أو كان الحديث غريباً .
الرابع : إذا لم يؤخذ عليه خطأ ، أو كانت أخطاؤه قليلة .
مثل : عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد ، قال أحمد : لم يكن صاحب حفظ وكتابه صحيح . وقال ابن معين : كان من المتثبتين ، ما أعلم أنا أخذنا عليه خطأ ألبتة(36) .
ومنهم من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض ، وهو ثلاثة(37) :
الأول : من حدث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلط وحدث في مكان آخر ومعه كتبه فاتقن ، أو سمع من شيخ في مكان فلم يضبط ، وسمع منه في موضع آخر فضبط .
كمعمر بن راشد ، قال يعقوب بن شيبة : سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب ؛ لن كتبه لم تكن معه(38) .
الثاني : من حدث عن أهل إقليم فحفظ حديثهم ، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ .
ومنهم إسماعيل بن عياش ، قال البخاري : إذا حدث عن أهل بلده فصحيح ، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر(39) .
الثالث : من حدث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه ، وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه .
ومنهم زهير بن محمد الخراساني قال ابن عدي : لعل الشاميين حيث رووا عنه أحطأوا عليه ، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيم ، وأرجو أنه لا بأس به(40) .
ومنهم من ضعف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم(41) .
قال الحافظ بن رجب : الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة ، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق ، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه ، يعرف إتقان شيوخه واختلافهم ، كما كان الزهري يجمع بين الشيوخ له في حديث الإفك وغيره .
وكان الجمع بين الشيوخ ينكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا ، كما أنكر على ابن إسحاق وغيره ، وقد أنكر شعبة أيضاً على عوف الأعرابي(42) . انتهى .
وقال الإمام أحمد في رواية المروزي : ابن إسحاق حسن الحديث ، لكن إذا جمع بين رجلين . قلت : كيف ؟ قال : يحدث عن الزهري وآخر يحمل حديث هذا على هذا(43) .
__________
(1) شرح علل الترمذي (308) .(3) 3)
(2) شرح علل الترمذي (313) .(4) 4)
(3) ميزان الاعتدال (4/301) .(5) 5)
(4) كتاب المجروحين (1/68) ، والكفاية في علم الرواية (136) .(6) 6)
(5) ميزان الاعتدال (1/659) .(7) 7)
(6) الكفاية (136) .(8) 8)
(7) كتاب المجروحين (1/68) .(9) 9)
(8) تهذيب الكمال (20/90) ، والمراسيل لابن أبي حاتم (130) .(9) 9)
(9) تهذيب الكمال (13/100) .(10) 10)
(10) الكامل (1/392) .(1) 1)
(11) انظر : التقييد والإيضاح (426) .(2) 2)
(12) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/161) .(3) 3)
(13) شرح علل الترمذي (317) .(4) 4)
(14) الكفاية (137) .(5) 5)
(15) الجرح والتعديل (6/334) .(1) 1)
(16) تهذيب الكمال (4/528) .(2) 2)
(17) ميزان الاعتدال (1/464) .(3) 3)
(18) شرح علل الترمذي (318) .(4) 4)
(19) سير أعلام النبلاء (10/254) .(5) 5)
(20) تهذيب الكمال (11/10) .(6) 6)
(21) الكفاية في علم الرواية (136) .(7) 7)
(22) هدي الساري (434) .(8) 8)
(23) شرح علل الترمذي (320) .(9) 9)
(24) سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي (2/742) .(1) 1)
(25) التنكيل (1/228) .(2) 2)
(26) تهذيب الكمال (12/251) .(3) 3)
(27) تهذيب الكمال (12/250) .(4) 4)
(28) الجرح والتعديل (2/34) .(5) 5)
(29) الجرح والتعديل (7/219) .(6) 6)
(30) شرح علل الترمذي (336) .(7) 7)
(31) شرح علل الترمذي (339) .(8) 8)
(32) شرح علل الترمذي (323) .(1) 1)
(33) شرح علل الترمذي (327) .(2) 2)
(34) تهذيب الكمال (1/545) .(3) 3)
(35) شرح علل الترمذي (321) .(4) 4)
(36) ميزان الاعتدال (2/677) .(5) 5)
(37) شرح علل الترمذي (329 ـ 335) .(6) 6)
(38) شرح علل الترمذي (33) .(7) 7)
(39) ميزان الاعتدال (1/142) .(8) 8)
(40) الكامل لابن عدي (3/223) .(1) 1)
(41) شرح علل الترمذي (358) .(2) 2)
(42) شرح علل الترمذي (358) .(3) 3)
(43) شرح علل الترمذي (358 ، 359) .(4) 4)(1/25)
فصل في قواعد الجرح والتعديل
على المطلع على كتب الرجال ، الباحث عن أحوال الرواة مراعاة قواعد في الجرح والتعديل ، وهذا بعد التأكد من أن صاحب الترجمة هو الواقع في السند ، وذلك بمعرفة اسمه كاملاً وكنيته ولقبه وطبقته وتاريخ ولادته ووفاته وشيوخه وتلامذته ، حتى يتم التمييز بين الرواة(1) ، وبعد هذا كله ينبغي أن تطبق قواعد هي :
القاعدة الأولى : يبحث عن رأي كل إمام فيه ، وينص عبارته إن أمكن(2) ، والتثبت من نسبة القول إليه .
فقد روى الكديمي عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد قوله : لا أروي عن أبن العطار . والكديمي ليس بمتعمد ، وأبان ثبت في كل المشايخ(3) .
وقال أبو عبيد الآجري : قلت لأبي داود : حكى رجل عن شيبان الأبلي أنه سمع شعبة يقول : اكتبوا عن أبي أمية بن يعلى ؛ فإنه شريف لا يكذب . واكتبوا عن الحسن بن دينار ؛ فإنه صدوق . فكذب الذي حكى هذا .
قال أبو عبيد : غلام خليل حكى هذا عن شيبان . فقال أبو داود : كذب الذي حكى هذا(4) .
وقال حمزة بن يوسف السهمي : سألت أبا بكر عن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره في الشيوخ في الجرح ، هل يقبل قوله ؟ قال : لا يقبل(5) .
القاعدة الثانية : قلت : وينبغي الاعتناء بمسألة الجمع والتفريق بين الرواة ؛ (6) فإنه يحصل بها اشتباه كثير .
قال المعلمي : ليس تثبت أن تلك الكلمة في صاحب الترجمة ؛ فإن الأسماء تتشابه ، وقد يقول المحدث كلمة في راو فيظنها السامع في آخر ، ويحكيها كذلك ، وقد يحكيها السامع فيمن قبلت فيه ، ويخطئ بعض من بعده فيحملها على آخر(7) .
قال الحافظ الذهبي : ذكر عمر بن نافع مولى ابن عمر ابن عدي وروى عن يحيى بن معين قال : عمر بن نافع ليس حديثه بشئ ؛ فوهم ابن عدي ؛ فإن آخر ، وهو عمر بن نافع الثقفي . وقال ابن معين في عمر بن نافع مولى ابن عمر : ليس به بأس(8) .
القاعدة الثانية : نقد الرواة أمر خطير ،فلا يقبل إلا من ورع في الحكم على الناس ، عالم بإسباب الجرح والتعديل ، ومطلع على أحوال الرواة ، وهذه صفة علماء الجرح والتعديل من أئمة السنة
ولكن بعض من تكلم في هذا العلم قد أخطأ في كثير من أحكامه ، وهو في نفس الأمر ضعيف في النقل ؛ فلا يقبل منه جرحه ولا تعديله ، كأبي الفتح الأزدي الموصلي ، فإن في لسانه رهقاً في الجرح ويجرح المجهولين ، ويكثر ذلك منه ، وضعفه البرقاني والخطيب البغدادي وأهل الموصل .
وقال الذهبي : وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات ، فإنه ضعف جماعة بلا دليل ، وقد يكون غيره وثقهم(9) .
القاعدة الثالثة : النظر في كلام الناقد ، وكيف صدر ، وملابسات صدور هذا الحكم .
اعلم أن الأحكام على الرواة المنقولة عن النقاد على مراتب :
المرتبة الأولى : حكم لا يخالفه غيره إلا لتغير الاجتهاد . وهو ما قصد به الحكم على الراوي بالنظر
إلى جميع مروياته وحاله من الضبط وعدمه فيها .
المرتبة الثانية : حكم الأصل فيه على أنه على بابه ، ولكن إذا نقل عن الناقد أو غيره ما يخالفه لم يعتد به ، ويكون في صور :
الصورة الأولى : أن يسأل الناقد عن روايين أحدهما دون الآخر في الحفظ ، فيحكم على أحدهما
بالضعف أو التوثيق ، أي : بالنسبة للآخر وقد يكونون ضعفاء ، وقد يكونون ثقات(10) .
قال عثمان الدارمي : سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه كيف حديثهما ؟ فقال : ليس به بأس . قلت : هو أحب إليك من سعيد المقبري ؟ فقال : سعيد أوثق والعلاء ضعيف(11) .
قال ابن حجر : يعني بالنسبة إليه ، يعني كأنه لما قال : أوثق ، خشي أنه يظن أنه يشاركه في الصفة وقال : إنه ضعيف(12) . انتهى .
الصورة الثانية : أن يجمع الرواة في حكم كالتوثيق مثلاً ، فإن اختلف هذا مع أحكامه الأخرى فيحمل على أن له حظاً من التوثيق(13) ، أو يكون حكماً على التغليب .
وقال يحيى بن معين : معاوية بن يحيى الصدفي ، روى عنه الزهري ، ومعاوية بن يحيى الآخر الأطرابلسي ، ضعاف ليسوا بشئ . انتهى .
ومعاوية الصدفي ضعيف ، قال فيه ابن معين : هالك ليس بشئ(14) .
وقال معاوية الأطرابلسي : ليس به بأس . وقال مرة : هو أقوى من معاوية بن يحيى الصدفي . وقال مرة أخرى : صالح ، ليس بالقوي(15) .
وحاصل ذلك : أن أبا مطيع فيه شئ من الضعف ولا ينزل إلى ضعف الصدفي ، ولكنه لما جمعهما في حكم واحد كان حكمه ليس على ظاهره وإنما أراد له حظاً من الضعف .
الصورة الثالثة : أن يحكم الناقد عليه في صدد النظر في حديث خاص من روايته .
قال عبد الرحمن بن القاسم : قيل لمالك : إن ناساً من أهل العلم يحدثون . قال : من هم ؟ فقيل له : ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً .
قال الذهبي معقباً : قال مالك هذا لما بلغه أن ابن عجلان حدّث بحديث : (( خلق الله آدم على صورته )) . ولابن عجلان فيه متابعون ، وخّرج في الصحيح(16) .
وقال أحمد بن القاسم : رأيت أحمد ضعيف رواية عكرمة ولم ير روايته حجة . قال أبو بكر الخلال : هذا في حديث خصا ، وعكرمة عند أبي عبد الله ثقة يحتج بحديثه(17) .
وقال المعلمي رحمه الله : ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين :
الأول : أن يسأل عنه فيجيل فكره في حاله في نفسه وروايته ، ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم به .
الثاني : أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في حديث خاص من روايته ، فالأول هو الحكم المطلق الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغير الاجتهاد .
أما الثاني فإنه كثيراً ما ينحى به نحو حال الراوي في ذاك الحديث(18) . انتهى .
وقد قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني : قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل من حاله في الحديث وقتاً : ما ينكره قلبه ، فيخرج الجواب على حسب النكرة التي في قلبه ، ويخطر له ما يخالفه في وقت آخر ، فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه ويذكره ، وليد ذلك تناقضاً ولا إحالة ، ولكنه قول صدر عن حالين مختلفين ، يعرض أحدهما في وقت والآخر في غيره(19) .
المرتبة الثالثة : حكم لا يلتفت إليه بالنسبة لقبول رواية المحدث أو ردها . ويكون فيه الناقد متأثراً في حكمه بما لا يقدح في الراوي ، وهذه الحالة نادرة ، وقد نبه العلماء عليها ، كقدح الساخط ومدح المحب .
قال المعلمي : والعالم إذا سخط على صاحبه فإنما يكون سخطه لأمر ينكره ، فيسبق إلى النفس ذاك الإنكار وتهوى ما يناسبه ، ثم تتبع ما يشاكله وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى ما يوافقه ، فلا يؤمن أن يقوى عند العالم جرح من هو ساخط عليه لأمر لولا السخط لعلم أنه لا يوجب الجرح ، وأهل العلم يمثلون لجرح الساخط بكلام النسائي في أحمد بن صالح .
هذا وكل ما يخشى في الذم والجرح يخشى في الثناء والتعديل ؛ فقد يكون الرجل ضعيفاً في الرواية لكنه صالح في دينه كابان بن أبي عياش ، أو غيور على السنة كمؤمل بن إسماعيل ، أو فقيه كمحمد بن أبي ليلى ، فتجد أهل العلم ربما يثنون على الرجل من هؤلاء غير قاصدين الحكم له بالثقة في روايته . وقد يرى العالم أن الناس بالغوا في الطعن فيبلغ في المدح ، كما يروى عن حماد بن سلمة أنه ذكر أنه طعن شعبة في أبان بن أبي عياش ، فقال : أبان خير من شعبة(20) . انتهى .
ويدخل فيه : كلام أهل المذاهب في مخالفيهم ؛ كقدح الجوزجاني في الكوفيين .
ويدخل فيه : كلام الأقران بعضهم في بعض ، قال الذهبي رحمه الله : محمد بن عبد الله بن سليمان
الحضرمي ، الحافظ ، محدث الكوفة ، حطّ عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وحط على ابن أبي
شيبة ، وآل أمرهما إلى القطيعة . ولا يعتد بحمد الله بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض(21).
قلت : هذا فيمن تثبت عدالتهم بيقين فلا يقبل فيه الجرح إلا مفسراً(22) ، أما فيمن لم تثبت ، وكان الجارح ورعاً ـ وكذلك كان أئمة السنة ـ فإنه يقبل ، وإلا رد كلام أهل السنة في أهل الرأي والبدعة والزيغ بحجة المعتقد والمنهج .
وقال المعلمي : ومع هذا كله فالصواب في الجرح والتعديل هو الغالب ، وإنما يحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرح ، ولا يسوغ ترجيح التعديل مطلقاً بأن الجارح كان ساخطاً على المجروح ، ولا ترجيح الجرح مطلقاً بأن المعدل كان صديقاً له ، وإنما يستدل بالسخط والصداقة على قوة احتمال الخطأ إذا كان محتملاً ، فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبة من صدر منه ذلك إلى افتراء الكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع من مثله ، فهذا يحتاج إلى بينة أخرى ، لا يكفي فيه إثبات أنه كان ساخطاً أو محباً(23) .
القاعدة الرابعة : الاستفادة من طريقة الحفاظ العملية تجاه هذا الراوي ، حيث يفسر كلامهم بتطبيقهم العملي .
قال المعلمي : التحقيق أن كلاً من التعديل والجرح الذي لم يبن سببه يحتمل وقوع الخلل فيه ، والذي ينبغي أن يؤخذ به منهما هو ما كان احتمال الخلل قيه أبعد من احتماله في الآخر ، وهذا يختلف ويتفاوت باختلاف الوقائع ، والناظر في زماننا لا يكاد يتبين له الفضل في ذلك إلا بالاستدلال بصنيع الأئمة كما إذا وجدنا البخاري ومسلماً قد احتجا أو أحدهما براو سبق ممن قبلهما فيه جرح غير مفسر ، فإنه يظهر لنا رجحان التعديل غالباً ، وقس على هذا .
لكن ينبغي النظر في كيفية رواية الشيخين عن الرجل فقد يحتجان أو أحدهما بالراوي في شئ وقد لا يحتاج به ، وإنما يخرجان له ما توبع عليه ، ومن تتبع ذلك وأمعن فيه النظر علم أنهما في الغالب لا يهملان الجرح ألبتة ، بل يحملانه على أمر خاص أو على لين في الراوي لا يحطه عن الصلاحية به فيما ليس مظنة الخطأ أو فيما توبع عليه ونحو ذلك ، راجع الفصل التاسع من مقدمة فتح الباري(24) .
القاعدة الخامسة : معرفة الألفاظ التي يستخدمها الناقد وتفسيرها .
قال الذهبي : ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتحاذبة .
ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام : عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته
الكثيرة(25) .
__________
(1) التنكيل (1/62) .(5) 5)
(2) التنكيل (1/64 ـ 65) .(6) 6)
(3) ميزان الاعتدال (1/16) .(7) 7)
(4) سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني (956) .(1) 1)
(5) سؤالات حمزة بن يوسف السهمي (166) .(2) 2)
(6) أدرجت عنوان القاعدة الثانية
(7) التنكيل (1/62) .(3) 3)
(8) ميزان الاعتدال (3/226 ، 227) .(4) 4)
(9) سير أعلام النبلاء (16/348) .(5) 5)
(10) التنكيل (1/65) .(1) 1)
(11) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين (623 ، 624) .(2) 2)
(12) تهذيب التهذيب (8/161) .(3) 3)
(13) التنكيل (1/362) .(4) 4)
(14) تهذيب الكمال (28/222) .(5) 5)
(15) تهذيب الكمال (28/225) .(6) 6)
(16) ميزان الاعتدال (3/326) .(1) 1)
(17) شرح علل الترمذي (194) .(2) 2)
(18) التنكيل (1/363) .(3) 3)
(19) جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل (89) .(4) 4)
(20) التنكيل (1/56) ، وانظر : ميزان الاعتدال (1/103 ، 104) .(1) 1)
(21) ميزان الاعتدال (3/607) .(1) 1)
(22) السنن الكبرى للبيهقي (10/124) ، وجامع بيان العلم وفضله (2/162) .(2) 2)
(23) التنكيل (1/57) .(3) 3)
(24) التنكيل (1/73 ، 74) .(4) 4)
(25) الموقظة (82) .(1) 1)(1/26)
قال المعلمي : صيغ الجرح والتعديل كثيراً ما تطلق على معان مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح ، ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر(1) .
قلت : وتفسر مصطلحاتهم بأمور ؛ كتفسير الناقد نفسه ، وتفسير غيره ـ من أهل الاستقراء ـ لكلامه ، وبمقارنة أقواله بأقواله الأخرى في الراوي . ومقارنة أقواله بأقوال غيره في هذا الراوي ، ومن خلال الأحاديث التي رواها الراوي .
وقال ابن القطان الفاسي في كلمة ( شيخ ) : هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفاً بالراوية ممن أخذ عنه ، وإنما وقعت له رواية الحديث أو أحاديث فهو يرويها ، هذه الذي يقولون فيه شيخ .
وقد لا يكون من هذه صفته من أهل العلم ، وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرويه عن شخص مخصوص ، كما يقولون حديث المشايخ عن أبي هريرة أو عن أنس ، فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم ، وإن كانوا مكثرين عن غيرهم ، وكذلك إذا قالوا أحاديث المشايخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثان ونحو ذلك(2) . انتهى .
قال الذهبي في قول أحمد : كذا وكذا ؛ قال : هذه العبارة يستعملها عبد الله ابن أحمد كثيراً فيما يجيبه به والده ، وهي بالاستقراء كتابة عمن فيه لين(3) .
قال البخاري : كل من قلت فيه : منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه(4) .
وقال ابن أبي خيثمة : قلت ليحيى بن ميع : إنك تقول : فلان ليس به بأس وفلان ضعيف ؟ قال : إذا قلت لك : ليس به بأس فهو ثقة ، وإذا قلت لك : هو ضعيف فليس هو بثقة ، لا تكتب حديثه .
وقال حمزة بن يوصف السهمي للدار قطني : إذا قلت : فلان لين إيش تريد به ؟ قال : لا يكون ساقطاً متروك الحديث ولكن مجروحاً بشئ لا يسقط عنه العدالة(5) .
قلت : وقد يطلق لفظ ( ثقة ) ويراد به في العدالة الدينية ، كقول يحيى ابن سعيد الأنصاري : عبد الرحمن بن زياد ثقة . وقال أبو موسى محمد بن المثنى : ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه . أي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي . وقال عنه يعقوب بن شيبة : ضعيف الحديث ، وهو ثقة صدوق رجل ، وكان من الأمارين بالمعروف والناهين عن المنكر(6) .
وكذلك من خبايا كلامهم ونقدهم ، أنهم إذا سئلوا عن راو ، ثم حادوا عن الجواب كان هذا دليلاً على ضعفه .
مثل مجاعة بن الزبير الأسدي ، قال عبد الصمد بن عبد الوارث : كان جاراً لشعبة ، فكان يسأل عنه ، فكان لا يجترئ عليه ؛ لأنه كان من العرب ، فكان يقول : كثير الصوم والصلاة(7) .
وقال ابن الجنيد : سألت يحيى عن يحيى بن يعلى الأسلمي ؟ فقال : كان عابداً(8) . ونقل الدورقي عنه : ليس بشئ ، وقد ضعفه غيره(9) .
القاعدة السادسة : معرفة منهج الناقد .
فأبو حاتم بن حبان مثلاً تشتد ألفاظه في المختلط وصاحب البدعة ، وأبو حاتم الرازي عسر في التعديل ولكن يستخدم عبارات لينة في الجرح فيظن أنه قواه وليس كذلك ، وكذلك إبراهيم الحربي والبزار والترمذي والبيهقي عباراتهم لينة في الجرح ، وابن عدي لا يبالغ في التوثيق ولا في الجرح .
وقال المعلمي : ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة ، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره ، وإن لم يكن الذي سمعه موجباً لرد الحديث ولا مسقطاً للعدالة ، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حياً أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة ، وإن كان ميتاً أن ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز ، ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل من أخوات ونظائر ؟!(10) .
وإن تضاربت أقوالهم ولم يمكن الجمع فالترجيح بقواعد غير ما سبق ، هي :
القاعدة السابعة : أن نتعامل مع أقوال العلماء عند تعارضها ، وكذا أقوال الناقد إذا اختلف النقل عنه كما نتعامل عند تعارض نصوص الكتاب والسنة .
فنحاول الجمع أولاً بين الأقوال المختلفة ما أمكن .
قال المعلمي : وإذا فصلوا أو أكثرهم الكلام في راو فثبتوه في حال وضعفوه في أخرى فالواجب أن لا
يؤخذ حكم ذاك الراوي إجمالاً إلا في حديث لم يتبين من أي الضربين هو ، فالواجب معاملته بحسب
حاله(11) .
قلت : ومن طرق الجمع التوسط بين الأقوال في الراوي .
وقال المعلمي رحمه الله : إذا اختلفوا في راو فوثقه بعضهم ولينه بعضهم ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً(12) .
فإن لم يكن الجمع نلجأ إلى النسخ ، إذا تبين تغير اجتهاد الناقد بمعرفة المتقدم من المتأخر ، فإن لم نعرف من المتقدم لجأنا إلى المرجحات وهي كثيرة ؛ ومنها تقديم نقل من لازمه ومن هو أعلم بأقواله
وإلا فقال المعلمي : وإذا اختلف النقل عن إمام أو اشتبه أو ارتيب فينظر في كلام غيره من الأئمة ، وقضي فيما روى عنه بما ثبت عنهم(13) .
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم : اختلفت الراوية عن يحيى بن معين في مبارك بن فضالة والربيع بن صبيح ، وأولاهما أن يكون مقبولاً منهما محفوظاً عن يحيى ما وافق أحمد وسائر نظرائه(14) .
القاعدة الثامنة : الجرح المفسر مقدم على التعديل بشرط أن يكون الجرح بجارح حقيقي ، وألا يظهر أن الجارح أخطأ كأن يرد المعدل على هذا الجرح رداً في مكانه .
وهذا كما في عمر بن ربيعة الإيادي .
قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : منكر الحديث . ونقل عن عثمان بن سعيد الدارمي أنه سأل يحيى بن معين عنه . فقال : كوفي ثقة(15) .
فيقد ـ والله أعلم ـ قول ابن أبي حاتم في هذا ، لا سيما وقد روى أحاديث منكرة في التشيع(16) .
وقال ابن أبي خيثمة : قلت لمصعب الزبير : إن ابن معين يقول في ابن كاسب أن حديثه لا يجوز ؛ لأنه محدود ، قال : بئس ما قال ، إنما حدّه الطالبيون في التحامل ، وليس حدود الطالبيين عندنا بشئ لجورهم ، وابن كاسب ثقة مأمون صاحب حديث ، وكان من أمناء القضاء زماناً(17) .
القاعدة التاسعة : الجرح المبهم مقدم على التعديل ؛ لأن الجارح عنده زيادة علم ومعرفة ليست عند المعدل ، إلا إذا لاحت قرائن ، فيقدم التعديل .
تقديم حكم من له معرفة بهذا الراوي .
ومن ذلك تقديم أهل بلد الراوي على غيرهم ؛ لأنهم أعرف به .
قال حماد بن زيد : كان الرجل يقدم علينا من البلاد ويذكر الرجل ويحدث عنه ويحسن الثناء عليه ، فإذا سألنا أهل بلده وجدناه غير ما يقول . وكان يقول : بلدي الرجل أعرف بالرجل(18) .
وقال علي بن المديني : كل مدتي لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شئ ، لا أعلم مالكاً ترك إنساناً إلا إنساناً في حديث شئ(19) .
قلت : وقد يتزين لغير أهل بلده الوافدين والنقاد منهم خاصة .
قال ابن الجنيد : قلت ليحيى : محمد بن كثير الكوفي ؟ قال : ما كان به بأس . قلت : إنه روى أحاديث مناكير . قال : ما هي ؟ قلت : عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن النعمان بن بشير يرفعه : (( نضر الله عبداً سمع مقالتي فبلغ بها )) . وبهاذ الإسناد المرفوع (( اقرأ القرآن ما نهاك ، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه )) . فقال : من روى هذا ؟ فقلت : رجل من أصحابنا . أعني له : محمد ابن عبد الحميد الحميدي . فقال : هذا عسى أن يكون سمعه من السندي بن شاهك ، وإن كان الشيخ روى هذا فهو كذاب ، وإلا رأيت حديث الشيخ مستقيماً(20) .
ومن ذلك تقديم توثيق القرين لقرينه ؛ لأن الأقران في الغالب لا يبالغون في مدح أقرانهم .
وقد يقوي الحافظ راوياً على آخر ؛ لنه يعرف من قواه ويجهل من استضعفه ، مثل تقوية يحيى بن سعيد القطان محمد بن عمرو وعلى سهيل بن أبي صالح . وكتقوية علي بن المديني سفيان بن عيينة على مالك بن أنس في الزهري وذلك لأن علياً تخرج على سفيان وجهل مالكاً .
وأعرف الناس بالشيخ تلاميذه النقاد ؛ لأنهم أدرى بحاله ، وأوعب لحديثه من غيرهم .
ويقدم حكم المتأخر على حكم المعاصر للراوي ،إذا ظهر أن المتقدم لم يستوعب حديث الراوي(21)
ومن المرجحات أن يقدم قول المتمكن في علم الجرح والتعديل على غيره .
فيقدم قول المكثر على المقل ؛ لأن إكثاره يدل على اهتمامه وتمكنه من هذا الفن .
ويقدم قول المجتهد على المقلد ؛ لأن الأخير يقلد غيره فلا يجعل لأحكامه كبير أهمية ، وهذا قليل في المكثرين ، مثل العقيلي يقلد البخاري ، ومسلمة بن قاسم يقلد النسائي .
وكذا يقدم حكم المعتدل على المتشدد والمتساهل ، عند التعارض .
قال علي بن المديني : أبو نعيم وعفان صدوقان ، لا أقبل كلامهما في الرجال ، هؤلاء لا يدعون
أحداً إلا وقعوا فيه(22) .
وقال علي : إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه ، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدهما ، وكان في يحيى تشدد(23) .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله : اعلم هداك الله أن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل ثلاثة أقسام :
قسم تكلموا في أكثر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي .
وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة .
وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي .
والكل أيضاً على ثلاثة أقسام :
*قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل ، يغمز الراوي بالغلطين والثلاث ، ويلين حديثه ، فهذا إذا وثق شخصاُ فعض على قوله بناحذبك ، وتمسك بتوثيقه . وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ، فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف ، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه : لا يقبل تجريحه إلا مفسراً ، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً : هو ضعيف ، ولم يتضح سبب ضعفه وغيره قد وثقه ، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن أقرب ، وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متعنتون .
*وقسم في مقابلة هؤلاء ، كأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الله الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون .
*وقسم كالبخاري وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وابن عدي معتدلون منصفون(24) .
__________
(1) مقدمة المعلمي على الفوائد المجموعة للشوكاني (9) .(2) 2)
(2) بيان الوهم والإيهام (3/539) .(3) 3)
(3) ميزان الاعتدال (4/483) .(4) 4)
(4) ميزان الاعتدال (1/6) .(5) 5)
(5) سؤالات السهمي للدار قطني برقم (1) .(6) 6)
(6) تهذيب الكمال (17/1052 ـ 107) .(1) 1)
(7) الضعفاء الكبير للعقيلي (4/255) .(2) 2)
(8) سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين (850) .(3) 3)
(9) تهذيب الكمال (32/52) .(4) 4)
(10) التنكيل (1/103) .(5) 5)
(11) التنكيل (2/33) .(1) 1)
(12) التنكيل (2/32) .(2) 2)
(13) التنكيل (1/415) .(3) 3)
(14) الجرح والتعديل (8/339) .(4) 4)
(15) الجرح والتعديل (6/109) .(5) 5)
(16) انظر : تهذيب الكمال (33/306 ، 307) .(6) 6)
(17) تهذيب التهذيب (11/384) .(7) 7)
(18) الكفاية (106) .(1) 1)
(19) شرح علل الترمذي (129) .(2) 2)
(20) سؤالات ابن الجنيد برقم (887) ، وتهذي التهذيب (9/418 ، 419) ، وانظر : ترجمة محمد بن حميد الرازي .(3) 3)
(21) انظر : التنكيل (2/13) .(4) 4)
(22) تهذيب الكمال (20/168) .(1) 1)
(23) تهذيب الكمال (7/438) .(2) 2)
(24) هذا ما قدم به كتابه ( ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ) ( 158 ، 159) .(3) 3)(1/27)
وقال الذهبي أيضاً : كان يحيى بن سعيد متعنتاً في نقد الرجال ، فإذا رأيته قد وثق شيخاً فاعتمد عليه ، أما إذا لين أحداً فتأن في أمره حتى ترى قول غيره فيه ، فقد لين إسرائيل وهمام وجماعة احتج بهم الشيخان(1) .
لكن المعلمي رحمه الله : ما اشتهر أن فلاناً من الأئمة مسهل وفلاناً مشدد ، ليس على إطلاقه فإن منهم من يسهل تارة ويشدد تارة أخرى ، بحسب أحوال مختلفة ، ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم ، لا تحصل إلا باستقراء بالغ مع التدبر(2) .
قلت : فيجب أن تحرر هذه المسألة . والله أعلم .
القاعدة العاشرة : الحكم عليه بموجب الأحاديث التي رواها ، إذا ثبتت عنه أحاديث يعرف باعتبارها حالة من الضبط :
قال المعلمي رحمه الله : ومن الأئمة من لا يوثق من تقدمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة وتكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة ملكة لذلك الراوي ، وهذا يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والرجح إنما هو على سبر حديث الراوي(3) .
قلت : وفي هذا العصر لا يمكن تطبيق ذلك إلا في حدود الترجيح بين أقوال الأئمة ، أو فيمن لم نجد فيه كلاماً وروى حديثاً ظاهر النكارة في إسناد نظيف فيضعف بذلك ، أو فيمن نص الأئمة على قلة حديثه ، أو ليس له إلا عدد مذكور من الأحاديث ، وبعد سبرها تبين منها أنه لم يرو منكراً فيقبل بذلك ، أما اختراع قول جديد فيمن تكلم فيهم فلا .
وقال المعلمي : استقامة الراوي تثبت عند المحدث بتتبعة حديث الراوي واعتبارها ، وتبين أنها كلها مستقيمة تدل على أن هذا الراوي كان من أهل الصدق والأمانة ، وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا ؛ لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث فإذا تبين أن لها مخارج قوية تدقع التهمة على الراوي فقد ثبتت استقامة روايته(4) .
وقال : ودرجة الاجتهاد المشار إليها لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين ، اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين رجلاً في حديث يزعم أنه تفرد فيجد له بعض أهل العضر متابعات صحيحة ، إلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح .
فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود ؛ لأنه إن تهيأ له إثبات بطلان الخبر وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتاً لا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم لأنه تفرد به ، ولا أن شيخه لم يروه قط ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب أو يتهمه به ، بل يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون لكن مع الإستناد إلى كلامهم(5) .
القاعدة الحادية عشرة : ينبغي على الباحث أن يكون دقيقاً في إعطاء الحكم على الرواة من غير تزيّد ولا تقصير .
القاعدة الثانية عشرة : إذا تعارضت أقوالهم ولم يمكن الجمع ولا النسخ ولا الترجيح توقفنا عن قبول حديث هذا الراوي .
تنبيه : هذه الضوابط في الجرح والتعديل أمور أغلبية اجتهادية ، لا يعتمد عليها كلياً في الترجيح بين أقوال الناقد ، فقد يظهر لباحث ألا يعمل ببعضها في راو ما ، وقد يظهر له سبب آخر يقتضي الترجيح غير ما ذكر . والله أعلم .
__________
(1) سير أعلام النبلاء (9/183) .(4) 4)
(2) مقدمته على الفوائد (9) .(1) 1)
(3) التنكيل (1/67) .(2) 2)
(4) التنكيل (1/76) .(3) 3)
(5) التنكيل (1/37) .(1) 1)(1/28)
فصل كيف كان الحفاظ ينتقدون الراوي في ضبطه ؟
إن علم الجرح والتعديل علم عميق ، لا يستطيع إتقانه إلا من سار على نهج أولئك الحفاظ النقاد ، الذين على يدهم استقام هذا العلم ، ولذلك فلا بد من معرفة منهجهم في انتقاد الرجال وتمييز الثوي والضعيف .
قال المعلمي : ليس نقد الرواة بالأمر الهين ؛ فإن الناد لا بد أن يكون واسع الإطلاع على الأخبار المروية ، عارفاً بأحوال السابقين وطرق الرواية ، خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم وبلأسباب الداعية إلى التساهل والكذب ، والموقعة في الخطأ ، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الرواي متى ولد؟ وبأي وبلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة ؟ ومع من سمع ؟ وكيف كتابه ؟
ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعاداتهم في الحديث ، ثم يعرف مرويات الناس عنهم ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبر بها ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، ويكون مع ذلك متيقظاً مرهف الفهم ، دقيق الفطنة ، مالكاً لنفسه لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب ، ولا يستخفه بادر ظن ، حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز ولا يقصر .
وهذه مرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ(1) .
وقال : كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل ، ثم ينشأ دائباً في الطلب والحفظ والجمع ليلاً ونهاراً ، ويرتحل في طلبه إلى أقاصي البلدان ، ويقاسي المشاق الشديدة كما هو معروف في أخبارهم ، يصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو أربعين سنة ، وتكون أمنيته من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث يسمعوا منه ويرووا عنه ...
فمن تدبر أحوال القوم بان له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الكذب منهم طول عمره ، وإنما العجب ممن اجترأ على الكذب .
كما أنه من تدبر كثرة ما عندهم من الرواية وكثرة ما يقع من الالتباس والاشتباه ، وتدبر تعنت أئمة الحديث بان له أنه ليس العجب ممن جرحوه بل العجب ممن وثقوه(2) .
وقال ابن معين : لست أعجب ممن يحدث فيخطئ ، وإنما أعجب ممن يحدث فيصيب(3) .
واعلم أن الراوي إذا روى الحديث إما أن ينفرد به ، أو يشاركه الرواة في رواية الحديث ، فإن شاركهم ؛ إما أن يوافقهم أو يخالفهم ، وله في كل تلك الأحوال أحكام .
وقال المعلمي : وكثرة الغرائب إنما تضر الراوي في حالين :
الأولى : أن تكون مع غرابتها عن شيوخ ثقات بأسانيد جيده .
الثانية : أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب .
في الحالة الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه ؛ لظهور براءة من فوقه عنها .
وفي الحالة الثانية يقال : من أين له هذه الغرائب مع قلة طلبه فيتهم بسرقة الحديث ، كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي : كان أضعفنا وأكثرنا غرائب(4) .
وقال : ومن كثر حديثه لا بد أن يكون في حديثه غرائب ، وليس ذلك بموجب للضعف ، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة(5) .
وقال عبد الرحمن بن مهدي لشعبة : من الذي تترك الرواية عنه ؟ قال : إذا أكثر من المعروفين من الرواية ما لا يعرف(6) .
قلت : فإن لم ينفرد وشاركهم فموافقة الراوي لما رواه الثقات ولما ثبت في الكتاب والسنة دليل على صدقه .
قال الإمام الشافعي : ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ ، وبالكتاب والسنة(7) .
وقال : ويعتبر أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ له ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له .
وإذا اختلفت الرواة استدللنا على المحفوظ منه والغلط بهذا ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ الغلط(8) .
وقال ابن الصلاح رحمه الله : يعرف كون الراوي ضابطاً بأن يعتبر روايته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب ، والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً ، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم يحتج بحديثه(9) . انتهى .
فحين يمعن في الموافقة فلا يتفرد ولا يخالف كثيراً ، فإن نقاد الحديث يصفونه بالصدق ، ويلحقونه برمزة الثقات .
وقال الذهبي : إن إكثار الراوي من الحاديث التي لا يوافق عليها لفظاً ولا إسناداً يصيره متروك الحديث(10) .
وقال أيضاً : أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم الأثبات(11) .
قلت : ويقدر خطئه وغفلته وجرم ذلك وفحشه تنزل درجته ؛ ولذلك تفاوت الرواة .
قال الترمذي : إنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع ، مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم(12) .
وقال سفيان الثوري : ليس يكاد يفلت من الغلط أحد ، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ، وإن كان الغالب عليه الغلط ترك(13) .
وقال الشافعي : ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه ، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم تقبل شهادته(14) .
وقال سليمان بن أحمد الدمشقي لعبد الرحمن بن مهدي : أكتب عمن يغلط في عشرة ؟ قال : نعم ، قيل له : يغلط في عشرين ؟ قال : نعم ، قلت : فثلاثين ؟ قال : نعم ، قلت : فخمسين ؟ قال : نعم(15) .
وقال سليمان لعبد الرحمن : أكتب عمن يغلط في مائة ؟ قال : لا ، مائة كثير . قال ابن أبي حاتم : يعني مائة حديث(16) .
وكثرة أخطاء الراوي وقلتها تتفاوت بقدر إكثار الراوي من الحديث وإقلاله .
وقال أبو مسعود : كتبوا إلىّ من أصبهان أبا داود أخطأ في تسمعائة ـ أو قالوا : ألف ـ فذكرت ذلك لأحمد بن حنبل فقال : يحتمل لأبي داود(17)
وقال ابن عدي :ليس بعجب أن يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها(18)
وقال الخطيب البغدادي : كان أبو داود يحدث من حفظه ، والحفظ خوّان فكان يغلط مع أن غلطه يسير في جنب ما روى على الصحة والسلامة(19) .
وقال الذهبي : فمن يروي مائة ألف حديث ويندر المنكر في سعة ما روى فإليه المنتهى من الإتقان(20)
ويعرف ضبط المحدث وإتقانه بأن يجري على وتيرة واحدة ، ولا يضطرب فيه ، فإن كثرة الاختلاف على الراوي مما يدل على اضطراب حفظه ، إلا إذا كان من كبار الحفاظ ، فإن كثرة الوجوه عنه تدل على سعة حفظه .
قال عبد الرحمن بن مهدي : إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ(21) .
ومن أسباب سوء الحفظ ووهن الضبط الانشغال عن الحديث بغيره .
قال أبو عاصم : من استخف بالحديث استخف به الحديث(22)
قال ابن رجب : الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط ... والحفاظ منهم القليل ، فإذا جاء الحديث من جهة واحد منهم فليتوقف فيه حتى يتبين أمره(23) .
وقد قال أبو عبد الله بن منده : إذا رأيت في حديث ( حدثنا فلان الزاهد ) فاغسل يدك منه(24) .
وقال أبو سعيد بن يونس في رشد بن سعد : وكان رجلاً صالحاً لا يشك في صلاحه وفضله ، فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث(25) .
وقال يحيى بن سعيد القطان : ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث(26) .
قال مسلم : يقول : يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب(27) .
وقال ابن عدي : الصالحون قد رسموا بهذا الرسم : أن يرووا في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل ، ويتهم جماعة منهم بوضعها(28) .
وقال ابن رجب : الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الانشغال به لا يكادون يحفظون الحديث كما ينبغي ، ولا يقيمون أسانيده ومتونه ، ويخطئون في الأسانيد كثيراً ويروون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم(29) .
قال الذهبي : وكذلك جماعة من القراء أثبات القراءة دون الحديث كنافع في الحديث والكسائي وحفص ، فإنهم نهضوا بأعباء الحروف وحرروها ولم يصنعوا ذلك في الحديث ، كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يحكموا القراءة ، وكذا شأن كل من برز في فن ، ولم يعتن به عداه . والله أعلم(30) . انتهى .
والأخطاء التي تؤثؤ في الحكم على الراوي على درجات ، فمن الخطأ اليسير تغيير الأسماء سهواً ، كما كان شعبة يفعل أحياناً .
قال أبو داود : وشعبة يخطئ فيما لا يضره ولا يعاب عليه . يعني في الأسماء(31) . وأيسر منه تغيير الأسماء الواردة في متن الحديث .
قال ابن رجب : وقد ذكر الأثرم لأحمد أن ابن المديني كان يحمل على عمرو بن يحيى ، وذكر له هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حمار ، وقال : إنما هو بعير . فقال أحمد : هذا سهل ، كان مالك من أثبت الناس وكان يخطئ ، وقال : حماد بن زيد قد أخطأ في غير شئ(32) .
وإنما يسقط الراوي عن الاعتبار بخيره ولا يقبل حديثه أبداً إذا تعمد الكذب .
قال عبد الله بن الزبير الحميدي : فإن قال قائل : فما الذي لا يقبل حديث الرجل أبداً ؟
قلت : هو أن يحدث عن رجل أنه سمعه ولم يدركه ، أو عن رجل أدركه ثم وجد عليه أنه لم يسمع منه ، أو بأمر يبين عليه في ذلك كذب ؛ فلا يجوز حديثه أبداً لما أدرك عليه من الكذب فيما حدث به(33) .
قال عبد الله بن المبارك : من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه(34) .
قال الخطيب البغدادي : فأما إذا قال : كنت أحطأ فيما رويته ولم أتعمد الكذب . فإن ذلك يقبل منه وتجوز روايته بعد توبته(35) .
قلت : وقد يفتضح الرجل بخبر يرويه منكر ليس له فيه معذرة .
قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك لا يترك حديث الرجل حتى يبلغه عنه الشئ الذي لا يستطيع أن يدفعه(36) .
__________
(1) مقدمة تحقيقه لكتاب الجرح والتعديل (1، ب ، ج) .1)
(2) التنكيل (1/29 ، 30) .2)
(3) الكامل لابن عدي (1/102) .3)
(4) التنكيل (1/98 ، 99) .1)
(5) طليعة التنكيل ، وهو مطبوع ضمن التنكيل (1/41) .2)
(6) كتاب المجورحين (1/74) .3)
(7) جماع العلم (301) .4)
(8) الرسالة (383) .5)
(9) مقدمة ابن الصلاح (50) .1)
(10) الميزان (3/141) .2)
(11) الموقظة (52) .3)
(12) العلل الصغير للترمذي (5/747 ، 748) .4)
(13) الكفاية (144) .5)
(14) الرسالة (ص382) .6)
(15) الجرح والتعديل (2/28) .7)
(16) تاريخ بغداد (9/26) .8)
(17) تاريخ بغداد (9/26)1)
(18) الكامل لابن عدي (3/183) .2)
(19) تاريخ بغداد (9/26) .3)
(20) سير أعلام النبلاء (9/228) .4)
(21) الكفاية (435) .5)
(22) معرفة علوم الحديث (17) .6)
(23) شرح علل الترمذي (372 ، 373) .7)
(24) شرح علل الترمذي (372) .8)
(25) تهذيب الكمال (9/195) .9)
(26) 10) الكامل (1/144) .10)
(27) مقدمة صحيح مسلم (18) .1)
(28) الكامل لابن عدي (3/217) .2)
(29) شرح علل الترمذي (373) .3)
(30) سير أعلام النبلاء (11/543) .4)
(31) سؤالات الآحري لأبي داود السجستاني (1190) .5)
(32) شرح علل الترمذي (115) .6)
(33) الكفاية (118) .7)
(34) الكفاية (117) .1)
(35) الكفاية (118) .2)
(36) الجرح والتعديل (2/33) .3)(1/29)
وقال حسين بن حبان : قلت ليحيى بن معين : ما تقول في رجل حدث بأحاديث منكرة فردها عليه أصحاب الحديث ، إن هو رجح عنها وقال : ظننتها ، فأما إذا أنكرتموها ورددتموها علي فقد رجعت عنها ؟ فقال : لا يكون صدوقاً أبداً إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشئ فيرجع عنه ، فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا ، فقلت ليحيى : ما يبرئه ؟ قال : يخرج أصلاً عتيقاً فيه هذه الأحاديث ، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق ، فيكون شبه له فيها وأخطأ كما يخطئ الناس فيرجع عنها ، قلت : فإن قال : قد ذهب الأصل وهي في النسخ ؟ قال : لا يقبل منه ، قلت : فإن قال : هي عندي في نسخة عتيقة وليس أجدها ؟ فقال : هو كذاب أبداً حتى يجئ بتابه العتيق ، ثم قال : هذا دين لا يحل فيه غير هذا(1) . انتهى .
ومن أسباب سقوط الراوي عن حيز الاعتبار بخبره أنه إذا ما بين له خطؤه لم يرجع عنه ، استكباراً وأنفاً .
قال ابن مهدي : قلت لشعبة : من الذي يترك الرواية عنه ؟ قال : إذا تمادى في غلط مجمع عليه ، ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه ، أو رجل يتهم بالكذب(2) . انتهى .
وقال يحيى بن معين : من قا لإني لا أخطئ في الحديث فهو كذاب(3) .
وقال حمزه بن يوسف السهمي : وسألته ـ يعني : الدار قطني ـ عمن يكون كثير الخطأ ؟ قال : إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط ، وإن لم يرجع سقط(4) .
وقال أبو حاتم بن حبان : ومن المجروحين من أدخل عليه شئ من الحديث وهو لا يدري ، فلما تبين له لم يرجع عنه وجعل يحدث به آنفاً من الرجوع عما خرج منه ، وهذا لا يكون إلا من قلة الديانة والمبالاة بما هو مجروح في فعله ، فإن سلم في أول وهلة وهو لا يعلم بما يحدث به ثم علم وحدث بعد العلم بما ليس من حديثه وإن كان شيئاً يسيراً ؛ فقد دخل في جملة المتروكين لتعدية ما ليس الترك(5) .
وسئل أبو بكر محمد بن إسحاق : لم رويت عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وتركت سفيان بن وكيع ؟
فقال : لأن أحمد بن عبد الرحمن لما أنكروا عليه تلك الأحاديث رجع عنها عن آخرها ، إلا حديث مالك عن الزهري عن أنس : (( إذا حضر العشاء ... )) ، فإنه ذكر أنه وجده في درج من كتب عمه في قرطاس ، وأما سفيان بن وكيع فإن وراقة أدخل عليه أحاديث فرواها ، وكلمناه فيها فلم يرجع منها ، فاستهرت الله وتركت الرواية عنه(6) .
وقال الخطيب البغدادي : فيجب على المحدث الرجوع عما رواه إذا تبين أنه أخطأ فيه ، فإذا لم يفعل كان آثماً . وعلى الطالب الإمساك عن الاحتجاج له(7) .
قال المعلمي : الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة ، ويكون الخطأ من المصر نفسه ، وذلك كمن يسمع حديثاً بسند صحيح فيغلط فيركب على ذاك السند متناً موضوعاً فينبهه أهل العم فلا يرجع(8) .
قلت : وإن كان متأكداً من قوله ومن صحة كتابه فالأولى أن يتوقف عن روايته لذلك الخطأ ، وإن رواه فيحفظ خطؤه ولا يسقط حديثه .
قال ابن حبان : علي بن عاصم كان ممن يخطئ وقيم على خطئه ، فإذا بين له لم يرجع ، والذي عندي في أمره : ترك ما انفرد به من الأخبار والاحتجاج بما وافق لاثقات ؛ لأن له رحلة وسماعاً وكتابة ، وقد يخطئ الإنسان فى يستحق الترك ، وأما ما بين له من خطئه فلم يرجع فيشبه أن يكون في ذلك متوهماً أنه كان كما حدث(9) .
وقال الإمام أحمد في محمد بن عبيد الطنافسي : يخطئ ويصر وهو ثقة(10) .
وقال يحي بن سعيد القطان : إذا كان الشيخ يثبت على شئ واحد خطأ كان أو صواباً فلا بأس به ، وإذا كان الشيخ يقول كل شئ يقال له ، فليس بشئ(11) .
قال الحميدي : فأما من اقتصر على ما في كتابه ، فحدث به ولم يزد ولم ينقص منه ما يغير معناه ، ورجع عما يخالف فيه ، بوقوف منه عن ذلك الحديث ، أو عن الاسم الذي خولف فيه من الإسناد ، ولم يغره فلا يطرح حديثه ، فلا يكون ضاراً في حديثه ، إذا لم يقبل التلقين ؛ لأنني وجدت الشهود يختلفون في المعرفة بحد الشهادة ، ويتفاضلون فيها كتفاضل المحدثين ، ثم لا أجد بداً من إجازة شهادتهم جميعاً ، ولا يلزمني أن أرد شهادة من كان هكذا حتى يكون له من المعرفة ما لهذا ، فهكذا المحدثون على ما وصفت لك(12) .
قلت : ينبغي التثبت في جرح الرواة ، وألا يجرح الراوي إلا بما صح الإسناد إليه من الأوهام ، ولا يوجد غيره في الإسناد ممن ينظر فيه غيره أو أضعف منه .
وقال محمد بن إبراهيم الملطي : جاء يحيى بن معين إلى عفان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة ، فقال له : ما سمعتها من أحد ؟ قال : نعم حدثني سبعة عشر نفساً عن حماد بن سلمة ، فقال : والله لا حدثتك . فقال : إنما هو درهم وأنحدر إلى البصرة وأسمع التبوذكي . فقال : شأنك . فانحدر إلى البصرة وجاء إلى موسى بن إسماعيل ، فقال له موسى : لم تسمع هذه الكتب عن أحد ؟ قال : سمعتها على الوجه عن سبعة عشر نفساً وأنت الثامن عشر . فقال : وماذا تصنع بهذا ؟ فقال : إن حماد كان يخطئ فأردت أن أميز خطأه من خطأ غيره ، فإذا رأيت أصحابه قد اجتمعوا على شئ علمت أن الخطأ من حماد نفسه ، إذا اجتمعوا على شئ عنه وقال واحد منهم بخلافه علمت أن الخطأ منه لا من حماد ، فأميز بين ما أخطأ هو بنفسه وبين ما أُخطئ عليه(13) .
قال أبو حاتم بن حبان : الإنصاف في نقلة الأخبار استعمال الاعتبار فيما رووا ، وإني أمثل للاعتبار به ما وراءه ؛ وكأنا جئنا إلى حماد بن سملة ، فرأيناه روى خبراً عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لم نجد ذلك الخبر عن غيره من أصحاب أيوب ، فالذي يلزمنا في التوقف عن جرحه والاعتبار بما روى غيره من أقرانه ، فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخبر هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل منهم وحده ؟ فإن وجد أصحابه قد رووه علم أن هذا قد حدث به حماد ، وإن وجد ذلك من رواية ضعيف عنه ألزق بذلك الراوي دونه ، فمتى صح أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه ، يجب أن يتوقف فيه ولا يلزق به الوهن ، بل ينظر هل روى أحد هذا الخبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب ، فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل يرجع إليه ، وإن لم يوجد ما وصفنا نظر حينئذ هل روى هاذ الخبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات ؟ فإن وجد ذلك صح أن الخبر له أصل ، وإن لم يوجد ما قلنا نظر هل روى هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير أبي هريرة ؟ فإن وجد ذلك صح أن الخبر له أصل ، ومتى عدم ذلك ، والخبر يخالف الأصول الثلاثة علم أن الخبر موضوع لا شك فيه ، وأن ناقله الذي تفرد به هو الذي وضعه(14)
وقال : وإذا روى رجل مجهول لا يعرف بالعدالة ، عن ضعيف شيئاً منكراً ، لا يتهيأ إلزاق القدح بإحداهما دون الآخر إلا بعد السبر ، على أن مجانبة ما روى أحرى ، حتى توجد له رواية عن الثقاتن بما يوافق الأثبات ، متعرية عن المناكير ، فحينئذ يدخب في جملة أهل العدالة ، ويلزق ذلك الحديث المنكر الذي روى عنه ذلك الضعيف ، بالضعيف دونه ، هذا حكم ذلك الجنس من الناس(15) . انتهى
وقال الحسين بن إدريس : سمعت محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي يقول في إبراهيم بن طهمان : ضعيف مضطرب الحديث ، قال : فذكرته لصالح جزرة ، فقال : ابن عمار من أين يعرف حديث إبراهيم ؟! إنما وقع حديث إبراهيم في الجمعة ، يعني : الحديث الذي رواه ابن عمار عن المعافى بن عمران عن إبراهيم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة : (( أول جمعة جمعت بجواثا ... )) قال صالح : والغلط فيه من غير إبراهيم ؛ لأن جماعة رووه عنه عن أبي جمرة عن ابن عباس ، وكذا هو في تصنيفه ، وهو الصواب ، وتفرد المعافى بذكر محمد بن زياد فعلم أن الغلط منه لا من إبراهيم(16) .
قلت : وأختم هذا الفصل ، بمثال يتضح منهج كبار النقاد في الحكم على الرواة ، فيه فوائدج وعبر كثيرة :
قال أبو العباس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي : كنا نختلف إلى إبراهيم بن نصر بن أبي الليث سنة ست عشرة ومائتين أنا وأبي أحمد ويحيى بن معين ومحمد بن نوح وأحمد بن حنبل في مجلس نسمع منه تفسير الأشجعي ، فكان يقرأه علينا من صحيفة كبيرة ، فأول من فطن له ـ أي أنه كذاب ـ أبي ، فقال له يا أبا إسحاق هذه الصحيفة كأنها أصل الأشجعي ؟ قال : نعم ، كانت له نسختان فوهب لي نسخة ، فسكت أبي .
فلما خرجنا من عنده ، قال لي : أي بُني عناؤنا إلى هذا الشيخ باطلاً ، الأشجعي كان رجلاً فقيراً وكان يوصل ، وقد رأيناه وسمعنا منه ، من أين كان يمكنه أن يكون له نسختان ؟ فلا نقل شيئاً واسكت .
فلم يزل أمره مستوراً حتى حدث بحديث أبي الزبير عن جابر في الرؤية ، وأقبل يتبع كل حديث فيه رؤية يدعيه ، فأنكر عليه ذلك يحيى بن معين لكثرة ما ادعى وتوقّى أن يقول فيه شيئاً .
وحدّث بحديث عوف بن مالك أن الله إذا تكلم بثلاثمائة لسان ، فقال يحيى : هذا الحديث أنكر على نعيم الفارض ، من أين سمع هذا من الوليد بن مسلم ؟! فجاء رجل خراساني ، فقال : أنا دفعته إلى إبراهيم بن أبي الليث في رقعة في تلك الجمعة . فقال يحيى : لا يسقط حديث رجل برجل واحد .
فلما كان بعد قليل حدذث بأحاديث حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين ، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض ؟ وضحك ربنا من قنوط عباده ، حدّث بها عن هشيم عن يعلى ابن عطاء .
فقال يحيى بن معين : إبراهيم بن أبي الليث كذاب لا حفظه الله ! سرق الحديث ، اذهبوا فقولوا له يخرجها من أصل عتيق ، فهذه أحاديث حماد بن سلمة لم يشركه فيهه أحد ، ولو حدث بها عن هشيم عن يعلى بن عطاء ليس فيها خبر ، قلنا : لعل هشيماً أن يكون دلسها كما يدلس ! فقال : هشيم أخبرنا يعلى ابن عطاء علمنا أن إبراهيم كذاب .
وكان يحيى إذا ذكره ، قال : أبو عراجة ، وكان يجمع .
قال أحمد بن الدورقي : والذي أظن في أمر كتب الأشجعي أن إبراهيم بن الليث خرج إلى مكة مع ولد أحمد بن نصر فمر بالكوفة ، ومضى إلى عيال أبي عبيدة بن الأشجعي بعد موته ، فاشترى كتب الأشجعي وقعد يحدث بها(17) .
* * *
__________
(1) الكفاية (117 ـ 199) .4)
(2) كتاب المجروحين (1/79) .5)
(3) الجامع الخطيب للبغدادي (2/41) .6)
(4) سؤالات السهمي للدار قطني برقم : (1) .7)
(5) كتاب المجروحين (1/78 ، 79) .1)
(6) الجامع للخطيب البغدادي (2/40) .2)
(7) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/40) .3)
(8) طليعة التنكيل مطبوع ضمن التنكيل (1/41) .4)
(9) كتاب المجروحين (2/113) .5)
(10) ميزان الاعتدال (3/936) .6)
(11) الكامل لابن عدي (1/99) .1)
(12) الكفاية (230) .2)
(13) كتاب المجروحين (1/32) .3)
(14) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/155) .1)
(15) كتاب المجروحين (3/95) .2)
(16) تهذيب التهذيب (1/118) .3)
(17) تاريخ بغداد (6/193 ، 194) .1)(1/30)
الباب الثالث في علم علل الحديث
وفيه سبعة فصول
الأول : أهمية علم العلل وطريقة تعلمه .
الثاني : نقد متن الحديث .
الثالث : التفرد والغرابة .
الرابع : الاختلاف بين الرواة .
الخامس : الجمع بين الروايات .
السادس : المتابعة وتقوية الخير .
السابع : التشدد والتساهل في رواية الأخبار وكتابتها .(1/31)
فصل في أهمية علم علل الحديث وطريقة تعلمه
قال ابن الصلاح : اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها ، وإنما يضطلع لذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب(1) .
وقال ابن رجب : أهل المعلم والمعرفة والسنة والجماعة ؛ إنما يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظاً لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصيانة لها ، وتمييزاً مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم ، ولا يوجب ذلك عندهم طعناً ، وغير الأحاديث المعللة بل يقوي بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات .
فهؤلاء العارفون بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حقاً هم النقاد الجهابذة الذي ينتقدون الحديث انتقاد الصيرفي الحاذق البهرج من الخالص ، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به(2) .
قال ابن رجب : اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين :
أحدهما : معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم ومعرفة هذا هين ؛ لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف ، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف .
الوجه الثاني : معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد وإما في الوصل والإرسال ، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك ، وهذا الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث(3) .
وقال الخطيب البغدادي : والسبيل على معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرفه وينظر في اختلاف رواته بمكانهم من الحفظ ، ومنزلتهم في الاتقان والضبط(4) .
وقال الحاكم : وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ، فإن حديث المجروح ساقط واه ، وعلة الحدي تكثر في أحاديث الثقات ، أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى علمه فيصير الحديث معلولاً ، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير(5) .
وقال الحاكم : إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ، ليظهر ما يخفى من علة الحديث(6) .
قلت : فينبغي الاهتمام بجمع الطرق الصحيحة للأحاديث ، ودراستها ومعرفة الطرق المسلوكة منها والغريبة .
وأما الطرق الضعيفة لا ينبغي الاهتمام بها كثيراً إلا في بيان الضعيف والتمييز بينه وبين الصحيح .
قال أبو داود : سمعت أحمد وذكر له بريد هذا فقال أحمد : يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً ، أحاديث ضعيفة ! وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا ، قال : شئ لا ينتفعون به أو نحو هذا الكلام .
قال ابن رجب : وإنما كره أحمد تطلب الطرق الغريبة الشاذة المنكرة ، وأما الطرق الصحيحة المحفوظة فإنه كان يحث على طلبها(7) .
ورأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان بن أنس ، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ، فقال أحمد بن حنبل له : تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة ، فلو قال لك القائل : أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه ؟! قال : رحمك الله يا أبا عبد الله ، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها وأعلم أنها موضوعة ؛ حتى لا يحئ إنسان فيحعل بدل أبان ثابتاً ، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس ، فأقول له : كذبت إنما هي أبان لا ثابت(8) .
__________
(1) علوم الحديث (90) .1)
(2) شرح علل الترمذي (414) .2)
(3) شرح علل الترمذي (ص257) .3)
(4) الجامع لأخلاق الراوي (2/295) .4)
(5) معرفة علوم الحديث (13) .5)
(6) معرفة علوم الحديث (59) .1)
(7) شرح علل الترمذي (249) .2)
(8) كتاب المجروحين (1/31 ، 32) .3)(1/32)
فصل في نقد متن الحديث
لما انتقد أهل الحديث الأحاديث انتقدوا متناً وإسناداً ، والإسناد وسيلة لنقد الحديث وإثبات صحة متنه ، والمتن أهم شئ وجد الإسناد لأجله .
بل إن كثيراً من الجرح في الرواة كان بسبب ما رووه من المتون ، وكذلك التوثيق ، كما سبق في بحث المجهول .
والمتن إّذا كان مشهوراً عن الثقات والأمناء على الحديث ، لا يكون فيه ما يقدح في صحته .
ولا يعرض حديث على الكتاب والسنة إلا إن كان فرداً يستغرب(1) ، أو كان في إسانيده ضعف ،
وإلا ؛ فإنه ليس هنالك حديث صحيح يخالف ما ثبت في الكتاب والسنة ، بل لا بد من الجمع بين النصوص .
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة : لا أعرف أنهروي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادان ، فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما(2) .
ولا يمكن أن يوجد متن سقيم بإسناد صحيح أبداً ، بل إن إنكاره المتن وبطلانه دليل على وجود اعلة الخفية في إسناده .
وقال المعلمي رحمه الله : إذا استنكر الأئمة المحققون المتن ، وكان ظاهر السند الصحة ؛ فإنه يتطلبون له علة ، فإّا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً ، حيث وقعت ، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ... ( وذكر أمثلة )(3) .
وأشد ما يقدح في صحة المتن معارضته لموجب الكتاب والسنة الصحيحة(4) .
قال الربيع بن خثيم رحمه الله : إن من الحديث حديثاً لو ضوء كضوء النهار نعرفه به ، وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل نعرفه به(5) .
كحديث (( أطفال المشركين خدم أهل الجنة ))(6) ، قال الله عز وجل ( ولا تزر وزارة وز أخرى ) [ فاطر : 18] ، وقال : ( ولدان مخلدون ) [ الواقعة :17] .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أولاد المشركين فقال : (( الله أعلم بما كانوا عاملين ))(7) .
وحديث سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : (( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا )) ، وأشار إلى وجهه وكفيه(8) .هذا الحديث مخالف للكتاب والسنة(9) ؛ حيث استثنى الوجه والكف ، وقال الله عز وجل : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) [ النور :31] ، قالت عائشة رضي الله عنها : لما نزلت هذه الآية أخذن أزرهن فشققتها من قبل الحواشي فاختمرن بها(10) .
وقال الله تعالى أيضاً : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ) [الأحزاب:59] .
العلة الثانية : الانقطاع بين خالد بن دريك وعائشة رضي الله عنها ، قال أبو داود : هذا مرسل ؛ خالد بن دريك لم يدرك عائشة .
العلة الثالثة : تفرد خالد بن دريك عن عائشة ، فلم يرو هذا الحديث عنها غيره من أصحابها كعروة والأسود بن يزيد النخعي وعمرة بنت عبد الرحمن ، وهو شامي وهي مدنية رضي الله عنها .
العلة الرابعة : سعيد بن بشير ثقة وروايته عن قتادة خاصة ضعيفة منكرة .
قال محمد بن عبد الله بن نمير : منكر الحديث ليس بشئ ، ليس بقوي الحديث ؛ يروي عن قتادة المنكرات(11) .
العلة الخامسة : تفرده عن قتادة ، ولم يرو هذا الحديث أحد من أصحاب قتادة غيره(12) .
فتبين بذلك أن الحديث باطل سنداً ومتناً . والله أعلم .
ومن تلك المخالفات التي تقدح في صحة المتن اشتماله على مجازفات لا يقول مثلها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
ومنها : تكذيب الحس له ، كحديث : (( أكذب الناس الصباغون والصوّاغون )) .
ومنه : سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه ، كحديث : (( الجوز دواء والجبن داء ، فإذا صار في الجوف صار شفاء )) ؛ فلعن الله واضعه على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومنها : أن يكون كلاماً لا يشبه كلام الأنبياء فضلاً عن كلامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (13) .
قال ابن رجب : حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم ، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ، ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك . وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحضره ، وإنما يرجع فيه أهله ألى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم(14) .
وقال(15) : ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الكلام الذي لا يشبه كلامه .
قال ابن أبي حاتم الرازي : نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون مثله كلام النبوة ، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته ، والله أعلم(16) .
__________
(1) وأشار إلى ذلك ابن حبان الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/155) .4)
(2) الكفاية (ص432 ، 433) .1)
(3) مقدمته على الفوائد المجموعة للشوكاني (ص8) .2)
(4) المنار المنيف للعلامة ابن القيم رحمه الله (ص34) تحقيق أبو غدة . 3)
(5) الكامل لابن عدي (1/55) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم (62) ، والكفاية (431) .4)
(6) التاريخ الكبير للبخاري (6/408) .5)
(7) أخرجه البخاري برقم (6597) .6)
(8) سنن أبي داود وبهامشه عون المعبود (11/108) ، ط دار الكتب العلمية .
7)
(9) انظر : أضواء البيان للشنقيطي (6/584 ، 602) .8)
(10) صحيح البخاري (4759) .1)
(11) الجرح والتعديل (4/7) .2)
(12) انظر : شرح علل الترمذي (281 ، 284) .3)
(13) انظر : المنار المنيف لابن القيم (43) وما بعدها .4)
(14) شرح علل الترمذي (390) .5)
(15) شرح علل الترمذي (379) .1)
(16) مقدمة الجرح والتعديل (351) .2)(1/33)
فصل في التفرد والغرابة
الأصل في الحديث المقبول أن يكون مشهوراً ، ولذلك ذك أهل العلم غرائب الأحاديث .
قال ابن المبارك : العلم الذي يجيئك من هاهنا ومن هاهنا ـ يعني المشهور(1) .
وقال شعبة : لا يجيئك الشاذ إلا من الرجل الشاذ(2) .
وقال الإمام أحمد : شر الحديث الغرائب التي لا يعمل ولا يعتمد عليها(3) .
وقال أيضاً : إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون : هذا الحديث غريب أو فائدة ، فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث أ خطأ من المحدث أو ليس له إسناد وإن روى شعبة وسفيان . وإذا سمعتهم يقولون : لا شئ فاعلم أنه صحيح(4) . قوله : وإن روى شعبة وسفيان ، أي : وإن كان في الإسناد هذان ، لا أنهما المنفردان به .
وقال أبو داود : فإنه لا يحتج بحديث غريب ، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من ائمة العلم(5) .
وقال يزيد بن أبي حبيب :إذا سمعت بالحديث فانشده منا تنشد الضالة،فإن عرف فخذه وإلا فدعه(6)
ولذلك فإن الثقات لا تكثر في أحاديثهم الغرائب ، بل تكثر الغرائب في أحاديث الضعفاء .
وقال أحمد بن أبي يحيى : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول غير مرة : لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب ؛ فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء(7) .
وقال الحافظ بن رجب : أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد ، وإن لم يرو الثقات خلاف أن لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علة فيه ، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري نحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولك في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه(8) .
قلت : يعني قاعدة التفرد أغلبية ، وقد يخرج عنها لمآخذ أخرى .
قال الإمام مسلم : حكم أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث ، أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قبلت زيادته(9) . انتهى .
فإن تفرد ـ شيخ ولو كان ثقة ـ عن مشهور له أصحاب ملازمين أتقنوا حديثه رد تفرده .
قال ابن رجب : والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم : عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره ، فأما ما تفرد به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فرداً ، وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين الثقات أو أفراد إمام عن الحفاظ والأئمة صحيح متفق عليه،ومثله بحديث مالك في المغفر(10)
ويطلق الشيخ أيضاً على من ليس ثبتاً بالنسبة لغيره في راو بعينه ، كما أطلقه الحافظ البرديجي على حماد بن سلمة وهمام وأبان والأوزاعي في روايتهم عن قتادة(11) .
وقال ابن حبان : عاصم بن الوضاح الزبيدي من أهل خاس ، يروي عن مالك وفليح بن سليمان وعبد الحميد بن بهرام ـ المناكير ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ؛ لم يظهر له كثير حديث وإنما كتب عنه جماعة من أهل بلده فقد(12) .
أما الرواة المكثرون من الحديث أو المختصون بشيوخهم فيقبل تفردهم ويحتمل .
قال أبو أسامة : لو أن عبد الرحمن بن مهدي أغرب من سفيان الثوري ألف حديث ما أنكرته عليه ، وذلك أني دخلت على سفيان الثوري في مرضه باليصرة فرأيت عبد الرحمن بوصية يلي سفلته بيده(13)
قال ابن المديني في شبابه بن سوار الفزاري : كان شيخاً صالحاً إلا أنه يرى الإرجاء ، ولا ننكر لرجل سمع من رجل ألفاً وألفين أن يجئ بحديث غريب(14) .
وقال البخاري :محمد بن إسحاق ينبغي له أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد(15)
وقال البرديجي في الحسن بن علي بن المعمري الحافظ : ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثاً في كثرة ما كتب(16) .
وقال الحسن بن محمد الزعفراني : قلت لأحمد بن حنبل : من تابع عفان على حديث كذا وكذا ؟ فقال : وعفام يحتاج إلى أن يتابعه أحد ؟! أو كما قال(17) .
وقال الإمام مسلم : وللزهري نحو من تسعين حديثاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد(18) .
وقال الذهبي : بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ، وأكمل لرتبته ، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر ، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها ، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشئ فيعرف ذلك ، فانظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكبار والصغار ، ما فيهم إلا وقد انفرد بسنة فيقال له : هذا الحديث لا يتابع عليه ! ، وكذلك التابعون ، كل واحد عده ما ليس عند الآخر من العلم(19) .
قلت : فإذا تفرد شيخ رد تفرده لأمور :
الأول : الأحاديث لا يصح قياسها على الفتاوى والمسائل العلمية حتى يقال : زيادة علم يجب قبولها ؛ لأن الحديث ثابت لا يتغير ولا يزاد عليه .
الثاني : أهل الحدي الملازمون لشيوخهم يأخذون كل حديث شيوخهم .
ومن شواهد ذلك : قول أبي صالح ذكوان وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج : ليس أحد يحدث عن أبي هريرة إلا علمنا أصداق أم كاذب(20) .
قال المعلمي : يريدان أنه إذا حدث عن أبي هريرة بما لم يسماه منه علماأنه كاذب لإحاطتهما بحديث أبي هريرة(21) . والرواة متفاوتون في هذا الحرص على الجمع .
قال يحيى بن سعيد : كان الثوري يشتد عليه إذا حدثته لما ليس عنده ، وكان مسعر لا يبالي أن أحدثه بخمسين حديثاً ليست عنده(22) .
الثالث : الثقات وغيرهم معرضين للخطأ والتفرد مظنته .
وقال ابن معين : من لم يخطئ في الحديث فهو كذاب(23) .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى : فهؤلاء الحفاظ الثقات ، إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح . وإن كان من الأتباع فحديثه صحيح غريب ، وإن كان من أصحاب الأتبارع قيل : غريب فرد(24) .
قلت : نعم ؛ يقبل التفرد في الطبقات العليا عن الصحابة والتابعين ، إلا عمن كان له أصحاب جمعوا حديثه ولازموه .
قال الإمام مسلم : فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ لحديثه وحديث غيره ، أو لمثل هشام بن عروة ، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك ، فقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره ، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث ، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما ، وليس ممن قاد شاركهم في الصحيح مما عندهم ، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس . والله أعلم(25) . انتهى .
وأما التفرد عمن بعد الصحابة والتابعين فلم يحك الذهبي تصحيحه ، وقال : ويندر تفردهم فتجد الإمام منهم عنده مائتا ألف حديث ، لا يكاد ينفرد بحديثين أو ثلاثة ، ومن كان بعدهم فأين ما ينفرد به ؟ ما علمته وقد يوجد ...
فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة ، أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوذكي ، وقالوا : هذا منكر .
فإن روى حديثاً من الأفراد المنكرة غمزوه ولينوا حديثه ، وتوقفوا في توثيقه ، فإن رجع عنها وامتنع من روايتها ، وجوز على نفسه الوهم فهو خير له وأرجح لعدالته ،و ليس من شرط الثقة ، أنه لا يغلط ولا يخطئ فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقر على خطأ(26) . انتهى .
ولا يصح للمتأخرين أن يستقلوا بالحكم على الحديث بالتفرد في الطبقات المتأخرة ؛ لأن من كتب الحديث ما فقد ، إلا إذا غلب على ظن المتأهل الممارس للفن لما ظهر له من قرائن . والله أعلم .
__________
(1) شرح علل الترمذي (234) .3)
(2) الكفاية (141) ، والكامل لابن عدي (1/68) .4)
(3) الكفاية (141) .5)
(4) الكفاية في علم الراوية (142) .6)
(5) شرح علل الترمذي (237) .7)
(6) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/19) .8)
(7) الكامل في ضعفاء الرجال (1/29) .9)
(8) شرح علل الترمذي (208) .1)
(9) صحيح الإمام مسلم (1/7) .2)
(10) شرح علل الترمذي (256) .3)
(11) شرح علل الترمذي (252 ، 282 ، 283) .4)
(12) كتاب المجروحين (2/174) .5)
(13) الكامل لابن عدي (1/110) .6)
(14) تهذيب الكمال (12/347) .7)
(15) تاريخ بغداد (1/227) .1)
(16) ميزان الاعتدال (1/504) .2)
(17) تاريخ بغداد (12/274) .3)
(18) صحيح مسلم (1674) .4)
(19) ميزان الاعتدال (3/140) .5)
(20) الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (1/53) .6)
(21) التنكيل (2/100) .7)
(22) الكامل لابن عدي (1/84) .1)
(23) التاريخ لابن معين رواية الدوري ( برقم 2682 ، 4342) .2)
(24) الموقظة (77) .3)
(25) صحيح الإمام مسلم في مقدمته (1/7) .4)
(26) الموقظة (77 ـ 78) .5)(1/34)
فصل في الاختلاف بين الرواة
وليس ذلك الاختلاف من قبل رواية بالمعنى ، فإن رواية الحديث بالمعنى جائزة بشرط معرفته لما يحيل المعاني من الحديث إن حدث بالمعنى .
قال الترمذي : فأما من أقان الإسناد وحفظه وغيّر اللفظ فإن هذا عندهم واسع إذا لم يغر المعنى(1) .
عن وائلة قال : إذا حدثناكم بالحديث على معناه فحسبكم(2) .
وقال الزهري : إذا أصبت المعنى فلا بأس(3) .
وقال ابن عون : كان القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة يحدثون الحديث على حروفه ، وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون بالمعاني(4) .
قال أبو داود السجستاني : والاختلاف عندنا ما تفرد قوم على شئ وقوم على شئ(5) .
والاختلاف بين الرواة في الحديث الواحد إن كان ناشئاً من الراوي المختلف عنه فقد اضطرب فيه ، وفي ذلك دلالة على أنه لم يحفظه ، فيرد الحديث لأجل ذلك .
وإن كان من قبل الرواة فللترجيح بينهم فيما اختلفوا فيه طرق وقرائن ، ولكل حديث ذوق خاص(6)
، وكثيراً ما تكون بالكثرة والإتقان .
قال الأثرم : الأحاديث إذا كثرت كانت أثبت من الواحد الشاذ ، وقد يهم الحافظ أحياناً(7) .
وسئل الحافظ الدار قطني عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات ، فقال : ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته أو ما جاء بلفظة زائدة ، فتقبل تلك الزيادة من متقن ويحكم لأكثرهم حفظاً وثبتاً على من دونه(8) .
وقد يكون الاختلاف بين الرواة بزيادة في المتن أو السند .
وصورتها(9) : أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد ومتن واحد ، فيزيد بعض الرواة زيادة ـ ليست من باب التفسير ـ لم يذكرها بقية الرواة ، كزيادة راو في السند أو لفظ في المتن يوجب تقييداً أو تخصيصاً أو زيادة صفة أو حكم(10) .
ولا فرق في الويادة بين السند والمتن(11) .
وقال الحافظ ابن حجر : والذي يجري عليه على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد ، بل يرجحون بالقرائن(12) .
وقال الترمذي : ورب حديث يستغرب لزيادة تكون في الحديث،وإنما تقبل ممن يعتمد على حفظه(13)
وقال ابن خزيمة : لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ ، ولكننا نقول : إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان ، فروى حافظ عالم بالأخبار زيادة في خبر قبلت زيادته ، فإذا تواردت الأخبار فزاد ـ وليس مثلهم في الحفظ ، زيادة لم تكن تلك الزيادة مقبولة(14) .
قال ابن حجر : فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظاً متقناً حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك ، فإن كانوا أكثر عدداً منه ، أو كان فيهم من هو أحفظ منه ، أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقاً ، فإن زيادته لا تقل ، وهذا مغاير لقول من قال : زيادة الثقة مقبولة وأطلق(15) .
وقال ابن رجب : فإن كان المنفرد عن الحفاظ سيئ الحفظ فإنه لا يعبأ بانفراده ويحكم عليه بالوهم ، وإن كان المنفرد مع سوء حفظه قد سلك الطريق المشهورة والحفاظ يخالفون فإنه لا يكاد يرتاب في وهمه وخطئه ؛ لأن الطريق المشهورة تسبق إليها الألسنة والأوهام كثيراً فيسلكه من لا يحفظ(16) . انتهى .
قلت : وقد كان من التابعين من يقصر الأسانيد ، فلا يكون ذلك من باب الاختلاف في الزيادة وعدمها .
قال البغوي : كره قوم من الصحابة والتابعين إكثار الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خوفاً من الزيادة والنقصان ، والغلط فيه ، حتى إن من التابعين من كان يهاب رفع الحديث فيوقفه على الصحابي ، ويقول : الكذب عليه أهون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومنهم من يسند الحديث حتى إذا بلغ به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : قال ، ولم يقل : رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومنهم من يقول : رفعه ، ومنهم من يقول : رواية ، ومنهم من يقول : يبلغ به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وكل ذلك هيبة للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وخوفاً من الوعيد(17) . انتهى .
قلت : إذا كانت الطرق المختلفة قوية فحينئذ يتجه ما قاله البغوي ، وإن كان في بعضها ضعف فيرجح بينها . فمثال الزيادة في المتن حديث : (( استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً ))(18) .
قال الطبراني : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثني أبي ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة عن أبي غطفان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( استنشقوا مرتين ـ وزاد والأذنان من الرأس )) وهذه الزيادة تفرد بها الطبراني ، ولعلها من أخطاء النساخ ؛ فإن أحداً من العلماء لم ينبه عليها . وعلى كل فهي زيادة شاذة .
قال الإمام أحمد : ثنا يحيى عن ابن أبي ذئب (ح) وقال ابن أبي شيبة : ثنا وكيع وإسحاق الرازي عن ابن أبي ذئب (ح) ، وقال البخاري : وقال آدم نا ابن أبي ذئب (ح) ، وقال أبو داود : ثنا إبراهيم بن موسى ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب (ح) ، وقال النسائي : ثنا سويد بن نصر أنبأ عبد الله عن ابن أبي ذئب (ح) ، وقال ابن ماجه : ثنا أبو بكر عن أبي شيبة عن إسحاق بن سليمان (ح) ، وثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب (ح) ، وقال الحاكم : أنا بكر بن حمدان الصيرفي صنا عبد الصمد بن الفضل ثنا خالد بن مخلد ثنا ابن أبي ذئب ثنى فارظ ابن شيبة عن أبي غطفان المري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً )) . ولفظ بن أبي شيبة عن وكيع : (( استنشقوا )) .
ومثال الزيادة في الإسناد ، حديث : (( إذا مرض العبد أو سافر ، كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ))(19) .
رواه إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي ، واختلف عليه ، فرواه العوام بن حوشب عن إبراهيم عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسنداً ، وروها مسعر بن كدام عن إبراهيم عن أبي بردة قوله .
قال الحافظ بن حجر : مسعر أحفظ من العوام بلا شك ، إلا أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي ، فهو في حكم المرفوع ، وفي السياق قصة تدل على أن العوام حفظه فإن فيه : سمعت أبا بردة وأصحابه هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر ، فكان يزيد يصوم في السفر ، فقال له أبو بردة ؛ سمعت أبا موسى مراراً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فذكر الحديث .
قال أحمد بن حنبل : إذا كان في الحديث قصة ، دلّ على أن رواية حفظه والله أعلم(20) .
وقد يكون الاختلاف في السند في تسمية راو :
كحديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، فقرأت على أهل اليمن هذه نسختها ، وذكره .
هذا الحديث اختلف فيه على يحيى بن حمزة في تسمية شيخه الراوي عن الزهري .
فرواه الحكم بن موسى قال : حدثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال : حدثني الزهري .
قال أبو داود : هذا وهم من الحكم بن موسى(21) .
ورواه محمد بن بكار عن يحيى عن سليمان بن أرقم عن الزهري .
قال النسائي : وهذا أشبه بالصواب وسليمان بن أرقم متروك الحديث(22) .
قلت : الراجح فيه رواية محمد بن بكار ؛ لأنها مطابقة لأصل يحيى بن حمزة ، قال الإمام المزي رحمه الله : وكذلك حكى غير واحد أنه قرأه في أصل يحيى بن حمزة . انتهى .
ومحمد بن بكار دمشقي كمان أن يحيى دمشقي ، وأما الحكم بن موسى فهو بغدادي .
ومن تلك المخالفات الإدراج في المتن أو في الإسناد :
والطريق إلى معرفة كونه مدرجاً أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة ، وتتقوى الرواية المفصلة بأين يرويه أحد الرواة مقتصراً على إحدى الروايتين(23) .
كحديث الزهري عن حميد بن عبد الحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : (( ليس الكذاب من يصلح بين الناس ، فقال خيراً أو نمى خيراً )) .
رواه معمر وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري بدون زيادة(24) .
ورواه يونس بن يزيد الأيلي ومحمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري به ، وزاد فيه : (( ولم يرخص في شئ مما يقول الناس أنه مذب ، إلا في ثلاث ، في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ))(25) .
ولكن أدرج هذه الزيادة صالح بن كيسان وابن جريج وعبد الوهاب بن أبي بكر ، فرووه عن الزهري ... أن أم كلثوم قالت : ولم أسمعه يرخص في شئ مما يوقل الناس إلا في ثلاث ... الحديث(26) .
وجزم بالإدراج موسى بن هارون والنسائي وغيرهما وتبعهم ابن حجر(27) . وذلك لأن يونس والزبيدي من أثبت الناس في الزهري .
__________
(1) العلل الصغير (5/746) من آخر الجامع .1)
(2) كتاب العلم لأبي خيثمة النسائي (26) .2)
(3) كتاب العلم لأي خيثمة النسائي (26) .3)
(4) كتاب العلم لأبي خيثمة النسائي (32) .4)
(5) تهذيب الكمال (2/431) .5)
(6) النكت على كتاب ابن الصلاح (296) .6)
(7) فتح المغيث للسخاوي (1/23) .7)
(8) سؤالات السهمي .8)
(9) شرح علل الترمذي (242) .1)
(10) النكت للحافظ ابن حجر (281) .2)
(11) شرح علل الترمذي (243) .3)
(12) النكت (282) .4)
(13) العلل الصغير في آخر الجامع (5/759) .5)
(14) النكت (282) .6)
(15) النكت (283) .7)
(16) شرح علل الترمذي (277) .8)
(17) شرح السنة (1/255 ، 256) .1)
(18) أخرجه الإمام أحمد (1/283) ، والبخاري في التاريخ الكبير (7/201) ، وأبو داود (141) ، والنسائي في الكبرى (1/83 ، 84) ، وابن ماجه (408) ، وابن أبي شيبة (1/33) ، والحاكم في الستدرك (1/249) .2)
(19) أخرجه البخار في الصحيح (2996) ، وانظر التتبع للدار قطني (ص165 ، 166) .3)
(20) هدي الساري (ص382) .1)
(21) تهذيب الكمال (11/418) .2)
(22) السنن الكبرى (4/245 ، 246) ، دار الكتب العلمية ) .3)
(23) النكت على كتاب ابن الصلاح (356) .4)
(24) أخرجه الإمام أحمد (6/403 ، 404) ، البخاري (2692) ، مسلم (2605) ، أبو داود (4920) ، والترمذي (1938) ، وقال : حسن صحيح .1)
(25) أخرجه الإمام مسلم (2605) ، والنسائي في السنن الكبرى (5/351 ، 352) .2)
(26) أخرجه الإمام أحمد (6/404) ، وأبو داود (4921) ، والنسائي في السنن الكبرى (5/193 ، 351 ) .3)
(27) فتح الباري (5/353) .4)(1/35)
فصل في الجمع بين الروايات
فإن وقع اختلاف بين الرواة يصار إلى الجمع بدون تعسف إذا لاحت قرائن تدل على أن الوجوه محفوظة عن الراوي . وغالباً ما يكون ذلك إذا كان المختلفون ثقات وعن ثقة حافظ واسع الرواية ، يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كالزهري والثوري وشعبة والأعمش .
وقال ابن هبيرة : قدم علينا عكرمة مصر فجعل يحدثنا بالحديث عن الرجل من الصحابة ثم يحدثنا بذلك الحديث عن غيره ، فأتينا إسماعيل بن عبيد الأنصاري وكان قد سمع من ابن عباس ، فذكرنا ذلك له ، فقال : أنا أخبره لكم ، فأتاه فسأله عن أشياء كان سمعها من ابن عباس فأخبره بها على مثل ما سمع ، قال : ثم أتيناه فسألناه ، فقال : الرجل صدوق ولكنه سمع من العلم فأكثر ، فكلما سنح له طريق سلكه(1) .
قال الإمام علي بن المديني رحمه الله : حديث أبي هريرة : مثل الهجرة على الجمعة ، رواه معمر وأصحاب الزهري عن الأغر عن أبي هريرة ، إلا أن ابن عيينة رواه عن أبي سعيد عن أبي هريرة وجميعاً صحيح(2) .
وكحديث:((بينا رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة))(3)
رواه الزهري وجرير بن زيد عن سالم بن عبد الله واختلفا عليه ، فقال الزهري : عن ابن عمر ، وقال جرير : عن أبي هريرة ، وكلا الحديثين صحيح .
قال ابن حجر : قوي عند البخاري أنه عن سالم عن أبيه وعن أبي هريرة معاً لشدة إتقان الزهري ومعرفته بحديث سالم ، ولقول جرير بن زيد في روايته : كنت مع سالم على باب داره فقال : سمعت أبا هريرة . فإنه قرينة في أنه حفظ ذلك عنه(4) .
قلت : وروى قصته الإمام أحمد مفصلة بلفظ : كنت جالساً مع سالم بن عبد الله على باب المدينة فمر شاب من قريش كأنه مسترخي الإزار ، قال : ارفع إزارك فجعل يعتذر ، قال : إنه استرخى ، وإنه من كتان فلما مضى قال : سمعت أبا هريرة يقول : ... الحديث(5) .
وقد يكون الاختلاف على حافظ واسع الرواية ولا يمكن أن يصار إلى الجمع بتعدد الطرق ؛ لأن مأخذ الترجيح كان قوياً . فلا ينبغي حينئذ سلوك الطرق المتعسفة في الجمع .
كحديث محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً : (( إن للصلاة أولاً وآخراً ... )) الحديث(6) .
قال الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ـ أحسب يحيى يريد : (( إن للصلاة أولاً وآخراً )) ـ وقال : (( وإنما يروى عن الأعمش عن مجاهد(7) .
وقال أبو حاتم الرازي : هذا خطأ وهم فيه ابن فضيل يرويه أصحاب الأعمش عن الأعمش عن نجاهد قوله(8) .
وقال الترمذي : سمعت محمداً يقول : حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش ، وحديث محمد بن فضيل ، أخطأ في محمد بن فضيل .
وقال الدار قطني : هذا لا يصح مسنداً ، وهم في إسناده ابن فضيل ، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً .
قلت : خالفخ زائد بن قدامة الثقفي وأبو إسحاق الفزاري وأبو زبيد عبثر ، ويؤيد رواية الجناعة أنه انفرد عن الأعمش بذلك وقد سلك الجادة .
قال ابن رجب : إذا روى الحفاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد ، وانفرد واحد منهم بإسناد آخر . فإن كان المنفرد ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة في الأسانيد أو في المتون ... ويقوى قبول قوله إنكان المروي عنه أوسع الحديث ، يمكن أن يجعل الحديث من طرق عديدة كالزهري والثوري وشعبة والأعمش .
ووما يستدل به الأئمة كثيراً على صة رواية ما انفرد بالإسناد إذا روى الحديث بالإسناد الذي رواه الجماعة(9) .
قلت : ولا سيما إذا جمعهما في سياق واحد . كحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فيتوضأ ))(10)
رواه الوليد بن مسلم وشبابة بن سوار وأسد بن موسى وحجاج المصيصي ويحيى القطان ويحيى بن أيوب وحسين بن محمد وابن أبي فديك عن محمد ابن عبد الرحمن عن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة .
وأغرب محمد بن إسماعيل بن أبي فديك فيه بإسنادين آخرين قال : ثنى ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس بن عمير عن أبي هريرة . قال محمد بن أحمد بن عبد الهادي : ثم قال ابن أبي فديك : وحدثني ابن أبي ذئب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة(11) .
قلت : وليس ذلك غريباً عليه .
قال يحيى بن معين : كان أروى الناس عن ابن أبي ذئب وهو ثقة(12) . فإن تعذر الترجيح صار الراوي مضطرباً .
وقال المعلمي رحمه الله : والاضطراب الضار : أن يكون الحديث حجة على أحد الوجهين مثلاً دون الآخر ، ولا يتجه الجمع ولا الترجيح ، أو يكثر الاضطراب ويشتد بحيث إن ارلاوي الذي مدار الحديث عليه لم يضبط(13) .
كحديث : (( ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ، ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ، أربعون في بطونها أولادها ))(14) . اضطرب فيه خالد الحذاء ؛ فرواه بشر ابن المفضل ويزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن القاسم عن ربيعة عن يعقوب بن أوس أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدثه .
ورواه الثوري وهشيم عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ورواه حماد بن زيد ووهيب بن خالد عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن عبد بن عمرو .
ورواه ابن أبي عدي عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس مرسلاً .
فخالد ـ والله أعلم ـ لم يحفظ الحديث فقد خالفه أيوب السختياني : رواه حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم بن ربيعة مرسلاً . وتابعه حميد الطويل ، وخالف شعبة حماد بن زيد فرواه عن أيوب عن القاسم عن عبد الله بن عمرو ورواية حماد أرجح .
قال يحيى بن معين : ليس أحد في أيوب أثبت من حماد بن زيد(15) . واختلاف الثقات على الرجل الضعيف ليس محلاً للجمع بين رواياتهم .
قال الحافظ ابن رجب : فاختلاف الرجل الواحد في الإسناد إن كان متهماً ، فإنه ينسب إلى الكذب ، وإن كان سيئ الحفظ نسب إلى الاضطراب وعدم الضبط ، وإنما مثل ذلك ممن كثر وقوي حفظه كالزهري وشعبة ونحوهما(16) .
وقال : واعلم أن هذا كله إّا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد . فإن ظهر أنه حديثان لم يحكم بخطأ أحدهما ، وعلامة ذلك : أن كون في أحدهما زيادة على آخر أو نقص منه أو تغير يستدل على أنه حديث آخر ، فهذا يقول علي بن المديني وغيره من أئمة الصنعة : هما حديثان بإسنادين إذا احتمل ذلك وكان متن الحديث يروي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وجوه متعددة كحديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأما ما لا يعرف إلا بإسناد واحد فهذا يبعد فيه ذلك(17) .
__________
(1) هدي الساري لابن حجر (ص449) .5)
(2) العلل لابن المدين (83) .1)
(3) صحيح البخاري (5790) .2)
(4) فتح الباري (10/273) .3)
(5) مسند الإمام أحمد (2/390) .4)
(6) مسند الإمام أحمد (2/232) .5)
(7) تاريخ ابن معين برواية الدوري (1909) .6)
(8) علل الحديث (1/101) .7)
(9) شرح علل الترمذي (375 ، 376) .1)
(10) أخرجه أبو داود (3161) ، وابن أبي شيبة (2/470) ، والإمام أحمد (18/173) ، (19/59) والبغوي في شرح السنة (2/168) ، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (7254) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/303) ، والخطيب البغدادي في الموضح (1/172) ، وتكلم عليه الدار قطني في العلل (10/378 ، 379) .2)
(11) تنقيح التحقيق (1/509) .3)
(12) تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري (2/505) .4)
(13) التنكيل (2/9) .1)
(14) السنن الكبرى (4/231 ، 233) .2)
(15) تهذيب الكمال (7/247 ، 248) .3)
(16) شرح علل الترمذي (108) .4)
(17) شرح علل الترمذي (380) مختصراً .1)(1/36)
فصل في المتابعة وتقوية الخبر
المتابعة تفيد تقوية الضعيف غير المنكر ، بوروده من جهة أخرى صالحة للاعتبار ، إن غلب على الظن أن تعدد الطرق يفيد صحته ، وهي على قسمين :
الأول : تقوية لفظ الحديث ، إذا كانت تلك الأسانيد لحديث واحد ، وبذلك يكون الحديث صحيحاً ، وكلما عظمت أهمية الحديث احتاج إلى متابعة قوية .
الثاني : تقوية معنى الحديث ، بورود أخارى بمعناه ، ويكون المعنى صحيحاً ، وهذا لا يفيد في تصحيح لفظ الحديث ، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
واعلم أن الذي يحتاج إلى متابعة ثلاثة أشياء : الراوي الضعيف المعتبر به غير المتروك ، والحديث المرسل ، والشيخ حينما يكون تفرده منكراً ـ وسبق شرحه ـ والكل على درجات في الضعف أيضاً .
فأما الأول : وهو الضعيف الذي يقبل في الشواهد ولم يسقط ، وذلك لجبر حديثه ؛ فإن تفردات الضعفاء لا يحتج به .
قال الجوزجاني : ومنهم الضعيف في حديثه غير سائغ لذي دين أن يحتج بحديثه وحده إلا أن تقوية من هو أقوى منه فحينئذ يعتبر به(1) .
وقال : إذا كان الحديث المسند من رجل غير مقنع ـ يعني لا يقنع برواته ـ وشدّ أركانه المراسيل بالطرق المقبولة عند ذوي الاختيار ، استعمل واكتفى به ، وهذا إذا لم يعارض المسند الذي هو أقوى منه(2) .
قال أبو عيسى الترمذي : كل من روي عنه حديث ممن يتهم بالكذب أو يضعف لغفلته وكثرة خطئه ، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به(3) .
وقال : وكذلك من تكلم من أهل العلم في مجالد بن سعيد وعبد الله بن لهيعة وغيرهم ، إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم ، وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة فإذا تفرد أحد من هؤلاء يحدث ولم يتابع عليه لم يحتج به ، كما قال أحمد بن حنبل : ابن أبي ليلى لا يحتج به ، إنما عنى إذا تفرد بالشئ ، وأشد ما يكون هذا لم يحفظ الإسناد فزاد في الإسناد أو نقص أو غير الإسناد أو جاء بما يتغير فيه المعنى(4) .
قلت : من تكلم فيه من جهة حفظه غالباً لا ينزلون عن درجة الاعتبار ، وكلما اشتد ضعف الراوي في ضبطه احتاج إلى متابعة قوية ، إلا إن جرح في عدالته فلا يعتبر به .
والثاني : المرسل ، فإنه يحتمل أن يكون الساقط من سنده ويحتمل أن يكون ضعيفاً .
قال الشافعي : المنقطع مختلف ؛ فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التابعين ، فحدث حديثاً منقطعاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتبر عليه بأمور :
منها : أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمثل معنى ما روي كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه .
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك . ويعتبر عليه بأن ينظر : هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الي قبل عنهم ؟
فإن وجد ذلك كانتت دلالة يقوى له مرسله ، وهي أضعف من الأولى . وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قولاً له ، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت في هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح ، إن شاء الله .
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ثم يعتبر عليه بأن يكوييني إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه ، فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه .
ويكون إذا شرك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه ، فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه .
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه ، حتى لا يسع أحداً منهم قبول مرسله . وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله .
ولا نسطتيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل ، وذلك أن معنى المنقطع يحتمل أن يكون حمل عمّن يرغب عن الرواية عنها إذا سمي ، وأن بعض المنقطعات ـ وإن وافقه مرسل مثله ـ فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحداً من حيث لم سمي لم يقبل ، وإن قول بعض أصحاب صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قال برأيه لو وافقه يدل على صحته مخرج الحديث ، دلالة إذا نظر فيها ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء .
فأما من بعد كبار التابعين الذين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا أعلم منهم واحداً يقبل مرسله لأمور :
أحدها : أنهم أشد تجوزاً فيمن يروون عنه .
والآخر : كثرة الإحالة ، كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه(5) .
قال : ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين ، بدلائل ظاهرة فيها(6) . انتهى كلامه رحمه الله .
ومن الأخبار ماي يطرح ولا يتقوى ؛ كرواية الكذابين والمتروكين وأهل الفسق ، فلا يعتبر بروايتهم ولا تقوى بها الأخبار .
قال المعلمي : زوال التهمة عن الراوي كان سند المتابعة مقبولاً ، أما إذا كان ساقطاً فلا يدفع التهمة بل يقال : بعضهم وضع وبعضهم سرق أو وهم أو لقن أو أدخل عليه ، على أنه إن كان مقبولاً والمروي منكراً فإن الراوي يبرأ وتلصق التهمة بمن فوقه(7) .
وإن كان من المتابع واهماً في حديثه قلا يقوى به الحديث ، وإنما ينهض الحديث إذا كان ضعفه محتملاً ويرجى فيه السلامة من الوهم .
كزيادة (( وبركاته )) ، قال : حدثنا الفضل بن الحباب ، حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده : (( السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) .
وتابعه همام عن عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن عبد الله بن مسعود(8) .
ولا طريق آخر عن عبد الملك بن الوليد بن معدان ، عن عاصم بن بهدالة ، عن زر بن حبيش وأبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال كأني أنظر إلى بياض خد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله(9)
ولها طريق آخر خرجه الدار قطني(10) ، من طريق عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر عن أبيه حدثني ابن أبي ليلى وأبو مهمر قال : علمني ابن مسعود التشهد وقال : علمنيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما يعلمنا السورة من القرآن ... وذكر وزاد في آخره : (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) . وقال الدار قطني : ابن مجاهد ضعيف الحديث .
ولها شاهد من حديث وائل بن حجر ، أخرجه أبو داود من طريق موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة بن وائل ، عن أبيه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فكان يسلم عن يمينه : (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) ، وعن شماله : ((السلام عليكم ورحمة الله ))(11) .
ولكن لا يفرح بكثرة هذه الطرق ؛ لأنها لا يقوي بعضها بعضاً .
فأما رواية عطاء بن السائب ، فإنه اختلط اختلاطاً شديداً ، وقال أبو حاتم الرازي : وفي حديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة ؛ لأنه قدم عيلهم في آخر عمره(12) . وهمام بم يحيى البصري رواه عنه بعد الاختلاط ، وخالف الناس في هذا الحديث فوقفه وهو مرفوع ، وزاد زيادة لم يذكرها الأثبات عن عبد الله بن مسعود ، كما سيأتي .
وأما عبد الملك بن الوليد بن معدان(13) فهو ضعيف ، وله حديث آخر تفرد به عن عاصم بن بهدلة ووهم فيه ، كما وهم في هذا الحديث ، فقد تفرد به عن عاصم بهذه الزيادة ولم يتابعه عليه أحد ، وخولف فقد روي هذا الحديث من طرق ولم تذكر هذه الزيادة كما سيأتي .
وأما رواية الفضل بن الحباب ، وهو ثقة أخباري وله أوهام كما في لسان الميزان لابن حجر(14) ، وخالفه أبو داود ، وهو أثبت منه وأحفظ ، فرواه عن محمد بن كثير بن ولم يذكر هذه الزيادة ورواه ابن مهدي ووكيع عن سفيان الثوري ولم يذكروها .
ورواه زائدة بن قدامة وأبو الأحوص وعمرو بن عبيد الطنافسي وشريك وإسرائيل والحسين بن واقد وعلي بن صالح وزهير عن أبي إسحاق السبيعي ، ولم يذكروها .
وروى هذا الحديث مسروق بن الأجدع وأبو الأحوص وعلقمة والأسود ابن يزيد النخعي عن عبد الله بن مسعود ولم يذكروها(15) .
وأما رواية عبد الوهاب بن مجاهد(16) ، فقد كذبه سفيان الثوري ، وقال ابن الجوزي : أجمعوا على ترك حديثه .
وحديث عبيد الله بن مسعود في التشهد مشهور وروي من طرق عدة ولم تذكر هذه الزيادة فيه(17) فهي زيادة شاذة .
وأما حديث وائل بن حجر ، فقد وهم فيه موسى بن قيس الحضرمي وخالفه شعبة ـ وشك فيه ـ وسفيان الثوري وعلي بن صالح والعلاء بن صالح الأسدي فرووه عن سلمة بن حجر بن العنبس عن وائل ، ولم يذكروها ، وكذا الرواة عن وائل بن حجر لم يذكروا هذه الزيادة ، ومنهم عبد الرحمن بن اليحصبي وعلقمة بن وائل(18) .
__________
(1) أحوال الرجال (33) .2)
(2) جامع العلوم والحكم (2/210) .3)
(3) العلل الصغير (742) .4)
(4) اعللل الصغير (746) .1)
(5) الرسالة برقم : (1263 ، 1277) .1)
(6) الرسالة برقم : (1284) .2)
(7) التنكيل (1/175) .3)
(8) مسند الطيالسي (286) .4)
(9) أخرجه الطبراني (6/127) وأبو يعلى (8/464) .5)
(10) سنن الدار قطني (1/354) .1)
(11) سنن أبي داود (997) .2)
(12) الجرح والتعديل (6/334) .3)
(13) تهذيب الكمال (18/431 ـ 433) .4)
(14) لسان الميزان (6/ 18 ، 19) .5)
(15) أخرجه الإمام أحمد (1/386 ، 406 ، 408 ، 418 ، 427 ، 448) وأبو داود (996) ، والترمذي (295) ، والنسائي (3/62 ، 63) ، وابن ماجه (914) ، وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/265 ، 266) ، والدار قطني في السنن (1/356 ، 357) ، والبيهقي (2/251 ، 252) .
1)
(16) تهذيب التهذيب (6/395) .2)
(17) أخرجه البخاري (831) ، ومسلم (402) وغيرهما .3)
(18) أخرجه الإمام أحمد (4/316 ، 317) ، وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (1/265 ، 266) ، والترمذي (248 ، 249) ، والبيهقي (2/254) .4)(1/37)
فصل على حسب القائل وموضوع الخبر بتشدد في رواية الخبر وكتابته ويتساهل .
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد ؛ من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ))(1) .
فمع أن الكذب حرام مطلقاً ، إلا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرّق بين المذب عليه والكذب على غيره ، فجعل الكذب عليه أشد تحريماً ، وذلك صيانة للشريعة .
تساهل أهل الحديث في كتابة الأحاديث عن الضعفاء والرواية عنهم ، لا سيما في الفضائل والترغيب والترهيب ونحو ذلك .
أما عن شديدي الضعف والكذابين فكانوا يتشددون في ذلك ، وإنما يكتبون حديثهم للمعرفة ، وتساهل في ذلك طائفة من المتأخرين .
قال عبد الرحمن بن مهدي : خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن : الحكم ، والحديث .
وقال ابن أبي حاتم : يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي(2) .
وقال سفيان الثوري رحمه الله : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم يعرفون الزيادة والنقصان ، فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ(3) .
وقال الإمام أحمد رضي الله عنه : إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد(4) .
وقال أيضاً : أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها ، حتى يجئ شئ فيه حكم(5) .
وقال أبو حاتم : أن عبدة بن سليمان : قيل لابن المبارك وقد روي عن رجل حديثاً : هذا رجل ضعيف ، فقال : يحتمل أن يروى عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء . قلت لعبدة : مثل أي شئ كان ؟ قال : في أدب ، في موعظة ، في زهذ ، أو نحو هذا(6) .
وقال البيهقي : من لا يكون متهماً بالوضع ، غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط في رواياته ، أو يكون مجهولاً لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول .
فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملاً في الأحكام ، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكام . وقد تستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم(7) .
وقال البيهقي : وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم ؛ لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب ، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط(8) .
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (1291) .5)
(2) الجرح والتعديل (2/35) .1)
(3) الكفاية (134) .2)
(4) الكفاية (134) .3)
(5) المصدر السابق .4)
(6) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/30 ، 31) .5)
(7) دلائل النبوة (1/34) .6)
(8) دلائل النبوة (3/37) .7)(1/38)
خاتمة
لقد علمت مما سبق أن النقد ليس سطحياً على ظاهر السند ، بل يفتقر إلى الممارسة والتتبع مع الفهم ، فليس من شرط الكذاب إلا يصدق ، ولا من شرط الثقة إلا يهم ولا يرد حديثه ، ولا من ديدن الضعيف إلا يحفظ وألا يصحح حديثه ، فينبغي إلا يعترض على أطباء الحديث في علله بأشياء بديهية عند المبتدئين في هذا الفن .
قال عبد الرحمن بن مهدي : معرفة الحديث إلهام ، فلو قلت للعالم بعلل الحديث : من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة(1) .
وقال أبو حاتم الرازي : معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم(2) .
وقال أحمد بن صالح المصري : معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب والشبه فإن الجوهر إنما يعرفه أهله ، ، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له : كيف قلت : إن هذا ـ يعني الجيد أو الردي ـ(3) .
وقال الأوزاعي : كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة ، فما عرفوا منه أخذنا ، وما انكروا منه تركنا(4) .
وقال علي بن المديني : جاء رجل إلى ابن مهدي ، فقال : يا أبا سعيد إنك تقول : هذا ضعيف ، وهذا قوي ، وهذا لا يحتج به ، فعمّ تقول ذلك ؟ فقال عبد الرحمن : لو أتيت الناقد فأريته دراهم ، فقال : هذا جيد ، وهذا نبهرج ، أكنت تسأله عمّ ذلك أو كنت تسلم الأمر إليه ؟ فقال : بل كنت أسلم الأمر إليه . فقال عبد الرحمن : هذا كذلك ، هذا بطول المجالسة والمناظرة والمذاكرة والعلم به ، قال علي : فذكرته لبعض أصحابنا فقال : أجاب جواب عالم(5) .
وربما أهل الحديث أعلم بحديث الراوي من علمه هو بحديثه .
قال زائدة : كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر ، ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له فيقول : ليس هذا من حديث الأعمش ، فنقول : هو حدثنا به الساعة ، فيقول : اذهبوا فقولوا له إن شئت ، فنأتي فنخبره بذلك ، فيقول : صدق سفيان ليس هذا من حديثنا(6) .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : ذاكرني أبو عوانة بحديث ، فقلت : ليس هذا من حديثك ، فقال : لا تفعل يا أبا سعيد ، هو عندي مكتوب . قلت : فهاته . قال : يا سلامة هات الدرج ، ففتش فلم يجد شيئاً ، فقال : من أين أتيت يا أبا سعيد ؟ فقلت : هذا ذوركرت به وأنت شاب فعلق بقلبك فظننت أنك قد سمعت(7) .
وقال عباس بن محمد الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : حضرنا نعيم ابن حماد بمصر فجعل يقرأ كتابنا من تصنيفه قال : فقرأ ساعة ثم قال : حدثنا ابن المبارك عن ابن عون بأحاديث قال يحيى : قلت له : ليس هذا عن ابن المبارك ، فغضب وقال : ترد علي ؟ قال : قلت : أي والله أرد عليك أريد زينك . فأبى أن يرجع ، فلما رأيته هكذا لا يرجع ، قلت : لا والله ما سمعت أنت هاذ من ابن المبارك قط ، ولا سمعها ابن ابن المبارك من ابن عون قط . فغضب ، وغضب من كان عنده من أصحاب الحديث ، وقام فدخل البيت فأخرج صحائف فجعل يقول وهي بيده : أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس أمير المؤمنين في الحديث ؟! نعم يا أبا زكريا غلطت ، وكانت صحائف فغلطت فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما روى هذه عن ابن عون غير ابن المبارك(8) .
وعندما قال الشاقعي : ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاص القليل من الحديث .
علق البيهقي عليه بقوله : وهذا الذي استثناه الشافعي لا يقف عليه إلا الحذاق من أهل الحفظ ، فقد يزل الصدوق فيما يكتبه ، فيدخل له حديث في حديث ، فيصير حديث روي بإسناد ضعيف مركباً على إسناد صحيح .
وقد يزل القلم ، ويخطئ السمع ويخون الحفظ فيروي الشاذ من الحديث من غير قصد ، فيعرفه أهل الصنعة الذين قيضهم الله تعالى لحفظ سنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، على عباده بكثرة سماعه وطول مجالسته أهل العلم به ومذاكرته إياهم(9) .
وقال البيهقي : ما اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته ؛ فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته خفي ذلك عن غيره ، أو لم يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره ، وقد وقف عليه غيره ، أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحاً ، أو وقف على انقطاعه ، أو انقطاع بعض ألفاظه ، أو إدراج بعض رواته قول رواته في متنه ، أو دخول إسناد حديث في حديث خفي ذلك على غيره .
فهذا الذي يجب على أهل العلم بحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم ، ويجتهدوا في معرفة معانيهم في القبول والرد ثم يختاروا من أقاويلهم أصحها . وبالله التوفيق(10) .
قال العلائي : وبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها(11) .
وقال الحافظ بن حجر : وبهذا التقرير يتبين عظم كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه(12) .
وقال : وقد تقصر عبارة العلل منهم ، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى ، كما في نقد الصيرفي سواء ، فمتى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوح إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه .
وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول : وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث .
وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل ، وحيث يصرح بإثبات العلة فإما إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما .
وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لأحد الروايتين فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح . والله أعلم(13) .
قلت : وإذا نص على العلة وتبين أنها ليست بعلة يجتهد فيه أيضاً .
وقال المعلمي : أئمة الحديث قد يتبين لهم في حديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنه ضعيف ، وفي حديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنه صحيح ، والواجب على من دونهم التسليم لهم ، وأولى من ذلك إذا كان الراوي وسطاً كالنهشلي وابن أبي الزناد(14) . والله تعالى أعلم .
تمّ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________
(1) علل الحديث لابن أبي حاتم (1/9) ، ومعرفة علوم الحديث (13) .1)
(2) علل الحديث لابن أبي حاتم (1/9) .2)
(3) علل الحديث لابن أبي حاتم (1/9) .3)
(4) شرح علل الترمذي (130) .4)
(5) تهذيب الكمال (17/439) ، ونحوه في الكامل لابن عدي (1/109) .5)
(6) الجرح والتعديل (2/71) .6)
(7) كتاب المجروحين (1/54) .1)
(8) الكفاية في علم الرواية (146) .2)
(9) دلائل النبوة للبيهقي (1/30) .3)
(10) دلائل النبوة (1/38) .1)
(11) النكت على كتاب ابن الصلاح (297) .2)
(12) النكت على كتاب ابن الصلاح (304) .3)
(13) النكت على كتاب ابن الصلاح (295 ، 296) .4)
(14) التنكيل (2/32) .5)(1/39)
فهرس المراجع
1- أحوال الرجال للجوزجاني : تحقيق : السيد صبحي السامرائي ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى
2- أضواء البيان : لمحمد الأمين الشنقيطي ، عالم الكتب ببيروت .
3- بيان الوهم والإيهام : لابن القطان الفاسي ، تحقيق : د/ الحسين آيت سعيد / دار طيبة ، الطبعة الأولى 1418هـ .
4- تاريخ ابن معين رواية الدوري : تحقيق د/ أحمد محمد نور سيف ، الطبعة الأولى 1399هـ .
5- التاريخ الكبير للبخاري : تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي .
6- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، الطبعة الأولى ، مكتبة الخانجي ، القاهرة .
7- تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ، تحقيق : د، أحمد محمد نور سيف ، دار المأمون للتراث .
8- تقدمة الجرح والتعديل ، انظر : كتاب الجرح والتعديل .
9- التقييد والإيضاح للحافظ العراقي ، مؤسسة الكتب الثقافيه ، الطبعة الثالثة 1415هـ .
10- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، تحقيق : مصطفى العلوي ومحمد البكري ، الطبعة الثانية 1402هـ .
11- تنقيح التحقيق لمحمد عبد الهاديث ، تحقيق : د/ عامر حسن صبري ، المكتبة الحديثة ، الطبعة الأولى 1409هـ .
12- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ، مكتبة المعارف ، الطبعة الثانية 1406هـ .
13- تهذيب التهذيب لابن حجر ، حققه مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1415هـ .
14- تهذيب الكمال للحافظ المزي ، تحقيق : بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة .
15- جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر ، إدارة الطباعة المنبرية ، 1398هـ .
16- الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع ، تحقيق : د/ محمود الطحان ، مكتبة المعارف ، الطبعة الأولى 1403هـ .
17- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، تحقيق عبدالرحمن المعلمي .
18- جماع العلم للإمام الشافعي ، تحقيق : أحمد شاكر ، مكتبة ابن تيمية .
19- دلائل النبوة للبيهقي ، تحقيق : د/ عبدالمعطي قلعجي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى .
20- ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين للحافظ الذهبي ، تحقق : حماد الأنصاري ، مكتبة النهضة الحديثة .
21- ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي ، تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، الطبعة الخامسة 1404هـ .
22- الرسالة للإمام الشافعي ، تحقيق أحمد شاكر ، دار الكتب العلمية .
23- سؤالات أبي عبيدة الآجري أبا داود السجستاني ، تحقيق : عبدالعليم البستوي ، الطبعة الأولى .
24- سؤالات ابن الجنيد لأبي زكريا يحيى بن معين ، تحقيق : د/ أحمد محمد نور سيف ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة ، الطبعة الأولى 1408هـ .
25- سؤالات الحاكم النيسابوري للدار قطني ، تحقيق : موفق بن عبدالله بن عبدالقادر ، مكتبة المعارف ، الطبعة الأولى 1404هـ .
26- سؤالات السهمي للدار قطني ، تحقيق : موفق بن عبد الله بن عبدالقادر ، مكتبة المعارف الرياض ، الطبعة الأولى 1404هـ .
27- سنن أبي داود ، مراجعة وضبط وتعليق : محمد محي الدين عبد الحميد .
28- سنن ابن ماجه ، تحقيق وترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي .
29- سنن الترمذي ، تحقيق : أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطة ، دار الحديث .
30- سنن الدار قطني ، تحقيقي : السيد عبد الله هاشم يماني ، 1386هـ .
31- السنن الصغرى للنسائي ( المجتبى ) بشرح الحافظ السيوطي وحاشية السندي ، دار القلم .
32- السنن الكبرى للبيهقي ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، الطعة الأولى .
33- السنن الكبرى للبيهقي ، تحقيق : عبد الغفار البتداري وسيد كسروي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1411هـ .
34- سير أعلام النبلاء للذهبي ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة السابعة 1410هـ .
35- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ، تحقيق : د/ أحمد بن سعد الغامدي ، دار طيبة ، الطبعة الرابعة 1416هـ .
36- شرح السنة للبغوي ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ومحمد الشاويش ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الأولى 1390هـ .
37- شرح علل الترمذي لابن رجب ، تحقيق : صبحي السامرائي ، عالم الكتب ، الطبعة الثانية .
38- شروط الأئمة الستة لأبي الفضل بن طاهر المقدسي ، اعتنى به : عبد الفتاح أبو غدة ، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب ، الطبعة الأولى 1417هـ .
39- صحيح الإمام البخاري ، ترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي .
40- صحيح الإمام مسلم ، بترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الحديث بالقاهرة ، الطبعة الأولى
41- علل الحديث لابن أبي حاتم ، دار المعرفة ، طبعة عام 1405هـ .
42- العلل الصغير للترمذي ، أنظر : سنن الترمذي .
43- العلل لابن المديني ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ، الطبعة الثانية ، المكتب الإسلامي .
44- العلل للدار قطني ، تحقيق : محفوظ الرحمن زين الله السلفي .
45- علوم الحديث لابن الصلاح ، تحقيق : نور الدين عتر ، دار الفكر بدمشق .
46- فتح الباري لابن حجر ، تحقيق : محب الدين الخطيب ، دار الريان للتراث ، الطبعة الأولى .
47- فتح المغيث للسخاوي ، تحقيق : علي حسن علي ، نشر دار الإمام الطبري ، الطعة الثانية .
48- الفوائد المجموعة ، تحقيق : المعلمي ، مطبعة السنة المحمدية .
49- الكامل في ضعفاء الرجال لأحمد بن عدي الجرجاني ، تحقيق : يحيى مختار غزاوي ، دار الفكر بدمشق ، الطبعة الثالثة 1405هـ .
50- كتاب الثقات لابن حبان ، داشرة المعارف العثمانية بحيد آباد ، الطبعة الأولى .
51- كتاب الضعفاء والمتروكين للدار قطني ، تحقيق : السيد صبحي السامرائي ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1404هـ .
52- كتاب المجروحين لابن حبان ، تحقيق : محمود فؤاد إبراهيم زايد .
53- الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ، تحقيق : الممعلمي .
54- لسان اميزان لابن حجر ، تحقيق : غنيم بن عباس غنيم ، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 1416هـ .
55- المحدث الفاصل بين الرواي والواعي للرامرزي ، تحقيق : د/ محمج عجاج الخطيب ، دار الفكر ، الطبعة الثانية 1404هـ .
56- المدخل إلى كتاب الإكليل للحاكم النيسابوري ، تحقيق : فؤاد عبد المنعم أحمد .
57- الرماسيل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، علق عليه : أحمد عصام الكاتب ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1403هـ .
58- المستدرك على الصحيحين ، تحقيق : د/ مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1411هـ .
59- مسند أبي الجعد للقاسم البغوي ، مراجعة وتعليق : عامر أحمد حيدر مؤسسة نادر ، الطبعة الأولى 1410هـ .
60- مسند الإمام أحمد بن حنبل ، تحقيق : سمير الجذوب وآخرون ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الأولى 1416هـ .
61- المصنف في الحديث والآثار ، تحقيق : محمد عبد السلام شاهين ، ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1416هـ .
62- معرفة علوم الحديث للحاكم ، دار إحياء العلوم ، الطبعة الأولى 1406هـ .
63- المنار المنيف لابن القيم ، تحقيق : عبد الفتاح غدة ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، الطبعة الثانية 1403هـ .
64- الموضع لأوهام الجمع والتفريق ، تحقيق : عبد الرحمن بن يحيى المعلمي .
65- الموقظة للذهبي بعناية : عبد الفتاح أبو غدة ، دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الثانية .
66- ميزان الاعتدال للطافظ الذهبي ، تحقيق : علي محمد البجاوي .
67- النكت على كتاب ابن الصلاح ، لابن حجر ، تحقيق : مسعود السعدني ومحمد فارس ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1414هـ .
مُلتقى أهل الحديث
www.baljurashi.com(1/40)