الإمام الحاكم رحمه الله
تأليف
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد حفظه الله
اعتني به
أبو عبيدة ماهر صالح آل مبارك
دار علوم السنة
ملاحظة
هذه محاضرة الدكتور الحميد عن الحاكم ، نسخها واعتنى بها الأخ أبوعبيدة ، وقد أضفت إليها بعض أقوال أهل العلم أثناء مذاكرتي لها ، والله الموفق.
أبو حذيفة بن محمود الطرابلسي (غفر الله له ولوالديه).
نبذة عن الحاكم
هو أبو عبد الله ، وأسمه محمد بن عبد الله بن حمدوية بن نعيم المعروف بابن البيع الضبي الشافعي النيسابوري ، واشتهر بأبي عبد الله الحاكم. ولقب بالحاكم إما لتوليه القضاء فترة من الزمن ، وإما أنها رتبة له في العلم بالحديث ، وهذه الرتبة هي الثانية التي تلي أمير المؤمنين في الحديث. ولقب أيضاً بالحافظ لقوة حفظه - رحمه الله - ، ولذلك إذا قال البيهقي : "حدثنا أبو عبد الله الحافظ" فإنه يعني شيخه الحاكم.
مولده وطلبه للعلم
ولد – رحمه الله – سنة 321هـ بنيسابور ، وطلب العلم من الصغر وكان أول سماعه - رحمه الله - في سنة 330هـ ، أي وعمره 9 سنوات - ، واستملى على يد شيخه ابن حبان سنة 334هـ ، وقد ابتدأ بالرحلة وهو صغير السن ، فكان عمره حينذاك - كما يقول الذهبي- عشرين سنة ، فرحل إلى العراق وحج وجال في بلاد خراسان وما وراء النهر طلباً علو الإسناد. وسمع من نحو ألفي شيخ بنيسابور وغيرها. وحدث عن أبيه وكان أبوه قد رأى مسلما صاحب الصحيح.
ثناء العلماء عليه
[ قال ابن كثير في البداية والنهاية : كان من أهل العلم والحفظ والحديث .. وكان من أهل الدين والأمانة والصيانة، والضبط، والتجرد، والورع.]
تشيع الحاكم(1/1)
قال أبو بكر الخطيب : كان أبو عبد الله بن البيع الحاكم ثقة أول سماعه سنة ثلاثين وثلاث مئة ، وكان يميل إلى التشيع ، فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحا عالما قال : جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير وحديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ، ولم يلتفتوا إلى قوله ، ولا صوبوه في فعله".
ونقل الذهبي عن ابن طاهر المقدسي ، أنه سأل أبا إسماعيل الهوري عن أبي عبد الله الحاكم، فقال :"ثقةٌ في الحديث ، رافضي خبيث".
وقال ابن طاهر : "كان شديد التعصب للشيعة في الباطن ، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة ، وكان منحرفا غاليا عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل بيته ؛ يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه".
ووجه الحق في هذه المسألة هو ما رد به الذهبي على المقولة السابقة حيث قال:"كلا، ليس هو رافضياً بل يتشيع"، وقال أيضاً:" وأما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما الشيخان- أبو بكر وعمر - فمعظم لهما بكل حال ، فهو شيعي لا رافضي".
ويقول ابن السبكي : "فغاية ما قيل فيه الإفراط في ولاء علي - رضي الله عنه- ، ومقام الحاكم عندنا أجل من ذلك".
ويقول ابن السبكي أيضاً :"إن الرجل كان عنده ميل إلي علي- رضي الله عنه -، يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً".
وقال أيضاًَ "ولا أقول : إنه ينتهي إلى أن يضع من أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ، فإني رأيته في كتابه "الأربعين" عقد باباً لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، واختصهم من بين الصحابة . وقدم في المستدرك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما" .
أهم الأسباب التي دعت بعض العلماء إلى وصف الحاكم بالتشيع
من أهم الأسباب :(1/2)
1- عدم ذكره لبعض خصوم علي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في كتاب "معرفة مناقب الصحابة" من كتاب المستدرك ، كمعاوية وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، بل إنه أوذي بسبب ذلك ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : دخلت على الحاكم وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام ؛ وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج ، فقلت له : لو خرجت وأمليت في فضائل معاوية حديثا لاسترحت من المحنة ، فقال : لا يجيء من قلبي ، لا يجيء من قلبي.
2- إخراجه لبعض الأحاديث التي فيها نصرة للشيعة وتساهله في تصحيحها مثل : "حديث الطير" (1) ، وحديث : "أنا مدينة العلم وعلى بابها" (2) ، وحديث : "النظر إلى علي عبادة" (3) ، وغير ذلك من الأحاديث .
فهذان السببان هما من أهم الأسباب التي دعت إلى وصف الحاكم بالتشيع أو الرفض.
ويمكن مناقشة هذه الأسباب على الوجه الآتي :
1- أما موقفه من خصوم علي من الصحابة – رضي الله عنهم – فليس على إطلاقه ، وإنما هذا مختص بمعاوية - رضي الله عنه - ، وإلا فإنه قد أفرد لطلحة والزبير وعائشة –رضي الله عنهم- ، ولم ينتقصهم بحرف .
فدل هذا على أن الرجل متبع للأثر ، ولعله لم يحضره شيء من الأحاديث التي يرى أنها تصح في فضل معاوية - رضي الله عنه - ، وإلا فإن طلحة والزبير ممن قاتلا علياً –رضي الله عنه – كما قاتله معاوية .
وهذا مثل ما حصل للنسائي ، فإن له موقفاً شبيهاً بموقف أبي عبد الله الحاكم ، فحينما سئل : ألا تخرج فضائل معاوية رضي الله عنه ، فقال : أي شيء أخرج ؛ حديث "اللهم لا تشبع بطنه"؟ فسكت السائل.
__________
(1) قد تكلم عليه الشيخ سعد آل حميد – حفظه الله – في مختصر المستدرك برقم (563) كما سيأتي ، وقد أطال تخريجه ، وشبهه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق .
(2) راجع تاريخ ابن عساكر ، ومختصر المستدرك (552) .
(3) راجع تاريخ ابن عساكر ، ومختصر المستدرك (573) .(1/3)
كأنه قال : لم يصح عندي من الحديث إلا هذا الحديث ، وهو ليس في فضائله ومناقبه، وإن كان بعض العلماء قد تكلف في جعل هذا الحديث من مناقب معاوية- رضي الله عنه -.
[ قال الحافظ الذهبي في السير : "في النسائي قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي ؛ كمعاوية وعمرو ، والله يسامحه ]
ولو أخذنا من موقفه لمعاوية – رضي الله عنه – حكماً لما أمكن أن يتجاوز وصفه بالتشيع الذي كان عند طائفة من أهل السنة كما هو الحال عند متقدمي أهل الكوفة ، بل هو أحسن حالاً من كثير ممن نُسب إلى التشيع الخفيف من أهل السنة ، فإن أولئك كانوا يقدمون علياً على عثمان - رضي الله عنهما - ، وأما الحاكم فإنه قدم عثمان على علي ، فذكر أولاً فضائل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي - رضوان الله عليهم أجمعين - .
2- وأما بالنسبة للأحاديث التي تساهل في تصحيحها في فضائل علي -رضي الله عنه- كحديث الطير وغيره ؛ فلا يمكن أن يوصف الحاكم من خلالها بأنه رافضي .
ويمكن النظر في هذه الأحاديث من جهتين ، وهما :
أ- كما أنه تساهل في تصحيح هذه الأحاديث ، فإنه في المقابل تساهل في تصحيح أحاديث موضوعة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان - رضوان الله عليهم -، فهذه مثلها.
بل هو متساهل في تصحيح بعض الأحاديث الموضوعة في سائر الكتاب كما سيأتي معنا إن شاء الله .
ب- بالنسبة لهذه الأحاديث التي أشتهر عن الحاكم تصحيحها كحديث الطير ، وحديث : "أنا مدينة العلم وعلى بابها" ؛ فإن الحاكم مجتهد ، وهذا الاجتهاد مع المنهج المتساهل أدّى إلى تصحيح مثل هذه الأحاديث التي صححها أئمة آخرون ، وبعضهم توقف فيها وأصابته الحيرة والدهشة من كثرة طرقها .
الكلام على بعض الأحاديث المنتقدة على الحاكم(1/4)
ونأخذ مثالاً على ذلك : حديث الطير (1) : الذي هو من أبرز الأحاديث التي تُكلم في الحاكم بسببها ؛ رواه في المستدرك : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، قال : فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي رضي الله عنه ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ، ثم جاء فقلت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حاجة ، ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افتح ، فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حبسك علي ، فقال إن هذه آخر ثلاث كرات يردني ؛ أنس يزعم إنك على حاجة ، فقال : ما حملك على ما صنعت ، فقلت : يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل قد يحب قومه.
[ قال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة ، وفي حديث ثابت البناني عن أنس زيادة ألفاظ".]
فقوله صلى الله عليه سلم : "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك" ظاهره أنه أحب إلى الله من سائر الأنبياء ، بل من النبي صلى الله عليه وسلم ، فضلاً عن كونه أحب من أبي بكر وعمر وعثمان ومن سائر صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين - .
فهذا الحديث هو من الأحاديث التي يستدل بها الشيعة وأهل الرفض ، ولكن الذي حير بعض الأئمة أن هذا الحديث طرق كثير جداً عن أنس – رضي الله عنه - ، وقد صححه ابن جرير الطبري – رحمه الله – وله فيه مؤلف .
__________
(1) انظر : "مستدرك الحاكم " (2/130 ، 131) ، و "سير أعلام النبلاء " (17/168) .(1/5)
ومن احتار في هذا الحديث : الذهبي – رحمه الله – حيث قال : "وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد أفردتها في مصنف ، ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل. وأما حديث "من كنت مولاه فعلى مولاه" فله طرق جيدة ، وقد أفرد ذلك أيضاً بمصنف" اهـ.
ويقول ابن السبكي : "وأما الحكم على حديث الطير بالوضع فغير جيد ، ورأيت من صاحبنا الحافظ صلاح الدين ابن كيكلدي العلائي عليه كلاماً قال فيه : إن الحق في الحديث أنه ينتهي إلى درجة الحسن أو يكون ضعيفاً يحتمل ضعفه ، فأما كونه ينتهي إلى درجة الموضوع من جميع طرقه فلا. ". ا.هـ .
والسبب في توقف الذهبي - الذي سبقت الإشارة إليه - ، وتصحيح أو تحسين بعض العلماء لهذا الحديث أن له عن أنس – رضي الله عنه – أكثر من تسعين طريقاً حيرت العلماء وأدهشتهم .
ومع هذا فبعض المتمكنين من علم الحديث كالحافظ ابن كثير – رحمه الله – لم تؤثر فيه كثرة الطرق ، فإنه قد تكلم عن هذا الحديث في البداية والنهاية (1) ، وأثبت أنه منكر وانتقد طرق الحديث كلها .
قال - رحمه الله - : "قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في هذا الحديث، بعدما أورد طرقاً متعددة نحواً مما ذكرناه ، قال : "ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة عن حجاج بن يوسف وأبي عصام خالد بن عبيد" . وذكر خلقاً ممن رواه ، ثم قال بعد أن ذكر الجميع : "الجميع بضع وتسعون نفساً أقربها غرائب ضعيفة ، وأردؤها طرق مختلقة مفتعلة ، وغالبها طرق واهية".
ثم ذكر الحافظ ابن كثير جملة من هذه الطرق في الموضع السابق وقال : "فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك ، وكل منها فيه ضعف ومقال".
[
__________
(1) انظر : "البداية والنهاية " (7/375-377) .(1/6)
قال في البداية والنهاية : هذا الحديث قد صنف الناس فيه، وله طرق متعددة، وفي كل منها نظر .. (ثم ذكر جملة من طرقه وضعفها ثم قال ) فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك، وكل منها فيه ضعف ومقال. وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي - في جزء جمعه في هذا الحديث بعد ما أورد طرقاً متعددة نحو مما ذكرنا - : ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة ( ثم ذكر 55 راويا ) ثم قال بعد أن ذكر الجميع : "الجميع بضعة وتسعون نفساً أقربها غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية". وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة منهم: أبو بكر بن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي، ورأيت فيه مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسر صاحب (التاريخ). ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم. وبالجملة ففي القلب من صحة الحديث هذا نظر، وإن كثرت طرقه والله أعلم. ]
أما بالنسبة لكلام الذهبي في تعقبه على الحاكم في المستدرك فهو جيد ، ومن جملة ما ذكره – لأن الحاكم أورده في عدة أماكن بعدة طرق – قوله : "قلت : فيه ابن عياض لا أعرفه - أي في نقده للحديث - ، ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه مستدركه ، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه ، فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء". أي لا شيء بالنسبة لما ذكره من سائر الموضوعات. لكن اجتهاد الذهبي في حديث الطير قد تغير ، فهو في السير ذكر أنه اطلع على حديث الطير الذي انتقد الحاكم من أجله ، فقال : "وحديث الطير على ضعفه فله طرق جمة ، وقد أفردتها في جزء ، ولم يثبت ، ولا أنا بالمعتقد بطلانه". أي أنه متوقف فيه.(1/7)
فإذا كان الأمر هكذا بالنسبة للذهبي فإننا نجد هناك طائفة من العلماء - وهم كثر -؛ كان موقفهم من هذا الحديث موقف الذي تلقاه بالقبول ، ولم يجد في متنه نكارة مما يجعله يعزف على الحكم على هذا الحديث بالصحة أو بالحسن ، ومن هؤلاء العلماء ابن جرير الطبري ، وابن جرير له مجلد في جمع طرق وألفاظ هذا الحديث .
وليس هذا هو موضع التفصيل في بيان علل هذا الحديث ، وإنما المقصود الإشارة إلى أنه مع كونه لا يصح ، إلا أنه ينبغي أن يُعذر الحاكم في تصحيحه كما عذرنا ابن جرير الطبري والعلائي والذهبي وغيرهم من العلماء .
2- وأما حديث "أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلى لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عندن ، وسائر ذلك في سائر الجنة" (1) .
هذا الحديث أخرجه الحاكم (2) من طريق شيخه محمد بن حيويه الهمذاني (3) ، عن الدبري ، عن عبد الرزاق صاحب المصنف،عن أبيه، عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف .
__________
(1) أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/234) ، وقال : هذا حديث موضوع ، وقد اتهموا بوضعه "مينا" وكان غالياً في التشيع . قال يحي : ليس بشيء ، وقال الدار قطني : متروك . وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه إلا اعتباراً ، ولا تحل الرواية عن الحسن بن علي الأزدي ، فإنه يضع الحديث على الثقات.
وأقره على ذلك الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة"ص(330) رقم(1125) وقال بعده :
وقد أخرج هذا الحديث : الحاكم في "المستدرك" وقال : متن شاذ، وتعقب: بأن في إسناده من يكذب ، وأن هذا الحديث موضوع"اهـ. .
(2) انظر : "مستدرك الحاكم " (3/160) .
(3) النحوي، نزل همذان ، قال الخطيب : كان غير موثق عندهم .
(8)انظر :"سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم(1750).(1/8)
قال الحاكم بعدما أخرج هذا الحديث : "هذا متن شاذ، وإن كان كذلك فإن إسحاق الدبري صدوق، وعبد الرزاق وأبوه وجده ثقات، وميناء قد أدرك النبي صلي الله عليه وسلم وسمع منه".
والحقيقة أن هذا الحديث لما أخرجه الحاكم أغاظ الذهبي في تلخيصه، فعقب عليه الذهبي بالكلام الأتي: "قلت: ما قال هذا بشر سوى الحاكم - أى الزعم بأن ميناء هذا من صحابة النبي صلي الله عليه وسلم- وإنما هو تابعي ساقط. قال أبو حاتم: كان يكذب. وقال ابن معين: ليس بثقة. ولكن أظن أن هذا وضع على الدبري- يقصد إسحاق بن إبراهيم الدبري - راوي مصنف عبد الرزاق رواي هذا الحديث أيضاً-؛ فإن ابن حيويه متهم بالكذب".
ثم قال بعد ذلك عبارة لم يكن ينبغي له أن يطلقها في حق الحاكم ، قال :" أفما اسحييت أيها المؤلف أن تورد هذه الأخلوقات من أقوال الطرقية فيما يستدرك علي الشيخين" ا.هـ.
فهذا من الأحاديث التي يمكن أن يؤخذ علي الحاكم – رحمه الله – تصحيحها ، ولا نجد له عذراً ما دام أن شيخه كذاب ، والراوي الأعلى لهذا الحديث كذاب.
3- وأما حديث :" من كنت مولاه فعلي مولاه " فهو حديث صحيح ، بل متواتر ، ولا يجوز أن ينتقد الحاكم على هذا الحديث ، بل الذي ينبغي أن ينتقد هو المنتقد، ومن أراد مطالعته فليراجع تخريج الشيخ ناصر الدين الألباني- حفظه الله- لهذا الحديث (1) .
وهذا الحديث ليس فيه أي مستمسك علي الحاكم للشيعة والرافضة؛ فعليٌ-رضي الله عنه- ينبغي أن يواليه كل مؤمن، كما ينبغي أن يوالي غيره من الصاحبة-رضي الله عنهم-.
__________
(1) انظر : "مستدرك الحاكم " (2/130 ، 131) ، و"سير أعلام النبلاء " (17/168) .(1/9)
ولو عُرف سبب ورود الحديث لزال الإشكال الذي من أجله خص النبي صلي الله عليه وسلم علياً - رضي الله عنه - بقوله هذا . [ روى محمد بن إسحاق في سياق حجة الوداع عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في النَّاس. قال: ويلك إنزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فانتزع الحلل من النَّاس فردها في البز. قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم. ثم روى ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى النَّاس علياً، فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فينا خطيباً فسمعته يقول: ((أيها النَّاس لا تشكو علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله من أن يشكى)). قال البيهقي: "فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته فقال: "من كنت وليه فعلي وليه"، وفي بعض الروايات: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، والمراد به ولاء الإسلام ومودته. وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضًا ولا يعادي بعضهم بعضًا" (الاعتقاد: ص181)](1/10)
فبعد أن انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أحس بالكلام يدور على علي ؛ فأراد صلى الله عليه وسلم أن يسكت من يثير مثل ذلك ؛ فقال هذه المقولة . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قالها لسبب ، وإلا فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن هناك من الصحابة من هم أولياء له ، مثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من فضل للمهاجرين والأنصار ، بل إنه صلى الله عليه وسلم قال عن الأنصار : إنه "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق" (1) . ...
وهذا الفضل أيضاً ورد لعلي - رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم -، في قوله رضي الله عنه : " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى : أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق " (2) .
والفضل الوارد لعلي وارد أيضاً لصحابة آخرين ، بل إن فضائل الشيخين أبي بكر وعمر أكثر بكثير من فضائل علي - رضي الله عنه - .
تساهل الحاكم في التصحيح وأوهامه في المستدرك وما أجيب به عن ذلك
إن من يُلقي نظرة على مستدرك أبي عبد الله الحاكم يعرف تساهله الذي جعله يصحح عدداً من الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، وهذا ما جعل نكير العلماء يشتد عليه ، بالإضافة إلى ما أخذوه عليه من ذكره لجماعة من الرواة في كتابه "الضعفاء" ، وجزمه بترك الرواية عنهم وترك الاحتجاج بهم ، ثم يُخرج بعد ذلك أحاديث بعضهم في المستدرك ويصححها ؛ ولذلك أنتقد العلماء تصحيحه .
__________
(1) 10) رواه البخاري (7/87) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب حب الأنصار ، ومسلم (75) في الإيمان ، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان ، والترمذي (3896) في المناقب ، باب مناقب الأنصار وقريش ، وباقي الحديث : (فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله) .
(2) 11) رواه مسلم (78) في الإيمان ، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلامته ، وبغضهم من علامات النفاق .(1/11)
يقول الخطيب البغدادي – رحمه الله – : "أنكر الناس على الحاكم أحاديث زعم أنها على شرط الشيخين" .
ويقول ابن الصلاح : " وهو واسع الخطو في شرط الصحيح ، متساهل في القضاء الفن من شيخه الحاكم ". ويقول الذهبي عنه : "إنه إمام صدوق ، ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة، ويكثر من ذلك" .
ومن هناك جاء الاستدراك والتعقب على تصحيحه لبعض الأحاديث في المستدرك ، كما فعل الذهبي في تلخيصه ، وابن الملقن في مختصر التلخيص . وقد اعتذر عن الحاكم بعض الأئمة :
فقال السيوطي : "إن الحاكم مظلوم في كثير مما نسب إليه من التساهل" .
وقال السخاوي : " بل يُقال : إن السبب في إدخال الحاكم الموضوعات والضعيفات في مستدركه أنه صنفه في أواخر عمره ، وقد حصلت له غفلة وتغير . أو أنه لم يتيسر له تحريره وتنقيحه ، ويدل على ذلك أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل جداً بالنسبة لباقيه" .
ويؤيد هذا القول الذي ذكره السخاوي أن المجلد الأول من المستدرك يقل فيه تعقب الذهبي عن المجلدات الأخرى بشكل كبير وواضح .
اعتذار الحافظ للحاكم :
وهذا الاعتذار الذي ذكره السخاوي أخذه عن شيخه الحافظ ابن حجر -رحمهما الله-، فإنه قال في "النكت" : " قيل في الاعتذار عنه : أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره ، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم ، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها ، ومن ذلك : أنه أخرج حديثاً لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وكان قد ذكره في الضعفاء ، فقال : "إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ". ا.هـ.(1/12)
ولكن السبب الأوجه هو ما ذكره الحافظ أيضاً ، وهو أن الحاكم رحمه الله ألف الكتاب في البداية وجعله مسوداً . وعادة أي إنسان يؤلف التسامح في أي شيء يرد عليه ، ثم بعد ذلك يرجع فينقح ويبيض تلك المسودة ، والكتاب بعد التنقيح هو الذي يؤاخذ عليه المؤلف. فقد ذكر ابن حَجر أن المستدرك مجزء إلى ستة أجزاء ، ، وقد نجد في حوالي النصف الثاني من نهاية النصف الأول وبداية النصف الثاني من المجلد الثاني القول بأنه إلى هنا انتهى ما أملاه علينا أبو عبد الله الحاكم . والمستدرك الآن مطبوع في أربعة مجلدات ، والمجلد الأول هو الذي ينطبق عليه كلام الحافظ ابن حجر ؛ أي هو الذي أملاه الحاكم ، وأما المجلدات الثلاثة الباقية فلا . يقول ابن حجر : إن هذه الموضوعات من الأحاديث التي انتقدت على الحاكم إنما تأتي في القدر الذي لم يمله . ثم يستدرك ابن حجر على هذا بصنيع البيهقي ، ويقول : "إن البيهقي إذا روى عن شيخه الحاكم حديثاً من الأحاديث التي في الربع الأول في القدر الذي أملاه يصرح بالتحديث ، فيقول: حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، لكن إذا روى حديثاً من الأجزاء الباقية – الثلاثة الأرباع الباقية – لا يصرح بالتحديث ، وإنما أخذ ذلك بطريق الإجازة . يقول : إن الحاكم – رحمه الله – أدركته المنية ولم ينقح إلا مقدار الربع فقط ، فكان –رحمه الله – كلما نقح أحاديث وحذف منها ما أراد أن يحذفه جاء لمجالس التحديث فأملى هذه الأحاديث عليهم ، ولما أملى الربع الأول أدركته المنية فتوفي ولم يمل الأرباع الثلاثة الباقية".
وحقيقة أنا اعتبر هذا الكلام في حد ذاته صحيحاً ؛ لأنني وجدت – فعلاً – أن البيهقي لا يصرح بالتحديث إلا فيما أخذه عن الحاكم في الربع الأول فقط.(1/13)
وكذلك أيضاً واقع الكتاب يدلنا على هذا ، فإن عدد الأحاديث التي انتقدها الذهبي في الربع الأول حوالي 160 حديثاً فقط (7.5%)، وأما في الأرباع الثلاثة الباقية فإنها تقرب من الألف تقريباً (15%)، فهذا العدد الأخير يعتبر كثيراً إذا قورن بالعدد الذي في الربع الأول.
على كل حال ما دام أن الحاكم – رحمه الله – عرف عنه أنه أملى الربع الأول ، ولم يمل الأرباع الثلاثة ، وأن الأحاديث المنتقدة في الربع الأول لا تصل إلى درجة الوضع ، وإنما أحاديث مما يمكن أن يجتهد فيه الإنسان ، ويعذر – على الأقل – في اجتهاده . فهذا هو الذي يمكن أن يعتذر عن الحاكم به ، وهذا ما أراه أجود هذه الاعتذارات .
هذا بالإضافة إلى أننا إذا أخذنا في أذهاننا أن الحاكم – رحمه الله – معروف من منهجه التساهل ، مثل ما نرى عند ابن خزيمة وابن حبان ، فهما ليسا كالبخاري ومسلم في تنقيح الأحاديث والحرص على انتقاء الحديث الذي لا ينازع فيه من صحح ذلك الحديث .
وبرغم أن البخاري ومسلماً – رحمهما الله – احترزا واحتاطا هذا الاحتياط ، نجد أن هناك من ينتقدهما ، فما بالنا بمن كان أكثر تساهلاً منهما كابن خزيمة وابن حبان ؟! بل ما بالنا بمن هو أشد تساهلاً منهما كالحاكم ؟! .
لا شك أنه إذا أضيف المنهج المتساهل مع كبر السن الذي ذكر - إن صح - ، مع مسألة تنقيح الكتاب ؛ يمكن أن يعتذر عن الحاكم بهذا الاعتذار . ومع ذلك لا ندعي له العصمة ، بل نقول : إنه أخطأ حقيقة حينما صحح بعض الأحاديث التي الضعف فيها ظاهر . بل إن تعقباته لبعض الأحاديث أحياناً لا تحتمل ، فإنه ربما ذكر رواياً من الرواة في بعض كتبه الأخرى في الرجال ثم يخرج له بعض الأحاديث ، وهذا مثل ما حدث في كتابه "تاريخ نيسابور" فإنه قال فيه عن سهل بن عمار التعكي : "إنه كذاب يضع الحديث" ، ثم بعد ذلك أخرج له بعض الأحاديث في المستدرك ، وحكم عليها بالصحة على شرط الشيخين.(1/14)
وقد لزم من تساهله في التصحيح تساهله في توثيق الرواة ، فإن حكمه بصحة إسناد الحديث مع وجود بعض الرواة الضعفاء في ذلك الإسناد يفيد تساهله في توثيق بعضهم . وقد صرح الحاكم نفسه في بعض كتب المستدرك بتساهله في بعض ما يرويه :
فمن ذلك : أنه أخرج في المجلد الثاني ص13 ستة أحاديث في كتاب البيوع ، ثم قال : "وهذه الأحاديث الستة طلبتها وخرجتها في موضعها من هذا الكتاب إحتساباً لما فيه الناس من الضيق ، والله يكشفها ، وإن لم تكن من شرط هذا الكتاب".
وأيضاً فإن هناك بعض الرواة الذين صرح الحاكم بتوثيقهم عند حكمه على بعض الأحاديث ، وبعد البحث نجد أن الراجح من حالهم خلاف ذلك .
فهذه المسألة وما تقدم من ذكره لجماعة من الضعفاء في كتابه " الضعفاء" ، وتصحيحه لأحاديثهم في المستدرك – يمكن الاعتذار فيهما عن الحاكم بأنه صنف كتابه في آخر عمره بعد أن ضعفت قواه وأصابه شيء من النسيان والغفلة ، وقد يكون يرى من نفسه أنه بلغ درجة الاجتهاد في الحكم على بعض الرجال بخلاف ما حكم به غيره من الأئمة ؛ بسبب بلوغه مرتبة الاجتهاد.
التعريف بمستدرك الحاكم على الصحيحين
سبب تأليفه للمستدرك
ذكر الحاكم في مقدمة المستدرك السبب الدافع له على تأليفه لهذا الكتاب ، ويمكن أن نجمل ذلك فيما يلي :
أ- أن البخاري ومسلماً صنفا في الصحيح كتابين مهذبين ، ولكنهما لم يحكمها ولا أحد منهما بأنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجاه .
أي كأنه يقول : أنا يمكن أن أؤلف كتاباً في الصحيح زائداً على ما بالصحيحين ؛ لأن البخاري ومسلماً لم يدعيا حصر الحديث الصحيح فيما أخرجاه .(1/15)
ب- أنه ظهر في عصره جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار ويدعون أن جميع ما يصح من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث التي هي مجموع أحاديث الصحيحين تقريباً ، فألح عليه أهل العلم في عصره للرد على هؤلاء المتبدعة ؛ لأنهم يرون للحاكم مكانة عظيمة في نفوسهم ، ومشهودا له بقوة الحافظة وبالإتقان وبمعرفة علم الحديث بشكل تدل عليه عبارات العلماء الذين أطروه وأثنوا عليه .
ولعل من الأمثلة الطريفة ما رواه أبا نصر الوائلي قال : لما ورد أبو الفضل الهمذاني نيسابور تعصبوا له ولقبوه بديع الزمان فأعجب بنفسه إذ كان يحفظ المئة بيت إذا أنشدت مرة وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة فأنكر على الناس قولهم فلان الحافظ في الحديث ثم قال : وحفظ الحديث مما يذكر؟؟
فسمع به الحاكم ابن البيع فوجه إليه بجزء وأجل له جمعة في حفظه فرد إليه الجزء بعد الجمعة ، وقال : من يحفظ هذا ؛ محمد بن فلان ، وجعفر بن فلان عن فلان ؛ أسامي مختلفة وألفاظ متبايبة ، فقال له الحاكم : فاعرف نفسك ، واعلم أن هذا الحفظ أصعب مما أنت فيه.
جـ- أن جماعة من أعيان أهل العلم بنيسابور سألوه أن يجمع كتاباً يشتمل على أحاديث مروية بأسانيد يحتج البخاري ومسلم بمثلها .
فهذه الأسباب الثلاثة بمجموعها هي التي دفعت الحاكم – رحمه الله – إلى تأليف كتابه "المستدرك".
موضوع كتاب المستدرك
الكتاب يذكر بعض الأحاديث مرتبة على ترتيب الجوامع ؛ أي أنه يضم أحاديث الأحكام وغيرها ، ورتبه على نفس الترتيب الفقهي المعروف عموماً ، ويرى أنها صحيحة على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما ، ولم يخرجاها في كتابيهما . وأحاديث أخرى يرى أنها مستوفية للشروط العامة للصحة من اتصال السند وثقة الرواة وعدم الشذوذ وعدم العلة .
وربما أورد في كتابه بعض الأحاديث التي لا يرى أنها صحيحة ، ولكنه أوردها لبعض الاعتبارات ، كالأحاديث الستة التي أوردها في البيوع وصرح بخروجها عن شرط الكتاب كما تقدم .(1/16)
مجمل منهج الحاكم في المستدرك وبيانه لدرجة الأحاديث وأنواعها عنده
ومقصوده بشرط الشيخين أو أحدهما
اختلف العلماء في مُراد الحاكم بشرط الشيخين أو أحدهما في كتاب "المستدرك" ، ومرجع هذا الاختلاف يعود إلى فهم كلامه في مقدمة المستدرك حيث قال : "وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها" .
ثم قال بعد ذلك : "وإنا أستعين بالله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما ، وهذا هو شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام : أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة ، والله المعين على ما قصدته وهو حسبي ونعم الوكيل" .
فقول الحاكم في الموضعين : "بمثلها" اختلف العلماء في مراده بها :
فمنهم من قال : إن المقصود بمراده بالمثلية : هو نفس الرواة الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما ، ويعبر عن ذلك بأنه أراد المثلية الحرفية .
قال النووي : "إن المراد بقولهم : على شرطهما : أن يكون رجال إسناده في كتابيهما؛ لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما" .
وقال العراقي : "وهذا الكلام قد أخذه من ابن الصلاح حيث قال في شأن المستدرك : أودعه ما رآه على شرط الشيخين قد أخرج عن رواته في كتابيهما" .
وقال العراقي أيضاً : "وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد ، فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري مثلاً ، ثم يعترض عليه لأن فيه فلاناً ولم يخرج له البخاري ، وكذلك فعل الذهبي في تلخيص المستدرك" .(1/17)
ومن أمثلة المثلية الحرفية قول الحاكم : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الخزاعي بمكة ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي مسرة ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، قال : حدثني ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" (1) فلو فرضنا أن الحاكم قال : إن هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين - ع العلم أنه لم يصححه على شرط الشيخين - ؛ فمقصوده بالمثلية الحرفية أن يكون أبو صالح الراوي عن الصحابي قد أخرج له الشيخان في صحيحيهما ، وأن يكون الراوي عنه كذلك – القعقاع بن حكيم – أخرج له الشيخان ، وكذلك ابن عجلان يكون أخرج له الشيخان ، وسعيد بن أبي أيوب يكون أخرج له الشيخان ، وعبد الله بن يزيد المقرئ يكون أخرج له الشيخان ، ومن طبقة عبد الله بن يزيد المقرئ - كما سنذكر - ، هؤلاء هم الذين أخرج لهم الشيخان . أما من بعد ذلك فهم بعد البخاري ومسلم ؛ فهؤلاء لا يشملهم الحكم .
على كل حال : يكون الحكم من هذه الطبقة من الطبقة الثالثة ؛ لأن أبا محمد عبد الله بن محمد هذا شيخ الحاكم ، وابن أبي مسرة شيخ شيخه ، وهاتان الطبقتان مستثنيتان عند الحاكم ، لكن من بعدهما هم الذين يشملهم الحكم ، فلابد أن يكون هؤلاء الرجال كلهم قد أخرج لهم البخاري ومسلم أنفسهم ، فهذه هي المثلية الحرفية .
ومنهم من قال : " بل المراد بالمثلية : المثلية المجازية ، ويعنون بها أن المقصود وصف الرواة الذين احتج بهم الشيخان أو أحدهما ، وهذا يعني أن الحاكم يخرج لرواة لم يرو لهم الشيخان أو أحدهما ، ولكنهم موصوفون بتوثيق يماثل في درجته درجة من أخرج لهم الشيخان ".
__________
(1) أخرجه مسلم (2604) عن ابن عباس .(1/18)
وقد قال العراقي رداً على ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي في قولهم السابق : "وليس ذلك منهم بجيد ؛ فإن الحاكم صرح في خطبة المستدرك بخلاف ما فهموه عنه ، فقال :"وأنا أستعين الله تعالى على إخراجي أحاديث رواتها ثقات ، قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما". فقوله : "بمثلها" أي بمثل رواتها لا بهم أنفسهم ، ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث، وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها ، وفيه نظر".
ومن هنا نفهم أن العراقي يرجع أن مراد الحاكم أوصاف رواة الشيخين أو أحدهما لا نفس الرواة ، وعلى رأي العراقي يكون الحاكم قد أصاب في جملة كبيرة من الأحاديث ما دام الراوي ليس مضعفاً ولا متكلماً فيه ، بل هو ثقة ، فلا يضر حتى لو لم يخرج له الشيخان ، ويعتبر هذا الحديث على شرط الشيخين.
وقد عارض الحافظ ابن حجر شيخه العراقي في هذا ، وقرر أن الحاكم في تصرفه في "المستدرك" يريد نفس الرواة .
فقال ابن حجر : "ولكن تصرف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين الذين ذكرهما شيخنا - رحمه الله - ، فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدهما لرواته – قال : صحيح على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما . وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له – قال : صحيح الإسناد فحسب" .
وقال ابن حجر أيضاً : "ويوضح ذلك قوله في باب التوبة لما أورد حديث أبي عثمان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً : "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" (1) ، قال : هذا حديث صحيح ، وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي ، ولو كان هو النهدي لحكمت بالحديث على شرط الشيخين " .
فدل هذا على أنه إذا لم يخرج البخاري ومسلم لأحد رواة الحديث فلا يحكم به على شرطهما ، وهو عين ما ادعى ابن دقيق العيد وغيره .
وقد قال أيضاً : "إن المراد بشرطهما : رواتهما مع باقي شروط الصحة " .
__________
(1) انظر : المستدرك (3/160) ، والكلام عليه في مختصر المستدرك (601) .(1/19)
ولكن ابن حجر وجد أيضاً أن هناك أحاديث متعددة في "المستدرك" قرر الحاكم تصحيحها على شرط الشيخين أو أحدهما . وفي رواتها من لم يخرج له الشيخان أو أحدهما ، فلم يسعه إلا أن يحمل ذلك على السهو والنسيان من الحاكم ؛ حيث قال : "وإن كان الحاكم يغفل عن هذا في بعض الأحيان ، فيصحح على شرطهما بعض مالم يخرجا لبعض رواته ، فيحمل ذلك على السهو والنسيان ، ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض" .
ثم إن ابن حجر استدل على ذلك بدليل قوي جداً حيث قال فيما معناه : "إن مما يؤيد أن الحاكم أراد نفس الرواة وليس من يماثلهم – أننا نجده أحياناً يقول : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه فلو أراد المثلية المجازية لقال : على شرط الشيخين ؛ لأن شرط البخاري أقوى من شرط مسلم ، وشرط مسلم داخل فيه ، ولكنه لم وجد في بعض رجال الإسناد من أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم صححه على شرط البخاري ؛ لأنه يرى أن الحاكم منصب على نفس الرواة " .
أقسام الحديث في مستدرك أبي عبد الله الحاكم
القسم الأول :
أحاديث أخرجها الحاكم بأسانيد احتج البخاري ومسلم برواتها في صحيحهما ، وهذا هو الذي يقول عنه الحاكم : "إنه على شرط الشيخين" ويكون الحاكم قد أصاب في حكمه.
القسم الثاني :
أحاديث أخرجها الحاكم ، وحكم عليها بأنها صحيحة على شرط البخاري ، وبعد البحث نجد أن رواة هذا الإسناد ممن احتج بهم البخاري ؛ فيكون الحاكم قد أصاب في حكمه أيضاً .
القسم الثالث :
الذي قول فيه الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " ، وبعد البحث والنظر في رواته نجد أن سنده صحيح على شرط مسلم قد احتاج مسلم بجميع رواته ؛ فيكون الحاكم هنا قد أصاب في حكمه أيضاً.
القسم الرابع :
أحاديث يخرجها الحاكم ويحكم عليها بالصحة على شرط الشيخين ، ونجد أن بعض رواتها لم يخرج لهم الشيخان احتجاجاً ، وإنما أخرجا لهم في الشواهد والمتابعات والمعلقات ؛ فيكون الحاكم قد أخطأ في حكمه على هذه الأحاديث .(1/20)
القسم الخامس :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط البخاري ، فنجد في رواتها لم يخرج لهم البخاري احتجاجاً ، وإنما أخرج لهم في الشواهد والمتابعات ؛ فيكون قد أخطأ في حكمه على هذه الأحاديث أيضاً .
القسم السادس :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط مسلم ، فنجد في رواتها من لم يحتج بهم مسلم ، وإنما أخرج لهم في الشواهد والمتابعات . ويكون قد أخطأ كذلك في حكمه على هذه الأحاديث .
القسم السابع:
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين ، وبعد النظر في أسانيدها نجد الشيخين لم يخرجا لرواتها على صورة الاجتماع .
كأن يكون الحديث من رواية هشيم بن بشير عن الزهري ، فكل من الزهري وهشيم قد أخرج لهما البخاري ومسلم ، ولكنهما لم يخرجا لهما بهذه الصورة – أي من رواية هشيم عن الزهري. والسبب في ذلك أن رواية هشيم عن الزهري ضعيفة ؛ فيكون البخاري ومسلم قد أخرجا للزهري لكن من رواية غير هشيم عنه ، وأخرجا كذلك لهشيم لكن من روايته عن غير الزهري . وهذا هو المقصود بصورة الاجتماع أي أن يكون الراوي قد أخذ عن شيخه عند البخاري ومسلم ، فيكون الحاكم هنا قد أخطأ ؛ لأن الشيخين لم يخرجا لهؤلاء الرواة بهذه الصورة عند الحاكم في المستدرك .
القسم الثامن :
أحاديث يصححها الحاكم على شرط البخاري ، وبعد النظر في أسانيدها نجد أن البخاري قد أخرج لرواتها محتجاً بهم ، لكن ليس بصورة الاجتماع هذه التي أخرجها الحاكم.
كأن يروي داود حصين حديثاً عن عكرمة ، فإن كلاً من عكرمة وداود بن حصين قد أخرج لهما البخاري ، ولكنه لم يخرج لهما بهذه الصورة ، وإنما أخرج لعكرمة من رواية غير داود غير داود عنه ، وأخرج لداود من روايته عن غير عكرمة . والسبب في ذلك أن رواية داود بن الحصين عن عكرمة رواية منكرة .
القسم التاسع :(1/21)
أن يخرج الحاكم حديثاً ويصححه على شرط مسلم ، وبعد النظر في سنده نجد مسلماً قد أخرج لجميع رواته ، ولكن ليس على صورة الاجتماع ، وإنما أخرج لهم بغير هذه الصورة .
ومثاله كالمثال السابق بالنسبة لشرط البخاري مع اختلاف الرجال .
ومثاله : أن يروي الحاكم حديثاً من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل . فكل من حماد بن سلمة وحميد الطويل قد احتج به مسلم ، ولكنه لم يحتج بالإسناد على هذه الصورة ، فإنه إنما احتج بحماد بن سلمة في روايته عن ثابت البناني ، وأما روايته عن غير ثابت فلم يحتج بها مسلم .
القسم العاشر :
أن يخرج الحاكم أحاديث ويصححها ، ولكن ليس على شرط الشيخين ولا أحدهما، وبعد النظر نجد أن الحديث صحيح الإسناد كما قال الحاكم – رحمه الله - .
القسم الحادي عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين ويذكر أنهما لم يخرجا تلك الأحاديث ، وبعد النظر والبحث نجد الشيخين قد أخرجا تلك الأحاديث في صحيحيهما ، وأن الحاكم واهم في حكمه.
القسم الثاني عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط البخاري ، ويذكر أنه لم يخرج تلك الأحاديث ، وبعد النظر والبحث نجد البخاري قد أخرج تلك الأحاديث .
القسم الثالث عشر :
أحاديث يصححها الحاكم على شرط مسلم ، ويذكر أنه لم يخرجها ، وبعد النظر والبحث نجد مسلماً قد أخرج تلك الأحاديث .
القسم الرابع عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويذكر أنها صحيحة على شرط الشيخين أو أحدهما ، وبعد البحث نجد في رواتها من لم يخرج له الشيخان ولا أحدهما .
القسم الخامس عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين أو أحدهما أو يصححها فقط دون أن يذكر شرط الشيخين ، وبعد البحث نجد أنها حسنة الإسناد فقط . والسبب في ذلك أن الحاكم – رحمه الله – لا يفرق بين الصحيح والحسن .
القسم السادس عشر :(1/22)
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين أو أحدهما أو يصححها فقط ، ونجد أنها ضعيفة الإسناد ، ولكنها ارتقت إلى الحسن لغيره بمجموع طرقها ، سواء أخرج الحاكم تلك الطرق أو لم يخرجها .
القسم السابع عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين أو أحدهما أو يصححها فقط وهي ضعيفة ، ليس هناك ما يشهد لها .
القسم الثامن عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين أو أحدهما أو يصححها فقط، وهي شديدة الضعف .
القسم التاسع عشر :
أحاديث يخرجها الحاكم ويصححها على شرط الشيخين أو أحدهما أو يصححها فقط، وهي موضوعة ، وفي "المستدرك" من هذا الصنف نحو مائة حديث . وقد ذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" أنه أفردها في مؤلف جمع فيه هذه الأحاديث المائة .
ما ألف حول المستدرك
هناك عدة مؤلفات من الكتب التي ألفت حول مستدرك الحاكم ، ومن أهمها كتاب "التلخيص" للذهبي . وهذا الكتاب ألفه الذهبي في مقتبل عمره ، واستغرقت مدة تأليفه ثلاثة أشهر وأحد عشرة يوماً [ أي 100 يوم ] ، وهي فترة وجيزة بالنظر إلى عدد أحاديث مستدرك الحاكم التي تقرب من تسعة آلاف وخمسمائة (9500) حديث .[ عددها في المطبوع 8803 حديثا ، أي أنه يلخص 88 حديثا يوميا ]
[ قال الذهبي في السير : قال أبو سعد الماليني : "طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثا على شرطهما".(1/23)
قلت : هذه مكابرة وغلو ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا ، بل في المستدرك شيء كثير على شرطهما ، وشيء كثير على شرط أحدهما ، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل ؛ فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة ، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد ، وذلك نحو ربعه ، وباقي الكتاب مناكير وعجائب ، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها كنت قد أفردت منها جزءا ، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء ، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ويعوز عملا وتحريرا.]
منهج الذهبي في كتابه " التلخيص "
نجد الذهبي في " التلخيص " يحذف بعض الإسناد ويذكر بعضه ، ويذكر المتن ، وقد يختصره أو يتصرف فيه أحياناً ، ثم يذكر كلام الحاكم فيتعقبه ، أو يقره ، وقد يسكت عنه.
وعندما يحذف الذهبي بعض الإسناد إنما يحذف الرواة الذين لا كلام له فيهم ، ويبقي في الإسناد الرجل الذي يريد أن يتكلم عنه ، أو على الأقل الرجل الذي اختلفت فيه عبارات الأئمة.
أولاً - بالأمثلة التي أذكرها يتضح منهج الذهبي :
فإذا قال الحاكم مثلاً : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، ووجد الذهبي أن كلام الحاكم صحيح حكاه وذكره ولم يتعقبه بشيء . فيقول بعد الانتهاء من الحديث : "خ ، م" ، أي على شرط البخاري ومسلم .
وإذا صححها الحاكم على شرط البخاري فقط ، ورأى الذهبي أن ذلك صواب قال : "خ" ؛ أي على شرط البخاري .
وإذا صححه الحاكم على شرط مسلم ، ورأى الذهبي أن ذلك صواب قال : "م"؛ أي على شرط مسلم .
وإذا صححها الحاكم فقط ، ولم يذكر أنه على شرط الشيخين أو أحدهما ، قال الذهبي : "صحيح".
فهذه صور من أنواع موافقة الذهبي للحاكم على تصحيحه .
ثانياً : وأما تعقب الذهبي للحاكم فهو على صور أيضاً ومنها :(1/24)
أن الحاكم قد يصحح الحديث على شرط الشيخين . فيقول الذهبي " قلت : خ" . فإذا جاء في التلخيص كلمة "قلت " فهي تعني تعقب الذهبي للحاكم.
فإذا قال : " قلت : خ " ، أي ليس الحديث على شرط الشيخين ، وإنما هو على شرط البخاري فقط .
وإذا قال : " قلت : صحيح" : ، فهو يعني أن الحديث ليس على شرط الشيخين ولا أحدهما ، ولكنه صحيح فقط .
وإذا قال : "قلت : فيه فلان لم يخرجا له " ، فهو يعني أن الحديث ليس على شرط الشيخين ؛ لأنه فيه فلاناً ولم يخرج له الشيخان .
ومثله إذا قال : " فيه فلان لم يخرج له البخاري " أو مسلم " ، ومثله إذا قال الحاكم : "صحيح على شرط البخاري" أو "على شرط مسلم" وتعقبه الذهبي بأحد هذه التعقبات .
وقد يكون تعقب الذهبي بالنص على الشيخين أو أحدهما قد أخرجا الحديث ، ، فإذا قال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، وكان قد أخرجه الشيخان، نجد الذهبي في "التلخيص" يحكي كلام الحاكم فيقول : "خ ، م" ، ثم يقول : "قلت : قد أخرجاه" ، أو أخرجه "خ" أي البخاري ، أو أخرجه "م" أي مسلم.
وقد يكون تعقب الذهبي للحكم بتضعيف الحديث ، فيحكم الحاكم على الحديث بالصحة على شرط الشيخين أو أحدهما أو بالصحة فقط ، ثم يقول الذهبي : "فيه فلان وهو ضعيف" أو "وهو واه" أو "له مناكير" ، أو يحكي الذهبي كلام العلماء فيه فيقول مثلاً: " فيه فلان ، ضعفه أبو حاتم ، وقال النسائي : ليس بثقة" .
وقد يكون تضعيفه للحديث بسبب انقطاع في سنده ، فيقول : "قلت : مرسل" ، وهو يعني بذلك – في الغالب – أن التابعي لم يسمع من ذلك الصحابي الذي روى الحديث . فهذا بالنسبة لبعض صورة تعقب الذهبي .
ثالثاً- وأما سكوت الذهبي :
فهو قليل في "المستدرك " ، وصورته أن يترك كلام الحاكم ؛ فلا يذكره ولا يتعقبه بشيء : ، وإنما يذكر الحديث فقط . وهكذا يكون سكوت الذهبي .
أوهام الذهبي في التلخيص(1/25)
ومما ينبغي لنا أن نعلمه أن الذهبي قد وقع في أوهام كثيرة في "التلخيص" ، ومنها في موافقاته للحاكم ، وأحياناً في كلامه على بعض الرواة ، وعُذره في ذلك أنه ألفه في مقتبل العمر. ومعلوم بأن صغير السن لم ينضج علمياً ، ويتضح هذا في اختلاف رأيه في بعض المسائل وفي بعض الرجال بين كتابه "التلخيص" وبين كتبه المتأخرة كـ " ميزان الاعتدال" . وقد اعترف الذهبي في ترجمة الحاكم في " سير أعلام النبلاء" بأن عمله هذا يحتاج إلى إعادة نظر وتحرير .
تعقب الإمام الذهبي للحاكم
وأحياناً قد يعلق الحاكم الحديث عن راو مشهور مثل شعبة بن الحجاج ؛ والسبب أنه يرى أن هذا الراوي هو مخرج الحديث .
فحينما يكون له على الإسناد كلام يعلق الحديث على الراوي الذي تدور عليه أسانيد الحديث مثل قوله : شعبة عن أبي بلج يحي سمع عمرو بن ميمون الأزدي .. إلخ .
ولابد أن يبرز الراوي الذي يريد أن يتكلم فيه ، مثل قوله : شعبة عن أبي بلج قال : "م"؛ أي أن الحاكم صححها على شرط مسلم ، قال الحاكم : " هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين ، وهو على شرط مسلم بن الحجاج".
وطريقة الذهبي أن يختصر هذا الكلام كله ، فبدلاً من أن يقول : "قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ، بدلاً من ذلك يحذف كل هذا الكلام ويعبر برمز صغير فقط هو "م" ، ومعناه أن الحاكم صححها على شرط مسلم .
وعندما قال : "م" قال : قلت : احتج "م" بأبي بلج . قلت –أي الذهبي- : لا يحتج به ، ووثق ، وقال البخاري : فيه نظر".
أي أن الذهبي تعقب الحاكم على هذا الحديث ، فقد رأى الحاكم أن مسلماً احتج بأبي بلج هذا ، وتعقبه الذهبي بقوله : "قلت : لا يحتج به ، وقد وثق" ، أي يتهم من وثقه ويتهم من ضعفه .
فالذهبي إما أن يقر الحاكم أن يتعقبه ؛ فإذا تعقبه فإنما يتعقبه بتصحيح أو بتضعيف أو بيان أمر من الأمور.(1/26)
فإذا قال الحاكم : هذا صحيح على شرط البخاري ، وحكى الذهبي كلام الحاكم ثم تركه ولم يعلق عليه ، قيل : إن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحها لهذا الحديث ، وذلك مثل قول الذهبي : "يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر لما بعث الجيوش نحو الشام مشى معهم حتى بلغ ثنية الوداع ، قالوا : يا خليفة رسول الله تمشي ونحن ركُب "خ ، م".
ويقصد الذهبي بـ "خ ، م" أن هذا كلام الحاكم ؛ أي أن الحاكم صححه على شرط البخاري ومسلم ، فيختصر الذهبي كل هذا الكلام بقوله بين قوسين : "خ ، م".
وإذا لم يتعقب الذهبي الحاكم فيقال : إن الذهبي قد وافق الحاكم .
أما إذا تعقبه ، كأن يكون الحاكم قد قال على الحديث : "إنه صحيح على شرط "البخاري ومسلم" ، فيقول الذهبي : "مرسل" .
أي ليس الحديث على شرط البخاري ومسلم ، فهذا الحديث ضعيف ؛ لأنه مرسل.
وقد أخرج الحاكم حديث "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" (1) . ولم يصححه على شرط البخاري ومسلم ، ولا على شرط واحد منهما ، وإنما سكت عنه ، فقال الذهبي : "قلت : لم يتكلم عليه المؤلف ، وإنما سكت عنه وهو صحيح ، لذلك لم أره يتكلم على أحاديث جمة بعضها جيد ، وبعضها واهٍ ... إلخ" ، فقد تعقب الذهبي الحاكم في هذا الحديث بالتصحيح.
ومن أمثلة ذلك أيضاً حديث عاصم عن زر بن حبيش قال (2) :
" خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر بن الخطاب يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم أعسر أيسر ، طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ببرد قطري يقول : عباد الله ، هاجروا ولا تهجروا ، وليتق أحدكم الأرنب يخذفها بالحصى أو يرميها بالحجر فيأكلها ، ولكن ليذك لكم الأسل ؛ الرماح والنبل" .
فقد أخرج الحاكم هذا الحديث وسكت عنه ، فتعقبه الذهبي بقوله : "قلت : صحيح".
__________
(1) 14) انظر : المستدرك (3/8) .
(2) 15) انظر : المستدرك (3/160) ، والكلام عليه في مختصر المستدرك (601) .(1/27)
فإذا أورد الذهبي كلام الحاكم مختصراً ولم يذكر بعده : "قلت" ، ولا ذكر كلاماً، فهذا يعني أنه يوافق الحاكم .
وإذا قال : "قلت" ، فهذا يعني أن تعقب الحاكم .
الكلام على ما سكت عليه الذهبي وتوضيح الإشكال في ذلك
وأما إذا لم يذكر شيئاً ، لا كلام الحاكم ولا شيئاً من قبل نفسه ؛ فهذه هو الذي يُقال عليه "سكوت الذهبي" .
ومن ذلك حديث زياد بن لبيد الأنصاري قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث أصحابه ، وهو يقول : " قد ذهب أوان العلم" قلت : بأبي وأمي ، وكيف يذهب أوان العلم ونحن نقرأ القرآن ونعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناؤهم إلى أن تقوم الساعة ؟ فقال : "ثكلتك أمك يا ابن لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة ، أوليس اليهودي والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون منهما شيء؟!".
قال الحاكم : هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه" (1) .
ولم يذكر الذهبي كلام الحاكم في الهامش ، ولم يعلق عليه . فمثل هذا يقال عنه : سكت الذهبي عنه.
وهذه المسألة من المسائل التي يُخطئ فيها كثير من طلاب العلم في هذا الزمان . وأقول : في هذا الزمان ؛ لأنها لم تكن واردة من قبل .
فبعض طلبة العلم في الحديث – وبعضهم كتب هذا في بعض المؤلفات – يقول : لا تقول : إن الذهبي يُوافق الحاكم ، فهذا الكلام غير صحيح ؛ لأن الذهبي لا يُمكن أن يخفى عليه مثل هذا الكلام ، ونحن نجد أن الذهبي إنما يحكي كلام الحاكم فقط ، فكيف تقولون أنه أقر الحاكم ؟
__________
(1) 16) انظر : المستدرك (3/590) ، وهو عند الترمذي (2653) ، وابن ماجه (4048) ، وأحمد (4/160 ، 219) ، وغيرهم .(1/28)
وللجواب على ذلك نقول : تختلف أحوال الذهبي مع الحاكم ؛ فالذهبي أحياناً يتعقب الحاكم ، وقد أوردت بعض أمثلة التعقب ، وأحياناً يحكي كلام الحاكم فقط ، فإذا حكاه يقال له : إقرار وموافقة ، وقد بينت مثاله ، وأما أنه لا يذكر كلام الحاكم إطلاقاً ولا يتعقبه بشيء ، فإن هذا سكوت. فهي إذن ثلاثة أحوال : تعقب ، وإقرار ، وسكوت.
نجد أن الذهبي سكت عن حديث عمارة بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر ، فقال : "أنزل من القبر ؛ لا تؤذي صاحبه ولا يؤذيك " (1) .
فهذا الحديث سكت عنه الحاكم وسكت عنه الذهبي أيضاً ، ولكن الذهبي حينما سكت عنه ، لم يسكت عنه فيما يظهر ، لأنه لا يحوره (2) فيه الكلام ، بل إنه علق الحديث عن ابن لهيعة ، وكأنه يشير إلى من يقف على الحديث إني أبرزت لك ابن لهيعة فاعرف أنه هو الذي يعتبر علة هذا الحديث .
فأحياناً قد يصنع الذهبي هذا الصنيع ، ويشير للعلة مجرد إشارة بطريقة تعليقه للحديث بهذه الصورة ، وأحياناً لا يصنع هذا.
وبعض طلبة العلم الذين أشرت إليهم وبعض المؤلفين يرون أننا حين نقول عن حديث من الأحاديث : إن الذهبي وافق الحاكم وأقره عليه ، كأن يقول الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، فيذكر الذهبي هذا الحديث في "التلخيص" ويقول : "خ ، م"، أي أن الحاكم قال : على شرط البخاري ومسلم ، ثم لا يتعقبه بشيء – هم يقولون حينذاك : لا يجوز لكم أن تقولوا : إن الذهبي وافق الحاكم . ونحن نقول : إن الذهبي وافق الحاكم في هذه الحالة .
ومنشأ النزاع أنهم يقولون : الذهبي لم يصرح بموافقة الحاكم ، فهو لم يقل : أصاب الحاكم ، أو : إنني أوافق الحاكم ، ولم ينص في المقدمة على إنني إذا قلت كذا فأنا موافق للحاكم، فكيف تنسبون للذهبي ما لم يقله ؟! .
__________
(1) 17) أنظر : المستدرك (3/590) .
(2) 18) من الحيرة .(1/29)
نقول لهم : أولاً عرف دائماً أن الإنسان حين يحكي كلام عالم من العلماء فيم قام من المقامات ولا ينتقده ولا يتعقبه بشيء هو مقر له .
ومثاله : لو أن أحدكم سألني في مسألة من المسائل ، ولتكن مسألة الطلاق ثلاثاً ، فقال لي : ما تقول في الطلاق ثلاثاً ؟ فقلت له : الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يقع واحدة .
فأنا حينما أذكر كلام الشيخ ابن باز ولا أتعقبه بشيء يكون مقصودي موافقته على مثل هذا ، ولو لم يكن الأمر كذلك لقلت : الشيخ عبد العزيز يرى كذا ، وأنا أرى كذا ، هذا من الناحية اللغوية والناحية المنهجية عند العلماء .
ثم إننا إذا نظرنا لصنيع الأئمة من قبل الذهبي حتى هذا العصر الذي خرج فيه ، فإذا بنا نجد أن أحداً منهم لم يخالف هذا المنهج ، بل إن الزيلعي في " نصب الراية " – وهو تلميذ الذهبي – حينما ينقل تصحيح الحاكم يقول في بعض الأحيان : " ووافقه الذهبي".
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن، في طبقة الزيلعي ، ولكن لست أدري هل تتلمذ على الذهبي أم لا . يقول ابن الملقن في اختصاره (1) لكتاب الذهبي بعد أن ذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :" كل سبب منقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي ".
قال : أخرج الحاكم هذا الحديث وصححه وتُعقب عليه . ثم بعد ذلك بأوراق في ترجمة فاطمة – رضي الله عنها – من حديث المسور بن مخرمة مرفوعاً : "إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري" ، ثم قال الحاكم : صحيح ، وأقره الذهبي عليه .
__________
(1) 19) انظر : مختصر المستدرك(رقم576)، وهو أيضاً في المسند(4/323) .(1/30)
هذا الكلام ابن الملقن ، وهو في طبقة تلاميذ الذهبي ، فهم كانوا عارفين بأن صنيع الذهبي هذا يعني إقراره للحاكم على هذا التصحيح على هذه الصورة ؛ لأننا حين نرجع إلى الحديث الذي ذكره نجد الحاكم قال : "حديث صحيح الإسناد" ، ثم حكى الذهبي كلامه فقال : صحيح ، أي أنه كلام الحاكم ولم يتعقبه بشيء ، فاعتبر ابن الملقن هذا إقراراً من الذهبي .
ثم إن باقي الأئمة كذلك ، مثل الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني وأمثال هؤلاء، بل حتى ابن حجر (1) والسيوطي ، ولكن لا أستطيع أن أنسب شيئاً ليس فيه مستمسك ، لكن من نظر في تخريجاتهم وجد من هذا جملة ، وهذا هو الذي أردت التنبيه عليه في هذه المسألة .
تفسير خاطئ لعدم إيراد الذهبي الحديث في التلخيص
يقول بعضهم : يعتبر سكوت الذهبي عن الحديث حينما لا يورد الذهبي الحديث إطلاقاً، فهذا هو الذي نعتبره سكوتاً للذهبي ، فيبدو أنهم ما ظفروا بمثل هذه الأمثلة التي ذكرتها من "المستدرك" ، ويمكن لمن تتبع الكتاب أن يعلم أن سكوت الذهبي هو بهذه الصورة .
أسباب عدم إيراده للحديث إطلاقاً
والذهبي قد لا يورد الحديث إطلاقاً لسبب من الأسباب الآتية :
السبب الأول :
لا يكون الحديث في نسخة الذهبي من "المستدرك" ، وهذا وارد ؛ لأن المستدرك الذي بين أيدينا الآن طبع على بعض النسخ التي سقط منها أحاديث ، وبعض الأحاديث محقق مستدرك الحاكم لا يستطيع أن يثبته إلا من "التلخيص" ، و"التلخيص" يحذف بعض الإسناد ، إلا أن يثبته من "التلخيص" (2) .
فإذن بعض النسخ تسقط منها بعض الأحاديث ، فقد يكون الحديث سقط من نسخة الذهبي .
السبب الثاني :
__________
(1) 20) انظر كلام ابن حجر في لسان الميزان (2/434/ث 1781) .
(2) 21) انظر كلام ابن حجر في لسان الميزان (2/434/ ت 1781) .(1/31)
أن الذهبي قد يحذف الحديث ؛ لأنه يرى أنه مكرر ، ويصرح بذلك ، فيقول : "وقد أعاده الحاكم في الموضع الفلاني" ، فتأتي للموضع الفلاني ، فتجد الذهبي لم يأت بالحديث اختصاراً منه ، فلا داعي لتكرار الحديث .
السبب الثالث :
وقد يكون الحديث سقط من نفس تلخيص الذهبي ، فإن هذه النسخة التي طبعت سواء المستدرك أو تلخيص الذهبي نسخة سقيمة ، وتحتاج إلى إعادة تحقيق وإعادة نظر وضبط على أصول خطية جيدة . وعندي أمثلة كثيرة على سقط مهم جداً ، فأحياناً في تعقيبات الذهبي للأحاديث نجد الكلام سقط من هذه النسخة المطبوعة ، ولكنني أجده في النسخ الخطية ابن الملقن، فإذن هذه الأمور كلها تكشف هذا الكتاب .
وبذلك أكون قد انتهيت من الكلام باختصار على مستدرك الحاكم ، وأرجو أن يكون قد وضح ولو بعض الشيء .(1/32)