ذكر الدكتور المرتضى حفظه الله تعالى في كتابه ((ماهج المحدثين – ص 22)) ما نصه:
العواضد التي لا أصل صلة لها بالأسانيد :
أما ترقية الحديث وتقويته بعواضد لا صلة لها بالأسانيد (كتلقي الأمة للحديث بالقبول) أو (بموافقة ظاهر القرآن له) أو (باستدلال المجتهد به) أو (عن طريق الكشف الصوفي) أو (برؤية النبي عليه الصلاة والسلام في المنام) أو (بموافقته للمكتشفات العلمية الحديثة). فلا يتقوى الحديث بواحد من هذه العواضد, ولا تصح نسبته لرسول الله عليه الصلاة والسلام لأجل واحد من هذه العواضد.
فأما تلقي الأمة للحديث بالقبول:
فقد قال الزركشي – رحمه الله- : (ان الحديث الضعيف اذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح, حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع, ولهذا قال الشافعي في حديث: لا وصية لوارث. انه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامة تلقته بالقبول, وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية(1) الوصية للوارث)(2).
ان بقاء الحديث على ضعفه أولى من تصحيحه ونسبته لرسول الله عليه الصلاة والسلام لأجل تلقى الأمة له بالقبول, اذ كيف يحكم له بالصحة مع انتفاء شروطها, نعم ان تلقى الأمة لحديث ثبتت نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد قوة الى قوته أما ما لم تثبت نسبته له فلا يرتفع ضعفه بتلقيها له بالقبول.
تخريج الحديث لا وصية لوارث:
... وأما حديث (لا وصية لوارث) فقد أثبته بعض أهل الحديث, ولم يتفقوا على تضعيفه, فقد قال الترمذي في حديث (عمرو بن خارجة) : حسن صحيح (3).
__________
(1) وهي قوله تعالى : }كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ{ (البقرة -180).
(2) كتاب النكت على ابن الصلاح (2/497).
(3) السنن (4/434) حديث رقم (2121).(1/1)
وحسنه الحافظ ابن حجر(1) من حديث (ابن عباس) ومن حديث (أبي أمامة), وصححه البصيري(2)من حديث (أنس بن مالك).
... والحديث مروى عن: (أبي امامة) و (عمر بن خارجة) و (عبدالله بن عباس) و (أنس بن مالك) و (عبد الله بن عمرو) و (جابر بن عبد الله) و (علي بن ابي طالب) و (عبد الله بن عمر) و (البراء بن عازب) و (زيد بن أرقم) ذكرها الألباني – حفظه الله -(3) (ارواء الغليل)(4), ووقفت عليه _ أيضاً _ من حديث (معقل ابن يسار)(5) و (أسماء بنت يزيد بن السكن)(6).
تخريج حديث أبي أمامة:
رواه أبو داود(7), والترمذي(8), وابن ماجة(9), وسعيد بن منصور(10), والامام أحمد(11) وابن أبي شيبة(12), الطيالسي(13), وابن حبان(14), والبيهقي(15), من طريق اسماعيل بن عياش ثنا شرحبيل بن مسلم قال: سمعت أبا أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ان الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث... الحديث).
قال الترمذي : (وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس, وهو حديث حسن صحيح).
وقال الزيلعي: (قال في –التنقيح- : قال أحمد والبخاري وجماعة من الحفاظ : ما رواه اسماعيل بن عياش عن الشاميين فصحيح, وما رواه عن الحجازيين فغير صحيح, وهذا رواه عن شامي ثقة)(16).
__________
(1) التلخيص الحبير (3/92).
(2) مصباح الزجاجة في زاوئد ابن ماجة (3/144). ...
(3) ونقول – رحمه الله تعالى - . ...
(4) 6/87 - 88).
(5) الكامل في ضعفاء الرجال (5/1835). ...
(6) مسند اسحاق بن راهويه برقم (2284).
(7) السنن (3/824) حديث رقم (3565).
(8) السنن (4/433) حديث رقم (2120).
(9) السنن (2/905) حديث رقم (2713).
(10) السنن حديث رقم (427). ...
(11) المسند (5/267). ...
(12) المصنف (11/149).
(13) المسند (ص 154) حديث رقم (1127). ... ...
(14) كتاب المجروحين (1/215).
(15) السنن الكبرى (6/264). ...
(16) نصب الراية (4/403).(1/2)
وقال الألباني – حفظه الله -(1) : (اسناده حسن)(2).
وهو كما قال لأن حديث اسماعيل بن عياش اذا كان عن الشاميين فلا ينزل عن مرتبة الحسن.
قال الذهبي: (حديث اسماعيل بن عياش عن الحجازيين والعراقيين لا يحتج به, وحديثه عن الشاميين صالح من قبيل الحسن, ويحتج بن ان لم يعارضه أقوى منه)(3).
الحكم على الحديث:
اسناد حديث أبي أمامة حسن لذاته, والله أعلم.
*******************
وأما تقوية الحديث بموافقة ظاهر القرآن له:
فقد نسب بعض أهل العلم الى الفقهاء أنهم يتعرفون على صحة الحديث اذا وافقه ظاهر القرآن, قال الزركشي - رحمه الله - : (وقال أبو الحسن بن الحصار الأندلسي(4) في (تقريب المدارك على موطاء الامام مالك): ان للمحدثين أغراضاً في طريقهم احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط, ولا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك, كتعليلهم الحديث المرفوع بأنه روى موقوفاً أو مرسلاً, وكطعنهم في الراوي اذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه أو لمخالفته من هو أعدل منه, أو أحفظ. قال : وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة الأصول, أو آية من كتاب الله تعالى, فيحمله ذلك على قبول الحديث, والعمل به, واعتقاد صحته, واذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس باطلاق القول بصحته اذا وافق كتاب الله تعالىوسائر أصول الشريعة.)(5).
__________
(1) ونقول – رحمه الله -. ...
(2) ارواء الغليل (6/88). ...
(3) سير أعلام النبلاء (8/321). ... ...
(4) هو علي بن محمد بن ابراهيم بن الخزرجي, الفاسي, ويعرف بالحصار, أبو الحسن, عالم مشارك في بعض العلوم, توفي سنة 611هـ. (معجم المؤلفين) 7/228. ...
(5) كتاب النكت على ابن الصلاح) 2/182 – 131 فمعنى ذلك أن أحاديث المتروكين ومن درجتهم ممن وصفوا بالضعف الشديد يحكم عليها بالصحة لمجرد موافقتها لكتاب الله وسائر أصول الشريعة ولا يمنع من ذلك الا اذا كان في اسناد الحديث راو كذاب فقط. وهذا أمر لا يقوله علماء الحديث. ...(1/3)
وقال عبد الحق الاشبيلي – رحمه الله – في مقدمة (الأحكام الوسطى)(1) : (أو يكون حديث تعضده آية ظاهرة البيان من كتاب الله عز وجل, فانه وان كان معتلا أكتبه لان معه ما يقويه ويذهب علته.)
ومنهج جمهور المحدثين أنهم لا يجعلون موافقة ظاهر القرآن لحديث ضعيف عاضداً له, يرتقي به لدرجة الحسن لغيره, واعتماد هذا المنهج يقتضي تصحيح الأحدايث الضعيفة التي في أسانيدها الضعفاء و المتروكون لأجل موافقة ظاهر القرآن لها, وهذا الحديث (اذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالايمان) ضعفه الحافظ الذهبي ومغلطاي - رحمهما الله - مع أن ظاهر القرآن يوافقه, وذلك في قوله تعالى : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة.
قال الذهبي عقب تصحيح الحاكم له: (قلت: دراج كثير المناكير)(2).
وقال المناوي : (قال مغلطاي في شرح ابن ماجة : حديث ضعيف)(3), ولم يقل واحد من هذين الامامين بقبول هذا الحديث للاعتضاد والارتقاء لمرتبة الحسن لأجل موافقة ظاهر القرآن له.
تخريج الحديث:
__________
(1) ق 5. ...
(2) تلخيص المستدرك – مع المستدرك على الصحيحين (1/212). ...
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير (1/358). ...(1/4)
رواه الترمذي(1), وابن ماجة(2), والامام أحمد(3), وابن عدي(4), وابن حبان(5), والحاكم(6) من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالايمان, فان الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة . واللفظ للترمذي.
قال الترمذي : (هذا حديث حسن غريب).
وقال الحاكم : (هذه ترجمة للمصريين لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها غير أن شيخي الصحيح لم يخرجاه).
قال الذهبي : (دراج كثير المناكير).
وقال السخاوي - رحمه الله - : (صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم)(7).
وفي تصحيح أو تحسينه نظر, لأن في اسناده (دراجاً), قال الآجري عن أبي داود : (أحاديثه مستقيمة الا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد)(8). وحكي ابن عدي عن الامام أحمد أنه قال : (أحدايث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف). وأخرج له ابن عدي أحاديث منها حديث أبي سعيد هذا ثم قال: (وعامة هذه الأحدايث التي أمليتها مما لا يتابع دراج عليه). وقال الحافظ بن حجر : (صدوق, في حديثه عن أبي الهيثم ضعيف). وهذا من روايه عن أبي الهيثم.
الحكم على الحديث:
اسناده ضعيف, لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم.
__________
(1) السنن (5/12) حديث (2617) و 5/277 حديث رقم (3093) ... .
(2) السنن (1/263) حديث رقم (802). ...
(3) المسند (3/68 و 76).
(4) الكامل في ضعفاء الرجال ()3/981. ...
(5) الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان (3/110) حديث رقم (1718)).
(6) المستدرك (1/212). ...
(7) المقاصد الحسنة (ص 39) حديث رقم (64). ...
(8) تهذيب التهذيب (3/208) ولم أقف عليه في القسم المطبوع من (السؤالات). ...(1/5)
*****************
وأما دعوى تقوية الحديث باستدلال المجتهد به:
فقد قال التهانوي : (المجتهد اذا استدل بحديث كان تصحيحاً له كما في التحرير(1) لابن الهمام وغيره)(2).
كذا قال, والذي عليه المحدثون ودونوه في كتب المصطلح عدم تصحيح الحديث بعمل العالم أو فتياه به, قال ابن الصلاح – رحمه الله - : (وهكذا نقول : ان عمل العالم, أو فتياه على وفق حديث ليس حكماً منه بصحة ذلك الحديث, وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحاً منه في صحته ولا في راويه. والله أعلم)(3).
وقال النووي – رحمه الله - : (وكذا عمل العالم أو فتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً منه بصحته, وكذا مخالفته له ليست قدحاً منه في صحته ولا في راويه)(4).
وقال العراقي – رحمه الله - : (ولم يوا فتيا العالم على وفق حديث حكماً منه بصحة ذلك الحديث, لا مكان أن يكون ذلك منه احتاطاً, أو لدليل آخر وافق الخبر)(5).
وقال في نظم الألفية(6):
(ولم يروا فتياه أو عمله *** على وفاق المتن تصحيحاً له)
وقال زكريا الأنصاري – رحمه الله - : (ولم ير حمهور أئمة الأثر فتوى أو عمل أحد العلماء – سواء كام مجتهداً أو مقلداً – على وفاق حديث تصحيحاً له, ولا تعدليلاً لرواته, لامكان أن يكون ذلك منه احتياطاً, أو لدليل آخر وافق ذلك الحديث, أو لكونه ممن يرى العمل بالضعيق وتقديمه على القياس)(7).
__________
(1) ص 318).
(2) انهاء السكن الى من يطالع اعلاء السنن (ص16).
(3) مقدمة ابن الصلاح – مع التقييد والايضاح (ص 120 - 121).
(4) كتاب ارشاد طلاب الحقائق الى معرفة سنن خير الخلائق (1/291).
(5) شرح ألفية العراقي (1/320). ...
(6) شرح ألفية العراقي (1/320). ... ...
(7) فتح الباقي على ألفية العراقي (1/320) بمعناه. ...(1/6)
زقال السخاوي – رحمه الله - : (أو لكونه يرى العمل بالضعيف, وتقديمه على القياس – كما تقدم عن أحمد وأبي داود – ويكون اقتصاره على هذا المتن ان ذكره اما لكونه أوضح في المراد, أو لا رجحيته على غيره, أو بغير ذلك)(1).
بل ان المحديثين قد عابوا على الفقهاء أخذهم بالأحاديث الضعيفة بل الموضوعة قال ابن الجوزي – رحمه الله - : (فرأيت ان اسعاف الطالب للعلم بمطلوبه يتعين خصوصاً عند قلة الطلاب, لا سيما لعلم النقل, فانه أعرض عنه بالكلية حتى ان جماعة من الفقهاء يبنون على العلوم الموضوعة)(2).
وقال في موضع آخر : (رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مزجاة, يعول أكثرهم على الأحاديث لا تصح ويعرض عن الصحاح, ويقلد بعضهم بعضاً فيما ينقل)(3).
وقال النووي – رحمه الله - : (وعلى كل حال فان الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئاً يحتجون به على انفراده في الأحكام, فان هذا شيء لا يفعله امام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء, وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك, واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جداً, وذلك لأنه ان كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به, فانهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام, وان كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه ان كان عارفاً أو بسؤال أهل العلم ان لم يكن عارفاً. والله أعلم)(4).
فلأجل هذا كله فان القول بأن استدلال المجتهد بحديث تصحيح له غير مقبول لدى أهل الحديث, والواقع يشهد لذلك, فكم من حديث ضعيف استدل به المجتهدون؟
*****************
وأما دعوى تقوية الحديث عن طريق الكشف الصوفي:
__________
(1) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (1/314). ...
(2) الموضوعات (1/3). ...
(3) التحقيق في اختلاف الحديث (1/3). ...
(4) شرح صحيح مسلم (1/126).(1/7)
... فالكشف من بدع المتصوفه الضالة المضللة, ولا يبعد أن يكون كفراً لأن فيه ادعاء لعلم الغيب, وقد أباح المتصوفة لأنفسهم عن طريق الكلام في جوانب الدين المختلفة ونسبوا اليه أموراً متعددة, ومن ذلك أنهم جعلوه من الوسائل التي ينتقدون بها الأحدايث فيصححون ويضعفون ما بدأ لهم, قال الجرجاني – رحمه الله - : (الكشف في اللغة رفع الحجاب. وفي الاصطلاح : هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقة وجوداً أو شهودا)(1).
وللقيام بمهمة نقد المرويات لا يحتاج هؤلاء الى دراسة ما صنفه المحدثون من قواعد وضوابط للحكم على الأحاديث – تصحيحاً وتضعيفاً – حيث يتصدى للحكم عليها من لا دراية له بالعلم الحديث البتة, قال في (جواهر المعاني)(2) :
( وسئل سيدنا – رضي الله عنه – عن مسائل منها قوله عليه الصلاة والسلام(3) : علماء أمتى كانبياء بني اسرائيل.؟
قال : (الجواب – والله الموفق بمنه وكرمه للصواب - : أما ما ذكرت من الحديث وهو علماء أمتي ... الخ فليس بحديث, نص عليه السيوطي في – الدرر المنتشرة في الأحدايث المشتهرة - (4). وسأل صاحب (الابريز) شيخه – رضي الله عنه – فقال له: ليس بحديث, وذكره من جهة الكشف لأنه لا دراية له بعلم الحيث, وقوله حجة على غيره لأنه قطب – رضي الله تعالى عنه – كما صرح به صاحب الابريز المذكور(5)).
__________
(1) كتاب التعريفات (ص 184).
(2) 2/71). ...
(3) قال السخاوي: ( قال شيخنا – ومن قبله الدميرى والزركشي - : أنه لا أصل له زاد بعضهم: ولا يعرف في كتاب معتبر). المقاصد الحسنة (ص 286). ...
(4) ص 135) حديث رقم (294) ...
(5) جواهر المعاني (2/71).(1/8)
ولا أبطل من هذا المنهج الذي يتصدى فيه مثل هؤلاء للحكم على الأحاديثمع أنهم لا دراية لهم بعلم الحديث الحديث, ومن الأحاديث التي زعمو تصحيحها بالكشف حديث (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). فقد قال الشعراني : (وهذا الحديث وان كان فيه مقال عند المحدثين فهو صحيح عند أهل الكشف)(1).
قال الشيخ الألباني – حفظه الله -(2) عقبه: (باطل وهراء لا يلتفت اليه, لأن تصحيح الأحاديث عن طريق الكشف بدعة صةفية مقيتة, والاعتماد عليها يؤدى الى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها كهذا الحديث, لأن أحسن أحواله – ان صح أن يكون كالرأى وهو يخطيء ويصيب, وهذا ان لم يداخله الهوى. نسأل الله السلامة منه ومن كل ما لا يرضيه)(3). وكذلك يؤدى الى تضعيف أحاديث صحيحة فيحل الحرام ويحرم الحلال.
والحديث المشار اليه مروى عن : (ابن عمر) و (أبي هريرة ) و (جابر) و (ابن عباس) و (عمر بن الخطاب) و (أنس) و (جواب بن عبيد الله) خرجها الحافظ بن حجر(4), والشيخ الألباني(5). وخلاصة القول فيه: أن مجموع طرق هذا الحديثعن الصحابةالمشار اليهم تسع طرق, في خمس منها اما كذاب أو متهم به, وفي ثلاثة أخرى من وصف بكونه متروكاً, والطريق التاسع فيه مجهولان.
فهو ضعيف جداً.
*****************
وأما دعوى الحكم على الأحاديث برؤية النبي عليه الصلاة والسلام في المنام:
__________
(1) الميزان الكبرى (1/30). ... ...
(2) ونقول رحمه الله تعالى.
(3) سلسلة الأحاديث الضعيفه (1/78) حديث رقم (58) وحكم عليه بالوضع. ...
(4) التلخيص الحبير (4/190) والكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (ص 94). ...
(5) سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/78) حديث رقم (58). ...(1/9)
... فقد روى الامام مسلم(1) – رحمه الله – عن أبي مسهر قال: سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث. قال علي: فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان, فما عرف منها الا شيئا يسيراً خمسة أو ستة).
... فلا عبرة بمثل هذا المنام في الحكم على الأحدايث عند أهل العلم, وقد حكى القاضي عياض – رحمه الله – اجماع العلماء على ذلك, قال – رحمه الله - : (هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان, لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت, ولا تثبت به سنة لم تثبت, وهذا باجماع العلماء(2)).
وأبطل من هذا دعوى بعضهم مقابلته للنبي عليه الصلاة والسلام وسؤاله عن بعض أحاديثه, لأن ذلك من الكذب الذي لا يرتاب فيه المسلم, ذكر الشعراني عن أبي المواهب الشاذلي قال : قابلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن الحديث المشهور (اذكروا الله حتى يقولوا مجنون) وفي صحيح بن حبان(3) (أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون).
فقال عليه الصلاة والسلام : صدق ابن حبان في روايته, وصدق راوى (اذكروا الله) فاني قلتهما معاً, مرة قلت هذا, ومرة قلت هذا)(4).
*****************
وأما تقوية الحديث الضعيف – أو العكس – بالمكتشفات العلمية الحديثة:
__________
(1) الصحيح (1/25) (المقدمة). ورواه الامام الذهبي في معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (1/96), ...
(2) شرح صحيح مسلم للنووي (1/115). ...
(3) الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/93) حديث رقم (814) وأخرجه الحاكم في (المستدرك) 499/1 والامام أحمد في (المسند) 3/68 وابن عدي في الكامل (3/980) واسناده ضعيف لأن فيه دراجاً, وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (2/8) رقم (517).
(4) الطبقات الكبرى (2/68). ...(1/10)
... فقد تبناها بعض المفتونين بالحضارة المعاصرة وما فيها من مكتشفات في مختلف ميادين العلم والمعرفة, فقد ذهب بعض هؤلاء المفتونين الى مقارنة نتائج المكتشفات في المادة والنبات والحيوان والفلك وغير ذلك بما جاء في النسة النبوية قس هذه الأبواب فما وافقها يقبل عندهم وان حكم المحدثون بضعفه أو وضعه, وما خالفها يرد عندهم وان كان قد سبق الحكم عليه يالصحة, يقول أحد هؤلاء: (وعلى العلماء في هذا العصر, وعلى من جاء بعدهم أن يستفيدوا من نتائج العلوم الرياضية والطبيعية, والبحث الحديث, الاستكشاف في المادة, والنبات والحيوان, ومناهج البحث العلمي في التاريخ, وسائر العلوم النقلية والأدبية, ويستعرضون أحاديث بدء الخلق, وأصل الكون, وشكله, والفلك, والطب, وسائر ما يتعلق من الأحاديث بما تناوله البحث العلمي التجريبي, فما وافق اليقيني من نتائج الفكر ومقررات العلم أخذوا به وان سبق الحكم عليه بالصحة أو الحسن, فقد نص العلماء على أنه اذا تعارض دليلان قطعيان أحدهما عقلي والآخر نقلي وجب تأويل النقلي ورد الى العقلي فما بالك بمعارضة أحاديث الآحاد – وهي ظنية الثبوت كما أنها ظنية الدلالة – للدليل العقلي القطعي)(1).
__________
(1) الناقد الحديث في علوم الحديث (ص 55 - 56) لمحمد المبارك عبد الله, وقد ذكر في مقدمته أن الكتاب أصله محاضرات كان المؤلف يلقيها على طلاب قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة فرع الخرطوم وفق المنهج الدراسي من سنة 1957م الى سنة 1960م. ...(1/11)
... ان الاعتماد على نتائج العلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما للحكم على الأحاديث لا يصلح لذلك, لأن ما يوصف بأنه حقيقة يقينية في نتائج تلك الدراسات في عصر من العصور يوصف بغير ذلك في عصر آخر, ومن ذلك ما ذكر عن الشمس فانها وصفت في عصر من العصور أنها ثابتة ساكنة, وكان ذلك من اليينيات في ذلك العصر, وبعد فترة من الزمن اكتشف العلماء أن الشمس جارية وبسرعة شديدة, وفي هذا المعنى يقول المودودي – رحمه الله - : (ان النظريات التى آمن بها هؤلاء العلماء والفلاسفة في زمن كحقائق ثابتة رفضوها في زمن آخر, واعتقدوا الحقيقة في غيرها, فلم نسمح لنفوسنا اليوم أن نبالغ في تقدير هذه النظريات وأكبارها لدرجة أن نترك القرآن الكريم ونؤمن بها ايماناً في أول تصادم لها مع آيات القرآن)(1).
فكيف نسمح لآنفسنا أن ننسب لرسول الله عليه الصلاة والسلام قولاً ضعيفاً أو موضوعاً – كما قال الباحث -, أو ننفي عنه ما حكم الأئمة بصحته وثبوته, اعتماداً على تلك التقديرات, لا شك أن ذلك من أعظم الأمور وأشدها خطراً على الاسلام, وقد اعتبر الامام ابن الجوزي – رحمه الله – أن نفي ما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام, أو اثبات ما لم يثبت عنه جناية على الاسلام:, قال – رحمه الله - : (اني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن الفاظ في الصحاح لا يجوز أن يكون رسول الله عليه الصلاة والسلام قال هذا, ورأيته يحتج في مسألة فيقول دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال كذا, ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف, وهذا كله جناية على الاسلام)(2).
__________
(1) الاسلام في مواجهة التحديات (275). ...(1/12)