بدأت فكرة هذا المشروع منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، كما أفاد القائمون على البرنامج بذلك في إجابتهم عن رسالتي إليهم، وقد قام على تصميم البرنامج وإدارته طلبة دار الحديث النبوي الشريف - سابقاً -. مؤسسة، مدرسة " Madrasa Inc"، واشنطن، أمريكا Washington، DC، USA " ".
وينتسب أولئك القائمون على المشروع لدار الحديث الأشرفية، الكائنة في مدينة دمشق، غربي العصرونية، جوار الباب الشرقي لقلعة صلاح الدين.
ويقوم المشروع بإصدار برنامج المحدث وتطويره، وهو برنامج مجاني في الأصل، حيث إن برنامج البحث ( يمكن تنزيله من الإنترنت ) وجميع ملفات الكتب التابعة له ( يمكن تنزيلها كذلك مجاناً )، وهذا شعار البرنامج في الموقع ("وقف" على جميع المسلمين ). والهدف الرئيس للمشروع كما جاء في الموقع الخاص بالبرنامج: "تحويل ما أمكن من التراث الإسلامي إلى المجال الإلكتروني، لتسهيل تصفحه والبحث ضمنه، كصدقة جارية، وبناء على الحديث الشريف: )) من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة (((1)
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جَرِيرِ بْنِ عبداللّهِ - رضي الله عنه -أنه قَالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النّهَارِ. قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ. مُتَقَلّدِي السّيُوفِ. عَامّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ. بَلْ كُلّهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ. فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ. فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذّنَ وَأَقَامَ. فَصَلّى ثُمّ خَطَبَ فَقَالَ: ?$pkڑ‰r'¯"tƒ النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا اتب?( النساء : 1) إِلَىَ آخِرِ الآيَةِ. وَالآيَةَ الّتِي فِي الْحَشْرِ:
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ اترب? (الحشر:18) تَصَدّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ (حَتّىَ قَالَ) وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ } قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرّةٍ كَادَتْ كَفّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا. بَلْ قَدْ عَجزَتْ. قَالَ: ثُمّ تَتَابَعَ النّاسُ. حَتّىَ رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ. حَتّىَ رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلّلُ. كَأَنّهُ مُذْهَبَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ سَنّ فِي الإِسْلاَمِ سُنّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ. مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنّ فِي الإِسْلاَمِ سُنّةً سَيّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ. مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )).
كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، (2/704) حديث (69-1017). وفي 47-كتاب العلم، 6- باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة،(4/2059) رقم( 15-1017). والنسائي في السنن، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة، (5/75)، حديث(2554). وابن ماجه في المقدمة- مختصراً- باب من سن سنّة حسنة أو سيئة، (1/74) حديث(203). وأحمد في المسند(4/357، 358، 361).(13/18)
.
ويشمل البرنامج عدداً من كتب السنة بالإضافة إلى مجموعة من كتب التفسير والفقه والمعاجم وغيرها، إلا أنه يفتقد الدِّقة العلمية في تصنيف الكتب تحت العناوين الكلية للبرنامج(1). وقد قسم البرنامج إلى أقسام تسعة هي: القرآن والتفسير، كتب الحديث، كتب الآثار، كتب الفقه، كتب العقيدة والمصطلح،كتب التزكية، كتب المعاجم، كتب الأصول، وآخرها مراجعي.
والبرنامج على قيمته وسهولة التعامل معه وإمكاناته؛ بحاجة إلى مراجعة وتدقيق، وأيضاً بحاجة إلى النظر في تصنيف الكتب وتوزيعها على فنون العلم كما أشرت قبل قليل، لأن هنالك خلطاً ظاهراً في ذلك.
الفئات المستهدفة والمستفيدة من هذه البرامج
غالب هذه المنتجات الموسوعية العلمية تجارية في المقام الأول، فهي تسعى لمخاطبة أكبر شريحة من فئات المجتمع، ليتحقق لها الانتشار الواسع والمردود الكبير الذي يحقق الهدف المادي أولاً، والانتشار العلمي ثانياً، ولهذا فيمكن تصنيف الفئات المستهدفة والمستفيدة من هذه البرامج على النحو التالي:
1.عامة المسلمين.
2.أساتذة الجامعات من ذوي التخصصات الشرعية.
3.الباحثون في علم السنة والسيرة النبوية.
4.طلبة الكليات والمعاهد الشرعية.
5.العاملون في المجالات الدعوية والتربوية من الدعاة والمصلحين.
6.القضاة والمفتون.
7.مراكز البحث العلمي.
8.المكتبات.
9.المراكز الإسلامية.
10.الراغبون في التعرف على الإسلام، والاطلاع على أصوله ومصادره.
__________
(1) تم الاتصال بالفريق القائم على البرنامج للاستفسار عن بعض المعلومات وكان تجاوبهم سريعاً وردهم واضحاً، وسأذكر ملخصاً لإجاباتهم؛ حيث قالوا:إن تلك الموضوعات كانت كافية في العقد الأول من عمر المشروع، وأما الآن وقد كثر عدد الكتب، فيلزم إضافة مواضيع جديدة، غير أن عرض شاشة الجهاز لا يكفي لأكثر من تسعة موضوعات/ فبدأنا بتصميم الحل لذلك، غير أن أولويات العمل الأخرى لا تزال أهم من ذلك التحسين اهـ .(13/19)
الجوانب السلبية والإيجابية لهذه البرامج
بعد هذا العرض السريع لأبرز البرامج الحاسوبية في خدمة السنة والسيرة النبوية، أعرض لذكر بعض ميزات هذه التقنية وأظهر سلبياتها.
فأولاً: مميزات هذه التقنية
لاشك أن هنالك مزايا كثيرة وظاهرة للموسوعات الحاسوبية الحديثية، ولعلي أشير في هذه العجالة لأظهرها؛ وذلك في النقاط التالية:
1.أن هذا النوع من التقنية الإلكترونية مطلب من مطالب العصر، وحتمية تفرضها التقنيات العلمية الحديثة.
2.سهولة حفظ وسائل النشر الإلكتروني، من الأقراص الصلبة والضوئية ونحوها (CD-ROM - &HARD DISK - FLOPPY DISK -DVD).
3.إمكانية التخزين للمعلومات بكميات هائلة وخيالية، مع صغر المساحة المطلوبة لحفظها؛ فلا تحتاج إلى مكان واسع لذلك كما هو الحال مع الكتاب الورقي، فيمكن حفظ كميات ضخمة جداً من المعلومات في حيز صغير.
4.السرعة الهائلة في نشر المعلومات، واسترجاعها، وتقديم الخدمات المعلوماتية عن بعد وبسرعة فائقة، مع ما توفره من سهولة وسرعة تحديث المعلومة .
5.تيسر الوقوف على المعلومة داخل نص الكتاب أو الكتب، مع ذكر موقعها وعدد تكراراتها، وذلك بسبب تعدد طرق البحث، وتنوعها.
6.اختصار مراحل النشر والطبع الورقي الطويلة، وكذلك إجراءات التزويد ومراحل الضبط والتجليد للكتاب الورقي.
7.التنوع الكبير والخيارات المتعددة في نوعية الخط وحجمه وعرض الأشكال والجداول والرسوم بصور متعددة حسب اختيار الباحث، وكذلك تعدد الخيارات في تحديد لون المادة عند الطباعة.
8.التقليل من الحاجة لعدد كبير من الموظفين في المكتبات الإلكترونية لتقديم الخدمات المكتبية للباحثين.
9.التوفير المادي؛ وذلك بالاستغناء عن الأيدي العاملة سواء في عملية التنفيذ أو التصميم أو الرسم أو التخطيط والمونتاج، والاستغناء عنها ببرامج الحاسوب المخزنة في الجهاز(1).
__________
(1) الكتاب الإلكتروني، د.جمال الشرهان 1422هـ ص 82 "بتصرف".(13/20)
10.إمكان نشر المادة العلمية تقنياً بشكل واسع وعالمي وسريع عن طريق شبكة المعلومات ( Internet)، وهذا لا يمكن تهيئته في الطباعة التقليدية التي تكون محددة بحسب توزيع دور النشر العادية.
11.إمكان نسخ جملة أو صفحة أو أكثر من ذلك، في أكثر المكتبات الإلكترونية -إن لم يكن في جميعها- ولصقه في ملفات البحث مباشرة؛ وإجراء الاختصار والتعديل والإضافة عليه وفق ما يريده الباحث، مع إمكانية الطباعة لصفحة أو أكثر من كتب المكتبات الإلكترونية مباشرة، وهذا يخدم الباحث ويختصر عليه كثيراً من الوقت والجهد.
12.تيسر الحصول -وبسرعة- على نسخة من أي مادة علمية إلكترونية، وطباعتها أو تخزينها.
13.المنشورات والكتب الإلكترونية تتجاوز الحدود الأمنية والرقابة الصارمة التي تفرضها بعض الأنظمة على المطبوعات التقليدية؛ وهذا الأمر قد اعتبرته ميزة لهذه التقنية، مع أن له وجهاً سلبياً آخر، ولكنني أقصد بالميزة هنا، ما توفره هذه التقنية من سهولة الوصول للمعلومة بشكل عام، دون ما تتضمنه من محتوى.
ثانياً: ومن سلبياتها
مع ما لهذه التقنية من المحاسن المتقدمة، ومع ما لها من فضل في تيسير المعرفة وتسهيل الوقوف عليها، إلا أن هنالك سلبيات كثيرة تحتاج إلى المراعاة والحذر، عند النظر والاستفادة منها، ولعلي أجعل القول هنا في محورين رئيسين، أولهما : السلبيات العامة للنشر الإلكتروني، والثاني خطورة هذه البرامج على علوم السنة والسيرة النبوية.
الأول: السلبيات العامة للنشر الإلكتروني
ويمكن إيجازها على النحو التالي:
1.كثرة التصحيفات في المكتبات الإلكترونية على نحو عام، وذلك بسبب حرص الشركات على السرعة في الإنجاز، وما ينتج عن ذلك من عدم الدقة في المراجعة وعند الطباعة، إضافة لعدم وجود مرجعية رقابية دولية على النشر الإلكتروني في البلاد الإسلامية.(13/21)
2.العلوم والمعارف تحتاج إلى عقل الإنسان وفهمه وتحليله ودرايته بالمعاني والألفاظ، ومن خلال ذلك يستطيع الباحث الوصول إلى المعلومة في مظانها من المراجع، وهذا ما لا يتوافر من خلال البحث الإلكتروني، لأنه يتعامل مع النص تعاملاً آلياً جامداً، يفتقد روح التفكير والحدس والتحليل والفهم، الذي يتعامل به الباحث مع نصوص الكتاب، وأي غلطة ولو يسيرة في إدخال كلمة البحث من قِبل الباحث أو من الكاتب للمادة العلمية للبرنامج، أو عندما يدخل الباحث كلمة مرادفة لما في الأصل؛ فسيؤدي ذلك لعدم الوقوف عليها، مما قد يترتب عليه نفي الباحث لوجودها، ولذلك فليس البحث -وإن تعددت طرائقه في هذه البرامج-دليلاً قاطعاً على عدم وجود المعلومة .
3.عدم وجود المظلة القانونية للنشر الإلكتروني والإيداع القانوني بين دول العالم المتطورة والنامية، لضمان حقوق المؤلفين والناشرين وما يرتبط بالملكية الفكرية للمنشور الإلكتروني.
4.ضعف الرقابة على المنشورات الإلكترونية وما يترتب على ذلك من التعدي والإضرار بمصالح الآخرين وخصوصياتهم.
5.مع وجود الشبكة العالمية للمعلومات "الإنترنت" ظهرت صعوبة الرقابة والتمييز بين المعلومات الإلكترونية الأصلية والمسروقة، خاصة.
6.وكما أن الحصول على المادة العلمية يسير وسريع، فإن فقدها كذلك، وذلك لأسباب منها؛ سوء الحفظ أو فيروسات الحاسب، أو الأعطال الفنية التقنية التي تؤدي إلى ذلك.
7.الضرر الصحي: فالقراءة والاطلاع الدائم على المعلومات من خلال الحواسيب يؤدي إلى إجهاد العين وآلام الظهر خاصة مع الجلوس لفترات طويلة.(13/22)
8.ضعف التوثيق العلمي؛ فالمكتبات الإلكترونية بشكل عام تفتقد التوثيق العلمي من قبل جهات علمية وتخصصية ومعتبرة، ومن أسباب ذلك : جِدّة هذه التقنية، وعدم وجود آلية عمل واضحة للمتابعة والتوثيق لدى الجهات العلمية المعتبرة، كما أنها تفتقد الخطوات العملية للمراجعة والتدقيق والإجازة، فالخطوات العملية لذلك لما تتضح تماماً؛ لا لدى الجهات المنتجة ولا لدى الجهات العلمية الاعتبارية. ولذلك فإن الغالب على المكتبات الإلكترونية افتقادها التوثيق العلمي المعتبر، ولهذا فلا بد للمستفيد من هذه المكتبات الإلكترونية من الرجوع للكتب الورقية الأصلية للتوثق من النص والتثبت من السلامة من الخطأ أوالتصحيف.
9.قد يطغى الاهتمام والتعامل بهذه المكتبات الحاسوبية على وقت المستفيد؛ وذلك بما يوفره الحاسب من متعة وسهولة في التعامل، فلا يكون هناك فرصة للكتابة أو القراءة؛ إذ لا غنى لطالب العلم الجاد عنهما.
10.ولهذا فإن من أهم ما تنبغي معرفته والعمل به نحو هذه البرامج اعتبارها وسيلة بحث وليست مصدر معلومة، فهي كالفهارس للكتب، يحتاج الباحث من خلالها إلى مراجعة النص الأصلي في المراجع الورقية، كما أنها لا تغني عن الحفظ والمراجعة والقراءة من الكتب .
11.صعوبة الانتقال به مع الحاجة لجهاز الحاسوب، والطاقة الكهربائية للتشغيل، خصوصاً أثناء السفر والتنقل في أي مكان؛ من برٍّ أو جو، ومن صحراء أو مدينة.
12.أن البرنامج الحاسوبي الإلكتروني لا يتيسر لكل أحد، بخلاف الكتاب الورقي؛ لأنه يحتاج لتكاليف مادية لوجود الجهاز الذي من خلاله يتمكن المستفيد من المطالعة والاستفادة.
13.ومن السلبيات أن المتعامل مع المكتبة الإلكترونية لا يتعدى نظره طلبته في البحث، فلا يقف على نصوص وفوائد لم تكن له على بال، فيبدأ في تحقيقها والنظر فيها، وهذه الثمرة تحصل في التعامل مع أمهات الكتب، ولا تتحقق من خلال الجهاز.(13/23)
الثاني: خطر هذه البرامج على علوم السنة والسيرة النبوية
لعل جِدَّة هذه البرامج والاتجاه السائد لدى القائمين على إنتاجها؛ كانت سبباً في وجود ثغرات خطيرة في هذه التقنية؛ سواء كان ذلك واقعاً من خلال الكيفية التي تم بها الإعداد لهذه البرامج وإنتاجها، أو بسبب التعامل السيئ معها. ولا شك أن عموم العمل فيها من كل أحد، مع ضعف الرقابة التي تضبط العمل وتقيده بأطره العلمية الوثيقة، بالإضافة إلى ضعف الهمة في خدمة المادة العلمية وانصرافها إلى تحقيق الدعاية الإعلامية والربح المادي، دون حساب للعواقب والمخاطر التي قد تنتج عن التقصير في ذلك، أو ضعف الإمكانات المادية وقلة الموارد، إلى غير ذلك من الأسباب الأخرى، كانت مجتمعة محط نظر وحذر، وسبباً في المناداة بلزوم اهتمام الجهات العلمية الرسمية والخيرية بدراسة هذه البرامج وتقويمها، بل والمساهمة في إنتاجها.
إن خطورة هذه البرامج الحاسوبية - في وضعها الحالي- على العلوم الشرعية أكبر، وضررها أشد وأخطر، وذلك أن نسبة كبيرة من القائمين عليها -إعداداً وبرمجة وتصنيفاً- ممن لا دراية لهم بعلوم الحديث النبوي وعظم شأنه ومصطلحات علمائه. وعدد من القائمين على كَنْزِ هذه المعلومات الشرعية في هذه البرامج ممن لا إدراك عندهم لخطورة التهاون بأمر السنة النبوية، وأهمية التحقيق لنصوصها والضبط لألفاظها. وبسبب هذا الجهل أو الضعف العلمي رأينا من يتجرأ في نسبة الخبر لبعض كتب السنة المعتبرة، دون إدراك منه لضرورة التثبت، وخطورة التساهل بهذا الأمر، أو من فسر كلمة وردت في كتب السنة بغير المراد؛ وذلك بسبب عدم إدراكه لعبارات الأئمة واصطلاحات هذا العلم، وألفاظ الرواة ونقلة الأخبار النبوية.(13/24)
فهذه التقنية وإن كانت يسرت هذه المكتبات الشرعية لغير المختصين في العلوم الشرعية ولا العارفين باصطلاحاتها ومناهج المؤلفين فيها، وطرائق البحث والتحقيق لها، وبخاصة علوم الحديث النبوي، إلا أنها مما أوقع في مزالق خطيرة وأخطاء منهجية كبيرة، سواء في فهم مراد العلماء من أقوالهم، أو في الحكم على الحديث النبوي بقبول أو رد، أو نفي لوجوده في بعض كتب السنة أو ادعاء لذلك، أو في إثبات صحة نسبة القول للإمام أو نفيه عنه، لعدم إدراك القائمين على البرنامج لمظنة وجوده من مصنفات الشيخ أو من المصنفات التي كتبت في عصره أو بعده، أو لا تتميز له الأخطاء المطبعية أو التصحيفات التي قد ينقل بها النص في المكتبة الإلكترونية، فلا تتبين له العبارة أو لا يتميز له العَلم أو الراوي، وهذا أمر خطورته ظاهرة.
وخطر آخر: أن هذه المكتبات الإلكترونية جرأت غير المختصين ومن قلّ حظهم من العلم الشرعي، أو من ضعفت عنايتهم بعلوم الشريعة، على خوض غمار التحقيق والحكم على النصوص النبوية بالقبول أو الرد، ونشأ عن ذلك كتابات غير مؤصلة ولا قائمة على قاعدة علمية صحيحة؛ مما أوقع من يأخذ بأقوال أولئك، ويقرأ كتاباتهم في الخطأ والعمل تديناً لله تعالى بلا هدى.
أمر آخر؛ هو أن هناك شركات تجارية غير دقيقة في إدخال المعلومات واختيار المراجع، وليس لها عناية بالضبط والتدقيق والتوثيق، فينبغي الحذر والتحذير منها، فعلى الباحث أن يكون على وعي بمصدر المعلومة الموثوق بها.
ومن أسباب الخطورة؛ كثرة الأخطاء والسقط والتصحيفات في أكثر هذه البرامج مما قد يؤدي إلى تغيير المعنى وتبديله عما هو عليه.
ومن أسباب الخطورة؛ إبعاد طالب العلم عن التعامل مع الكتاب الأصلي، والغفلة عما للكتاب الورقي من مكانة وأثر لدى طلاب العلوم الشرعية.(13/25)
ومع ما في هذه النقاط السابقة من نقص ظاهر في واقع البرامج الحاسوبية، ومع ما ذكر من جوانب القصور، إلا أنها نعمة عظيمة ينبغي زيادة الحرص على الاستفادة منها، وتسديد تلكم الجوانب، وعدم إغفال الإمكانات الجبارة لها والأثر العظيم لها في البحث العلمي في علوم الشريعة، ولعل من الواجب التنبه لضرورة اعتبار هذه البرامج بصورتها الحالية فهرساً يقرب الوقوف على المعلومة ويسهل الطريق إلى جمع المادة العلمية، دون الاعتماد عليها كمرجع نهائي للباحث في بحثه؛ يغنيه عن الوقوف على الكتاب الورقي؛ فتجمع المادة العلمية من خلال الإمكانات الهائلة لهذه البرامج، ثم يتم الرجوع إلى الأصول المطبوعة من المراجع العلمية للمطابقة والتحقق.
هذا عرض لشيء من واقع التقنية الحاسوبية وخدمتها للسنة والسيرة النبوية، وأما المؤمل من هذه التقنية وغيرها مستقبلاً فكثير، لعلي أعرض لذكر أظهر ما بدا لي من مقترحات وتوجيهات وتوصيات حول ذلك في المبحث التالي.
نظرة مستقبلية حول تقنية البرامج الحاسوبية
إن ما تقدم ذكره من عرض لواقع هذه التقنية الرقمية، وتفصيل لجوانبها الإيجابية والسلبية، يكشف بوضوح عما يؤمل أن تكون عليه هذه التقنية مستقبلاً، وعن أهم الجوانب التي تحتاج إلى تقويم ومراجعة، ولهذا فإنني سأعرض في هذا المبحث لذكر أهم التوصيات المستقبلية نحو هذه التقنية، أتوجه بها لكل من له علاقة مباشرة مع هذه التقنية، عسى أن تقع موقع العناية والنظر، وأن تكون لبنة في بناء خدمات تقنية رقمية مستقبلية راقية ودقيقة لخدمة علوم الشريعة الإسلامية في كافة تخصصاتها وفروعها.(13/26)
إن هنالك بعض التوجيهات والمقترحات المهمة من أجل الرقي بمستوى البرمجة الحاسوبية في خدمة علوم الشريعة الإسلامية، وللاستفادة من هذه التقنية ومن إمكانياتها المذهلة، ولإخراج الجهد بصورة تخدم ولا تخرم وتبني ولا تهدم، فهي نعمة وهي كذلك نقمة؛ نعمة إذا سخرناها، وتوخينا الحذر في التعامل معها، والاستفادة منها، وهي نقمة متى ما خدعنا الأمة بما تتضمنه من المادة العلمية المفتقدة للضبط والتوثيق والعناية، ومتى ما هدفنا من ورائها للكسب المادي على حساب الجودة والتوثيق والإتقان، فمن توجيهات أتوجه بها إلى الشركات المنتجة، إلى توجيهات أخص بها الباحثين من خلال هذه البرامج الحاسوبية، إلى تذكير للجهات العلمية ومراكز البحوث أن تضع الضوابط والأسس، وأن تسعى للتنسيق التكاملي بين الجهات القائمة على الإنتاج في هذا المجال، وبين العلماء والباحثين في العلوم الشرعية، وبين المختصين في علوم الحاسب الآلي، وضرورة إظهار إمكانياته وتسخيرها لخدمة ثقافة الأمة وتراثها، والتعاون مع المهتمين بمثل هذا المجال للرقي بالمستوى والاستفادة من الإمكانيات. وانتهاءً بشريحة المجتمع العريضة، أن تشكر الله تعالى على أن سخر لها هذه الإمكانات، ويسر لها الوقوف على ما تبتغيه من أمور دينها ومعارف ثقافتها والجواب عن أسئلتها بيسر وسرعة، فالحمد لله أولاً وأخيراً.
وسأوجه هذه التوصيات في شكل رسائل إلى أكثر الجهات مباشرة لهذه التقنية؛ إعداداً وإشرافاً واستفادة.
أولاً : توجيهات عامة للشركات والهيئات المنتجة(13/27)
1- الوصية بتقوى الله عز وجل في إصدار مثل هذه البرامج التي تتعلق بـ ( علم الشريعة) وألا يكون مقصدها الأول والأخير هو التكسب والاستكثار المادي؛ بغض النظر عن سلامة هذه البرامج؛ ولهذا أقول لهم: اتقوا الله تعالى في العلم الذي بين أيديكم، واعلموا أن نقله مسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل، فاحرصوا على الدقة في نقله وكتابته وعرضه ومراجعته وضبطه قبل عرضه للناس، واستعينوا بالمختصين في هذه العلوم، واجعلوا طلب مرضاة الله تعالى والخوف من عقابه أمام أعينكم، وعند ذلك ستحصدون خيري الدنيا والآخرة.
2 - الاعتدال في السعر عند طرح هذه البرامج؛ لئلا يضطر بعض من يرغبون الاستفادة منها، إلى النسخ عن النسخ الأصلية، وهم لن يعدموا أن يجدوا لأنفسهم تسويغاً ومخرجاً شرعياً - حسب رأيهم - لعملهم ذلك.
3 - الاهتمام بالكم والكيف من جهة الكتب المضمنة في أي برنامج. مع الحرص على الرقي بمستوى هذه البرامج من حيث سهولة الوصول إلى المعلومة وحسن البرمجة وإتقانها.
4 - التواصل مع عامة المستخدمين لمعرفة ما يدور في أذهانهم، وما لديهم من مقترحات وملحوظات، وغير ذلك من الأمور المهمة، وأن تستفيد هذه الشركات من معارض الحاسب الآلي؛ لطرح استبانات على الجمهور لمعرفة ما لديهم.
5- المراجعة الدائمة للنسخ والإصدارات الجديدة في السوق من حيث الجودة والسعر والبرمجة، فإن هذا علامة احترام الشركة لنفسها ولزبائنها وللعلم المبارك الذي تخدمه.
6 - إدراك أن المسألة ليست في إدخال النصوص وتخزينها؛ ولكن الأهم بالنسبة للمستفيد من هذه النصوص، هو آليات البحث المتاحة وتطويرها، فعلى مطوِّري هذه البرامج أن يولوا عنايتهم برفع كفاءة طرق الاسترجاع والبحث في هذه الكتب، والاستفادة من الإمكانيات الهائلة للبرمجة الحاسوبية في التحليل والجمع والموازنة وغير ذلك.(13/28)
7 - ألا تطرح الشركة منتجها إلا بعد إجازته من جهة علمية معتبرة، وذلك بعد مراجعته وتدقيقه وتجربته؛ لمعرفة سلامة البرمجة من الخلل التقني، وسلامة المادة العلمية من الخطأ العلمي، حتى لا تكون تلك الأعمال معول هدم لا آلة بناء.
8 - ضرورة الاهتمام بالمسلمين من غير الناطقين بالعربية، وجعل هذه البرامج تخدم الشرائح المسلمة في شرق الأرض وغربها، وفي شمالها وجنوبها؛ وإن كان لا يغفل ما قامت به شركة "حرف" خاصة وغيرها من الشركات الأخرى؛ من خدمة لهذه الفئات من المسلمين.
هذا أظهر ما رأيت التنبيه عليه عموماً لكافة القائمين على إنتاج هذه البرامج العلمية الشرعية، وإن كانت هنالك توجيهات وملحوظات مهمة على بعض المنتجات أو الشركات بمفردها، فلعل ذلك أن يكون موضع دراسة تفصيلية مستقلة؛ تتناول تلكم البرامج وميزاتها والملحوظات عليها، وكذلك تتناول خدمات الإنترنت والمواقع التي تقدم خدمة للسنة والسيرة النبوية.
ثانياً: توجيهات للمستفيدين من هذه البرامج الموسوعية
أشرت فيما سبق إلى فئات المستفيدين من هذه البرامج، وأن توجه الشركات المنتجة هو تعميمها لأكبر شريحة ممكنة من الناس؛ لأن ذلك يحقق أهدافاً أساسية لدى أكثرها، وسأتناول هنا بالتوجيه والتنبيه فئة المستفيدين ممن يستفيد منها لنفسه في تعلم أمور دينه، أو من يستفيد منها في مجالات البحث المختلفة، ولعل من أهم ما ينبغي التوجيه إليه ما يلي:
1.أن يحرص من يريد الاستفادة من هذه المكتبات الإلكترونية على معرفة مصدرها، ومدى الثقة بالشركة المنتجة والقائمين على العمل، مع السؤال عن أفضل هذه البرامج قبل الشراء، وتقديم ما وثِّق من قبل جهات علمية معتبرة، على ما لم يحز ذلك.(13/29)
2.أن يدرك بأن هذه المكتبات الحاسوبية في بداية إنتاجها، فيعتريها الكثير من النقص والضعف والخلل، ولهذا فينبغي أن يعتبرها الباحث فهارس -كما أسلفت-، لا تغنيه عن الرجوع للأصول الورقية، وإنما تيسر له سبيل الوقوف على المعلومة المطلوبة؛ فيحتاج إلى التأكد من صحة الإحالة وسلامة النص.
3.إذا لم يقف الباحث من خلال طرق البحث الآلي على المعلومة المطلوبة فلا ينفي وجودها بناءً على ذلك، وإنما يبحث عن المعلومة في مظنتها من المصادر العلمية الورقية؛ فلربما أخطأ الباحث في كتابة الكلمة المطلوبة، أو غلط المدخل للمادة العلمية في البرنامج في طباعتها، أو يكون الخلل في البرنامج الحاسوبي، فلا يتمكن بسبب ذلك من الوقوف على المعلومة المطلوبة.
4.الجدير بالذّكر أن أكثر القائمين على إعداد تلك البرامج - مع الأسف الشديد - غير متخصصين في علوم السنة والسيرة النبوية خاصة، ولا في العلوم الشرعية عامة. مما يؤلف خطورة بالغة متمثلة في التصحيفات والأخطاء الإملائية أو الطباعية أو الخلل في التصنيف الموضوعي، والفهرسة ونحو ذلك.
5.أن يعتني كل الاعتناء بسؤال أهل العلم والمختصين ومن لهم تجربة مع هذه البرامج عن جدوى تلك البرامج، والطريقة الأسلم في الاستفادة منها.
6.لزوم التحذير من البرامج الضعيفة؛ والتي تكثر فيها الأخطاء ويلمح منها الباحث عدم العناية أو تعمد الغلط والدس والتحريف وتشويه مصادر الإسلام، وإبلاغ الجهات ذات الاختصاص بما توصل إليه.
7.إدراك أن الاعتماد الكلي على هذه البرامج في إعداد البحوث مسألة خطيرة تحتاج من أهل العلم إلى وقفة جادّة في التنبيه عليها، ووضع آلية سليمة لها.
8.ألا يغفل الباحث وطالب العلم عن أن البرامج الحاسوبية لا تغني عن التواصل مع العلماء والمشايخ وطلاب العلم، فسنة الطلب ستبقى بمجالسة العلماء والتلقي عنهم، ومدارستهم،والأخذ من سمتهم وأدبهم .(13/30)
9.وأخيراً ألا تطغى هذه البرامج على مكانة الكتاب الورقي في المكتبة الإسلامية، وألا يقل اهتمام الباحث بالأصول فهي الأوثق والأنفع؛ خاصة مع الواقع الحالي لهذه البرامج الحاسوبية.
ثالثاً: الهيئات والمراكز العلمية الرسمية والخيرية
وأعني بذلك الهيئات العلمية من الجامعات ومراكز الدراسات والبحث العلمي والمكتبات العامة ونحوها؛ حيث أرى أن من واجبها الاهتمام بهذه التقنية وتبنيها بالدراسة والتقويم، وذلك من خلال النقاط التالية:
1.أن تدرك ضرورة مشاركتها في هذا الميدان، وأن تسعى لوضع الضوابط والأسس للعمل في إعداد هذه البرامج العلمية الشرعية.
2.أن تسعى لتكوين جهة تنسيقية؛ تقوم بتنسيق الجهود بين الجهات المنتجة، ومتابعة رأي الباحثين والمستفيدين من هذه البرامج لتوجيه المنتجين إلى الأسلم والأجدى والأهم والأولى بالعناية من خلال هذه التقنية.
3.أن تتبنى إنشاء جهة علمية معتبرة لإجازة هذه البرامج، وصياغة الحماية الفكرية لأصحابها، فيستفيد الباحث توثيقاً للمادة العلمية واطمئناناً لمحتواها، وتستفيد الجهات المنتجة حفظاً لحقوقها وحماية لجهودها من السرقة والنسخ غير المشروع.
4.أن توجه الشركات والمؤسسات القائمة بالعمل في هذا الميدان للجوانب التي يحتاجها الباحثون وعامة الناس أكثر، ولإمكانيات البحث وأصول التصنيف في العلوم الشرعية.
5.أن تتوجه هذه الجهات إلى المختصين في علوم الحاسب الآلي-جهات وأفراداً- وتذكيرهم بواجبهم في ضرورة إظهار إمكانات الحاسب الآلي، وتسخيرها لخدمة ثقافة الأمة وتراثها.
الخاتمة(13/31)
إن النظر في حال هذه التقنيات وواقعها في خدمة علوم الشريعة عامة، والعلوم المتعلقة بنبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- خاصة؛ يحتاج إلى توسيع دائرة الدراسة لتتناول آراء المختصين والباحثين من خلال استمارة بحثية دقيقة، توصل إلى نتائج استطلاعية مفصلة عن هذه التقنيات ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة، وإن ما توصلت له من نتائج أرى أهمية العرض لها هو نتاج استطلاع لعدد من الباحثين والمتعاملين مع هذه البرامج الحاسوبية، ولكنني لم أرد سرد كل ما توصلت له من النتائج التفصيلية، وحسبي أن ذكرت هنا أظهرها مما يخدم أهداف هذا البحث، ويكشف عن واقع هذه التقنية في خدمة السنة والسيرة النبوية، ويبرز جوانب النقص لتفاديها في مستقبل هذه التقنيات، ولعل ما ذكرته في المبحث الأخير حول توصيات البحث كافٍ في وضع خطوة أولى في ميدان التقويم لهذه التقنية الرقمية الجديدة المهمة.
المصادر والمراجع
أولاً: الكتب
أبجد العلوم، لصديق بن حسن القنوجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978، تحقيق: عبدالجبار زكار.
الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين بن بلبان الفاسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414? - 1993م، الطبعة الثانية، شعيب الأرنؤوط.
بدائع الفوائد، لابن قيم الجوزية، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، 1416? - 1996م، الطبعة الأولى، تحقيق: هشام عبدالعزيز عطا، وآخرين.
البداية والنهاية في التاريخ، لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الثالثة 1979م.
تفسير القرآن العظيم، للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير، بيروت، دار الفكر 1401?.
الجامع الصحيح، لأبي الحجاج مسلم بن الحجاج القشيري، نشر رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1400? - 1980م، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي.
الجامع الصحيح، لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، 1407? - 1987م، الطبعة الثالثة، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.(13/32)
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، لأبي الفرج زين الدين عبدالرحمن بن رجب الحنبلي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1382? ـ 1962م.
الجامع لشعب الإيمان، لأحمد بن الحسين بن عليّ البيهقيّ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410?، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول.
الجامع، للإمام الترمذي، عناية بيت الأفكار الدولية.
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، دار العاصمة، الرياض، 1414?، الطبعة الأولى، تحقيق: د.علي حسن ناصر ، وآخرين.
الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن عليّ بن فرحون اليعمريّ، تحقيق الأستاذ الدكتور الأحمدي أبو النور.
الرد على المنطقيين، لابن تيمية الحراني، دار المعرفة، بيروت.
السجل العلمي لندوة استخدام اللغة العربية في تقنية المعلومات، مكتبة الملك عبدالعزيز العامة.
السنة، لأبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني، المكتب الإسلامي، بيروت،1400?، الطبعة الأولى،تحقيق وتخريج : محمد ناصر الدين الألباني.
السنن ( المجتبى )، لأحمد بن شعيب النسائي،مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406? - 1986م، الطبعة:الثانية، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة.
السنن، لعبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407?، الطبعة الأولى، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي.
السنن؛ لمحمد بن يزيد بن ماجه القزويني، تحقيق/ محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395? - 1975م.
الصفدية، لابن تيمية، 1406?، الطبعة الثانية، تحقيق : د. محمد رشاد سالم.
علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح، لأبي عمرو عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري، المعروف بابن الصلاح، تحقيق /د. نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، سنة 1401? - 1981م .(13/33)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، حقق أجزاءه الأولى، سماحةالشيخ عبدالعزيز بن باز، تصوير رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، عن الطبعة السلفية؛ محمد فؤاد عبدالباقي، ومحب الدين الخطيب.
فيض القدير شرح الجامع الصغير. لعبدالرؤوف بن تاج العارفين المناوي، دار المعرفة، بيروت ـ الطبعة الثانية، سنة 1391هـ.
الكتاب الإلكتروني والمدرسة الإلكترونية والمعلم الافتراضي، د.جمال عبدالعزيز الشرهان 1422هـ، الطبعة الأولى.
الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، لأبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، مكتبة الرشد، الرياض، 1409?، الطبعة الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لأبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، مصورة عن الطبعة الأولى، سنة 1398هـ.
المسند، للإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وبهامشه منتخب كنز العمال، ومعه فهرس الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1403هـ-1983م.
منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، مؤسسة قرطبة، 1406?، الطبعة الأولى، تحقيق: د. محمد رشاد سالم.
المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392?، الطبعة الثانية.
النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين بن الأثير، عناية:علي حسن عبد المجيد، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1421هـ.
ثانياً: البرامج الحاسوبية
برنامج السيرة النبوية من منابعها الأصلية (مؤسسة عبداللطيف )
برنامج المحدث (مشروع برنامج المحدث، أمريكا )
برنامج الموسوعة الماسية للحديث النبوي وعلومه (مؤسسة عبداللطيف)
برنامج صفوة الأحاديث (شركة حرف )
البيان فيما اتفق عليه الشيخان (شركة حرف )(13/34)
تحفة الباحث لعمل الحواشي والتحقيقات (مؤسسة عبداللطيف )
مكتبة الأجزاء الحديثية (مركز التراث )
المكتبة الألفية للسنة النبوية (مركز التراث )
مكتبة التراجم والرجال ( شركة العريس )
مكتبة الحديث الشريف ( شركة العريس )
مكتبة علوم الحديث (مركز التراث )
موسوعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (مركز التراث )
موسوعة التخريج والأطراف الكبرى (مركز التراث )
موسوعة الحديث الشريف (شركة حرف )
الموسوعة الذهبية للحديث النبوي وعلومه (مركز التراث )
موسوعة السيرة النبوية (شركة حرف )
موسوعة السيرة النبوية (مركز التراث )
ثالثاً: المواقع في شبكة المعلومات
"مشروع برنامج المحدث (www.muhaddith.org)
"موقع شركة العريس (www.elariss.com )
"موقع شركة حرف ( ( www.harf.com
"موقع مركز التراث (www.turath.com )
رابعاً: الشركات(1)
Fشركة حرف لتقنية المعلومات، مكتب الرياض.
Fمؤسسة عبداللطيف للمعلومات ، مكتب الرياض.
Fمركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، مكتب الرياض.
خامساً: المجلات
مجلة الدعوة ، السعودية ، مقال للدكتور خالد الدريس، العدد(1789).
فهرس الموضوعات
مقدمة…1
الاستفادة من التقنيات والمخترعات الحديثة…7
التقنية و خدمة السنة والسيرة النبوية…8
الموسوعات الحاسوبية في خدمة السنة والسيرة النبوية…10
أهمية البرامج الحاسوبية الحديثية للباحث…11
أولاً : منتجات شركة حرف لتقنية المعلومات…12
ثانياً : مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي…14
ثالثاً : شركة العريس…18
رابعاً : مؤسسة عبداللطيف للمعلومات…20
خامساً : مشروع برنامج المحدث…22
الفئات المستهدفة والمستفيدة من هذه البرامج…24
الجوانب السلبية والإيجابية لهذه البرامج…25
فأولاً: مميزات هذه التقنية…25
ثانياً: ومن سلبياتها…27
الأول: السلبيات العامة للنشر الإلكتروني…27
__________
(1) تم جمع بعض المعلومات من خلال زيارة الشركات المنتجة أو الاتصال بها.(13/35)
الثاني: خطر هذه البرامج على علوم السنة والسيرة النبوية…30
نظرة مستقبلية حول تقنية البرامج الحاسوبية…33
أولاً : توجيهات عامة للشركات والهيئات المنتجة…34
ثانياً: توجيهات للمستفيدين من هذه البرامج الموسوعية…36
ثالثاً: الهيئات والمراكز العلمية الرسمية والخيرية…38
الخاتمة…40
المصادر والمراجع…41
فهرس الموضوعات…46(13/36)
الحبة السوداء في الحديث النبوي والطب الحديث
إعداد الدكتور
د. عبدالله باموسى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, الرحمة المهداة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
إن من دلائل النبوة المحمدية الباقية والمتزايدة مع الوقت ما تضمنته نصوص القرآن والسنة من إشارات وإيماءات متعلقة بآيات الله في الأنفس والآفاق، بعضها عرف مدلوله ومعناه على وجه الحقيقة مؤخرا، وبعضها لم يتوصل إليه العلم حتى الآن، وقد يعرف فيما بعد. ومن هذا الإعجاز النصوص الواردة في الطب، وقد جمعها عدد من العلماء في مصنفات سميت بالطب النبوي، ومنها ما نحن بصدده في هذا البحث من نصوص واردة في الحبة السوداء التي قال عنها مَنْ لا ينطق عن الهوى: إنها شفاء من كل داء إلا السام. وقد يستغرب بعضهم من ورود هذه النصوص المتعلقة بالطب في القرآن والسنة، وهذا يزيل استغرابه ابن القيم رحمه الله حيث قال "ولعل قائلا يقول: ما لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما لهذا (الباب) وذكر قوى الأدوية وقوانين العلاج، وتدبير أمر الصحة؟.
وهذا من تقصير هذا القائل، في فهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
فإن هذا وأضعافه، وأضعاف أضعافه من فهم بعض ما جاء به، وإرشاده إليه، ودلالته عليه. وحسن الفهم عن الله ورسوله: من يمن الله به على من يشاء من عباده. فقد أوجدناك أصول الطب الثلاثة في القرآن. وكيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة، مشتملة على صلاح الأبدان،كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنها مرشدة إلى حفظ صحتها، ودفع آفاتها، بطرق كلية، وقد وكل تفصيلها إلى العقل الصحيح، والفطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه والإيماء، كما هو في كثير من مسائل فروع الفقه. ولا تكن ممن إذا جهل شيئا عاداه.(14/1)
ولو رزق العبد تضلعاً من كتاب الله وسنة رسوله، وفهماً تاماً في النصوص ولوازمها لاستغنى بذلك عن كل كلام سواه، ولاستنبط جميع العلوم الصحيحة منه، فمدار العلوم كلها على معرفة الله وأمره وخلقه. وذلك مُسَلَّمٌ إلى الرسل صلوات الله عليهم وسلامه: فهم أعلم الخلق بالله وأمره وخلقه، وحكمته في خلقه وأمره. (1)
وقد طلب مني القائمون على هذه الندوة المباركة جزاهم الله خيراً، الكتابة في موضوع يتعلق بالإعجاز العلمي أو الطبي، فاخترت موضوع الحبة السوداء لاهتمامي منذ ما يقرب من عشر سنوات بهذا الموضوع مع زملائي في القسم، وأخص منهم الدكتور باسل الشيخ، الذي كان له الفضل بعد الله بالعناية بالحبة السوداء في قسمنا. وبحوث الحبة السوداء على كثرتها (أكثر من مائة بحث) تعد قليلة في حق هذا العلاج العجيب، ولا نزال حتى الآن نجهل الكثير عن إمكانات هذه النبتة المباركة. وقد اخترت أن تكون الكتابة في الجانب العلمي مجملة ومبسطة لغرض تسهيل الفهم على العامة وغير المتخصصين.
وإن مما ينبغي الإشارة إليه أننا معشر الأطباء والباحثين المسلمين مقصرون في العناية بنصوص الشريعة المتعلقة بالطب. ولعل طرح مثل هذا البحث يبعث فينا العزيمة ويشحذ الهمم على إعطاء هذه النصوص حقها من الدراسة والبحث والتطبيق. وإننا بحاجة إلى وضع خطط لهذه البحوث، ومراكز للعناية ببحوث الطب النبوي، لكي نصل إلى بعض ما دلنا عليه المصطفى من كنوز في هذا الميدان. فعلى سبيل المثال دلنا رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، ومع ذلك نجد أن البحوث التي أجريت على هذا الدواء قليلة، بل حتى الآن لم تحدد طريقة علمية موثقة لاستخدام الحبة السوداء علاجاً ولو لمرض واحد.
وقد قسمت البحث إلى فصلين في كل منهما ثلاثة مباحث:
الفصل الأول: متعلق بالحبة السوداء في الحديث النبوي وفيه ثلاثة مباحث.
__________
(1) الطب النبوي لابن القيم صفحة 324 - 325(14/2)
المبحث الأول: استقصاء الأحاديث الواردة في الحبة السوداء مع تخريجها.
المبحث الثاني: كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث.
المبحث الثالث: بعض التجارب في الاستشفاء بالحبة السوداء في القديم والحديث.
الفصل الثاني: متعلق بالحبة السوداء في الطب الحديث وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مكونات الحبة السوداء.
المبحث الثاني: مسح عام للبحوث المتعلقة بالحبة السوداء في الطب الحديث.
المبحث الثالث: هل للحبة السوداء تأثيرات سلبية؟
ثم خاتمة وتوصيات
أسأل الله أن ينفع بهذا البحث، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يجزي كل من أعان على إخراجه خير الجزاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.
الفصل الأول
الحبة السوداء في الحديث النبوي
…
المبحث الأول: استقصاء للأحاديث الواردة في الحبة السوداء مع تخريجها.
المبحث الثاني: … كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث.
المبحث الثالث: تجارب في الاستشفاء بالحبة السوداء في القديم والحديث.
الفصل الأول
المبحث الأول
استقصاء للأحاديث الواردة في الحبة السوداء مع تخريجها
حدثني عبدالله ابن أبي شيبة، حدثنا عبدالله، حدثنا إسرائيل عن منصور عن خالد بن سعد قال: ((خرجنا ومعنا غالب بن أبجر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها، ثم أقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة رضي الله عنها حدثتني أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا من السام. قلت: وما السام؟ قال: الموت))(1).
__________
(1) رواه البخاري (5687) - الفتح ج(10) صفحة (143)، رواه ابن ماجه - صحيح سنن ابن ماجه م2 صفحة 254 رقم 2880.(14/3)
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبرهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام. قال ابن شهاب: والسام الموت، والحبة السوداء الشونيز))(1).
حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا: حدثنا إسماعيل (وهو ابن جعفر) عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من داء، إلا في الحبة السوداء منه شفاء. إلا السام)) (2).
حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبدالرحمن المخزومي، قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن أبى سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام)) والسام: الموت (3).
عن عثمان بن عبدالملك، قال: سمعت سالم بن عبدالله يحدث عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عليكم بهذه الحبة ا لسوداء. فإن فيها شفاء من كل داء، إلا السام)) (4).
__________
(1) رواه البخاري (5688) الفتح ج (10) صفحة (143). وأخرجه مسلم بنفس السند بلفظ ((إن في الحبة السوداء.....)) رقم (2215) باب التداوي بالحبة السوداء - كتاب السلام.
(2) رواه مسلم / كتاب السلام / باب التداوي بالحبة السوداء 89- (....)
(3) رواه الترمذي / أبواب الطب / 5- باب ما جاء في الحبة السوداء / رقم (2113) صحيح- صحيح سنن الترمذي ج(2) صفحة (202 ) رقم (1662).
(4) صحيح – صحيح سنن ابن ماجه / م 2/ صفحة 253/ رقم 2779.(14/4)
حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل: حدثنا سريج بن يونس عن المطلب بن زياد عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام))(1).
((إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام)) (2)
((عليكم بهذه الحبة السوداء، وهي الشونيز، فإن فيها شفاء)) حدثنا زيد: حدثني حسين: حدثني عبدالله قال: سمعت أبا بريدة يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكره (3).
((الحبة السوداء فيها شفاء من كل داء، إلا الموت)) (4).
((حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار:
أتيناكم أتيناكم
... فحيُّونا نحييكم
ولولا الذهب الأحمر لما حلت بواديكم
ولولا الحبة السوداء ما سرت عذاريكم))(5)
بعض الروايات الضعيفة في الحبة السوداء:
__________
(1) قال الألباني: ( أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(491)، وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات) سلسة الأحاديث الصحيحة م 4 صفحة 432 رقم 1819.
(2) أخرجه الطيالسي (رقم 2460) وأحمد (2/468و 538) من طريق شعبة عن قتادة قال: سمعت هلالا المزني أو المازني يحدث عن أبي هريرة مرفوعا، وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1069).
أخرجه أحمد (5/354).
(3) سلسلة الأحدايث الصحيحة 1905) قال الشيخ الألباني: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ).
(4) أبو نعيم في الطب ) عن بريدة. صحيح – صحيح الجامع الصغير رقم (3163).
(5) حسن: أخرجه الطبراني في "الأوسط"(1/167/1) من طريق محمد بن أبي السري العقلاني أبو عاصم رواه ابن الجرح عن شريك بن عبدالله بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ) ( إرواء الغليل 1995).(14/5)
((الكمأة دواء العين، وإن العجوة من فاكهة الجنة، وإن الحبة السوداء يعني الشونيز – الذي يكون في الملح دواء من كل داء إلا الموت)) (1).
((قال قتادة: حدثت: أن أبا هريرة قال: الشونيز دواء من كل داء، إلا السام، قال قتادة: يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة من الشونيز، فيجعلهن في خرقة فينقعه فيتسعط به كل يوم في منخره الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة، والثاني: في الأيمن واحدة، وفي الأيسر ثنتين، والثالث في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة)) (2).
((عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى تقمح (أي استف) كفّاً من شونيز ويشرب عليه ماءً أو عسلا". (3)
المبحث الثاني:
كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث
أ – تعريف الحبة السوداء:
__________
(1) قال الألباني: ( أخرجه أحمد 5/346 حدثنا أسود بن عامر: حدثنا زهير عن واصل بن حيان البجلي ثني عبدالله بن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الستة، غير أن له علة دقيقة وهي أن زهيراً وهو ابن معاوية أخطأ في قوله: واصل بن حيان وإنما هو صالح بن حيان،وهذا ضعيف.... ) إلى أن قال (... قلت وقد رواه على الجادة محمد بن عبيد قال: حدثنا صالح يعني ابن حيان عن ابن بريدة به ثم أتم منه فانظر: ((إن الجنة عرضت علي..)) في الكتاب الآخر ((يعني سلسة الأحاديث الضعيفة)) رقم 3899). سلسة الأحاديث الصحيحة م 2 صفحة 547 في تعليقه على الحديث رقم 863.
(2) أخرجه الترمذي ( جامع الأصول م 7 صفحة 518 حديث 5639. قال محققه عبدالقادر الأرناؤوط: ((هذه الرواية عند الترمذي موقوفة، وفي سندها انقطاع، وقد وردت في حديث مرفوع أخرجه المستغفري في كتاب الطب، وإسنادها ضعيف)).
(3) رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج 5/87).(14/6)
قال ابن القيم رحمه الله: ((الحبة السوداء هي: الشونيز في لغة الفرس. وهي: الكمون الأسود، وتسمى: الكمون الهندي. قال الحربي عن الحسن (رضي الله عنه): إنها الخردل. وحكى الهروي: أنها الحبة الخضراء، ثمرة البطم. وكلاهما وهم. والصواب: أنها الشونيز))(1)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله قوله: ((الحبة السوداء الشونيز)) كذا عطفه على تفسير ابن شهاب للسام، فاقتضى ذلك أن تفسير الحبة السوداء، أيضا له. والشونيز بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي... وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهرة، الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر على العكس والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر الأشهر، وهي الكمون الأسود. ويقال له أيضا الكمون الهندي(2).
ما المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((شفاء من كل داء)) (3).
هل المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((شفاء من كل داء)) العموم أو الخصوص. على قولين للعلماء.
1- القائلون بالتخصيص:
__________
(1) الطب النبوي ص 229
(2) فتح الباري ج 10 / 145.
(3) من الغرائب أنني قرأت لأحد المعاصرين من المجربين في طب الأعشاب (كتاب: الشفاء في الحبة السوداء بين التجربة والبرهان) أن من مدلول قوله - صلى الله عليه وسلم - (فيها شفاء) وليس هي شفاء: وجوب استخدامها مع أعشاب أخرى وعدم استخدامها بمفردها (!!) ذلك لأن الشفاء من أحد مركباتها. وسبب مثل هذه الغرائب الخوض فيما لا يحسن المرء فإن مثل هذا القول كما ترى في هذا المبحث لم يقل به عالم من علماء الشرع الذين عرفوا اللغة ومدلولات النصوص الشرعية، ومن جهة أخرى تشهد البحوث الطبية المعاصرة على أن الحبة السوداء مفيدة بمفردها كما سنرى في الفصل الثاني من هذا البحث.(14/7)
قال الخطابي: ((هذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص وليس يجمع في طبع شيء من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها، وتباين طبعها، وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم. وذلك أنه حار يابس فهو شفاء بإذن الله للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة. وذلك أن الدواء أبداً بالمضاد، والغذاء بالمشاكل))(1).
وقال أبو بكر بن العربي: ((العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل ((فيه شفاء للناس)) الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى))(2).
وقال الطيبي: ((... ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس:( ( ( ( ( (وقوله تعالى ( ? ( ( ( في إطلاق العموم وإرادة التخصيص))(3).
وقال ابن القيم: ((وقوله (شفاء من كل داء)؟ مثل قوله تعالى: ( ( ( ( ( ( (، أي كل شيء يقبل التدمير، ونظائره))(4).
وقال المناوي: ((... (شفاء من كل داء) يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور...)) (5).
2- القائلون بالعموم:
قال أبو محمد بن أبي جمرة: ((تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولاخفاء بغلط قائل ذلك، لأننا إذا صدقنا أهل الطب – ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم))(6).
وقال المباركفوري: ((... وقيل: هي باقية على عمومها وأجيب عن قول الخطابي ليس يجمع في طبع شيء... إلخ بأنه:
ليس من الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
__________
(1) تحفة الأحوذي ج 6 / 163.
(2) فتح الباري10/ 145.
(3) تحفة الأحوذي 6/ 163.
(4) الطب النبوي / 229.
(5) فيض القدير م 4/ 352.
(6) فتح الباري ج10 ص 145.(14/8)
أما قول الطيبي ونظيره إلخ ففيه أن الآيتين يمنع حملهما على العموم على ما هو عند كل أحد معلوم، وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيها: إلا السام. كقوله تعالى:?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [العصر الآية:2-3]))(1).
3- الجمع بن القولين:
قال ابن حجر: ((ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطاً وضماداً وغير ذلك))(2).
وقال رحمه الله بعد ذكر الخلاف بين القائلين بالخصوص والعموم في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - ((شفاء من كل داء)) ((... وقد تقدم)) يعني الكلام أعلاه ((توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب، ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث والله أعلم))(3).
وهذا الذي ذكره رحمه الله يشهد له ما سنذكر في هذا البحث من فوائد عديدة للحبة السوداء في علاج أمراض مختلفة، مما يرجح القول بالعموم، ولكن بالمشاركة مع غيرها من الأدوية أحيانا وبالاستخدامات المختلفة لها، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر.
المبحث الثالث
بعض التجارب في الاستشفاء بالحبة السوداء في القديم والحديث
تجارب للاستشفاء بالحبة السوداء في القديم:
__________
(1) تحفة الأحوذي، 6 / 163.
(2) فتح الباري 10/144.
(3) فتح الباري 10/145.(14/9)
ذكر عدد كبير من العلماء الذين صنفوا في الطب النبوي فوائد عديدة للحبة السوداء مقتبسة من تجارب الأطباء والحكماء في تلك العصور وما سبقها. ولا بد من وقفة قصيرة مع هذه النقولات, فقد يظن بعضهم عند قراءتها أنها من الطب النبوي؛ وذلك لأنها ذكرت في كتاب بهذا العنوان وهذا خطأ، فإن هذه التجارب القديمة للعلاج من أمراض مختلفة باستخدام الحبة السوداء هي اجتهادات لأصحابها، ولا يمكن أن تعزى إلى الطب النبوي؛ لأنها لم تصدر من المصطفى- صلى الله عليه وسلم -. وقد يكون إيراد العلماء لها من باب التمثيل على الفوائد الجمة لهذا العلاج وذِكْرِ ما وصل إليه علمهم في ذلك العصر من استخدامات علاجية لهذا الدواء الذي هو في أصله نبوي إذ ورد في الحديث الأمر بالتداوي به والله أعلم.
وقد جمع ابن القيم رحمه الله في كتابه "الطب النبوي"أكثر هذه النقولات عن أطباء وحكماء تلك العصور ولذا فنكتفي بهذا النقل عنه مثلاً لهذه الوصفات القديمة.
((والشونيز حار يابس في الثالثة: مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع، نافع من البرص وحمى الرِّبْع(1) والبلغمية، مفتح للسدد، ومحلل للرياح، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها. وإن دق وعجن بالعسل، وشرب بالماء الحار، أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة. ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه أياما. وإن سخن بالخل، وطلي على البطن قتل حب القرع. فإن عجن بماء الحنظل الرطب أو المطبوخ: كان فعله في إخراج الدود أقوى. ويجلو ويقطع ويحلل، ويشفي من الزكام البارد: إذا دق وصر في خرقة واشتم دائما، أذهبه. ودهنه نافع لداء الحية، ومن الثآليل والخيلان. وإذا شرب منه مثقال بماء: نفع من البهر وضيق النفس. والضماد به ينفع من الصداع البارد. وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة , وسعط به صاحب اليرقان، نفعه نفعا بليغا.
__________
(1) وهي الحمى التي تأخذ يوماً وتدع يومين، ثم تجيء في اليوم الرابع. القاموس ( ربع ).(14/10)
وإذا طبخ بخل، وتمضمض به، نفع من وجع الأسنان عن برد. وإذا استعط به مسحوقاً، نفع من ابتداء الماء العارض في العين. وإن ضمد به مع الخل: قلع البثور والجرب المتقرح وحلل الأورام البلغمية المزمنة، والأورام الصلبة.
وينفع من اللقوة(1): اذا تسعط بدهنه. وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال: نفع من لسع الرتيلاء(2). وإن سحق ناعما، وخلط بدهن الحبة الخضراء، وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات، نفع من البرد العارض فيها والريح والسدد.
وإن قلي ثم دق ناعما، ثم نقع في زيت وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربعاً، نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير.
وإذا أحرق وخُلط بشمع مذاب بدهن السوسن(3) أو دهن الحناء وطلي به القروح الخارجية من الساقين بعد غسلها بالخل، نفعها وأزال القروح.
وإذا سحق بخل وطلي به البرص والبهق الأسود والحزاز الغليط نفعها وأبرأها.
وإذا سحق ناعماً واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد مَنْ عضَّه كَلْبٌ كَلِبٌ قبل أن يفرغ من الماء، نفعه نفعا بليغا وأمن على نفسه من الهلاك. وإذا سعط بدهنه: نفع من الفالج والكزاز وقطع موادهما. وإذا دخن به: طرد الهوام.
وإذا أذيب الأنزروت(4) بماء ولطخ على داخل الحلقة ثم ذر عليها الشونيز كان من الذرورات الجيدة العجيبة النفع من البواسير. ومنافعه أضعاف ما ذكرنا. والشربة منه درهمان. وزعم قوم أن الإكثار منه قاتل))(5).
ب- تجارب حديثة للاستشفاء بالحبة السوداء:
__________
(1) اللقوة: داء يعرض للوجه.
(2) الرتيلاء: ضرب من العناكب.
(3) نبات فصلي له زهور جذابة مختلفة الألوان.
(4) صَمْغُ شجرة تنبت في بلاد الفرس، في طعمه مرارة، ولونه أحمر. انظر الجامع لمفردات الأدوية لابن البيطار 1/63.
(5) الطب النبوي ص 230 -231.(14/11)
ذكر بعض المعاصرين تجارب لهم في العلاج بالحبة السوداء تشمل تركيب بعض الأدوية المحتوية على الحبة السوداء وطريقة استخدامها للتداوي من بعض الأمراض. وهذه الكتب(1) وإن كانت حديثة وأصحابها قد يكونون من المتخصصين في بعض المجالات التي تؤهلهم لعمل مثل هذه المركبات الدوائية إلا أنها لا تعدو أن تكون تجارب شخصية وآراء لأصحابها. حيث لا تعتمد هذه الكتب على الطريقة العلمية الحديثة في دراسة جدوى استخدام دواء للعلاج من مرض معين، والتي تبنى على نواحٍ إحصائية تجعل الدراسة على مستوى مقبول من الثقة والصدق. ولذا فإن مثل هذه التجارب تضم إلى هذا المبحث من هذا الفصل؛ لأنها أقرب إليه من الفصل التالي الذي يتحدث عن الدراسات العلمية الموثقة المتعلقة بالحبة السوداء في الطب الحديث. وقد تكون هذه المركبات نواة جيدة يمكن استخدامها لإجراء بحوث طبية معتمدة على النواحي الإحصائية الحديثة لإثبات مدى نفع هذه المركبات لعلاج الأمراض المشار إليها في هذه الكتب.
الفصل الثاني
الحبة السوداء في الطب الحديث
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مكونات الحبة السوداء.
المبحث الثاني: مسح عام للبحوث التي أجريت على الحبة السوداء في الطب الحديث حتى تاريخه.
المبحث الثالث: هل للحبة السوداء آثار سلبية؟
المبحث الأول
مكونات الحبةالسوداء
1- نبذة زراعية:
يكثر زراعة الحبة السوداء في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط ووسط أوربا وغرب آسيا(2) وينتمي هذا النبات إلى فصيلة (RANUNCULACEAE) وينقسم إلى أقسام يتميز بعضها عن بعض شكلها الخارجي، كما تختلف في تركيبها الكيميائي، وهي:
- الحبة السوداء الشائعة N.Sativa
__________
(1) للاطلاع على نماذج من الكتب انظر: الشفاء بالحبة السوداء لفرح عبدالحميد القداحي والشفاء في الحبة السوداء بين التجربة والبرهان للكيميائي: طيب عبدالله الطيب.
(2) نجيب 1978.(14/12)
قوية النمو يصل ارتفاعها الى 60 سم وغزيرة التفريع، عليها أوبار خفيفة. الأوراق مقسمة إلى أجزاء صغيرة خيطية الشكل. والأزهار مشوبة باللون الأزرق والبذور ذات رائحة عطرية عند سحقها بين الأصابع.
- الحبة السوداء الدمشقية N. Damascena
تشبه النوع السابق، إلا أن الأوراق مقسمة إلى أجزاء طويلة ورفيعة جدا، والأزهار كبيرة الحجم ولونها أزرق أو أحمر داكن.
- الحبة السوداء الشرقية: N. Orientalis
وهي نباتات قصيرة وضعيفة النمو لا تزيد أطوالها على أربعين سم. أوراقها مجزأة إلى أجزاء خيطية رفيعة وطويلة، ولونها أخضر فاتح والأزهار صفراء اللون منقطة باللون الأحمر (1).
2- مكونات الحبة السوداء:
من أوائل البحوث التي ظهرت في مكونات الحبة السوداء بحث للعالم: قرينش في عام 1880 م حيث توصل إلى أن هذه النبتة تحتوي على 27 % زيت، و 4.14 % رماد يحتوي على عنصر الكالسيوم بشكل رئيس. ثم توالت البحوث بعد ذلك التاريخ وحتى وقتنا الحاضر لتكشف مكونات هذا النبات العجيب ويمكن إجمال نتائج هذه البحوث في الجدول رقم (1) والذي يبين نسبة هذه المكونات من وزن الحبة السوداء. وتحتوي الحبة السوداء على مكونات ضئيلة وجزئية ولكنها مهمة من الناحية الدوائية العلاجية؛ حيث تتميز هذه المكونات بالقدرة على التأثير في وظائف الجسم ومكافحة الأمراض والتأثير في مسبباتها )مثل (alkaloids-coumarines. ويتكون الزيت الثابت للحبة السوداء من أحماض دهنية وستيرولات (sterols) (2) بينما يحتوي الزيت الطيار على مادة النيجلون وكان أول من تمكن من فرزها الباحثان محفوظ والدخاخني في عام 1960م ثم توصل الدخاخني فيما بعد إلى أنها عبارة عن مركب لمادة الثيموكوينون الذي يعد من أهم المواد الفعالة علاجيا في هذا النبات(3).
جدول رقم (1)
__________
(1) من كتاب الشفاء بالحبة السوداء لفرح عبدالحميد القداحي بتصرف.
(2) جاد وزملاؤه – 1963.
(3) الدخاخني 1965(14/13)
المكونات الأساسية للحبة السوداء(1)
مسمى الجزء ... النسبة من وزن الحبة السوداء
الزيت الثابت ... 32- 40 %
الزيت الطيار ... 0.4 – 0.45 %
بروتين ... 16 – 19.9 %
نشأ ... 33.9%
ألياف ... 4.5 – 6.5 %
رطوبة ... 5.1 – 7 %
رماد ... 3.7 – 7 %
ومن أكثر الأمور إثارةً ما توصَّل إليه الباحث أبو طبل وزملاؤه (1986) من اكتشاف (67) عنصرا في الزيت الطيار للحبة السوداء والذي لا يزيد على 0.4 % من وزن الحبة السوداء أي إذا أخذنا مقدار (1) جرام من الحبة السوداء فإن 0.004 من هذا الجرام (أي ما يعادل 4 مايكرو جرام) يحتوي على هذه العناصر السبعة والستين فسبحان الخالق العظيم.
وظهرت عدة بحوث في الألفية الثالثة (القرن الحادي والعشرون) تفصل في بعض العناصر السابقة من أهمها اكتشاف مادة فعالة ضد الخلايا السرطانية تسمى الفاهيدرين (alpha-hederin) بواسطة الباحثين كومارا وهوت في عام 2001.
3- هل تختص هذه المكونات بنوع للحبة السوداء دون آخر؟
__________
(1) مقتبس من مشروع بحثي للكاتب بمشاركة د. باسل الشيخ مقدم لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.(14/14)
من الشائع بين العامة أن الحبة السوداء التي لها تأثير طبي هي من نوع معين وتنبت في بلد معين بل ولها سعر أعلى من الأنواع الأخرى من الحبة السوداء. وليس على هذا التخصيص لنوع معين أو بلد معين أو شكل معين للحبة السوداء أي مستند علمي. وقد أجرى الباحثان بروتس وبوكار في عام 2000 بأستراليا بحثا على ستة أنواع من الحبة السوداء الموجودة في الأسواق، وتم تحليل عناصر هذه الأنواع الستة، ووجد أنها تحتوي على نفس التركيب من الناحية النوعية وتكمن الفروقات فقط في كميات هذه العناصر الموجودة في هذه الأنواع الستة. وكذلك البحوث التي أجريت في قسمنا (وظائف الأعضاء بكلية الطب بجامعة الملك فيصل) وهي تقارب العشرة كانت على الحبة السوداء الموجودة في السوق، والتي تباع بالسعر العادي، وأعطت نتائج قوية في التأثير في العوامل التي تم دراستها. ولذا فإن شراء الحبة السوداء الموجودة في السوق ذات السعر العادي يكفي عن شراء الأنواع الغالية والفروقات في هذه الأسعار ترجع غالباً إلى درجة النقاوة والمذاق، وليس إلى التركيب الكيميائي أو التأثير الطبي والله أعلم.
4- هل الأنفع أن تؤخذ الحبة كاملة؟
توصل العلماء إلى فصل المادة التي تعرف حتى الآن بأنها أكثر مكونات الحبة السوداء فعالية وهي الثيموكوينون التي سبق الحديث عنها. وهذه المادة تباع في شركات الأدوية وتم معرفة تركيبها الكيميائي. وقد أجرى عدد من الباحثين تجارب عليها وعلى أجزاء أخرى من الحبة السوداء لمعرفة فعاليتها ومقارنة قوة مفعولها مع الحبة السوداء كاملة. وبالجملة فإن التجارب تشير إلى أن استخدام الحبة السوداء كاملة أفضل من استخدام أجزائها، إذ إن هذه الأجزاء يكون لها مفعول أقوى عندما ينضم بعضها إلى بعض كما هو الحال في الحبة السوداء الكاملة.(14/15)
مثال ذلك بحث أجري على أربعة أجزاء من الحبة السوداء من ضمنها مادة الثيموكوينون وتم مقارنة قدرتها على مضادة المواد المؤكسدة مع زيت الحبة السوداء، وتوصل الباحثان أن هذه المواد يُقَوّي مفعول بعضها بعضاً(1). وكذلك عند أخذ الحبة السوداء كاملة يحصل الإنسان على فوائد جميع مركباتها وإذا أخذ جزءاً منها لم يحصل إلا على فائدة ذلك الجزء. ولا يمنع أن تكون هناك حالات معينة تستدعي استخدام أجزاءً منها علاجاً لمرض محدد عندما يكون المريض عرضة للإصابة بتأثير جانبي غير مرغوب فيه، لو استخدمت الحبة السوداء كاملة، وهذا يترك لتقدير الطبيب في ذلك الوقت الذي نكون قد وصلنا فيه إلى مرحلة متقدمة في البحوث على الحبة السوداء وتأثير مكوناتها المختلفة في وظائف الجسم ومقاومة الأمراض وعلاجها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحبة السوداء عند طحنها لا بد من تناولها في وقت وجيز(خلال أسبوع مثلا) فلا تحفظ وقتاً طويلاً؛ لأن الزيت الطيار يقل فيها مع الوقت.
المبحث الثاني
مسح عام للبحوث التي أجريت على الحبة السوداء في الطب الحديث حتى تاريخه
__________
(1) تورتس وبوكار 2000.(14/16)
إن العناية بالحبة السوداء في الطب الحديث آخذة بالازدياد، ويتبين هذا من الإحصائية المرافقة (جدول رقم 2) بأعداد البحوث التي أجريت عليها خلال العقود الأربعة الماضية المذكورة في موقع Medline. وهذا مؤشر قوي على أهمية هذا الدواء ويدل على أن هذا النبات له أثر كبير في العلاج من أمراض عديدة. وقد بدأ الغربيون وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء أبحاث عديدة على الحبة السوداء ومن أهم النتائج التي توصلوا إليها إمكان استخدامها في العلاج من أمراض السرطان. كما يتبين من المسح العام للبحوث التي أجريت على الحبة السوداء (جدول 3) قدرة هذا النبات على التأثير في أجهزة مختلفة في الجسم الطبيعي وحمايته من الأضرار والأمراض وفي الوقت نفسه يظهر جلياً القدرة العالية للحبة السوداء على علاج عدد كبير ومتنوع من الأمراض.
جدول رقم (2)
إحصاء للبحوث التي أجريت على الحبة السوداء خلال العقود الأربعة الماضية المذكورة في موقع Medline
السنوات ... عدد البحوث
من 1965 – 1970 ... 7
من 1971 – 1975 ... 6
من 1976 – 1980 ... 5
من 1981 – 1985 ... -
من 1986 – 1990 ... 1
من 1991 – 1995 ... 12
من 1996 – 2000 ... 22
من 2001 – حتى تاريخه ... 35
جدول (3) مسح عام للبحوث التي أجريت على الحبة السوداء مع نتائجها خلال العقود الأربعة الماضية
مجال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
1- أمراض السرطان
11)بحثاً)
الحبة السوداء
200 ملجرام / فأر / اليوم
- الفئران
- خلايا سرطانية لأنواع معينة من السرطان تصيب الإنسان أو الحيوان
تعمل الحبة السوداء ومشتقاتها على:
الحماية من الإصابة بالسرطان إذا استخدمت قبل المادة السرطانية بمدة زمنية كافية (لا تقل عن أسبوع حسب البحوث المنشورة حتى الآن)
قتل الخلايا السرطانية بفعالية عالية.
تنشيط عمل الأدوية المضادة للسرطان وتقوية مفعولها.
مستخلص الحبة السوداء
50 و 100 ملجرام/ كلجم/ يوم(14/17)
الثيموكوينرن
0.01 % في ماء الشرب أو 10 ملجرام / كجم / يوم في ماء الشرب
الفاهيديرن.
200 – 400 مليجرام / كلجم
جال البحوثڑ
المادة المستخدمةڑ
الجرعةڑ
المخلوق المستخدمڑ
النتيجةٹڑ
ڑ
2-الالتهابات وكمسكن للآلام (5 بحوث)
ڑ
الحبة السوداء
زيت الحبة السوداء الثابت
الثيموكونيون
نيجلونڑ
500 ملجرام/لكجم
25 ميكروجرام/ مل
3.5 ميكروجرام/مل
-ڑ
- الفئران ڑ
تعمل الحبة السوداء على مضادة وتخفيف آثارها (مثل الاحمرار والورم.. إلخ) كما تعمل على تسكين وتخفيف الآلام بقوة تقارب قوة الأسبرين. ٹڑ
ڑ
3- جهاز المناعة
(5 بحوث)
ڑ
الحبة السوداء
مستخلص الحبة السوداءڑ
1 جرام مرتين يوميا
-ڑ
الإنسان
الفئران
خلايا سرطانيةڑ
تعمل الحبة السوداء على زيادة نشاط جهاز المناعة في الإنسان والحيوان الطبيعي كما تقوي القدرة القتالية لهذا الجهاز في المر
جال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
4- مقاومة الميكروبات
(6 بحوث)
مستخلص الحبة السوداء الخام
-
- البكتيريا
- الفطريات
- الفيروسات
تعمل الحبة السوداء على قتل أنواع عدة من البكتيريا بقسميها (جرام سالب وجرام موجب) كما تنشط وتقوي مفعول عدد كبير من المضادات الحيوية.
وكذلك تعمل الحبة السوداء على تقليل نمو الفطريات من نوع الكنديدا Candida) Abicans) كما أن لها مفعولاً مضاداً لفيروسات السيتومقالو
(Cytomegalo virus)
مستخلص الحبة السوداء بالإيثير
25-400 ميكرو جرام للقرص
زيت الحبة السوداء الطيار
-
الثيموكونيزن
-
مجال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
5- مقاومة الديدان
(بحثان)
الحبة السوداء
40 ملجرام / كلجم
الأطفال المصابين بديدان السستود
الفئران
قللت الحبة السوداء من أعداد الديدان في الكبد وكذلك زادت من أعداد البيض الميت في الأمعاء لديدان البلهيارسيا كما قللت من أعداد البيض في البراز لديدان السستود في الأطفال المصابين بهذا النوع من الديدان.(14/18)
زيت الحبة السوداء
2.5، 5 مل / كلجم مرة يوميا لمدة أسبوعين
مستخلص الحبة السوداء الإيثانولي
40 ملجرام / كلجم مرة يوميا لمدة أسبوعين
جال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
6- الآثار الجانبية (السمية) للأودية وخاصة مضادات السرطان
(4 بحوث)
الحبة السوداء
50ملجرام/كلجم لخمسة أيام متناوبة
- الفئران
تعمل الحبة السوداء على تخفيف الآثار الجانبية للأدوية وبخاصة الآثار السمية المدمرة للأدوية السرطانية في الكلى كما أنها تحمى الجسم من تأثير العلاج المضاد للسرطان (سيس بلاتن) من تخفيض نسبة الهميوقلوبين وكريات الدم البيضاء.
ثيموكونيون
10ملجرام/كلجم لخمسة أيام قبل الدواء ثم لخمسة أسابيع أثناء استخدام الدواء
مستخلص الحبة السوداء
مجال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
7-حماية الكبد من التسمم والتليف وموت الخلايا
(6 بحوث)
الحبة السوداء
لمدة 8-12 أسبوع
الأرانب
الفئران
الجرذان
تحمي الكبد من التليف وموت الخلايا والتسمم الذي يصيب بسبب بعض الأدوية والمواد الكيماوية بدرجة عالية جدا تصل إلى الحماية الكاملة.
ثيموكونيون
12.5-100 ملجم/كلجم (جرعة واحدة)
زيت الحبة السوداء
80 ملجم/كلجم لمدة 4 أسابيع قبل الدواء
8- نسبة السكر في الدم
(9 بحوث)
الحبة السوداء
1 جرام مرتين يوميا لأسبوعين/متطوع
الفئران
الإنسان
تعمل الحبة السوداء على تخفيض نسبة السكر في الدم في الإنسان الطبيعي كما أنها تخفض نسبة السكر في الدم في فئران التجارب المصابين بمرض السكر.
زيت الحبة السوداء
50-500 ملجم/فأر لمدة أسبوعين
الثيموكونيون
12 مل /كلجم لمدة 12 أسبوع
جال البحوثڑ
المادة المستخدمةڑ
الجرعةڑ
المخلوق المستخدمڑ
النتيجةٹڑ
ڑ9-كريات الدم الحمراء والبيضاء
(بحثان)ڑ
زيت الحبة السوداء الثابت ڑ
2 مل/ كلجم لمدة 12 أسبوع
1 مل/ كلجم لمدة 12 أسبوعڑ
- الفئران
- الجرذانڑ(14/19)
ترفع الحبة السوداء من نسبة الهيموجلوبين في الدم وكذلك ترفع من نسبة الخلايا في الدم وذلك يعود غالبا لزيادة عدد كريات الدم الحمراء كما أنها في الوقت نفسه تخفض عدد كريات الدم البيضا
جال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
10- حماية المعدة من القرحة
(بحثان)
الحبة السوداء
2.5، 5 مل/ كلجم
- الفئران
تحمي الحبة السوداء المعدة من الإصابة بالقرحة سواء كانت بسبب الإيثانول أو نقص الأكسجين. وقد رفعت الحبة السوداء من سماكة المادة المخاطية المغطية للمعدة وكذلك قللت من نسبة مادة الهستامين وفي نفس الوقت رفعت من نسبة الحمض والمواد المضادة للأكسدة
ثيموكونيون
5، 20، 50، 100 ملجرام/ كلجم.
زيت الحبة السوداء
؟
مجال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
11- تخثر الدم
(3 بحوث)
الحبة السوداء
90 – 180- 360-540 ملجرام/كلجم
- الفئران
تقلل الحبة السوداء من عدد الصفائح الدموية وقدرتها على التجمع والالتصاق وهناك بعض الدراسات التي تشير إلى وجود آثار مؤقتة للحبة السوداء في تخثر الدم.
زيت الحبة السوداء
2 مل/كلجم لمدة 12أسبوع
مستخلص الحبة السوداء الميثانولي
12- الجهاز التنفسي ومرض الربو
(5 بحوث)
الحبة السوداء
0.1 – 0.3 ملجرام /مل
- الفئران
تفيد أكثر الدراسات أن للحبة السوداء القدرة على الحماية من الربو أو تخفيفه بينما وجد الباحثون في إحدى الدراسات أن الحبة السوداء ترفع الضغط في القصبة الهوائية، وتزيد من معدل التنفس وعللوا ذلك بإفراز مادة الهستامين
الزيت الطيار للحبة السوداء
4-32 ميكرولبير/كلجم
الثيموكوينون
1.6 – 6.4 ملجرام/كلجم
جال البحوث
المادة المستخدمة
الجرعة
المخلوق المستخدم
النتيجة
13- الجهاز الدوري وضغط الدم
(بحثان)
مستخلص الحبة السوداء بالداي كلوروميثين
0.6مل/كلجم/يوم لأسبوعين
- الفئران الطبيعية وفئران الضغط العالي(14/20)
تخفض الحبة السوداء من ضغط الدم في الفئران ذوات الضغط العالي بنسبة 22% كما أنها تخفض من الضغط والنبض في الفئران الطبيعية
الزيت الطيار للحبة السوداء
4-32 ميكروليتر /كلجم
الثيموكوينون
0.2-1.6 ملجم/كلجم
14- نسبة الدهون في الدم
(6 بحوث)
زيت الحبة السوداء
1-2 مل/كلجم لمدة 12 أسبوع
- الإنسان
-الفئران
تخفض الحبة السوداء من الكلسترول وثلاثي الجلسرين كما أنها تخفض من نسبة الدهون القليلة الكثافة (LDL) كما تزيد من نسبة الدهون الثقيلة إلى الدهون الخفيفة. وهذه الآثار جميعها إيجابية جداً ومهمة لحماية الجسم من أمراض تصلب الشرايين
الحبة السوداء
50-500ملجم/فأر
2جرام لكل متطوع يومياً
الثيموكوينن
يتبين من هذا المسح الشامل للآثار الإيجابية الكثيرة للحبة السوداء أن لهذا النبات قدرة عالية وفائقة في العلاج من أمراض مختلفة ومستعصية، وكذلك له القدرة نفسها على حماية الإنسان السليم من هذه الأمراض ومقاومة أسبابها. ومن هذه الأمراض السرطان الذي استعصى على الأطباء في هذا الزمان. فالأبحاث المنشورة حتى الآن تدل على أن للحبة السوداء قدرة على علاج هذا المرض، و الكلام نفسه يقال عن الأمراض المزمنة الأخرى التي تشير البحوث على قدرة الحبة السوداء على علاجها مثل سكر البول وارتفاع ضغط الدم وتليف الكبد والربو ….إلخ. فضلاً عن قدرة الحبة السوداء على علاج الأمراض الحادة مثل الالتهابات البكتيرية والفيروسية والفطرية وكذلك قدرتها على تخفيض نسبة الدهون في الجسم وحماية المعدة من التقرح، وعلاج القرحة، وحماية الكبد من السموم وتحفيز جهاز المناعة وتسكين الآلام…..إلخ.
ولا أعرف أن هناك دواء واحداً أو نباتاً واحداً يجمع كل هذه التأثيرات المختلفة وهذا مصداق لحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من أن في هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء.(14/21)
فالداء الذي يصيب الجسد يكون بسبب تأثير خارجي (مثل البكتيريا أو الفيروسات... أو بعض المواد الكيماوية أو الإشعاعات... إلخ) وكذلك يصاحب هذا التأثير الخارجي قابلية داخلية في الجسم لهذا المؤثر (مثل ضعف المناعة أو عامل وراثي....إلخ) يجعل الجسد عرضة للإصابة بالمرض. وللحبة السوداء كما رأينا القدرة على مقاومة هذه العوامل الخارجية والتقليل من خطرها وحماية الجسم منها، كما أن لها القدرة على تقوية المقاومة الداخلية للمرض متمثلة في جهاز المناعة والعوامل المضادة للأكسدة.
ولنتحدث قليلاً عن هذه الأخيرة وهي العوامل المضادة للأكسدة، إذ تعدُّ نظرية المواد المؤكسدة التي تحمل ذرات أكسجين نشطة من المؤثرات المهمة في حدوث كثير من الأمراض في الجسم. وقد برزت هذه النظرية منذ مايقرب من خمسين عاماً عندما نظر العلماء في أسباب الشيخوخة، وكانت هذه النظرية من أبرز النظريات بل أكثرها قبولاً حتى الآن لتعليل وتفسير حدوث الشيخوخة في الأعضاء والأجهزة بل في الجسم كله. وتعتمد هذه النظرية التي أصبحت شبه حقيقية في الوقت الحاضر على أن هذه المواد المؤكسدة التي تحمل ذرة الأكسجين النشطة تؤدي إلى إحداث خلل في الخلايا ومن ثم الأعضاء والأجهزة في الجسم وعندها تختل وظائفها وتتغير طبيعتها وتقصر عن أداء مهامها.
وتستخدم هذه النظرية لتفسير حدوث عدد من الأمراض في الجسم، ومن أهمها أمراض السرطان والتدمير والتسمم الذي يصيب الكبد والكلى بسبب بعض العقاقير والمواد الكيميائية، وكذلك بعض الالتهابات المزمنة وغيرها من الأمراض. وإن مفعول الحبة السوداء الذي ذكرناه سابقاً في مقاومة عدد من الأمراض والأضرار والالتهابات يعلله عدد كبير من الباحثين بتحفيزها وزيادتها لقدرة الجسم على مقاومة ومضادة المواد المؤكسدة وكذلك بقدرة الحبة السوداء نفسها على إبطال مفعول هذه المواد.(14/22)
وقد أثبتت البحوث مدى مقاومة المواد المؤكسدة للحبة السوداء بما لا يدع مجالاً للشك، بل إن لبعض المركبات والمواد التي تحويها الحبة السوداء هذه الخاصية المعروفة عنها والتي تعود إلى طبيعة تركيبها الكيميائي.
ومن هذا العرض نستخلص أن الحبة السوداء لها القدرة على علاج المريض وكذلك حماية السليم من المرض. فيمكن للمريض أن يأخذ الحبة السوداء للعلاج كما يمكن للسليم أن يتناول الحبة السوداء للحماية من المرض. وليس صحيحا ما ذهب إليه بعض الباحثين بأن نصوص الحبة السوداء تدل على أن متناولها لا بد أن يكون مريضا وذلك بقوله ((فلا ينبغي أن يتناولها الإنسان إلا عند إصابته بالمرض)) (1)؛ لأن الوقاية كما هو معروف خير من العلاج والأحاديث الواردة كشفت القدرة العالية للحبة السوداء في الشفاء من الأمراض، ولا يمنع كذلك أن تكون لها نفس القدرة في الوقاية من هذه الأمراض. وقد أثبتت الأبحاث قدرة الحبة السوداء على الحماية من الأمراض ولذا فان تناولها للإنسان السليم فيه فائدة ولا شك. فهي تحمي وتقي من الإصابة بالسرطان بإذن الله، وكذلك تعمل على علاجه, وتقاوم حدوث القرحة وتساهم في علاجها, وكما تحمي ضد الآثار السمية للعقاقير وتعالجها عند حدوثها, وكذلك تحمي من الالتهابات بأنواعها بتقوية جهاز المناعة وتساهم في علاجها عندما يصاب الإنسان بها... إلخ.
ولكن ما مقدار الجرعة التي يمكن للإنسان السليم أن يأخذها؟ هذا السؤال ليس عليه جواب علمي حتى الآن بل حتى الأمراض التي ذكرت سلفا تحتاج إلى مزيد من البحوث حتى تحدد مقدار جرعة الحبة السوداء وكيفية أخذها لعلاج هذه الأمراض. ونظراً لأن الحبة السوداء ليس لها آثار جانبية أو سلبية فإن أخذ جرعة قليلة منها يوميا (100 إلى 200 مليجرام) قد يكون مناسباً ومفيداً للصحة.
المبحث الثالث
__________
(1) انظر بحث الحبة السوداء وجهاز المناعة في مجلة الإعجاز العلمي العدد 14 ذو القعدة 1423هـ.(14/23)
هل للحبة السوداء آثار سلبية في الجسم؟ وما الجرعة القصوى التي يمكن أن يتحملها الجسم؟
…هذا السؤال كما يقال يطرح نفسه فإن الإنسان قبل أن يقدم على إدخال أي شيء إلى جوفه لابد أن يسأل نفسه هل لهذا المأكول أو المشروب أثار سلبية في الجسم. ويتردد بين كثير من الباحثين أن الإفراط في تناول الحبة السوداء يضر الجسم، وقد يكون هذا صحيحا في الجملة لأي غذاء أو دواء. ولكن ما الجرعة التي تعد الحد الأقصى لتحمل الجسم وتجاوزها يعني الوصول إلى حد الإفراط في تناول هذا الغذاء والدواء في الوقت نفسه؟.(14/24)
وهنا لا بد من التمييز بين نوعين من التأثير السلبي للعلاج، النوع السريع (الحاد) وهو الذي يظهر عند تجاوز الجرعة القصوى لتحمل الجسم منه والنوع البطيء (المزمن) ويظهر بعد استعمال العلاج بجرعة متوسطة أو عادية فترة طويلة (أسابيع أو أشهر). ونتناول أولا البحوث المتعلقة بالتأثير السلبي البطيء للحبة السوداء في الجسم، فعند دراسة الآثار السلبية لأي علاج ينظر الأطباء والباحثون إلى تأثير هذا الدواء في أعضاء معينة (خاصة الكبد والكلى) وكذلك على مستويات بعض المواد في الدم وبخاصة السكر وعلى إعداد كريات الدم البيضاء والحمراء والصفائح الدموية وغيرها. وهناك بحثان(1) أجريا على الحبة السوداء متعلقان بتأثيرها البطيء في حيوانات التجارب، في أحدهما استخدمت بجرعة متوسطة مدة (12) أسبوع، وفي الآخر بجرعة عالية مدة أسبوعين، وفي كلا البحثين لم تحدث الحبة السوداء أي تغيرات في خلايا الكبد ولا في مستويات أنزيماته. وفي أحد هذين البحثين لم تحدث الحبة السوداء أي تأثير كذلك في خلايا الكلى والقلب والبنكرياس. وفي المقابل خفضت من مستويات السكر والدهون وكريات الدم البيضاء والصفائح الدموية. وقد خلص الباحثون من هاتين الدراستين إلى أن الحبة السوداء تعد من الأدوية الآمنة والخالية تقريبا من الآثار السلبية البطيئة حتى ولو استخدمت بجرعة متوسطة أو عالية لاتصل إلى حد التسمم. أما بالنسبة للجرعة التي تعد الحد الأقصى لتحمل الجسم، وهي ما يسمى بجرعة التسمم فهذا هو الجانب الآخر للتأثير السلبي وهو السريع أو الحاد، فقد وجد الباحثون(2) أن الجرعة القصوى التي يمكن أن يتحملها جرذان التجارب تصل إلى (28) مل/كلجم من زيت الحبة السوداء بينما الجرعة العادية التي تعطى لهذه الحيوانات هي (1) مل/كلجم أي إن جرعة التسمم هذه هي 28 ضعف الجرعة العادية مما يعطي مجالا واسعا لزيادة
__________
(1) فروالي وزملاؤه 2002, تنيكون وزملاؤه 1991
(2) زوالي وزملاؤه 2002.(14/25)
الجرعة من الحبة السوداء دون حدوث آثار سلبية سريعة في الجسم.
وإجمالاً فإن الدراسات تشير إلى خلو الحبة السوداء من الآثار السلبية عند من استعملها بجرعات عادية حتى على المدى البعيد. وتشير كثير من الدراسات التي أجريت على الإنسان إلى أن الجرعة العادية في الإنسان قد تكون في حدود بضع مئات من المليجرامات يوميا أي لا تتعدى جراماً واحداً في اليوم. والله أعلم.
خاتمة وتوصيات
ويمكن أن نخلص من هذا البحث إلى التوصيات التالية:
ينبغي أن يكون لدينا مزيد من الاهتمام بالنصوص الشرعية المتعلقة بالإعجاز العلمي وبخاصة الطبي منه وذلك لما فيها من خير كبير للبشرية وتخفيف لآلام المرضى ومعاناتهم.
وضع خطط للبحوث الطبية المتعلقة بالطب النبوي وأخص منها ما يتعلق بالحبة السوداء حيث إن هذا الدواء بالنسبة لنا قطعي ولا يحتاج إلى إثبات، ولكن الذي نحتاج إليه هو تحديد الطريقة المثلى للعلاج من الأمراض المختلفة وقد تكون الأولوية لمرضى السرطان لخطورة هذا المرض وانتشاره في الوقت الحاضر.
نوصي بإقامة مراكز للعناية بالبحوث الطبية الشرعية وبخاصة في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، ولو أخذ هذا المجمع المبارك (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) بزمام المبادرة لإقامة مركز لدعم البحوث وتشجيعها في مجال الطب النبوي لكان له أجر السبق والاقتداء.
ينبغي أن تؤصل القواعد والأسس التي تنطلق منها البحوث في الطب النبوي، وأن نحذِّر من إضفاء الصبغة الشرعية على غير العلمية بتسويد صفحات في كتب تحمل عناوين مقتبسة من ألفاظ أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوصفات علاجية مبنية على التجارب الشخصية غير الموثقة علمياً.
المراجع
أولاً: المراجع الشرعية:
صحيح البخاري – للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري – الجزء السابع – طبعة المكتبة الإسلامية – تركيا.(14/26)
صحيح مسلم – للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري – الجزء الرابع – نشر وتوزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري – للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني – الجزء العاشر – نشر وتوزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
صحيح مسلم بشرح النووي – للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف – المجلد السابع – طبعة دار الفكر.
صحيح سنن ابن ماجه – للشيخ محمد ناصر الدين الألباني – المجلد الثاني – الطبعة الثالثة – المكتب الإسلامي ببيروت.
صحيح سنن الترمذي – محمد ناصر الدين الألباني – الجزء الثاني – الطبعة الأولى – المكتب الإسلامي.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل – للشيخ محمد ناصر الدين الألباني – الجزء السابع – الطبعة الأولى – المكتب الإسلامي.
صحيح الجامع الصغير – للشيخ محمد ناصر الدين الألباني – المجلد الثالث – الطبعة الثانية – المكتب الإسلامي.
سلسلة الأحاديث الصحيحة – للإمام الألباني – م2 -4- الطبعة الأولى – المكتب الإسلامي.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي – للإمام الحافظ أبي العلا محمد بن عبدالرحمن المباركفوري – الجزء السادس – الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي – الجزء الخامس – دار الريان للتراث ودار الكتاب العربي – 1407هـ.
فيض القدير شرح الجامع الصغير – للعلامة المناوي – الجزء الرابع – الطبعة الثانية – دار المعرفة.
جامع الأصول في أحاديث الرسول – للإمام مجد الدين بن الأثير الجزري – تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط – الجزء السابع – الطبعة الثانية – دار الفكر.
شرح السنة – للإمام البغوي – تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط – الجزء الثاني عشر – الطبعة الثانية – المكتب الإسلامي.(14/27)
مشكاة المصابيح – لمحمد بن عبدالله الخطيب التبريزي – تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – المكتب الإسلامي.
ثانيا: المراجع الطبية العربية:
الشفاء بالحبة السوداء بين الإعجاز النبوي والطب الحديث للدكتور حسان شمسي باشا – الطبعة الأولى – مكتبة السوادي.
الحبة السوداء – دواء من كل داء – للدكتور حسان شمسي باشا – الطبعة الأولى – مكتبة السوادي للتوزيع.
الشفاء في الحبة السوداء بين التجربة والبرهان – للكيميائي طيب عبدالله الطيب – الطبعة الخامسة – 1409 هـ - الكويت – الناشر: المؤلف.
معجزات الشفاء في الثوم والبصل والعسل والحبة السوداء – أبو الفداء محمد عزت محمد عارف.
الشفاء بالحبة السوداء – لفرح عبدالحميد القداحي – دار الإسراء للنشر والتوزيع – 1413هـ.
مجلة الإعجاز العلمي – مقلة: الحبة السوداء والجهاز المناعي – د. عبدالحميد الصاوي – ص 16-23. العدد الرابع عشر – ذو القعدة 1423هـ.
ثالثاً: مراجع حاسوبية:
موقع الدرر السنية للشيخ علوي السقاف على الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت).
موقع حرف للشركة العالمية للكمبيوتر على الشركة العالمية للمعلومات (الإنترنت).
موقع قوقل (GOOGLE.COM) للبحث على الشبكة العالمية.
برنامج (مكتبة الحديث الشريف – الإصدار 6) لشركة العريس للكمبيوتر.
رابعاً: المراجع الأجنبية (أغلبها باللغة الانجليزية وموجودة على موقع Medline للمجلات العالمية الطبية).
أولاً: البحوث المتعلقة بتأثير الحبة السوداء في المجالات التالية (مرتبة حسب ما ورد في جدول 3 في البحث):
مرض السرطان:
-Hum Exp Toxicol Apr;
Khan N, Sharma S, Sultana S.
-Biomed Sci Instrum
Farah IO, Begum RAJ
-Exp Clin Cancer Res Sep;
Mabrouk GM, Moselhy SS, Zohny SF, Ali EM, Helal TE, Amin AA, Khalifa AA
-Cancer Detect Prev
Badary OA, Gamal El-Din AM
-Planta Med Feb;
Kumara SS, Huat BT
- J Ethnopharmacol Nov
Badary OA.(14/28)
-Eur J Cancer Prev Oct; Badary OA, AlShabanah OA, Nagi MN, Al-Rikabi AC, Elmazar MM.
- Anticancer Res May-Jun; A
Worthen DR, Ghosheh OA, Crooks PA.
-Cancer Lett Mar
Salomi NJ, Nair SC, Jayawardhanan KK, Varghese CD, Panikkar KR.
- J Ethnopharmacol Apr;
Swamy SM, Tan BK.
-Mol Cell Biochem Mar;
Swamy SM, Huat BT
الالتهابات ومسكن للآلام:
-Int Immunopharmacol Oct;
El-Mahmoudy A, Matsuyama H, Borgan MA, Shimizu Y, El-Sayed MG, Minamoto N,
Takewaki T.
-J Ethnopharmacol Jul;
El-Dakhakhny M, Madi NJ, Lembert N, Ammon HP.
-J Ethnopharmacol Jun;
Al-Ghamdi MS.
-Planta Med Feb;
Houghton PJ, Zarka R, de las Heras B, Hoult JR.
-Ann Allergy Mar;
Chakravarty N.
المناعة:
- Phytother Res Mar;
Abuharfeil NM, Salim M, Von Kleist S.
-J Ethnopharmacol Jul;
Abuharfeil NM, Maraqa A, Von Kleist S
-Int J Immunopharmacol Apr;
Haq A, Lobo PI, Al-Tufail M, Rama NR, Al-Sedairy ST.
-Immunopharmacology Aug;
Haq A, Abdullatif M, Lobo PI, Khabar KS, Sheth KV, al-Sedairy ST.
-Saudi Pharmaceut J
Basil AA, Erwa HH.
-Bull Islamic Med
El-Kadi A, Kandil O
مقاومة الميكروبات:
-Phytother Res Feb;
Khan MA, Ashfaq MK, Zuberi HS, Mahmood MS, Gilani AH
-Acta Microbiol Pol
Morsi NM
-Int J Immunopharmacol Sep;
Salem ML, Hossain MS
-J Ethnopharmacol Sep;
Hanafy MS, Hatem ME
-Pharmazie Feb;
El-Fatatry HM.
مقاومة الديدان:
-J Ethnopharmacol Jan;
Mahmoud MR, El-Abhar HS, Saleh SJ
-Pak Med Assoc Aug;
Akhtar MS, Riffat S.
الآثار الجانبية للأدوية:
-Toxicology Mar
Badary OA, Abdel-Naim AB, Abdel-Wahab MH, Hamada FM
-J Ethnopharmacol Nov
Badary OA
-.J Pharm. BelgMar-Apr; discussion el Daly ES
- J Ethnopharmacol Jan;(14/29)
Nair SC, Salomi MJ, Panikkar B, Panikkar KR.
حماية الكبد من التسمم والتليف:
-Res Commun Mol Pathol Pharmacol
Mansour MA, Ginawi OT, El-Hadiyah T, El-Khatib AS, Al-Shabanah OA, Al-Sawaf HA
-J Vet Med A Physiol Pathol Clin Med Dec;
Meral I, Yener Z, Kahraman T, Mert N.
-Dtsch Tierarztl WochenschrFeb;
Turkdogan MK, Agaoglu Z, Yener Z, Sekeroglu R, Akkan HA, Avci ME
-Arzneimittelforschung Sep;
el-Dakhakhny M, Mady NI, Halim MA.
- Biochem Mol Biol Int Jan;
Nagi MN, Alam K, Badary OA, al-Shabanah OA, al-Sawaf HA, al-Bekairi AM.
-Toxicol Lett Mar
Daba MH, Abdel-Rahman MS
نسبة السكر في الدم:
-Res Vet Sci Dec; Fararh KM, Atoji Y, Shimizu Y, Takewaki T.
-Planta Med May;
El-Dakhakhny M, Mady N, Lembert N, Ammon HP.
- Phytomedicine Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Mahassini N, Alaoui K, Amarouch H, Hassar M.
- J Vet Med A Physiol Pathol Clin Med Dec;
Meral I, Yener Z, Kahraman T, Mert N.
- J Ethnopharmacol Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Alaoui K, Mahassine N, Amarouch H, Hassar M.
-Saudi Pharmaceut J
Bamosa AO, Basil AA, Sowayan SA
- Diabetes Res Dec;
al-Awadi F, Fatania H, Shamte U.
-Acta Diabetol Lat Jan-Mar;
Al-Awadi FM, Gumaa KA.
-Annals of Saudi Medicine . Hawsawi ZA, Ali BA, Bamosa AO
كريات الدم البيضاء والحمراء:
-Phytomedicine Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Mahassini N, Alaoui K, Amarouch H, Hassar M.
-J Ethnopharmacol Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Alaoui K, Mahassine N, Amarouch H, Hassar M.
حماية المعدة من القرحة:
- J Ethnopharmacol Feb;
El-Abhar HS, Abdallah DM, Saleh S.
- J Ethnopharmacol Sep;
El-Dakhakhny M, Barakat M, El-Halim MA, Aly SM.
تخثر الدم:
- J Ethnopharmacol Mar;(14/30)
Al-Jishi SA, Abuo Hozaifa B.
-Saudi Pharmaceutical J Oct; .
Bodour MA
- Phytomedicine Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Mahassini N, Alaoui K, Amarouch H, Hassar M.
- Biol Pharm Bull Mar;
Enomoto S, Asano R, Iwahori Y, Narui T, Okada Y, Singab AN, Okuyama T.
الجهاز التنفسي ومرض الربو:
-J Pak Med Assoc Mar;
Gilani AH, Aziz N, Khurram IM, Chaudhary KS, Iqbal A.
-Gen Pharmacol Sep;
El Tahir KE, Ashour MM, al-Harbi MM
-Egypt Pharm Bull
Mahfouz M, El-Dakhakhny M.
-Alex Med J
Mahfouz M, Abdel-Maguid R, El-Dakhakhny M.
-Gazette Egypt Pead Assoc
Badr-El-Din MK
الجهاز الدوري وضغط الدم:
-Therapie May-Jun;
Zaoui A, Cherrah Y, Lacaille-Dubois MA, Settaf A, Amarouch H, Hassar M.
-Gen Pharmacol Sep;
El Tahir KE, Ashour MM, Al-Harbi MM
نسبة الدهون في الدم:
-Arab Gulf J scient Res
Basil AA, Bamosa AO, Al-Hawsawi ZA
-Phytomedicine Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Mahassini N, Alaoui K, Amarouch H, Hassar M.
- J Ethnopharmacol Jan;
Zaoui A, Cherrah Y, Alaoui K, Mahassine N, Amarouch H, Hassar M
-Arzneimittelforschung Sep;
el-Dakhakhny M, Mady NI, Halim MA.
-Saudi Pharmaceut J
Bamosa AO, Ali BA, Sowayan SA
-Indian J Phys Pharm Bamosa AO, Ali BA, Hawsawi ZA
ثانياَ: البحوث المتعلقة بتركيب الحبة السوداء:
-Pharm J Trans
Greenish HG.
-J Pharm Sci United Arab Rep
Mahfouz M, El-Dakhakhny M.
-Arzneim Forsch (Drug Res)
El-Dakhakhny M.
-Prog Essent Oil Res Proc Int Symp Essent Oil
Aboutabl AA, El-Azzouny AA, Hammerschmid FJ.
- Phytother Res Aug;
Burits M, Bucar F.
- J Pharm Biomed Anal Apr;
Ghosheh OA, Houdi AA, Crooks PA.
-Planta Med
Gad AM, El-Dakhakhny M, Hassan MM.
ثالثاً: بحوث الدراسات العليا:(14/31)
رسالة دكتوراه في تأثير الحبة السوداء على الدهون للدكتورة/ بشرى الظواهري، كلية الطب بنات، جامعة الأزهر.
رسالة ماجستير في تأثير الحبة السوداء على السكر والدهون في الدم للدكتورة/ زبيدة هوساوي، كلية الطب، جامعة الملك فيصل.
رسالة ماجستير لدراسة مكونات فصائل معينة من الحبة السوداء التي تنمو في مصر لنجيب, كلية الصيدلة, جامعة القاهرة.
رابعاً: مقالات شاملة على الحبة السوداء (: (Review
-Phytoth Res
Ali BH, Blunden G
-Pakistan J Med Res
Randhawa MA, Gamdi MS
الفهرس
مقدمة…1
الفصل الأول الحبة السوداء في الحديث النبوي…5
المبحث الأول: استقصاء للأحاديث الواردة في الحبة السوداء مع تخريجها…6
المبحث الثاني: كلام العلماء في شرح هذه الأحاديث…10
المبحث الثالث: بعض التجارب في الاستشفاء بالحبة السوداء في القديم والحديث…14
الفصل الثاني الحبة السوداء في الطب الحديث…18
المبحث الأول: مكونات الحبةالسوداء…19
المبحث الثاني: مسح عام للبحوث التي أجريت على الحبة السوداء في الطب الحديث حتى تاريخه…24
المبحث الثالث: هل للحبة السوداء آثار سلبية في الجسم؟ وما الجرعة القصوى التي يمكن أن يتحملها الجسم؟…39
خاتمة وتوصيات…41
المراجع…42
الفهرس…53(14/32)
الحجامة في ضوء الحديث النبوي
والممارسة الطبية
الدكتور
يحيى بن ناصر خواجي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
أصبحت الحجامة مطلباً من مطالب الطب البديل، ليس فقط بين المجتمعات الإسلامية لكونها من التراث النبوي وحثت عليها السنة النبوية المطهرة فحسب، بل أصبحت أيضا مطلبا من مطالب الطب البديل بين المجتمعات الغربية المتقدمة مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا والدول الشرقية كالصين واليابان وكوريا وغيرها، وذلك لما حققت من نتائج جيدة في معالجة بعض الأمراض التي لم يستطع الطب الحديث من علاجها مما دفع التسابق بين المجتمعات العربية والإسلامية إلى بحث. ودراسة هذا النوع من الطب لا لكونه حقق فوائد صحية جمة، بل لكونه إحياء للسنة النبوية الطاهرة، مستندين في ذلك إلى ما ورد من أحاديث ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحث على الحجامة مثل:
1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار، ولا أحب أن أكتوي(1)".
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري(2)".
3- وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشفاء في ثلاث:شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي.(3)"
__________
(1) أخرجه البخاري 10/130 في كتاب الطب: " باب من اكتوى أو كوى غيره " ,10/6583, 5702, ومسلم 4/2205 باب: " لكل داء دواء ".
(2) رواه البخاري، والطبراني بسند حسن، وكما رواه ابن جرير في تهذيب الآثار 1/495.
(3) أخرجه البخاري 10/116 في كاب الطب: " باب الشفاء من ثلاث".(15/1)
من سياق هذه الأحاديث نستنتج أن الحجامة لها فوائد كثيرة سواء استطاعت الأبحاث والدراسات اكتشافها أو لا، ففوائدها محققة فهو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، عَلِمه مَنْ علمه، وجهله من جهله.
ومما لا شك فيه أن أوجه الإعجاز العلمي والطبي في بعض من الدراسات واضحة وبينة إلا أنه في البعض الآخر يحتاج إلى تمحيص وتدقيق حتى لا يكون في الأمر مبالغة.ولكون تطبيق الحجامة في المجتمعات العربية والإسلامية تشوبها بعض الأخطاء الطبية، ولا تخضع إلى تقنية صحية آمنة؛ لذا فان فريقنا الطبي الاستشاري أعد ضوابط صحية ووقائية في آخر البحث تمنع انتشار العدوى بين الحجام والمحجوم، مثل الالتهاب الفيروسي الكبدي والإيدز والسل....وغيرها. وهذه الضوابط ضرورية لكل من يرغب في ممارسة الحجامة سواء كان طبيباً أو ممرضاً أو ممارساً شعبيا.
الحجامة
تعريف الحجامة :
الحجامة: هي ما يفعله الحجام ويحترفه عند ممارسته للحجامة.
الحجَّام: هو المصاص وسمي بذلك لأنه يمص الدم الفاسد من المحجوم عن طريق المِحْجمة.
الحجم: لغة المص والمحجمة هي الآلة التي يمص بها الدم ويحجم بها المريض.
المحجم: يطلق على مشرط الحجام.
تاريخ الحجامة
(أ) الحجامة عند المصريين:
* يعد المصريون القدامى (الفراعنة) هم أول من استخدم العلاج بالحجامة منذ آلاف السنين وقد استخدموا الحجامة بنوعيها الجافة والرطبة.
* ففي عام 1550 قبل الميلاد قام ابرس باروس بكتابة كتاب (وهو أقدم كتاب طبي في مصر) وصف فيه العلاج بالإدماء عن طريق الحجامة لإزالة المواد الضارة الغريبة من الجسم.(15/2)
* وفي عام 413 قبل الميلاد قام الطبيب هرودوتس جريسي بكتابة أول كتاب عن الحجامة في مصر، موضحا فيه كيفية استخدامات الحجامة فقال: " إن الفصد والحجامة هي القوة التي تفرغ الآلام من الرأس، وتقلل الالتهابات، وتفتح الشهية، وتزيل الدوخة، وتعالج الميل للإغماء، وتمنع النزف، وتنظم الدورة الشهرية، وتقلل العفن الذي يؤدي إلى السخونة، وتحسن قوة المعدة.
(ب) الحجامة عند الصينيين:
*ورد في كتاب شن بن للدكتور هي شونج في كتابه "الاتصالات الشخصية "1995م" أن العلاج بالحجامة قد بدأ قديما في الصين".
*وفي سنة 28 بعد موت المسيح: ذكر في كتاب للطبيب الشعبي الصيني زهو فانج والذي أورد فيه أنه استخدم الحجامة في علاج بعض المرضى.
*وفي سنة 281م – 341م : استخدم جن هونج، في مقاطعة جن دانستي، الحجامة بالقرون في شفط الخراجات.
*وفي سنة 755م: سجل في كتاب وايت آنواي أن الحجامة استخدمت لعلاج السل.
*وفي سنة 1055م: كتب سوسن لانج فانج: " أن الحجامة هي العلاج المثالي للسعال المزمن والدواء الناجع ضد سم الحية ".
*وفي سنة 1500م: استخدم الجراح الصيني الشهير الدكتور وي كي زن زونج، الحجامة في ممارسة الجراحة.
*وفي سنة 1800م : ذكر الدكتور الصيني زهوكسو منج في كتابه (بن كاو جانج ميوشي يا):" أن العلاج بالإبر الصينية والحجامة تعالج أكثر من نصف الأمراض " كما وصف تفصيلياً تاريخ الحجامة وأشكالها وأصلها وأنواعها، وظيفة وتطبيقا.
*وفي القرن السادس عشر الميلادي كتب الطبيب برسبرالبنيس الذي أقام في مصر وعمل كطبيب (أن الحجامة تعتبر علاجاً لمعظم أنواع الأمراض إلى جانب المحافظة على الصحة.
*وفي 1644م – 1911م: في مقاطعة كونج دانستي أوصى الطبيب زهو زومينج في كتابه (ملخص الصيدلة العشبية):"باستخدام الحجامة في العلاج".(15/3)
*وفي 1973م اكتشف أقدم سجل للحجامة في " بوشو " وهو كتاب أثري مكتوب بالحرير، في معبد أثري في هان دانيستي، وذكرفيه" أنه استبدلت بقرون الحجامة كؤوس الفخار ثم السراميك ثم كأس الزجاج".
*وفي القرن التاسع عشر في الخمسينات1950م أثبت الباحثون في الصين وإخصائي العلاج بالابر الصينية من الاتحاد السوفيتي أن الحجامة هي العلاج الفعال والممارس في جميع المستشفيات في أنحاء الصين وعلى أثره عملت الأبحاث المستمرة لتطويرالحجامة.
(ج) الحجامة عند الأوروبيين والأمريكان:
* انتقلت الحجامة من المصريين إلى الإغريقيين قديما بواسطة الطبيب الإغريقي " سكروبس" عام 2448 قبل الميلاد والذي هاجر مع رفاقه من مصر واستقر في مستعمرة إغريقية، وبنى مدينة أثينا.(عاصمة اليونان حالياً).
*وفي عام 462 – 361 قبل الميلاد: استخدم أبيقراط (وهو أشهر الأطباء الإغريقيين القدامى) كؤوس كبيرة في الحجامة.
*وفي عام 360 قبل الميلاد:كتب الطبيب الأوروبي "أوباسيس"عن الفصد والحجامة.
*وفي عام 129-200 الميلادي: ذكر جالين : "المرض هو حالة غير طبيعية للجسم تؤدي إلى خلل في وظائفه. والصحة هي الحالة الطبيعية للجسم. ثم تابع قوله:"إن الحجامة تعمل على طرد المواد الضارة المسببة للأمراض، أو تنقل الدم من جزء إلى آخر، وفائدة الحجامة عن غيرها من طرق العلاج بالإدماء أن الطبيب له القدرة على التحكم بمجرى الدم".
*وفي القرن التاسع الميلادي انتشر الفصد والحجامة في أسبانيا بعد فتح الأندلس على أيدي المسلمين العرب.
*وقد استخدم الطبيب العربي الرازي "الفصد والحجامة " بنجاح لعلاج الملك همت الذي تعرض لنزيف بالدماغ.
*أما بالنسبة لإيطاليا فقد انتفلت الحجامة من العرب إليهم في القرن الخامس عشر ميلادي، وفي عام 1638م قام الطبيب الايطالي "بيليني" بالعلاج بالحجامة الجافة.(15/4)
*وفي عام 1796م – 1867م: ذكر الجراح البريطاني وليم مارستون "أنه استخدم الحجامة في مستشفى الحربية الملكية وفي مستشفى مارستون الملكية في لندن.
*وفي عام 1823م كتب الحجام " سمول بايفيلد: أن الحجامة فن".
*وفي عام 1826م كتب الجراح شارلس كندي: "فن الحجامة معروفة وفائدتها تظهر من الممارسة لها" والمصريون هم الذين علموا الإغريقيين الفصد والحجامة.
*و في عام 1827م: استنتج الدكتور مارتن باري، من ادنبيرج والمقيم في باريس، من أبحاثه أن الحجامة تنفع في طرد السموم من الجسم عند وضع كأس الحجامة على الجلد في مكان الجروح التي يوجد بها السم وبذلك ينقذ من الموت، مع أن العمليات الجراحية لا تستطيع استخراج هذا السم.
*وفي عام 1813م – 1830م: قام الحجام تومس مالبسون بوضع قائمة للأمراض التي تعالج بالحجامة وهي:-
الذبحة الصدرية، المياه البيضاء في العين، التشنجات، شد العضل، أمراض المفاصل والحوض والركبة، الصمم، الصرع، الدوخة، الدوران، النقرس، السعال الديكي، استسقاء الرأس، حب الشباب، التهاب الرئة، التسمم، التعب العام، آلام الظهر، التنميل في الأطراف، الانسدادات، أمراض العين، التهاب الغشاء البلوري، الشلل، اختلالات التنفس، الروماتزم، استرجاع الراحة، عرق النساء، صعوبة التنفس، آلام الحلق، الآلام الجانبية للصدر.
*وفي عام 1832م - أكمل الجراح " جيم دافس لين اسكيو " أبحاثه القديمة حجاماً في المعهد الذي كان يعمل به.
*وفي عام 1834م: " استخدم الطبيب الأمريكي من فرجينيا الدكتور جلسبي " الذي عدَّ الحجامة بالقرون هي الطريقة المثلى للحجامة من الكؤوس الزجاجية لسهولة كسرها وكتب ذلك في مجلة الطب والجراحة في بوستن في عام1834م.
*وفي عام 1860م: استخدم الأطباء الأوروبيون والأمريكيون العلاج بالحجامة الرطبة عن طريق الفصد والحجامة ولكن بعد ذلك قل اهتمامهم بالحجامة الرطبة وأصبحوا يفضلون العلاج الدوائي والحجامة الجافة.(15/5)
*وفي عام 1869م: وصف الطبيب الانجليزي دايس دوك استخدام العلاج بالحجامة الجافة.
*وفي بداية القرن العشرين بدأت ممارسة الحجامة تقل في أمريكا وأوروبا تدريجيا. وقد كان آخر استخدام للحجامة في أمريكا وأوروبا عام 1915م. كما كتب في ذلك أحد الأطباء الجراحين الأمريكيين " هاينرش ستيرن".
أما بالنسبة لحجامة الثدي:
فقد اكتشف الأطباء الامريكان في القرن التاسع عشر مضخة الثدي التي استخدمت للأمهات اللواتي يعانون من صغر أثديتهن أو التهاب الثدي.
وقد قام الجراح الأمريكي سامول جروس باستخدام قارورة لها عنق طويل تستخدم مضخة للثدي بطريقة ميكانيكية عام 1920م وبعدها استخدمت المضخة بالطريقة الكهربائية.
*وفي نهاية القرن العشرين عادت أوروبا وأمريكا لاستخدام الحجامة بالطرق الحديثة الصحية المقننة والآمنة وأدرجت تحت العلاج بالطب البديل.
(د) الحجامة عند المسلمين:
عرفت الحجامة كحرفة عند العرب منذ زمن بعيد قبل الإسلام، ولم يكن لها شأن كبير، حيث إنها لم تدون، ولم يثبت تدوينها في أي من الكتب القديمة. ومع بزوغ الدين الإسلامي أصبح لها شأن عظيم لأنها وردت في أحاديث كثيرة حث عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما لها من فوائد جمة لحفظ صحة الإنسان كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث صحيحة كثيرة ومنها:
عن جابر بن عبدالله سمعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي(1)".
__________
(1) أخرجه البخاري 10/130 في " كتاب الطب ": " باب من اكتوى أو كوى غيره " 10/6583، 5072، 4/2205: " باب لكل داء دواء "ومسلم.(15/6)
وفي "الصحيحين ":من حديث "طاوس"، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -"احتجم وأعطى الحجام أجره(1)".
وفي "الصحيحين": عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه من ضريبته وقال:" خير ماتداويتم به الحجامة." (2)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما:" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل"(3).
عن ابن عباس رضي الله عنهما:عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن يكن في شيء شفاء، ففي مصَّة الحجام، ومصة العسل"(4).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -" يحتجم في الأخدعين وبين الكتفين ". وفي رواية للطبراني: "كان يحتجم ثلاثا: في الأخدعين وبين الكتفين"(5).
__________
(1) أخرجه البخاري 10/124 في " كتاب الطب: " باب السعوط " ومسلم 1202 في السلام: " باب لكل داء دواء " وزاد في آخره: " واستعط ".
(2) أخرجه البخاري10/126, 127 في "كتاب الطب": "باب الحجامة من الدواء"، 2277في" كتاب الإجارة: " باب ضريبة العبد "، ومسلم في " كتاب المساقاة: " باب حل أجرة الحجامة "، وأبو داود 3424، والترمذي 1278، وابن ماجه 2164.
(3) أخرجه الترمذي في سننه 2052، وفي " الشمائل " 2/223، وأبو داود 3860، وابن ماجه 3483، وأحمد 3/119، 192 وإسناده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(4) رواه البزار في مسنده، ورواه البخاري في صحيحه 10/116 والحديث له شاهد من حديث ابن عمر عند ابن جرير في تهذيبه.
(5) رواه أحمد في المسند برقم 2155، و2981، و3078، وإسناده صحيح.(15/7)
عن سلمى مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت:"ما كان أحد يشتكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجع برأسه إلا قال احتجم، ولا في رجليه إلا قال أخضبهما".وفي رواية:"فأمره بالحجامة في وسط رأسه"(1).
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الشفاء في ثلاث:شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي." (2).
عن جابر، " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سقط عن فرسه على جذع فانفكت قدمه فاحتجم على ظهر قدمه"(3).
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وَثْي كان به"، وفي رواية: "احتجم وهو محرم من ألم كان بظهره أو بوركه"(4).
ومن هذه الأحاديث نستنتج أن الحجامة مطلب من مطالب الصحة والوقاية من أمراض عديدة. وقد حث عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووقَّت لها أوقاتاً معينة، واحتجم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكاهل، والأخدعين، وعلى ظهر القدم وعلى وركه.
وقد استخدمت الحجامة على هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عهده وعهد الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين، فكانت علاجا لكثير من الأمراض.
وعلى عهد ابن سينا كان للحجامة شأن لابأس به:
__________
(1) رواه أحمد في المسند 6/462، وأبو داود 3858، وابن جرير في تهذيب الآثار، وروى "زيادة الخضاب" الترمذي 4/392، ابن ماجه 3502، والبخاري في التاريخ الكبير 1/4111, والحديث لا بأس به بالشواهد والمتابعات وصححه الحاكم في المستدرك 4/206.
(2) أخرجه البخاري 10/116 في " كتاب الطب ": " باب الشفاء من ثلاث ".
(3) رواه أبو داود في سننه 3863، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه 3485 وإسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة 1615، ورواه أحمد 3/300.
(4) رواه أبو داود في سننه (2863)، وأحمد 3/305، والنسائي 5/193، والبيهقي 9/340، وسنده حسن.(15/8)
فقد ذكر ابن قيم الجوزية (691 – 751هـ ) في كتابه "زاد المعادفي هدي خير العباد"(1): أن ابن سينا كتب في"القانون في الطب" عن نوعي الحجامة:الجافة والرطبة والأدوات التي تستخدم فيها الحجامة وطريقة تطبيقها فقال: « إن الحجامة تنقيتها لنواحي الجلد أكثر من استخراجها للدم الغليظ ومنفعتها في الأبدان الغليظة الدم قليلة لأنها لا تبرز دماءها، ولا تخرجها كما ينبغي بل الرقيق جدا منها، وتحدث الحجامة في العضو المحجوم ضعفاً »
وكذلك فقد ذكر في قانونه عن أماكن الحجامة وفائدتها فقال: "على الكاهل خليفة الباسليق تنفع من وجع المنكب والحلق. وعلى الأخدعين خليفة القيفال تنفع من ارتعاش الرأس وتنفع الأعضاء التي في الرأس مثل الوجه والأسنان والضرس والأذنين والعينين والحلق والأنف، لكن الحجامة على النقرة تورِّث النسيان حقا كما قيل، فإن مؤخر الدماغ موضع الحفظ وتضعفه الحجامة، وعلى الكاهل تضعف فم المعدة."
وقد كتب في قانونه أيضا "الحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والفكين."
وقد ذكر في قانونه الأوقات التي يفضل بها الحجامة فقال:"يؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت أو هاجت، ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجه تابعة في تزايدها لزيادة النور في جرم القمر، واعلم أن أفضل أوقاتها في النهار الساعة الثانية والثالثة".
__________
(1) الجزء الرابع "الطب النبوي" [1، 2 ].(15/9)
ثم بدأت الحجامة تتقهقر؛ بسبب جهل الناس بفائدتها، ولعدم استخدامها على نهجه - صلى الله عليه وسلم - وكادت تنقرض، ولكن بفضل الله على هذه الأمة الإسلامية ثم بفضل المهتمين بالحديث النبوي عاد استخدام الحجامة والاهتمام بها وممارستها، كما جاء في هديه - صلى الله عليه وسلم - وبذلك ظهرت فائدتها واضحة وجلية ليس فقط عند المسلمين، بل عند غير المسلمين من الشرق والغرب تحت مفهوم "الطب البديل"
ونحن نشجع الاهتمام بالحجامة على النهج الصحيح الذي ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، على أن تكون الممارسة لها بالطريقة الصحية والوقائية الآمنة مع اتخاذ الضوابط اللازمة لذلك؛ لمنع انتشار العدوى بين الحجام والمحجوم.
أنواع الحجامة :
أولاً: الحجامة الجافة المتحركة ( المتزحلقة، وهي المساج بالحجامة )
الطريقة:
وضع قليل من زيت النعناع (أبو فأس) مع زيت الزيتون الجيد على مكان الألم.
وضع كأس الحجامة على مكان الألم وسحب الهواء سحبا متوسطا ثم تحريك الكأس حركة دائرية على أماكن الروماتزم والألم مدة خمس دقائق يوميا.
ثانياً: الحجامة الجافة الثابتة (كؤوس الهواء)
الطريقة:
وضع كأس الحجامة على موضع الألم مع الشفط الجيد مدة خمس دقائق يوميا وبدون تشريط، وعادة تكون بعد الحجامة المتحركة مدة أسبوع أو أسبوعين.
ثالثاً: الحجامة الرطبة (المبزغة) ويجب أن يقوم بها أطباء أو متخصصون في الحجامة:
الطريقة:
اختيار النقاط والمكان المناسب بعد تشخيص المرض.
تطهير المكان بالمطهرات الطبية.
وضع المحجم على النقطة الموضحة وعمل حجامة جافة لمدة ثلاث دقائق لتجميع الأخلاط الرديئة.
ينزع المحجم ويتم عمل خدوش بسيطة جدا بمشرط معقم.
* في حالة مرضى سيولة الدم والسكر يتم وخز المكان بسن المشرط.
* يجب أن تكون الخدوش بطول الجسم (ممنوع التشريط بالعرض).
* يجب إبعاد التشريط عن الأوردة البارزة وخاصة في القدم واليد.(15/10)
* الخدوش البسيطة تضمن لنا سحب الأخلاط من السائل البيني وفي حالة التشريط العميق تخرج الدماء من الأوردة المتوسطة وهذا غير مرغوب فيه.
يوضع المحجم على الموضع نفسه ويتم سحب الهواء فتخرج كمية من الدماء. ويكرر رفع المحجم ووضعه وسحب الهواء حتى يتم التخلص من التجمع الدموي.
يطهر المكان بالمطهرات الطبية وينصح المريض بالراحة.
ملاحظات:
يفضل استخدام أدوات لمرة واحدة (دسبوسبول).
أو أدوات شخصية قابلة للتعقيم أو تعقيم أدوات الحجامة المتعارف عليها تعقيما طبياً جيداً.
الأحاديث النبوية الواردة في الحجامة:
أولاً: ما ورد في فضل الحجامة:
1- عن جابر بن عبدالله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي"(1).
2- وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"خير ما تداويتم به الحجامة والفصد". وفي حديث آخر:"خير الدواء الحجامة والفصد". وفي لفظ من حديث أنس:"إن أمثل ما تداويتم به الحجامة"(2).
3- من حديث طاوس، عن ابن عباس:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري 10/130 في " كتاب الطب ": " باب من اكتوى أو كوى غيره " 10/6583، 5072، 4/2205: " باب لكل داء دواء ". ومسلم
(2) أخرجه دون قوله: " والفصد "، البخاري 10/126، 127 من حديث أنس بلفظ: " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة "، وأخرجه مسلم 1577 بلفظ: " إن أفضل ما تداويتم به الحجامة " أو " هو من أمثل دوائكم "، وأخرجه أحمد 3/107 بلفظ " خير ما تداويتم به الحجامة ".
(3) أخرجه البخاري 10/124 في " كتاب الطب ": " باب السعوط "، ومسلم 1202 في السلام: " باب لكل داء دواء "، وزاد في آخره: " واستعط "(15/11)
4- عن ابن مسعود، قال:" حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن ليلة أسري به أنه لم يمر على ملأ من الملائكة، إلا أمروه أن مُرْ أمتك بالحجامة"(1).
5- عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما عرج بي إلى السماء لم أمر بملأ من الملائكة، إلا قالوا: عليك يا محمد بالحجامة"(2).
6- عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"إن يكن في شيء شفاء ففي مصة الحجام ومصة العسل"(3).
7- عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري"(4).
8- وعن أبي هريرة قال:" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة"(5).
9- عن سمرة بن جندب، قال:" كنت قاعدا، عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فدعى الحجام فعلق عليه محاجم قرون، ثم شرطه بشفرة، فدخل عليه أعرابي من بني فزارة، فقال يا رسول الله : ما هذا يقطع جلدك. قال: هذا الحجم. قال وما الحجم ؟ قال من خير دواء يتداوى به الناس" وفي رواية "خير ما تداويتم به الحجامة"(6).
__________
(1) رواه الترمذي في سننه 2052, وقال: " هذا حسن غريب " والحديث حسن بشواهده من حديث علي.
(2) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في اتحاف السادة المهرة 2/161 وهو حديث حسن بمتابعاته وشواهد.
(3) رواه البزار في مسنده، ورواه البخاري في صحيحه تعليقا 10/116 والحديث عند ابن جرير في تهذيبه من حديث ابن عمر.
(4) رواه ابن جرير في تهذيب الآثار 1/491, والطبراني بسند حسن.
(5) أخرجه أبو داود في سننه 3857 وابن ماجه 3476 وسنده حسن.
(6) رواه الطبراني في الكبير 7/6787 والبيهقي 9/239، وأحمد 5/9، ورواه النسائي في الكبرى 4/79 كما في تحفة الأشراف والحاكم 4/208 وهو حديث صحيح.(15/12)
10- عن أبي كبشة الأنماري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم على هامته وبين كتفيه، ويقول:" من أهراق منه هذه الدماء فلا يضره أن يتداوى بشيء لشيء"(1).
11- عن سلمى مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت:" ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا رجليه إلا قال اخضبهما"، وفي رواية "فأمره بالحجامة في وسط رأسه"(2).
12- جاء عيينة بن حصن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يحتجم، فقال:" ما هذا؟"، قال:" هذا ؟ خير ما تداوى به العرب"(3).
13- عن مويلح بن عبدالله الخطى، عن أبيه قال:" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" خمس من سنن المرسلين، الحياء، والحلم، والحجامة، والسواك، والتعطر"(4).
14- روى مالك في الموطأ، من بلاغاته، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن كان دواء يبلغ الداء، فإن الحجامة تبلغه"(5).
15- عن أبي قتادة، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن كان شيء مما تعالجون به، يصيب الداء أو يطلب الداء ففي الحجامة"(6).
__________
(1) رواه ابن ماجه 3484 وله شاهد من حديث عبدالرحمن بن خالد بن الوليد: ابن سعد 1/446، والطبراني وابن جرير في تهذيب الآثار وهو حديث حسن.
(2) رواه البخاري في التاريخ الكبير 1/4111، ورواه أحمد في المسند 6/462، وأبو داود 3858, وابن جرير في تهذيب الآثار, وروى زيادة " الخضاب "، الترمذي 4/392، وابن ماجه 3502 وصححه الحاكم في المستدرك 4/206.
(3) رواه ابن جرير في تهذيب الآثار ورجاله ثقات.
(4) رواه الطبراني وابن جرير في تهذيب الآثار، في 4/2/10 وله شاهد من حديث ابن عباس وهو حديث حسن.
(5) الموطأ 2/974.
(6) رواه ابن جرير في تهذيب الآثار ورجاله ثقات.(15/13)
16- عن الحسن قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنكم لا بد أن تداووا، وخير ما تداويتم به الحجامة"(1).
17- وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشفاء في ثلاث:شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، أنا أنهى أمتي عن الكي." (2).
18- عن عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن كان في شيء شفاء ففي ثلاث : شربة عسل، أو شرطة محجم، أو كية بنار تصيب ألما وأنا أكره الكي، ولا أحبه"(3).
ثانياً: ما ورد في موضع الحجامة:
19- عن عكرمة عن ابن عباس قال:" احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به"(4).
20- عن ابن عباس، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين وبين الكتفين. وفي رواية للطبراني، كان يحتجم ثلاثا في الأخدعين وبين الكتفين(5).
21- عن جابر، " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سقط عن فرسه على جذع فانفكت قدمه فاحتجم على ظهر قدمه"(6).
__________
(1) هذا حديث مرسل وقد رواه ابن جرير في تهذيب الآثار والمتن له شواهد متعددة، ورواه البيهقي 9/340.
(2) أخرجه البخاري 10/116 في " كتاب الطب ": " باب الشفاء في ثلاث ".
(3) رواه أحمد في المسند 4/146، وابن جرير في تهذيب الآثار، وقال الهيثمي في " المجمع " 91، 92 رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا عبدالله بن الوليد بن قيس وهو ثقة.
(4) رواه البخاري 10/5700، و4/1835، 1938، وانظر الفتح 10/153.
(5) رواه أحمد في المسند 2155، و2981، و3078 وهو صحيح.
(6) رواه أبو داود في سننه 3863، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه 3485 واسناده صحيح وصححه ابن خزيمة 1615، ورواه أحمد 3/300.(15/14)
22- عن أنس بن مالك قال:"احتجم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأخدعين والكاهل"(1).
23- وعنه:" أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم، من وجع كان به"(2).
24- عن عبدالله بن جعفر قال:" احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على طرفه بعدما سم"(3).
25- عن عبدالله بن بحينة يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، احتجم بلحى جمل من طريق مكة وهو محرم في وسط رأسه(4).
26- عن صهيب الرومي قال:" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بالحجامة في جوزة القمحدورة فإنها شفاء من اثنين وسبعين داء"(5).
27- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وَثْي كان به "، وفي رواية:"احتجم وهو محرم من ألم كان بظهره أو بوركه"(6).
__________
(1) أخرجه الترمذي في سننه 2052 وفي " الشمائل " 2/223، وأبو داود 3860، وابن ماجه3483، وأحمد 3/119، 192، والحاكم 4/210 واسناده صحيح وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2) رواه أبو داود 1837 والترمذي والنسائي 5/194، والحاكم في المستدرك 1/453، وابن حبان 1400 وهو حديث صحيح.
(3) رواه أبو يعلى وأبو نعيم في الطب، وابن جرير في تهذيب الآثار 1/525 وأبو داود الطيالسي وقال الهيثمي في " المجمع " 5/92 رواه الطبراني بإسنادين ورجاله ثقات وعند ابن سعد 2/200, 201، وأحمد في المسند 1/305، 1/374 وسنده حسن.
(4) رواه البخاري في صحيحه 10/5698، ومسلم 2/1203.
(5) ذكره الهيثمي في " المجمع " 5/94 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(6) رواه أبو داود 2863، وأحمد 3/305، والنسائي 5/193، والبيهقي 9/340 وسنده حسن.(15/15)
28- وفي سنن "أبي داود" من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه:"احتجم على وركه من وَثْي كان به"(1).
ثالثاً: ما ورد في وقت الحجامة:
29- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم"(2).
30- عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من أراد الحجامة، فليتحرَّ سبع عشرة، أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين، ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله"(3).
31- عن أبي هريرة، قال:" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من احتجم لسبع عشرة، ولتسع عشرة، ولإحدى وعشرين، كان شفاء من كل داء"(4).
التفسير العلمي المحتمل لتأثير الحجامة
النظريات القديمة لتأثير الحجامة:
وهي (نظرية القنوات الكهرومغناطيسية) وهي أن الجسم يحتوي على قنوات تجري فيها الطاقة المغناطيسية وهي تحدد صحة الإنسان وعافيته فكلما كانت تسير هذه الطاقة وبدون عوائق، يكون الإنسان صحيحاً. وإلا فإنه يصبح عرضة للأمراض فالحجامة تعمل على تصحيح مسار الطاقة وتقويتها في قنوات الطاقة.
__________
(1) أخرجه أبو داود 3864 ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي 5/194 في الحج " باب حجامة المحرم على ظهر القدم " بلفظ: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وثءٍ كان به ".
(2) رواه البخاري 4/1938.
(3) أخرجه ابن ماجه 3486 وفي سنده النهاس بن قهم وهو ضعيف لكن يشهد له حديث أبي هريرة وهو عند أبي داود 3861 وم طريقه البيهقي 9/340 وسنده حسن، وعند الحاكم في المستدرك 4/212 وله شاهد حديث ابن عباس.
(4) أخرجه أبو داود 3861 وسنده حسن، ورواه البيهقي 9/310، والطبراني في الأوسط 680.(15/16)
إن هذه النظرية هي نظرية فرعونية. دل على ذلك وجود رسوم وخرائط للقنوات الحيوية على مقابر القدماء ومعابدهم ويبنون آراءهم على ذلك ثم انتقلت هذه النظرية من مصر إلى آسيا عن طريق القبائل الآسيوية مثل الهكسوس الذين عاشوا فترة من الزمن في مصر فنقلوا إلى آسيا العلم والطب إلى بلادهم. وكانت فكرة العمل تنشيط الموجات الكهرومغناطيسية للجسم، فقد استخدم القدماء هذا العلاج بطرق متقدمة مثل الحجامة والفصد والكي وغيرها.
النظريات الحديثة لطرق تأثير الحجامة:
1- النظرية الشرقية.
2- النظرية الغربية.
3- النظرية الإسلامية.
ورغم اختلاف النظرية الشرقية والنظرية الغربية على التعليل العلمي للحجامة إلا أنهما اتفقتا على مواضع الحجامة وأماكنها.
(1) النظرية الشرقية:
اختلف العلماء الصينيون للتعليل العلمي للحجامة، فهناك عدة نظريات أهمها:
أولاً: نظرية الطاقة الكهرومغناطيسية:
إن هذه النظرية لعمل النقاط للحجامة لا تختلف كثيراً عن نقاط عمل النظرية الصينية القديمة في العلاج بالوخز ولكن النظرية الصينية الحديثة تقول: (إن الجسم فيه اثنتا عشرة قناة أساسية وأربع قنوات فرعية، وهذه القنوات تجري فيها طاقة كهرومغنطيسية وتحدد هذه الطاقة صحة الإنسان وعافيته. فإذا كانت هذه الطاقة تسير في هذه القنوات في يسر وبدون أي عوائق فإن الإنسان يكون في صحته وعافيته أما إذا حدث أي خلل في مسير هذه الطاقة فإنه يؤثر في صحة الإنسان فعلى نقاط هذه المسارات الكهرومغنطيسية توجد نقاط. وتعطي إشارات لأجهزة خاصة تشير إلى حدوث ضعف للمقاومة في هذه المنطقة فكل عضو له نقطة لها دلالتها الخاصة التي تدل على وجود مشكلة صحية في مكان ما في الجسم وأيضا هي نقاط تقوية، فعند التعامل مع هذه النقاط (نقاط الدلالة) على مسارات القوى الكهرومغنطيسية فإنه يعود للجسم صحته وعافيته.(15/17)
كما أن الصينيين يقولون: إن الجلد والقنوات التي تجري في ثناياه هي وسيلة تشخيص وعلاج المرض أيضا. فالجلد هو الأكثر تعرضا بين داخل الجسم وخارجه وهو يعكس صحة الجسم وعافيته فجلد وبشرة نضرة تدل على صحة وعافية أعضاء الجسم الأخرى، وكما هو معروف، فالجلد هو أكبر عضو في الجسم، ويحتوي على سوائل ودم وأوعية دموية وأنسجة ضامة وعضلات، كما يحتوي على أكبر شبكة عصبية وتبعا للنظرية الشرقية فإنه يحتوي على أكبر شبكة كهرومغنطيسية في الجسم ولذا فإنه مركز التأثير العلاجي في النظرية الشرقية، كما يحتوي على أكبر شبكة من الأوعية الدموية واللمفاوية. لذا فإن الجلد هو شبكة الاتصال بين المعالج والمريض في النظرية الشرقية.
ثانياً: الطاقة الحيوية "تشي"
تعد النظرية الشرقية أن الطاقة الحيوية أو" تشي" هي سائل الحياة الذي يجري في القنوات وهو ينقسم إلى عدة أنواع تتعلق بالمناعة والمقاومة ودورات الحياة الأخرى وهذه الطاقة هي التي تتحكم في أجزاء الجسم المختلفة.
(2) النظرية الغربية:
بالرغم من أن نقاط العلاج بالضغط التي يتبعها الأوربيون لا تختلف كثيراً عن النقاط التي يعمل بها الحجامة، فقد وضعت نظريات مختلفة عند الغرب للتعليل العلمي للعلاج بالحجامة وأهم هذه النظريات هي:
أولاً: نظرية بوابة التحكم في الآلام:(15/18)
وهي أقدم نظرية عند الغرب للإحساس بالألم وقد وضعها العالمان "ملزاك" و" دل " في سنة 1965م. وتنص هذه النظرية على: " أن إحساسنا بالألم يستقبل خلال بوابات متعددة على مسار الجهاز العصبي المركزي، وخلال الألياف الدقيقة وفي الظروف العادية هذه البوابات تكون مفتوحة بشكل جيد، يسمح لإشارات الألم أن تعبر خلالها بسهولة، ولكن عندما يتم التأثير في مناطق التأثير الحجامي فإن موجة أخرى من الإشارات تؤدي إلى إغلاق المنافذ غير المؤلمة عبر الألياف الغليظة إلى الجهاز العصبي المركزي فإنها تصل إليه، وبذلك يحدث المفعول التسكيني، ويعتقد أن الجهاز السمبتاوي له دور في هذه التوصيلة.
ثانياً: نظرية بومرز:
يعتقد العالم "بومرز" أن مواد كيميائية وبيولوجية لها أثر في تسكين الألم وهذه المواد هي الأندورفين المفززة بالجسم هي التي تؤدي إلى هذا المفعول. فهناك أكثر من مائة موصل عصبي تحت الدراسة حتى الآن لتسكين الألم في حالة الحجامة بنظرية " برومرز " تقول: " إن الغدة النخامية تفرز مادة تسمى " الانكفالين " وهي الأندورفينات التي تلعب الدور التسكيني عن طريق الالتحام مع مستقبلات الألم في الالتهابات العصبية مما يؤدي تقليل الجهد المعمول على النهاية العصبية وتقليل التوصيل، كما أن الخلايا العصبية المستقبلة للإشارات تستقبل موجات أقل وإحساسا أقل مما يؤدي إلى انحسار في الإحساس بالألم بطرق مختلفة.
ثالثاً: نظرية رد الفعل المنعكس:
إن " نظرية ملزاك " شرحت تفسير موضع علاج الألم، ولكن لم تفسر العلاجات الأخرى كالالتهاب والأمراض السرطانية وغيرها، ولهذا وضعت نظرية معدلة لنظرية ملزاك وهي " رد الفعل المنعكس Reflex " وتقول هذه النظرية: " إنه بالتأثير في نقطة معينة في الجسم فإن هذا التأثير يذهب إلى الجهاز العصبي المركزي الذي يؤدي بدوره إلى تفاعلات أجهزة الجسم الأخرى للتعامل مع عنصر الخلل الذي حدث.(15/19)
مثال ذلك: التهاب المفاصل فالتأثير في النقاط لهذا المفصل يؤدي إلى إرسال إشارات عصبية إلى الجهاز العصبي المركزي، ومنه إلى الأعصاب الداخلية المسؤولة عن إفرازات المواد المناعية ومضادات الألم ومضادات الالتهابات التي تعمل على مقاومة هذه المسببات، وتحسن الخلل الوظيفي الحادث.
أساس عمل النظرية:
1 - كل نقطة على مجرى الطاقة متصلة عصبياً بالحبل الشوكي، وهو متصل في دورة أخرى عصبية بالأعضاء الداخلية للجسم.
2 - النقاط القريبة من الأعضاء الداخلية متصلة بهذه الأعضاء شبه مباشرة Spinous Mechanism.
3 - النقاط البعيدة من المناطق الداخلية تؤثر في الأعضاء الداخلية من خلال اتصالها بالمخ Supra spinous Mechanism.
4 - يوجد بالمخ أربعة مناطق تعمل بمنزلة مراكز لقنوات الطاقة وتتحكم فيها ولها دور في تحديد كهربية النقاط الموجودة على الجلد.
5 - في هذه المراكز خلايا عصبية لها خصيصة استقبال المعلومات من نقاط المجال المغنطيسي فعند حدوث مشكلة صحية يتم التأثير في نقاط المجال فيقود الجسم بتصحيح نفسه.
6 - صيوان الأذن له خاصية معينة جلدية أو مغنطيسية حيث إن فيها نقاطاً معينة. تتفاعل هذه النقاط عند حدوث مشكلة ما يؤدي إلى حدوث احمرار أو الألم الموضعي وانخفاض المقاومة الكهربية في الأذن ومن المعتقد أن العصب الحائر (العاشر) يقوم بتوصيل إشارات الأعضاء الداخلية من الجسم إلى صيوان الأذن.
تفسير العلاقة بين نقاط التأثير "الحجامة" في مواقع القوى الكهرومغنطيسية للجسم والأعضاء الداخلية للجسم:
تفسر هذه العلاقة من علم تطور الأجنة، فأساس الإنسان هو بويضة مخصبة واحدة ثم تنقسم إلى عدة انقسامات ثم تتطور إلى ثلاثة أجزاء رئيسية.(15/20)
من هنا نرى أن جسم الإنسان كان نقطة واحدة ثم أصبح نقاطاً كثيرة ولكنها يرتبط بعضها ببعض كذلك فإن أجزاء الجسم البعيدة والقريبة مرتبطة كل مع الآخر ارتباطا وثيقا بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ولذا فإن أي خلل في عضو ما داخل الجسم يترتب عليه تغيير في مقاومات الجسم السطحية.
رابعاً: مفعول مقاوم:
* وجد العالم " ليسو " أن التعامل مع نقاط المقاومات الطبيعية في الجسم يؤدي إلى زيادة في عدد كريات الدم البيضاء وجاما جلوبيولين الذي تنتجه الخلايا الليمفاوية البائية عبر التعامل مع النقاط مباشرة يحدث بعد ثلاث ساعات من التفاعل ويعود إلى شكله العادي بعد (24) ساعة. أما جاما جلوبيولين يزيد بعد ثلاثة أيام ويعود إلى شكله العادي بعد أسبوع من التعامل، وكذلك الأجسام المناعية الأخرى بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف.
* كما وجد " شن " ورفقاؤه أن التأثير في النقاط له دور تأثيري مقاوم في فئران التجارب، حيث إنه وجد أن السائل التفاعلي من التهاب المفاصل تقل عند التعامل مع هذه النقاط كما وجد زيادة في كريات الدم البيضاء في الدورة الدموية.
* وجد أن مادة الإنتروفيرون تزيد في الدم بعد التعامل مع بعض هذه النقاط، إذ لها مفعول مضاد للالتهابات الفيروسية وبعض الأورام السرطانية.
خامساً: المفعول الهرموني :
أثبتت " أوميرة " أن التعامل مع النقاط الهرمونية ينتج عنه زيادة في الهرمون المنشط لكورتيزون الجسم الطبيعي المفرز من الغدة النخامية عند التعامل مع نقطة زوسان لي الصينية (المعدة 36) الدولي (نفس الترقيم الحجامي الدولي للطريقة ).
سادساً: نظرية القوى الحيوية، تشي عند الغرب:
تعد الموجات الكهرومغنطيسية هي التي تجري في قنوات الجسم.
سابعاً: تنشيط مراكز الحركة في الجسم:(15/21)
وجد أن تنشيط هذه النقاط يساعد على استعادة نشاط الخلايا العصبية الساكنة والتالفة وذلك خلال دورة عصبية يشترك فيها. يسمى خلايا " كاجال " و" تشو " لذا يحدث التحسن في حالات الضمور والشلل بعد سنوات من حدوثه.
ثامناً: تنشيط الموصلات العصبية:
مثل مادة الدوبامين التي تعمل على تنشيط الموصلات العصبية التي يؤدي نقصها إلى أعراض عصبية مثل الشلل الرعاشي.
خلاصة النظريات الحديثة والقديمة:
النظريات الجديدة لتفسير أثر الحجامة في شفاء كثير من الأمراض:
يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - سرعة الوصول إلى الهدف بعد تنشيط النقاط المتفاعل معها.
2 - تحقيق النجاح عند التعامل مع هذه النقاط سواء عن طريق تحسين الأعراض والفحوصات المعملية بالمتابعة المستمرة لآثار نجاحه.
3 - إمكان تأثير النقاط بطرق مختلفة سواء كان التعامل مع نفس النقطة بالحجامة أو بالوخز أو الكي.. وغيرها.
4 - مع التطور الفسيولوجي والباثولوجي تبين أن للحجامة دوراً فعالاً في علاج كثير من الأمراض.
ميكانيكية عمل الحجامة:
يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - تنشيط النقاط الواقعة على المسارات المغنطيسية للجسم بهدف ما: مثل مفعول مسكن، أو رفع المقاومة المناعية للجسم، أو معالجة الأخطاء المناعية في الجسم.
2 - تنشيط الدورة الليمفاوية للجسم الذي يؤدي إلى سرعة تنقية سوائل الجسم.
3 - تنشيط الدورة الدموية للجسم فيتغلب على ضعف التروية الدموية في أجزاء الجسم المختلفة التي تنتج عنها مشاكل في بعض أجزاء الجسم.
(3) النظرية الإسلامية:(15/22)
كتب ابن سينا في كتابه " القانون في الطب " عن التعليل العلمي للحجامة، وكما جاء في كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية في الطب النبوي في فصل هديه في العلاج بشرب العسل والحجامة والكي أن الحجامة تستعمل لكثرة الدم أو فساده أو لتسكين الوجع والآلم وذكر صاحب "زاد المعاد" أن الحجامة تنفع في تنقية دم سطح البدن أكثر من الفصد، والفصد لأعماق البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم من نواحي الجلد.
ويرى ابن سينا أن دم الحجامة هو دم فاسد يحتوي على أخلاط ولا يحتاج الجسم إليه بل وجوده يسبب أضراراً للجسم.كما وضح ابن سينا عن أفضل وقت للحجامة فقال:" إن استعمال الحجامة ليس في أول الشهر، لأن هذه الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزايد النور في جرم القمر" لذا يستحب الحجامة في الربع الثالث من أرباع الشهر لأن الأخلاط تكون في نهاية التزايد كما فسر صاحب " القانون " : أوقاتها في النهار: من الساعة الثانية أو الثالثة (7-9صباحا) ويجب توقيتها بعد الحمام إلا فيمن كان دمه غليظ فيجب أن يستحم ثم يستجم ساعة ثم يحتجم.
وتفضل الحجامة على الريق، لأن الحجامة على الشبع ربما أورثت سدداً وأمراضاً رديئة، ولاسيما إذا كان الغذاء رديئاً غليظاً. وفي الأثر: "الحجامة على الريق دواء، وعلى الشبع داء، وفي سبعة عشر من الشهر شفاء". واختيار هذه الأوقات للحجامة في حالة إذا عملت الحجامة وقاية من الأمراض وعلى سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى حفظا للصحة، وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها، فإنها تنفع في أي وقت كان من أول الشهر أو آخره.(15/23)
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله " دلالة على ذلك، ولكن يجب الحرص عندما تعمل في الوقت الذي يكون الدم هائجا حتى لا يؤثر في حياة الشخص. وكان الإمام أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم، وأي ساعة كانت.
أما اختيار أيام الأسبوع للحجامة فقال الخلال في "جامعه": أخبرنا حرب بن إسماعيل قال: قلت: لأحمد: تكره الحجامة في شيء من الأيام؟ قال: قد جاء في الأربعاء والسبت. ولكن الأحاديث التي ورد فيها كراهية الاحتجام في يوم السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء والجمعة، وأنها تسبب الإصابة بالجذام والبرص فهي أحاديث ضعيفة.
التعليل العلمي للحجامة عند المسلمين حديثاً:
لم يختلف التعليل العلمي للحجامة عند المسلمين قديما وحديثا بل إن الطب الحديث أثبت مخبريا وعمليا وتجريبيا صحة التعليل القديم حيث أثبت فحص دم الحجامة مخبريا على أنه دم فاسد ويحتوي على أخلاط كما ذكر ابن سينا في كتابة " القانون في الطب ".
ولكن ما تفسير الدم الفاسد علميا ومخبريا حديثا؟ وما الأخلاط؟ وما صفتها؟.
لقد أثبت الطب الحديث أن الأمراض تحدث بسبب وجود شوائب في الدم (وهي ما تسمى بالأخلاط) فما هذه الشوائب وما علاقتها بفساد الدم؟.(15/24)
إن الدم الفاسد هو الدم الذي يحتوي على شوائب من خلايا الدم الحمراء العاجزة والهرمة والتالفة وجزئيات كبيرة ذات وزن جزيئي مرتفع حيث إن هذه الخلايا الحمراء الهرمة تفقد مرونتها وقدرتها على أن تنثني على نفسها لتمر في الشعيرات الدموية الصغيرة، فتتجمع مع البلايين من مثيلاتها إلى جدران الأوعية الدموية تتدافعها الخلايا الحمراء الفتية معرقلة جريان الدم مما يؤدي إلى اختلالات في الجهاز الدوري مع ضعف في سيره إلى أعضاء الجسم المختلفة مما يؤثر في وظيفة ونشاط هذه الأعضاء ناتجا عن نقص في التروية الدموية الناتجة عن إعاقات بسبب ترسب الخلايا الحمراء الهرمة؛ لذا فإنها تظهر واضحة مع تقدم السن لعجز أجهزتهم من التغلب على هذه المشكلة التي تكون مصاحبا لها تشكل الخثرات الدموية وبسبب لزوجة سطوح هذه الخلايا الدموية الحمراء وكثافتها العالية بجانب لزوجة بروتينات بلازما الدم مما يؤدي إلى التصاق عشوائي لهذه الخلايا الهرمة والميتة التي فقدت خاصية المرونة خصيصة التي باستطاعة الخلايا الفتية أثناء تدافعها خلال دورة الدم من التغلب على الالتصاق العشوائي والمنتظم بعضها ببعض بشكل تراكبي، ولكن هذه الخلايا الهرمة والميتة لا تستطيع الانفصال، عن بعضها وبوجود الألياف والصفيحات الدموية تتشكل الخثرات الدموية التي بدورها تعيق حركة الدم، ولهذين السببين: (الترسبات على جدران الأوعية الدموية وعرقلة سير الدم) يرتفع ضغط الدم وتتصلب الشرايين.(15/25)
وأما أثر الحجامة في حل هذه المشكلة فهو أثر عظيم، حيث إنها تعيد الدم إلى طبيعته ونقائه وتؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية بعد إزالة ما زاد من الدم الفاسد المحتوي على نسبة كبيرة من خلايا حمراء هرمة وأشباهها وأشكالها الشاذة ومن الشوائب الدموية الأخرى الذي يعجز الجسم عن التخلص منه والذي يؤدي وجودها إلى عرقلة سريان الدم في الجسم مما يقلل من عمل الخلايا الحمراء الفتية فيؤدي إلى إصابة الجسم بضعف، ويصبح فريسة للأمراض. فإذا احتجم الشخص أعاد الدم إلى طبيعته، وأزال الفاسد منه وزال الضغط عن الجسم، فاندفع الدم النقي الذي يحتوي على الخلايا الحمراء الفتية ليغذي خلايا الجسم وأعضاءه ويزيل عنه الرواسب الضارة من فضلات وثاني أكسيد الكربون والبولينا وحمض اللبن(حمض اللاكتيك) وغير ذلك فينشط الجسم ويعود إلى حالته الطبيعية.
لذا فإن الحجامة وقاية قبل حدوث المرض بسبب تجمع هذه الشوائب وهي علاج بعد حدوث المرض الذي أحدثته هذه الشوائب والتي عند إزالتها تتحسن وظيفة العضو المترسب عليه هذه الشوائب.
التعليل العلمي لإجراء عملية الحجامة في منطقة الكاهل:
اختيرت منطقة الكاهل وهي المنطقة المنصوص عليها في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم في الكاهل. والتعليل عند المسلمين للحجامة في منطقة الكاهل تتلخص فيما يلي:
1 - تجمع الكرات الدموية الحمراء الهرمة والتالفة في هذه المنطقة ولاسيما عند النوم.
2 - منطقة ليس فيها شرايين ولا أوردة كبيرة؛ لذا فإن النزف الدموي في هذه المنطقة ضعيف.
3 - التئام الجروح في هذه المنطقة سريع.(15/26)
تأوي الكريات الدموية الحمراء والهرمة والتالفة والعاجزة والشوائب الدموية والجزيئات الكبيرة ذات الوزن الجزيئي المرتفع وتترسب هذه الشوائب في منطقة الكاهل لأنها منطقة أقل نشاطا وحركة، وبخاصة أثناء النوم كما أنها تعد أركد منطقة في جسم الإنسان؛ لأنها خالية من المفاصل المتحركة والعضلات الموجودة فيها هي عضلات شد وتثبيت للعظام، ومنطقة الكاهل تكثر فيها الشعيرات الدموية وتكون أشد تشعبا وغزارة لذا تنخفض سرعة الدم في الأوعية السطحية في الجلد وفي الأوعية الدموية العميقة منها (طبقات الجلد العميقة والعضلات) فتترسب على جدار هذه الأوعية الدموية الكريات الدموية الحمراء الهرمة والتالفة والعاجزة والشوائب مما يخفض سرعة الدم أكثر؛ ومما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم في الجسم بجانب أن الكريات الدموية الحمراء الهرمة من الصعب عليها اجتياز الأوعية الدقيقة وهذه تظهر على شكل آلام في الظهر، بسبب تراكم الشوائب الدموية والسموم والمواد الضارة المسببة للألم (مثل حمض اللبن).
وقد استنتج الطبيب الياباني كواكورواوا من أبحاثه في الحجامة بأن الشوائب في الدم هي السبب في إصابتنا بالأمراض المختلفة.
كما أن الحجامة لها أثر هام في تخليص الجسم من لزوجة الدم الزائدة بحيث لا يؤثر ذلك في وظائفه بل يزيل كل العوائق التي تقلل من سرعة جريان الدم وبذلك يتحرك الدم بسهولة وحرية تحت ضغط دم طبيعي منتظم؛ مما يعيد للدورة الدموية نشاطها دون معاناة من ارتفاع ضغط الدم، ويؤدي إلى تنشيط وظائف أعضاء الجسم.(15/27)
ولكن قد يتساءل بعضهم: أما للكبد والطحال دور في ابتلاع هذه الكريات وتحطيمها، والحد من تأثيراتها السلبية في الدورة الدموية؟ إن الحجامة مساعدة للكبد والطحال في أداء وظيفتيهما الفسيولوجية على أتم وجه لأن عدد هذه الكريات الدموية الهرمة والمقبلة على الهرم والأشباه منها والعاجزة والشوائب كميات كبيرة؛ لذا فإنها تأوي إلى الأماكن الهادئة للدوران الدموي في الجسم وتترسب على جدران الأوعية الدموية الموجودة في الجلد والأنسجة والشبكات الدموية لأعضاء هذا الجسم مهما تخلص الكبد والطحال من هذه الكريات فإن عدداً كبيراً يظل في الدورة الدموية مما يعيق الدورة الدموية فيؤثر في وظائف أعضاء الجسم.
كما يتقاعد ويبطئ حركته فلا يصل إليهما. وهنا يبرز دور الحجامة في اجتثاث المتبقي من الكريات الهرمة والشوائب الأخرى من الدم فيمنح مجالا أفضل للكبد والطحال والبالعات في البدن من أجل إتمام وظائفها وعند التحليل المخبري لدم الحجامة من منطقة الكاهل وجد أنه دم فاسد يحتوي على خلايا الدم الحمراء الهرمة والعاجزة والميتة والشاذة وأشباهها وغير ذلك.
الحجامة على الأخدعين:(15/28)
قال أنس رضي الله عنه:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم على الأخدعين والكاهل"(1) فالأخدعان هما جمع الأخدع وهو " الوريد الودجي الظاهر الخلفي " كما سمي في الطب الحديث وهما على جانبي العنق من الخلف وهو ينقل الدم من الرأس إلى القلب وتتشعب بعض الأوعية الدموية الدقيقة التي تصبُّ في هذا الوريد في الجلد لهذه المنطقة. وقد يكون الدم راكدا أثناء فترة النوم كمنطقة الكاهل، وتترسب به الشوائب والمواد الضارة المسببة للألم كحمض اللبن. كما أنه تترسب به الكريات الدموية الحمراء الهرمة والميتة والخثرات، ولكن الحجامة على الأخدعين وأجزاء التشطيبات في هذه المنطقة خطر جدا، وتحتاج إلى انتباه ودقة بالغة لأنها تصيب الوريد الودجي الظاهر عندما يقع التشريط عليه مما يؤدي إلى إحداث نزيف قد يصعب إيقافه، وهو أقل ترسب لخلايا الكريات الدموية الحمراء والميتة والشوائب عن منطقة الكاهل فالأنفع والأكثر أمنا هي الحجامة على الكاهل.
التعليل العلمي لحجامة الرأس:
__________
(1) رواه أبو داود " كتاب الطب ": " باب في موضع الحجامة " رقم 3860، والترمذي " كتاب الطب ": " باب ما جاء في الحجامة " رقم 2052 وابن ماجه 3483 وقد صححه الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد.(15/29)
جاء في الصحيحين: أن أنس بن مالك رضي الله عنهما "أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم في رأسه لصداع كان به". وفي رواية من شقيقة كانت به"(1). فحجامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الرأس كما هو في هديه - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية: "احتجم في وسط رأسه"(2) كانت كعلاج لذا فينصح بها علاجاً لمرض الشقيقة والصداع وليس كوقاية التي يفضل استخدامها في منطقة الكاهل ؛ وذلك لأن الحجامة في وسط الرأس بعيدة عن الأوعية الدموية الكبيرة تسكن ألم الصداع الشقيقي بحدوث انعكاسات على الأوعية الدموية الدماغية التي يؤدي انقباضها إلى حدوث ذلك الصداع.
حجامة ظهر القدم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: " احتجم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ظهر القدم من وجع كان به "(3). فاحتجام الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ظهر القدم لتسكين الألم علاجٌ من هذا الوجع الذي كان يعاني منه.
أما حجامة الورك والظهر:
فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وثي كان به"(4). وفي رواية "من وثاء كان به". وفي رواية "احتجم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو مُحْرم من ألم كان بظهره أو بوركه"(5).
__________
(1) رواه البخاري 10/5700، و4/1835، 1938، وانظر الفتح 10/153.
(2) رواه البخاري في صحيحه 10/5698، ومسلم 2/1203.
(3) رواه أبو داود 1837 والترمذي والنسائي 5/194، والحاكم في المستدرك 1/453، وابن حبان 1400 وهو حديث صحيح.
(4) رواه أبو داود 2863، وأحمد 3/305، والنسائي 5/193، والبيهقي 9/340 وسنده حسن.
(5) أخرجه أبو داود 3864 ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي 5/194 في الحج " باب حجامة المحرم على ظهر القدم " بلفظ: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وثءٍ كان به ".(15/30)
فالوثي هو التواء المفصل الشديد المسبب تمطط الأربطة وانقطاعها، فاحتجامه - صلى الله عليه وسلم - من ألم الورك والظهر إنما لتسكين الألم وذلك لأن الحجامة في هذه المناطق تعمل على استخراج الدم الفاسد الذي يحتوي (كما سبق) على الخلايا الدموية الحمراء التالفة والهرمة والعاجزة وكذلك المواد الضارة والمسببة للالم " كحمض اللبن " الذي يؤثر في الأعصاب ويهيجها مسببا الألم في العضلات، فالحجامة تزيل هذه المواد، فيخفف ذلك من الإحساس بالألم وتشفي منه بإذن الله.
الحجامة للتسمم:
عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم على قرنه بعدما سم"(1). فقد احتجم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من السم حتى يزيل ما يسببه هذا السم من تأثير في الخلايا الدموية الحمراء وإتلافها وكذلك المواد الضارة الأخرى التي تنتج من هذا السم. وقد أثبت الطب الحديث أن الحجامة والفصد تنفع في تخليص الجسم من بعض السموم. وتدل هذه الأحاديث أن استخدام الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحجامة، كان علاجاً لتسكين الألم عن طريق التخلص من الدم الفاسد، كما تدل على امكان إجراء عملية الحجامة في أي منطقة يشتكي صاحبها من آلام أو ورم أو أي مرض آخر يؤثر في صحة الشخص.
الموعد السنوي:
حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الحجامة ولو مرة بالسنة لما فيها من فوائد جمة.
الموعد الفصلي :
تفضل الحجامة في فصل الربيع ولا تفضل في باقي الفصول بل لها خطورتها.
التعليل العلمي لوجوب تطبيق عملية الحجامة في فصل الربيع:
__________
(1) رواه أبو يعلى وأبو نعيم في الطب, وابن جرير في تهذيب الآثار 1/525 وأبو داود الطيالسي وقال الهيثمي في " المجمع " 5/92 رواه الطبراني بإسنادين ورجاله ثقات وعند ابن سعد 2/200، 201، وأحمد في المسند 1/305، 1/374 وسنده حسن.(15/31)
هذا الفصل يكون حاراً رطباً على طبع الدم، أورد العالم ابن سينا في كتابه (القانون في الطب) أن فصل الربيع موسم تهيج فيه الأمراض وتكثر المشاكل الصحية المتعلقة بالدم.
فالربيع أفضل فصل للحجامة لأنه مناسب لمزاج الروح والدم وهو مع اعتداله يميل إلى حرارة معتدلة ورطوبة طبيعية، وفي الربيع تهيج الأخلاط التي تجمعت في الشتاء لنهمه وقلة الرياضة يستعد في الربيع للأمراض التي تهيج تلك المواد بتحليل الربيع لها. وإذا طال الربيع واعتداله قلت الأمراض الصيفية وأمراض الربيع واختلاف الدم وخاصة الشتوي فيه الذي يسيئه الشتاء ويسوء ولا يخلص من أمراض الربيع شيء مثل الفصد والاستفراغ والتقليل من الطعام.
وقد أثبتت التحاليل المخبرية بمقارنة دم الحجامة التي أجريت في فصل الربيع بأن دم الحجامة في هذا الفصل هو دم فاسد يحتوي على الشوائب وخلايا دم حمراء تالفة وهرمة وميتة ومواد أخرى ضارة في الجسم تعيق تفضل صحة الإنسان.
باختصار: تفضل الحجامة في فصل الربيع لأنه مناسب لمزاج الروح والدم؛ فيكون حاراً ورطباً على طبع الدم، ولأنه يهيج الأخلاط في الجسم التي تتجمع في الشتاء لكثرة الطعام وقلة الرياضة فالربيع يحلل هذه المواد التي تسبب هذه الأمراض.
التعليل العلمي لعدم تطبيق عملية الحجامة في فصل الصيف :(15/32)
تجد أن ميوعة الدم تزداد في فصل الصيف مما يؤدي إلى اختلاط الدم مع لزوجة الدم؛ لأنه مع زيادة درجة الحرارة تقل اللزوجة (ازدادت الميوعة)، فيتحرك الدم بسهولة وسرعة في الشرايين الدموية عامة في منطقة الكاهل مما يقلل تجمع الكريات الحمراء الهرمة والعاجزة والشوائب الدموية الموجودة فيها، وتنتشر في أنحاء الجسم مما يؤثر في دوران الدم ورفع ضغط الدم. فإذا ما أجريت الحجامة في هذا الفصل فإن الجسم يفقد دمه الجيد بدلا من الدم الفاسد المحتوي على كريات دموية حمراء هرمة مما يؤدي إلى ضعف الجسم. وقد بينت التحاليل المخبرية أن دم الحجامة في هذا الفصل يشابه الدم الوريدي.
التعليل لعدم تطبيق الحجامة في فصل الخريف :
فصل الشتاء البارد ينشغل الجسم فيه بإنتاج حرارة لمقاومة درجة الطقس البارد لذا يحتاج الجسم الأغذية لحرقها وتوليد الطاقة التي تحافظ على حرارة الجسم عوضا عن بناء عناصر دموية جديدة بدلا من الدم الفاسد المفقود من الحجامة أي التي أجريت في فصل الخريف مما يؤدي إلى ضعف الجسم، حيث إن كريات الدم الحمراء تحتاج لتكوينها شهرين. وقد أثبتت التحاليل والفحوصات المخبرية والعلمية أن دم الحجامة التي أجريت في فصل الخريف يشابه دم الوريد.
التعليل العلمي لعدم تطبيق عملية الحجامة في فصل الشتاء :(15/33)
فصل الشتاء يزيد لزوجة الدم وتقليل ميوعته، فيساعد على ترسيب الشوائب الدموية في منطقة الكاهل ليهيأ الحجامة في فصل الربيع، وكما أسلفنا فإن الحجامة لا تطبق في فصل الشتاء؛ لأن الجسم يستفيد من الغذاء لإنتاج الطاقة التي تحافظ على حرارة الجسم وتحرير العناصر الدموية وتدفئة الجسم والتكيف مع برودة الشتاء. أما الحجامة في هذا الفصل فإن الدم الفاسد المفقود عن طريقها يحتاج إلى تعويض من الغذاء الذي تناوله الجسم فيسخره لتكوين كريات دموية حمراء عوضا عن الاستفادة منه في توليد الطاقة التي تحافظ على درجة حرارة الجسم. وأوضحت الفحوصات المخبرية أن دم الحجامة في فصل الشتاء هو دم وريدي.
الموعد الشهري :
تفضل الحجامة في اليوم السابع عشر حتى اليوم السابع والعشرين من آخر الشهر القمري وذلك لأن الجسم يحتوي على ماء من دم وسائل ليمفاوي وسوائل أخرى وهذه تتأثر كغيرها بالماء الموجود على سطح الأرض، مثل مياه البحر، حيث هناك علاقة بين القمر وظاهرة المد والجزر التي تحدث أيضا في ماء الجسم؛ لذا كان توقيت الحجامة في آخر الشهر العربي من اليوم (17) إلى اليوم (27) لأن القمر يبلغ ذروة تأثيره في مرحلة البدر فيؤثر في ضغط الدم رافعا إياه مهيجا الدم مما يثير الشهوة ففي الأيام الأول وحتى الخامس عشر من الشهر القمري يهيج الدم ويبلغ حده الأعظم، وبالتالي يحرك كل الكريات الحمراء الهرمة والشوائب المترسبة على جدران الأوعية الدموية العميقة والسطحية وعند التفرعات وفي أنسجة الجسم سواء الداخلية والخارجية فلا يكون قد أدى فعله بعد في حمل الرواسب والشوائب الدموية من الداخل إلى الخارج للتجمع في الكاهل فيتهيأ للحجامة.(15/34)
ثم يبدأ تأثير القمر بالانحسار من (17-27) فيبقى للقمر تأثير مد، ولكن أضعف بكثير مما كان عليه. فإذا أجريت الحجامة صباحا بعد النوم والراحة للجسم والدورة الدموية ويكون القمر أثناءها ما يزال مشرقا لدى ظهور الشمس صباحا فيكون له تأثير مد خفيف يبقى أثناء إجراء الحجامة، حيث يكون له تأثير جاذب للدم من الداخل إلى الخارج مما يساعد على إنجاز الحجامة من حيث تخليص الجسم من كل شوائب دمه. أما لو أجريت الحجامة في أيام القمر الوسطى (12-13-14-15) فإن القمر القوي في تهيج الدم فإذا عملت الحجامة يفقد الدم الكثير من كرياته الفتية.
الموعد اليومي :
(أ) في الصباح الباكر:
أفضل الحجامة هو عملها في الساعات الأولى من النهار بعد شروق الشمس وتنتهي عند اشتداد حرارتها.لأن بقاء الإنسان الذي يريد الاحتجام إلى ساعات متأخرة قد يتعب ويشعر بالدوار لتأخره في الإفطار؛ لأنها تفضل على الريق بين الساعة 7-10 صباحا، كما أن تأخير الحجامة للظهيرة فإن الإنسان يتحرك ويعمل مما يحرك الدم في منطقة الكاهل المحتوي على كريات دموية حمراء هرمة وشوائب إلى دورة الدم العادية، فيقلل من الدم الفاسد في هذه المنطقة، مما يؤدي إلى التقليل من الفائدة المرجوة من الحجامة. أثبتت التحاليل المخبرية والفحوصات المعملية أن الحجامة في الوقت الباكر يكون الدم فاسداً، ويحتوي على الشوائب والمواد الضارة لصحة الفرد. أما بعد الظهيرة فإن الدم يكون وريديا نقيا لا يحتوي على هذه الشوائب.
(ب) الحجامة على الريق:(15/35)
يحذر المرء المحتجم من تناول أية لقمة صباح يوم حجامته ويبقى صائما عن الطعام ويسمح له بكأس من الشاي والقهوة قليلة السكر حيث لا يحتاج إلى عمليات الهضم المعقدة مما يؤدي إلى تحرك الدم، مما يؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية وتنظيم في ضغط الدم وضربات القلب بجانب أنها تحتوي على منبه عصبي بسيط يجعل المحجوم يتقبل الحجامة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" الحجامة على الريق أمثل وفيها شفاء وبركة"(1).
فقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تناول الطعام قبل الحجامة حيث إنها تنشط جهاز الهضم في عمله وتنشط الجهاز الدوري حتى تتوافق مع عملية الهضم فتزداد ضربات القلب وينشط جريان الدم ويزيد ضغط الدم؛ مما يؤدي إلى تحرك الراكد والمتقاعد من الرواسب الدموية في الأوعية الدموية السطحية والعميقة كذلك أثناء توزيع الغذاء الناتج من الهضم ينشط الدم لينقل الغذاء إلى خلايا الجسم فالوضع لا يناسب الحجامة، ولو عملت الحجامة تحت هذا الظرف فإن الدم يكون دماً غير فاسد فلا يحصل على الفائدة المرجوة من الحجامة.
كما أثبتت الفحوصات المعملية والتحاليل المخبرية أن دم الحجامة على الريق هو دم فاسد يحتوي على شوائب ومواد ضارة للصحة، بينما دم الحجامة على الشبع فهو دم وريدي نقي.
أوقات الحجامة :
يفضل إجراء الحجامة في الأيام التي رغب فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي أيام 17، 19، 21 من الشهر العربي.
يفضل أن تكون الحجامة صباحا بعد الاستيقاظ (على الريق).
وقت الظهر أفضل للحجامة من الليل.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في السنن (3487) و(3488), والحاكم في مستدركه (4/209)و(211) والتبريزي في مشكاة المصابيح(4573), والذهبي في الطب النبوي, والمنذري في الترغيب والترهيب(4/315), والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/39), والعجلوني في كشف الخفاء (1/415و416), وحسنه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه رقم 2826، والصحيحة رقم 766).(15/36)
يفضل الحجامة في البلاد الحارة عنها في البلاد الباردة.
يمكن عمل أكثر من كأس للفرد الواحد في نفس اليوم ثم يلزم الراحة.
قد يحتاج الفرد أحيانا إلى الحجامة كل شهر مرة أو كل سنة مرة حسب استجابته للحجامة بذهاب الألم.
لا يفضل الحجامة بعد الأكل مباشرة، ولكن على الأقل بعد ساعتين بعد الطعام.
مواضع الحجامة
مواضع الحجامة التي ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -احتجم بها وهي:
1- الكاهل.……2- الأخدعان.
3- وسط الرأس.……4- ظهر القدم.
5- على الورك.
فوائد الحجامة :
امتصاص الأخلاط والسموم التي توجد تجمعات دموية بين الجلد والعضلات(منطقة الفاشية).
تنشيط الدورة الدموية موضعيا.
تقوية المناعة العامة في الجسم وذلك بإثارة غدد المناعة.
تنظيم الهرمونات.
تسليك العقد والأوردة الليمفاوية المنتشرة في كل أجزاء الجسم، فيمكنها تخليصه أولا بأول من الأخلاط ورواسب السموم.
تنشيط أماكن ردود الفعل بالجسم.
تسليك مسارات الطاقة (اللين واليانج وتشي)[وهي الطاقة الحيوية] التي تقوم على زيادة حيوية الجسم (اكتشفها الصينيون القدماء).
العمل على موائمة الناحية النفسية.
تنشيط الغدد الصماء خاصة الغدة النخامية.
تنشيط مراكز المخ، الحركة، السمع، الإدراك، الذاكرة.
رفع الضغط عن الأعصاب.
الحجامة تمص الأحماض الزائدة في الجسم.
تحسين وتنشيط وظائف الجسم كما أثبتت البحوث العلمية عن الحجامة وهي:
أ) زيادة نسبة الكورتيزون في الدم.
ب) تحفيز وإثارة المواد المضادة للسموم.
ج) تقلل نسبة الكولسترول في الدم.
د) تقلل نسبة البولينا في الدم.
هـ) زيادة نسبة المورفين الطبيعي في الدم.
الحالات المرضية التي عولجت بالحجامة:(15/37)
جاء في كتاب "الدواء العجيب "لمحمد أمين شيخو، وكتاب"الطب الصيني التقليدي" أن هناك أبحاثاً أجريت لبعض المرضى المصابين بأمراض مختلفة، وقد تحسنت حالاتهم السريرية والمخبرية، إلا أن عدد هذه الحالات التي أجريت ليست كافية للحكم على مدى تأثير الحجامة في علاج هذه الأمراض لإقناع غير المسلمين بوجه الإعجاز في التداوي بالحجامة. ومن هذه الأمراض:
أمراض الدم: سرطان الدم - الثلاسيميا – الرعاف- الناعور – خلل عوامل التخثر – احمرار الدم – فقر الدم – جلطات دموية.
الجهاز الدوري: نقص تروية قلبية – احتشاء العضلة القلبية – ارتفاع ضغط الدم وهبوطه – الدوالي – آلام الصدر – تصلب الشرايين – ارتفاع توتر شرياني مزمن.
الجهاز التنفسي: الربو – التهاب رئوي – ارتشاح رئوي – السعال المزمن.
الجهاز البولي: التهاب مجرى البول – قصور كلوي – التبول غير الإرادي – تضخم البروستاتا – هبوط المثانة.
الأمراض السرطانية: سرطان الدم – سرطان الثدي – سرطان الرحم – سرطان البروستاتا – هودجكن – سرطان القناة الكبدية الجامعة – كتل سرطانية تحت الجلد.
الجهاز الهضمي: الإمساك – آلام البطن.
أمراض الكبد: تليف الكبد – التهاب الكبد الأنتاني – اليرقان.
أمراض الطحال: تضخم الطحال.
الأمراض المعدية: الخرجات الجلدية - الحمى المالطية – تقرحات معدية – الإيدز – الزكام – الرشح – النكاف.
أمراض المناعية: مرض متلازمة بهجت – تحسس الجلد.
العقم عند الرجال نتيجة نقص عدد أو زيادة عدد الحيوانات المنوية.
أمراض العظام: الروماتزم – تضيق القناة الشوكية – فتوق نواة لبية في فقرات العمود الفقري – الانزلاق الغضروفي – آلام الظهر - تمزق أربطة المفاصل.
سكر الدم وارتفاعه.
زيادة الشحوم الثلاثية والكلسترول.
الجهاز العصبي: الشلل – احتشاء دماغي نازف – صرع – ضمور الدماغ – الشقيقة – الصداع – ضعف الرؤية – عرق النسا – شلل العصب الوجهي.(15/38)
وهن عام – اعتلال عضلي – الأرق – تدمع العين بسبب عيب خلقي أو خلل عصبي.
عسر الحيض وهبوط الرحم.
وتأكيدا لما سبق فإن هناك بعض الحالات المرضية التي عولجت بالحجامة وتحسنت حالتها وهي كما يلي:
هيثم عثمان:- مصاب بسرطان في البلعوم، واختفت الأورام تماماً بعد الحجامة كما زاد عدد الكريات الدموية البيضاء من (2200) إلى (5700) بعد الحجامة.
خلود قادري:- أصيبت بالتهاب السحايا أدى إلى فقدانها النطق وارتخاء في المفاصل وعدم الحركة، وبعد الحجامة أصبحت قادرة على النطق وأصبحت تمشي من جديد.
سليم مندور:- يعاني من تليف كبدي وبعد الحجامة تحسنت وظائف الكبد وعادت الكبد إلى عملها الفسيولوجي من جديد.
محاسن ضبعان:- تشتكي من كتل ليفية في الثدي وفتقين في الفقرات العظمية مع انزلاق غضروفي في فقرات العامود الفقري، وبعد الحجامة زالت الكتل الليفية مع زوال الألم نهائياً وزوال ألم الظهر تماماً وألم المفاصل، وألم الأعصاب كل ذلك مصحوب بنشاط عام.
د. أحمد ماهر بركات:- يعاني من الشقيقة وآلامها المستمرة بعد الحجامة زال الصداع وأحس بنشاط عام كبير.
د. محمد جمال مرتضى:- ضعف مناعة أدى إلى التهابات مزمنة في اللوزتين مع ضعف عام، وبعد الحجامة تحسنت مناعته وأصبح التهاب اللوزتين نادراً.
حميد الجارح:- يعاني من حساسية مفرطة في الرئتين، وبعد الحجامة تحسن من هذه الحساسية تماماً وشعر بنشاط عام وراحة الصدر.
بديعة علال:- تعاني من ارتفاع في الضغط وربو تحسسي، وبعد الحجامة انخفض الضغط وذهب الربو ولم تعد تستعمل الأدوية.
من كتاب "الدواء العجيب":(15/39)
السيد درويش حاج درويش:- تبين أن لديه احتشاء دماغياً في جسم النواة المذنبة اليسرى مما أدى إلى قلة النطق يشبه الحبسة الكلامية منذ (8) أشهر وضعف في النواة العضلية في الطرف الأيمن بمقدار 4/5 بالذراع والساق الأيمن مرافق ضعف بالذاكرة (ضمور دماغي) وبعد إجراء الحجامة تحسن تحسناًً ملحوظاً شديداً في حركة الذراع والساق واستطاع النطق بشكل طبيعي.
السيد جمعة كاج بن بشير:- تبين أن لديه احتشاء عضلة قلبية سفلى، ويتعرض لنوب خناق صدر متكررة وتالية للاحتشاء القلبي ويستخدم حبوب النيتروجليسرين تحت اللسان للسيطرة على النوب المتناهية وبعد إجراء الحجامة له شعر المريض بتحسن للأمراض السريرية وزالت نوبة خناق الصدر ولم يعد يضطر إلى استخدام حبوب النيتروجليسرين تحت اللسان، كما تحسن التخطيط الكهربائي للقلب بتحسن زحول قطعة S T بالمساري السفلية.
محظورات الحجامة :
تجنب الحجامة للإنسان المصاب بالبرد أو الحرارة العالية أو الرشح إلا بعد شفائه.
يجب ألا توضع الكأس فوق الرباط الممزق للمصابين بتمزق في الأربطة.
المصاب بالماء في الركبة لا يوضع الكأس فوق المنطقة المصابة وإنما بجوارها.
الدوالي بالساقين تكون الحجامة بجوار الدوالي وبحذر.
المرضى المصابون بأمراض الكبد يحتاجون لاحتياطات شديدة.
المرضى المصابون بسيولة بالدم أو السكر لا يتم لهم التشريط بل وخز بسيط..
المصاب بانخفاض في ضغط الدم:
أ) …يتجنب الفقرات القطنية له.
ب) وكذلك تتم له الحجامة واحدة ثم واحدة.
ج) لا يوضع له أكثر من محجم أو محجمين للحجامة في
وقت واحد.
د) …إذا حدث إغماء يتم نزع الكؤوس ويعطى شرابا سكريا.
مرضى الأنيميا:
أ) تعمل له الحجامة واحدة ثم يتلوها واحدة أخرى حسب استعداد جسمه وتحمله.
ب) تجرى له الحجامة وهو مستلقٍ على جنبه.
ج) إذا حدث له إغماء تنزع الكؤوس ويعطى شراباً سكرياً.(15/40)
أهمية التهيئة النفسية للفرد الجديد على الحجامة عن طريق إعطائه فكرة عن فوائدها وفضلها كما يفضل أن يرى إنساناً يحتجم أمامه.
الأدوات المستخدمة للحجامة كالمشرط والقفاز يجب أن تكون لمرة واحدة.
أهمية سؤال المريض عن بعض الأمراض التي قد يكون
مصابا بها:.
أ) سيولة الدم.…… ب) تكسير الدم.
ج) أمراض القلب.…… د) أمراض الكبد.
هـ) الإصابة بالسرطان. و) تمزق الأربطة.
ز) الماء على الركبة.
لا تعمل الحجامة للمصابين بالمس والسحر والحسد وما شابه ذلك إلا بواسطة إنسان يستطيع أن يتعامل مع مثل هذه الحالات (مثل أحد الشيوخ).
بالنسبة لحجامة النساء يفضل أن تتم بواسطة النساء اللاتي لهن ممارسة جيدة في الحجامة.
يحذر استعمال الحجامة لمن بدأ في الغسيل الكلوي.
لا يتم عمل الحجامة:
أ ) لمن تبرع بالدم إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام حسب صحته.
ب) اللديغ حتى يفيق ويرتاح.
ج) لمن يتعاطى المنبهات حتى يتركها.
د)…الخائف حتى يطمئن.
هـ) من ركب جهازاً لتنظيم ضربات القلب.
و) لا تتم الحجامة الرطبة فوق الشد العضلي، بل توضع كاسات هواء فقط بدون تشريط.
ز) لمن يأخذ دواء لسيولة الدم إلا مع حذر.
ح) للمجهد والتعبان حتى يستريح.
ط) يحذر عمل الحجامة على الشبع الشديد أو الجوع الشديد.
لا تتم الحجامة في حالة الجلطة الوريدية إلا تحت إشراف طبيب.
الضوابط اللازم اتخاذها لممارسة الحجامة بالطرق الآمنة:
لنتحدث عن هذه الضوابط يجب أن نجيب أولاً عن هذه الأسئلة:
1) ماذا تعني الحجامة للجراح؟ هي جروح سطحية على الجلد.
2) لماذا هذا الاهتمام بها؟
أ) مصدر للعدوى بالجراثيم للحجام.
ب) مدخل للجراثيم لجسم المحجوم.
3) ما هي الأمراض التي تنتقل عن طريق الدم والجروح؟
أ) الأمراض البكتيرية:
*الكزاز. ……*التعفن الغازي(الغرغرينا).
*الجمرة الخبيثة. …*السل.
* التهاب خلوي. …*التهاب صديدي.
ب) الأمراض الفيروسية:
*التهاب كبدي فيروسي (ب)، (جـ).
*نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).(15/41)
*الفيروسات المضخمة للخلايا.
*فيروسات أبشتاين-بار.
هذه الأمراض قد تنتقل من وإلى الحجام والمحجوم إذا كان أي منهما يحمل هذه الميكروبات.
أي جروح في الجلد الناتجة من التشريط للحجامة قد تسبب مشاكل صحية خطيرة إذا لم تراع الضوابط اللازمة ولم يتبع الاحتياطات الضرورية عند الحجامة.
لعدم حدوث أي مضاعفات أو مشاكل عند إجراء الحجامة، يلزم أن تؤخذ الاحتياطات بأن يتم إجراؤها:
* للشخص المناسب.
* بواسطة الشخص المناسب.
* في المكان المناسب.
* بالأدوات المناسبة.
4) ما الضوابط والشروط اللازم اتباعها لممارسة الحجامة؟
أولا: من يقوم بالحجامة؟
أن يكون الممارس طبيبا أو ممرضا أو ممارسا شعبيا من الذين شهد لهم بمهارتهم في الحجامة.
أن يكون مسلماً، متعلماً.
أن يكون هدفه اتباع السنة.
أن يكون مقتنعاً بجدوى الحجامة.
أن يكون عارفاً بمناطق الحجامة معرفة جيدة.
أن يكون ماهراً في عملية الحجامة.
أن يكون ملماً بالمضاعفات التي قد تحدث أثناء الحجامة أو بعدها وكيفية الوقاية منها وكيفية علاجها.
أن يكون ملماً بطرق التعقيم المعمول بها في المجال الصحي.
أن يكون متعرفاً للأدوات الحديثة المستخدمة في عملية الحجامة.
أن يكون لائقاً صحياً للعمل بالمجال الصحي وذلك بأن لا يكون مصابا بأي من الأمراض المعدية كالتهاب الكبدي الوبائي والسل أو الإيدز... وغيرها.
أن يأخذ التطعيمات للأمراض التي قد تنتقل عن طريق الدم كالتهاب الكبدي الوبائي أو السل والكزاز وغيرها.
ثانيا: أين تجرى عملية الحجامة؟
عيادة الحجامة: في المستشفى أو المركز الصحي - عيادة الحجامة خارج المستشفى.
أ) شروط المكان:
يشترط في المكان أن يكون في أحد الموقعين التاليين:
في العمليات الصغرى Minor- Surgery
في عيادات بعيدة ومنفصلة عن العيادات الخارجية.
ب) مواصفات العيادة:
أن تكون مساحة المكان مناسبة.(15/42)
أن يكون المكان نظيفاً متبعاً فيه الاحتياطات اللازمة للتعقيم والتطهير كتطهير الأرض بالمطهرات الكيميائية كما يفضل وجود Ultera-Vilot-Ray على الجدار لتقليل إمكان إصابة المحجوم بالعدوى.
أن يكون خارج العيادة مغسلة لتعقيم الأيدي قبل وبعد العملية.
أن يكون المكان مناسباً واسعاً جيد التهوية.
ج) محتويات العيادة:
سرير مريح كأسرة المستشفيات المستخدمة في أثناء فحص المريض.
أن تكون مغطاة بشرشف أبيض نظيف أو بالورق المنزوع تدريجيا.
تواز مكتب وكرسي.
دولاب نظيف يوضع به أدوات الحجامة ويجب أن تكون معقمة ومرصوصة بشكل جيد يسهل استخدامها إلى جانب الأدوات الأخرى المهمة في أي عملية صغرى كالشاش والمطهر والجفت والقفازات المعقمة.
تواز Surgical Trolly لتجهيز الأدوات عليها.
أن يوجد جهاز لقياس ضغط الدم وترمومتر لقياس درجة الحرارة، بعض الأدوية التي يحتاج إليها الحجام لمعالجة المضاعفات التي قد تحدث كالمحاليل الوريدية... وغيرها.
جهاز التعقيم.
د) وجود غرفة قريبة من العيادة حتى يغير المريض ملابسه ويلبس ملابس العمليات التي يلبسها المرضى الذين يعمل لهم عمليات أخرى.
عيادة الحجامة ... المغاسل ... غرفة تغيير الملابس
هـ) أما إذا كانت الحجامة تعمل في العلميات الصغرى فيعمل بجميع الاحتياطات المعمول بها في هذه العيادات وهي أسلم وأفضل.
و) وضع لوحات إعلامية إرشادية على جدران العيادة عن الحجامة سواء من الناحية الدينية مثل الأحاديث الشريفة عن التداوي أو الناحية العملية كصور للحجامة وصور لمناطق الحجامة وغيرها حتى تعطي فكرة للمريض.
الهيئة الفنية التي تمارس الحجامة:
يجب أن يكون الطبيب أو الممرض أو الممارس الشعبي مدربا على الحجامة تدريباً جيداً.
يجب وجود ممرض أو ممرضة للمساعدة أثناء الحجامة.
يجب أن يكون لدى الممارس الشعبي إلمام بالمضاعفات التي يمكن أن تحدث للمحجوم وطرق التغلب عليها (حضور دورة تدريبية للحجامين).
شروط الإجراءات:(15/43)
الاحتياطات والإجراءات التي يجب اتباعها قبل الحجامة:
1- يجب تعقيم الأدوات جميعها إما بالغليان أو بالاوتوكلاف وهي الأفضل سواء الأدوات المستخدمة في الحجامة أو الأدوات الأخرى كالقفازات المستخدمة لمرة واحدة (Disposable).
2- تجهيز التروللي الجراحي Surgical Trolly وتكون أدوات الحجامة مرصوصة بطريقة مناسبة ومريحة أثناء العملية وتحتوي على:
أ) أجهزة الحجامة: المحاجم سواء الزجاجية أو البلاستيكية وتكون معقمة إما بالغليان أو بالأوتوكلاف وملفوفة إما بالأكياس المستخدمة في التعقيم بالأوتوكلاف أو محاطة بمناشف معقمة، كما يجب أن يكون مشرط الحجامة معقماً بالغليان أو بالأوتوكلاف.
ب) قفازات معقمة تستخدم لمرة واحدة.
ج) أداة مناولة معقم.
د) جاون معقم للحجام ومساعده.
هـ) شاش 4 × 4 وقطن معقم وبكمية مناسبة.
و) مشرط معقم يستخدم مرة واحدة.
3- يجب أن تتبع الإجراءات الآتية للمريض قبل الحجامة:
أ) يوقع المريض أو ولي أمره على الموافقة بالحجامة (Consent).
ب) أن يكون المريض لائقا صحيا للحجامة وذلك بفحص طبي يبين أنه ليس هناك أي مانع طبي لعمل الحجامة.
ج) أن يعمل الفحوصات التالية قبل الحجامة: CBC، HBV للالتهاب الكبدي الوبائي، HIV لمرض الإيدز، تحليل سكر FBS + P.P.BS بالدم، عمل وظائف الكبد للتأكد من سلامته.
عمل اختبار للتجلط: Bleeding Time
Clotting Time
PT، PTT.
أما بالنسبة للمرأة عمل تحليل حمل للتأكد من خلوها من الحمل.
4- يجب تهدئة المريض نفسيا وإعطاؤه فكرة مبسطة عن الحجامة وخطواتها حتى يقل قلقه وخوفه وذلك من قبل الممرض أو تنفيذها لمريض آخر أمامه ليطمئن.
5- قياس ضغط دم المريض والنبض والحرارة.
6- يقوم المريض بلبس الثوب الخاص بالعمليات.
7- يوضع المريض على السرير إما جالسا أو مستلقيا(وهو الأفضل).
الاحتياطات التي يجب اتباعها أثناء عملية الحجامة:(15/44)
تحضير الأدوات المعقمة المستخدمة الموجودة على التروللي الجراحي Surgical Trolly أو طاولة نظيفة:
1 - قفاز معقم Disposable يستخدم للمرة الواحدة.
2 - مشرط طبي معقم يستخدم للمرة الواحدة.
3 - محاجم للحجامة معقمة.
4 - شفاط لشفط الهواء (يدوي أو كهربائي) معقم.
5 - مطهر لتعقيم جلد المريض.
6 - شاش 4 × 4 معقم.
7 - جفت مناولة.
8 - جاون وفوط معقمة.
الطريقة:
1 - إعطاء الجاون الخاص بمرضى العمليات.
2 - وضع المريض على سرير إما جالسا أو مستلقيا (وهو الأفضل).
3 - أن يتبع الحجام طرق التعقيم المتبعة كغسل اليدين ولبس قفاز معقم وكذلك مساعده.
4 - تعقيم المكان المراد استخدامه للحجامة من قبل الممرض أو مساعد الحجام.
5- يكشف المريض الجزء المراد استخدامه للحجامة.
6 - وضع فوط معقمة حول مكان الحجامة ويرش المكان بالمخدر الموضعي.
7 - يوضع الكأس بإحكام على مكان الألم، ويتم شفط الهواء الذي بداخل المحجم حتى يتم تفريغ أكبر جزء من الهواء فيتم شفط جزء من جلد المريض والنسيج الذي تحته داخل المحجم، فيتم مص الدم والأخلاط إلى سطح الجلد على صورة منطقة دائرية حمراء مكان فوهة الكأس نتيجة لحدوث تجمع دموي في المكان.
8 - يترك الكأس في هذا المكان من 3 – 5 دقائق، ثم ينزع الكأس ويسمى هذا المحجم ويفيد هذا في نقل الأخلاط من الأماكن المهمة مثل المفاصل إلى الأماكن الأقل أهمية مثل سطح الجلد، وبذلك يختفي جزء كبير من الألم.
9 - يتم تطهير مكان الحجامة مرة أخرى قبل التشريط.
10 - يتم عمل تشريط أو خدوش بسيطة في الطبقة الخارجية من الجلد بعمق قليل جدا أو 0.1 مم أي خدوش بسيطة جدا لا تصل لوريد أو شريان وبطول حوالي 4مم بـ 15 شرطة وذلك بالمشرط الطبي المعقم، ويجب أن يكون اتجاه التشريط بطول الجسم من ناحية الرأس إلى ناحية البلعوم (يمنع التشريط بالعرض) ويكون التشريط بعيدا عن بعضه (بـ 3 مم).(15/45)
11- يتم نفخ الهواء داخل الكأس ويترك فرصة لشفط الدم والهواء داخل الكأس.
12- يوضع الكأس فوق نفس المكان بإحكام ويتم الشفط بشدة فيخرج بعض الدم عن طريق هذه الخدوش البسيطة من الجلد ويترك المحجم مدة دقيقتين إلى خمس دقائق حتى يتجلط الدم الذي تم شفطه من المكان.
13- يتم نزع الكأس بحذر حتى لا يسيل الدم على جسم المريض مع وجود الفوط المعقمة الموضوعة سابقا، ويسيطر على الكأس باليد اليسرى ويغلق فوهة الكأس بشاش وتقلب الكأس للخارج مع مسح آثار الدم بالشاش في اليد اليسرى.
14- يتم التخلص من الدم ثم معاودة الخطوات السابقة لإخراج الدم حتى يتم التخلص من التجمع الدموي الذي كان في المكان، بحيث يتوقف خروج الدم من الجسم في الكأس وأحيانا يخرج قطرات من سائل أصفر وبذلك تتم عملية الحجامة.
15- ينظف ويعقم مكان التشريط ويغطى بشاش معقم.
الإجراءات اللازم اتباعها بعد عملية الحجامة:
1 - تجميع الأدوات المستخدمة من قبل الممرض أو الممرضة أو مساعد الحجام لإعادة تعقيمها.
2 - الأدوات ذات الاستخدام الواحد توضع في سلة خاصة، حيث تجمع، ثم يجب إعدامها بالطرق المتبعة في ذلك.
3 - طريقة التخلص من الدم: يقلب المحجم فوق سلة المهملات ثم ينفخ في المحجم فيسقط الدم في السلة ويتم تغيير المحجم وإعادة وضع المحجم مرة ثانية وذلك بشفط الهواء من المحجم.
4 - يجب التخلص من المحجم والمشرط وعدم استخدامهما لمريض آخر ولكن يمكن استخدامها للمريض نفسه في مكان آخر من جسده.
5 - بالنسبة للمحاجم تنظف بالماء والصابون أولا ثم تنقع بمادة مطهرة حتى حين تعقيمها بطرق التعقيم أو الغليان أو الأشعة فوق البنفسجية.
6 - يجب استخدام المحجم لشخص واحد فقط يكتب عليه اسمه ولا يستخدم لشخص آخر.
7 - بالنسبة للمرضى المصابين بالالتهاب الكبدي (ب) أو (ج) يجب أن تتوافر أدوات مخصصة لهم ولا تستخدم للمرضى الآخرين.
8 - ينصح المريض بعد الحجامة:(15/46)
أ - بالراحة لمدة يوم أو يومين بعد الحجامة.
ب- بتجنب الجماع يومين أو ثلاثة بعد الحجامة.
ج- الاهتمام بنظافة مكان الحجامة.
د - قد ترتفع درجة الحرارة بعد24ساعة من الحجامة وهذا يزول بسرعة وفي حالة استمرارها يجب معرفة السبب ومعالجة ذلك.
الضوابط اللازم اتخاذها لممارسة
الحجامة بالطرق الآمنة
1- يجب اتباع النصائح الموجهة من الحجام حتى يزول الألم بسرعة.
2- بعض الناس يشعر بالشفاء بسرعة والراحة من أول حجامة وبعضهم الآخر يحتاج لأكثر من مرة، وعليه أن يتحرى الأيام الموصى بها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الشهر العربي وبعضهم يحتاج إلى الحجامة كل سنة.
3- الدواعي التي يفضل أن يكون وضع المريض مستلقياً على السرير على جنبه:
أ) لمن يشعر بالخوف عند إجراء الحجامة.
ب) لمن له مشاكل بالدورة الدموية.
ج) المصابين بالأنيميا.
د) المرضى ذوو الضغط الدموي المنخفض.
4- لا يترك المحجم أكثر من خمس دقائق لأن ذلك يؤدي إلى خروج السائل اللمفاوي إلى الجلد مما يؤدي إلى ظهور فقاعات كالحروق وهو أمر غير مرغوب فيه حيث تكون محتوية على السائل اللمفاوي. وإذا حدث فيتم وخزها لإخراج السائل ولكن لا يفضل ذلك، بل تطهر ثم يوضع عليها مراهم مطهرة ومسكن وتعامل في تعقيمها، مثل الجروح والحروق البسيطة.
5 - المرضى ذوو الضغط المنخفض:
أ - التقليل من عدد الحجامات.
ب- مراقبة درجة وعيه أثناء الحجامة حتى لا يحدث إغماء.
ج- تجنب عمل الحجامة على الفقرات القطنية لأنها تسبب انخفاض ضغط الدم.
6 - في حالة حدوث إغماء للمريض أثناء الحجامة يعمل الآتي:
أ) يستلقي المريض على جنبه مع رفع الرجلين وخفض الرأس ويقاس ضغطه.
ب) نزع المحجم فورا ويعطى شيئاً سكرياً يشربه.
ج) تهدئة المريض وطمأنته إذا كان خائفا.
د) وضع محاليل وريدية للمريض إذا كان في المستشفى أو المركز الصحي.
التعقيم والتطهير:(15/47)
تعريف التعقيم: هو قتل الكائنات الحية المتحوصلة وغير المتحوصلة وإبادتها إبادة كاملة من الوسط المراد تعقيمه سواء كان هذا الوسط صلبا أو سائلا أو غازا.
تعريف التطهير: هو قتل الميكروبات غير المتحوصلة أو منع نموها، أو إيقاف نشاطها من الوسط المراد تطهيره.
أهداف التعقيم:
1- منع انتقال وانتشار الأمراض.
2- منع التلوث.
العوامل التي تؤثر في كفاءة التعقيم:
1- كمية البكتيريا الملوثة.
2- طبيعة البكتيريا الملوثة.
3- العوامل البيئية المؤثرة.
4- الوقت الذي يستغرقه التعقيم.
5- طبيعة الجسم المراد تعقيمه.
احتمالات آلية قتل الميكروبات:
تدمير الجدار الخلوي.
تغيير نفاذية الغشاء السيتوبلازمي.
تغيير في طبيعة البروتوبلازما الغروية.
تدمير النشاط الأنزيمي والبروتيني للخلية المكروبية.
التدخل والتأثير في العمليات الحيوية.
طرق التعقيم:
أولاً: الطرق الطبيعية
1- الحرارة.
(أ) الحرارة الجافة:
1) الفرن الهوائي الساخن.
2) التلهيب لدرجة الاحتراق.
3) التلهيب الكحولي.
(ب) الحرارة الرطبة:
1) الغليان.
2) الأوتوكلاف.
2 - الأشعة:
(أ) الأشعة فوق البنفسجية:
* الطول الموجي 260-270ملليميكرون.
* تعقيم بشكل سطحي.
* تستخدم لتعقيم المكان المخصص لعيادة الحجامة.
(ب) الأشعة السينية وأشعة جاما:
* الطول الموجي005، 0-1ملليميكرون.
* تعقيم بشكل عميق.
3- الطرق الميكانيكية:
تعريفها: إزالة الميكروبات المتعلقة بالجلد وبالآلات عن طريق غسلها عدة مرات بالماء والصابون المطهرات.
4- الترشيح:
تعريفه: إزالة الميكروبات من المحاليل والسوائل بواسطة حجزها بطرق ميكانيكية من خلال تمريرها على مادة مرشحة تعمل على حجز الميكروبات.
تستخدم هذه الطريقة قي تعقيم المحاليل والسوائل الحساسة للحرارة مثل المضادات الحيوية، المصال، اللقاحات، والأنزيمات.
ثانياً: الطرق الكيميائية:(15/48)
للمواد الكيميائية دور هام في قتل الجراثيم (وهو ما يسمى بالتطهير) ولكن ليس ثمة مادة كيميائية واحدة تعد من أفضل المواد القاتلة للميكروبات أو أنها تنفع لجميع الأهداف. وهذه المواد الكيميائية تسمى بالمطهرات.
صفات المطهرات:
أن تكون سامة للجراثيم.
الثبات.
أن تكون غير سامة أو مهيجة للإنسان أو الحيوان.
لها القدرة على الاختراق.
هـ) أن تكون متوافرة بالأسواق.
تتم الطرق الكيميائية باستخدام المطهرات:
أ)… الغازية (الأوزون، الفورمالدهيد).
السائلة (الديتول، الكحول، الفينول، سايدكس، الكلور، إلخ..).
تعقيم أدوات الحجامة:
يراعى في استخدام عملية التعقيم لأدوات الحجامة ما يلي:
أ) …نوعية المادة المصنوع منها أدوات الحجامة.
ب) مدى مقاومتها للحرارة.
ج)…مقاومتها للكسر أو التلف.
الطرق المثلى للتعقيم:
1 - الأوتوكلاف.… 2 - الأفران الهوائية الساخنة.
3 - الغليان.……4 - المطهرات الكيميائية.
الأوتوكلاف: هي أفضل طريقة لتعقيم الأدوات والآلات الجراحية.
فكرة عمله:
زيادة الضغط داخل وعاء محكم الإغلاق يسبب تكثيف البخار مما يزيد من درجة الحرارة فيقلل من الزمن المطلوب في التعقيم. فزيادة الضغط يؤدي إلى حدوث تكثيف البخار عند ملامسته للأشياء الأقل برودة بداخله فيتولد عن هذا التكثيف طاقة التبخر الحرارية التي تقتل جميع الميكروبات في الأشياء المراد تعقيمها سواء كانت المتحوصلة أو غير المتحوصلة.
مميزات هذه الطريقة:
1 - قتل جميع الميكروبات المتحوصلة وغيرالمتحوصلة.
2 - القدرة على الوصول إلى داخل الأشياء والتغلغل فيها.
3 - تعقيم صحيح مضمون.
4 - تقليل الزمن المستخدم للتعقيم بالطرق الأخرى.
الاحتياطات الواجب اتباعها عند التعقيم بالأوتوكلاف:
التأكد من سلامة كفاءة الجهاز وصلاحيته.
تنظيف الأشياء المراد تعقيمها قبل وضعها في الجهاز وتجفيفها.
تأكد من نظافة المكان الذي تحفظ فيه الآلات وغَطّه بفرش نظيف.(15/49)
اتباع أسس التعقيم أثناء عملية التعقيم مثل تعقيم اليدين وغطاء الرأس ولبس الجاون المعقم.
يجب فحص الأدوات والتأكد من نظافتها وسلامتها قبل تعقيمها.
توضع الآلات داخل قطع مربوطة من الشاش مع كتابة اسم الآلة عليها، وتوضع في أسطوانة التعقيم داخل الأوتوكلاف.
بالنسبة للعلب يجب تنظيفها وتجفيفها ووضعها مفتوحة داخل الجهاز.
توزع الأدوات داخل الأوتوكلاف وترتيبها متباعدة ومتفرقة حتى يتخللها البخار بسهولة.
التأكد من المواد وعددها قبل وضعها في الجهاز، ويكتب تاريخ التعقيم ومحتويات الجهاز في تذكرة معلقة على العلبة، تحفظ الآلات بعد تعقيمها في مكان أو دولاب نظيف آمن.
الأدوات المستخدمة لتعقيمها بالأوتوكلاف:
1 - مناشف العمليات – الملايات – الشاش – القطن – الأربطة اللنت (قماش من الكتان للأغراض الطبية)
2 - الجوانتيات والقساطر الكوتشوك والدرانق وأنابيب المعدة.
3 - الآلات المعدنية غير الحادة.
4 - الأدوات الجراحية المعدنية – الحقن المعدنية – الأطباق المعدنية.
5 - الأدوات الزجاجية والحقن الزجاجية.
6 - الخيوط الجراحية التي لا تفسد بالحرارة.
الأفران الهوائية: (التعقيم بالحرارة الجافة)
الطريقة:
هو وضع الأدوات المراد تنظيفها وتجفيفها ويجب ترتيبها متباعدة متفرقة في الفرن الكهربائي. ويجب وضع الجفتات والمقصات مفتوحة حتى يمكن للهواء الساخن الوصول إليها. ثم يعقم الأدوات عند درجة 160درجة م لمدة1-3ساعات إلى180درجة م نصف ساعة - ساعة.
المواد الممكن تعقيمها بهذه الطريقة:
1- الشاشات.
2- الأدوات الزجاجية.
3- الأدوات المعدنية الحادة الجراحية.
الغليان: (الحرارة الرطبة) وهذه الطريقة تستخدم في عيادة الحجامة.
الاحتياطات الواجب اتباعها عند استعمال الغلايات:
1- تنظيف الغلايات من الداخل يوميا بالماء والصابون لإزالة الرواسب.
2- تنظيف المصفاة التي داخل الغلاية جيدا وإعادتها وملء الغلاية بالماء النظيف استعدادا للتشغيل.(15/50)
3- غسيل الآلات والأدوات المراد تعقيمها بالماء النظيف وشطفها بالماء الجاري قبل وضعها بالغلاية أو بالمطهرات الكيميائية ثم شطفها بالماء.
4- يجب أن تغمر الماء الآلات والأدوات الموضوعة في المصفاة في الغلاية.
5- تفصل المكونات الزجاجية وتلف بقطعة فوط أو شاش لئلا تكسر.
طريقة استخدام الغلاية:
1- توضع الأدوات المراد تعقيمها داخل الغلاية
2- تغمر الأدوات بالماء مع إضافة بيكربونات الصوديوم بنسبة
2 % على الماء لمنع الأشياء المعدنية كما يساعد في قتل الميكروبات المتحوصلة.
3- ترفع درجة حرارة الماء إلى أن تصل إلى درجة الغليان وتحسب بعده مدة نصف ساعة غليان مستمر للآلات الخاصة بالغيارات، أما الآلات التي تستخدم للعمليات الجراحية فتغلى لساعة كاملة.
4- تترك المواد داخل الغلاية حتى تنخفض درجة الحرارة ثم تستخرج المواد المعقمة من الغلاية بواسطة المصفاة أو جفت المناولة حتى لا تنكسر الأدوات الزجاجية أو يتكثف الهواء على سطحها الساخن فتتلوث مرة أخرى.
5- توضع الأدوات على فوط معقمة أو في مطهر للمحافظة على تعقيمها.
الأدوات المستخدمة بهذه الطريقة (الغليان):.
1- الآلات المعدنية غير الحادة مثل الجفت بأنواعها ولا تعقم الأدوات الحادة مثل أسطحة المشارط أو المقصات لئلا تزول حدتها.
2- الأدوات الزجاجية.
3- القفاز والقسطرة فولي وأنابيب رايل والدرانق.
الأدوات التي لا تعقم بهذه الطريقة:
1- الأدوات الحادة.
2- الأدوات المصنوعة من الكاوتشوك.
3- الأدوات التي تتلف من التعقيم بالحرارة مثل الخيوط... وغيرها.
كيفية غسل الأيدي :
الأدوات اللازمة:
1 - حوض الغسيل.
2 - صابون مطهر سائل أو صابون من النوع المعتاد.
3 - فوط أو ورق تجفيف.
الطريقة:
1 - قص الأظافر التي قد تحمل الميكروبات بجانب أنها قد تؤذي المريض.
2 - خلع الخواتم والساعة من اليد.
3 - إذا وُجد جروح يوضع عليها غيار أو جوانتي لمنع التلوث.(15/51)
4 - أثناء تعقيم الأيدي ينصح بالوقوف مستقيما أمام حوض الغسيل مع عدم الانحناء كما يراعي عدم تبلل الملابس وفي حالة انخفاض حوض الغسيل تثنى الركب.
5 - عند فتح صنبور الماء يستخدم الورق أو الكوع.
6 - يضبط صنبور الماء لجعل الماء دافئا.
7 - يبلل اليدين مع الذراعين بالماء الجاري مع جعل الكوع أسفل الرسغ فينحدر الماء إلى الرسغ.
8 - يوضع الصابون على راحة اليد أو باستخدام الفرشاة الجاهزة مع جهاز الايوداين، المستخدم في تعقيم الأيدي بالعمليات، أو باستخدام الصابونة العادية.
9 - يدلك راحة اليد جيدا ثم ظهرها ثم بين الأصابع بطريقة التشابك العكسي ثم أصابع كل يد على حدة بطريقة دائرية وبشدة بادئا بالإبهام ولمدة 15 ثانية تقريبا لكل إصبع.
10- اشطف يديك ثم ذراعك ابتداء من الرسغ إلى المرفق بحيث يصبح مستوى الرسغ أعلى من المرفق.
11- تكرر العملية.
12- يغلق الصنبور بالكوع أو باستخدام أوراق جافة بعكس طريقة الفتح.
13- يجفف اليدين بفوط معقمة.
أوجه الإعجاز العلمي والطبي في بعض أبحاث الحجامة:(15/52)
بعد الاطلاع على الأبحاث التي تناولت الحجامة كما ورد في كتاب الدواء العجيب لمحمد أمين شيخو، والذي جمعه وحققه عبدالقادر يحيى، الشهير بالديراني، والذي أضاف إلى عنوان الكتاب معجزة القرن العشرين الذي شفي منه مرضى القلب القاتل، ومرضى الشلل والناعور، والشقيقة، والعقم، والسرطان، والذي قام على أبحاث هذا الكتاب فريق طبي سريري مكون من ثمانية أساتذة في الطب السريري، وسبعة أساتذة في الطب المخبري ينتمون لجامعة دمشق بسوريا. وقامت وكالات الأنباء العالمية والمحلية والسورية والفضائية والإذاعات الدولية وبعض صحف العالم بالاهتمام البالغ بنشر هذا الفتح الطبي الوقائي والشافي من الأمراض التي عجز عن شفائها الطب الحديث في هذا العصر الحاضر؛ مما دفعني لدراسة هذا الكتاب الذي يحوي خمسمائة صفحة مليئة بالبحوث السريرية والمخبرية وعرضه على فئة من المتخصصين في مجال الطب السريري والمخبري لمناقشة بعض الحالات وبعض التحاليل الذي ظهر فيها الإعجاز العلمي والطبي كشفاء لبعض الأمراض المستعصية على الطب الحديث مثل الشلل النصفي أو مرض الناعور والسرطان وغيرها من الأمراض المزمنة التي في مفهوم الطب الحديث ليس لها علاج.
وهنا يتجلى الإعجاز العلمي والطبي في الحجامة التي حث عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن سياق هذه الأحاديث نجزم بأن الحجامة لها فوائد كثيرة سواء استطاعت الأبحاث والدراسات اكتشافها أم لا ففوائدها محتمة فهو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، علمه من علمه، وجهله من جهله. ومما لا شك فيه أن أوجه الإعجاز العلمي والطبي في بعض الدراسات واضحة بينة إلا أنه في بعض الأحيان تخفى علينا فلا يجب أن نبالغ ونُقحم السنة في متاهات؛ لكي نثبت للناس وجه الإعجاز.(15/53)
ومن الاستدلال على ذلك ما قيل في هذا البحث: إن النساء لا يحتجمن إلا بعد سن اليأس، لأن الدورة الشهرية عند النساء بمنزلة الحجامة عند الرجال وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم شهريا وهذا ليس فيه منطق والقياس على ذلك خاطئ فالدورة عند النساء ليست بمنزلة الحجامة ودم الحيض ليس يشابه دم الحجامة والنساء يمرضن كما يمرض الرجال قبل سن اليأس وبعد سن اليأس فلو كانت امرأة تعاني من سرطان في سن مبكرة، وقد ثبت أن الحجامة تشفي من السرطان، فهل تعمل لها الحجامة أو تنتظر حتى تبلغ سن اليأس؟ وفي هذه الحالة يكون السرطان قد قضى عليها.
كما أن أبحاث الكتاب تناولت حالات مرضية عديدة ومتنوعة مثل ارتفاع السكر وارتفاع الضغط، الالتهاب الكبدي، مرض الإيدز والاحتشاء الدماغي الحاد، الفشل الكلوي وسرطان الدم، ومرض هدجكن، وغيرها كثير ولقد أجريت لهؤلاء المصابين بهذه الأمراض حجامة، وبفضل من الله اختفت هذه الأمراض، وأكدت النتائج بالفحوصات المخبرية والإشعاعية.
ونظراً لأن هذه الدراسات تناولت حالة أو حالتين لكل مرض وهذه النتائج لا تكفي ولا تفي بالغرض بتعميمها لنشرها بين المجتمعات لتصبح قاعدة أو منهج جديد في الطب، وكان بالأحرى أن تكون هذه الأبحاث والدراسات مبنية على منهج بحثي متكامل غير قابل للنقد.
هذه الدراسة يجب أن نشجعها ولا نقلل من قيمتها وحتى لو كانت بسيطة إلا أنها تعد خطوة جيدة لفتح الباب أمام الأطباء والباحثين لمواصلة المسيرة البحثية في مجال التداوي بالحجامة.
الخاتمة(15/54)
يعلم بعض المسلمين أن الطب النبوي حافل بالعلوم الدوائية والعلاجية لكثير من الأمراض المستعصية والتي ظهرت في عصر الطب الحديث الذي وقف حائرا أمامها، وهاهي الحجامة عنصر من عناصر الطب النبوي التي لم يعط لها بال، تفتح لنا اليوم بابا جديدا في علاج بعض الأمراض التي لم يتمكن الطب الحديث من علاجها (كما ورد في كتاب الدواء العجيب) وتفتح بابا آخرا أمام الأطباء والباحثين لجعلها أحد دعائم الطب البديل للمساهمة في تخفيف المعاناة المرضية في المجتمعات الإسلامية وغيرها.
ولا يخفى على المسلمين بأن الكتاب والسنة مليئان بالكنوز العلمية التي يجب أن نؤمن بها بلا تأويل ولا تحريف ولا تعليل لتوافق عقولنا كما حدث في قصة قميص يوسف الذي ألقاه البشير على وجه أبيه، فارتد بصيراً وقد أولها بعض المجتهدين بأن يعقوب عليه السلام من المحتمل أنه شم عرق يوسف، أو وضع عرق يوسف على عينيه فشفي وبدأ الباحثون في تحليل العرق واستخدامه كقطرات للعين لعلاج مثل الحالة التي كان عليها نبي الله يعقوب عليه السلام.
أما القصة الأخرى ما ورد في كتاب الدواء العجيب، الذي علل فيه بأن الحجامة تصلح للرجال البالغين ولا تصلح للنساء إلا بعد سن اليأس؛ لأن الدورة الشهرية عند النساء هي بمنزلة حجامة شهرية واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم شهريا.
وعلى أثر ما تقدم فإني أحذر نفسي وزملائي المجتهدين من هذه التأويلات التي من الممكن أن تقودنا والله أعلم إلى الزلل.
المراجع
- "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للإمام الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، (773- 852هـ) عن الطبعة الأولى – حققها – الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – الجزء العاشر – "باب الشفاء في ثلاث- ص(168-190).(15/55)
- "زاد المعاد في هدى خير العباد" لابن القيم الجوزية- (691 – 751هـ) – الجزء الرابع، (الطب النبوي) – حقق نصوصه وخرَّج أحاديثه وعلق عليها: "شعيب الأرنؤوط وعبدالقادر الأرنؤوط) الطبعة السابعة والعشرين – "باب هديه في العلاج بشربة العسل والحجامة والكي" ص: (50-63) مؤسسة الرسالة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان – 1414هـ.
- "الحجامة: أحكامها وفوائدها، كما جاءت في الأحاديث والآثار الصحيحة". تأليف: إبراهيم بن عبدالله الحازمي- الطبعة الثالثة/1423هـ - دار الشريف للنشر والتوزيع – الرياض – المملكة العربية السعودية.
- "التداوي بالحجامة بين الطب والشرع" تأليف: علي بن عبدالعزيز موسى – الطبعة الأولى دار طويق للنشر والتوزيع – الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى – 1423هـ.
- "الحجامة نت" المؤلف: د. هاني علي الفزاوي.
- معجزة القرن العشرين: الدواء العجيب – لفضيلة الشيخ العلامة "محمد أمين شيخو" جمعه وحققه: عبدالقادر يحيى الشهير بالديراني" – دار نور البشير – دمشق – سوريا 22/4/1999م.
- Cui Jin, Zhang Guangi,. A hand book of prescriptions for emergencies. Journal of Traditional Chinese Medicine.
- Brain P. Galen on blood letting. Cambridge University Press, Cambridge.
- Bay field S A treatise on Pratical cupping E. Cox and Sopn, London,P.P.
- Kennedy C An essay on cuppings. Jackson, London.
- Mapleson T. Treatise on the art of cupping. John Wilson, London.
- Duck worth D on the employment of dry cupping the Practitioner.
- Sandwith F. Surgeon Compassionate: The Story of Dr. William Marsden MD, MRCS Peter Davis, Great Britain.
- Royal Free Hospital Archives, London.(15/56)
- Traditional Chinese Medicine, Cupping Therapy IIkay Zihni Ehirali, Forward by Julian Scott. Churchill Living stone, Edinburgh, London, NewYork, Philladelphia, Sydney, Toronto,. Chapter – P..
- Chen Bin, Dr. Hechong, Personal Communications, .
- "Manual of clinical Microbiology" th Ed. Washington, DC: American Society For Microbiology,.
- Disinfection,Preservation and Sterilization" nd Ed. London; Black well Scientific,.
- "Sherris Medical Microbiology" rd Ed. Kenneth J. Ryan –.
- Evans As, ed. "Viral Infections of Humans: Epidemiology and Control" rd Ed. New York: Plenum Press;.
- "Fundamentals of Nursing; concepts, Process and Pratice" fourth edition, Potter and Perry –– Mosby.
- "Foundation of Nursing" third edition, Christensen, Kockrow –– Mosby.
فهرس المحتويات
المقدمة…1
الحجامة…3
تعريف الحجامة :…3
تاريخ الحجامة…3
(أ) الحجامة عند المصريين:…3
(ب) الحجامة عند الصينيين:…4
(ج) الحجامة عند الأوروبيين والأمريكان:…5
(د) الحجامة عند المسلمين:…8
أنواع الحجامة :…13
أولاً: الحجامة الجافة المتحركة ( المتزحلقة، وهي المساج بالحجامة )…13
ثانياً: الحجامة الجافة الثابتة (كؤوس الهواء)…13
ثالثاً: الحجامة الرطبة (المبزغة) ويجب أن يقوم بها أطباء أو متخصصون في الحجامة:…13
الأحاديث النبوية الواردة في الحجامة:…15
أولاً: ما ورد في فضل الحجامة:…15
ثانياً: ما ورد في موضع الحجامة:…18
ثالثاً: ما ورد في وقت الحجامة:…20
التفسير العلمي المحتمل لتأثير الحجامة…21
النظريات القديمة لتأثير الحجامة:…21
النظريات الحديثة لطرق تأثير الحجامة:…22
(1) النظرية الشرقية:…22
ثانياً: الطاقة الحيوية "تشي"…23
(2) النظرية الغربية:…23
خلاصة النظريات الحديثة والقديمة:…28
التعليل العلمي للحجامة عند المسلمين حديثاً:…30(15/57)
التعليل العلمي لإجراء عملية الحجامة في منطقة الكاهل:…32
الحجامة على الأخدعين:…34
التعليل العلمي لحجامة الرأس:…35
حجامة ظهر القدم:…36
أما حجامة الورك والظهر:…36
أوقات الحجامة…42
مواضع الحجامة…43
فوائد الحجامة :…43
الحالات المرضية التي عولجت بالحجامة:…44
محظورات الحجامة :…48
الضوابط اللازم اتخاذها لممارسة الحجامة بالطرق الآمنة:…50
الضوابط اللازم اتخاذها لممارسة الحجامة بالطرق الآمنة…60
التعقيم والتطهير:…61
أوجه الإعجاز العلمي والطبي في بعض أبحاث الحجامة:…71
الخاتمة…73
المراجع…74
فهرس المحتويات…77
…(15/58)
الرد على مزاعم المستشرقَين إجناتس جولدتسيهر ويوسف شاخت ومن أيدهما من المستغربين
د. عبدالله عبدالرحمن الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه، ويدفع نقمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فيقول الله تعالى:? يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ onجچx2 الْكَافِرُونَ ارب?[الصف:8]، فقد تعرضت السنة النبوية الشريفة للطعون والشبهات من الحاقدين والحاسدين منذ العصور الأولى للإسلام. ومنذ بداية القرن العشرين تعرضت السنة لحملة طعون وشبهات مغرضة من المستشرقين بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وتشكيكهم في أهم مصادر شريعتهم، ولكن الله تعالى هيأ لهذه الأمة جهابذة ورجالا في القديم والحديث حفظوا السنة وصانوها من عبث العابثين، ومن افتراءات المغرضين، فبيَّنوا الحق من الباطل والصحيح من السقيم، وذادوا عن حياض السنة المطهرة وفندوا وردوا على شبهات أولئك الطاعنين بالحجة والبرهان. ومن أهم هؤلاء الطاعنين في السنة المستشرقان اليهوديان: إجناتس جولدتسيهر وجوزيف شاخت. ويتناول هذا البحث نقد آراء هذين المستشرقين والرد عليهما فيما يتعلق بنقل السنة النبوية الشريفة والاعتماد في ذلك على نقد المتن والإسناد. فهذان المستشرقان ومن أيدهما من المسشرقين والمستغربين الذين انخدعوا بآراء المستشرقين، يرون أن الحديث النبوي الشريف الذي بين أيدي المسلمين اليوم قد وضعه واخترعه أصحاب الفرق والمذاهب الفقهية الإسلامية، وأن المنهجية التي اعتمدها المحدثون في نقد الحديث غير علمية، وأنها اعتمدت على نقد السند دون المتن. ومما يؤسف له أن نتائج دراسات هذين المستشرقين هي المعتمدة اليوم في الأوساط الغربية وفي الجامعات الأوروبية والأمريكية وأقسام الشرق الأوسط في الغرب، وخلصت المقالة إلى نقض مزاعم المستشرقَيْن ومن(16/1)
أيدهما بالأدلة العلمية، وأكدت ما قاله العلماء المسلمون من أن منهجية النقد التي اعتمدها المحدثون والفقهاء المسلمون للتثبت من صحة الحديث وقبوله هي منهجية علمية وصحيحة وشاملة، وأن علماء المسلمين كما نقدوا السند نقدوا المتن.
ولهذا ينقسم البحث إلى مقدمة وثلاثة أقسام وخاتمة وتوصيات.
القسم الأول: عرض لآراء المسلمين حول منهجية توثيق السنة وأهمية الاعتماد في النقد على السند والمتن معا.
والقسم الثاني: عرض لآراء المستغربين والمستشرقين فيما يتعلق بتوثيق السنة ونقد المتن والرد عليهم.
والقسم الثالث: نظرية الإسناد عند شاخت والرد عليه، وأخيرا تأتي الخاتمة والتوصيات.
ويسرني أن أشكر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف على عقده لندوة: عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية، هذه الندوة المباركة المهمة الرائدة، والتي أسأل الله تعالى لها التوفيق، وإنني أشكر كذلك المسؤولين والعاملين في المجمع، وأسأل الله تعالى لهم مزيدا من التقدم والنجاح في خدمة كتاب الله تعالى والسنة والسيرة النبوية الشريفة، وأن يزيد الله تعالى هذا البلد الطيب رخاء وأمنا وطمأنينة، إنه سميع مجيب.
القسم الأول: عرض لآراء المسلمين حول منهجية توثيق السنة بالاعتماد على نقد السند والمتن معا
تمهيد
آراء المسلمين في توثيق السنة وأهمية الإسناد
ينقسم علم الحديث النبوي الشريف إلى قسمين رئيسين هما(1)
__________
(1) تعني كلمة الحديث الجديد ضد القديم، وتعني القصة، وحدث الشيء حدوثا: وقع، وجد. ولمزيد من المعلومات انظر: إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح، تحقيق أحمد عبدالغفور عطار، (بيروت: دار العلم للملايين، 1399?/1979م)، ط2، ج:1، ص: 278 -279، وإبراهيم مصطفى وعبدالسلام هارون وآخرون: المعجم الوسيط، (القاهرة: مجمع اللغة العربية، لا ت. )، ج: 1، ص: 160، ومحمد الصباغ، الحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبه، (بيروت: 1982م/1402?)، ص: 139- 140.
Th. W. Juynboll, art." HADITH ", EI , vol. iii , p. ; J. Robson, art. " HADITH ", EI , vol. iii, p. .(16/2)
علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية، أما علم الحديث رواية فهو: " العلم الذي يقوم على ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية نقلا دقيقا محررا "(1)، وأما علم الحديث دراية أو علم مصطلح الحديث فهو كما يقول ابن جماعة:" معرفة القواعد التي يعرف بها أحوال السند والمتن "(2)، وهو كذلك علم يعرف منه حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بها(3).
وأما السنة اصطلاحا: فهي تعني عند المحدثين: " كل ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، أو سيرة "(4)، ويضاف إلى تعريف السنة والحديث بعض ما أضيف للصحابي وللتابعي(5).
__________
(1) السيوطي، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، تحقيق عزت عطية وموسى محمد علي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، 1980م)، ج: 1، ص: 40، وقارن بمحمد عجاج الخطيب، أصول الحديث، علومه ومصطلحه، (بيروت: دار الفكر، 1419?/1998م)، ط1، ص: 6.
(2) عصام البشير، أصول منهج النقد عند أهل الحديث، (بيروت: 1912م/1412?)، ط2، ص: 68، وقارن بالسيوطي، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، ص: 40.
(3) السيوطي، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، ج: 1، ص: 40.
(4) محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث، ص: 14.
(5) لمزيد من المعلومات عن تعريف الحديث انظر: نور الدين العتر، منهج النقد في علوم الحديث، (دمشق: 1412/1992)، ط3، ص: 26- 27 وقارن بمحمد الصباغ، الحديث النبوي، ص: 140، 146 - 148، و محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث، ص: 15.
p. i John Burton, Hadith studies, (Manchester),(16/3)
وقد أدى علم المصطلح وظيفة الحفاظ على السنة النبوية من خلال قواعد دقيقة لنقد السند والمتن مما أدى لمعرفة أنواع الحديث والتمييز بين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع. والوظيفة الأخرى التي أداها علم المصطلح هو تقسيم الحديث إلى مقبول ومردود؛ ولهذا يعتقد المسلمون أن ما عندهم من أحاديث مقبولة هي فعلا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين؛ لأنها نقلت إلينا بواسطة رواة ثقات يعتمد عليهم.
وتعتمد صحة الحديث على صحة الإسناد والمتن معا. والسند لغة هو: ما ارتفع من الأرض...(1)، أما السند اصطلاحا فهو: سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وحتى تدوين الحديث في كتب الحديث المعتمدة، أو هو الإخبار عن طريق المتن(2) وإنما سمي السند بالسند، كما قال ابن جماعة؛ لأن الحفاظ يعتمدون في صحة الحديث أو ضعفه عليه(3). فالإسناد هو قسم أساسي من الحديث، ولذا يقال: إن علم الإسناد هو نصف علوم الحديث، فالإسناد هو المسبار الذي يحاكم كل ما يقال، والحديث الذي لا سند له كبيت لا سقف له أو لا أساس له.(4)
لقد اهتم العلماء المسلمون بالإسناد وبينوا أهميته من خلال عبارات مشهورة فقد قال محمد بن سيرين:" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "(5)
__________
(1) محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، (بيروت: دار مكتبة الحياة، لا ت.)، ج: 1، ص: 381-382.
(2) السيوطي، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، ج: 1، ص: 43، وانظر: John Burton, Hadith studies, p.i..
(3) السيوطي، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، ج: 1، ص: 43، وانظر: . p. ,art. HADITH: EI vol. iii Th. W. Juynboll
(4) عصام البشير، أصول منهج النقد عند أهل الحديث، ص: 61.
(5) مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1374?/1955م)، ط1، ج:1، ص: 14، وقارن بـ
J. Robson, '' The Isn?d in Muslim Traditions'', Glag University Ori. ,Soci. Trans . P. , ( ) .(16/4)
، وقال سفيان الثوري:" الإسناد هو سلاح المؤمن. فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟"(1)، وقال عبدالله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء(2)، ولهذا فعندما كان يسأل أهل البدع عمن أخذوا الحديث كانوا يسكتون لئلا يفتضحوا.
ولما للإسناد من أهمية بين العلماء المسلمين فقد تعدى استخدامه لكل العلوم كعلم الأدب العربي، والتاريخ والطب وغيرها من علوم.(3) وكان من ثمرة اهتمام المسلمين بالإسناد نشأة علم سمي بعلم الجرح والتعديل(4)، وكما يقول المستشرق سبرنجر Sprenger: إن المسلمين درسوا تراجم ما يقرب من نصف مليون راوٍ(5)، وكل ذلك من أجل الحديث النبوي الشريف.
بدأ المسلمون بالاهتمام الزائد بالسؤال عن الإسناد بعد فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، ففي ذلك الزمان نشطت حركة الوضع. واتخذ المحدثون اجراءات وقائية لمنع الكذابين من ترويج كذبهم، وللحفاظ على السنة فاستخدموا ضدهم سلاح الإسناد، يقول الإمام الثوري: عندما اخترع الكذابون أسانيد كاذبة استخدمنا ضدهم تاريخ الرواة(6).
__________
(1) محمد بهاء الدين، المستشرقون والحديث النبوي، (عمان: دار النفائس، 1420هـ/1999م)، ط1، ص: 15 - 16، نقلا عن ابن أبي حاتم، المجروحين، ج:1، ص: 19، والخطيب البغدادي، شرف أصحاب الحديث، ص: 42.
(2) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، ج: 1 ص:15.
(3) عبدالفتاح أبو غدة، الإسناد من الدين، (بيروت: 1992م/1412?)، ص: 35 - 36.
(4) انظر: إبراهيم بن الصديق، علم علل الحديث من خلال كتاب الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لأبي الحسن بن القطان الفاسي، (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1415/1995)، ط1، ج:1، ص: 36-37. وانظر كذلك
J. Robson, art."Al-Djarh wa al-Ta'dil", EI , vol.ii, p. .
(5) عبدالفتاح أبو غدة، الإسناد من الدين، ص: 32.
(6) عصام البشير، أصول منهج النقد عند أهل الحديث، ص: 80.(16/5)
ويقول محمد بن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة -أي الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما-(1) قالوا: سموا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم(2).
أما قواعد دراسة المتن والإسناد فإننا نجدها في كتب علم مصطلح الحديث مثل كتاب: تدريب الراوي للسيوطي وفي كتب حديثة مثل كتاب: أصول الحديث أ. د. محمد عجاج الخطيب، وكتاب أ. د. نور الدين عتر منهج النقد وغيرها من كتب المصطلح.
المعيار الثاني لمعرفة صحة الحديث هو نقد المتن. والمتن لغة: ما صلب من الأرض وارتفع، ومتن: صلب(3)، والمتن اصطلاحا كما قال الطيبي هو: ألفاظ الحديث التي تتقوم بها المعاني(4).
إن نقد المتن عند المحدثين بدأ مع نقد السند، وكان نقد العلماء للمتن واسعا كسعة نقدهم للسند، بل نستطيع القول بأن نقدهم للمتن كان أوسع وأكثر من نقدهم للسند.
__________
(1) يرى بعض المستشرقين أن تاريخ الفتنة بدأ عام 126 هـ/ 743 م وذلك عندما قتل الخليفة الأموي الوليد بن يزيد، ولذلك فالبدء باستخدام الإسناد عندهم يرجع لعام 120 هـ. ولمزيد من المعلومات انظر Azami, Studies, p. 213 - 218
(2) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، ج: 1 ص:15. وقارن بـ
A.A.M. Shereef, Studies in the Composition of Hadith Literature, Ph.D thesis, (London, ), p. ,
cf J. Robson، "The Isnad in Muslim Traditions", p. .
(3) محمد بن يعقوب الفيروزابادي، القاموس المحيط، تحقيق محمد عبدالرحمن مرعشلي، ( بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1997م/1417?)، ج: 2، ص: 1619.
(4) السيوطي، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، ج: 1، ص: 44.(16/6)
ويؤيد هذه الفكرة علماء محدثون عديدون منهم: محمد الأعظمي، وفؤاد سزكين، وصبحي الصالح، ومصطفى السباعي(1)، وماهر حمادة(2)، ونور الدين عتر(3)، وهمام سعيد(4)، ومحمد عجاج الخطيب(5)، ومحمد أبو شهبة(6)، هؤلاء كلهم رفضوا آراء المستشرقين ومن تابعهم من المستغربين، تلك الآراء التي تزعم بأن نقد الحديث ومعرفة درجة صحته كانت تعتمد فقط على نقد السند دون المتن، والمشكلة كما يزعم هؤلاء أن نقد السند كان نقدا شكليا، وكان ينقصه منهجية النقد العامة لأي حديث نقد المتن الذي لم يكن له وجود عند العلماء المسلمين(7).
__________
(1) انظر كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
(2) انظر كتابه المنهج الإسلامي في علم الجرح والتعديل.
(3) انظر كتابه منهج النقد في علوم الحديث.
(4) انظر كتابه الفكر المنهجي عند المحدثين.
(5) انظر كتابه أصول الحديث.
(6) انظر كتابه دفاع عن السنة و رد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين. وقد كتب العلماء والباحثون المعاصرون مؤلفات عديدة تتكلم على نقد المتن، ومن أهمها: 1- نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين لنجم عبدالرحمن خلف، 2- مقاييس نقد متون السنة لمسفر الدميني، 3- جهود المحدثين في نقد المتن لمحمد طاهر الجوابي، 4- منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي لصلاح الدين الإدلبي.
(7) انظر جولدتسيهر، دراسات محمدية، ترجمة الصديق بشير نصر، في فصول من كتاب دراسات محمدية من مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد10، طرابلس الغرب، 1993م، ص: 508 - 509.(16/7)
أما آراء علماء السنة من المحدثين حول هذا الموضوع فهي أنه كان هناك تكامل وشمول في المنهج النقدي لدى المحدثين بحيث شمل السند والمتن معا، والأدلة من علم المصطلح كثيرة على هذه القضية بحيث نستطيع القول بأن زعم المستشرقين بأن العلماء اعتنوا بنقد السند دون المتن هو على شهرته أشد مزاعمهم ضعفا وأوضحها سقوطا(1)، وإن علماء الحديث والفقه قد نقدوا المتن بما فيه الكفاية، ولكن المستشرقين ومن أيدهم يريدون لهذا النقد أن يتجاوز حدود الشرع مما يؤدي إلى رفض الأحاديث التي لم تجد قبولا لدى عقولهم المتحجرة.
القسم الثاني: عرض لآراء المستغربين والمستشرقين فيما يتعلق بتوثيق السنة عبر نقد المتن والسند والرد عليهم
1- عرض لآراء المستغربين من المسلمين المعاصرين الذين يؤيدون وجهة نظر المستشرقين:
انتقد بعض المستغربين من المسلمين المعاصرين ما ذهب إليه المحدثون في طريقة معرفة صحة الحديث.
__________
(1) نور الدين عتر، السنة المطهرة والتحديات، ص: 67 - 68.(16/8)
ويقول هؤلاء المستغربون إن صحة أي حديث يجب أن تبنى أولا على صحة متنه وليس على صحة إسناده(1)، وإن السؤال الذي يجب أن يطرح على كل حديث هو: هل يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول مثل هذا الكلام أو لا؟. والسبب في طرح هذا السؤال دائما هو زعمهم بأنه يوجد في كتب الحديث المعتمدة كالكتب الستة بعض الأحاديث المخالفة للعقل والعلم، ويستحيل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد قالها. وآراء هؤلاء المستغربين ليست جديدة، بل هي تكرار لما قاله المستشرقون بل لما قالته بعض الفرق الإسلامية أيام الإمام الشافعي، بل وقبله(2).
ويعد محمد عبده ( 1840 - 1905م ) أول عالم مسلم معاصر توجه بنقده لبعض الأحاديث المقبولة والصحيحة عند العلماء المسلمين(3)، وتابع محمد عبده تلامذته الذين وسعوا أفكاره وفصلوها(4)، ويمكن تلخيص آرائهم كما يلي:
1- زعمهم أن الحديث النبوي كتب في وقت متأخر أي خلال النصف الأول من القرن الثاني الهجري. ولذلك فلا يمكننا الاعتماد على صحة الحديث لوجود احتمالات وقوع الخطأ من الرواة ومن مدوني الحديث.
2-لقد وضعت أحاديث كثيرة واختلطت بالأحاديث الصحيحة مما يجعل عملية الفصل بينها صعبة جدا.
__________
(1) من الذين تبنوا هذه الدعوى في مؤلفاتهم: أحمد أمين، وأبو رية في مصر، وسيد أحمد خان (1897م) في الهند، والمدعو: المولوي شراغ علي، وزعيم فرقة (أهل القرآن) غلام أحمد برويز، وغيرهم. انظر مكي الشامي، السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها، (عمان: دار عمار للنشر والتوزيع، 1420?/1999م)، ص: 103-105.
(2) انظر ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، (بيروت: 1972م)، ص: 42، 204 - 205، 224، 228 - 229 ، 245، 326.
(3) Cf. G.H.A. Juynboll , The Authenticity of the Tradition , (Lieden, ), p. .
(4) شرح Juynboll آراءهم في كتابه المذكور سابقا. انظر المرجع السابق نفسه، الفصل: 2 و 7.(16/9)
3-لقد روى الصحابة والتابعون معاني الأحاديث وليس الأحاديث بعينها، ولهذا لم يحتج النحاة بالأحاديث المروية في النحو. والاختلاف في الروايات بين رواة الحديث دليل على أنهم كانوا ينقلون المعنى(1).
4-لا يمكننا الاعتماد على علم الجرح والتعديل لأنه علم متناقض، إذ يقدم علماء هذا العلم معلومات متناقضة عن الرواة(2).
5- بما أن معظم الأحاديث النبوية رويت عن طريق الآحاد فإن احتمال وقوع الخطأ منهم كبير، إذ إنهم بشر. وتنطبق هذه القاعدة أيضا على الأحاديث الآحاد المروية في كل من صحيحي البخاري ومسلم. والفقهاء والمحدثون لديهم الحرية في اختيار الأحاديث التي يرونها مناسبة لمذاهبهم(3).
2- عرض آراء بعض المستشرقين:
تعرض الحديث النبوي الشريف لحملة طعونات وتشكيكات من المستشرقين. وتختلف وجهة نظرهم عن نظرة المسلمين للحديث. فالمستشرقون يرون أن معظم الأحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي في الحقيقة ليست أقوالا له، ولكن بعض تلك الأحاديث تنقل لنا أفكاره وتقريراته.
__________
(1) م. أبو رية، أضواء على السنة النبوية، (مصر، لا ت.)، ص: 286، وانظر الرد على هذا الرأي في: محمد أبو زهو، الحديث والمحدثون، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1404?/1984م)، ط1، ص:150-152.
(2) المرجع السابق نفسه، ص: 286 - 335.
(3) أثيرت هذه القضية من بعض معاصري الإمام الشافعي. انظر الشافعي، الرسالة، (القاهرة، 1940م)، ص: 369 - 401، 405.(16/10)
وتعتمد حجج المستشرقين ونتائجهم حول نظرتهم إلى الحديث النبوي الشريف على النتائج التي وضعها المستشرق إجناتس جولدتسيهر ( 1850 - 1921 ) في كتابه: دراسات محمدية(1)، Muhammedanisch Studien عام 1889. وكل من أتى بعد جولدتسيهر اعتمد على آرائه التي ذكرها في هذا الكتاب.ويرى جولدتسيهر:" إنه من الصعوبة بمكان أن ننخل أو نميز وبثقة من كمية الحديث الكبيرة الواسعة، قسما صحيحا يمكننا نسبته إلى النبي أو إلى أصحابه "(2). وتوصل جولدتسيهر إلى النتيجة التالية:" إن الحديث النبوي وجد نتيجة للتطور الديني والتاريخي والاجتماعي الإسلامي خلال القرنين الأولين للهجرة "(3).وقد لخص جوزيف شاخت رأي جولدتسيهر بقوله:
" إن الأحاديث المنسوبة للنبي وأصحابه التي يدعى بأنها ترجع إلى عصر النبي وأصحابه في الحقيقة لا تحتوي على معلومات موثوق بها [ صحيحة ] عن تلك الفترة الإسلامية الأولى، بيد أن تلك الأحاديث تعكس لنا الآراء التي كانت خلال القرنين الأولين من الهجرة والنصف الأول من القرن الثالث الهجري "(4).ولكن جولدتسيهر قدم لنا وجهة نظر أخرى في مقالته: Vorlesungen Uber den Islam عام 1910م، وقد أعطانا البروفسور ج. روبسون ملخصا لها حيث يقول:" لا ينكر جولدتسيهر بالكلية وجود أحاديث صحيحة ترجع إلى القرن الأول بل حتى إلى فم النبي نفسه "(5).
ويُعد هذا الرأي من جولدتسيهر تراجعا عما ذكره سابقا في كتابه: (دراسات محمدية) حيث شكك هناك في أي حديث صحيح، ولكنه هنا قبل بعض الأحاديث الصحيحة.
__________
(1) ... Burton , Hadith Studies, p. ii.
(2) F. Rahman, Islam, (London, ), p. , cf. Goldziher, Muhammedanische Studien, (Halle, )، vol. ، p. .
(3) Goldziher, Muslim Studies, tr. Stern, (London, ), vol. , p. .
(4) J. Schacht, "Re-evaluation of Islamic Tradition", JRAS, , p. .
(5) J. Robson, "Muslim Traditions", p. .(16/11)
ولهذا السبب يمكن للمرء أن يتساءل: لماذا غيّر جولدتسيهر موقفه من الحديث؟، فهل وجد أدلة جديدة تؤكد له صحة بعض الأحاديث؟ وإذا كان الحال كذلك فما تلك الأدلة؟ ولماذا لم يعد بقية الأحاديث صحيحة كتلك التي عدَّها صحيحة؟. كل هذه الأسئلة تبرز بسبب تغييره لموقفه، ونجد من الصعوبة أن نجد أجوبة عن كل هذه الأسئلة.
أما نقد المستشرقين للمحدثين فيما يتعلق باعتمادهم على الإسناد في تصحيح الحديث فهم يدعون بأن المسلمين لم يتجاوزوا أبداً نقد السند إلى نقد المتن، وأن نقد المتن ترك من دون عناية أبداً(1)، يقول كايتاني: كل قصد المحدثين ينحصر ويتركز في واد جدب ممحل من سرد الأشخاص الذين نقلوا المروي، ولا يشغل أحد نفسه بنقد العبارة والمتن نفسه.. والمحدثون والنقاد المسلمون لا يجسرون على الاندفاع في التحليل النقدي للسنة إلى ما وراء الإسناد بل يمتنعون عن كل نقد للنص إذ يرونه احتقارا لمشهوري الصحابة وثقيل الخطر على الكيان الإسلامي(2)، ويقول المستشرق شاخت مؤيدا كايتاني: إن العلماء المسلمين أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للإسناد نفسه.(3) ويعتمد رأيهم هذا على أسباب عديدة [ بزعمهم ] ونلاحظ أن آراءهم وآراء المستغربين من المسلمين متوافقة في هذا الموضوع.
__________
(1) إجناتس جولدتسيهر، دراسات محمدية، ص: 500، 508-509.
(2) محمد بهاء الدين، المستشرقون والحديث النبوي، ( عمان: دار النفائس، 1420?/ 1999م)، ص:129 -130.
(3) يوسف شاخت، أصول الفقه، ترجمة إبراهيم خورشيد وآخرين ( بيروت: دار الكتاب اللبناني 1981م)، ص: 64.(16/12)
لكن المستشرقين قد ذكروا شبهات أكثر مما ذكره مقلدوهم من المستغربين. ومن تلك الشبهات والمزاعم التي ساقها المستشرقون قولهم: كما أنه كان من السهل وضع حديث ما، فقد كان من الأسهل اختراع سند ولصقه بذلك الحديث الموضوع(1)، ولهذا السبب فقد رأوا أنه يصعب قبول أي حديث كحديث صحيح، وأن نعتمد على إسناده فقط. والبديل عندهم هو الاعتماد على نقد المتن لمعرفة صحة الحديث، ومقارنة مضمونه مع القرآن، وقد أدت هذه الانتقادات والاعتبارات بالمستشرقين لرفض كثير من الأحاديث المقبولة بين المسلمين. فمثلا إن الأحاديث التي تتكلم على الخوارج والقدرية، وعن أسماء مدن لم تكن بعد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الراشدين الأربعة، وعن الخلافة الأموية والعباسية، وعن المعجزات النبوية، كل هذه الأحاديث رفضت من المستشرقين؛ لأن النبي بزعمهم لا يمكن أن يقول مثل تلك الأحاديث، والنبي لم يصدر عنه أية معجزات مادية. فالقرآن الذي يمثل صفات الرسول لا يذكر لنا أنه كان يعمل المعجزات. وقد زعم المستشرقون قائلين:" يوجد أحاديث عديدة تتكلم على الفتن قبل يوم القيامة وتتكلم على يوم القيامة، ويوجد أحاديث تصف الجنة والنار بالتفصيل. إن العقلية الغربية تجد من الصعوبة بمكان أن تقبل مثل تلك الأحاديث على أنها أحاديث صحيحة قالها النبي فعلا ".(2)
__________
(1) A.A. M Shereef، Studies، p. .
(2) J. Robson, art. "Hadith", EI , vol.iii, p. .(16/13)
إضافة إلى ما سبق ذكره من انتقاد المستشرقين لاعتماد المسلمين على السند أكثر من المتن، فإنهم تحدوا عدالة الصحابة التي يقر بها المسلمون، وزعم المستشرقون بأن الصحابة يمكن أن يكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يخترعوا ويضعوا الأحاديث.. فهذا ألفرد جوليوم Alferd Guillaume في كتابه:The Traditions of Islam (الحديث في الإسلام) يدعي بأن أبا هريرة كان له عادة وضع الأحاديث.(1)
لقد أثارت روايات أبي هريرة رضي الله عنه حفيظة كثير من المتشككين والطاعنين في الحديث الشريف، وذلك لأنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ووصلت مروياته إلى (5374) حديثا. وهو يعد من أكثر الصحابة رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويعد علماء الحديث عدالة الصحابة جميعا أمراً مجمعاً عليه بينهم، وأن الصحابة يستحيل أن يصدر منهم كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) A. Guillaume, The Tradition of Islam,(Oxford, )، p. .(16/14)
وقد طعن المستشرقون في مرويات الصحابة الشباب لأنها أكثر عددا من مرويات الصحابة الذين لازموا النبي صلى الله عليه وسلم خلال أيامه الأولى. فمثلاً إن عدد الأحاديث التي رويت عن الخلفاء الأربعة هي أقل بكثير من الأحاديث التي رواها أبو هريرة وابن عباس. ولم يتوقف طعن هؤلاء المغرضين بالصحابة الكرام واتهامهم بوضع الأحاديث بل تجاوزه إلى العلماء المسلمين قاطبة من السلف الصالح ولهذا يقول جولدتسيهر: " ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها بل هناك أحاديث عليها طابع القدم، وهذه إما قالها الرسول، أو هي من عمل رجال الإسلام القدامى "(1)، ولهذا فإن جولدتسيهر لم يتوان في نقده لمتن حديث ثبتت صحته بالافتراء على عَلَم من أعلام المسلمين -ألا وهو الإمام الزهري رحمه الله تعالى - فاتهمه بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لصالح الأمويين، في رواية قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى ).(2)
__________
(1) إجناتس جولدتسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة محمد يوسف موسى وعبدالعزيز عبدالحق، وعلي حسين عبدالقادر، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، 1959م)، ط1، ص: 49-50.
(2) روي هذا الحديث بألفاظ عديدة من ستة وخمسين طريقا في كل من الكتب الستة، وسنن الدارمي، ومسند الإمام أحمد، والسنن الكبرى للبيهقي، ومسند أبي يعلى، والمعجم الكبير للطبراني، ومسند أبي داود الطيالسي، ومسند الحميدي، ومسند الشاميين وغيرها. انظر الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه، الإصدار الأول، (عمان:، مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، 1418?/1997م).(16/15)
فهذا الحديث الذي روي في أصح كتب الحديث النبوي الشريف وورد من ستة وخمسين طريقا لا شك في صحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم لدى المسلمين، ومع ذلك فإن المستشرقين قد شككوا في صحته وعلى رأسهم المستشرق إجناتس جولدتسيهر الذي زعم بأن ابن شهاب الزهري (ت124 ?/742م) قد وضع هذا الحديث لأسباب سياسية عندما أراد الخليفة عبدالملك بن مروان (ت86?/705م) أن يشجع الناس لزيارة المسجد الأقصى بدلا من الذهاب إلى مكة المكرمة أثناء فتنة ابن الزبير (ت73?/692م)، فقد استخدم عبدالملك بن مروان ابنَ شهاب الزهري لتحقيق أهدافه السياسية. وقد اعتمد جولدتسيهر في آرائه على ما أورده المؤرخ اليعقوبي (ت292?/905م) المعروف بعدائه الشديد للأمويين فقد زعم اليعقوبي بأن عبدالملك أراد أن يحول حج الناس إلى بيت المقدس بدلا عن الحج إلى مكة المكرمة.(1)
__________
(1) M. Lecker, "Biographical Notes on Ibn Shihab Al - Zuhri", Journal of Semitic Studies, No ( ), p. ………(16/16)
إن العلماء المسلمين المعاصرين وبعض المستشرقين ردوا ادعاء جولدتسيهر ضد الزهري لأنه زعم غير منطقي، وليس مبنيا على حجج علمية؛ لأنه لم يكن بمقدور الزهري أن ينسب هذا الحديث كذبا على لسان أستاذه سعيد ابن المسيب (94 ?/713م) الذي كان ما زال حيا أثناء رواية الزهري لهذا الحديث، ولاسيما إذا علمنا أن سعيد بن المسيب كان ذا عداء شديد لبني أمية وبخاصة للخليفة عبدالملك بن مروان، فلو فرضنا أن الزهري وضع هذا الحديث لصالح الأمويين فإنه كان سيعرض ثقته للاهتزاز أمام الرواة الذين كانوا يعتبرونه راوية ثقة.(1) ولو وضع الزهري الحديث السابق فإن أستاذه كان سيعارض هذه الرواية، ولن يسمح له بأن ينقل شيئا كذبا على لسانه، وبالإضافة إلى ما سبق فإن هذا الحديث لم يروه الزهري فقط فقد ورد الحديث من خمسة عشر طريقا آخر من غير طريق الزهري، مما يعني أن هذا الحديث كان معروفا قبل أن يرويه الزهري(2)، وقد بلغ مجموع طرق رواية هذا الحديث ستة وخمسين طريقا كما سبق وذكرنا. فانظر كيف يكون الافتراء بلا دليل ولا حجة قاطعة؟ ثم انظر كيف أن هذا الافتراء يطال علما من أعلام المسلمين ويتهمه بالكذب ليس على الناس بل على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وحاش للزهري أن يقوم بمثل هذا العمل، وإنما القصد من هذا الافتراء التشكيك برواة الأحاديث ونسف ثقة المسلمين ويقينهم بصحة السنة النبوية الشريفة.
3- أولا: الرد على ما ادعاه المستشرقون من أنه كان سهلا اختراع سند ولصقه بأي حديث، وأن الأحاديث لا تحتوي على معلومات موثوقة عن الفترة الأولى من الإسلام، وأن الحديث الشريف وجد نتيجة للتطور الديني والتاريخي والاجتماعي:
__________
(1) محمد عجاج الخطيب، السنة قبل التدوين، ( بيروت: دار الفكر، 1981م)، ص: 513.
(2) محمد شراب، بيت المقدس والمسجد الأقصى: دراسة تاريخية موثقة، ( دمشق: دار القلم، 1994م)، ص: 317 - 320. وانظر:
Lecker," Biographical Notes", p. , footnote no. .(16/17)
أ- إن الناظر في هذه الادعاءات من أهل الاختصاص يتعجب من سخفها لأنها تنم عن جهل عميق بعلم الحديث ورجاله وبتاريخ نقل السنة النبوية الشريفة وتوثيقها وتفاني الأمة الإسلامية في ذلك. ولتقريب سخف هذا الادعاء أضرب مثالا: إذا ادعى شخص ما في زماننا أن هناك معركة كبيرة حدثت بين دولتي الأرجنتين والبرازيل وراح ضحيتها آلاف البشر بتاريخ 1/2003، فحتى لو كان صاحب هذه الكذبة يملك ألف قناة فضائية ليمرر كذبته على الناس، فهل يمكن أن يصدقها حتى السذج من أبناء هذا الزمان؟ الجواب لا؛ لأن كذبه سرعان ما سيظهر للناس. وإن تصديق القول بأن الكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عاشوا في العصور الإسلامية الأولى كانوا يمرحون ويشيعون كذبهم ويفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم حسبما يحلو لهم وساعة ما يريدون من غير معارض لهم، إن تصديق هذا القول لهو قريب ومشابه لمن يصدق بالمعركة الكاذبة بين الأرجنتين والبرازيل. وإن الحقيقة تثبت عكس ما يقوله المستشرقون، لأن علماء الأمة وعلى رأسهم المحدثون كانوا متيقظين ليل نهار لرصد أي حديث يروى ورصد تاريخ حياة كل من تصدى للرواية، ولهذا فقد قاموا بدراسة حياة ما يزيد على عشرات الألوف من الرواة لمعرفة درجة صدقهم أو كذبهم ولمعرفة درجة حفظهم، فكانوا أدق الناس وأعلمهم في نقل الأخبار ومعرفة درجات الرجال ومعرفة الأسانيد، ولهذا لم يجد الكذابون سوقا لكذبهم إلا وكان العلماء المحدثون الصيارفة لهم بالمرصاد، يبينون زيف عملة الكذابين، فكيف يقال بعد ذلك: إنه كان من السهل اختراع سند ولصقه بأي حديث؟.(16/18)
أضف إلى ذلك فقد كان للعلماء طرق كثيرة في معرفة رواية كل محدث وتلامذته الذين رووا عنه، فكيف كان يستطيع راو غير معروف بصحبته لمحدث ما أو بسماعه منه أن يدعي بأنه سمع من ذلك المحدث مع أن تلامذة ذلك المحدث معروفون؟ وكذلك فإن علماء الأمة الذين عاشوا في خير القرون قد بذلوا قصارى جهدهم في الذب عن الحديث النبوي الشريف، وقد رصد علماء الحديث في علوم الحديث ما يسمى بالحديث المقلوب، وعرفوا جيدا قلب الأسانيد مع الأحاديث وكانوا يمتحنون بعضهم بقلب أسانيد الأحاديث وذلك لمعرفة مدى حفظ الحافظ للحديث كما فعل علماء بغداد مع الإمام البخاري عندما امتحنوه. وإن قلب الأسانيد عن سهو وبغير قصد مع الأحاديث يعد عيبا كبيرا يطعن بضبط الراوي، لذا كان العلماء يعرفون الرواة الذين يقلبون الأسانيد في أحاديثهم ويحذرون الناس منهم. قال الخطيب البغدادي:" اتفق أهل العلم على أن السماع ممن ثبت فسقه لا يجوز، ويثبت الفسق بأمور كثيرة لا تختص بالحديث، فأما ما يختص منها فمثل أن يضع متون الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أسانيد المتون، ويقال: إن الأصل في التفتيش عن حال الرواة كان لهذا السبب "(1).
__________
(1) أحمد بن علي الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق محمود الطحان، (الرياض: مكتبة المعارف، 1403?/1983م)، ط1، ج: 1، ص: 130.(16/19)
ب- إن عناية علماء الحديث الشريف الجبارة بتوثيق السنة، والقواعد التي وضعوها لذلك في الراوي والمروي تثبت أن ما نقل إلينا لم يأت نتيجة للتطور التاريخي والديني والاجتماعي، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أمناء هذه الأمة نقلوا لنا بصدق ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل التابعون وتابعوهم إلى أن دون الحديث الشريف، فأنَّى لمفتر بعد ذلك أن يهدم هذا البناء العظيم من السنة النبوية الشريفة بكلمة باطلة مفتراة؟ وانظر معي إلى أمانة الصحابي في نقله للسنة، يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضا.(1)
__________
(1) أخرجه محمد بن عبدالله الحاكم، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1411?)، ط1، ج:3، ص: 665، ح: 6458. وسليمان بن أحمد الطبراني، في المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي، (مكتبة العلوم والحكم)، ط2، ج:1، ص: 246، ح: 699.(16/20)
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح القول بأن الأمة الإسلامية كلها شاركت في الكذب على رسولها صلى الله عليه وسلم؟ ومعلوم أن الكذب في الإسلام من الكبائر، وأما الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من أكبر الكبائر؟ و الكذب على نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم لم يمارسه إلا الزنادقة أو الجهلة من الناس الذين فضحهم الله تعالى بين الأمة على أيدي جهابذة علماء الحديث، إذن إن كل ما نقل إلينا عنه صلى الله عليه وسلم وصححه العلماء موثوق به، وليس نتيجة للتطور التاريخي أو الديني أو الاجتماعي للأمة الذي يتحدث عنه هؤلاء المستشرقون. وأشير إلى مثال في دقة أهل الحديث وهو قول المدلس: (عن)، موهما أنه سمع الحديث، لأنه إذا قال: (حدثني أو أخبرني) عُدَّ كاذبا، ولسقط من الرواية، ولذلك فهو لا يحاول أن يقول: (حدثني أو أخبرني)، ولكن يقول: (عن)، ولذلك نرى أن الإمام شعبة بن الحجاج يقول: كنت أتتبع قول قتادة، فإذا قال: (سمعت أو حدثني) أخذت عنه الحديث، وإذا قال: (عن) تركته.
وتبين مما سبق بأدلة قطعية أن كل الادعاءات السابقة ما هي إلا افتراء على السنة، ولا أصل لها من الصحة إذ لا دليل عليها، ولا يصدق بها إلا الجهلاء من الناس.
ثانيا: الرد على زعمهم بأن الصحابة كذبوا على الرسول صلى الله عليه وسلم: نرد على هذا الزعم بأمور عديدة:
1-إن إمكان وقوع الكذب من أحد من الرواة شيء، ووقوعه حقيقة شيء آخر، فإنه لم يثبت لدينا بالدليل القاطع وقوع تعمد الكذب من صحابي معروف بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن لديه دليل فليأتنا به، وأنى له ذلك؟(16/21)
2- أضف إلى ما سبق فقد ثبتت عدالة الصحابة الكرام بالإجماع عند أهل السنة والجماعة، وثبتت عدالتهم في القرآن والسنة، وكي لا نطيل نترك ذكر الأدلة الكثيرة على ذلك من القرآن ومن السنة؛ لأن الأمر واضح وجلي، فبعد أن عدلهم الله وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم فهم ليسوا بحاجة من أحد لتعديل، ومن هنا أجمعت الأمة على عدالتهم، يقول أبو زرعة الرازي:
" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى "(1)، وما يقصده المستشرقون وغيرهم من نقض عدالة الصحابة هو نفس ما ذكره أبوزرعة.
3-لو لم يرد للصحابة الكرام تعديل لا في كتاب ولا سنة فأعمالهم وتضحياتهم شاهدة على عدالتهم وصدقهم؛ فقد بذلوا الغالي والرخيص في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ونشرها، وهاجروا وتركوا أموالهم وأهليهم في سبيل الله تعالى، فكيف يتصور منهم الكذب بعد ذلك؟ والكذب على مَنْ؟ على حبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن الذي يقول هذا القول لجاهل حقيقة بمدى حب أولئك الأصحاب لنبيهم، وتفانيهم في اتباعه، وإن تفصيل ذلك يحتاج إلى مجلدات.
ثالثا: الرد على الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه معجزة مادية، والادعاء بأن إخباره عن مدن وفرق لم تكن في عصره، أمر لا يقبله العقل:
اعتمد المستشرقون على القرآن الكريم في زعمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تقع منه معجزة مادية إذ لم ترد فيه آية تنسب له معجزة مادية، فنقول:
1-متى كان المستشرقون أصلا يؤمنون بالقرآن ويعتمدونه مصدرا يستشهدون به كدليل لما يقولونه؟
__________
(1) محمد أبو زهو، الحديث والمحدثون، ص: 130-132.(16/22)
2-ثبت في القرآن الكريم نسبة معجزات مادية للنبي صلى الله عليه وسلم، كحادثة الإسراء والمعراج، وشق القمر، وحفظه من القتل، وغيرها من الأمور.
3- إن نسبة المشركين السحر للنبي صلى الله عليه وسلم، لدليل قاطع على وقوع المعجزات المادية منه، وبما أن الكافرين لا يؤمنون به فقد عبروا عن تلك الأمور الخارقة للعادة بأنها سحر كفرا منهم بالحق الذي عاينوه.
4- أفرد علماء الأمة كتبا كثيرة للكلام على المعجزات المادية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصل تعداد هذه الكتب إلى ما يقرب من تسع وأربعين كتابا. ومن هذه الكتب أعلام النبوة للمأمون العباسي 218هـ، وكتاب: دلائل النبوة للحميدي عبدالله بن الزبير المكي 219هـ، ودلائل النبوة لأبي بكر البيهقي أحمد بن الحسين 458هـ، وقد ملئت كتب الحديث النبوي الشريف والسيرة النبوية بالكلام على هذه المعجزات(1)، فلماذا أغمض المستشرقون وَمَنْ لَفَّ لفهم أعينهم عن هذا القدر الهائل من الأحاديث والكتب التي ذكرت تلك المعجزات؟
__________
(1) إبراهيم بن عايش الحمد، حق اليقين في معجزات خاتم الأنبياء والمرسلين، (المدينة المنورة: وقف البركة الخيري، 1422?/2002م)، ط1، ص: 6-9.(16/23)
5-إذا كانت قضية المعجزة مرتبطة مباشرة بالإيمان بالرسالة المحمدية أولا وآخرا، فالذي لا يؤمن بالرسالة المحمدية لا يمكن أن نتصور منه الإيمان بالجزئيات التي تصدر عن ذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أما المؤمن فإنه لا يستبعد وقوع كل المعجزات الغيبية التي أخبر عنها ذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سواء كانت إخبارا ً عن بلدة أو فرقة أو حادثة ستقع، بل إن المؤمن يزداد إيمانا عند علمه بتحقق وقوع ما أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم مثل تحقق إخباره صلى الله عليه وسلم عن فتح القسطنطينية ومدحه للجيش الذي سيفتح القسطنطينية، ولقائد ذلك الجيش، وكإخباره عن نهر الأردن بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه نهيك بن صريم السكوني: لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه وهم غربيه، قال نهيك: ولا أدري أين الأردن يومئذ؟(1).
رابعًا-الرد على مزاعم المستشرقين ومن أيدهم فيما يتعلق بإهمال نقد المتن عند المحدثين:
إن أوهى شبهة تمسك بها المستشرقون ولاكوها في مؤلفاتهم هي زعمهم بأن المحدثين المسلمين لم يعنوا بنقد المتن، ويدرك من لديه أدنى اطلاع على كتب علوم الحديث ومصطلحه أن هذا الادعاء ما هو إلا محض كذب وافتراء، وإن أحسنا الظن بمن قال بهذا الرأي فنقول: إنه ينم عن جهله العميق بعلم مصطلح الحديث. ومن الأدلة على اهتمام علمائنا السابقين بنقد السند والمتن على حد سواء هي النقاط الاثنتا عشرة التالية:
__________
(1) علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، (بيروت: مؤسسة الرسالة، لا تاريخ)، رقم الحديث: 38767، ورقم 38827.(16/24)
1- إن نقد المتن سبق نقد السند، وقد نمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الملكة، ودعا إلى ترسيخها بقوله وفعله وإقراره، وقد قام الصحابة الكرام بالنظر في النصوص ونقدها ولم ينكر عليهم، وإنما كان يبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم الوجهة الصحيحة للنقد فلذلك نستطيع أن نقول إن نقد النصوص سنة نبوية شريفة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فلا يجوز إنكارها وإن أمته تبعته في ذلك عبر العصور المتطاولة خلال أربعة عشر قرنا(1). ومن أمثلة ذلك تصحيح النبي صلى الله عليه وسلم لمفاهيم خاطئة علقت في أذهان الصحابة من أيام الجاهلية، فكان بتصحيحه لها نقد وتمحيص للمعلومات التي يحملها أصحابه وتوجيه لها الوجهة الصحيحة، ومن أمثلة ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ".(2)
__________
(1) صالح أحمد رضا، النظر في متن الحديث في عصر النبوة، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، العدد الثاني والعشرون، شوال 1422هـ/ديسمبر 2001م، ص: 334- 378.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه ج2:، ص865، ح2317، ج5، ص2394، ح6169، ومسلم4/1997 ح2581، و ابن حبان في صحيحه ج16، ص362، ح7361، ج16، ص363، ح7362، و الترمذي في سننه ج4، ص614ن ح2419، وابن ماجه في سننه ج2، ص807، ح2414.، و ابن حنبل في مسنده ج2، ص435، ح9613، ج2، ص506، ح10580.(16/25)
وجه الدلالة: أن الصحابة رضوان الله عليهم - يقرون أن المفلس هو من لا درهم له ولا متاع، وهو ما استقر في النفوس لغة وعرفا، فانتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي، وبين خطأه وخطله، وأوضح لهم أن هذا ليس هو حقيقة المفلس، لأن هذا الأمر يزول وينقطع بموته، كما ينقطع أيضا بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته، فيستطيع أن يتدارك ما وقع فيه من الإفلاس، وبين لهم أن حقيقة المفلس هو المذكور في الحديث، فهو الهالك الهلاك التام....فالرسول صلى الله عليه وسلم نقلهم من تصور الإفلاس الدنيوي الآني إلى تصور الإفلاس الأخروي الباقي الذي يجب أن يكون عليه في فكر المؤمن.(1)
2- كان الصحابة رضوان الله عليهم ينتقد بعضهم مضمون روايات بعض. فمثلا انتقدت السيدة عائشة مضمون روايات بعض الصحابة وكذلك تعرضت بعض رواياتها للنقد من بعض الصحابة الآخرين. وقد ألف الإمام بدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي (794 هـ) كتابا جمع فيه الروايات التي انتقدت فيها السيدة عائشة مرويات بعض الصحابة(2).
__________
(1) لمزيد من الأمثلة انظر صالح أحمد رضا، النظر في متن الحديث في عصر النبوة، ص: 353.
(2) اسم هذا الكتاب هو: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة وانظر الزركلي، الأعلام ج:6، ص: 60 وانظر الزركشي، البرهان في علوم القرآن ج: 1، ص: 7.(16/26)
3- يرجع أحد الأسباب الرئيسة للاختلاف بين المذاهب الفقهية إلى نقد المتن.(1) فقد قبلت المذاهب الفقهية كثيرا من الأحاديث الصحيحة، إلا أنهم اختلفوا في تأويلها وفهمها. ومثال ذلك الأحاديث التي تمنع المرأة البكر من الزواج بغير إذن وليها(2)، هذه الأحاديث قد قبلت في المذهب الحنفي إلا أن الأحناف أولوها بأنها مصروفة إلى المرأة التي لم تبلغ، أما المذهب الشافعي فقد قبل هذه الأحاديث وعمم مضمونها ليشمل المرأة البكر البالغ وغير البالغ.
4- اعتمد نشوء المذاهب العقدية في القرون الثلاثة الأولى للإسلام على تفسيرات عديدة لنصوص القرآن والسنة.
__________
(1) لمزيد من المعلومات عن هذا الموضوع انظر: محمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، (مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1356هـ/1939م)، ط1، ص: 279، وفخر الدين عمر بن الحسين الرازي، المحصول في علم الأصول، تحقيق طه جابر العلواني، (الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ/1980م)، المجلد: 2، ج: 2، ص: 579، وانظر كذلك: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، (بيروت: دار مكتبة الحياة، 1984م)، وعبدالمجيد السوسوة، التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث، ص: 458-485.
(2) انظر هذه الأحاديث ومعانيها في الشوكاني، نيل الأوطار، ج: 5، ص: 120 - 123(16/27)
5- إن علم مختلف الحديث خير شاهد على اعتناء العلماء بنقد المتون، فهذا العلم يعنى بالأحاديث النبوية الشريفة التي ظاهرها التعارض(1). وقد اهتم العلماء مبكرا بهذا العلم بدءا من مؤلَّف الإمام محمد بن إدريس الشافعي: اختلاف الحديث(2)، وغيره من المؤلفات ككتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، وكتاب مشكل الآثار للطحاوي. أضف إلى ذلك فقد ذكر العلماء وجوها عديدة للترجيح بين مختلف الحديث بعضها راجعة للسند وأخرى راجعة للمتن، ذكر منها الحافظ العراقي والسيوطي والآمدي مائة وجه وعشرة أوجه(3). كل هذا يدل على عناية فائقة من علمائنا بنقد المتن حتى قال ابن خزيمة ( 311 ? ):" ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما "(4).
__________
(1) عبدالمجيد السوسوة، منهج التوفيق والترجيح، (عمان: دار النفائس، 1998م)، ص: 54.
(2) انظر الزركلي، الأعلام، ج:6، ص: 26.
(3) عبدالمجيد السوسوة، منهج التوفيق والترجيح، ص: 331، 429 - 457.
(4) المرجع السابق نفسه، ص: 71 - 72.(16/28)
6- لقد أولي نقد المتن عناية كبيرة في علم علل الحديث الذي هو رأس علم الدراية وهو علم متابعة الثقات في رواياتهم، يقول ابن الصلاح في تعريفه بأنه عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة، فالعلة سبب غامض يدل على وهم الراوي سواء أكان ثقة أم ضعيفا وسواء أكان الوهم في السند أم المتن(1). وموضوع هذا العلم الحديث والذي ظاهر إسناده الصحة، إلا أن العلماء يضعفون متنه لأن فيه نكارة أو شذوذا أو اضطرابا أو غرابة(2) لذا فقد أطلق علماء المصطلح على العلل الموجودة في المتن مصطلحات عدة مثل: هذا حديث منكر المتن، حديث غريب، حديث شاذ، حديث مضطرب(3)، وإن قول العلماء عن حديث إنه صحيح الإسناد أو حسن الإسناد، لا يعني أبداً أن المتن صحيح أو حسن، وذلك لشذوذ أو علة فيه. وقد يصح المتن ولا يصح السند لورود دلائل على صحة المتن من طرق أخرى، فمعرفة صحة الحديث كما يرى الحاكم النيسابوري لا تعتمد فقط على إسناده بل تعتمد على معرفة كبيرة بالحديث ومتونه(4)، وهذا يدلنا على المنهج الموضوعي الشامل لدى المحدثين في النقد(5)، فعلم العلل إذن يدخل في النقد الموضوعي العميق للحديث سنداً ومتناً ويحتاج إلى علم غزير(6).
__________
(1) أبو بكر كافي، منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها، ص: 216، انظر أمثلة لما تكون فيه الرواية بالمعنى سببا للتعليل في ص: 320-321.
(2) همام سعيد، الفكر المنهجي عند المحدثين، ص: 107.
(3) لمعرفة معاني هذه المصطلحات انظر: نور الدين العتر، منهج النقد، ص: 430، 396، 428، 433.
(4) الحاكم النيسابوري، معرفة علوم الحديث، ص: 59، وقارن بـ صلاح الدين إدلبي، منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، ص: 191.
(5) نور الدين عتر، السنة المطهرة والتحديات، ص: 69.
(6) همام سعيد، الفكر المنهجي عند المحدثين، ص: 105.(16/29)
7- عندما قسم علماء الحديث علم مصطلح الحديث قسموه إلى قسمين: علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية، وعرفوا الثاني بأنه: علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد(1)، وهذا يعني أن هذا العلم وضع قوانين ليضبط بها السند والمتن معا.
8- ذكر العلماء في تعريف الصحيح والحسن شروطا عائدة للسند، وشروطا عائدة للمتن والسند معا، وهناك شرطان أساسيان لقبول الحديث ويرجعان للسند والمتن معا وهما:أ_ سلامته من الشذوذ، ب- وسلامته من العلة القادحة. ونجدهم عندما يشرحون التعريف يقولون: إن الشذوذ قسمان: شذوذ في السند، وشذوذ في المتن، وأكثر ما يكون الشذوذ في المتن. وكذلك العلة قسمان: علة في السند، وعلة في المتن(2)، فهل بعد هذا من شك في أن المحدثين لم يعنوا بنقد المتن؟
9- بين العلماء في بحث الشاذ والمنكر والمعل والمضطرب والمدرج والمقلوب وقوع الشذوذ والنكارة والعلة والاضطراب والإدراج والقلب والغرابة في السند والمتن، ومتى تكون هذه الصفات قادحة في صحة الحديث وثبوته، ومتى تكون موجبة لرده(3). وقد أطلق العلماء على صنيع من يقلب الحديث سندا ومتنا بأنه يسرق الحديث إذا قصد إليه(4).
__________
(1) السيوطي، تدريب الراوي، ج: 1، ص: 41.
(2) نور الدين عتر، السنة المطهرة والتحديات، ص: 68، وقارن بـ محمود الطحان، عناية المحدثين بنقد الحديث كعنايتهم بإسناده، ص:9، وصلاح الدين إدلبي، منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، ص: 191.
(3) صلاح الدين إدلبي، منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، ص: 192.
(4) ابن كثير، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، شرح أحمد شاكر وناصر الدين الألباني، (الرياض: دار العاصمة للنشر والتوزيع، 1415هـ)، ط1، ج: 1، ص: 270.(16/30)
10- إن القدح في الراوي يكون بعشرة أشياء: خمسة تتعلق بالعدالة وخمسة تتعلق بالضبط، اختصرها الحافظ ابن حجر في خمسة أشياء فقال: "أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء: البدعة أو المخالفة أو الغلط أو جهالة الحال أو دعوى الانقطاع في السند(1) فالحكم على ضبط الراوي مبني على مدى حفظه للسند والمتن معا، ولهذا فقد فحص العلماء مرويات كل راو وقارنوها بمرويات الرواة الثقات ليحكموا على ضبط ذلك الراوي، يقول أبو حاتم الرازي: لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه(2)، ويقول الإمام مسلم: وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله(3). وقد ملئت كتب الجرح والتعديل بألفاظ الجرح للراوي بسبب الخطأ في مروياته مثل قولهم: " فلان منكر الحديث "، " يروي عن المناكير "، " يروي الغرائب "، " روى حديثا باطلا "، " رواياته واهية "(4).
__________
(1) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري، تحقيق. عبدالعزيز بن باز وآخرين، ( بيروت: دار الفكر. )، ج: 1، ص: 384.
(2) مسلم بن الحجاج النيسابوري، كتاب التمييز، تحقيق. محمد مصطفى الأعظمي، ( الرياض: جامعة الرياض، 1395 )، ص: 35.
(3) مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم،تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، ( بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1374 / 1955) ج: 1، ص: 7.
(4) نور الدين عتر، السنة المطهرة والتحديات، ص: 70.(16/31)
11- كان الهدف من نقد السند هو الوصول إلى نقد المتن وخدمته، وكما نقد المحدثون السند واهتموا به واشترطوا سلامته من وجود الوضاعين والكذابين، فكذلك وضع العلماء شروطا لقبول المتن، ووضعوا علامات تدل على الوضع فيه دون النظر إلى سنده. وفي هذا رد واضح على من زعم أن نقد الحديث كان نقدا شكليا منحصرا في السند. ومن العلامات على الوضع في المتن: مخالفة الحديث للحس أو للمقبول، أو لصريح القرآن، أو لصريح السنة الثابتة المشهورة، أو كونه ركيك الألفاظ، سمج المعاني، وما إلى ذلك(1). يقول الإمام الشافعي: لا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، ومن ذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه.(2) ويعد الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: المنار المنيف في الصحيح والضعيف أفضل من توسع في موضوع الكلام عن علامات الوضع في المتن وعن القواعد والقرائن التي تدل على الكذب في الحديث نفسه دون النظر إلى سنده، فذكر أربعا وأربعين قاعدة ومثل لها بمئتين وثلاثة وسبعين حديثا، وبيَّن وجه بطلانها من مجرد نقض المتن ولم يعرج على نقد السند في شيء.
__________
(1) محمود الطحان، عناية المحدثين بمتن الحديث، ص: 399.
(2) نجم الدين عبدالرحمن خلف، نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين، ( الرياض: مكتبة الرشد، 1409?/ 1988م)، ط 1، ص: 21.(16/32)
ومما قاله في هذا الصدد: وسئلت هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط غير أن ينظر في سنده؟ فهذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة واختلطت بلحمه ودمه.. بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه..(1) ويقول ابن الجوزي:" الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب " وقال:" ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع"، ويقول الربيع بن خثيم التابعي الجليل أحد أصحاب ابن مسعود:" إن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل نعرفه بها "، ومن العلامات التي وضعها العلماء للدلالة على الوضع في المتن: الحديث الذي يتكلم على مذاهب سياسية ظهرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وكما هو معلوم فقد وضعت أحاديث كثيرة لأهداف سياسية واجتماعية. إذ وضعت أحاديث كثيرة تتكلم على الخلافة التي كانت سببا في انقسام الأمة. وقد وضع كل من دهماء السنة والشيعة أحاديث لتأييد مذاهبهم. فالشيعة وضعوا أحاديث عديدة تتكلم على فضائل علي رضي الله عنه ولذلك قال عامر الشعبي: ما كذب على أحد في هذه الأمة ما كذب على علي رضي الله عنه.(2) واخترع الشيعة أحاديث تؤيد أحقية علي في الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) محمود الطحان، عناية المحدثين بمتن الحديث، ص: 15 - 16.
(2) محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث، ص: 417.(16/33)
ووضع بعض أهل السنة أحاديث تمدح الخلفاء الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ومنها الحديث الموضوع:" كتب على كل ورقة في الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر، عمر، عثمان ". ويلاحظ عدم ذكر سيدنا علي، وهذا شيء يدعو للتساؤل. واخترع بعض أهل السنة أحاديث تصرح بأحقية أبي بكر بالخلافة ثم عمر ثم عثمان. ومعلوم لدينا أن كل هذه الأحاديث موضوعة؛ إذ كيف تختلف الأمة على قضية الخلافة مع وجود نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فالحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يحدد من يكون خليفة بعده.
12- إن الذي ينظر في الكتب الستة يتيقن من أن علماءنا قد نقدوا المتن(1)، فالبخاري قد اختار صحيحه من بين مئات الآلاف من الروايات، فقد جمع في صحيحه 7563 حديثا وفيه بحذف المكرر 2607 حديثا انتقاها من 600 ألف حديث(2)، وقد ثبت بعد جمع الروايات أن اختياراته كانت مدروسة وقائمة على البحث والتتبع، وكانت ظاهرة نقد المتن موجودة كذلك عند الإمام مسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم(3).
__________
(1) لمزيد من المعلومات انظر: محمد بن طاهر المقدسي، شروط الأئمة الستة، تحقيق عبدالفتاح أبو غدة، (حلب: مكتبة المطبوعات الإسلامية، 1417?/1997م)، ط1، ص: 85-105، وانظر محمد بن موسى الحازمي، شروط الأئمة الخمسة، تحقيق عبدالفتاح أبو غدة، ص: 109-189.
(2) همام سعيد، الفكر المنهجي الإسلامي عند المحدثين، ص: 122.
(3) المرجع السابق نفسه، ص: 108-109.(16/34)
ونكتفي هنا بضرب مثال من صحيح الإمام البخاري. إن للعلماء مواقف عديدة في زيادات الثقات في المتن أو في السند فمن العلماء من قبل زيادة الثقة مطلقا، ومنهم من رفضها مطلقا، ومنهم من فصل كالإمام البخاري فلم يقبلها مطلقا ولم يردها مطلقا وإنما الأمر في ذلك يدور مع القرائن والمرجحات. ومن أمثلة الزيادة المردودة عند الإمام البخاري زيادة كلمة "فليرقه" في حديث ولوغ الكلب، قال البخاري حدثني عبدالله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا "(1) أما في صحيح مسلم وسنن النسائي فقد ورد نص الحديث من طريق علي بن حجر السعدي عن علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات "، قال أبو عبدالرحمن: لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على قوله: " فليرقه "، ويترتب على هذه الزيادة نجاسة سؤر الكلب ولعابه، وهذه الزيادة قد صححها بعض الأئمة كالدارقطني وابن حبان وغيرهما. أما من لم يقبلها فمنهم الإمام النسائي وحمزة الكيلاني؛ لأن مشروعية الإراقة قد وردت موقوفة على أبي هريرة، وقد خلط الراوي ابن مسهر بين الموقوف والمرفوع ولهذا السبب ترك الإمام البخاري هذه الزيادة لأنها غير ثابتة عنده، وترجمته تدل على ذلك، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان وسؤر الكلاب وممرهما في المسجد. ومن خلال ما أورده في هذا الباب من أحاديث وآثار يتبين أنه يذهب إلى طهارة سؤر الكلب. إن صحيح الإمام البخاري مملوء بالأمثلة التي تدل على نقده للمتن ودقة الصناعة الحديثية عنده، ولكن المقام لا يسمح لنا بضرب أمثلة أخرى.(2)
__________
(1) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان وسؤر الكلاب وممرهما في المسجد، حديث رقم 172، ج 1 ص 330.
(2) أبو بكر كافي، منهج الإمام البخاري، ص: 359 - 362 ، وانظر صلاح الدين الإدلبي، منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، ص: 105 - 144 ، 174.(16/35)
وقد أنشأ الإمام الترمذي مصطلحات لها علاقة بنقد السند والمتن معا، وذلك مثل قوله: حديث حسن غريب، أو صحيح غريب(1). وكما سبق أن ذكرنا فإن المحدثين كانوا يروون الحديث الواحد من أكثر من ستين طريقا أحيانا وذلك تحريا للدقة في نقل الحديث. ولم تسلم الكتب الستة وعلى رأسها صحيح الإمام البخاري من النقد الدقيق والفحص العميق، فقد أعل بعض الحفاظ جملة من الأحاديث في صحيح البخاري، ويرجع بعض أنواع الإعلال إلى علل في المتن، ومن هؤلاء: أبو علي الغساني في جزء العلل في كتابه: تقييد المهمل، والحافظ الدارقطني في كتابه: التتبع لما في الصحيحين، وقد رد على الدارقطني علماء عديدون منهم الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، والحافظ ابن حجر في هدي الساري، وتوسع الإمام ابن حجر في رده وقسم الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إلى ستة أقسام، وذكر الرد الإجمالي على كل قسم منها، ثم ذكر الأحاديث المنتقدة حديثا حديثا وأجاب عنها، وجعل ابن حجر من هذه الأقسام ما له علاقة بالمتن كالقسم الثالث والقسم السادس الذي عنون له فقال: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن.(2)
__________
(1) لمزيد من المعلومات انظر نور الدين العتر، منهج النقد، ص: 271 - 272.
(2) أبو بكر كافي، منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها، ص: 217-220. ولمزيد من المعلومات عن انتقاد المحدثين لحديث بسبب علة في متنه سببها الرواية بالمعنى انظر ص: 320-321.(16/36)
وما أروع ما عمله الإمام مسلم في كتابه التمييز حيث ذكر لنا أمثلة عديدة عن خطأ الرواة في السند والمتن أو في أحدهما، فهو يقول: " وكنحو ما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث مما يعرف خطأه السامع الفهم حين يرد على سمعه، وكذلك نحو رواية بعضهم حيث صحف فقال:... نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتخذ الروح عرضا، أراد غرضا..."(1)، وهو يردد هذه العبارات في كتابه: " ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها...ومن الأخبار المنقولة على الوهم في المتن دون الإسناد… ومن الأخبار المنقولة على الوهم في الإسناد والمتن جميعا "(2). إن ما سبق يؤكد أن المحدثين قد نقدوا المتن كما نقدوا السند، فما يدعيه بعض الناس أن علماء الأمة اعتنوا بنقد الشكل دون المضمون، قول من لم يسبر السنة ولم يعرف حقيقتها، ولا غاص في بحارها ليعلم الحق من الباطل والصحيح من المزيف(3).
4- الأسباب التي دعت إلى إعطاء نقد السند والرجال اهتماما أكبر من نقد المتن:
إن هناك أسبابا عديدة دعت العلماء للاهتمام بالسند أولا قبل المتن، ولكي يكونوا حذرين فلا يستعجلوا في نقدهم المتن، ومن هذه الأسباب:
__________
(1) مسلم بن الحجاج النيسابوري، كتاب التمييز، ص: 125، ولمعرفة أمثلة أخرى وقع فيها الرواة في الخطأ في السند والمتن انظر قوله: " ومن فاحش الوهم لابن لهيعة (أي في السند والمتن معا)… "، ص: 139.
(2) مسلم بن الحجاج النيسابوري، كتاب التمييز، ص: 134-135، 141.
(3) صالح أحمد رضا، النظر في متن الحديث في عصر النبوة، ص:378.(16/37)
1- إن رجال الحديث هم الأساس، فإذا ضعف الأساس ضعف البنيان كله، ولأجل ذلك كان علماء الحديث يصرفون كبير اهتمامهم إلى دراسة الرجال الحاملين للروايات ينتقدونهم ويسألون أهل الخبرة عنهم، وقد وصلوا إلى درجة من اليقين بأن الأحاديث لا يستطيع أحد أن يعبث بها عابث فيعمى أمرها على المسلمين، فقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: يعيش لها الجهابذة، وقال نعيم بن حماد: قلت لعبدالرحمن بن مهدي: كيف يعرف الكذاب؟ قل: كما يَعْرِفُ الطبيبُ المجنونَ.(1)
2- إن نقد السند يسمح بنقد موضوعي مبني على معيار دقيق بسبب الرجوع إلى تراجم الرواة التي تعطينا فكرة عنهم، وبذلك تعرف درجة صحة الحديث، والمحدثون يقولون: إنهم كانوا قادرين بمعرفة ترجمة الراوي على تكوين فكرة واضحة عن درجة وثوق روايته وعن علمه. وقد علل الإمام الدارقطني سبب الاعتماد على السند في معرفة درجة الحديث أكثر من الاعتماد على المتن: بأن إيجاد خلل في السند هو أصعب من إيجاد خلل في المتن(2) والسبب في ذلك راجع إلى أن نقد السند يحتاج لعلم بالتراجم والرجال. والسبب الآخر في الاعتماد على السند هو أنه بمجرد إثبات عدالة الرواة وضبطهم فإنه يجب دينيا قبول روايتهم، واحتمال وقوع الراوي في الخطأ لا يؤثر في الحديث، ما لم يثبت لدينا دليل على كذب الراوي أو وقوعه في الخطأ، ومن هنا وجب قبول روايته. وإذا جرّح الراوي؛ فإن كل رواياته ترفض، ولا تقبل رواية من رواياته حتى تكون معضدة بروايات أخرى مقبولة. فالعلة القادحة في السند، والنقد الذي يثبت في السند يعطى أهمية كبرى ويؤخذ بجدية أكبر من النقد الموجه للمتن وذلك كإجراء احتياطي.
__________
(1) سلمان الحسيني الندوي، لمحة عن علم الجرح والتعديل، (لكناؤ: دار السنة للنشر والتوزيع، 1413?/1992م)، ص: 26-27.
(2) م. أبو رية، أضواء، ص: 291.(16/38)
أما الخلل في المتن فإنه ليس دائما يؤثر في صحة ورود الحديث، فقد يكون الحديث صحيحا إلا أن الراوي قام بإدراج بعض الكلمات فيه أو بإدراج بعض الجمل التي تؤثر في فهم الحديث بشكل خاطئ، وفي بعض أنواع الإدراج يكون من الصعب التفريق بين الحديث الأصلي وبين كلام الراوي المدرج.(1)
والأمر الثاني هو أن الراوي قد يقوم بخطأ في نص الحديث يغير المعنى إلا أنه لا يؤثر في صحة الحديث وذلك كبعض أنواع التصحيف والتحريف(2).
3- إن فتح الباب على مصراعيه في نقد المتن قد يفتح المجال أمام إصدار أحكام غير موضوعية (متحيزة) وذلك لأن النص قد يؤول بوجوه عديدة، وهذا يفتح الباب أمام اعتبار صحة الحديث مبنية على التأويل الذي نقدمه، وفي ذلك من الخطورة ما لا يخفى على أحد. وقد أوصد العلماء المسلمون باب الاجتهاد المطلق خوفا من تلك التأويلات غير الموضوعية التي قد يقوم بها غير المختصين.
__________
(1) لمزيد من المعلومات والأمثلة انظر نور الدين العتر، منهج النقد، ص: 439 - 444؛ وانظر كذلك سعيد النورسي، أصول في فهم الأحاديث النبوية دفعا للأوهام عنها، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، (بغداد: مطبعة الحوادث، 1409?/1989م)، ص: 7، 11 - 12. وانظر كذلك
Th. W. Juynboll, art. HADITH , EI , vol. iii , p. 0 and J. Robson, art. HADITH , EI vol. iii , p. .
(2) انظر نور الدين العتر، منهج النقد، ص: 444 - 446. وانظر كذلك
J. Robson, art. HADITH, EI vol. iii, p.(16/39)
وقد يكون الحديث داخلا في باب الأحاديث المتشابهة التي تحتاج للراسخين في العلم كي يؤولوها، أو لا يمكن تأويلها وتؤخذ كما وردت(1). أضف إلى ذلك فالحديث قد يكون فيه مجاز أو استعارة فيسيء بعضهم الفهمَ، ولهذا فمن الخطأ تماما الحكم عليه من ناحية ظاهرية. وقد يكون مضمون الحديث يتحدث عن أمور أخروية لا تخضع لموازين دنيوية، بل تخالفها: ولهذا لا يمكننا رفضها لمجرد عدم معرفتنا بتأويلها.
إن كل الأسباب السابقة تجعل رفض الحديث ذي الإسناد الصحيح بناء على عدم فهمنا لمتنه أمراً غير علمي، فعدم فهمنا للحديث قد يكون راجعا لأحد الأسباب السابقة التي يكون فيها الحديث صحيحا، إلا أنه لسبب ما لم نجد من يعطينا تفسيره الدقيق. وإذا قمنا برفض الحديث لسبب من الأسباب السابقة فسنقع في خطأ كبير، وهو رفض حديث صحيح؛ لأننا لم نجد عالما راسخا يفسره لنا تفسيرا صحيحا، وكان المفروض عرض الحديث على أهل الذكر فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب مبلَّغ أوعى من سامع. هذه باختصار أهم آراء المسلمين حول ضرورة الاعتماد على السند أكثر من الاعتماد على المتن لمعرفة صحة الحديث.
القسم الثالث: نظرية الإسناد عند شاخت والرد عليه
1- نظرية الإسناد عند يوسف شاخت:
كان المستشرقون وعلماء الغرب راضين بالنتائج التي توصل إليها المستشرق جولدتسيهر حول الحديث الشريف حتى أتى المستشرق يوسف شاخت ( 1902 - 1969 ) بنظريته حول نقل ورواية الحديث الشريف عامة وحول أحاديث الأحكام خصوصا. تكلم شاخت على هذا الموضوع في مقالة له(2) قبل أن يؤلف كتابه المشهور: (أصول الفقه المحمدي)
The Origins of Muhammadan Jurisprudence
) Oxford, )
__________
(1) انظر سعيد النورسي، أصول في فهم الأحاديث النبوية دفعا للأوهام عنها، ص: 23، وقارن بمحمد أبو شهبة، دفاع عن السنة، (القاهرة: مكتبة السنة، 1409?/1989م)، ط1.
(2) J. Schacht, "A Re-evaluation of Islamic Tradition", JRAS, , pp. .(16/40)
خصص شاخت فصلاً خاصاً في كتابه هذا عن الإسناد، فدرس نشوء الإسناد وتطور استخدامه خصوصاً في أحاديث الأحكام. وخرج بنتيجة ونظرية يزعم فيها أن ما طبقه على أحاديث الأحكام يمكن أن ينطبق على كل الأحاديث.
2- نظرية شاخت حول تطور استخدام الإسناد:
اعترف شاخت بأنه تبنى آراء سلفه جولدتسيهر ومارجوليوث حول مفهوم الحديث والسنة وتطورهما خلال القرن الأول الهجري والنصف الأول من القرن الثاني الهجري(1)
__________
(1) J. Schacht, The Origins of Muhammadan Jurisprudence,
( Oxford, ), pp. .(16/41)
، إلا أن شاخت زاد على ما ذكراه فزعم: بأنه كانت عادة الجيلين من العلماء الذين سبقوا الشافعي أن ينسبوا الأحاديث إلى الصحابة والتابعين، ومن النادر أنهم كانوا ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ووصل إلى نتيجة مفادها أن الأحاديث المنسوبة للصحابة والتابعين سبقت في وجودها الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يود أن يقلع جذور الشريعة الإسلامية، ويقضي على تاريخ التشريع الإسلامي قضاء تاما؛ ولهذا فقد وصف العلماء المسلمين خلال القرون الأولى بأنهم كانوا كذابين وملفقين وغير أمناء(1). ويقول المستشرق البريطاني نورمان كولدر: " إن شاخت ( 1950 ) كسر لنا العلاقة التاريخية بين الحديث والفقه.. والذي بينه لنا هو أن الفقه كان في بداية ظهوره منفصلاً عن الحديث، وأصول الفقه الإسلامي الحقيقية عنده ترجع إلى العادات الحية السائدة للمدارس الفقهية المحلية "(2) والذي حدث -كما يزعم شاخت- هو أن الأحاديث نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم تدريجياً، فهي قبل أن تنسب له كانت آراء للمذاهب الفقهية السائدة ومنسوبة للتابعين، وفي المرحلة الثانية نسبت للصحابة، ثم نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فهو يطلق على الإسناد بأنه الجزء الأكثر اعتباطا من أجزاء الحديث، فهو يدَّعي بأنه: يمكننا أن نقول إنه كلما كان الإسناد متصلاً وتاماً فإنه يعني أنه اخترع في مرحلة متأخرة(3) ويصل بذلك إلى نتيجة مفادها: أن كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لها وجود أصلاً، بل اخْتُرِعَتْ ووُضِعَتْ خلال منتصف القرن الثاني
__________
(1) محمد مصطفى الأعظمي، شاخت والسنة النبوية، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985م، ص: 62.
(2) N. Calder, Studies in Early Muslim Jurisprudence, (Edinburgh, ), p.vii.
(3) J. Schacht, "A Re-evaluation of Islamic Tradition", JRAS, ,p. .(16/42)
الهجري/ الثامن الميلادي، فالأسانيد التي نراها مع الأحاديث إنما هي كلها موضوعة.(1)
لاحظ شاخت بأن الحديث كان يرويه عدة رواة وأن هؤلاء الرواة في النهاية يلتقون عند راوٍ واحدٍ أخذوا عنه هذا الحديث في مرحلة من المراحل، إن هذا الراوي الذي يلتقي عنده هؤلاء الرواة هو المسؤول عن وضع الحديث أو أن اسمه استخدم في وضع الحديث.
ويمكننا تلخيص رأي شاخت في خمس نقاط:
أولاً: ابتدأ المسلمون باستخدام الإسناد في بداية القرن الثاني الهجري أو في نهاية القرن الأول الهجري على أبعد احتمال.
ثانيا: ألصقت الأسانيد بالأحاديث بطريقة غير منتظمة وبأسلوب تعسفي، وقام بإلصاقها أصحاب المذاهب الفقهية الذين أرادوا إعطاء آرائهم قيمة بنسبتها ووضعها على ألسنة علماء السلف.
ثالثاً: بدأت عملية تحسين الأسانيد تدريجياً وذلك بوضع أسانيد كاملة، ومُلِئت الفراغات في الأسانيد المنقطعة لتصير متصلة وذلك قبل أن تجمع الأحاديث في كتب الحديث المشهورة.
رابعاً: أضيف في عصر الشافعي مجموعة من الرواة للأسانيد الموضوعة بهدف دحض المعارضة لحجية أحاديث الآحاد أو التي ترجع لمصدرٍ واحدٍ.
خامساً: إن الأسانيد المتعددة التي تلتقي عند راوٍ واحدٍ هي أسانيد موضوعة، وكذلك متونها(2).
3- ردة فعل العلماء والباحثين على هذه النظرية:
لاقت نظرية شاخت عن الإسناد قبولاً واسعاً بين المستشرقين الغربيين عندما ظهرت، ولكنها بعد ذلك تعرضت لانتقادات شديدة من العلماء المسلمين والغربيين.
__________
(1) F. Rahman, Islam, p. .
(2) M.M. Azami, On Schacht's Origins of Muhammadan Jurisprudence, (Toronto, ), p. .(16/43)
وقد قبل هذه النظرية عديدون، قبلوها كما هي أو مع انتقادات قليلة، ومن هؤلاء مونتغمري وات ( W. M Watt ) الذي توقع لنظرية شاخت توقعات كانت صحيحة فقال: " إنها دراسة تمثل معلماً ونقطة تحول في مجالها... ويتوقع لها أن تقبل من العلماء الغربيين، وأن تكون منطلقاً لهم في كل دراساتهم حول الحديث "(1)، وبالرغم من انتقاد المستشرق الهولندي روبسون لجوانب في نظرية شاخت إلا أنه قال عنها مادحاً: " إن أحدنا ليعجب بالرؤية النقدية التي مكنت شاخت للوصول إلى نتائجه ودعمها بأسلوب مقنع "(2)، وقال البروفسور جب عن نظرية شاخت بأنها ستصبح أساسا في المستقبل لكل دراسة عن حضارة الإسلام وشريعته على الأقل في العالم الغربي.(3)ومن المستشرقين المحدثين الذين تبنوا نظرية شاخت ومدحوها: جون بورتون ( 1991 )، ونورمان كولدر (1993).
قال جون بورتون: لا يمكن في المستقبل المنظور أن يظهر عمل يماثل عمل شاخت، ومن المرجح أنه لا يمكن التفوق على دراسته.(4) أما نورمان كولدر فقال: يبدو أن النتائج التي توصل إليها كل من اجناتس جولدتسيهر (1889-1990م) ويوسف شاخت (1950م) وجون وانسبرا(1970م)(5) عن الحديث النبوي، يبدو أنها على الأرجح في مبادئها العامة وتطبيقاتها مقبولة بشكل عام.(6)
__________
(1) W. M. Watt, Journal of Royal Asiatic Society, ( ), P. .
(2) J. Robson, "Tradition, the second foundation of Islam", The Muslim World, vol. , ( ), pp. and Robson, art. "Hadith", EI , vol.iii, pp. .
(3) محمد مصطفى الأعظمي، المستشرق شاخت والسنة النبوية، ص: 68.
(4) J. Borton, Hadith Studies، p.xxv.
(5) See his works: Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptual Interpretation, (Oxford, ), ( and The Secterian Milieu Content and Composition of Islamic Salvation History, (Oxford, ).
(6) Norman Calder, Studies, p.viii.(16/44)
أما الباحثون الذين وقفوا موقفا متوسطا بين القبول المطلق أو الرفض المطلق فهم نورمان كولدر وكولسون وفضل الرحمن وعبدالقادر شريف، وهؤلاء قبلوا المبادئ العامة لنظرية شاخت، ولكنهم انتقدوا أموراً عديدة فيها. فقد قال كولسون:" إن معظم الأقوال المأثورة التشريعية( dicta) المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم هي موضوعة ونتيجة لعملية إسقاط ونسبة خاطئة أو قذف خلفي للإسن،اد back projection قامت به المذاهب الفقهية ".(1) وقال عن نظرية شاخت: " إن شاخت صاغ نظرية عن أصول الشريعة الإسلامية غير قابلة للدحض في إطارها الواسع ".(2)
إلا أن كولسون تبنى بعد ذلك رأياً متوسطا بين المشككين بالحديث والمؤيدين لصحة الحديث فقال:" إن حكماً شرعياً منسوباً للنبي صلى الله عليه وسلم يلزم أن يقبل على نحو مؤقت وغير نهائي إلا إذا وجد سبب يجعلنا نعده زائفا ".(3) لذلك فكولسون ومن شابهه يرون أنه يجب قبول الحديث إلا إذا ثبت لنا عكس ذلك فلا يقبل حينئذ.
أضف إلى ما سبق فإن س. فيسي _ فيتسجرالد يرى أنه كان هناك حركة وضع كبيرة في الحديث إلا أنه يعتقد أن تلك القصص الباطلة تعكس آراء محمد صلى الله عليه وسلم.(4)
__________
(1) N. J. Coulson, A History of Islamic Law , (Edinburgh, ),
p. .
(2) محمد مصطفى الأعظمي، المستشرق شاخت والسنة النبوية، ص: 68.
(3) N. J. Coulson, A History of Islamic Law p. .
(4) S. Vesey-Fitzgerald, "Nature and Sources of The Sharia", The Law Quarterly Review, ( ), pp. .(16/45)
ويرى عبدالقادر شريف في رسالته للدكتوراه التي قدمها في جامعة لندن والتي ألقى فيها الضوء على نظرية شاخت، يرى شريف بأن أسلوب البحث عند شاخت علمي، إلا أنه انتقده ورفض نتيجته التي عمم فيها رفض كل الأحاديث النبوية الشريفة وعدَّها كلها موضوعة. وقد أثار شريف نقاطاً جديرة بالاعتبار في هذا المجال فقال: " الوقت الوحيد الذي يمكن لنا فيه قبول نتيجة شاخت هو عندما نطبق أسلوب بحثه على نصف الأحاديث النبوية الفقهية على الأقل، وليس هذا بمقدور عالم واحد أبداً أن يقوم بمثل هذه المهمة المستحيلة ".(1)
4- الرد على مزاعم شاخت:
أولا: أما العلماء والباحثون المحدثون الذين رفضوا آراء شاخت كليا فهم: نابية أبّوط، وفؤاد سزكين، ومحمد الأعظمي(2) وغيرهم، فهؤلاء ناقشوا قضية صحة الأحاديث ووصلوا إلى النتائج التالية:
1- نقلت الأحاديث النبوية الشريفة إلينا حفظاً وكتابة من بداية العهد النبوي الذي هو بداية للتاريخ الإسلامي.(3)
2- تعرضت الأحاديث النبوية الشريفة التي نقلت إلينا للنقد الشديد في كل مراحل نقل الحديث.(4)
__________
(1) A.A.M. Shereef, Studies, p. .
(2) لمزيد من المعلومات عن كتابات في نقد نظرية شاخت وجولدتيسهر انظر المقالات التالية: عبدالعظيم الديب، المستشرقون والتراث، ص: 28-30، ومحمد حمدي زقزوق، الإستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، ص: 101.
(3) فؤاد سزكين، تاريخ التراث العربي، ج: 1، ص: 87-118.
(4) محمد الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، (بيروت: المكتب الإسلامي 1400?/ 1980)، ج: 2،.ص:437.(16/46)
3- إن سبب كثرة الأحاديث خلال القرن الثاني والثالث الهجريين راجع إلى كثرة رواة الأحاديث وكثرة الأسانيد للأحاديث، وليس سببه هو عملية الوضع.(1)
4- الأمثلة التي ذكرها شاخت ترد على نظريته بخصوص ظاهرة الإسناد لأن وجود الأعداد الكبيرة من الرواة مع انتمائهم لعشرات المدن المترامية الأطراف تجعل كلا من نظرية القذف الخلفي للأسانيد
back projecting والاختراع الاصطناعي للأسانيد غير قابلة للالتفات وعملية نادرة الوقوع.(2)
وقد تحدى أ. د. محمد الأعظمي أدلة شاخت التي اعتمد عليها ليصل إلى نتيجته الخاطئة عن الأحاديث النبوية الشريفة، وقد أكد الأعظمي أن أدلة شاخت في معظمها تعتمد على مغالطات فكرية، أو فهم خاطئ لغوي، أو الاعتماد على حالات شاذة تم تعميمها على كل الأحاديث، أو إصدار أحكام عامة على كل الأحاديث بناء على بعض الأحاديث، وليس بناء على استقرائها كلها، وقد رأى الأعظمي أنَّ هذه الأمور واضحة في نظرية شاخت. وقد أثار الأعظمي نقاطاً وتساؤلات عندما نقض الأمثلة التي اعتمد عليها شاخت في نظريته.
ومن هذه التساؤلات: لماذا كان رواة الأحاديث ينسبون أحاديثهم كذبا - حسب رأي شاخت - إلى رواة ومصادر ضعيفة بدلا عن رواة ثقات؟.. وإذا كانت كل الأحاديث موضوعة بهدف دعم المذاهب الفقهية والعقدية فلماذا نجد أحاديث مشتركة عند أصحاب المذاهب العقدية كالسنة والشيعة والخوارج والزيدية وغيرهم؟.(3)
__________
(1) N. Abbott, Studies in Arabic Literary Papyri. II. Quranic Commentary and Tradition, (Chicago, ), vol. , p. ; see also Wansbrough in his article "zann not burhan", in Bulletin of the School of Oriental and African Studies, no , , ,pp. .
(2) محمد الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، ج: 2، ص:436-437.
(3) M.M. Azami, Studies, pp. .(16/47)
وقد أظهرت آراء الأعظمي أنَّ شاخت كان يحاول أن يعطي إيحاء كاذبا باستخدامه لبعض الأمثلة الاستثنائية والتي انتقدها علماء الحديث ليدعم نظريته. وقد أوضح الأعظمي بعض الأسباب التي أوقعت المستشرقين عامة وشاخت على وجه الخصوص في أخطاء عندما أصدروا أحكامهم على الحديث النبوي الشريف والأسانيد. والسبب الرئيس في أخطائهم برأي الأعظمي هو أن المستشرقين لم يختاروا أمثلتهم الحديثية من مصادر الحديث الأساسية بل اختاروها من كتب السيرة أو كتب الفقه. إن الفقهاء لم يكونوا مهتمين بذكر كل السند، بل كانوا مهتمين بالمتن، وما يمكن أن يستنبطوا منه من أحكام، لذا فقد قال الأعظمي: " لقد قام البروفسور شاخت بدراسة كتاب الموطأ لمالك، والموطأ لمحمد بن الحسن الشيباني، وكتاب الأم للشافعي، وغني عن القول أن هذه الكتب أقرب ما تكون إلى الفقه من كتب الحديث، وعلى الرغم من ذلك فقد عمم نتيجته التي وصل إليها في دراسته لتلك الكتب، وفرضها على كافة كتب الحديث، وكأنه ليست هناك كتب خاصة بالأحاديث النبوية، وكأنه ليس هناك فرق بين طبيعة كتب الفقه وكتب الحديث، ويبدو أنه لم يتنبه لأسلوب الكتب الفقهية لأنه من المعلوم أن المفتي أو المحامي أو القاضي عندما يحكم في قضية أو يفتي في مسألة لا يكون مضطرا لأن يعطي للسائل كافة حيثيات الحكم أو الفتوى مع ذكر كافة الوثائق التي تعضده ".(1)
ثم شرح الأعظمي طريقة الفقهاء في نقل الأحاديث المنقطعة التي رويت متصلة من طرق أخرى في كتبهم أو كتب الأحاديث المعتمدة.
__________
(1) محمد الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، ج: 2، ص: 389، وقارن بالشافعي، الأم، (القاهرة، 1322?)، ج: 7، ص: 311، وظفر إسحاق الأنصاري، نقد منهج شاخت، ص: 57-70.(16/48)
كان الأعظمي مصيباً في هذه النقطة؛ لأن الإمام الشافعي وأبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني قد استخدموا الأسلوب نفسه في كتبهم عند ذكرهم للأحاديث النبوية الشريفة. وتوصل الأعظمي لنتيجة مهمة جداً وهي أنه من الخطأ دراسة الأحاديث من الكتب الفقهية كما فعل شاخت، فقال الأعظمي:" إن كتب السيرة وكتب الفقه ليستا مكانا ومصدرا مناسبا لدراسة ظاهرة الأسانيد ونشأتها ".(1)
وليؤيد شاخت نظريته بأن الأسانيد كانت كثيرا ما تلصق بصفة اعتباطية أتى بمثال عدَّه مهما جدا فقال: " الحديث الوحيد الذي كان يعرفه مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين هو بإسناد ذي أخطاء حتى إن الزرقاني يتهم مالكا بارتكاب خطأين. ويتهم يحيى بن يحيى بخطأ آخر، لكن هذا هو الشكل الأصيل الصحيح للإسناد. أما التطور الذي حصل وغير الجزء العلوي من الإسناد حتى إنه لا يمكن التعرف عليه فقد حدث مؤخرا"(2)، فشاخت يختار من بين آلاف الأحاديث التي يذكرها الإمام مالك وغيره من الفقهاء يختار الأحاديث التي وقع فيها أخطاء ويعممها ليكون منها نظريته. وهذه الظاهرة تميز نظريته، مع العلم بأن المصادر التي رجع إليها تبطل نظريته التي توصل إليها لأنه عندما يتكلم على خطأ الإمام مالك الذي أشار إليه الإمام الزرقاني، فإنه لا ينقل لنا النص كاملا.
__________
(1) محمد مصطفى الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه،ج: 2، ص: 404.
(2) قارن بمحمد مصطفى الأعظمي، المستشرق شاخت والسنة النبوية، ص:106-107.(16/49)
وقد ذكر الإمام الزرقاني أن الإمام الشافعي قد أشار إلى خطأ مالك، وقد اكتشف العلماء خطأ مالك بمقارنة روايته مع سبعة رواة من معاصريه، ووجد العلماء بأن هؤلاء الرواة السبعة كانت رواياتهم متفقة ومخالفة لما رواه مالك، فخطأ مالك إذن قد اكتشفه العلماء، ولو كان من عادات الرواة الشائعة ربط الأسانيد بالأحاديث المختلقة لما أمكن معرفة ذلك الخطأ الذي وقع فيه مالك وإزالته، وهذا يثبت لنا أنه كان من المتعذر وجود أسانيد وهمية وخيالية، وإن كان هناك شيء ما منها فكان من المستحيل تقريبا أن تمر تلك الأحاديث دون أن ينتبه الباحثون لما فيها من خطأ في أسانيدها.(1)
والحقيقة أن اكتشاف الأخطاء كان ممكنا مما يؤكد لنا أن عملية اختراع الأسانيد المزيفة الملصقة بأحاديث كانت عملية نادرة بل ومن المستحيل أن لا تكتشف من العلماء، ولا يمكننا أن ننكر أن كل عالم يمكن أن يخطئ أحيانا عند نقل الحديث، ولكن حالات الخطأ هذه لا يمكن أن نجعلها المادة العلمية الوحيدة في البحث العلمي.(2)
كان هدف شاخت كما سبق أن ذكرنا تأكيد أنه لا يوجد حديث فقهي واحد صحيح فهو يقول: إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري.. وكانت الأسانيد لا تجد غالباً أقل اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد(3)… حيث الاعتبارات الأخرى تستبعد أن يروى الموضوع عن طريق رجلين أو أكثر، ويذكر شاخت بهذا الصدد ستة أمثلة، ويذكر في بعض الأمثلة الأسماء فقط دون تحديد القضية، بينما يذكر في البعض الآخر القضايا، فمثلا يقول: انظر نافع وعبدالله بن دينار في الموطأ
__________
(1) المرجع السابق نفسه.
(2) المرجع السابق نفسه، ص: 107.
(3) المرجع السابق نفسه، ص: 104.(16/50)
(4: 204)، واختلاف الحديث (149)..أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال: لست بآكله ولا محرمه.(1) ويروي هذا الحديث عن ابن عمر كل من نافع وعبدالله بن دينار، وقد روى مالك الحديث نفسه عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر. ويريد شاخت أن يستنتج من ذلك أنَّ مالكا لم يكن دقيقا في تسمية مشايخه، بل كما ادَّعى شاخت أن المحدثين كانوا يلتقطون الأسماء حسبما يحلو لهم، كما هو واضح هنا _ في نظر شاخت _ من صنيع مالك.
والذي يدحض زعم شاخت هذا هو دليل بسيط جدا وهو: أنه لو سلمنا بأن مالكا أخطأ في تسمية مشايخه فهناك العالم سفيان بن عيينة الذي روى الحديث نفسه عن عبدالله بن دينار فوافق مالكا في أحد الرواة. والسؤال هنا إذا كان مالك قد سمى عبدالله بن دينار هكذا، فكيف اختار ابن عيينة نفسه مصدراً ثم اتفق هؤلاء أي مالك وابن عيينة بمحض المصادفة حيث اختار كل واحد منهما الاسم نفسه؟ إذن الحل الوحيد والصحيح للقضية هو أن مالكا سمع الحديث من نافع وعبدالله بن دينار اللذين تتلمذا على ابن عمر، فمرة ذكر هذا التلميذ ومرة أخرى ذكر الآخر ولا يمكن أن يكون غير ذلك.(2)
ما زالت نظرية شاخت وللأسف تلقى قبولا واسعا في الغرب، بالرغم من كل ما تعرضت له من نقد علمي محكم. والوضع الراهن في الغرب بالنسبة لآراء شاخت هو كما وصف د. فورتي: " إن معظم علماء الغرب الدارسين للإسلام يرون أن أدلة شاخت ضد صحة الحديث هي أدلة لا يمكن مهاجمتها ونقضها في الواقع ".(3)
وإنني أرى أنه لا يمكن أن نقبل نظرية شاخت التي تعتمد على تعميمات خاطئة مبنية على أمثلة خاطئة، أو على فهم خاطئ للنص العربي.
ثانيا:
__________
(1) المرجع السابق نفسه، ص: 105.
(2) المرجع السابق نفسه، ص: 106.
(3) D. Forte, "Islamic Law: The Impact of Joseph Schacht", p. .(16/51)
أما الرد على شاخت فيما يتعلق بالشبه التي تقول بأنه كانت عادة الجيلين من العلماء الذين سبقوا الشافعي أن ينسبوا الأحاديث إلى الصحابة والتابعين.. وأن الأحاديث المنسوبة للصحابة والتابعين سبقت في وجودها تلك الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الأحاديث نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم تدريجيا، فنقول وبالله التوفيق:
إن وجه بطلان هذا القول من وجهين:
الوجه الأول: أنه ينسب الكذب ليس لفرد واحد بل لعلماء الأمة كلها ولا يستثني حتى الصحابة الكرام، وما ذلك إلا افتراء عظيم على علماء الأمة الذين كانوا يتورعون عن سماع الغيبة فضلا عن ارتكاب أكبر الكبائر ألا وهو الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن الكذب في زمانهم كان عارا عظيما، وعيبا كبيرا لو ثبت على عالم منهم لوصم به كل حياته ولحرمه ذلك من أن يأخذ عنه الرواة الحديث أبدا. أضف إلى ذلك فكثيرا ما كان بعض الصحابة يمتنع عن الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم خوفا من الوقوع في الكذب عليه.(1)
الوجه الثاني: لننظر في الأدلة التي اعتمدها شاخت ليستدل بها على أن الحديث كان يخترع في مرحلة من المراحل المتأخرة من عصر تابعي التابعين، ثم كان ذلك المخترع يلصق بالحديث سندا مخترعا متصلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نظر شاخت في بعض الأسانيد فوجد فيها راويا -أطلق عليه هو ن ن، وهو حلقة الوصل التي أخذت الحديث عن رواة عدة، وقد أخذ عن هذه الحلقة نفسها رواة عدة آخرون، فادَّعى شاخت بأن هذا الراوي هو المسؤول عن وضع الحديث، أو أن اسمه استخدم للوضع.
الرد:
__________
(1) لمزيد من المعلومات عن هذا الموضوع انظر هذا البحث: صالح أحمد رضا، أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الرواية قلة وكثرة، بحث قبل للنشر في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود عام 2003م، ص: 8-9.(16/52)
1- إذا أخذ اليوم أشخاص عديدون خبرا عن مصدر واحد موثوق به فما الغضاضة في ذلك؟ وهل يدلنا هذا أن الخبر كاذب لمجرد أن عدة رواة رووا عن الشخص نفسه؟
2- إن المثال الذي اعتمده شاخت ليبني عليه نظريته السابقة فهمه فهما خاطئا فأصبح دليله دليلا عليه وانقلب السحر على الساحر، كما بين الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي.
3- على فرض صحة دليل شاخت، فإن حادثة واحدة لا تكفي لجعلها ظاهرة عامة في علم الحديث ولا في غيره من العلوم، ومن هنا يتبين لنا مدى الجنوح للهوى لدى شاخت في استصداره لأحكام عامة مبنية على حادثة واحدة فقط، حيث نجد في كلامه مثل هذه العبارة: الظاهرة العامة COMMON OCUURRENCES عندما كان يكتب استنتاجاته المعتمدة علىحالة واحدة- هذا إن صح الدليل الذي قدمه.
4- استدل شاخت بمثال واحد على دعواه وفهمه فهما خاطئا، فقد استشهد بالمثال من كتاب اختلاف الحديث للشافعي فقال:
هذا الحديث له الإسناد التالي:
الرسول صلى الله عليه وسلم……الرسول صلى الله عليه وسلم…الرسول صلى الله عليه وسلم
جابر ………… جابر………جابر
رجل من بني سلمة……… المطلب………المطلب
عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب
عبدالعزيز بن محمد……… إبراهيم بن محمد … سليمان بن بلال
…الشافعي……… … الشافعي… … رجل مجهول
………………… الشافعي
فبرأي شاخت أن عَمْراً هو الراوي المشترك في كافة الأسانيد، ومن الصعوبة بمكان أن يكون قد تردد بين مولاه وبين رجل مجهول ليكون سنده المباشر.(1) وبالتالي فعمرو هو المسؤول عن وضع الحديث أو أن اسمه استخدم في وضع هذا الحديث.
تبين للدكتور محمد مصطفى الأعظمي بعد أن درس هذا السند دراسة مفصلة أن السند الصحيح الذي يجب أن يكون لهذا الحديث هو ليس الشكل الذي وضعه شاخت وإنما الشكل التالي:
الرسول صلى الله عليه وسلم
جابر
المطلب
عمرو
عبدالعزيز……… إبراهيم……… سليمان
__________
(1) محمد مصطفى الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي،ج: 2، ص: 171-172.(16/53)
وبذلك يهوي دليل شاخت، وتهوي معه كل الاستنتاجات التي قدمها، ويهوي كل كلام ومدح من المستشرقين اعتمد على استنتاجات شاخت، لأننا لو سلَّمنا جدلا أن عَمْراً ادَّعى رواية الحديث عن عدة أشخاص فهذه حادثة جزئية لا يمكن تعميمها كما سبق أن أشرنا، وحتى يخرج شاخت بنظرية صحيحة فلابد له من دراسة كل الحديث النبوي الشريف متونا وأسانيد، وأنى له وحده هذا؟ إذن لا قيمة لهذه النظرية بعد أن بان عورها وهوى صاحبها في ميزان البحث العلمي إلى أسفل سافلين.(16/54)
5- تنبه علماء الحديث لتفرد الرواة في رواياتهم ووضعوا لذلك قواعد دقيقة يقول الإمام الذهبي: " فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه. وكذلك التابعون، كل واحد عنده ما ليس عند غيره من العلم، وما أتعرض لهذا فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث. وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومَنْ دونه يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك الحديث ".(1) بعد هذه القواعد الصارمة التي وضعها العلماء عن تفرد الرواة في رواياتهم لم الاستغراب بعدئذ من تفرد الراوي؟. وإن أخذ كثير من الناس عن راو واحد لهو علامة على قبول الناس لروايته وليس العكس، فالزهري مثلا إمام ثقة ثقة في الحديث، وقد أخذ عنه مئات من الناس فلو أردنا أن نثبت أنه لم يكن عدلا لابد أن نأتي بالأدلة القاطعة على ذلك، وأنى لنا ذلك؟ وكل التراث الإسلامي شاهد على عدالته وإمامته. وقد سجل لنا المحدثون في كتبهم ظاهرة تعدد الرواة عن راو واحد. يقول الإمام ابن حجر العسقلاني عند الكلام على أحد رواة حديث: إنما الأعمال بالنيات، وهو يحيى بن سعيد، إن هذا الحديث ليس بمتواتر لفظا ولكنه متواتر معنى لأنه " تواتر عن يحيى بن سعيد، فحكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفسا، وسرد أسماءهم أبو القاسم بن منده فجاوز الثلاثمائة،... وقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة، وقد تتبعت طرق غيره فزادت على
__________
(1) محمد مصطفى الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي،ج: 2، ص:420، نقلا عن ميزان الاعتدال للذهبي، وقارن بمحمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، معرفة علوم الحديث، (بيروت: دار إحياء العلوم، 1406?/1986م)، ط1، 96-102.(16/55)
ما نقل عمن تقدم كما سيأتي مثال لذلك في الكلام على حديث ابن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالى ".(1) فعلماؤنا الكرام لم يكونوا بانتظار شاخت ليكتشف لهم اكتشافه العظيم عن تعدد أخذ الرواة عن راو واحد. فالحمد لله أنه حفظ كتابه وسنته من عبث العابثين وافتراء المضلين، وتأويلات المبطلين، حفظهما بالعلماء الراسخين.
الخاتمة والتوصيات
تبين لنا مما سبق أن الله تعالى حفظ سنته كما حفظ كتابه، فقام الجهابذة من علماء الحديث وغيرهم بوضع قواعد علمية دقيقة في نقد السند والمتن معا للحكم على صحة الحديث أو عدمه. ولم يكن الهدف من هذا البحث استقصاء كل آراء المستشرقين ومزاعمهم حول نقل السنة النبوية الشريفة، ثم تحليلها والرد عليها، بل اكتفينا بالرد على مزاعمهم فيما يتعلق بالعناية بنقد المتن والإسناد. وبناء على ما سبق أقول:
1- إنني أرى رأي كل من المحدثين والعلماء المعاصرين مثل محمد الأعظمي وفؤاد سزكين ومحمد عجاج الخطيب ونور الدين عتر وغيرهم، ممن يرون أن أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي وصلت إلينا قد خضعت لمنهج نقدي دقيق شامل في كل مراحل نقلها إلينا، ولذلك فإن ما لدى المسلمين الآن من الأحاديث هي أحاديث يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها.
2- إن كل ما ساقه المستشرقون والمستغربون من مزاعم ضد الحديث النبوي وتوثيقه لا يمكن قبولها وهي منتقضة بالأدلة العلمية التي ساقها العلماء المسلمون الذين دافعوا عن السنة كما دافعوا قبل ذلك عن القرآن الكريم، وما هذه المزاعم إلا خيالات أو افتراءات لا تعتمد على برهان.
__________
(1) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، (القاهرة: دار الريان للتراث، 1407?/1986م)، ط1، ج:1، ص: 18.(16/56)
3- إن الفقهاء والمحدثين المسلمين قد برهنوا أن نقد المتن كان جزءاً رئيساً في عملية الحكم على صحة أي حديث، وأكدوا أن أي حديث يحظى بالقبول يجب أن يكون خاليا من أي علة أو شذوذ في المتن أو في الإسناد، فإذن مزاعم المستشرقين لم تثبت ولم تصمد أمام أدلة العلماء المسلمين التي أكدت بأن الاعتماد على صحة الحديث كانت تعتمد على نقد السند ونقد المتن معا.
4- إن نقد المتن سبق نقد السند، وقد نمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الملكة ودعا إلى ترسيخها بقوله وفعله وإقراره، وقد قام الصحابة الكرام بالنظر في النصوص ونقدها ولم ينكر عليهم. فلذلك نستطيع أن نقول: إن نقد النصوص سنة نبوية شريفة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فلا يجوز إنكارها، وإن أمته تبعته في ذلك عبر العصور المتطاولة خلال أربعة عشر قرنا. وكان الصحابة رضوان الله عليهم ينتقد بعضهم مضمون روايات بعض.
5- يرجع أحد الأسباب الرئيسة للاختلاف بين المذاهب الفقهية والعقدية إلى نقد المتن، وإن علم مختلف الحديث وعلم العلل والشروط التي وضعها العلماء للحكم على صحة الحديث وحسنه خير شاهد على اعتناء العلماء بنقد المتون.
6- وضع العلماء علامات في المتن تدلنا على الحديث الموضوع مما يدلنا على عنايتهم بنقد المتن.
7- تشهد الكتب الستة على أن نقد المتن كان جزءا لا يتجزأ منها، فأصحابها إنما انتقوها من أحاديث عديدة قائمة على البحث والتتبع والانتقاء الدقيق من الروايات.
8- ليس معنى إبراز (منهج نقد المتن عند علماء الحديث) هو فتح الباب أمام غير المختصين لولوج هذا الباب الدقيق، الذي يحتاج لعلم غزير ومراس بأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، لذا فلا يجوز أن يخوض في نقد المتن إلا الجهابذة المحققون الذين توافرت فيهم صفتا التقوى والرسوخ في العلم.(16/57)
9- قدم المحدثون نقد السند على نقد المتن لأسباب عديدة منها: أن رجال الحديث هم الأساس، فإذا ضعف الأساس ضعف البنيان، وإن نقد السند يسمح لنا بنقد موضوعي، وأما نقد المتن فلا يكون دائما موضوعيا لأنه قد يقع الناقد بأخطاء في فهمه للنص وتأويله.
10- تبين لنا أن النقد الموجه من المستغربين ومن المستشرقين ولاسيما منهم المستشرق شاخت، ضد الاعتماد على الإسناد ليس نقدا علميا بل لا يرقى إلى الشبهة العلمية، وإنما هو محض افتراءات وأوهام.
11- بالرغم من قبول الأوساط العلمية والتعليمية في الغرب لنظرية شاخت إلا أنها نظرية خاطئة وغير صحيحة ولا يمكن قبول تعميماتها، وقد تبين لنا بالبرهان سقوط ما ادعاه شاخت من أن الإسناد هو الجزء الأكثر اعتباطا من الحديث، وأن المسلمين نسبوا أحاديثهم تدريجيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعوها باسمه. ولهذا فإن آراء المستشرقين ومن أيدهم في هذا المجال لا يمكن قبولها بأي صورة من الصور، والتحقيق أن الحديث ونقده كان يعتمد على قواعد علمية شاملة وصارمة، لذا يمكن الوثوق بكل ما عندنا من الحديث النبوي الشريف.
12- يوصي الباحث بضرورة عقد الندوات والمؤتمرات المتخصصة حول تفنيد ما يدعيه المستشرقون والمستغربون من مزاعم حول المصادر الأساسية في الإسلام ولاسيما ما يتعلق بالسنة والسيرة النبوية الشريفة، وما عقد هذا المؤتمر إلا لبنة في هذا المجال.
13- ضرورة عمل موسوعة إسلامية باللغات الأجنبية العالمية تعرف بالإسلام وحضارته تعريفا صحيحا، وترد في ثناياها على المزاعم الباطلة التي أثيرت عن الإسلام من قبل المستشرقين والمستغربين، لأن العالم الغربي يستقي معلوماته عن الإسلام من الموسوعة الإسلامية التي تصدر عن المستشرقين باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهذه الموسوعة مملوءة بالدس والتشويه المتعمد للإسلام. ويا حبذا لو تبنى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف مثل هذا المشروع العلمي الرائد.(16/58)
وأخيرا فهذا ما بذلته من جهد، فإن أحسنت فمن توفيق الله تعالى، وإن قصرت فمن نفسي وجهلي، إن أردت إلا الإحسان ما استطعت وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قائمة المصادر والمراجع
أ- المصادر والمراجع العربية:
1.إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1356هـ/1939م، الطبعة الأولى.
2.أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الرواية قلة وكثرة، رضا صالح أحمد، بحث قبل للنشر في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود عام 2003م، ص: 1-55.
3.الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، زقزوق محمد حمدي.
4.الإسناد من الدين، أبو غدة عبدالفتاح، بيروت: 1992م/ 1412?.
5.أصول الحديث، علومه ومصطلحه، الخطيب محمد عجاج،بيروت، دار الفكر، 1419? /1998م.
6.أصول الفقه، يوسف شاخت ، ترجمة إبراهيم خورشيد وآخرين بيروت، دار الكتاب اللبناني 1981 م.
7.أصول في فهم الأحاديث النبوية دفعا للأوهام عنها، سعيد النورسي، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، بغداد: مطبعة الحوادث، 1409?/1989م.
8.أصول منهج النقد عند أهل الحديث، عصام البشير، بيروت، 1412?/1992م، الطبعة الثانية.
9.أضواء على السنة النبوية، أبو رية، م.، مصر.
10.الأم، محمد بن إدريس الشافعي، القاهرة، 1322?.
11.الباعث الحثيث شرح ( اختصار علوم الحديث لابن كثير )، شرح أحمد شاكر وناصر الدين الألباني، الرياض: دار العاصمة للنشر والتوزيع، 1415?، الطبعة الأولى.
12.بيت المقدس والمسجد الأقصى، دراسة تاريخية موثقة، محمد شراب، دمشق: دار القلم، 1994م.
13.تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي محمد مرتضى، بيروت، دار مكتبة الحياة.
14.تاريخ التراث العربي، فؤاد سزكين، ترجمة: م. ف. حجازي وف. أبو الفضل، القاهرة، 1977م.
15.تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة عبدالله بن مسلم، بيروت، 1972م.(16/59)
16.تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، السيوطي، تحقيق عزت عطية وموسى محمد علي، القاهرة: دار الكتب الحديثة، 1980م.
17.الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق محمود الطحان، الرياض، مكتبة المعارف، 1403?/1983م، الطبعة الأولى.
18.الحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبه، الصباغ محمد، بيروت، 1982?/1402م.
19.الحديث والمحدثون، محمد أبو زهو، بيروت: دار الكتاب العربي، 1404/1984، الطعبة الأولى.
20.حق اليقين في معجزات خاتم الأنبياء والمرسلين، إبراهيم بن عايش الحمد، المدينة المنورة، وقف البركة الخيري، 1422?/2002م، الطبعة الأولى.
21.دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي 1400?/1980م.
22.دراسات محمدية، جولدتسيهر إجناتس، ترجمة: الصديق بشير نصر، في فصول من كتاب دراسات محمدية من مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد10، طرابلس الغرب، 1993م.
23.دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين، محمد أبو شهبة، القاهرة، 1409?/1989م الطبعة الأولى.
24.الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، القاهرة، 1940م.
25.رفع الملام عن الأئمة الأعلام، أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، بيروت: دار مكتبة الحياة، 1984م.
26.السنة المطهرة والتحديات، نور الدين العتر، حلب.
27.السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها، مكي الشامي، عمان، دار عمار للنشر والتوزيع، 1420?/1999م.
28.السنة قبل التدوين، محمد عجاج الخطيب، بيروت، دار الفكر، 1981م.
29.السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، بيروت، 1992م.
30.شاخت والسنة النبوية، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، محمد مصطفى الأعظمي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985م.
31.شروط الأئمة الخمسة، محمد بن موسى الحازمي، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، حلب: مكتبة المطبوعات الإسلامية، 1417?/1997م، الطبعة الأولى.(16/60)
32.شروط الأئمة الستة، محمد بن طاهر المقدسي، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، حلب، مكتبة المطبوعات الإسلامية، 1417?/1997م، الطعبة الأولى.
33.الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين، 1399?/1979م، الطبعة الثاينة.
34.صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ترقيم: محمد فؤاد عبدالباقي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1374? /1955م، الطبعة الأولى.
35.العقيدة والشريعة في الإسلام، جولدتسيهر إجناتس، ترجمة: محمد يوسف موسى وعبدالعزيز عبدالحق، وعلي حسين عبدالقادر، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1959م.
36.علم علل الحديث من خلال كتاب الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لأبي الحسن بن القطان الفاسي، إبراهيم بن الصديق، المغرب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1415?/1995م، الطبعة الأولى.
37.عناية المحدثين بنقد الحديث كعنايتهم بإسناده، محمود الطحان.
38.القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، تحقيق: محمد عبدالرحمن مرعشلي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1997م/1417?.
39.كتاب التمييز، مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، الرياض: جامعة الرياض، 1395?.
40.كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي، بيروت: مؤسسة الرسالة، لا تاريخ.
41.لمحة عن علم الجرح والتعديل، سلمان الحسيني الندوي، لكناؤ: دار السنة للنشر والتوزيع، 1413?/1992م.
42.المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي، تحقيق محمد عجاج الخطيب، بيروت: دار الفكر، 1404?/1984م، الطبعة الثالثة.
43.المحصول في علم الأصول، فخر الدين عمر بن الحسين الرازي، تحقيق: طه جابر العلواني، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ/1980م.(16/61)
44.المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبدالله الحاكم، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411?، الطبعة الأولى.
45.المستشرقون والتراث، عبدالعظيم الديب، البحرين 1406?/1986م، الطبعة الأولى.
46.المستشرقون والحديث النبوي، محمد بهاء الدين، عمان: دار النفائس، 1420هـ/1999م، الطبعة الأولى.
47.المعجم الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الثانية.
48.المعجم الوسيط، مصطفى إبراهيم، وعبدالسلام هارون، وآخرون، القاهرة، مجمع اللغة العربية.
49.معرفة علوم الحديث، محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، بيروت، دار إحياء العلوم، 1406?/1986م، الطبعة الأولى.
50.معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري، بيروت، عمان، دار النفائس، 1420?/1999م، الطبعة الأولى.
51.المنهج الإسلامي في علم الجرح والتعديل، ماهر حمادة، المغرب، 1982م.
52.منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها، أبو بكر كافي، بيروت: دار ابن حزم، 1421?/2000م، الطبعة الأولى.
53.منهج التوفيق والترجيح، عبدالمجيد السوسوة، عمان: دار النفائس، 1998م.
54.منهج النقد في علوم الحديث، نور الدين العتر، دمشق، 1412?/1992م، الطبعة الثالثة.
55.منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، صلاح الدين الإدلبي، بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1983م، الطبعة الأولى.
56.الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه (الإصدار الأول)، مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، 1418/1، عمان.
57.النظر في متن الحديث في عصر النبوة، رضا صالح أحمد، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، العدد الثاني والعشرون، شوال 1422?/ديسمبر 2001م.
58.نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين، نجم الدين عبدالرحمن خلف ، الرياض: مكتبة الرشد، 1409?/1988م، الطبعة الأولى.(16/62)
59.نقد منهج شاخت في دراسة الحديث، ظفر إسحاق الأنصاري، مجلة: الدراسات الإسلامية، العدد 2، المجلد 25، إسلام آباد، ص:57-70.
60.هدي الساري مقدمة فتح الباري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: الشيخ عبدالعزيز بن باز وآخرين، بيروت:دار الفكر.
ب- المصادر والمراجع الأجنبية:
-…Abbott, N., Studies in Arabic Literary Papyri. II. Quranic Commentary and Tradition, (Chicago,).
-…Azami, M.M., On Schacht's Origins of Muhammadan Jurisprudence, (Toronto,).
-…IDEM, Studies in Early Hadith Literature, (Indiana,).
-…Burton, John, Hadith studies, (Manchester,).
-…Coulson, N. J., A History of Islamic Law, (Edinburgh,).
-…Calder, N., Studies in Early Muslim Jirisprudence, (Edinburgh, ).
-…Forte, D., "Islamic Law: The Impact of Joseph Schacht".
-…Goldziher, I., Muhammedanische Studien, (Halle,).
… IDEM, Muslim Studies, tr. Stern, (London,).
-…Guillaume, A., The Tradition of Islam, (Oxford,).
-…Juynboll, G.H.A., The Authenticity of the Tradition Literature, (Lieden,).
-…Juynboll, Th. W., art." HADITH ", EI , vol. iii , pp..
-…Lecker,M., "Biographical Notes on Ibn Shihab Al - Zuhri", Journal of Semitic Studies, No ().
-…Rahman, F., Islam, (London,).
-…Robson, J., art. " HADITH ", EI, vol. iii, p..
-…IDEM, "The Isnad in Muslim Traditions", Glag University Ori. Soci. Trans., , (), pp. -.
-…IDEM, art."Al-Djarh wa al-Ta'dil", EI, vol.ii, p..
-…IDEM, "Tradition, the second foundation of Islam", The Muslim World, vol., ().…
-…Schacht, J., "A Re-evaluation of Islamic Tradition", JRAS, , pp..
-…IDEM, The Origins of Muhammadan Jurisprudence, (Oxford, ).(16/63)
-…Shereef, A.A.M., Studies in the Composition of Hadith Literature, Ph.D thesis, (London,).
-…Wansbrough, J., Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptual Interpretation, (Oxford,).
-…IDEM, The Secterian Milieu Content and Composition of Islamic Salvation History, (Oxford,).
-…IDEM, "zann not burhan", in Bulletin of the School of Oriental and African Studies, no, , , pp..
-…Watt, W. M., Journal of Royal Asiatic Society, ().
-…Vesey-Fitzgerald, S., "Nature and Sources of The Sharia, The Law Quarterly Review, (), pp. -
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
القسم الأول: عرض لآراء المسلمين حول منهجية توثيق السنة بالاعتماد على نقد السند والمتن معا…3
القسم الثاني: عرض لآراء المستغربين والمستشرقين فيما يتعلق بتوثيق السنة عبر نقد المتن والسند والرد عليهم…9
القسم الثالث: نظرية الإسناد عند شاخت والرد عليه…41
الخاتمة والتوصيات…59
قائمة المصادر والمراجع…63
فهرس الموضوعات…72(16/64)
السنة النبوية
المصدر الثاني للتشريع الإسلامي
ومكانتها من حيث الاحتجاج والمرتبة والبيان والعمل
إعداد دكتورة
رقية بنت نصرالله محمد نياز
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [آل عمران:102].
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([النساء: آية 1].
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (
( ([الأحزاب: الآيتان 70-71].
أما بعد:
فمما لا شك فيه أن القرآن الكريم هو أصل التشريع، ومصدره الأول، وأن السنة النبوية هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم.
ولقد اْبتُلِي الإسلام في مصدره الثاني منذ نهاية القرن الأول وحتى يومنا هذا، بطوائفَ لا حظَّ لها في الإسلام، تُنْكر حجية السنة، وتثير الشبهات حولها، على تفاوت منهم في هذا الإنكار، فمنهم من يَرُدُّ الأخبار من حيث هي أقوال وأفعال وتقريرات للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من ينكر خبر الآحاد، ومنهم من أنكر حجية السنة التي تأتي بحكم مستقل. وغيرهم كان إنكاره لحجية السنة من حيث الشكُّ في طريقها، وما يَلْحَقُ رواتها من خطأ أو وهم.
فصاروا يقللون من شأن نصوص الحديث، ويحطُّون مِنْ قَدْره، وتطاولوا على رواة الحديث من الصحابة - رضوان الله عليهم - وأئمة الحديث، يقبحونهم ويصفونهم بالشناعات. واستمروا على هذه الدعاوى الباطلة حتى توصلوا إلى القول بعدم الاعتماد على السنة، ورفعوا شعار"الإسلام هو القرآن وحده".
إن هذا التطاول السافر على السنة النبوية قديماً وحديثاً هدفه القضاء على الإسلام وأصوله، وإن اختلفت الطرق، والأساليب، والعبارات.(17/1)
ذلك أن أعداء الإسلام وجدوا في السنة المطهرة العائق الكبير الذي يحول بينهم وبين نشر سمومهم، فرفعوا هذا الشعار لتيقنهم التام بمكانة السنة في التشريع الإسلامي، سواء من حيث ثبوت حجيتها، أو من حيث قوة الأدلة التي تثبت منزلتها ومرتبتها في التشريع، وسواء من حيث بيانها وتفسيرها للقرآن الكريم، أو من حيث مكانتها في وجوب العمل بها في كل شؤون الحياة.
وما يثار الآن، وما أثير قديماً حول دعوى الاستغناء عن السنة لعدم حجيتها أمر مرفوض، وقد تصدى العلماء الربانيون لهذه الشبهة ببيانها والرّد عليها إجمالاً وتفصيلاً بما لا يترك مجالاً في إبطالها، وأنها مجرد أكاذيب وافتراءات للقضاء على هذا المصدر الثمين.
وقصارى القول في هذا أن هذه دعاوٍ يأباها الله ورسوله، والمؤمنون، والعقل والمنطق السليم. وأن السنة النبوية مصدرٌ أساس في التشريع.
وتفصيل هذا هو موضوع البحث. أما هذه الشبه الباطلة والرد عليها فلم أتعرض لها، وذلك لتخصص البحث في بيان"السنة ومكانتها من حيث: الاحتجاج، والعمل" وقد وجدت أيضا محوراً مستقلاً بهذا الشأن في موضوعات الندوة(1).
ومما ينبغي الإشارة إليه أن هذا البحث يتكون من مقدمة، وأربعة مباحث، وخاتمة، على النحو التالي:
- المقدمة …: في أهمية البحث، وتعريف السنة.
- المبحث الأول …: مكانة السنة من حيث حجيتها.
- المبحث الثاني …: مكانة السنة من حيث مرتبتها.
- المبحث الثالث: مكانة السنة من حيث بيان الأحكام التشريعية.
- المبحث الرابع: مكانة السنة من حيث العمل بها.
……"هل كل ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعد تشريعاً؟"
- الخاتمة…: وتتضمن أهم نتائج البحث.
__________
(1) انظر: المحور الخامس في موضوعات هذه الندوة تحت عنوان: الرد على الطعون والشبهات المثارة حول السنة والسيرة النبوية قديماً وحديثاً..(17/2)
وقبل الولوج في بيان "مكانة السنة" لابد أن نتعرض بشيء من التفصيل لبيان مفهوم السنة؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
فالسنة في معاجم اللغة معناها:
هي الطريقة والسيرة مطلقاً، المحمودة والمذمومة، السيئة والقبيحة، ومن هذا المعنى العام قول الله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([الأحزاب: 62]. ومن هذا المعنى أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها))(1).
أما إذا أضيفت (السنة) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إلى تشريعات الإسلام، انصرف الذهن إلى طريقته عليه السلام وسيرته في تنفيذ ما بعثه الله من الحق والهدى.
وكما هو معرف في معاجم اللغة (2) أن السنة أصلاً مشتقة من الفعل الثلاثي "سنّ" تقول: "سنّ الماء إذا داوم صبه". "سنّ الإبل إذا أحسن رَعْيَهَا، والقيامَ عليها". "سنّ السكين إذا حَدَّه وصَقَله".
وكذلك طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته أمور داوم عليها فهي سنة.
وما داوم عليه - صلى الله عليه وسلم - فقد أحسن رعايته فهو سنة.
وما أحسن رعايته فقد خلصه علماء الحديث من كل خليط ودخيل فهو سنة مستقيمة حسنة ممدوحة.
__________
(1) صحيح مسلم / كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة حديث رقم (107) وفي كتاب العلم، باب من سنَّ سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، حديث رقم (1017).
(2) انظر: لسان العرب مادة سنن (17/90)، المصباح المنير، مادة سنن.(17/3)
من هذه المعاني اللغوية يمكن القول بأن: السنة النبوية تعني المنهاج النبوي العام، النظري والعملي الذي جاء به عليه السلام لشرح شريعة الله لتكون دستوراً للحياة، والتي أمر بها في قوله - صلى الله عليه وسلم -:((فعليكم بسنتي))(1) وحذَّر من الإعراض عنها في قوله:((فمن رغب عن سنتي فليس مني))(2).
السنة اصطلاحاً:
على ضوء المعاني اللغوية السابقة عرَّف أهل العلم الربانيون السنة اصطلاحاً بتعريفات شتى، كلّ حسب تخصصه الحديثي، أو الأصولي، أو الفقهي(3)، ولا يعنينا هنا تتبُّع كل تلك المصطلحات والاختلافات؛ ذلك لأن هذا الاختلاف في إطلاقات السنة لفظي وغير جوهري مرجعه اختلاف الأغراض والأهداف والتخصصات التي عُني بها كل فريق من أهل العلم. ولعل الذي يفيدنا في هذا البحث المعنى الذي يبحث عن حجيَّة السنة ومكانتها في التشريع.
المبحث الأول: مكانة السنة من حيث حجيتها
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: …ثبوت حجية السنة بأدلة القرآن الكريم.
المطلب الثاني: …ثبوت حجية السنة بالأحاديث النبوية.
المطلب الثالث: …ثبوت حجية السنة بإجماع الأمة.
المطلب الرابع: …ثبوت حجية السنة بالدليل العقلي.
__________
(1) حديث صحيح، أخرجه - عن العرباض بن سارية رضي الله عنه - الإمام أحمد (4/126-127). وأبو داود: السنة، باب لزوم السنة حديث(4607) والإمام الترمذي: العلم، باب 16، حديث (2676)، وقال: حديث حسن صحيح. وصححه أيضا ابن حبان (1/178-179) حديث رقم (5).
(2) رواه الإمام البخاري برقم (5063) في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، والإمام مسلم (برقم 1401) في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد المؤنة.
(3) انظر: إطلاقات السنة في: إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر / د. عبدالكريم النملة (3/14، 15) دار العامة، ط. الأولى 1417ه، والسنة ومكانتها في التشريع الإسلامي / د. مصطفى السباعي (ص 49) المكتب الإسلامي، ط. الثالثة 1402ه.(17/4)
المبحث الأول: مكانة السنة من حيث حجيتها
السنة النبوية مصدر أصيل من مصادر التشريع الإسلامي وقد قامت الأدلة المعتبرة الصحيحة الصريحة من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وإجماع الأمة، وكذلك الأدلة العقلية، على إثبات حجيتها، ومكانتها في التشريع الإسلامي، وسوف نلخص إثبات حجيتها في مطالب هذا المبحث.
المطلب الأول: إثبات حجية السنة النبوية بأدلة القرآن الكريم
فَرَض القرآن الكريم على المسلمين بأدلة قاطعة وجوبَ قبولِ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنها مصدر تشريعي في استنباط الأحكام الشرعية، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي: "الكتاب شهد للسنة بالاعتبار"(1).
وقد نهجت الآيات القرآنية مناهج شتى في بيان حجية السنة النبوية، وتعددت فيها وسائل تؤكد على اتباعه وطاعته - صلى الله عليه وسلم -،كما تعددت فيها عبارات الوعيد والإنذار والترهيب من مخالفته والخروج عن مقتضى أوامره، وعدم الاستسلام لأحكامه(2) ولعل أبرز هذه الوسائل هي:
أولاً: آيات قرآنية تثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - يبلِّغ عن الله تعالى: ومن ذلك قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النجم: 3-4]، وقد علق القاضي أبو البقاء على هذه الآية بقوله: إن القرآن والحديثَ يتَّحِدان في كونهما وحياً منزلاً بدليل الآية السابقة.(3)
أما الإمام ابن حزم فيؤكد ذلك قائلاً: "صح لنا بالآية السابقة أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قسمين:
أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظام وهو القرآن.
__________
(1) الموافقات في أصول الشريعة والأحكام (4/10) مطبعة: محمد علي صبيح وأولاده ـ القاهرة.
(2) انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي د. محمد لقمان السلفي (ص 45) دار الراعي – الهند، ط. الثانية 1420ه.
(3) انظر: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث للعلامة القاسمي (ص 59) تحقيق: محمد البيطار، ط. عيسى البابي الحلبي وشركاه.(17/5)
الثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف، ولا معجز، ولا متلو، لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو المبين عن الله عزَّ وجَلَّ مراده هنا".(1)
وأيضا قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([النساء: 113].
فأثبت سبحانه وتعالى في هذه الآية وغيرها من الآيات(2)، إنزال الكتاب والحكمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أكد سلف هذه الأمة أن الكتاب غير الحكمة، وأن المقصود بالكتاب: هو القرآن. والحكمة هي: السنة(3).
وبهذا نعلم أن بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - والجزء الذي تكامل به الدين مع القرآن الكريم كان وحياً من عند الله(4) وإذا ثبت أنه وحي من عند الله، فهو إذاً حجة قاطعة في التشريع الإسلامي.
ثانيا: آيات قرآنية تأمر بالإيمان برسالته - صلى الله عليه وسلم - على أنحاء متعددة منها:
1 - أمر إلهي بالإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - مقروناً بالإيمان بالله تعالى، ومن أمثلة هذه الصورة قوله سبحانه وتعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ((5). [الأعراف: 158].
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام للعلامة ابن حزم الأندلسي (ص87) ط. الإمام ـ القاهرة.
(2) انظر الآيات في سورة البقرة الآية 129، 151، آل عمران: الآية 164، الأحزاب الآية 34، الجمعة: الآية 2.
(3) انظر جامع بيان العلم لابن عبدالبر (1/17) المكتبة العلمية - المدينة المنورة، وانظر: كتاب الأم للإمام الشافعي (7/271) نشر مكتبة الكليات الأزهرية، والرسالة للإمام الشافعي (ص 78) ط. المطبعة السلفية- مصر.
(4) انظر: مكانة السنة في التشريع د. محمد لقمان السلفي (ص62).
(5) للاستزادة انظر الآيات في سور: النساء: الآية 136، النور: الآية 62، التغابن: الآية 8.(17/6)
2 - أمر إلهي بالإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ضمناً مع رسالات الرسل السابقين، ومن أمثلة هذه الصورة قول الله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (
[آل عمران: 179].
فاقتران الأمر بالإيمان على الوجوه السابقة يقتضي وجوب الاتباع، وهذا يعني حجية السنة في التشريع كما أكد ذلك الإمام الشافعي بقوله: إن الله جعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له، الإيمان بالله ثم برسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله، لم يقع عليه اسم كمال الإيمان ابتداءً حتى يؤمن برسوله معه. ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم -(1).
ثالثاً: آيات قرآنية تأمر بطاعته - صلى الله عليه وسلم - وهذا الأمر جاء بصور متعددة منها:
1 - الأمر بطاعته - صلى الله عليه وسلم - مقرونة بطاعة الله تعالى ومن أمثلة هذه الصورة: قول الله تعالى:?( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ([آل عمران: 32].
فالملاحظ في هذه الآية، وغيرها من الآيات(2) اقتران طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، بطاعته تعالى بواو العطف، ومعلوم عند علماء اللغة أن العطف بالواو يفيد مطلق الاشتراك، وهذا يعني أن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأمور بها كطاعة الله تعالى.
وأحياناً يأتي هذا الأمر مكرراً بواو العطف مع إعادة الأمر بالطاعة، ومن أمثلة هذه الصورة(3) قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [النساء: 59].
__________
(1) انظر الرسالة للإمام الشافعي (ص 73، 76) بتصرف.
(2) وللاستزادة انظر الآيات في سورة: آل عمران 132، والنساء: الآية 69، والأحزاب: الآية 36، 71.
(3) وللاستزادة انظر: سورة المائدة الآية 92.(17/7)
إن تكرار العامل (أطيعوا) مع حرف الواو يفيد عموم تأكيد وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم - فيما استقل به من التشريع، كما أكد ذلك الإمام الشاطبي حين قال: "وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطاعة الله، دالٌ على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن، إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله".(1)
2 - الأمر بطاعته - صلى الله عليه وسلم - ضمناً مع طاعة الرسل السابقين: ومن أمثلة هذه الصورة(2) قول الله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء: الآية 64].
ومعلوم بالضرورة أنه - صلى الله عليه وسلم - أحد الرسل، وبالتالي هو داخل في حكم الطاعة المقررة للرسل عامة، بل إن طاعته آكدُ وأشد لزوماً؛ لأن شريعته عامة، ورسالته خاتمة الرسالات(3)، فإذا ثبت هذا كانت سنته حجة وتشريعاً واجباً إلى قيام الساعة.
3 - الأمر بطاعته - صلى الله عليه وسلم - استقلالاً: وقد سلك القرآن الكريم مسالك عدة ومتنوعة في بيان هذه الصورة،وبدلالات مختلفة، من ذلك:
أ) ما جاء من الأمر بطاعته صراحة ومن أمثلته قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النور: 56].
وقوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ([النساء: 80]، وقد علق الحافظ ابن كثير على هذه الآية بقوله: يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله(4)... وفي هذا إشارة إلى حجية السنة النبوية؛ لأن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تتحقق إلا إذا عمل بقوله واقتدى بفعله(5).
__________
(1) الموافقات في أصول الشريعة (4/10).
(2) وللاستزادة انظر: سورة الأنعام الآية 48.
(3) انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي / د. محمد لقمان السلفي (ص 39).
(4) تفسير القرآن العظيم / للحافظ ابن كثير (1/528) ط. عيسى البابي الحلبي وشركاه.
(5) انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي (ص 49).(17/8)
ب) الأمر باتباعه، في قوله تعالى:?( ( ( ( (
( ( ( ( ( ( ( ( ([الأعراف: 158] وقوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ([آل عمران: 31] فالله سبحانه وتعالى لم يأمر باتباعه -في هذه الآية الأخيرة-، بل جعل ذلك الاتباع من لوازم محبته، وبهذا يثبت أن من لم يتبع السنة النبوية، ولم ير العمل بها واجباً، فهو في دعوى محبته لله تعالى كاذبٌ، ومن كان في هذه الدعوى كاذباً، فهو في دعوى إيمانه بالله تعالىكاذب بلا مرية(1).
ج) ومما جاء في الأمر بطاعته بطريق الدلالة، قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء: 65]؛ ذلك لأن الحكم في الظاهر يعني الانقياد في الباطن، وهذه هي الطاعة والتسليم(2) المطلوبان لحجية السنة النبوية بطريقة غير مباشرة.
ومن هذا أيضا قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النور: 62] يقول الإمام ابن القيم: ((فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه - صلى الله عليه وسلم - إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه، وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه، وهذا من تمام الطاعة التي تؤكد حجية السنة النبوية(3) بطريقة غير مباشرة)).
د) ما جاء في الأمر بطاعته بطريق التحذير من المخالفة قوله تعالى:
?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النور: 63]، فإذا حذر سبحانه وتعالى من مخالفته - صلى الله عليه وسلم -، فهذا يوجب طاعته، وأيضاً قوله تعالى:?( ( ( ( ( (
[الحشر: من الآية 7].
__________
(1) انظر مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري (ص 7) المكتبة السلفية، ط. الثانية. المدينة المنورة.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم/ للحافظ ابن كثير (1/120).
(3) انظر: إعلام الموقعين / للإمام ابن القيم (1/58) المكتبة التجارية - مصر.(17/9)
فإذا حذر سبحانه وتعالى ونهى عن مخالفته فهذا يوجب الإيمان به(1)وطاعته، وهذا تأكيد لحجية السنة النبوية.
رابعا: آية قرآنية تؤكد تكفُّلَ الله تعالى بحفظ السنة النبوية، ومما يدلُّ على ذلك قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( [الحجر: 9]. والمقصود بالذكر هو: القرآن والسنة، كما أخبر بذلك غير واحد من السلف(2)، وكل ما تكفَّل الله بحفظه هو مضمون من الزيغ، والتحريف، وكل ما ثبت سلامته حجة للعمل والاستنباط.
المطلب الثاني: إثبات حجية السنة بالأحاديث النبوية
نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على حجية السنة، وأكد أنها دليل من أدلة الأحكام التشريعية، وكان هذا التقرير منه - صلى الله عليه وسلم - بَدَهيّا، ولاسيما بعد برهان القرآن ذلك بآيات صريحة لا تحتمل التأويل - كما بينا في المطلب السابق -
ولعلنا هنا نسرد أهم الأحاديث التي تناولت إثبات حجية السنة وأنها مصدر مهم وأساس في التشريع الإسلامي، وبيان ذلك يكون من خلال النقاط التالية:
أولا: أحاديث فيها دلالة صريحة على حجية السنة: وهذا في الأحاديث التي تدعو صراحة إلى الاعتصام بالسنة والتمسك بها واتخاذها منهجاً؛ لأنها صادرة من المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ومن الأمثلة على ذلك:
أ) الدلالة الصريحة في وجوب التمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - في حديث العرباض ابن سارية رضي الله عنه وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ))(3).
__________
(1) انظر: الموافقات في أصول الشريعة / للإمام الشاطبي (4/10)
(2) انظر: تدريب الراوي / للإمام السيوطي (ص 102) دار إحياء السنة النبوية، ط. الثانية 1399ه والإحكام في أصول الأحكام (ص 109)، المقصود بالذكر في الآية القرآن الكريم، ويلزم من حفظ القرآن حفظ السنة لأنها بيان له .
(3) حديث صحيح، تقدم تخريجه.(17/10)
ب) ومما يدل صراحة على أن السنة النبوية وحي من عند الله قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه..... الحديث))(1).
ثانيا: أحاديث فيها دلالة تنبيهية على حجية السنة النبوية: وضابط هذا المسار وجود العبارات التي تُرَغِّب في اتباع السنة، وتحذر من المخالفة، ومن أمثلة ذلك:
أ) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))(2). فدخول الجنة والنجاة من النار مبني على طاعته - صلى الله عليه وسلم - واتباع أمره؛ إذ إن طاعته واجبة وهي مصدر أساس في التشريع الإسلامي.
ب) ومما يرغب في اتباع السنة، ويرهب من التفريط فيها، وصيته - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وقوله:(( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ))(3) فاذا كان اتباع السنة يوجب الأمن من الضلال، فإن التفريط فيها وقوع في الضلال، وهذا يثبت حجية السنة.
__________
(1) حديث صحيح. رواه عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه: الإمام أحمد (4/130-131) وأبو داود برقم (4604) في كتاب السنة، باب لزوم السنة. وصححه ابن حبان (1/189) برقم (12).
(2) أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الإمام البخاري (7280) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: بعثت بجوامع الكلم.
(3) أخرجه الدارقطني في السنن (4/245) والبيهقي في السنن الكبرى (10/114) والخطيب البغدادي في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/111) رقم (88)، وهبة الله اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/80) رقم (90). وصححه الحاكم في المستدرك (1/93).(17/11)
ج) ومما يدل على حجية السنة النبوية بدلالة التنبيه، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة))(1) ولما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الفرقة الناجية قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))(2).
ثالثاً: أحاديث فيها إيماء وإشارة إلى حجية السنة: وهذا النوع كثير في نصوص السنة المطهرة، وضابطها أنها تشير تلميحاً لا تصريحاً إلى وجوب الاعتصام بالسنة، وهذه الإشارة إنما كانت منه - صلى الله عليه وسلم - لمكانة السنة في التشريع. ومن أمثلة هذا النوع:
أ) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نضّر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلَّغ أوعى من سامع))(3).
__________
(1) رواه من حديث أبي هريرة: الإمام أحمد 2/332، وأبو داود (4596) في كتاب السنة، باب شرح السنة وابن ماجه (3991) في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، والإمام الترمذي (2640) في كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، وقال: حديث حسن صحيح.
(2) رواه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: الإمام الترمذي (2641) في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، وقال حديث حسن غريب مفسّر.
(3) رواه من حديث عبدالله بن مسعود: الإمام أحمد 1/437، وابن ماجه (232) في المقدمة، باب من بلغ علمًا، والترمذي (2657) في كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، وقال: حسن صحيح. وصححه ابن حبّان برقم (69،68،66).(17/12)
ب) قوله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: ((ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه))(1) فدخول اللام على الفعل المضارع (يبلغ) يفيد الأمر، وهذا الأمر منه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان حماية لهذا المصدر المهم من الضياع أو التحريف.
ج) ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بلغوا عني ولو آية)) (2)ولم يقل عليه السلام حديثاً؛ لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم منه بطريقة الأولية، لأن السنة بيان وتفسير للقرآن(3).
د) ومما يدل على حجية السنة بطريق التلميح والإشارة قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما نهيت عنه أو أمرت به فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه))(4).
يقول الإمام الشافعي مؤكداً ذلك: وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإعلامهم أنه لازم لهم، وإن لم يجدوا له نفس حكم في كتاب الله لأنه شرع(5).
المطلب الثالث: إثبات حجية السنة بالإجماع
__________
(1) رواه الإمام البخاري (67) في كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: رُبّ مبلغ أوعى من سامع. والإمام مسلم (1679) في كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض.
(2) رواه الإمام البخاري (3641) في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
(3) انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي / د. محمد لقمان (ص 76، 77).
(4) حديث صحيح. رواه الإمام أحمد (1/17)، وأبو داود (4605) في كتاب السنة باب في لزوم السنة، والترمذي (2663) في كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان برقم (13).
(5) انظر الرسالة / للإمام الشافعي (ص 217).(17/13)
أجمع المسلمون من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على حجية السنة، وعدِّها مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، ولم يخالف في ذلك إلا من اتبع سبيل غير المؤمنين. وقد نقل هذا الإجماع جمع كثير من أهل العلم المحققين(1)، فعلى سبيل المثال يقول العلامة القاسمي: ((انتهى العلماء المحققون إلى أن الحديث الصحيح حجة على جميع الأمة، وأيدوا رأيهم هذا بالآيات القرآنية التي تفرض على المؤمنين اتباع الرسول عليه السلام، والتسليم لحكمه، ورأوا مَنْ يحكي خلاف هذا المذهب غيرَ خليقٍ بالانتساب إلى العلم وأهله، وإن نسب نفسه أو نَسَبَتْه العامة إلى سعة المعرفة والتفقه في الدين))(2).
ويحسن بنا أن ننقل هذا الإجماع مفصلاً عن الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء وذلك من خلال ما يلي:
أولاً: نصوص في وقوع الإجماع من الصحابة رضوان الله عليهم تثبت حجية السنة النبوية:
كان الصحابة رضوان الله عليهم في حياته - صلى الله عليه وسلم - يتبعون كل ما صدر منه في الأحكام الشرعية، لا يختلف في ذلك واحد منهم، فيقبلون بتسليم عام بأقواله، واتباع كامل لأفعاله(3)،ومن أمثلة ذلك:
__________
(1) انظر: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول / للإمام الشوكاني (ص 33) ط. الحلبي وشركاه 1356ه. والإحكام في أصول الإحكام (ص 87) وعلوم الحديث ومصطلحه / د. صبحي الصالح (ص 291) دار العلم للملايين - بيروت ط. الأولى 1378ه، وأصول الأحكام الإسلامية د. أبو السعود عبدالعزيز موسى (ص 101) ط 1413ه ومكانة السنة في التشريع الإسلامي / د. محمد لقمان (ص 97).
(2) انظر: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث/ للعلامة القاسمي (ص263) مطبعة ابن زيدون- دمشق 1353 ه.
(3) انظر: تفسير الطبري / للإمام محمد بن جرير الطبري (4/150) بيروت. وجامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (2/190) المكتبة العلمية – المدينة المنورة.(17/14)
أ) اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من ذهب - أو فضة - وجعل فصّه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول اللّه، فاتخذ النّاس مثله، فلمّا رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: لا ألبسه أبداً. ثم اتخذ خاتماً من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة.(1)
ب) ومما يدلُّ على حجية السنة بإجماع الصحابة في حياته - صلى الله عليه وسلم - ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم. فخرج رجل ممن صلى معه، فمرّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبلَ مكة، فداروا كما هم قِبلَ البيت(2).
ج) ومما يدلُّ على وقوع الإجماع من الصحابة رضوان الله عليهم، رجوع الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه في ميراث الجدة إلى السنة النبوية(3).
__________
(1) إشارة إلى حديث رواه الإمام البخاري (5866) في كتاب اللباس، باب خاتم الفضة.
(2) رواه الإمام البخاري (41) في كتاب الإيمان، باب الصلاة من الإيمان.
(3) انظر: موطأ الإمام مالك (2/513) كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، وسنن أبي داود (2894) كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، وسنن الترمذي (2101) كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة والحديث صححه ابن حبان برقم (6031)، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص 3/82: إسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أنه صورته مرسل. انظر: النص كاملاً في هذا المبحث (صـ 33).(17/15)
د) رجوع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في دية العاقلة إلى السنة النبوية(1). وكان رضي الله عنه يقول: ((سيأتي قوم يجادلوكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله))(2).
ه) قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بالسنة النبوية، في بيان مكان مكوث المرأة المتوفى عنها زوجها، أثناء العدة(3).
ثانياً: وقوع الإجماع من التابعين:
سلك التابعون مسلك الصحابة - رضوان الله عليهم - في لزوم سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى سبيل المثال:
أ) يقول الإمام مطرف بن عبدالله بن الشخير: والله ما نريد بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا(4). يقصد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ب) وكان الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يقول: إن رأس القضاء اتِّباعُ ما في كتاب الله، ثم القضاء بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5).
__________
(1) انظر: مسند أحمد (3/452)، وسنن أبي داود (2927) كتاب الفرائض، باب في المرأة ترث من دية زوجها، وسنن الترمذي (1415) كتاب الديات باب ما جاء في المرأة هل ترث من دية زوجها (2110) وكتاب الفرائض، باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم..
(2) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/122 رقم (203)، وانظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (2/231).
(3) رواه الإمام مالك في الموطأ 1/591 في كتاب الطلاق، باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل، ومن طريقه رواه الإمام أحمد 2/53-54، وأبو داود (2300) في كتاب الطلاق، باب في المتوفى عنها زوجها، والترمذي (1204) في كتاب الطلاق، باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟ وصححه ابن حبان (4292)، والحاكم في المستدرك 2/208 ووافقه الذهبي.
(4) انظر: جامع بيان العلم (2/30).
(5) انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة / للإمام السيوطي (ص 21) دار السلام، ط. الأولى.(17/16)
ج) أما الإمام إسحاق بن راهويه فكان يقول: مَنْ بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر يقر بصحته، ثم ردَّه بغير تقية، فهو كافر(1).
ثالثاً: وقوع الإجماع من الأئمة المجتهدين:
كان الأئمة الأربعة من أشد الناس تمسكاً بالحديث إذا ثبت عندهم لا يعدلون عنه إلى قول أحد من الناس، فعلى سبيل المثال:
أ) يقول الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: "إياكم والقول في دين الله تعالى بالرأي وعليكم باتباع السنة، فمن خرج عنها ضَلَّ"(2).
ب) وكان الإمام مالك رضي الله عنه يقول: "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وما جاء من نبيكم، وإن لم تفهموا المعنى فسلِّموا لعلمائكم ولا تجادلوهم، فإن الجدال في الدين من بقايا النفاق"(3).
ج) أما الإمام الشافعي فيؤكد ذلك قائلاً: يسقط كلُّ شيءٍ مخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقحم معه رأي، ولا يقاس، فإن الله عز وجل قطع العذر بقوله - صلى الله عليه وسلم -"(4).
د) أما الإمام أحمد فكان يقول: أولأحد كلام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5)؟!.
المطلب الرابع: العقل والحس والمشاهدة
__________
(1) انظر الإحكام في أصول الأحكام (ص 89).
(2) قواعد التحديث (ص 23) وفيها زيادة.
(3) انظر: المرجع السابق.
(4) كتاب الأم (2/228) وانظر (2/226) (7/273) والرسالة (ص 217، 219).
(5) انظر: قواعد التحديث (ص 52).(17/17)
وهي أمارات تدل على حجية السنة وتدل على أنَّ ما أجمل من القرآن الكريم تبيِّنه السنة وتفصله؛ فمثلاً فرض الله على الناس في القرآن الكريم عدة فرائض مجملة غير مبينة، لم تفصل في القرآن أحكامها، ولا كيفية أدائها، فقال تعالى:?( ( ( ( ( ([النساء: 77]، و( ( ( (( [البقرة: 183]، ( ( ( ( ( ( ([آل عمران: 97]. ولم يبين كيف تقام الصلاة وتؤتى الزكاة ويؤدَّى الصوم والحج. ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين هذا الإجمال بسنته القولية والعملية؛ لأن الله سبحانه وتعالى منحه سلطة هذا التبيين بقوله عز شأنه:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النحل: 44]، فلو لم تكن هذه السنة البيانية حجة على المسلمين، وقانوناً واجباً اتباعه، ما أمكن تنفيذ فرائض القرآن ولا اتباع أحكامه.
فالعقل والحس والمشاهدة أمارات دالة على ضرورة السنة وحجيتها، ووجوب اتباعها، وهذه السنن البيانية إنما وجب اتباعها من جهة أنها صادرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورويت عنه بطريق يفيد القطع بورودها عنه، أو الظن بورودها، فكل سنة تشريعية صَحَّ صدورُها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهي حُجَّة واجبةُ الاتباع(1).
المبحث الثاني: مكانة السنة من حيث مرتبتها
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: إثبات أنَّ السنة هي المصدر الثاني بأدلة القرآن الكريم
المطلب الثاني: إثبات أنَّ السنة هي المصدر الثاني بالأحاديث النبوية
المطلب الثالث: إثبات أنَّ السنة هي المصدر الثاني بالإجماع
المطلب الرابع: إثبات أنَّ السنة هي المصدر الثاني بالمعقول
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية من حيث المرتبة
__________
(1) انظر: علم أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف (1/ 28) مطبعة النصر – القاهرة، ط. السابعة 1376ه. تعليم علم الأصول د. نور الدين مختار الخادمي (ص155) مكتبة العبيكان، ط. الأولى 1423ه.(17/18)
أثبتنا في المبحث السابق - بما لا يدع مجالاً - للشك حجية السنة، وأنها مصدر وأصل يقصد في استنباط الأحكام الشرعية، وذلك للآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة والإجماع الأكيد من جمهور المسلمين على مرّ العصور.
وهذه الحجية الثابتة تأتي متأخرة عن القرآن الكريم، فمرتبتها تلي مرتبة القرآن، بمعنى أن الباحث إذا لم يجد في القرآن الكريم رأي الشرع فيما يريد معرفته من أحكام لجأ إلى السنة يبحث فيها عما يريد(1).
لهذا نسمع ونردد أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع. وإثبات حجيتها مصدراً ثانياً يكون من خلال آيات القرآن، ونصوص الأحاديث، وإجماع الأمة، وأخيراً الدليل العقلي.
المطلب الأول: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بأدلة القرآن الكريم
كل الآيات التي دعت إلى طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتباع النور الذي جاء به كانت مشروطةً بالإيمان بالله وطاعته قبل ذلك(2) فعلى سبيل المثال:
أ - يقول سبحانه وتعالى في بيان ذلك:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:36].
ب – وقوله سبحانه وتعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء: 59]. فالدلالة واضحة في الآية لأن الرد إلى الله سبحانه وتعالى يعني الرجوع إلى كتابه، وهو القرآن الكريم.
والرد إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - يعني: الرّد إلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والدلالة واضحة كما ذكره أهل العلم الذين يُعتد بقولهم(3).
__________
(1) أصول الأحكام الإسلامية، د. أبو السعود موسى (ص 101) والمدخل لدراسة السنة النبوية، د. يوسف القرضاوي (ص 69) مكتبة وهبة - القاهرة، ط. الثانية 1411ه، ومكانة السنة في التشريع الإسلامي، د. محمد لقمان (ص 105).
(2) سبق بيان أمثال هذه الآيات في هذا البحث انظر: (ص8-12) من هذا البحث.
(3) انظر: تفسير الطبري (4/150) والرسالة للإمام الشافعي (ص 80) والإحكام في أصول الأحكام للإمام ابن حزم (ص 87).(17/19)
المطلب الثاني: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بالأحاديث النبوية
إن النصوص النبوية أشارت بالفعل إلى عدّ السنة هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وقد أشرنا إلى ما نحن بصدد إثباته الآن سابقاً(1) ولا ضير أن نؤكد منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الاعتقاد من خلال حواره مع معاذ ابن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن فقد ذكرت الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن وقال له: ((ماذا تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال معاذ: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدري، وقال: الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يرضي الله))(2).
المطلب الثالث: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بالإجماع
نقل إجماع السلف على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع غير واحد من أهل العلم، فعلى سبيل المثال: يقول الدكتور أبو السعود موسى:
__________
(1) انظر مبحث إثبات حجية السنة بالنصوص النبوية (ص 13) من هذا البحث.
(2) رواه الإمام أحمد (5/230و242)، وأبو داود (3592) في كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء. والإمام الترمذي (1327) في كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، والدارمي (168) في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة. وقال الإمام الترمذي: إسناده ليس بمتصل. هذا الحديث تكلم فيه كثير من أهل الحديث، لكن الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه. معناه صحيح انظر: العلل المتناهية لابن الجوزي (2/758) ونقل الألباني تضعيفه عن البخاري والترمذي والعقيلي والدراقطني وابن حزم وابن طاهر وابن الجوزي والذهبي والسبكي وابن حجر، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم: 881.(17/20)
"أجمع المسلمون من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على الاعتداد بالسنة واعتبارها مصدراً من مصادر الالتزام الشرعية يتم الرجوع إليه بعد الرجوع إلى القرآن الكريم وعدم وجود الحكم المراد معرفته فيه"(1).
ويؤكد الدكتور محمد لقمان هذه المنزلة للسنة بقوله: "الأخبار والآثار المذكورة في مرتبة السنة من كتاب الله، وإن كان أكثرها متكلماً فيها إلا أن المجموع يفيد بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الأجلاء كانوا يعدُّون السنة في المرتبة الثانية من القرآن، فالمقطوع به في المسألة أن السنة ليست كالكتاب في مراتب الاعتبار"(2).
والآثار التي تثبت هذا الإجماع كثيرة سبق بيانها،(3) منها على سبيل المثال:
أ -… كتاب عمر رضي الله عنه إلى شُرَيح، وقولُه: "إذا أتاك أمر بما في كتاب الله فاقض بما في كتاب الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله، فاقض بما سَنَّ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
ب - …ومن هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه: "من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإنْ جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه - صلى الله عليه وسلم -"(4).
المطلب الرابع: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بالمعقول
إن الدليل العقلي من الأدلة التي يعتدّ بها شرعاً في الإقناع، وقد أعلى سبحانه من شأن العقل في مواضع عديدة في القرآن، منها قوله تعالى:
__________
(1) أصول الأحكام الإسلامية (ص 101).
(2) انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي (ص 106، 107).
(3) انظر المبحث الأول من هذا البحث.
(4) الموافقات في أصول الشريعة (4، 5، 6).(17/21)
?( ( ( ( ( ( ( ([الزمر: 42]، كما أمر سبحانه بإعمال العقل في التفكر والتدبر، ومن ثم الوصول إلى الحقيقة، وذلك في مجالات كثيرة منها قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ([الغاشية: 17]. لهذا كان من المهم ونحن نثبت السنة مصدرًا ثانيًا من مصادر التشريع الإسلامي أن نشير إلى الدليل العقلي الذي اشتمل على وجهين:
الوجه الأول: إن القرآن الكريم مقطوع به جملة وتفصيلاً، والقطع في السنة إنما يصح في الجملة لا في التفصيل، وذلك أن آيات القرآن الكريم متواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة جل وعلا، معنى ذلك: أن جملة القطع جاءت من كون جميعه متواتراً من عند الله سبحانه وتعالى، أما تفصيل القطع فلأن كل آية من آياته تثبت بالتواتر بأنها من عند الله تعالى، بخلاف السنة، فإنَّ ما فيها من القطع في الحديث المتواتر في الجملة فقط، وهو قليل، والمظنون فيها كثير، والمعروف عقلاً أن المقطوع به مقدم على المظنون، فلزم من ذلك تقديم القرآن على السنة.
الوجه الثاني: إن السنة إمَّا بيانٌ للكتاب، أو زيادة على ذلك. فإن كانت بياناً فهي ثانية على المبيَّن في الاعتبار، إذ يلزمُ من سقوط المبيَّن سقوطُ البيان، ولا يلزم العكس، وما شأنه هذا فهو أولى في التقدُّم، هذه واحدة، والأخرى: إن لم تكن بياناً فلا يعتد بها إلا بعد ألا يوجد الحكم في الكتاب، وهذا دليل على تقدم اعتبار القرآن الكريم على السنة(1).
المبحث الثالث: مكانة السنة من حيث بيان الأحكام التشريعية
وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: السنة مؤكدة ومقررة لما جاء في القرآن الكريم
المطلب الثاني: السنة مبينة لمجمل القرآن الكريم
المطلب الثالث: السنة مخصصة لعام القرآن الكريم
__________
(1) انظر: الموافقات في أصول الشريعة / للإمام الشاطبي تحقيق: محمد الفاضلي (4/6) المكتبة العصرية، ط. الأولى 1423ه وأصول الأحكام الإسلامية د. أبو السعود موسى (ص 13).(17/22)
المطلب الرابع: السنة مقيدة لمطلق القرآن الكريم
المطلب الخامس: السنة تثبت أحكاما سكت عنها القرآن الكريم
المطلب السادس: السنة ناسخة لأحكام ثابتة في القرآن الكريم
المبحث الثالث: مكانة السنة من حيث بيان الأحكام التشريعية
تزخر السنة بالأحكام التشريعية مع تباين أنواعها، واختلاف أحكامها، فنجدها إما أن تكون مؤكدة ومقررة لما جاء في القرآن الكريم، أو مبينة لمجمل القرآن الكريم، أو مخصصة لعام القرآن الكريم، أو مقيدة لمطلق القرآن الكريم، أو ناسخة لحكم ثابت في القرآن الكريم، أو مثبتة لحكم سكت عنه في القرآن الكريم. وسوف نبين ذلك من خلال المطالب الآتية:
المطلب الأول: السنة مؤكدة ومقررة لما جاء في القرآن الكريم
تأتي السنة مقررة ومؤكدة لحكم جاء في القرآن الكريم، فيكون الحكم له مصدران، وعليه دليلان: دليل مثبت من آي القرآن، ودليل مؤيد من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أمثلة ذلك: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه))(1)؛ وذلك لشدة ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مال المسلم على المسلم، فإن هذا الحديث يؤكد ويقرر ما جاء في القرآن الكريم من نحو قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
( ([النساء: 29].
__________
(1) حديث صحيح. رواه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه الإمام أحمد 5/425، والبيهقي في السنن الكبرى (9/358)، وصححه ابن حبان (5978).(17/23)
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله وَاسْتحْلَلْتمْ فروجهن بكلمة الله))(1) فهذا الحديث يؤكد ويقرر ما جاء في القرآن الكريم بقوله تعالى:?( ( ( ([النساء: 19] والأمثلة أكثر من أن تحصر. فهناك كثير من الأحكام دلت عليها آيات القرآن الكريم، وأيدتها السنة، من هذه الأحكام: الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والنهي عن الشرك بالله، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، وغير ذلك من المأمورات والمنهيات التي دلَّت عليها آيات القرآن الكريم، وأيدتها سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقام الدليل عليها منهما(2).
المطلب الثاني: السنة مبينة لمجمل القرآن الكريم
واللفظ المجمل هو اللفظ الذي لا يعلم المراد منه بنفس صيغته، ويتوقف فهمه ومعرفة المراد منه على أمر خارج عنه، كلفظ الصلاة في قوله تعالى:?( ( ( ([البقرة: 83]. إن هذا لفظ لا يعرف المراد منه، ولا يعلم المطلوب منه؛ لأن إقامة الصلاة قد تحصل بفعل صلاة واحدة، أو عدد من الصلوات وقد تحصل بطرائق مختلفة، وفي أوقات متعددة، ومعلوم أن التكليف بالصلاة أو بغيرها لا يكون مبهماً وغامضاً، وإنما يكون واضحاً ومعلوماً. وبالتالي فهذا اللفظ ( ( ( مبهم وغامض ولا يعرف المراد منه من الصيغة نفسها، أي: من هذا اللفظ وأسلوبه، وإنما يعرف بالرجوع إلى أمر شرعي آخر، هذا الأمر الشرعي الذي بين المراد من لفظ الصلاة هو السنة النبوية الشريفة. وهي: أقواله وأفعاله وتقريراته التي وضحت المقصود من الصلاة، وبينت كيفيتها، ووقتها، وشروطها، وأركانها، ومندوباتها، وغير ذلك مما هو معروف في أحكام الصلاة.
__________
(1) رواه مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما (1218) في كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) علم أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف (ص 39).(17/24)
وكذلك لفظ( ( ( في قوله تعالى:?( ( ( ( هو لفظ مجمل لا يعرف المطلوب منه على وجه التحديد والضبط، وعلى سبيل التفصيل والتفريع لذلك بينته السنة النبوية، ووضحته، وذكرت تفصيلاته، وتعريفاته، وكيفية شروطه، وغير ذلك(1).
فهناك كثير من الأحاديث بينت الإجمال في كثير من الآيات. كالأحاديث التي بينت مواقيت الصلاة، وأعداد ركعاتها، والأحاديث التي بينت الأموال التي تجب فيها الزكاة، والأموال التي لا تجب فيها، والمقدار الواجب إخراجه. فإن هذه الأحاديث تعدّ مبينة للإجمال في آيات الصلاة، وآيات الزكاة وهذا عام في كثير من أحكام التشريع.
المطلب الثالث: السنة مخصصة لعام القرآن الكريم
واللفظ العام: هو اللفظ الذي يشمل جميع أفراده التي وضع لأجلها. مثل لفظ ( ? ( ( فهو لفظ عام يشمل المؤمنين جميعهم، وكافتهم، ولا يقتصر على المؤمنين في العصر النبوي، أو الذين آمنوا من الرجال دون النساء.
واللفظ العام يرد ذكره في القرآن الكريم، وقد يراد به أحياناً العموم والشمول لجميع أفراده. وقد يراد به أحياناً بعض الأفراد فقط. ولذلك فإن معرفة المراد من العموم، وجميع الأفراد، وبعضهم، يتحدد من قبل السنة النبوية الشريفة.
وهناك في القرآن الكريم نصوص كثيرة وردت في القرآن عامة، ثم جاءت السنة وقصرت هذا العموم على بعض الأفراد، وذلك كقوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( [النساء: 24] فالآية عامة في إحلال ما وراء ذكر المحرمات في صور الآية، ثم جاءت السنة وخَصَّصت هذا العموم وقصرته على بعض أفراده، بقوله:- صلى الله عليه وسلم - ((لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها))(2).
__________
(1) تعليم علم أصول الفقه د. نور الدين خادمي(ص 156).
(2) رواه الإمام البخاري (5109) في كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، ومسلم (1408) في كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح.(17/25)
وأيضاً قوله تعالى:?( ( ( ( ([البقرة: 282]. فلفظ البيع الوارد في الآية عام، يشمل كل أنواع البيوع، فالآية عامة في حل كل أنواع البيوع ثم جاءت السنة وخصصت هذا العموم، بنهيه عن بيع الغرر، وعن البيوع الفاسدة، وهو قوله لحكيم بن حزام: ((لا تبع ما ليس عندك))(1).
المطلب الرابع: السنة مقيدة لمطلق القرآن الكريم
واللفظ المطلق هو اللفظ الذي لم يقيد، مثل لفظ"رقبة"فهو مطلق عن القيود، لكن عندما تقول"رقبة مؤمنة"فيكون هذا الوصف وهو"الإيمان"قيد به المطلق وهو"رقبة".
ويرد في القرآن الكريم ألفاظ مطلقة عن القيود والأوصاف، فتأتي السنة بتقييدها،كما في قوله تعالى:?( ( ( ( ( ([المائدة: 38] فاليد في الآية مطلقة غير مقيدة، بكونها اليمين، أو الشمال، فجاءت السنة وقيدت المطلق هذا بكون اليد المقطوعة هي اليد اليمنى، وبيان أن القطع من الكوع.
وأيضاً قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء: 11] فلفظ الوصية الوارد في الآية مطلق غير مقيد بمقدار معين، فبينت السنة أن مقدار الوصية هو الثلث، أو أقل، فلا يجوز إخراج الوصية بأكثر من ثلث المال الذي تركه الميت. والحديث الذي قيد مطلق الوصية هو قوله:- صلى الله عليه وسلم - ((الثلث والثلث كثير))(2).
المطلب الخامس: السنة تثبت أحكاماً سكت عنها القرآن الكريم
__________
(1) رواه من حديث حكيم بن حزام الإمام أحمد 3/402، وأبو داود (3503) في كتاب البيوع، باب الرجل يبيع ما ليس عنده، والإمام الترمذي (1232) في كتاب البيوع، باب كراهية بيع ما ليس عندك، وابن ماجه (2187) في كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما ليس عندك. وصححه ابن حبان (4983).
(2) رواه الإمام البخاري (2742) في كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، والإمام مسلم (1628) في كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث.(17/26)
فالسنة أثبتت بعض الأحكام التي سكت عنها القرآن الكريم، وذلك مثل الأحاديث الدالة على جواز الرهن في غير السفر، فقد روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، ورَهَنه درعاً له من حديد))(1)، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ((توفي رسول - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهون عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير))(2)
وكثبوت الميراث للجدة، فقد روي ((أن الجدة ذهبت إلى أبي بكر رضي الله عنه تبغى الميراث، فقال لها: لا أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس. فقال أبو بكر: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك. فانفذه لها أبو بكر رضي الله عنه))(3).
وكصلاة الوتر، فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني))(4) وهناك كثير من الأحكام التشريعية التي أثبتتها السنة، وسكت عنها القرآن الكريم، منها ما يلي:
__________
(1) رواه الإمام البخاري (2068) في كتاب الصوم، باب شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسيئة، والإمام مسلم (1603) في كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر كالسفر.
(2) رواه الإمام البخاري (2906) في فضل الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب.
(3) تقدم تخريجه (ص 18)، تعليق رقم (4).
(4) رواه من حديث بريدة بن الحصيب الإمام أحمد (5/357)، و أبو داود (1419) في كتاب الصلاة، باب فيمن لم يوتر، وصححه الحاكم في المستدرك (1/305، 306).(17/27)
تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها(1)، وتحريم الحمر الأهلية(2)، وإيجاب صدقة الفطر(3)، وإيجاب الدية على العاقلة(4)، ومنع التوارث بين المسلم والكافر(5).وغير ذلك.
المطلب السادس: السنة ناسخة لأحكام ثابتة في القرآن الكريم
والنسخ هو: الإبطال والإزالة. والمراد به: إزالة دليل وإبطاله بموجب دليل آخر حل محله. أو هو إزالة الحكم الثابت بالشرع المتقدم بشرع متأخر عنه.
وقد اتفق الأصوليون على أن السنة المتواترة تنسخ السنة المتواترة مثلها؛ لأنهما متماثلان في القوة.
والسنة المتواترة تنسخ الآحاد، لأن الآحاد أضعف من المتواتر، والسنة الآحاد تنسخ الآحاد، لأنهما متماثلان في القوة، ولا تنسخ المتواترة لأنهما يختلفان في القوة(6).
وهذا هو الذي أجمع عليه أهل العلم. ولكنهم اختلفوا في نسخ الكتاب للسنة ونسخ الكتاب بالسنة.
__________
(1) إشارة إلى حديث تقدم تخريجه.
(2) إشارة إلى حديث رواه من حديث علي بن أبي طالب الإمام البخاري (5115) في كتاب النكاح، باب نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة، ومسلم (1407) في كتاب النكاح، باب نكاح المتعة. ورواه الإمام البخاري (4199) من حديث جابر بن عبدالله، في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.
(3) إشارة إلى حديث رواه الإمام البخاري (1503) في كتاب أبواب صدقة الفطر، باب فرض صدقة الفطر، والإمام مسلم (984) في كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير.
(4) إشارة إلى حديث تقدم تخريجه.
(5) إشارة إلى حديث رواه الإمام البخاري (4283) في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، والإمام مسلم (1614) في كتاب الفرائض، أول الكتاب.
(6) عدم نسخ السنة المتواترة بالآحاد منها ليس موضع اتفاق. (انظر: شرح مختصر الروضة 2/325_329).(اللجنة العلمية).(17/28)
ولكن الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء هو جواز نسخ القرآن بالسنة، ومنع من ذلك الإمام الشافعي، والدليل على ذلك أن القرآن والخبر المتواتر، كلاهما شرع مقطوع بصحته. فإذا جاز أن ينسخ القرآن بالقرآن، جاز أن ينسخ بالخبر المتواتر(1).
ومن أمثلة السنة الناسخة للأحكام الثابتة في القرآن الكريم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا وصية لوارث))(2) فإن هذا الحديث نسخ الوصية للوارث في قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( [البقرة: 180] وهذا بناءً على رأي الجمهور.
المبحث الرابع: مكانة السنة من حيث العمل بها.
وفيه مطلبان
المطلب الأول: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة.
المطلب الثاني: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بعد البعثة.
وفيه أربعة أقسام:
القسم الأول: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - قولاً.
القسم الثاني: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - فعلاً.
القسم الثالث: ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقريرًا.
القسم الرابع: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - اجتهاداً.
المبحث الرابع: مكانة السنة من حيث العمل بها
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (جـ 3/ 103) دار الاتحاد العربي للطباعة. وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول / للإمام الشوكاني (ص 190) ط. حلب 1356ه. كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام للبزدوي (جـ 3/ 797) دار الكتاب العربي – بيروت.
(2) حديث صحيح، روي عن جماعة كثيرة من الصحابة، كما قال الألباني في الإرواء (6/87 رقم 1655). وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (20/397) أن من جعل هذا الحديث ناسخا للوصية للوالدين والأقربين فقد غَلِط، فإن ذلك إنما نسخته آية المواريث كما اتفق على ذلك السلف.( اللجنة العلمية ).(17/29)
بعد أن أثبتنا بالأدلة القاطعة من القرآن، والحديث، والإجماع، والمعقول، حجية السنة ومنزلتها وبيانها للأحكام التشريعية يأتي السؤال المهم هل كل ما صدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعد تشريعاً؟
قبل أن نجيب عن هذا ينبغي أن نشير إلى نقطة مهمة في حياته - صلى الله عليه وسلم -، فكلنا يعرف أنه - صلى الله عليه وسلم - عاش حياتين مختلفتين قبل البعثة وبعدها، وترتب عليهما وجود التشريع وعدمه، لهذا سنتناول الموضوع من هذين الجانبين الأساسين في مطلبين مختلفين:
المطلب الأول: ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة.
المطلب الثاني: ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة.
المطلب الأول: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة(17/30)
عاش محمد - صلى الله عليه وسلم - طفولته وشبابه قبل البعثة، لكنها لم تكن حياة عادية كحياة كل الأطفال والشباب في ذلك الحين؛ لأنها حياة تميزت بالمثالية التامة، فكان طرازاً رفيعاً في الفطرة الصافية، والفكر الصائب، والفطنة الأصيلة، فعايش الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجده حسناً شارك فيه، وإلا التزم عزلته وصمته، لهذا عرف في قومه بالخلال العذبة، والأخلاق الفاضلة، والشمائل الكريمة، فكان لا يشرب خمراً، ولا يعبد وثناً، وكان أصدقهم حديثاً، وأفضلهم مروءة، وأعظمهم حلماً، وأوفاهم عهداً وآمنهم أمانة يحمل الكَلَّ، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق(1). كيف لا يكون كذلك والله سبحانه هو الذي تولاه بالرعاية(2) والحفظ(3)؟
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - رغم أنه جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من أخلاق وسلوك إلا أن سيرته في هذه الفترة لا تصح أن تكون مصدراً للتشريع، وذلك لأنه لم يُكَرَّم بنزول جبريل عليه السلام بآيات القرآن، ولم يعصم بالنبوة بعد.
__________
(1) انظر: صحيح الإمام البخاري (3) كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحيح مسلم (160) كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والسيرة النبوية لابن هشام (1/128)، والرحيق المختوم للمباركفوري (ص 62-64).
(2) انظر على سبيل المثال: معجزة شق صدره - صلى الله عليه وسلم - وإخراج حظ الشيطان منه، في صحيح الإمام مسلم (162) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحديث حفظه من التعري في صحيح الإمام البخاري (364) كتاب الصلاة، باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها، وصحيح الإمام مسلم (340) في كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة.
(3) انظر إلى حديث نومه لما هم بمشاركة الشباب سمرهم (انظر المستدرك على الصحيحين (4/254) وصحيح ابن حبان (6272).(17/31)
المطلب الثاني: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة
يعد ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وينقسم ذلك إلى الأقسام التالية:
القسم الأول: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم قولاً
وأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - هي عباراته، وكلماته، التي تلفظ بها.
والمراد بها: الأحاديث التي تلفظ بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبعاً لمقتضيات الأحوال. والأحاديث القولية تمثل في الواقع جمهرة السنة وعليها مدار التوجيه والتشريع، وفيها يتجلى البيان النبوي، وتتمثل البلاغة المحمدية، بأجلى صورها، وفيها جوامع الكلم التي خص الله تعالى بها خاتم رسله.
أقسام أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
تنقسم أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - - كما ينقسم كل كلام - إلى: خبر، وإنشاء.
أولاً: أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وهذه الأخبار قد تكون عن الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله كما في حديث أبي هريرة: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة))(1) وقد تكون أخبارا عن عالم الغيب مثل إخباره عن سؤال القبر ونعيمه وعذابه، وعن البعث والحشر والشفاعة، ومن أخباره أيضاً ما قصه علينا من سير الماضين من الأنبياء والصالحين، ويدخل في أخباره ما يذكره عن المستقبل مما أطلعه الله عليه.
ومما يدخل في دائرة الخبر من أقواله ما يذكره - صلى الله عليه وسلم - لبيان حقائق الأشياء وبيان قيمها ومراتبها وما فيها من ثواب وعقاب.
__________
(1) رواه الإمام البخاري (2736) في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنا والإقرار، والإمام مسلم (2677) في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.(17/32)
ومن الأخبار ما يتضمن توجيهات أخلاقية ترغيباً في الخير، وترهيباً من الشر. ومنها ما يتضمن تشريعاً ملزماً للفرد المسلم وللجماعة المسلمة وإن كان في صورة خبر كما في حديث: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى))(1) وقوله - صلى الله عليه وسلم - ((لا ضرر ولا ضرار))(2).
ثانياً: الإنشاء.
والإنشاء بمعنى الطلب، من أقواله - صلى الله عليه وسلم - فيشمل الأمر، والنهي، والدعاء، فتمثل الأمر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))(3).
ومثل النهي قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث))(4).
__________
(1) رواه الإمام البخاري (1189) في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، والإمام مسلم (1397) في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.
(2) رواه عن أبي سعيد الخدري الدارقطني 3/77 و 4/288، وصححه الحاكم 2/57-58. وقد روي عن جماعة من الصحابة. قال ابن رجب الحنبلي: إن بعض طرقه تُقوّى ببعض. انظر جامع العلوم والحكم 2/210.
(3) رواه من حديث الحسن بن علي: الإمام أحمد 1/200، والإمام النسائي 8/327 في كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، والإمام الترمذي (2518) في كتاب في صفة القيامة، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان (722)، والحاكم (2/13 و 4/99).
(4) رواه عن أبي هريرة الإمام البخاري (5143) في كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، والإمام مسلم (2563) في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها.(17/33)
ومن أمثلة الدعاء: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي))(1).
حجية أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -
الأصل في حجية أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من الأدلة العامة على حجية السنة؛لأن الأقوال قسم من أقسام السنة بالإضافة إلى الأدلة التي تدل على وجوب التأسي والمتابعة والاقتداء في أقواله ومن ذلك:
قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب: 21].
وجه الدلالة: حيث ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية: أن هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله(2).
ولما كان التأسي بأقواله - صلى الله عليه وسلم - أمرًا واجبًا، لهذا فقد عنى المسلمون بنقل أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أيما عناية، وقسموا(3) الأقوال المقبولة المتصلة السند إلى أحاديث قولية متواترة، ومشهورة، وآحاد، فقالوا: إن الأحاديث القولية المتواترة توجب العلم والعمل، ولا مجال للشك فيها.
أمّا الأحاديث القولية المشهورة فإنها تفيد علم الطمأنينة، وهو الظن القريب من اليقين، وتوجب العمل بها بالإجماع.
أما الأحاديث القولية الآحاد فاختلف فيها، هل تفيد العلم أو تفيد الظن؟ والراجح أنها تفيد العلم، لأن العلماء أجمعوا على وجوب العمل بأخبار الآحاد.. فكيف يوجب العمل وهي غير مفيدة للعلم؟ فالعمل فرع عن تصور العلم، وبالتالي فهي توجب العلم والعمل.
__________
(1) رواه من حديث أبي هريرة: الإمام مسلم (2720) في كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم / ابن كثير (جـ 3/ 483).
(3) قسم العلماء: الحديث إلى قسمين: متواتر، وآحاد، والمشهور قسم من أقسامه عند المحدثين، كما ذكر الحافظ ابن حجر في شرح النخبة /29-30 .(17/34)
وتقسيم(1) السنة إلى: متواتر، ومشهور، وآحاد تقسيم حادث، وليس من منهج الصحابة والسلف الصالح، وإنما كان منهجهم هو وجوب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع أقواله(2).
القسم الثاني: ما صدر عنه فعلاً - صلى الله عليه وسلم -
الأفعال: جمع فِعْل، والفعل هو الهيئة العارضة للمؤثر في غيره، بسبب التأثير كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعاً... ومنه الفعل العلاجي وهو ما يحتاج حدوثه إلى تحريك عضو كالضرب والشتم(3).
والمراد بأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو كل ما يعمله - صلى الله عليه وسلم - ببدنه فيدخل في ذلك الإشارة باليد وبالرأس؛ لأنها حركة بعضو من أعضاء البدن ويدخل أيضاً في الأفعال كتاباته - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك.
أقسام أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) انظر الحاشية السابقة.
(2) انظر: الموضوع بالتفصيل في: شرح الكوكب المنير / للفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار (جـ 2/345) دار الفكر ت دمشق 1400ه. وروضة الناظر / لابن قدامة (جـ 1/260) مطابع الرياض 1397ه. والكفاية في علم الرواية / للخطيب البغدادي (ص 48) دار الكتاب العربي – بيروت 1406ه.وأصول الفقه للبرديسي (ص 194 -195) ط. الثالثة 1969 دار النهضة. وأصول الفقه/ لمحمد أبو زهرة (ص 99) دار الفكر العربي - القاهرة. وأصول الأحكام الإسلامية (ص 108، 111، 113، 122).
(3) التعريفات للجرحاني/57.(17/35)
اختلف العلماء في تقسيم أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحصرها وعدها، فمنهم من حصرها في سبعة أقسام كالزركشي والشوكاني(1). ومنهم من حصرها في ضربين كالشيرازي(2) ومنهم من قسمها دون حصر لعددها كأبي الحسين البصري(3).
وهذه التقسيمات مستحدثة لم تكن إلا بعد عصر الأئمة، ولا ينبني على ذلك التقسيم فائدة، ولكن هذا التقسيم يوضح ما يستحب فيه المتابعة، وما يمتنع وما يجوز، لذلك ستقسم أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتضح الأمر إلى ما يلي:
أولاً: أفعال جِبِلِّيَّة وهذا القسم على نوعين:
1 - أفعال تقع من الرسول اضطراراً دون قصد منه لإيقاعه مطلقاً، وذلك كما في سرور الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر(4). وكان إذا كره شيئاً رُئي في وجهه.
وهذا النوع من الأفعال لا يتعلق به متابعة أو تأثر أو اهتداء لوقوعه دون قصد منه.
2 - أفعال تقع منه اختياراً، وهي ما يفعله الرسول عن قصد وإرادة ولكنها أفعال تدعو إليها الضرورة والحاجة من حيث هو بشر، ويوقعها الإنسان قصداً عند شعوره بتلك الضرورة، إلا أن اتباعها تابع لإرادته وقصده بحيث يستطيع الامتناع عن ذلك في وقت دون وقت.
__________
(1) البحر المحيط للزركشي (جـ 6/29) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت ط. الثانية 1413ه. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول / 30.
(2) شرح اللمع في أصول الفقه / لأبي إسحاق الشيرازي (جـ 1/ 545) دار الغرب الإسلامي – بيروت 1408ه
(3) المعتمد لأبي الحسين البصري (جـ 1/ 385) دار الكتب العلمية – بيروت.
(4) رواه عن كعب بن مالك الإمام البخاري (3556) في كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -. والإمام مسلم (2769) في كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.(17/36)
وذلك كالقيام والقعود وهواجس النفس وحركة اليد أثناء المشي ونومه وأكله وشربه، وهذا النوع أيضاً لا يتعلق به متابعة أو تأسٍّ أو اقتداء. ولكن إن واظب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على إيقاع هذا الفعل الجِبِلِّي على هيئة مخصوصة ووجه معروف كوضع يده اليمنى تحت خده عند النوم ونومه على جنبه الأيمن وأكله بثلاث أصابع، فهذا يندب التأسي فيه؛ لأن الغالب من أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - التشريع، إذ هو بعث لبيان الشرعيات(1).
وقيل: يستحب المحافظة عليها والأخذ بها ما أمكن تدريباً للنفس وتمريناً لها على أخلاق صاحب الشرع، فإن النفس مهما سومحت في اليسير تشوقت إلى المسامحة فيما فوقه، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ نفسه بالمحافظة على جميع آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال نافع: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقلت هذا مجنون(2).
__________
(1) البحر المحيط (جـ 6/23) شرح تنقيح الفصول للإمام القرافي / 288. مكتبة الكليات الأزهرية.
(2) شرح الكوكب المنير لابن النجار (جـ 2/179) دار الفكر – دمشق 1400ه. البحر المحيط (جـ 6/24).(17/37)
ثانياً: أفعال صدرت منه على وفق العادات(1) كأحواله - صلى الله عليه وسلم - في المأكل والمشرب والملبس وطريقة مشيته وطريقة كلامه. فهذه الأفعال مباحة لأنه لم يقصد به التشريع ولم نتعبد به ولم تقع تلك الأفعال على سبيل الطاعة. لكن لو تأسى به متأس فلا بأس، وإن تركه لا رغبة عنه ولا استكباراً فلا بأس ويثاب على قصده التأسي، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة، فسئل عن ذلك فقال: "وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها. وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها"(2).
ثالثاً: أفعال لم يتبين أمرها ولم يوجد دليل على وقوعها قربة أو عبادة، ولكن لها علاقة بالعبادة، سواء وقعت في أثناء العبادة أو في وسيلتها أو قبلها أو بعدها. كنزوله بالمحصب ليلة النفر، وجلسة الاستراحة في الصلاة، ودخوله مكة من طريق كدي،وخروجه من طريق كداء، ودخوله المسجد الحرام من باب بني شيبة. فقد اختلف العلماء في ذلك، والراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء: وهو أنه يستحب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأفعال ويُنْدَبُ إلى ذلك ولا يجب(3).
رابعاً: أفعال بيانية، فإن كان المبين واجباً كان الفعل المبين له واجباً، وإن كان مندوباً فمندوب؛ لأن البيان لا يتعدى رتبة المبيَّن، ومتى تعداه لا يكون بيانا له.
__________
(1) المهذب في علم أصول الفقه / للدكتور عبدالكريم النملة (جـ 2/830) مكتبة الرشد، ط. الأولى 1420ه.
(2) رواه الإمام البخاري (166) في كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين في النعلين، والإمام مسلم (1187) في كتاب الحج، باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة.
(3) شرح الكوكب المنير (جـ 2/181). المهذب للدكتور/ عبدالكريم النملة (جـ 2/ 832).(17/38)
خامساً: الأفعال الخاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - التي ثبت بالدليل اختصاصه بها،كالجمع بين تسع نسوة، فهذا القسم يحرم التأسي فيه(1).
ومن خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - التبرك بأثره والاستشفاء به، فقد نقل أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه ومجَّ فيه ثم قال لأبي موسى وبلال رضي الله عنهما: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما(2). وتوضأ وشرب جابر بن سمرة رضي الله عنه من وضوئه(3)، وجمعت أم سليم رضي الله عنها عرقه لتتطيب(4)، وشرب بعضهم دم حجامته(5). والدليل على أن هذا من خصائصه أن الصحابة لم يتبركوا بأفاضلهم، وليس في الأمة بعد نبيها أفضل من أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولو حادثة واحدة أنهم تبركوا بهؤلاء الأولياء الأربعة فهذا إجماع على الترك(6).
__________
(1) معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (ص 130) دار ابن الجوزي، ط. الثانية 1419ه.
(2) رواه عن أبي موسى: الإمام البخاري (188) في كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، ومسلم (2497) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين.
(3) رواه الإمام البخاري (190) في كتاب الوضوء، والإمام مسلم (2345) في كتاب الفضائل، باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده - صلى الله عليه وسلم -.
(4) رواه الإمام البخاري (6281) في كتاب الاستئذان، باب من زار قوما فقال عندهم، والإمام مسلم (2331) في كتاب الفضائل، باب طيب عرقه - صلى الله عليه وسلم - والتبرك به.
(5) هو عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، والحديث رواه الدارقطني (1/288)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/330)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/270) وعزاه إلى الطبراني والبزار، وقال: رجال البزار رجال الصحيح غير هنيد بن القاسم (أحد رواته) وهو ثقة.
(6) الاعتصام للشاطبي (جـ 2/ 1106).(17/39)
حجية أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
الأصل في حجية أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم سابقا من الأدلة العامة على حجية السنة،لأن الأفعال من أقسام السنة، بالإضافة إلى الأدلة التي تدل على وجوب التأسي والاقتداء بأفعاله على وجه الخصوص، مثال ذلك:
قوله تعالى:?( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب: 21].
وجه الدلالة: حيث عبر الله عز وجل بالمصدر ( ( ( أي تأسوا به والتأسي هو أن نفعل مثل فعله على وجهه لأجل فعله(1).
ويشترط في التأسي والمتابعة شرطان:
الأول: المتابعة في صورة العمل.
الثاني: المتابعة في القصد.
فإذا طاف - صلى الله عليه وسلم - حول الكعبة واستلم الحجر وصلى خلف المقام، كان التأسي والاقتداء به أن يفعل هذا الفعل، وأن يقصد به العبادة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وقصد به العبادة.
أما ما فعله - صلى الله عليه وسلم - بحكم الاتفاق ولم يقصده، مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصداً منه - صلى الله عليه وسلم - لتخصيصه بالصلاة والنزول فيه، فإن تخصيص ذلك المكان بالصلاة لا يكون تأسياً به - صلى الله عليه وسلم -، لأنه لم يقصد ذلك المكان بالعبادة، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة: هل فعل استحباباً أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه عليه، هل فعله لأنه أسمح لخروجه، أو لكونه سنة تنازعوا في ذلك"(2).
القسم الثالث: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم تقريراً
__________
(1) أصول الفقه للمقدسي (جـ 1/ 335).
(2) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية (جـ 1/ 281).(17/40)
والمراد بالسنة التقريرية: هي ما أقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما صدر من بعض الصحابة من أقوال وأفعال بسكوت منه وعدم إنكاره أو بموافقته وإظهار استحسانه وتأييده(1).
والمقصود بالتقرير: هو أن يفعل أحد الصحابة بحضرته فعلاً أو يقول قولاً فيمسك - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار ويسكت(2).
أمثلة للسنة التقريرية:
1 - ما رواه أبو سعيد الخدري أنه خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فعرضت الصلاة فتيمما صعيداً طيباً فصلَّيا، ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك فقال للذي لم يعد. أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: ((ولك الأجر مرتين))(3).
2 - احتلم عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في غزوة ذات السلاسل فلم يغتسل خوفاً من الهلاك لشدة البرد، بل تيمم وصلى بأصحابه الصبح، فلما ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال له عمرو: إني سمعت الله يقول:
?( ( ( (( ( ( ( ( ( ([النساء: 29]، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئاً(4) وهذا إقرار منه - صلى الله عليه وسلم - لعمرو في اجتهاده.
__________
(1) علم أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف/ 26.
(2) شرح الكوكب المنير (جـ 2/ 166).
(3) حديث حسن. رواه أبو داود (338) في كتاب الطهارة، باب في المُتَيمِّم يجد الماء بعدما يُصلى، في الوقت. والإمام النسائي (1/213) في كتاب الغسل، باب التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة، وهذا لفظ أبي داود.
(4) حديث صحيح. رواه أبو داود (334) في كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أن يتيمم، والإمام أحمد (4/203)، وصححه الحاكم (1/177-178).(17/41)
3 - إقراره لاجتهاد الصحابة في صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فلم يصل إلا في بني قريظة بعد المغرب، وقالوا: لا نصلي حتى نأتيها. وفهم البعض أن المقصود الحث على الإسراع فصلاَّها في وقتها. وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعل الفريقان فأقرهما، ولم يعنف أحدهما(1).
4 - إقراره - صلى الله عليه وسلم - إنشاد الشعر المباح(2).
حجية السنة التقريرية:
أولاً: الدليل على أن إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - حجة هو أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ سكوته يدل على جواز ذلك بخلاف سكوت غيره(3).
ثانياً: أن من خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجوب إنكار المنكر، لا يسقط عنه بالخوف على نفسه لقوله تعالى:?( ( ( ( ( ( [المائدة:67](4).
ثالثاً: احتجاج الشافعية والحنابلة في إثبات النسب بالقيافة، فحديث عائشة رضي الله عنها أن مجززاً المدلجي رأى زيد بن حارثة وابنه أسامة فقال هذه الأقدام بعضها من بعض(5) فَسُرَّ النبيُّ، وأعجبه ذلك.
__________
(1) انظر: صحيح الإمام البخاري (946) كتاب الجمعة، باب صلاة الطالب والمطلوب راكباً وإيماءً، والإمام مسلم (177) في كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين.
(2) انظر: صحيح الإمام البخاري (3212) كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، والإمام مسلم (2485) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه.
(3) أصول الفقه للإمام المقدسي (جـ 1/ 354). شرح الكوكب المنير (جـ 2/ 166).
(4) انظر: تفسير القرآن العظيم. ابن كثير (جـ 2/ 165).
(5) معالم أصول الفقه للجيزاني (133).(17/42)
رابعاً: إجماع المسلمين على أن ما صدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير وكان مقصوداً به التشريع والاقتداء، ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجة على المسلمين، ومصدرًا تشريعياً يستنبط منه المجتهدون الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين(1).
شروط الاحتجاج بالسنة التقريرية
ويكون سكوت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم إنكاره حجة ودليلاً على الجواز بشروط:
أولاً: أن يعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوقوع الفعل أو القول فإما أن يقع ذلك بحضرته، أو في زمنه، وهو عالم به لانتشاره انتشاراً يبعد معه ألا يعلمه - صلى الله عليه وسلم -(2).
ثانياً: ألا يكون الفعل الذي سكت عنه سبق تحريمه، فإن سبق تحريمه يكون نسخاً، لئلا يكون سكوته محرما(3).
ثالثاً: ألا يكون الفعل الذي سكت عنه صادراً من كافر كمضيه إلى كنيسة، وبالتالي فلا أثر لسكوته اتفاقاً، وإلا دل على جوازه(4).
ولأن إنكاره - صلى الله عليه وسلم - لما يفعله الكفار معلوم ضرورة، فالعبرة في فعل أحد المسلمين.
القسم الرابع: ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهاداً
وقد ألحق أكثر العلماء اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أقره الله سبحانه وتعالى عليه بالسنة التشريعية لذلك أدرجناه هنا.
ومسألة اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المسائل التي اختلف فيها العلماء ولكن الرأي الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من أن العقل يُجَوِّز اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وواقع مطلقاً.
__________
(1) علم أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف/ 37.
(2) معالم أصول الفقه للجيزاني / 133. أصول الفقه للمقدسي (1/ 354).
(3) أصول الفقه للمقدسي (جـ 1/ 354).
(4) المرجع السابق.(17/43)
فيقول صاحب تيسير التحرير: ((وأكثر أهل العلم على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان مأموراً بالاجتهاد مطلقاً في الأحكام الشرعية، والحروب، والأمور الدينية، من غير تقييد بشيء منها. أو من غير تقييد بانتظار الوحي، وهو مذهب عامة الأصوليين ومالك والشافعي وأحمد وعامة أهل الحديث))(1).
ولاشك في أن نزول الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع من كونه أقوى الناس قريحة، وأشدهم حذقاً، وأثقبهم بصيرة، وأصوبهم رأياً، وأحدهم ذكاء، وأكثرهم فهماً لمقاصد التشريع ولمصالح المؤمنين. كيف وهو أتقى الناس وأورعهم وأشدهم خشية لله؟ كما أنه - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وقد وصفه الله عز وجل بأنه
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([التوبة: 128]. وكل هذه الأمور أدوات يستعين بها المجتهد في الوصول إلى إظهار حكم الله في الحادثة وهو يفترق عن سائر الناس بتأييده بالوحي الذي يقره على الصواب ويوجهه إلى الأولى.
واجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقع في موطن واحد، أو مكان واحد، أو موضوع واحد، وإنما تعددت المواطن والأمكنة والموضوعات.
لذلك سنحصر مواطن اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى نعرف ما هو تشريع، وما هو ليس بتشريع.
أولاً: اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية:
__________
(1) تيسير التحرير لمحمد أمين (جـ 4/ 185) دار الكتب العلمية – بيروت.(17/44)
كما في مسألة تأبير النخل: لما قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة فوجد أهلها يلقحون النخل فقال: ((ما تصنعون؟)) قالوا: كنا نصنعه. قال: ((لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً)) فتركوه. فنفضت أو فنقصت. قال: فذكروا ذلك له، فقال: ((إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر))(1).
وفي رواية عائشة وأنس رضى الله عنهما: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال فخرج شِيْصاً. فمرَّ بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت: كذا وكذا، قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم))(2).
وهذا النوع من الاجتهاد لا يعد تشريعاً؛ لأنه قول في أمور المعايش من طب وزراعة بما يقول به الناس، ناتج عن تجارب وعادة وهذا فيما لا وحي فيه(3). وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) ينطق صراحة بأن الأمور التي ترجع إلى الخبرة والتجربة والشؤون الدنيوية كبعض الأفعال الخاصة بالتجارة والزراعة لا يجب الاقتداء فيها والناس أدرى بأحوالهم ومجريات أمورهم(4).
ثانياً: اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الحربية:
__________
(1) رواه من حديث رافع بن خديج: الإمام مسلم (2362) في كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي.
(2) رواه الإمام مسلم (2363) في كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (5/15/116) دار الريان، ط. الأولى 1407ه.
(4) أصول الفقه للبرديسي / 209.(17/45)
كما حصل في يوم بدر وموافقته لرأي الحباب بن المنذر رضى الله عنه: قال ابن اسحاق: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر يبادر قريشاً إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به. فجاء الحباب رضي الله عنه بين الجموع. قال يا رسول الله: ((أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء، من القوم فننزله ونغور ما وراءه من القُلَب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد أشرت بالرأي)) وفعل ما أشار به الحباب بن المنذر رضي الله عنه(1).
وهذا النوع من الاجتهاد فيه دلالة صريحة على أنه ليس تشريعاً؛ لأنه لو كان تشريعاً ما رجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن رأيه، وأخذ برأي الحباب بن المنذر ونفذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - رغبة الحباب رضي الله عنه.
ثالثاً: اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في الأقضية:
__________
(1) انظر: سيرة ابن هشام (2/312-313) مكتبة المنار، ط. الأولى 1409ه والمستدك للحاكم (3/446-447) والسنة النبوية في ضوء المصادر الأصلية / د. مهدي رزق الله (ص 345) مركز الملك فيصل للبحوث 1412ه ط. الأولى.(17/46)
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في الأقضية بالإجماع(1). وقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار))(2).
وفي الحديث دلالة على الحالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئاً، إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز على الناس وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر، فيحكم - صلى الله عليه وسلم - بالبينة واليمين، ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن على خلاف ذلك، ولكنه إنما كُلف بحكم الظاهر(3).
وقضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكون في القضية قبل نزول الوحي، فإن نزل القرآن بعد ذلك بغير ما كان قضى به، فيترك ما قضي به على حاله، ويستقبل ما نزل به القرآنُ الكريم، ولذلك فقضاؤه بغير الوحي إنما هو عن اجتهاد منه.
وقد ورد أيضاً عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله:- صلى الله عليه وسلم - ((إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليَّ فيه))(4).
__________
(1) شرح الأسنوي على المنهاج لجمال الدين عبدالرحيم (جـ 2/ 172) ط. صبيح.
(2) رواه من حديث أم سلمة: الإمام البخاري (2458) في كتاب المظالم، باب (إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، والإمام مسلم (1713) في كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.
(3) اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - د. نادية العمري / 98. مؤسسة الرسالة.
(4) هذه الرواية من حديث أم سلمة رضي الله عنها أخرجها أبو داود (3583) في كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ، وأصل الحديث في الصحيحين كما في التعليق السابق.(17/47)
ومن اجتهاداته - صلى الله عليه وسلم - قضاؤه لفاطمة بنت قيس أن تعتد عند أم شريك ثم رجوعه عن ذلك بقضاء آخر لمصلحة رآها(1).
رابعاً: اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام الشرعية:
اختلف العلماء في اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام الشرعية والفتاوي في الأمور الدينية، ولكن للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجتهد في الأحكام الشرعية والفتاوي في الأمور الدينية عندما ينقطع طمعه في العثور على النص، ولولم يرد الله سبحانه له الاجتهاد لبادر بالوحي في كل حادثة تَعْرِض له، ولسارع بجوابه في كل سؤال يوجه إليه. ولكن الوحي يتأخر، والحادثة ملحَّة تطلب الحل، ولا يجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمامه إلا الاجتهاد في إطار ما نزل عليه من النصوص، وما فهمه من مقاصد الشريعة، ويجتهد ويصيب حكم الله في كثير من الوقائع التي اجتهد فيها، وقليلاً ما كان يغلب على ظنه حكم يكون غيره أولى منه، ومع هذا لا يغلق الله أمامه باب الاجتهاد بإنزال النص، بل يتركه يمارس الاجتهاد، ويُقَلِّب الآراء، بل ويصدر الحكم. فيأتي بعد هذا وحيُ الله إليه منبهاً له إلى الحكم الأفضل، فلا يُقَرُّ على الخطأ، ولكن الله يبين له وجه الحق والصواب في مثل هذه الاجتهادات(2). ومن أمثلة اجتهاد الرسول في الأحكام الشرعية:
__________
(1) إشارة إلى حديث رواه الإمام مسلم (2942) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجسّاسة.
(2) الاجتهاد في الشريعة الإسلامية / للدكتور حسن مرعي / 55.(17/48)
اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في الهمِّ بإيقاعه العذاب على المتخلفين عن صلاة الجماعة، ورجوعه عن قراره هذا، فقد ورد عن أبي هريرة أنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم، فيحرِّقوا عليهم بحُزَم الحطَب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها. يعني صلاة العشاء"(1).
ومن ذلك: إقراره لمن صلى العصر قبل الغروب وبعده يوم قريظة(2).
وحاصل الأمر أن ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اجتهادا في الأحكام الشرعية بعد إقرار الله عليه فهو تشريع، ويجب العمل به، أما الحكم الذي صدر منه - صلى الله عليه وسلم - قبل الإقرار فلا يعد تشريعاً، ولا يجب العمل به.
الخاتمة
من خلال دراسة هذا البحث توصلت إلى النتائج التالية:
أولاً: تأكيد حجية السنة النبوية في التشريع الإسلامي والتي دلت عليها آيات القرآن الكريم ونصوص الأحاديث الصحيحة وإجماع الأمة المسلمة والعقول السليمة.
ثانياً: إن السنة النبوية هي المصدر الثاني المعصوم بعد كتاب الله، وهذه المرتبة حددتها آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة، وإجماع الأمة، وكذلك المنطق المعقول.
ثالثاً: إن السنة النبوية ملازمة للقرآن الكريم، ولا يمكن فَصْلُ أحدهما عن الآخر، لأن القرآن كليٌّ هذه الشريعة، والسنة بيان وتفصيل لمجمله، وتوضيح لمبهمه.
رابعاً: التنبيه على أنه ليس كل ماصدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعد تشريعاً؛ لأن الصادر منه تشريعاً لابد أن ينضبط بضوابط معينة.
__________
(1) رواه من حديث أبي هريرة: الإمام البخاري (644) في كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، والإمام مسلم (651) في كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، وهذا لفظ الإمام مسلم.
(2) تقدم تخريجه في هذا البحث.(17/49)
خامساً: إن الصادر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - تشريعاً ليس على درجة واحدة في العمل، لأن منه الواجب، والمندوب ومنه ما هو للتأسي فقط.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فهرس لأهم مصادر ومراجع البحث
إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر، د. عبدالكريم النملة دار العامة، ط. الأولى 1417ه.
الإتقان في علوم القرآن، للإمام السيوطي مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده - مصر 1354ه.
اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - د. نادية العمري - مؤسسة الرسالة.
الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم الأندلسي ط. الإمام - القاهرة.
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للإمام الشوكاني ط. الحلبي وشركاه 1356ه.
أصول الأحكام الإسلامية، د. أبو السعود عبدالعزيز موسى ط 1413ه.
أصول الفقه / لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي - القاهرة.
أصول الفقه، للبرديسي ط. الثالثة 1969م دار النهضة.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، للإمام ابن القيم المكتبة التجارية - مصر.
أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لمحمد الأشقر- مؤسسة الرسالة ط. الثانية 1408ه.
البحر المحيط، للزركشي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت ط. الثانية 1413ه.
تاريخ التشريع الإسلامي، الشيخ مناع القطان- مؤسسة الرسالة - الطبعة العاشرة 1413 ه.
تدريب الراوي، للإمام السيوطي - دار إحياء السنة النبوية، ط.الثانية1399ه.
تعليم علم الأصول، د. نور الدين مختار الخادمي مكتبة العبيكان، ط. الأولى 1423ه.
تفسير الطبري، للإمام محمد بن جرير الطبري طبعة بيروت.
تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير ط. عيسى البابي الحلبي وشركاه.
تيسير التحرير، لمحمد أمين دار الكتب العلمية - بيروت.
جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر، المكتبة العلمية - المدينة المنورة.
الرسالة، للإمام الشافعي المطبعة السلفية - مصر.
روضة الناظر، لابن قدامة مطابع الرياض 1397ه.(17/50)
السنة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، / د. مهدي رزق الله مركز الملك فيصل للبحوث 1412ه ط. الأولى.
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي المكتب الإسلامي، ط. الثالثة 1402ه.
سيرة ابن هشام، مكتبة المنار، ط. الأولى 1409ه.
شرح الأسنوي على المنهاج، لجمال الدين عبدالرحيم ط. صبيح.
شرح الكوكب المنير، للفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار دار الفكر ت دمشق 1400ه.
شرح اللمع في أصول الفقه، لأبي إسحاق الشيرازي دار الغرب الإسلامي - بيروت 1408ه.
شرح النووي على صحيح مسلم، دار الريان، ط. الأولى 1407ه.
شرح تنقيح الفصول، للإمام القرافي- مكتبة الكليات الأزهر.
علم أصول الفقه، لعبدالوهاب خلاف مطبعة النصر - القاهرة، ط. السابعة 1376ه.
علوم الحديث ومصطلحه، د. صبحي الصالح دار العلم للملايين - بيروت ط. الأولى 1378ه.
كتاب الأم، للإمام الشافعي نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام، للبزدوي دار الكتاب العربي - بيروت.
الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي - دار الكتاب العربي - بيروت 1406ه.
المدخل لدراسة السنة النبوية، د. يوسف القرضاوي مكتبة وهبة - القاهرة، ط. الثانية 1411ه.
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، للجيزاني دار ابن الجوزي، ط. الثانية 1419ه.
المعتمد، لأبي الحسين البصري دار الكتب العلمية - بيروت.
مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، للإمام السيوطي- دار السلام، ط. الأولى.
مقدمة تحفة الأحوذي، للمباركفوري المكتبة السلفية، ط. الثانية. المدينة المنورة.
مكانة السنة في التشريع الإسلامي، د. محمد لقمان السلفي - دار الداعي ط. الثانية 1420ه.
المهذب في علم أصول الفقه، للدكتور عبدالكريم النملة مكتبة الرشد، ط. الأولى 1420ه.
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
فالسنة في معاجم اللغة معناها:…4
السنة اصطلاحاً:…5
المبحث الأول: مكانة السنة من حيث حجيتها…6(17/51)
المبحث الأول: مكانة السنة من حيث حجيتها…7
المطلب الأول: إثبات حجية السنة النبوية بأدلة القرآن الكريم…7
المطلب الثاني: إثبات حجية السنة بالأحاديث النبوية…14
المطلب الثالث: إثبات حجية السنة بالإجماع…17
المطلب الرابع: العقل والحس والمشاهدة…21
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية من حيث المرتبة…24
المطلب الأول: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بأدلة القرآن الكريم…24
المطلب الثاني: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بالأحاديث النبوية…25
المطلب الثالث: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بالإجماع…26
المطلب الرابع: إثبات أن السنة هي المصدر الثاني بالمعقول…28
المبحث الثالث: مكانة السنة من حيث بيان الأحكام التشريعية…31
المطلب الأول: السنة مؤكدة ومقررة لما جاء في القرآن الكريم…31
المطلب الثاني: السنة مبينة لمجمل القرآن الكريم…32
المطلب الثالث: السنة مخصصة لعام القرآن الكريم…34
المطلب الرابع: السنة مقيدة لمطلق القرآن الكريم…35
المطلب الخامس: السنة تثبت أحكاماً سكت عنها القرآن الكريم…36
المطلب السادس: السنة ناسخة لأحكام ثابتة في القرآن الكريم…38
المبحث الرابع: مكانة السنة من حيث العمل بها…41
المطلب الأول: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة…42
المطلب الثاني: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة…43
القسم الأول: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم قولاً…43
القسم الثاني: ما صدر عنه فعلاً - صلى الله عليه وسلم -…46
القسم الثالث: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم تقريراً…52
القسم الرابع: ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهاداً…56
الخاتمة…62
فهرس لأهم مصادر ومراجع البحث…63
فهرس الموضوعات…67(17/52)
السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ومكانتها من حيث الاحتجاج والعمل
الدكتور: محمد عبدالله أبو بكر باجعمان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:(18/1)
فإن الله تكفل بحفظ هذا الدين كتاباً وسنةً؛ من التحريف والتبديل؛ قال سبحانه:? ? ( ( ( ( ( ( ([الحجر:9]، وقد أرسل الله -سبحانه وتعالى- رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس ليبلغهم دينهم، وقد بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الدين كاملاً غير منقوص، وَبيَّنَه للناس بقوله وفعله وتقريراته، ونفذ تعاليمه كاملة في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وقام بتربية المجتمع المسلم، وبتزكيتهم كما أمره الله -عزَّ وجل-، وبقيت سيرته ومنهجه بعد موته؛ لتكون نبراساً للناس يستضيئون به بعد موته إلى قيام الساعة. قال - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ))(1). ومنهجه - صلى الله عليه وسلم - يتمثل في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون"(2).
لذلك كانت السنة مكملة للقرآن ومفسرة له؛ وهي بهذا المعنى المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ولكنها من حيث الاحتجاج والعمل بها فهي مثل القرآن الكريم، كما سنرى في هذا البحث.
وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة؛ كما يلي:
تمهيد: في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني.
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه 3/1523، كتاب الإمارة، بَاب قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، الحديث رقم 1920.
(2) المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/93. والحديث في صحيح مسلم 2/886-892، في كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، الحديث رقم 1218.(18/2)
المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها. وفيه مطلبان هما:
المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة.
المطلب الثاني: بيان المعاني التي يطلق عليها لفظ السنة.
المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح. وفيه ثلاثة مطالب هي:
المطلب الأول: السبب في الاختلاف في تعريف السنة في الاصطلاح.
المطلب الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح.
المطلب الثالث: مفهوم السنة في القرون الأولى.
الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي: في مبحثين هما:
المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي: وبه مطلبان هما:
المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم.
المطلب الثاني: المصدر الثاني: السنة النبوية.
المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي: وبه مطلبان هما:
المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع.
المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس.
الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي: في تمهيد ومبحثين.
تمهيد
المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل - عليه السلام- على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيه مطلبان:
المطلب الأول: السنة بيان للقرآن الكريم.
المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل -عليه السلام- على الرسول- صلى الله عليه وسلم -.
المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن. وفيه مطلبان هما:
المطلب الأول: مكانة السنة من القرآن من حيث الاحتجاجُ بها، وتكفُّلُ الله بحفظها.
المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها واعتبارها المصدر الثاني.
الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل: في مبحثين، لكل مبحث مطلبان.
المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها.
المطلب الأول: معنى حجية السنة ودليل ذلك.
المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك.(18/3)
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث وجوب العمل بها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: السنة كالقرآن من حيث وجوب العمل بها.
المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة.
الخاتمة: وأذكر فيها – بإذن الله عز وجل – أهم النتائج التي توصلت إليها، وأهم التوصيات والمقترحات التي تثري هذا الموضوع في شريعتنا الغراء.
تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل هذا الدين، وحفظه من التحريف والتبديل، حيث قال سبحانه:( ( ( ( ( ( ( ( ( [الحجر:9]، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن السنة لها مكانة عظيمة في هذا الدين، فإنها المفسرة للقرآن الكريم، والمبينة له. وهي وحي من الله عز وجل؛ كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"(1).
سأتحدث في هذه المقدمة عن تعريف السنة لغة وشرعاً، وذكر معانيها التي تطلق عليها، وأهميتها في معرفة الشريعة الإسلامية من خلال فروعها القولية والفعلية والتقريرية، التي تتمثل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في سيرته وعبادته وتشريعاته ومنهجه في حياته كلها.
المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها
المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة
هي السيرة والطريقة. قال ابن منظور: "السنة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده، 28/410-411، برقم 17174، ورواه أبو داود في سننه، 5/10-12، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم 4604.(18/4)
وقد استعملت السنة في القرآن الكريم بمعنى الطريقة. قال الراغب الأصفهاني: "وسنة النبي طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله -تعالى- قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته. نحو:( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([الفتح:23]، ( ? ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([فاطر:43]. فنبه على فروع الشرائع وإن اختلفت صورها، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل؛ وهو تطهير النفس وإعدادها لتنال ثواب الله تعالى وجواره"(1).
وتطلق السنة في اللغة على معان أخرى كثيرة(2).
المطلب الثاني: بيان المعاني التي تطلق عليها السنة
ذكر الشاطبي إطلاقات السنة في الشرع فقال:
"1- يطلق لفظ (السنة) على ما جاء منقولاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته
- عليه الصلاة والسلام-، كان بياناً للكتاب أو لا.
2-ويطلق أيضاً في مقابلة البدع، فيقال: (فلان على سنة) إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال: (فلان على بدعة)، إذا عمل على خلاف ذلك.
__________
(1) المفردات في غريب القرآن ص 250.
(2) منها: الدوام، والمثال المتبع، والإمام المؤتم به، كما تطلق على الطبيعة، والوجه، وعلى الخط الأسود على متن الحمار، وعلى تمر بالمدينة معروف. نقل ذلك كله الدكتور عبدالغني عبدالخالق، في كتابه "حجية السنة" ص 47-48.(18/5)
3- ويطلق أيضاً لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد؛ لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع أيضاً إلى حقيقة الإجماع، من جهة حمل الناس عليه حسبما اقتضاه النظر المصلحي عنهم. فيدخل تحت هذا الإطلاق المصالح المرسلة والاستحسان؛ كما فعلوا في حد الخمر، وتضمين الصُّنَّاع، وجمع المصحف...ويدل على هذا الإطلاق قوله(1) عليه الصلاة والسلام: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ"(2).
المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح
المطلب الأول: تعريف السنة في الاصطلاح
عرفها علماء الحديث: بأنها "كل ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية أو سيرة، سواء أكان ذلك قبل البعثة
-كتحنثه في غار حراء- أم بعدها، والسنة بهذا مرادفة للحديث النبوي"(3).
هل يختلف مفهوم السنة عن مفهوم الحديث؟
لقد سبق بيان تعريف السنة فيما سبق، وسأتحدث الآن عن تعريف الحديث؛ ليتضح مدى اتفاقهما أو اختلافهما في المعنى.
الحديث يطلق في اللغة على الجديد ضد القديم، كما يطلق على الخبر والقصص. قال في القاموس المحيط: "والحديث: الجديد والخبر"(4).
__________
(1) رواه أبو داود في سننه 5/13-14، في كتاب السنة، باب لزوم السنة، الحديث رقم 4607، وسنن ابن ماجه 1/15-16، في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، الحديث رقم الحديث 42.
وهو صحيح، انظر: صحيح سنن أبي داود للشيخ الألباني (3/118-119) برقم 4607، وصحيح ابن ماجه برقم 42.
(2) الموافقات 4/3-7.
(3) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 19، وانظر كتاب الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية لمحمد أبو زهو، ص 10.
(4) انظر القاموس المحيط مادة "حدث". (1/170).(18/6)
وتخصيص الحديث بما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قد بدأ في حياته - صلى الله عليه وسلم -، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ"(1).
ثم بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، اتسع هذا المصطلح حتى أصبح بعد ظهور علم مصطلح الحديث، يطلق معنى الحديث على: "ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفةً"(2).
بعد عرض تعريف السنة والحديث، اتضح أنه لا فرق بينهما في التعريف الشرعي؛ وقد بَيَّنَ شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر فقال: " الحديث النبوي عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به بعد النبوة: من قوله وفعله وإقراره". ثم قال: "فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة"(3).
ثم أضاف شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في تعريف السنة ما يتعلق بسيرته وحسن أخلاقه؛ فقال - بعد أن تحدث عن بعض أفعاله وتقريراته -: "فهذا كله يدخل في مسمى الحديث، وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل النبوة، وبعض سيرته قبل النبوة، مثل: تحنثه بغار حراء. ومثل حسن سيرته، كقول خديجة له:" كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق... "(4).
__________
(1) صحيح البخاري مع فتح الباري 11/418، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، الحديث رقم 6570.
(2) قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ص 61.
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/6-7.
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/10.(18/7)
أما تعريف السنة عند علماء الأصول: فقد عَرَّفها الآمدي بأنها: "تطلق على ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلوٍ، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز"(1). كما عَرَّفها غيره بأنها: "كل ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير(2)، مما يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي"(3).
والسنة في اصطلاح الفقهاء: "هي كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب"(4).
المطلب الثاني: مفهوم السنة في القرون الأولى
ولكن السنة مرت في مفهومها في القرون الأولى بمراحل:
أولاً: إطلاقها على الشريعة كلها
حيث إن الشريعة كلها هي طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: ? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( (( [النساء:26]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها"(5).
ثانياً: إطلاقها على العقيدة عند أهل السنة والجماعة
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/156.
(2) انظر إرشاد الفحول ص 33؛ حيث قال في تعريف السنة شرعاً: "قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله وتقريره".
(3) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 19.
(4) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 19.
(5) تفسير ابن كثير 2/233.(18/8)
بعد ظهور الفرق المبتدعة، أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان منهج العقيدة الذي يميز ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن غيرهم، ولهذا أطلق عليهم اسم أهل السنة والجماعة. وقد أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان أصول الدين ومسائل الاعتقاد، وساد هذا الاصطلاح في القرن الثالث الهجري. ومن الكتب التي أُلِّفت في ذلك: السنة للإمام أحمد، وصريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، والسنة لابن أبي عاصم الضحاك، وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي وغيرهم(1). ولذا عرَّف علماء العقيدة السنة بأن المراد بها: "الطريقة التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قبل ظهور البدع والمقالات"(2). وعرفها ناصر العقل -من الجانب العقدي- بقوله: "الهدي الذي كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، علماً واعتقاداً وقولاً وعملاً، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها"(3).
ثالثاً: ورد التفريق بين السنة والحديث عند بعض المتقدمين في القرن الثاني الهجري
فقد ورد ذلك عن الأعمش حيث قال: "لا أعلم لِله قوماً أفضل من قوم يطلبون هذا الحديث، ويحبون السنة"(4)، وأوضح منه في هذا المعنى قول عبدالرحمن بن مهدي: "الناس على وجوه؛ فمنهم من هو إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث وليس بإمام في السنة"(5).
__________
(1) انظر تفصيل أسماء الكتب التي ألفت في ذلك: كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم للالكائي ص 50 من مقدمة المحقق، وكتاب مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة ص 44.
(2) شرح العقيدة الواسطية ص 15-16.
(3) مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص 13.
(4) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي ص 177،
(5) كتاب الجرح والتعديل للرازي ص 118.(18/9)
وربما كان أساس التفريق هو أنهم كانوا ينظرون إلى أن "الحديث أمر علمي نظري، وأن السنة أمر عملي(1)؛ إذ إنها كانت تعتبر المثل الأعلى للسلوك في كل أمور الدين والدنيا، وكان هذا سبب الاجتهاد في البحث عنها والاعتناء بحفظها والاقتداء بها"(2). قال الدكتور رفعت فوزي: "وربما كان الأساس هو أن بعضهم كان ينظر إلى السنة على أنها أعم من فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقوله وتقريره، وتشمل أفعال الصحابة والتابعين"(3).
رابعاً: استقر الأمر على المساواة بين السنة والحديث في المعنى
بعد كتابة علم مصطلح الحديث، استقر الأمر على عدم التفريق بين السنة والحديث في المعنى؛ كما سبق أن بينته.
الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي
الشريعة لها مصادر تستقي منها علومها التي انبثقت منها، وهي كلها تعتمد على الوحي المنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قرآناً وسنة. وهذان هما المصدران الأساسيان، وهناك مصادر فرعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة: كالإجماع والقياس(4).
المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي
المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم
تعريف القرآن لغة
__________
(1) وربما كان وجه تفريق السلف بين الإمامة في الحديث والإمامة في السنة ما ذكره ابن الصلاح في فتاواه (1/213) بتحقيق عبدالمعطي قلعجي، حينما سئل عن قول بعضهم عن الإمام مالك: إنه جمع بين السنة والحديث، فما الفرق بين السنة والحديث؟ فأجاب: بأن السنة هاهنا ضد البدعة، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع، ومالك رحمة الله عليه جمع السنتين فكان عالماً بالسنة أي الحديث، ومعتقداً للسنة، أي كان على مذهب أهل الحق من غير بدعة، والله أعلم. ( اللجنة العلمية ).
(2) الاتجاهات الفقهية ص 16.
(3) توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته ص 20.
(4) انظر كتاب المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 183.(18/10)
القرآن مصدر للفعل قرأ، بمعنى: تلا(1). وقال الجوهري: "قرأت الشيء قرآناً: جمعته وضممت بعضه إلى بعض،...، وقرأت الكتاب: قراءة وقُرْآناً، ومنه سمي القرآن. وقال أبو عبيدة: سُمِّي القرآن؛ لأنه يجمع السور فيضمها. وقوله تعالى:( ? ( ( ( ([القيامة:17]، أي جمعه وقراءته، ( ( ( ( ( ([القيامة:18]، أي قراءته"(2). ثم أطلق هذا الاسم على القرآن الكريم، وصار علماً له.
تعريف القرآن اصطلاحاً
وأما تعريف القرآن الاصطلاحي، فهو: "كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، بلسان عربي مبين، والمكتوب بين دفتي المصاحف، والمنقول إلينا تواتراً"(3). وعرفه الزرقاني بأنه "اللفظ المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته"(4). وهذا التعريف الذي استقر عليه الأمر واشتهر عن المؤلفين(5).
ومن خصائص القرآن الكريم أنه معجز للبشر عن أن يأتوا بمثله، وإذا ثبت العجز من الجميع، ثبت أن القرآن من عند الله -عز وجل-، وإذ ثبت ذلك وجب على الناس اتباعه، وعلى هذا فالقرآن الكريم حجة على جميع الناس؛ قال تعالى مبيناً ذلك:( ? ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء:82].
المطلب الثاني: المصدر الثاني هو السنة النبوية
للسنة مع القرآن ثلاثة أحوال هي:
__________
(1) انظر القاموس المحيط 1/25.
(2) الصحاح 1/65.
(3) التعريف بالقرآن والحديث لمحمد الزفزاف ص 5.
(4) مناهل العرفان في علوم القرآن 1/20.
(5) والراجح في تعريف القرآن ما ذكره الطحاوي في شرح العقيدة الطحاوية (1/172) (( إن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية )). ( اللجنة العلمية ).(18/11)
1-إما موافقة للقرآن ومؤكدة لما ثبت فيه من أحكام، أو مفرعة على أصل تقرر فيه. ومثال ذلك جميع الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك، وكذلك ما جاء في السنة من النهي عن عقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقتل النفس بغير حق ونحو ذلك.
2- أحكام مبينة ومفصلة لمجمل القرآن. ومن ذلك السنة التي بينت مقادير الزكاة، ومقدار المال المسروق الذي تقطع فيه يد السارق. وأنواع البيان الأخرى مثل: تخصيص العام في القرآن، وتقييد مطلق القرآن.
3- أحكام جديدة لم يذكرها القرآن الكريم؛ وليست بياناً له، ولا تأكيداً لما ثبت فيه من أحكام. مثل تحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عمتها، أو على خالتها(1).
ومما يبين أن هذين المصدرين هما مصدران أساسيان؛ أن الله تعالى أمر بالرجوع إليهما عند التنازع، لكون ما عداهما تابعاً لهما. قال ابن حزم: "فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع، أولها عن آخرها: وهي قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ([النساء:59]، فهذا أصل وهو القرآن، ثم قال تعالى:
( ( ( ([النساء:59]، فهذا ثانٍ، وهو الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال تعالى:( ( ( ( ([النساء:59]، فهذا ثالثٌ وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكمه، وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع. ثم قال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء:59]"(2). فدل كلام ابن حزم على أن المصدرين الأساسيين، هما القرآن والسنة؛ بدليل الاعتماد عليهما عند التنازع، وبدليل أن الإجماع لا يصح إلا بدليل من الكتاب أو السنة.
__________
(1) انظر كتاب أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 47-49، وكتاب المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 194.
(2) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/108-109.(18/12)
وهناك مصادر تشريعية تابعة لهذين المصدرين الأساسيين، أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة، هي: الإجماع والقياس.
المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي
المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع
معنى الإجماع في اللغة: الاتفاق، وجعل الأمر جميعاً بعد تفرقه، والعزم على الأمر: أجمعت الأمر وعليه، والأمر مجمع(1). "قال الكسائي: يقال: أجمعت الأمر وعلى الأمر، إذا عزمت عليه؛ والأمر مُجمَعٌ... وقال تعالى:
( ? ( ( ([يونس:71]، أي وادعوا شركاءكم؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، إنما يقال: جمعت"(2).
وقسم الآمدي معنى الإجماع في اللغة إلى اعتبارين:
أحدهما: العزم على الشيء والتصميم عليه. ومنه يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه... وعلى هذا يصح إطلاق اسم الإجماع على عزم الواحد(3).
والثاني: الاتفاق؛ ومنه يقال: أجمع القوم على كذا؛ إذا اتفقوا عليه. وعلى هذا فاتفاق كل طائفةٍ على أمرٍ من الأمور، دينياً كان أو دنيوياً، يسمى إجماعاً حتى اتفاق اليهود والنصارى"(4).
ومعنى الإجماع اصطلاحاً: "اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة على أمر من الأمور الدينية"(5).
__________
(1) انظر القاموس المحيط 3/15، مادة (جمع).
(2) الصحاح للجوهري 3/1199. ومراد الجوهري أن معنى الآية: أجمعوا أمركم، وادعوا شركاءكم، وليس المراد "وأجمعوا شركاءكم"؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وإنما يقال: جمعت شركائي.
(3) الإحكام في أصول الأحكام 1/179. وأشار إلى الآية المذكورة قبله. وإلى حديث:"لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" أي يعزم.
(4) الإحكام في أصول الأحكام 1/179.
(5) المستصفى من علم الأصول 2/294.(18/13)
وعرفه الآمدي بقوله: "الإجماع عبارة عن اتفاق جملة من أهل الحل والعقد من أمة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع. هذا إن قلنا: إن العامِّيَّ لا يعتبر في الإجماع. وإلا فالواجب أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة محمد..."إلخ(1). وقال الباجي: الإجماع هو: "إجماع علماء العصر في حكم حادثة لم يتقدم فيها خلاف"(2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "معنى الإجماع: أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام. وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكنْ كثير من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعاً، ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة"(3).
وبهذا يتضح أن الإجماع يعد مُلْزِماً ويجب العمل به. ولكن بعض المؤلفين قد يتساهلون في إطلاق الإجماع على مسائل فيها خلاف، لذلك نبه شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الأمر، كما سبق في كلامه.
كيف نشأ الإجماع؟
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1/180، قال هذا التعريف جمعاً بين الأقوال التي ذكرها.
(2) كتاب الحدود في الأصول ص 64.
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 20/10، ثم بيَّن أن قول الأئمة الأربعة ليس حجة لازمة ولا إجماعاً.(18/14)
كان الصحابة ملتفين حول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يتعلمون منه، ويلازمونه في أموره كلها، وشاهدوا الوقائع والحوادث، وعايشوا التنزيل، ولذلك فهم أعرف الناس بمعاني آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة؛ وإضافة إلى ذلك فقد هيأهم الله - سبحانه وتعالى- لأن يهتدوا بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقتفوا أثره، وفضلهم على من بعدهم بشرف الصحبة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ "(1). ثم بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كانوا إذا حدثت لهم قضية، تشاوروا فيها، وبحثوا عن دليل عند أحدٍ منهم، فإن لم يجدوا اجتهدوا في الوصول إلى رأي واحد. فإذا استطاعوا أن يجتمعوا على رأي واحد في القضية فعلوا؛ فكان ذلك أساساً للعمل بالإجماع، والاحتجاج به. وقد دل القرآن والسنة على العمل بإجماعهم، قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ([النساء:115]، وبهذا يتضح مدى اعتماد هذا المصدر على المصدرين الرئيسين الكتاب والسنة؛"فإن إجماعهم يرجع لنفس النص، أو أنه يكشف عن دليل سمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولاستحالة اجتماعهم على خطأ أصلاً"(2)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"(3)
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه، 1/69-70، كتاب الإيمان، بَاب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الإيمان وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ، الحديث رقم 50.
(2) أسباب اختلاف الفقهاء/للدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ص 102.
(3) رواه مسلم في صحيحه 3/1523، كتاب الإمارة، بَاب قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، الحديث رقم 1920.(18/15)
. واستدل العلماء بذلك على العمل بالإجماع، قال النووي: "وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِكَوْنِ الإجماع حُجَّة، وَهُوَ أَصَحّ مَا اسْتُدِلَّ بِهِ لَهُ مِن الْحَدِيث، وَأَمَّا حَدِيث " لا تَجْتَمِع أُمَّتِي عَلَى ضَلالة " فَضَعِيف. وَاللَّهُ أَعْلَم"(1).
وقد بَيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذه الأصول الثلاثة، الكتاب والسنة والإجماع، وأنها مصادر صحيحة لمعرفة الحق، وتمييزه من الباطل؛ حيث قال: "إن الحق الذي لا باطل فيه: هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا يعرف: بالكتاب والسنة والإجماع. وأما ما لم تجئ به الرسل عن الله، أو جاءت به، ولكن ليس لنا طريق موصلة إلى العلم به؛ ففيه الحق والباطل؛ فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع: للكتاب والسنة والإجماع؛ فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع، لا يجوز تركه بحال، عام الوجوب، لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحد الخروج عن شيء مما دلت عليه. وهي مبنية على أصلين: أحدهما: أن هذا جاء به الرسول. والثاني: أن ما جاء به الرسول وجب اتباعه"(2).
مستند الإجماع
__________
(1) شرح النووي لمسلم 13/67. والحديث رواه أبو داود 4/452، في كتاب الفتن، باب الفتن ودلائلها. الحديث رقم 4253، وابن ماجه 2/1303، في كتاب الفتن، باب السواد الأعظم. الحديث رقم 3950، وأحمد في مسنده 45/200، ورقم الحديث 27224. وقال عنه المحقق: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف؛ لإيهام الراوي عن أبي بصرة...وبقية رجال السند ثقات، رجال الصحيح" وذكر له شواهد كثيرة. وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/320.
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 19/5-6.(18/16)
لابد أن يستند الإجماع إلى دليل؛ لأن القول في الأمور الشرعية من غير دليل خطأ، والأمة الإسلامية لا تجتمع على خطأ... فلابد إذن أن يكون إجماع المجتهدين عن دليل لئلا تجتمع الأمة على خطأ؛ لأن غير المجتهدين تبع للمجتهدين، فإذا وقع المجتهدون في الخطأ وقعت الأمة في الخطأ، واجتماعها على الخطأ منفي عنها بنص الأحاديث. ومستند الإجماع، أي دليله قد يكون نصاً من الكتاب والسنة، كما قد يكون قياساً، أو عرفاً، أو غير ذلك من أنواع الاجتهاد"(1).
الإجماع في العصر الحاضر
هل يمكن الاستفادة من هذا المصدر في عصرنا الحاضر؟ وكيف يمكن ذلك؟ أجاب الدكتور عبدالكريم زيدان عن هذا السؤال بالإيجاب، وَبيَّنَ كيفية الاستفادة من ذلك فقال: "ونعتقد أن هذه الاستفادة لا يمكن أن تتم إلا عن طريق إيجاد مجمع فقهي يضم جميع المجتهدين من جميع الأقطار الإسلامية، ويكون لهذا المجمع مكان معين، ويهيأ(2) له جميع ما يلزم لعمله، وتعرض عليه المسائل والوقائع الجديدة لدراستها وإيجاد الأحكام لها، ثم تنشر هذه الأحكام في نشرات دورية أو كتب خاصة لإطلاع الناس عليها، وإبداء أولي العلم آراءهم فيها. فإذا ما اتفقت الآراء على هذه الأحكام كانت من الأحكام المجمع عليها، وكان هذا الإجماع قريباً من الإجماع المنصوص عليه عند الفقهاء، ولزم اتباعه، والعمل بموجبه"(3).
المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس
__________
(1) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية/ لعبدالكريم زيدان ص 196.
(2) في الأصل "ويهيء" و لا تستقيم العبارة.
(3) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 198.(18/17)
القياس لغة: مأخوذ من "قاسه بغيره وعليه: يقيسه قيساً وقياساً، واقتاسه: قَدَّره على مثاله فانقاس"(1). "وقايست بين الأمرين مقايسةً وقياساً. ويقال أيضاً: قايست فلاناً، إذا جاريته في القياس. وهو يقتاس الشيء بغيره، أي يقيسه به. ويقتاس بأبيه اقتياساً: أي يسلك سبيله ويقتدي به"(2).
أو يمكن أن يقال: القياس في اللغة يدور حول التقدير والمساواة(3).
وأما في الشرع: القياس: حمل معلوم على معلوم، في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما، بأمرٍ يجمع بينهما، من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما"(4).
ويمكن تعريفه بأنه: "حمل فرع على أصل في حكم بجامعٍ بينهما"(5).
__________
(1) القاموس المحيط 2/253، و انظر الصحاح للجوهري 3/967.
(2) الصحاح للجوهري 3/967-968.
(3) انظر الإحكام في أصول الأحكام 3/167، وأصول مذهب الإمام أحمد ص 549.
(4) البرهان في أصول الفقه للجويني 2/745.
(5) روضة الناظر وجنة المناظر ص 145.(18/18)
والقياس له أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية؛ حيث إن نصوص الكتاب والسنة محصورة، والقضايا التي تحتاجها الأمة غير محصورة؛ بل متجددة وغير متناهية. قال الجويني مبيناً أهميته في الدين: "القياس مناط الاجتهاد، وأصل الرأي، ومنه يتشعب الفقه، وأساليب الشريعة، وهو المفضي إلى الاستقلال بتفاصيل أحكام الوقائع، مع انتفاء الغاية والنهاية؛ فإن نصوص الكتاب والسنة محصورة مقصورة، ومواقع الإجماع معدودة مأثورة، فما ينقل منهما تواتراً، فهو المستنِد إلى القطع وهو معوز قليل، وما ينقله الآحاد عن علماء الأعصار ينزل منزلة أخبار الآحاد، وهي على الجملة متناهية، ونحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي يتوقع وقوعها لا نهاية لها. والرأي المبتوت المقطوع به عندنا: أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى، متلقى من قاعدة الشرع، والأصل الذي يسترسل على جميع الوقائع القياس، وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال فهو إذن أحق الأصول باعتناء الطالب، ومن عرف مأخذه وتقاسيمه، وصحيحه وفاسده، وما يصح من الاعتراضات عليها، وما يفسد منها، وأحاط بمراتبه جلاءً وخفاءً، وعرف مجاريها ومواقعها، فقد احتوى على مجامع الفقه"(1).
وفي الحقيقة: يعدُّ القياس من أعظم مميزات هذا الدين، يوضح ذلك صاحب كتاب إثبات القياس بقوله: "والقياس مظهر من أعظم مظاهر شمول الشريعة وعمومها، وأبرز سمات بقائها ودوامها، فبالقياس ترد الأحكام التي يجتهد فيها المجتهد إلى الكتاب والسنة؛ لأن الحكم الشرعي يكون نصاً أو حملاً على نصٍ بطريق القياس"(2).
حجية القياس
القياس حجة عند الصحابة وجمهور علماء السلف والخلف.
__________
(1) البرهان في أصول الفقه 2/743-744.
(2) كتاب إثبات القياس في الشريعة والرد على منكريه، لعبدالقادر شيبة الحمد ص 3.(18/19)
قال الغزالي: "والذي ذهب إليه الصحابة - رضي الله عنهم - بأجمعهم، وجماهير الفقهاء والمتكلمين بعدهم رحمهم الله، وقوع التعبد به شرعاً"(1).
وقال الجويني: "ذهب علماء الشريعة، وأهل الحل والعقد إلى أن التعبد بالقياس في مجال الظنون جائز غير ممتنع"(2)، ثم قال: "نحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتهم، تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عد، ولا يحويها حد؛ فإنهم كانوا قايسين في قريب من مائة سنة، والوقائع تترى"(3).
وقال شيبة الحمد: "ذهب عامة الفقهاء والمتكلمين من سلف الأمة وخلفها إلى أن القياس حجة شرعية، وأصل من أصول الفقه في الشريعة الإسلامية، مستدلين بكتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم -، والفطرة والعقل"(4).
الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي
تمهيد
إن الله عز وجل أرسل الرسل عليهم صلوات الله وسلامه إلى أقوامهم؛ لكي يبلغوهم دين الله عز وجل، وأنزل على كل نبي كتاباً سماوياً ليعلم أمته كتاب ربهم، بأقواله وأفعاله؛ وقد أرسل كل رسول بلسان قومه؛ ليفهموا منه دين الله عز وجل قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ([إبراهيم:4]، وكذلك جعل الله سبحانه وتعالى الاقتداء بالأنبياء، والتأسي بهم واجب على الأمة، قال تعالى:( ? ( ( (( ( ( ([الأنعام:90] وقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب:21]، مهمة الأنبياء إذن هي: تعليم الناس دين الله سبحانه وتعالى بسيرتهم قولاً وفعلاً، وبإقامة حياة الناس، وتحقيق مصالحهم؛ بحسب ما يقتضيه دين الله عز وجل، والناس مطالبون بكل تلك الأعمال التي يقوم بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتأسي بها كلها، وهذا ما يسمى بالاتباع، وهو أحد شرطي الشهادتين.
__________
(1) المستصفى 3/494.
(2) البرهان 2/753.
(3) البرهان 2/764-765.
(4) كتاب إثبات القياس في الشريعة والرد على منكريه ص 15.(18/20)
إن شهادة أن لا إله إلا الله، تعني: أن لا معبود بحقٍ إلا الله عز وجل، وأن العباد يجب عليهم أن يعبدوا الله تعالى وحده، ويخلصوه بالعبادة؛ فلا يشركوا معه غيره. وشهادة أن محمداً رسول الله، تعني توحيد اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا تصح العبادة حتى تكون موافقة لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:"مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". وفي رواية عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"(1).
وقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الكهف:110].
وبهذا تصبح حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كلها سنة، مطابقة لما أمر به الله سبحانه وتعالى، وهذا هو البيان الذي أمره الله به. قال الله تعالى في محكم كتابه:
( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النحل:44].
المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
المطلب الأول: السنة بيان للقرآن الكريم
والبيان المقصود في الآية يشمل نوعين من البيان، هما:
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه، 3/1343-1344، كتاب الأقضية، بَاب نَقْضِ الأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الأُمُورِ. رقم الحديث 1718.(18/21)
1- بيان لفظه ونظمه، وهو تبليغ القرآن الكريم، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى. وهو المراد بقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ([المائدة:67]. وحديث عائشة في عدم كتمان النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً في الصحيحين(1).
2- بيان معاني القرآن الكريم في الآيات المجملة، أو العامة أو المطلقة؛ فتأتي السنة فتوضح المجمل، وتخصص العام، وتقيد المطلق؛ وذلك يكون بقوله - صلى الله عليه وسلم -، وبفعله، وبتقريره(2).
وهذا البيان المطلوب للقرآن الكريم يكون بالسنة النبوية، وكلاهما وحي من عند الله عز وجل. قال ابن حزم -مبيِّناً هذه القضية-: "لما بينَّا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع، نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم -:
( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النجم: 3، 4]، فصحَّ لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - على قسمين:
__________
(1) رواه البخاري بلفط: "مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهُ يَقُولُ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآيةَ. انظر الصحيح مع فتح الباري: 8/270، كتاب التفسير، باب (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (المائدة 67)، الحديث رقم 4612، واللفظ له، ورواه مسلم 1/159، كتاب الإيمان، بَاب مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) (النجم 13)، وَهَلْ رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَبَّهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ؟ من حديث طويل، رقمه 177.
(2) انظر كتاب منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن للألباني ص 5-6.(18/22)
أحدهما: وحي متلو، مؤلف تأليفاً معجز النظام، وهو القرآن.
والثاني: وحي مروي، منقول غير مؤلف ولا معجز النظام، ولا متلو، لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا. قال الله تعالى:( ( ( ( ( ( ([النحل:44]، ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني، كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق"(1).
المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/108.(18/23)
وقد ثبت إنزال جبريل عليه السلام بالسنة على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما كان ينزل عليه بالقرآن الكريم. فقد وردت بعض الآثار تنص على ذلك، فقد نقل الدارمي أثراً عن مُحَمَّد بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ قال: "كان جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ"(1). وروى أبوبكر محمد بن عثمان بن حازم الهمداني، بسنده عن أبي إسحاق إسماعيل بن سعيد الكسائي الفقيه، قال: المذهب في ذلك: يجب على الناس أن يتبعوا القرآن ولا يخالفوه؛ فإن احتج محتج بأن في السنن ما يخالف التنزيل قيل لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"(2)، فكل سنة ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لقائل أن يقول: إنها خلاف التنزيل؛ لأن السنة تفسير للتنزيل، والسنة كان ينزل بها جبريل، ويعلمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان لا يقول قولاً يخالف التنزيل إلا ما نسخ من قوله بالتنزيل، فمعنى التنزيل: ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ذلك بإسناد ثبت عنه"(3).
المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن
المطلب الأول: مكانة السنة من القرآن من حيث الاحتجاج بها، وتكفل الله بحفظها
__________
(1) سنن الدارمي 1/145، المقدمة، باب السنة قاضية على الكتاب، وفي إسناده محمد بن كثير المصيصي وهو ضعيف، لكن تابعه روح بن عبادة وعيسى بن يونس، فهذا الإسناد صحيح غير أنه مرسل.
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده، 28/410-411، برقم 17174، ورواه أبو داود في سننه، 5/10-12، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم 4604.
(3) في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص 26.(18/24)
بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، منزلة القرآن الكريم، والسنة النبوية، من حيث ثبوتهما، مبيناً ما امتاز به القرآن على السنة، دون أن يكون في ذلك طعن في السنة، أو في الاحتجاج بها، وَبَيَّنَ أن الله قد تكفل بحفظ معاني القرآن، وحفظ السنة؛ بما أقامه لحفظهما من العلماء الجهابذة النقاد؛ فقال: "ولما كان القرآن متميزاً بنفسه-لما خصه الله من الإعجاز الذي باين به كلام الناس قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الإسراء:88]، وكان منقولاً بالتواتر؛ لم يطمع أحد في تغيير شيء من ألفاظه وحروفه؛ ولكن طمع الشيطان أن يدخل التحريف والتبديل في معانيه بالتغيير والتأويل، وطمع أن يدخل الأحاديث من النقص والازدياد ما يضل به بعض العباد"(1). ثم بَيَّنَ أن ذلك لم يضرَّ القرآن ولا السنة، بحفظ الله لهما؛ فقال: "فأقام الله الجهابذة النقاد، أهل الهدى والسداد، فدحروا حزب الشيطان، وفرقوا بين الحق والبهتان، وانْتَدَبُوا لحفظ السنة ومعاني القرآن من الزيادة والنقصان"(2).
ومن خلال هذا البيان نعلم أن القرآن والسنة في منزلة واحدة؛ من حيث حفظهما عن التبديل أو التحريف لمعانيهما؛ ومن ثَمّ فإن منزلتهما ومكانتهما في مرتبة واحدة؛ من حيث إن كلاً منهما يحتج به؛ لأنه وحي.
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/7.
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/7.(18/25)
قال عجاج الخطيب:"السنة من حيث وجوب العمل بها، ومن حيث إنها وحي: هي بمنزلة القرآن الكريم. وإنما تلي القرآن بالمرتبة من حيث الاعتبار؛ لأنه مقطوع به جملة وتفصيلاً، والسنة مقطوع بها على الجملة لا على التفصيل؛ ولأنه هو الأصل، وهي الفرع؛ لأنها شارحة ومبينة له، ولا شك في أن الأصل مقدم على الفرع، والبيان مؤخر عن المبين. وقد دل على ذلك حديث معاذ بن جبل حين بعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاضياً إلى اليمن"(1).
المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها وعدّها المصدر الثاني للتشريع
فصَّل الإمام الشاطبي في المسألة أتم تفصيل فقال: "رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار. والدليل على ذلك أمور:
أحدها: أن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة. والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل. والمقطوع به مقدَّم على المظنون. فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة.
والثاني: أن السنة: إما بيان للكتاب، أو زيادة على ذلك. فإن كان بياناً فهو ثان على المبين في الاعتبار، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان، ولا يلزم من سقوط البيان سقوط المبين، وما شأنه هذا فهو أولى في التقدم، وإن لم يكن بياناً فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب؛ وذلك دليل على تقدُّم اعتبار الكتاب.
__________
(1) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 36-37. والحديث ضعيف، فيه علل ثلاث: 1-أنه مرسل عن معاذ، 2-جهالة أصحاب معاذ، 3- جهالة الحارث بن عمرو. انظر كتاب: سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم 881، 2/273-286، وذكر محقق مسند أحمد العلتين الأخيرتين انظر المسند 36/333، الحاشية رقم 2. وبيَّن الألباني في كتابه: منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن ص 16 أن معنى حديث معاذ صحيح في التفريق بين الرأي والنص، وخطأ في التفريق بين السنة والقرآن؛ فما وجد في القرآن يبحث عنه أيضاً في السنة.(18/26)
والثالث: ما دلَّ على ذلك من الأخبار والآثار، كحديث معاذ: "بم تحكم قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي..." الحديث"(1). كما نقل الشاطبي عن عمر بن الخطاب: أنه قال: "سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالأحاديث؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله"(2).
وقد وضح هذا الأمر مصطفى السباعي حيث قال: "ولا شك في أن أحاديث الآحاد، بما حف بها من ظنون في طريق ثبوتها، يجعلها في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الثبوت، وأما من حيث الاجتهاد وفهم النصوص؛ فلابد من الرجوع إلى السنة قبل تنفيذ نصوص القرآن؛ لاحتمال تخصيص السنة لها أو تقييدها، أو غير ذلك من وجوه الشرح والبيان التي ثبتت للسنة؛ فهي من هذه الناحية متساوية مع القرآن، من حيث مقابلة نصوصها بنصوصه، والتوفيق بينهما، والجمع حين يظهر شيء من التعارض، وهذا لا ينازع فيه أحد ممن يقول بحجية السنة"(3).
هل السنة مقدمة على الكتاب عند التعارض؟
عندما تكون السنة مبينة لمجمل القرآن، أو مقيدة لمطلقه، أو مخصصة لعمومه، فهل يعني ذلك أن السنة مقدمة على الكتاب؟
وأجيب عن ذلك: بأن السنة في هذه الحالات تبين مراد الله في كتابه، ولا يعني ذلك تقديمها على الكتاب واطراحه(4).
وكذلك فإن الأصوليين اختلفوا في تقديم الكتاب أو السنة عند التعارض.
__________
(1) الموافقات 4/7. وتقدم تخريج الحديث والحكم عليه.
(2) الموافقات 4/17.
(3) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 379.
(4) انظر الموافقات للشاطبي 4/10، وكتاب أصول مذهب الإمام أحمد ص 212.(18/27)
"واختلافهم هذا يدل على أن السنة ليست متأخرة عن الكتاب، إذ لو كانت متأخرة لما اختلفوا. وكذلك فإن هذا الاختلاف لا يعني أيضاً تقديم السنة، بل مرد ذلك إلى أنه يجب العمل بها، وعند الاجتهاد وفهم النصوص يجب الرجوع إليها، وهي من هذا الجانب في مرتبة الكتاب؛ من حيث مقابلة نصوصها بنصوصه، والتوفيق بينهما، والجمع حين يظهر شيء من التعارض"(1).
الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل
في هذا الفصل سأتحدث عن مبحثين: الأول: عن مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها، وهذا الموضوع هو الأساس في هذا البحث، وهو موضوع مهم في هذا الدين الإسلامي؛ لأنه ينبني عليه اعتماد السنة عند المسلمين، ومن ثم وجوب العمل بها، وتطبيقها في حياتهم، وهذا هو المبحث الثاني؛ إذ هو ثمرة للمبحث الأول، ونتيجة وهدف له؛ إذ به يتحقق امتثال الناس لهذا الدين العظيم، وتنفيذهم لأوامره؛ باتباع كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها
المطلب الأول: معنى حجية السنة ودليل ذلك
__________
(1) كتاب أصول مذهب الإمام أحمد ص 212-213.(18/28)
معنى حجية السنة: "أنها دليل على حكم الله، يفيدنا العلم أو الظن به، ويظهره ويكشفه لنا. فإذا علمنا أو ظننا الحكم بواسطته: وجب علينا امتثاله والعمل به. فلذلك قالوا: معنى حجية السنة: وجوب العمل بمقتضاها. فالمعنى الحقيقي للحجية، هو: الإظهار والكشف والدلالة؛ ويلزم هذا وجوب العمل بالمدلول: حيث إنه حكم الله "(1). فكل ما يأمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إنما هو بأمر الله له؛ حيث إنه لا ينطق عن الهوى، بل هو مبلغ لما أوحاه الله إليه، سواءً كان ذلك الموحى إليه قرآناً أو سنة. قال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النجم:3، 4]. وكما جاء في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ (- رضي الله عنه -) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، ألا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، ألا لا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ ولا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ألا وَلا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ"(2)
__________
(1) انظر حجية السنة لعبدالغني عبدالخالق ص 243. وسيأتي مزيد لمسألة وجوب العمل بالسنة، في المبحث الثاني من الفصل الثالث.
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده، 28/410-411، برقم 17174، ورواه أبو داود في سننه، 5/10-12، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم 4604، وروى الجزء الأول منه الترمذي، 4/144، في كتاب العلم، بَاب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الحديث رقم 2800، وابن ماجه، 1/6، كتاب المقدمة، بَاب تَعْظِيمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ عَارَضَهُ، الحديث رقم 12، والدارمي، 1/144، كتاب المقدمة، بَاب السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ.
وهو صحيح، انظر: صحيح سنن أبي داود(3/117-118)ح4604، وصحيح سنن ابن ماجه برقم12.(18/29)
. وروى أبو داود عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَانَ صَاحِبُ خَيْبَرَ رَجُلا مَارِدًا مُنْكَرًا فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَنَا، وَتَأْكُلُوا ثَمَرَنَا، وَتَضْرِبُوا نِسَاءَنَا؟ فَغَضِبَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: يَا بْنَ عَوْفٍ، ارْكَبْ فَرَسَكَ ثُمَّ نَادِ: أَلا إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَحِلُّ إِلا لِمُؤْمِنٍ وَأَن اجْتَمِعُوا لِلصَّلاةِ. قَالَ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، ألا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا بِإِذْنٍ ولا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ولا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ"(1).
فهذا الحديث يبين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوحي إليه القرآن الكريم، وأوتي مثله معه وهو السنة النبوية، فهي وحي مثل القرآن الكريم؛ حيث إنها من الله عز وجل، وأنه يجب العمل بهما.
__________
(1) رواه أبو داود في سننه، 3/436، كتاب الخراج والإمارة والفيء، بَاب فِي تَعْشِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اخْتَلَفُوا بِالتِّجَارَاتِ، الحديث رقم 3050، وإسناده ضعيف، انظر ضعيف سنن أبي داود/245 برقم 3050، والمشكاة (1/58) برقم 164 ج3.(18/30)
وقد عنون الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية" بقوله: "باب ما جاء في التسوية بين كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب العمل ولزوم التكليف"(1).
"وصحة الاستدلال بحديث يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على عقيدة دينية أو حكم شرعي، يتوقف على أمرين:
الأول: ثبوت أن السنة - من حيث صدورها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة وأصل من أصول التشريع"(2). وهذه المسألة لم يخالف فيها أحد من العلماء في الجملة؛ بحيث ينكرها كلها فلا يحتج بشيء منها(3).
"الثاني: ثبوت أن هذا الحديث قد صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق من طرق الرواية المعتمدة"(4).
وإذا ثبتت السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن اتباعها واجب على كل مسلم؛ وبهذا جاء القرآن الكريم، يأمرنا باتباع كل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث يقول سبحانه وتعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( [الحشر:7].
المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك
وحجية السنة متفق عليها عند المسلمين. قال الشوكاني: "اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال، وتحريم الحرام"(5). ثم قال: "والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية لا يخالف في ذلك إلا مَنْ لا حَظَّ له في دين الإسلام"(6).
أدلة حجية السنة
وهناك أدلة كثيرة على حجية السنة سأذكر بعضاً منها:
__________
(1) ص 23. ثم ذكر تحته حديث المقدام المذكور آنفاً من طرق مختلفة.
(2) حجية السنة لعبدالغني عبدالخالق ص 245.
(3) انظر: حجية السنة لعبدالغني عبدالخالق ص 248.
(4) حجية السنة لعبدالغني عبدالخالق ص 245.
(5) إرشاد الفحول ص 33.
(6) المصدر نفسه.(18/31)
1- دليل العصمة: وهي أن الله تعالى عصم نبيه مِنْ تَعَمُّدِ ما يُخِلُّ بالتبليغ إجماعاً بدلالة المعجزة، ومن السهو والغلط فيه على الصحيح. والذاهبون إلى تجويز ذلك عليه يجمعون على اشتراط التنبيه فوراً من الله تعالى، وعدم التقرير عليه(1).
وقد أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين(2).
وقد أثبت الله لرسوله العصمة في كتابه الكريم حيث قال سبحانه وتعالى:( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ([المائدة:67]. قال القرطبي: "دلت الآية على رد قول من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئاً من أمر الدين تقية، وعلى بطلانه، وهم الرافضة، ودلت على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسرَّ إلى أحد شيئاً من أمر الدين؛ لأن المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهراً، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل:( ( ( ( ( ( ( (.
فائدة... وقال ابن عباس: "المعنى: بَلِّغ جميع ما أنزل إليك من ربك، وإن كتمت شيئاً فما بلغت رسالته"(3)
كما قال عن قوله تعالى:( ( ( ( ( ( إن في ذلك دليلاً على نبوته؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه معصوم، ومن ضمن سبحانه له العصمة فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئاً مما أمره الله به"(4).
__________
(1) انظر حجية السنة لعبدالغني عبدالخالق ص 279.
(2) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/156-157، وإرشاد الفحول ص 33-34.
(3) تفسير القرطبي 6/242.
(4) تفسير القرطبي 6/243.(18/32)
2- أن الله -سبحانه وتعالى- كما عصم رسوله أن يخطئ، عصم حديثه أن يحرف عليه شيء؛ فتكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين كتاباً وسنةً، قال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ([الحجر:9]. والذكر في الآية يشمل القرآن والسنة؛ وقد استدل ابن حزم بهذه الآية، وبقوله تعالى:( ? ( ( ( ([الأنبياء:45]، فأخبر تعالى أن كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن؛ فصح بذلك أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - كله محفوظ بحفظ الله عز وجل مضمون لنا أن لايضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله فلله الحجة أبداً"(1).
وقال ابن القيم: "إن كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو مما أنزل الله، وهو ذكر من الله، أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تكفل سبحانه بحفظه؛ فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه، وهذا من أعظم الباطل"(2). وهذا هو مذهب أهل الحديث، "وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة ( ( ( ( ( ( ( ( ([الحجر:9]"(3). وقد نقل مثل ذلك عن الإمام عبدالرحمن بن مهدي. وقال ابن الوزير: "وهذا يقتضي أن شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تزال محفوظة، وسنته لا تبرح محروسة"(4).
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1/110.
(2) مختصر الصواعق ص 400.
(3) تدريب الراوي 1/282.
(4) الروض الباسم 1/32-33.(18/33)
3- لقد هيأ الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة الإسناد لحفظ الدين، منذ عهد الصحابة، فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه، بسنده عن مجاهد، قال: جاء بُشير العدوي إلى ابن عباس. فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل ابن عباس - رضي الله عنه - لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تسمع. فقال ابن عباس -- رضي الله عنه --": إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا. فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"(1).
وهكذا حفظ الله الدين منذ عهده الأول، إلى أن تقوم الساعة؛ فهيأ سبحانه وتعالى الإسناد؛ فكشف به العلماء السابقون وضع الزنادقة وغيرهم للأحاديث المكذوبة، في فترة كتابة الأحاديث، وما زال العلماء يكتشفون كذب المستشرقين وأذنابهم من المسلمين وغيرهم، بواسطة الأسانيد؛ فإن المستشرقين ما فتئوا يطعنون حتى في أصح الأحاديث عندنا كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وذلك بالطعن في أسانيد كتب الحديث، ويقولون إن هذه الأسانيد كُتبت في وقت متأخر، حيث كتبت في زمن كتابة الحديث بعد قرن من وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - - حسب زعمهم- وبذلك كتبت عشوائياً، وهنا وجدنا في هذه الأسانيد رداً على زعمهم وباطلهم، كما كانت رداً على أسلافهم من الزنادقة الذين وضعوا أحاديث مكذوبة في العهود المبكرة.
وقد قمت بكتابة بحث في الذب عن مصادر الإمام البخاري المكتوبة، باستخدام الأسانيد؛ حيث أفدت من الأسانيد فائدتين: الفائدة الأولى: وهي التي استخدمها السلف لكشف زيف كذب المبطلين؛ وذلك من خلال معرفة رجال السند؛ لتمييز الثقات من غيرهم.
__________
(1) صحيح مسلم 1/13.(18/34)
والفائدة الثانية للأسانيد: هي: أن رجال السند يعدون مصادر مكتوبة لكل كتاب من كتب الحديث المسندة؛ وذلك أن علماء الحديث كان لديهم صحف وأجزاء حديثية مكتوبة مشتملة على أحاديثهم؛ يبرهن على ذلك، أن طرق تحمل الحديث - أي سماعه - عددها ثمانية، هي: السماع، والعرض على الشيخ، والإجازة، والمناولة، والكتابة، والإعلام، والوصية، والوجادة. وهذه الطرق الثمانية يعتمد سبعة منها على الكتابة فقط، والطريقة الأولى يمكن أن تعتمد على المشافهة أو على الكتابة؛ ولذلك كان بحثي في رسالة الماجستير يعتمد على هذه الفائدة في إبطال زيف المستشرقين الذين اتهموا أهل الحديث بأنهم زيفوا الأسانيد، وذلك بتتبع رجال السند لكل حديث، ثم بتتبع الكتب التي ألفها رجال السند، ومقارنة الحديث الذي روي عن طريقهم بكتبهم المطبوعة أو المخطوطة. ولا يخلو سند من أكثر من راو له كتاب مطبوع أو مخطوط. أما الرواة الذين ذكرت لهم صحف أو أجزاء حديثية فكثيرون(1)، حسب ما تذكر عنهم كتب التراجم؛ ولكن كثيراً من صحفهم وأجزائهم الحديثية مفقودة(2). ولكن ما يوجد من المطبوعات(3)
__________
(1) فقد وصل عدد الرواة الذين وردت لهم أحاديث أو صحف أو أجزاء أو كتب حديثية، 107 راوٍ، من ضمن الرواة الذين روى لهم البخاري في كتاب الوضوء من صحيحه، البالغ عددهم فيه 238راوياً. وعدد تلك المرويات المنسوبة لهم يزيد على 337 ما بين كتاب أو نسخة أو صحيفة أو رسالة أو جزء حديثي. انظر رسالتي للماجستير والتي هي بعنوان (المصادر المكتوبة للبخاري في صحيحه "كتاب الوضوء")، ص 418. وانظر أيضاً آثار الرواة الذين لهم مصادر مكتوبة في كتاب الوضوء، فتصل آثارهم إلى (429) أثراً. انظر الفصل الثاني ص 87-365.
(2) انظر ترجمة كل راوٍ من رواة كتاب الوضوء من رسالة الماجستير السابق ذكرها. ص 87-365.
(3) روى البخاري لستة من الرواة الذين وجدت لهم كتب مطبوعة 783 حديثاً بالمكرر. انظر تفصيلها في الرسالة المذكورة ص 410-413.(18/35)
فضلاً عن المخطوطات كافٍ في رد تلك الشبه. وقد قمت بهذه الدراسة في رسالة الماجستير بدراسة كتاب الوضوء من صحيح البخاري. ورددت من خلالها على بعض المستشرقين، ومن تأثر بهم من المسلمين أمثال: فؤاد سزكين، وأحمد أمين، وأبي رية.
4- الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فمقتضى الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، الإيمان بكل ما جاء به. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه" ثم قال: "وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به... قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النور:62]. فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له: الإيمان بالله ثم برسوله" فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه"(1).
وقال ابن القيم: "فإذا جُعِلَ من لوازم الإيمان: أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه. فأولى أن يكون من لوازمه: ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي، إلا بعد استئذانه. وإذنه يُعرف بدلالة ما جاء به على أنه إذن فيه"(2).
5- أن القرآن الكريم بيَّن أن وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم الناس الكتاب والسنة؛ حيث قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
[آل عمران:164].
قال الإمام الشافعي: "فذكر الله الكتاب، وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال، والله أعلم"(3).
__________
(1) الرسالة 73-75.
(2) إعلام الموقعين 1/51-52.
(3) الرسالة ص 78.(18/36)
وقال الله سبحانه وتعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([الأحزاب:34]، قال غير واحد من العلماء: منهم يحيى بن أبي كثير، وقتادة، والشافعي وغيرهم: الحكمة: هي السنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من الكتاب والحكمة. والكتاب: القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتلوه: هو السنة"(1).
ومن وظائف التعليم: بيان معاني القرآن الكريم بالقول والعمل والتقرير: قال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النحل:44].
6- أننا أُمرنا عند الاختلاف بالتحاكم إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ([الشورى:10]، قال ابن كثير - في تفسير هذه الآية: "أي مهما اختلفتم فيه من الأمور، وهذا عام في جميع الأشياء، ( ( ( ( (، أي: هو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، كقوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء:59]"(2)، وقال ابن حزم معلقاً على قوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الشورى:10]: "فوجدنا الله تعالى يردُّنا إلى كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم -...، فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد، أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن، والخبر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أن يأبى عما وجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما، وموجباً لطاعة أحد دونهما، فهو كافر، لا شك عندنا في ذلك"(3). ولذلك أوجب الله -تعالى- على المؤمنين أن ينفذوا أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحق لهم أن يختاروا بين تنفيذ أمر الله ورسوله، وعدمِ التنفيذ، وحكم الله تعالى على من يعص الله ورسوله في أي حكم يأمرانه به بالضلال المبين، قال تعالى:
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/6.
(2) تفسير ابن كثير 7/182.
(3) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/110.(18/37)
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:36].
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث العمل بها
المطلب الأول: السنة كالقرآن من حيث وجوب العمل بها
الواجب على المسلمين جميعاً ألا يفرقوا بين القرآن والسنة، من حيث وجوب الأخذ بهما كليهما، وإقامة التشريع عليهما معاً، فإن هذا هو الضمان لهم أن لا يميلوا يميناً ويساراً، وأن لا يرجعوا القهقرى ضلالاً، كما أفصح عن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في الحديث الذي رواه الحاكم بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجة الوداع، فقال: "قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا، يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه...".(18/38)
ثم قال الحاكم بعد روايته لهذا الحديث: "قد احتج البخاري بأحاديث عكرمة، واحتج مسلم بأبي أويس، وسائر رواته متفق عليهم، وهذا الحديث لخطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - متفق على إخراجه في الصحيح: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون"(1). ووافقه الذهبي في تلخيصه على ذلك الحكم؛ وقال: "له أصل في الصحيح"(2). والحديث الذي ذكره الحاكم، وأشار الذهبي إلى أن أصله في الصحيح، رواه مسلم من حديث طويل(3)، ورواه مالك في الموطأ بلاغاً، ولكن يشهد له حديث الحاكم السابق، ولفظ مالك: "تركت فيكم أمرين؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض"(4).
كما روى الحاكم أثراً عن أبي بن كعب أنه لما وقع الناس في أمر عثمان - رضي الله عنه - سئل أبي بن كعب: ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: "كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكِلُوه إلى عالمه"(5).
__________
(1) المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/93.
(2) المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/93.
(3) رواه مسلم في صحيحه 2/886-892، في كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، الحديث رقم 1218.
(4) الموطأ 2/899، كتاب القدر، باب النهي عن القول في القدر، الحديث رقم 3.
(5) المستدرك 3/303.(18/39)
وبعد أن سقت الأدلة التي تبين حجية السنة، في الفصل الثالث، يتضح لنا ثمرة ذلك الفصل، ونتيجته التي تترتب عليه؛ ألا وهي: أن السنة يجب العمل بها، ولم يختلف العلماء في هذه النتيجة. وقد لخص مصطفى السباعي خلاصة أقوال العلماء في ذلك فقال: "والسنة إما متواترة أو آحاد، وقد اتفق العلماء على أن المتواتر يفيد العلم والعمل معاً، وهو عندهم حجة لا نزاع فيها، إلا عمن ينكر السنة.... وأما خبر الآحاد فالجمهور على أنها حجة يجب العمل بها، وإن أفادت الظن.... وذهب قوم، منهم الإمام أحمد، والحارث بن أسد المحاسبي، والحسين بن علي الكرابيسي، وأبو سليمان الخطابي، وروي عن مالك: أنه قطعي موجب للعلم والعمل معاً. ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب الأصول، والمهم أنهم جميعاً متفقون على حجية أخبار الآحاد، ووجوب العمل بها"(1). كما بَيَّن أنه لم يخالف في حجية السنة إلا أصحاب المذاهب المنحرفة كالرافضة، والمعتزلة(2).
المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة
ومن الأدلة التي تبين وجوب العمل بالسنة ما يأتي:
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 167.
(2) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 167-168.(18/40)
1- أن الله سبحانه وتعالى أوجب اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما يصدر عنه، وأمر بالتأسي به في ذلك، وجعل اتباعه لازم لمحبة الله عز وجل قال الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ([آل عمران:31]. روى القاضي عياض في "الشفا"، عن الحسن البصري: أن أقواماً قالوا: يارسول الله: إنا نحب الله؛ فأنزل الله تعالى:( ( ( ( ( ( (الآية"(1). وقال الله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب:21]. قال محمد بن علي الترمذي: "الأسوة في الرسول: الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أوفعل"(2). قال القاضي عياض: "وقال غير واحد من المفسرين بمعناه"(3).
2- أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعة رسوله الطاعة المطلقة: فقال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ([النساء:59] روى القاضي عياض عن عطاء(4)، وابن عبدالبر والبيهقي -في المدخل- عن ميمون بن مهران(5): "أن الرد إلى الله هو: الرجوع إلى كتابه. والرد إلى الرسول هو: الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته".
وقال ابن حجر-معلقاً على الآية السابقة-: "والنكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر- مع أن المطاع في الحقيقة هو: الله تعالى، -: كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف، هما: القرآن والسنة، فكأن التقدير: أطيعوا الله فيما نص عليكم القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم: من القرآن؛ وما ينصه عليكم: من السنة. أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به: من الوحي المتعبد بتلاوته، وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن"(6).
__________
(1) انظر الشفا 2/9.
(2) انظر المصدر السابق.
(3) انظر المصدر السابق.
(4) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1/765) ح1413. وانظر حجية السنة ص 298.
(5) جامع بيان العلم وفضله (1/766) ح1414. وانظر: حجية السنة ص298.
(6) فتح الباري 13/111.(18/41)
3- أن الله -سبحانه وتعالى- كلَّف نبيه - صلى الله عليه وسلم - باتباع ما يوحى إليه متلواً أو غير متلو، وبتبليغ جميع ما أنزل عليه.
قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب:1، 2]، وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه اتباع ما يوحى إليه؛ فكذلك يجب على المؤمنين به اتباعه(1).
الخاتمة
وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات
في هذا البحث حول السنة النبوية نستطيع أن نخرج بالنتائج التالية:
أن السنة النبوية مثل القرآن الكريم في التشريع والتحليل والتحريم.
السنة النبوية يحتج بها مثل القرآن الكريم؛ فهي مساوية له من حيث إنها وحي منزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل القرآن الكريم؛ ومن ثم فيجب العمل بالسنة مثل القرآن تماماً.
علاقة السنة النبوية بالقرآن الكريم، كعلاقة الشهادة للرسول - صلى الله عليه وسلم - برسالته، بعلاقة الشهادة لله عز وجل بتوحيده، في الشهادتين؛ حيث تسمى الأولى: توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. وتسمى الثانية: توحيد الاتباع للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
أن السنة النبوية تعد في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم:
أ-من حيث ثبوتها: حيث ثبت بعضها بالسند المتواتر، وثبت معظمها بالآحاد، بينما القرآن الكريم ثبت كله بالسند المتواتر.
ب- القرآن الكريم لفظه ومعناه من الله عز وجل، بينما السنة معناها من الله تعالى ولفظها من الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ج-القرآن الكريم خصه الله بالإعجاز، وتحدى العرب أن يأتوا بمثله أو بشيء منه، بخلاف السنة.
__________
(1) انظر حجية السنة ص 305، وأصول الحديث علومه ومصطلحه ص 41.(18/42)
وأخيراً أوصي أن تُعَدَّ ندوة مستقلة حول خدمة السنة النبوية بالحاسب الآلي على غرار موسوعة الحديث الشريف للكتب التسعة الذي أصدرته شركة حرف لتقنية المعلومات؛ بحيث تشمل كتب السنة كلها؛ وذلك لما في تلك الموسوعة من خدمات جليلة، مثل تشجير الأسانيد، والجرح والتعديل وغيرهما.
مصادر البحث
الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري، عبدالمجيد محمود عبدالمجيد، نشر مكتبة الخانجي، 1399هـ/1979م.
إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه، عبدالقادر شيبة الحمد، مطابع الرشيد، المدينة المنورة، ط1، 1399هـ/1979م.
الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم، (ت456هـ)، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1404هـ.
الإحكام في أصول الأحكام، لسيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي الآمدي(ت631هـ).
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني(ت1255هـ)، دار الفكر، بيروت، ط1.
أسباب اختلاف الفقهاء، عبدالله عبدالمحسن التركي، مكتبة الرياض، الرياض، ط3، 1397هـ/1977م.
أصول الحديث علومه ومصطلحه، محمد عجاج الخطيب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 4، 1401هـ/1981م.
أصول مذهب الإمام أحمد دراسة أصولية مقارنة، عبدالله عبدالمحسن التركي، مكتبة الرياض، الرياض، ط2، 1397هـ/1977م.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لمحمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية(ت751هـ)، راجعه وقدم له طه عبدالرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1973م.
البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني (ت478هـ)، تحقيق عبدالعظيم الديب، دار الأنصار، القاهرة، ط2، 1400هـ.
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي(ت911هـ)، ط 2، بتحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف، نشر المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1392هـ/1972م.(18/43)
تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير(ت774هـ) بتحقيق عبدالعزيز غنيم، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا، كتاب الشعب، القاهرة،1390هـ/1971م.
التعريف بالقرآن والحديث، لمحمد الزفزاف، ط1.
توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته، رفعت فوزي عبدالمطلب، نشر مكتبة الخانجي، مصر، ط1، 1400هـ/1981م.
الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار القلم، القاهرة، ط3، 1386هـ/1966م.
الجرح والتعديل، لأبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي(327هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الهند، ط1.
حجية السنة، لعبدالغني عبدالخالق، دار القرآن الكريم، بيروت، لبنان، ط1، 1407هـ/1986م.
الحدود في الأصول، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (ت474هـ)، تحقيق نزيه حماد، طبع ونشر مؤسسة الزعبي، لبنان، بيروت، ط1، 1392هـ/1973م.
الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية، لمحمد محمد أبو زهو، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1404هـ/1984م.
الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي(204هـ)، بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، 1309هـ.
الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير (ت840هـ)، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/1979م.
روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لعبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620هـ)، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، ط4، 1391هـ.
سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيّئ في الأمة، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1، 1399ه.
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، لمصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط4، 1405هـ/1985م.
سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (275هـ)، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، ط1، 1388هـ/1969م.(18/44)
سنن ابن ماجه، لأبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه(275هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395هـ/1975م.
سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لأبي العلي محمد بن عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري (1353هـ)، ضبطه وراجع أصوله وصححه: عبدالرحمن محمد عثمان، مطبعة المعرفة، قام بنشره: محمد عبدالمحسن الكتبي، ط2، 1385هـ/1965م.
سنن الدارمي، لأبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي(ت255هـ)، بعناية محمد أحمد دهمان، دار الكتب العلمية، نشر دار إحياء السنة النبوية، بيروت، التاريخ بدون.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم، لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت418هـ)، بتحقيق أحمد سعد حمدان، نشر دار طيبة، الرياض، 1402ه.
شرح العقيدة الواسطية، لأبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني (ت 728هـ)، لمحمد خليل هراس، طبع في مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، ط4.
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، لأبي الفضل عياض اليحصبي (ت544هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت393هـ)، تحقيق أحمد عبدالغفور عطار، ط2، 1402هـ/1982م.
صحيح البخاري مع فتح الباري، للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري(ت256هـ)، بتصحيح الشيخ عبدالعزيز بن باز لبعض أجزائه، وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، وإخراج محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1380هـ.
صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261هـ)، بتحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، ودار إحياء الكتب العربية، بيروت، ط1، 1374هـ/1955م.
صحيح مسلم بشرح النووي، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ)، دار الفكر.(18/45)
صريح السنة، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، بتحقيق بدر بن يوسف المعتوق، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، ط1، 1405هـ/1985م.
فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، بتصحيح الشيخ عبدالعزيز بن باز لبعض أجزائه، وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، وإخراج محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1380هـ.
القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي(ت817هـ)، دار الجيل، بيروت.
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي (ت1332هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ/ 1979م.
كتاب الجرح والتعديل، لأبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ)، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، الدكن الهند، ط1.
كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، لأبي بكر محمد ابن موسى بن عثمان بن حازم الهمذاني (ت 584هـ)، بتعليق وتصحيح راتب حاكمي، مطبعة الأندلس، حمص، ط1، 1386هـ/1966م.
الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463هـ)، بتحقيق أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ/1985م.
لسان العرب، لأبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور (ت711هـ)، بتحقيق عبدالله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف.
مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها، ناصر بن عبدالكريم العقل، نشر دار الوطن، ط1.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، لأبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني (ت728هـ)، جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وساعده ابنه محمد، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ/1995م.(18/46)
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي (ت 360هـ)، بتحقيق محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط3، 1404هـ.
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لمحمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية(ت751هـ)، اختصره محمد بن الموصلي، الرياض: توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، عبدالكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة القدس، بغداد، ط8، 1405هـ/1985م.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، للإمام أحمد بن حنبل، بتحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1420هـ/1999م.
المستدرك على الصحيحين في الحديث، لأبي عبدالله محمد بن عبدالله المعروف بالحاكم النيسابوري(ت405هـ)، دار الكتب العلمية.
المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي(ت505هـ)، دراسة وتحقيق حمزة بن زهير حافظ، شركة المدينة للطباعة والنشر، جدة، 1413هـ.
المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت502هـ)، تحقيق وضبط محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، لبنان، بيروت، ط 2، 1420هـ/1999م.
مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة، ناصر ابن عبدالكريم العقل، نشر دار الوطن.
مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبدالعظيم الزرقاني، دارالفكر، ط3.
الموافقات في أصول الشريعة، لأبي إسحاق الشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت790هـ)، بشرح عبدالله دراز، نشر المكتبة التجارية الكبرى، مصر.
منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن، محمد ناصر الدين الألباني.
الرسائل العلمية:
57.المصادر المكتوبة للبخاري في صحيحه "كتاب الوضوء"، محمد عبدالله أبوبكر باجعمان، رسالة ماجستير، 1409هـ/1989م.
فهرس الموضوعات
المقدمة…1(18/47)
تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني…5
المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها…6
المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة…6
المطلب الثاني: بيان المعاني التي تطلق عليها السنة…7
المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح…8
المطلب الأول: تعريف السنة في الاصطلاح…8
المطلب الثاني: مفهوم السنة في القرون الأولى…11
أولاً: إطلاقها على الشريعة كلها…11
ثانياً: إطلاقها على العقيدة عند أهل السنة والجماعة…11
ثالثاً: ورد التفريق بين السنة والحديث عند بعض المتقدمين في القرن الثاني الهجري…12
رابعاً: استقر الأمر على المساواة بين السنة والحديث في المعنى…13
الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي…14
المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي…14
المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم…14
تعريف القرآن لغة…14
تعريف القرآن اصطلاحاً…15
المطلب الثاني: المصدر الثاني هو السنة النبوية…16
للسنة مع القرآن ثلاثة أحوال هي:…16
المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي…18
المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع…18
كيف نشأ الإجماع؟…20
مستند الإجماع…22
الإجماع في العصر الحاضر…22
المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس…23
حجية القياس…24
الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي…26
تمهيد…26
المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم -…28
المطلب الأول: السنة بيان للقرآن الكريم…28
المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم -…30
المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن…31
المطلب الأول: مكانة السنة من القرآن من حيث الاحتجاج بها، وتكفل الله بحفظها…31
المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها وعدّها المصدر الثاني للتشريع…33(18/48)
هل السنة مقدمة على الكتاب عند التعارض؟…34
الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل…35
المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها…36
المطلب الأول: معنى حجية السنة ودليل ذلك…36
المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك…39
أدلة حجية السنة…39
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث العمل بها…47
المطلب الأول: السنة كالقرآن من حيث وجوب العمل بها…47
المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة…50
الخاتمة…52
مصادر البحث…53
فهرس الموضوعات…61(18/49)
السنة النبوية المصدر الثاني في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل
إعداد الدكتور
نور بنت حسن قاروت
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، والصلاة والسلام على الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين وبعد:
فهذا البحث في بيان أهم ما يلزم تأمله ومعرفته من كون السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي شرعت في الكتابة فيه خدمة للسنة، راغبة في حصول الثواب من الكريم ذي الفضل العظيم، ثم استجابة للأمانة العامة لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف التي شرفتني بدعوتها للكتابة في هذا الموضوع.
وهذا البحث محاولة لتعميق الفهم الذي قصده علماء السلف من كون السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بوسطية لا مغالاة فيها ولا جفاء.
وبنيت خطة البحث على هذه المقدمة، وثلاثة فصول وخاتمة:
أما الفصل الأول فعنوانه: التعريف بكون السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي:
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالسنة، وأدوار العناية بها.
فيه ثلاثة مطالب:
الأول: تعريف السنة لغة وشرعًا.
الثاني: الفرق بين السنة والحديث.
الثالث: أدوار العناية بالسنة.
المبحث الثاني: التعريف بالشريعة ومصادرها ومقاصدها.
وفيه ثلاثة مطالب:
الأول: تعريف الشريعة لغة و شرعًا.
الثاني: مصادر التشريع.
الثالث: مقاصد الشريعة.
المبحث الثالث: الأدلة على حجية السنة.
المبحث الرابع: عناية المحدِّثين بالفقه، وعناية الفقهاء بالحديث.
وفيه مطلبان:
الأول: عناية المحدثين بالفقه.
الثاني: عناية الفقهاء بالحديث.
المبحث الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ومن حيث دلالاتها.
وفيه مطلبان:
الأول: أقسام السنة من حيث ثبوتها.
الثاني: أقسام السنة من حيث دلالاتها.
المبحث السادس: أنواع القرائن الصارفة العمل بظواهر السنة.(19/1)
المبحث السابع: أسباب عدم الاحتجاج بالسنة.
المبحث الثامن: موقف العلماء من السنن التي ظاهرها التعارض.
الفصل الثاني: تبيين السنة لأحكام القرآن الكريم.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في القرآن الكريم.
وفيه مطلبان:
الأول: تعريف المجمل والمفصل.
الثاني: أمثلة لأحكام مجملة في القرآن الكريم ورد تفصيلها في السنة.
المبحث الثاني: تفصيل السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم.
وفيه مطلبان
الأول: تعريف العام والخاص.
الثاني: أمثلة لأحكام عامة في القرآن خصصتها السنة.
المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم.
وفيه مطلبان:
الأول: تعريف المطلق والمقيد.
الثاني: أمثلة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم قيدتها السنة.
الفصل الثالث: أحكام وردت في السنة ولم تذكر في القرآن.
وفيه سبعة مباحث:
الأول: الفرق بين وحي القرآن ووحي السنة.
الثاني:مقاييس وضوابط لقبول ما صح من أخبار الآحاد.
الثالث: هل جاءت السنة بأحكام لم تثبت في القرآن؟
الرابع: أمثلة مما استقلت به السنة في العبادات.
الخامس: أمثلة مما استقلت به السنة في المعاملات.
السادس: أمثلة مما استقلت به السنة في النكاح.
السابع: أمثلة مما استقلت به السنة في الجنايات.
ثم الخاتمة في أهم النتائج التي توصل إليها البحث.
وكان المنهج المتبع في كتابة أغلب مواضيع البحث ما يلي:
عرض أهم عناصر الموضوع باختصار دون ذكر الخلافات إلاّ في أضيق حدود.
ذكر ما بدا لي راجحًا فيما لا بد من ذكر الخلاف فيه، دون الإسهاب في ذكر الأدلة والردود عليها ومناقشتها.
الحرص ما أمكن على تسهيل أسلوب الكتابة وتبسيطه.
تشكيل وعزو الآيات إلى سورها.
تخريج الأحاديث والحكم عليها من غير الصحيحين، فإن خرجتها منهما اكتفيت بهما أو بأحدهما، وقد أكتفي بالرجوع إلى كتاب اللؤلؤ المرجان.
التوضيح للكلمات الغريبة.(19/2)
والله الرحمن الرحيم البر الكريم الجواد الحكيم أسأل أن يجعل هذا البحث عملاً صالحًا ولوجهه خالصًا وأن يكتب له القبول والبركة، ويغفر لي ما كان به من زلل أو تقصير، ويجزي كل من صوّبه أو نصحني فيه خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله على نعمه التي لا تعدُّ ولا تحصى، والصلاة والسلام على النبي المجتبى وعلى آله وصحبه ومن اصطفى.
الفصل الأول: التعريف بكون السنة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي
وفيه ثمانية مباحث:
الأول: التعريف بالشريعة، مصادرها ومقاصدها.
الثاني: التعريف بالسنة ومكانتها، وأدوارها.
الثالث: الأدلة على حجية السنة.
الرابع: عناية المحدِّثين بأحكام الشريعة.
الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ودلالاتها.
السادس: أنواع من القرائن الصارفة عن العمل بظواهر السنن.
السابع: أسباب عدم الاحتجاج ببعض السنن.
الثامن: موقف العلماء من السنن التي ظاهرها التعارض.
المبحث الأول: التعريف بالشريعة ومصادرها ومقاصدها
أولاً: تعريف الشريعة لغةً وشرعًا
الشريعة في اللغة:
موْرِدُ الشاربة التي يردها الناس فيشربون منها ويستقون، والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء لا انقطاع له، ويكون ظاهرًا معينا لا يُسقى بالدلو، وشرعت في هذا الأمر شُرُعا: أي خضت(1).
الشريعة شرعًا:
استعمل العلماء لفظ الشريعة باستعمالات متعددة وذلك حسب المقام فمنهم من أطلقها على التوحيد وما سواه من الفروع ومنهم من أطلقها وأراد بها التوحيد فقط ومنهم من أطلقها وأراد بها الفروع فقط(2).
والرأي الراجح في معنى الشريعة عند الباحثين: هي الفرائض والحدود والأمر والنهي(3).
__________
(1) ابن منظور/ لسان العرب (مادة شرع) 8/175.
(2) عابد السفياني/ الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية: 24-26.
(3) عبد الله الكمالي/ الشريعة الإسلامية وفقه الموازنات: ص 30.(19/3)
فيدخل في تعريفها التوحيد وسائر الأحكام، وهي بذلك أعم من الحكم الشرعي الذي عرفه العلماء بأنه: الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب، أو التخيير أو الوضع(1).
فيمثل الحكم الشرعي الوجه العملي للدين فقط، والشريعة تمثل الوجهين العقدي والعملي معًا.
ثانيًا: مصادر الشريعة
ذكر العلماء أن مصادر الشريعة الأساسية أربعة مصادر: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع، والقياس(2).
ولا يخفى على المتأمل أن أدلة حجية الإجماع والقياس الكتاب والسنة.
أتى رجل إلى الإمام الشافعي فسأله عن الدليل في أن اتفاق الأمة حجة في الدين؟ فذهب الإمام الشافعي ولم يخرج ثلاثة أيام، ثم خرج وجاءه الشيخ فسلم ثم جلس، فقال حاجتي؟فقال الشافعي رحمه الله:نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى:? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( [النساء:115]. لا يصليه – تعالى- جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلاّ وهو فرض. قال: فقال: صدقت. وقام وذهب. قال الشافعي: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه(3).أي الدليل على أن حجية الإجماع ثابتة في الكتاب.
وكذلك رُوِيَ في السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -:(ما رآه المسلون حسنًا فهو عند الله حسن)(4).
وذكر أهل القياس ونفاته أدلتهم من الكتاب والسنة(5).
__________
(1) شرح البدخشي على المنهاج: 1/30، شرح الأسنوي على المنهاج: 1/46.
(2) ذكر العلماء للاستدلال مصادر غير أساسية وتسمى الأدلة الفرعية، ولم تسلم من الاختلاف بين الأصوليين وهي: الاستصحاب، شرع من قبلنا، مذهب الصحابي، الاستحسان، المصالح المرسلة. انظر: الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 4/172-209.
(3) انظر الشافعي/ أحكام القرآن: 1/39-40.
(4) قال الألباني: لا أصل له مرفوعاً، وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود. انظر السلسلة الضعيفة 2/17
رقم 533.
(5) ابن القيم/ أعلام الموقعين: 1/195-198-227.(19/4)
وتعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي، فهو محتاج إلى كثير من البيان، والسنة إنما هي بيان للقرآن(1).فمصادر الشريعة: الكتاب والسنة وغيرهما تبع لهما.
ثالثًا: مقاصد الشريعة
القرآن الكريم والسنة الشريفة أتيا للتعريف بمصالح الدارين جلبا لها، والتعريف بمفاسدهما دفعًا لها.
وهذه المصالح لها ثلاثة أقسام: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيّات.
والضروريات خمس: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ العقل.
والحاجيات تدور على التوسعة، والتيسير، ورفع الحرج، والرفق في هذه المقاصد.
والتحسينيّات ترجع إلى العمل بمكارم الأخلاق وما يحسن في مجاري العادات في هذه المقاصد الخمس.
ولكل مما تقدم أمثلة عديدة وردت في الكتاب والسنة(2).
والفقهاء وهم ينظرون في السنن يجدون بالاستقراء أنه لا يمكن أن تشذ سنة فتدفع مصلحة أو تجلب مفسدة راجحة، فإن وجدت مفسدة، فهو دليل ضعفها أو كذب ناقلها.
المبحث الثاني: التعريف بالسنة، وأدوار العناية بها
أولاً: السنة لغة وشرعًا
السنة في اللغة
تأتي في اللغة بمعاني منها الصورة وما أقبل من الوجه، والطريقة: سنّ الله سنّة أبي بيّن طريقا قويما، قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:38].
والسنّة السيرة، حسنة كانت أو قبيحة:
يقول الشاعر:
فلا تجْزعن من سيرة أنت سِرْتها فأول راضٍ عن سنّةً يَسيرُها(3)
السنة شرعًا: ما جاء منقولاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير بالوحي أو الاجتهاد(4).
وتطلق السنة في الشرع أيضًا فيما يقابل البدعة، يقال: فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) الشاطبي/ الموافقات: 4/180.
(2) المرجع السابق: 4/346-352.
(3) لسان العرب، مادة "سنن" 13/225.
(4) الشاطبي/ الموافقات: 4/293.(19/5)
ويطلق أيضًا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة مجتمعًا عليه منهم أو من خلفائهم(1).يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ(2))(3)
ثانيًا: الفرق بين السنة والحديث
للحديث قسمان عند علماء الحديث:
علم الحديث رواية وهو العلم الذي يشتمل على أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. وهذا القسم ينطبق تعريفه على تعريف السنة.
والقسم الثاني علم الحديث دراية ويقصد به العلم الذي يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها وحال الرواة وشروطهم وأصناف مروياتهم(4).
__________
(1) المرجع السابق: 4/290.
(2) النواجذ: الناجذ آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان، ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل، يقال ضحك حتى بدت نواجذه. انظر: الرازي/ مختار الصحاح: باب النون، فصل الجيم.ص: 646.
(3) أخرجه الترمذي وصححه الشيخ الألباني. انظر:الألباني: إرواء الغليل: (2455) 8/107.
(4) السيوطي/ تدريب الراوي: 1/40.(19/6)
يقول الدكتور رفعت فوزي:" قد يبدو في أقوال بعض العلماء في القرن الثاني الهجري التفرقة بينهما ذلك في قول الأعمش رحمه الله تعالى:" لا أعلم لله قومًا يطلبون هذا الحديث، ويحبون هذه السنة"وأوضح من هذا قول عبد الرحمن بن مهدي: ( الناس على وجوه، فمنهم من هو إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث وليس بإمام في السنة) وربما كان أساس هذا التفريق هو أنهم كانوا ينظرون إلى أن الحديث أمر علمي نظري، وأن السنة أمر عملي، إذ إنها كانت تعتبر المثل الأعلى للسلوك في كل أمور الدين والدنيا، وكان هذا سبب الاجتهاد في البحث عنها والاعتناء بحفظها والاقتداء بها. وربما كان الأساس هو أن بعضهم كان ينظر إلى السنة على أنها أعم من فعل الرسول وقوله وتقريره وتشمل أفعال الصحابة والتابعين"(1).
وسأسير في البحث على طريق من اختار أن السنة والحديث معناهما واحد.
ثالثًا: الأدوار التي مرّت بها السنة وتدوينها
الدور الأول: القرن الأول الهجري
السنة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة:
كان المعول في حفظ السنة وضبطها صدور الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك لشيوع الأمية فيهم فكان اعتمادهم على السماع والحفظ لا على القراءة والكتابة، لم يكن للتدوين ضرورة، ولاسيما وأن حرصهم على تدوين القرآن الكريم وخشيتهم من أن يكون في تدوين الحديث ما يؤدي إلى اتخاذ الناس صحف الحديث مصاحف يضاهون بها صحف القرآن العزيز، فيشتبه على بعضهم القرآن بالأحاديث وربما اشتغلوا به عن التلاوة(2).
__________
(1) توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته: ص: 19-20.
(2) العسقلاني/هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص6، السيوطي/تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: 1/5.(19/7)
لكن وجد من الصحابة من كان يكتب ويكثر من الكتابة لنفسه كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فكانت عنده صحيفة يسميها الصادقة(1).
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتابة لرجل من أهل اليمن عام الفتح سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: اكتب لي يا رسول الله. فقال: اكتبوا لأبي فلان (2).
وذكر أن عليًا - رضي الله عنه - كان لديه كتاب فيه حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة(3).
وثبت أن لديه صحيفة فيها فكاك الأسير والدية ولا يقتل مسلم بكافر(4)
الدور الثاني: القرن الثاني الهجري
بدأ تدوين السنة في هذا القرن بطريقة أوسع وبشكل أمر رسمي من ولي أمر المسلمين حيث كتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين الخليفة الراشد رحمه الله تعالى إلى الآفاق: ( انظروا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجمعوه)(5).
والأرجح أن أول من جمع الحديث من العلماء الإمام محمد بن شهاب الزهري. ومن وقته شاع جمع الحديث وتدوينه فكتب بعده: ابن إسحاق ومالك بالمدينة، وحماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن.
ثم تلا هؤلاء: عبد الرزاق باليمن وأبو قُرة موسى بن طارق، وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب، وجودة الترتيب وحسن التأليف(6).
الدور الثالث: القرن الثالث الهجري
__________
(1) يقول - رضي الله عنه -:" هذه الصادقة فيها ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه أحد"انظر: طبقات ابن سعد: 4/262.
(2) الخطبة عن مكة وحرمتها هي مشهورة. انظر صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم: (110) 1/119.
(3) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 2/262.
(4) أخرجه البخاري، انظر: صحيح البخاري، باب كتابة العلم، باب كتابة العلم: (109) 1/119.
(5) العسقلاني/ فتح الباري: 1/195، الكتاني/ الرسالة المستطرفة: ص: 4.
(6) انظر: الرامهرمزي/ المحدث الفاصل: 613-614.(19/8)
في هذا الدور بلغ الحديث غايته ومنتهاه، فلم يزل يروى ويجمع ويدوَّن ويُسطّر في الأجزاء، والكتب إلى زمن الإمامين البخاري ومسلم، ورزقهما الله حسن القبول شرقًا وغربًا، ثم ازداد الجمع والتدوين وظهر جهابذة المحدّثين كالترمذي وأبي داود والنسائي وكان هذا العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهى(1).
الدور الرابع: القرن الرابع الهجري
طغى التدوين في هذا القرن على الرواية الشفهية عن الشيوخ كما كان الحال فيمن سبق من علماء الحديث(2).
وكثرت المستخرجات(3)، وظهرت كتب جمعت أدلة المذاهب الفقهية من الأحاديث(4).
الدور الخامس: من القرن الخامس الهجري وحتى سقوط بغداد على أيدي التتار عام 656هجري
ما كاد القرن الرابع أن ينتهي، حتى أصبح عمل العلماء قاصرًا على الجمع، والانتقاء، والترتيب، أو التهذيب لكتب السابقين(5).
الدور السادس: بعد سقوط بغداد وحتى نهاية القرن العاشر
بعد سقوط بغداد تقاعست الهمم وفترت العزائم عن الرحلة إلى الأقطار، وخدمة الحديث فانقرضت الرواية الشفهية إلاّ في أفراد يجددون ما خلق ويحيون ما اندثر من وقت لآخر،(6).ويشتكي الإمام الذهبي من قتلهم فيقول:"فأين علم الحديث وأين أهله؟ كدت لا أراهم إلاّ في كتاب أو تحت تراب"(7).
__________
(1) القنوجي/ الحطة في ذكر الصحاح الستة: ص 61.
(2) محمد أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 423.
(3) من المستخرجات المشهورة: مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، ومستخرج ابن أبي دُهل الهروي على صحيح البخاري.
(4) من ذلك كتاب معاني الآثار للطحاوي في المذهب الحنفي، والسُّنن الكبرى على المذهب الشافعي.
(5) انظر: محمد أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 43.
(6) مثل الحافظ زين الدين العراقي وتلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
(7) تذكرة الحفّاظ: 1/4.(19/9)
وأصبح للسنة شأن في مصر على مدار ثلاثة قرون حيث اهتم المماليك بالعلوم وأنشأوا فيها مدارس الحديث، حبسوا الأموال على المؤسسات الدينية والعلمية واستمرت هذه النهضة بمصر إلى أوائل القرن العاشر ثم أخذ النشاط العلمي يتضاءل ويضمحل، وطفق يرحل شيئًا فشيئًا إلى الهند(1).
الدور السابع: من بداية القرن الحادي عشر وحتى اليوم
سخر الله عز وجل بفضله ومنه في الهند من حمل لواء السنة يدعو إليها وينافح عنها.وكانت لهم آثار ملموسة وأحيا الله بهم الحديث والسنة(2) .
وممّا هو جدير بالذكر الإشادة بالجهود الطيبة المباركة التي قام بها جلالة الملك الراحل( عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) عليه رحمة الله وعدد من أبنائه وعدد من علماء الجزيرة الذين عُنوا بكتب السنة والفقه وبذلوا الأموال في تحقيقها وطبعها ونشرها بين أيدي الناس دون مقابل(3).
المبحث الثالث: الأدلة على حجية السنة
أولاً من القرآن:
- قوله جلّ شأنه:?? ? ( ( ( ( ( ( [النساء:80].
- قوله تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ([ النساء:59].
- قوله عزّ من قائل: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ النساء:65].
- قوله سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( [الحشر:7].
ثانيا: من السنة الشريفة:
حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ترك سنته ففي الحديث الذي يرويه المقدام
__________
(1) أبو زهو/ الحديث والمحدثون: ص 440، الكشميري/ فيض الباري: 1/15.
(2) انظر الزركلي/ الأعلام: 1/149.
(3) من الكتب التي حصلت عليها مجانًا جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير، والفتاوى لابن تيمية، المغني لابن قدامة.(19/10)
بن معد يكرب - رضي الله عنه - :(لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو النهي مما نهيت عنه، فيقول: ما أدري؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) وفي لفظ( يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يُحدَّث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرّم الله)(1).والشاهد من الحديث( ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله).
ثالثًا: الإجماع:
المتتبع لتصرفات الصحابة رضي الله عنهم في وقائع كثيرة لا تنحصر يجد أنهم حيث وجدوا السنة عملوا بها، وجعلوها حجة في الدين ولم يستجيزوا مخالفتها أو إغفالها أو طرحها، مما لا يدع مجالاً للشك أنه كان مقررً لديهم أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة على عباده، وأن العمل بها عمل بالدين، فانعقد على ذلك إجماعهم(2).
رابعًا: المعقول:
كيف لا تكون السنة حجة وهي التي جاءت ببيان كيفية العمل ففيها ذكر الأسباب والشروط والموانع واللواحق وما أشبه ذلك كبيانها مواقيت الصلوات والركوع والسجود، وبيانها للزكاة في مقاديرها وأوقاتها وتعيين ما يزكى، وبيان أحكام الصوم وما فيه مما لم يقع النص عليه في الكتاب، وكذلك الطهارة من الحدث والخبث، والحج، والذبائح والصيد وما يؤكل مما لا يؤكل والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها، والجنايات من القصاص وغيره كل ذلك بيان لما وقع مجملاً في القرآن(3).
__________
(1) أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. انظر: المسند: 4/132. والمستدرك على الصحيحين: 1/108
(2) انظر: ابن القيم/ أعلام الموقعين : 1/49، محمد الأشقر/ أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام الشرعية: ص 15.
(3) الشاطبي/ الموافقات: ص 505.(19/11)
وكيف لا تكون حجة وقد استقلت بأحكام كثيرة في الحلال والحرام عمل بها سلف الأمة وخلفها؟
فمن قال: إن السنّة ليست حجة في التشريع الإسلامي معطل بالعقل لأحكام الشرع حيث إن معظمها لا يعرف إلاّ عن طريق السنة(1).
المبحث الرابع: عناية الفقهاء بالحديث وعناية المحدثين بأحكام الشريعة
لا يخفى على أحد اهتمام الفقهاء بالحديث وأنهم لا يستغنون عنه لاستنباط الحكم الشرعي، يقول الإمام النووي مبينًا أهمية ذلك: " على السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات، وبيانها في السنن المحكمات، وقد اتفق العلماء على أن من شروط القاضي والمفتي أن يكون عالمًا بالأحاديث الحكميات"(2).وكان تأثر الأئمة المحدثين أمثال البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي بمذاهب أئمة الفقه كبيرًا.
والمتأمل في كتبهم يظهر له حرصهم على وزن المذاهب الفقهية ومقارنتها بما صح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومناقشتها أحيانًا.
ولقد تفاوت حظ الفقهاء من الحديث كما تفاوت حظ المحدثين من الفقه. فالإمامان مالك وأحمد بن حنبل محدثان ولكن شهرتهما في الفقه غلبت شهرتهما في الحديث(3).
واختلف تأثر المحدثين بالفقهاء، يقول في ذلك الإمام ابن تيمية:" أما البخاري وأبو داود فإمامان في الفقه والاجتهاد، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء، وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك وأمثاله أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة والثوري ووكيع. ويحي بن سعيد وابن المبارك يميلان إلى مذهب العراقيين
__________
(1) الباحثة: مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة جامعة أم القرى، عدد 18، 1419، ص : 145.
(2) النووي/ شرح صحيح مسلم: 1/4.
(3) اشتهر كتاب الموطأ للإمام مالك، كما اشتهر مسند الإمام أحمد ولم يثبت للإمامين أبي حنيفة، والشافعي مثلهما.(19/12)
كأبي حنيفة والثوري، والبيهقي على مذهب الإمام الشافعي، والدارقطني يميل إلى مذهب الشافعي ولكن اجتهاده أقوى من البيهقي وكان أعلم منه وأفقه"(1).
فالسنن والأحكام الشرعية علمان يكمل أحدهما الآخر كعلم الصيدلة والطب لا يستغني أحدهما عن الآخر(2).
وقد يكون الفقيه محدثًا فقيهًا. مع التسليم جميعًا من الجميع أن الحكم الشرعي ينبغي أن لا يخالف الحديث القطعي الدلالة والقطعي الثبوت بحال من الأحوال.
يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:" لم يزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث، فإن طلبوا العلم بلا حديث فسدوا"(3).
يقول أبو يوسف رحمه الله:" لا يحل لأحد أن يقول قولنا حتى يعلم من أين قلناه"(4).
وقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله المشهور:" ما كان من كلامي موافقًا للكتاب والسنة فخذوه وما لم يوافق فاتركوه"(5).
وقول الإمام الشافعي رحمه الله:" الحديث مذهبي فما خالفه فاضربوا به الحائط"(6).
ويقول الإمام أحمد رحمه الله:" عليكم بأصحاب الآثار والسنن"(7).
والمتأمل بعمق في كتابي الإمامين البخاري والترمذي يلحظ الترابط القوي بين الأحكام الشرعية التي ناقشها الأئمة الفقهاء وإثباتها بما صح من الأحاديث والآثار(8).
__________
(1) الفتاوى: 20/39-42.
(2) يوسف القاسم/ مبادئ الفقه الإسلامي: ص 115، الحجوي/ الفكر السامي: 2/162.
(3) محمد عوامة/ أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة ص 19.
(4) ابن القيم/ أعلام الموقعين: 2/182.
(5) الشاطبي/ الاعتصام بالكتاب والسنة: ص 505.
(6) الذهبي/ سير أعلام النبلاء: 10/78.
(7) المرجع السابق: 11/231.
(8) ظهرت دراسات في الحديث اهتمت بإظهار الجوانب الفقهية عند المحدثين، ومن أوائل من كتب في ذلك الأستاذ الدكتور عبد المجيد محمود في كتابه الاتجاهات الفقهية عند المحدثين في القرن الثالث الهجري، الباحثة/ مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة جامعة أم القرى العدد،18، 1419ه ، ص 154.(19/13)
وهذه الأقوال توضح أن مذهب أعلام وعلماء الأمة محدثين وفقهاء: اعتماد السنة مصدرًا أساسيًا للتشريع الإسلامي، فمن شذّ عنهم بإنكار حجيتها، فقد جاء ببهتان وإثم عظيم، ومن شذّ فقد شذّ في النار.
المبحث الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ومن حيث دلالاتها
ينبغي لطلبة العلم بعد معرفتهم أن جميع الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عامّاً لا يتعمدون مخالفة السنة في دقيق ولا جليل، وأنهم متفقون يقينًا على وجوب إتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - : معرفة أن تلك السنن منها المعتبر في التشريع من حيث الثبوت والدلالة ومنها غير المعتبر.وفصّل العلماء في ذلك حيث ذكروا أن بعض الأحاديث لا تصلح مصدرًا للتشريع، وأن بعض أفعاله - صلى الله عليه وسلم - الخاصة به ليست حجة لعمل سائر الأمة ويوضح ذلك أكثر المبحث التالي:
أولاً: أقسام السنة من حيث ثبوتها
تنقسم من حيث ثبوتها إلى قسمين: ثابتة وغير ثابتة. والثابتة إما قطعية الثبوت أو ظنية الثبوت.
والقطعية هي الأحاديث المتواترة التي تفيد العلم اليقيني: أي الضروري الذي يضطر الإنسان إليه فلا يستطيع دفعه، والفرق بينه وبين العلم النظري: أن العلم الضروري يفيد العلم بلا استدلال والنظري يفيد العلم لكن مع الاستدلال، والضروري يحصل لكل سامع، والنظري لا يحصل إلاّ لمن فيه أهلية النظر(1).
أما الظنية الثبوت فهي الأحاديث المقبولة التي رواها آحاد يغلب على الظن فيها صدق الخبر لصدق ناقله. فيؤخذ بها، ويجب العمل بها عند الجمهور، وتفيد غلبة الظن ما لم تعارض بمثلها.
ثم إذا اجتمعت لها قرائن مثل كون الحديث في الصحيحين، وله طرق متعددة، ورواه الأئمة فلا يبعد حينئذ القطع بصدقه(2).
__________
(1) العسقلاني: نزهة النظر: ص 38.
(2) المرجع السابق: ص 38.(19/14)
أما الأحاديث غير الثابتة، أو المردودة فهي التي يغلب على الظن فيها كذب الخبر، لثبوت كذب ناقليه، وهذه الأحاديث الضعيفة، والتي لها أنواع قد يعمل ببعضها في فضائل الأعمال والمواعظ وأشباهها(1).
والخلاصة: أن المتواترة يجب العمل بها إجماعًا وتفيد العلم اليقيني، والآحاد الصحيحة يجب العمل بها عند الجمهور وتفيد غلبة الظن، فإذا اجتمعت لها قرائن وجب العمل بها وأفادت العلم النظري، والمردودة الضعيفة لا تفيد علمًا ولا عملاً.
ثانيًا: أقسام السنة من حيث دلالتها(2)
تنقسم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث دلا لتها إلى ثلاثة أقسام: أقوال، أفعال، تقريرات. ولكل قسم فرع ولكل فرع دلالة ذكرها العلماء.
القسم الأول:
__________
(1) النووي/ شرح صحيح مسلم: 1/28-29، النووي/ ما تمس إليه حاجة القارئ إلى صحيح البخاري: ص 38.
(2) الدلالات لغة: مفردها دلالة من دلّه على الشيء إذا أرشده إليه، والدليل المرشد. واصطلاحًا: وضع الشيء بحيث يفهم منه شيء آخر وقسمها الجمهور إلى قسمين؛ منطوق: وهو ما يفهم من اللفظ في محل النطق، ومفهوم وهو ما يفهم من اللفظ لا في محل النطق. وقسّم الأصوليون الألفاظ الواضحة الدلالة إلى قسمين نص وظاهر، فالنص بهذا المفهوم هو ما كانت دلالته قطعية وهو المقصود من القاعدة " لا اجتهاد مع نص". والظاهر ما كانت دلالته راجحة فقط، والأحكام الشرعية تارة تؤخذ من نص الكتاب والسنة وتارة تؤخذ من ظاهرهما. انظر: ابن بيه/ أمالي الدلالات: ص 58، سعد العثماني: الفقه الدعوي مساهمة في التأصيل:ص 17، السعدي/ رسالة مختصرة في أصول الفقه: 123.(19/15)
أقواله - صلى الله عليه وسلم - وهي على خمسة أنواع:أوامر وهي تدل على الوجوب ما لم يقم دليل على خروج الوجوب إلى الندب وغيره(1). وللوجوب صور وأمثلة.(2).
ونواهٍ، والنهي عند الجمهور يفيد التحريم ما لم تأت قرينة أو دليل يصرفه عن التحريم إلى الكراهة(3).وللتحريم صور وأمثلة(4)
وإذا مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرًا، أو أثنى عليه دون أن يأمر به فإنه يدل على استحباب ذلك الأمر(5). وله صور وأمثلة(6).
__________
(1) أصول السرخسي: 1/15، الأصفهاني/ مختصر ابن الحاجب: 2/19، الخبازي/ المغني في أصول الفقه: ص 30، ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام: 1/19.
(2) صيغة الوجوب لها صور، فعل الأمر مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - :((تنزهوا من البول))، أو فعل مضارع مسبوق بلام الأمر مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - :(( فليستطب بثلاثة أحجار)) أو بذكر صريح الوجوب مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - :(( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) أو بقرن الفعل بعقوبة على تركه مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد)) الباحثة/ مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة أم القرى، العدد 18.
(3) أصول السرخسي: 1/79، الخبازي/ المغني في أصول الفقه: ص 67، الأصفهاني/ بيان المختصر: 2/87.
(4) صيغة التحريم لها صور، لفظ النهي مثل حديث (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب...)) لا الناهية مثل حديث: (( لا يخلونّ رجل بامرأة..)) أو بذكر التحريم مثل حديث (( كل ذي ناب من السباع فأكله حرام))، أو بذكر الفعل مقرونًا بالعقوبة مثل حديث (( لعن الله الواصلة...)) الباحثة/ المدخل لدراسة أحاديث الأحكام.
(5) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/305.
(6) انظر الباحثة/ المدخل لدراسة أحاديث الأحكام.(19/16)
وإذا ذم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرًا ولم ينه عنه أو يتوعد عليه بعقوبة فإنه يدل على الكراهة(1). وله صور وأمثلة(2)
أما إذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن شيء: (( شأنكم به)) فمعناه أمره إليكم فمن شاء فعله، ومن شاء تركه، فيدل هذا القول على الإباحة(3)ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها:(( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع أصواتًا، فقال: ما هذا الصوت ؟ قالوا: النخل يؤبرونها(4). فقال: لو لم يفعلوا لصلح. فلم يؤبروها عامئذ، فصار شيصًا(5)، فذكروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كان شيئاً من أمور دنياكم فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإلي))(6).
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء هذا حلال فإنه يدل على الإباحة. كقوله - صلى الله عليه وسلم - عن البحر: (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته))(7).
__________
(1) ابن حزم / الإحكام في أصول الأحكام: 1/241.
(2) حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى زحامًا ورجلاً قد ضُلِّل عليه فقال: ما هذا ؟ قالوا: صائم قال:(( ليس من البر الصيام في السفر)) أخذ العلماء منه كراهة الصوم في السفر لمن يجهده ويشق عليه.انظر ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام: 2/25.
(3) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/305.
(4) يُؤبرونها: يُلقحونها والمأبورة المُلقّحة. انظر: ابن الأثير/ النهاية باب الهمز مع الباء، 1/13.
(5) شيصًا : الشيص التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى، وقد لا يكون له نوى. انظر المرجع السابق باب الشين مع الباء، 2/ 518.
(6) أخرجه أحمد، وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني، انظر المسند: 6/123، سنن ابن ماجه كتاب الرهون، باب تلقيح النخل: 2/825، صحيح ابن ماجه(2471) 2/64.
(7) أخرجه أبو داود( 83) وصححه الشيخ الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود: كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، (76) 1/19.(19/17)
أما القسم الثاني فدلالات أفعاله - صلى الله عليه وسلم - ، ولها ثلاثة فروع:
أفعال تدل على الإباحة، ولا قدوة فيها للأمة. ولها ثلاث صور:
الفعل الجبلي الطبيعي المركوز في أصل الخِلْقة(1):
والمقصود به المحبة والكراهة الطبيعيتان، كحبه - صلى الله عليه وسلم - الحلواء والعسل والدباء والثريد من الخبز واللحم ومن الشراب الحلو البارد، وكراهته لرائحة الحناء(2).
الفعل العادي: ويقصد بالأمور العادية ما سوى الأمور العبادية أي ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - على عادة قومه ومألوفهم مما لم يدل دليل على ارتباطه بالشرع، مثال ذلك: لبسه - صلى الله عليه وسلم - الثوب المخطط، وإطالة شعره، وأنواع الطيب والعطور.
الفعل الدنيوي: كالوسائل التي استخدمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الطب والزراعة والتجارة والتدابير من اتخاذ الولاة والحراس والسفراء(3)
2- أفعال خاصة به - صلى الله عليه وسلم - :
إذا ثبتت الخصوصية في فعل من أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه،وذلك إجماع(4)، كاختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بوجوب الوتر والتهجد بالليل.
وقد تكون واجبة عليه محرمة على أمته،كاختصاصه بإباحة الوصال في الصوم فلا يفطر بين اليومين أو الأيام(5).
3- أفعال تدل على الوجوب أو الندب في حقه - صلى الله عليه وسلم - وحق أمته:
__________
(1) قلعة جي/ معجم لغة الفقهاء: ص 160.
(2) ابن القيم/ زاد المعاد: 3/156، 179.
(3) الأشقر/ أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : 1/216.
(4) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/247.
(5) معجم لغة الفقهاء: ص 503.(19/18)
كالأفعال التي تصدر عنه - صلى الله عليه وسلم - بيانًا لآية دالة على الوجوب في حقه وحقنا كبيانه صلاة الظهر وأنها أربع ركعات، والجمعة وأنها ركعتان، وبيانه - صلى الله عليه وسلم - لكيفية الصلاة، ففي الحديث: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبّر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صُلبه من الركعة ثم يقول: وهو قائم: ربنا ولك الحمد ثم يكبّر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حين يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس))(1).
أما الأفعال التي يفعلها - صلى الله عليه وسلم - من ذات نفسه مطابقًا لما فرضه الله تعالى له من إنشاء بعض الأحكام فإن دل الدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله واجبًا دل على وجوبه، وإن دل الدليل على أنه فعله ندبًا كان مندوبًا في حقه وحق أمته(2). مثال ذلك ما ورد في الحديث (( كان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في تنعله وترجله وفي شأنه كله)) (3)." يعجبه" دليل أن هذا الفعل للاستحباب.
أما القسم الثالث: تقريراته - صلى الله عليه وسلم - :
إذا رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، أو علمه، فسكت عنه ولم ينكره، فهذا يدل على إباحته لذلك الشيء فقط غير موجب له، ولا ندب إليه(4).
__________
(1) متفق عليه، واللفظ للبخاري، انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب إتمام التكبير إذا قام من السجود: (746) 1/746.
(2) أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : 1/325-372.
(3) متفق عليه، واللفظ للبخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل: 1/143(164).
(4) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/149.(19/19)
عن عمرو بن خارجة - رضي الله عنه - قال:(( خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفي))(1).دلّ الحديث على أن لعاب ما يؤكل لحمه طاهر، وهو مبني على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم سيلان لعاب الناقة على الصحابي راوي الحديث ولم يأمره بغسله، ولا إزالته. وأخذ العلماء بذلك فلم ينقل عن أحد من الأئمة القول بوجوب غسل لعاب ما يؤكل لحمه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بالاتفاق(2).
المبحث السادس: أنواع القرائن الصارفة عن العمل بظواهر السنن
ورد في تعريف القرينة عدة مصطلحات منها:
القرينة: الأمر الذي يصرف الذهن عن المعنى الوضعي إلى المعنى المجازي، وقيل هي: ما يدل على المراد من غير أن يكون صريحًا فيه. وقيل : أمر يشير إلى المطلوب(3).
والمتتبع لمسائل الأمر عند جمهور الأصوليين يجد أنهم متفقون على أن القرينة بجميع أنواعها تعتبر صارفة الأمر عن حقيقته فإنه متى وجدت ترك تحديد المراد من الأمر حينئذ إليها(4).
فالسنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي والجميع متفقون على مكانتها المهمة من حيث الاحتجاج والعمل لكن ينبغي عدم إغفال ما تقدم من ثبوت السنة، ووضوح دلالتها، ومعرفة القرائن التي لها أثر في صرف السنة عن ظاهرها. ويوضح ذلك الأمثلة التالية:
__________
(1) أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، انظر : المسند : 4/186، سنن ابن ماجه، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث: 2/117، سنن الترمذي، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث: 3/294.
(2) الصنعاني، سبل السلام: 1/36
(3) انظر: معجم لغة الفقهاء، ص 362، الحيفان/ القرائن الصارفة للأمر عن حقيقته: ص 118.
(4) المرجع السابق: ص 116-134.(19/20)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له: (( مره فليراجعها))(1). فدلّ ظاهر الحديث على وجوب الرجعة، ولكن ذهب الجمهور إلى أنها مستحبة فقط(2)،حيث ظهرت لهم قرينة صرفت الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وتلك القرينة هي: أن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لا تجب، فقاس العلماء ابتداء النكاح في عدم وجوبه على استمرار وجوبه بالرجعة، فقالوا: هي أيضًا ليست بواجبة. فكان القياس قرينة على أن الأمر للندب(3).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يدري أين باتت يده))(4). ظاهر الحديث يدل على وجوب غسل اليدين ثلاثًا بعد الاستيقاظ، ولكن ذهب الجمهور إلى أن الأمر للندب(5).
لا يدخله احتمال. فكان قرينة لصرف الأمر عن ظاهره(6).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) أخرجه مسلم، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها: 10/61.
(2) سبل السلام: 3/113.
(3) المرجع السابق: 3/169.
(4) رواه الجماعة إلا البخاري، انظر: صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثًا. 1/233.
(5) الشوكاني/ نيل الأوطار: 1/290-291.
(6) ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام: 1/19، سبل السلام: 1/47.(19/21)
(( إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل))(1). دلّ الحديث على وجوب الغسل يوم الجمعة. وذكر الإمام الشوكاني أن جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار ذهبوا إلى أنه مستحب(2). والقرينة الصارفة عن الوجوب أحاديث صحيحة دلّت على الاستحباب، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام))(3).
وهناك أمثلة عديدة خالف فيها الجمهور ظاهر السنة لقرينة قوية ظهرت لهم. وهم في هذا الأمر مخالفون لبعض الظاهرية الذين لا يبالون بأي قرينة إذا خالفت ظاهر السنة(4).
المبحث السابع: أسباب عدم الاحتجاج ببعض السنن
أستهل هذا المبحث بقول للإمام ابن تيمية: " ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عامًا يتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من سننه دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون على وجوب إتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلم أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(5).
__________
(1) أخرجه الجماعة واللفظ للبخاري، انظر صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الحمعة: (826) 2/409.
(2) نيل الأوطار: 1/290-291.
(3) أخرجه مسلم، انظر صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة: 2/588(857).
(4) من أعجب أقوال الظاهرية: أن الرجل إذا بال في قارورة أو في إناء ثم صبه في الماء الدائم فإنه لا ينجس ولا يكون منهيًا عنه....‘ وما ذلك إلا لمنعهم النظر في الحديث ومنعهم القول بالقرائن، ومن أمثلة النظر في القرائن التي يذهب إليها جمهور الفقهاء موقفهم من عدم وجوب الاضطجاع بعد ركعتي سنة الفجر... انظر: الشوكاني/ نيل الأوطار: 1/239-241، سبل السلام: 1/21، 2/6.
(5) رفع الملام عن الأئمة الأعلام: ص 3.(19/22)
فلو وجد لأحدهم قول مخالف لسنة صحيحة فلا بد له من سبب قوي كضعف في رجال السند، أو اختلاف في عدالة الرواة، أو غير ذلك مما يسوغ عد الأخذ بالحديث والعدول عنه إلى غيره(1).
وينبغي لطالب العلم أن يرفع الملام عن الأئمة الأعلام إن وجد لأحدهم فتوى تخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد ذكر العلماء أسباباً عديدة تجعل الأئمة معذورين مأجورين، وملخصها هذان السببان:
الأول: زيادة بعضهم على بعض في كثرة العلم:
فالخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم الأمة وأفقهها، وأتقاها وأفضلها، ومع ذلك لم يحيطوا بجميع أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(2)، فمن بعدهم أنقص(3).
وقد ينظر العالم في الحديث فيراه ضعيفًا لرجل متهم في إسناده ويخفى عليه طريق أخرى للحديث صحيحة يعلمها إمام غيره.
الثاني: زيادة بعضهم على بعض في قوة الفهم:
__________
(1) المنبجي/ اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 1/55.
(2) وقعت قصص ثابتة معروفة مثل قصة استئذان أبي موسى الأشعري على عمر - رضي الله عنه - ثلاثًا ثم رجوعه، وقصة التيمم لعمار بن ياسر رضي الله عنهما. انظر: رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني: ص 114.
(3) ابن تيمية/ رفع الملام عن الأئمة الأعلام: ص 114.(19/23)
فقد تخفى دلالة الحديث على إمام وتظهر لغيره، أو يعتقد الإمام أن تلك الدلالة قد عارضها ما دلّ على أنها ليست مُرادة(1) وقد يفتح الحق سبحانه بدقائق الفهم لإمام لا تفتح لغيره(2). وذكر سبحانه قصة داود وسليمان عليهما السلام دليلاً على ذلك:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الأنبياء:78-79] . فاختصّ سبحانه سليمان عليه السلام بالفهم، وأثنى عليهما بالحكم والعلم، وتدلّ الآية كذلك على أن خطأ المجتهد لا يقدح فيه بل يبقى المجتهد موضع الثناء والتقدير لعلمه الذي يحمله(3). ولقد بين العلماء أن دلالات أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث وضوحها وخفاؤها تنقسم إلى قسمين:
دلالة قطعية واضحة، لا يسع أحداً – غير مغلوب على عقله- جهلها كالأمر بالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، فالقطع بوجوبها لا خلاف فيه. وكالنهي عن الربا، والزنى، وقول الزور، والسرقة، فالقطع بتحريمها لا خلاف فيه(4).
__________
(1) ابن تيمية/ الفتاوى: 20/231.
(2) ذكر الرامهرمزي قصة لامرأة تغسل الموتى فسألت الفقيه أبا ثور فأجاب: إذا فرقت رأس الحي بالماء فالميت من باب أولى، استنباطًا من حديث عائشة رضي الله عنها كنت أفرق رأس رسول الله وأنا حائض. المحدث الفاصل بين الراوي والسامع: ص 249.
(3) البيضاوي/ أنوار التنزيل: ص 434.
(4) أبو زهرة/ أصول الفقه: ص 347.(19/24)
دلالة ظنية خفية يعلمها الخاصة دون العامة كفروع الفرائض والمسائل المختلف فيها بين الصحابة رضوان الله عليهم، وقد يكون خفاؤها في الحديث، إما للفظ غريب غير مشتهر، وإما لكون اللفظ مشتركًا وفيه أكثر من معنى(1)، أو لكون المعنى يختلف بين عرف وعرف، وبلد وبلد. وإما لكون الحديثين ظاهرهما التعارض. وهذه الدلالة يتفاوت العلماء في إدراكها وفهم وجوه الكلام فيها بحسب ما يفتح الحق سبحانه. وهي أحد أسباب اختلاف الأئمة رحمهم الله تعالى(2).
المبحث الثامن: موقف العلماء من السنن التي ظاهرها التعارض
الباحث في موضوع الاحتجاج بالسنة النبوية وكونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي لا يمكنه بحال إغفال النظر في موضوع الأحاديث التي ظاهرها التعارض حيث ذهب جمهور العلماء إلى ما يلي:
ينظر في الحديث المعارِض، فإن كان ضعيفًا فلا أثر له في المعارضة، لأن القوي لا تؤثر فيه مخالفة الضعيف.
إذا كان الحديث المعارض صحيحًا مقبولاً مثل الأول، فينظر هل يمكن أن يجمع بينهما؟ فإن أمكن: جمع بينهما وعمل بهما معًا، فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
والخلاف الظاهر بين العلماء هنا أن منهم من يقدم الجمع على الترجيح، ومنهم من يقدم الترجيح على الجمع. ويعتبر هذا الأمر من أهم أسباب اختلافهم رحمهم الله تعالى. ويوضح ذلك المثال التالي:
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرّبوا...))(3).
__________
(1) الألفاظ المشتركة: ما اتحد لفظه وتعدد معناه: كالقرء. والمترادفة: كالفقير والمسكين. والمترددة بين الحقيقة والمجاز كالقمر. انظر: ولد بيه: أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات: ص 75.
(2) رفع الملام: ص 21.
(3) متفق عليه، انظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق: (380) 1/135.(19/25)
وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (( لقد ارتقيت يومًا على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس لحاجته...))(1).
فمن العلماء من رجح الحديث الأول فقال: لا يجوز استقبال واستدبار القبلة بالبول والغائط لا في الصحاري ولا في البنيان.
ومنهم من رجح الحديث الثاني فقال: بمطلق الإباحة وأنه يجوز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط في الصحاري والبنيان.
ومنهم من جمع بين الحديثين فقال: لا يجوز في الصحاري، ويجوز في البنيان(2)
إن لم يمكن الجمع بينهما فلا يخلو أن يعرف التأريخ أولا؟ فإن عرف وثبت المتأخر فهو الناسخ و الآخر منسوخ. مثال ذلك حديث (( نهيتكم عن زيارة القبور فزروها)) (3). بين الحديث أن الأمر بزيارة القبور نسخ النهي عن زيارتها.
إن لم يعرف التأريخ للمتأخر فلا يخلو إما أن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح المتعلقة بالمتن أو السند، أو لا يمكن ذلك بحسب ما يفتح به الله من كثرة العلم أو عمق الفهم(4)
فإن لم يمكن الجمع بينهما، ولا معرفة الناسخ والمنسوخ، ولا الترجيح لأحدهما على الآخر فيكون التوقف عن العمل بالحديثين(5). يقول الإمام ابن حجر:" التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه والله أعلم"(6).
الفصل الثاني
تبيين السنة لأحكام القرآن الكريم
وفيه ثلاثة مباحث:
__________
(1) رواه الجماعة، انظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين.(142) 1/135.
(2) الشوكاني/ نيل الأوطار: 1/98.
(3) أخرجه مسلم، انظر صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه عز وجل في زيارة قبر أمه: 2/977.
(4) الشافعي/ الرسالة: ص 282.
(5) محمد عوامة/ أثر الحديث الشريف قي اختلاف الفقهاء: ص 101.
(6) نزهة النظر: ص 83.(19/26)
المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: تخصيص السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم.
المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم.
لم يقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في أن السنة مبينة لأحكام القرآن الكريم: فعن عبد الرحمن بن يزيد رأى محرمًا عليه ثيابه فنهى المحرم فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي؟ فقرأ عليه ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الحشر:36](1).
عن هشام بن حجير قال: كان طاووس يصلي ركعتين بعد العصر. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اتركهما. فقال: إنما نهي عنهما أن تتخذ سنة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أ تُعذب أم تؤجر؟ لأن الله تعالى قال: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( …( ( [الأحزاب:36] (2).
المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في آيات القرآن الكريم
جاءت السنة مفصلة ومفسرة للأحكام المجملة في آيات عديدة من القرآن الكريم؛ إما بحسب كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه أو موانعه أو لواحقه، وما أشبه ذلك؛ كبيانها للصلوات على اختلافها في أنواع مواقيتها، وركوعها وسجودها وسائر أحكامها، وبيانها للزكاة في مقاديرها ونُصبِ الأموال وتعيين ما يزكى مما لا يزكى.
وبيان أحكام الصوم وما فيه مما لم يقع النص عليه في الكتاب.
وكذلك الطهارة الحَدَثية و الخبثية، والحج، والذبائح، والصيد، وما يؤكل مما لا يؤكل، والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها، والجنايات من القصاص وغيره، كل ذلك بيان لما وقع مجملاً في القرآن الكريم، وهو الذي يظهر دخوله تحت قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ….( ( [ النحل:44]، (3)
__________
(1) القرطبي/ الجامع لأحكام القرآن: 1/38.
(2) المرجع السابق: 1/37.
(3) انظر الشاطبي/ الموافقات: 4/343.(19/27)
يوضح ذلك قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( [ المائدة:38].
ظاهر الآية يقتضي قَطع سارق القليل والكثير، والعقل لا يهتدي إلى الفصل فيه بحد تقف المعرفة عنده، فجاءت السنة بتحديده بربع دينار؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( ما طال عليّ ولا نسيتُ: القطعُ في ربع دينار فصاعدًا)) (1)(2).
وظاهر الآية يقتضي القطع في كل مال لا يسرع إليه الفساد أو يسرع كالخضار والفاكهة فجاءت السنة مفصلة أن من سرق ثمرًا ونحوه لا تقطع يده؛ فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(( لا قطع في ثمرٍ ولا كثرٍ (3) ))(4)(5).
ولم تبين الآية اشتراط الحرز وجاءت السنة به، ففي الحديث((.. ومن سرق شيئًا منه بعد أن يُؤوِيه الجَرِينُ(6)، فبلغ ثمن المجنِّ فعليه القطعُ..))(7).
واشترطه الفقهاء للقطع في السرقة، ورد في زاد المستقنع:" فإن سرقه من غير حرز فلا قطع، وحرز المال ما العادة حفظه فيه، ويختلف باختلاف الأموال والبلدان.."(8).
__________
(1) متفق عليه، انظر صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:( ( ( ( ( (، وفي كم القطع. (1638) 8/574.
(2) ابن العربي/ أحكام القرآن: 2/78.
(3) الكَثَر: بفتحتين، جمّار النخل، وهو شحمه الذي وسط النخلة، انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الكاف مع الثاء، 4/152.
(4) أخرجه أبو داود (4388), وابن ماجه(2593)، وصححه الشيخ الألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود: كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه (3688) 3/829.
(5) النجدي/ هداية الراغب: ص 534.
(6) الجرين: موضع تجفيف التمر، يجمع على جُرون بضمتين، انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الجيم مع الراء، 1/263.
(7) أخرجه النسائي، وأبو داود، وحسنه الألباني. انظر: صحيح سنن النسائي (4593) 3/1020.
(8) 2/350.(19/28)
وجاءت السنة لتبين أن حد السرقة وغيره من الحدود لا يقام في المساجد لقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها))(1).
وفصلت السنة أنه لا يقام الحد مع وجود شبهة لقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم))(2). ومثّل الفقهاء للشبهة: أنه لا يقطع السارق بالسرقة من مال أبيه وإن علا ولا بسرقة مال ولده وإن سفل لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر(3).
فهذه التفصيلات وغيرها وردت في السنة، فلولا السنة لما عرف كيفية قطع يد الساق، ولا متى تقطع. وعلى ذلك أكثر الآيات. يقول الإمام النووي رحمه الله:" على السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات، وبيانها في السنن المحكمات وقد اتفق العلماء أن على القاضي والمفتي أن يكون عالمًا بالأحاديث الحكميات"(4).
المبحث الثاني: تخصيص السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم
العام اللفظ المستغرق لما يصلح له(5).
أي يستغرق جميع الأفراد التي يصدق عليها معناه من غير حصر كمي ولا عددي(6).
__________
(1) أخرجه أحمد 3/434، والدارقطني 324-325، قال الشيخ الألباني: اختلف فيه قول الحافظ فقال في بلوغ المرام: سنده ضعيف، وقال في التلخيص: لا بأس بإسناده...ثم قال: وعندي أن الحديث حسن بالنظر .. انظر الألباني/ الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب: 2/695.
(2) أخرجه الترمذي(1424) في الحدود، باب ما جاء في درء الحدود، قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك كمال قال الحافظ في التقريب، وقد روي مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح كما قال الترمذي. انظر : ابن الأثير/ جامع الأصول في أحاديث الرسول: (1933) 3/603.
(3) انظر البهوتي/ الروض المربع: 2/351.
(4) النووي/ شرح صحيح مسلم: 1/4.
(5) الأصفهاني/ بيان المختصر لابن الحاجب: 2/104.
(6) صبحي الصالح/ مباحث في علوم القرآن: ص 304.(19/29)
وصيغة الألفاظ العربية تفيد الشمول والاستغراق وهي على النحو التالي:
لفظ كل، جميع، كافة
المعرف ب "أل" التي ليست للعهد.
النكرة في سياق النفي، أو النهي.
الذي، والتي وفروعهما.
أسماء الشروط.
المضاف إلى جمع.
المفرد المضاف.
ولا خلاف بين العلماء أن السنة إذا كانت متواترة يجوز تخصيص القرآن بها.
أما إذا كانت السنة من أخبار الآحاد فمذهب الأئمة الأربعة جوازه، وهو المختار عند العلماء(1).
والأدلة المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم كثيرة منها الآيات التالية التي خُصصت بالسنة التي رويت بأخبار الآحاد:
بعد ذكر الحق سبحانه وتعالى للمحرمات من النسب والرضاع والمصاهرة قال سبحانه ( ? ( ( ( ( ( [ النساء:24]، وخصص هذا الحل بما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها))(2).
وخصص قوله تعالى:( ( ( ( ( ( [ النساء: 11] بقوله- صلى الله عليه وسلم - :(( لا يرث القاتل)) (3) وبقوله: (( لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم من الكافر))(4).
وخصص قوله تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ النساء:11] بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :(( أنّه جعل للجدة السدس))(5).
__________
(1) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 2/472.
(2) متفق عليه انظر: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة مع عمتها(45) 7/22.
(3) أخرجه الترمذي، ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن القاتل لا يرث، وصححه الألباني. انظر سنن الترمذي، أبواب الفرائض، باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل: 3/288، صحيح سنن الترمذي: ( 1713) 2/215.
(4) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، أبو داود، انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول(7371) 9/599.
(5) أخرجه الموطأ، الترمذي، أبو داود، انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول(7371) 9/609.(19/30)
وخصص قوله تعالى: ( ? ( ( ( ( ( [ البقرة:275] بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - :(( أنه نهى عن بيع الدرهم بالدرهمين))(1) .
وخصص قوله تعالى: ( ? ( ( [ التوبة:5]. بإخراج المجوس وهم عبدة النار بما روي(( سنُّوا بهم سنّة أهل الكتاب))(2).
والصحابة أجمعوا على تخصيص العمومات بأخبار الآحاد، حيث إنهم أضافوا التخصيص إليها من غير نكير، فكان إجماعًا(3).
المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم
المطلق: ما دل على شائع في جنسه.
أي هو اللفظ الدال على معنى غير متعين، له أفراد مماثلة له(4).
كقولك رقبة، رجل، صبي.
و المقيد: بخلاف المطلق. فهو لفظ دال على معنى غير شائع في جنسه.
فهو يتناول ما دلّ على معين، ومادلّ على شائع لكن لا في جنسه.
فيكون العام مقيدًا بهذا التعريف(5).
كقولك عن الرقبة: مؤمنة. وعن الرجل: صالح. وعن الصبي: ذكي.…إذا ورد مطلق ومقيد، فلا يخلو، إما أن يختلف حكمهما، أو لا يختلف(6).
ومثال اختلاف حكمهما: إن ظاهرت فأعتق رقبة، مع: لا تملك رقبة كافرة(7).
ولا خلاف في امتناع حمل أحدهما على الآخر(8).
__________
(1) أخرجه مسلم والموطأ، انظر: جامع الأصول: (382) 1/558.
(2) أخرجه الموطأ، قال عبد القادر الأرناؤوط ورجاله ثقات، لكنه منقطع، فإن محمد بن علي لم يلق عمر، وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي انظر: جامع الأصول:(1151) 2/660.
(3) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/3.
(4) الأصفهاني/ بيان المختصر: 2/475.
(5) المرجع السابق: 2/350.
(6) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/4.
(7) بيان المختصر: 2/351.
(8) الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/3.(19/31)
وإن لم يختلف حكمهما أي حكم المطلق والمقيد، واتحد سببهما، وكان اللفظ دالاً على إثباتهما أو نفيهما، كما لو قال في الظهار: أعتقوا رقبة، ثم قال : أعتقوا رقبة مسلمة. يقول الآمدي:" فلا نعرف خلافًا في حمل المطلق على المقيد هاهنا"(1).
ومن أمثلة تقييد السنة للآيات المطلقة التي وردت في القرآن الكريم:
قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( (( ( ( ( ( [ النسا:12]. فالوصية لفظ مطلق شائع جنسه.
وقيّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوصية بالثلث، وذلك في قصة مرض سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع من وجعٍ اشتدّ بي فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مالٍ، ولا يرثني إلاّ ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا . فقلت: بالشطر؟ فقال: لا . ثم قال: الثلث والثلث كبير أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس،... الحديث ))(2).
قال الإمام الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه ليس للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث، وقد استحب بعض أهل العلم أن ينقص من الثلث...(3).
كما ورد قيد ثان للوصية في السنة فذهب الفقهاء إلى أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية، فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح بغير خلاف بين العلماء واشترط بعضهم لصحة الوصية ألاّ يكون المُوصى له وارثًا(4).
__________
(1) المرجع السابق: 3/4.
(2) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث: (1053) ص 461.
(3) أخرجه الترمذي وصححه الألباني، انظر: سنن الترمذي، أبواب الوصايا، ما جاء في الوصية بالثلث: 3/291. صحيح سنن الترمذي(1718) 2/2111.
(4) ابن قدامة/ المغني: 8/398.(19/32)
فعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجة الوداع: (( إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث..))(1).
وجمهور الفقهاء أو قفوا نفاذها على إجازة باقي الورثة، إن أجازوها نفذت و إلاّ بطلت(2).
ولم أعثر فيما اطلعت عليه على أمثلة كثيرة لتقييد السنة لمطلق أحكام القرآن، بخلاف تخصيص الآيات العامة.
الفصل الثالث
الاحتجاج والعمل بأحكام ثبتت في السنة ولم تذكر في القرآن
وفيه سبعة مباحث:
الأول: مرتبة السنة مع الكتاب.
الثاني: ثبوت أحكام في السنة لم تذكر في القرآن الكريم.
الثالث: ضوابط قبول الأحكام التي استقلت بها السنة.
الرابع: مثال مما استقلت به السنة في العبادات.
الخامس: مثال مما استقلت به السنة في المعاملات.
السادس: مثال مما استقلت به السنة في النكاح.
السابع: مثال مما استقلت به السنة في الحدود والجنايات.
المبحث الأول: مرتبة السنة مع القرآن
آيات القرآن الكريم هي الأساس الأول لجميع علوم الشرع(3)، نزل بها أمين السماء إلى أمين الأرض، يقول سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النحل:89]. والقرآن محفوظٌ بحفظ مالك السموات والأرض عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، يقول سبحانه وتعالى:( ? ( ( ( ( ( ( (
[ الحجر:9].
__________
(1) أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث: 3/194.
(2) محمد شلبي/ أحكام الوصايا والأوقاف: ص 87.
(3) ابن حزم/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/94-95.(19/33)
ورغّب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلاوته ومدارسته(1)، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) (2).
وأهم الفروق بين وحي القرآن ووحي السنة ما يلي:
القرآن معجزة بلفظه إلى الأبد دون السنّة.
يتعبد المسلم بتلاوته.
لا تجوز روايته بالمعنى.
يحرم مسه لغير طاهر دون السنة.
تُسمى الجملة منه آية، والفصل منه سورة.
لفظه ومعناه من عند الله عز وجل.
تكفل الله سبحانه بحفظه فهو قطعي الثبوت وأحاديث الآحاد بما حف بها من ظنون في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الثبوت(3).
وكانت وصية عمر - رضي الله عنه - في كتابه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : (( الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم عرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق))(4). فقدم القرآن ثم السنة وجعلهما مصدري التشريع لما ظهر وخفي.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
__________
(1) أصل المدارسة: الرياضة، والتعهد للشيء، وتدارسوا القرآن: أي اقرأوه وتعهدوه لئلاّ تنسوه. انظر: ابن الأثير/ جامع الأصول في أحاديث الرسول: (6279) 8/496.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه (2699) 4/2074. وأبو داود (1455) في الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن..
(3) خادم حسين بخش/ القرآنيون وشبهاتهم حول السنة: ص 217.
(4) الصنعاني/ سبل السلام: 4/119.(19/34)
"فحق على طلبة العلم بلوغ جهدهم في الاستكثار من علمه – أي القرآن- والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصًا واستنباطًا"(1). ويقول في موضع آخر:"...فأبان الله لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها، لا أن لنا معها من الأمر شيئًا إلا التسليم لها واتباعها، ولا أنها تعرض على قياس ولا على شيء غيرها وأن كل ما سواها من قول الآدميين تبع لها"(2). والقرآن ليس كلام الآدميين فيقدم عليها.
المبحث الثاني: ثبوت أحكام استقلت بها السنة
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:" فلم أعلم من أهل العلم مخالفًا في أن سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين. والوجهان يجتمعان ويتفرعان: أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب. والآخر: مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد. وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما(3). الوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب...."(4).
وهذا الوجه الثالث ذهب الجمهور إلى أن في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس في القرآن(5) واستدلوا على ذلك بأدلة عديدة أهمها:
__________
(1) الشافعي/ أحكام القرآن: 1/20.
(2) رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني: ص 285.
(3) انظر: البحث: ص 36.
(4) الشافعي/ أحكام القرآن: 1/21.
(5) انظر: السباعي/ السنة ومكانتها في التشريع: ص 380.(19/35)
أولاً: إن في نصوص القرآن الكريم ما يدل على أن في السنة ما ليس في القرآن مثل قوله تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ النساء:59]. و الرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته. وكذا سائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله(1).
ثانيًا: إنه لا مانع عقلاً من وقوع استقلال السنة بالتشريع مادام رسول الله معصومًا عن الخطأ، والله قد أمر رسوله بتبليغ أحكامه إلى الناس من أي طريق سواء كان بالكتاب أو بغيره.
ثالثًا: ثبت من قول علي - رضي الله عنه -: (( ما عندنا إلاّ كتاب الله أو فهمًا أعطيه رجل مسلم وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عيْر(2) إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثًا، فعليه لعنة الله واللائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلا، وإذا فيها: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا، وإذا فيها: من والى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا))(3).
فدل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة، لم ينص عليها في القرآن. وستأتي أمثلة أخرى عليها.
__________
(1) الشاطبي/ الموافقات: 4/321.
(2) عيْر: جبل بالمدينة، انظر ابن الأثير: النهاية، باب العين مع الراء، 3/328.
(3) أخرجه البخاري، انظر: صحيح البخاري، كتاب الجزية، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم: (1339) 4/533.(19/36)
ويظهر للباحث أن الخلاف لفظي، لأن القائلين إنه ليس في السنة ما لم يرد في الكتاب يثبتون هذه الأحكام ولكن يدخلونها تحت القواعد الكليّة التي وردت في القرآن كالأمر بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالخلاف لا ثمرة له. حيث إن كلا منهما يعترف بوجود أحكام في السنة لم تثبت في القرآن ولكن أحدهما لا يسمي ذلك استقلالاً، والآخر يسميه، والنتيجة واحدة(1). وكذا يتم الجمع بين رأي الجمهور وظاهر قوله تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ النحل:89]. فكونه تبيانًا لكل شيء من أمور الدين باعتبار أنّ فيه نصا على بعض الأمور، وإحالة لبعضها على السنة(2). وأن الآيات المعجزات جاءت تبيانًا لكل شيء: إما تأصيلاً وإما تفصيلاً(3).
المبحث الثالث: ضوابط قبول الأحكام التي استقلت بها السنة
وضع العلماء شروطًا يجب أن تتوافر في الراوي ليكون خبره مقبولاً، كما وضعوا مناهج لتحمل الحديث تضمن النقل الصحيح للسنة نقلاً لا تحريف فيه ولا تغيير، وبحثوا في الأسانيد من حيث اتصالها وانقطاعها واستولى ذلك على معظم جهودهم. وهذا يسمى بتوثيق السند.
واختلفوا في توثيق متن الحديث بعد ثبوت صحة سنده إلى مذهبين:
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا نقلت السنة برواة ثقات، وأسلمها بعضهم إلى بعض بطريقة سليمة فإنه مما لا شك فيه ستنقل كما صدرت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون تبديل أو تغيير، أو دخيل فلا ينظر إلى غير ذلك من معارضتها لظاهر الكتاب أو لسنة مشهورة لأنه قد تخفى على عقولنا بعض الأحاديث فنتوهم أنها تعارض كتاب الله عز وجل وليست كذلك في واقع الأمر وحقيقته(4).
__________
(1) انظر: السباعي/ السنة ومكانتها في التشريع: 385.
(2) أبو السعود/ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: 5/135.
(3) الشافعي/ أحكام القرآن: 1/20.
(4) رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني: 5/135.(19/37)
إلاّ أن بعض العلماء اعتنوا بوضع مقاييس وضوابط في توثيق متن السنة لا تقل أهمية عن المقاييس التي وضعت لتوثيقها من حيث السند واعتبروا ذلك انقطاعًا باطنيًا في الحديث يقدح في قبوله.يقول الإمام السرخسي:" ثبوت الانقطاع بدليل معارض على أربعة أوجه: إما أن يكون مخالفًا لكتاب الله تعالى، أو لسنة مشهورة عن رسول الله، أو يكون حديثًا شاذًا لم يشتهر فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته، أو يكون حديثًا قد أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول بأن ظهر منهم الاختلاف في تلك الحادثة ولم تجر بينهم المحاجة بذلك الحديث"(1). وأكثر من اهتم بهذا القسم الحنفية.
وأهم ما تم به توثيق متون السنة بعد صحة السند ما يلي:
عرض المتن الذي ثبت في خبر الآحاد على كتاب الله عز وجل.
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخالف القرآن، وكيف يخالفه والله سبحانه وتعالى يقول:
( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ الحاقة:44-47]. وكانت عائشة رضي الله عنها تفعل ذلك، وقصتها مع حديث (( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه))(2)، وعرضها هذا الحديث على قوله تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ النجم:38-39] مشهورة(3).
وعليه ذهب الحنفية إلى أن خبر الواحد لا يكون صحيحًا إذا خالف كتاب الله عز وجل فإذا ورد مخالفًا له كان هذا دليلاً على عدم صحته. واتبع الإمام مالك ذلك أيضًا فاختار عرض الدليل من السنة على الكتاب فإن دلّ على التحريم وخالف ظاهر الكتاب لم يذهب الإمام مالك إلى التحريم ومثال ذلك موقفه من أكل ذي المخلب من الطير وذي ناب من السباع (4).
__________
(1) أصول السرخسي 1/364.
(2) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان، كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (536) ص 240-241.
(3) الصنعاني/ سبل السلام: 2/116.
(4) المرجع السابق: 4/72-73.(19/38)
وروي أن مالكًا روى " مائة ألف حديث جمع منها في الموطأ عشرة آلاف ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويخبرها بالآثار حتى رجعت إلى خمسمائة"(1).
عرض أحاديث الآحاد على السنة المشهورة:
عرض الحنفية أخبار الآحاد على السنة المشهورة، ذلك لأن الأخبار المشهورة تفيد اليقين القلبي أما أخبار الآحاد فتفيد العلم الظني فالأولى أوثق صلة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الثانية، فإذا تعارضتا دلت المشهورة على أن غيرها لم يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد(2). وطبق هذا المقياس جمهور الفقهاء على السنن التي ظاهرها التعارض(3).
يرى الدكتور رفعت فوزي أن الإمام الشافعي أيضًا كان يعرض السنة على السنة في كثير من الأحكام(4).
من ذلك قوله في غسل يوم الجمعة: إنه سنة مستحبة وليس بواجب، وأن الوجوب الذي ورد في بعض الأحاديث صُرف بالسنة المشهورة وفيها أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ترك الغسل وأقره عمر - رضي الله عنه - وحاضرو الجمعة وهم أهل الحل والعقد(5).
عرض الحديث على عمل الصحابة وفتاواهم:
تقدم في عبارة السرخسي المتقدمة أن للحنفية ضابطين أيضًا لقبول أخبار الآحاد وشرحهما الدكتور رفعت فوزي بقوله:" هناك مقياسان غير ما تقدم لتوثيق الحديث أخذ بهما الحنفية وهما:
أولاً: الحديث الذي تعم به البلوى، والذي إليه تكون الحاجة ماسة في عموم الأحوال؛ لا بد أن يأتي بروايات مشهورة ليكون مقبولاً وموثقًا، فإذا لم يكن كذلك يرفض؛ لأنه لو صح لانتشر وشاع بين الصحابة ومن بعدهم. فالعادة تقتضي استفاضة نقل ما تعم به البلوى.
ثانيًا: الحديث الصحيح يأخذ به الأئمة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) السيوطي/ تنوير الحوالك: 1/6.
(2) رفعت فوزي/توثيق السنة في القرن الثاني الهجري: ص 323.
(3) انظر البحث: ص 17.
(4) رفعت فوزي/ توثيق السنة في القرن الثاني الهجري: ص 341.
(5) النووي/ شرح صحيح مسلم: 6/133.(19/39)
- فإذا أعرضوا عن الحديث- وهم الأصول في نقل الشريعة- دلّ ذلك على انقطاعه أو نسخه... وهذان المقياسان- كما يبدو واضحًا- يرجعان إلى أصل واحد وهو الرجوع بالحديث وعرضه على عمل الصحابة وفتاواهم ومدى نقلهم له، فإذا كانت العادة تقتضي أن يعلمه أكثرهم ويعملوا به، وحدث ذلك فعلاً ونقلوه قبل وكان صحيحًا أما إذا أعرضوا عنه- وواجب عليهم ألاّ يعرضوا عما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ذلك دليلاً على أنه لم يصدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(1).
عرض الحديث على عمل أهل المدينة:
المقصود بعمل أهل المدينة ما نقله أهلها من سنن نقلاً مستمرًا عن زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كان رأيًا واستدلالاً لهم(2).
فهل يشترط في قبول خبر الآحاد بعد صحة سنده عرضه على عمل أهل المدينة فإن صحب الخبر عملهم قُبل وإن خالفهم لا يقبل؟
يقول الدكتور أحمد نور سيف:
" نسب إلى مالك أنه لا يقبل الآحاد إلاّ ما صحبه العمل. لكن باستعراض عدد من أخبار الآحاد بالموطأ والتي لم يذكر مالك مصاحبة عمل لها، وكذلك تفرق بعض الأصوليين بين هذا الشرط وبين ردّ مالك أخبار الآحاد بالعمل يدل على أنه لا يشترط في قبول أخبار الآحاد مصاحبة العمل لها وإنما يردها إذا عارضها العمل"(3).
إن كان عمل أهل المدينة معارضًا لخبر الآحاد، وثبت عنهم من طريق النقل فهذا يشبه التواتر ويفيد القطع واليقين، ومن أمثلة ذلك:
* زكاة الفاكهة والخضروات:
__________
(1) توثيق السنة: ص 345.
(2) انظر: أحمد محمد نور سيف/ عمل أهل المدينة: ص 317.
(3) المرجع السابق: ص 320.(19/40)
عن عائشة رضي الله عنها:(( أن السنة جرت به وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة))(1).
عن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( فيما سقت السماء والبعل(2)والسيح(3)العشر وفيما سقي بالنضح(4)نصف العشر)) وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، وأما القثّاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5).
قال الإمام مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة(6).
* الوقف:
المقصود بالوقف شرعًا: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة(7).
وخالف الإمام أبو حنيفة جمهور العلماء في جواز الوقف ولزومه(8).
__________
(1) أخرجه البيهقي: كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون، ثم قال: هذه الأحاديث كلها مراسيل إلاّ أنها من طرق مختلفة فبعضها يؤكد بعضًا ومعها رواية أبي بردة... ومعها قول بعض الصحابة رضي الله عنهم. انظر: السنن الكبرى 4/129-130.
(2) البَعل: هو ما شرب من النخيل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها. انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الباء مع العين، 1/141.
(3) السّيح: الماء الجاري، المرجع. انظر: المرجع السابق، باب السين مع الياء، 2/433.
(4) النضح: ما سقي بالدوالي والاستسقاء، والنواضح الإبل التي يُسقى عليها، واحدها نضح. انظر: المرجع السابق، باب النون مع الضاد، 5/69.
(5) أخرجه الحاكم و البيهقي، انظر: النسابوري/ المستدرك على الصحيحين، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الحنطة والشعير: 1/401، السنن الكبرى، كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون: 1/129.
(6) انظر: الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقصب والبقول، 1/376.
(7) انظر: ابن قدامة/ عمدة الفقه: ص 93.
(8) انظر: السرخسي/ المبسوط: 11/21، الشلبي/ أحكام الوصايا والوقف: ص 316.(19/41)
وقد روي أن مالكًا قال له أبو يوسف بحضرة الرشيد: إن الحبس - أي الوقف- لا يجوز فقال له مالك:
"فهذه الأحباس؛ أحباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وفَدَك وأحباس أصحابه؟"(1)
فاستدل بعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمل الصحابة في المدينة التي شاهدها الناس وعرفوها وهم على اطلاع عليها، فالقرآن الكريم لم يتعرض لذكر الوقف بخصوصه بل رغّب في التصدق العام ويدخل الوقف في هذا العموم. وكذلك وردت الأخبار التي تؤكد عمل أهل المدينة، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر - رضي الله عنه - أرضًا بخيبر قال: لم أُصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به ؟ قال- - صلى الله عليه وسلم - - (( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) فتصدّق بها عمر في الفقراء والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متمول فيه(2).
وفي الأثر عن جابر - رضي الله عنه - :(( ما بقي أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له مقدرة على الوقف إلاّ وقف))(3).
والخلاصة لما تقدم في هذا المبحث أن أئمة الفقه وعلماء الأمة بلغوا الغاية في توثيق السنة سندًا كما هو مشهور، ومتناً بعرض السنن الصحيحة على كتاب الله، وعلى المشهور من السنن الأخرى، وعلى فتاوى جمهور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاسيما في المدينة موطن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والكبار من صحابته أتبع الناس له رضوان الله عليهم ثم من كان فيها من بعدهم من التابعين يسلكون تلك السبيل ولا يظن فيهم مخالفتها.
المبحث الرابع: مثال مما استقلت به السنة في العبادات
__________
(1) ابن العربي/ أحكام القرآن: 2/163.
(2) متفق عليه، انظر: صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الوقف:(2737)، 4/384.
(3) أخرجه الخصاف بسنده في كتابه أحكام الوقف: ص 15.(19/42)
هذا المبحث والمباحث التي تليه تصلح لطلبة الدراسات العليا الشرعية، وفيها ردٌّ ودحضٌ لشبهات القرآنيين وقولهم: إن القرآن ذكر كل شيء، ولا حاجة معه للسنة(1).
وسأكتفي بذكر ثلاثة أحكام في كل مبحث تاركة الاستقصاء والموازنة بين المذاهب لباحثين آخرين سمة أبحاثهم التوسع والمقارنة.
المتأمل للقسم الأول من أقسام الفقه وهو قسم العبادات يلحظ في كل كتاب من كتبه أحكامًا ثبتت بالسنة الصحيحة. ففي كتاب الطهارة:
باب السواك:
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لولا أن أشق على أمتي – أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة))(2).
وحديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: (( أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يستن بسواك بيده يقول: " أع أع" والسواك في فيه كأنه يتهوع(3)))(4)
وحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه (5)بالسواك))(6) .
فاستحباب السواك ثبت بالسنة الفعلية والقولية.
كما ثبتت أحكام أخرى كخصال الفطرة، والمسح على الخفين، وولوغ الكلب في الإناء، ونجاسة المذي وغير ذلك. ومن أراد الاستقصاء فدونه كتب السنن.
وفي كتاب الصلاة:
__________
(1) انظر: خادم حسين بخش/ القرآنيون ص21.
(2) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان، كتاب الطهارة، باب السواك، (142) ص 89.
(3) يتهوّع: أي يتقيأ، والهوعُ: القيء . انظر: ابن الأثير/ النهاية، باب الهاء مع الواو: 5/282.
(4) متفق عليه، انظر: اللؤلؤ والمرجان، كتاب الطهارة، باب السواك(143) ص 90.
(5) يشوص: أي يدلك أسنانه وينقها، وقيل هو أن يستاك من أسفل إلى علو، والشوص: الغسل، انظر: ابن الأثير/ النهاية: باب الشين مع الواو، 2/509.
(6) متفق عليه، انظر: محمد فؤاد عبد الباقي/ اللؤلؤ والمرجان: كتاب الطهارة، باب السواك (144)ص 90.(19/43)
الأذان وشفعه، وإيتار الإقامة ووردت السنن التالية في ذلك:
حديث عن أبي محذورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّمه هذا الأذان الله أكبر الله أكبر(1) أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حيّ على الصلاة مرتين حيّ على الفلاح مرتين، زاد إسحاق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله(2)
وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل بوق اليهود؛ فقال عمر - رضي الله عنه - : أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( يا بلال، قم فنادِ بالصلاة)(3) .
وحديث أنس - رضي الله عنه - قال: (( ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة))(4)
وثبت فرض الصلوات الخمس بالقرآن الكريم وثبت حكم صلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف، والجنائز بالسنة.
__________
(1) قال الإمام النووي:(( في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله: الله أكبر مرتين ووقع في غير مسلم: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أربع مرات، قال القاضي عياض رحمه الله: ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه أربع..)) شرح صحيح مسلم 4/81.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، صفة الأذان، انظر: المرجع السابق: 4/80.
(3) متفق عليه، انظر: اللؤلؤ والمرجان، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان (213)113.
(4) متفق عليه، انظر: المرجع السابق: (214)113.(19/44)
المبحث الخامس: مثال مما استقلت به السنة في المعاملات
القسم الثاني للفقه الإسلامي قسم المعاملات، والقاعدة التي بنى عليها المسلمون معاملاتهم الدنيوية قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن كان شيئًا من أمور دنياكم؛ فشأنكم به. وإن كان من أمور دينكم فإليّ))(1).
وكان الضابط منع كل ما يثير الشحناء والبغضاء بين المسلمين فثبت في السنن ما يؤكد هذه القاعدة في المعاملات والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
حديث أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لِبْسَتيْن وعن بيعتين: نهى عن الملامسة والمنَابذة في البيع؛ والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلِبه إلاّ بذلك، والمُنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض.
واللبستين: اشتمال الصمّاء، والصمّاء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتِقَيْه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، واللِّبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء(2)
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا تلقّوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا(3)ولا يبع حاضر لباد ولا تُصروا الغنم ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها؛ إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر))(4) .
__________
(1) سبق تخريجه في ص 24 حاشية 8.
(2) متفق عليه، انظر: المرجع السابق، كتاب البيوع، باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، (967)ص 429.
(3) تناشجوا: النجش: هو أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها، أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليقع غيره فيها، والأصل فيه: تنفير الوحش من مكان.انظر ابن الأثير/ النهاية: باب النون مع الجيم، 5/21.
(4) متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، (970) ص 430.(19/45)
حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن(1) .
وغير هذه الأحاديث الكثير مما تفردت به السنة من الأحكام والتي لم ترد في القرآن الكريم. ولقد اهتم العلماء بفصلها عن ألوان الفنون الأخرى واستقلت بمصنفات اقتصرت على جمع أحاديث الأحكام فقط(2)
المبحث السادس: مما استقلت به السنة في النكاح
القسم الثالث في الفقه الإسلامي أحكام النكاح ويلحقها أحكام المهر والنفقة والرضاع والطلاق وثبتت أكثر أحكام هذا القسم في القرآن. ومما استقلت به السنة ما يلي:
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها))(3).
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار. الشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ليس بينهما صداق(4) .
__________
(1) متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان، كتاب المساقاة، باب تجريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (1010)ص444.
(2) أشهر المصنفات في علم أحاديث الأحكام: معاني الآثار للطحاوي، وعمدة الأحكام من كلام خير الأنام عليه الصلاة والسلام للمقدسي وعليه خمسة شروح، دلائل الأحكام من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ليوسف بن شداد، المنتقي من أخبار المصطفى لابن تيمية - الجد – الحراني وعليه شروح عديدة أشهرها نيل الأوطار للشوكاني، بلوغ المرام من أحاديث الأحكام للقاضي الإمام ابن حجر العسقلاني وأهم شروحه سبل السلام للصنعاني. انظر: الباحثة/ مدخل لدراسة أحاديث الأحكام، مجلة جامعة أم القرى، العدد 18، 1419.
(3) متفق عليه، سبق تخريجه، انظر ص 40 حاشية 2.
(4) متفق عليه، انظر اللؤلؤ والمرجان: كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه (893) ص 386.(19/46)
وحديث أنس - رضي الله عنه -: من السنة، إذا تزوج الرجل البكر على الثيب، أقام عندها سبعًا، وقسم؛ وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا، ثم قسم(1)
المبحث السابع: مثال مما استقلت به السنة في الحدود والجنايات
ثبتت أكثر الحدود بالقرآن الكريم إلاّ حكم الردّة، وحد الخمر، والتعزير. ووردت فيها الأحاديث التالية:
حديث عبد الله قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: والذي لا إله غيره، لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر، التارك الإسلام المفارق للجماعة - أو الجماعة - والثيب الزاني والنفس بالنفس(2) .
قال الإمام النووي: والتارك لدينه المفارق للجماعة فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام(3)
وحديث أنس - رضي الله عنه - قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر، بالجريد والنعال؛ وجلد أبو بكر أربعين(4) .
وحديث أبي بردة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( لا يجلد فوق عشر جلدات إلاّ في حد من حدود الله))(5).
ويوجد في كل مسألة عدة أحاديث جمعت في كتب أحاديث الأحكام واقتصرت على أصحها وأوضحها دلالة، طلبًا للاختصار.
الخاتمة
الحمد لله ذي الفضل والإنعام والمنّة والإحسان حمدًا يليق بجلاله وعظمته، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة سيد الأنام وخير من صلّى وصام. وبعد:
__________
(1) متفق عليه، انظر المرجع السابق، كتاب الرضاع، باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف (925)ص 401.
(2) أخرجه مسلم، كتاب القسامة، باب ما يحل به دم المسلم. انظر: النووي/ شرح صحيح مسلم: 11/165.
(3) المرجع السابق: 11/165.
(4) متفق عليه، انظر: اللؤلؤ والمرجان، كتاب الحدود، باب حد الخمر (1108)ص 489.
(5) متفق عليه، انظر: المرجع السابق، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير (1110) ص 489(19/47)
فموضوع السنة النبوية وكونها المصدر الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل؛ له فهم عند علماء السلف متوسط بين الغلو والمجافاة.
الغلو: الذي يجعل طائفة تثبت الحلال والحرام بسنن لم تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وأخرى تمنع مجاوزة ظاهر الحديث وإن خالف إجماع المسلمين وعملهم.
والمجافاة: التي تجعل طائفة يطلق عليهم القرآنيون يقولون: إن القرآن الكريم ذكر كل شيء ولا حاجة معه إلى السنة.
وأما جمهور علماء السلف فسودت أحبار أقلامهم ألوف الأوراق يوقرون السنة ويعظمونها ويدافعون عنها ويحتجون بها. فكان لهم معها التوثيق والتحقيق وجعلوا لها أقسامًا؛ متواترة وآحادا، صحيحة أو ضعيفة، وميزوا بين السنن التي دلالاتها قطعية والتي دلالاتها ظنية، كما ذكروا القرائن التي تصرف العمل عن ظاهر السنن. وذكروا كذلك الأسباب التي تمنع من الاحتجاج ببعض السنن، كما جمعوا بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فأعملوها ولم يهملوها.
ولقد أجمع علماء السلف على قضية تبيين السنة للأحكام المجملة التي وردت في القرآن الكريم، وأن السنن الصحيحة تُخصص الآيات العامة، وتقيد بعض الآيات المطلقة.
ولقد اختلف العلماء في استقلال السنة بأحكام لم تذكر في القرآن الكريم، والحق أنها اندرجت تحت قواعد كلية وأصول عامة جاء فيها الأمر بإتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( [آلعمران:31].
ومن أمثلة الأحكام التي استقلت بها السنة: السواك، والآذان، والنجش، والشغار، والجمع بين المرأة وعمتها، والتعزير، والردة، وغير ذلك كثير.
وأهم التوصيات التي آمل أن يحققها البحث:
تشجيع الأبحاث والرسائل العلمية التي توضح ضعف منهج المغالين في الاحتجاج على الأحكام الشرعية بسنن ضعيفة وكيف أنها أوجدت في الفقه الإسلامي أحكام شاذة لا ينبغي الاعتداد بها.
تشجيع الأبحاث والرسائل العلمية التي تفضح القرآنيين وتبين فساد أصولهم وتدحض شبهاتهم.(19/48)
تشجيع الأبحاث والرسائل التي تجمع الأحكام الشرعية الفروعية التي استقلت بها السنن وبيان المذاهب الفقهية ومدى اتباع كل مذهب للسنة الصحيحة. وهذا تقديم للسنة على المذاهب – لا العكس- حيث يقوم الباحث بذكر السنة ثم يذكر من وافقها من المذاهب.
تشجيع الأبحاث والرسائل العلمية التي تستنبط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة الصحيحة للوقائع والقضايا المعاصرة.
منح إجازة علمية لمتخصصين في السنة ليقوموا بجمع السنن الصحيحة في غير الصحيحين والتي أخرجها الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة على غرار كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، الذي وضعه الشيخ فؤاد عبد الباقي رحمه الله. ويسهل الأمر كُتب الشيخ الألباني في صحيح السنن الأربعة، واستخدام الحاسوب.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
فهرس المصادر والمراجع
أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء، ط الثانية. محمد عوامة.
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ط دار الكتب العلمية. ابن دقيق العيد.
الإحكام في أصول الأحكام، ط الأولى. ابن حزم الظاهري.
الإحكام في أصول الأحكام، ط 1400ه/1980م. الآمدي.
أحكام القرآن، ط 1400ه/1980م، محمد بن إدريس الشافعي.
أحكام القرآن، ط 1421ه/2000م، دار الكتاب العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي.
أحكام الوقف، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني الخصاف.
أحكام الوصايا والأوقاف، الدار الجامعية للطباعة والنشر، د. محمد مصطفى شلبي.
إرشاد العقل السليم إلى مازيا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي. أبو السعود محمد بن محمد العماري.
أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالاتها على الأحكام الشرعية، ط الأولى. د. محمد سليمان الأشقر.
أصول السرخسي، دار الفكر، 1313ه/1973م.
الاعتصام بالكتاب والسنة، ط الأولى. الشاطبي.
الإعلام. ط السادسة. خير الدين الزركلي.(19/49)
أعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الباز. ابن القيم الجوزية.
أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات، ط دار المحمدي. د. ولد بيه.
أنوار التنزيل وأسرار، دار الجيل، البيضاوي.
بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، جامعة أم القرى، مركز إحياء التراث الإسلامي، أبو الثناء محمود الأصفهاني، تحقيق د. محمد مظهر بقا.
تدريب الراوي، ط الثانية، السيوطي.
تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، دار الفكر، السيوطي.
توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته، ط الأولى، د. رفعت فوزي عبد المطلب.
الثبوت والشمول في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراة في أصول الفقه، د. عابد السفياني.
جامع الأصول في أحاديث الرسول، دار البيان، مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري.
الجامع لأحكام القرآن، ط الثانية، 1372ه/1952م، القرطبي.
الحديث و المحدثون،ط مطبعة مصر، محمّد أبو زهو.
الحطة في ذكر الصحاح الستة، دار الكتب العلمية،
أبو الطبيب صديق القنوجي.
الرسالة، دار الفكر، تحقيق وشرح الأستاذ أحمد محمد شاكر الشافعي.
رسالة مختصرة في أصول الفقه، مطبوع مع منهج السالكين، ط 1399ه/1979م، السعدي.
رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ابن تيمية.
الروض المربع، ط السادسة، دار الفكر، البهوتي.
زاد المستنقع- مطبوع مع الروض المربع- الحجاوي.
زاد المعاد في هدي خير العباد، المكتبة العلمية، دار الباز، ابن قيم الجوزية.
سبل السلام شرح بلوغ المرام، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 1379ه/1960م محمد إسماعيل الصنعاني.
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي، ط 1405ه/1985 دار مصطفى السباعي.
سنن أبي داود، مراجعة محمد محي الدين عبد الحميد، ط دار إحياء السنة النبوية.
سنن الترمذي، دار الفكر، 1400ه/1980م.
شرح الأسنوي على المنهاج،ط محمد علي صبيح.
شرح البدخشي على المنهاج، ط محمد علي صبيح.
شرح صحيح مسلم، ط دار الفكر، النووي.(19/50)
الشريعة الإسلامية وفقه الموازانات، ط الأولى 1421ه دار ابن حزم، عبد الله الكمالي.
صحيح البخاري، ط 1407ه/1987م دار القلم.
صحيح سنن أبي داود، ط 1409ه/1989م، مكتب التربية العربي لدول الخليج، محمد ناصر الدين الألباني.
صحيح مسلم، ط الثانية 1392ه/1972م دار إحياء التراث العربي.
الطبقات الكبرى، دار صادر، دار الفكر، محمد بن سعد.
عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين، ط الأولى 1397ه/1977م، دار الاعتصام، د. أحمد محمد نور سيف.
الفتاوى، إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1398ه، أحمد ابن تيمية.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، السلفية، دار المعرفة للطباعة والنشر، ابن حجر العسقلاني.
الفقه الدعوي مساهمة في التأصيل، دار القلم، الكويت، د. سعد الدين العثماني.
الفكر السامي في التاريخ الفقه الإسلامي، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط 1396ه ، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي.
القرآنيون وشبهاتهم حول السنة، مكتبة الحرم النبوي الشريف، خادم حسين إلهي بخش.
القرائن الصارفة للأمر عن حقيقة وأثر ذلك في الفروع الفقهية، رسالة ماجستير – غير مطبوعة- محمد الحيفان.
كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط، ط السابعة، دار الوفاء المنصورة، د. يوسف القرضاوي.
لسان العرب، ط الأولى، المطبعة الأميرية، ابن منظور الإفريقي الخزرجي.
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، تحقيق: د. محمد فضل عبد العزيز المراد، دار الشروق- جدة، علي بن زكريا المنبجي.
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، دار السلام للنشر والتوزيع، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي.
ما تمس إليه حاجة القاري إلى صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، النووي.
مبادئ الفقه الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1401ه/1981م، د. محمد القاسم.
المبسوط، دار المعرفة، 1406ه/1986م، شمس الدين السرخسي.(19/51)
مجلة جامعة أم القرى للبحوث العلمية المحكمة، الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد 18، 1419ه/1998م. مدخل لدراسة أحاديث الأحكام للباحثة.
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، دار الفكر، ط الأولى 1391ه/1971م، الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي.
المستدرك على الصحيحين، ط الكتاب العربي. النسابوري.
المسند، المكتب الإسلامي، ط الرابعة، أحمد بن حنبل.
معجم لغة الفقهاء، دار النفائس، ط الأولى. د. قلعة جي، قنيبي.
المغني في أصول الفقه، تحقيق د. محمد مظهر بقا، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى. محمد عمر الخبازي.
مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث- مطبوع مع التقييد والإيضاح- المكتبة السلفية، المدينة المنورة. تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان.
الموافقات، دار ابن عفان، تحقيق: مشهور حسن سلمان، أبو إسحاق الشاطبي.
الموطأ، تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار إحياء الكتب العربية. مالك بن أنس.
نزهة النظر شرح نخبة الفكر، تحقيق عمرو عبد المنعم، ط مكتبة ابن تيمية، ابن حجر العسقلاني.
النهاية في غريب الحديث والأثر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق طاهر الزواوي- محمود الطناحي، ابن الأثير الجزري.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، دار الجيل، ط 1973م، محمد بن علي الشوكاني.
هداية الراغب شرح عمدة الطالب، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، تحقيق: محمد بكر إسماعيل، عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي.
هدي الساري مقدمة فتح الباري، المكتبة السلفية،
ابن حجر العسقلاني.
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
الفصل الأول: التعريف بكون السنة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي…5
المبحث الأول: التعريف بالشريعة ومصادرها ومقاصدها…6
أولاً: تعريف الشريعة لغةً وشرعًا…6
الشريعة في اللغة:…6
ثانيًا: مصادر الشريعة…7
ثالثًا: مقاصد الشريعة…8
المبحث الثاني: التعريف بالسنة، وأدوار العناية بها…10
أولاً: السنة لغة وشرعًا…10
السنة في اللغة……10(19/52)
ثانيًا: الفرق بين السنة والحديث…11
ثالثًا: الأدوار التي مرّت بها السنة وتدوينها…12
الدور الأول: القرن الأول الهجري…12
السنة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة:…12
الدور الثاني: القرن الثاني الهجري…13
الدور الثالث: القرن الثالث الهجري…13
الدور الرابع: القرن الرابع الهجري…14
الدور الخامس: من القرن الخامس الهجري وحتى سقوط بغداد على أيدي التتار عام 656هجري…14
الدور السادس: بعد سقوط بغداد وحتى نهاية القرن العاشر…14
الدور السابع: من بداية القرن الحادي عشر وحتى اليوم…15
المبحث الثالث: الأدلة على حجية السنة…16
أولاً من القرآن:…16
ثانيا: من السنة الشريفة:…16
ثالثًا: الإجماع:…17
رابعًا: المعقول:…17
المبحث الرابع: عناية الفقهاء بالحديث وعناية المحدثين بأحكام الشريعة…18
المبحث الخامس: أقسام السنة من حيث ثبوتها ومن حيث دلالاتها…21
أولاً: أقسام السنة من حيث ثبوتها…21
ثانيًا: أقسام السنة من حيث دلالتها…22
القسم الأول:……22
المبحث السادس: أنواع القرائن الصارفة عن العمل بظواهر السنن…27
المبحث السابع: أسباب عدم الاحتجاج ببعض السنن…30
المبحث الثامن: موقف العلماء من السنن التي ظاهرها التعارض…33
الفصل الثاني تبيين السنة لأحكام القرآن الكريم…35
المبحث الأول: تفصيل السنة لأحكام مجملة في آيات القرآن الكريم…37
المبحث الثاني: تخصيص السنة لأحكام عامة في القرآن الكريم…40
المبحث الثالث: تقييد السنة لأحكام مطلقة في القرآن الكريم…43
الفصل الثالث الاحتجاج والعمل بأحكام ثبتت في السنة ولم تذكر في القرآن…46
المبحث الأول: مرتبة السنة مع القرآن…47
المبحث الثاني: ثبوت أحكام استقلت بها السنة…49
المبحث الثالث: ضوابط قبول الأحكام التي استقلت بها السنة…52
المبحث الرابع: مثال مما استقلت به السنة في العبادات…59
المبحث الخامس: مثال مما استقلت به السنة في المعاملات…62(19/53)
المبحث السادس: مما استقلت به السنة في النكاح…64
المبحث السابع: مثال مما استقلت به السنة في الحدود والجنايات…65
الخاتمة…66
فهرس المصادر والمراجع…69
فهرس الموضوعات…75(19/54)
السنّة النبويّة
وحي من الله
محفوظة كالقرآن الكريم
إعداد الدكتور
أبولبابة الطاهر حسين
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
ستنصبُّ عنايتنا في هذا البحث على قضيّة واحدة هي إثبات أنّ السنّة الصحيحة التي توافرت فيها شروط القبول وحي من الله مبرّأ من الخطأ معصوم من التضارب والخلل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولن نتعرّض لتعريف السنّة ولا لبيان مكانتها من التشريع ولا لنسبتها من الكتاب ولا لحجّيتها ووجوب العمل بها وغيرها من المباحث إلا عند الضرورة القصوى وبما يخدم هدفنا من هذا البحث.
والسنّة التي نريد أن نثبت كونها وحيا تعني ما ثبتت نسبته إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أقواله وأفعاله وإقراراته، وهي التي أطلق عليها النبيّ عليه الصلاة والسلام اسم " الهدي " فقال: " وأحسن الهدي هدي محمد " كما عبّر عنها الصحابة بالهدي سيرا على نهج الرسول القويم فقالوا: " وخير الهدي هدي محمّد - صلى الله عليه وسلم - "، وعبّر عنها سلف الأمّة بالعلم(1). ذلك أنّهم كانوا يفرّقون بين العلم والرأي فيقولون للسنّة علم ولما عداها رأي.
هل كلّ السنّة وحي؟
إلا أنّه قبل المضيّ قدما في دراسة الموضوع يعترضنا سؤال هامّ وهو: هل كلّ السنّة وحي؟
__________
(1) روى البخاريّ عن عبدالله بن مسعود قوله: " إنّ أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - " لاعتصام - باب الاقتداء سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث 7309 فتح الباري13/263. وقد عنون الخطيب البغداديّ في القرن الخامس كتابه حول كتابة السنّة النبويّة بقوله: " تقييد العلم " (تحقيق يوسف العشّ - دار إحياء السنّة النبويّة - ط2، 1974م )، وانظر تسمية السلف السنّة علما، (فتح الباري 13/304 ).(20/1)
لقد ثبت بتتبّع سيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - العطرة وسنّته المطهّرة أنّه قد اجتهد في مسائل ونوازل عديدة لم ينزل عليه فيها وحي، بمقتضى ما فطر عليه من سلامة العقل وسداد النظر سواء كان ذلك:
أ - باستخدام القياس: كقياسه - صلى الله عليه وسلم - ولادة الطفل الأسود من أبوين أبيضين على إنجاب الإبل الحمر الجمال الورق(1) بسبب الوراثة العرقيّة(2)، وكقياسه وفاء البنت بنذر أمّها الحجّ، فماتت قبل أن تفي بنذرها، على وجوب قضاء الوارث دين مورّثه(3).
__________
(1) البعير الأورق: هو البعير الأسود الذي يخالط سواده بياض كدخان الرمث[فقه اللغة وسرّ العربيّة، للثعالبيّ 118 - مطبعة الاستقامة - القاهرة - بدون تاريخ].
(2) انظر حديث الأعرابيّ الذي أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود وإنّي قد أنكرته.. صحيح البخاريّ - الاعتصام بالكتاب والسنّة - باب من شبّه أصلا معلوما بأصل مبيّن وقد بيّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حكمهما ليفهم السائل الحديث 7314 - فتح الباري 13/ 309.
(3) انظر حديث المرأة التي جاءت إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: " إنّ أمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ.. صحيح البخاريّ - الاعتصام - باب من شبّه أصلا معلوما... حديث 7315 فتح الباري 13/ 309.(20/2)
ب - أو باستعمال الرأي: ابتداء مثل اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر حيث نزل موضعا رأى أحد صحابته وهو الحباب بن المنذر الخزرجيّ رضي الله عنه أنه غير ملائم عسكريّا، فسأله: " أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدّمه ولا أن نتأخّر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ " فلمّا أعلمه عليه الصلاة والسلام أنّه مجرّد اجتهاد لا دخل للوحي فيه، عرض عليه تغيير الموقع ونزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأيه(1).
ومثل اجتهاده في مصير أسرى بدر حيث رجّح عليه الصلاة والسلام رأي أبي بكر الصدّيق القائل بأخذ الفداء، وكان ذلك قبل نزول الآية التي تحدّد حكم الأسرى، وهي قوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [محمد:4].
فهذه الاجتهادات في ظاهرها لا صلة لها بالوحي لكن إذا تبيّن لنا أنّ الله سبحانه لا يتركه وشأنه وإنّّما يقرّه إذا أصاب وينبّهه إن أخطأ(2)، أدركنا أنها وحي منزّل من الله تعالى ذلك أنّه تعالى لا يقرّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - على خطأ:
فمثلا في غزوة بني النضير(3) أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع نخيلهم وتحريقها حتّى ييئسوا من وعد إخوانهم المنافقين بالنصرة، وحتّى يتمّ تعجيل استسلامهم فتحقن الدماء، ويعمّ الأمن، فنزل الوحي يؤيّد هذا العمل ويجعله بإذن الله وأمره وإرادته فقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الحشر:5].
__________
(1) انظر سيرة ابن هشام 1/620 [ تحقيق السقّا، الأبياريّ، شلبيّ - ط2 - 1375 هـ /1955م - مصطفى البابي الحلبيّ - القاهرة]، والسيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة - محمد محمد أبو شهبة - 2/157 [دار القلم - دمشق - ط5 - 1419هـ/ 1999م].
(2) انظر الحديث والمحدّثون - محمد محمد أبو زهو - 15 [دار الفكر العربيّ بدون بيان عدد الطبعة ولا تاريخها، ويبدو أنها مصوّرة عن الطبعة الأولى - 1978هـ - بمصر].
(3) وقعت في شوّال سنة 4 هـ.(20/3)
كما أنّ قبول الفداء من أسرى بدر تعقّبه القرآن معاتبا الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين على أخذهم الفداء من الأسرى، فقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأنفال:67-68]. وعلى ضوء هذه الثوابت يكون الرأي والاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام مصيبا لأنّه مسدّد بالوحي فيأخذ حكمه، وتكون الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لا يقع فيما يجتهد فيه خطأ أصلا "(1). خطب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوما فقال: " يا أيها الناس! إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيبا لأنّ الله عزّ وجلّ يريه، وإنّما هو منّا الظنّ والتكلّف ".
وبذلك يتبيّن لنا أنّ ثبوت الاجتهاد للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يتعارض مع ما قرّره العلماء من أنّ اجتهاده وسائر عناصر سنّته من الوحي، اللهم إلا بعض قضايا معيشيّة كتأبير النخل ونحوه ممّا لا يتعلّق بالحلال والحرام والعقائد والمغيّبات، فهذه قد أجاب عنها النبيّ الكريم بنفسه كما هو ثابت في حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم: (( إنّما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فأنا بشر ))(2)، فهذه تجارب يعيشها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوصفه بشرا عاديّا كتلك التي يكابدها سائر الناس في حياتهم اليوميّة، فلا صلة لها بالوحي.
وقبل استعراض الأدلّة النقليّة والعقليّة على أنّ السنّة النبويّة وحي، لا بدّ لنا أن نتعرّف ماهية الوحي؟ وأن نتحدّث عن إمكان حصوله؟ وإمكان اتّصال الله سبحانه بأنبيائه المصطفين من خلاله؟ وموقف أهل الإيمان من هذه الظاهرة؟ وموقف الملاحدة والدهريّين منها؟
ما الوحي؟
__________
(1) انظر فتح الباري 13/ 305.
(2) 4/1835 - 1836 الحديث عدد 2362.(20/4)
الوحي: لغة: يقول الراغب الأصفهانيّ في "مفردات القرآن": "أصل الوحي الإشارة السريعة، فقيل [للأمر السريع] أمر وحي"(1). وهو أيضا "الإعلام في خفاء"(2)، إذ هو خاص بمن يوجّه إليه هذا الإعلام بحيث يخفى عن غيره. وتكون هذه الإشارة السريعة، وهذا الإعلام الخفيّ:
- بالكلام على سبيل الرمز والتعريض.
- وبالصوت المجرّد عن التركيب.
- وبالإشارة، والإيماء ببعض الجوارح.
- وبالكتابة.
فكلّ ما دللت به من كلام أو كتابة أو رسالة أو إشارة، فهو وحي. وعلى هذه المعاني حمل قوله تعالى عن زكريّا:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [مريم:11]، فقيل في تفسير " أوحى إليهم " رمز، وقيل أشار، وقيل كتب(3).
وقد يطلق الوحي ويراد به الموحى به من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.
أمّا الوحي شرعاً: فهو الإعلام بالشرع، أو هو كلام الله المنزّل على أنبيائه(4)، سواء كان ذلك في اليقظة أو في المنام. فالله تعالى يعلم أنبياءه " ما يريد إبلاغه إليهم من الشرائع والأخبار بطريق خفيّ، بحيث يحصل عندهم علم ضروريّ قطعيّ بأنّ ذلك من عند الله جلّ شأنه.. فهو أخصّ من المعنى اللغويّ وفق مصدره وهو الله سبحانه، والموجّه إليهم وهم أنبياؤه الكرام "(5).
أقسام الوحي:
يقول الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ([الشورى:51]. فأضرب الوحي وأقسامه حسبما دلّت عليه هذه الآية الكريمة ثلاثة:
الضرب الأوّل: الوحي: وهو الإيحاء والإلهام، والإلقاء في الروع والنفث فيه، ويعبّر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله: (( إنّ روح القدس نفث في روعي )). فهو إلقاء المعنى في قلب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع العلم اليقينيّ بأنّ ذلك من الله عزّ وجلّ، وقد يكون هذا الإلهام:
أ- في اليقظة.
__________
(1) صفحة 858 [ط2 - 1418هـ / 1997م].
(2) انظر فتح الباري لابن حجر العسقلانيّ 1/14.
(3) مفردات القرآن 858.
(4) انظر فتح الباري 1/14 - 15.
(5) الحديث والمحدّثون 11.(20/5)
ب- أو في المنام: " ذلك أنّ أوّل ما يؤتى به الأنبياء في المنام، حتّى تهدأ قلوبهم، ثمّ ينزل الوحي بعد في اليقظة "، كما ذكر ذلك علقمة بن قيس صاحب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه(1).
وروى البخاريّ من حديث عائشة رضي الله عنها: ((كان أوّل ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [من الوحي] الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ))(2).
الضرب الثانيّ: الكلام من وراء حجاب: أي أنّ الله يكلّم النبيّ فيسمعه دون معاينة:
ـ مثلما حصل لموسى عليه السلام في بدء رسالته بجبل الطور ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [طه:9-12]. وكما جاء ذلك في قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( [الأعراف: 143].
ـ وكما حصل لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج فقد كلّمه ربّه وفرض الصلاة عليه وعلى أمّته وراجع عليه الصلاة والسلام ربّه فيها على ما صرّحت به الأحاديث الصحيحة(3).
الضرب الثالث: الوحي بواسطة الملك رسول الوحي:
أي أنّ الله تعالى يرسل ملكاً - وملك الوحي هو جبريل عليه السلام فيبلِّغ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما يريد الله أن يبلّغه إليه، وهذا مصداق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( كان الوحي يأتيني به جبريل فيلقيه عليّ كما يلقي الرجل على الرجل فذاك ينفلت منّي، ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس، حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت مني ))(4).
وهذا الملك تارة يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون رسولاً مُشاهَداً تُرى ذاتُهُ ويُسْمَعُ كلامُهُ، وتارة لا يراه:
1- ففي حالة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ملك الوحي وهو يلقي عليه الوحي:
__________
(1) فتح الباري 1/15.
(2) صحيح البخاريّ - التفسير - الحديث4953.
(3) الحديث والمحدثون 12- 13.
(4) فتح الباري 1/27.(20/6)
قد يراه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح، وهذا نادر، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة مرفوعاً: "لم أرَه - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين "(1)، وحدّدت السيدة عائشة رضي الله عنها هاتين المرّتين بقولها: " مرّة عند سدرة المنتهى، ومرّة عند أجياد ".
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( جاورت في حراء فلمّا قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض )) (2)، وفي رواية: (( على كرسيّ بين السماء والأرض وقد سدّ الأفق )).
وقد يراه متمثّلاً في صورة بشر في شكل أعرابيّ أو غيره، وكثيراً ما كان يتقمّص صورة دحية الكلبي الصحابي الجليل الوسيم رضي الله عنه.
2- وفي حالة عدم رؤية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الملك وهو يوحي إليه ويبلّغه كلام ربّه، فإنّه عليه الصلاة والسلام يسمع عند قدومه:
دوياً كدويّ النحل، كما جاء ذلك في حديث عمر رضي الله عنه: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل الوحيُ يُسْمَعُ عند وجهِهِ كدويّ النحل))(3).
__________
(1) فتح الباري 1/32.
(2) البخاري - التفسير - باب وربّك فكبّر - فتح الباري 8/547 الحديث رقم 4924 و 8/586 الحديث رقم 4925 - وانظر بدء الوحي فتح الباري 1/37 الحديث رقم 4.
(3) الحديث والمحدثون 13.(20/7)
أو صلصلة شديدة كصلصلة الجرس: أي أنّه - صلى الله عليه وسلم - يسمع حسيساً كصوت وقوع الحديد بعضه على بعض. جاء في حديث عائشة أم المؤمنين أنّ الحارث بن هشام المخزومي رضي الله عنهم - شقيق أبي جهل وكان من فضلاء الصحابة رضي الله عنهم - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ فيفصم عنّي وقد وعيْتُ عنه ما قال، وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول ))(1).
ودويّ النحل لا يعارض صلصلة الجرس لأنّ سماع الدويّ بالنسبة إلى الحاضرين السامعين -كما في حديث عمر الآنف- أمّا الصلصلة فبالنسبة إلى مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي شبَّه صوت الوحي بصلصلة الجرس.
__________
(1) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - الباب الثاني- الحديث رقم2 فتح الباري 1/25-26.(20/8)
ثم إنّ كلاً من الدويّ والصلصة إنّما يعلم كنههما ومصدرهما الله تعالى إلا أنّ آثارهما تبدو واضحة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أنّ حالة روحيّة غير عادية تعتريه لا يدرك الحاضرون إلا أماراتها الظاهرة كثقل بدنه وتفصّد جبينه عرقاً(1) ذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعالج من التنزيل شدة، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس(2) وقد علّل بعضهم هذه الشدة بقوله: "ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع"(3) والحقيقة هي أنّ الوحي ثقيل يقول تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( [الحشر: 21]، فإذا تصدّع الجبل فكيف ببدن ضعيف؟! تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما يلقاه من الشدة عند نزول الوحي: ((ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقاً))(4).
وحي الأنبياء لا تباين فيه:
والجدير بالملاحظة هو أنّ وحي الأنبياء واحد فلا اختلاف بين وحي هذا النبيّ ووحي هذا النبيّ، يقول تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( (( [النساء: 163].
هل يكون الوحي للأنبياء فقط؟
وردت صيغة الوحي ومشتقاتها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وبدلالات عديدة، فبالإضافة إلى معاني الوحي إلى الأنبياء وردت عبارات تفيد أن هناك وحياً لغير الأنبياء:
1 ـ فهناك وحي إلى بشر عاديين:
أ- مثل الإيحاء للحواريين وإعلامهم بواسطة عيسى رسالة ربّهم إليهم ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( [المائدة:111].
ب- ومثل الإيحاء لأمّ موسى ( ? ( ( ( ( (( ( [القصص:7] وهو بمعنى الإلهام.
__________
(1) الحديث والمحدثون 13.
(2) انظر فتح الباري 1/28.
(3) انظر فتح الباري 1/28.
(4) البخاري - كتاب بدء الوحي - الباب2- الحديث عدد2- فتح الباري 1/25 - 26.(20/9)
ج- ومثل إيحاء بعض المخلوقات لبعضهم كإيحاء شياطين الإنس والجن لبعضهم البعض - وهي الوسوسة -:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( [الأنعام:112]، ( ? ( ( ( ( ([الأنعام:121]، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (( وإن للشيطان للمّة ))(1).
د- وكالإيحاء للأمم بواسطة الأنبياء ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( [الأنبياء:73].
2 ـ وهناك وحي لغير الإنسان: بمعنى الهداية والتسخير، كقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النحل:68]، وقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( [فصّلت:12].
ظاهرة الوحي وإمكان وقوعها:
إنّ كلّ من آمن بوجود الله تعالى وكمال قدرته آمن بالوحي وإمكان وقوعه بوصفه جانباً من جوانب التدبير الإلهي ورعايته للخلق ورحمته بهم، فالعقل السليم يقرّ بإمكان وقوع الوحي، كما يقرّ أنّ النبوّة اصطفاء واجتباء لصفوة من الخلق حمّلهم الله مسؤولية الرسالة وهداية الخليقة فأوحى إليهم، وليست جانباً من المعاناة والرياضة النفسيّة والروحيّة التي تمكّن من يكابدها من الحكماء والفلاسفة والمفكّرين الوصول إليها.
إلا أنّ الملاحدة والدهريين قديماً وحديثاً ينكرون النبوّة ويكفرون بالوحي ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الجاثية:24].
__________
(1) مفردات ألفاظ القرآن - الراغب الأصفهاني ص 858.(20/10)
كما أنّ الفلسفة الوضعية الحديثة في القرن التاسع عشر التي يتزعّمها الفيلسوف الفرنسي أوقيست كونت Auguste Comte [1798-1857م] ترى "أنّ البحث عن العلل الأولى أو الغائيّة بحث لا معنى له ولا طائل من ورائه"(1) ذلك أنّ هذا المذهب يعد "المعرفة الصحيحة هي المعرفة المبنيّة على الواقع والتجربة، وأنّ العلوم التجريبيّة هي التي تحقّق المثل الأعلى لليقين"، والوضعيّة لا تعترف بإله متعالٍ فردٍ صمدٍ متفرّد بالعظمة والجلال وإنّما تعد الديانة هي ديانة الإنسانية(2) والإله هو الإنسان.
وهؤلاء الماديّون القدامى والمحدثون يمثّلون الضلال ويصدرون عن الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً، ذلك أنّ طرق المعرفة ووسائلها ممثّلة في العقل والحسّ والتجربة والأخبار الصحيحة المتناقلة عن الآباء والأجداد لا يمكنها بحال الوصول إلى الحقيقة المطلقة، فأين لهذا الحسّ والعقل والتجربة والأخبار التي لا يكون مصدرها الوحي، الوصول إلى معرفة عالم الغيب؟ بل أنّى لهذه الوسائل مجتمعة أن تتوصّل إلى معرفة وظيفة الإنسان الحقيقية في الحياة؟ وما ينتظره بعد الممات؟!
إنّ العقل يسلّم بمحدوديّة معارفه وانحصارها في عالم الشهادة، أمّا عالم الغيب فلا سبيل إلى معرفته والإلمام بأسراره وخصائصه إلا بالوحي، ومن هنا أدركت العقول الصحيحة أنّ الإنسان في حاجة ماسّة إلى الوحي الإلهي للوصول إلى المعرفة الصحيحة حول الكون وخالقه والإنسان ودوره في التعمير وخلافة الله في الأرض ومصيره في الآخرة. والإحساس بالحاجة إلى الوحي ليس فيه غمط للعقل والحسّ ودورهما في المعرفة، ذلك أنّ الوحي يهدي هذه الوسائل ويصحّح مسارها ويرشدها إلى الحقائق التي لا سبيل أن يصل إليها العقل والحسّ بمفردهما.
__________
(1) معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية 488 - جلال الدين سعد - دار الجنوب للنشر- 1998 - تونس.
(2) المصدر السابق 477.(20/11)
الفيلسوف ابن الطفيل يثبت أن لا مناص من النبوّة والوحي لإرشاد الخليقة إلى الحقّ(1):
كتب الفيلسوف ابن الطفيل في القرن السادس للهجرة قصّته الشهيرة " حيّ بن يقظان " هذا الطفل الذي رمت به الأمواج في جزيرة مهجورة من جزائر الهند التي تحت خط الاستواء، فتبنّته غزالة فكانت له كأمّه ونما وكبر وقد وهبه الله ذكاءً وقّاداً فعرف كيف يقوم بحاجات نفسه واستطاع أن يتحصّل بفطرته السليمة وملاحظاته الفاحصة وتفكيره الحادّ علماً غزيراً وأن يدرك بنفسه أرفع الحقائق الطبيعيّة وما وراء الطبيعة فعرف الله والعالم ونال السعادة المتّصلة الغامرة التي لا ينالها إلا العارفون بالله والعالمون بحقائق الكون الفسيح، وعند التقائه " أبسال " الرجل التقيّ الذي قرّر اعتزال الناس والفرار بدينه من جزيرة مجاورة، علّمه الكلام، فعلم منه حقائق الوجود ووجد في الطريق الفلسفي الذي سلكه حيّ بن يقظان تعليلاً علويّاً للدين الذي يعتقده، وتفسيراً سليماً لكلّ الأديان، واستطاع حيّ بن يقظان إقناع " أبسال " أن يحمله إلى جزيرته التي هجرها ليلتقي فيها ملكها التقيّ " سلامان " صديق " أبسال " الذي يرى خلافاً لأبسال وجوب ملازمة الجماعة وترك العزلة.
__________
(1) هو أبوبكر محمد بن عبدالملك بن طفيل القيسي الأندلسي ولد قبل سنة 506هـ وتوفي سنة 581هـ [1185-1186م].(20/12)
وبالتقائهم حاول حيّ أن يكشف لأهل الجزيرة وخاصّتها بطريقته العقليّة والإشراقيّة الحقائق العليا التي وصل إليها فلم يوفّق،وأدرك حيّ وصديقه أبسال أنّ من أراد أن يعلّم الناس حقائق الوجود ويؤثّر في أفهامهم الغليظة ويُلِين إرادتهم المستعصية، فلا مفرّ له من أن يصوغ آراءه بلغة الأديان المنزّلة على الرسل. فابن الطفيل أراد أن يبيّن أنّه في وسع الإنسان أن يرتقي بنفسه وبفطرته السليمة من المحسوس إلى المعقول إلى الله بحيث يستطيع الوصول إلى معرفة العالم ومعرفة الخالق، إلا أنّ هذا الإنسان سواءً كان فيلسوفاً أو مفكّراً أو عالماً وإن وصل إلى معرفة الحقائق العليا حول الإنسان والكون والخالق سبحانه، فإنّه لا يُحْسِنُ إبلاغ هذه الحقائق إلى عامّة الناس بل إنه لا يستطيع إقناع حتى الخاصّة منهم، فالسبيل الوحيد لإيصال الحقائق الكونيّة للخليقة هو الوحي الإلهي عن طريق من يجتبيهم الله تعالى من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام(1).
فالوحي ظاهرة ممكنة الحدوث وإنّ تواتر الرسالات السماويّة إلى جانب الكثير من الدراسات العقلية الجادّة التي توصّلت إلى ضرورة الوحي، حتى إن المعتزلة وهم ممّن مجّد العقل وقدّمه، عدّوا الوحي والنبوّة واجباً يقتضيه العقل نفسه، كلّ ذلك يثبت حقيقة الوحي ولا يمكن بحال أن يغني العقل عن النبوّة والرسالة. وطالما أنّ الإنسان محاسب مجازى على أعماله فإنّ مبعث الرسل للشعوب والأمم وللخليقة أجمعين يعدّ واجبا ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( [النساء:165]، كما يعدُّ الوحي حقيقة لا ينكرها إلا متفلّت من ضوابط العقل والحسّ وثوابت النقل وكلّ سبل المعرفة وتحصيل العلم..
__________
(1) انظر ذخائر العرب 8 - حيّ بن يقظان لابن سينا وابن الطفيل والسهرورديّ ص1-11،ص 20-32، تحقيق وتعليق أحمد أمين - ط 3 -1966، دار المعارف - بمصر.(20/13)
وحينما نثبت الوحي نثبت علويّته فهو من الله، ونثبت صدقه فهو حقّ محض لا يأتيه الباطل، فكلّ ما أخبر به الوحي واقع وصدق وحقّ لا يتخلّف، يقول عبدالله بن عبّاس حول قول الله تعالى مخاطباً اليهود المخادعين: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الجمعة:6]. وحول قوله تعالى في شأن المجادلين في شأن عيسى عليه السلام بعد أن بيّن القرآن وجه الحقّ فيه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([آل عمران:61](1): " لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا، لا يجدون أهلاً ولا مالاً "(2).
والأنبياء عصمهم الله من الخطإ في تلقّي الوحي وفي إبلاغه، وهم لا يملكون من أمر الوحي شيئاً فهم مبلِّغون رسالات ربّهم بدون تبديل أو تغيير.
وإذا ثبت لدينا إمكانية الوحي وتحقّقت هذه الظاهرة الربّانية فهل السنة النبويّة الصحيحة وحي من الله؟
لإثبات ذلك سوف نبحث عن أدلّة من كتاب الله الذي هو وحي من الله،ثمّ من السنّة النبويّة الصحيحة، كما سنتتبّع جملة من الأخبار الغيبيّة التي أخبر عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وندرس مدى تحقّقها ومصداقها فيما بعد حتى نعرف إن كان مصدرها الوحي من الله، وكذلك سندرس جملة من الأحاديث التي تتناول مسائل علميّة معقّدة ونبحث عن الإعجاز العلمي فيها فإذا تحقّق ذلك كلّه أدركنا بما لا يدع مجالاً للشك أنّ السنّة النبويّة وحي من الله جلّت قدرته.
الدليل من القرآن الكريم على أن السنة وحي:
__________
(1) والمباهلة هي الدعاء باللعنة على الكاذب المفتري [التفسير الواضح الميسر - الشيخ محمد الصابوني - ص 128 - ط1 - 1422هـ - 2001م - مؤسّسة الريّان للطباعة والنشر بيروت].
(2) شرح صحيح البخاريّ، فتح الباري - كتاب التفسير - باب " كلا لئن لم ينته " - 8/595 - الحديث رقم 4950.(20/14)
روى الإمام البخاري في جامعه بسنده الصحيح إلى أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلىّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ))(1).
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يبين في هذا الحديث أن معجزته الكبرى هي الوحي، والوحي لا ينحصر في القرآن الكريم الذي هو " أعظم المعجزات وأفْيَدُها وأدومها لاشتماله على الدعوة والحجّة ودوام الانتفاع به إلى آخر الدهر"(2). وإنّما يدخل ضمنه بيان القرآن وشرحه الذي أجراه الله على لسان نبيّه في سنته المطهّرة وقد وردت آيات كثيرة تثبت هذا المعنى من ذلك:
1 ـ قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([القيامة:16-19].
فالله يطمئن رسوله- صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيات ويعده -ووعده الحق- بأنّه سيجمع القرآن في صدره فيحفظه دون أن يتفلّت منه شيء ويردّده متى شاء بكلّ يسر وسيعلّمه قراءته كما نزل، وقطع سبحانه بأنه المتكفّل ببيانه، ويفسّر ابن عباس قوله تعالى:( ( ( ( ( ( بقوله: "علينا أن نبيّنه بلسانك" وفي رواية: "على لسانك"(3).
وعبارة "بيانه" في قوله تعالى:( ( ( ( ( جنس مضاف، فيعمّ جميع أصناف البيان المتعلّقة بالقرآن الكريم من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلّق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك(4). ونظراً إلى أنّ السنة هي التي بيّنت الغامض وفصّلت المجمل ووضّحت المشكل وفسّرت المبهم وقيّدت المطلق وخصّصت العام وحدّدت المنسوخ فهي المراد بقوله تعالى: ( ( ( ( ( فهي وحي من الله.
__________
(1) صحيح البخاري - الاعتصام - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثت بجوامع الكلم - فتح الباري 13/261 - حديث رقم 7274.
(2) فتح الباري 13/262.
(3) صحيح البخاري - التفسير- باب فإذا قرأناه فاتبع قرآنه حديث 4929 فتح الباري 8/550.
(4) انظر فتح الباري 8/551.(20/15)
2 ـ وكذلك قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [آل عمران:164]. إن فُسِّرَت الحكمة بالعقل والإتقان والصواب في القول والعمل(1).
وفسّرها ابن عباس رضي الله عنه " بعلم القرآن ناسخه ومنسوخه محكمه ومتشابهه " وفسّرت كذلك بفهم حقائق القرآن (2)، وهي معانٍ تنطبق على السنة ولا تخرج عن دائرتها فإنّ العديد من العلماء فسّروها بالسنة بكلّ وضوح فقد شرحها كل من قتادة بن دعامة السدوسي [ت131هـ] وعبدالملك بن جريج [ت149هـ] بالسنة(3) وشرحها ابن جرير الطبري بقوله " وهي السنن التي علّمكموها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنّها لكم "(4).
والحكمة وردت في القرآن العزيز مقرونة بالكتاب في مواطن عديدة، وممن بسط القول في شرحها وعلى أنّها السنة المطهرة الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله فقال في رسالته: " سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا يشبه ما قال والله أعلم ". ويعلل ذلك بقوله: " لأنّ القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجُز – والله أعلم – أن يقال: الحكمة ها هنا إلا سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(5). ويبسط الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله القول في دليل الشافعي فيقول:
1- إن الله عطف الحكمة على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصحّ أن تكون غير السنة.
__________
(1) انظر البحر المحيط - محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الأندلسي الغرناطي الحياني الشهير بأبي حيّان 2/ 320،463.
(2) مفردات القرآن للراغب 250.
(3) جامع البيان عن تأويل القرآن - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 1/557 /3/274.[ط3 - 1388هـ/1968م - مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر].
(4) المصدر السابق 2/483.
(5) الرسالة للإمام الشافعي ص 86 [ط1 - 1408هـ /1988م، الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة ].(20/16)
2- لأنّ الله ذكرها في معرض المنّة على المؤمنين، ولا يمنّ الله إلا بما هو حقّ وصواب.
3- وبما أن القرآن واجب الاتباع فالمعطوف عليه وهو الحكمة واجبة الاتباع.
4- وبما أنّ الله لم يوجب علينا إلا اتباع الكتاب والسنة، فتعيّن أن تكون السنة هي ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أقوال وأحكام في معرض التشريع(1). فهذا دليل قرآني على أنّ السنّة وحي أنزلها الله على قلب رسوله كما أنزل القرآن: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ([النساء:113].
3 ـ ومن الأدلة القرآنية على أنّ السنة وحي قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النحل:44].
وإن شُرِح الذكر(2) الوارد في قوله تعالى:( ? ( ( ( (( ( [ص:8] بالقرآن، فإنّه في آيتنا هذه يعني السنّة لأنّ الذكر الذي أنزله الله على قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما أنزله عليه ليبيّن به للناس ما نزّل إليهم من كتاب الله، وبيان الرسول إنّما هو من سنته - صلى الله عليه وسلم -.
ويشرح ابن حزم عبارة "الذكر" الواردة في الآية بالوحي فيقول: "ولا خلاف بين أحدٍ من أهل اللغة والشريعة في أنّ كل وحي نزل من عند الله فهو ذكر منزّل" وردّ على من زعم أنّ المراد بالذكر في الآية "القرآن وحده" بقوله: "هذه دعوى كاذبة مجرّدة عن البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل والذكر اسم واقع على كلّ ما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قرآن وسنة"(3).
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي - مصطفى بن حسين السباعي ص 51،[ط4 - 1405هـ/1985م المكتب الإسلامي - بيروت].
(2) المفردات للراغب ص 328.
(3) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 157.(20/17)
" فالذكر بيانٌ أنزله الله والسنة هي هذا البيان فتكون بالتالي وحياً منزّلاً من السماء، وقد قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ ما أنزل إليه من القرآن أكمل تبيلغ كما قام بتبيينه خير تبيين ففصّل مجمله ووضّح مشكله وفسّر مبهمه وقيّد مطلقه وخصّص عامّه وبيّن منسوخه واستنبط أحكامه وحدّد مرماه وكشف مغزاه وأبان عن معناه "(1).
4 ـ ومن الأدلة القرآنية على أنّ السنة وحي قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [النساء:105].
ذهب الداودي إلى أن عبارة "بما أراك الله" ليست محصورة في المنصوص وإنّما فيها إذن في القول بالرأي من قياس واجتهاد، خلافاً لما ذهب إليه الإمام البخاري من أنّ كل ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكم به بين الناس إنّما صدر فيه عن الوحي، وقد ترجم لهذا المعنى في صحيحه بقوله: "... ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: "بما أراك الله" (2).
ولكن إذا علمنا أنّ الله لا يقرّ نبيّه على خطأ تبيّن لنا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما يحكم بين الناس إنّما يحكم بما ورد في القرآن ممّا نصّ عليه فيه من أحكام، كما يحكم بينهم بما علّمه الله وأراه أي بسنّته فيكون في حكمه مستنداً إلى القرآن والسنة وكلّ منهما ممّا نزّله الله عليه وعلّمه حقائقه وعرّفه حدوده، فهما وحي بلا جدال.
الدليل من السنّة النبويّة على أنّ السنّة وحي:
ذكر الإمام الشافعيّ " أنّ حجّة من قال: إنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يسنّ شيئا إلا بأمر الله على وجهين:
- إمّا بوحي يتلى على الناس وهو القرآن الكريم.
__________
(1) محاضرات في علوم الحديث - للشيخ مصطفى أمين التازي 1/120.
(2) صحيح البخاري - الاعتصام - الباب 8 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي - فتح الباري 13/3030.(20/18)
- وإمّا برسالة عن الله أن افعل "(1)، ويريد الإمام بقوله: "رسالة عن الله" ما يقابل الوحي المتلوّ، وهو الوحي غير المتلوّ أي السنّة النبويّة.
وما قاله الإمام الشافعيّ جاء مصداقا لكثير من الأحاديث ووقائع السنّة منها:
1- حديث المقدام بن معديكرب يرفعه: ((ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا الكتاب فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه..))(2) وجاء في نهاية الحديث في رواية أخرى: ((ألا وإنّ ما حرّم رسول الله كما حرّم الله))(3)، وروى أبو داود في مراسيله عن مكحول الشاميّ قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه".
وعبارة "الكتاب" الواردة في الحديث واضحة، يراد بها القرآن الكريم، وهو الوحي الظاهر الجليّ المتلوّ، وأمّا قوله: "ومثله معه" فذهب العلماء إلى أنّ المراد بها الوحي غير المتلوّ، وهو السنّة بكلّ ما تعنيه من بيان شامل للكتاب وتشريع مستقلّ عنه.
ومثليّة السنّة للقرآن تتحقّق في أمرين: في النوع وفي الحكم:
- أمّا النوع فيعني أنّ كلاً من القرآن والسنّة وحي من الله، وأمّا الحكم فيعني وجوب العمل بهما جميعا(4).
__________
(1) انظر فتح الباري 13/305.
(2) سنن أبي داود - كتاب السنّة - باب في لزوم السنّة 5/10 حديث 4604 - نحوه سنن ابن ماجه - المقدّمة - باب تعظيم حديث رسول الله..1/6 حديث 12 - سنن الترمذي - العلم - باب ما نهي عنه، أن يقال عند حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - 5/38 حديث 2664 - عون المعبود 12/354 حديث4580.
(3) الحديث والمحدّثون 11.
(4) انظر معالم السنن لأبي سليمان الخطّابيّ - 4/298(ط2 -1401هـ /1981م- منشورات المكتبة العلميّة - بيروت - لبنان ).(20/19)
2- ومن أوضح ما يثبت أنّ السنّة وحي ما أثر عن حسّان بن عطيّة أحد ثقات التابعين الشاميّين قوله: "كان جبريل ينزل على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن"(1) وفي رواية إضافة قوله: "ويعلّمه إيّاها كما يعلّمه القرآن"(2)، يؤيّد هذا ما رواه البخاريّ في صحيحه بسنده إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال سمعت النبيّ بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربّي فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجّة))(3). ومن هذا القبيل قوله: ((إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتّى تستوفي رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب))(4).
__________
(1) فتح الباري 13/305 - سنن الدارميّ - المقدّمة - باب السنّة قاضية على كتاب الله 1/117 حديث 594.
(2) تحفة الأشراف 13/ 161 الحديث 18490.
(3) صحيح البخاريّ - الحجّ - باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : " العقيق واد مبارك " - فتح الباري 3/458 حديث 1534. والاعتصام - باب ما ذكر النبيّ وحضّ على اتفاق أهل العلم - فتح الباري13/315 حديث 7322.سنن أبي داود - مناسك - باب في الإقران 2/394 حديث 1800 - سنن ابن ماجه - المناسك - باب التمتّع بالعمرة إلى الحجّ 2/991 حديث 2976.
(4) محاضرات في علوم الحديث - مصطفى أمين التازيّ 1/99 (ط3 -1391هـ /1971م - مطبعة دار التأليف بمصر ).ونحوه في سنن ابن ماجه [بدون ذكر: إنّ الروح الأمين نفث في روعي]- التجارات- باب الاقتصاد في طلب المعيشة2/725 حديث 2144.(20/20)
فهذه الأحاديث صريحة في أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتلقّى السنّة من الله سواء كان ذلك بوحي جليّ بواسطة جبريل وفي حال اليقظة، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني آت))، أو بوحي خفيّ أي بإلهام أو نفث في الروع أو بالرؤيا في المنام، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ الروح الأمين نفث في روعي))، وهي تصدّق قول التابعيّ الجليل حسّان بن عطيّة: "إنّ جبريل كان ينزل على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن" وهي واضحة الدلالة على أن السنّة وحي من الله تعالى.
3- وممّا يثبت أنّ السنّة وحي ما أخرجه الإمام الشافعيّ من طريق التابعيّ الكبير طاوس بن كيسان "أنّ عنده كتابا في العقول نزل به الوحي"(1). وإذا علمنا أنّ الديّات ممّا حدّدته وفصّلت معالمه السنّة أدركنا أنّ كلّ ذلك وحي نزل على قلب الرسول وجرى به لسانه. وكذلك أنصبة الزكاة وبيان مقاديرها المخرّجة وأنواعها وأجناسها وتفصيلاتها المبسوطة في كتب الزكاة والصدقة، فهي وإن بدت من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا أنها في الحقيقة أمر أمر الله به نبيّه عليه الصلاة والسلام. مصداق ذلك ما رواه البخاريّ بسنده الصحيح إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ أبا بكر كتب له هذا الكتاب لمّا وجّهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله."(2).
__________
(1) فتح الباري13/305.
(2) صحيح البخاريّ - الزكاة - باب زكاة الغنم - فتح الباري 3/371 - 372 الحديث 1454.(20/21)
فقول أبي بكر رضي الله عنه: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي أمر الله بها رسوله." يبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ ما يتعلّق بركن الزكاة والصدقات إنّما هو وحي من الله عبّر عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببيانه الآسر، ويقاس على الزكاة بقيّة الأركان، وغيرها ممّا تناولته السنة بالبيان.
4- ومن الأدلّة التي ساقها العلماء على أنّ السنّة وحي كالقرآن قصّة العسيف(1)، فقد روى البخاريّ بسنده الصحيح إلى أبي هريرة وزيد بن خالد قالا: كنّا عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل [وهو زوج المرأة وكان أعرابياًّ] فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله!!.فقام خصمه[وهو والد العسيف] وكان أفقه منه فقال: " اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، قال ((قل!)) قال: إنّ ابني هذا كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم. ثمّ سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم. فقال النبيّ: ((والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جلّ ذكره، المائة شاة والخادم ردّ وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها..))(2).
__________
(1) العسيف بمهملتين: الأجير وزناً ومعنىً، والجمع عسفاء كأجراء، ويطلق على الخادم وعلى العبد، وسمّي الأجير عسيفا لكون المستأجر يعسفه في العمل أي يجور عليه في العمل، أو لكون الأجير يعسف الأرض بالتردّد عليها.(فتح الباري 12/142 - 143 ).
(2) صحيح البخاريّ - الحدود - باب الاعتراف بالزنى - فتح الباري 12/140 حديث 6827.(20/22)
والشاهد هنا هو قوله: ((لأقضينّ بينكما بكتاب الله)) وقضى بجلد البكر مائة وتغريب عام، وبرجم المحصنة، وكلّ من التغريب والرجم قضت بهما السنّة، ولم يرد لهما ذكر في الكتاب إلا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عبّر عن هذين الحكمين اللذين تفرّدت بهما السنة "بالكتاب"، وهذا دليل صريح على أنّ السنّة وحي كالكتاب، وعلى أنّ الكتاب أعمّ من القرآن، وأنّ المراد به "الشرع" سواء كان كتابا أو سنّة.
- وفي المضمار نفسه شرح أبوبكر البيهقيّ من علماء القرن الخامس الهجري [ت458هـ] عبارة "الكتاب" الواردة في قول الرسول: (( إنّي لا أحلّ إلا ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرّم إلا ما حرّم الله في كتابه)) بالوحي سواء كان وحيا متلوّا وهو القرآن، أو غير متلوّ وهو السنّة النبويّة (1).
__________
(1) انظر السنّة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ 155.(20/23)
5- ومن الأدلّة على أنّ السنّة وحي ما جاء على لسان معاذ بن جبل رضي الله عنه في حكم المرتدّ المغيّر لدينه المفارق للجماعة الذي قضت السنّة بقتله(1) بعد استتابته حماية لأمن المجتمع المسلم، من أنّه قضاء الله ورسوله، أي أنّه حكم وإن صدر على لسان الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم - إلا أنّه في الحقيقة وحي أنزله الله على قلب نبيّه - صلى الله عليه وسلم -. روى البخاريّ بسنده إلى أبي موسى الأشعريّ أنّ معاذ بن جبل حين قدم عليه باليمن، وجد عنده رجلا موثّقا فقال: ما هذا؟ قال[أبوموسى]: كان يهوديّا فأسلم ثمّ تهوّد!: قال: اجلس! قال[معاذ]: لا أجلس حتّى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرّات، فأمر به، فقتل(2).
فوصف معاذ رضي الله عنه قتل المرتدّ الذي قضى به الرسول بأنّه "قضاء الله ورسوله"، يدلّ على أنّه موحى به من الله تعالى.
__________
(1) يقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : " من بدّل دينه فاقتلوه " - الموطّأ - الأقضية - باب القضاء فيمن ارتدّ عن الإسلام 458 - صحيح البخاريّ - الجهاد - باب لا يعذّب بعذاب الله - فتح الباريّ 6/173 حديث 3017، والاستتابة - باب حكم المرتدّ - فتح الباري 12/ 279 حديث 6922 - سنن الترمذيّ - الحدود - باب ما جاء في المرتدّ 4/59 - سنن النسائيّ - تحريم الدم - باب الحكم في المرتدّ 7/104.
(2) صحيح البخاريّ - استتابة المرتدّين والمعاندين - باب حكم المرتدّ والمرتدّة - فتح الباري 12/280 حديث 6923.(20/24)
6- ومن الأدلّة الواضحة على أنّ السنّة وحي قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله ابن عمرو بن العاص حين اشتكته قريش التي نهته عن كتابة الحديث بوصف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بشرا يتكلّم في الغضب والرضا: ((اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه[وقد أومأ بأصبعه إلى فيه] إلا حقّ))(1)، لأنه يصدر -فيما يقول- عن الوحي الذي لا ينطق عن الهوى.
7- ومن أوضح الأدلّة على أنّ سنّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وحي أنه عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يسأل عن الشيء الذي لم ينزل عليه فيه وحي، فيسكت أو يقول لا أدري حتّى يأتيه بيان ذلك بالوحي، وكثيرا ما تنزل به النوازل فلا يفتي حتّى يريه الله الجواب والفتوى، حتّى إنّ البخاريّ ترجم لهذا المعنى في جامعه الصحيح بقوله: " باب ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول: " لا أدري، أو لم يجب حتّى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس، لقوله تعالى: "بما أراك الله"(2):
أ - من ذلك سؤال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟"، قال جابر: "فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث"(3).
__________
(1) سنن الدارميّ - باب من رخّص في كتاب العلم 1/125 - مسند أحمد 2/162، 192. - جامع بيان العلم وفضله 1/71.
(2) الاعتصام - الباب الثامن - فتح الباري 13/303.
(3) صحيح البخاريّ - الاعتصام - باب ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي - فتح الباري 13/303 حديث 7309.(20/25)
ب - وكذلك سؤال أحد المعتمرين -وكان يلبس جبّة وعليه أثر الخلوق- النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمّخ بطيب؟ فسكت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ساعة، فجاءه الوحي... ثمّ سرّي عنه فقال: ((أين الذي سأل عن العمرة؟)) فأتي بالرجل. فقال: ((اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرّات، وانزع عنك الجبّة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك))(1).
ج - وقد يسأل عن قضايا غيبيّة ممّا استأثر الله بعلمها كالروح والساعة، فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي بالجواب:
- من ذلك ما رواه البخاريّ في صحيحه من حديث عبدالله بن مسعود: "أنّ يهوديّا سأل الرسول فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت. فقلت: إنّه يوحى إليه... فلمّا انجلى عنه، فقال:( ? ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الإسراء:85](2).
- وسأله جبريل عليه السلام عن الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، أي أنّه أخبره أن ليس عنده من ذلك علم(3). كما سأله رجل عن الساعة فأجابه بمثل جوابه جبريل عليه السلام(4).
__________
(1) صحيح البخاريّ - الحجّ - باب غسل الخلوق ثلاث مرّات من الثياب - فتح الباري 3/460 حديث 1536 - العمرة - باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحجّ - فتح الباري 3/718 حديث 1789 - صحيح مسلم - الحجّ - باب ما يباح للمحرم بحجّ أو عمرة 1/836 حديث1180 - سنن أبي داود - المناسك - باب الرجل يحرم في ثيابه 5/407 - 408 حديث 1819.
(2) العلم - باب قول الله تعالى: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " - فتح الباري 1/240 حديث 125.
(3) الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبيّ 1/44 - (ط3 - 1417هـ/1997م - دار المعرفة - بيروت ).
(4) صحيح البخاريّ - الإيمان - باب سؤال جبريل النبي - فتح الباري 1/140 حديث 50.(20/26)
د- وسئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر؟ فقال ((لم ينزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الزلزلة:7-8 ]))(1).
ويشرح ابن التين الصفاقسيّ[ت611هـ] المراد من الاستشهاد في هذا المقام بهذه الآية فيقول: "دلّت على أنّ من عمل في اقتناء الحمير طاعة، رأى ثواب ذلك، وإن عمل معصية رأى عقاب ذلك"(2).
فالرسول عليه الصلاة والسلام متقيّد بالوحي يجيب ويفتي بما يريه الله، فلا يتعجّل جوابا مهما كانت المسألة خطيرة ومستعجلة، ومن أجلى الدلالات على صدق هذا القول "حادثة الإفك" التي نال المنافقون فيها من عرض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسرحوا ومرحوا دون أن يزعهم وازع، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يستطع أن ينهي افتراءاتهم وتخرّصاتهم حتّى نزل الوحي بعد شهر كامل ببراءة السيّدة الطاهرة البريئة المبرّأة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.
إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن الغيبيات وتحقّق وقوعها يدلّ على أن السنّة وحي
وممّا يثبت أن السنّة وحي ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الغيبيات التي اختصّ الله بعلمها:( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأنعام:59]، وهي أخبار أمدّه بها الوحي ( ? ( ( ( ( (( ( [هود:49]، فأفصح عنها بلسانه - صلى الله عليه وسلم -، وقد تحقّقت فكانت نبوءات صادقة صدق مصدرها وهو الله سبحانه:
1- سراقة يلبس سواري كسرى
__________
(1) صحيح البخاريّ - التفسير - باب من يعمل مثقال ذرّة - فتح الباري 8/598 حديث 4963 - الجهاد - باب الخيل لثلاثة - فتح الباري 6/75 حديث 2860.والآية جامعة لشمولها جميع الأنواع من طاعة ومعصية. وفاذة لانفرادها في معناها.
(2) فتح الباري 6/77.(20/27)
من ذلك ما قاله لسراقة بن مالك بن جعشم المدلجيّ: ((كأنّي بك يا سراقة تلبس سواري كسرى)). فقال سراقة متعجّبا: كسرى بن هرمز!! قال: (( نعم )). وقد قال له هذا وهو مطارد في هجرته إلى المدينة يخاف الرصد ولا يكاد يأمن على نفسه غوائل المشركين.
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يفتح الله على المسلمين بلاد فارس والمدائن ويؤتى بالغنائم إلى المدينة، وكان فيها سوارا كسرى وألبس عمر سراقة سواري كسرى، وتحقّقت نبوءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1)، لتكون علامة من علامات نبوّته، وآية من آيات صدقه، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
2 - فتح بلاد كسرى وهرقل واليمن
ومن ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام في غزوة الأحزاب في شوّال من السنة 5هـ أثناء كسره صخرة بيضاء صلدة، وهو يحفر مع المسلمين الخندق: "لقد أضاء الله لي قصور الحيرة ومدائن كسرى، فأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها.. وأضاء لي القصور الحمر من أرض الروم،فأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها.. وأضاء لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها"(2).
لقد أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بهذه الفتوح والمسلمون في حال من العسر والضيق والخوف، حيث تداعت عليهم الأحزاب المشركة من أقطار الجزيرة، وخذلهم المنافقون وتآمر عليهم اليهود فخانوا عهدهم ونقضوا مواثيقهم، وقد صوّر القرآن الكريم هذا الضيق وهذا الابتلاء خير تصوير فقال:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:10-12]، وتحقّق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ففتحت بلاد كسرى وبلاد هرقل واليمن، لتكون هذه الفتوح المباركة شاهد صدق على أنه لا ينطق عن الهوى وأنّ سنّته وحي يوحى.
__________
(1) انظر السيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة 1/493 - 494.[محمد محمد أبو شهبة - ط5 - 1419هـ/1999م - دار القلم - دمشق].
(2) المصدر السابق 2/279.(20/28)
- وسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أبا طريف عديّ بن حاتم الطائيّ [ت68هـ]: ((هل رأيت الحيرة؟)) قال: قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله [ قال عديّ: قلت فيما بيني وبين نفسي: أين دعّار طيئ الذين قد سعّروا البلاد!؟]، ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه)).
ويعدّد عديّ ما تحقّق من هذه النبوّات فيقول: " فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ". ثمّ يقول رضي الله عنه جازماً واثقاً من صدق ما سمع من رسول الله: " ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - يخرج ملء كفّه "(1). وقد تحقّق ذلك في عهد خلافة عمر بن عبدالعزيز، فقد أغنى الله الأمة فلم يجد رضي الله عنه من الفقراء والمساكين من يعطيه الزكاة.
3- المسلمون يركبون البحر للفتح
__________
(1) صحيح البخاري - المناقب - باب علامات النبوّة - فتح الباري 6/706 - 707 حديث 3595.(20/29)
ومن ذلك ما رواه البخاريّ من حديث أنس بن مالك أنّ خالته أمّ حرام بنت ملحان النجّاريّة الأنصاريّة -وكانت تحت عبادة بن الصامت- سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وقد استيقظ من نومه وهو يضحك: ((ما يضحكك يا رسول الله؟)) قال: ((ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر[أي وسطه ومعظمه] ملوكا على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرّة)). قالت: يارسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها... فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان [ في فتح قبرص] فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت(1).
يقول ابن حجر معلّقا على الخبر: " فيه إخبار بما سيكون فكان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - "(2).
- وقد لمّح الرسول - صلى الله عليه وسلم - لغزو المسلمين في البحر عند رجوعه من غزوة تبوك في رجب من السنة 9هـ حيث اشتكى المسلمون ما برواحلهم من الجهد فدعا لها رسول الله: ((اللّهم احمل عليها في سبيلك، إنّك تحمل على القويّ والضعيف وعلى الرطب واليابس في البرّ والبحر)) فما بلغوا المدينة، حتّى جعلت تنازعهم أزمّتها. فقال فضالة بن عبيد الأنصاريّ راوي الحديث: "هذه دعوة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على القويّ والضعيف، فما بال الرطب واليابس!؟ فلمّا رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - "(3).
4 - ومن الفتوح التي أخبر بوقوعها وتحقّقت فتح القسطنطينيّة
__________
(1) كتاب التعبير - باب رؤيا النهار - فتح الباري 12/408 حديث 7001 - 7002 - صحيح مسلم - الإمارة - باب فضل الغزو في البحر 3/ 1518 حديث 1912 - الترمذيّ - فضائل الجهاد - باب ما جاء في غزو البحر 4/178 حديث 1696.
(2) فتح الباري 12/409.
(3) مسند أحمد 5/453.(20/30)
فقد روى عبدالله بن عمرو بن العاص قال: " بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب إذ سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي المدينتين تفتح أوّلا: قسطنطينيّة أو روميّة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مدينة هرقل تفتح أوّلا"، يعني القسطنطينيّة، وقد تحقّقت نبوءته، ففتحها الشاب العثماني المجاهد ابن الثالثة والعشرين محمد بن مراد والمعروف بمحمد الفاتح سنة 1453م.
5 - وممّا أخبر عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وتحقّق " افتراق الأمّة " بفعل الأهواء
فقد أخرج أبوداود في سننه من حديث أبي سفيان بن حرب يرفعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((.. وإنّه سيخرج في أمّتي أقوام تجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى عرق ولا مفصل إلا دخله))(1)، وقد تمكّنت هذه الأهواء في الكثير من النفوس فجرت فيها مجرى الدم من العروق، وافترقت الأمّة إلى طرائق قدد، وكان الخوارج من أبرز من تنكّب عن الجماعة، فسعّروا الفتن وشغلوا الأمّة بفظاعاتهم واعتداءاتهم، وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخروجهم وبأنّ طائفة من المسلمين على الحقّ تقتلهم، يقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ))(2) وسئل عليه الصلاة والسلام عن سيماهم فقال:
((سيماهم التحليق))(3). كما سئل: يا رسول الله! هل في هؤلاء القوم علامة؟ قال: ((يحلقون رؤوسهم، فيهم ذو الثدية))(4)، وفي رواية: ((آيتهم رجل إحدى يديه مثل ثدي المرأة))(5).
__________
(1) أوّل كتاب السنّة - باب شرح السنّة 5/5 - 6حديث 4597.
(2) فتح الباري 12/309 وعزاه ابن حجر لمسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ.
(3) فتح الباري 12/309.
(4) فتح الباري 12/308.
(5) صحيح البخاري - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب من ترك قتال الخوارج للتألف...(20/31)
وقد قاتلهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم، فقال لأصحابه: "اطلبوا ذا الثدية، فطلبوه فلم يجدوه! فقال: ما كذبت ولا كذبت، اطلبوه، فطلبوه فوجدوه في وهدة من الأرض عليه ناس من القتلى، فإذا رجل على يده مثل سبلات السنّور(1)، فكبّر عليّ والناس، وأعجبه ذلك" "وفي رواية" قال عليّ: "التمسوا لي العلامة التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنّي لم أكذب ولا أكذب، فجيء به فحمد الله وأثنى عليه حين عرف العلامة"(2).
وحول صدق ما أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من هذه الغيبيّات يقول أبو سعيد الخدريّ: (( أشهد سمعت من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أنّ عليّا قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي - صلى الله عليه وسلم - ))(3).
6ـ وممّا أخبر بوقوعه من الغيبيّات خروج ……متنبّئين كذّابين
__________
(1) وفي رواية: " إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات تكون على ذنب اليربوع " - فتح الباري 12/311.
(2) فتح الباري 12/311 وقد ساق ابن حجر رحمه الله هذه المعلومات أثناء شرحه للحديث 6933، 6934.
(3) صحيح البخاريّ - استتابة المرتدّين - باب من ترك قتال الخوارج - فتح الباري 12/303 حديث 6933.(20/32)
روى الإمام البخاريّ في جامعه الصحيح بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجّالون كذّابون قريبا من ثلاثين، كلّهم يزعم أنّه رسول الله ))(1). وفي حديث ثوبان بن بجدد الهاشميّ مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ت54هـ] مرفوعا يرويه أبو داود في سننه: ((وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النبيّين، لا نبيّ بعدي..))(2). وروى أحمد في مسنده، عن أبي هريرة: ((لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذّابا دجّالا كلّهم يكذب على الله عزّ وجلّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ))(3).
يقول ابن حجر عن ثبوت نبوءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدق ما أخبر به: "وقد ظهر مصداق ذلك في آخر زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فخرج مسيلمة الكذّاب باليمامة، والأسود العنسيّ باليمن، ثمّ خرج في خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميميّة في بني تميم، وفيها يقول شبيب بن ربعيّ، وكان مؤدّبها:
أضحت نبيّتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
__________
(1) كتاب المناقب - باب علامات النبوّة - فتح الباري 6/712 - 713 حديث 3609.
(2) الفتن والملاحم - باب ذكر الفتن ودلائلها 4/450 - 451 حديث 4252 - ابن ماجه - الفتن - باب ما يكون في الفتن 2/1303 حديث 3952.
(3) 2/450.(20/33)
وقتل الأسود قبل أن يتوفّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر، وتاب طليحة بن خويلد الأسديّ، ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، ونقل أنّ سجاحا التميميّة تابت كذلك[وانتقلت إلى البصرة وماتت بها]، ومن هؤلاء الكذّابين المختار بن أبي عبيد الثقفيّ [صاحب الفرقة الكيسانيّة] الذي زيّن له الشيطان ادعاء النبوّة، وزعم أنّ جبريل يأتيه، وقد روى الشعبيّ أنّ الأحنف بن قيس أراه كتاب المختار إليه يذكر فيه أنه نبيّ. ومنهم الحارث الكذّاب خرج في خلافة عبدالملك بن مروان فقتله.. "(1).
فظهور ما أخبر عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكذّابين قبل خروجهم بزمن طويل يدلّ على صدقه كما يدلّ على أن مصدر خبره الوحي؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله.
7ـ نعي أمراء مؤتة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة
وممّا أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الغيبيات استشهاد أمراء المعركة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة: روى البخاريّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ثمّ أخذ الراية جعفر فأصيب، ثمّ أخذ الراية ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتّى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم "(2).
وذكر موسى بن عقبة [ت140هـ] في مغازيه أنّ يعلى بن أميّة كان أوّل من قدم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله: "إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك. قال: فأخبرني، فأخبره خبرهم. فقال: والذي بعثك بالحقّ ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره"(3).
__________
(1) فتح الباري 6/714.
(2) المغازي - باب غزوة مؤتة من أرض الشام - فتح الباري 7/585، حديث4263وكانت تلك الغزوة في جمادى من سنة ثمان.
(3) فتح الباري 7/585.(20/34)
فمن أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خبر المعركة وتفاصيل استشهاد الأمراء، وبين المدينة ومؤتة ببلاد الشام [الأردن]مسافات بعيدة في عصر تنعدم فيه وسائل الاتصال البرقي والسريع، لا شكّ أن الوحي هو الذي أمدّه بكلّ تلك التفاصيل الدقيقة.
8ـ كشف خبر الخطاب السرّي الذي أرسله حاطب إلى قريش
لمّا أجمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى مكّة لفتحها في رمضان من السنة الثامنة للهجرة، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك، ثمّ أعطاه امرأة من مزينة اسمها سارة، وكانت مولاة لبعض بني عبدالمطلب وقيل مولاة للعبّاس، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فإذا بالوحي ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما صنع حاطب، فبعث عليه الصلاة والسلام عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وقال لهم: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها". يقول عليّ راوي الحديث: " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: " أخرجي الكتاب! قالت: " ما معي كتاب! فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب. قال فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. " الحديث(1).
__________
(1) صحبح البخاريّ - المغازي - غزوة الفتح - فتح الباري 7/592 حديث 4274 - وذكر ابن حجر في الفتح 7/594 نصّ الرسالة كما أوردها يحيى بن سلام [ت210] في تفسيره: " أمّا بعد يا معشر قريش، فإنّ رسول الله جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام. "(20/35)
ونلاحظ هنا أنّ عليّا وصاحبيه رضي الله عنهم لم يصدّقا المرأة في ادعائها، وهدّداها بحزم بخلع ثيابها إن هي لم تخرج الرسالة لأنهم واثقون من صدق خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن أنّ الوحي هو الذي أطلعه على سرّ الرسالة وصاحبها وحاملتها، والموضع الذي سيجدونها فيه... الأمر الذي يدعم الحقيقة الصادعة أنّ أحاديث الرسول وأخباره وحي.
9ـ استحلال الزنى والخمر والمعازف
ومن الغيبيات التي أخبر عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحقّقت، استحلال الزنى ولبس الرجال الحرير واتخاذ المعازف، يقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (( ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر والحرير والخمر والمعازف ))(1).
والحر بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء هو الفرج، كنّى به عن الزنى، وما ذكره الحديث من محرّمات أصبحت تُتعاطى في بعض البلاد الإسلاميّة بدون نكير وكأنّها من الطيّبات!! بل فقد أقرّت سلطات بعض البلاد ما سنّه الاستعمار من قوانين غداة احتلاله لها، لإفساد الشبيبة المسلمة وإضعاف روح المقاومة، تقضي بإقامة دور الخنا العلني وتنشيط زراعة عنب الخمور وفتح الخمّارات في كلّ زاوية من زوايا البلاد وحماية مرتادي تلك البؤر الخبيثة برجال شرطة مسلمين يتقاضون مرتّباتهم من دافعي الضرائب المسلمين!!
فالذي أخبر الرسول بما سيؤول إليه أمر أمّته من التدني والانحطاط وتداعي الأمم عليها وإذلالها وانتهاك مقدّساتها ونهب ثرواتها بسبب مجافاتها الشريعة وعدم قيامها بأحكامها، وانتهاك المحرّمات.. إنما هو الوحي الصادق.
10ـ أرض العرب تعود كما كانت مروجا وأنهارا
__________
(1) صحيح البخاريّ - الأشربة - باب ما جاء فيمن يستحلّ الخمر ويسمّيه بغير اسمه - فتح الباري 10/53 حديث 5590.(20/36)
ومن الغيبيات التي أخبر عنها الرسول ولم تتجسّد بعد على أرض الواقع إخباره أنه: "لا تقوم الساعة حتّى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا"(1).
والحديث يتضمّن حقيقتين: الأولى: هي أنّ أرض العرب الصحراويّة كانت في غابر الزمن مروجا وبساتين وأنهارا. والثانية: أنّ يوما ما من تاريخ الأرض وقبل قيام الساعة ستعود أرض العرب إلى سالف عهدها من الخضرة وتدفّق مياه الأنهار في ربوعها.
وهذان الأمران حين نسمع بهما للوهلة الأولى يتملّكنا الاستغراب والتعجّب لكن حينما نتيقّن من مصدر الخبر لا نملك إلا التصديق. وممّا يزيدنا تصديقا وإيمانا أنّ العلم يؤيّد هذه النبوّة، يروي الشيخ عبدالمجيد الزنداني عن أحد علماء الجيولوجيا قوله: " من الحقائق العلميّة التي يعرفها علماء الجيولوجيا أنّ جزيرة العرب الصحراويّة اليوم كانت في زمن قديم بساتين وحدائق، والدليل الحفريّات الأثريّة التي تدلّ على أنّ هذه الأرض كانت مروجا وأنهارا وأوضح برهان على ذلك قرية "الفاو" والتي اكتشفت تحت رمال الربع الخالي.
أمّا عن عودة جزيرة العرب إلى ما كانت عليه من مروج وأنهار فيقول: " وهذه حقيقة ثابتة...نعرفها نحن الجيولوجيين " ويتحدّث عن الأحقاب المناخيّة التي ستمرّ بها الأرض، ومنها حقبة جليديّة وفي هذه الحقبة سيتغيّر طقس الأرض وضمن ذلك يحدث تغيير في طقس بلاد العرب فيصبح باردا وتصبح شبه الجزيرة من أكثر بلاد العالم أمطارا وأنهارا ".
ويعلّق الشيخ الزنداني على هذه المعلومات بقوله: " فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصل إلى هذا العلم إلا بوحي علويّ "(2).
__________
(1) صحيح مسلم - الزكاة - باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا تجد من يقبلها 2/701 حديث 157.
(2) انظر الموقع: .htm www.geocities.com/rr_eem/z من كتاب العلم طريق الإيمان لعبدالمجيد الزنداني.(20/37)
فهذه الأمثلة القليلة التي استعرضناها من إخباره عليه الصلاة والسلام بالغيبيات، والتي تحقّقت أو أثبت العلم تحقّقها يقينا مستقبلا تثبت أنّ السنّة وحي وأنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى.
الإعجاز العلمي الوارد في السنة النبوية يدلّ على أنّها وحي
ومما يثبت علويّة السنة وأنّها وحي من الله ما تحدث عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أخبار علميّة معقدة تحقّق فيها الإعجاز العلمي، إذ لم تكتشف حقائقها إلا بعد تطوّر العلوم وأدوات البحث في العصر الحديث، وسوف نكتفي بذكر عينات قليلة للتدليل على أنّ ما تحدّثت عنه السنة من هذه الحقائق لا يكون إلا وحيا من خالق الكون سبحانه:
1- الجسد يبلى ما عدا عجب الذنب
عن أبي سعيد الخدري يرفعه: ((يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه))، قيل: وما عجب ذنبه يا رسول الله؟ قال: ((مثل حبّة خردل، منه نشأ)) وفي رواية عن أبي هريرة: ((ومنه يركّب الخلق يوم القيامة)).
يقول د. زغلول النجّار: " يشتمل هذا الحديث على حقيقة علميّة لم تتوصل العلوم المكتسبة إلى معرفتها إلا منذ سنوات قليلة، حين أثبت المتخصّصون في علم الأجنّة أنّ جسد الإنسان ينشأ من شريط دقيق للغاية يسمّى الشريط الأولي الذي يتخلّق بقدرة الله سبحانه في اليوم الخامس عشر من تلقيح البويضة وانغراسها في جدار الرحم... وثبت أنّ هذا الشريط الأوّلي يندثر عدا جزءاً يسيرا منه يبقى في نهاية العمود الفقري وهو المقصود بعجب الذنب [نهاية العمود الفقري] ". ويضيف: " وقد أثبتت مجموعة من علماء الصين في عدد من التجارب المختبريّة استحالة إفناء عجب الذنب كيميائياً بالإذابة في أقوى الأحماض أو فيزيائياً بالحرق أو بالسحق أو بالتعريض للأشعّة المختلفة، وهو ما يؤكد صدق حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي يعد سابقاً لكافة العلوم بأكثر من 1400 سنة ".(20/38)
إنه لا يمكن لعاقل أن يتصوّر مصدراً لهذه الحقيقة العلميّة التي صدع بها محمد - صلى الله عليه وسلم - من قبل ألف وأربعمائة سنة غير وحي صادق من الله الخالق(1).
2 - متى ينجب الزوجان ذكراً ومتى ينجبان أنثى؟
روى عبدالله بن عبّاس رضي الله عنه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنّثا بإذن الله ))(2).
إنّ تحديد جنس الجنين من القضايا العلميّة المعقّدة التي لم يتوصّل العلم إلى معرفة أسرارها إلا حديثاً جدّا، فقد عكف الأستاذ سعد حافظ خبير علم العقم عند الرجال على دراسة العلاقة بين ماء الرجل وماء المرأة طوال عشر سنوات مستخدماً ما توصّل إليه العلم من تقنية حديثة متطوّرة، ثم وصل إلى النتيجة التالية وهي: أنّ ماء الرجل قلويّ، وماء المرأة حمضيّ، فإذا التقى الماءان وتغلّبت الحموضة التي للأنثى على القلويّة التي للذكر كان الناتج أنثى، وإذا تغلّبت القلويّة التي للذكر على الحموضة التي للأنثى كان الناتج ذكراً (3).
هذه الحقيقة العلميّة عبّر عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل اكتشافها بأربعة عشر قرناً من الزمان وهي تدلّ على أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - موصول بالوحي ومعلَّم من خالق السموات والأرض خالق كلّ شيء.
3 - الحمَّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء، ولا تسبّوها فإنّها تنقّي الذنوب
__________
(1) انظر المحجّة [جريدة جامعة نصف شهرية تصدر بفاس بالمغرب] - العدد 193 - 14 ربيع الأول 1424هـ/16-5-2003م - ص 6.
(2) مسند أحمد 4/124.
(3) من كتاب " أنت تسأل والشيخ الزنداني يجيب، حول الإعجاز العلميّ في القرآن والسنة - للشيخ عبدالمجيد الزنداني " انظر الموقع .htm http: //www.geocities.com/rr_eem/z.(20/39)
روى البخاريّ بسنده إلى ابن عمر مرفوعاً: ((إنّ الحمى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء))(1). وعن جابر بن عبدالله يرفعه: ((لا تسبّيها (أي الحمى) فإنّها تنقّي الذنوب كما تنقّي النارُ خبث الحديد))(2).
لقد تبيّن أنّ الحمّى قد تتسبّب في حرارة شديدة تصل إلى 41 درجة مئوية، فيصدق عليها وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها من فيح جهنم... وهذه الحرارة قد تؤدّي إلى هياج شديد ثم هبوط عام وغيبوبة تكون سبباً في الوفاة، ولذا كان لزاماً تخفيض درجة الحرارة فوراً حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخّ، وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماءٍ بارد أو عمل كمّادات من الماء البارد والثلج.. ولذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا حمَّ دعا بقربة من الماء فأفرغها على رأسه.
أما لِمَ دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدم سبّ الحمى؟ فلأنه عند الإصابة بالحمى تزيد نسبة مادّة " الإنترفيرون " [ Interferon ] لدرجة كبيرة وهي مادّة تفرزها خلايا الدم البيضاء، وتستطيع القضاء على الفيروسات التي تهاجم الجسم كما تكون أكثر قدرة على تكوين الأجسام المضادّة الواقية.
ومادة " الإنترفيرون " لا تخلّص الجسم من الفيروسات والبكتيريا فحسب، ولكنّها تزيد من مقاومة الجسم للأمراض، وقدرته على القضاء على الخلايا السرطانية منذ بدء تكوّنها وبالتالي حماية الجسم من ظهورها.
ولذا قال بعض الأطباء: إنّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحمى لأنّها تكون أنفع من شرب الدواء(3).
__________
(1) صحيح البخاري - بدء الخلق - باب صفة النار - فتح الباري 6/380 حديث 3263 - صحيح مسلم - كتاب السلام 4/1731 حديث 2209.
(2) صحيح مسلم - كتاب البرّ والصلة 4/1993 حديث 4575.
(3) من كتاب " أنت تسأل والشيخ الزنداني يجيب، حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة " للشيخ عبدالحميد الزنداني وانظر الموقع .htm. http://www.geocities.com/rr_eem/z(20/40)
ومن هنا ندرك الحكمة من وراء منع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس من سبّ الحمى، وهي أنها تنقّي الذنوب كما في الحديث الماضي ذكره عن جابر رضي الله عنه. فالحديث وما تضمّنه من حقائق علميّة يثبت أنّ قائله موصول بالله يوحي إليه بما لا يأتيه الباطل.
4- إذا وقع الذباب في شراب أحدكم
روى البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإنّ في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء))(1).
يعدّ هذا الحديث من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - الطبّيّة فقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة.. أنّ هناك خصّيصة في أحد جناحي الذباب، وهي أنّه يحمل البكتيريا، فإذا سقط في شراب أو طعام وألْقَى تلك الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب أو الطعام فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم هو مبيد البكتيريا الذي يحمله في جوفه قريباً من أحد جناحيه.. ولذا فإنّ غمس الذباب كلّه وطرحه كاف لقتل الجراثيم وإبطال عملها.
كما أنّه قد ثبت علمياً أن الذباب يفرز جسيمات صغيرة من نوع الإنزيم تسمّى " باكتريوفاج " [ Bacteriophage ] أي مفترسة الجراثيم وهي عامل الشفاء من الداء. فالعلم توصّل إلى هذه الحقائق التي أخبر عنها النبي- صلى الله عليه وسلم - بصورة إعجازية منذ أربعة عشر قرناً ممّا يدلّ على أنّ سنّته وحي تلقاه من الخالق العلام.
5 - الاحتراس من الأوبئة بالتزام قواعد حفظ الصحة:
__________
(1) صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم - فتح الباري 6/414 حديث 3320.(20/41)
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده إلى جابر بن عبدالله رضي الله عنه مرفوعاً: (( غطّوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإنّ في السَّنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمرّ بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء ))(1).
لقد تبيّن عند الباحثين أنّ الأمراض الخطرة والأوبئة تنتشر في مواسم معيّنة من السنة أو في عدد معيّن من السنوات، وحسب نظام دقيق لا يعرف تعليله حتى الآن، فالحصبة مثلاً وشلل الأطفال يكثران في سبتمبر وأكتوبر وحمّى المستنقعات [التيفويد - Typhoid] يكثر في الصيف أما الطاعون [الكوليراCholera ] فإنّه يأخذ دورة كل 7 سنوات والجدري كل 3 سنوات.
ففي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( إنّ في السنة ليلة ينزل فيها وباء )) إعجاز علميّ يكشف وجود أوبئة موسميّة في أوقات معيّنة لم تقف الكشوفات الطبّيّة على هذه الحقيقة إلا في عصور متأخّرة، فمن علَّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه الحقائق العلميّة المعقّدة؟ إنّه الوحي.
هل وجود أحاديث محمولة على غير محاملها ينقض القول بأنّ السنّة وحي؟
__________
(1) صحيح مسلم - كتاب الأشربة - باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء 3/1596 حديث 2014.(20/42)
إنّ الإقرار بأنّ السنّة وحي ينبني عليه الإقرار بأنّ السنّة حقّ وصواب لأنّ مصدرها الله العليم الخبير. وهنا قد يسأل سائل: كيف تكون السنّة وحيا مبرّأ عن الخطإ والاختلاف والتضارب وفيها أحاديث مختلفة(1)، وأخرى مشكلة(2)، وغيرها ناسخة ومنسوخة(3)!؟
والمعلوم أنّ هذا الضرب من الأحاديث المحمولة على غير محاملها لا يتعارض مع كون السنّة وحيا، لأنّ تعارض الأحاديث المختلفة إنّما هو تعارض ظاهريّ وليس حقيقيّا واقعيّا، وقد تولّى علماء الأمّة بداية من الإمام الشافعيّ الجمع بين تلك الأحاديث وإثبات توافقها وعدم اختلافها، وحلّ إشكالات الأحاديث المشكلة، وبيان تساوقها مع العقل والشرع ومع حقائق التاريخ ونواميس الطبيعة المشاهدة المعروفة. وكذلك النسخ فهو حقيقة شرعيّة ربّانيّة، وليس نكوصا عن حكم شرعيّ وليس استبدال حكم آخر به اعتباطا، علما بأنّ كلا من الحديث الناسخ والحديث المنسوخ صحيح ثابت لا يضعف النسخ من قيمته وإن أبطل حكمه.
ويتحصّل من كلّ ما مضى أنّ السنّة وحي مصدره ربّ العالمين الذي لا ينسى ولا يسهو ولا يخطئ ولا يعكّر صفو هذه الحقيقة وجود أحاديث مختلفة ومشكلة وناسخة ومنسوخة.
هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟
__________
(1) المختلف: هو أن يأتي حديثان صحيحان متضادّان في المعنى ظاهرا،فيوفّق بينهما أو يرجّح أحدهما.[الباعث الحثيث 169 هامش2].
(2) المشكل: هو حديث صحيح يبدو ظاهره مخالفا لآية قرآنيّة أو حكم شرعيّ أو حقيقة تاريخية أو ناموس طبيعيّ ونحو ذلك فيزيل هذا الإشكال ويبيّن أنه غير متعارض مع هذه الأصول كلّها.
(3) النسخ: هو الخطاب الدّالّ على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدّم على وجه لولاه لكان ثابتا به مع تراخيه عنه.[كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي [ت584هـ ] [ط1 - 1386هـ/1966م - مطبعة الأندلس - حمص - سوريا].(20/43)
وإذا ثبت لدينا أنّ السنّة في مجملها وحي - اللهم إلا بعض الاجتهادات في قضايا معيشيّة لا صلة لها بالحلال والحرام ولا بالقضايا الغيبيّة التوقيفيّة، كتأبير النخل ونحوه - حقّ لنا أن نتساءل: هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟
لقد انعقد الإجماع على أنّ وحي القرآن نزل على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه، في اليقظة، بواسطة جبريل عليه السلام، وأنه لم ينزل عليه منه شيء في النوم ولا بطريق من طرق الوحي الأخرى، وليس ذلك لأنّ طرق الوحي الأخرى يعتريها اللبس أو يلحقها الشكّ، لأنّ الوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقينيّ ضروريّ بأنّه من الله سبحانه(1).
أمّا وحي السنّة سواء كان حديثا نبويّا أو حديثا قدسيّا فقد يكون بوحي جليّ أي يأتي به جبريل في حال اليقظة، كما يكون بوحي خفيّ أي بالإيحاء، والإلهام، والبثّ في الروع، والرؤيا الصادقة في المنام، وإذا كان معنى الحديث وحيا من الله فإنّ لفظه من صياغة الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم -.
الخاتمة
وبعد فقد تبيّن لنا ممّا تقدّم أنّ ظاهرة الوحي ممكنة الحدوث، وأنّ تواتر أخبار الرسالات السماويّة، وما توصّل إليه العديد من الفلاسفة والعلماء والمفكّرين تثبت أنّ الوحي ضرورة حتميّة حتى يهدي الله به البشر عن طريق الرسل إلى الحقائق الغيبيّة التي كثيرا ما يستعصي فهمها على الناس، وأمّا ما جنح ويجنح إليه المادّيّون والملاحدة وأتباع المذهب الوضعيّ [Le positivisme] من إنكار الوحي وعالم الغيب عامّة فلا يعتدّ به؛ لأنّ آراءهم لا تستند إلى دليل عقليّ منطقيّ وتتعارض مع طبيعة الإنسان وما فطر عليه من الإيمان بالله وبعالم الغيب.
__________
(1) انظر الحديث والمحدّثون 14.(20/44)
أمّا ما سقناه من أدلّة قرآنيّة ومن أدلّة من السنة النبويّة و ما استعرضناه من أخبار غيبيّة تنبّأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوقوعها وتحقّقت، أو ما ذكرناه من أحاديث تضمّنت إشارات علميّة دقيقة ومعقّدة تحقّق فيها الإعجاز العلميّ، فهي كلّها تثبت أنّ السنّة في مجملها وحي من الله وأنّ الرسول محمدا - صلى الله عليه وسلم - موصول بربّه عن طريقه.
وإذا كانت السنّة وحيا، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - معصوما من الخطإ فإنّ كلّ ما صحّ صدوره عنه صدق وحقّ، واجب الأخذ به والعمل بأحكامه، أو بما يمكن أن يستنبط منه من أحكام شرعيّة. ونظرا إلى أنّ السنّة دين وشريعة فقد حرّم الكذب والتزيّد فيها،يقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (( من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ))(1).
وكما وعد الله بحفظ كتابه، فإنّه تعالى تعهّد بحفظ بيان هذا الكتاب وهو السنّة إذ لا يحفظ المبيَّن [اسم مفعول] إلا بحفظ المبيِّن [اسم فاعل] وقد قيّض للسنة من أبناء الأمّة رجالا أفذاذا علماء ربّانيّين حفظوها ونفوا عنها ما ليس منها فكانت مع القرآن الدين القيّم.
فمن حارب السنة أو شكّك فيها بدعاوى باطلة متهافتة فإنّما يحارب الله الذي أوحى بها لعبده ورسوله محمد سيد المرسلين وخاتمهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
قائمة المراجع
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير، أحمد محمد شاكر ط3،1952م، مطبعة الصبيح، مصر.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن المزيّ 1403ه، 1982م، طبعة جمعيّة المكتبة السعيديّة بحيدر آباد، الهند، نشر الدار القيّمة، بمباي.
التفسير الواضح الميسّر، الشيخ محمد الصابوني ط1 1422ه، 2001م، مؤسّسة الريّان للطباعة والنشر، بيروت.
__________
(1) صحيح البخاريّ - العلم - باب إثم من كذب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - - فتح الباري 1/243 حديث 108.(20/45)
تقييد العلم، الخطيب البغداديّ ط2، 1974م، دار إحياء السنّة النبويّة، بيروت.
جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، أبو عمر يوسف بن عبدالبرّ ، ط1 الطبعة السلفيّة، المدينة المنوّرة.
جامع البيان عن تأويل القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ، ط3، 1388ه، 1968م، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر.
جريدة المحجّة، جريدة جامعة نصف شهريّة، تصدر بفاس بالمغرب.
الحديث والمحدّثون، محمد محمد أبو زهو ط1 ، 1978م بمصر.
حيّ بن يقظان، ابن سينا وابن الطفيل والسهرورديّ، تحقيق وتعليق أحمد أمين، ط3، 1966م، دار المعارف بمصر.
الرسالة للإمام الشافعيّ، ط1، 1408ه/1988م ، الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة.
السنّة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ، مصطفى السباعيّ، ط4 ،1405ه، 1985م، المكتب الإسلاميّ بيروت، دمشق.
سنن أبي داود، طبعة المكتبة الإسلاميّة، إسطنبول، تركيا.
سنن الترمذيّ، طبعة مصطفى البابي الحلبيّ، 1356ه، 1388م. القاهرة .
سنن الدارميّ، المدينة المنوّرة 1386ه، 1966م.
سنن ابن ماجه طبعة عيسى البابي الحلبيّ 1972م.
سنن النسائيّ، طبعة دار البشائر، 1986م، بيروت.
سيرة ابن هشام، ط2، 1375ه، 1955م، تحقيق السقا، الأبياريّ، شلبيّ طبعة مصطفى البابي الحلبيّ، القاهرة.
السيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة، محمد محمد أبو شهبة، ط5، 1419ه، 1999م، دار القلم، دمشق.
عون المعبود شرح سنن أبي داود ـ للعلامة أبي الطيّب محمد شمس الحقّ العظيم آبادي، ط2، 1389ه، 1969م، مؤسّسة قرطبة للنشر والتوزيع، الهرم، مصر].
صحيح البخاري: انظر متن فتح الباري.
صحيح مسلم، ط 1، 1374ه، 1955م، عيسى البابي الحلبيّ، مصر.
الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - أبو بكر محمد بن موسى الحازميّ، ط1، 1386ه، 1966م، مطبعة الأندلس، حمص، سوريا.(20/46)
فتح الباري للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، إخراج وتصحيح محبّ الدين الخطيب. ط1، 1407ه، 1986م، دار الريّان للتراث، القاهرة.
فقه اللغة وسرّ العربيّة، الثعالبيّ، مطبعة الاستقامة، القاهرة، بدون تاريخ ولا بيان رقم الطبعة.
محاضرات في علوم الحديث، مصطفى أمين التازيّ، ط3 ، 1391ه، 1971م، مطبعة دار التأليف، مصر.
مسند أحمد، ط1، 1969م، دار صادر بيروت.
معالم السنن شرح سنن أبي داود، أبو سليمان الخطابيّ، ط2، 1401ه، 1981م، منشورات المكتبة العلميّة، بيروت، لبنان.
معجم المصطلحات والشواهد الفلسفيّة، جلال الدين سعد، دار الجنوب للنشر 1998 م، تونس.
مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهانيّ، ط2 ،1418ه، 1997م، دار القلم، دمشق، الدار الشاميّة،بيروت.
الموافقات في أصول الشريعة لأبي القاسم الشاطبي، ط3 ، 1417ه، 1997م، دار المعرفة، بيروت.
الموطّأ لمالك بن أنس، ط7 ، 1404ه، 1973م، رواية يحيى الليثي، إعداد أحمد راتب عمروش، دار النفائس، بيروت.
المواقع التالية:
- www.alhikmeh.com
- arabic.mktba/quranalislam/as.htm
- .aspwww.wamy.org/html/quran
-.htmwww.geocities.com/rr_eemz
-.htm www.geocities.com/rr_eemz
فهرس الموضوعات
تمهيد…1
هل كلّ السنّة وحي؟…2
ما الوحي؟…5
أقسام الوحي:…6
الضرب الأوّل: الوحي…6
الضرب الثانيّ: الكلام من وراء حجاب…7
الضرب الثالث: الوحي بواسطة الملك رسول الوحي…7
وحي الأنبياء لا تباين فيه…11
هل يكون الوحي للأنبياء فقط؟…11
ظاهرة الوحي وإمكان وقوعها…12
الدليل من القرآن الكريم على أن السنة وحي…17
الدليل من السنّة النبويّة على أنّ السنّة وحي…22
إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن الغيبيات وتحقّق وقوعها يدلّ على أن السنّة وحي…31
1- سراقة يلبس سواري كسرى…31
2 - فتح بلاد كسرى وهرقل واليمن…32
3- المسلمون يركبون البحر للفتح…33(20/47)
4 - ومن الفتوح التي أخبر بوقوعها وتحقّقت فتح القسطنطينيّة…35
5 - وممّا أخبر عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وتحقّق " افتراق الأمّة " بفعل الأهواء…35
6ـ وممّا أخبر بوقوعه من الغيبيّات خروج متنبئين كذّابين…37
7ـ نعي أمراء مؤتة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة…38
8ـ كشف خبر الخطاب السرّي الذي أرسله حاطب إلى قريش…39
9ـ استحلال الزنى والخمر والمعازف…40
10ـ أرض العرب تعود كما كانت مروجا وأنهارا…41
الإعجاز العلمي الوارد في السنة النبوية يدلّ على أنّها وحي…43
1- الجسد يبلى ما عدا عجب الذنب…43
2 - متى ينجب الزوجان ذكراً ومتى ينجبان أنثى؟…44
3 - الحمَّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء، ولا تسبّوها فإنّها تنقّي الذنوب…45
4- إذا وقع الذباب في شراب أحدكم…46
5 - الاحتراس من الأوبئة بالتزام قواعد حفظ الصحة:…47
هل وجود أحاديث محمولة على غير محاملها ينقض القول بأنّ السنّة وحي؟…49
هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟…50
الخاتمة…51
قائمة المراجع…53
فهرس الموضوعات…57(20/48)
جهود الاستشراق الروسي
في مجال السنة والسيرة
(دراسة ببليوغرافية)
د. سليمان بن محمد الجار الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
ففكرة هذا البحث مبنية على تتبع جهود الاستشراق الروسي ورصد آثاره في مجال السنة؛ إذ إن البداية العلمية النظامية للاستشراق هناك ترجع إلى ما قبل قرنين من الزمان تقريباً.
وتتأكد أهمية موضوع هذا البحث إذا أخذنا في الاعتبار جِدّته ومحدودية انتشار الاستشراق الروسي خارج حدوده، بسبب عوامل عدة حدَّت من انتشاره، وعدم وجود دراسات حول جهوده في مجال السنة مما يجعل منه موضوعاً بكراً يستحق البحث والعناية.
في هذا البحث سيتم تتبع ببليوغرافي ورصد الآثار العلمية في مجال السنة من كتب ومؤلفات، ومقالات وأبحاث منشورة في الدوريات والمجلات العلمية، والتعرف على جهود الاستشراق في حفظ وفهرسة المخطوطات الحديثية، حيث يحتوي عدد من المكتبات والمراكز الاستشراقية هناك على خزائن للمخطوطات الشرقية، من بينها المخطوطات العربية.
وخطة البحث تتكون من مقدمة وفصلين وخاتمة.
الفصل الأول: السنة والسيرة في المصادر الاستشراقية الروسية.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: نشأة الاستشراق الروسي وجذوره.
المبحث الثاني: السنة والسيرة في المصادر الروسية المطبوعة.
الفصل الثاني: المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية.
المبحث الثاني: نماذج من المخطوطات الحديثية المحفوظة في الخزائن المذكورة.
الخاتمة:…في نتائج البحث.
الفصل الأول: السنة والسيرة في المصادر الاستشراقية الروسية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: نشأة الاستشراق الروسي وجذوره.
المبحث الثاني: السنة والسيرة في المصادر الروسية المطبوعة.
المبحث الأول: نشأة الاستشراق الروسي وجذوره.
جذور الاستشراق الروسي:(21/1)
ترجع جذور العناية الروسية بالاستشراق إلى الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك في عهد بطرس الأول (ت:1725)، الذي تم في عهده عدد من الإصلاحات والخطوات الجذرية، وكان لها أثر كبير في مستقبل روسيا وبنائها من جديد، وهذا النوع من الاهتمام الاستشراقي لبطرس نابع من سياسته الشرقية، وما اقتضته مصالح روسيا، وحاجاتها المتزايدة إلى التعرف على جيرانها الذين دخلت معهم في صراعات مريرة.
وترجع البداية الجادة للاهتمام بلغات الشرق وحضاراتها إلى المراسيم التي أصدرها بطرس الأول، لإعداد دارسين لمختلف اللغات الشرقية، حيث صدر في عام 1700م أمر رسمي لتهيئة رجلين أو ثلاثة من الرهبان الشباب الذين باستطاعتهم أن يتعلموا اللغة الصينية والمغولية قراءة وكتابة، وصدر مرسوم في عام 1705م بقيام خمسة رجال بتعلم اللغة اليابانية، وفي عام 1716م صدر مرسوم عن مجلس الشيوخ حول تسمية خمسة من الشباب من المدارس اللاتينية في موسكو لإرسالهم إلى إيران لتعلم اللغات الشرقية.(21/2)
وفي عام 1724م صدر مرسوم من مجلس الشيوخ وبأمر من بطرس بتعلم اللغة التركية. وقد كان لبطرس مستشار فيما له صلة بالشرق والإسلام، هو ديمتري كانتيمير (ت:1723م) الذي يعد مؤسس أول مطبعة في روسيا تطبع الحروف العربية، وله مؤلفات عن تركيا والإسلام، كما يرجع إلى عهد بطرس الأول تأسيس مكتب سُمِّي بمكتب النوادر، وتجمع فيه التحف والنقود الشرقية وغيرها، وذلك في عام1724م(1)، كما تم في عهد بطرس الأول أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة الروسية، وذلك في عام 1716م، وإن كانت تعد ترجمة رديئة وسيئة، لم يتم الاعتماد فيها على النص القرآني مباشرة، وإنما عن طريق ترجمة دورييي الفرنسية التي تمت في عام 1647م(2).
__________
(1) ينظر: مقدمة في تاريخ الاستشراق في المتحف الآسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد، د.بيرتيلس، في تاريخ الاستشراق والدراسات العربية والكردية في المتحف الآسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد ص17-18. وينظر في تتبع جذور الاستشراق الروسي في القرن الثامن عشر، ولاسيما في عهدي بطرس الأول وكاترينا الثانية إلى: دراسات في تاريخ الاستعراب الروسي لكراتشكوفسكي ص40فما بعدها، وكذلك الاستشراق الروسي للدكتور عبدالرحيم العطاوي ص59 فما بعدها.
(2) انظر: دراسات في تاريخ الاستعراب الروسي، كراتشكوفسكي ص43، "القرآن في روسيا" لبيوتر غريزنيفيتش، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الأول ص251.(21/3)
وقد تواصل هذا الاهتمام ولا سيما خلال الربع الأخير من القرن نفسه، ففي عهد القيصرة كاتيرينا الثانية تم إرسال عدد من الطلاب في بعثات لعدد من الدول الأوربية، وتم التوسع في تعليم لغات الشعوب الإسلامية في الأقاليم الإسلامية، كما تم التوسع في الطباعة العربية، ولقد كان لمطابع سان بطرسبرج وقازان شهرة عالمية في هذا المجال، حيث طُبع العديد من المؤلفات والكتب الإسلامية، ويأتي على رأس تلك المطبوعات، طباعة المصحف الشريف، الذي طبع سنة 1778م، ثم تكرر طبعه في سنوات لاحقة(1).
بداية الاستشراق الروسي النظامية:
أما بداية الاستشراق النظامية فترجع إلى العقدين الأولين من القرن التاسع عشر الميلادي، وهي البداية التي كانت أساساً لما عُرف بالاستشراق الأكاديمي، وذلك من خلال الأقسام والكراسي الجامعية التي أنشئت في الجامعات الروسية، والتي ترجع بدايات تأسيسها إلى بداية القرن التاسع عشر(2).
ومن أهم تلك الأقسام والمراكز والشخصيات الاستشراقية فيها:
__________
(1) ينظر: دراسات في تاريخ الاستعراب الروسي ص53، وكذلك الاستشراق الروسي للدكتور عبدالرحيم العطاوي ص64-65.
(2) يجمع الباحثون في الاستشراق الروسي، على تحديد تلك البداية وأهميتها في تاريخ الاستشراق: ينظر في ذلك مثلاً:
…دراسات في تاريخ الاستعراب الروسي، كراتشكوفسكي، ص73.
… years of oriental studies in Russia p.
…الدراسات العربية في الاتحاد السوفيتي، تسيريتيلي، مجلة المجمع العلمي العربي، دمشق، مجلد31/561.(21/4)
(1) جامعة خاركوف حيث تعد أول جامعة تأسس فيها كرسي لتدريس اللغة العربية، وذلك حينما عيّن الألماني بيريندت عام1805م ليقوم بهذا الأمر، ولم يستمر طويلاً، فبعد سنة واحدة خلفه أستاذ ألماني آخر هو روميل، وقد تأرجح تعليم العربية فيها بين استمرار وانقطاع، إلى أن أتى المستشرق الألماني المشهور دورن، الذي استدعاه القيصر فأمضى ست سنوات في هذه الجامعة، وذلك بين عامي 1829ـ1836م، قبل أن ينتقل منها ويستقر به المقام في سان بطرسبرج، وقد قام بالإشراف على المتحف الآسيوي خلفاً للمستشرق فران.
( 2 ) جامعة قازان حيث بدأ تدريس العربية فيها مع مجئ المستشرق الألماني المشهور باختصاصه في المسكوكات والنقود كريستيان فران، حيث قام بالإشراف على قسم اللغات السامية فيها مدة عشر سنوات، وذلك في المدة من عام 1807ـ1817م، ويرجع المستشرقون الروس إليه الفضل في تأسيس بدايات الاستشراق العلمي في روسيا، وذلك من خلال عمله في جامعة قازان ثم لاحقاً في المتحق الآسيوي. وقد خلفه في عمله أردمان ف. الذي تخرج باللغات السامية من روستوك وبطرسبرج وباريس، وذهب إلى لبنان، وقد أمضى فترة طويلة في التدريس في قازان، وكان ذلك بين عامي 1819ـ1845م.(21/5)
( 3 ) جامعة موسكو التي تأسست سنة 1755م، وقد تأخر تدريس العربية فيها إلى عام 1811م، وبدأت فيها تلك الدراسات على يد الاختصاصي باللغات السامية الروسي بولديرييف، الذي تخرج في الجامعة نفسها عام 1806م، ثم ذهب في جولة دراسية إلى ألمانيا وفرنسا، حيث تلقى عن المستشرق الفرنسي المشهور سلفيسترودو ساسي، وقد كان من حظ العربية في الجامعة أن تولى الأستاذ بولديرييف رئاسة الجامعة، مما كان له أثره في دعم الدراسات العربية. وفي موسكو كانت هناك مؤسسة لها أثر ظاهر في مسيرة الاستشراق الروسية، وهي معهد لازاريف الذي تأسس في سنة 1815م، وقد قام المعهد بإصدار العديد من الإصدارات، من أهمها عدد من الأعمال العلمية للمستشرق المعروف كريمسكي، والذي تخرج في جامعة موسكو عام 1896م، ورحل إلى الشام حيث أمضى قرابة السنتين هناك، وهو من أشهر أساتذة الاستشراق الروسي الذين قاموا بالتدريس في المعهد.
( 4 ) جامعة سان بطرسبرج بدأت كمعهد تربية في عام 1804م، تحول بعد ذلك إلى معهد عالٍ للتربية عام 1816م، ثم تحوَّل إلى جامعة عام 1819م، وقد كان قد وصل للتدريس عام 1817م، اثنان من تلامذة المستشرق الفرنسي دوساسي بتوصية منه، هما ديمانج وشارموي للتدريس في المعهد الذي أسس حديثاً، وقد تولى ديمانج تدريس العربية في حين قام شارموي بتدريس الفارسية، وقد انتقلا إلى المعهد الشرقي في القسم الآسيوي في وزارة الخارجية بعد افتتاحه عام 1823م، وخلف ديمانج على كرسي العربية في الجامعة الأديب والمستشرق سينكوفسكي البولوني الأصل، الذي قصد الشرق العربي وبقي فيه عدة سنوات لاستكمال تحصيله، وقد استمر في الكرسي مدة طويلة وذلك من عام 1822م إلى عام 1847م، حيث خلفه الشيخ محمد عياد طنطاوي (ت:1861م). وفي عام 1855م بدأ عهد جديد للدراسات العربية في روسيا بتأسيس كلية اللغات الشرقية في جامعة سانت بطرسبرج.(21/6)
وقد كان من أوائل خريجي الجامعة في اللغات الشرقية المستعرب جيرجاس (ت:1887م) الذي ذهب إلى باريس للتزود من الدراسات العربية ثم ذهب إلى المشرق حيث زار الشام ومصر، وأمضى هناك ثلاث سنوات أتقن فيها العربية، ثم رجع ودَرَّس في الجامعة، ويرجع المستشرقون إليه الفضل في تأسيس الدراسات الاستعرابية الجديدة بالإضافة إلى المستعرب الكبير فيكتور روزن (ت:1908م) الذي ذهب بعد تخرجه في الجامعة إلى ليبزيج في ألمانيا ودرس على فلايشر، ثم لما رجع سنة 1872م حصل على الدكتوراه، وتعين أستاذاً للعربية فيها، وقد رحل أيضاً إلى ألمانيا عام 1873م للتلقي عن أهلفارت في جرايسفالد، وقد كان لروزن جهود وأعمال عدة في المجال الاستشراقي، وتولى عمادة الكلية الشرقية ما بين الأعوام (1893ـ1903م)، وكان له عدد كبير من التلاميذ، ويأتي على رأسهم الأستاذان الشهيران بارتولد (ت:1930م) وكراتشكوفسكي (ت:1951م)، اللذان تخرجا في جامعة سان بطرسبرج وعُدَّا بعد ذلك من أساتذتها الكبار، ومن رموز الاستشراق ليس على مستوى روسيا فحسب وإنما على مستوى العالم(1).
__________
(1) تم الاعتماد في هذا الاستعراض لمؤسسات الاستشراق الروسي الأكاديمية والمختصين فيها، على المصادر التالية:
ـ دراسات في تاريخ الاستعراب الروسي، كراتشكوفسكي ص73ـ187.
ـ المستشرقون، نجيب العقيقي ص53 فما بعدها.
ـ years of oriental studies in Russia p.(21/7)
في عام 1818م تأسس المتحف الآسيوي التابع لأكاديمية العلوم، ويعد تأسيس هذا المتحف منعطفاً جديداً في تاريخ الاستشراق الأكاديمي، وصار مخزناً مهماً للنوادر والآثار والمخطوطات والوثائق والنقود والمسكوكات تأتي إليه من خلال قنوات عدة، وكان المستشرق فرين أول أمين له، وبقي يشرف عليه ويرعى أعماله أكثر من عقدين من الزمان حتى خلفه المستشرق الألماني الآخر دورن، وقد كان لجهود فران في تأسيس المتحف وتنظيم أعماله أثرٌ عظيم ليس فقط في مسيرة المتحف، بل والاستشراق بوجه عام. وقد كان كرسي اللغات الشرقية في جامعة سان بطرسبرج في تعاون وثيق مع المتحف الآسيوي، وكان الدارسون والطلاب يجدون في المتحف مركز بحث ينهلون من وثائقه ومخطوطاته وكنوزه.
وعبَّر فران عن جهود هاتين المؤسستين بقوله عنهما: "إنهما تقدمان إلى روسيا بمرور الزمن عدداً كبيراً ورصيناً من المستشرقين الماهرين المدركين، ليس فقط كمترجمين أو علماء لغة، وإنما كاختصاصيين في الشؤون كافة من المستشرقين المهنيين علمياً وثقافياً أيضاً" وقد استمرت تلك الصلة الوثيقة بين الجامعة والمتحف، ولا سيما بعد تأسيس كلية اللغات الشرقية في الجامعة(1).
__________
(1) تاريخ الاستشراق في المتحف الآسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد، وبالأخص ص29 فما بعدها.(21/8)
يتضح من خلال هذا الاستعراض الصلة المباشرة للاستشراق الروسي بالاستشراق الألماني بوجه خاص والأوروبي بوجه عام. ورغم ذلك تميَّز هذا الاستشراق بجهود ودراسات ميزته عن الاستشراق الغربي، وجعلت له شخصيته المستقلة، وإن كان قد بقي للاستشراق الغربي أثره فيه، سواء من حيث المنهج أو الموضوع. ويعد بارتولد علامة فارقة في الاستشراق الروسي. يقول في تقديمه لأطروحته الدكتوراه: (تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي): "محاولة متواضعة لتطبيق واسع لمناهج علم التاريخ الأوروبي على تاريخ آسيا الوسطى، تلك المناهج التي سبق أن طبقت من قبل على تاريخ آسيا الغربية في مؤلفات دوزي وكريمر وغيرهما"(1).
من خلال استقراء جهود الاستشراق الروسي الأكاديمي، وعلى الأخص في القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، يُلحظ عنايته الكبيرة باللغة العربية وآدابها ودراسة النقود الشرقية والمسكوكات، وتتبع المصادر الشرقية التاريخية مما له صلة بروسيا، والعناية المتنامية بالمخطوطات دراسة وتحقيقاً، ولقد كان للصلة المباشرة بالشرق ومصادره أثره الإيجابي في أكاديمية الاستشراق الروسي واستقلالية نتائجه في بعض الدراسات التي قام بها. ولكن من المجالات التي لا نجد للاستشراق الروسي الأكاديمي فيها جهوداً مثل جهوده السابق ذكرها، مجال الدراسات ذات الصلة بالشريعة الإسلامية ومصادرها؛ ولذا نجد رؤيته فيها عند تناولها متأثرة بشكل واضح بنمطية الاستشراق الأوروبي في هذا المجال. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أنه قد تنامى في العقدين الأخيرين الاهتمام في مجال الدراسات الإسلامية، وظهر عدد من الأعمال العلمية المتخصصة، التي تستحق الاهتمام والدراسة.
__________
(1) تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي، بارتولد، ص752.(21/9)
وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر برز نوع آخر من الاستشراق، يمكن إطلاق مسمى الاستشراق التبشيري عليه، إذ تم إنشاء شعبة للتبشير ملحقة بأكاديمية كنسية، تسمى أكاديمية الرهبان في قازان، وقد كان لهذه الأكاديمية أثرٌ كبير في ازدهار نوع من الاستشراق بعيد عن التقاليد العلمية. ومن أكبر الشخصيات التي كان لها دور في هذا النوع من النشاط ايلمنسكي الذي توفي سنة 1891م، وقد تخرج هو نفسه في تلك الأكاديمية، ثم قام بالتدريس فيها، وكان هناك عدد من الشخصيات ذات الصلة بهذا النوع من الاستشراق، ممن كتبوا عن الدين الإسلامي ومصادره من خلال تلك الرؤية التبشيرية، ومما يُحمد للاستشراق الأكاديمي رموزه أمثال روزن وبارتولد وكريمسكي وكراتشكوفسكي وقوفهم في وجه هذا النوع من الاستشراق البعيد عن الحقيقة ومنهج العلم(1).
المبحث الثاني: السنة والسيرة في المصادر الروسية المطبوعة.
عرض مبادئ الشريعة الإسلامية.
تأليف: نيكولاي تروناؤو، سانكت بطرسبرج، عام1850م.
ويبدو من الإهداء المطبوع على الكتاب أن المؤلف ألفه للقيصر، حيث ورد: إهداء، إلى جلالة الإمبراطور نيكولاي بن بافل، عاهل كل روسيا، من خادمه المخلص نيكولاي تورناؤو.
ورد عنوان جانبي في تمهيد الكتاب تكلم فيه المؤلف على الحديث، وذلك في الصفحات 11ـ14.
مصادر سيرة محمد والكتابات عنه.
(1) من عروة إلى ابن إسحاق مع ابن هشام.
تأليف: أ. كريمسكي، الكتاب من إصدارات معهد لا زاريف للغات الشرقية، الإصدار13، موسكو، مطبعة فارواري، غاتسوك، 1902م.
تاريخ الإسلام، الجزءان (1ـ2).
__________
(1) ينظر: دراسات في تاريخ الاستعراب الروسي، فقد تناول كراتشكوفسكي هذا النوع من الاستشراق بالتحليل في كتابه، في القسم الذي تحدث فيه عن المستعربين القازانيين، ينظر على الأخص الصفحات 179ـ187.(21/10)
تأليف: أ. كريمسكي، الكتاب من إصدارات معهد لازاريف للغات الشرقية في الاستشراق، الإصدار الثاني عشر، دار نشر فارواري غاتسوك، موسكو، 1903م.
هذا الكتاب يحتوي على دراسات ومقالات لكريمسكي، ويحتوي أيضاً على دراسات مترجمة من أعمال المستشرقين المعروفين دوزي وجولدتسيهر.
اشتمل الكتاب على ثمانية فصول:
1ـ4: عن (محمد): بقلم ر.دوزي. بترجمة كامنيسكي، مع ملحق بقلم أ. كريمسكي "حول المراجع والكتب المساعدة لدراسة سيرة محمد وتاريخه".
5: القرآن والسنة والأحاديث: بقلم أ. كريمسكي، ور.دوزي، بترجمة ف. إي كامنيسكي.
6: دين الإسلام وأحكام العبادات: بقلم ر. دوزي، ترجمة ف.كامينسكي وملحق أ.كريمسكي "حول مراجع الفقه الإسلامي".
7ـ8: الإسلام والمجتمع العربي: بقلم إي. جولد تسيهر.
وتحت عنوان السنة (الأحاديث)، ورد الموضوعان التاليان:
تاريخ السنة، بقلم أ.كريمسكي ص145ـ158.
ما مدى صحة الأحاديث الإسلامية؟ بقلم ر.دوزي ص159.
السنة، الأحاديث الإسلامية: نشأتها وتطورها.
تأليف: م. إي تريتياكوف، مطبعة تروتيتسكايا، ماكارييف على نهر أونجه، عام1903م.
احتوى الكتاب على مقدمة، وسبعة فصول:
الفصل الأول: الحديث والسنة، معنى هذين المصطلحين وأهميتهما في الإسلام ص1-14.
الفصل الثاني: مواقف الأمويين والعباسيين ومعاصريهما من السنة والحديث النبوي ص14ـ28.
الفصل الثالث: نقد المسلمين أنفسهم للأحاديث وأهميته ص28ـ39.
الفصل الرابع: أساليب نشر وجمع الأحاديث ص39ـ52.
الفصل الخامس: تدوين الأحاديث، الكارهون والمؤيدون لتدوينها بين المسلمين ص52ـ60.
الفصل السادس: مراجع وأدبيات الأحاديث. الرأي الخاطئ بشأن نشوئها لدى المسلمين ص60ـ71.
الفصل السابع: مجموعات الأحاديث الإسلامية (السنية والشيعية) خصائصها المميزة ص71ـ81.
موسوعة الفقه الإسلامي، 1، الجزء العام.
تأليف: ن.ستريبولايف، مترجم لدى الإدارة الأولى لوزارة الخارجية، س/بطربورغ، 1904م.(21/11)
يحتوي على مقطع عن السنة ومصنفاتها، تحت عنوان: تاريخ الشريعة الإسلامية، وذلك في الصفحات: 35ـ37.
أحاديث محمد - صلى الله عليه وسلم -.
انتخبها: ل.تولستوي، ترجمها من الإنجليزية: س.د.نيكولايف، سلسلة المفكرون الرائعون من جميع الأزمنة والشعوب، نشرة بوسريدنيك، عدد762، موسكو، مطبعة فيلده، عام1910م.
في بداية الكتاب تم الإشارة إلى مصدر الأحاديث المختارة، وهو كتاب بالإنجليزية لأحاديث محمد صلى الله عليه وسلم، ألفه عبدالله السهروردي في الهند، مستهلاً الكتاب بالآية القرآنية التالية:
? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [التوبة:32].
وقد انتخب ليو تولستوي الأحاديث الواردة في هذا الكتاب والمترجمة إلى اللغة الروسية باعتبارها تشتمل على حقائق عامة تتسم بها كل التعاليم الدينية. (ص3).
تقول د. مكارم الغمري في استعراضها لتأثير الشرق العربي في فكر تولستوي وإنتاجه: (ويتصدر كتابات تولستوي عن الإسلام كتيب بعنوان: "أحاديث مأثورة لمحمد".. ولم يكتف تولستوي بالتقديم للكتاب، بل ـ وكما أشير في المؤلفات الكاملة ـ قام بعمل تصحيحات به بتاريخ 13فبراير1909م، غير أن هذه التصحيحات لم يحتفظ بها، وفي يوليو من العام نفسه قام تولستوي بإدخال الكثير من التعديلات، وأعاد صياغة بعض الأحاديث، وقد أبقى على ستة عشر حديثاً منها بختم مطبعة كوشيريفا بتاريخ 11يوليو 1909م وظهر الكتاب بعدها تحت عنوان: "أحاديث مأثورة لمحمد" جمع تولستوي(1).
حِكَم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ليون تولستوي، ترجمة سليم قبعين، تقديم وتعليق عبدالمعين الملوحي، مع ملحق في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب حكم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، لتولستوي بقلم محمود الأرنؤوط. الطبعة الثانية، دار الملوحي للطباعة والنشرة والتوزيع، دمشق ـ سورية، 1997م.
__________
(1) "المؤلفات الكاملة لتولستوي" ج40 ص499، نقلاً عن مؤثرات عربية إسلامية في الأدب الروسي ص208.(21/12)
"حِكَم النبي محمد" عبارة عن ترجمة لكتاب تولستوي السابق من الروسية إلى العربية، والطبعة المشار إليها هي إعادة لطبعة الكتاب الأولى، وقد ذكر صاحب التقديم أنه وجد الكتاب في مكتبة والده، "عنوانه بالخط الكبير حِكَم النبي محمد وتحته للفيلسوف تولستوي، وبعد ذلك عنوان صغير "شئ عن الإسلام وأوروبا"، وقد طبع في مطبعة التقدم بشارع محمد علي في القاهرة، وتاريخ طباعة الكتاب سنة 1912م/1339هـ (ص5)، ويتضح من صنيع الملوحي أنه عدّ طبعته طبعة ثانية للكتاب، علماً أن الكتاب سبق طباعته أكثر من مرة في القاهرة، فالدكتورة مكارم الغمري في تناولها لهذا الكتاب، قالت: "لم نقف على أول طبعة لترجمة سليم قبعين لكتاب تولستوي"، أما الطبعة الثانية فقد صدرت عام 1915م في القاهرة بعنوان: "حِكَم النبي محمد للفيلسوف تولستوي، وشئ عن الإسلام"، وصدرت الطبعة الثالثة عام1987م"(1).
وفي مقارنة لنسخة الكتاب الروسية بالترجمة العربية، ذكرت د. مكارم الغمري أن سليم قبعين قدم "ترجمة للأحاديث التي أوردها تولستوي في كتابه، بعد أن اختصر عدد الأحاديث إلى النصف تقريباً، فقدم في الترجمة واحداً وأربعين حديثاً فقط، بينما يبلغ عدد أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كتاب تولستوي واحداً وتسعين حديثاً، بالإضافة إلى ذلك ضمّن سليم قبعين لكتاب تولستوي موضوعات لا وجود لها في أصل كتاب تولستوي وذلك مثل: (دعاء النبي، قصيدتان لشوقي وحافظ في رثاء تولستوي بعد وفاته، رأي تولستوي في الحجاب والزواج وما بينهما وغيرها)"(2).
__________
(1) مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي، ص208، حاشية رقم14.
(2) مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي، ص210.(21/13)
يصل عدد الأحاديث في طبعة الملوحي إلى أربعة وستين حديثاً، وقد يكون عدم ترجمة جميع النصوص الواردة في الأصل الروسي هو عدم عثور المترجم عليها في المصادر التي رجع إليها، فهو يقول في مقدمته للترجمة: "ولما اطلعت على هذه الرسالة راقني ما جاء فيها من الحقائق الباهرة والمقاصد الشريفة فدفعتني الغيرة على الحق لنقلها إلى اللغة العربية، وقد عانيت المشاق في رد الأحاديث إلى أصولها العربية التي وردت فيها، ثم كاتبت كثيرين من علماء روسيا وأدبائها سائلاً إياهم عن كتاب "محمد" لذلك الفيلسوف؟ فقالوا: إنه موجود بين مخلفاته من الكتب غير المطبوعة، وإنه سيطبع في العاجل القريب، فإذا طبع فسأبادر إلى نقله خدمة للأمة الإسلامية الكريمة. وقد وجدت من المناسب أن أذكر بعض أقوال الكُتَّاب الروسيين المنصفين في الإسلام إتماماً للفائدة فجمعت من مجلات مختلفة بعض المقالات أذكرها قبل رسالة الفيلسوف توفيةً لهذا الموضوع حقه، وإني أرجو أن تصادف خدمتي هذه القبول الحسن عند عامة المسلمين". (ص22).
امتازت طبعة الملوحي باشتمالها على ملحق في آخر الكتاب في تخريج للأحاديث والآثار المترجمة، قام به محمود الأرناؤوط.
الإسلامية: المجلد الأول، محمد والقرآن.
تأليف: تسفيتكوف، ب، عشق أباد، مطبعة هيئة الأركان التابعة للفيلق العسكري التركستاني الثاني، عام1912م.
تم تخصيص فصل في هذا الكتاب عن السُنَّة، وذلك في الصفحات 258-297:
الفصل الثالث:
ـ السنة ص258.
ـ نشأة وتأليف السنة ص259.
ـ الأحاديث ص262.
ـ السنة ص267.
ـ الإسناد ص275.
ـ رجال الإسناد ص277.
ـ أنواع السنة ص285.
ـ الحديث المتواتر ص285.
ـ الحديث المنقطع ص290.
تاريخ العرب والأدب العربي.
المدني والديني (القرآن، الفقه، السنة، إلخ..)، الجزء الثاني، التاريخ من أقدم العصور، طبعة جديدة منقحة.(21/14)
تأليف: أ.كريمسكي، الكتاب من إصدارات معهد لازاريف للغات الشرقية في الاستشراق، الإصدار 15الجزء الثاني، موسكو، عام1912م.
من محتويات الكتاب:
ـ محمد - صلى الله عليه وسلم - (570-632) ص71-102.
( أ ) سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - ص71-83.
(ب) تاريخ محمد - صلى الله عليه وسلم - ص83-103.
ـ الإسلام. نبذة حول دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ص104-118.
( أ ) كتب حول العلوم الإسلامية 104-196.
(ب) دين الإسلام وعبادة الله ص106-118.
تعاليم القرآن بشأن الصلاة وأخبار السنة عن مواقيت الصلاة اليومية.
م.تريتياكوف، مطبعة كولوكول (الناقوس)، سانت بيتربورغ، عام 1912م في بداية الكتاب عنوان لمحتواه: تعاليم القرآن والحديث الإسلامي عن الصلاة "مواد للجدال ضد الإسلام".
1- تعاليم القرآن بشأن الصلاة ص1-19.
2- تعاليم الحديث الإسلامي عن مواقيت إقامة الصلوات الخمس اليومية ص19-33.
دراسات في تاريخ الإسلام والخلافة العربية.
المجلد السادس من المجموعة الكاملة لمؤلفات ف.بارتولد، دار ناؤوكا (العلم) للطباعة، هيئة التحرير الرئيسة للآداب الشرقية، موسكو 1966م.
ـ الإسلام ص81-142.
ـ الحياة السياسية والدينية للجزيرة العربية فيها قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - ص83.
ـ دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة ص89.
ـ محمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ص96.
ـ الإسلام بعد النبي، انفصال المؤسسة الدينية عن الدولة. سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص104.
أصول الفقه.
تأليف: م.إ.صدقدار، الكتاب من منشورات جامعة الصداقة، موسكو1968م.
الكتاب معتمد من قبل كلية الاقتصاد والحقوق للتدريس لطلاب التخصصات القانونية، المحرر المسؤول: الأستاذ المساعد أو. أ.جيدكوف.
يحتوي الكتاب على خمسة فصول، الأول منها بعنوان: مصادر الفقه الإسلامي، يشتمل هذا الفصل على عنوان جانبي: سنة، وذلك في الصفحات 18-22.
دراسات في تاريخ الثقافة العربية: القرون 5-15.(21/15)
معهد الاستشراق، التابع لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي، المحرر المسؤول بولشاكوف، ترجمة الدكتور أيمن أبو شعر، دار التقدم، موسكو، 1989م.
يتضمن دراسة بعنوان: الثقافة الكتبية ص234-336، بقلم خالدوف، اشتملت على الكلام عن الحديث وتدوينه وروايته.
الإسلام: مختصر في تاريخ الدراسات الإسلامية.
بإشراف وتحرير: ستانسيلاف بروزوروف، دار ناؤوكا للنشر والطباعة، هيئة التحرير الرئيسة للأدب الشرقي، موسكو، 1991م.
الكتاب من مطبوعات معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية. ويحتوي على ثلاثة أبحاث من إعداد ثلاثة من أساتذة المعهد في حينه، شاملة أكثر من مجال في الدراسات الإسلامية، بإشراف وتحرير س.بروزوروف. وكما ورد في مقدمة محرر الكتاب، فالكتاب يهدف إلى تقديم استعراض تحليلي للنتائج المتوصل إليها في نتاج أجيال من العلماء الغربيين والروس في مجال الدراسات الإسلامية: الدراسات القرآنية، الدراسات الحديثية، الصوفية، وكذلك من أجل أن يقترح ويوحي بمناهج مأمولة في دراسات مستقبلية في تلك المجالات.
يحتوي الكتاب على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: القرآن والدراسات القرآنية، بقلم: أي.ريزفان، ص7-84.
القسم الثاني: الأحاديث: استعراض للجهود والدراسات الحديثية في هذا المجال، بقلم: د. يرماكوف، ص85-108.
القسم الثالث: الصوفية، بقلم: أ. كنش ص109-207.
في القسم الثاني تناول فيه كاتبه الجهود والدراسات الغربية في مجال السنة، باستعراض تاريخي منذ بدء الاهتمام الجاد بها في أوروبا منذ ما يزيد على قرن من الزمان، ولقد قدم يرماكوف استعراضاً تحليلياً مختصراً لنظريات وآراء الغربيين في الحديث، والجهود التي كانت في هذا المجال.
الإسلام: معجم موسوعي.
معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، دار ناؤوكا للطباعة والنشر، هيئة التحرير الرئيسة للأدب الشرقي، موسكو، 1991م.(21/16)
قام بكتابة مقالات تلك الموسوعة فريق عمل كبير من العلماء السوفيت، وكان لها لجنة تحرير، تتكون من:
ق.ف.ميلوسلافسكي، يو. أ.بتيروسان، م.بي.بئوترفسكي.
ستانسيلاف بروزروف (السكرتير المسؤول).
يتكون هذا المعجم الموسوعي عن الإسلام من مجلد واحد، وقد ورد في تصديره أنه قُصد منه سد النقص في اللغة الروسية إلى مرجع يعطي القارئ صورة متكاملة عن الإسلام، فتم إعداد تلك الموسوعة؛ لتكون مصدراً علمياً يسد تلك الحاجة الملحة لإعطاء صورة شاملة عن الدين الإسلامي، عرضوا في الموضوعات التي تناولوها نتائج الدراسات السوفيتية في مجال الإسلام، بالإضافة إلى أهم النتائج المستخلصة من الدراسات العالمية الأخرى في هذا المجال. تمت الإشارة أيضاً في التصدير إلى أن كُتَّاب هذا المعجم الموسوعي استفادوا بشكل خاص من دائرة المعارف الإسلامية، وتم التنبيه على أن ذلك لا يعني أنه نقل وترجمة لمحتواها إلى اللغة الروسية من خلال هذا المعجم.
يحتوي هذا المعجم على (578) مقالة، تعطي فكرة عامة عن العديد من الأمور الأساسية في الإسلام، من تعاليم وعقائد ومصطلحات وأسماء ومذاهب وفرق وجماعات وغير ذلك، مرتبة على حروف المعجم، وفي ختام كل مقالة يتم الإشارة إلى المصادر والمراجع الأساسية في موضوع المقال، مرتبة حسب التسلسل الزمني، وقد أشار محرر المعجم إلى أن هذا الكتاب موجه للمتخصصين في مجالات الدين والفلسفة والاستشراق والتاريخ.
من خلال استقصائي لمصطلحات الكتاب، وجدت أن أهم المصطلحات مما له صلة بالسنة وعلومها فيه، ما يلي:
ـ أصحاب الرأي ص24.
ـ أصحاب الحديث ص25.
ـ أهل السنة والجماعة ص29.
ـ أحمد بن حنبل ص30.
ـ البدعة ص34.
ـ البخاري ص44.
ـ علم الحديث ص95.
ـ محمد - صلى الله عليه وسلم - ص178.
ـ السلفية ص204.
ـ سماع ص205-206.
ـ صحيح ص208.
ـ ثقة ص208.
ـ السنة ص214.
ـ طبقات ص217.
ـ طالب العلم ص 222.
ـ أصول الدين ص 243.
ـ خبر ص 259.
ـ حديث ص 262.(21/17)
نصوص مختارة عن الإسلام.
معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، جمع وتحرير: ستانسيلاف بروزوروف، دار ناؤوكا للطباعة والنشر، دار طباعة ونشر الأدب الشرقي، موسكو، 1994م.
رغم أن غلاف الكتاب يشير إلى أن طباعته ونشره كان في عام 1994م، إلا أن تاريخ مقدمته يشير إلى أن إعداده للطبع كان في عام 1989م، حيث تم تأريخها في يونيو 1989م في ليننغراد. وهو عبارة عن نصوص مختارة من مراجع عربية حول الإسلام وترجمتها، والتعليق عليها، وقد قام بجمع وتحرير أبحاث الكتاب أحد المشاركين فيه والمتخصص في الدراسات العقدية ستانسيلاف بروزوروف، وعدَّ محرر الكتاب أن هذا أول عمل من هذا النوع في الدراسات الاستشراقية الروسية، ويحتوي على ستة فصول تُوَفِّي جوانب الدراسات الإسلامية المختلفة، وهي:
محمد - صلى الله عليه وسلم - وبداية الإسلام.
القرآن وتفاسيره.
الحديث، سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
العقائد والفرق في الإسلام.
الصوفية.
الفقه.
والفصول الستة للكتاب تحتوي على نص مترجم من أحد المصادر الإسلامية مع مقدمة وتعليق موجز، وحواشٍ على الترجمة. وكل فصل من تلك الفصول قام بكتابته أحد المتخصصين في مجال من مجالات الدراسات الإسلامية في معهد الاستشراقات في سانت بطرسبرج.
الفصل الأول: محمد وبداية الإسلام، (ترجمة بولوسين، قدم للنص وعلق عليه بيتروفسكي)، ص9-33.
يشتمل هذا الفصل على ترجمة نصين من نصوص رواية السيرة النبوية، الأول من سيرة ابن إسحاق برواية ابن هشام يحتوي على عدد من وقائع السيرة النبوية، تمتد من تاريخ ولادته إلىبداية البعثة، والثاني: رسالة "أوجز السير لأحمد بن فارس الرازي".
الفصل الثالث: الحديث: سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - (ترجمة وتعليق د. يرماكوف)، ص86-107.(21/18)
في هذا الفصل تناول فيه كاتبه ما يسميه بالحديث السني، من خلال ترجمة من كتاب "الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة" لابن بطة العكبري، وأشار إلى أن هذا النص يعرض العقيدة الإسلامية حسب اعتقاد المحدثين، وزُوِّدت الترجمة بحواشٍ وملاحظات توضِّح منهج المحدثين المسلمين.
أسس علم الديانات.
بإشراف وتحرير: يابلوكوف، دار المدرسة العليا للنشر والطباعة، موسكو، 2000م.
تم التعريف بالكتاب على غلافه أنه كتاب تعليمي لطلاب المعاهد العليا والجامعات.
يشتمل الكتاب على فصل عن الإسلام ص204-260، ومن ضمن محتوياته:
ـ الحالة الدينية في الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام، ص204-208.
ـ محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، ص208-219.
ـ السنة، ص 224-227.
ببليوغرافيا للأعمال الروسية في الدراسات العربية والإيرانية والتركية.
الدوريات العلمية: 1818-1917م.
ل.ن. كارسكايا، من منشورات فرع معهد الاستشراق في سانت بطرسبرج التابع لأكاديمية العلوم الروسية، دار الأدب الشرقي للطباعة والنشر، موسكو، 2000م.
الكتاب فهرسة للأبحاث والمقالات فيما له صلة بالدراسات العربية والإيرانية والتركية، والمنشورة في الدوريات والمجلات العلمية الروسية في المدة المحددة أعلاه، وهي تمثل الاستشراق في روسيا القيصيرية منذ بداية الاستشراق النظامية إلى نهاية العهد القيصري.
ورد ثلاث مقالات فقط تحت عنوان: الأحاديث، كلها للمستشرق أ.إي.شميدت، وذلك تحت الأرقام التالية:
1440ـ مقالة عن الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال. الأول (486)، والثاني (362)، القاهرة، 1325هـ الموافق 1908م.
مذكرات (تقارير) القسم الشرقي لجمعية الأثريات الروسية الامبراطورية، عام 1910م، المجلد 19، ص93-102.
تناول فيها طرق جمع الأحاديث ونقد الأسانيد، وقائمة بأسماء أشهر جوامع الأحاديث وجامعيها، ومعلومات عن الذهبي وخمسة من مؤلفاته، وأهميتها بالنسبة للعلم.(21/19)
1441ـ دراسة في صحيح البخاري: كتاب البيع وفيه باب السلم وباب الشفعة، ترجمة وتعليق ف.بيلتي، الجزائر1910م.
مذكرات (تقارير) القسم الشرقي لجمعية الأثريات الروسية الامبراطورية، عام 1912م، المجلد 20، ص102-109.
تناول شميدت في تلك المقالة التعريف بصحيح البخاري ومحتواه ومصادره، وتشتمل على رأيه وملاحظاته على أحاديث الصحيح، ونظرية تطور الأحاديث.
1442ـ دراسة في كتاب الموطأ لمالك بن أنس: كتاب البيع، ترجمة وتعليق ف. بيلتي، الأستاذ في كلية القانون في الجزائر، 1911م.
مذكرات (تقارير) القسم الشرقي لجمعية الأثريات الروسية الإمبراطورية، عام 1913م، المجلد 21، ص104-107.
تناول شميدت في تلك المقالة، الفرق بين صحيح البخاري والموطأ، ووصف الموطأ بكونه في جمع الأحاديث المخصصة للآراء الفقهية المعمول بها في المدينة.
وهناك عنوان جانبي: النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ص165-166، ورد الإشارة إلىعدة مقالات، تحت الأرقام التالية: 1419-1424.
كما تجدر الإشارة هنا إلى عنوان جانبي آخر في بداية سرد المقالات عن الإسلام، بعنوان: أعمال عامة، ص162-165، وتحت الأرقام التالية: 1387-1418. يتم تناول السنة بشكل أو بآخر في بعض تلك الأبحاث.
الفصل الثاني: المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية.
المبحث الثاني: نماذج من المخطوطات الحديثية المحفوظة في الخزائن المذكورة.
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية.(21/20)
كان من أهم عوامل تنامي العناية الروسية بالشرق الإسلامي وحضارته وشعوبه موقع روسيا الجغرافي وحدودها المباشرة مع العالم الإسلامي، بل وخضوع عدد من شعوبه للسيطرة الروسية منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر، وتوسع تلك السيطرة خلال القرن التاسع عشر الميلادي إلى عمق آسيا الوسطى. وكان من لوازم تلك العناية تنامي الاهتمام بالمخطوطات الإسلامية والتي كان قسم كبير منها مكتوباً باللغة العربية حيث هي لغة العلم والدين في تلك الأصقاع، وكانت المناطق الأساسية لتزويد الخزائن الروسية بالمخطوطات الشرقية بما فيها المخطوطات العربية جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت ضمن حدود روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي لاحقاً، والمناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية، وبالأخص حوض الفولغا والقوقاز، وغني عن الإشارة إلى أسماء العلماء الكبار والأئمة العظام في مختلف العلوم الذين هم من أهل تلك الديار.
يمكن إرجاع البداية الرسمية في جمع المخطوطات واقتنائها إلى قرار بطرس الأول في نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي بتأسيس دار التحف الذي صاحب إنشاء مؤسسة أكاديمية تعنى بالعلم ومجالاته المتعددة، كان هذا التأسيس يمثل البداية الجادة للاهتمام بجمع المخطوطات الشرقية المكتوبة بمختلف اللغات الشرقية(1)، وكانت المخطوطات تصل إلى دار التحف في بداية الأمر على سبيل الإهداء إلى القيصر، ثم صارت تصله هدايا ووصايا من مختلف الأشخاص، وقد كانت هناك محاولة مبكرة لفهرسة محتويات المتحف بما فيها المخطوطات على يد المستشرق المشهور ج.ي. كهير الذي استدعي للعمل في روسيا(2).
__________
(1) ينظر: تاريخ الاستشراق والدراسات العربية والكردية في المتحف الآسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد ص18-19.
(2) المصدر السابق ص21-22.(21/21)
وفي عام 1818م تأسس المتحف الآسيوي التابع لأكاديمية العلوم، وانتقلت مواد دار التحف من مخطوطات ونقود شرقية وغيرها، لتكون من ضمن محتويات المتحف الآسيوي(1)، وكان تأسيس المتحف يعد مرحلة مهمة وأساسية في تاريخ الاستشراق الروسي، وصار هو الخزانة الرئيسة لحفظ المخطوطات، ترد إليه من جهات عدة وبطرق مختلفة، ونمت تلك الخزانة وكبرت بحيث صارت تضاهي الخزانات العالمية في المخطوطات الشرقية عموماً والعربية على وجه الخصوص، وكان لجهود مؤسسه الأول فرين في إدارة المتحف، وفهرسة تلك المخطوطات والتعريف بها دور بارز في تاريخه وتاريخ العلم الروسي، وإرساء تقاليد علمية تبعه عليها آخرون.
لا يخلو مركز من مراكز المخطوطات الأساسية في روسيا من وجود للمخطوطات الحديثية فيه، وقد حظيت مدينة سان بطرسبرج بأهم مراكز حفظ المخطوطات؛ فمنذ أن كانت عاصمة لروسيا القيصرية كانت مأرزاً للمخطوطات، تأتيها من جميع الجهات، وقد نشأت في العهد السوفيتي مراكز أخرى في جمهورياته كان لها دور في حفظ المخطوطات واقتنائها، بما في ذلك المناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية، وبالأخص في قازان وداغستان.
أشار د. أنس خالدوف المستعرب الروسي المختص في المخطوطات وفهرستها، والمشرف على "فهرس المخطوطات العربية في معهد الاستشراق" المطبوع في مجلدين، وناشر عدد من الدراسات والأبحاث في مجال المخطوطات العربية، في دراسته المعنونة بـ"المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي" إلى المرحلة المبكرة للعناية العلمية بجمع المخطوطات، والمؤسسات المعنيّة بذلك، والدور الأساس للمتحف الآسيوي الذي تحوَّل إلى معهد الاسشراق في العهد السوفيتي.
__________
(1) المصدر السابق ص29.(21/22)
يقول أنس خالدوف في استعراضه: "تعزى المرحلة المبكرة لجمع المخطوطات العربية ودراستها لأغراض علمية في روسيا إلى القرن التاسع عشر، وهي ترتبط في المقام الأول بنشاط أربع مؤسسات في بطرسبرج هي: المتحف الآسيوي لأكاديمية العلوم، والمكتبة العامة، والقسم الدراسي بوزارة الخارجية، وكلية اللغات الشرقية بجامعة بطرسبرج. وكان يصب في هذه المؤسسات الأربع معظم المخطوطات التي جمعها المستشرقون والدبلوماسيون والرحالة والهواة والعسكريون والموظفون المدنيون الروس..
إن مجموعات المخطوطات الشرقية لدى هذه المؤسسات الأربع هي التي أصبحت القاعدة الأساسية لعلم الإسلاميات والاستعراب الروسي قبل الثورة. وقد كرس الأكاديميون فرين ودورن وروزن وزاليمان وبارتولد وكراتشكوفسكي وعدد آخر من كبار المستشرقين لتسليط الأضواء على هذه المخطوطات عشرات المقالات وعدداً من الفهارس والشروح الموجزة، ويرتكز الكثير من الأبحاث الأدبية التاريخية والنصية والمرجعية على مخطوطات من مجموعة بطرسبرج ـ لينينغراد"(1).
ثم يوضح د. خالدوف الدور المركزي للمتحف الآسيوي في مجال المخطوطات، فيقول: "لقد اضطلع المتحف الآسيوي لأكاديمية العلوم الذي أسس في العام (1818م) بدور المؤسسة المركزية في روسيا لجمع المخطوطات الشرقية وحفظها ودراستها على مدى القرن التاسع عشر بأسره، والنصف الأول من القرن العشرين"(2).
__________
(1) المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الأول ص9-10.
(2) المصدر السابق ص10-11.(21/23)
ابتدأ المتحف الآسيوي عند تأسيسه بعدد قليل من المخطوطات الشرقية، وكان من ضمنها مخطوطات عربية كانت في حوزة أكاديمية العلوم في سانت بطرسبرج في حينه، ولعل أول مجموعة مهمة دخلت في حوزة المتحف الآسيوي هي مجموعة القنصل الفرنسي السابق في حلب ج. روسو، التي اشترتها الحكومة الروسية على دفعتين، خمسمائة مجلد في عام 1819م، و200مجلد في عام 1825م، وهي زهاء 470مخطوطة من مجموعة وارسو تحتوي إما بشكل كامل أو جزئي على مؤلفات باللغة العربية، وكانت تلك المجموعة بداية لقسم المخطوطات الإسلامية في المتحف، وهي المخطوطات المكتوبة بلغات مختلفة باستخدام الحروف العربية بما في ذلك المخطوطات النصرانية العربية، خلال التسعين سنة اللاحقة لم يتحصل المتحف إلا على مجموعات صغيرة، وفي عام 1915-1916م اقتنى ف.إيفانوف من بخارى في رحلتين إلى هناك 1057 مجلد معظمها مخطوطات عربية لصالح المتحف، وهي المجموعة التي تسمى (مجموعة بخارى)، وفي عام 1916ـ1917م دخل في خزانة المتحف ما يزيد على 1000مجلد من المخطوطات العربية جمعت من حوالي بحيرة وان، وهي المجموعة التي تسمى (مجموعة وان). في عام 1919م تم نقل عدد من مجاميع المخطوطات الشرقية المحفوظة في مكتبات أخرى في سانت بطرسبرج، وهي مكتبة القصر الشتوي، ومكتبة القسم التعليمي لوزارة الشؤون الخارجية إلى المتحف الآسيوي.(21/24)
ثم بواسطة البعثات الأثرية التي نظمها معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي خلال الأعوام 1934-1936م، تم تزويد خزانة المخطوطات في المعهد ـ الذي أُسس سنة1930م، وحلَّ محل المتحف الآسيوي ـ وفيه أكثر من (1500) مخطوطة عربية، وبعد ذلك وصل لخزانة المعهد مجاميع صغيرة من المخطوطات سواءً من مؤسسات وجهات علمية أو عن طريق الشراء من الافراد(1).
تحتوي خزانة معهد الاستشراق على أكبر وأهم المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية، ويصل عدد المخطوطات الحديثية في تلك الخزانة إلى أربعمائة وستين مخطوطة (460)، وذلك حسب تصنيف فهرس المخطوطات العربية في المعهد الصادر عام1986م، حيث تم تصنيف المخطوطات فيه على حسب موضوعاتها، بحيث يفرد كل موضوع بقسم يخصه، وقد تم تخصيص القسم الثالث في الفهرس للحديث.
__________
(1) ينظر في هذا الاستعراض التاريخي لجمع المخطوطات واقتنائها في المتحف الآسيوي الذي تحول إلى معهد الاستشراق إلى: مقدمة فهرس "المخطوطات العربية لمعهد الاستشراق"، وكذلك إلى الملخص باللغة الإنجليزية في آخر الفهرس ص523، وأيضاً: المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الأول، ص11-14.(21/25)
المكتبة الوطنية في سانت بطرسبرج، المسماة مكتبة سالطيكوف شيدرين العامة، تلي خزانة معهد الاستشراق في الأهمية من حيث وجود المخطوطات، وحسب إحصاء أنس خالدوف في حينه "بلغ مجموع الرصيد زهاء (1500) من المخطوطات والوثائق العربية"، وقد كانت المخطوطات تصل إليها من مصادر عدة منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، ولم يكن في حوزة المكتبة عام 1813م إلا ثنتان وأربعون (42) مخطوطة عربية(1). أعدّت المكتبة للنشر فهرساً لمخطوطاتها العربية، تبلغ المخطوطات الحديثية فيه ستاً وتسعين (96) مخطوطة، وهي تفوق في الأهمية من حيث العدد والمحتوى المجموعة المحفوظة في مكتبة اللغات الشرقية في جامعة بطرسبرج.
جامعة بطرسبرج، الجهة الثالثة في الأهمية في سانت بطرسبرج من حيث عدد المخطوطات العربية، حيث تبلغ محفوظات مكتبة كلية اللغات الشرقية من المخطوطات العربية (1040) مخطوطة(2)، وقد كان أهم المجموعات التي أسست لمخطوطات مكتبة الكلية في الجامعة المخطوطات التي تم نقلها إليها من قازان، سواء "مجموعة مكتبة ثانوية قازان التي نقلت عام1846م" أو مجموعة جامعة قازان التي نقلت عام 1855م، وذلك بعد إغلاق الدراسات الشرقية في الجامعة، ثم بعد ذلك تعززت مجموعة المكتبة، مما يصلها بالأخص من المخطوطات التي في حوزة أساتذتها(3). يصل عدد المخطوطات الحديثية في خزانة تلك المكتبة إلى إحدى وأربعين مخطوطة (41) حسب تصنيف الفهرس المختصر الصادر عام 1996م للمخطوطات العربية في تلك المكتبة.
__________
(1) ينظر المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي، ص12-14.
(2) المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرج ـ كلية الدراسات الشرقية ص5.
(3) ينظر المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي ص13.(21/26)
كانت المناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية مصدراً مهماً لخزائن المخطوطات في سانت بطرسبرج، وقد كانت تلك الخزائن هي المورد الرئيس للمخطوطات، تأتيها من داخل روسيا ومن خارجها، ولا سيما خلال العهد القيصري منذ البداية الجادة بجمع المخطوطات في بداية القرن التاسع عشر، ولكن في العهد السوفيتي وذلك خلال القرن العشرين، بدأت تتكون خزائن مهمة لحفظ المخطوطات في عموم جمهوريات الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك المناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية، وبالأخص في قازان التي أعادت تأسيس نفسها في هذا المجال حيث نُقلت مجموعاتها إلى جامعة سانت بطرسبرج في منتصف القرن التاسع عشر، وداغستان(1). وبالتأكيد للمخطوطات الحديثية نصيب من بين مجموعات المخطوطات العربية المحفوظة في خزائن تلك المناطق، يشير كاتبا مقالة "المخطوطات العربية في داغستان" إلى نصيب الحديث في خزانة المخطوطات المحفوظة في معهد التاريخ واللغة والأدب لفرع أكاديمية العلوم السوفيتية في داغستان، والتي أنشئت عام1945م، وتضم قرابة (2500) مجلد مخطوط: "وكان الحديث أيضاً معروفاً في داغستان على نطاق واسع، وبين المخطوطات نسخ قديمة من مصابيح الدجى للإمام الشافعي المعروف أبي محمد الحسن الفراء البغوي، المتوفى عام1117ه أو عام 1122ه. ويمكن الحكم على قدم هذه المخطوطات من تواريخ نسخها، وهي:632/1234-1235،760/1258- 831،
__________
(1) ينظر في خزائن المخطوطات في قازان وداغستان، الأبحاث التالية: المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي لأنس خالدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الأول ص22-24. المخطوطات العربية في داغستان لحاجي حمزتوف، عمري شيخ سعيدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الثاني ص62. آثار الكتابة العربية في داغستان لناتاليا طاهروفا ص177، ومجموعة كتب محمد سيد سعيدوف لعمري شيخ سعيدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الرابع ص194.(21/27)
1259/1427-868، 1428/1463- 895، 1464/1490، 1015/1616 إلخ. ومن المؤلفات المكرسة للحديث كذلك "افهام" لجلال الدين عبدالرحمن البلقيني المتوفى عام 824ه/1421م، كبير قضاة المذهب الشافعي في القاهرة، وقد كتب المؤلف عام 811ه/1409م، أما مخطوطاتنا فمؤرخة بعام 820ه/1417م. وقد نسخها إبراهيم بن أحمد بن علي بن عمر المليحي، وهكذا توافر تحت تصرفنا نسخة من مؤلف البلقيني، نسخت وهو لا يزال على قيد الحياة(1).
وفي ختام الحديث عن أماكن حفظ المخطوطات في روسيا، تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من الجهات والمؤسسات في موسكو، والتي لديها مخطوطات عربية، ولكنها تبقى مجموعات صغيرة، وليست بأهمية خزائن سانت بطرسبرج، فمثلاً هناك المخطوطات المحفوظة في دار الوثائق الأثرية لدولة روسيا، وقد ظهر فهرس للمخطوطات والوثائق العربية فيها، بعنوان: فهرس المخطوطات والوثائق العربية في دار الوثائق الأثرية لدولة روسيا، من تأليف: ديمتري موروزوف، وتحت عنوان: الأحاديث ورد الإشارة إلى مخطوطة واحدة فقط برقم54، بعنوان: مجموعة أربعين حديثاً مع تعليق بالتركية، تم تجليدها مع مؤلفات في النحو والصرف(2).
فيما يلي سيتم التعريف بفهارس المخطوطات العربية في الخزائن الثلاث الرئيسة في سانت بطرسبرج والمخطوطات الحديثية فيها، حيث كانت تلك الخزائن هي الأساس لجمع المخطوطات منذ البداية العلمية المبكرة لهذا المجال، وأغلب جهود الاستشراق الروسي الأكاديمي كانت منصبة على الاهتمام بها والاشتغال عليها، وقد حظيت تلك الخزائن في العقدين الأخيرين بفهارس شاملة لمخطوطاتها العربية، مما ييسر استخدامها والاستفادة منها.
__________
(1) المخطوطات العربية في داغستان، لحاجي حمزتوف، عمري شيخ سعيدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الثاني ص69.
(2) فهرس المخطوطات والوثائق العربية في دار الوثائق الأثرية لدولة روسيا ص30.(21/28)
المبحث الثاني: نماذج من المخطوطات الحديثية المحفوظة في الخزائن المذكورة
المخطوطات العربية لمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي
بإشراف: أنس خالدوف، دار ناؤوكا للنشر، موسكو، عام1986م.
سبق الحديث عن خزانة معهد الاستشراق الذي كان يسمى بالمتحف الآسيوي، والتي تُعد الخزانة الرئيسة للمخطوطات في روسيا، ومن أغنى الخزانات العالمية في هذا المجال، وقد تعاقب على العناية بمخطوطات تلك الخزانة العديد من المستشرقين الروس بدءاً بالمؤسس الأول للمتحف الآسيوي المستشرق "فرين" كما سبق الإشارة إلى ذلك، وقد حظيت المخطوطات العربية بعمل رائع في فهرسة متعددة الأغراض من جزأين، قام بها فريق عمل من أساتذة المعهد بإشراف ومشاركة المستعرب الكبير أنس خالدوف، وقد استعرض د. خالدوف في مقدمة الفهرس الجهود السابقة في خدمة مخطوطات تلك الخزانة من فهرسة سابقة لمحتوياتها، والدراسات النقدية والأبحاث والمقالات العلمية حول تلك المخطوطات، والجهود التي تمت في تحقيق ونشر بعضها، وقد أشار إلى هذه الجهود أيضاً عند مواطن إيراد هذه المخطوطات في داخل الفهرس.
أشار المشرف على إعداد الفهرس ـ في تعريفه بالعمل الذي تم في إعداده وطريقة تصنيفه ـ إلى أن الفهرس يحتوي على معلومات عن كل المخطوطات العربية في المعهد، ويصل عدد المواد المعرّف بها إلى (10822) مادة، وكل مادة أخذت رقماً مستقلاً، بغض النظر فيما إذا كانت نسخة مكررة أو جزءاً من مجموع أو مجلَّد. وقد تم تصنيف الفهرس حسب الموضوعات بدءاً بالقرآن الكريم ثم الدراسات القرآنية، ثم الحديث... إلخ. والأصل في ترتيب المواد داخل كل عنوان حسب الترتيب الزمني، ويتم التعريف بالمخطوط من خلال إحدى عشرة معلومة، يأتي على رأسها عنوان المخطوط واسم مؤلفه واللذان يكتبان باللغة العربية.(21/29)
وإضافة إلى الفهرس الموضوعي للمخطوطات العربية وطريقة ترتيب المواد فيه، والمعلومات التفصيلية المذكورة للمخطوطة، فقد اشتمل الفهرس على كشافات متنوعة، شملت قوائم بأسماء عناوين المؤلفات، وأسماء المؤلفين، وأسماء النساخ، وأماكن النسخ، وأسماء المتبرعين بالمخطوطات، وغير ذلك من كشافات مفيدة، مما أعطى ميزة لهذا الفهرس رغم اختصاره ليُعرِّف بشكل دقيق بالمخطوطات العربية في خزانة معهد الدراسات الشرقية. لقد تم إعداد وتأليف هذا الفهرس في السنوات 1964ـ1971م، وقد كان تحرير هذا الفهرس في الأعوام 1969ـ1971م(1).
قسم الحديث من الفهرس يأتي في الصفحات 66-85 من الجزء الأول، ويشتمل على 460 مخطوطة، تحت الأرقام التالية: (699-1128)، وذلك حسب ترقيم الفهرس. ويأتي ترتيب المواد فيه حسب الترتيب الزمني قدر الإمكان، وعندما يورد كتاباً أساسياً مثل صحيح البخاري، يورد كل ما له صلة به من شروح وتعاليق ومختصرات بعد إيراده مباشرة، بغض النظر عن تاريخ تأليفها، وحتى في حال عدم وجود المصدر الأساس، فإن المخطوطات ذات الصلة به تذكر في مكانه المفترض. في مقدمة الفهرس، استعرض المشرف على إعداده محتوياته بإجمال، ومن ضمن ما استعرضه مخطوطات قسم الحديث. (ص7).
المخطوطات الحديثية الواردة في الفهرس تمثل التصنيف في الحديث وعلومه منذ القرن الثالث الهجري، وفيما يلي استعراض لنموذج من عناوين تلك المخطوطات من بداية قسم الحديث، وحسب الترتيب الوارد في الفهرس، تحت الأرقام التالية: (669-748)، ويجدر التنبيه هنا أن ما يرد تحت بعض تلك الأرقام قد يكون أجزاءً أو نسخاً أخرى للكتاب:
ـ الجامع الصحيح تأليف محمد بن إسماعيل البخاري.
ـ الكواكب الدراري في شرح الجامع الصحيح للبخاري تأليف شمس الدين محمد الكرماني.
ـ فتح الباري في شرح البخاري تأليف ابن حجر العسقلاني.
__________
(1) ينظر: مقدمة الفهرس (1/5-33) والملخص باللغة الإنجليزية (1/523-527).(21/30)
ـ الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث الباري تأليف أحمد بن إسماعيل الكوراني.
ـ التوشيح على الجامع الصحيح تأليف السيوطي.
ـ إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري تأليف أحمد القسطلاني.
ـ مقدمة شرح تراجم (أبواب الصحيح) الباري تأليف أحمد ولي الله بن عبدالرحيم الدهلوي.
ـ في بيان كتاب الصحيح للبخاري.
ـ مختصر الصحيح تأليف عبدالحق بن عبدالرحمن الأزدي.
ـ [رسالة في الجامع الصحيح للبخاري] تأليف أحمد بن محمد العدوي الخلوتي المعروف بالدردير الأزهري.
ـ الرسالة المتعلقة على كتاب الصحيح للباري تأليف محمد علي بن طاهر الوتري.
ـ تسمية من سمي من أهل البدر في الجامع للبخاري.
ـ الثلاثيات تأليف محمد بن إسماعيل البخاري.
ـ مختصر الصحيح لمسلم تأليف عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري.
ـ الشمائل تأليف الترمذي.
ـ شرح الشمائل للترمذي.
ـ جمع الوسائل في شرح الشمائل تأليف علي القاري الهروي.
ـ الاستبصار فيما اختلف فيه [من] الأخبار تأليف أبي جعفر محمد ابن الحسن بن علي الطوسي.
ـ الإفصاح عن معاني الصحاح [وهو شرح على الجامع بين الصحيحين للحميدي] تأليف يحيى بن محمد بن هبيرة.
ـ أربعون حديثاً في الوعظ والخطب تأليف محمد بن علي بن ودعان.
ـ مصابيح السنة تأليف الحسين بن مسعود الفراء البغوي.
ـ الينابيع في شرح المصابيح تأليف أبي عبدالله عبدالمؤمن بن أبي بكر ابن محمد التبريزي الزعفراني.
ـ كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح تأليف محمد ابن إبراهيم المناوي.
ـ مجالس الأبرار ومسالك الأخيار (شرح على مصابيح السنة) تأليف أحمد بن عبدالقاهر الرومي الأقحصاري.
ـ شرح على مصابيح السنة للبغوي.
ـ مشكاة المصابيح تأليف محمد بن عبدالله المعروف بالخطيب التبريزي.
ـ شرح على مشكاة المصابيح تأليف السيد الشريف الجرجاني.
ـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح تأليف علي القاري الهروي.
ـ شرح على مشكاة المصابيح.(21/31)
المخطوطات العربية للقسم الشرقي في المكتبة العلمية لجامعة سانت بطرسبرج.
فهرس مختصر، تأليف: أولغا فرالوفا، ت. دروجينا. تحرير: أولغا فرالوفا سانت بطرسبرج، 1996م.
الفهرس باللغة الروسية، ونُشر بدعم من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ـ دبي.
المخطوطات الحديثية حسب تصنيف هذا الفرس، (ينظر: ص248) تأتي تحت الأرقام التالية:
(6-10، 40، 63، 143، 166، 183، 264، 266-274، 288، 324، 410، 413، 457، 516، 630، 632، 639، 681، 731، 784، 793، 800، 809، 883، 885-886، 903، 976، 1040).
المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرج، كلية الدراسات الشرقية
إشراف وتقديم د. عبدالرحمن فرفور.
إعداد: خالد أحمد الريان، عبدالقادر أحمد عبدالقادر.
مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ـ دبي، الطبعة الأولى، 1416ه -1996م.
قام مركز جمعة الماجد بإرسال بعثة إلى تلك المكتبة، اختارت عدداً من المخطوطات العربية وَصَلَ إلى أكثر من أربعمائة مخطوطة، إذ تم تصويرها على أفلام، وفهرستها، وطباعة الفهرس بالاسم المذكور أعلاه، وقد ورد في مقدمة الفهرس: "وقد راعى أعضاء البعثة في اختيارهم منها عدداً من المواصفات؛ فانتقوا ما كتب منها بخط المؤلف، وصوروا ما أوغل في القدم، منتبهين إلى القيمة العلمية فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار مقدار الفائدة المرجوة للباحثين مما ينتقون ويصورون". (ص6).(21/32)
وقد تم ترتيب محتويات المنتقى بناء على عناوين المخطوطات مرتبة حسب حروف المعجم، ويتم تحديد موضوع كل مخطوطة عند ذكر المعلومات التفصيلية المتعلقة بها، وفي نهاية الكتاب تم وضع فهرس موضوعي لمحتوياته مرتباً حسب حروف المعجم، وتحت عنوان: (الحديث النبوي وعلومه)، تم إيراد (17) مخطوطة، وهي تمثل أقل من نصف العدد للمخطوطات الحديثية حسب الفهرسة الكاملة للمخطوطات العربية في الفهرس المذكور أعلاه، وفيما يلي سرد لجميع عناوين المخطوطات الحديثية، مرتبة حسب حروف المعجم، وذلك حسب ورودها في المنتقى:
ـ إجازة الصفتي إلى أنطوني بيك موخلينسكي برواية ديوانه.
ـ إجازة العجيمي إلى أحمد بن سليمان الإسلامبولي.
ـ الأحاديث القدسية: تأليف الملا علي القاري (نسختان).
ـ أربعون حديثاً تأليف الملا علي القاري.
ـ إسناد الحديث المسلسل بالأولية: لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي.
ـ البرة في الهرة للملا علي القاري.
ـ تحرير الأبحاث في الكلام على حديث "حبب إليَّ من دنياكم ثلاث" تأليف عبدالنافع بن عمر الحموي.
ـ التذييل والتذنيب على نهاية الغريب تأليف جلال الدين السيوطي.
ـ الثلاثيات.
ـ ثلاثيات الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي.
ـ الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير تأليف جلال الدين السيوطي.
ـ رسالة في الأحاديث الواردة في المعراج تأليف الملا علي القاري.
ـ شرح حديث "الخلق الحسن يذيب الخطايا" (بالفارسية).
ـ فرائد القلائد على أحاديث شرح العقائد للملا علي القاري.
ـ فهرسة مرويات ابن حجر العسقلاني: لأبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني.
ـ مقدمة في الجامع الصحيح للبخاري.
المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية في سانت بطرسبرج. مكتبة سالطيكوف شيدرين العامة.(21/33)
تم إعداد فهرس للنشر بمحتويات مكتبة الدولة الوطنية في سانت بطرسبرج من المخطوطات العربية منذ أكثر من عقد من الزمان ولم يطبع بعد، وقد اطلعت على هذا الفهرس على الهيئة المعد بها للنشر في ذلك الوقت، وهو يتكون من جزأين، وعلى غلاف الجزء الأول وردت المعلومات التالية:
أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي
المخطوطات العربية
مكتبة الدولة الوطنية، م بي (سالطيكوفا شيدرين)
فهرس
واضع الفهرس: ليبيديف. المدقق: أ. خالدوف.
الجزء الأول/ الدين، القانون، الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا
دار ناؤوكا، الناشر الأول للمطبوعات الشرقية
موسكو 1990م، وقد تم إجراء تعديل على التاريخ إلى 1992م
وقد تم تصنيف المخطوطات فيه على حسب الموضوعات، ويحتوي الفهرس أيضاً على كشاف لتلك المخطوطات بناء على عنوان المخطوطة، وكشاف آخر بناء على اسم المؤلف، ومن ضمن الموضوعات المبوب لها (الحديث) ويستغرق اثنتين وعشرين صفحة من الجزء الأول، وذلك من ص84 إلى ص105، وتحت الأرقام التالية: 299-394، ويشمل هذا الترقيم الأجزاء أو النسخ المتعددة لكتاب ما، والمعلومات التفصيلية للمخطوطات في الفهرس باللغة الروسية، وعناوين المخطوطات مع أسماء مؤلفيها ترد باللغة العربية، وطريقة ترتيب إيراد المخطوطات شبيهة بالطريقة التي سبق ذكرها في فهرس المخطوطات العربية في معهد الاستشراق. وفيما يلي استعراض للثلث الأول من تلك العناوين، والتي تأتي تحت الأرقام 299-330، ويمكن مقارنة المحتوى بالنموذجين اللذين سبق إيرادهما من فهرس معهد الاستشراق، وفهرس مكتبة اللغات الشرقية:
ـ الثلاثيات: لعبدالله بن عبدالرحمن الدارمي.
ـ الجامع الصحيح: لمحمد بن إسماعيل البخاري (ج1-5،1).
ـ فتح الباري في شرح البخاري: تأليف أحمد بن علي.
ـ عمدة القارئ في شرح البخاري: تأليف محمود بن أحمد العيني (7-8).
ـ [إرشاد الساري في شرح البخاري تأليف أحمد بن محمد القسطلاني] (ج3-4).(21/34)
ـ جمع النهاية في بدء الخير والغاية تأليف عبدالله بن أبي حمزة الأزدي.
ـ الثلاثيات تأليف محمد بن إسماعيل البخاري.
ـ الصحيح تأليف مسلم بن الحجاج النيسابوري.
ـ المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج تأليف [يحيى بن شرف] النووي. (ج2).
ـ [الجامع الصحيح] تأليف ابن عيسى [محمد بن عيسى] الترمذي.
ـ شرح الشمائل تأليف عبدالله بن صديق بن عمر الهروي.
ـ أربعون حديثاً في العفو والغفران تأليف محمد بن أبي بكر [العصفوري].
ـ [دلائل النبوة تأليف جعفر بن محمد] المستغفري، أبي العباس.
ـ سراج المستهدين في آداب الصالحين تأليف أبي بكر بن العربي.
ـ شرح الأربعين الودعانية.
ـ مصابيح السنة تأليف الحسين بن مسعود البغوي.
ـ [المفاتيح في شرح المصابيح تأليف الحسين بن محمد بن الحسن الزيداني] مظهر الدين.
ـ مجالس [الأبرار ومسالك الأخيار] تأليف [أحمد بن عبدالقاهر] الرومي.
ـ مشكاة المصابيح تأليف محمد بن عبدالله الخطيب التبريزي.
ـ مرقاة المفاتيح بمشكاة المصابيح تأليف علي بن محمد القارئ الهروي (ج2).
ـ كتاب العلل تأليف علي بن الحسن بن علي بن صدقة.
خاتمة
مع بداية الاستشراق الروسي العلمية في العقدين الأولين من القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ إرساء تقاليد علمية لهذا الاستشراق، وإنتاج جهود مَيَّزته عن الاستشراق الأوربي، وللاستشراق الروسي جهود متعددة في الاهتمام بجوانب من الحضارة الإسلامية وتراثها ولغاتها وشعوبها، وإن كان كما يتضح من خلال استقراء جهوده أن جهوده في مجال الشريعة الإسلامية ومصادرها لم تكن بنفس جهوده في المجالات الأخرى، ولكن مما يجدر ذكره هنا، أنه قد برز في العقدين الأخيرين تنامي الاهتمام بهذا المجال.(21/35)
من خلال استقراء السنة في المصادر الروسية، نجد أن مجمل الجهود في هذا المجال إنما هي أبحاث وكتابات تأتي ضمن محتويات مصادر أشمل، ولكن تبقى لها أهمية كبرى؛ لأنها إما أن تكون من كتابات علماء وباحثين لهم مكانتهم في الاستشراق الروسي، أو في مصادر لها مرجعية علمية وتعليمية في المراكز الاستشراقية والأقسام الجامعية والدوائر التعليمية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المصادر التي تم استعراضها في المبحث الأول تشتمل على مصدرين في مجال السنة والحديث استقلالاً، أحدهما: السنة، الأحاديث الإسلامية: نشأتها وتطورها، تأليف تريتياكوف، والذي يتضح من تأمل محتوى هذا الكتاب ومنهجية تناوله للسنة، أنه من نتاج الاستشراق التبشيري، والكتاب الآخر هو أحاديث محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو حكم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، للأديب الروسي الكبير ل. تولستوي، وهي أحاديث اختارها لترجمتها إلى الروسية إعجاباً منه بمعانيها ودلالاتها، وهو معروف عنه إعجابه وتقديره للإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -.(21/36)
من الجهود المشهودة للاستشراق الروسي هي عنايته بالمخطوطات فهرسة ودراسة، وقد نهض بذلك عدد من رموز الاستشراق الأكاديمي منذ بدايته، وقد ساعد على وجود هذا التوجه البحثي تكوّن خزائن مهمة لحفظ المخطوطات، تأتي على رأسها خزانة المتحف الآسيوي في سانت بطرسبرج الذي تحوّل إلى معهد الاستشراق لاحقاً، ويوجد بجانب تلك الخزانة خزانتان أخريان، إحداهما: المكتبة العامة، والأخرى: مكتبة اللغات الشرقية في جامعة سانت بطرسبرج، وجميع هذه الجهات الثلاث بدأت في اقتناء وحفظ المخطوطات منذ وقت مبكر، وفي كل منها نجد للمخطوطات الحديثية نصيباً في محتوياتها، وما تحتوي عليه خزانة مكتبة معهد الاستشراق أكبر مقارنة بالمكتبتين الأخريين، تأتي بعدها المكتبة العامة، ثم مكتبة كلية اللغات الشرقية، وهذا أمر طبيعي إذا قورن ذلك بالعدد الإجمالي للمخطوطات في كل منها، وقد تم فهرسة المخطوطات الحديثية ضمن فهارس تلك المكتبات التي تم استعراضها في المبحث الثاني.
المصادر باللغة العربية
( 1 ) آثار الكتابة العربية في داغستان، ناتاليا طاهروفا، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت" الكتاب الرابع ص177-193- أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو1989م.
( 2 ) الاستشراق الروسي، د. عبدالرحيم العطاوي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2002م الدار البيضاء – المغرب، بيروت – لبنان.
( 3 ) تاريخ الاستشراق والدراسات العربية والكردية في المتحف الآسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد، تأليف: مجموعة من المستشرقين السوفيات، ترجمة: د.معروف خزنه دار، نشر جامعة بغداد- مطبعة المعارف، الطبعة الأولى، بغداد1980م.
( 4 ) تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي، فاسيلي بارتولد، ترجمه إلى العربية صلاح الدين عثمان هاشم، الطبعة الأولى، الكويت، 1401ه ـ1981م.(21/37)
( 5 ) الثقافة الكتبية، خالدوف، في "دراسات في تاريخ الثقافة العربية" – القرون5-15 ص234-336، من منشورات أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي – معهد الاستشراق، للكتاب هيئة تحرير من عدد من الكتاب، والمحرر المسؤول: بولشاكوف، ترجمة د. أيمن أبو شعر، دار التقدم، موسكو1989م.
( 6 ) الدراسات العربية في الاتحاد السوفيتي، جيورجي تسيريتيلي، مجلة المجمع العلمي العربي – دمشق، 17جمادى الأولى 1375هـ ـ 1كانون الثاني1956م، المجلد الحادي والثلاثون ص559-576.
( 7 ) القرآن في روسيا، بيوتر غريزنيفتش، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الأول ص249-259، أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو1986م.
( 8 ) مجموعة كتب محمد سيد سعيدوف، عمر شيخ سعيدوف، خولادته عمروف، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت" الكتاب الرابع ص194-209، أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو1989م.
( 9 ) المخطوطات العربية في داغستان، حاجي حمزتوف، عمري شيخ سعيدوف، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الثاني ص62-83، أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو 1987م.
(10) المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي، أنس خالدوف، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الأول ص5-40، أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو 1986م.
(11) المستشرقون، نجيب العقيقي – دار المعارف، طبعة رابعة موسعة، القاهرة.
(12) المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرج/ كلية الدراسات الشرقية، إشراف وتقديم د. عبدالرحمن فرفور، إعداد: خالد أحمد الريان، عبدالقادر أحمد عبدالقادر – مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ـ دبي، الطبعة الأولى1416هـ ـ 1996م.
(13) Years of Oriental Studies in Russia, Institute of Oriental Studies Russian Academy of Sciences, Moscow,.
فهرس الموضوعات
مقدمة…1
الفصل الأول: السنة والسيرة في المصادر الاستشراقية الروسية…3(21/38)
المبحث الأول: نشأة الاستشراق الروسي وجذوره…4
جذور الاستشراق الروسي:…4
بداية الاستشراق الروسي النظامية…6
المبحث الثاني: السنة والسيرة في المصادر الروسية المطبوعة…14
الفصل الثاني: المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية…32
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية…33
المبحث الثاني: نماذج من المخطوطات الحديثية المحفوظة في الخزائن المذكورة…43
المخطوطات العربية لمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي…43
المخطوطات العربية للقسم الشرقي في المكتبة العلمية لجامعة سانت بطرسبرج.…47
المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرج، كلية الدراسات الشرقية…48
المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية في سانت بطرسبرج. مكتبة سالطيكوف شيدرين العامة…50
خاتمة…54
المصادر باللغة العربية…56
فهرس المواضيع…59(21/39)
السيرة النبوية
من خلال أهم كتب التفسير
د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان
بسم الله الرحمن الرحيم
السيرة النبوية من خلال أهم كتب التفسير
خطة البحث
المبحث الأول: الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية:
"المطلب الأول: استعراض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية.
"المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها.
"المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات: وستكون الدراسة من خلال كتب السيرة التالية: مغازي الواقدي، مغازي عروة بن الزبير، سيرة ابن إسحاق.
المبحث الثاني: تناول كتب التفسير للسيرة النبوية:
"المطلب الأول: السيرة النبوية في تفسير ابن جرير الطبري.
"المطلب الثاني: السيرة النبوية في تفسير ابن أبي حاتم.
"المطلب الثالث: السيرة النبوية في تفسير ابن كثير.
المبحث الثالث: مقارنة بين كتب السيرة النبوية وكتب التفسير:
"المطلب الأول: الناحية التوثيقية.
"المطلب الثاني: الناحية الموضوعية.
"المطلب الثالث: الناحية التاريخية.
الخاتمة: الخلاصة، و أهم النتائج والتوصيات.
السيرة النبوية من خلال أهم كتب التفسير
تمهيد:
يتفق العلماء على أن أهم ما ينبغي الرجوع إليه لتفسير القرآن الكريم هو القرآن الكريم نفسه(1)، وذلك أن القرآن الكريم يفصل ما أجمل، ويقيد ما أطلق، ويبين ما أبهم، ويؤكد الحدَث والحكم(2).
__________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية ( 13/363 ) وتفسير ابن كثير ( 1/3 ) والبرهان للزركشي ( 2/175 ) والإتقان للسيوطي ( 2/1197 ) ونقل الإجماع على ذلك د. علي العبيد في " تفسير القرآن الكريم: أصوله وضوابطه " ( 38 ).
(2) انظر أنواع تفسير القرآن للقرآن في: التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي ( 1/38 - 40 ) وتفسير القرآن الكريم: أصوله وضوابطه للدكتور علي العبيد ( 39 - 44 ).(22/1)
و يتفق العلماء أيضاً على أن المرحلة الثانية للتفسير بعد النظر في القرآن نفسه، هي الرجوع إلى السنة النبوية، لأنها شارحةٌ للقرآن، وموضِّحة له، قال الإمام الشافعي رحمه الله " كل ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن".
وقال ابن برَّجان(1) في " الإرشاد في تفسير القرآن ": "ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء فهو في القرآن، وفيه أصله، قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه، قال الله تعالى:* P Q R S T U )[الأنعام: 38].
.... وهكذا حكم جميع قضائه، وحكمه على طرقه التي أتت عليه، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه، ويبلغ منه الراغب فيه حيث بلَّغه ربه تبارك وتعالى؛ لأنه واهب النعم، ومقدِّر القسم "(2).
وقال الشاطبي " السنة راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره، وذلك لأنها بيان له، فلا تجد في السنة أمراً إلا والقرآن قد دلّ على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية "(3).
وقال الزركشي " لطالب التفسير مآخذ كثيرة، أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع، فإنه كثير..
__________
(1) عبدالسلام بن عبدالرحمن بن أبي الرجال اللخمي الأفريقي ثم الإشبيلي. روى عن ابن منظور، وروى عنه عبدالحق الإشبيلي. من علماء القراءات والحديث والتصوّف. له " شرح الأسماء الحسنى ". توفي سنة 536?.( طبقات المفسرين للداودي: 1/306 ).
(2) البرهان للزركشي ( 1/129، 130 ) والبحر المحيط في أصول الفقه له أيضاً ( 4/166 ).
(3) الموافقات ( 4/12 ) ثم قيَّد ذلك بالسنن التكليفية والتفسيرية للقرآن، دون الأخبار الخارجة عن ذلك؛ لأنه أمر زائد على مواقع التكليف، وإنما أنزل القرآن للتكليف، ومثَّل له بحديث الأقرع والأعمى والأبرص، وحديث جريج، ونحو ذلك من القصص النبوية ( 4/55 ).(22/2)
قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير(1) قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة(2)، وإلا فقد صحّ من ذلك كثير.
__________
(1) رواه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " ( 2/224 ) وعقَّب عليه بقوله: وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصَّاص فيها. ونقله عنه السخاوي في خاتمة " المقاصد الحسنة " ( 481 ) والسيوطي في خاتمة " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " ( 455 ).
(2) هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية في " مقدمة التفسير " ( مجموع الفتاوى: 13/346 ) وتفسيره أولى من تفسير الخطيب المتقدم؛ لأن الإمام نسب الضعف إلى نوع الفنّ، لا إلى كتاب معيَّن، فقال: المغازي، والتفسير، والملاحم. ولو أراد كتباً معينة لسمَّاها. وثانياً: أن مقولة الإمام أحمد تنطبق على عامة كتب المغازي والتفسير، ولا تخصّ كتباً معينة. وثالثاً: أن مراد الإمام أحمد - والله أعلم - أن الغالب على هذه الفنون المراسيل، كما روي عنه: ليس لها إسناد. ولم يرِد أن هذه الأنواع من الكتب ضعيفة، بل أراد إثبات أن غالب رواياتها مرسلة، والمرسل إذا تعضَّد بغيره لم يبقَ ضعيفاً.(22/3)
فمن ذلك تفسير الظلم بالشرك في قوله تعالى:? الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ارثب? [الأنعام:82]، وتفسير الحساب اليسير بالعرض، رواهما البخاري(1).
وتفسير القوة في:? وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ xw تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ xw تُظْلَمُونَ ادةب? [الأنفال:60] بالرمي، رواه مسلم(2).
وكتفسير العبادة بالدعاء في قوله: ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ادةب? [غافر:60](3) "(4).
وتعريف السنة هو: ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو وصف(5).
فالسنة تشمل: الأقوال والأفعال والسيرة والشمائل، لذا فإنك تجد روايات ذلك كله في كتب السنة المتعددة كصحيح البخاري وغيره.
__________
(1) الأول رواه البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ( كتاب الإيمان/باب ظلم دون ظلم ) ورواه مسلم في صحيحه أيضاً ( كتاب الإيمان/باب صدق الإيمان وإخلاصه )، والثاني رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( كتاب العلم/باب من سمع شيئاً فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه )، ورواه مسلم في صحيحه أيضاً عنها ( كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها/باب إثبات الحساب ).
(2) رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ( كتاب الإمارة/باب فضل الرمي والحثِّ عليه ).
(3) رواه أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(4) البرهان ( 1/156، 157 ).
(5) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/د. مصطفى السباعي ( 47 ).(22/4)
وسيرته - صلى الله عليه وسلم - هي مظهر هذه التطبيقات العملية، فهي جزء من السنة النبوية التي يجب الرجوع إليها في تفسير القرآن، وبذا يُفهم قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خُلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت " كان خُلُقُه القرآن "(1).
فتطبيقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العملية للقرآن تفسيرٌ له، كما أن في أقواله - صلى الله عليه وسلم - ما هو تفسيرٌ له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية " يجب أن يُعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى:? بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ اححب?[النحل:44] يتناول هذا وهذا "(2).
وقال ابن القيم " البيان من النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسام: أحدها: بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفياً. الثاني: بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك.. الثالث: بيانه بالفعل كما بيَّن أوقات الصلاة للسائل بفعله. الرابع: بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن، فنزل القرآن ببيانها.. إلخ "(3).
ولتوضيح هذا أقول: إن بيانه - صلى الله عليه وسلم - للقرآن على وجوه(4):
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه بمعناه ( كتاب صلاة المسافرين وقصرها/باب جامع صلاة الليل ).
(2) مجموع الفتاوى ( 13/331 ).
(3) إعلام الموقعين ( 2/295، 296 ).
(4) انظر: الرسالة للإمام الشافعي ( 91 ) وأصول التفسير وقواعده لخالد العك ( 128 ) والتفسير والمفسرون للذهبي ( 1/55 - 57 ).(22/5)
الأول: ما أوضح به معنى جملة أو مفردة من مفردات القرآن، وهذا يكون بالقول وبالفعل، فالقول: كتفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى(1)، وتفسير الصلاة الوسطى بالعصر(2)، وتفسير الشاهد والمشهود بيوم الجمعة، ويوم عرفة(3).
__________
(1) رواه أحمد والترمذي وحسَّنه وابن حبان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه (جامع الأصول: 2/7).
(2) رواه البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه، ورواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، وله طرق أخرى ( جامع الأصول: 2/49، 50 ).
(3) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه بسند ضعيف، وأخرجه البيهقي عنه أيضاً بسند حسن ( فضائل الأوقات للبيهقي: 349 ).(22/6)
والفعل كصلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بعد طلوع الشمس عندما نام عنها في أحد أسفاره، وتلاوته قوله تعالى:? وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى اتجب? [طه:14](1)، وكما كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي تطوعاً حيثما توجهت به راحلته في السفر(2)، وهو توضيح معنى قوله سبحانه:? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِن اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ اتتخب? [البقرة:115] وأن مما يشمله النوافل ولو مع القدرة على التوجه للقبلة، وكما يقول - صلى الله عليه وسلم - في ركوعه وسجوده في الصلاة "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأوَّل قوله سبحانه:? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ tb%x2 تَوَّابًا اجب? [النصر: 3](3)، وهو توضيح لوقت هذا التسبيح وصيغته.
__________
(1) رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه ( البخاري: كتاب مواقيت الصلاة/باب من نسي صلاة، ومسلم: كتاب المساجد/باب قضاء الصلاة الفائتة: جامع الأصول: 5/189 ).
(2) رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما ( البخاري: كتاب تقصير الصلاة/باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجَّهت به، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين/باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجَّهت: جامع الأصول: 5/476 ).
(3) رواه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( البخاري: كتاب صفة الصلاة/باب التسبيح والدعاء في السجود، ومسلم: كتاب الصلاة/باب ما يقال في الركوع والسجود: جامع الأصول: 4/191 ).(22/7)
الثاني: ما أزال به الإشكال عن فهمٍ مغلوط للآية، كتفسيره الظلم بالشرك في قوله سبحانه:? الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ارثب?[الأنعام:82](1)، لئلا يفهم منها مطلق الظلم. وتفسيره الخيط الأبيض والخيط الأسود بسواد الليل وبياض النهار(2)، لئلا يفهم منها الخيط القطني.
__________
(1) رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقد تقدم قريباً.
(2) رواه الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ( البخاري: كتاب الصوم/باب قول الله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ، ومسلم: كتاب الصوم/باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر: جامع الأصول: 2/28 ).(22/8)
الثالث: ما أكّد به معنى قرآنياً، وهذا يكون بالقول وبالفعل، فالقول: كتأكيده أهمية الإيمان بالله(1)، ووجوب الصلاة والزكاة(2)، وفضل الذكر(3)، وتحريم الربا(4).
والفعل كتطبيقه العبادات والمعاملات والأخلاق القرآنية.
وبفهم هذين النوعين من التفسير: القولي والفعلي، يحلّ الإشكال الواقع بين الفريقين المختلفين في مقدار ما بيَّنه - صلى الله عليه وسلم - لأمته من تفسير القرآن(5)، ويكون تفسيره - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاعتبار يتناول أكثر آيات القرآن الكريم، والله أعلم.
المبحث الأول: الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية
مدخل:
__________
(1) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم في حديث جبريل " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.. الحديث " متفق عليه عن عمر رضي الله عنه.
(2) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " رواه مالك وأبو داود والنسائي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ( جامع الأصول: 6/44 )، وقوله " اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم " رواه الترمذي وصححه عن أبي أمامة رضي الله عنه.( جامع الأصول: 9/545 ).
(3) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم " سبق المفرِّدون " قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال " الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ( كتاب الذِّكر والدعاء/باب الحث على ذكر الله تعالى: جامع الأصول: 4/475، 476 ).
(4) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " رواه الترمذي وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأوله في صحيح مسلم ( جامع الأصول: 1/542 ).
(5) الإتقان ( 2/1289 ) والتفسير والمفسرون للذهبي ( 1/49 ) والتفسير النبوي خصائصه ومصادره/محمد عبدالرحيم محمد ( 8 ).(22/9)
القرآن الكريم مصدر مهمّ من مصادر السيرة النبوية، وتظهر أهميته بما يتميز به عن بقية المصادر، وهو:
1.أنه حقٌّ كله:? إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ xwur مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ احثب? [فصِّلت: 41، 42]، فلا مجال للشكّ في معلوماته، أو احتمال المبالغة في أحداثه، وبالتالي فإن جميع المصادر الأخرى يجب أن تحكَّم على ضوئه.
2.أنه لا يخاطب جنساً معيناً، أو قبيلة أو جيلاً واحداً، بل هو للناس كافة * )[!:87، 88] لذا نجده يربط سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسير الأنبياء السابقين عليهم السلام، ويوضِّح الرسالة الواحدة الخالدة المشتركة بينهم.
3.أنه لا يهتمّ بالعرض التاريخي لغرض التوثيق أو التسلية فحسب، وإنما يورد القصص لغرضين أساسيين:
الأول: تثبيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتسليته بما حدث لإخوانه من قبل? وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتثةب?[هود:120].
الثاني: اتعاظ المؤمنين بما فيها، وأخذ العبرة منها، لتزيد ارتباطهم بالله سبحانه، وتُعدّهم للإيمان الحقّ، وتنبههم لما قد يحدث لهم بما فيه شَبَهٌ بمن قبلهم، والأيام دوَل، والتاريخ يعيد نفسه? لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ x@إءّےs?ur كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ اتتتب?[يوسف:111].
المطلب الأول: استعراض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية:(22/10)
يعرِّف الباحثون السيرة النبوية بأنها الأحداث المتعلقة بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ مولده حتى انتقاله إلى ربه عز وجل(1).
ولذلك فإن مباحث السيرة النبوية تشتمل على خمسة عناصر(2):
الأول: السيرة الذاتية: وهي ما يتعلق به - صلى الله عليه وسلم - من ولادة، ونشأة، وزواج، وخدَم، ومتاع.
الثاني: النبوة والرسالة: وهو ما يتعلق بالوحي، والدعوة، ومواقف الناس منها.
الثالث: الغزوات والسرايا.
الرابع: الشمائل: وهي الآداب والأخلاق.
الخامس: الخصائص: وهي ما امتاز به - صلى الله عليه وسلم - عن بقية الخلق.
وكل هذه العناصر وردت مجملةً في القرآن الكريم، ومفصَّلةً في كتب السير والمغازي، وللتعرف على حديث القرآن عن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأتناول ما ورد في القرآن الكريم عن كل عنصر من هذه العناصر الخمسة السابقة:
أولاً: السيرة الذاتية:
السورة ... الآية أو الآيات القرآنية ... الموضوع
... البقرة ... 151 ... عشيرته
... آل عمران ... 144 ... أسماؤه
... آل عمران ... 164 ... عشيرته
... الأعراف ... 157، 158 ... أمِّيَّته
... يونس ... 2 ... بشريته
... النحل ... 103 ... عربيته
... الرعد ... 37 ... عربيته
... إبراهيم ... 4 ... عربيته
... الإسراء ... 93 ... بشريَّته
... الكهف ... 110 ... بشريته
... النور ... 11 - 16، 22 - 26 ... قصة الإفك
... الشعراء ... 195 ... عربيته
... الشعراء ... 214 ... عشيرته
... العنكبوت ... 48 ... أمِّيَّته
... الأحزاب ... 6، 28-34، 37،38،50-55، 59 ... أزواجه
... الأحزاب ... 40 ... أبوَّته
... الأحزاب ... 40 ... أسماؤه
... < ... 69 ... عدم قوله الشعر
... ! ... 4 ... عشيرته
... الزمر ... 28 ... عربيته
... الشورى ... 7 ... عربيته
__________
(1) فقه السيرة النبوية/منير محمد غضبان ( 13 ) ومقدمة طه عبدالرءوف سعد لسيرة ابن هشام ( 1/? ).
(2) كشف الظنون ( 2/حاشية 1012 ).(22/11)
... الشورى ... 23 ... عشيرته
... محمد ... 2 ... أسماؤه
... الفتح ... 29 ... أسماؤه
... ! ... 2 ... عشيرته
... الصف ... 6 ... أسماؤه
... الجمعة ... 2 ... أمِّيَّته
... التحريم ... 1 - 5 ... تعامله مع أزواجه
... الضحى ... 6 ... يتمه
... المسد ... 1 - 5 ... عمه أبو لهب وزوجته
ثانياً: النبوة والرسالة:
السورة ... الآية أو الآيات القرآنية ... الموضوع
... البقرة ... 118 ... سؤال قريش المعجزات
... البقرة ... 119 ... إثبات رسالته
... آل عمران ... 81، 164 ... إثبات رسالته
... النساء ... 61 ... أذى المنافقين
... النساء ... 79، 166، 170 ... إثبات رسالته
... المائدة ... 15، 19 ... إثبات رسالته
... المائدة ... 41 ... أذى المنافقين
... الأنعام ... 8، 37، 109، 111 ... سؤال قريش المعجزات
... الأنعام ... 25، 26، 33، 35، 57، 66، 148، 150 ... تكذيب قريش
... الأنعام ... 105 ... اتهامه بالتعلُّم من غيره
... الأعراف ... 158 ... إثبات رسالته
... الأعراف ... 203 ... سؤال قريش المعجزات
... التوبة ... 33 ... إثبات رسالته
... التوبة ... 58، 61، 74 ... أذى المنافقين
... يونس ... 15، 39، 41 ... تكذيب قريش
... يونس ... 20 ... سؤال قريش المعجزات
... هود ... 12 ... سؤال قريش المعجزات
... الرعد ... 7، 27 ... سؤال قريش المعجزات
... الرعد ... 43 ... تكذيب قريش
... الحجر ... 7 ... سؤال قريش المعجزات
... الحجر ... 94 ... الجهر بالدعوة
... النحل ... 103، 113 ... تكذيب قريش
... الإسراء ... 90 - 93 ... سؤال قريش المعجزات
... طه ... 133 ... سؤال قريش المعجزات
... الأنبياء ... 2، 3، 5، 6 ... تكذيب قريش
... الأنبياء ... 5 ... سؤال قريش المعجزات
... النور ... 11 ... أذى المنافقين
... الفرقان ... 4 ... تكذيب قريش
... الفرقان ... 7، 8 ... سؤال قريش المعجزات
... القصص ... 48 ... تكذيب قريش(22/12)
... العنكبوت ... 50 ... سؤال قريش المعجزات
... السجدة ... 3 ... تكذيب قريش
... سبأ ... 7، 8، 43، 53 ... تكذيب قريش
... فاطر ... 4، 42 ... تكذيب قريش
... < ... 3 ... إثبات رسالته
... < ... 76 ... تكذيب قريش
... الصافات ... 12، 36، 170 ... تكذيب قريش
... ! ... 4 - 8، 68 ... تكذيب قريش
... الزمر ... 64 ... تكذيب قريش
... فصِّلت ... 4، 5 ... تكذيب قريش
... الشورى ... 13، 24 ... تكذيب قريش
... الشورى ... 51 ... صور الوحي
... الزخرف ... 24، 30، 57، 58، 88 ... تكذيب قريش
... الدخان ... 14 ... تكذيب قريش
... الأحقاف ... 7، 8، 10 ... تكذيب قريش
... الأحقاف ... 29 - 32 ... دعوته الجن
... محمد ... 2 ... إثبات رسالته
... الفتح ... 28 ... إثبات رسالته
... ! ... 2 ... تكذيب قريش
... النجم ... 5 - 18 ... الوحي
... الطور ... 30 - 43 ... تكذيب قريش
... القمر ... 2، 3 ... تكذيب قريش
... المزمِّل ... 5 ... شدَّة الوحي
... المدَّثِّر ... 53 ... تكذيب قريش
... الجن ... 1 - 17 ... دعوته الجن
... المنافقون ... 8 ... أذى المنافقين
... القلم ... 8 ... تكذيب قريش
... المعارج ... 36، 37 ... تكذيب قريش
... عبس ... 5، 6 ... تكذيب قريش
... التكوير ... 23 ... الوحي
... البينة ... 1 ... سؤال قريش المعجزات
ثالثاً: الغزوات والسرايا:
السورة ... الآية أو الآيات القرآنية ... الغزوة أو السرية
... البقرة ... 217 ... سرية عبدالله بن جحش
... آل عمران ... 121، 122، 140، 143، 152 - 155، 165 - 168 ... أحُد
... آل عمران ... 13، 123 - 128 ... بدر
... آل عمران ... 172 - 175 ... حمراء الأسد
... المائدة ... 2 ... الحديبية
... المائدة ... 7 ... بيعة العقبة
... المائدة ... 11 ... ذات الرقاع،
بنو النضير
... الأنفال ... 1 - 14، 36 - 44، 47 - 51، 67 - 71 ... بدر
... الأنفال ... 30 ... الهجرة(22/13)
... التوبة ... 1 - 3 ... حجة الوداع
... التوبة ... 25 - 27 ... حنين
... التوبة ... 40 ... الهجرة
... التوبة ... 41-66،81- 83،90- 96، 117-121 ... تبوك
... الحج ... 19 ... بدر
... القصص ... 85 ... الهجرة
... الأحزاب ... 9 - 25 ... الأحزاب
... الأحزاب ... 26، 27 ... بنو قريظة
... محمد ... 13 ... الهجرة
... الفتح ... 1 - 23 ... صلح الحديبية
... الفتح ... 15 ... خيبر
... الفتح ... 24 - 27 ... فتح مكة
... القمر ... 45 ... بدر
... الحشر ... 2 - 6، 11 - 14 ... بنو النضير
... الممتحنة ... 1 - 9 ... فتح مكة
... الممتحنة ... 10 - 12 ... الهجرة
... المنافقون ... 1 - 8 ... بنو المصطلق
... النصر ... 1 ... فتح مكة
رابعاً: الشمائل:
السورة ... الآية ... الموضوع
... آل عمران ... 153 ... ثباته في القتال
... آل عمران ... 159 ... رحمته
... المائدة ... 15 ... نوره
... التوبة ... 61 ... رحمته
... التوبة ... 128 ... رحمته
... الأنبياء ... 107 ... رحمته
... الأحزاب ... 46 ... نوره
... الأحزاب ... 53 ... حياؤه
... الزمر ... 33 ... صدقه
... القلم ... 4 ... خُلُقه العظيم
... التكوير ... 22 ... عقله
خامساً: الخصائص:
السورة ... الآية ... الموضوع
... البقرة ... 144 ... القبلة
... آل عمران ... 81 ... أخذ الميثاق على الأنبياء بالإيمان به
... آل عمران ... 110 ... أمته خير الأمم
... آل عمران ... 144 ... ختم الرسالات به
... آل عمران ... 151 ... نصره بالرُّعب
... المائدة ... 48 ... هيمنة كتابه على الكتب السابقة
... الأنعام ... 14، 163 ... هو أول المسلمين
... الأنعام ... 90 ... عموم رسالته
... الأعراف ... 157 ... ذكره في التوراة والإنجيل
... الأعراف ... 158 ... عموم رسالته
... الأنفال ... 12 ... نصره بالرُّعب
... الأنفال ... 33 ... لا تعذَّب أمته وهو حيّ
... الأنفال ... 69 ... إحلال الغنائم له(22/14)
... التوبة ... 33 ... عموم رسالته
... يونس ... 108 ... عموم رسالته
... الحجر ... 9 ... حفظ دينه وكتابه
... الحجر ... 87 ... السبع المثاني والقرآن العظيم
... الإسراء ... 1، 60 ... الإسراء والمعراج
... الإسراء ... 79 ... المقام المحمود
... الإسراء ... 79 ... وجوب التهجُّد عليه
... الأنبياء ... 107 ... عموم رسالته
... الحج ... 49 ... عموم رسالته
... الفرقان ... 1 ... عموم رسالته
... الأحزاب ... 6 ... أزواجه أمهات المؤمنين
... الأحزاب ... 40 ... ختم الرسالات به
... الأحزاب ... 50 ... وهب النساء أنفسهن له
... الأحزاب ... 53 ... آداب دخول بيوته
... الأحزاب ... 56 ... صلاة الله وملائكته عليه
... سبأ ... 28 ... عموم رسالته
... الزمر ... 12 ... هو أول المسلمين
... الزمر ... 41 ... عموم رسالته
... الفتح ... 2 ... مغفرة جميع ذنوبه
... الفتح ... 28 ... عموم رسالته
... الفتح ... 29 ... ذكره في التوراة والإنجيل
... الحجرات ... 2 ... عدم الجهر له بالقول كسائر الناس
... النجم ... 13 - 18 ... المعراج
... المجادلة ... 12، 13 ... تقديم الصدقة بين يدي نجواه
... القلم ... 52 ... عموم رسالته
... المزمِّل ... 2 ... وجوب التهجُّد عليه
... الإنسان ... 26 ... وجوب التهجُّد عليه
... التكوير ... 27 ... عموم رسالته
... البلد ... 2 ... القتال في مكة
... الانشراح ... 4 ... رفع الله ذكره
... الكوثر ... 1 ... إعطاؤه الكوثر
المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها:
نلاحظ من خلال دراسة الآيات ما يلي:
أولاً: السيرة الذاتية: هذا القسم يحوي(84) آية، ونلاحظ الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - تعريفاً به في السوَر المكِّية والمدنية، وذلك أنه يحتاج للتعريف به دائماً كحاملٍ للرسالة دون غيره، ردّاً على من يزعم أن هناك من هو أولى به في الرسالة، وذلك الزعم تكرر في مكة والمدينة.(22/15)
وأيضاً نلاحظ أن الحديث في السور المكّية عن لغته، ونشأته الأولى وعشيرته، والحديث في السور المدنية عن زواجه.
ثانياً: النبوة والرسالة: هذا القسم يحوي(132) آية وهو أكثر الأقسام
- إذا استثنينا تفصيلات الغزوات - وسبب الكثرة فيه واضح، وهو أنه غرض القرآن الرئيس.
ونلاحظ أيضاً أن أكثر هذا القسم مكِّيّ، وذلك أن إثبات النبوة وتأكيدها يحتاج إليه في مكة أكثر من المدينة.
ونلاحظ أيضاً أن الحديث عن المنافقين كان في السور المدنية؛ لأنهم إنما وجدوا في المدينة.
ثالثاً: الغزوات والسرايا: هذا القسم يحوي(187) آية، وهو أكثر الأقسام عدداً من الآيات؛ بسبب التفصيلات التي تقتضيها حكاية أحداث الغزوات.
ونلاحظ أن أغلب الغزوات ذكرت في سور مدنية، وذلك أن الجهاد إنما شُرِع في المدينة، وإن كانت هناك إشارات إلى غزوة بدر في سور مكِّية، لكن لم يتبين معناها إلا بعد وقوعها.
رابعاً: الشمائل: وهي في (11) آية فقط، وذلك أن أبرز شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النبوة والرسالة، وقد استقصي في قسم آخر، وربما كان لقلة الآيات في هذا القسم سببٌ عقديّ، وهو أن القرآن الكريم لا يريد أن يعلِّق الناس بشخص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريد ربطهم بالمنهج والرسالة، لذا أسهب في موضوع النبوة دون هذا، والله تعالى أعلم.
خامساً: الخصائص: هذا القسم يتضمن (52) آية، بين مكِّيّ ومدنيّ.
المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات:
ستكون الدراسة من خلال كتب السيرة التالية: مغازي عروة بن الزبير (ت94?)، و سيرة ابن إسحاق (ت150?)، و مغازي الواقدي (ت207?).
أولاً: مغازي عروة بن الزبير:(22/16)
عروة بن الزبير بن العوَّام، أحد الفقهاء السبعة(1)، حدَّث عن أبيه وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ولازم خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وروى عن غيرهم. روى عنه بنوه يحيى وعثمان وهشام ومحمد، والزهري، وأبو الأسود يتيم عروة، وابن المنكدر وغيرهم. كان قانتاً، ورعاً، مجتنباً للفتن، ولد سنة 23? بالمدينة، وتوفي بها سنة(94?) بعد أن عاش في مصر عدة سنوات(2).
و يعدّ عروة بن الزبير أقدم من كتب في السيرة النبوية، حسب شهادة الواقدي(ت 207?)(3)، والسخاوي(ت 902?)(4)، بل إنه يعدّ مؤسس علم التاريخ الإسلامي العام(5).
وممن أثبت كتابه في السيرة سوى من تقدم: ابن النديم (ت385?)(6)، والذهبي(ت 748? )(7)، وابن حجر (ت852?)(8)، وحاجي خليفة
(ت1067?)(9).
__________
(1) الفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، إضافة لعروة بن الزبير رحمهم الله.( الفقه الإسلامي وأدلته/د. وهبة الزحيلي: 1/28 ).
(2) سير أعلام النبلاء ( 4/421 - 437 ).
(3) البداية والنهاية ( 9/101 ).
(4) الإعلان بالتوبيخ ( 48 ) وانظر: كتاب المغازي لعروة برواية أبي الأسود: المقدمة ( 57 ) و السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة ( 26 ) ومقدمة " المغازي " للواقدي/د. مارسدن جونس ( 21 ).
(5) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة ( 25 ).
(6) انظر: كتاب المغازي لعروة برواية أبي الأسود: المقدمة ( 57 ) وهذا أصحّ من قول د. فؤاد سزكين بأن كتاب " المغازي " ليس له مصدر قديم ( تاريخ التراث العربي " التدوين التاريخي ": 1 " 2 "/70 ).
(7) سير أعلام النبلاء ( 6/150 ).
(8) فتح الباري ( 5/333 ).
(9) كشف الظنون ( 2/1747 ).(22/17)
وهذا عرضٌ للآيات في مغازي عروة (حسب ترتيب الكتاب(1)):
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الصفحة
... النجم ... 1، 2 ... بدء الوحي ... 100
... العلق ... 1 - 5 ... بدء الوحي ... 101
... الحج ... 52، 53 ... قصة الغرانيق ... 106 - 109
... الأنفال ... 30 ... بدر الكبرى ... 128
... التوبة ... 40 ... بدر الكبرى ... 129
... الأنفال ... 42، 43 ... بدر الكبرى ... 137،- 145، 233
... الأنفال ... 47 - 49 ... بدر الكبرى ... 139،-145،234
... الأنفال ... 5 - 12، 17 - 27 ... بدر الكبرى ... 138، 144
... الأنفال ... 50 - 58 ... بدر الكبرى ... 145
... الأنفال ... 67 - 69 ... بدر الكبرى ... 145
... الأنفال ... 70، 71 ... بدر الكبرى ... 146
... الأنفال ... 74 - آخر السورة ... بدر الكبرى ... 146
... النساء ... 97 - 99 ... بدر الكبرى ... 146
... الحشر ... 1 - 6 ... بنو النضير ... 166، 167
... آل عمران ... 173 ... حمراء الأسد ... 174
... آل عمران ... 128 ... بئر معونة ... 180
... الفتح ... 24 ... الحديبية ... 193
... التوبة ... 49 - 59 ... تبوك ... 220
... التوبة ... 65 - 68 ... تبوك ... 221
النتائج:
بعد هذا العرض نصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن عروة اقتصر على إيراد الآيات القرآنية في بعض الغزوات، وترك بعضها مع شهرتها وكثرة الآيات الواردة فيها، كغزوة أحد.
__________
(1) كتاب المغازي له، جمع وتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ونشره مكتب التربية العربي لدول الخليج في مجلد سنة 1401?.(22/18)
الثانية: أنه لا يستطرد في تفسير الآيات ببيان معاني مفرداتها، أو حتى المعنى الإجمالي لها، وإنما يقتصر على بيان معناها من خلال الحدَث الذي نزلت فيه، وعلى سبيل المثال، قال رحمه الله: " ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم حين ظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارج، وعلموا أن الله قد جعل له بالمدينة مأوى ومنعة، وبلغهم إسلام الأنصار، ومن خرج إليهم من المهاجرين، فأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإما أن يقتلوه، أو يسجنوه، أو يحبسوه، أو يخرجوه، أو يوثقوه، فأخبره الله عز وجل بمكرهم، فقال تعالى:? وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ اجةب?[الأنفال:30](1).
ثانياً: سيرة ابن إسحاق: …
محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم، المولود سنة (85?) بالمدينة، رأى أنس بن مالك رضي الله عنه، وروى عن نافع والزهري وابن عيينة وعاصم بن عمر وعبدالله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم.
روى عنه يزيد بن أبي حبيب ويحيى بن سعيد التابعيان، وهشيم والحمادان وشعبة والثوري وغيرهم.
كان مستقراً في المدينة المنورة، إلا أنه اضطر لتركها لخلافٍ بينه وبين الإمام مالك رضي الله عنه، فهاجر إلى مصر، ثم عاد إلى المدينة وحدَّث بالسيرة النبوية، ثم استقر في العراق، والتحق بمجلس الخليفة أبي جعفر المنصور. توفي سنة (150?) ببغداد(2).
__________
(1) المغازي ( 128 ).
(2) سير أعلام النبلاء ( 7/33 - 55 ) وتهذيب التهذيب ( 9/38 - 46 ) و السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة ( 31 ) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د.محمد ماهر حمادة ( 32 ).(22/19)
وكتابه في المغازي مشهور، إلا أنه لم يصل إلينا، وإنما نقل عبدالملك بن هشام الأنصاري كتابه مهذَّباً، ورواه عن تلميذ ابن إسحاق زياد البكائي(1).
وقد انتقد ابن إسحاق في ضبطه، وضعَّفه بعض المحدِّثين(2)، وذلك لا يعني ضعفه في السيرة واطّراح رواياته التي نقلها؛ للأسباب التالية:
الأول: لم يتفق المحدِّثون على تضعيفه في الحديث، فقد وثقه يحيى بن معين، وحسَّن الإمام أحمد حديثه، وسماه سفيان بن عيينة وشعبة أمير المحدِّثين، وأثنى عليه الزهري، ووثقه أبو زرعة والبخاري والحاكم والدارقطني وابن خلكان، وغيرهم(3).
__________
(1) تاريخ التراث العربي "التدوين التاريخي" (1 "2"/87، 88 ) و مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د.محمد ماهر حمادة ( 41 ) والسيرة النبوية لابن هشام طبعت مرات عديدة، وممن شرحها أبو القاسم السهيلي في " الروض الأنُف"، وممن اختصرها إمام الدعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب التميمي.
(2) ضعفه مالك، وابن معين في رواية، والنسائي، والقطان.( تهذيب التهذيب: 9/44، 45 ).
(3) تهذيب التهذيب ( 9/42، 44، 46 ) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د.محمد ماهر حمادة ( 40 ) و السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة ( 49 - 53 ).(22/20)
الثاني: أنه من يضعَّف في الحديث، فليس بالضرورة أنه ضعيف في غيره، بدليل أن العلماء ضعفوا بعض قرَّاء القرآن الكريم في روايتهم للحديث، وهم أئمة الدنيا في القراءة، وتلقاها عنهم العلماء بغير نكير؛ كعاصم بن أبي النجود الكوفي(1)، وحفص بن سليمان بن المغيرة راوية عاصم(2).
وكذلك ابن إسحاق رحمه الله في مغازيه، فقد وصفه الزهري بأنه أعلم الناس بها، وقال الإمام الشافعي: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، وكان الإمام أحمد يعتمد على مغازيه، ووثقه فيها الذهبي وابن كثير(3).
__________
(1) قال الذهبي: ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم. وقال النسائي: ليس بحافظ. وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.( ميزان الاعتدال: 2/357 ).
(2) قال الذهبي: كان ثبتاً في القراءة واهياً في الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه.( ميزان الاعتدال للذهبي: 1/558 ) وقال ابن الباذش: ثقة في القراءة، وإن كان ضعيفاً في الحديث ( الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش: 1/117 ).
(3) السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة ( 53، 54 ).(22/21)
الثالث: أن أكثر ما رواه ابن إسحاق واطأه عليه غيره من أهل السير والمغازي، وهو ما يعطيها قوة وصحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية " المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً، أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعاً.. فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطآ على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد علم أنه صحيح؛ مثل شخص يحدث عن واقعة جرت، ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول، فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال، فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة.. ولهذا ثبتت بالتواتر غزوة بدر، وأنها قبل أحد، بل يعلم قطعاً أن حمزة وعلياً وعبيدة برزوا إلى عتبة و شيبة والوليد، وأن علياً قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أو شيبة.
وهذا الأصل ينبغي أن يعرف، فإنه أصلٌ نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث، والتفسير، والمغازي، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك "(1).
وبذلك نصل إلى ثقة ابن إسحاق في المغازي والسيَر، وأنه أحد الأئمة فيها، وممن قدَّم للمسلمين تراثاً مهماً في التاريخ الإسلامي.
وعند استعراض الآيات القرآنية الواردة في سيرة ابن إسحاق(2)، نصل إلى النتائج التالية:
الأولى: أن ابن إسحاق فسَّر كثيراً من آيات القرآن الكريم، ومنها مائة آية من سورة البقرة، ونحو مائة آية من سورة آل عمران، و نحو مائة آية من سورة التوبة، وبعض السور كاملة، كسورة النصر.
وهو بذلك يتميز عن عروة في مغازيه في كيفية تناوله لآيات القرآن الكريم في مناسباتها.
الثانية: أن ابن إسحاق تناول كلّ السور القرآنية التي تعرضت لحوادث السيرة النبوية، وهو بذلك يضيف ميزة جيدة للسيرة مما لم يتناوله عروة في مغازيه.
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 13/347 - 349 ).
(2) انظر الملحق ( 1 ).(22/22)
الثالثة: أن ابن إسحاق اهتمّ بالقسمين الثاني والثالث من أقسام السيرة، وهما: النبوة، والغزوات، إضافة إلى بعض الأول، وهو السيرة الذاتية، دون الخصائص والشمائل، فلم يتعرض لهما إلا لماماً.
وبذلك فقد فاته من السيرة النبوية - بالاصطلاح العلمي - شيءٌ كثير.
ثالثاً: مغازي الواقدي:
محمد بن عمر بن واقد أبوعبدالله مولى بني سهم من أسلَم. ولد سنة 130? بالمدينة النبوية، ثم نزل بغداد سنة 180?، واستقرّ فيها، وولي القضاء للمأمون(1).
روى عن ربيعة والضحاك بن عثمان ومعمر وابن جريج وثور بن يزيد ومعاوية بن صالح ومخرمة وابن أبي ذئب ومالك.
روى عنه ابن سعد كاتبه، وابن أبي شيبة، ومحمد بن شجاع، وسليمان الشاذكوني، وأبو بكر الصاغاني، وأبو عبيد، والحارث بن أبي أسامة، وغيرهم. توفي سنة 207?(2).
كان رحمه الله حريصاً على معرفة المغازي منذ شبابه، وكان لا يكتفي بالرواية، بل يذهب بنفسه إلى مكان الغزوة، حتى يراها، فصار مرجعاً في هذا الباب(3).
وكان معاصراً لابن إسحاق إلا أنه أصغر منه سناً، ولا شكّ أنه استفاد منه، ولكنه لم يشِر إليه في كتابه أبداً(4).
__________
(1) الطبقات الكبرى ( 5/425 ) وتاريخ التراث العربي ( 1 " 2 "/100 ).
(2) الطبقات الكبرى ( 7/335 ) وسير أعلام النبلاء ( 9/454، 455 ).
(3) مقدمة المغازي للواقدي ( 1/6 ).
(4) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم/د.محمد ماهر حمادة ( 46 ).(22/23)
وكتابه من أوائل ما كتب في السيرة، وقد اعتمد عليه الطبري وابن سعد(1). ويتميز كتاب الواقدي بعدة ميزات؛ منها: تطبيقه المنهج العلمي التاريخي، في ترتيب النصوص والأحداث، بحيث يذكر تاريخ الغزوة، ومكانها، ثم شعار المسلمين فيها، وأميرها، ثم ما نزل فيها من القرآن الكريم، مع فصل كل غزوة على حدة.
ومنها: ذِكره بعض الغزوات التي لم ترد عند ابن إسحاق، كغزوة الخرار، وبني قينقاع، والقرطاء، ودومة الجندل، وقطن، والغمر، والكديد، وذات أطلاح، والخبط.. إلخ.
ومنها: ترجيحه للروايات بحيث يقول في بعضها: وهو الثابت عندنا، والقول الأول أثبت عندنا(2).
وقد انتقد على الواقدي ضعفه في الحديث(3)، ولهذا عدة أجوبة:
الأول: أن من المحدثين من وثَّقه، قال مصعب بن عبدالله: الواقدي ثقة مأمون. وقال يزيد بن هارون: ثقة. وقال إبراهيم الحربي: إمام كبير، أمين على أهل الإسلام. وقال أبو عبيد: ثقة. وقال الدراوردي: أمير المؤمنين في الحديث. وقال الصغاني: ثقة(4).
__________
(1) مقدمة المغازي للواقدي ( 1/14 ) وقد حقق جزءاً من المغازي للواقدي الباحث الألماني الفرد فون كريمر، ونشره عام 1855 م، ( مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة: 45 )، ثم حققه مارسدن جونس الانجليزي في ثلاثة مجلدات كبار، ونشرته جامعة أوكسفورد ببريطانيا عام 1966 م. وهي النسخة التي اعتمدت عليها في البحث.
(2) مقدمة المغازي للواقدي ( 1/31 - 34 ) و مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة ( 47 ).
(3) ضعَّفه البخاري والرازي والنسائي والدارقطني ( تهذيب التهذيب: 9/364، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: 39 ) واتهمه بعض الأئمة بالوضع ( سير أعلام النبلاء: 9/462، 463، وتهذيب التهذيب: 9/364، 367 ).
(4) تهذيب التهذيب ( 9/365 ) و صحيح السيرة النبوية/محمد بن رزق بن طرهوني ( 25، 26 ).(22/24)
الثاني: أنه في المغازي إمام متفقٌ على إمامته فيها، ولا يلزم من ضعفه في الحديث ضعفه في المغازي، كما تقدم القول في ابن إسحاق.
قال ابن سعد: كان عالماً بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم. وقال الخطيب البغدادي: ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه.
وقال الذهبي: العلامة الإمام أحد أوعية العلم -المتفق على ضعفه- وقال: جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم.
وقال: قد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج(1).
وعند استعراض الآيات القرآنية الواردة في مغازي الواقدي(2)، نصل إلى النتائج التالية:
أولاً: أن الواقدي لم يتناول شيئاً من حياته - صلى الله عليه وسلم - الخاصة، أو الخصائص، أو الشمائل، أو ما كان من أحداث غير الغزوات. عدا زواج زيد بن حارثة رضي الله عنه.
وبذلك فقد فاته ذكر آياتٍ كثيرة، تتعلق بالسيرة النبوية.
ثانياً: أنه لم يستوعب الآيات النازلة في بعض الغزوات مما ذكره ابن إسحاق، مثل: فتح مكة، وبني قريظة، وبعض الأحداث كنزول آيات في وفد النجاشي، ونصارى نجران، والرد على المنافقين والمشركين.
ثالثاً: أنه يفسِّر الآيات القرآنية التي يوردها فيما يتعلق بالمغازي في سياق واحد؛ فقد فسَّر سورة الأنفال كلها، وسورة الحشر كلها، وسورة المنافقون كلها، وسورة الفتح كلها، وأغلب سورة التوبة، ونصف سورة آل عمران.
__________
(1) سير أعلام النبلاء ( 9/454 - 469 ) و صحيح السيرة النبوية/محمد بن رزق بن طرهوني ( 27، 28 ) ومقدمة المغازي للواقدي ( 1/30 ).
(2) انظر الملحق ( 2 ).ص: 104.(22/25)
وهذا يعدّ من أقدم التفاسير القرآنية(1).
المبحث الثاني: تناول كتب التفسير للسيرة النبوية
مدخل:
عندما نتحدث عن كتب التفسير الأصلية - التي يطلق عليها اصطلاحاً كتب التفسير بالمأثور - فإننا نعود بالذاكرة إلى القرن الهجري الأول، حيث كتب سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون السلمي، وعبدالرزاق الصنعاني(2)، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة رحمهم الله، ما يعدّ تأليفاً مستقلاً في التفسير، يجمع أقوال الصحابة والتابعين، بخلاف ما سبقهم من الكتابات التفسيرية، التي لا تعدّ تأليفاً مستقلاً في التفسير، وإنما قد تكون تفسيراً لبعض الآيات، أو ضمن روايات أخرى في الحديث(3).
وما يوجد من تفاسير كتفسير ابن عباس(4)، وتفسير ابن مسعود(5)، وتفسير الحسن البصري(6)، وتفسير مجاهد، وتفسيرقتادة(7)، وغيرها، فإنما هو جمعٌ لأقوالهم من خلال كتب التفسير والحديث.
__________
(1) ينسب للواقدي كتاب في التفسير ( هدية العارفين: 6/10، ومعجم المؤلفين لكحالة: 11/96 ) ولكن لم يثبت وجوده بطريق علمي ( تاريخ التراث العربي لسزكين: 1 " 2 "/105 ) ولذا لم يذكره السيوطي والداودي في طبقات المفسرين.
(2) حقق الدكتور مصطفى مسلم تفسير عبدالرزاق، و أخرجه في أربعة أجزاء.
(3) الإتقان للسيوطي ( 2/1235 ).
(4) جمع الفيروزابادي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في " تنوير المقباس من تفسير ابن عباس "، واعتمد في روايته على محمد بن السائب الكلبي، وهو ضعيف جداً، وجمع راشد الرجّال صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في مجلد، وجمع د. عبدالعزيز الحميدي " تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير في الكتب الستة ".
(5) جمعه محمد أحمد عيسوي، وأخرجه في مجلدين.
(6) جمعه د. محمد عبدالرحيم في مجلدين.
(7) جمعه د. عبدالله أبو السعود بدر في جزء صغير.(22/26)
وبعد هؤلاء كتب الطبري كتابه الجامع " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "(1)، وابن أبي حاتم كتابه الجامع في التفسير(2)، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه، وأبو الشيخ، وابن المنذر(3). وجميع هذه الكتب بالأسانيد.
وبعد هؤلاء كثُرت الكتابة في التفسير، مع اختصار الأسانيد، والتنوُّع في الموضوعات التفسيرية، كالتفسير الفقهي، والتفسير اللغوي، وغير ذلك، وهذا ما يعرف بالتفسير بالرأي(4).
ومن نافلة القول أن ما ينصب عليه اهتمامنا هو التفسير بالمأثور، حيث توجد الأسانيد التي تروي عن الصحابة والتابعين الأحداث التاريخية التي حدثت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - - ، وبالتالي يمكن مقارنتها بكتب السيرة المسنَدة.
__________
(1) طبع عدة مرات، وحقق الشيخان أحمد ومحمود ابنا محمد شاكر الأجزاء الأولى منه حتى سورة إبراهيم، في ستة عشر جزءاً.
(2) طبع في عشرة مجلدات بغير تحقيق من نشر دار الباز، وفيها أخطاء لا تحصى. وحقق د. أحمد الزهراني قسماً من سورة البقرة في مجلد، ود. حكمت بشير ياسين قسماً من سورة آل عمران في مجلد.
(3) حقق د. سعد بن محمد السعد الأجزاء الأولى منه حتى سورة النساء، وأخرجه في مجلدين.
(4) الإتقان للسيوطي ( 2/1235 ).(22/27)
وسيكون حديثي عن ثلاثة من التفاسير بالمأثور، وهي: تفسير ابن جرير الطبري، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، وتفسير ابن كثير، وسأتناول مرويات الطبري وابن أبي حاتم عن عروة، والزهري، وابن إسحاق؛ لأن كتبهم في المغازي أهم كتب المغازي في الإسلام(1).
المطلب الأول: السيرة النبوية في تفسير ابن جرير الطبري:
محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري. ولد سنة 224? بآمل، وبدأ حياته العلمية في آمُل بطبرستان(2)، ثم رحل إلى العراق، ثم الشام ومصر، ثم عاد إلى العراق بعد ستين سنة قضاها في طلب العلم.
سمع من محمد بن حميد الرازي، وإبراهيم المزني، والربيع بن سليمان، ويونس بن عبدالأعلى، وغيرهم.
كان إماماً في السنَّة، وعُدّ من طبقة الترمذي والنسائي، إماماً في الفقه والأصول، حتى كان له مذهبٌ فقهيٌّ مستقلّ وله أتباع، إماماً في التفسير، وكتابه يدلّ على ذلك، إماماً في التاريخ، وكتابه يدل على ذلك، إماماً في اللغة العربية.
كتب تاريخ الأمم والملوك، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، وتهذيب الآثار، واختلاف الفقهاء، وآداب القضاة، ولطيف القول في أحكام الشرائع، والمسند، وغيرها.
كان ورعاً، زاهداً، مترفعاً عن أموال السلطان، راضياً بالقليل من العيش، لم يتزوَّج. توفي سنة 310?.
__________
(1) أما مغازي عروة، وابن إسحاق، فقد تقدم القول فيهما، وأما مغازي الزهري فيقال إنها أول سيرة أٌلِّفت في الإسلام ( السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان بن حمد العودة: 27 )، وقد قررت سابقاً أن مغازي عروة هي أول مغازٍ في الإسلام، ولعلّ هذا القول بمعنى أنه أول من دوَّن السيرة ضمن تدوينه للحديث النبوي الشريف؛ لأن الحديث لم يكن مدوَّناً حينئذٍ. ( تاريخ التراث العربي/د. سزكين: 1 " 2 "/74 ) وقد رويت سيرته مفرَّقة في كتب المغازي والتفسير.
(2) إقليم واسع في شمال إيران، ويحاذيه من الشمال بحر قزوين - بحر الخزر قديماً-.(22/28)
وتفسيره لم يصنَّف مثله، بشهادة النووي، والذهبي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما التفاسير التي بأيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة. وقال السيوطي: أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله(1).
أولاً: مرويات عروة بن الزبير:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة
... البقرة ... 217 ... سرية عبدالله بن جحش ... 4 ... 302
... البقرة ... 218 ... سرية عبدالله بن جحش ... 4 ... 319
... آل عمران ... 125 ... بدر ... 7 ... 188
... آل عمران ... 154 ... أحُد ... 7 ... 319
... آل عمران ... 172 ... حمراء الأسد ... 7 ... 402
403
... المائدة ... 33 ... قصة العرنيين ... 10 ... 248
... المائدة ... 83 ... النجاشي ... 10 ... 508
... الأنفال ... 7 ... بدر ... 6
13
... 236
394 398 399
... الأنفال ... 39 ... بدر ... 13 ... 539
542
... الأنفال ... 41 ... بدر ... 13 ... 561
... الأنفال ... 47 ... بدر ... 13 ... 578 579
... الأنفال ... 48 ... بدر ... 14 ... 8
... التوبة ... 74 ... الرد على الجلاس بن سويد ... 14
... 361
362
368
... التوبة ... 107 ... مسجد الضرار ... 14 ... 472
... التوبة ... 108 ... مسجد قباء ... 14 ... 479
488
... الحجر ... 94- 96 ... استهزاء المنافقين ... 14 ... 48
... النور ... 11 - 22 ... قصة الإفك ... 18 ... 69 - 81
... الأحزاب ... 9 - 27 ... الأحزاب ... 21 ... 82، 83
... الشعراء ... 214 ... الدعوة الجهرية ... 19 ... 72، 75
... الأحزاب ... 5 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 22 ... 17
... الأحزاب ... 59 ... الحجاب ... 22 ... 29
... النجم ... 1، 2 ... ابتداء الوحي ... 27 ... 27
... المجادلة ... 1 ... قصة المجادلة ... 28 ... 5
__________
(1) الإتقان 4/213.(22/29)
... الممتحنة ... 10 ... الامتحان بعد الصلح ... 28 ... 44، 45
... عبس ... 1 ... ابن أم مكتوم ... 30 ... 32
... الضحى ... 1 - 3 ... إبطاء الوحي ... 30 ... 148
... العلق ... 1 - 5 ... ابتداء الوحي ... 30 ... 161
ثانياً: مرويات محمد بن شهاب الزهري:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة
... البقرة ... 217 ... سرية عبدالله بن جحش ... 4 ... 308
... آل عمران ... 121 ... أحُد ... 7 ... 161
162
163
... آل عمران ... 128 ... الدعاء على المشركين ... 7 ... 202
... آل عمران ... 152 ... أحُد ... 7 ... 284
... آل عمران ... 153 ... أحُد ... 7 ... 308
... آل عمران ... 167 ... أحُد ... 7 ... 378
... المائدة ... 83 ... النجاشي ... 10 ... 508
... الأعراف ... 138 ... حنين ... 13 ... 81
... الأنفال ... 7 ... بدر ... 13 ... 394
399
... الأنفال ... 17 ... بدر ... 13 ... 446
... الأنفال ... 19 ... بدر ... 13 ... 451
... الأنفال ... 36 ... أحُد ... 13 ... 532
... الأنفال ... 47 ... بدر ... 13 ... 579
... التوبة ... 2 ... إمهال المشركين ... 14 ... 101
... التوبة ... 25 ... حنين ... 14 ... 182
... التوبة ... 58 ... تبوك ... 14 ... 302
... التوبة ... 49 ... تبوك ... 14 ... 287
... التوبة ... 84 ... الصلاة على المنافقين ... 14 ... 408
... التوبة ... 102 ... تبوك ... 14 ... 452
... التوبة ... 107 ... مسجد الضرار ... 14 ... 468
472
479
... التوبة ... 118 ... تبوك ... 14 ... 547 - 557
... الإسراء ... 1 ... الإسراء ... 15 ... 5
... الإسراء ... 79 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 15 ... 98، 99
... الأحزاب ... 26،27 ... غزوة بني قريظة ... 21 ... 95-98
... الأحزاب ... 28،29 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 21 ... 101(22/30)
... الأحزاب ... 59 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 22 ... 27،29
... الحشر ... 1 - 17 ... بنو النضير ... 28 ... 19
... الممتحنة ... 10 ... امتحان النساء ... 28 ... 44،45
ثالثاً: مرويات ابن إسحاق:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة
... آل عمران ... 124،125 ... بدر ... 7 ... 174
175
176
... آل عمران ... 143 ... أحُد ... 7 ... 250
... آل عمران ... 152 ... أحُد ... 7 ... 285
... آل عمران ... 153 ... أحُد ... 7 ... 311
... آل عمران ... 154 ... أحُد ... 7 ... 323
... آل عمران ... 155 ... أحُد ... 7 ... 329
... آل عمران ... 167 ... أحُد ... 7 ... 379
... آل عمران ... 172 ... حمراء الأسد ... 7 ... 401
... آل عمران ... 173 ... حمراء الأسد ... 7 ... 409
... الأنفال ... 5 ... بدر ... 13 ... 394
... الأنفال ... 11، 12 ... بدر ... 13 ... 426
... الأنفال ... 30 ... بدر ... 13 ... 494
... الأنفال ... 33 ... بدر ... 13 ... 512
... الأنفال ... 47 ... بدر ... 13 ... 579
... الأنفال ... 48 ... بدر ... 14 ... 8
... الأنفال ... 70 ... بدر ... 14 ... 73
... التوبة ... 1 ... إنذار المشركين ... 14 ... 96
... التوبة ... 47 ... تبوك ... 14 ... 281
... التوبة ... 61 ... تبوك ... 14 ... 325
... التوبة ... 74 ... تبوك ... 14 ... 362
... التوبة ... 79 ... تبوك ... 14 ... 387
... التوبة ... 84 ... الصلاة على المنافقين ... 14 ... 408
... التوبة ... 101 ... تبوك ... 14 ... 444
... التوبة ... 106 ... تبوك ... 14 ... 467
... النحل ... 103 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 14 ... 119
... النور ... 12 ... قصة الإفك ... 18 ... 77
... الأحزاب ... 26 ... غزوة بني قريظة ... 21 ... 95
... الأحزاب ... 28 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 21 ... 101(22/31)
... الطور ... 30 ... كيد المشركين ... 27 ... 19
... المجادلة ... 1 - 3 ... الظهار ... 28 ... 5
... الممتحنة ... 10 ... امتحان النساء ... 28 ... 52
النتائج:
1.أن ابن جرير روى عن عروة في (28) موضعاً من تفسيره فيما يتعلق بالسيرة النبوية، خمسة منها فقط هي المذكورة في مغازي عروة المطبوعة، وهذا يعني أن 23 رواية عن عروة في التفسير لم تذكر في الكتاب المطبوع، وهذه إضافة ثمينة إلى مغازي عروة، يُستكمل بها الكتاب.
2.أن ابن جرير أغفل كثيراً مما ذكره ابن إسحاق في سيرته، فلم يروِ عنه شيئاً في سور: البقرة، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، الشعراء، الفرقان، لقمان، الدخان، الحجرات.. وغيرها.
في حين أن جميع ما رواه ابن جرير عن ابن إسحاق من السيرة وارد في سيرة ابن هشام - بعد التتبع -.
ومما يذكر هنا أن ابن جرير يروي عن ابن إسحاق تاريخياً من طريق سلمة بن الفضل الأبرش، وليس من طريق زياد بن عبدالله البكائي وغيره من رواة سيرة ابن إسحاق.
المطلب الثاني: السيرة النبوية في تفسير ابن أبي حاتم:
عبدالرحمن بن محمد بن إدريس الحنظلي، أبو محمد بن أبي حاتم الرازي.
ولد سنة 240? بالريّ، ورحل مع أبيه لطلب العلم، فحصَّل علوّ الإسناد، وتتلمذ على أبي سعيد الأشجّ، والزعفراني، ويونس بن عبدالأعلى، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وابن زنجويه، وإبراهيم المزني، وسعدان، وأبي زرعة، وخلق.
روى عنه ابن عدي، وأبو الشيخ بن حيان، وأبو أحمد الحاكم، وإبراهيم ابن محمد النصرآبادي، وعلي القصار، وغيرهم.
كان بحراً في العلوم، ومعرفة الرجال.
كتب في الجرح والتعديل، والتفسير، والمسند، والزهد، والكنى، والعلل.
زهد في الدنيا، وأكثر العبادة. توفي سنة 327?.(22/32)
وتفسيره من أجلّ التفاسير؛ قال الذهبي: عامَّته آثار بأسانيده، من أحسن التفاسير(1). وقال الزركشي في " البرهان "(2): محمد بن جرير الطبري جمع على الناس أشتات التفاسير، وقرَّب البعيد، وكذلك عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي.
وعدّه الحافظ ابن حجر العسقلاني في الطبقة الأولى بعد ابن جرير الطبري، وابن المنذر(3).
أولاً: مرويات عروة بن الزبير:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء ... الصفحة
... آل عمران ... 154 ... أحد ... القسم الأول/آل عمران ... 617
... آل عمران ... 172 ... حمراء الأسد ... 3 ... 815
... المائدة ... 83 ... وفد النجاشي ... 4 ... 1185
... الأنفال ... 11 ... بدر ... 5 ... 1665
... الأنفال ... 19 ... بدر ... 5 ... 1675
... التوبة ... 40 ... الهجرة ... 6 ... 1799
... التوبة ... 74 ... الرد على الجلاس ابن سويد ... 6 ... 1846
... التوبة ... 107 ... مسجد الضرار ... 6 ... 1880
... النور ... 11 - 22 ... قصة الإفك ... 8 ... 2539-2543 2544 2554
... الأحزاب ... 6 ... التوارث ... 9 ... 3114
... الأحزاب ... 50 ... من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 10 ... 3144
... المجادلة ... 1 ... قصة المجادلة ... 10 ... 3342
... الحشر ... 1 ... غزوة بني النضير ... 10 ... 3345
ثانياً: مرويات محمد بن شهاب الزهري:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة أو الحدث ... الجزء ... الصفحة
... آل عمران ... 128 ... أحد ... القسم الأول آل عمران ... 533
... الأنفال ... 17 ... بدر ... 5 ... 1673
... الأنفال ... 36 ... بدر ... 5 ... 1698
... التوبة ... 1 ... حجة الوداع ... 6 ... 1745
... التوبة ... 40 ... الهجرة ... 6 ... 1799
__________
(1) سير أعلام النبلاء ( 13/263 - 269 ) وطبقات المفسرين للداودي ( 1/285 - 287 ).
(2) البرهان في علوم القرآن ( 2/159 ).
(3) العجاب في بيان الأسباب ( 1/202 ).(22/33)
... التوبة ... 66 ... تبوك ... 6 ... 1831
... التوبة ... 74 ... تبوك ... 6 ... 1843
... التوبة ... 84 ... الصلاة على المنافقين ... 6 ... 1857
... النور ... 11 ... قصة الإفك ... 8 ... 2539
... الأحزاب ... 28 ... تخيير أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ... 9 ... 3127
... الحشر ... 1 ... بنو النضير ... 10 ... 3345
ثالثاً: مرويات ابن إسحاق:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة
... البقرة ... 86 ... الرد على اليهود ... 1 ... 172
... الأنفال ... 30 ... الهجرة ... 5 ... 1686
... الأنفال ... 36 ... بدر ... 5 ... 1699
... الأنفال ... 42 ... بدر ... 5 ... 1707
... الأنفال ... 47 ... بدر ... 5 ... 1713
... الأنفال ... 48 ... بدر ... 5 ... 1715
... الأنفال ... 49 ... بدر ... 5 ... 1716
... التوبة ... 49 ... تبوك ... 6 ... 1809
... التوبة ... 50 ... تبوك ... 6 ... 1810
... التوبة ... 61 ... تبوك ... 6 ... 1826
... التوبة ... 106 ... تبوك ... 6 ... 1878
... التوبة ... 107 ... تبوك ... 6 ... 1879
... الممتحنة ... 10 ... امتحان النساء ... 10 ... 3351
النتائج:
1.أن ابن أبي حاتم روى عن عروة في تفسيره فيما يتعلق بالسيرة النبوية في (13) موضعاً، خمسة منها يوجد في كتاب المغازي لعروة، مما يعني أن هناك روايات لم تذكر في الكتاب المطبوع، وهي إضافة جيدة لكتاب المغازي، كما تقدم في نتائج البحث في تفسير الطبري.
ولعل هذا يدعو الباحثين إلى استكمال النقص في مغازي عروة، ليخرج الكتاب بصورة أقرب إلى وضعه الأصلي.
2.أن جميع ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق مذكور في سيرة ابن هشام، مع أن ابن أبي حاتم أغفل أكثر ما رواه ابن إسحاق في التفسير.(22/34)
ويلاحظ هنا أن ابن أبي حاتم - كابن جرير - يروي عن ابن إسحاق من غير طريق زياد البكائي راوي السيرة، فيروي عن سلمة الأبرش، ويحيى الأموي، ويونس بن بكير، وابن إدريس وغيرهم.
المطلب الثالث: السيرة النبوية في تفسير ابن كثير:
إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء، أبو الفداء القيسي القرشي.
ولد سنة 700? بإحدى قرى بصرى بالشام، ورحل إلى دمشق واستقر بها حتى وفاته سنة 774?.
تلقى العلم عن القاسم بن عساكر، وابن قاضي شهبة، وكمال الدين بن الزملكاني، والقاسم بن محمد البرزالي، وجمال الدين المزِّي، وشمس الدين الذهبي، وغيرهم.
أخذ عنه شهاب الدين بن حجي، ومحمد بن الجزري، ومحمد بن بهادر الزركشي، وغيرهم.
كان فقيهاً، محدِّثاً، مفسِّراً، من قرَّاء القرآن، عالماً بالتاريخ، والتراجم.
صنَّف الأحكام الكبير، والأحكام الصغير، والبداية والنهاية، والمدخل إلى سنن البيهقي، وطبقات الشافعية، وجامع المسانيد والسنن، ومسند عمر، وقصص الأنبياء، وغيرها.
وكتابه في التفسير من أجود التفاسير؛ قال فيه السيوطي: لم يؤلَّف على نمطه مثله، وقال الشوكاني: هو من أحسن التفاسير(1).
ونظراً لأن ابن كثير يعتمد في منهجه تفسير القرآن الكريم جميعاً، دون تحديد آيات معينة، ويفسر الآيات دون إسناد - غالباً - لذا فإن من الطبيعي أن يتناول تفسير كل آيات السيرة النبوية التي سردتها في أول البحث.
وسأبيِّن من خلال جداول الآيات التي تحدثت عن السيرة النبوية، كيفية تناول ابن كثير رحمه الله لها في تفسيره، بمقارنته بكتب التفسير المسندة التي هي مدار بحثنا، وهما كتاب الطبري وابن أبي حاتم، وكتب السيرة النبوية المسندة، كمغازي عروة، وموسى بن عقبة، والأموي، والواقدي، وسيرة ابن إسحاق، وسيرة ابن هشام، والدلائل للبيهقي وأبي نعيم:
أولاً: السيرة الذاتية:
السورة ... الآيات القرآنية ... الموضوع ... تفسير ابن كثير
__________
(1) ابن كثير الدمشقي للدكتور محمد الزحيلي.(22/35)
... البقرة ... 151 ... عشيرته ... لم يفسِّرها
... آل عمران ... 164 ... عشيرته ... فسَّرها بغير
العشيرة
... الأعراف ... 157، 158 ... أمِّيَّته ... لم يفسِّرها
... يونس ... 2 ... بشريته ... فسَّرها
... الرعد ... 37 ... عربيته ... فسَّرها
... إبراهيم ... 4 ... عربيته ... فسَّرها
... النحل ... 103 ... عربيته ... فسَّرها عن الزهري وابن إسحاق والطبري
... الإسراء ... 93 ... بشريَّته ... لم يفسِّرها
... الكهف ... 110 ... بشريته ... لم يفسِّرها
... النور ... 11 - 16، 22 - 26 ... قصة الإفك ... فسَّرها عن الزهري وابن إسحاق، والواقدي، والطبري، وابن أبي حاتم
... الشعراء ... 195 ... عربيته ... فسَّرها عن ابن أبي حاتم
... الشعراء ... 214 ... عشيرته ... فسَّرها عن ابن إسحاق
... العنكبوت ... 48 ... أمِّيَّته ... فسَّرها
... الأحزاب ... 6، 28 - 34، 37، 38، 50 - 55، 59 ... أزواجه ... فسَّرها عن الزهري، وابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم
... الأحزاب ... 40 ... أبوَّته ... فسَّرها
... < ... 69 ... عدم قوله الشعر ... فسَّرها عن
السهيلي
... ! ... 4 ... عشيرته ... فسَّرها بالبشرية
... الزمر ... 28 ... عربيته ... فسَّرها
... الشورى ... 7 ... عربيته ... لم يفسِّرها
... الشورى ... 23 ... عشيرته ... فسَّرها عن الطبري، وابن أبي حاتم
... الأحقاف ... 29 - 32 ... دعوته الجن ... فسَّرها عن ابن إسحاق، والطبري، والبيهقي في الدلائل، وأبي نعيم في الدلائل
... ! ... 2 ... عشيرته ... فسَّرها بالبشرية
... الجمعة ... 2 ... أمِّيَّته ... فسَّرها بالعربية
... التحريم ... 1 - 5 ... تعامله مع أزواجه ... فسَّرها عن الزهري، والطبري، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم في الدلائل
... الجن ... 1 - 17 ... دعوته الجن ... فسَّرها عن ابن أبي حاتم
... الضحى ... 6 ... يُتمه ... فسَّرها(22/36)
... المسد ... 1 - 5 ... عمه أبو لهب وزوجته ... فسَّرها
ثانياً: النبوة والرسالة:
السورة ... الآيات القرآنية ... الموضوع ... تفسير ابن كثير
... البقرة ... 118 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري
... البقرة ... 119 ... إثبات رسالته ... فسرها عن ابن أبي حاتم والطبري
... آل عمران ... 81 ... إثبات رسالته ... فسرها عن ابن إسحاق
... آل عمران ... 164 ... إثبات رسالته ... فسرها
... النساء ... 61 ... أذى المنافقين ... فسرها
... النساء ... 79 ... إثبات رسالته ... فسرها
... النساء ... 166 ... إثبات رسالته ... فسرها عن ابن إسحاق وابن أبي حاتم
... النساء ... 170 ... إثبات رسالته ... فسرها
... المائدة ... 15 ... إثبات رسالته ... فسرها
... المائدة ... 19 ... إثبات رسالته ... فسرها
... المائدة ... 41 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري والطبري وابن أبي حاتم
... الأنعام ... 8 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الأنعام ... 25، 26 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم
... الأنعام ... 33 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الزهري وابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم
... الأنعام ... 35 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأنعام ... 37 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الأنعام ... 57 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأنعام ... 66 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأنعام ... 105 ... اتهامه بالتعلم من غيره ... فسرها عن الطبري
... الأنعام ... 109 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن الطبري
... الأنعام ... 111 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الأنعام ... 148 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأنعام ... 150 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأعراف ... 158 ... إثبات رسالته ... فسرها
... الأعراف ... 203 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن الطبري
... التوبة ... 33 ... إثبات رسالته ... فسرها(22/37)
... التوبة ... 58 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري
... التوبة ... 61 ... أذى المنافقين ... فسرها
... التوبة ... 74 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري وعروة وموسى بن عقبة والزبير بن بكار والطبري والأموي في مغازيه والبيهقي في الدلائل
... يونس ... 15 ... تكذيب قريش ... فسرها
... يونس ... 20 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... يونس ... 39 ... تكذيب قريش ... فسرها
... يونس ... 41 ... تكذيب قريش ... فسرها
... هود ... 12 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الرعد ... 7 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم
... الرعد ... 27 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الرعد ... 43 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وأبي نعيم في الدلائل
... الحجر ... 7 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الحجر ... 94 ... الجهر بالدعوة ... فسرها عن عروة وابن إسحاق
... النحل ... 103 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري
... النحل ... 113 ... تكذيب قريش ... لم يفسرها
... الإسراء ... 90 - 93 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري
... طه ... 133 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... الأنبياء ... 2، 6 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن أبي حاتم
... الأنبياء ... 5 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... النور ... 11 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري وعروة وابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم
... الفرقان ... 4 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الفرقان ... 7، 8 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... القصص ... 48 ... تكذيب قريش ... فسرها
... العنكبوت ... 50 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
... السجدة ... 3 ... تكذيب قريش ... فسرها
... سبأ ... 7، 8 ... تكذيب قريش ... فسرها
... سبأ ... 43 ... تكذيب قريش ... فسرها
... سبأ ... 53 ... تكذيب قريش ... فسرها(22/38)
... فاطر ... 4 ... تكذيب قريش ... فسرها
... فاطر ... 42 ... تكذيب قريش ... فسرها
... < ... 3 ... إثبات رسالته ... فسرها
... الصافات ... 12 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الصافات ... 36 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الصافات ... 170 ... تكذيب قريش ... فسرها
... ! ... 4 - 8 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم
... ! ... 68 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الزمر ... 64 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن أبي حاتم
... فصِّلت ... 4، 5 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن إسحاق
... الشورى ... 13 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الشورى ... 24 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الشورى ... 51 ... صور الوحي ... فسرها
... الزخرف ... 24 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الزخرف ... 30 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الزخرف ... 57، 58 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم
... الزخرف ... 88 ... تكذيب قريش ... فسرها عن
الطبري
... الدخان ... 14 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأحقاف ... 7، 8 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الأحقاف ... 10 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم
... الأحقاف ... 29 - 32 ... دعوته الجن ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم
وأبي نعيم في الدلائل والبيهقي في الدلائل
... محمد ... 2 ... إثبات رسالته ... فسرها
... الفتح ... 28 ... إثبات رسالته ... فسرها
... ! ... 2 ... تكذيب قريش ... فسرها
... الطور ... 30 - 43 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الزهري وابن إسحاق
... النجم ... 5 - 18 ... الوحي ... فسرها عن ابن إسحاق
والطبري وابن أبي حاتم
... القمر ... 2، 3 ... تكذيب قريش ... فسرها
... المنافقون ... 8 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري وعاصم بن عمر وعروة وموسى بن عقبة في المغاري وابن إسحاق والبيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم(22/39)
... القلم ... 8 ... تكذيب قريش ... لم يفسرها
... المعارج ... 36، 37 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري
... الجن ... 1 - 17 ... دعوته الجن ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم
... المزمل ... 5 ... شدَّة الوحي ... فسرها عن عروة والطبري
... المدثر ... 53 ... تكذيب قريش ... فسرها
... عبس ... 5، 6 ... تكذيب قريش ... فسرهاعن عروة والطبري وابن أبي حاتم
... التكوير ... 23 ... الوحي ... فسرها
... البينة ... 1 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها
ثالثاً: الغزوات والسرايا:
السورة ... الآيات القرآنية ... الغزوة أو السرية ... تفسير ابن كثير
... البقرة ... 217 ... سرية عبدالله بن جحش ... فسرها عن عروة، وابن إسحاق، وابن هشام، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل
... آل عمران ... 121، 122، 140، 152 - 155، 165 - 168 ... أحُد ... فسرها عن عروة، والواقدي، وابن إسحاق، والطبري، والبيهقي في الدلائل
... آل عمران ... 13، 123 - 128 ... بدر ... فسرها عن عروة، وابن إسحاق، والطبري
... آل عمران ... 172 - 175 ... حمراء الأسد ... فسرها عن ابن إسحاق، وابن أبي حاتم
... المائدة ... 11 ... ذات الرقاع، بنو النضير ... فسرها عن الزهري، وابن إسحاق
... الأنفال ... 1 - 14، 36 - 44، 47 - 51، 67 - 71 ... بدر ... فسرها عن عروة والزهري، والواقدي، والأموي في مغازيه، وابن إسحاق، والطبري
... الأنفال ... 30 ... الهجرة ... فسرها عن عروة، وابن إسحاق
... التوبة ... 1 - 3 ... حجة الوداع ... فسرها عن الزهري، وابن إسحاق، والطبري
... التوبة ... 25 - 27 ... حنين ... فسرها عن ابن إسحاق، والطبري
... التوبة ... 40 ... الهجرة ... فسرها
... التوبة ... 41 - 66، 81 - 83، 90 - 96، 117 - 121 ... تبوك ... فسرها عن الزهري، وابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم
... القصص ... 85 ... الهجرة ... فسرها عن ابن أبي حاتم(22/40)
... الأحزاب ... 9 - 25 ... الأحزاب ... فسرها عن ابن إسحاق، والسهيلي
... الأحزاب ... 26، 27 ... بنو قريظة ... فسرها
... محمد ... 13 ... الهجرة ... فسرها عن ابن أبي حاتم
... الفتح ... 1 - 23 ... صلح الحديبية ... فسرها عن ابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم،
وابن هشام، والبيهقي
... الفتح ... 15 ... خيبر ... فسرها
... الفتح ... 24 - 27 ... فتح مكة ... فسرها عن عروة، والزهري، وابن إسحاق، والطبري
... القمر ... 45 ... بدر ... فسرها عن ابن أبي حاتم
... الحشر ... 2-6،11-14 ... بنو النضير ... فسرها عن الزهري، وعروة، وابن إسحاق،
وابن أبي حاتم، والبيهقي
... الممتحنة ... 1 - 9 ... فتح مكة ... فسرها عن عروة
رابعاً: الشمائل:
السورة ... الآية ... الموضوع ... تفسير ابن كثير
... آل عمران ... 153 ... ثباته في القتال ... فسرها
... المائدة ... 15 ... نوره ... لم يفسرها
... التوبة ... 128 ... رحمته ... لم يفسرها
... الأنبياء ... 107 ... رحمته ... فسرها
... الأحزاب ... 46 ... نوره ... فسرها
... الأحزاب ... 53 ... حياؤه ... فسرها
... الزمر ... 33 ... صدقه ... فسرها
... التكوير ... 22 ... عقله ... لم يفسرها
... القلم ... 4 ... خُلُقه العظيم ... فسرها
خامساً: الخصائص:
فسَّرها جميعاً عدا آيتي آل عمران(144) في ختم الرسالات به - صلى الله عليه وسلم -، والأنعام(90) في عموم رسالته.
النتائج:
من خلال العرض نستنتج أن ابن كثير رحمه الله يتعامل مع آيات السيرة النبوية على ضوء المنهج التالي:
أولاً: فسَّر ابن كثير أغلب آيات السيرة النبوية.(22/41)
ثانياً: يعتمد ابن كثير في تفسير آيات السيرة النبوية على المصادر الأصلية المسندة، من كتب السِّيَر والمغازي، إضافةً لكتب السنة كالصحيحين، وكتب السنن(1).
وغالباً ما يرجِّح قول ابن إسحاق عند الاختلاف بين أهل السير والمغازي(2).
ثالثاً: يغفل ابن كثير ذكر المصادر الأصلية أحياناً، وينقل اختياره في تفسير الآيات مجملاً، وهو ما أشرت إليه في قولي " فسَّرها " أي أنه لم يذكر مصادره من كتب السنن، أو السيرة، أو كتب التفسير المتقدمة.
ولعل هذا في المواضع التي يرى أنها لا تحتاج إلى مزيد توثيق، أو أن المفسرين متفقون على معناها.
المبحث الثالث: مقارنة بين كتب السيرة النبوية وكتب التفسير
مدخل:
بعد استعراض تناول كتب التفسير، وكتب السير والمغازي للسيرة النبوية، يحسن أن نقوم بالمقارنة بينهما، حتى نقف على مقدار خدمة كلٍّ من النوعين للسيرة النبوية، ونتوصَّل إلى مجالٍ جديد للاستفادة منهما، بالنظر إلى اختصاص كلٍّ في مجاله.
فإذا كانت كتب التفسير تخدم السيرة النبوية في تفسير الآيات، وتوثيق بعض الروايات، وتكميل الناقص منها، فإن كتب المغازي والسير تضيف أحداثاً لا توجد في كتب التفسير، وربما أسهمت في إيضاح معنى الآية القرآنية.
المطلب الأول: الناحية التوثيقية:
الفرع الأول: كتب السيرة:
نلاحظ من خلال استقراء كتب السيرة الأصلية أنها تعتمد على المراسيل في رواياتها، كما يلي:
أولاً: عروة بن الزبير في مغازيه لا يسند الأخبار، وإنما يرويها هو، وبالتالي روايته مرسلة؛ لأنه تابعي لم يدرك الوقائع.
__________
(1) فسَّر الآيات التالية من السيرة عن كتب السنن: الشعراء ( 11 )، الشورى ( 23 )، <( 69 )، القمر ( 45 )، الأحزاب ( 26 )، الأنبياء ( 107 ).
(2) كما في المواضع التالية ( 1/350، 2/288، 289، 292، 302، 357، 3/477، 4/163 ).(22/42)
ولكن ليس بالضرورة أن روايته ضعيفة؛ وذلك لما قدَّمتُ من أن المرسل يتقوَّى بغيره(1).
ثانياً: محمد بن إسحاق في سيرته: يروي أكثر أخباره مقطوعة دون إسناد، فيحكي الأحداث بصياغته الخاصة، ويؤلفها مما سمعه وعلمه من شيوخه، وأحياناً يروي عن مجاهيل، كبعض أهل العلم(2)، وبعض أهل عمر(3)، أو بعض أهل عباس بن عبدالله(4)، أو بعض أهل عامر بن عبدالله بن الزبير(5)، أو رجال من قوم عاصم بن عمر بن قتادة(6)، أو شيخ من قريظة(7)، أو نفر من الأنصار(8)، أو من لا أتَّهم(9)، أو رجل من أسلم(10)، أو يقول: حدِّثتُ(11)، أو ذُكِر لي(12).
وأحياناً يروي عن التابعين كالزهري(13)، وعروة(14)، وعطاء، ومجاهد(15)، وخالد بن معدان(16)، ومحمد بن علي بن الحسين(17)، ومحمد بن كعب القرظي(18)، وعبيد بن عمير(19)، وعباد بن عبدالله بن الزبير(20)، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم(21).
وأحياناً يروي عن الصحابة رضي الله عنهم كأم المؤمنين عائشة(22)، وأم
سلمة(23)، وابن عباس(24)، وابن عمر(25)، وابن عمرو بن العاص(26)، وأسماء(27)، وجبير بن مطعم(28)، وسلمة بن سلامة بن وقش(29)، وسلمان الفارسي(30) رضي الله عنهم.
__________
(1) راجع الحديث عن مغازي عروة وابن إسحاق وقيمتهما العلمية. في ص 23-24 و27-29.
(2) 1/154، 192، 217، 227، 229، 299 ).
(3) 1/299 ).
(4) 1/156 ).
(5) 1/278 ).
(6) 1/195 ).
(7) 1/196 ).
(8) 1/191 ).
(9) 1/194 ).
(10) 1/260 ).
(11) 1/181، 271، 2/3 ).
(12) 2/4، 6 ).
(13) 1/275 ).
(14) 1/275 ).
(15) 1/297 ).
(16) 1/153 ).
(17) 1/206، 224، 293 ).
(18) 1/261 ).
(19) 1/218 ).
(20) 1/164 ).
(21) 1/155 ).
(22) 1/227 ).
(23) 1/289 ).
(24) 1/279 ).
(25) 1/298 ).
(26) 1/259 ).
(27) 1/208 ).
(28) 1/188 ).
(29) 1/196 ).
(30) 1/198 ).(22/43)
ثالثاً: الواقدي في مغازيه: لا يختلف الواقدي عن سابقيه في روايته للسيرة؛ ذلك أنه يروي مغازيه عمن دون التابعين، فقال - مثلاً - في أول كتابه " حدثني عمر بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن عبدالله بن مسلم، وموسى بن يعقوب بن عبدالله بن وهب بن زمعة، وعبدالله بن جعفر بن عبدالرحمن بن المسوَر بن مخرَمة، وأبو بكر بن عبدالله بن محمد بن أبي سبرة، وسعيد بن عثمان بن عبدالرحمن بن عبدالله التيمي، ويونس بن محمد الظفري، وعائذ بن يحيى، ومحمد بن عمرو، ومعاذ بن محمد الأنصاري، ويحيى بن عبدالله بن أبي قتادة، وعبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عثمان بن حنيف، وابن أبي حبيبة، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، وعبدالحميد بن جعفر، ومحمد ابن صالح بن دينار، وعبدالرحمن بن محمد بن أبي بكر، ويعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، وعبدالرحمن بن أبي الزناد، وأبو معشر، ومالك بن أبي الرجال، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وعبدالحميد بن عمران بن أبي أنس، وعبدالحميد بن أبي عبس، فكلٌّ قد حدَّثني من هذا بطائفة، وبعضهم أوعى لحديثه من بعض، وغيرهم قد حدَّثني أيضاً(1)، فكتبتُ كل الذي حدَّثوني، قالوا... إلخ"(2).
ثم يسير في الكتاب كله في الرواية عن هؤلاء، فيقول في بداية فقرات الكتاب " قالوا:.. كذا "
وواضحٌ أن هؤلاء الذين تلقى عنهم الواقدي ليسوا من التابعين، وإنما ممن تلقى عن التابعين، فالرواية مقطوعة.
__________
(1) هنا مجاهيل لم يذكرهم.
(2) المغازي ( 1/1، 2 ).(22/44)
ولكنه يضمِّن الرواية الكلِّية المسترسلة عمّن سبق، روايات بإسناده إلى التابعين رحمهم الله، كما روى عن سعيد بن المسيب(1)، والزهري(2)، وعروة(3)، وزيد بن علي(4)، ومحمد بن كعب القرظي(5)، وعاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان(6).
ويسند كذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، كما روى عن سعد بن أبي وقاص(7)، والمقداد بن عمرو(8)، وأبي بردة بن نيار(9)، ورفاعة بن رافع(10)، وحكيم بن حزام(11)، ومخرمة بن نوفل(12)، وعمرو بن عوف المزني(13)، والمسور ابن مخرمة(14)، وابن عباس(15)، وخفاف بن إيماء(16)، وجابر(17)، وعبدالرحمن بن عوف(18)، والربيع بنت معوِّذ(19) رضي الله عنهم.
وتشترك هذه الكتب الثلاث في الحرص على توثيق الروايات عن الصحابة والتابعين ومن دونهم، خصوصاً ممن شهد الحادثة، أو سمع ممن شهدها، وقد تختلف فيما بينها في بعض التفاصيل، ولكن إذا اتفقت أعطاها ذلك قوَّةً وثقة.
فإذا أضيف إلى ذلك مكانة أولئك المؤلفين في علم السيرة، وإحاطتهم بها، يتحصل لدينا أن كتاباتهم لها قيمة كبيرة في توثيق روايات السيرة النبوية.
الفرع الثاني: كتب التفسير:
يلاحظ أن كتب التفسير الأصلية تعتمد على الإسناد في رواياتها، سواء فيما يتعلق بآيات السيرة النبوية، أو غيرها.
وبذلك فإن جميع روايات كتابي ابن جرير وابن أبي حاتم مسندة عن الصحابة والتابعين، على التفصيل التالي:
أولاً: تفسير الطبري:
__________
(1) 1/10، 11، 46، 60، 103 ).
(2) 1/15، 91 ).
(3) 1/18، 56، 63 ).
(4) 1/72 ).
(5) 1/73 ).
(6) 1/58، 59، 63 ).
(7) 1/11، 16، 26، 49، 105 ).
(8) 1/15، 27 ).
(9) 1/18 ).
(10) 1/25، 75، 84 ).
(11) 1/34، 65، 80 ).
(12) 1/28 ).
(13) 1/40 ).
(14) 1/42 ).
(15) 1/54، 70 ).
(16) 1/60 ).
(17) 1/87 ).
(18) 1/88 ).
(19) 1/89 ).(22/45)
إذا أخذنا مثالاً من تفسير الطبري في آيات سورة الأنفال المتحدثة عن غزوة بدر، وآيات سورة التوبة المتحدثة عن غزوة تبوك، نجد أغلب مروياته عن ابن عباس رضي الله عنهما(1)، ويروي كذلك عن سعد بن أبي وقاص(2)، وأبي أسيد(3)، وأبي أيوب الأنصاري(4)، وعمر(5)، وعلي(6)، وابن مسعود(7)، وكعب بن مالك(8) رضي الله عنهم.
ويروي كذلك عن التابعين كيزيد بن رومان، والزهري، وعاصم بن عمر ابن قتادة، وعروة مجتمعين(9)، وعن عروة وحده(10)، والسُّدِّي(11)، وعبدالرحمن ابن زيد(12)، وسعيد بن المسيب(13)، والضحاك(14)، ومجاهد(15)، ومحمد بن كعب القرظي(16)، وقتادة(17)، وابن إسحاق(18).
ومنهجه في تفسير الآيات المتحدثة عن السيرة في السور الأخرى مثل ذلك.
ثانياً: تفسير ابن أبي حاتم الرازي:
__________
(1) 13/367، 368، 378، 394، 395، 403، 410، 423، 424، 425، 14/59، 63، 73، 74، 76، 363، 400، 404، 426، 470، 541، 542 ).
(2) 13/372، 373 ).
(3) 13/374 ).
(4) 13/405، 406 ).
(5) 13/409 ).
(6) 13/417، 422 ).
(7) 13/572، 14/61 ).
(8) 14/427، 547 ).
(9) 13/394، 399، 579، 14/468 ).
(10) 13/398، 561، 578، 14/468 ).
(11) 13/402، 411، 424، 573 ).
(12) 13/405، 14/473 ).
(13) 13/423 ).
(14) 13/426، 581 ).
(15) 13/564 ).
(16) 13/581، 14/335، 400، 423 ).
(17) 13/580، 14/76، 334، 364، 473، 541، 546 ).
(18) 13/395، 397، 411، 426، 579، 14/362، 400 ).(22/46)
يتفق ابن أبي حاتم مع الطبري في أن أغلب مروياته في سورتي الأنفال، والتوبة - كمثال - عن ابن عباس رضي الله عنهما(1)، ويروي كذلك عن سعد بن أبي وقاص(2)، وعمر(3)، وأبي أيوب(4)، وحكيم بن حزام(5)، وابن مسعود(6)، وأبي هريرة(7)، وعبادة بن الصامت(8)،وابن عمر(9)، وكعب بن مالك(10)، وأنس(11) رضي الله عنهم.
ومن التابعين عن مكحول(12)، وقتادة(13)، والزهري(14)، وسعيد بن المسيب(15)، وعروة(16)، ومجاهد(17)، والربيع(18)، وابن إسحاق(19)، وهشام بن عروة(20)، وعباد بن عبدالله بن الزبير(21)، وعبدالرحمن بن زيد(22)، والسدِّي(23)، والضحاك(24).
هذا إضافةً إلى أنهما يسندان تفسير الآيات من الناحية اللغوية عمن سبق كذلك، وليس من الناحية التاريخية فحسب.
وبذلك فإن كتب التفسير الأصلية تتميز عن كتب السيرة بأنها أكثر توثيقاً؛ لما يلي:
1.أن أغلب رواياتها عن الصحابة رضي الله عنهم، ورواية كتب السيرة أغلب رواياتها عن التابعين.
2.ليس في كتب التفسير الأصلية - في آيات السيرة النبوية - روايةٌ عن مجاهيل، بخلاف كتب السيرة التي يوجد فيها ذلك.
__________
(1) 5/1649، 1660، 1667، 1673، 1706، 1732، 1734، 1737، 6/1843، 1850، 1853، 1863، 1872، 1878، 1879، 1880 ).
(2) 5/1649، 1650 ).
(3) 5/1662، 1663، 1730 ).
(4) 5/1659، 1660، 1661 ).
(5) 5/1672 ).
(6) 5/1710، 1731 ).
(7) 5/1736 ).
(8) 5/1653 ).
(9) 6/1829، 1830 ).
(10) 6/1829، 1899 ).
(11) 6/1850 ).
(12) 5/1654 ).
(13) 5/1661، 1665، 1667، 6/1830، 1843، 1899، 1904 ).
(14) 5/1664، 1667 ).
(15) 5/1665، 1673 ).
(16) 5/1665، 1666، 6/1844، 1846، 1880 ).
(17) 5/1665، 6/1845، 1850 ).
(18) 5/1668 ).
(19) 5/1707، 1710 ).
(20) 5/1708 ).
(21) 5/1707، 1708، 1710 ).
(22) 5/1735، 6/1852 ).
(23) 6/1864، 1865 ).
(24) 6/1879 ).(22/47)
3.كتب التفسير تروي عن رواة المغازي كلهم كعروة، وابن إسحاق، والواقدي وغيرهم، في حين لا تروي كتب السيرة عن المفسِّرين، فنجد أن عروة، وابن إسحاق، والواقدي يفسِّرون الآيات دون إسنادها إلى المفسِّرين كابن عباس، أو تلاميذه، أو غيرهم.
المطلب الثاني: الناحية الموضوعية:
تختلف كتب التفسير عن كتب السيرة من الناحية الموضوعية في أمرين:
الأول: أن كتب المغازي والسيرة النبوية تهتمّ بالسيرة دون غيرها، وكذلك تتضمن تفسير الآيات المتعلقة بالسيرة النبوية، في حين أن كتب التفسير تهتمّ بتفسير الآيات المتعلقة بالسيرة وغيرها.
فنجد في كتب السير والمغازي الحديث عن نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآبائه، وتجارته، والهجرة إلى الحبشة، وغزوة بدر الأولى، ومؤتة، والطائف، ودومة الجندل، وذات السلاسل، وغيرها مما لم يُذكر في القرآن الكريم.
الثاني: ما يقابل ذلك، وهو أن كتب السيرة تتحدث عن التفاصيل المتعلقة بالغزوات والأحداث التي ذكرت في القرآن الكريم، لأن غرض كتب السيرة توثيق الأحداث والوقائع. في حين أن كتب التفسير تهتمّ بما ورد ذكره في القرآن الكريم عن تلك الغزوة، دون التفاصيل التاريخية الخارجة عن ذلك.
فإذا كان القرآن الكريم قد ذكر غزوة بدر الكبرى، وأشار إلى بعض أحداثها، فإنه لم يذكر كثيراً من تفصيلاتها، كعدد المسلمين والمشركين، وتحسُّس النبي - صلى الله عليه وسلم - الأخبار عن قريش قبل الغزوة، واستشارة الصحابة، وإلقاء المشركين في القليب.(22/48)
قال يوسف هوروفيتس " هناك تشابه ملحوظ بين الكتابة في السيرة العطرة وبين كتابات التفسير، ولكن على الرغم من التشابه بينهما، إلا أن هناك فرقاً مهماً بين هذين النوعين من الكتابة، ذلك أن أدب السيرة يمثل الروايات المفردة للحوادث المعروضة بشكل تسلسل زمني، على حين أن كتابات التفسير تعرض هذه الحوادث على شكل تعليقات وشروح على آيات القرآن الكريم حسب ورودها "(1).
وهذا راجعٌ إلى منهج القرآن الكريم في قصصه - والسيرة النبوية من القصص القرآني - حيث إنه لا يذكر التفصيلات التي لا تفيد في القصة؛ لأن غرض القرآن الكريم ليس السَّرد القصصي، وإنما العبر والفوائد التي تخدم الهدف الأساسي للقرآن الكريم، وهو تعريف الخلق بخالقهم الكريم، وربطهم به(2).
وقد يوجد في بعض التفاسير المتأخرة استطرادٌ فيما يتعلق بالسيرة النبوية، ولو لم يكن في القرآن الكريم، ولكن لا نجد ذلك في التفاسير المسندة، وأيضاً: فإن هذا الاستطراد مصدره غالباً كتب السير والمغازي.
وعندما نطبِّق المقارنة الموضوعية على المصادر محلّ الدراسة، فإننا نجد الملاحظات التالية:
__________
(1) الثقافة الإسلامية ( 1/535 ) نقلاً عن: مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة ( 23 ).
(2) في ظلال القرآن/سيد قطب ( 1/55 ) والقصص القرآني: إيحاؤه ونفحاته/د. فضل حسن عباس (21) ودراسات تاريخية من القرآن الكريم/د. محمد بيومي مهران ( 39، 40 ).(22/49)
الأولى: أن كتب السيرة تتفاوت فيما بينها في نقل بعض الروايات التي وردت فيها آياتٌ من القرآن الكريم(1) فنجد مغازي عروة نقلت نزول الآيات في قصة الغرانيق، وبئر معونة، ولم ينقلها المصدران الآخران.
ونجد مغازي الواقدي نقلت نزول الآيات في خيبر، وسرية أبي قتادة، وحنين، والوفود، وبعث الوليد، في حين لم ينقلها المصدران الآخران.
ونجد ابن إسحاق نقل روايات كثيرة في نزول آيات من القرآن لم تنقل في المصدرين الآخرين، كبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنّ، وميثاق الأنبياء، وفترة الوحي، والرد على المشركين، والرد على اليهود، وتحويل القبلة، ونصارى نجران، والهجرة، وغير ذلك.
الثانية: أن كتب التفسير تتفاوت فيما بينها كذلك في نقل بعض الروايات التاريخية عن رواة السيرة(2)، فبينما روى ابن أبي حاتم خبر الهجرة، وتخيير أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحجة الوداع عن رواة السيرة لم يروِها الطبري عنهم.
وكان نصيب الطبري أكثر في هذا الجانب؛ حيث روى عن رواة السيرة خبر سرية عبدالله بن جحش، وخبر العرنيين، ومسجد قباء، والأحزاب، والمجادلة، وحنين، والإسراء، والظهار، وبني قريظة، وابتداء الوحي، وفترة الوحي، ولم يروها ابن أبي حاتم عنهم.
__________
(1) كان منهج الدراسة الإشارة إلى المواضع التي وردت في كتب السيرة مما استشهد فيها الكاتب بآيات من القرآن الكريم، أما الروايات التي لم تنزل فيها آيات من القرآن الكريم، فلم ترِد في الدراسة، وبالتالي فليس من موضوع الدراسة المقارنة بينها.
(2) كان منهج الدراسة نقل الروايات التي رواها الطبري وابن أبي حاتم عن رواة السيرة فحسب دون غيرهم، وهم عروة، والزهري، وابن إسحاق، لذا فالمقارنة بين التفسيرين ستكون بحسب هذا المنهج، دون جميع ما روياه في السيرة النبوية.(22/50)
الثالثة: أن كتب التفسير تمتاز عن كتب السيرة بأنها تروي ما يتعلق بخصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحياته الخاصة، ودعوته، مما لا نجده في كتب السيرة محل الدراسة.
المطلب الثالث: الناحية التاريخية:
تتفق كتب التفسير، وكتب المغازي والسيرة بأن الكتابة فيهما بدأت في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ فكما أن التفسير كان يكتب على يد الصحابة رضي الله عنهم، كذلك المغازي كان يكتبها بعض الصحابة، كما نقل ذلك المؤرِّخون.
ومن أوائل مَن كتب التفسير من الصحابة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ومن التابعين مجاهد، وسعيد بن جبير رحمهما الله(1).
ومن أوائل مَن كتب المغازي من الصحابة العلاء بن الحضرمي، وسهل ابن أبي حثمة رضي الله عنهما، ومن التابعين سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي، وأبان بن عثمان، وعروة بن الزبير رحمهم الله(2).
وإذا أردنا تطبيق المقارنة التاريخية على الكتب محلّ الدراسة، نجد أن كتب السيرة متقدمة عن كتب التفسير في التأليف، وذلك بالنظر إلى وفيات المؤلفين، فعروة، وابن إسحاق، والواقدي ـ ووفياتهم على الترتيب(94?، 150?، 207?) ـ أسبق من الطبري(توفي 310? )، وابن أبي حاتم(توفي 327? ).
وهذا لا يعني شيئاً كثيراً؛ ذلك أن هناك من المؤلفين الأقدمين في التفسير من لم تصل إلينا كتبهم، فلم نطَّلع على ما رووه في السيرة النبوية، فالمقارنة التاريخية تظلّ قاصرةً لهذا السبب.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد:
__________
(1) تاريخ التراث العربي ( 1 " 1 "/58، 59 ).
(2) تاريخ التراث العربي ( 1 " 2 "/20، 22، 65، 66 ) ومقدمة مغازي عروة بن الزبير ( 27 ).(22/51)
فليس من الغريب أن يسترسل بنا البحث لبيان الرابط والعلاقة بين علمي تفسير القرآن الكريم، والسيرة النبوية، حيث يخدم كلٌّ منهما الآخر، ويسدّ نقصه، وهذا يدعو إلى النظر في أوجه التكامل بين العلمين، وطرح مشروعٍ جديد لزوجية النظرة عند التطرق إلى مواطن العلاقة بينهما، بحيث ينظر المفسِّر في المصادر التاريخية عند تفسير آيات السيرة النبوية، وينظر المؤرِّخ في تفسير القرآن الكريم عند الحديث عن السيرة النبوية الشريفة.
وهذا البحث يفتح الباب لمثل ذلك المشروع الضخم، و يبقى للبحث تكملة في وضع الضوابط، وتأصيل الفكرة، وتحديد الكتب الخادمة لذلك من كتب السيرة الأصلية، وكتب التفسير بالمأثور.
وقد تبين لنا من خلال البحث النقاط المشتركة بين كتب التفسير وكتب السيرة، من الاستشهاد بالآيات القرآنية، والاعتماد على روايات المؤرخين الأقدمين من السلف الصالح، والاهتمام بهذه الفترة التاريخية من التاريخ الإسلامي.
وفي خاتمة البحث أودّ أن أقدِّم مقترحاتٍ للباحثين في هذا المجال، لعلها تسهم في إثراء المكتبة القرآنية والتاريخية على حدٍّ سواء:
أولاً: أن تستقصى أقوال ابن إسحاق، والواقدي في تفسير القرآن الكريم، من خلال سيرتهما، وغيرهما، ليخرج بذلك تفسيران للقرآن الكريم، من أقدم التفاسير القرآنية، ويوجد من ذلك مقدار كثيرٌ مبارك.
ثانياً: أن يستكمل النقص في سيرة ابن إسحاق من خلال تفسيري الطبري وابن أبي حاتم الرازي وغيرهما من كتب التفسير بالمأثور.
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يكتب الأجر والمثوبة لمن كان سبباً في إعداده، وهو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى إخوانه المرسلين، وآله الطيبين ، وأصحابه النجباء الميامين، والحمد لله رب العالمين،،،،
المصادر والمراجع(22/52)
1)ابن كثير الدمشقي، د. محمد الزحيلي، دار القلم، ط الأولى 1415?.
2)الإتقان في علوم القرآن للسيوطي(ت 911?)، تعليق د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، ط الأولى 1407?.
3)أصول التفسير وقواعده، خالد عبدالرحمن العك، ط الثانية 1406?
4)إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم محمد بن أبي بكر عبدالله، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الباز، دون تأريخ.
5)الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش أبي جعفر أحمد بن علي (ت 540?)، تحقيق د. عبدالمجيد قطامش، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط الأولى 1403?.
6)الإمام الطبري، د. محمد الزحيلي، دار القلم، ط الأولى 1410?.
7)البداية والنهاية لابن كثير إسماعيل بن كثير القرشي(ت774?)، مكتبة المعارف، ط الثانية 1977 م.
8)البرهان في علوم القرآن للزركشي محمد بن بهادر(ت 794?)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط الثالثة 1400? تصوير عن الطبعة الأولى 1376?.
9)تاريخ التراث العربي للدكتور فؤاد سزكين، تعريب د. محمود فهمي حجازي ومراجعة د. عرفة مصطفى ود. سعيد عبدالرحيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1403?.
10)تاريخ بغداد للخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت(ت 463?)، دار الكتب العلمية، تصوير عن طبعة 1084?.
11)تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي، تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف، دار إحياء السنة النبوية، ط الثانية 1399?.
12)تذكرة الحفاظ للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان(ت 748?)، دار إحياء التراث العربي، تصوير عن مطبعة مطعبة دائرة المعارف العثمانية بالهند سنة 1367?.
13)تفسير ابن أبي حاتم عبدالرحمن بن محمد بن إدريس الرازي(ت 327?)، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار الباز، ط الأولى 1417?.(22/53)
14)تفسير ابن أبي حاتم " القسم الأول من سورة البقرة " بتحقيق د. أحمد العماري الزهراني، و " القسم الأول من سورة آل عمران " تحقيق د. حكمت بشير ياسين، مكتبة الدار ودار طيبة ودار ابن القيم، ط الأولى 1408?.
15)تفسير ابن كثير المسمى تفسير القرآن العظيم لابن كثير، دار الفكر، دون تأريخ، وهي تصوير عن طبعة مطبعة بولاق بمصر.
16)تفسير الطبري المسمى " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " لمحمد بن جرير (ت 310?)، تحقيق محمود محمد شاكر وتخريج أحمد محمد شاكر، دار المعارف، ط الثانية تصوير عن الطبعة الأولى 1374?.
17)تفسير الطبري وبهامشه تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري الحسن بن محمد(ت 406?)، دار الفكر 1398? تصوير عن الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر 1330? بتصحيح نصر العادلي.
18)التفسير النبوي: خصائصه ومصادره، محمد عبدالرحيم محمد، مكتبة الزهراء، ط الأولى 1413?.
19)التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي(ت 1397?)، دار الكتب الحديثة، ط الثانية 1396?.
20)تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي(ت 852?)، ط الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند 1325?.
21)جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير(ت 606?)، تحقيق وتعليق وتخريج عبدالقادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان 1389?.
22)الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، تحقيق: د.محمد رأفت سعيد، مكتبة الفلاح، ط الأولى 1401?.
23)دراسات تاريخية من القرآن الكريم، د. محمد بيومي مهران، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400?.
24)الرسالة للإمام الشافعي(ت 204?)، تحقيق أحمد محمد شاكر، دون ناشر وتأريخ.
25)السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي (ت1384?)، المكتب الإسلامي، ط الثانية 1396?.(22/54)
26)السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق، د. سليمان بن حمد العودة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1414?.
27)السيرة النبوية لابن هشام عبدالملك بن هشام المعافري (ت213?)، تعليق طه عبدالرؤوف سعد، مكتبة عبدالسلام شقرون 1974 م.
28)السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله أحمد، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ط الأولى 1412?.
29)سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومجموعة، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1402?.
30)صحيح السيرة النبوية، محمد بن رزق بن طرهوني، مكتبة العلم بجدة، ط الأولى 1410?.
31)الطبقات الكبرى، محمد بن سعد البصري، دار الفكر - 1405?.
32)طبقات المفسِّرين للداودي، دار الكتب العلمية، ط الأولى 1403?.
33)العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني- تحقيق ودراسة عبدالحكيم محمد الأنيس، دار ابن الجوزي، ط الأولى 1418?.
34)فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، تصحيح محب الدين الخطيب وعبدالعزيز بن باز وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، المكتبة السلفية تصوير عن طبعة المطبعة السلفية 1390?.
35)فقه السيرة، منير الغضبان، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط الأولى 1410?.
36)القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته، د. فضل حسن عباس، دار الفرقان، ط الأولى 1407?.
37)كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة مصطفى بن عبدالله(ت 1067? )، دار العلوم الحديثة، تصوير عن طبعة وكالة المعارف الجليلة العثمانية 1941 م.
38)الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، تصحيح هاشم الندوي ومجموعة، نشر المكتبة العلمية تصويراً عن طبعة مطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند سنة 1357?.
39)مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبدالحليم الحراني (ت 728?)، جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، ط الثانية 1398?.(22/55)
40)مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، محمد ماهر حمادة، دار العلوم، 1402?.
41)مغازي عروة بن الزبير(ت 93?)، جمع وتحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط الأولى 1401?.
42)المغازي للواقدي محمد بن عمر(ت 207?)، تحقيق: مارسدن جونس، مطبعة جامعة أكسفورد، 1966 م.
43)الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي(ت 790?)، تحقيق: عبدالله دراز، دار المعرفة.
44)ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، ط الأولى 1382?.
ملحق(1): الآيات القرآنية في سيرة ابن هشام:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... البقرة ... 199 ... إبطال عادات الحُمس ... 1/188
... الأعراف ... 31 ... إبطال عادات الحمس ... 1/188
... الجنّ ... 1 - 10 ... بعثه إلى الجنّ ... 1/189
... البقرة ... 89 ... موقف اليهود من الرسالة ... 1/195، 2/136
... آل عمران ... 81 ... ميثاق الأنبياء ... 1/216
... العلق ... 1 - 5 ... مبتدأ الوحي ... 1/221
... الضحى ... 1 - 11 ... فترة الوحي ... 1/225
... الحجر ... 94 ... الدعوة الجهرية ... 1/237
... الشعراء ... 214، 215 ... الدعوة الجهرية ... 1/237
... المدّثِّر ... 11 - 25 ... الرد على الوليد بن المغيرة ... 1/244
... الحجر ... 90 - 93 ... موقف بعض المشركين ... 1/244
... الكهف ... 1 - 26 ... الرد على أسئلة قريش ... 1/266
... الكهف ... 83 - 98 ... الرد على أسئلة قريش ... 1/270
... الإسراء ... 85 ... الرد على أسئلة قريش ... 1/271
... لقمان ... 27 ... الرد على اليهود ... 1/271
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... الرعد ... 31 ... الرد على المشركين ... 1/271
... الفرقان ... 7 - 20 ... الرد على المشركين ... 1/271(22/56)
... الإسراء ... 90 - 93 ... الرد على المشركين ... 1/272
... الرعد ... 30 ... الرد على المشركين ... 1/273
... العلق ... 9 - 19 ... الرد على المشركين ... 1/273
... المدثر ... 31 ... الرد على المشركين ... 1/274
... الإسراء ... 110 ... الرد على المشركين ... 1/275
... الإسراء ... 45 - 51 ... الرد على المشركين ... 1/276
... المسد ... 1 - 5 ... الرد على أبي لهب ... 2/3، 5
... الهمزة ... 1 - 9 ... الرد على أمية بن خلف ... 2/6
... مريم ... 77 - 80 ... الرد على العاص بن وائل ... 2/7
... الأنعام ... 108 ... الرد على أبي جهل ... 2/7
... الفرقان ... 5 ... الرد على النضر بن الحارث ... 2/7
... الأنبياء ... 101 ... الرد على ابن الزبعرى ... 2/8
... الزخرف ... 57 - 64 ... الرد على ابن الزبعرى ... 2/9
... القلم ... 10 - 13 ... الرد على الأخنس بن شريق ... 2/9
... الزخرف ... 31، 32 ... الرد على الوليد بن المغيرة ... 2/9
... الفرقان ... 27 - 29 ... الرد على أبي بن خلف ... 2/10
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... الكافرون ... 1 - 6 ... الرد على المشركين ... 2/10
... الدخان ... 43 - 48 ... الرد على أبي جهل ... 2/10
... عبس ... 1 - 14 ... الرد على الوليد بن المغيرة ... 2/12
... القصص ... 52 - 55 ... وفد النجاشي ... 2/29
... الأنعام ... 52 - 54 ... الرد على المشركين ... 2/29
... الكوثر ... 1 - 3 ... الرد على العاص بن وائل ... 2/30
... الأنعام ... 8، 9 ... الرد على المشركين ... 2/31
... الأنبياء ... 41 ... الرد على المشركين ... 2/32
... الإسراء ... 60 ... الإسراء ... 2/34
... البقرة ... 278 ... سؤال خالد بن الوليد ... 2/44
... ! ... 1 - 7 ... دعوة أبي طالب ... 2/47
... الأحقاف ... 29 - 31 ... وفد جنّ نصيبين ... 2/49(22/57)
... الزمر ... 53 - 55 ... المستضعفون بمكة من المسلمين ... 2/86
... الأنفال ... 30 ... الهجرة ... 2/92
... الطور ... 30 ... الهجرة ... 2/92
... التوبة ... 74 ... الجلاس بن سويد ... 2/120
... آل عمران ... 86 ... سويد بن صامت ... 2/120
... التوبة ... 61 ... نبتل بن الحارث ... 2/121
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... آل عمران ... 154 ... معتب بن قشير ... 2/121
... الأحزاب ... 12 ... معتب بن قشير ... 2/121
... الأحزاب ... 13 ... أوس بن قيظي ... 2/123
... النساء ... 60 - 63 ... جماعة من المنافقين ... 2/124
... الحشر ... 11 -
16 ... جماعة من المنافقين ... 2/124
... البقرة ... 1 - 100 ... اليهود والمنافقون ... 2/127
... البقرة ... 80 ... الرد على اليهود ... 2/134
... البقرة ... 97-
100 ... الرد على اليهود ... 2/137
... آل عمران ... 7 ... جماعة من اليهود ... 2/139
... البقرة ... 89 ... استفتاح اليهود ... 2/140
... البقرة ... 99 ... أبو صلوبا الفطيوني ... 2/140
... البقرة ... 108 ... حيي بن أخطب وأخوه ... 2/140
... البقرة ... 113 ... اليهود ونصارى نجران ... 2/141
... البقرة ... 118 ... رافع بن حريملة ... 2/142
... البقرة ... 135 ... عبدالله بن صوريا ... 2/142
... البقرة ... 142 ... تحويل القبلة ... 2/142
... البقرة ... 159 ... كتمان اليهود ... 2/143
... البقرة ... 170 ... جماعة من اليهود ... 2/143
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... آل عمران ... 12، 13 ... يهود بني قينقاع ... 2/144
... آل عمران ... 23، 24 ... جماعة من اليهود ... 2/144
... آل عمران ... 65 - 68 ... اليهود ونصارى نجران ... 2/144
... آل عمران ... 71 - 73 ... جماعة من المشركين ... 2/144
... آل عمران ... 79، 80 ... أبو رافع القيظي ... 2/145(22/58)
... آل عمران ... 98 - 105 ... تنازع الأوس والخزرج ... 2/146، 147
... آل عمران ... 113 ... الرد على اليهود ... 2/147
... آل عمران ... 118 ... موالاة المسلمين لليهود ... 2/148
... آل عمران ... 181 ... فنحاص اليهودي ... 2/148
... النساء ... 37 - 39 ... اليهود ... 2/149
... النساء ... 44 - 46 ... رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي ... 2/150
... المائدة ... 11 ... بنو النضير ... 2/152
... المائدة ... 18 ... جماعة من اليهود ... 2/152
... المائدة ... 19 ... جماعة من اليهود ... 2/152
... المائدة ... 41، 42 ... إقامة حد الزنا على يهودي ... 2/152، 153
... المائدة ... 41، 42 ... تحاكم بني قريظة وبني النضير ... 2/154
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... المائدة ... 49 ... جماعة من اليهود ... 2/154
... المائدة ... 59 ... جماعة من اليهود ... 2/155
... المائدة ... 68 ... جماعة من اليهود ... 2/155
... الأنعام ... 19 ... جماعة من اليهود ... 2/155
... المائدة ... 57 - 61 ... رفاعة بن زيد و سويد ابن الحارث ... 2/155
... الأعراف ... 187 ... جبل بن أبي قشير وشمويل ابن زيد ... 2/156
... التوبة ... 30 ... جماعة من اليهود ... 2/156
... الإسراء ... 88 ... جماعة من اليهود ... 2/157
... الإخلاص ... 1 - 4 ... جماعة من اليهود ... 2/157
... الزمر ... 67 ... جماعة من اليهود ... 2/158
... آل عمران ... 1 - 83 ... وفد نصارى نجران ... 2/160
... البقرة ... 217، 218 ... سرية عبدالله بن جحش ... 2/180
... الأنفال ... 5 - 75 ... غزوة بدر الكبرى ... 2/224 - 232
... الأنفال ... 65 ... غزوة بدر الكبرى ... 2/231
... آل عمران ... 12 ... بنو قريظة ... 3/5
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... المائدة ... 51 - 56 ... عبادة بن الصامت وعبدالله بن أبيّ ... 3/6(22/59)
... الأنفال ... 36 ... غزوة أُحُد ... 3/14
... النحل ... 126 ... غزوة أُحُد ... 3/40
... آل عمران ... 121 - 171 ... غزوة أُحُد ... 3/47 - 58
... آل عمران ... 169 ... غزوة أُحُد ... 3/57
... آل عمران ... 172 - 176 ... حمراء الأسد ... 3/58
... البقرة ... 204 ... سرية الرجيع ... 3/97
... الحشر ... 2 - 17 ... بنو النضير ... 3/110 - 112
... النساء ... 51 - 55 ... سؤال قريش لليهود ... 3/127
... النور ... 62 - 64 ... الخندق ... 3/128
... الأحزاب ... 9 - 27 ... بنو قريظة ... 3/149 - 153
... المنافقون ... 1 - 11 ... بنو المصطلق ... 3/184
... الحجرات ... 6 ... بعث الوليد بن عقبة ... 3/187
... النور ... 11 - 22 ... قصة الإفك ... 3/192
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء والصفحة
... الفتح ... 1 - 29 ... صلح الحديبية ... 3/205
... الممتحنة ... 10 ... الامتحان بعد الصلح ... 3/209
... الممتحنة ... 11 ... الامتحان بعد الصلح ... 3/210
... البقرة ... 194 ... عمرة القضاء ... 4/3
... الممتحنة ... 1 - 6 ... فتح مكة ... 4/29
... التوبة ... 49 ... تبوك ... 4/118
... التوبة ... 81 ... تبوك ... 4/119
... التوبة ... 65 ... تبوك ... 4/125
... التوبة ... 107 - 109 ... تبوك ... 4/128
... التوبة ... 117 - 119 ... تبوك ... 4/130 - 134
... التوبة ... 1 - 129 ... تبوك ... 4/140 - 147
... النصر ... 1 - 3 ... الوفود ... 4/152
... الحجرات ... 4 ... الوفود ... 4/158
... النساء ... 94 ... سرية ابن أبي حدرد ... 4/202
ملحق(2): الآيات القرآنية في مغازي الواقدي:
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء والصفحة
... البقرة ... 217 ... سرية عبدالله بن جحش ... 1/18
... الأنفال كلها ... غزوة بدر ... 1/131 - 136
... الصافات ... 176، 177 ... غزوة بدر ... 1/133(22/60)
... الدخان ... 14 ... غزوة بدر ... 1/136
... الفرقان ... 77 ... غزوة بدر ... 1/136
... الحج ... 55 ... غزوة بدر ... 1/136
... المؤمنون ... 64، 77 ... غزوة بدر ... 1/136
... القمر ... 45 ... غزوة بدر ... 1/136
... الإسراء ... 80 ... غزوة بدر ... 1/137
... إبراهيم ... 28 ... غزوة بدر ... 1/137
... السجدة ... 21 ... غزوة بدر ... 1/137
... آل عمران ... 121 - آخر السورة ... غزوة أُحُد ... 1/319 - 329
... آل عمران ... 172، 173 ... حمراء الأسد ... 1/326
السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء والصفحة
... الحشر كلها ... بنو النضير ... 1/380 - 383
... المنافقون كلها ... الرد على عبدالله بن أبيّ ... 2/420
... النور ... 11، 12 ... حادثة الإفك ... 2/434
... النساء ... 51 ... الخندق ... 2/442
... الأحزاب ... 9 - 24 ... الخندق ... 2/459
... التوبة ... 102 ... توبة أبي لبابة ... 2/509
... الفتح كلها ... صلح الحديبية ... 2/618 - 623
... الممتحنة ... 10 - 12 ... صلح الحديبية ... 2/631
... الفتح ... 20 ... خيبر ... 2/684
... النساء ... 94 ... سرية أبي قتادة ... 2/797
... الممتحنة ... 1 ... فتح مكة ... 2/798
... البلد ... 1، 2 ... أبو برزة الأسلمي ... 2/859
... التوبة ... 25 ... حنين ... 3/889
... النساء ... 24 ... حنين ... 3/919
... الحجرات ... 2 - 5 ... وفد بني تميم ... 3/979
... الحجرات ... 6 ... بعث الوليد بن عقبة ... 3/980
... السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء والصفحة
... التوبة ... 38 - آخر السورة ... تبوك ... 3/1022 - 1025، 1048، 1055، 1056، 1060 -1076
... الشورى ... 16 ... تبوك ... 1060
... الأحزاب ... 36 ... زواج زيد بن حارثة ... 1126
فهرس الموضوعات
خطة البحث…1
تمهيد…2
المبحث الأول: الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية…9
مدخل…9(22/61)
المطلب الأول: استعراض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية…11
أولاً: السيرة الذاتية…12
ثانياً: النبوة والرسالة…13
ثالثاً: الغزوات والسرايا…17
رابعاً: الشمائل…19
خامساً: الخصائص…20
المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها…22
المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات…23
أولاً: مغازي عروة بن الزبير…23
ثانياً: سيرة ابن إسحاق…27
ثالثاً: مغازي الواقدي…30
المبحث الثاني: تناول كتب التفسير للسيرة النبوية…34
مدخل…34
المطلب الأول: السيرة النبوية في تفسير ابن جرير الطبري…36
أولاً: مرويات عروة بن الزبير…37
ثانياً: مرويات محمد بن شهاب الزهري…39
ثالثاً: مرويات ابن إسحاق…41
المطلب الثاني: السيرة النبوية في تفسير ابن أبي حاتم…43
أولاً: مرويات عروة بن الزبير…44
ثانياً: مرويات محمد بن شهاب الزهري…46
ثالثاً: مرويات ابن إسحاق…46
المطلب الثالث: السيرة النبوية في تفسير ابن كثير…48
أولاً: السيرة الذاتية…49
ثانياً: النبوة والرسالة…51
ثالثاً: الغزوات والسرايا…58
رابعاً: الشمائل…61
خامساً: الخصائص…62
المبحث الثالث: مقارنة بين كتب السيرة النبوية وكتب التفسير…63
مدخل…63
المطلب الأول: الناحية التوثيقية…63
الفرع الأول: كتب السيرة…63
الفرع الثاني: كتب التفسير…68
أولاً: تفسير الطبري…68
ثانياً: تفسير ابن أبي حاتم الرازي…69
المطلب الثاني: الناحية الموضوعية…71
المطلب الثالث: الناحية التاريخية…74
الخاتمة…76
المصادر والمراجع…78
ملحق(1): الآيات القرآنية في سيرة ابن هشام…83
ملحق(2): الآيات القرآنية في مغازي الواقدي…91
فهرس الموضوعات…94(22/62)
العيوب المنهجية
في كتابات المستشرق شاخت
المتعلقة بالسنة النبوية
تأليف
د / خالد بن منصور بن عبدالله الدريس
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فإن "الاستشراق " يعد من أخطر الحركات الفكرية التي تحرص على بث الشبهات، والافتراءات حول مصادر التلقي الأصلية عند المسلمين، وفي سبيل ذلك يقوم المستشرقون، ومن يقف وراءهم بتجنيد طاقات بشرية، واقتصادية، وتقنية؛ ليحققوا الغايات التي يسعون إليها.
ويكاد يتفق أساتذة الاستشراق على أن أهم الكتابات الاستشراقية في السنة النبوية المطهرة؛ تمت على يدي رجلين هما: جولد زيهر، وجوزيف شاخت، ولذا اخترت أن يكون هذا البحث عن الثاني منهما، لعدة اعتبارات سيتم إيضاحها فيما يلي.
أهمية البحث
تكمن أهمية هذا البحث في النقطتين التاليتين:
1 - إن أبرز ما يتشدق به المستشرقون هو تمسكهم بالمنهج العلمي الدقيق في بحوثهم، وعليه يكون أفضل رد عليهم - في نظري - هو بيان تجاوزهم لأصول المنهج العلمي المتعارف عليها عالمياً، سواءً عند المسلمين أو عند غيرهم، مع إبراز ذلك بصورة جلية ومحورية. ولذا جعلت بحثي إجابة عن سؤال محدد هو: ما العيوب المنهجية التي خالف فيها المستشرق "جوزيف شاخت " أصول المنهج العلمي وقواعده في كتاباته المتعلقة بالسنة النبوية؟
2 - إن " شاخت " عند متأخري المستشرقين يعد أبرز من كتب في الهجوم على السنة النبوية وحجيتها، ويرون أنه قدَّم نظرية متناسقة وشاملة في ذلك، كما ستأتي بعض نصوصهم المبينة لذلك في ترجمته إن شاء الله.
هدف البحث
يهدف البحث إلى تحقيق أمرين هما:(23/1)
1 - التركيز على أبرز عيوب المنهج العلمي التي وقع فيها " شاخت " في كتاباته حول السنة النبوية، مع بيان خطورة هذه الأخطاء لدى أساتذة المنهجية، مصحوبة بذكر بعض الأمثلة من كلام " شاخت "؛ لكي تبدو عيوب منهجه واضحة للعيان.
2 - إيضاح أن تلك العيوب مؤثرة في سلامة النتائج التي توصل إليها "شاخت "، مما يجعل أحكامه وآراءه التي أطلقها حول السنة النبوية؛ من غير الممكن -وفق أصول المنهج العلمي الدقيق- أن تكون مقبولةً أو مسلماً بها، حتى عند غير المسلمين، ولكي يعلم أيضاً أن سبب رفض المسلمين لمثل هذه الآراء ليس لمجرد أنها مخالفة لمعتقداتهم فقط؛ وإنما لكونها أيضاً مبنية على منهج فاسد مليء بالعيوب الخطيرة.
ويجدر التنبيه هنا أنني حرصت عند الكلام على أي عيب منهجي على ذكر كلام المختصين في المنهج العلمي من الغربيين، أو من بعض المختصين العرب الذين كتبوا في المنهجية معتمدين بصفة أساسية على المصادر الغربية، وغرضي من هذا إثبات أن الأصول المنهجية التي انتهكها " شاخت " متفق عليها عالمياً.
الفصل الأول: التعريف بشاخت وبأهم آرائه في السنة
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: تعريف بالمستشرق " شاخت ".
المبحث الثاني: عرض موجز لأهم آرائه حول السنة النبوية.
المبحث الأول: تعريف بالمستشرق " شاخت "
يلحظ أي باحث لا يجيد إلا اللغة العربية أن المستشرق " شاخت " ليس له ترجمة تتناسب مع مكانته الاستشراقية، ومما يثير الاستغراب أن بعض الكتب التي اعتنت بتراجم المستشرقين ككتاب " الأعلام " لخير الدين الزركلي لم تذكر عنه أي شيء، بينما ذكرت تلك الكتب تراجم لمستشرقين هم أقل شأناً منه، ويزداد العجب أكثر حين نعلم أن الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وهو أبرز عالم مسلم رد على كتابات " شاخت " في السنة النبوية لم يعط تعريفاً به، مع أنه لم يكتب بحوثه إلا بعد وفاة شاخت ببضع سنين.(23/2)
هذا الأمر كان حافزاً لي كي أبحث عن ترجمة مطولة بعض الشيء لحياة شاخت، فيسَّر الله عز وجل لي الوقوف على بعض المقالات، فاجتهدت أن أصوغ منها ترجمة وافية بعض الشيء لهذا المستشرق الذي ترك أثراً خطيراً في الدراسات الاستشراقية.
نشأته
ولد جوزيف (يوسف) شاخت، في راتيبور في الخامس عشر من مارس سنة 1902م، وتقع هذه البلدة في إقليم شيلزبان الألماني، أما الآن فهي تخضع للسيطرة البولندية(1).
التحق في تلك البلدة بالثانوية الألمانية، وفيها بدأت تظهر اهتماماته الأولى باللغات الشرقية، حيث كان الحاخامات اليهود يلقون دروساً في تلك المدارس في المحاضرات المخصصة للدراسات الدينية، وكانوا يعلمون اللغة العبرية لأولاد اليهود، ويؤكد برنارد لويس(2) أن " شاخت " لم يكن يهودياً، ولكنه حضر تلك الدروس رغبة منه في زيادة معارفه.
ونفي يهودية " شاخت " أكدها أيضاً " روبير برونشفيج " حيث ذكر أن " شاخت " كان يكره النازية الألمانية مع أنه ما كان له أن يخشاها بحكم أصوله(3).
والمشهور عند عدد من الباحثين العرب أنه كان يهودياً، هذا ما جزم به الدكتور مصطفى السباعي، والدكتورأكرم ضياء العمري وآخرون غيرهما(4)، ولكن يبدو أن الواقع كما ذكره " برنارد لويس " و " برونشفيج " فهما من المقربين لشاخت، وليس هناك حاجة ملحة تدعوهم لإنكار يهوديته، والذي يظهر لي أن أسباب الوهم لدى السباعي والعمري وغيرهما من القائلين بأن ديانة " شاخت " هي اليهودية ربما ترجع للأمور التالية:
__________
(1) انظر مقال برنارد لويس بعنوان " جوزيف شاخت " (ص 622)، ومقال روبير برونشفيج بعنوان "يوسف شاخت حياته وآثاره" (ص 630).
(2) مقال لويس السابق (ص 622).
(3) مقال برونشفيج السابق (ص 632).
(4) انظر كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي (ص 15)، وموقف الاستشراق من السيرة والسنة النبوية للعمري (ص 37).(23/3)
1 - يكثر في اللغة العبرية استعمال حرف الخاء وهو في اسم "شاخت"، مما يوحي بأن أصل الاسم يعود للعبرية التي هي لغة اليهود، ومن المعروف أن اللغة الألمانية أيضاً تستعمل حرف " الخاء " في أبجديتها، مما ينفي وجاهة هذا الربط بين الاسم واللغة العبرية.
2 - كان " شاخت " من أشد المعجبين بالمستشرق المجري "جولد زيهر" وهو يهودي معروف يعد من أساطين الاستشراق، وقد سار " شاخت " على خطاه في بحوثه حول السنة النبوية، بل كان أكثر شراسة وقسوة منه على التراث الإسلامي، فلعل هذا ما أوحى لبعض الباحثين العرب بأن الرجل يهودي أيضاً لطبيعة آرائه الحاقدة على المسلمين ودينهم.
3 – ليس ثمة ترجمة ضافية لشاخت في المصادر العربية المتاحة، مما أسهم في التمكين لذلك الخطأ وساعد على انتشاره وشهرته.
وبهذا يعلم أنه ألماني المنشأ واللغة، ولم يكن يهودياً كما أكد أحد تلامذته اليهود أعني " برنارد لويس "(1)، وأحد أصدقائه المقربين منه " روبير برونشفيج "(2)، وبالنظر إلى أن الديانة الأكثر انتشاراً في ألمانيا هي النصرانية، فالغالب أن يكون " شاخت " نشأ في أسرة تدين بهذه الديانة.
__________
(1) برنارد لويس مستشرق له شهرة عالمية يحمل الجنسية الأمريكية، وهو يهودي صهيوني من أكثر المستشرقين المعاصرين حقداً وكراهية للعرب والمسلمين، وحماساً ودعماً لما يسمى بدولة " إسرائيل "، ولا يزال على قيد الحياة، فقد قرأت بعض أفكاره وتصريحاته مؤخراً في الصحف خلال حرب أمريكا على العراق. وللمزيد حول آرائه وترجمته انظر الدراسة الجيدة التي كتبها الدكتور مازن المطبقاني عنه في أطروحته للدكتوراه المنشورة بعنوان: " الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس ".
(2) مقال برونشفيج السابق (ص 630، 633).(23/4)
وقد أقام في ألمانيا حتى تجاوز الثلاثين من عمره، ثم هاجر إلى بريطانيا بسبب كراهيته للنظام النازي الذي كان يحكم ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية، وفي ذلك يقول برونشفيج:(( ثم كانت الحرب العالمية الثانية، فالتحق "شاخت" بإنجلترا التي كان في أحلك الظروف يسمع منها عبر الإذاعة البريطانية، صوت الحرية مخاطباً مواطنيه الألمان - إذ لم يكن قد تخلى بعد عن جنسيته الألمانية -، وكان شاخت يمقت النازية مع أنه ما كان له أن يخشاها بحكم أصوله، لكنه كان يعارض كل نبذ، وكل اضطهاد وتزوج امرأة إنجليزية مثقفة وما انفكت أن أصبحت الرفيقة المتفهمة له، والمتفانية التفاني الكامل في خدمته، وبعد الحرب حصل عام 1947م على الجنسية الإنجليزية التي لم يتخل عنها قط ))(1).
وقد انتقل في آخر حياته إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1957م، وأقام فيها حتى آخر حياته.
تكوينه العلمي
تقدم أنه درس في الثانوية الألمانية، وحين التحق بجامعتي برسلو، ولايبتزج درس فقه اللغة اللاتينية، والإغريقية، وعلم اللاهوت، واللغات الشرقية.
وكان يكتب بحوثه بثلاث لغات هي: الألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، مما يدل على إجادته لها(2)، وكان يحسن اللغة العربية والتركية(3)، وتقدَّم أنه تعلَّم اللغة العبرية.
ولما كانت الرحلات العلمية تؤثر في التكوين العلمي لأي باحث، فإن "شاخت" حرص عليها، فقام بزيارة الشرق الأوسط عدة مرات، وكذلك شمال إفريقيا وغربها(4).
__________
(1) من مقال برونشفيج السابق (ص 631 - 632).
(2) السابق (ص 635).
(3) السابق (ص 631).
(4) السابق (ص 631، 633)، ومقال برنارد لويس (ص 623).(23/5)
ويظهر من إنتاجه العلمي أن أول كتاب نشره، كان تحقيقاً لكتاب في الحيل الفقهية وعنوانه " الحيل والمخارج " للخصاف، وقد كتب له مقدمة، وعلق على عدة مواطن منه(1)، وكان تاريخ نشره في 1923م، ولهذا يقول برنارد لويس:((كان الفقه الإسلامي هو الحقل الدراسي الأول الذي انصرف إليه " شاخت " بكل همته، وبقي واحداً من أهم اهتماماته الأساسية حتى قضى نحبه ))(2).
ويبدو أنه كان معجباً، في وقت مبكر من شبابه بالمستشرق المشهور "جولد زيهر"، ولذا فقد قام بإكمال بحوثه حول السنة النبوية، ولاسيما فيما يتعلق بالأسانيد(3).
مناصبه العلمية
أول منصب شغله " شاخت " كان أستاذاً في جامعة فرايبورج عام 1925م، وفي سنة 1932م دعي لشغل كرسي اللغات الشرقية في جامعة كونجسبرج، وفي عام 1930م عمل أستاذاً زائراً في الجامعة المصرية بالقاهرة، ثم عاد إليها في سنة 1934م وعمل بها حتى سنة 1939م.
وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية انتقل إلى إنجلترا حيث عمل في هيئة الإذاعة البريطانية طوال سنوات الحرب، وفي عام 1946م عين في وظيفة تعليمية في جامعة أكسفورد برتبة محاضر، وفي سنة 1948م عين أستاذاً مساعداً في الدراسات الإسلامية.
ثم عمل أستاذاً زائراً في جامعة الجزائر في سنة 1952م، وفي سنة 1954م غادر إنجلترا إلى هولندا ليشغل كرسي اللغة العربية في جامعتها الشهيرة لايدن، ثم انتقل إلى جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية من سنة 1957م إلى 1969م حيث هلك هناك، بالإضافة إلى أنه كان عضواً في المجمع العلمي في دمشق، وغيره من المجامع(4).
أخلاقه
__________
(1) المستشرقون (2 / 469)، ومقال برنارد لويس (ص 624).
(2) مقال برنارد لويس (ص 624).
(3) السابق (ص 626)، ومقال برونشفيج (ص 632).
(4) السابق (ص 623)، ومقال برونشفيج (ص 630، 631، 633، 635)، المستشرقون (2/469).(23/6)
وصفه " برنارد لويس " بأنه كان عنيداً، متصلباً لدرجة أنه حين غادر ألمانيا لم يعد إليها أبداً، بل ولم يكتب بلغته الأم بعد ذلك، وكان التعامل معه صعباً؛ لأنه كان لا يحسن ممارسة الرياء الاجتماعي، وكانت قسمات وجهه متجهمة(1).
وقد أثنى عليه أصحابه من المستشرقين بأنه كان لطيفاً ودمثاً ونزيهاً وأميناً(2)، ولكننا نشك في دقة هذا الكلام المتعلق بالأمانة والنزاهة؛ لأمرين:
أحدهما: أن المطلع على بحوث هذا الرجل المتعلقة بالسنة النبوية، والفقه الإسلامي يلحظ وبجلاء حقده البالغ، وكراهيته الشديدة للمسلمين وتراثهم، ويدل على ذلك أنه يتهم كل علماء الحديث ورواته الثقات بالكذب والتزوير والوضع على الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيهما: أن الدكتور نجم خلف ذكر أن أحد مشايخ المغرب واسمه مصطفى المغربي حدَّثه في مدينة الرباط سنة 1403 ه أن المستشرق "شاخت" قد استعار منه، ومن غيره بعض المخطوطات أثناء إقامته في المغرب، ثم استولى عليها ولم يعدها، رغم المكاتبات والشفاعات، بل أنكرها في النهاية(3).
مكانته العلمية عند المستشرقين
إن الكلام على مكانة هذا الرجل عند المستشرقين، لا يُراد به مدحه أو الثناء عليه، ولكن بيان مدى مكانة أحكامه وأقواله لدى المهتمين بالدراسات الإسلامية عند غير المسلمين، وحتى تتبين لنا الخطورة التي تمثلها الآراء التي يبثها في أوساط المستشرقين، وفيما يلي بعض النصوص الدالة على ذلك:
يقول سافوري:(( من أكبر علماء الشريعة الإسلامية في العالم ))(4).
__________
(1) مقال برنارد لويس (ص 628 - 629).
(2) السابق (ص 629)، ومقال برونشفيج (ص 632).
(3) نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين (ص 10).
(4) موقف الاستشراق من السيرة والسنة النبوية (ص 38).(23/7)
ويقول السير هاملتون جيب:(( سيصبح كتاب "أصول الفقه المحمدي" أساساً لجميع الدراسات المستقبلية في الحضارة الإسلامية والفقه الإسلامي، ولو عند الغربيين على الأقل ))(1).
ويقول كولسون أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة لندن:(( إن "شاخت" صاغ نظرية عن أصول الشريعة الإسلامية غير قابلة للدحض ))(2).
ويقول الدكتور محمد مصطفى الأعظمي:(( أما المنزلة التي وصل إليها البروفسور " شاخت "، فلم يصل إليها من قبل أي مستشرق في هذا المجال))(3).
ويقول أيضاً:(( وصار كتابه - يعني أصول الفقه المحمدي - منذ ذلك الحين " إنجيلاً ثانياً " لعالم الاستشراق، وفاق " شاخت " سلفه "جولد زيهر" حيث غيَّر نظرته التشكيكية في صحة الأحاديث، إلى نظرة متيقنة في عدم صحتها، ولقد ترك كتابه هذا أثراً عميقاً في تفكير دارسي الحضارة الإسلامية... وكافة الباحثين في الغرب، أثنوا عليه ثناء عاطراً ))(4).
ويقول الصديق بشير نصر:(( وليس من قبيل المبالغة إذا قلت: إن كل من كتب بعده من المستشرقين في هذا الحقل المعرفي هم عيال عليه، وحسبك أنه لا تكاد توجد جامعة من جامعات الغرب لها اعتناء بالدراسات الإسلامية، إلا ونجد هذا الكتاب مقرراً على طلابها ))(5).
ويؤكد برونشفيج أن أغلب العلماء في الغرب قبلوا ووافقوا على نظرية "شاخت" في الحديث النبوي؛ لما تتضمنه من تحليلات ونظام نقدي وتفسيري(6).
إنتاجه العلمي
__________
(1) أصول الفقه المحمدي لجوزيف شاخت في كتابات الغربيين (ص 646).
(2) مناهج المستشرقين (1 / 68).
(3) السابق (1 / 67).
(4) دراسات في الحديث النبوي - المقدمة (ص ي، ك).
(5) أصول الفقه المحمدي في كتابات الغربيين (ص 646).
(6) مقال برونشفيج (ص 632).(23/8)
يعد " شاخت " من المستشرقين الغزيري الإنتاج، ويظهر هذا جلياً لمن يدقق في القائمة التي جمعها روبير برونشفيج(1)، والسرد الذي قام به نجيب العقيقي(2)، ولعل أبرز كتبه هي: أصول الفقه المحمدي، ومدخل إلى الفقه الإسلامي، وتحريره لبعض مواد دائرة المعارف الإسلامية في طبعتيها القديمة والجديدة، وأما مقالاته وبحوثه المنشورة في المجلات العلمية فهي كثيرة جداً كما يظهر من عرض برونشفيج، والعقيقي.
ويعد كتابه " أصول الفقه المحمدي " أشهر كتبه، وقد قام الأستاذ الصديق بشير نصر بترجمة بعض فصوله، ونشرها في مجلة كلية الدعوة الإسلامية بليبيا.
وفاته
هلك " شاخت " في غرة شهر أغسطس سنة 1969م في مدينة إنجلوود بولاية نيوجرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان يتأهب للانتقال إلى منزل آخر لقرب موعد تقاعده، وقد وافته المنية حيث كان منهمكاً في مراجعة كتاب " تراث الإسلام "، وهو من تأليف عدد من الباحثين(3).
المبحث الثاني: عرض موجز لأهم آرائه في السنة النبوية
تتلخص أهم آراء المستشرق " جوزيف شاخت " في السنة النبوية في النقاط التالية:
1 - إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مهتماً ببيان أمور الشريعة –القانون-، كالقضايا المتعلقة بالمعاملات المالية والأحوال الشخصية والقضاء، وفي ذلك يقول:(( في الجزء الأكبر من القرن الأول لم يكن للفقه الإسلامي - في معناه الاصطلاحي - وجود كما كان في عهد النبي، والقانون - أي الشريعة - من حيث هي هكذا كانت تقع خارجة عن نطاق الدين... فقد كانت مسألة القانون تمثل عملية لا مبالاة بالنسبة للمسلمين ))(4).
__________
(1) السابق (ص 635 - 644).
(2) المستشرقون (2 / 469 - 471).
(3) السابق (ص 634)، ومقال لويس (ص 624).
(4) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1 / 69).(23/9)
2 - إن مفهوم السنة قديماً عند المدارس الفقهية القديمة، يعني الأمر المجتمع عليه، أو بمعنى آخر التطبيقات المثالية للجماعة، ويؤدي التسليم بهذه الحقيقة إلى أن مصطلح " السنة " لا علاقة له بأقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، وقد بنت المدارس الفقهية القديمة مفهومها للسنة وفقاً للمعنى القديم(1).
3 - لم يكن الاحتجاج بالأحاديث ذات الأسانيد المتصلة إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - معروفاً عند المدارس الفقهية في القرنين الأول والثاني الهجريين، وإنما بدأ هذا الأمر مع نشأة حزب معارض يقوده الإمام الشافعي يرى ضرورة إسناد الاستدلالات الفقهية إلى أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أفعاله، مما أدى إلى ظهور أحاديث تفصيلية مكذوبة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أجل إيجاد مصدر تشريعي لآراء الحزب الفقهية، إلا أن المدارس القديمة حاولت أن تقاوم هذا الحزب المعارض الجديد، ولكنها رأت أن ذلك أصبح صعباً؛ للقبول العام الذي وجده في الأوساط العامة، مما أدى حسب رأي " شاخت " أن تلك المدارس شاركت أيضاً في الكذب والوضع على الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حتى تضمن الانتصار في المناظرات العنيفة مع الخصوم والمخالفين(2).
4 - بدأ الإسناد عند المسلمين بالظهور في أوائل القرن الثاني، أو أواخر نهاية القرن الأول الهجري(3).
__________
(1) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 10).
(2) أصول الفقه المحمدي في كتابات الغربيين (ص650، 651، 652، 659، 661)، وأصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 11).
(3) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 288).(23/10)
5 - نتيجة لما تقدم يرى " شاخت " أنه قد أصبح من عادة العلماء - وبدون استثناء كما يظهر من عباراته - خلال القرنين الثاني والثالث الهجريين أن ينسبوا عباراتهم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذكر أسانيد اعتباطية تفتقر للتسويغ المنطقي الذي يدل على التنظيم والعناية(1).
6 - تم تطوير الأسانيد بشكل تدريجي من خلال التزوير والوضع. لقد كانت الأسانيد المتقدمة غير مكتملة (يعني: فيها إرسال، أو موقوفة، أو مقطوعة، أو منقطعة)، لكن تم ملء كل الفراغات في وقت تدوين المصنفات المشهورة التي تسمى بالمجموعات التقليدية كالكتب الستة ومسند أحمد وأمثالها(2).
7 - الأسانيد العائلية مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز ابن حكيم عن أبيه عن جده، كلها مختلقة سنداً ومتناً(3).
8 - كل حديث في إسناده راو مشترك (يعني الراوي الذي عليه مدار السند)، يدل أن ذلك الراوي هو الذي اختلق سند ذلك الحديث(4).
9 - ابتكر " شاخت " قاعدة؛ ليستدل بها على أن كثيراً من الأحاديث لم تكن إبان فترة الإسلام الأولى، ونص هذه القاعدة: "السكوت عن الحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده"، ويوضح رأيه بجلاء في هذا النص حيث يقول:(( إن أفضل سبيل لإثبات عدم وجود حديث ما في وقت من الأوقات، يكون بإثبات أن ذلك الحديث لم يستخدم دليلاً شرعياً في حجاج - يعني في مسألة خلافية - في الوقت الذي يكون الاستدلال به أمراً لازماً، هذا إذا كان الحديث نفسه موجوداً ))(5).
__________
(1) السابق (ص 289).
(2) السابق.
(3) السابق.
(4) السابق.
(5) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 697).(23/11)
10 - النتيجة النهائية التي هي خلاصة آراء " شاخت " في السنة النبوية أنه لا يمكن الحكم بصحة أي حديث من أحاديث الأحكام المروية بالسند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك يقول:(( من العسير أن يُعد أي من هذه الأحاديث صحيحاً فيما يتعلق بمسائل التشريع الديني ))(1).
وفي ذلك يقول الأعظمي:(( وخلاصة ما وصل إليه من نتائج أنه ليس هناك حديث واحد صحيح، وخاصة الأحاديث الفقهية ))(2).
إن مجمل آراء هذا الرجل في السنة النبوية تؤكد حقيقة واحدة هي أن مجموع الأحاديث المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هي في واقع الأمر إلا نتاج تزييف ديني واسع النطاق(3)، وعليه فإن علماء المسلمين من فقهاء ومحدثين - من وجهة نظره الفاسدة - إنما هم مجموعة من الكذابين.
الفصل الثاني: عيوب المنهج العلمي عند " شاخت "
ويشتمل على المباحث التالية:
المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية.
المبحث الثاني: الانتقائية في اختيار المصادر.
المبحث الثالث: الشك غير المنهجي.
المبحث الرابع: إهمال الأدلة المضادة.
المبحث الخامس: التفسير المتعسف للنصوص.
المبحث السادس: التعميم الفاسد.
المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية
__________
(1) السابق.
(2) دراسات في الحديث النبوي (ص ي).
(3) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 695).(23/12)
لا يخلو أي بحث علمي من مسلمات أولية أو ما يسمى بالأفكار القبلية، لا يتكلم عليها الباحث ولا يصرح بها، ولكنه ينطلق منها في معالجة القضايا التي يتطرق لها في بحثه(1)، والملاحظ أن " شاخت " كان في المسلمات الأولية في كتاباته عن السنة النبوية واقعاً تحت تأثير تحيز عنصري ضد العرب والمسلمين، وهو وإن لم يصرح بمسلماته بصورة جلية وواضحة
-لغايات لا تخفى على اللبيب-، إلا أن ذلك يظهر بجلاء في حكمه القاطع والجازم على صفوة الأمة وأوثق علمائها بأنهم من الكذابين، وأنهم اختلقوا الأسانيد ونسبوها زوراً وافتراءً لرسولهم - صلى الله عليه وسلم -.
ونتيجة لهذه المسلَّمة القاطعة التي تجذرت في وعيه، أشار إلى أن الأسانيد في كتب السنة، والتي تدل على اتصال الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لا قيمة لها، (( بل هي كذب محض؛ لأن الأحاديث النبوية بكاملها لم توجد إلا في القرنين الثاني والثالث، فكيف يمكن أن نتصور وجود الأسانيد قبل وجود المتون؟ بل لا بد أن توجد المتون من قبل ثم تظهر الأسانيد لا العكس ))(2)، ويقول في تقرير هذا الأمر:(( إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي... وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين، كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد))(3)، وقد نقلنا عنه آنفاً أنه لا يعتقد بوجود أي حديث صحيح من أحاديث الأحكام المروية بالسند المتصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) أوسع من رأيته تكلم على خطورة الأفكار القبلية الضمنية التي لا يصرح بها، وأثرها السيئ في صحة الأفكار والنظريات العلمية هو الدكتور ريمون بودون رئيس قسم العلوم الإنسانية في جامعة السوربون بباريس في كتابه " فن إقناع الذات بأفكار هشة ومشكوك فيها وخاطئة " (ص 117 - 196).
(2) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1 / 83).
(3) السابق.(23/13)
وهذا الرأي القطعي - في نظره - يدل دلالة واضحة على أنه مبني على مسلمة أولية راسخة عنده، وهي أن علماء المسلمين قوم كذبة، كانوا يستبيحون الكذب ويستحلونه في أمور دينهم ولا يتورعون عنه، بل يفهم من كلامه أنهم مجمعون على ذلك، ومتواطئون عليه، ولو لم يكونوا كذلك في نظر "شاخت"؛ لما قرر نتيجته السابقة بعمومية وإطلاق ومن دون أي استثناءات أو قيود.
وسنناقش هذه المسلمة بما فيها من تحيز عنصري بغيض، مما يدل على أن الرجل واقع تحت تأثير الأفكار السابقة عن المسلمين الكامنة في عقلية عوام الغربيين.
ولكن قبل ذلك لابد من الإشارة إلى أن أهم صفة يجب أن يتحلى بها الباحث العلمي هي الإنصاف والعدل حتى مع خصومه ومخالفيه، والتي يعبر عنها المتخصصون في المنهج العلمي بالموضوعية. ويقرر أولئك العلماء أن أشد نواقض الموضوعية وقوادحها؛ التحيز ضد قومية أو فكرة أو مبدأ أو شخص أو مذهب.. إلخ.
ويحذر المختصون في المنهج العلمي أي باحث من الوقوع في التحيز أو التعصب العنصري؛ لأن ذلك يتعارض مع مبدأ الموضوعية، وسأورد فيما يلي نصوصاً منتقاة لبعض المختصين تؤكد هذه الحقيقة التي أصبحت إحدى مسلمات المنهج العلمي بصورة مطلقة.
يقول روبرت ثاولس:(( من الأمور التي تجعلنا ميالين إلى التفكير الأعوج، تحيزاتنا التي هي: طرق في التفكير تقررها سلفاً قوى ودوافع انفعالية شديدة، كالتي يكون مصدرها منافعنا الذاتية الخاصة، أو ارتباطاتنا الاجتماعية ))(1). ويقول:(( إننا نكون تحت تأثير الهوى والتحيز في آرائنا ميالين إلى تصديق ما نرغب في تصديقه، أو ما نحتاج إليه أن يكون صحيحاً، وإلى إنكار ما نرغب في إنكاره، أو ما نحتاجه أن يكون باطلاً ))(2).
__________
(1) التفكير المستقيم والتفكير الأعوج (ص 183).
(2) السابق (ص 187).(23/14)
ويقول فؤاد زكريا في كلام له عن التعصب - الذي هو وجه من وجوه التحيز والعنصرية - بوصفه أحد أهم عقبات التفكير العلمي،:(( التعصب هو اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر لنفسه الحقيقة أو الفضيلة، وبأن غيره يفتقرون إليها، ومن ثم فهم دائماً مخطئون... فحين أكون متعصباً لا أكتفي بأن أنطوي على ذاتي وأنسب إليها كل الفضائل، بل ينبغي أيضاً أن أستبعد فضائل الآخرين وأنكرها وأهاجمها ))(1).
وفي نص آخر كأنه يتكلم فيه على " شاخت " يشير فؤاد زكريا أن التعصب بكل أنواعه، كالتعصب العنصري، والتعصب القومي المتطرف وغيرها؛ كلها تشترك في سمة واحدة هي:(( الانحياز إلى موقف الجماعة التي ننتمي إليها دون اختيار، ودون تفكير، والاستعلاء على الآخرين، والاعتقاد بأنهم " أحط " ))(2).
ثم يعدد مضار التعصب على روح المنهج العلمي فيقول:(( وأعظم الأخطار التي يجلبها التعصب على العلم، هو أنه يجعل الحقيقة ذاتية، ومتعددة، ومتناقضة، وهو ما يتعارض كلية وطبيعة الحقيقة العلمية... كما ينطوي التعصب على تفكير أسطوري - خرافي - يتسم بطابع وهمي مختلق، وهو بطبيعته يشجع التفكير غير العقلي؛ لأنه هو الدعامة الوحيدة لموقفه، ومن هنا كان أساس النازية هو " أسطورة " الجنس الآري المتفوق، وكان أساس التفرقة العنصرية هو " أسطورة " الجنس الزنجي المنحط، إلى غير ذلك من الأساطير التي يستند إليها كل شكل من أشكال التعصب ))(3).
ويقول أحد المختصين في منهجية البحث التاريخي:(( إذا وقع الباحث في أسر التعصب، كان من السهل وصمه بالذاتية التي هي نقيض الموضوعية والعلم ))(4).
__________
(1) التفكير العلمي (ص 96).
(2) السابق (ص 99).
(3) السابق (ص 99، 101) بتصرف يسير.
(4) البحث في التاريخ قضايا المنهج والإشكالات (ص 20).(23/15)
إن نظرة سريعة إلى الكتب التي تكلمت على المنهجية العلمية وشروطها؛ تعطينا حكماً عاماً بأن الباحث المتحيز لا يمكن أن تكون نتائج بحثه علمية بأي حال من الأحوال(1).
وبعد أن ألممنا بموقف المختصين في منهجية البحث العلمي من التحيز والعنصرية، فلننظر ماذا فعل " شاخت "؟
لقد سلب من المسلمين أهم أخلاقهم الفاضلة، فنظر إليهم على أنهم مجموعة من الكذابين، فإن لم يكن هذا التعميم الذي أطلقه " شاخت " على علماء الدين المسلمين يعد تحيزاً عنصرياً وتعصباً مقيتاً، فليس في الدنيا من التعصب أو التحيز ما يستحق هذا الوصف.
إننا حين نقول: إن " شاخت " كان واقعاً تحت تأثير أفكار سابقة عنصرية تضمر احتقاراً للعرب والمسلمين وكراهية لهم، فإن شاهدنا على ذلك أحكام الرجل نفسه ونتائجه التي أعلنها، ويؤيد ذلك ما نعرفه من نصوص لبعض الغربيين أنفسهم من أن المستشرقين حين يبحثون في الإسلام والمسلمين، فإنهم يقومون بذلك من خلال ما ترسب في مخيلتهم الجماعية من صورة أسطورية خرافية مشوهة عن المسلمين، يقول الأستاذ محمد أسد - وهو في الأصل يهودي نمساوي قبل أن يسلم - مبيناً موقف الأوربيين من أهل الكتاب، والمستشرقين بصفة خاصة من الإسلام والمسلمين:(( يعتقد الأوربيون أن تفوقهم العنصري على سائر البشر أمر واقع، ثم إن احتقارهم إلى حد بعيد أو قريب لكل ما ليس أوروبياً من أجناس الناس وشعوبهم قد أصبح إحدى الميزات البارزة في المدنية الغربية.
__________
(1) انظر المنهج لإحكام قيادة العقل لديكارت (ص 36)، والمنطق وفلسفة العلوم (ص 58 -59)، وأصول البحث العلمي (ص 58، 59، 61)، وفلسفة العلوم الميثودولوجيا (ص 99)، والمدخل إلى البحث في العلوم السلوكية (ص 297)، ومنهج البحث التاريخي (ص 19)، والمدخل إلى مناهج البحث العلمي (ص26 - 27).(23/16)
على أن هذا وحده لا يكفي لإظهار ما يكنُّه الأوربيون نحو الإسلام خاصة، وهنا - نعني فيما يتعلق بالإسلام - لا تجد موقف الأوروبي موقف كره في غير مبالاة فحسب كما هي الحال في موقفه من سائر الأديان والثقافات، بل كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على صدود من التعصب الشديد، وهذا الكره ليس عقلياً فحسب، ولكنه يصطبغ أيضاً بصبغة عاطفية قوية. قد لا تقبل أوروبا تعاليم الفلسفة البوذية أو الهندوكية، ولكنها تحتفظ دائماً فيما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن، ومبني على التفكير، إلا أنها حالما تتجه إلى الإسلام يختل التوازن ويأخذ الميل العاطفي بالتسرب، حتى إن أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام، ويظهر في جميع بحوثهم كما لو أن الإسلام لا يمكن أن يعالج على أنه موضوع بحث في البحث العلمي، بل على أنه متهم يقف أمام قضاته ))(1).
هذا النص النفيس يمثل شهادة مهمة لأن الأستاذ محمد أسد ينقل واقعاً خبره وعرفه قبل إسلامه، حيث نشأ وتربى في " النمسا " ذات الثقافة الألمانية، وقد تقدم معنا أن " شاخت " نشأ في ألمانيا أيضاً، أضف إلى أنهما ولدا في بدايات القرن العشرين الميلادي، مما يجعل النص الآنف في غاية الأهمية، ولاسيما أنه يوضح لنا بصورة جلية الرؤية المتحيزة للجيل الذي نشأ فيه "شاخت "، وغيره من الأوربيين تجاه الإسلام والمسلمين.
__________
(1) الإسلام على مفترق الطرق (ص 52 - 53).(23/17)
ويؤكد الأمر بصورة جلية لاتقل أهمية عما سبق قول "انجمار كارلسون"(1)، وهو أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين في أوربا:(( نحن نفتقد الإمكانات الموضوعية للنظر إلى الأصولية الإسلامية نظرة معقولة، وتناولها بأسلوب نقدي طبيعي، ولذا نعتبر الغرب الحديث مرادفاً للعقل، بينما نرى في الشرق عالماً متخلفاً يمشي على حافة الجنون، ويستحيل عليه مشاركتنا في الحوار والسجال على قدم المساواة... إن صورة المسلم مطبوعة في وعينا على هذا النحو المخيف... ))(2).
ويشير باحث غربي آخر اسمه " جيمس وولتز " في دراسة له عن مواقف الغربيين من المسلمين قبل الحروب الصليبية أن أوربا عاشت حالة من عدم المبالاة تجاه الإسلام والمسلمين مدة من الزمن، ثم تحول ذلك الموقف إلى نوع من العداء السياسي ما بين (710 - 1100 م)، ثم تحول إلى عداء ديني مع مواجهة عسكرية في بعض المراحل، ثم يقرر هذا الباحث بعد ذلك: إن المترسخ في أذهان الأوروبيين عن الإسلام هو صورة قاتمة، وذلك بسبب العداء الذي ذكاه موقف الباباوات من الإسلام منذ اندلاع الحروب الصليبية، وإلى أيام استعمار الغرب للعالم الإسلامي الذي لم ينته إلا منذ بضعة عقود(3).
إن مضمون النصوص السالفة أصبح اليوم حقيقة علمية أكدها عدد من المتخصصين في الاستشراق(4)، وفي ذلك دلالة على ضخامة حجم التشويه المتعمد، في تصورات الغربيين، وبخاصة المستشرقون منهم عن الإسلام.
__________
(1) يعمل الآن سفيراً في وزارة الخارجية السويدية.
(2) الإسلام وأوربا تعايش أم مجابهة؟ (ص 27).
(3) انظر كتاب صورة العرب في عقول الأمريكيين (ص22 - 23).
(4) انظر المستشرقون الناطقون بالإنجليزية (ص 94 - 96)، رؤية إسلامية للاستشراق (ص 100 - 101)، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري (ص 138 - 144)، عبدالرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام (ص 30).(23/18)
إن مُسلّمة " شاخت " التي بنى عليها نظريته في السنة النبوية، والدالة على أن علماء الحديث والفقه من المسلمين كانوا لا يتورعون عن الكذب في نسبة أقوال لرسولهم - صلى الله عليه وسلم -؛ لا يمكن للعقل أن يقبلها؛ لأنها خرافية وخيالية إلى حد بعيد للأسباب التالية:
1 - هذه المسلَّمة مصادمة للطبيعة البشرية؛ وذلك لأن الصدق هو الأصل في معاملات البشر، ولذا فهو سهل وطبيعي، وراسخ الأركان، وأما الكذب فمهزوز مزعزع، معرض للهجوم باستمرار، ولا قوة فيه ولا خير، وهو قرين لكثير من الأمراض الاجتماعية كالسرقة والخوف والجبن والذل(1)، وهو مضاد لروح التعاون الجماعي التي هي أساس قيام أي مجتمع.
و لا يمكن لمجتمع مهما بلغ انحرافه أن يتواطأ كل من فيه من رجال ونساء، ولأجيال متعاقبة، وفي بلدان مختلفة، ومن أقاليم متعددة على الكذب على زعيمهم وقدوتهم، وقائدهم الذي يحبونه ويحترمونه.
ومما يدل على أن مُسلّمة " شاخت " غير مقبولة عقلاً أن أحد مشاهير الغربيين، ويدعى " توماس كارليل " كتب مخاطباً قومه عاتباً عليهم في زعمهم أن المسلمين كذبة، فقال:(( لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يُظن من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع ومزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة... أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها الملايين الفائتة الحصر أكذوبة وخدعة؟! أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول، فما الناس إلا بُله ومجانين، وما الحياة إلا سخف وعبث)(2).
ولاحظ هنا أن " كارليل" وصف مَنْ يقول بمثل قول " شاخت " بالعار والسخف المخجل والعبث.
__________
(1) انظر الأخلاق النظرية (ص 192 - 194)، وأسس الصحة النفسية (ص 350).
(2) الأبطال (ص 58).(23/19)
2 - إن القرآن وهو كتاب المسلمين المقدس يقف من الكذب موقفاً شديداً جداً، حيث يجعل من كذب في الدين مستحقاً للإثم المبين قال تعالى:? ? ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ((النساء:50)، كما أنه يجعله من صفات الكافرين قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ((المائدة: 103)، وأن الكاذب لا يفلح قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ((النحل: 116)، وأنه من أظلم الظلم قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
(الأنعام: 144).
والخالق عز وجل هو القائل:( ? ( ( ( ( ( ( ( ((الحشر: 7)، فاتباع السنة من دين الله، فالكذب فيها كذب على الله، فموانع الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند المسلمين قوية؛ لأنها تستند إلى نصوص قرآنية كثيرة جداً.
3 - إن الواقع التاريخي للمسلمين في فتوحاتهم ومعاملتهم مع أهل الأديان الأخرى يدل على تحلِّيهم بخصال الصدق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور لا تتسق مع أخلاق الكذابين، وفي ذلك يقول الفيلسوف الألماني " كانت ":(( من نسيج الإنسان الفاسد لم يُصنع أي شيء مستقيم أبداً ))(1).
ويقول المستشرق " مونتجمري وات " مستدلاً بالتاريخ الأخلاقي، بوصفه حجة قوية على إخلاص محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدقه:(( إن الاعتقاد في إخلاص محمد تسنده حجة قوية، فاستعداده لأن يتحمل الأذى في سبيل معتقداته، والمستوى الأخلاقي الرفيع الذي اتصف به الرجال الذين آمنوا به واتخذوه إماماً، وعظمة المنجزات التي انتهى إليها، كل هذا ينم عن استقامته ))(2).
__________
(1) الأعمال الكاملة لكانت (8/23) ط برلين، نقلاً عن كتاب نسيج الإنسان الفاسد (ص 5).
(2) الوحي الإسلامي في العالم الحديث، نقلاً عن مناهج المستشرقين (1/ 210).(23/20)
فكيف يريدنا " شاخت " أن نصدق أن أولئك العلماء الذين لم يُطعن عليهم في نزاهتهم الدينية، وتقواهم، ووفائهم بالعهود، وصدق تدينهم، كانوا يسكتون على كذب بعضهم البعض، ولماذا لا نجد في كتب الجرح والتعديل أو التاريخ والسير وصفهم لبعضهم البعض بالوضع والكذب، إذا كانت الحال كما يزعم " شاخت "؟
4 - إذا كان المحدثون والفقهاء تعمدوا الوضع والكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلماذا إذن اهتموا بنقد الأحاديث؟، ولماذا تعبوا كل هذا التعب في نقد الراوة والتصنيف في علم الجرح والتعديل والعلل، مادام كله كذباً؟!
5 - لو كان الأمر كما يزعم " شاخت " أن علماء المسلمين كانوا إذا احتاجوا في مسألة إلى دليل وضعوا سنداً لأحد آراء الفقهاء، ونسبوه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلماذا لم يضعوا حديثاً بإسناد صحيح في حجية القياس، وهو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي، مع أن الحاجة ماسة لوجود مثل ذلك الحديث بديلاً لحديث معاذ رضي الله(1) عنه الذي ضعفه كثير من المحدثين؟
ولماذا لم يستطع الخليفة المأمون مع كل ما أوتي من قوة ونفوذ وسلطة واسعة أن يأتي بحديث واحد موضوع في مسألة خلق القرآن مع تحدي الإمام أحمد له وللمعتزلة بذلك؟
(( إن الحقيقة التي تتحدث عن نفسها هنا هي أنه لم يكن من الممكن أن يوضع حديث على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويمر من غير ملاحظة العلماء له ))(2).
إن تحيز " شاخت " واستسلامه الكامل للتعصب العنصري ضد المسلمين، أوقعه في مصادمة لأهم أصل من أصول المنهجي العلمي وهو الموضوعية.
المبحث الثاني: الانتقائية في اختيار المصادر
__________
(1) انظر تخريجاً مطولاً لهذا الحديث مع كلام بعض علماء الحديث في تضعيفه عند الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة (2 / 273 - 286) رقم الحديث [ 881 ].
(2) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 12).(23/21)
من أخطر العيوب المنهجية في البحث العلمي، أن يتوصل الباحث إلى نتائج محددة عامة تكون مبنية على معلومات مستقاة من مصادر غير متخصصة في موضوع بحثه.
وهذا ما وقع فيه " شاخت " فقد توصل لنتائجه في السنة النبوية، معتمداً في ذلك على مصادر فقهية، وليست حديثيه، بل أكثر من ذلك أنني لم أجد في مصادره أي كتاب في علم مصطلح الحديث، أو الجرح والتعديل، أو العلل، أو التخريج، ومن يتجاهل هذه المصادر الأصلية في علم الحديث، كيف يمكن لنا بمقاييس المنهج العلمي أن نثق بنتائجه.
ولإيضاح أهمية استيعاب المصادر الأصلية المتخصصة في البحث العلمي عند أساتذة المنهجية، ننقل بعض المقتطفات من كلامهم حول ذلك، ومنها هذا النص لشارل فيكتور لانجلوا - مؤلف أحد أهم كتب منهج البحث في علم التاريخ المعتمدة في الجامعات الغربية - الذي يقول فيه:(( إذا تراءى لي أن أعالج نقطة تاريخية، أياً كانت، فإني أتلمس الموضع أو المواضع التي ترقد فيها الوثائق الضرورية لمعالجتها... ومن البين أن هذا العمل إذا لم يزاول مزاولة سليمة، أعني أنه إذا لم يعرف المرء قبل البدء في عمل تاريخي، كيف يحيط نفسه بكل المعلومات الميسرة له، فإنه يزيد بسهولة من مزالق خطر العمل على أساس وثائق غير كافية وهي مزالق وفيرة العدد مهما بذل من جهد.
وكم من عمل من أعمال التاريخ عولج وفقاً لقواعد أدق المناهج قد أفسده، بل قضى عليه قضاء مبرماً، أمرٌ مادي بسيط هو أن المؤلف لم يقف على وثائق كان من شأنها أن توضح تلك التي كانت في متناول يده - واقتصر عليها-، وأن تكملها أو تنقضها ))(1).
__________
(1) المدخل إلى الدراسات التاريخية، مطبوع ضمن كتاب النقد التاريخي (ص 5 - 6) والكتاب اشترك في تأليفه لانجلوا وزميله سينوبوس، والفصل الأول إلى السادس من كتابة لا نجلوا.(23/22)
ويقول الدكتور أحمد شلبي:(( ومن أهم ما يجب أن يلاحظ في المراجع تخصصها في النقطة التي يُبحث فيها، فإذا كان البحث مثلاً في التاريخ فمراجعه الأصلية العامة هي كتب التاريخ ))(1).
ويؤكد الدكتور صالح العساف أن معيار العلمية في مناهج البحث التي تدرس الظاهرة الإنسانية كما أشار كثير من علماء المنهجية هي: الدقة، إبراز الأدلة، واتباع المنهج العلمي بخطواته المختلفة، ومنها:(( جمع المعلومات عن المشكلة، متوخياً في ذلك البحث عن أصدق المصادر تأليفاً ومحتوى ))(2).
ويتفق أساتذة المنهجية، على أن من أهم واجبات الباحث، إن لم يكن من أولها، أن يحيط إحاطة تامة بمصادر بحثه الأصلية التي تكون شديدة الصلة به، ويؤكدون أن الاعتماد على مصادر ثانوية أو غير متخصصة يضر بالبحث ونتائجه(3).
إن آراء " شاخت " وأحكامه القطعية التي صرح بها حول السنة النبوية، لم يُراع فيها هذا الأصل المهم من أصول المنهجية في البحث العلمي.
وفي ذلك يقول الدكتور الأعظمي:(( لقد كان لسوء اختيار المستشرقين مواد دراسة الأسانيد أكبر الأثر في وقوعهم في أخطار جسيمة، نجمت عن سوء ذلك الاختيار في انتقاء المواد لهذه الدراسة... وبالتالي وصلوا إلى نتائج خاطئة؛ لاختيارهم مواد غير مناسبة للبحث والتنقيب عما يريدون.
__________
(1) كيف تكتب بحثاً أو رسالة (ص 61) بتصرف يسير.
(2) المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية (ص 297).
(3) البحث الأدبي (ص296، 297)، مناهج البحث العلمي (ص 184 - 185)، منهج البحث في الأدب واللغة (64 - 65)، مزالق في طريق البحث اللغوي والأدبي (ص 25).(23/23)
لقد قام البروفسور " شاخت " بدراسة كتاب الموطأ للإمام مالك، والموطأ للإمام محمد الشيباني، وكتاب الأم للإمام الشافعي، وغني عن القول: أن هذه الكتب أقرب ما تكون إلى الفقه من كتب الحديث، وعلى الرغم من ذلك فقد عمم نتيجته التي توصل إليها في دراسته لتلك الكتب، وفرضها على كتب الحديث كافة، وكأنه ليست هناك كتب خاصة بالأحاديث النبوية، وكأنه ليس هناك فرق بين طبيعة كتب الفقه وكتب الحديث ))(1).
والخطأ المنهجي الذي وقع فيه " شاخت " هو أنه انتقى المراجع التي يمكن أن يجد فيها ما يؤيد بحثه؛ ذلك لأن الكتب الأخرى غير كتب الحديث، لا يهتم أصحابها بسياق السند كاملاً، ويؤكد ذلك قول الشافعي رحمه الله تعالى:(( وكل حديث كتبته منقطعاً فقد سمعته متصلاً أو مشهوراً عمَّن رُوِي عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفونه عن عامة، ولكن كرهت وضع حديث لا أتقنه حفظاً، فاختصرت خوف طول الكتاب، فأتيت ببعض ما فيه الكفاية دون تَقَصِّي العلم في كل أمره ))(2).
ويقول أبو يوسف القاضي في رده على الأوزاعي:(( ولولا طول الكتاب؛ لأسندت لك الحديث ))(3).
ويرى الدكتور الأعظمي أن من الظواهر التي تختص بها كتب الفقه من حيث الاستشهاد بالأحاديث:
1 - حذف جزء من الإسناد، والاكتفاء بأقل قدر ممكن من المتن الذي يدل على المقصود، وذلك تجنباً للتطويل.
2 - حذف الإسناد بكامله، والنقل مباشرة من المصدر الأعلى للراوية.
3 - استعمال كلمة السنة أو إحدى مرادفاتها للدلالة على أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بدون ذكر حديث أو إسناد؛ لأن الحديث كان معروفاً ومشهوراً في الأوساط العلمية.
__________
(1) دراسات في الحديث النبوي (2 / 397 - 398).
(2) الرسالة (ص 431).
(3) الرد على سير الأوزاعي (ص 31).(23/24)
4 - ذكر طريق واحد فقط من الإسناد من عدة طرق متوافرة(1).
وبإدراك هذه الفروق يتحقق لكل صاحب نظر صحيح أن " شاخت " قد ارتكب خطأ علمياً جسيماً بإجرائه لدراسته عن الأحاديث النبوية من خلال الكتب الفقهية، وبحسب أصول المنهج العلمي الصحيح، فإنَّ أيَّ دراسة أو نتيجة يصل إليها الباحث في الأحاديث النبوية أو الأسانيد في غير مصادرها الأصلية ذات الاختصاص المباشر، ونعني بها كتب الحديث بمختلف أنواعها رواية ودراية، محكوم عليها بالإخفاق ومجانبة الحقيقة؛ لأنها لن توصل إلى النتيجة السليمة والمنطقية بل ستكون مخالفة للواقع(2).
ثم هناك أمر آخر يظهر منه عدم مصداقية " شاخت " في انتقائه لمصادره، ذلكم هو أنه يعتمد كتابات الإمام الشافعي اعتماداً كلياً، مع أنه في نظره متهم بأنه كثيراً ما يحرف في أصول مخالفيه ومبادئهم، ويسوق على ذلك أكثر من ثلاثين مثالاً، ويطعن عليه بأنه يزيد من عنده في كلام خصومه ويسوق على ذلك عدة أمثلة(3).
والسؤال: إذا كان الإمام الشافعي غير موضوعي عند "شاخت " فهل يجوز في معايير المنهج العلمي أن يعتمد عليه؟ وما المعايير التي تجعله يقبل كلامه أحياناً، ويرفضه أحياناً بدون أي مسوِّغ منطقي؟.
المبحث الثالث: الشك غير المنهجي
يعطي أساتذة المنهجية الشك المنهجي مكانة مهمة، عبّر عنها أحدهم بقوله:(( في كل علم ينبغي أن تكون نقطة البدء هي الشك المنهجي. فكل ما لم يثبت بعد، ينبغي أن يظل مؤقتاً موضوعاً للشك، ولتوكيد قضية ما ينبغي تقديم الأسباب التي تبرر الاعتقاد بأنها صحيحة صادقة ))(4).
__________
(1) دراسات في الحديث النبوي (2 / 404)، أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 321)، وقد ساق عدة شواهد تطبيقية على ذلك.
(2) دراسات في الحديث النبوي (2 / 405).
(3) المستشرق شاخت والسنة النبوية (ص 89).
(4) المدخل إلى الدراسات التاريخية (ص 122).(23/25)
وقد عرف مجمع اللغة العربية الشك المنهجي بأنه:(( مرحلة أساسية من مراحل منهج البحث في الفلسفة، وقوامها تمحيص المعاني والأحكام تمحيصاً تاماً بحيث لا يُقبل منها إلا ما ثبت يقينه، ومن أبرز من قال به الغزالي ثم ديكارت. فعلى الباحث أن يحرر نفسه من الأفكار الخاطئة " بالشك "، وأن يتروَّى فيما يعرض له، فلا يتسرع في حكمه ))(1).
وفي تعريف آخر للأستاذ جبور عبدالنور:(( هو موقف يتميز عن الشك الارتيابي بأنه وقتي، ويُسلِّم بالمقدرة على بلوغ حقائق أكيدة شرط التمكن من التدليل عليها ))(2).
ولنا أن نتساءل بعد أن عرفنا ما هو الشك المنهجي: متى يكون الشك في معايير البحث العلمي غير منهجي؟
والجواب الصحيح عن هذا السؤال: بأنه يكون كذلك إذا كان الشك فيه إفراط وإنكار ونفي من دون بينة أو قرينة مقبولة، ولذا نجد أن أساتذة المنهجية الذين حثوا على الشك المنهجي، قد حذروا منه أيضاً، ومن هؤلاء "لانجلوا" فقد حذر المؤرخين من الإفراط في الشك، ناصحاً لهم بعد أن شدد على أهميته، فقال:(( ينبغي ألا نسيء استعماله، فإن الإفراط في الشك والاتهام في هذه الأمور، يكاد يكون له نفس النتائج الضارة؛ للإفراط في الثقة والاعتقاد))(3).
ويقول الدكتور علي جواد الطاهر:(( الشك ضروري على أن يكون علمياً، وفي حدود الحقيقة، وأن يقع في السلب والإيجاب، وفيما لنا، وما علينا. أما الشك المرضي أو الشك الذي تدفعك إليه نزوة في مخالفة المألوف... فهو خارج حدودنا، وليس من وكدنا ))(4).
__________
(1) المعجم الفلسفي (ص 103).
(2) المعجم الأدبي (ص 154).
(3) المدخل إلى الدراسات التاريخية (ص 75).
(4) منهج البحث الأدبي (ص46).(23/26)
والذي وقع فيه " شاخت " هو أنه رفض القبول ببعض الأمور المتعلقة بالسنة النبوية ورواتها، بناءً على شك لا يستند إلى دليل أو قرينة مقبولة علمياً، ومن صنيعه في ذلك زعمه بأن كافة كتب التراجم التي تبحث في ترجمة موسى بن عقبة غير موثوق بها، والسبب - في نظره - يرجع إلى أنه قد زِيدَ في أسماء شيوخ موسى، وكذلك في أسماء تلامذته بعد أن كثرت الأحاديث الموضوعة وأسانيدها المختلقة، ويحيل " شاخت " القراء إلى أن يقوموا بموازنة بين ترجمة موسى بن عقبة في " طبقات ابن سعد "، و" التاريخ الكبير للبخاري "، وهما من أقدم المصادر، وما كتب عنه في المصادر المتأخرة ليتبين لهم الفرق، إذ المصادر القديمة مقتضبة بعكس المصادر المتأخرة، والخلاصة التي يخرج بها القارئ من كلام " شاخت " أن كتب التراجم كلها ليست جديرة بالثقة(1).
وقد تولى الدكتور الأعظمي(2) تفنيد هذا الرأي بأسلوب علمي رصين، حيث بيَّن أن محاولة زرع الشك في قلوب الباحثين حول قيمة كتب التراجم استناداً إلى التراجم المقتضبة لموسى بن عقبة لا يستند إلى أي دليل علمي؛ لأنه لا أحد من أولئك العلماء زعم أنه سيحاول استقصاء كافة المعلومات عن كل شخص يترجم له.
ثم ساق الأعظمي مثالاً وازن فيه ترجمة شعبة بن الحجاج في ثلاثة مصادر من كتب التراجم هي: " الطبقات " لابن سعد (ت 230 ه)، وكتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (ت 241 ه)، وكتاب "التاريخ الكبير" للبخاري (ت 256 ه).
__________
(1) كلام " شاخت " عن موسى بن عقبة نشره في إحدى المجلات الاستشراقية اسمها "Acra Orientalia " مجلد 21 سنة 1953م (ص 288 - 300)، وقد لخصه الدكتور الأعظمي في كتابه دراسات في الحديث النبوي (2 / 386 - 387).
(2) دراسات في الحديث النبوي (2 / 388 - 390).(23/27)
فكانت النتيجة أن ابن سعد(1) ترجم له في تسعة أسطر ولم يذكر من شيوخه أو تلاميذه أحداً، أما البخاري(2) فترجم له في ثمانية أسطر ذاكراً اثنين من شيوخه، وكذلك تلامذته لم يذكر إلا اثنين فقط، أما الإمام أحمد(3) الذي توفي بعد ابن سعد، وقبل البخاري فيذكر لشعبة مائة وخمسين شيخاً.
وطبقاً لنظرية " شاخت " لنا أن نتساءل: إذا كانت الأحاديث الموضوعة والأسانيد المختلقة كانت وراء تكاثر أسماء شيوخ شعبة في مدة أحد عشر عاماً، هي الفاصل الزمني بين وفاتي ابن سعد وابن حنبل، بحيث ارتفع العدد من الصفر عند الأول إلى مائة وخمسين عند الثاني، فما الطريقة التي استعملها البخاري بحيث تمكن من إرجاع ذلك العدد الكبير إلى اثنين فقط، وبعد مضي خمسة عشر عاماً أخرى؟
وكيف تقلصت القائمة عند البخاري عن قائمة ابن حنبل، وكان من المفروض بناءً على نظرية " شاخت " أن تنمو أكثر فأكثر؟
ومثال آخر على استعمال هذا المستشرق للشك بصورة غير علمية ألبتة: وهي طعنه في " سلسلة الذهب " عند المحدثين أعني حديث مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، فقد شكك في ثبوت سماع مالك من نافع مولى ابن عمر، وهذه نص عبارته المترجمة: (بما أن نافعاً مات في سنة 117 ه أو قريباً منها، ومات مالك في سنة 179ه، فعلاقتهما ممكنة الوقوع عندما كان مالك فتى. بل ربما كان موضع شك أيضاً ما إذا لم يأخذ مالك - الذي يتهمه الشافعي في موضع آخر بالتدليس - مروياته من أحاديث مدونة يزعم مجيئها عن نافع) ثم يذكر في الحاشية:(( ليس هناك تاريخ موثوق معروف لميلاد مالك))(4).
__________
(1) الطبقات الكبرى (7 / 280 - 281).
(2) التاريخ الكبير (4 / 244 - 245).
(3) العلل ومعرفة الرجال (1 / 472 - 475).
(4) هذا النص من كتاب أصول الفقه المحمدي لشاخت (ص 176 - 177)، نقلاً عن " أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية " (ص 299 - 300).(23/28)
وقد نص جمهور العلماء على أن مالكاً رحمه الله قد ولد سنة 93ه وهذا أصح الأقوال، وذهب البعض إلى أن ولادته كانت سنة 90، وقيل 94، وقيل 95، وقيل 96، وقيل 97 ه(1). فعلى الرأي الراجح يكون عمره حين مات نافع في الرابعة والعشرين، وعلى أبعد الأقوال يكون عمره في العشرين، ومالك كنافع كلاهما من أهل المدينة، فهل يمتنع في العقل أن يكون تتلمذ عليه وسمع منه، أليس في زمننا أناس كثر يتخرجون في الجامعة وهم في الثانية والعشرين من عمرهم أو أقل؟!
إن المثالين اللذين ذكرتهما عن استعمال " شاخت " للشك غير المنهجي هما غيض من فيض شكوك تفتقر لمقومات الشروط المعتبرة في الشك المنهجي، ولكن المقام لا يحتمل الاسترسال في ذكر الشواهد والرد عليها.
__________
(1) ترتيب المدارك (1 / 110).(23/29)
ولابد هنا من التذكير بأن المنهج العلمي الصحيح لا يقر الخلط بين الشك المنهجي والرفض العلمي المبني على دليل؛ لأن الشك يكون مشروعاً ومطلوباً في البحث العلمي بوصفه خطوة أولى هدفها هو التثبت في الأمر، ولا يحق للباحث أن يرفض كل -أو بعض- ما يدَّعيه مخالفه من أدلة تدعم رأيه لا لشيء إلا؛ لأنها تؤيد رأيه، ذلك لأن للمخالف أيضاً أن يعامله بالمثل فيقول له: إنما رفضت دليلي؛ لأن قبوله يضعف رأيك، ونصرت غيره؛ لأنه يؤيد وجهة نظرك، فلابد للشك حتى يكون علمياً من معايير موضوعية علمية بعيدة عن الذاتية والتحيز(1).
المبحث الرابع: إهمال الأدلة المضادة
من أسوأ العيوب المنهجية، وأشدها خطورة على نتائج أي بحث علمي، هي أن يتجاهل الباحث الأدلة المضادة - يعني المخالفة - لرأيه سواءً أكان ذلك بسبب إهماله أم تحيزه أم لأي سبب آخر، ويصف أحد المفكرين الغربيين العالم أو الباحث الذي يخفي الأدلة التي لا تؤيد نظريته بأنه يعد في عالم العلم (( مثل المالي الغشاش، أو المحاسب الذي يزيف في دفاتره في عالم المال ))(2).
__________
(1) من طرائف ما وقفت عليه أن تلميذ المستشرقين المخلص " طه حسين " الذي توسع في تطبيق الشك في دراساته الأدبية، وجدته ينعى على المستشرقين سوء استعمالهم للشك حين تكون بحوثهم تتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، بينما موقفهم من شعر أمية بن الصلت موقف المتيقن المطمئن مع أن أخباره ليست أدنى إلى الصدق ولا أبلغ في الصحة من أخبار السيرة النبوية، ثم يتساءل بتعجب: فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو من الأخبار دون الآخر؟ أيكون المستشرقون أنفسهم لم يبرؤوا من هذا التعصب الذي يرمون به الباحثين من أصحاب الديانات. انظر في الأدب الجاهلي (ص 143).
(2) الأخلاق النظرية (ص 190 -191).(23/30)
ويذكر أحد أساتذة المنهجية أن من أهم العوائق التي تحول بين الباحث، والوصول إلى الحقيقة: تجاهل الأدلة المضادة، وعليه فإن الدليل المضادَّ يجب أن يُعطى وزن الدليل المؤيد نفسه، حتى لو كان في ذلك تغيير لمنطلقات البحث الأساسية؛ لأن هدف الباحث الأول هو الوصول إلى الحقيقة(1).
ويؤكد آخر بأنه ينبغي للعالم أن يكون كالقاضي النزيه الذي يسعى وراء الأدلة التي تنفي آراءه أكثر من تلك التي تؤيدها(2).
ولبيان خطورة الأدلة المضادة على نتائج أي بحث علمي، سنقتطف هذين النصين، أحدهما للدكتور توفيق الطويل يقول فيه:(( إن الأمثلة الإيجابية - أي التي تؤيد صحة فرض من الفروض - لا تكفي لإثبات صدقه؛ لأن الشواهد السلبية التي تنفي صحته أهم في مجال الاختبار والتمحيص من الشواهد المؤيدة له، بل إن مثالاً واحداً يتنافى مع الفرض يكفي لهدمه، وبيان فساده بإلغاء عدد الشواهد المؤيدة لصدقه ))(3).
والآخر لأحد رواد علماء المنهجية في العصر الحديث وهو فان دالين(4)، يقول فيه:(( وبصرف النظر عن مقدار الأدلة التي أمكن التوصل إليها لتأييد فرض من الفروض، فإن بنداً واحداً يحمل دليلاً معارضاً، يمكن أن يثبت بطلان ذلك الفرض ))(5).
بعد أن قررنا هذا الأمر من الكتب المختصة، يأتي الآن دور النظر في مخالفات " شاخت " لهذا الأصل الخطير من أصول المنهجية العلمية مع ذكر بعض الأمثلة.
__________
(1) كيف تكتب بحثاً (ص 31 - 32).
(2) فلسفة العلوم (ص94).
(3) مسائل فلسفية (ص 109 - 110).
(4) يقول الدكتور صالح العساف في كتابه المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية (ص 284): (فان دالين هو من رواد علماء المنهجية، ويعد كتابه " مناهج البحث في التربية وعلم النفس " مرجعاً أساسياً لكثير ممن كتب في المنهجية فيما بعده).
(5) مناهج البحث في التربية وعلم النفس (ص 229).(23/31)
سبق معنا أنَّ " شاخت " يرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مبالياً بأمور الشريعة - أي القانون كما ورد في تعبيراته - ولهذا فلم تكن سلطته في المدينة النبوية لمَّا هاجر إليها سلطة تشريعية(1).
إن " شاخت " أهمل هنا الأدلة المعارضة، وهي الأدلة القرآنية التي تذكر بجلاء وجوب اتِّباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء، ومن ذلك مثلاً:
قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ((النساء: 59).
وقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ((النساء: 65).
وقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ((النساء: 105).
وقوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ((الحشر: 7).
وقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ((الأحزاب: 36).
إن تدبُّر هذه الآيات يعطينا نتيجة مخالفة كلياً لرأي " شاخت " الآنف، تدحض خيالاته بصورة أكيدة.
__________
(1) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص30 - 31).(23/32)
ولفداحة هذا الخطأ المنهجي، تخلى بعض المستشرقين(1) عن رأي "شاخت" السابق، وعارضوه فيما توصل إليه من نفي السلطة التشريعية عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومن هؤلاء تلميذه المستشرق " كولسون " الذي صرح بمعارضته لرأي أستاذه مستدلاً على رأيه بقوله:(( إن القرآن كان قد أثار قضايا اهتم بها المجتمع الإسلامي اهتماماً مباشراً بطبيعة الحال، ولا بد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه اضطر لتناولها بحكم سلطته السياسية والتشريعية في المدينة... وحينما يجحد - يعني " شاخت " - صحة كل حكم منسوب في الواقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإن فجوة ستنشأ - أو تختلق بالأحرى - في تصور تطور التشريع الإسلامي في المجتمع المسلم الباكر، ومن منطلق واقعي، بأخذ الظروف التاريخية السائدة آنذاك في الحسبان، فإنه يبدو من الصعب التسليم بهذا الفهم المؤدِّي لمثل هذه الفجوة... واقتراحي هو أن مادة أحاديث كثيرة
-وبخاصة تلك التي تتناول مشكلات يتكرر ظهورها وتثيرها التشريعات القرآنية- قد تعبر حقيقة في أقل تقدير عما يقترب من حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي حفظه النقل الشفهي العام في أول الأمر ))(2).
لا يمكن لأحد أن يزعم أن " شاخت " لم يكن مطلعاً على القرآن، وملماً بكلياته العامة ومبادئه الأساسية، ولذا كان تجاهله لنصوص القرآن في تقرير تلك المسألة خطأ منهجياً مرفوضاً حتى مِنْ قِبَلِ معجبيه ومؤيديه كما رأينا.
ومن أمثلة تجاهل هذا المستشرق للأدلة المضادة لآرائه، قاعدته التي ذكرناها فيما تقدم وفحواها:(( السكوت عن الحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده ))(3).
__________
(1) انظر نصوصاً مختصرة عن بعضهم في أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 33 - 34)، والمستشرق شاخت والسنة النبوية (ص 78 - 79).
(2) في تاريخ التشريع الإسلامي (ص 94).
(3) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 697).(23/33)
وقد أهمل الأدلة المضادة لهذه القاعدة بصورة فاضحة جداً، مع أنه يتكلم على قاعدة عامة يستعملها لبيان الأحاديث الموضوعة والمكذوبة في زعمه، وقد تولى الدكتور ظفر إسحاق الأنصاري(1) مناقشة هذه القاعدة بأسلوب علمي رفيع جداً، وسأقوم بتلخيص كلامه مبرزاً جانب تجاهل الأدلة المضادة.
يرى الدكتور ظفر أنه من غير الممكن ادعاء صحة حجة شاخت إلا إذا كوَّنَّا الافتراضات التالية:
1 - كلما ذكرت الأحكام الشرعية في القرنين الأول والثاني، ذكرت معها أدلتها المؤيدة، ولا سيما الأحاديث.
2 - إن الأحاديث المعروفة لأحد الفقهاء أو المحدثين ينبغي أن تُعرف بالضرورة عند كل فقهاء عصره ومحدثيه.
3 - إن كل الأحاديث المتداولة في فترة زمنية معينة كانت مدونة ومعروفة على نطاق واسع، ومن ثم حفظت بحيث إذا لم نُوفق في إيجاد حديث ما ضمن أعمال عالم معروف، فإن ذلك يعني عدم وجوده في عصره، أو عدم وجوده في بلده أو في أي مكان آخر من العالم الإسلامي.
هذه الافتراضات وإن لم يصرح بها " شاخت "، إلا أنها لازمة لقاعدته المذكورة آنفاً وهي الأسس الداعمة لتكوينها التي لولاها لانهارت. ولا يشك العارف بتاريخ التشريع الإسلامي فقهاً وحديثاً في عدم صحة هذه الافتراضات، بل إن الأدلة تنقضها، وأحسن طريقة لمعرفة سلامة قاعدة "شاخت" هي أن نقوم بما يمكن تسميته " بالاستدلال العكسي " الذي سيظهر من خلاله إهمال هذا المستشرق للأدلة المضادة.
إن الطريقة التي طبق بها " شاخت " قاعدته السابقة كانت تعتمد على أن الحديث الذي يُذكر في مصدر متأخر، وليس في مصدر متقدم عليه زمناً يدل على أنه قد تم اختلاقه ووضعه في الفترة الزمنية الواقعة بعد حياة المؤلف الذي لم يذكره.
__________
(1) السابق (ص 694 - 706).(23/34)
و" الاستدلال العكسي " لقاعدة " شاخت " يكمن في الإجابة عن تساؤل مهم مفاده: هل يمكن أن توجد أحاديث نبوية في مصدر متقدم ثم لا توجد في مصدر متأخر؟ فإن ثبت وجود ذلك انهارت قاعدة " شاخت "، وإن لم يثبت شيء من ذلك كانت قاعدته صحيحة، وكان من الواجب عليه أن يتحقق من صحة هذه القاعدة ببيان سلامتها من الأدلة المضادة، وهنا يجب علينا استحضار كلام أساتذة المنهجية المتقدم الذي يؤكد أن وجود شاهد واحد مخالف للفرض العلمي يكون كافياً في نقضه.
ولقد تمكن الدكتور ظفر الأنصاري من بيان أن عدداً كبيراً من الأحاديث الموجودة ضمن المصنفات الأولى، لم تكن ضمن مصنفات الفترة الزمنية اللاحقة لها بغض النظر عن المصنفات المعاصرة، وهذا مما يؤكد أن فقهاء ذلك العصر - في القرنين الأول والثاني الهجريين - كان من عاداتهم عدم الالتزام بذكر كل الأحاديث التي يعلمونها، بما في ذلك الأحاديث التي تدعم أحكامهم الفقهية.
ولبيان ذلك قام الدكتور ظفر الأنصاري بإجراء موازنة بين كتابي " آثار أبي يوسف القاضي "، وكتاب " الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني " موضحاً بالأمثلة أن عدداً كبيراً من الأحاديث المدونة في الكتاب الأول ليست في الثاني، على الرغم من أن محمد بن الحسن الشيباني كان أصغر سناً من أبي يوسف الذي كان في الواقع شيخه أيضاً، وفضلاً عن ذلك فقد دوّن الشيباني كتب أبي يوسف، وألف هو نفسه كتباً، وهي إما أنها كانت مبنية على مؤلفات أبي يوسف أو مشابهة لها من حيث الموضوع، وبإثبات وجود عدد كبير من الأحاديث التي يذكرها أبو يوسف القاضي، وليست في مؤلفات الشيباني المشابهة، فإن ذلك يقوض صلاحية تلك الافتراضات المذكورة آنفاً، وهي وحدها التي تثبت صحة قاعدة " شاخت ".(23/35)
كما قام الدكتور ظفر الأنصاري أيضاً بإجراء موازنة بين " الموطأ " للإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، و" الموطأ " برواية محمد بن الحسن الشيباني على اعتبار أن موطأ الشيباني هو المتأخر، وموطأ مالك برواية الليثي هو المتقدم، وذلك التزاماً بطريقة " شاخت " نفسه؛ لأنه يعامل " الموطأ " برواية الشيباني على أنه المصنف المتأخر بالنظر إلى وفاته، و" الموطأ " برواية الليثي هو المتقدم بالنظر إلى وفاة مالك. ثم وضح بالأمثلة أن عدداً كبيراً من الأحاديث الموجودة في موطأ مالك، ليست في موطأ الشيباني على الرغم أنه كان الأصغر سناً، بل أكثر من ذلك وجد بعض الأمثلة التي توجد في موطأ مالك، وهي مؤيدة لبعض أحكام المذهب الحنفي الذي ينتمي له محمد بن الحسن الشيباني، وليست في روايته للموطأ.
ثم ختم الدكتور ظفر الأنصاري بحثه بقوله:(( إن هذا يبين أنه على الرغم من عدم وجود سبب للاعتقاد بأن الشيباني لم يكن عارفاً بهذه الأحاديث، فإن مصنفه لم يسجلها، وهي حقيقة تبطل الافتراض الذي يقوم عليه منهج " شاخت " في محاولته لإثبات نشوء الأحاديث.
وبهذا الصدد فإن الاحتمالات التالية التي يبدو كل واحد منها مقنعاً قد تم تجاهلها كلية:
1 - أن الشخص المعني ربما يكون قد سمع الحديث ثم نسيه.
2 - أنه ربما يكون سمع الحديث، ولم يره صحيحاً.
3 - أنه ربما يكون قد علم بحديث ما، ولكن... لم تصلنا كل الأحاديث المعروفة عند الفقهاء...
إن تجاهل كل هذه الاعتبارات، وكثيراً من البراهين المضادة، والإصرار على شك مفرط، لا يمكن أن يعد من شيم المؤرخين الحصيفي الرأي ))(1).
__________
(1) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 705 - 706).(23/36)
وبقي أن نلفت الأنظار إلى أن مجرد الاعتماد على سكوت المصادر في نفي صحة المعلومات التي تثبتها مصادر أخرى، لا يعد عملاً مقبولاً علمياً عند أساتذة المنهجية الغربيين المتخصصين في التاريخ من أمثال " وودي " الذي يقول:(( لا تحكم على المؤلف بأنه يجهل أحداثاً معينة بالضرورة؛ لأنه أغفل ذكرها، ولا تظن للسبب نفسه أن تلك الحوادث لم تقع فعلاً ))(1).
وفيما تقدم تجلية لتهافت منهجية " شاخت " الذي يبدو أن من أساسيات طريقته في البحوث التي يجريها حول السنة النبوية، تجاهل إن لم يكن "حجب" الأدلة المضادة التي تخالف أحكامه التعسفية الجائرة.
المبحث الخامس: التفسير المتعسف للنصوص
يمكن لأي باحث مبتدئ في قضايا التاريخ أن يقع في سوء فهم لبعض العبارات أو المصطلحات الموجودة في النصوص القديمة، ولكن أساتذة المنهجية وضعوا قواعد في فهم العبارات، أوجبوا على كل باحث في التاريخ أن يراعيها، يقول: "لانجلوا" (( ينبغي أن نتعلم كيف نقاوم الغريزة التي تدفعنا إلى تفسير كل عبارات النص بالمعنى الكلاسيكي أو المعنى العادي...
ويقضي المنهج بتعيين المعنى الخاص للكلمات في الوثيقة، ويقوم على بعض مبادئ بسيطة جداً:
1 - إن اللغة في تطور مستمر من شأنه أن يفسدها، ولكل عصر لغته الخاصة التي ينبغي النظر إليها على أنها نظام خاص من الرموز والعلامات، وعلى هذا فإنه لفهم وثيقة ما، ينبغي معرفة لغة العصر، أعني معنى الألفاظ والصيغ في العصر التي كتبت فيه الوثيقة. ومعنى اللفظ يتعين بجمع المواضع التي استعمل فيها...
2 - والاستعمال اللغوي يمكن أن يختلف من إقليم إلى آخر، ولهذا ينبغي معرفة لغة الإقليم الذي كتبت فيه الوثيقة، أعني المعاني الخاصة المستعملة بها الألفاظ في الأقاليم المختلفة.
3 - ولكل مؤلف طريقته الخاصة في الكتابة، ولهذا يجب أن ندرس لغة المؤلف، والمعنى الخاص الذي استعمل به الكلمات...
__________
(1) مناهج البحث في التربية وعلم النفس (ص 275).(23/37)
4 – ويختلف معنى التعبير بحسب الموضع الذي يوجد فيه، ولهذا ينبغي ألاّ تفسر كل كلمة وكل جملة، مفردة بل بحسب المعنى العام (السياق)، وقاعدة السياق هذه قاعدة أساسية في التفسير، وتقضي بأنه قبل أن أستعمل جملة من نص أن أقرأ النص كله أولاً...
وهذه القواعد لو طبقت بدقة تؤلف منهجاً دقيقاً في التفسير، لا يكاد يترك مجالاً للخطأ)(1).
إن طبيعة كتابات " شاخت " المتعلقة بالسنة النبوية تنتمي إلى نوعية البحوث التاريخية بحسب المقاييس الغربية، كما أن النص الذي نقلناه آنفاً هو لمؤرخ فرنسي توفي سنة 1929م، وقد صدر كتابه الذي نقلنا منه في سنة 1898م(2)، وهو معتمد على مراجع ألمانية منها كتاب " متن في المنهج التاريخي " لأرنست مانهايم، فلذلك أستبعد أن يكون " شاخت " - الذي هو من أصل ألماني ويكتب باللغة الفرنسية كما ورد معنا في ترجمته -، لم يطلع على القواعد المذكورة آنفاً في أحد المراجع، إلا أن يكون كتب بحوثه التاريخية من دون أن يتعلم منهج البحث التاريخي!.
__________
(1) المدخل إلى الدراسات التاريخية (ص 114 - 116).
(2) انظر مقدمة عبدالرحمن بدوي لهذا الكتاب في " النقد التاريخي " (ص 9).(23/38)
لقد خالف " شاخت " تلك القواعد في عدد من كتاباته، ومن ذلك مثلاً أنه فسر كلمة " الفتنة " التي وردت في كلام ابن سيرين الذي يقول فيه:(( لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت " الفتنة "، قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم))(1)، بقوله:(( الفتنة التي بدأت بمقتل الوليد بن يزيد " ت 126 ه "، على مقربة من نهاية الدولة الأموية، كان تاريخاً مصطلحاً عليه، لاعتباره نهاية الأيام الجميلة القديمة... وبما أن تاريخ وفاة ابن سيرين هو 110 ه، لذلك لا بد أن نعد نسبة هذا الكلام إلى ابن سيرين غير صحيحة، والأثر موضوع. وعلى كل فليس هناك ما يدعو إلى أن نقبل أن بداية الإسناد تسبق في وجودها بداية القرن الثاني الهجري ))(2).
وبناء على مقتضى القواعد التي تقدم ذكرها في منهجية الفهم من النصوص التاريخية، سنرى أن تفسير " شاخت " متعسف جداً لما يلي:
1 - من المعلوم أن ابن سيرين ولد عام 33 ه، وتوفي عام 110 ه، وله من العمر 77 سنة(3)، فالزعم أن معنى الفتنة يقصد بها مقتل الوليد بن يزيد سنة 126 ه، مصادم لتاريخ وفاة ابن سيرين.
2 - بالنظر في مصطلح الفتنة عند ابن سيرين وجدناه يطلقها على ما جرى بين صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتال بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه، ففي نص صحيح السند عن ابن سيرين نفسه يقول فيه:(( هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف، فما خف لها منهم مائة ))(4).
__________
(1) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (1 / 15).
(2) نقلاً عن دراسات في الحديث النبوي (2 / 394 - 395).
(3) انظر تهذيب الكمال (25 / 353 - 354).
(4) العلل ومعرفة الرجال لأحمد (2 / 466).(23/39)
ومن المعروف أنه يستحيل أن يكون هذا العدد الكبير من الصحابة على قيد الحياة سنة 126 ه حين مات الوليد بن يزيد، مما يرجح أن المقصود هو ما حدث من قتال بين معسكري علي ومعاوية رضي الله عنهما بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي نص آخر عن ابن سيرين قال:(( عن عبيدة السلماني قال: سمعت علياً يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد ألا يبعن. قال: ثم رأيت بعد أن يبعن.
قال عبيدة: فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. أو قال في الفتنة.قال فضحك علي ))(1). ففي هذا النص دلالة واضحة على أن مصطلح الفتنة في هذه الرواية التي جاءت من طريق ابن سيرين نفسه المراد بها قتال علي رضي الله عنه لخصومه.
وفي نص آخر أيضاً قال ابن سيرين:(( قال: قال رجل: ما منا أحد أدركته الفتنة إلا لو شئت لقلت فيه، غير ابن عمر ))(2). ومن المعروف أن ابن عمر رضي الله عنهما قد اعتزل الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فلم يشارك مع أحدهما ضد الآخر.
3 - النظر في سياق النص يعطينا دلالة واضحة على أن ابن سيرين يتحدث عن عادة ظهرت قبل أيامه، لذلك يستعمل ضمير الغائب في النص كله: " كانوا لا يسألون … قالوا: سموا لنا … "، ولم يستعمل ضمير المتكلم، فعدوله عن استعماله إلى ضمير الغائب مع صيغة الماضي يشير في الواقع إلى أن هذا الاتجاه سابق له، ومتقدم عليه(3).
__________
(1) المصنف لعبدالرزاق (7 / 291).
(2) السنن لسعيد بن منصور (2 / 399).
(3) دراسات في الحديث النبوي (2 / 396).(23/40)
ومثال آخر على تعسف " شاخت " وتحكمه في فهم النصوص التاريخية وتفسيرها، فقد علق على حديث أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه، ونص الحديث كما يلي:(( حدثني عبدالله بن الفضل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: حزنت على من أصيب بالحرة من قومي، فكتب إلي زيد بن أرقم، وبلغه شدة حزني، يذكر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار " وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار ))(1).
فقال:(( يمدح هذا الحديث حزب الأنصار، الذي كان موالياً للحكام، وفي صف العباسيين، وعلى هذا الأساس لا تصح نسبة هذه الأحاديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -))(2).
وقد فَنَّد الأعظمي(3) هذا الفهم العجيب من " شاخت " بما ملخصه:
1 - لا نجد كلمة واحدة في هذا الحديث في مدح الأنصار كما يظهر من سياق الحديث وعباراته، وإنما يوجد فيه استغفار للأنصار ودعاء لهم، والله سبحانه وتعالى هو الذي أمر نبيه بالاستغفار، قال تعالى:( ? ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ((آل عمران: 159).
2 - أثنى الله عز وجل على الأنصار في غير ما موضع في كتابه الكريم، كقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ((التوبة: 100).
فالقرآن يعطي الأنصار أكثر مما أُعطوا في الحديث الآنف، فإذا كان قد اخترع في منتصف القرن الثاني أو بعده لمصلحة الأنصار الموالين للعباسيين والمعادين للعلويين، فلا ندري من الذي اخترعه واخترع معه تلك الآية وما يشبهها من آيات تثني على الأنصار وتعطيهم منزلة تفوق ما ورد في الحديث.
__________
(1) أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة (ص 78) رقم الحديث [ 10 ].
(2) بحث لشاخت بعنوان " على كتاب المغازي لموسى بن عقبة "، نقلاً عن ترجمة الأعظمي في كتابه منهج النقد (ص 137).
(3) منهج النقد عند المحدثين (ص 141 - 142).(23/41)
3 - مما يؤكد أنَّ الحديث لا يفهم منه أنه ضد العلويين أننا نجد الشيعة قد أخرجوه في كتبهم كالمجلسي في (( بحار الأنوار )) وغيره من كتبهم، ولو كانوا يشتمون منه أنه موجه ضد العلويين لما نقلوه في كتبهم.
وبما تقدم يعلم تجاهل " شاخت " لعبارات النص وسياقه، مما يؤكد تعسفه في فهم النصوص وتفسيرها.
المبحث السادس: التعميم الفاسد
من مسلَّمات المنهج العلمي أن التعميم بدون استقراء وأدلة كافية يعد مزلة قدم تفقد الثقة بالباحث الذي يقع منه ذلك، يقول " لانسون ":(( إن اليقين يأخذ في التناقص كلما أخذ التعميم في التزايد، وهذه حقيقة تصدق على كل العلوم ))(1).
وفي نص آخر له يقول:(( نأخذ من المناهج العلمية: الحذر … وأن نكون أقل استسلاماً لأهوائنا، وأقل تسرعاً إلى الجزم ))(2).
ويقول الدكتور شوقي ضيف:(( ينبغي الاستقراء الكامل … حتى لا يقع الباحث في تعميمات وأحكام خاطئة ))(3).
والملاحظ على " شاخت " أنه كان يعمم في كثير من الأحيان في بحوثه معتمداً على نص أو نصوص قليلة جداً، ومن ذلك مثلاً زعمه بأن الفقهاء في مدرستي المدينة والعراق كانوا يقدمون قول الصحابي على السنة النبوية، ولننظر كيف يستدل على هذا التعميم الفاسد؟ يقول:(( إن موقف العراقيين وأهل المدينة من أحاديث الأحكام موقف متماثل، وهو يختلف جوهرياً عن موقف الشافعي، وفي كتاب " اختلاف الحديث " (ص 30) نجد أن العراقيين وأهل المدينة جميعهم يهملون الأحاديث النبوية، ويقدمون عليها ما يستنبطونه من القواعد أو أقوال الصحابة ))(4).
__________
(1) منهج البحث في الأدب واللغة (ص 85).
(2) نقلا عن منهج البحث الأدبي (ص 24).
(3) البحث الأدبي (ص 40) بتصرف يسير، وانظر أيضاً تشديده على أهمية الاستقصاء الدقيق للنصوص في (ص 37، 38، 44).
(4) أصول الفقه المحمدي (ص 671) ترجمة الصديق بشير.(23/42)
ثم يذكر بضعة نصوص عن الإمام الشافعي يخالف فيها أتباع الإمام مالك، ويضيف إليها نصين استعمل فيهما الإمام مالك الاحتجاج بفهم بعض الصحابة، فيقفز " شاخت " فجأة إلى التعميم فيقرر بكل طمأنينة:(( وإجمالاً يمكننا القول بأن أهل المدينة يفضلون أقوال الصحابة على الأحاديث النبوية))(1).
وأما ما يتعلق بالمدرسة الفقهية في العراق، فيقول: " شاخت ":(( إن رأي العراقيين في حجية الحديث النبوي قد تدنّت بلا ريب، إلى مرتبة أدنى بفعل الأهمية التي أعطاها العراقيون لأقوال الصحابة نظرياً وعملياً، ونحن نرى بوضوح التعبير عن هذا المبدأ في مواضع عديدة، ومن ذلك ما جاء في كتاب "اختلاف العراقيين" (الأم 7/110): " وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - "، ومن ذلك أيضاً (7/135): " وقد زعم الذي قال فيه قيمة - يعني أبا حنيفة - أنه لا يخالف واحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ويخاطب الشافعي محمد بن الحسن الشيباني قائلاً (7/286): " وأصل ما تذهبون إليه ألا تخالفوا الواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يعلم أن أحداً من الصحابة خالف في ذلك "))(2).
ثم يصل " شاخت " بناء على النصوص الثلاثة السابقة المنقولة من حوارات الإمام الشافعي مع مخالفيه؛ ليقرر لنا هذا التعميم الآتي:(( فليس من الغريب إذن أن تُقدّم أقوال الصحابة على أحاديث النبي، وأن يذكر كلاهما في مستوى واحد من الحجية، وأن تفسّر أحاديث النبي بأقوال الصحابة ))(3).
__________
(1) السابق (ص 675).
(2) السابق (ص 680 -681).
(3) السابق (ص 681).(23/43)
وهذا العيب المنهجي لاحظه بصورة جلية الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، فقال موضحاً لهذا الخلل في كتابات هذا المستشرق:(( أما البروفسور " شاخت " فله منهج لا يمت إلى ميدان العلم بصلة. ففي بحثه عن موقف تلك المدارس الفقهية من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل كلام أصحاب تلك المدارس بأنهم ملزمون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقبل كلام خصوم تلك المدارس الفقهية بحيث إنهم ينقلون اتفاق أصحاب تلك المدارس على هيمنة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كما أنه يتجاهل 99? من القضايا التي تدل على أخذهم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ويأخذ اعتراضات الخصوم بأن صاحب مدرسة ما خالف السنة النبوية في المسألة الفلانية، فيأخذ هذه الجزئية الضئيلة التي لا تمثل 1?، وهي اعتراض من قبل الخصوم ثم يعمم النتيجة، فيحولها إلى مائة في المائة.
ومن ناحية أخرى يلتقط " شاخت " بعض الأمثلة - ولتكن صحيحة ودالة على مطلبه - من مالك، ثم يعمم تلك النتيجة على المدنيين كافة، وكأنه لم يكن في المدينة غير مالك، وكأنه لم يكن هناك اختلاف بين علماء المدينة في مسألة ما.
وفي قضية العراق المسألة أغرب، إذ يأخذ بعض الأمثلة من مدرسة الأحناف، ثم لا يعمم على الكوفة فقط، بل يعمم على العراق بأكملها، وهكذا يفعل مع الأوزاعي ))(1).
__________
(1) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1 / 88).(23/44)
وفي موضع آخر يستدل " شاخت " على نظريته في تحديد معيار لمعرفة تاريخ اختلاق الحديث بأنه الراوي المشترك - أي الراوي الذي عليه مدار الإسناد - بحديث واحد فقط، ويقرر هذا التعميم الخطير جداً بقوله:(( إن وجود رابط مهم مشترك في كل أو أكثر الأسانيد لحديث معين هو إشارة قوية تدعم كون الحديث وجد في وقت ذلك الناشر الأصلي(1)... يوجد مثال نموذجي لظاهرة الراوي المشترك...))(2). ثم ساق حديثاً واحداً فقط من رواية عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن المطلب عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً:(( لحم الصيد حلال لكم في الإحرام، ما لم تصيدوه ))(3)؛ ليؤكد نظريته العامة عن الوضع في السنة النبوية!
ورد عليه الأعظمي مبيناً أخطاءه في الاستدلال بذلك الحديث، ثم قال: (يُلاحظ أن " شاخت " لإثبات نظريته جاء بمثال واحد فقط، مع ادعائه أن هذه ظاهرة عامة في الأحاديث...ولا يبدو إطلاقاً أن " شاخت" بذل وقتاً كافياً في بحث أسانيد أكثر الأحاديث الفقهية، الأمر اللازم لتكوين نظرية ما من هذا النوع، فضلاً عن دراسة لظاهرة كافة أسانيد الأحاديث الفقهية. وإلا فتكوين نظرية وإعطاؤها صبغة الوقوع الغالبي والاعتيادي بناءً على هذه الدراسة الضئيلة الهزيلة ليس ذا قيمة في مجال البحث العلمي ))(4).
__________
(1) يريد بالناشر الأصلي أي الراوي الذي عليه مدار السند، فهو في نظره هو مختلق الحديث الذي نشره.
(2) أصول الفقه المحمدي (ص 171 - 172) نقلاً عن ترجمة الدكتور عبدالحكيم المطرودي لكتاب الأعظمي " أصول الفقه المحمدي لشاخت دراسة نقدية " (ص 368).
(3) نقل شاخت الحديث من كتاب اختلاف الحديث للشافعي (ص 294)، وقد اختلف العلماء في صحته انظر نصب الراية (3/ 137).
(4) دراسات في الحديث النبوي (2 / 417، 419).(23/45)
والذي يبدو أن " التعميم الفاسد " لا يقتصر على " شاخت " فقط، بل هو سمة عامة في كثير من الدراسات الاستشراقية المتعلقة بالإسلام، فالقوم لا يتبصرون في المضمون، ولا في التفاصيل، بل يقفزون إلى التعميمات التي لا تثبت للاختبار قفزاً، بناء على تخمين، أو شواهد قليلة ضعيفة الدلالة.
الخاتمة
ظهر لنا مما سبق أنه لا يمكن لأحد أن يثق بنتائج باحث كالمستشرق "شاخت" تتصف بحوثه بتلك العيوب المنهجية الخطيرة التي حددنا أهمها كما سبق في الأمور الآتية:
1 - التحيز العنصري في المسلمات الأولية.
2 - الانتقائية في اختيار المصادر.
3 - الشك غير المنهجي.
4 - إهمال الأدلة المعارضة.
5 - التفسير المتعسف للنصوص.
6 - التعميم الفاسد.
وغني عن القول أن كل هذه العيوب لها اتصال وثيق بانعدام الموضوعية والنزاهة العلمية المقترنة بالكذب والتدليس والتعصب العنصري ضد المسلمين، كما أنها توقع في التناقض الفاضح بوصفه نتيجة لسوء المنهج المتبع.
أمر آخر لا بد من الإشارة إليه أن نتائج كتابات " شاخت " حول السنة النبوية تهدف إلى تثبيط أبناء المسلمين في سعيهم لتطبيق الشريعة الإسلامية في بلادهم، ذلك لأن الأنظمة القانونية - كما يزعم شاخت - خارج نطاق الدين الإسلامي حيث كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير مهتم بذلك، وأن مفهوم "السنة" كان عند الفقهاء القدماء يعني مجرد أعراف فقهاء البلد، وكل الأحاديث الفقهية المتصلة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضوعة، والنتيجة كما يريدها "شاخت": ما الذي يمنع المسلمين اليوم من أن يستبدلوا بشريعتهم قوانين غربية إذا كانت الأمور كذلك؟!.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس المراجع
- أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة، جمع يوسف بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق مشهور حسن سلمان، ط 1، دار ابن حزم، بيروت، 1412 ه.(23/46)
- أسس الصحة النفسية، عبدالعزيز القوصي، ط 7، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1982م.
- أصول الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس، مازن المطبقاني، ط 1، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1416 ه.
- أصول البحث العلمي ومناهجه، أحمد بدر، ط 4، وكالة المطبوعات، الكويت، 1978م.
- أصول الفقه المحمدي لجوزيف شاخت في كتابات الغربيين، ترجمة الصديق بشير نصر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م.
- أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية، د. محمد مصطفى الأعظمي، ترجمة د. عبدالحكيم المطرودي، (لم ينشر بعد).
- الأبطال، توماس كارليل، ترجمة محمد السباعي، ط بدون، دار الكاتب العربي، بيروت.
- الأخلاق النظرية، د. عبدالرحمن بدوي، ط 2، وكالة المطبوعات، الكويت، 1976م.
- الإسلام على مفترق الطرق، محمد أسد، ترجمة:عمر فروخ، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م.
- الإسلام وأوربا: تعايش أم مجابهة؟، انجمار كارلسون، ترجمة: سمير بوتاني، ط1، صوت اسكندنافيا، ستوكهولم، 1998م.
- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق، ط 2، دار المنار، القاهرة، 1409ه.
- البحث الأدبي، د. شوقي ضيف، ط 4، دار المعارف، القاهرة، 1979م.
- البحث في التاريخ، د. عاصم الدسوقي، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1411 ه.
- التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، علق عليه عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، مصور عن طبعة حيدرآباد، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407ه.
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، القاضي عياض، تحقيق د. أحمد بكيرمحمود، دار مكتبة الحياة، بيروت.
- التفكير العلمي، د. فؤاد زكريا، ط. بدون، مكتبة مصر، القاهرة، 1412 ه.
- التفكير المستقيم والتفكير الأعوج، روبرت ثاولس، ترجمة حسن سعيد الكرمي، ط 1، سلسلة كتب عالم المعرفة، الكويت، 1399 ه.(23/47)
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين يوسف المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413ه.
- توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت " السكوت عن الاستدلال بالحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده "، د. ظفر إسحاق الأنصاري، ترجمة جمال محمد جابر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م.
- جوزيف شاخت، برنارد لويس، ترجمة الصديق بشير نصر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م.
- دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، د. محمد مصطفى الأعظمي، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402 ه.
- الرد على سير الأوزاعي، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، تحقيق أبي الوفا الأفغاني، دار الكتب العلمية، بيروت.
-الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر، ط1، القاهرة.
- رؤية إسلامية للاستشراق، د. أحمد عبدالحميد غراب، ط 1، دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام، الرياض، 1408 ه.
- السنن، سعيد بن منصور، حبيب الرحمن الأعظمي، ط 1، الدار السلفية، الهند، 1402ه.
- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د مصطفى السباعي، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1398ه.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني، ط 1، دار المكتب الإسلامي، بيروت، 1399ه.
- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- صورة العرب في عقول الأمريكيين، سليمان ميخائيل، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987م.
- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.
- عبدالرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام، د. سعيد اللاوندي، ط 1، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2001م.(23/48)
- العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن الحجاج المروزي وغيره، تحقيق د. وصي الله بن محمد عباس، ط1، الدار السلفية، الهند، 1408ه.
- فلسفة العلوم، د. بدوي عبدالفتاح محمد، ط 1، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2001م.
- فلسفة العلوم الميثودولوجيا (علم المناهج)، د. ماهر عبدالقادر محمد علي، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 1997م.
- فن إقناع الذات بأفكار هشة ومشكوك فيها وخاطئة، ريمون بودون، ترجمة نبيل سعد، ط 1، دار العالم الثالث، القاهرة، 2002م.
- في تاريخ التشريع الإسلامي، ن. ج. كولسون، ترجمة د. محمد أحمد سراج، ط 1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1412ه.
- كيف تكتب بحثاً أو رسالة، د. أحمد شلبي، ط 13، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1981م.
- كيف تكتب بحثاً وكيف تفهم أسس البحث العلمي؟ د. محمد توهيل فايز عبد أسعيد، ط 1، مكتبة الفلاح، الكويت، 1418 ه.
- المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية، صالح بن حمد العساف، ط 1، الرياض، 1409 ه.
- المدخل إلى الدراسات التاريخية، مطبوع ضمن كتاب النقد التاريخي، لانجلوا وسينوبوس، ترجمة عبدالرحمن بدوي، ط 4، وكالة المطبوعات، الكويت، 1981م.
- المدخل إلى مناهج البحث العلمي، د. محمد محمد قاسم، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 1999م.
- مزالق في طريق البحث اللغوي والأدبي وتوثيق النصوص، د. عبدالمجيد عابدين، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 2001م.
- المستشرق شاخت والسنة النبوية، د. محمد مصطفى الأعظمي، مطبوع ضمن كتاب مناهج المستشرقين: الدراسات العربية الإسلامية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1403 ه.
- المستشرقون، نجيب العقيقي، ط4، دار المعارف، القاهرة، 1980م.(23/49)
- المستشرقون الناطقون بالإنجليزية دراسة نقدية، عبداللطيف المناوي، ترجمة د. قاسم السامرائي، ط 1، عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، الرياض، 1411ه.
- مسائل فلسفية للصف الثالث الثانوي، د. توفيق الطويل وآخرون، وزارة التربية والتعليم، جمهورية مصر العربية، 1380ه.
- المصنف، عبدالرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط 2، دار المكتب الإسلامي، بيروت، 1403 ه.
- المعجم الأدبي، جبور عبدالنور، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1984 م.
- المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية في جمهورية مصر العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1403ه.
- مناهج البحث العلمي، د.عبدالرحمن بدوي، ط 3، وكالة المطبوعات، الكويت، 1977م.
- مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ديوبولد ب فان دالين، ترجمة د. محمد نبيل نوفل وزملائه، ط 7، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1997م
- مناهج المستشرقين في الدراسات الإسلامية والعربية، مجموعة من الباحثين، ط1، مكتب التربية لدول الخليج العربي، الرياض، 1403 ه.
- المنطق وفلسفة العلوم، بول موي، ترجمة د. فؤاد حسن زكريا، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، 1401ه.
- المنهج لإحكام قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم، رينيه ديكارت، ترجمة فواز الملاح و محمود الصالح، ط 1، دمشق، 1988م.
- منهج البحث التاريخي، د. حسن عثمان، ط 4، دار المعارف، القاهرة.
- منهج البحث في الأدب واللغة، لانسون وماييه، ترجمة د. محمد مندور، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1982م.
- منهج النقد عند المحدثين نشأته وتاريخ، د. محمد مصطفى الأعظمي، ط 2، بدون ناشر، 1402 ه
- موقف الاستشراق من السيرة والسنة النبوية، د. أكرم ضياء العمري، ط 1، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، الرياض، 1417 ه.
- نسيج الإنسان الفاسد، إيزايا برلين، ترجمة: سمية فلو عبود، ط1، دار الساقي، لندن، 1993م.(23/50)
- يوسف شاخت حياته وآثاره، روبير برونشفيج، ترجمة عبدالحكيم الأربد، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م.
فهرس الموضوعات
المقدمة…2
أهمية البحث…2
هدف البحث…3
الفصل الأول: التعريف بشاخت وبأهم آرائه في السنة…4
المبحث الأول: تعريف بالمستشرق " شاخت "…5
نشأته…5
تكوينه العلمي…8
مناصبه العلمية…9
أخلاقه…10
مكانته العلمية عند المستشرقين…11
إنتاجه العلمي…12
وفاته…13
المبحث الثاني: عرض موجز لأهم آرائه في السنة النبوية…14
الفصل الثاني: عيوب المنهج العلمي عند " شاخت "…18
المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية…19
المبحث الثاني: الانتقائية في اختيار المصادر…30
المبحث الثالث: الشك غير المنهجي…35
المبحث الرابع: إهمال الأدلة المضادة…40
المبحث الخامس: التفسير المتعسف للنصوص…48
المبحث السادس: التعميم الفاسد…54
الخاتمة…59
فهرس المراجع…60
فهرس الموضوعات…67(23/51)
الكتابات عن السيرة النبوية
باللغة المجرية دراسة نقدية
إعداد الدكتور
أوكفات
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئَاتِ أعمالنا من يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له و من يُضْلِلْ فلا هاديَ له ونشهد أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريكَ له ونشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا.
أمّا بعد:
فَفي هذا البحث الوجيز أُريد أن أعرِضَ بإذن الله سبحانه وتعالى على القراء الكرام حالةَ الاهتمام بالسيرة النبوية الشريفة وحالة دراستها وكتابتها باللغة المجرية.
لا تحتاج أهمية دراسة السيرة النبوية الشريفة إلى أيّ إيضاح فنحن المسلمين نعرف مكانتها الرّفيعة الجليلة، وهي تراثنا العظيم ومصدرُ التّربية الإسلامية، ومنهاج حياة المسلمين، مثلها كمثل البحر بلا ساحل.
لقد قال تعالى:? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب الآية: 21].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله.."(1).
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيميّة رحمه الله - في مجموعة الرسائل الكبرى-:
"العلم الموروث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ هو الذي يستحِقُّ أنْ يُسَمَّى علمًا وما سواه إمّا أن يكونَ علمًا فلا يكون نافعًا وإمَّا أن لا يكون علمًا وَإِنْ سُمِّيَ به.. ولَئِنْ كان علمًا نافعًا فلا بدّ أن يكُونَ في ميراث محمد"(2).
وقال ابن قيّم الجوزيّة:
__________
(1) …تفسير القرآن العظيم:(6/392). [طبعة دار الشعب].
(2) أحمد بن تيمية مجموعة الرسائل الكبرى 1/ 238 القاهرة 1324(24/1)
"وإذا كانت سعادةُ العبد في الدارين معلقةً بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجِب على كلِّ من نصح نفسه وأحب نَجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه مَا يَخْرُجُ به عن الجاهلين به ويدخل به في عِداد أتباعه وشِيعته وحِزبه والناس في هذا بين مستقِلٍّ ومستكثِر ومحروم والفضل بيد الله يؤْتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.."(1).
إِنَّ رسالتي هذه لمنقسِمةٌ إلى قسمين رئيسيَّيْنِ.. فَفي القسم الأوَل أبدأ بِعَرْضِ المؤلفات الموجودة باللغة المجرية الخاصّة بالسيرة النبوية أو المتعلّقة بها.. وفي الثاني أودّ أن أشيرَ - بإذن الله تعالى وعونه - إلى قيمتها العلمية وأخطائها.
…
الفصل الأول
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المسلمون المجريّون الكاتبون باللغة المجرية.
المبحث الثاني: المجريّون - المستشرقون وغيرهم - الكاتبون باللغة المجرية.
المبحث الثالث: الغربيّون – المشستشرقون وغيرهم – وكتبهم المترجمة إلى اللغة المجرية.
المبحث الأوّل: المسلمون المجريّون الكاتبون باللغة المجرية
قبل أن أبدأَ من المناسب أن أقولَ إنه ليس في اللغة المجرية ترجمة كاملة لسيرة نبيِّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - ولا ترجمة مختصرة ولا ترجمة جزئيّة. وأسبابُ هذا النقص المؤلم عديدة ومختلفة لا يَسَعُنِي في بحثي هذا أن أشرحَها.. يَحْزُنُني هذا الأمر الأليم والصورة المُخَيِّبَة التي أنا بِصَدَدِ عَرضها. وأسأل الله تعالى العليّ العليم الوَهّاب أن يمُنَّ على هذه المنطقة بعالم يسدّ هذا الفراغ.
__________
(1) ابن قيم الجوزية زاد المعاد في هدي خير العباد ج / 69-70 مؤسسة الرسالة بيروت 1412 هـ - 1991 م.(24/2)
الكاتب المسلم الوحيد الذي ذكر شيئًا يسيرًا من سيرة حبيبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو Prof. Dr. Germanus Gyula الأستاذ الدكتور جيرمانوس جولا و اسمه العربي هو الحاجّ عبدالكريم جيرمانوس.. وُلد سنة 1884 م الموافق لسنة 1301 هـ في العاصمة بودابيشت ومات بها سنة 1979 م الموافق لسنة 1399 هـ.. كان أستاذا في الجامعة و مدرس اللغتين العربية والتركية. وهو أوّل مجري أدّى فريضة الحجّ سنة 1934م انطلاقًا من القاهرة حيث أجرى بحوثه في الأزهر الشريف.. له ثلاثة كتب ذكر فيها السيرة النبوية الشريفة..
كتابه الأوَّل: صدر كتابه الأول بعنوان (1)Allah Akbar (الله أكبر) عام 1932م.. ليس هذا الكتاب بعمل علمي ولا ديني بل هو قصّة رحلته في الشرق الأوسط والجزيرة العربية وآسيا.. ويحتوي الباب السادس منه على ثلاثة فصول وفي الفصل الثاني Egyedül Mohameddel (مع محمّد) من صفحة 328 إلى صفحة 352 يذكر بعض المعلومات عن حياة حبيبنا الطاهرة - صلى الله عليه وسلم - (2) ويذكر بعض غزواته وأَيضًا قد ترجم في هذا الفصل بعض الآيات القرآنية..
كتابه الثاني: بعنوان "جاذبية الشرق" ويتكوّن من قسمين
أ) القسم الأوّل من الصفحة 7 إلى الصفحة 214 "في ضوء القمر الشاحب" يقصّ فيه رحلته وتجاربه في تركيا وفي الهند وفي مصر(3).
__________
(1) الطبعة الأولى , 1936م , Budabest Szépirodalmi َ, والثانية سنة 1960م والثالثة سنة 1973م.
(2) من الواجب أن أقولَ: لم ترد في النصوص المجرية عبارة "صلّى الله عليه وسلّم" قط وفي النصّ المترجم أنا كتبتها..
(3) صدر هذا الكتاب سنةَ 1957 م وله 6 طبعات.(24/3)
ب) الثاني "نحو أنوار الشرق(1)" وهو يعالج زيارته للبلدان التالية: مصر وسورية وبلاد الهند والمغرب والعراق والمملكة العربية السُّعودية.. ليس في هذا الكتاب فصل معيّن لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يذكر المؤلِّف معلومات عن أمور متفرقة وبصفة خاصّة عن حجِّه و زيارته إلى المدينة المنوّرة.
كتابه الثالث: بعنوان "تاريخ الأدب العربي"(2) الفصل المتعلق بموضوعنا يسمى “Mohamed és a Kor?n ”(مُحَمّد والقرآن) من صفحة 42 إلى صفحة 49.. في هذا القسم يقص تاريخ مولده وزواجه بخديجة وعلاقته مع قريش قبل الهجرة وترجم هنا سورة الواقعة وسورة الشمس وسورة الشرح وذكر هجرتَه وتحويل القبلة وتاريخ وفاته.
أما بالنسبة إلى السيرة النبوية الشريفة فليس لمؤلفات جيرمانوس في رأيي أي قِيمَة علمية، لكن أهميتها في حث الناس على التعرّف على هذا الدين الحقّ. وتستهدف مؤلفات الحاج عبدالكريم قلوب القارئين ومشاعرهم.
المبحث الثّاني: المجريون - المستشرقون وغيرهم - الكاتبون باللغة المجرية
في هذا المبحث أذكر مؤلّفات المستشرقين الذين كتبوا باللغة المجرية:
أ) كتب المؤرّخ المدّرس في إحدى الجامعات المجرية كتابا بعنوان "Arab Kalif?k(3)" (الخلفاء العرب) هذا المؤرّخ - الذي لقيته مرارًا - لا يستطيع أنْ يكتبَ حرفًا واحدًا باللغة العربية ولم يقرأْ كتابًا واحدًا من مصدر صحيح.. كان يقتبس من كتب الآخرين من دون أن ينص على مصدره.
جمع في نهاية كتابه الكلمات العربية الواردة في الكتاب فَلْننظر إلى اثنتين منها:
Dh?’l-Fakar: Ali kardj?nak a neve
__________
(1) صدر هذا الجزء سنةَ 1966م وله 4 طبعات.. و طُبع معًا في مجلد واحد أربع مرَات والطبعة الأخيرة سنةَ 1978 م.
(2) الدار 1973م Gondolat Kiad? ولهذا الكتاب طبعتان..(24/4)
والترجمة "ذو الفَكَر: اسم سيف أَلِ" هكذا.. "ألِ" هذا أراد به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه..وهذا خطأ عظيم. إذ إن هذا السيف خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال ابن قيم الجوزية في ذكر سِلاحه وأثاثه - صلى الله عليه وسلم -:
"كان له تسعة أسياف...وذو الفِقار بِكَسر الفاء وبفتح الفاء..."(1).
والثاني: sz?ra: a Kor?n 42. fejezete
وترجمتها: "سورة: الباب الثاني والأربعون للقرآن".. أراد هذا الحاقد بهذه العبارة "شورى" والصحيح سورة الشورى.
ليس في كتابه إلا جملة واحدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي كما يلي:
632 8., amikor a 62 legkedvesebb'' a 18 Aisa meleg, illatu kilehelte ( a szerint a " kincs : kllatok, asszonyok, )(2)
وترجمتها: حدَث في اليوم الثامن من الشهر السادس عام 632م أنّ النبي لفظ نَفَسَهُ الأخير على الثدْيِ الليِّن الحارّ لأَحبّ أزواجه عائشة وهي بنت 18 سنة.. (على فكرة: حسبَ قول النبي: أنفس الكنوز هي: العُطُور والنساء والصلوات).
انطلق المستشرق فيما وصف عن وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من منطلق النظرة الغربية للعلاقة بين المرأة والرجل القائمة عندهم على مجرد العلاقة الجسدية الشهوانية المجردة من المعاني الروحية والنفسية، وغاب عنه أن الارتباط بين الزوج والزوجة في الإسلام لا يقوم على هذه العلاقة الجسدية الجنسية فحسب، بل هناك علاقة أسمى منها وهي السكن النفسي والروحي والاجتماعي الذي هو أساسٌ في العلاقة الزوجية بما فطر الله عليه من ميل كل منهما للآخر.
والله سبحانه وتعالى يقرر هذه العلاقة في القرآن الكريم في قوله:?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الروم الآية:21].
__________
(1) زاد المعاد المجلد الأول 130.
(2) الصفحة (5) من كتاب ( الخلفاء العرب ) .(24/5)
فالآية تقرر وتؤكد أصل العلاقة الزوجية القائمة على السكن النفسي لكلا الطرفين إضافة إلى المودة والرحمة التي تنمو بالعشرة بينهما.
أما أن تحصر العلاقة بين الزوج والزوجة في إطار العلاقة الجسدية والجنسية فإنه هبوط بالإنسان وبهذه العلاقة السامية إلى المنزلة الحيوانية، وهذه النظرة هي من إفرازات الحضارة الغربية القائمة على تحقيق الشهوات والرغبات المادية والجسدية والجنسية.
كما أن وصف ما حدث في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والكيفية التي توفي بها لابد أن يكون قائما على المشاهدة والعيان، وإذا وقفنا على ما ورد في كتب السنة والسيرة من وصف ما حدث في وفاته - صلى الله عليه وسلم - لا نجد رواية واحدة تذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي على (ثدي عائشة) كما وصف المستشرق بل نجدها تنص على (الفخذ، والسّحر، والنحر والصدر) ولا شك أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما توحيه هذه الألفاظ من المعاني والمعنى الذي رمى إليه المستشرق بذكره كلمة ( الثدي) مع وصفه له.
ونقف هنا أيضا على خلل في المنهج العلمي للمستشرق، ذلك المنهج الذي يجعل الأمانة العلمية أساساً من أسس بنائه الصحيح، بيد أن المستشرق لم يكن أميناً ولا دقيقاً في نقله وترجمته للنص.
أقول: تصف هذه الجملة للقرَّاء شهوات المؤلف ولا تصف الواقعة التاريخية.. لو أشار إلى ما رُوي في الصحاح والسنن والمسانيد لكفى.. اقرأ معي الحديث:(24/6)
"أنّ عائشة كانت تقول: إنّ من نِعَمِ الله عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ في بيتي وفي يومي وبين سَحْري ونَحْرِي وأنّ الله جمع بين ريقي وريقِهِ عند موته.. دخل عليّ عبدالرحمن وبيده السِّواكُ وأنا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيتُه ينظر إليه وعرفتُ أنّه يُحِبّ السِّواكَ فقلتُ: آخُذُهُ لَكَ فأشار برأسه (أنْ نَعَمْ) فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشتَدَّ عَليه وقلتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ فأشار برأسه (أنْ نَعَمْ) فليَّنْتُهُ.. فأَمَرَّهُ وبين يديه رَكْوَةٌ أو عُلْبَةٌ - يَشَكُّ عمر- فيها ماءٌ فجعل يُدْخِلُ يديهِ في الماء فيَمسَحُ بهما وجهَهُ يقول: (لا إلَهَ إلاّ اللهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) ثمّ نَصَبَ يَدَهُ فجعل يقول (اللَّهُمَّ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى) حَتّى قُبِضَ ومالتْ يدُه.."(1).
أو الحديث: "أخبرني أنس بن مالك الأنصاري وكان تَبِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وخَدَمَهُ وصَحِبَهُ: أنّ أبَا بكر كان يُصلِّي لهم في وَجَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي تُوُفِّيَ فيه حتى إذا كان يومُ الاثْنَيْنِ وهم صُفُوفٌ في الصَّلاةِ فكشف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سِتْرَ الحُجْرَةِ ينظُر إلينا وهو قائمٌ كأنّ وجهَهُ ورقةُ مُصْحَفٍ ثمّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فهَمَمْنَا أنْ نَفْتَتِنَ منَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَكَصَ أبو بكر على عَقِبَيْهِ ليَصِلَ الصَّفَّ وَظنَّ أنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خارجٌ إلى الصَّلاةِ فأشار إلينا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ) وأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ من يومه.."(2).
في هذين الحديثين عِبر وعِظات لمن تَدَبَّرَهما عن بصيرة.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 4184.
(2) صحيح البخاري كتاب الجماعة والإمامة الحديث ذو الرقم 648.(24/7)
وقد قال القسطلاني في إرشاد الساري: " فَرِحًا باجتماعهم على الصلاة واتفاق كلمتِهم وإقامة شريعته ولهذا اِستنار وجهه الكريم.. "انتهى(1)
اطمأنّ قلبه الرؤوف - وهو يمُرُّ بآخر دقائق حياته- بهذه النظرة إلى أصحابه ورآهم يتبعون الهداية التي أرشدهم إليها.
(ب) كتاب بعنوان "Mohamed élete" (2) (حياة محمد) وهو قصة طويلة.. لا نجد في هذا الكتاب إلاّ المُفْتَرَيَات. يُذكِّرني هذا النصّ بالكتاب الآخر الذي صدر عام 1988م اليوم 26 من شهر سبتمبر وأفتى بعض علماء إيران بتكفير كاتبه- نعم بينهما تشابه كامل أُسلوبًا وقصدًا.. يقص هذا الكاتب الحاقد حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلسان زيد بن ثابت رضي الله عنه.. أذكر منه نموذجين:
النموذج الأوّل
نقرأ التالي باختصار(3) "أملى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على زيد بن ثابت الوحي لكن كانت قراءته سريعة جدًّا ولم يستطع زيد كتابة الآيات لذلك تظاهر بالكتابة.. ثم رجع إلى حجرته لكن نسي الآيات كلَّها وكتب الوحي من تلقاء نفسه.. بعد حين دعاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليقرأ عليه وزيد قرأ كلماته عليه.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - وافق عليها.. وتَبَجَّحَ زيد بأن كلماته صارت وحيًا كأنها كلام الله" انتهى.
هذا قذف في ديننا الحقّ وفي كتابنا العظيم وفي رسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.
يقرّر هذا الكاتب أنّ القرآن الكريم هو كلام البشر وهذا هو طعنه الأوّل.. وطعنه الثاني هو كأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان شيخًا هرماً ينسى الوحي.. وطعنه الثالث هو قذف زيد بن ثابت بِتَزْوِيرٍ.. كلّ هذه الطعُون باطلة.
لقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ([الحجر: 9].
وقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( (( ( ( ( ( ([يونس: 64].
وقد قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية:
__________
(1) إرشاد الساري للقسطلاني المجلد 1/44.
(3) ص 248.(24/8)
" ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأنّ القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأنّ الله تعالى تكلم به حقيقة وأنّ هذا القرآن الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره..".
النموذج الثاني
ادَّعى هذا الكاتب في كتابه أنّ زينب بنت جحش كانت زوجة زيد بن ثابت.
نعم هنالك زيدٌ فَلْنُسَمِّهِ: هو زيد بن ثابت..
وهنالك زيدانِ وهما زيد بن ثابت وزيد بن حارثة..
بل هنالك زيدون وهم: زيد بن أرقم وزيد بن أسلم وزيد بن خارجة وزيد.. وزيد.. وزيد...(1).
والصحيح الذي لا شك فيه -كما هو معروف- أنّها كانت تحت زيد ابن حارثة وفيها نزل قولُه تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( [الأحزاب: 37].
وزينب بنت جحش هي التي ورد ذكرها في الحديث.
"عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ قَالَ أَنَسٌ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ قَالَ فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ وَعَنْ ثَابِتٍ ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ) نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ "(2).
__________
(1) فليراجع من يشاء كتب الرجال مثلا الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر في القسم الأوّل من حرف الزاي - المجلد 1/ 560- 575 الرقم 2873 إلى الرقم 2955.
(2) صحيح البخاري كتاب التوحيد الحديث ذو الرقم 6984.(24/9)
(ج) المؤلف الثالث هو Goldziher Ign?c (غولدزيهير اِغناتس) المستشرق المجري وهو يهودي الأصل.. كتابه الذي يَهُمّنا هو بعنوان Az Iszl?m (الإسلام)(1) هذا التأليف صغير الحجم قياسه (11,4-16) سم وعدد السطور في كلّ صفحة 29.. فيه ستة فصول- أربعة منها بعيدة عن موضوعِنا.
الفصل الأوّل A sivatag vall?sa és az iszl?m (دين الصَّحْرَاء والإسلام) من الصفحة 5 إلى الصفحة 122.
الفصل الثاني Az iszl?m hagyom?nyai (أحاديث الإسلام) من الصفحة 123 إلى الصفحة 206.. سأرجع إلى مناقشته - إن شاء الله سبحانه وتعالى - في القسم الثاني.
(د) المؤلف الرابع هو Simon Rَobert (شيمون روبيرت) المستشرق المجري وهو يهودي الأصل .. كتابه الذي يتعلق بموضوعنا هو بعنوان Az iszl?m keletkezése (تكوين الإسلام)(2) هذا الكتيب صغير الحجم قياسه (12-18) سم - عدد السطور يتفاوت بين 25 إلى 32 سطرًا.
فيه ثلاثة فصول.. من عناوينه: الفصل الأوّل "الجزيرة العربية قبل الإسلام" (الجزيرة العربية والدول الكبرى المجاورة في القرن السادس م.- الأَعْرَاب- سُكّان الواحات- سكّان المدن- المدينة- الطائف- مكّة ).
الفصل الثاني "مرحلة تكوين الإسلام المكيّة" (محمد وبداية الإسلام- السور الأولى - المسلمون الأولون -تكوين التوحيد – هجرة حبشة- محاولات محمد خارج مكة) الفصل الثالث "مرحلة تكوين الإسلام في المدينة" (مكانة الإسلام في المدينة- الدستور المدني- تكوين الدين المَعْزُوّ إلى إبراهيم- غزوات الإسلام).
سوف أرجع - إن شاء الله سبحانه وتعالى- إلى إبطاله في القسم الثاني.
المبحث الثالث: الغربيّون - المستشرقون وغيرهم-
وكتبهم المترجمة إلى اللغة المجرية
__________
(1) لهذا الكتاب عدة طبعات الأخيرة منها سنة 1980م دار Magveto 598ص.
(2) طبع سنة 1967م Gondolat Kiadَoس, Budapest 150 ص.(24/10)
1) كتاب بعنوان Izmael fiai (بنو إسماعيل)(1) يناقش هذا الرجل تاريخ العرب من العصر الجاهلي إلى العصر التركي العثماني.. والجزء الخاص بسيرة نبينا محمّد - صلى الله عليه وسلم - يُسمَّى بـ "Az Arabok Prَofét?ja" (نبيّ العرب) من الصفحة 29 إلى الصفحة 36.. المستوى العلمي في هذا القسم من كتابه لا يستحق أنْ نهتمَّ به.. لذلك لا أُعلّق إلاّ على عنوان هذا القسم.. نعم ولد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في عائلة عربية وأمّه عربية و لغته عربية وقلبه عربي ونسبه عربي لكن الرسالة التي أُرسل بها وأُمر بتبليغها هي عامّة.. لقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([سبإ:28].
وقد قال قتادة في هذه الآية: "أرسل الله تعالى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب والعجم.."(2).
وقد روى البخاري في صحيحه:
عن جَابِر بْن عبداللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:(( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً))(3).
أو الحديث الذي خصّه الله تعالى فيه بمثل ما سبق ذكره وزاد فيه "جوامع الكلم" و "خَتم سلسلة الأنبياء به".
__________
(1) Burchard Brentjes : Izmael fiai, Budapest, Kossuth K?nyvkiad?, 1986 Die S?hne Ismaels, Geschichte und Kultur der :عنوان الكتاب الألماني ص177 الطبعة الثالثة Araber, Leipzig, 1977 .
(2) راجع تفسير ابن كثير عند تفسير هذه الآية.
(3) صحيح البخاري- كتاب التيمم الحديث ذو الرقم 328 .(24/11)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:(( فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ))(1).
2) كتاب بعنوان Az Iszl?m (الإسلام)(2) يبدأ الجزء الخاصّ بسيرة نبيّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - من الصفحة 15 إلى الصفحة 21.. هذه ستّ صفحات هي قصّة حياته - صلى الله عليه وسلم - وغزواتِه ومعراجِه وهجرتِه وقدوم الوفود عليه وَهي قصّة 63 سنة.. وكفانا هذا لوصف قيمة هذا الكتاب..
3) مجموعة المقالات المختلفة عن العالم العربي والإسلامي بعنوان Az
Arabok (العرب)(3) بحجم صغير قياسه 11-18 سم وعدد السطور يتفاوت بين 25 إلى 33 سطرًا.. نقرأ فيها مقالتين تتعلّقان بموضوعنا.. ومقالة ثالثة عن القرآن الكريم.
المقالة الأولى هي Mohamed (محمد)(4) من الصفحة 134 إلى الصفحة 143.. وهي مملُوءة بالأكاذيب والتشويهات والتُهم.. فلننظر منها إلى جملتين لكي ندرك علم كاتبه ونعرفَ سوءَ مقاصده. يقول هذا المؤلف متكلمًا على محمد (- صلى الله عليه وسلم -):
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواقع الصلاة الحديث ذو الرقم 523 ورواه الترمذي في سننه - كتاب السير الحديث ذو الرقم 1553.
(2) birodalom létej?ttéig Claude Cahen: AzIszl?m a Kezdetekt?l az oszm?n الإسلام من البداية حتى مولد الملك التركي العثماني ص402 دارGondolat K?nyvkiad?, Budapest, 1989 L' Islam , des origins au début de l'empire ottoman, Bordas, 1970 ،
(3) ص 525 Arabok, Kozmosz K?nyvek, Budapest, 1976 .
(4) بقلم الدكتور إرنست فيرنير Dr. Ernst Werner .(24/12)
" A h?v?ُknek k?ِtelességükké tétte az im?dkoz?st és a mosd?st."(1)
والترجمة: "فرض على المؤمنين الصّلاةَ والوضوء"
أقول: لم يفرِضْ نبينا - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ على المؤمنين، بل عليه وعلى المؤمنين أجمعين فُرِضَت الصلاة ليلةَ أُسْرِيَ بِهِ وعُرِجَ بِهِ.
جاء في صحيح البخاري في حديث الإسراء والمعراج الطويل صريحًا: "فَفَرَضَ الله على أُمَّتِي خَمْسِين صلاةً..."(2).
أو الحديث في سنن الترمذي:
عَنْ عبداللَّهِ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ قَالَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا ثَلاَثًا لَمْ يُعْطهُنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ خَمْسًا وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا(3) والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة..
وقد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمّتَه بأداءِ الصلاة في أوقاتها وبأركانها وشروطها وسننها.
والجملة الثانية: "Medin?ban...n?vekedett prَofétai ?ntudata, noha?j vall?si eszméi m?r nem voltak. T?ِbbnyire beérte régebbi tanainak r?vid, sztereotip ismétlésével."(4)
والترجمة: "في المدينة... ازداد وعْيُه النبوي رغمَ أنَّه لم يمتلك أَفكارًا دينيّة جديدة.. قد اقتنع بتكرير تعاليمِهِ القديمة على نحوٍ لا يتغير و تُعوِزُهُ السمات الفردية المُميِّزة..".
__________
(1) المصدر السابق ص 135.
(2) صحيح البخاري كتاب الصلاة الحديث ذو الرقم 342.
(3) سنن الترمذي تفسير القرآن الحديث ذو الرقم 3276.
(4) المصدر السابق ص 137.(24/13)
أقول: الجزء الأول هو دليل على ضِيق في أُفُق تفكير كاتبه.. لكن الجزء الثاني هو طعن في نزول الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - في السنوات المدنيّة وإنكار تنزيل السور المدنية من الله العليمِ على رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.. لو كان قول هذا الكاتب صوابًا وصحيحًا لفقدنا آية الكرسي وهي مدنية وآية الربا وهي مدنية وأمْرَ الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين أن يستقبلوا الكعبة في المسجد الحرام حيث قال تعالى:( ? ( ( ( ( ([البقرة:144] وأمرَ الله تعالى بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام لكونهم نجسًا وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([التوبة: 28] بل فقدنا السور المدنية كلها..لكن قال تعالى: ( ? ( ( ( ( [النساء: 47].
المقالة الثانية هي Mohamed vall?sa, az Iszl?m (دين محمّد هو الإسلام)(1) من الصفحة 144 إلى الصفحة 154.. أذكر-إن شاء الله سبحانه وتعالى- منها جزأين شنيعين وهما يصفان لنا شناعة المقالة كلّها ومنهج كاتبه.
الجزء الأوّل: "A pr?َféta...nem a hagyom?nyos arab népi vall?sb?َl mer?tett, mint ink?bb a zsid? és a keresztény vall?s kül?nb?z?ُ ir?nyzataib?َl. Nem egészen alaptalanul nevezték?t zsid?َ-keresztény eretneknek."(2).
والترجمة: "النبيّ... لم يقتبس من الدين التقليدي الشعبي العربي بل من تعاليم الفِرَق اليهودية والنصرانية المختلفة.. لذلك يمكننا أَنْ نُسَمِّيهِ بالهَرْطُوقِي اليهودي والنصراني..".
أعوذ بالله من جهل هذا الرجل.. لو دَرَسَ وتدبّر وقَرَأَ كتابَنا الكريم باللغة العربية الفصحى والأحاديث الصحيحة الموجودة في كتب الأحاديث النبوية الشريفة وكتبَ السيرة لحصل على علم كافٍ ويقينٍ ثابتٍ.. وفي غياب هذه الدروس قد ضلّ صاحب هذه المقالة وأراد أن يُضِلَّ الناس بآرائه المعادية.
__________
(1) كاتب هذه المقالة هو Dr. Kurt Rudolph
(2) المصدر السابق ص 144.(24/14)
أما بالنسبة إلى قوله :" مقتبس من اليهودية والنصراينة" فأقول: لم يقتبس نبيّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - من أيّ دين ولا من تعاليم الفرق المختلفة لأنّه لم يتكلم من تلقاء نفسه - في أمور الدين- إذ هو مبلّغُ ما أُوحي إليه من ربّه جلّ جلاله فهو بلّغه إلى الناس كاملاً من غير زيادة ولا نقصان.. وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النجم: 3 و 4].
إذًا علّم نبينّا - صلى الله عليه وسلم - القرآن للمؤمنين عربِهم وعجمهم وقد علّم وحيًا آخَر أُنزل عليه وهي الحكمة المذكورة في القرآن العظيم.
وقد قال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [آل عمران:164].
وقال تعالى :?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء: 113].
وقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب: 34].
لقد نصّ كثير من علماء الإسلام على كون الحكمة تنزيلاً من الله عزّ وجلّ.. وقد قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- في الوصية الكبرى "فإنّ الله سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة وامتنّ على المؤمنين بذلك.."(1).
الجزء الثاني: كتب هذا الرجل عن شهر رمضان المبارك: "?ll?t?lag abben a h?napban, amely az iszl?m holdév szerint a kilencedik kUldte le Allah a kor?nt is a "rendeltetés éjszak?j?n".(2) Eredetileg tal?n az ugyanebben a h?napban lezajlott badri csata emlékUnnepsége volt ez"(3).
__________
(1) الوصية الكبرى في مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 3/ 366.
(2) العبارة المجرية " a rendeltetes éjszak?j?n " هي بالعربية " في ليلة القسمة ".. أنا أعرف كيف ورد هذا في المقالة في لغتها الأصلية لكن ترجمتها إلى المجرية غير صحيحة.
(3) مقالة د. كورت المذكور سابقًا ص 150.(24/15)
والترجمة: على افتراض أن الله أرسل القرآن في ليلة القِسْمَة في هذا الشهر الذي هو التاسع في السنة القمرية الإسلامية.. في الأصل كان هذا هو الاحتفال بذكرى معركة بدر التي ربما وقعت في مثل هذا الشهر.
أقول أوّلاً: أصاب هذا الرجل إصابة واحدة: نعم شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور.. لكن الليلة التي أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم هي باللغة العربية الفصحى واصطلاحًا ليلة القَدْرِ.
وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( [القدر: 1].
وأقول ثانيًا:ليس هذا الأمر "على الافتراض؛" لأنَّا نحن المسلمين نؤمن بأنّ القرآن العظيم هو كلام الله وهو أصدق الكلام.. ونؤمن بأنّ الأحاديث الصحيحة الموروثة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هى خير الهدى.
وقد ذكرت الآية من سورة القدر مشيرًا إلى ليلة القدر وهذه الليلة هي مباركة كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( [الدخان:3].
وهذه الليلة في شهر رمضان..كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [البقرة: 185].
وقد أجمع المفسّرون على أنّ القرآن الكريم أُنزل أوّلاً جملةً واحدة ثمّ مفرقًا.. كما هو مرويّ عن ابن عبّاس: "وأمّا القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزّة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه... ثمّ نزل بعده مفرقًا بحسب الوقائع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .."(1).
أو كما نقرأ في المحرّر الوجيز: "وقال ابن عبّاس: أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من رمضان ثمّ كان جبريل ينزله رسلا(2) رسلا في الأوامر والنواهي والأسباب.."(3).
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير المجلد الأول عند تفسير الآية 185 من سورة البقرة.
(2) الرَّسَلُ بفتح الراء والسين والمعنى: القطيع من كلِّ شيء وجمعه أرسال.
(3) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي 2/82.(24/16)
أمّا قوله: "معركة بدر التي ربما وقعت في مثل هذا الشهر" لا يتطرّق الشكُّ إلى وقوع غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان و لا يمتري فيه إلا الجاهل.. وقد قال ابن قيم الجوزية "فلما كان في رمضانَ من هذه السنة بلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خبرُ العِير المُقبلة من الشام..."(1).
أما قوله: "في الأصل كان هذا هو الاحتفال بذكرى معركة بدر" فهذه الجملة لا تحتاج إلى شرح بُطلانه وهي برهان ودليل على كاتبه.. فالصوم من أركان الإسلام الخمسة التّي بُني عليها وفريضةٌ فرضها الله على المؤمنين والغزوة من باب الجهاد في سبيل الله ومن باب حماية دينه.
وذكرى غزوة بدر وذكرى الغزوات كلِّها في صدور الناس يحفظون ويدرسون أحداثها ويستفيدون منها ويتّعظون بها.. لنا درس عظيم بل دروس كثيرة في هذه الغزوات فلنقرأ الحديث في غزوة بدر الكبرى:
قَالَ عبد الله بْنَ مَسْعُودٍ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ • أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى ( ? ( ( ( ( وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ(2).
أين نحن في أيامنا هذه من هؤلاء الرجال الكبار الصادقين الذين حثّهم إيمانُهم الطاهر الخالص الجادّ على جهودٍ بلا حدود.. لم تكنِ الحياة الدنيا ومتاعها أكبر همّهم بل كان هدفهم إعلاء كلمةِ الله ونصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتوادّ والتراحم بين المؤمنين بكلّ أقوالهم وأفعالهم.
__________
(1) زاد المعاد 3/171 وقال ابن قيم: إن هذا قول ابن إسحاق كما في السيرة.
(2) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 3736.(24/17)
المقالة الثالثة بعنوان A Kor?n (القرآن)(1) من الصفحة 155 إلى الصفحة 164.. فهي مجموعة أغلاط.. على ضوء جملة واحدة من هذه المقالة سوف نرى - إن شاء الله سبحانه وتعالى- المستوى العلمي.. في الصفحة 157 يقول هذا الرجل:
"Kilenc sz?ra a “basmal?”-val kezd?ُdik, vagyis ezzel a formul?val: “Az irgalmas és irgalmaz? Isten nevében.”"
ترجمتها: تبدأ تسع سور بِبسملة يعني بـ "بسم الإله الرحمن الرحيم" وقد كتبت في الترجمة الكلمة "إله" لأنّ صاحب هذه الجملة قد ترجم اسم الجلالة بالعبارة المجرية "isten".. وأنا أعتقد أنه لا يمكننا ترجمة اسم الجلالة إلى أي لغة فواجبٌ على المترجمين أن يكتبوا الله- مكتوباً بأحرف لغتهم.. والخطأ الثاني واضح.. لو تصفّح هذا الرجل القرآن العظيم ولو مرة واحدة لعلم أنّ السور كلها اُفتتحت بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" إلاّ السورة التاسعة-سورة التوبة.
__________
(1) كاتب هذه الصفحات هو Dr. Kurt Rudolph(24/18)
وختامًا لهذا القسم أود أنْ أُرِيَكُمْ القدر الواجب من سيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الطلاب في أكبر الجامعات التي تُدرس فيها اللغة العربية الفصحى.. السنة الأولى هي تأسيس الدراسات المقبلة و في السنة الثانية يبدأُ الطالب دراسة اللغة العربية الفصحى بقراءة النصوص.. يستخدم قسم الدراسات العربية والإسلامية كتابًا(1) صغير الحجم قياسه (18.5 -11) سم وفي كل الصفحة 18 سطرًا.. يحتوي هذا الكتاب على مَقاطع مختارة من كتب متنوعة.. الجزء الخاص بسيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو من الصفحة 36 إلى الصفحة 66.. وهو يحتوي على المقاطع التالية: حمل آمنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولادته ومبعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعلى بيعة العقبة الأولى وعلى بيعة العقبة الثانية وعلى هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وعلى نُبذة من الخبر في غزوة بدر الكبرى وعلى نخبة من الخبر عن فتح مكّة وعلى وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ويُدرس هذا الكتاب – الذي يقع في -183 صفحة- مُدّة سنتين.
الفصل الثاني
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: الأخطاء الموجودة في بعض المؤلفات للمستشرقين المكتوبة باللغة المجرية.
المبحث الثاني: الرد على كتاب المستشرق المجري شيمون.
__________
(1) …Brünnow-Fischer: Arabische Chrestomatie aus Prosaschriftstellern, سمّى فيشر كتابه بـ - تسهيل التحصيل وهو كتاب مدرسي يتألف من نخب مختارة من الكتب العربية... من فهرس الكتاب: من كتاب تسلية الخواطر في منتخبات المُلَح والنوادر لشاكر البتلوني/ ص 183 من كتاب الأغاني لأبي الفرج/ من كتاب سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن هشام/ من تأريخ الرسل والملوك للطبري/ من كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان / من القرآن الكريم / من كتاب الجامع الصحيح للبخاري/ كتاب الآجرومية لابن آجروم.(24/19)
المبحث الأول: الأخطاء الموجودة في بعض المؤلفات للمستشرقين المكتوبة باللغة المجرية
في هذا القسم أريد أنْ أُركّزَ على الكتابين المذكورين سابقًا الأول لغولدزيهير والثاني لشيمون..
أولاً: بعض الملاحظات العامّة على مسألة كتابة الكلمات العربية بالحرف اللاتيني
1- ليس في مؤلفات غولدزيهير وشيمون القديمة أيّ علامة لحروف المدّ العربية إذًا لا فرق في كتبهما بين الفتحة والألف.. فكتب الكلمة "haram" و قصد بها مرّةً -الحَرَم.. واقتراحي لكتابتها هو:"".. ومرة أخرى قصد بها - الحَرَام واقتراحي لكتابتها هو "".. وبالتالي لا فرق بين الكسرة والياء.. ولا بين الضمة والواو.
2- كتابة الحروف العربية المختلفة بحرفٍ لاتيني واحد.
- استخدام الحرف اللاتيني "t" لكتابة الحروف العربية التالية:
لحرف الثاء- الكنية العربية أبو ثور هو مكتوبة كـ- Abu Taur كأنّها كانت "أبُ تَوْر".
لحرف التاء - الكلمة العربية تكبير مكتوبة "takbir" كأنّها كانت "تكبر".
لحرف الطاء- الكلمة العربية طبقة مكتوبة tabaka كأنها كانت "تَبَكَ"
-استخدام الحرف اللاتيني "h" لكتابة الحروف العربية التالية:
لحرف الحاء مثلا كُتب Mohamed كأنه كان "مهمد".
لحرف الخاء كُتب tahfif كأنه كان "تَهْفِف" أو بدلا من لأخِيه كُتبliahihi كأنه كان "لأَهِهِ".
لحرف الهاء بدلاً من تهليل كُتب tahlil كأنه كان "تهلِل".
- استخدام الحرف اللاتيني "d" لكتابة الحروف الدال والذال والضاد..
- استخدام الحرف اللاتيني "z" لكتابة الحرفين الزاي والظاء..
- استخدام حرفي العلَّة اللاتينيّين "o" و"e" كأنهما موجودان في اللغة العربية الفصحى.. على سبيل المثال Mohamed أو Omar و'Omar أو Abu Bekr..
ثانيا: الأخطاء الكتابية واللغوية والمعنوية الواردة في مؤلفّات المستشرقين المذكورين
كما هو معروف يستخدم الاستشراق علامات متنوعة لكتابة الكلمات العربية بالحرف اللاتيني وأشهرها.(24/20)
مثلا: لكتابة حرف الصاد يُستَخْدم - - يعني حرف السين اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الضاد يُستَخْدم - - حرف الدال اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الطاء يُستَخْدم -- حرف التاء اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الظاء يُستَخْدم -- حرف الزاي اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف العين حرف c الصغير اللاتيني المرفوع فوق خط الكتابة.. لكتابة حرف الحاء يُستَخْدم -- حرف الهاء اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الخاء يُستَخْدم - - حرف الهاء اللاتيني وتحته خط أُفُقي.
(1) ورد في كتاب غولدزيهير (الإسلام) في الصفحة 95 الاسم كما يلي Zayd al-Kayl وكتابته بالعربية هي "زيد الكَيْل" كأنَّ اسمه اشتُقَّ من الفعل كَالَ يَكِيلُ و كَيْلٌ وجمعه أكيالٌ وهو طبعًا زيد الخيل الذي سمّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير.. اقتراحي: Zaydu-l-Hayl.. ونجد قصة تسميته في أخبار قدوم وفد طيئ.. "قال ابن إسحاق: وقدم على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وفد طيئ وفيهم زيدُ الخيل وهو سيِّدهم ولمَّا انتَهَوْا إليه كلّمهم وعرض عليهم الإسلام فأَسلموا وحسن إسلامهم وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمَّ جَاءَنِي إِلاَّ رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إلاَّ زَيْدَ الخَيلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّ مَا فِيهِ».. ثُمَّ سَمَّاهُ زَيد الخير.."(1).
2) يستخدم غولدزيهير العلامة في موضعها لكتابة حرف العين فكتب مثلا "جعفر" كـ- Dzsacfar.. ملاحظة: dzs في اللغة المجرية نطقه جيمُ اللغة العربية.
- لكن كثيرا ما استخدم في غير موضعها واستخدمها بدلا من الهمزة.. وقد كتب الكلمة في الصفحة 95 “muruc?” كأَنَّها كانت بالعربية "مُرُعَا" وهي كلمة "المُرُوءَةُ" فسّرها الخليل بمعنى "كمال الرُّجُولِية".. اقتراحي: atual mur
__________
(1) زاد المعاد لابن قيم 3/616 وراجع الإصابة لابن حجر 1/572 برقم 2941.(24/21)
(أ) كتب في الصفحة 92” àlaykum AL-szelàmكأنه كان "عَلْسلام عليكم" قتراحي:satamu àcaykum as-
(ب) نموذج آخر: اسم الشاعر كتبه كما يلي “Imrul-Kajsz” كأنه كان باللغة العربية "عِمْرُ الكَيْس" وهو طبعًا امْرُؤ القيس اقتراحي: Imru’u-l-Qays أو Imru’l-Qays
(3) عمرو بن معدي كَرِب كتب كُنيته “Abu Taur” كأنه كان باللغة العربية "أبُ تَوْر" لا فرق بين حرف الثاء و حرف التاء و خطأ آخر كتابة الكلمة "أبو" في الإضافة وكنيته الصحيحة أبو ثور.. ومعنى التَوْر الجَرَيَانُ والرَّسُولُ بين القوم واِنَاءٌ يُشْرَبُ فِيهِ كما فسر هذه الكلمة الفيروزآبادي في القاموس المحيط عند المادة (التَّوْرُ).. اقتراحي: Ab? Tawr
(4) في الصفحة 15 كتب szalla يدلّ الحرفان المجرِيَّانِ السين و الزاي معًا (sz) على الحرف العربي "سين" أراد بها الفعل العربي "صلّى" لكن كتابته كأنها كانت الفعل "سَلَّ يَسُلُّ".. اقتراحي: allà
(5) نجد في الصفحة 26 أَنّه لا يُفرِّق بين حرف الدال وبين حرف الضاد وقد كتب “A Fadlok?ِsszeesküvése” و الترجمة "مُؤامرة الفَدْل" وأراد بهذه العبارة "حلف الفضول".. اقتراحي:lHifu-l-fu. لقد أخطأ في ترجمته لأنه لم يكن مؤامرة بل كان حلفًا بين قبائل العرب أو بعبارة أدقّ قبائل من قريش كبني هاشم و بني المطلب وبني أسد وزهرة بن كلاب وتَيْم ابن مرة وهم تحالفوا و تعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظَلَمَه حتى تُردَّ مَظْلمَتَهُ فسمّت قريش ذلك الحلف "حلف الفضول" وقد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(6) حذفُ حرفٍ في نهاية الكلمة.
جمع بعض الكلمات العربية الواردة في كتابه وفسرها، وعند حرف السين نجد:
- في الصفحة 594 Szub - a reggeli ima- والترجمة: "سُبْ: صلاة الصبح".. بكتابة الكلمة "سُبْ " قصد صُبْحٌ أو الصُبْحُ و اقتراحي: أو(24/22)
(7) في الصفحة 588 الكلمة العربية مكتوبة في الجمع وتفسيرها مفرد
وترجمتها:" فُكَهَع: المُتَخَصِّص في القانون الديني".. وهو فَقِيهٌ وجمعه فُقَهَاءُ اقتراحي:
(9) بنى غولدزيهير الفصل (دين الصحراء والإسلام) على ادّعاء باطل وهو أنّ مفهوم المروءة المعروفة في العصر الجاهلي يمتد إلى الإسلام وقوبل كأساس أخلاقي في الدين.. وقال إنّ محمداً (- صلى الله عليه وسلم -) أخذ كثيرًا من المبادئ الدينية والأخلاقية والاجتماعية من عربِ الجاهلية.. وذكر حديثًا جاء فيه "لا دين إلاَّ بالمروءة".. لكن لم يشر إلى الكتاب الذي اقتبس منه ولم يدلّ على الرّاوي.. ونحن نعرف أنّه لا أصل لهذا الحديث و لا أثر له في كتب الحديث المعتمدة.. ويقرّر أنّ الرّوح الأعرابية تَخْضَعُ لِلإسلام بشكل كامل والأعراب يتمسّكون بقِيَمِهم القديمة وبِصِلات الأنساب وبفَخرهم القَبَلِي ولم يتحقق إسلامهم إلاَّ ظاهرًا.. مصدره الرئيس هو كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني و أشعار لبعض الشعراء منهم الشاعر أبو نواس وخمرياته.. استنبط من هذه المؤلفات أراءَه وأفكاره الضالّة وجعلها حججًا قاطعة.. أسأله هل من هذه الكتب ومن هذه الأشعار يُعرف الدين أيّا كان.. لا يحتاج هذا القول الباطل والكذب إلى توضيح بطلانه وخطأ قائله..
المبحث الثاني: الردّ على كتاب المستشرق المجري شيمون
(1) يقول هذا المستشرق في باب: "خصائص السور الأولى" وقصد بها السور المكّيّة:
(E szakasz Kor?n-anyag?nak tém?it elemezve nyomban felt?nik a monotheizmusnak a hi?nya.. A sz?r?k kِ?z?ِtt még az Iszl?m el?tti var?zsformul?k is szْra.) szerepelnek. Az egyik a. (1).
والترجمة: "إذا قُمْنا بتحليل المادّة القرآنية لهذه المرحلة فيبرز على الفور فُقْدان التوحيد... وفي هذه السور حتّى تعابير السَّحَرَة مثلا سورة 113".
__________
(1) كتابه "تكوين الإسلام" على الصفحة 67.(24/23)
أمّا قوله "فُقدان التوحيد" فأقول لهذا المستشرق نحن المسلمين نؤمن بأنّ السور المكّيّة تحتوي على علوم التوحيد.. اقرأ معي قوله تعالى:?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الإخلاص:1-4].
وهذه السورة تعدِل ثلث القرآن وقد جاء في الحديث الصحيح:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ))(1).
وتدل هذه السورة على عِلم التوحيد وما يجب على العباد من معرفة أسماء الله وصفاته وهذا من أشرف العلوم.
بدأ تعالى بإثبات أحديّتِه وهذه الأحدية تَتَضَمَّنُ نفي المشاركة والمماثلة و"لا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلاّ على الله عزّ وجلّ لأنّه الكامل في جميع صفاته وأفعاله"(2).
ثمّ بإثبات الصمديّة وهذه الصمديّة تَتَضَمَّنُ جميع صفات الكمال.. ثمّ علّم تعالى عبادَه توحيدَ التنزيه بقوله تعالى :?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة وهو خالق كلّ شيء ومالكُه تعالى وتنزّه.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأيمان والنذور الحديث ذو الرقم 6267 .
(2) تفسير ابن كثير عند تفسير هذه السورة.(24/24)
وقد أحسن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية حيث قال: "كالآيات المكّيّة فإنّ فيها من بيان التوحيد والنبوة والمعاد وأصول الشرائع ما هو أفضل من تفاصيل الشرائع كمسائل الربا والنكاح والطلاق وغير ذلك.. فهذا الذي أخّره الله مثل آية الربا فإنها من أواخر ما نزل من القرآن وقد روي أنّها آخر ما نزل وكذلك آية الدَّين والعدة والحيض ونحو ذلك قد أنزل الله قبله ما هو خير منه من الآيات التي فيها من الشرائع ما هو أهمّ من هذا وفيها من الأصول ما هو أهمّ من هذا.. ولهذا كانت سورة الأنعام أفضل من غيرها وكذلك سورة يس ونحوها من السور التي فيها أصول الدين التي اتفق عليها الرسل كلهم صلوات الله عليهم.. ولهذا كانت ( ( ( ( ( ( مع قلّة حروفِها تعدل ثلث القرآن لأنّ فيها التوحيد فعلم أنّ آيات التوحيد أفضل من غيرها.."(1).
أمّا الجملة الثانية من كلام المستشرق فهي مُجرّدُ كفرٍ وجهل..
وقد قال تعالى :?? ? ( ( ( ( ( [طه: 69].
أعتقد أنّ المستشرق قصد قوله تعالى : ?( ? ( ( ( ( ( [الفلق: 4].
__________
(1) جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية ص 113.(24/25)
اشتبه على هذا المستشرق فِعْل النفاثات السَّواحِر وتعبير السحرة..هنا نقرأ وصف الفعل والإخبار عنه.. لأن النَفْث في العقد هو فعل الساحر.. وقد روى أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))(1) يوجد في هذا الحديث نصّ على أنَ الساحر مشرك وحكم الشرك، كما جاء في الحديث أنه من الكبائر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :(( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هِيَ؟ قَالَ : (( الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالشُّحُّ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ))(2).
ومن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا :(( أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا وَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ))(3).
وفي الصفحة 68 من كتابه يقول:
(2) . sz?a Ura sem a késُbbi Allah) (A m?r eml?tett
__________
(1) سنن النسائي كتاب تحريم الدم الحديث ذو الرقم 4079.
(2) سنن النسائي كتاب الوصايا الحديث ذو الرقم 3671.
(3) سنن أبي داود كتاب الأدب الحديث ذو الرقم 5056.(24/26)
وترجمتها: "إِنَّهُ لا يستوي ربّ السورة 105 المذكورة سابقًا والله في السور الأخرى..".
أقول: ورد في الآية الكريمة لفظ "رَبُّكَ" حيث قال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( [سورة الفيل:1] و استنبط المستشرق أنَّ لفظ "الرَّبُّ" المستعمل مطلقًا بدون إضافة أو لفظ "رَبُّكَ" لا يدلُّ على الله سبحانه وتعالى.. ألم يقرأ سورة الفاتحة؟ حيث جمع تعالى بين اسم الجلالة الله و ربّ وقال تعالى: ( ( ( ( ( ( [سورة الفاتحة: 2].
وقال ابن كثير في تفسيره:"وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل..".
(3) (A pr?féta utols? Mekk?ban tِ?ltِ?tt napjai s hidzsr?ja egy szépen kikerek?tett hagiogr?fiai ?rténet, amelynek sz?mos mozzanat?t?َtestamentumi hat?s alatt dolgozt?k ki a kés?bbiek folyam?n.)(1)
وترجمتها: "ليست أيّام النبي الأخيرة التي قضاها بمكّة و هجرته إلاّ قصّة من سِيَر القِدّيسِين المعروضة بشكل مُتكامل و عُولج كثير من أجزائها بتأثير العهد القديم فيما بعد..".
أقول لهذا المستشرق: ليست الأيام الأخيرة التي قضاها في مكة المكرمة وهجرته قصة من سير القديسين بل هذه الأمور هي حوادث تاريخية وحقيقية وهي جزء ثابت ومصدوق من سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أمّا التأثير المفترض من العهد القديم فأعتقد أنه قصَد قصّة داود في سِفر صموئيل الأول 23: 13-17 حيث نقرأ باختصار أنّ شاول طارده، وفرَّ منه داود هاربًا بستمائة رجل له وسكن أولاً في الحصون المنحوتة في الصخرة ثمّ في مَرجِ "زِيف" على الجبل وبعد ذلك اتجه داود إلى الغابات، وبعد حين ذهب إليه ابنُ شاول وقال لداود: لا تحزن لن تصلَ إليك يد أبي.
إذا قُمنا بمقارنة الواقِعَتين وجدنا الأمور التالية:
__________
(1) في كتاب "تكوين الإسلام" ص 81.(24/27)
أَوَّلاً: فَرَّ وَهَرَبَ داود ومعنى الفِعْلين معروف.. وهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من مكة المكرمة إلى المدينة المنوّرة الّتي كانت تسُمّي قبل الهجرة بـ - يثرب - ومعنى الهجرة هو الخروج من أرضٍ كفر إلى أرض إسلام أو سلام أُخرى..
ثانيًا: فرّ داود من شاول بستّمائة رجل له يعني هم هربوا معًا كرَهط واحد وفي وقت واحد.. تختلف هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهجرة المسلمين عن فرار داود اختلافًا تامًّا.. بُدئت هجرة المسلمين إلى المدينة المنوّرة بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها فبادر الناس إلى ذلك.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - بقي في مكة ينتظر متى يُؤمُر بالخروج.. روى البخاري الحديث الطويل جاء فيه:
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالثَّمَنِ)(1).
ولم يُذكَرْ في سِفر صموئيل أيّ إذن.
ولم يهاجر المسلمون كلهم في وقت واحد بل خرجوا وهاجروا إلى المدينة المنّورة أَرسالاً.. وكان أوّل من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبدالأسد المخزومي ثمّ هاجر عامر بن ربيعة وامرأته ثمّ هاجر أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أرْسالاً..(2).
وفي الرواية عند البخاري:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة الحديث ذو الرقم 3905.
(2) طبقات ابن سعد 1/210.(24/28)
(عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنا القُرْآنَ ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلاَلٌ وَسَعْدٌ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - )(1).
"ولم يهاجر أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ مُتَخَفِيًّا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لَمَّا همَّ بالهجرة تقلّد سيفَه وتَنَكَّبَ قوسه وانتضى في يده أَسْهُمًا واختصر عَنَزَتَهُ (عصاه) ومضى قبَل الكعبة والملأ من قريش بِفِنائِها فطاف في البيت سبعًا متمكنًا مطمئنًّا ثم أتى المقام فصلّى ثم وقف فقال: (شَاهَتِ الوجوه لا يرغم الله إلاَّ هذه المعطاس من أراد أنْ يُثْكِلَ أُمَّهُ أو يُوتِمَ وَلَدَهُ أو ترمل زوجتَهُ فَلْيَلْقِنِي وراء هذا الوادي)"(2).
هكذا كان تتابُع المسلمين إلى المدينة المنوّرة ولم يَبقَ منهم بمكة إلاَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعلي رضي الله عنهم.
ثالثًا: لجأَ داود إلى الحصون وإلى الغابة مع رجاله.
ولجأَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غار ثور مُدَّة ثلاثة أيام بِصُحْبَةِ صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قُحافة.. كما قال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [التوبة: 40].
وحين جزع أبو بكر رضي الله عنه جعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُسكِّنه ويُثبّته كما جاء في الحديث الصحيح:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير الحديث ذو الرقم 4657.
(2) أُسد الغابة لابن الأثير 4/ 58.(24/29)
(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْغَارِ- وَقَالَ مَرَّةً وَنَحْنُ فِي الْغَارِ-: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ قَالَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)(1).
فمن مُقتضى كون الأنبياء والرسل بشرًا فهم يُصابون بما يُصاب الناس بالأعراض الدنيوية وبالأمراض وبالموت.. كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الشعراء: 79-81].
وبالسجن كما سُجن يوسف وقد قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ([يوسف: 42].
وبالجروح كما جُرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ معركة أُحد..
وبالأذى والتكذيب من قومهم.. وهذه هي النقطة الوحيدة حيث نجد تشابُهًا ما بين قصّة داود المذكورة في سِفر صموئيل الأوّل وهجرةِ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
والرسل والأنبياء لا يُصابون بالبلاء فَحَسْب بل هم أشد الناس بلاءً كما جاء في الحديث الصحيح:
(عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)(2).
__________
(1) مسند الإمام أحمد مسند العشرة الحديث ذو الرقم 12.
(2) مسند الإمام أحمد مسند العشرة الحديث ذو الرقم 1484.(24/30)
(4) وقد ذكر هذا المستشرق في كتابه الغزوات التالية: غزوة نخلة وغزوة بدر وغزوة بني قينقاع وغزوة أحد وغزوة بئر(1) معونة وغزوة بني النضير وغزوة دومة الجندل وقصة غزوة الخندق وغزوة خيبر.. وأسأله لماذا نسِي سائر الغزوات منها غزوة الأبواء وغزوة بُواط وغزوة بني سُليم وغزوة ذات الرقاع وغزوة المريسيع وغزوة الغابة وغزوة ذات السلاسل وغزوة حنين والأخرى.. ولا يزيد وصف هذه الغزوات وتحليلها التاريخي على عشرة سطور.. والعرض الأطول منها هو قصة غزوة أُحد في 16 سطرًا.. (يقول فيها: وقعت هذه المعركة في 23 مارس سنة 625م.. وبعد قيام الرماة بطلب الغنيمة انهزم جيش المسلمين.. ووفقًا للأحاديث مات ثُلثُ المسلمين وجُرح ثلثهم ونجا ثلثهم.. ومات عمّ النبي وجُرح الرسول و شاع خبر وفاته مرارًا).
أقول ليس هذا وصفًا تاريخيًّا.. وقد أهمل الأُمور المُهمّة كلّها ولم يُشِر إلى العبر والعظات والحِكم العسكرية في قيادة هذه المعركة.
ثمة دروس بالغة الأهميّة في هذه الغزوة.
منها: أمر الشورى امتثالاً لأمر الله تعالى:( ( ( ( ( [آل عمران159].
وقد استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَصحابَه أيخرج إلى العدوِّ أم يمكث في المدينة.. كما شاورهم يومَ بدرٍ في الذهاب إلى العير وشاورهم يوم الخندق وشاورهم يومَ الحديبية.. كما قد شاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه في أمورِ الحروب ونحوها.
ومنها: وجوب التزام أوامر قائد الجيش.
وقد قال البَرَاءُ بن عازب في الحديث الطويل:
__________
(1) وقد كتب الكلمة بئر بالأحرف اللاتينية كـ b?3كأنهّا كانت بالعربية "بير".(24/31)
(قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ- وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً- عبداللَّهِ ابْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ)(1) أمرَهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا يفارقوا مركزَهم لأنّهم كانوا خلفَ الجيش وكان مَهَمّتهم أنْ يمنعوا المشركين منْ أنْ يَأتوا المسلمين من ورائهم.
نسي بعض الرمُاة هذا الأمر وقد ذكّرهم أميرُهم عهدَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمعوا. لذلك حدث ما حدث.
ومنها: تشير أعمال القلب والجوارح إلى الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثمّ إلى محبّته.. فلنذكرْ شهادة مصعب بن عمير وبلاءَ طلحة بن عبيد الله وأبي دُجانة وفيه كَتَب ابن القيّم: "وترّس أبو دُجانة عليه بظَهْرِهِ والنَّبْل يقع فيه وهو لا يتحرّك.."(2).
مناقب هؤلاء الرجال لا تُحصى اقْرَأ معي:
(عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ شَلَّتْ)(3).
أو الرجل الذي أُنزل فيه هذه الآية الكريمة:( ? ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ([الأحزاب: 23].
ونجد في مسند الإمام أحمد:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير الحديث رقم 2874.
(2) زاد المعاد المجلد الثالث ص 198.
(3) صحيح البخاري كتاب مناقب الصحابة الحديث ذو الرقم 3518.(24/32)
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ عَمِّي قَالَ هَاشِمٌ أَنَسُ ابْنُ النَّضْرِ سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ فَشَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غِبْتُ عَنْهُ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ قَالَ فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا قَالَ فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ فَاسْتَقْبَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟ قَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ قَالَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ قَالَ فَقَالَتْ أُخْتُهُ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلاَّ بِبَنَانِهِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( قَالَ فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ)(1).
وقد أهمل هذا المستشرق الدروس العظيمة والمهمّة التّي حصلنا على معرفتها من أحداث هذه المعركة.. منها جواز صلاة الإمام قاعدًا إذا أصابتْه جِراحة وجواز دُعاءِ الرجل أن يُقتَلَ في سبيل الله ومعرفة السنّة في الشهيد أَنّه لا يُغَسَّل ويُدْفن الشهداء في مَصَارِعهم وجواز دَفْن الرجلَيْن أو الثلاثة في قبر واحد والدروس الجليلة الأُخرى..(2).
__________
(1) مسند الإمام أحمد كتاب باقي مسند المكثرين الحديث ذو الرقم 12603.
(2) قد جمع ابن القيم في زاد المعاد هذه الدروس في المجلد الثالث من الصفحة 211 إلى الصفحة 218.(24/33)
(5) عندما ذكر حوادث غزوة مؤتة رفض هذا المستشرق إمكان أن يواجهَ ثلاثة آلاف مقاتل جيشًا عَرَمرَمًا عددهم مائتا ألف.. وتابع يقول:
"Mind?ssze muszlim halt meg, mégpedig a vezet?k k?zü.Val??n?, hogy a mu'tai expedici? célja a felder?tés volt. A hagyom?ny adatait nem fogadhatjuk el"(1).
وترجمتها: لم يمُتْ من المسلمين إلاّ 8 أو 12 وأكثرهم من القَادة.. من الممكن أنّ هدف غزوة مؤتة هو الاستكشاف.. لا نستطيع قبول المُعْطيات الواردة في الأحاديث.
أقول: هؤلاء المسلمون الذين استُشهدوا يومَ مؤتة يستحقّون أن يُذكروا بِأسمائهم.. وهم: جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة ومسعود بن الأوس ووهبُ بن سعد بن أبي سَرْح وعبَّاد بن قيس وحارثة بن النعمان وسُراقة بن عمرو بن عطية وأبو كُليب وجابر ابنا عمرو بن زيد وعامر وعمرو ابنا سعيد بن الحارث(2).. وأمّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ثلاثة على الناس كما رواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمرَ رضي الله عنهما قال: أَمَّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتةَ زيدَ بنَ حارثة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إِنْ قُتل زيدٌ فجعفرٌ وإنْ قُتل جعفرٌ فعبدالله بن رواحة)(3).
__________
(1) من كتاب "تكوين الإسلام" في الصفحة 111.
(2) زاد المعاد لابن قيم الجوزية المجلد الثالث ص 385.
(3) صحيح البخاري في كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 4013.(24/34)
وأمّا قوله: "لا نستطيع قبول المعطيات الواردة في الأحاديث" فأقول لقائله: هذا الرفض من قِبَل معظم المستشرقين وهذا الإنكار بالنسبة إلى الأحاديث النبوية الشريفة معروف ومشهور منذ زمن طويل. راجع مثلا مقالة المستشرق الألماني شاخت Schacht التي قرأها في مؤتمر المستشرقين سنة 1948م وصدر مقالته عام 1949م..(1) يقول فيها إنّ أكثر الأحاديث مختلقة في القرنين السابع والثامن الميلاديَين بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وأقول: ماذا قال هؤلاء الرافضون الجاحدون لو علموا الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نَعَى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحة للناس قبلَ أنْ يأتيَهمْ خبرُهم فقال أخذ الرايةَ زيدٌ فأُصيبَ ثم أخذ جعفرٌ فأُصيبَ ثمّ أخذ ابنُ رواحة فأُصيبَ وعيناه تَذْرِفَانِ، حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.. الحديث(2).
ولو علموا الأثر المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان إِذا سلّم على ابنِ جعفرٍ قال: السلام عليك يا ابنَ ذي الجناحين..(3) سُمّي جعفر بذي الجناحين لأنه قُطعت يمينه يوم مؤتة فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية حتى قُتل.. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جعفرٍ :(( إنّ الله تعالى أبدلَه عن يديه اللتين قُطِعَتَا جناحين يطير بهما في الجنّة)).
يقول هذا المستشرق في الصفحة 95 من كتابه المذكور التالي:
__________
(1) Joseph Schacht: A Revaluation of Islamic Traditions, Journal of Royal Asiatic Society (JRAS),
(2) صحيح البخاري في كتاب المغازي الحديث رقم 4014.
(3) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة الحديث ذو الرقم 3506.(24/35)
A zs?d?kkal (és kِ?zvetve a keresztényekkel) val? lesz?mol?s ut?n Mohamed ki akarta dolgozni a saj?tosan arab monotheista vall?st, amelynek al?t?maszt?s?ra és mintegy legaliz?l?s?ra szellemi el?d?t keresett. Ezt ?brah?mban tal?ta meg, aki t?bb okb?l is alkalmas volt arra, hogy bet?ltse az iszlam megalap?t?j?nak a tisztét.
وترجمتها: "بعد القضاء على اليهود (و على النصارى بشكل غير مباشر) أراد محمد أنْ يُحدث الدّين العربي التوحيدي و بحث عن جدّ أعلى روحاني لتأييده و ليجعلَه قانونيًّا..ووجده في إبراهيم وقد بدا مناسبًا لكي يُمثّلَ مؤسِّس الإسلام..".
ملاحظتي الأولى: أمّا عاقبة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وأحداث خيبر ووادي القرى فهي معروفة.. فهم نكثوا ونقضوا عهدهم وارتكبوا الجرائم مثل الخِيانة والمؤامرة.. أمّا قوله "بعد القضاء على اليهود" فأقول له معنى القضاء على فلان هو قَتَلَ وَسَحَقَ وأَبَادَ.. فمن يُقْضَى عليه لا يخرج بنفسه وذَرَارِيه وليس له ما حَمَلَتِ الإِبلُ.. وأمّا الهجوم على بني قريظة فكان بأمر جبريل لِغَدْرهم كما جاء في الحديث الصحيح:
(عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاَحَ فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَيْنَ قَالَ هَا هُنَا وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَتْ: فَخَرَجَ إِليهم رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -)(1).
وأمّا الحكم فيهم فرَدَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد كما هو مرويّ في الصحاح:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 2658.(24/36)
(فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ)(1).
وأجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يلي:
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ - وَرُبَّمَا قَالَ : قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ – وفي رواية : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَقَالَ مَرَّةً : لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ)(2).
وفكرة جيّدة ومهمّة خِتاما لهذه الملاحظة: "وكان هَدْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا صالح قومًا فَنَقَضَ بعْضُهم عهده وصُلْحَهُ وأَقَرَّهُمْ الباقون ورضُوا به غَزَا الجَمِيعَ وجعلهم كلَّهم ناقضين كما فعل بقريظة والنَّضير وبني قينقاع وكما فعل في أهل مكّة فهذه سنَّتُه في أهل العهد.."(3).
ملاحظتي الثانية: أقول: إنّه من المعروف -رغمَ أنّ نزول القرآن الكريم بلغة العرب وأَيضًا أُنزلت الحكمة بلغتهم - أن الإسلام ليس خاصًّا بالعرب بل هو دين الفِطرة التّي فطر الله عليها خلقَه.. كما قال تعالى:( ? ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الروم:30].
فإنَّه تعالى فطر خلقه على معرفته وعلى توحيده وعلى أنّه لا إِلهَ إِلاَّ هُو.. "ثمّ طَرَأَ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية.."(4).
وفي الحديث الصحيح الطويل:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 3896.
(2) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير الحديث ذوالرقم 1768.
(3) زاد المعاد ص. 136.
(4) …تفسير ابن كثير للآية الكريمة في سورة الروم.(24/37)
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ :(( أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ))(1).
أو في الحديث الصحيح:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :(( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ )) ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ :( ( ( ( ( ( (( ( ( ( (( ( ( ( ((2).
ملاحظتي الثالثة: أمّا قوله "مؤسّس الإسلام" فبطلانه ظاهر.
أقول: إنَّ البشر كلّهم خُلقوا من أجلِ هدفٍ واحدٍ وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.. كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ([الذاريات: 56].
ونحن المسلمين نؤمن بأنّ ديننا الإسلام هو دين خالد .. وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ([آل عمران: 19].
والرّسل والأنبياء كلهم - من آدم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - - جاؤوا بشريعة الإسلام ودعوا إلى عبادة الله وحده.
بعد هذه الإشارات أقول له : إنَّه لم يكنْ إبراهيم مؤسس الإسلام ولا أوّل الرسل ولا أوّل الأنبياء بل قد خلا قبله الرسل والأنبياء منهم آدم وإدريس ونوح وهود وصالح.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها الحديث ذو الرقم 2865.
(2) صحيح البخاري كتاب الجنائز الحديث ذو الرقم 1293.(24/38)
وقد فضّل الله تعالى إبراهيمَ بِجَعْله من أُولي العزم كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ([الشورى: 13].
وقد فضّله بِاتخاذه خليلاً كما قال تعالى:( ? ( ( ( ([النساء:125].
وقد فضّله بجعله إمامًا للناس:( ? ( ( ( ([البقرة: 124].
وقد فضّله ببِناء الكعبة ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ([البقرة: 127].
وقد فضّله تعالى بِأَنْ يَكُونَ ابنه إِسْمَاعيل أبا العرب العاربة ومن ذرّيّته نبيّنا محمد الرسول المصطفى إمام الأتْقِياء سيّد المرسلين رسول الرحمة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -.
خاتمة
قد أشرتُ في رسالتي هذه إلى ما هو من سيرة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومن أحاديثه الشريفة بين أيدي القراء المجريين المسلمين وغيرهم وما يُباعُ منها وما يُقْرأ في المكتبات وما يُدرس في الجامعات.. يبدو لي من هذه الأمور أنّ الاستشراق المجري والعالمي قد تجاهل السيرة النبويّة الشريفة لسببٍ ما أو بالعكس لسببٍ متعمَّد ومُصَمِّم وهم قد رفضوا وجحدوا أهمّيّتها.
وقد نَبَّهْتُكم على الشُّبُهات والتشويهات والتزويرات الواردة في تلك المؤلفّات باللغة المجريّة.
يتألف الخطأ الأكبر في هذه المؤلفات وفي هذه الترجمات من عُنصُرَين: العنصر الأول سببه هو سوء الظن وسوء المعاملة وسوء الفهم وسوء القصد في الإسلام وفي الأحاديث النبويّة الشريفة وفي السيرة النبويّة والنتيجة ما شاهدناه.. ومن الملحوظ أنّهم - على الأقل أكثرهم- اختاروا مصادر غير صحيحة وغير معتمدة وجعلوها محور علومهم الضَّالَّة والمُضِلَّة.(24/39)
والعنصر الثاني هو أنّ معظم المستشرقين لم يقبلوا أنّ دين الإسلام هو وحيٌ إلهي وأنّ القرآن الكريم هو كتابٌ من لدن الخبير العليم وهو كلام الله غير مخلوق وأنّ الأحاديث النبويّة الشريفة هي وحي يُوحَى.. ولم يزالوا يُصِرُّون على آرائهم الفاسدة.. وأكثرهم يقول إنَّ الدافع الرئيسي لظهور الإسلام على الأرض هو التجارة بين القبائل وبين المدن وبين المناطق البعيدة وبداية الإسلام - حَسَبَ رأيِهم- تابع لِلرأسماليّة التجارية.. وانبعث من هذه النظريّة إرادتهم الحاسِمة لكتمان أهمّيّة السيرة النبويّة الشريفة وكتمان العلوم العظيمة والمفيدة والأخلاق السامية المستنبَطة منها.
ونتيجة هذه الأمور المذكورة في الرسالة هي أنّ الناطقين بهذه اللغة مسلمُهم وغيرهم يفقِدون كنزًا عظيمًا وتراثًا طاهرًا وعِلمًا نافعًا من هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - في عبادتِهِ في ليله ونهاره ومعاملتِهِ وغزواتِه وتربيتِهِ وتعليمِهِ وأقوالِهِ وأعمالِهِ الطاهرة المباركة.. ويفقِدون أساليبه الأخلاقية والسُلوكيّة ويفقدون كيف كان يفعل إذا اغتسل وإذا صلّى وماذا كان يلبَس؟.
إنّما الأقوال والأعمال في نفسها إمّا حلال أو حرام وحسنة أو قبيحة وبعد القرآن الكريم فسنّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته هي مصدر اختيارنا من بينهما.. وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء: 59].(24/40)
فالرّسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسله الله تعالى "رحمةً للعالمين وقُدوةً للعاملين ومَحَجَّةً للسَّالِكين وحُجَّةً على العباد أجمعين بعثه للإيمانِ مُنَادِيًا وإلى دار السلام داعيًا وللخليقة هاديًا ولكتابه تاليًا ولمرضاته ساعيًا وبالمعروف آمرًا وعن المنكر ناهيًا أرسله على حين فَتْرَةٍ من الرسل فهدى به إلى أَقومِ الطُّرق وأوضح السُّبل وفرض على العباد طاعتَه ومحبتَه وتعزيره وتوقيره والقيام بحقوقه وسَدَّ إلى الجنة جميعَ الطُّرق فلم يفتحْها لأحدٍ إلاَّ من طريقه فلو أتوْا من كلِّ طريقٍ واستفتحوا من كلّ باب لما فُتِحَ لهم حتى يكونوا خلفَه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقه من السالكين.."(1).
ونستفيد من كتب السيرة وكتب المغازي مصلحة أخرى وهي مناقب الصحابة- رضي الله عنهم و فيهم "أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة"(2).. لنا في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة عظيمة في التمسك بالسنّة وتحكيمها في جميع الأمور.
لو كان فينا رجلٌ يُشجِّعُنا كما شجّع أبو بكر رضي الله عنه وقد رُوي عن أنس أنّه قال: "خَطَبَنا أبو بكر عَقِيبَ وفاة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإِنَّا لَكَالثعالب فما زال يُشَجِّعنا حتّى صِرْنَا كالأُسُود.."(3).
أسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُوَفِّقَنَا للرجوع إلى تطبيق شريعته وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في صورته المثالية ولرابطة العقيدة ولوحدة الأمّة الإسلامية.
والحمد لله ربّ العالمين.
فهرس المراجع والمصادر
1- الإتقان في علوم القرآن (1-2) للإمام جلال الدين السيوطي الشافعي دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت بلا تاريخ.
__________
(1) حادي الأرواح لابن القيم ص 26.
(2) العقيدة الواسطية لابن تيمية ص. 159. في مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.
(3) المنتقى للذهبي ص 377.(24/41)
2- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني، الطبعة السادسة بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية 1305هـ.
3- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى 1328هـ، دار إحياء التراث العربي.
4- البداية والنهاية لابن كثير الطبعة الأولى 1408هـ-1988م دار الريان للتراث القاهرة.
5- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ط1- 1410هـ/1990م، دار الخير بيروت.
6- جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن ( ( ( ( ( ( تعدل ثلث القرآن، لابن تيمية المطابع الإسلامية العربية الرياض 1413هـ.
7- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح – أو وصف الجنة – لابن القيم الجوزية الطبعة الأولى مكتبة دار التراث المدينة المنورة – دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق 1411هـ-1991م.
8- زاد المعاد لهدي خير العباد لابن قيّم الجوزية ط5-1412هـ/1991م مؤسسة الرسالة بيروت – مكتبة المنار الإسلامية دار الفكر سورية دمشق.
9- سنن أبي داود للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الحديث حمص سورية 1389هـ.
10- سنن الدارمي للإمام أبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، نشر دار إحياء السنة النبوية، دار الكتب العلمية بيروت.
11- سنن ابن ماجه لأبي عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني.
12- سنن النسائي للحافظ أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي، إحياء التراث العربي بيروت 1348هـ.
13- صحيح البخاري للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ضَبَطه ورقّمه وذكر تكرار مواضعه د/ مصطفى البغا ط4-1410هـ-1990م- اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع دمشق، ودار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع.
14- علوم الحديث لابن الصلاح – تصوير1406هـ-1986م دار الفكر سورية دمشق.
15- فقه السنة للسيد سابق الطبعة الشرعية الثامنة1407هـ/1987م دار الكتاب العربي بيروت.
16- القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزآبادي، دار الحديث القاهرة.(24/42)
17- كتاب العين لأبي عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي الطبعة الأولى 1408هـ-1988م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.
18- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية/ جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد قاسم العاصمي النجدي الحنبلي.
19- مجموعة فتاوى ابن تيمية طبعة منقحة ومصححة – دار المنار 1408هـ-1988م.
20- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، المملكة المغربية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1395هـ-1975م.
21- مسند الإمام أحمد بن حنبل دار صادر بيروت.
22- المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال تأليف شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – اختصره الحافظ الذهبي – الطبعة الثالثة تحت إشراف الرئاسة العامّة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الرياض – المملكة العربية السعودية 1413هـ.
23- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
فهرس المحتويات
مقدّمة…2
الفصل الأول…4
المبحث الأوّل: المسلمون المجريّون الكاتبون باللغة المجرية…5
المبحث الثّاني: المجريون - المستشرقون وغيرهم - الكاتبون باللغة المجرية…7
النموذج الأوّل…11
النموذج الثاني…12
المبحث الثالث: الغربيّون - المستشرقون وغيرهم - وكتبهم المترجمة إلى اللغة المجرية…15
الفصل الثاني…25
المبحث الأول: الأخطاء الموجودة في بعض المؤلفات للمستشرقين المكتوبة باللغة المجرية…26
أولاً: بعض الملاحظات العامّة على مسألة كتابة الكلمات العربية بالحرف اللاتيني…26
ثانيا: الأخطاء الكتابية واللغوية والمعنوية الواردة في مؤلفّات المستشرقين المذكورين…27
المبحث الثاني: الردّ على كتاب المستشرق المجري شيمون…31
خاتمة…48
فهرس المراجع والمصادر…51
فهرس المحتويات…54(24/43)
المؤلفات في الحديث وعلومه
في العهد الجمهوري في تركيا
د. بنيامين أرول
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي جعلنا من خدمة سنة خاتم النبيين والصلاة والسلام على رسولنا محمد و على آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فمن المعلوم أن السنة هي المصدر الثاني مع القرآن الكريم للمسلمين جميعا لدينهم ومعرفتهم وحضارتهم وثقافتهم منذ عهد رسول الله صلوات الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. ولذلك قد اهتم علماء الأمة -عربهم وعجمهم- بالسنة ودارسوها وألفوا فيها مؤلفات كثيرة وبلغات شتى عبر القرون. ومنهم العلماء الأتراك الذين كتبوا باللغتين التركية والعربية كما يشهد بذلك التاريخ.
إذا قدمنا قائمة تسرد بيليوغرافيا شاملة للمؤلفات الخاصة بالسنة النبوية باللغة التركية وجب أن نذكر كل ما ألف بالتركية منذ عهد السلاجقة والعثمانيين. ولكن المؤلفات في السنة والحديث بالتركية كثيرة جدا لا تكفيها هذه الوريقات مما دفعنا إلى أن نحدد الموضوع زمنيا فاكتفينا في هذه الورقة بعرض قائمة من الأعمال الأكاديمية وغيرها في العهد الجمهوري فقط.
لهذا فقد قسمنا هذه الفترة إلى ثلاث حِقب وهي:
1- 1924-1949م (25 سنة)
2- 1949- 1982م (33 سنة)
3- 1982-2003م (21 سنة)
الحقبة الأولى (1924-1949م)(25/1)
تبدأ بافتتاح كلية الإلهيات لدار الفنون بإصطنبول وإفتتاح كلية الإلهيات بجامعة أنقرة تبعا لقانون توحيد الدراسات الذي صدر سنة 1924م. وجعل التعليم والتربية بهذا القانون تحت مراقبة وزارة التعليم القومية. كذلك تبعا لهذا القانون افتتح معهد العلوم الإسلامية ضمن كلية الآداب بجامعة إصطنبول. فتح بعض المدارس في هذا العهد للأئمة والخطباء. ولكن أغلقت هذه المدارس في العام الدراسي 1931-1932. ثم أغلقت كلية الإلهيات عام 1933 وكذلك أغلق معهد العلوم الإسلامية عام 1936. ولم يبق أي مؤسسة للتعليم الديني إلى عام 1949. نشر بعض الأساتذة كتباً في هذه الفترة تتعلق بتعليم الشعب خاصة. كان عدد هذه الكتب محدوداً لأسباب: منها: السياسية, والدينية, والاقتصادية, والحرب العالمية, وتغيير الحروف العربية إلى حروف لاتينية.
الحقبة الثانية (1949-1982م)
تبدأ هذه الفترة بافتتاح كلية الإلهيات بأنقرة ثم تبعها افتتاح كليات أخرى في المدن المختلفة. وفي العام الدراسي 1951-1952م افتتحت مدارسُ للأئمة والخطباء مرة أخرى. ثم افتتح بعض المعاهد العليا للعلوم الإسلامية في المدن المختلفة. من هذه المدن: في إصطنبول عام 1959م، ومدينة قونية (1962م)، ومدينة قيصري (1965م)، وإزمير(1966م)، وأرضروم (1969م) وبورصة (1975م)، وصامصون (1976م)، ويوزقات (1980م). وكذلك افتتحت كلية العلوم الإسلامية في أرضروم (1971م). وخلال افتتاح هذة المدارس بدأ تأليف بعض الكتب العلمية منها رسائل دكتوراه وبحوث متعلقة ببعض المسائل الحديثية. وكان غالب هذه الكتب بحوثا في علوم الحديث. ويبلغ عدد هذه البحوث قريبا من خمسين بحثا.
ترجمت كتب في هذه الحقبة إلى اللغة التركية. منها رياض الصالحين للنووي، والتاج الجامع للأصول لعلي الناصف، وبلوغ المرام مع شرحه للصنعاني. وكذلك صحيح مسلم وسنن الترمذي وكتب أخرى كزاد المعاد لابن قيم الجوزية، وبعض الكتب لابن تيمية.(25/2)
الحقبة الثالثة (1982-2003م)
وتمتاز هذه الحقبة بتحويل المعاهد العليا للعلوم الإسلامية إلى كليات الإلهيات بموجب قانون مجلس التعليم العالي الذى صدر عام 1982م. وفي هذه الحقبة افتتحت كليات إلهيات جديدة في مدن مختلفة: كأورفة (1987م)، وإصطنبول، وسيواس، وملطية (1992م)، ووان، وريزة، وجوروم، ودياربكر، وأضنة، وإسبرطة، وأدابازاري (1993م)، وألازيغ (1994م)، وشاناق قلعة، وأسكي شهير (1995م)، وقهرمان مرعش (1996م). فبلغ عدد هذه الكليات 23 كلية. وبسبب ازدياد عدد الكليات ارتفع مستوى التعليم مما جعل الحاجة تشتد إلى أساتذة وإدارة أكاديمية ومصادر علمية. فتمخض كل هذا عن تطور علمي؛ فكثرت البحوث العلمية في العلوم الشرعية في هذه الفترة فبلغ عدد رسائل الماجستير حوالى 500 رسالة، وعدد رسائل الدكتوراه حوالى 200، أما بحوث القبول في هيئة التعليم وبحوث الأستاذ المساعد وبحوث الترقية لنيل درجة الأستاذ (بروفيسور) فهي كثيرة. فقد آتت هذه الجهود العلمية أكلها وانتشرت البحوث العلمية وطبع بعضها. وفي هذه الفترة ازدادت ترجمة الكتب فترجمت كتب كثيرة ومن لغات مختلفة إلى اللغة التركية. منها كتب مصطفى السباعي، وصبحي الصالح، والزبير الصديقي، ويوسف القرضاوي، ومصطفى الأعظمي، ومحمد عوامة، وعبدالفتاح أبو غدة، ومحمد حميد الله، والمودودي، وغير ذلك. وكذلك ترجمت كتبٌ للمستشرقين مثل جولد سيهر، وشاخت، وروبسون، ووات، وجونبول.
وبعد عام 1990م ومع استمرار عملية الترجمة بدأ الباحثون الأتراك بمؤلفات وإنتاج أكاديمي يتميز بمنهج جديد. ويمتاز هذا المنهج بجمعه بين علم السلف والخلف وفق الحاجات الجديدة دون تقليد ولا انحراف. ونرى أن ترجمة بعض هذه الكتب إلى اللغة العربية ولغات مختلفة سيكون مفيداً للباحثين والراغبين في العلوم الإسلامية.(25/3)
سنذكر الآن ثمانية بحوث مرتبة حسب زمن تأليفها في الحقبة الأولى. ثم نعقبها بمؤلفات الحقبتين الثانية والثالثة حسب موضوعاتها وزمن تأليفها أيضا. وسوف نكتب أسماء الباحثين ومؤلفاتهم باللغة التركية تحتها لتسهيل مراجعتها عند الحاجة.
الأعمال في الحقبة الأولى (1924-1949)
تاريخ الحديث، إسماعيل حقي إزميرلي، ط. إصطنبول-1924م.
Ismail Hakki Izmirli, Tarih-i Hadis, Istanbul-1924, 480 s.
الروايات الدينية وغير الدينية، ذاكر قدري أوغان، إصطنبول-1926م، (مجلة كلية الإلهيات دار الفنون، العدد الأول، ص. 132-210)، (ط. صامصون-2000م، بعناية عثمان كونر)
Zakir Kadri Ugan, Dini ve Gayr-i Dini Rivayetler, Darul-Funun I.F. Dergisi, I. 132-210, Istanbul-1926. (nesr, Osman Guner, Samsun-2000) .
ألف حديث وحديث، إسماعيل حقي إزميرلي، إصطنبول- 1928م.
Ismail Hakki Izmirli, Bin Bir Hadis, Istanbul-1926.
صحة الأحاديث الواردة في كتب الأخلاق والتصوف (مناقشات بين إسماعيل حقي إزميرلي والشيخ صفوت أفندي)، إصطنبول، 1922-1927م، (ط. إصطنبول-2002، بعناية إبراهيم خطيب أوغلو، 230 ص)
Ismail Hakki Izmirli-Seyh Saffet Efendi, Ahlak ve Tasavvuf Kitaplarindaki Hadislerin Sihhati, Istanbul-1922-1927, (nesr: Ibrahim Hatiboglu, Darulhadis yay. 230 s.) .
لماذا أكثر محمد - صلى الله عليه وسلم - من الزواج؟ مصطفى صادق وجداني، ط. إصطنبول-1928م.
Mustafa Sadik Vicdani, Hz. Muhammed Nicin Cok Evlendi? Istanbul-1928.
مقدمة فى أصول الحديث، أحمد نعيم، إصطنبول، 1928، 498 ص.
Ahmet Naim, Mukaddime, DIB Yay. Istanbul-1928-1948.
ترجمة وشرح التجريد الصريح (مختصر صحيح البخاري) للزبيدي، أحمد نعيم وكامل ميراث، ط. إصطنبول، 1928-1948، 12 مجلدا(25/4)
Ahmet Naim, Kamil Miras, Sahih-i Buhari Muhtasari Tecrid-i Sarih Tercumesi ve Serhi, DIB Yay. Istanbul-1928-1948 I-XII.
أقوال نبينا الوجيزة، أحمد حمدي آق سكي، ط. أنقرة-1945.
Ahmet Hamdi Akseki, Peygamberimizin Vecizeleri, Ankara-1945.
الأعمال في الحقبتين الثانية والثالثة
حجية السنة و مكانتها
حجية خبر الواحد في الاعتقاد والتشريع، علي عثمان قوج قوزو، قونيا- 1968، ط. أنقرة-1988، 284 ص.
Ali Osman Kockuzu, Rivayet Ilimlerinde Haber-i Vahidlerin Itikad ve Tesri’ Yonlerden Degeri, Ankara-1988, DIBYay. 284 s.
الشبهات حول الحديث وإنكاره في القرون الأولى الهجرية، كامل جاقين، أنقرة-1990، ط. أنقرة-1998، 139 ص. رسالة دكتوراه.
Kamil Cakin, Ilk Hicri Asirlarda Hadis Etrafindaki Supheler ve Hadis Inkarciligi, Ank.U.S.B.E.,Ankara-1990, baski: Hadis Inkarcilari, Ankara-1998, 319s, Doktora,
أثر الحديث في فهم القرآن، نهات خطيب أوغلو، أنقرة-1994، ط. أنقرة- 1999، 444 ص. رسالة دكتوراه.
M. Nihat Hatipoglu, Kur'an'in Dogru Anlasilmasinda Hadislerin Onemi, Ankara-1994, baski: Ank-1999, 444 s., Taha y. Doktora,
وعي السنة، بشير إسلام أوغلو، ط. إصطنبول-1994، 112 ص.
Besir Islamoglu, Sunnet Bilinci, Istanbul-1994, Denge yay. 112 s.
تكامل السنة والقرآن، نجاتي قارا، ط. أرضروم-1995، 319 ص.
Necati Kara, Kur’an-Sunnet Butunlugu, Erzurum-1995, Ihtar yay. 319 s.
السنة من حيث موازنة الوحي والعقل، محمد أرطوغان، ط. إصطنبول، 1995، 316 ص.
Mehmet Erdogan, Akil-Vahy Dengesi Acisindan Sunnet, Istanbul-1995, M.U.I.F.Y. 316s.
فهم السنة عند أهل الحداثة من جانب فكر التجديد في الإسلام، إبراهيم خطيب أوغلو، إصطنبول-1996، 418 ص. رسالة دكتوراه.(25/5)
Ibrahim Hatipoglu, Islam'da Yenilenme Dusuncesi Acisindan Modernistlerin Sunnet Anlayisi, Istanbul-1996, IV+418s, Doktora
السنة في الفكر الإسلامي، محمد خيري قيرباش أوغلو، ط. أنقرة-1996، 424 ص.
M. Hayri Kirbasoglu, Islam Dusuncesinde Sunnet, Ankara-1996, 424 s.
مكانة الحديث والسنة في الإسلام، كامل جاقين، ط. أنقرة-1997، 100 ص.
Kamil Cakin, Islam’da Hadis ve Sunnet’in Yeri, Ankara-1997, Seba yay. 100 s.
المصدران الأساسيان في الإسلام: الكتاب والسنة، م. عاصم كوكصال، ط. أنقرة-1994، 314 ص.
M. Asim Koksal, Islam’da Iki Ana Kaynak: Kitap ve Sunnet, Ankara-1994 TDVYay 314s.
أثر الحديث في إثبات العقائد، محمد ييلماز، إصبارطة، رسالة دكتوراه.
Mehmet Yilmaz, Inanc Esaslarinin Tespitinde Hadislerin Rolu, Isparta, Doktora,
الأحاديث التي احتج بها أهل السنة والشيعة في الإمامة، عبدالله أونالان، أورفا-1998، رسالة دكتوراه.
Abdullah Unalan, Ehl-i Sunnet ve Sia'nin Imamette Dayandigi Hadisler, Sanliurfa-1998, Doktora,
اعتصام الصحابة بالسنة وتعاملهم معها، آينور أورال أر، إصطنبول-1998، ط. إصطنبول-2000، رسالة دكتوراه.
Aynur Uraler, Sahabe Uygulamasi Olarak Sunnete Baglilik, Istanbul-1998, 376s, Doktora,
أثر السنة في بناء المجتمع الإسلامي، حياتي ييماز، إصطنبول-1999، رسالة دكتوراه.
Hayati YIlmaz, Toplumun Islami Yapilanmasinda Sunnet, M.U.S.B.E., Istanbul- 1999, Doktora,
السنة: محمد الحي، أحمد كلش، ط. إصطنبول-2003، 188 ص.
Ahmet Keles, Sunnet: Yasayan Muhammed, Istanbul-2003, Insan yay. 188s.
تاريخ الحديث
تدوين الحديث وكتابته، طلعت قوج ييغيت، أنقرة–1957، 130 ص. رسالة دكتوراه.
Talat Kocyigit, Hadislerin Toplanmasi ve Yazi Ile Tespiti, Ankara-1957, 130s, Doktora,(25/6)
رواية الصحابة للحديث تحملهم وأداؤهم له، نوزات عاشق، أرضروم-1976 ط. إزمير-1981، 334 ص. رسالة دكتوراه.
Nevzat Asik, Sahabenin Hadis Tahammul ve Nakil Faaliyetleri, Erzurum-1976, baski: Sahabe ve Hadis Rivayeti, Izmir-1981, 334 s. Doktora,
تاريخ الحديث، طلعت قوج ييغيت، ط. أنقرة-1977، 295 ص.
Talat Kocyigit, Hadis Tarihi, Ankara-1977, 295 s.
تاريخ الحديث، إبراهيم بيرقدار، أرضروم-1992، 175 ص.
Ibrahim Bayraktar, Hadis Tarihi, Erzurum-1992, 175s.
تاريخ الحديث وأصوله، سلمان باشاران ومحمد علي سونمز، بورصة، 1993، 196 ص.
Selman Basaran, M. Ali Sonmez, Hadis Tarihi ve Usulu, Bursa-1993, 196 s.
تكاثر الأحاديث وعددها من حيث منهج الحديث، مصطفى قاراطاش، إصطنبول-1998، 350 ص. رسالة دكتوراه.
Mustafa Karatas, Rivayet Teknigi Acisindan Hadislerin Artmasi ve Sayisi, Istanbul-1998, 350s, Doktora,
نظرة جديدة إلى منشأ الحديث وتاريخه وتطوره، ياووز أونال، ط. صامصون-2001 ، 362 ص.
Yavuz Unal, Hadisin Dogus ve Gelisim Tarihine Yeniden Bakis, Samsun-2001, Etud yay. 362s.
علوم الحديث
تدقيقات لبعض مشكلات علم الحديث، طيب أوكيج، إصطنبول، 1959، 252 ص.
Tayyib Okic, Bazi Hadis Meseleleri Uzerine Tetkikler, Istanbul-1959, 252 s.
مذكرات لدرس الحديث، طيب أوكيج، ط. أنقرة-1965، 163ص.
Tayyib Okic, Hadis Ders Notlari, Ankara-1965, 193 s.
علم مختلف الحديث وطرق حلها، إسماعيل لطفي جاقان، أرضروم، 1982، ط. إصطنبول-1982، 263 ص. رسالة دكتوراه.
I. Lutfi Cakan Hadislerde Gorulen Ihtilaflar ve Cozum Yollari (Muhtelifu’l-Hadis Ilmi) , Erzurum-1982, baski: Istanbul-1982, 263 s. Doktora,
الناسخ والمنسوخ في الحديث، علي عثمان قوج قوزو، أرضروم-1976، ط. إصطنبول-1985، 376 ص. رسالة دكتوراه.(25/7)
Ali Osman Kockuzu, Hadiste Nasih Mensuh Meselesi, Erzurum-1977, baski: Istanbul-1985, 364s. Doktora,
علم أسباب ورود الحديث ومكانته وأهميته في التشريع الإسلامي، رمضان أيواللي، أنقرة-1979، 265 ص. رسالة دكتوراه.
Ramazan Ayvalli, Esbab-u Vurudi'l-Hadis ve Bunun Islam Tesriindeki Yeri ve Onemi, Ankara, 1979, 265s, Doktora,
الحديث بمحاوره الأساسية، إسماعيل لطفي جاقان، ط. إصطنبول-1983، 243 ص.
I. Lutfi Cakan, Anahatlariyla Hadis, Istanbul-1983, Ensar Nesriyat, 240 s.
علوم الحديث وتاريخه، علي عثمان قوج قوزو، إصطنبول-1983، 480 ص.
A. Osman Kockuzu, Hadis Ilimleri ve Hadis Tarihi, Istanbul-1983, Dergah yay. 480s.
الحديث (تاريخه وأصوله وعلومه 1-2) علي يارديم، ط. إزمير-1984، 369 ص.
Ali Yardim, Hadis I-II, Izmir-1984, DEUYay. 205+164s.
علوم الحديث ومصادرها، كمال صاندقجي، صامصون- 1993.
Kemal Sandikci, Hadis Ilimleri ve Kaynaklari, Samsun-1993, 304 s.
بحوث في علوم لحديث، صلاح الدين بولات، إصطنبول- 1997، 320 ص.
Selahattin Polat, Hadis Arastirmalari, Istanbul- 1997, Insan yay. 320 s.
التعارض بين الآيات القرآنية والأحاديث وطرق حلها، مجدات أولوجام، إصطنبول. رسالة دكتوراه.
Mujdat Ulucam, Kur'an Ayetleri ve Hadisler Arasinda Gorulen Tearuz ve Cozum Yollari, Istanbul, 1997, 454s, Doktora,
علم علل الحديث (مشكل الحديث)، آيخان تكينش، إصطنبول- 1997، ط. مشكلة فهم الأحاديث، إصطنبول- 2002، 248 ص. رسالة دكتوراه.
Ayhan Tekines, Ilelu'l-Hadis (Muskilu'l-Hadis) Ilmi, Hadisleri Anlama Problemi Istanbul-1997, baski: Istanbul-2002, 348 s., Kaynak y., Doktora,
علم غريب الحديث وأدبه، وكتاب "المجرد فى غريب الحديث"، لعبداللطيف البغدادي وقيمته العلمية، آدم دولك، قيصري، رسالة دكتوراه.(25/8)
Adem Dolek, Garibu'l-Hadis Edebiyati Abdullatif el-Bagdadi'nin “el-Mucerred fi Garibi'l-Hadis” Adli Eserini Incelenmesi ve Degerlendirilmesi, Kayseri, Doktora,
نشأة علم غريب الحديث وكتاب "المفهم لشرح غريب صحيح مسلم" لعبدالغافر بن إسماعيل، عبدالقادر بالابييق، إزمير-1997، 284 ص. رسالة دكتوراه.
Abdulkadir Palabiyik, Garibu'l-Hadis Nev'inin Dogusu ve Abdulgafir b. Ismail'in “el-Mufhim li Serhi Garibi Sahih-i Muslim” Adli Eseri, Izmir-1997, 284s. Doktora,
أصول الحديث ومصطلحاته
بعض مسائل أصول التفسير والحديث، طيب أوكيج، ط. إصطنبول-1995، 253 ص.
Tayyib Okic, Tefsir ve Hadis Usulunun Bazi Meseleleri, (baski: Istanbul-1995, Nun yay. 253 s.) .
أصول الحديث، خير الدين قرامان، ط. إصطنبول-1965، 185 ص.
Hayrettin Karaman, Hadis Usulu, Istanbul-1965, A. Said matb. 175 s.
أصول الحديث، طلعت قوج ييغيت، ط. أنقرة-1967، 171 ص.
Talat Kocyigit, Hadis Usulu, Ankara-1967, AUIFYay. 171s.
مصطلحات الحديث، طلعت قوج ييغيت، ط. أنقرة-1980، 508 ص.
Talat Kocyigit, Hadis Istilahlari, Ankara-1980, 508 s. AUIFYay.
رواية أهل البدع للحديث، محمد شمشك، أنقرة-1982، 128 ص. بحث أستاذ مساعد.
Mehmet Simsek, Bid'at Ehlinin Hadis Rivayeti, Ankara-1982, 128 s. Docentlik tezi.
الأحاديث المرسلة والاحتجاج بها، صلاح الدين بولاط، أرضروم-1981، ط. أنقرة-1985، ص. 155. رسالة دكتوراه.
Selahaddin Polat, Mursel Hadisler ve Delil Olma Yonunden Degeri, Erzurum-1981, baski: Ankara-1985, 155s., Doktora.
معجم مصطلحات الحديث، عبدالله آيدينلي، ط. إصطنبول-1987، 197 ص.
Abdullah Aydinli, Hadis Istilahlari Sozlugu, Istanbul-1987, 197 s.
أصول الحديث وتاريخه، إبراهيم جانان، ط. أنقرة-1988.(25/9)
Ibrahim Canan, Hadis Usulu ve Tarihi, Ankara-1988, Akcag yay.
أصول الحديث، إسماعيل لطفي جاقان، ط. إصطنبول-1991، 168ص.
I. Lutfi Cakan, Hadis Usulu, Istanbul-1991, MU?FYay. 168 s.
أصول الحديث، أحمد دميرجي، قيصري-1992، 246 ص.
Ahmet Demirci, Hadis Usulu, Kayseri-1992, 246 s.
معجم مصطلحات الحديث الموسوعية، مجتبى أوغور، ط. أنقرة-1992، 468 ص.
Mucteba Ugur, Ansiklopedik Hadis Terimleri Sozlugu, Ankara-1992, TDV yay. 468 s.
نشأة مصطلحات الحديث وتطورها (في القرون الثلاثة الأولى)، أحمد يوجل، إصطنبول-1994، 204 ص. رسالة دكتوراه.
Ahmet Yucel, Hadis Istilahlarinin Dogusu ve Gelisimi (Hicri Ilk ucuncu Asir) M.U.S.B.E., Istanbul, 1994, 204, Doktora,
الرؤيا ورواية الحديث، طلعت صاقاللي، إسبارطة-1994، 108 ص.
Talat Sakalli, Ruya ve Hadis Rivayeti, Isparta-1994, 108 s.
دفاع عن السنة وأصول الحديث، محمود طوبطاش، ط. إصطنبول.
Mahmut Toptas, Sunnet Savunmasi ve Hadis Usulu, Istanbul-Cantas yay.
مصطلحات السنة والبدعة وماهيتهما، علي جليك، ط. إصطنبول-1997، 176 ص.
Ali Celik, Kavram ve Mahiyet Olarak Sunnet ve Bid’at, Istanbul-1997, Beyan yay. 176s.
أصول الحديث في القرن الثاني وموقف الإمام محمد الشيباني منه، محمد أوز شنل، إصطنبول-1999، رسالة دكتوراه.
Mehmet Ozsenel, Hicri II. Asirda Hadis Usulu ve Imam Muhammed'in Usuldeki Yeri, Istanbul-1999, Doktora,
مصطلح السنة في القرون الثلاثة الأولى، أحمد أويار، قيصري-1999، رسالة دكتوراه.
Ahmet Uyar, Hicri Ilk Uc Asirda Sunnet Anlayisi, Kayseri-1999, Doktora,
التصحيح في الحديث والحديث الصحيح، عبدالقادر شنل، إصطنبول، رسالة دكتوراه.
Abdulkadir Senel, Hadiste Tashih ve Sahih Hadis, Istanbul, Doktora,
رواية الحديث بالمعنى، حكمت آتان، إصطنبول-2000، رسالة دكتوراه.(25/10)
Hikmet Atan, Mana Ile Hadis Rivayeti, Istanbul-2000, Doktora,
منهج الحديث في الفكر الإسلامي، محمد خيري قيرباش أوغلو، ط. أنقرة- 2000، 376 ص.
M. Hayri Kirbasoglu, Islam Dusuncesinde Hadis Metodolojisi, Ankara-2000, Ankara Okulu yay. 376 s.
البديل لمنهج الحديث، محمد خيري قيرباش أوغلو، ط. أنقرة-2002، 331 ص.
M. Hayri Kirbasoglu, Alternatif Hadis Metodolojisi, Ankara-2002, Kitabiyat yay. 431s.
مصادر الحديث
بحوث في مصادر البخاري، فؤاد سزكين، إصطنبول، ط. أنقرة-1956، 406 ص. رسالة دكتوراه.
Fuad Sezgin, Buhari’nin Kaynaklari Hakkinda Arastirmalar, Ankara-1956, 406.
دراسة علمية لكتاب "الكافي" من حيث نقد الحديث، م. جمال صوفو أوغلو، أنقرة-1982، 144 ص. بحث أستاذ مساعد.
M. Cemal Sofuoglu, Hadis Tenkiti Yonunden “el-Kafi” Uzerine Bir Deneme, Ankara-1982, 144s. Docentlik Tezi,
أدب الحديث، أنواعه وخصائصه وأصول الاستفادة منه، إسماعيل لطفي جاقان، ط. إصطنبول-1985، 287 ص .
I. Lutfi Cakan, Hadis Edebiyati, Cesitleri, Ozellikleri, Faydalanma Usulleri, Istanbul-1985, 287 s. MUIFYay.
نشأة الببليوغرافيا الحديثية وتطورها، زكريا كولر، قونيا- 1989، 103 ص. (من القرن الخامس إلي القرن الثامن) رسالة دكتوراه.
Zekeriya Guler, Hadis Bibliyografyasi Dogus ve Gelisimi ( H.V-VIII / M.XI-XIII ) Konya-1989, 103s, Doktora Semineri,
الببليوغرافيا الحديثية وتطورها، (من القرن الحادى عشر إلى الرابع عشر)، محمود يشيل، قونيا- 1990، 124 ص. رسالة الدكتوراه.
Mahmut Yesil, Hadis Bibliyografyasi ve Gelisimi (H.1101-1411 / M.1689-1990 ) Konya-1990, 124s, Doktora Semineri,
إنشاء كتاب "المصنف" لسعيد بن منصور من جديد، علي آقيوز، إصطنبول- 1991، 231 ص. رسالة دكتوراه.(25/11)
Ali Akyuz, Said b. Mansur'un Musannef"inin Yeniden Insasi, Istanbul-1991, 87+144, Doktora,
تأليفات على صحيح البخاري، كمال صاندقجي، ط. أنقرة-1991، 189 ص.
Kemal Sandikci, Sahih-i Buhari Uzerine Yapilan Calismalar, Ankara-1991, DIBYay. 189 s.
الأجزاء الحديثية في مكتبات إصطنبول، فاروق قوجاق، إصطنبول-1995، 389 ص. رسالة دكتوراه.
Faruk Kocak, Istanbul Kutuphanelerindeki Hadis Cuzleri, Istanbul-1995, 389s, Doktora,
علوم الحديث وأدبه، مجتبى أوغور، ط. أنقرة-1996، 394 ص.
Mucteba Ugur, Hadis Ilimleri ve Hadis Edebiyati, Ankara-1996, TDVYay., 394 s.
صحيح ابن خزيمة ومقارنته مع صحيح ابن حبان، مصطفى إشيق، قيصري- 1997، 239 ص. رسالة دكتوراه.
Mustafa Isik, Ibn Huzeyme’nin Sahih’i ve Ibn Hibban’in Sahih’i ?le Mukayesesi, Kayseri-1997, 239s, Doktora,
بحوث في مصادر الحديث، إبراهيم بيرقدار، أرضروم-2000، 200ص.
Ibrahim Bayraktar, Hadis Kaynaklari Uzerine Arastirmalar, Erzurum-2001, EKEV yay. 200 s.
علم الرجال والجرح والتعديل
رجال الحديث، علي أوزك، ط. إصطنبول-1967، 269 ص.
Ali Ozek, Hadis Ricali, Istanbul-1967, Fetih matb. 269 s.
نقد الرجال في علم الحديث، أمين عاشق قوطلو، ط. إصطنبول-1992، 191 ص. رسالة دكتوراه.
Emin Asikkutlu, Hadiste Rical Tenkidi (Cerh ve Ta'dil Ilmi), Istanbul-1992, 191s, Doktora,
ابن حبان ومنهجه في الجرح والتعديل، محمد علي سونمز، ط. إصطنبول، 150 ص.
M. Ali Sonmez, Ibn Hibban ve Cerh-Ta’dil Metodu, Istanbul. Umran yay. 150 s.
كتب الرجال في علم الحديث وقيمتها العلمية، محمد أرن، قونيا، رسالة دكتوراه.
Mehmet Eren, Hadis Ilminde Rical Kitaplari ve Ilmi Degeri, Konya, Doktora.
البحوث المتعلقة بمصطلحات نقد الرجال في علم الحديث، أحمد يوجل، ط. إصطنبول-1998، 227 ص.(25/12)
Ahmet Yucel, Hadis Ilminde Tenkid Terimleri Ile Ilgili Calismalar, Istanbul-1998, 227s. MU?FVYay.
المحدثون وآثارهم
القاضي عياض و"بغية الرائد فيما في حديث أم زرع من الفوائد"، ياشار قاندمير، إصطنبول-1977، (كلية الآداب)، 376 ص. رسالة دكتوراه.
Yasar Kandemir, Kadi Iyaz ve “Bugyetu'r-Râid fîmâ fî Hadisi Ummu Zerr Mine'l-Fevâid”, Istanbul. Unv. Ed. Fak. Istanbul-1977, Arapca, Doktora,
ابن حزم ومنهجه في الحديث، سلمان باشاران، أنقرة-1977، 231 ص. رسالة دكتوراه.
Selman Basaran, Ibn Hazm ve Hadisteki Metodu, Ankara-1977, 231s, Doktora,
ابن الجوزي ومكانته في علم الحديث، نورالدين بوياجيلار، أنقرة-1978، 147 ص. رسالة دكتوراه.
Nurettin Boyacilar, Ibnu'l-Cevzi'nin Hadisteki Yeri ve Metodu, Ankara-1978, 147s, Doktora,
عبد بن حميد ومسنده المنتخب، كمال الدين أوزدمير، أرضروم-1980، 125 ص. رسالة دكتوراه.
Kemalettin Ozdemir, Abd b. Humeyd ve Muntehab Musnedi, Erzurum-1980, 125s, Doktora,
الحكيم الترمذي و"كتاب الأمثال من الكتاب والسنة"، صلاح الدين ييلماز، أرضروم- 1980، 256 ص. بحث القبول في هيئة التعليم.
Selahaddin Yilmaz, Hakim et-Tirmizi ve “Kitabu'l-Emsâl mine'l-Kitab ve's-Sunne”, Erzurum-1980 177+79, Ogr. Uyeligi Tezi,
القاض عياض حياته وآثاره ومنهجه في الشرح، عاكف كوتن، بورصة- 1983، 115 ص. رسالة دكتوراه.
Akif Koten, Kadi Iyaz, Hayati, Eserleri, Serh Metodu, Bursa-1983, 115s, Doktora,
الإمام البخاري، حسين ك. أجه، ط. إصطنبول-1984، 140 ص.
Huseyin K. Ece, Buhari, Istanbul-1984, Beyan y. 140 s.
الإمام البخاري، مجتبى أوغور، ط. أنقرة-1989، 110 ص.
Mucteba Ugur, Buhari, Ankara-1989, Kultur Bakanligi y., 110 s.
ابن الجوزي وكتابه "أحكام النساء"، نديم أورخان، إصطنبول-1989، 100 ص. رسالة دكتوراه.(25/13)
Nedim Orhan, Ibnu’l-Cevzi ve “Ahkamu’n-Nisa” Adli Eseri, Istanbul-1989, 100s.
مكانة النساء في علم الحديث، نصر الدين بول أللي، إصطنبول-1991، 273ص. رسالة دكتوراه.
Nusrettin Bolelli, Kadinlarin Hadis Ilmindeki Yeri (Hicri II-V.Asir), Istanbul-1991, 374s, Doktora,
عبدالله بن المبارك محدثاً وحياته وآثاره ومسنده، راشد كوجوك، إصطنبول- 1992، ط. إصطنبول-1992، 219 ص. بحث أستاذ مساعد.
Rasit Kucuk, Abdullah Ibnu'l Mubarek'in Hayati, Eserleri, Hadisciligi ve Musned’i, Istanbul-1992, baski: 1997, 144+75 s. Docentlik Tezi,
أبو نعيم الاصفهاني ومكانته في علم الحديث، يوسف ضياء كسكين، أنقرة-1995، ط. إصطنبول-2003، 240 ص. رسالة دكتوراه.
Yusuf Ziya Keskin, Ebu Nuaym el-Isfehânî ve Hadis Ilmindeki Yeri, Ankara- 1995, baski: Istanbul-2003, 240s, Doktora,
البيهقي وتحقيق كتابه "الدعوات الكبير"، ولي آتماجا، أورفا-1997، رسالة دكتوراه.
Veli Atmaca, Ebu Bekr Ahmed b. Huseyn el-Beyhaki ve “Kitabu'd-Davati'l-Kebir”inin Tahkiki, Sanliurfa-1997, Doktora,
فهم أحمد بن حنبل للحديث ومسنده، عارف آلقان، أنقرة-1997، 197 ص. رسالة دكتوراه.
Ahmet Alkan, Ahmed b. Hanbel’in Hadis Anlayisi ve Musned, Ankara-1997, 197s. Doktora,
مكانة محمد بن الحسن الشيباني في ثقافة الحديث، سامي شاهين، أنقرة- 1998، رسالة دكتوراه.
Sami Sahin, Muhammed b. Hasan es-Seybani'nin Hadis Kulturundeki Yeri, Ankara-1998, Doktora,
الحميدي ومسنده، عبدالقادر أوكين، قيصري-1998، 209 ص. رسالة دكتوراه.
A. Kadir Evgin, Abdullah b. Ez-Zubeyr el-Humeydi ve Musnedi, Kayseri-1998, 209s, Doktora,
مكانة القرطبي في علم الحديث، عارف كزر، أنقرة-1999، 254 ص. رسالة دكتوراه.
Arif Gezer, Kurtubi'nin Hadis Ilmindeki Yeri, Ankara, 1999, 254s, Doktora,(25/14)
مكانة المزي في علم الحديث، أرطوغان كويجو، أنقرة-1999، 156ص. رسالة دكتوراه.
Erdogan Koycu, el-Mizzi'nin Hadis Ilmindeki Yeri, Ankara-1999, 156s, Doktora,
ابن أبي شيبة ومصنفه، نهات ياطقين، أرضروم- 1999، رسالة دكتوراه.
Nihat Yatkin, Ibn Ebi Seybe ve Musannefi, Erzurum-1999, Doktora,
عبدالرزاق بن همام ومصنفه، مرضا طوق بينار، إزمير، رسالة دكتوراه.
Mirza Tokpinar, Abdurrezzak b. Hemmam ve Musannefi, Izmir, Doktora,
ابن كثير حياته وآثاره ومكانته في علم الحديث، قدير باكصوي، أورفا، رسالة دكتوراه.
Kadir Paksoy, Ibn Kesir'in Hayati, Eserleri ve Hadis Ilmindeki Yeri, Sanliurfa, Doktora,
إسماعيل حقي بورصوي ومكانته في علم الحديث، جاسم آوجي، قونيا، رسالة دكتوراه.
Casim Avci, Ismail Hakki Bursevi'nin Hadisciligi, Konya, Doktora,
مقاييس ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة" لقبول الروايات وردها، صالح أوزار، أنقرة-1998، رسالة دكتوراه.
Salih Ozer, Ibn Teymiyye'nin “Minhacu's-Sunne” Kapsaminda Rivayetleri Kabul ve Red Kriterleri, Ankara, Doktora,
الشوكاني محدثا، عادل ياووز، قونيا-2002، 328 ص. رسالة دكتوراه.
Adil Yavuz, es-Sevkani ve Hadisciligi, Konya-2002, XXVIII+328+II, Doktora,
ماهية فكر المحدثين، قدير كورلر، أنقرة-2002، رسالة دكتوراه.
Kadir Gurler, Ehl-i Hadis'in Dusunce Yapisi, Ankara-2002, Doktora,
بحوث في جغرافيا الحديث
الأربعون من الأحاديث في الأدب التركي الإسلامي، عبدالقادر قاراخان، ط. أنقرة - 1975، 206 ص. رسالة دكتوراه.
Abdulkadir Karahan, Islam Turk Edebiyatinda Kirk Hadis, Ankara-1975, Arslan yay. 206 s.
الحديث في الجغرافيا الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى، كمال صانديقجي، أرضروم-1982، ط. أنقرة-1991، 598 ص. رسالة دكتوراه،(25/15)
Kemal Sandikci, Ilk Uc Asirda Islam Cografyasinda Hadis, Erzurum-1982, baski: Ankara-1991, 598s. Doktora,
المحدثون في عهد السلجوقيين، نوري طوبال أوغلو، أيزمير-1984، ط. أنقرة -1988، 214 ص. رسالة دكتوراه.
Nuri Topaloglu, Selcuklu Devri Muhaddisleri, Izmir-1984, baski: Ankara-1988, 214s., Doktora,
المحدثون في القرن الرابع الهجري وآثارهم، كمال صاندقجي، صامصون- 1986، 165 ص.
Kemal Sandikci, Hicri IV. Asirda Hadis Calismalari, Muhaddisler ve Eserleri, Samsun-1986, 165 s.
المحدثون في آناطولية في عهد العثمانيين، صلاح الدين ييلديريم، إصطنبول- 1994، 240 ص. رسالة دكتوراه.
Selahattin Yildirim, Osmanli Donemi Anadolu Muhaddisleri (H.VII-IX), Istanbul- 1994, 240s, Doktora,
التربية في المدارس العثمانية بما فيها دور الحديث، أحمد كول، قيصري- 1989، 289 ص. رسالة دكتوراه.
Ahmet Gul. Osmanli Medreselerinde Egitim ve Ogretim ve Hadisin Rolu. Kayseri-1989. 289s. Doktora,
دراسات الحديث في الهند والباكستان من زمان شاه ولي الله الدهلوي إلى يومنا هذا، خالد ظفر الله داوودي، أنقرة-1995، 400 ص، ط.إصطنبول، رسالة دكتوراه.
Daudi, Khalid Zaferullah, Sah Veliyyullah ed-Dihleviden Gunumuze Pakistan ve Hindistanda Hadis Calismalari, Ankara, baski: Istanbul-1995, Insan y. 400s. Doktora,
ثقافة الحديث عند ابن عربي وصفحات تطور علم الحديث في المغرب والأندلس، علي وصفي قورط، أنقرة- 1997، ط. إصطنبول-2002 ، 768ص. رسالة دكتوراه.
Ali Vasfi Kurt, Magrib ve Enduluste Hadis Ilminin Gelisim Safhalari ve Ibn Arabi'nin Hadis Kulturu, Ankara-1997, baski: Enduluste Hadis ve Ibn Arabi, Istanbul-1998, Insan yay. 768s. Doktora,(25/16)
دار الحديث لمدينة أدرنة في التقليد العلمي العثماني والمدرسون فيها، صلاح الدين ييلديريم، إصطنبول-2002، 232 ص. رسالة دكتوراه.
Selahattin Yildirim, Osmanli Ilim Geleneginde Edirne Darulhadisi ve Muderrisler Istanbul-2002, Darul-hadis, 232s., Doktora,
فهم الحديث والسنة
أحاديث الأحكام، (1-2)، جلال ييلديريم، ط. قونيا-1986.
Celal Yildirim, Ahkam Hadisleri (I-II), Konya-1986, Uysal Kitabevi.
فهم السنة، عثمان قارا، ط. إصطنبول-1993، 200 ص.
Osman Kara, Sunneti Anlamak, Istanbul-1993, Ravza yay. 200 s.
الأحاديث الفقهية والأصول في فهمها، محمد أمين أوز آفشار، أنقرة-1995، 400 ص. ط. أنقرة-1998، فقه الحديث من جديد: دراسة منهجية في الأحاديث الفقهية، رسالة دكتوراه.
M. Emin Ozafsar, Fikhi Hadisler ve Degerlendirilmesindeki Esaslar, Ankara-1995, Doktora, 400s, baski: Hadisi Yeniden Dusunmek: Fikhi Hadisler Baglaminda Bir Inceleme, Ankara-1998.
المشكلة المنهجية في فهم الحديث والسنة وتأويلهما، محمد كورمز، أنقرة- 1995، ط. أنقرة-1999، ص. رسالة دكتوراه.
Mehmet Gormez, Sunnet ve Hadisin AnlasIlmasi ve Yorumlanmasinda Metodoloji Sorunu, Ankara-1995, Doktora,
فهم السنة عند الصحابة، بنيامين أرول، أنقرة-1996، ط. أنقرة-1999، 494 ص. رسالة دكتوراه.
Bunyamin Erul Sahabenin Sunnet Anlayisi, Ankara-1996, 451s, Doktora,
الأبعاد التاريخية للأحاديث، نوزات طارطي، أرضروم-2001، رسالة دكتوراه.
Nevzat Tarti, Hadislerin Tarihsel Boyutu, Erzurum-2001, Doktora,
شرح الحديث وتأويله
ترجمة بلوغ المرام وشرحه(1-4)، أحمد داود أوغلو، ط. إصطنبول-1966 -1967.
Ahmed Davudoglu, Bulugu’l-Meram Tercemesi ve Serhi, Selamet Yollari, Istanbul-1966-1967, I-IV.
ترجمة صحيح مسلم وشرحه(1-12)، أحمد داود أوغلو، ط. إصطنبول- 1973، 1980(25/17)
Ahmed Davudoglu, Sahih-i Muslim Tercume ve Serhi, Istanbul-1973-1980, Sonmez Nesr. I-XII.
ترجمة سنن ابن ماجه وشرحه (1-10)، ط. حيدر خطيب أوغلو، إصطنبول- 1982.
Haydar Hatiboglu, Ibn Mace Tercumesi ve Serhi, Istanbul-1982, Kahraman yay. I-X.
مكانة العيني في ثقافة الحديث، طلعت صاقاللي، أنقرة-1987، 263 ص. رسالة دكتوراه.
Talat Sakalli, Ayni'nin Hadis Kulturundeki Yeri, Ankara-1987, 263s, Doktora,
ترجمة مختصر كتب الستة وشرحه (تيسير الوصول لابن الديبع) (1-18)، إبراهيم جانان، ط. أنقرة - 1988-1992.
Ibrahim Canan, Kutub-i Sitte Muhtasari Tercume ve Serhi, Ankara-1988-1992. Akcag yay. I-XVIII.
مكانة الخطابي في علم الحديث ومنهجه في الشرح، صالح قاراجابك، بورصة-1990، ط. إصطنبول-2002، 303 ص. رسالة دكتوراه.
Salih Karacabey, Hattabi'nin Hadis Ilmindeki Yeri ve Serh Metodu, Bursa-1990, baski: Istanbul-2002, Sir yay. 303 s. Doktora,
الحقائق بالأحاديث (أربعون حديثا)، إسماعيل لطفي جاقان، ط. إصطنبول- 1990، 270 ص.
I. Lutfi Cakan, Hadislerle Gercekler, (Kirk Hadis) Istanbul-1990, Erkam yay. 270 s.
يوسف أفندي زاده عبدالله حلمي ومكانته في الشرح، أحمد طوباي، إصطنبول- 1991، 230 ص. رسالة دكتوراه.
Ahmet Tobay, Yusuf Efendizade Abdullah Hilmi ve Hadis Serhciligindeki Yeri, Istanbul-1991, 230s, Doktora,
أبو بكر بن العربي ومنهجه في شرحه "عارضة الأحوذي"، محمد سليم آريق، بورصة، رسالة دكتوراه.
Mehmet Selim Arik, Ebubekir Ibnu'l-Arabi ve “Arizatu'l-Ahvezî”deki Serh Metodu, Bursa, Doktora,
البغوي ومنهجه في "شرح السنة"، صفوت صانجاقلي، بورصة، رسالة دكتوراه.
Saffet Sancakli, Begavî ve “Serhu's-Sunne”deki Serh Metodu, Bursa, Doktora,
شرح الحديث في القرون الأربعة الأولى الهجرية، مصطفى جانلي، قيصري، رسالة دكتوراه.(25/18)
Mustafa Canli, Hicri Ilk Dort Asirda Hadis Serhciligi, Kayseri, Doktora,
المقارنة بين "عمدة القاري" و"فتح الباري" من حيث تحليل المتن، ياووز كوكطاش، إصطنبول-1999، 251 ص. رسالة دكتوراه.
Yavuz Koktas, Metin Tahlili Acisindan “Umdetu'l-Kari” ile “Fethu'l-Bari”nin Mukayesesi, Istanbul, 1999, 251s, Doktora,
شرح الحديث التقليدي، أنبيا ييلديريم، ط. إصطنبول-2001، 315 ص.
Enbiya Yildirim, Geleneksel Hadis Yorumculugu, Istanbul-2001, Ragbet yay. 315 s.
"فيض الباري" للكشميري ومكانته بين شروح البخاري المشتهرة، هارون أوزجليق، أرضروم-2002، رسالة دكتوراه.
Harun Ozcelik, Kesmiri’nin “Feyzu'l Bari”si ve Buhari'nin Meshur Serhleri Arasindaki Yeri, Erzurum-2002, Doktora,
نقد الحديث
فكرة النقد الإسلامي ونقد الحديث، محمد سعيد خطيب أوغلو، أنقرة- 1962، 95 ص. رسالة دكتوراه.
M. Said Hatiboglu, Islami Tenkid Zihniyeti, Ank.U.I.F., Ankara-1962, 95s. Doktora,
علاقة الحديث بالأحداث السياسية والاجتماعية من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نهاية خلافة الأمويين، محمد سعيد خطيب أوغلو، أنقرة-1967، 73 ص. بحث أستاذ مساعد.
M. Said Hatiboglu, Hz. Peygamber'in Vefatindan Emevilerin Sonuna Kadar Siyasi-Ictimai Hadiselerle Hadis Munasebetleri, Ank.U.I.F., Ankara-1967, 73 s. Docentlik tezi,
تقويم بعض أحاديث الفتن في صحيح البخاري من جانب النقد المتني، مصطفى أرترك، إصطنبول-1995، 326 ص. رسالة دكتوراه.
Mustafa Erturk, Metin Tenkidi Acisindan Buhari'deki Bazi Fiten Hadislerinin DegerlendirIlmesi, Istanbul-1995, V+326, Doktora,
النقد المتني في الحديث، أنبيا ييلديريم، بورصة-1996، 500 ص. رسالة دكتوراه.
Enbiya Yildirim, Hadiste Metin Tenkidi, Bursa, 1996, 500s, Doktora,(25/19)
مشاكلات الحديث، أنبيا ييلديريم، ط. إصطنبول-1996، 352 ص.
Enbiya Yildirim, Hadis Problemleri, Istanbul-1996, Umran yay. 352 s.
أثر العقل في تصحيح الأحاديث النبوية وتقييمها، ياووز أونال، صامصون- 1997، 214 ص. رسالة دكتوراه.
Yavuz Unal, Rivayetlerin Hz Peygamber'e Aidiyetini Tespit ve Degerlendirmede Aklin Rolu, O.M.U.S.B.E., Samsun-1997, IX+214. Doktora,
عرض الأحاديث على القرآن، أحمد كلش، قيصري-1997، ط. إصطنبول- 1998، 280ص. رسالة دكتوراه.
Ahmet Keles, Hadislerin Kur'an'a Arzi, Kayseri-1997, baski: Istanbul-1998, Insan yay. 280s. Doktora
نقد الحديث وطرق تعيين نسبة الأحاديث إلى النبي، صالح قاراجابك، ط. إصطنبول-2001، 272 ص.
Salih Karacabey, Hadis Tenkidi, Hadislerin Hz. Peygamber’e Aidiyetini Belirleme Yollari, Istanbul-2001, Sir yay. 272 s.
الأحاديث الموضوعة
الأحاديث الموضوعة، نشأتها وطرق التعرف عليها ونقدها، ياشار قاندمير، إصطنبول-1970، ط. أنقرة-1980، 215 ص. بحث القبول في هيئة التعليم.
Yasar Kandemir, Mevzu Hadisler, Mensei, Tanima Yollari ve Tenkidi, Istanbul-1970, baski: Ankara-1980, 215s. Ogr. Uyeligi tezi
ظهور الأحاديث الموضوعة وعلاقتها بالحوادث الاجتماعية والسياسية، صادق جيهان، أرضروم-1977، ط. صامصون-1997، بحث أستاذ مساعد.
Sadik Cihan Uydurma Hadislerin Dogusu, Sosyo-Politik Olaylarla Ilgisi, Erzurum-1977, baski: Samsun-1997, 221 s. Docentlik tezi,
الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، سلمان باشاران، بورصة-1991، 139 ص.
Selman Basaran, Halk Dilinde Meshur Hadisler, Bursa-1991, 139 s.
الأحاديث الموضوعة ضد المرأة، مصطفى جليك، إصطنبول-1995، 192 ص.
Mustafa Celik, Uydurma Hadislerde Kadin Aleyhtarligi, Istanbul-1995, Olcu yay. 192 s.(25/20)
صلة الحديث بالإسرائليات، أوزجان حيدر، إصطنبول، رسالة دكتوراه.
Ozcan Hidir, Israiliyât-Hadis ?liskisi, M.U.S.B.E., Istanbul, Doktora,
مناقشات المحدثين
المناقشات بين المحدثين والمتكلمين، طلعت قوج ييغيت، أنقرة-1968، ط. أنقرة-1969، 264ص. بحث أستاذ مساعد.
Talat Kocyigit, Hadiscilerle Kelamcilar Arasindaki Munakasalar, Ank.U.S.B.E., Ankara-1968, V+4+264, Docentlik Tezi,
اعتراضات البخاري على أبي حنيفة، حلمي مرت توركمان، أنقرة-1976، 107 ص. رسالة دكتوراه.
Hilmi Mertturkmen, Buhari'nin Ebu Hanife'ye Itirazlari, Ankara-1976, 108s, Doktora,
مناقشات بين فقهاء الأحناف ومحدثي الظاهرية وأسباب اختلافهم، زكريا كولر، قونيا-1992، ط. أنقرة-1997، 234ص. رسالة دكتوراه.
Zekeriya Guler, Zahiri Muhaddislerle Hanefi Fakihler Arasindaki Munakasalar ve Ihtilaf Sebepleri, Konya, 1992, baski: Ankara-1997, 234s, Doktora,
مناقشات بين ابن حجر والعيني، طلعت صاقاللي، أنقرة-1996، 146 ص.
Talat Sakalli, Hadis Tartismalari, Ankara-1996, 146s.
بعض الأحاديث التى احتج بها أهل السنة والشيعة، علي عثمان آتش، ط. إصطنبول-1996، 224 ص.
Ali Osman Ates, Ehl-i Sunnet ve Sia’nin Delil Aldigi Bazi Hadisler, Istanbul-1996, Beyan y. 224 s.
اعتراضات ابن أبي شيبة على أبي حنيفة، عطاء الله جارب، إصطنبول، رسالة دكتوراه.
Ataullah Carip, Ibn Ebi Seybe'nin Ebu Hanife'ye Itirazlari, Istanbul, Doktora,
مناقشات حول الحديث منذ البداية إلى يومنا هذا، صباح الدين ييلديريم، إصطنبول، رسالة دكتوراه.
Sabahattin Yildirim, Baslan?ictan Gunumuze Hadis Tartismalari, Istanbul, Doktora,
الخلفيات التاريخية لأيديولوجية الحديث، محمد أمين أوز آفشار، أنقرة-1999، 175 ص.
M. Emin Ozafsar, Ideolojik Hadisciligin Tarihi Arkaplani, Ankara-1999, Ankara Okulu yay. s.(25/21)
الحديث واللغة
الحديث النبوي من جانب الأدب، إبراهيم بيرقدار، ط. أرضروم-1992.
Ibrahim Bayraktar, Edebi Yonden Hadis-i Nebevi, Erzurum-1992.
التشبيهات والأمثلة في الأحاديث من جانب الأدب، آدم دولك، ط. أرضروم-2002، 367 ص.
Adem Dolek, Edebî Acidan Hadislerde Tesbih ve Temsiller, Erzurum-2001, Ekev yay. 367 s.
الحديث والثقافة
أحاديث المثنوي لجلال الدين الرومي، علي يارديم، إزمير-1984، 187ص. رسالة دكتوراه.
Ali Yardim, Mesnevî Hadisleri, Izmir-1984, 187s, Doktora,
العرف والعادات لدى أهل الجاهلية وأهل الكتاب, وماقبلته السنة ورفضته منها، علي عثمان آتش، إزمير-1989، ط. إصطنبول-1996، 544 ص. رسالة دكتوراه.
Ali Osman Ates, Sunnetin Kabul ve Reddettigi Cahiliye ve Ehl-i Kitap Orf ve Adetleri, Izmir-1989, 544s, Doktora,
أثر الحديث في الأمثال التركية، سلمان باشاران، ط. بورصة-1991، 151 ص.
Selman Basaran, Hadislerin Turk Atasozlerine Tesiri, Bursa-1991, Furkan Kit. 151 s.
الأحاديث التي تشكل ثقافتنا، نهات دالقين ويونس ماجد، ط. صامصون-1992، 349 ص.
Nihat Dalgin, Yunus Macit, Kulturumuzu Sekillendiren Hadisler, Samsun-1992, 349s.
علاقة بعض العقائد الشعبية بالأحاديث، علي جليك، إزمير-1994، 211 ص. رسالة دكتوراه.
Ali Celik, Bazi Halk Inanclarinin Hadislerle Munasebeti, Izmir-1994, 211s, Doktora,
المعتقدات الشعبية التى قبلها الإسلام أوردها، علي جليك، ط. إصطنبول-1995، 350 ص.
Ali Celik, Islamin Kabul veya Reddettigi Halk Inanclari, Istanbul-1995, Beyan yay. 350 s.
البيئة في السنة النبوية، يونس ماجد، صامصون-1997، 182 ص. رسالة دكتوراه.
Yunus Macit, Hz.Peygamber'in Sunnetinde Cevre, Samsun-1997, XII+182s, Doktora,
الثقافة الشعبية واللهو على ما ورد في الأحاديث، نبي بوز قورط، ط. إصطنبول-1997، 190 ص.(25/22)
Nebi Bozkurt, Hadiste Folklor-Eglence, Istanbul- 1997, 190 s. MU?FVYay.
العلاقة بين السنة والعرف، أحمد جولاق، أرضروم, رسالة دكتوراه.
Ahmet Colak, Sunnet Orf Iliskisi, Erzurum, Doktora,
الدعوة والإعلام في السنة، فخري خوشاف، أورفه-2003، رسالة دكتوراه.
Fahri Ho?af, Sunnette Propaganda, ?anliurfa-2003, Doktora,
الحديث والتربية
التربية في السنة النبوية، إبراهيم جانان، أرضروم-1977، ط. إصطنبول- 1982، 468 ص. بحث أستاذ مساعد.
Ibrahim Canan, Peygamberimizin Sunnetinde Terbiye, A.U.?.?.F., Erzurum-1977, baski: Istanbul-1982, 428s. Docentlik Tezi,
المحبة في القرآن والسنة، راشد كوجوك، إصطنبول-1984، 241 ص. رسالة دكتوراه.
Rasit Kucuk, Kur'an ve Sunnette Sevgi, Istanbul-1984, 241s, Doktora,
مكارم الأخلاق في الأحاديث، علي أوزك، ط. إصطنبول-1988، 366 ص.
Ali Ozek, Hadislerle Ahlaki Davranislar, Istanbul-1987, Hisar yay. 366 s.
الزواج في السنة النبوية، عبدالله أوزترك، ط. أنقرة-1988، 430 ص.
Abdullah Ozturk, Peygamberimizin Sunnetinde Evlilik, Ankara-1988, Kilic y. 430 s.
كيفية الدعوة الإسلامية وخطب النبي، طلعت قوج ييغيت، ط. أنقرة- 1994، 320 ص.
Talat Kocyigit, Islamî Davetin Mahiyeti ve Hz. Peygamber’in Hutbeleri, Ankara-1994, 320s.
الاعتدال في السنة، محمود قواقلي أوغلو، إصطنبول-1995، 264 ص. رسالة دكتوراه.
Mahmut Kavaklioglu, Sunnette Itidal, Istanbul-1995, 264s, Doktora,
الطاعة في السنة، جمال آغيرمان، إصطنبول-1995، 314 ص. رسالة دكتوراه.
Cemal Agirman, Sunnette Itaat, Istanbul-1995, 314s, Doktora,
صحة الأحاديث التى يستدل بها في الوعظ ، محمود يشيل، قونيا-1996، رسالة دكتوراه.
Mahmut Yesil, Vaaz Edebiyatinda Kullanilan Hadisler ve Degeri, Konya-1996, Doktora,(25/23)
الوعظ والقصة في الحديث والقصاص، حسن جيريت، إصطنبول-1997، 218 ص. رسالة دكتوراه.
Hasan Cirit, Hadiste Vaaz, Kissacilik ve Kussas, Istanbul-1997, 218s, Doktora,
السماحة النبوية، يوسف ضياء كسكين، إصطنبول-1997، 130 ص.
Yusuf Ziya Keskin, Nebevî Hosgoru, Istanbul-1997, Timas yay. 130 s.
مفهوم الجزاء في السنة، محمد ديلك، أورفا، رسالة دكتوراه.
Mehmet Dilek, Sunnette Ceza Anlayisi, Sanliurfa, Doktora,
طريقة النبي ضد الغلو في العبادة، نوزاد عاشق، إزمير- 2000، 194ص .
Nevzat Asik, ?badette Asiriliga Karsi Hz. Peygamber’in Tutumu, Izmir-2000, 194.
الحديث والكلام
مسألة الرؤية (رؤية الله) في القرآن والحديث، طلعت قوج ييغيت، أنقرة-1974، ط. أنقرة-1974، 112 ص. بحث الترقية إلى درجة أستاذ دكتور.
Talat Kocyigit, Kur’an ve Hadiste Ru’yet Meselesi, Profesorluk Takdim Tezi Ankara-1974, 114s.
صفات الله عند أصحاب الحديث، محمد خيري قيرباش أوغلو، أنقرة- 1983، 471 ص. رسالة دكتوراه.
M. Hayri Kirbasoglu, Ashabu'l-Hadis'e Gore Allah'in Sifatlari Problemi, Ankara- 1983, 471s, Doktora,
تقليد تأليف «كتاب السنَّة» عند المحدثين، صلاح الدين يوجل، أرضروم، رسالة دكتوراه.
Selahattin Yucel, Hadis Literaturunde “Kitabu's-Sunne” Gelenegi, Erzurum, Doktora,
مكانة الحديث عند متكلمي الماتريدية، حسين قهرامان، بورصة، ط. بورصة- 2001، 227 ص. رسالة دكتوراه.
Huseyin Kahraman, Maturidi Kelaminda Hadisin Yeri, baski: Maturidilikte Hadis Kulturu, Bursa-2001,227s, Doktora,
قيمة الأحاديث الاعتقادية عند مذهب الماتريدية، نوري طوغلو، إصبارطة- 2003، رسالة دكتوراه.
Nuri Tuglu, Maturidi Kelam Ekolu Cercevesinde Kelami Hadislerin Degerlendirilmesi, Isparta-2003, Doktora,
الحديث والمذاهب(25/24)
فهم الشيعة للحديث، جمال صوفو أوغلو، أنقرة-1977، 164 ص. رسالة دكتوراه.
M. Cemal Sofuoglu, Sianin Hadis Anlayisi, Ankara-1977, 164s, Doktora,
فهم الحديث عند أبي حنيفة ومنهج الحديث في مذهبه، إسماعيل حقي أونال، أنقرة-1989، ط. أنقرة-1994، 308 ص. رسالة دكتوراه.
Ismail Hakki Unal, Ebu Hanife'nin Hadis Anlayisi ve Hanefi Mezhebinin Hadis Metodu, Ankara-1989, baski: Ankara-1994, 308 s. Doktora,
مكانة الإمام الشافعي في ثقافة الحديث، حابل نازلى كول، أنقرة-1994، 283 ص. رسالة دكتوراه.
Habil Nazligul, Imam Safii’nin Hadis Kulturundeki Yeri, Ankara-1994, 283s, Doktora,
مرجعية الحديث عند الإمام مالك، على ضوء نقد الإمامين: الشافعي والشيباني، علي دره، ألمانيا-1994، باللغة الألمانية، رسالة دكتوراه.
Ali Dere, Imam Safii ve Seybani’nin Kritikleri Dogrultusunda Imam Malik’in Hadis Kullanimi, Almanya-1994, Almanca, Doktora
مفهوم أهل البيت في الأحاديث، يوسف آجيق أل، إصبارطة-1999، 310ص. رسالة دكتوراه.
Yusuf Acikel, Hadislerde Ehl-i Beyt, Isparta-1999, 310s. Doktora,
منهج الحديث في أصول فقه الشافعية، حسين كولج، أنقرة-2003، رسالة دكتوراه.
Huseyin Gulec, Safi Fikih Usulunde Hadis Metedolojisi, Ankara-2003, Doktora,
فهم الحديث عند المعتزلة، حسين خانصو، أنقرة-2003، رسالة دكتوراه.
Huseyin Hansu, Mutezile Mezhebinin Hadis Anlayisi, Ankara-2003, Doktora,
الحديث والتصوف
التصوف في عهد ظهوره وعلاقته بالحديث، عبدالله آيدينلي، أرضروم- 1980، ط. إصطنبول-1986، 248 ص. رسالة دكتوراه.
Abdullah Aydinli, Dogus Devrinde Tasavvuf ve Hadis, Erzurum-1980, baski: Istanbul-1986, 248s, Doktora,
قيمة الأحاديث المتعلقة بالتصوف في كتاب "قوت القلوب"، بلال صاقلان، قونيا-1980، 384 ص. رسالة دكتوراه.(25/25)
Bilal Saklan, Kutu'l-Kulubdaki Tasavvufi Hadislerin Hadis Metedolojisi Acisindan Degeri, Konya-1989, 374s, Doktora,
شروح المتصوفة للحديث وشرح أربعين حديثا للقونوي، كامل ييلماز، إصطنبول-1989، رسالة دكتوراه.
H. Kamil Yilmaz, Tasavvufi Hadis Serhleri ve Konevi'nin Kirk Hadis Serhi, Istanbul-1989, Doktora,
شروح المتصوفة للحديث وشرح أربعين حديثا للقونوي، كامل ييلماز، ط. إصطنبول-1990، 143+173 ص. بحث أستاذ مساعد .
H. Kamil YIlmaz, Tasavvufi Hadis Serhleri ve Konevi'nin Kirk Hadis Serhi, M.U.?.F., Istanbul-1990, 173+143s, Docentlik Tezi,
مستندات تعاليم الصوفية من الأحاديث النبوية، أحمد ييلديريم، أنقرة-1996 ط. أنقرة-2000، رسالة دكتوراه.
Ahmet Yildirim, Tasavvufun Temel Ogretilerinin Hadisteki Dayanaklari, Ankara-1996, baski: Ankara-2000, Doktora,
الحديث في ثقافة التصوف: الروايات المختلفة فيها في مصادر التصوف، محيي الدين أويصال، ط. قونيا-2001، 472 ص. رسالة دكتوراه.
Muhittin Uysal, Tasavvuf Kulturunde Hadis: Tasavvuf Kaynaklarindaki Tartismali Rivayetler, Konya-2001, 472s. Yediveren yay. Doktora,
شرح الحديث عند الصوفية المتقدمة، نجم الدين شكر، قيصري، رسالة دكتوراه.
Necmettin Seker, Ilk Donem Sufilerinden Hadis Yorumu, Kayseri, Doktora,
موضوعات التقديس والتفضيل في السنة وكتب الفضائل، إبراهيم قوطلوآي، إصطنبول، رسالة دكتوراه.
Ibrahim Kutluay, Sunnete Gore Takdis ve Tafdil Meseleleri ve Fedail Kitaplari, Istanbul, Doktora,
بحوث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أحوال نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، عبدالله عاطف، ط. إصطنبول-1973، 328 ص.
Abdullah Atif, Peygamberimizin Hal ve Hareketleri, Istanbul-1973, A. Said Matb. 328 s.(25/26)
سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وحياته، عثمان كسكي أوغلو وعلي حكمت بركي، ط. أنقرة -1978، 330 ص.
Osman Keskioglu, Ali Himmet Berki, Hz. Muhammed ve Hayati, Ankara-1978, 430s.
الخطاب النبوي، أحمد لطفي قازانجي، ط. بورصة-1983، رسالة دكتوراه.
A. Lutfi Kazanci, Peygamber Efendimizin Hitabeti, Bursa-1983, 238s, Doktora,
سيدنا محمد على لسان نفسه، ياشار نوري أوزترك، ط. إصطنبول-1984، 344 ص.
Yasar Nuri Ozturk, Kendi Dilinden Hz. Muhammed, Istanbul-1984, 344 s.
النبوة والأنبياء في الآيات والأحاديث، محيي الدين باغجه جي، ط. بورصة-1984، 180 ص. رسالة دكتوراه.
Muhittin Bahceci, Ayet ve Hadislerde Peygamberlik ve Peygamberler, Bursa-1977, 180s. Doktora,
سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه، عبدالقادر كول بينارلي، ط. إصطنبول-1985، 220 ص.
Abdulbaki Golpinarli, Hz. Muhammed ve Hadisleri, Istanbul-1985, Toker yay. 220 s.
حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - التعبدية من حيث علم النفس، حابل شن ترك، إصطنبول-1985، 137 ص.
Habil Senturk, Psikoloji Acisindan Hz. Peygamber’in Ibadet Hayati, Istanbul-1985, 138 s.
شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إبراهيم بيرقدار، أرضروم-1987، 334ص. رسالة دكتوراه.
Ibrahim Bayraktar, Hz. Peygamber'in Semaili, Erzurum- 1987, 334s, Doktora,
معجزات نبينا- صلى الله عليه وسلم - ، نامق يازيجي، ط. إصطنبول-1987، 142 ص.
Namik Yazici, Peygamberimizin Mucizeleri, Istanbul-1987, Ebru yay. 142 s.
سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - معلما، عبدالله أوزبك، ط. قونيا-1988، 304 ص.
Abdullah Ozbek, Bir Egitimci Olarak Hz. Muhammed, Konya-1988, Selam y. 304 s.
نبينا - صلى الله عليه وسلم - على لسان الصحابة، إسماعيل لطفي جاقان، ط. إصطنبول-1992، 126 ص.(25/27)
I. Lutfi Cakan, Ashabin Dilinden Peygamberimiz, Busra yay. Istanbul. 1992, 126 s.
النبي - صلى الله عليه وسلم - وحياته العالمية، إبراهيم بيرقدار، ط. أرضروم-1995، 199 ص.
Ibrahim Bayraktar, Hz. Peygamber ve Evrensel Hayati, Erzurum-1995, Selale y. 199s.
يومية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، محمد آب آيدين، إصطنبول-1997، 134 ص.
Mehmet Apaydin, Hz. Peygamber’in Gunlugu, Istanbul-1995, Insan yay. 145 s.
النبيّ المعلم ونظرته الإنسانية، سلجوق جوشقون، أرضروم-1996، 259 ص. رسالة دكتوراه.
Selcuk Coskun, Bir Muallim Olarak Hz. Peygamber'in Insan Telakkisi, A.U.S.B.E, Erzurum, 1996, 259s, Doktora,
شمائل نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه وآدابه، حسين آل كول، ط. إصطنبول-1997، 134 ص.
Huseyin Algul, Peygamberimizin Semaili, Ahlak ve Adabi, Istanbul-1997, Nil yay. 134 s.
شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حيث علم النفس، سَهيلان بيلان، أنقرة- 1998، 181 ص. رسالة دكتوراه.
Sehilan Bilen, Psikoloji Acisindan Hz. Peygamberin Sahsiyeti, Ankara-1998, 181s.
بشرية النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ح. موسى باغجي، أنقرة-1999، 423 ص. رسالة دكتوراه.
H. Musa Bagci, Hz. Peygamber'in Beseri Yonu, Ankara-1999, 423s. Doktora,
دلائل النبوة في الأحاديث، أردينج آحاطلي، إصطنبول-1999، ط. النبوة ونبوة محمد، إصطنبول-2002، 266 ص. رسالة دكتوراه.
Erdinc Ahatli, Hadislere Gore Peygamberlik Delilleri, Istanbul-1999, Doktora,
ثلاثة محمدين (حقيقة واحدة وتصوران عنه)، مصطفى إسلام أوغلو، ط. إصطنبول-2000، 292 ص.
Mustafa Islamoglu, Uc Muhammed, (Iki Tasavvur Bir Gercek), Istanbul-2000, Denge yay. 292 s.
محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته العالمية، إبراهيم صاريجام، ط. أنقرة-2001، 386ص.(25/28)
Ibrahim Saricam, Hz. Muhammed ve Evrensel Mesaji, Ankara-2001, 386s.
النبي والسياسة
رسائل الدعوة إلى الإسلام للنبي عليه السلام، عابدين سونمز، أنقرة-1982، ط. إصطنبول-1984، 207 ص. رسالة دكتوراه.
Abidin Sonmez, Hz. Peygamber'in Islam'a Davet Mektuplari, Ankara-1982, baski: Istanbul-1984, 207s. Doktora,
منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الإسلام، أحمد أونقال، قونيا-1984، 307 ص.
Ahmet Onkal, Rasulullah’in Islam’a Davet Metodu, Konya-1984, 307 s.
مشورة رسول - صلى الله عليه وسلم - الله والشورى، عابدين سونمز، إصطنبول-1984، 240 ص.
Abidin Sonmez, Sura ve Rasulullah’in Musaveresi, Istanbul-1984, Inkilap y. 240 s.
علاقة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمشركين، علي قابار، إصطنبول-1987، 296 ص.
Ali Kapar, Hz. Muhammed’in Musriklerle Munasebeti, Istanbul-1987, ?lim yay. 296 s.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلاقاته السياسية، عابدين سونمز، إصطنبول-1987، 304 ص.
Abidin Sonmez, Rasulullah’in Diplomatik Munasebetleri, Istanbul-1987, Inkilap yay. 304 s.
أصول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة وأسس الإيمان، فكرت قرامان، أرضروم-1993، رسالة دكتوراه.
Fikret Karaman, Peygamber'in Tebliginde Usul ve Iman Esaslari, Erzurum-1993, Doktora,
علاقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الكتاب (في عهد المدينة)، عثمان كونر، صامصون- 1995،ط. أنقرة-1997، 357 ص. رسالة دكتوراه.
Osman Guner, Rasulullah’?n Ehl-i Kitap'la Munasebetleri (Medine Donemi), Samsun-1995, baski: Ankara-1997, 357s, Doktora,
صحة الأحاديث المتعلقة بإدارة الدولة، هارون رشيد دمير أل، قونيا، رسالة دكتوراه.
H. Resit Demirel, Devlet Yonetimi Ile Ilgili Hadislerin Degerlendirilmesi, Konya, Doktora,(25/29)
مفهوم النفاق في الأحاديث وسياسة النبي - صلى الله عليه وسلم - ضد المنافقين، عبدالله ييلديز، قيصري، ط. النبي وأعداؤه المخفيون: المنافقون، إصطنبول-2000، 275 ص. رسالة دكتوراه.
Abdullah Yildiz, Hadislerde Nifak Kavrami, ve Hz. Perygamber'in Munafiklara Karsi Tutumu, Kayseri, baski: Hz. Peygamber ve Gizli Dusmanlari: Munafiklar, Istanbul-2000, 275s. Doktora,
حكم اتباع اليهود والنصارى في الأحاديث، مرضا طوق بينار، إصطنبول- 2003، 155 ص.
Mirza Tokpinar, Hadislere Gore Yahudi ve Hristiyanlara Uymak, Istanbul-2003, Insan yay. 155 s.
بحوث عن الصحابة
عقائد المسلمين النزيهة في الصحابة الكرام والأجوبة عن الأسئلة عن معاوية رضي الله عنه، ط. إصطنبول-1967، 205 ص.
Omer Nasuhi Bilmen, Ashab-i Kiram Hakkinda Muslumanlarin Nezih Itikadlari, Hz. Muaviye Hakkinda Suallere Cevaplar, Istanbul-1967, BIlmen Bas. ve Yay. 205 s.
أبو هريرة رضي الله عنه ومكانته في علم الحديث، علي طوق صارى، قيصري-1982، 179 ص. رسالة قبول في هيئة التعليم.
Ali Toksari, Ebu Hureyre ve Hadis Ilmindeki Yeri, Kayseri-1982, 179s. Ogretim Uyeligi Tezi,
سيدتنا عائشة رضي الله عنها محدثة، نوزاد عاشق، ط. إزمير-1987، 75 ص.
Nevzat Asik, Hz. Aise’nin Hadisciligi, Izmir-1987, 75 s.
عدالة الصحابة رضي الله عنهم، توحيد باقان، أرضروم-1993، 181ص. رسالة دكتوراه.
Tevhit Bakan, Ashabin Adaleti, Erzurum-1993, 181s, Doktora,
الانتقادات الموجهة ضد الصحابة رضي الله عنهم، محمد أفندي أوغلو، إصطنبول-1998، 383 ص. رسالة دكتوراه.
Mehmet Efendioglu, Sahabeye Yoneltilen Tenkitler, Istanbul-1998, 383s, Doktora,
الانتقادات على أبي هريرة رضي الله عنه، عثمان كولر، ط. إصطنبول-2001، 168 ص.(25/30)
Osman Guner, Ebu Hureyre’ye Yonelik Elestiriler, Istanbul-2001, Insan yay. 168 s.
بحوث عن الموضوعات المختلفة
المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، مجتبى أوغور، أنقرة-1978، ط. إصطنبول-1980، 165 ص. رسالة دكتوراه.
Muctaba Ugur, Hicri Birinci Asirda Islam Toplumu, Ankara-1978, baski: Istanbul-1980, 165 s. Doktora,
الطب النبوي، محمود دنيز قوشلري، بورصة-1980، ط. إصطنبول-1981، 157 ص. رسالة دكتوراه.
Mahmut Denizkuslari, Tibb-i Nebevi, Bursa-1980, baski: Peygamberimiz ve Tip Istanbul-1981, 157s. Doktora,
تفسير نبينا - صلى الله عليه وسلم - للقرآن، سعاد ييلديريم، إصطنبول-1983، 352 ص.
Suat Yildirim, Peygamberimizin Kur’an’i Tefsiri, Istanbul-1983, Kayihan yay. 352 s.
الحواديث في ضوء الأحاديث، صفوت سميح، ط. قونيا-1985، 128 ص.
Saffet Semih, Hadislerin Isiginda Hadiseler, Konya-1985, Damla Matb. 128 s.
حقيقة المعراج، سليمان ملا إبراهيم أوغلو، إصطنبول-1991، 199 ص.
Suleyman Mollaibrahimoglu, Mirac Gercegi, Istanbul-1991, 199 s.
المهدية، عوني إلخان، ط. إصطنبول-1994، 102 ص.
Avni Ilhan, Mehdilik, Istanbul-1994, Beyan yay. 102 s.
مفهوم الدنيا في الأحاديث، علي جان طاتلي، إصطنبول-1996، 280 ص.
Alican Tatli, Hadislerde Dunya kavrami, Istanbul-1996, 280 s.
الطبابة المحافظة في الأحاديث، أحمد طورخان أوغلو، إصطنبول-1999، ط. 88 ص.
Ahmet Turhanoglu, Hadislerde Koruyucu Hekimlik, Istanbul-1999, Ragbet yay. 88 s.
أثر التعصب الأعمى وتحكم الرجل في الروايات ضد المرأة، هدايت طوقصال، ط. أنقرة-2000، 267 ص. رسالة دكتوراه.
Hidayet Tuksal, Kadin Aleyhtari Rivayetlerde Ataerkil Gelenegin Etkileri, Ankara-2000, Kitabiyat, 267s. Doktora,(25/31)
المرأة في الأفكار الجامدة المستندة إلى الروايات، علي عثمان آتش، ط. إصطنبول-2001، 400 ص.
Ali Osman Ates, Hadis Temelli Kalip Yargilarda Kadin, Istanbul-2001, Beyan yay. 400 s.
مسألة خلق المرأة (دراسة منهجية في حديث الضلع)، جمال آغيرمان، ط. إصطنبول-2001، 285 ص.
Cemal Agirman, Kadinin Yaratilisi, Istanbul-2001, Ragbet yay. 285 s.
عقوبة الرجم مع تحليل الآيات والأحاديث، يوسف ضياء كسكين، ط. إصطنبول-2001، 367 ص.
Yusuf Ziya Keskin, Recm Cezasi, Ayet ve Hadis Tahlilleri, Istanbul-2001, Beyan yay. 367 s.
المرأة في أربعين حديثا( مع شرحها)، زكريا كولر، ط. قونيا-1997، 327 ص.
Zekeriyya Guler, Kirk Hadiste Kadin, Konya-1987, Uysal kit. 327 s.
الأعمال في مجال التحقيق
"كتاب العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل، تحقيق: طلعت قوج ييغيت وإسماعيل جراح أوغلو، ط. أنقرة – 1963.
Talat Kocyigit-Ismail Cerrahoglu, Ahmed b. Hanbel’in “Kitabu’l-Ilel ve Ma’rifetu’r-Rical” Adli Eseri, Ankara-1963.
"شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي، تحقيق: محمد سعيد خطيب أوغلو، ط. أنقرة - 1971، 240 ص.
M. S. Hatiboglu, el-Hatib el-Bagdadi’nin “Serefu Ashabi’l-Hadis” Adli Eseri, Ankara-1971, 240 s.
صفحات تطور أدب الحديث و"كتاب العلم" لأبي خيثمة زهير بن حرب ومكانة هذا الكتاب وأهميته في التطور، صالح طوغ، إصطنبول-1979، (كلية الآداب)، ط. إصطنبول-1984، 192 ص. بحث أستاذ دكتور.
Salih Tug, Hadis Edebiyatinin Gelisim Safhalari ve Ebû Hayseme Zuheyr b. Harb’in “Kitabu’l-Ilm”inin Bu Gelismedeki Yeri ve Onemi, baski: Zuheyr b. Harb ve “Kitabu’l-Ilm” Adli Eseri, Istanbul-1984, 192 s. Profosorluk takdim tezi.
"الباهر في حكم النبي بالباطن والظاهر"، تحقيق: محمد خيري قيرباش أوغلو، ط. القاهرة-1987، 90 ص.(25/32)
M. Hayri Kirbasoglu, Suyuti’nin “el-Bâhir fî Hukmi’n-Nebiyyi (s) bi’l-Bâtili ve’z-Zâhir” Adl? Eseri, 1987-Kahire, 90s.
"الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة"، تحقيق: بنيامين أرول، 326 ص، تحت الطبع في مؤسسة الرسالة.
Bunyamin Erul, Zerkesî’nin “el-?câbe” Adli Eseri, baskida, 326s. Beyrut-M. Risale.
النتيجة
ونود هنا أن نقّوم تلك الحقب الثلاث خاصة، والأعمال الأخرى عامة، حتى ترى كل الجهود العلمية المتعلقة بالحديث في تركيا:(25/33)
- الحقبة الأولى: حقبة غلب عليها طابع الإحياء أو تناول الحديث من منظور مختلف؛ ذلك لأن المشتغلين بالحديث عملوا على إثبات الوجود من جهة، وعلى تناول الحديث من زاوية أكاديمية تغلب عليها نظرة منهجية واتجاه نقدي من جانب آخر. ومع قلة عدد المؤلفات في هذه الفترة فإنها قد تعد بداية ممتازة وسنة حسنة لمن بعدهم بمنهجيتهم وآفاقهم. بعد ما افتتحت "دار الفنون" للتعليم العالي بأقسامها: الأدب والرياضة والقانون كانت بديلة عن المدارس والمعاهد التقليدية –كأي جامعة غربية- ثم زيدت عليها "كلية الإلهيات" التي يظهر فيها تأثير المناهج العلمية الغربية واضحة. إذ إن الأساتذة فيها اتخذوا الاتجاه العلمي المنهجي أساسا لبحوثهم. ويعتمد هذا المنهج على "النقد" و"التاريخ" الذي صبغ التنوير الغربي الجامعي بروحه. وإذا نظرنا إلى مادة الحديث نجد أن اسم "الدرس" قد تغير فسمي بـ"تاريخ الحديث" بدلا من "الحديث الشريف". ولعل هذه التسمية هي أول مادة في ثقافة المسلمين بِهذا الاسم كما كانت نافذة جديدة للباحثين. وهذا يشير إلى أن للباحثين حينئذ شيئاً من النظرة التاريخية في مجال علوم الحديث، وشيئاً من الوعي. ومقال الأستاذ "ذاكر قدري أوغان" المسمى بـ"الروايات الدينية وغير الدينية" - وهو بحجم الكتاب- مثال على هذا المنظور المنهجي. هذا المقال مهم جدا من جهتين: اختار الأستاذ في العنوان استعمال كلمة "الرواية" بدلا من "الحديث" ثم ناقش بعض المقاييس في نقد الروايات.
والمناقشة التي دارت بين "إسماعيل حقي أزميرلي" و"الشيخ صفوت أفندي" حول صحة الأحاديث في مدونات الأخلاق والتصوف والتي استمرت عدة سنوات، ما هي في الأصل إلا وثيقة تاريخية تظهر للعيان الفروق بين النظرة التقليدية والنظرة الأكاديمية للحديث، وهي في الوقت نفسه تسلط الأضواء على الحديث وعلى مصادر الحديث في تلك الفترة.(25/34)
أما ترجمة مختصر صحيح البخاري "التجريد الصريح" وشرحه، والمقدمة الطويلة للكتاب حول أصول الحديث؛ فكل ذلك دليل واضح على مدى خلفيتنا القوية والمتمكنة في الحديث.
- الحقبة الثانية: تعد شريحة زمنية لمحاولة إنشاء بنية تحتية للحديث ومدوناته الأكاديمية وبذلك تكون هذه الحقبة نتيجة طبيعية للقدر الهائل الذي افتتح في الحقبة الأولى. ولا شك أن أهم إنتاج في هذه الفترة هو رسالة الدكتوراه التي أعدها أ. د. فؤاد سزكين تحت عنوان: "دراسات حول مصادر البخاري" (أنقرة-1956م). فهذه الرسالة مهمة من حيث إنها تعطينا فكرة عن كيفية تناول مصادر الحديث. فالدراسة التي قام بها فؤاد سزكين، ليست مهمة من جهة نقل الحديث بالمشافهة وحسب، بل هي مهمة أيضا من حيث نقل الحديث وتصنيفه وكتابته وعلى منهج البخاري في التدوين والتصنيف. كما أن هذه الدراسة المهمة إذ تتناول تدوين الحديث وتصنيفه في القرن الهجري الأول والثاني، بل تتناول تاريخ الحديث من منظور مختلف، فإنها في الوقت نفسه تجيب عن بعض مزاعم المستشرقين المتعلقة بتلك الفترة.
ومن أبرز شخصيات هذه الفترة الأستاذ طيّب أوكيج-رحمه الله-. فرجل العلم البوسنوي أوكيج الذي نشأ في الغرب، وبخلفيته الكلاسيكية للعلوم الإسلامية، وبما اكتسبه في الغرب؛ من منهجية وطرق بحث، قد وضع أسس مادة الحديث، والتفسير، والفقه، في كلية الإلهيات – جامعة أنقرة، كما نشأ على يديه طلبة غُيُر منتجون. والتأثير الأساسي لأوكيج الذي يعد العمود الفقري لنشاط الحديث في تركيا، هو عن طريق معيدين رباهما تربية حسنة:
أحدهما هو أستاذنا طلعت قوجيغيت الذي وضع أسس علم الحديث من منظور كلاسيكي، وقد دوَّنه للناشئة كأصول الحديث، وتاريخ الحديث، ومصطلحات الحديث..(25/35)
والثاني هو أستاذنا محمد سعيد خطيب أوغلو أعد رسالة الدكتوراه في: "فكرة النقد الإسلامي ونقد الحديث"، والذي حصل على درجة أستاذ مشارك لإعداده رسالة بعنوان: "علاقة الحديث بالأحداث السياسية والاجتماعية من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى نهاية خلافة الأمويين ". فهذه المؤلفات التي تحاول رصد آثار النقد في الثقافة الإسلامية في العمود الفقري المذكور تحمل في طياتها مبادئ الخلفيات الحديثية (علم الحديث) الأكاديمية. وكلا الرجلين يركز على ضرورة رصد علاقة الأحاديث بالحوادث، ولفت النظر دائماً إلى مراعاة النقد في مصادر الرواية.
نجد تأثير أستاذينا في المحدثين في الأربعين سنة الأخيرة يبرز في عناية الأول بالخط الكلاسيكي، بينما نجد عناية الثاني بالنقد والتحديث.
وأول ما يلفت النظر في رسائل الدكتوراه التي أشرف عليها الأستاذان المذكوران، هو تناول مبادئ علوم الحديث، وتعتمد هذه الرسائل على المصادر الرئيسة، في إطار الدراسات والطرق المنهجية. غير أن طابع الدراسات هذه لا يتجاوز النقل، والتصوير، والتصنيف، وتثبيت ما هو معروف. فالطالب إما مدافع وإما متسائل إلى حد ما.(25/36)
الحقبة الثالثة: النشاطات في هذه الحقبة تتميز -بالإضافة إلى ما ذكر-بالدقة والموضوعية في الموضوعات التي تناولتها، والمحور الأساس الذي تتميز به هذه الحقبة هو: موضوع فهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهم حديثه وسنته، فهما صحيحا، بالإضافة إلى نقد الحديث وموازينه. واللافت للنظر هنا البحث عن طرق ومناهج معرفة ثبوت الحديث ودلالته. والأسلوب المهيمن على هذه النشاطات بشكل عام هو الموضوعية، والتجرد، والأصالة، والنظرة الناقدة، وروح المناقشة والمساءلة. وقد استفيد في ذلك مما في الغرب من أساليب. وقد تطور مفهوم المصادر وكيفية الاستفادة منها عند الباحثين والدارسين، والاعتماد ما أمكن على المصادر والمراجع الأقدم؛ بعبارة أخرى روعي الاعتماد على المصادر والمراجع الموثقة والمعتمدة الكلاسيكية. وعلى الأخص فإن جميع الأعمال والنشاطات التي قامت بها الكلية التي أعمل فيها
– كلية الإلهيات بجامعة أنقرة- متسمة بما ذكرت.
ونجد أن أعمال هذه الحقبة قد قلَّ فيها تأثير الأعمال الحديثية في العالم العربي، ونجد مقابل ذلك ظهورمؤلفات خاصة مستقلة. ونعتقد بضرورة ترجمة بعض هذه الأعمال وفي القريب العاجل إلى العربية والإنجليزية لتتخطى بذلك هذه الأعمال القيمة حدود تركيا، وتفتح بذلك آفاقاً جديدة لمناقشات خاصة ومفيدة في العالم الإسلامي.
وإذا ما نظرنا إلى هذه الأعمال بشكل عام نلاحظ قلة النقاط التالية: علاقة الحديث باللغة، والتحقيق، والإسناد، والتخريج. ولعل أهم سبب في ذلك في نظرنا هو عنصر اللغة؛ وذلك لأن العربية ليست اللغة الأم للباحثين فمن الطبيعي ألا يُعنى الباحثون بأهم تلك النقاط المذكورة. أما التخريج والإسناد، فإن لم يكونا قد أهملا تماما، إلا أنهما لم يلقيا ما يليق بهما من أهمية. بينما نجد في تركيا أن نشاط العمل في الحديث يتركز على غربلة المتن أو نقده.
والنقاط الإيجابية لأعمال الحديث في تركيا هي:(25/37)
غلبة محاولات تناول المتن وفحواه.
الاستفادة من الأعمال الكلاسيكية، والأعمال العصرية.
رصد ما يستجد في العالم الإسلامي والعالم الغربي.
لا يُراعى رأي أهل الحديث وحسب، بل يراعى رأي الأصوليين، ورأي المذاهب الأخرى.
بما أن الجو الحواري مناسب ومتوافر فمن السهولة بمكان مناقشة أي موضوع ومساءلته بحرية.
بروز أعمال الفهم والأسلوب.
بروز التعددية في الرؤى، والمشارب: كلاسيكي، وعصري، ونقد..
أما النقاط السلبية للأعمال الحديثية في تركيا فهي:
وجود عائق لغوي في الكتابة والنشر باللغة العربية.
بما أن هذه الأعمال في مرحلة التطور، فإن بعض هذه الأعمال غير كاف وسطحي.
أكثرها موجَّه لمجتمعنا؛ ولذلك لا تتعدى هذه الأعمال حدود تركيا.
هناك تضارب في هذه الأعمال، وذلك يرجع إلى أنها في طور البحث والمناقشة.
هذا ولم نتناول في بحثنا رسائل الماجستير، والبحوث المقدمة إلى الندوات والمؤتمرات، والمترجمة المأخوذة من الكتب والمقالات المنشورة في المجلات، ومختارات من أعمال الحديث، وبحوث معينة عن المحاور المختلفة "في القرآن والحديث والسنة". وإليكم كلمة مختصرة عن هذه النقاط:
رسائل الماجستير:
بما أنها حصيلة شباب باحثين يَخْطُون خطواتهم الأولى في ميدان الحديث، وبما أنها تجربتهم الأولى، فهي بشكل عام صغيرة الحجم، وليست مطمئنة من حيث المضمون. فالمدة المحدودة لإعداد الرسالة، والمنحصرة في عام ونصف، والتعليم الذي تلقوه؛ عوامل تعيق طريق إعداد رسائل ممتازة، أو متعمقة في موضوعها. ولا يمنع ذلك قطعا من وجود رسائل جيدة بين تلك الرسائل سواء من حيث الموضوع المختار، أو من حيث تناول الموضوع، وقد طبع بعضها. ، وإذا ما أردنا أن نذكر بعضا منها نقول:
موسى جار الله بكىيف، حياته وأفكاره وآثاره، محمد كورمز، أنقرة - 1989، . ط. أنقرة - 1994، 228ص.
محمد زاهد الكوثري، حياته وأفكاره وآثاره وعمله في الحديث، محمد أمين أوزأفشار، أنقرة - 1989، 241ص.(25/38)
منشأ الببليوغرافيا الحديثية وتطوره، زكريا كولر، قونيا- 1988، 190 ص. (من القرن الأول إلي القرن الخامس).
الببليوغرافيا الحديثية وتطوره، (من القرن السابع إلى الحادى عشر)، محمود يشيل، قونيا- 1989، 171 ص.
الصحابة غير العرب، محمد أفندي أوغلو، إصطنبول- 1991م.
البحوث في علوم الحديث في عهد الجمهورية التركية، ياووز أونال، صامصون- 1992، ط. صامصون- 1997، 255 ص.
روايات أم حبيبة، آينور أورال أر، ط. إصطنبول- 1990، 111ص.
التعصب المذهبي في الجرح والتعديل، صبري قيزيلقايا، أنقرة-2000م.
الندوات:
لقد أقيم في تركيا نحو عشرين ندوة عن الحديث والسنة، وقد طبعت نتائج هذه الندوات على شكل كتاب، ومنذ سنتين يجتمع المحدثون الشباب في الإجازة الصيفية، مدة يومين في ملتقى حديثي. ويمكن عرض بعض الندوات على الشكل التالي:
الندوة العالمية الأولى عن الدراسات الإسلامية؛ إزمير- 1985م.
ندوة عن الإمام البخاري؛ قيصري-1987م.
ندوة الحديث؛ أمسه، ويومه، وغده؛ صامصون-1993م؛ وطبع عام 1994م.
ندوة عن بدر الدين العيني؛ عين تاب-1993م.
ندوة مكانة السنة في الدين؛ إصطنبول-1995م؛ وطبع عام 1997م.
ندوة في فهم الحديث والسنة؛ أنقرة-2001م؛ وطبع عام 2003م.
ندوة عن المشكلات في فهم النصوص؛ أنقرة- 2003م.
ندوة في فهم السنة؛ بورصة- 2003م.
المجلات:(25/39)
تُصْدر كثير من كليات الإلهيات مجلات خاصة بها. ناهيك عن أننا نصدر مجلات دورية علمية بجهود أكاديميين مستقلة عن الجهات الرسمية والكلية التي يعمل بها أعضاء هيئة التدريس مثل: "الدراسات الإسلامية"، و"إسلاميات"، و"دراسة الإسلام"، و"الدراسات الدينية"، و"التصوف"، و"المعرفة"، و"الديوان"، و"المجلة العلمية للديانة"، و"البحوث الحديثية". وتصدر هذه المجلات بشكل دوري كل سنة، وأكثرها يصدر في السنة أربعة أعداد، ومنها ما يُصدر في السنة ثلاثة أعداد، ومنها ما يصدر في السنة عددين. كل هذه المجلات تقريبا محكًّمة ولا ينشر المقال فيها إلا بعد موافقة ثلاثة محكمين على الأقل، وإلحاق ملخص له باللغة الإنجليزية.
المقالات
هناك مقالات قيمة، وأصيلة بين المقالات المنشورة في المجلات المذكورة، ومن الضروري ترجمتها إلى العربية، وإذا ما أردنا أن نذكر بعضا منها نقول:
(تقويم وردود) على أعمال الحديث في الغرب؛ بقلم أ.د. سعيد خطيب أوغلو، الندوة العالمية الأولى عن الدراسات الإسلامية، إزمير-1985م.
نقد العلماء المسلمين لصحيحي البخاري ومسلم (بالعربية)؛ بقلم أ. د. محمد سعيد خطيب أوغلو، مجلة الدراسات الإسلامية، العدد الخاص بالحديث والسنة، 1997م.
تصرفات الرواة في متون المرويات (بالعربية)؛ بقلم د. بنيامين أرول، مجلة كلية الإلهيات-جامعة أنقرة.
نقد حديث"الجيش الذي يخسف به" أو "التاريخ الذي كُتِب على لسان الرسول"؛ بقلم أ.د. إسماعيل حقي أونال، مجلة "إسلاميات".
سلطة المصادر في علم الرواية، الجامع الصحيح للإمام مسلم؛ د. محمد أمين أوز أفشار، مجلة كلية الإلهيات-جامعة أنقرة.
حول الدافع الرئيس للمستشرقين الكلاسيكيين لدراسة الحديث؛ محمد كورماز، مجلة "إسلاميات" .
مراحل اكتساب البخاري مكانته؛ بقلم د. كامل جاقين، مجلة الدراسات الإسلامية، العدد الخاص بالحديث والسنة، 1997م
الموسوعة الإسلامية(25/40)
ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى عمل مهم وهو: "الموسوعة الإسلامية" التي يشرف على إصدارها وقف رئاسة الشؤون الدينية، وهي تنشر في إصطنبول منذ عام 1988م. وكانت قد ترجمت من قبل "الموسوعة الإسلامية" الغربية إلى التركية، كما ترجمت "دائرة المعارف" إلى العربية. أما "الموسوعة الإسلامية" التركية المذكورة، فإن معظم موادها تكتب من قبل رجال علم أتراك، وقليل منها يكتبها مختصون شرقيون ثم غربيون؛ لذلك فهي تصدر بشكل متميز. علما بأن الموسوعة تحتوي فيما تحتوي على إنتاج المحدثين، وتوثيق مواد الموسوعة بصحائف مصورة وملونة عن المخطوطات النادرة التي لا تقدر بثمن والموجودة في مكتباتنا. لقد صدر المجلد (26) والذي انتهى إلى الحرف (K). ومن المتوقع أن يصل حجمه إلى (40) مجلداً خلال السنوات القادمة. ونأمل أن تترجم هذه الموسوعة إلى اللغة العربية على غرار "دائرة المعارف" حتى يستفيد منها العالم الإسلامي.
وأخيرا نود أن نقدم اقتراحاتنا حول هذا الملتقى القيم، وهي:
تنظيم ندوات السنة والسيرة، كل على حدة.
تناول محور واحد وبشكل محدد ومعين وليس عدة محاور كمشكلة المنهج، وكتابة تاريخ الحديث، ومسائل الحديث، وفهم السنة، وعلاقة الوحي بالسنة وغيرها..
إقامة مثل هذه الندوات في موسم الحج؛ وبذلك نكون قد أحيينا التعارف العلمي في هذه البقعة المباركة وهذا الزمان المبارك من جديد.
توثيق العلاقات بين الجامعات والمؤسسات، وتبادل المعلومات فيما بينها، وتبادل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وتنظيم ندوات مشتركة، ونشر مطبوعات مشتركة، وغيرها..
إغناء المكتبة العربية بترجمات من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية.(25/41)
يمكن إعداد صفحة إلكترونية خاصة بعلماء الحديث والسنة ضمن الشبكة العالمية. يعرض في هذه الصفحة الإنتاج السنوي من أعمال ونشاطات ومنشورات علمية، ليتمكن الجميع من مناقشتها وإضافتها إلى مكتبة الحديث والسنة. وحتى يقف المعنييون على التقنية العلمية المستجدة و يستفيدوا ويفيدوا.
إطلاع المعنيين بشؤون السنة السيرة على حصيلة اللقاءات والندوات التي عقدت والتي ستعقد لاحقا.
ولا يسعني وأنا أنهي كلمتي إلا أن أشكر منظمي هذا الملتقى الطيب عن السيرة والسنة النبوية. كما أشكر كل من شارك في هذه الندوة من المحدثين.
المصادر
ببليوغرافيا البحوث ورسائل الدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه في كليات الإلهيات بجامعات تركيا (1920-1992م ) ل ( ياووز أونال)، ترجمة: محمد صادق الحامدي، محلة علام الكتب، مج 22، ع 1-2 (رجب /شعبان –رمضان/شوال 1421 ) ، ص 142-167. الرياض
رسائل الماجستير والدكتوراه في الموضوعات الإسلامية التي قدمت في الجامعات التركية في الفترة 1982 – 1992م، مجلة الحكمة ، إعداد: مركز البلقان للدراسات والأبحاث العلمية، العدد السابع، جمادى الثانية 1416، ص 345-370، والعدد التاسع ، صفر 1417، ص 302-298. بريطانيا-ليدر.
Cakan Ismail Lufi, Hadis Edebiyati, Cesitleri, Ozellikleri, Faydalanma Usulleri, s.271-279, Istanbul-1985, MUIFYay.
…
Er Hamit, Darulfunun Ilahiyat Fakultesi Mecmuasi Maddesi, DIA, VIII. 526-257.
Ozafsar Mehmet Emin, Hadisin Neligi Sorunu ve Akademik Hadiscilik, Islamiyat Dergisi, cilt: 3, say: 1, Ocak-Mart 2000. s. 44-46.
Yavuz Unal, Cumhuriyet Turkiyesi Hadis Calismalari )1920-1997), samsun-1997,Etud Yayinlari.
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
1-الحقبة الأولى (1924-1949م)…2
2-الحقبة الثانية (1949-1982م)…2
3-الحقبة الثالثة (1982-2003م)…3
الأعمال في الحقبة الأولى (1924-1949)…5(25/42)
الأعمال في الحقبتين الثانية والثالثة…6
حجية السنة و مكانتها…6
تاريخ الحديث…9
علوم الحديث…10
أصول الحديث ومصطلحاته…12
مصادر الحديث…15
علم الرجال والجرح والتعديل…17
المحدثون وآثارهم…18
بحوث في جغرافيا الحديث…22
فهم الحديث والسنة…23
شرح الحديث وتأويله…25
نقد الحديث…27
الأحاديث الموضوعة…28
مناقشات المحدثين…29
الحديث واللغة…31
الحديث والثقافة…31
الحديث والتربية…33
الحديث والكلام…34
الحديث والمذاهب…35
الحديث والتصوف…37
بحوث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -…38
النبي - صلى الله عليه وسلم - والسياسة…41
بحوث عن الصحابة…43
بحوث عن الموضوعات المختلفة…44
الأعمال في مجال التحقيق…45
النتيجة…47
رسائل الماجستير:…52
الندوات:…53
المجلات:…54
المقالات…54
الموسوعة الإسلامية…55
المصادر…57
فهرس الموضوعات…59(25/43)
الموسوعة الحديثية الشاملة
بين الواقع والمأمول
(دراسة تطبيقية على موسوعة الحديث النبوي)
د. عبدالملك بن بكر عبدالله قاضي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي خلقنا، وما كنا من قبل شيئاً، وجعلنا مستخلفين في الأرض، وما تركنا من بعد هملاً، بل بعث الرسل، وأنزل الكتب، وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ علينا نعمَهُ ظاهرة وباطنة، فالحمد لله الذي أكمَل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً.
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله: الرسول الأميّ، الهادي البشير، والسراج المنير، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وعلى آله وصحبه، الذين آمنوا به، وآزروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وترسموا هديه؛ فطبقوه عملاً، وبَلَّغوه قولاً، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ، الذين واصلوا المسيرة، فسمعوا ووعوا، ثم بَلَّغوا خلفاً عن سلف، وجيلاً عن جيل.
وبعد؛ فإنَّ تعلُّم أمور الدين أشرف العلوم، وألزمها للمسلم. وإن أساس علوم الإسلام: القرآن الكريم؛ المصدر الأول للتشريع: فقهاً، ودعوةً، ومعرفةً.
والسنة النبوية؛ مفسرة لآياته، وموضحة لمبهمه، ومخصصة لعامه، ومفصلة لمجمله. وهي تسجيل دقيق لهديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهي وحي بالمعنى من الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعصمة الأنبياء تمنع أن يصدر عنهم شيء مخالف للوحي الإلهي -. والعمل بها ضرورة حتمية. وإنكار حجيتها موجب للردة.
وإن نصرة الدين الإسلامي، والذود عن حياضه؛ لا يتحصل إلا بالإيمان بما جاء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قولاً، وفعلاً، وتقريراً. ولا يكتمل إلا بالعمل على ترسيخ تلك المعاني في النفوس.
وإن محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تكون إلا بتصديقه، ونشر دعوته، وإحياء سنّته من بعده، وتعزيزها؛ باتباعها، وتيسيرها لمن أراد أن يسترشد بأقواله، ويتأسى بأفعاله، ويسير على نهجه.(26/1)
ولقد حرص المسلمون منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم على الاهتمام بالسنة النبوية: بالتأسي بها، وتتبعها، وتدارسها. وهيأ المولى سبحانه وتعالى لحفظها أجيال العلماء في كل عصر، يبذلون المال والنفس فداءً لها، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. كما قاموا بنقلها إلى تلاميذهم، لينقلها هؤلاء بدورهم إلى من بعدهم، حتى جاء عصر تدوين المصنفات الحديثية، وعندها برزت الدراسات حول هذه المصنفات شرحاً، وتعليقاً، وجمعاً.
فعُلماء السنة النبوية السابقون - رحمهم الله - قاموا بتدوينها في: المسانيد، والجوامع، والسُنن الجامعة، وأتموها: بالمستخرجات، والمستدركات، ومعاجم أطرافها، وأوائلها.
وقد انفردوا في ضبط هديه، وشمائله، وسيرته؛ بما لم يفعله أحد من أتباع المرسلين، ولا غيرهم من المشترعين، فأسسوا التواريخ لرواتها. ونصبوا ميزان الجرح والتعديل، لتمحيص المقبول، والمردود.
واستنفذوا الوسائل المتاحة لهم. وما تمكنوا من جمع كل السنن، والآثار بين دفتي مجلد واحد شامل. بل عمد كل منهم إلى الجمع مع التصنيف حسب الموضوع، أو طبقاً لمعايير معينة للصحة.
وما جمعه السيوطي (911ه) في جامعه الكبير: "جمع الجوامع"، مستمداً من ثمانين مصنفاً حديثياً. وما استدركه المناوي ( 1031ه) في "الجامع الأزهر في أحاديث النبي الأنور"؛ فثمرة عملهما المبارك لم تستوعب كل ما روي من أحاديث، وقد أورداها بغير أسانيد.
والحاجة إلى تجميع شامل للأحاديث، ومتابعاتها، وشواهدها. وتجميع شامل للرواة، ومروياتهم، وما قيل في كل منهم؛ مطمح قديم.
قال ابن معين (233ه): " لو لم نكتب الحديث خمسين مرة، ما عرفناه"(1).
وقال ابن المديني (234ه): "الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه"(2).
__________
(1) تذكرة الذهبي 430).
(2) مقدمة ابن الصلاح 195).(26/2)
وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري (244ه): "كل حديث لا يكون عندي منه مئة وجه؛ فأنا فيه يتيم"(1).
وقال أبو حاتم الرازي (277ه): "لو لم يُكتب الحديث من ستين وجهاً، ما عقلناه"(2).
وقال الخطيب البغدادي (463ه): "قَلَّ من يتمهر في علم الحديث. ويقف على غوامضه. ويستثير الخفي من فوائده؛ إلا من: جمع متفرقه. وألف مشتتَه، وضم بعضه إلى بعضه، واشتغل بتصنيف أبوابه، وترتيب أصنافه"(3).
وقال ابن حجر العسقلاني (852ه): "ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلاً لو أراد الله تعالى ذلك، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل، أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها، فيكون كالدليل عليه. وكذا من بعده، فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت، وصارت كالمصنف الواحد. ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن" (......).
وكتب السيوطي (911ه) على ظهر جامعه الكبير: "هذه تذكرة مباركة بأسماء الكتب التي أنهيت مطالعتها على هذا التأليف، خشية أن تهجم المنية قبل تمامه، على الوجه الذي قصدته، فيقيض الله تعالى من يذيّل عليه. فإذا عرف ما أنهيت مطالعته، استغنى عن مراجعته. ونظر ما سواه من كتب السنة" (جمع الجوامع).
قلت: وذكر واحداً وثمانين مصنفاً حديثياً.
ولجمع الطرق، والروايات فوائد يدركها علماء هذا الشأن، ومن أقربها تحقيق المعنى الصحيح للحديث، وتقوية أسانيده بانضمام بعضها إلى بعض، كما أنه سيفضي إلى الحكم الشرعي الصحيح.
ولا يخلو مصنف من فوائد ينفرد بها، ويختص، بما لا غنى للباحثين عنها. وقد تكون زيادة كلمة، أو بيان غامض مبهم. أضف إلى ما سبق؛ أن هذه المصنفات ما بين مطبوع، ومخطوط. بعضها في متناول الباحث، والبعض الآخر بعيد عنه، ولا يتيسر الحصول عليه.
__________
(1) تذكرة الذهبي 516).
(2) فتح المغيث للسخاوي 2: 327 ).
(3) الجامع 2: 280).(26/3)
والوصول إلى المراد من هذه المصنفات عسير، إلا على المتخصص. وحتى المتخصص، فإنه يحتاج إلى زمن طويل أحياناً حتى يتمكن من جمع طرق، وأطراف حديث واحد. وطالما أعيا مشايخنا المحدثين طلب بعض الأحاديث من مظانها. بل إنني واحد من الذين ثقفوا المصنفات الحديثية معرفة بمواردها، ومصادرها، ومع تمكُّني من معرفة الأبواب التي ارتكزت عليها هذه المصنفات؛ إلا أنني أجد صعوبة أحياناً في التوصل لحديث ما. فكيف بالعلماء الذين ليسوا مختصين بهذا العلم، كالفقهاء، والمفسرين، والدعاة، والخطباء، والمؤرخين، والأدباء، واللغويين، وسواهم، ممن تصادفهم أحاديث، ويودون الوقوف على حقيقتها من مصادرها للاستشهاد بنصوصها، من مصنفات رواتها.
من تلك الأمثلة حديث سُئلت عنه، فأنفقت جهداً، ووقتاً، ولم أقف عليه حتى الآن. وهو ما ذكره الماوردي - في باب: جامع التيمم، والعذر فيه - دليلاً على اشتراط طلب الماء قبل التيمم، بما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: "أنفذني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طلب الماء، ثم تيمم"(1).
وإذا كانت الحاجة فيما مضى إلى موسوعة للحديث النبوي أملاً، فقد أصبحت في الوقت الحاضر عملاً واجباً، بعد حملات التشكيك في حجِّيَة السنة، والتقليل من شأنها في العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت). وعدد من: الدراسات، والندوات، واللقاءات، والأحاديث الإعلامية المشبوهة: تلفازاً، وإذاعةً، وصحافةً.
يضاف إلى هذا احتجاج بعض خطباء الجمع، وعدد من: المؤلفين، والمحاضرين، والإعلاميين، وغيرهم، بأحاديث نبوية، بعضها ضعيف السند، وبعضها الآخر مرجوح، أو مختصر، من غير التزام ببيان الدرجة، أو المصدر.
__________
(1) الحاوي الكبير 1: 263).(26/4)
إلى جانب ما يلاقيه جمهرة عامة المسلمين من الارتباك عندما تتعارض الآراء، والتوجّهات، وبخاصة إذا ما صحبها تعسف الإلزام،كعدد الركعات في قيام رمضان، وحكم الإمساك عن الصيام بعد النصف من شعبان، من الذين يلتزمون بظاهر الأحاديث التي وصل إليها حد عِلمهم، ووصفهم لمخالفيهم بصفات التجريح، والتجريم، والتفسيق، وربما التكفير، الأمر الذي خَلَّف في المجتمعات الإسلامية متشدداً مغالياً، وضائعاً يائساً، ومحتاراً بائساً.
إن صدور موسوعات بهذا المنهاج، أو ذاك، هو وصل لما انقطع من مسعى الآباء، والأجداد. ولن يلغي منهجٌ منهجاً آخر يغايره، بل يزيد كل منهما الثاني ألقاً، وإشراقاً.
ولن تتم الفائدة المرجوة، إذا استعجلنا قطف الثمار، وأخرجنا عملاً هزيلاً. إن التاريخ لا يسأل عن العمل: في كم تم؟ ولكن يسأل: كيف تم؟. ولا بُدَّ لنجاحه من أناة، وصبر، وسعة أفق، لا يهدر فيها الإتقان استعجالاً للزمن.
إن تاريخنا التصنيفي يظهر أن العمل الفردي - وإن شابه شيء من النقص أحياناً - فهو أنفذ عملاً، وأقرب منالاً، وأيسر قصداً في الإنجاز. ففي إبان دراستي في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة عام (1389ه) لمست حاجة كثير من المسلمين إلى مصنف يجمع بين دفتيه كل ما ينبغي أن يعلمه المسلم من أمور دينه، وتاقت نفسي إليه. وسألته تعالى أن يهيئ لي الأسباب؛ فيوجهني إلى ما يحبه، ويرضاه.
وعندما درست أنا وزملائي مقرر (نقد الرجال) في مرحلة الماجستير بمكة المكرمة عام (1395ه)؛ كان شيخنا الدكتور محمد أمين المصري (1397ه)
- يرحمه الله - يشير دوماً إلى عدم اتفاق علماء الحديث على ألفاظ موحدة في الجرح والتعديل، وأنه لو ابتكر إطار موحد؛ لكان عملاً جيداً.
ثم كان لعملي الموسوعي الوجيز: "مرويات شعبة بن الحجاج في الكتب الستة" في بحث الماجستير اتجاهاً تأصيلياً - غير مخطط له من شخصي الضعيف - في اتجاه مشروع موسوعة الحديث النبوي.(26/5)
وفي المحرم (1399ه) انتقلت إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران. وهناك نمت فكرة العمل الحديثي بوصفه بحثاً يجمع أطراف أحاديث صحيح الإمام البخاري في موضع واحد، ثم تطور إلى عمل يجمع سلاسل أشجار أسانيد الأحاديث النبوية.
وكان من فضل الله تعالى أن تكون دراستي للدكتوراه (1400-1403ه) تحت إشراف العالم الزاهد الدكتور موسى شاهين لاشين، في جامعة الأزهر الشريف، بالقاهرة المحروسة. والمشاركة من خلال بحث الدكتوراة "القسم الثاني من سنن أبي داود" في بناء موسوعة جامعة الأزهر لمصنفات الحديث: تحقيقاً، وتخريجاً، وحكماً.
وهكذا انطلقت معتمداً على البارئ الخالق - عز وجل -. مبتدئاً بأحاديث العبادات، لأنها أكثر دوراناً على الألسنة، وأكثر تداولاً في حياة الإنسان. مفتتحاً بكتاب (أحاديث الزكاة) من ستة عشر مصدراً، في طبعة تمهيدية، مهداة لأربعمائة شخصية عِلمية، ومعنوية، في أرجاء العالم الإسلامي، ممن يهمهم هذا العمل، لإثرائي بملحوظاتهم، وتطلعاتهم، التي يرون فيها تقويماً له، ودفعاً لمسيرته.
فـ (أحاديث الصيام) من ستة وسبعين مصدراً، في طبعة تمهيدية، مهداة أيضاً. وقد وصلتني أجوبة جمة من أولئك النقاد الميامين؛ فأخذت من هذا بسبب، وذاك بآخر.
وما زلت طالب علمٍ. مستزيداً من فيض الوهاب، فاتحاً قلبي، وعقلي لتقويم مسيرتي البحثية، مرحباً بكل نقد يرد إليَّ، شديد الرغبة في الاستنارة بآراء العلماء المنبثقة من الدراية الواسعة، والدربة العلمية، لاكتمال الإتقان، والإحكام؛ إخراجاً، ومضموناً. وما زال العلماء - قديماً، وحديثاً - يراجع بعضهم بعضاً، ويستدرك بعضهم على بعض، من غير أن يكون هناك حرج في الصدور؛ فإن الحق أحق أن يتبع.(26/6)
وإنني أطمح لهذا العمل الحديثي - بعونه تعالى وتوفيقه - أن يحتوي على كل شيء يختص بالسنة النبوية على وجه الأرض، في ديوان للسنن والآثار (للمحدثين)، أجزاؤه أكثر من خمسمائة وخمسين جزءاً. وموسوعة للحديث النبوي مستقاة من الديوان (للباحثين) في أربعين جزءاً. ثم مدونة لأحاديث الأحكام منتخبة من الموسوعة (للفقهاء) في عشرين جزءاً. وأخيراً معلمة للهدي النبوي (لكل مسلم) في تسعة أجزاء.
ومن المعلوم أن المرحلة الأولى في كل عمل تتطلب جهداً مضاعفاً، وزمناً أطول، حتى يقوم البناء على أسس متينة. وهذا العمل يتطلب إعداداً مثابراً، وخطوات متتابعة. لا يمكن حذف واحدة منها.
وختاماً؛ فالله أسأل أن يشملنا حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "نضّر الله عبداً: سمع مقالتي، فوعاها، وحفظها، ثم أدّاها إلى من لم يسمعها. فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئٍ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين. ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التمويل
أمتنا الإسلامية في قرنها الخامس عشر الهجري بشرائحها المختلفة، وثقافاتها المتنوعة، تتوق إلى جمع للسنة النبوية، يعزز حجيتها، ويدحر تشكيكات مبغضيها، ويؤمنها من عبث العابثين.
وللوصول إلى مجمل أحاديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخمسة عشر ألفاً، التي تشمل جميع أقواله، وأفعاله، وتقريراته، وإقراراته، لا بُد من استيعاب أكثر من تسعمائة وتسعين مصنف حديثي، بمجلداتها الألفين والتسعمائة مجلد، وصفحاتها التي تتجاوز المليون صفحة، ثم إبراز متونها في معلمة للهدي النبوي: محققة، ومبوبة، ومفهرسة. معلقاً عليها بما يوضح المفاهيم، ويرسخ الدلائل الإيمانية، ومكملة ببيان الأحكام المستنبطة.(26/7)
وإنني لأحمد الله - سبحانه وتعالى - الذي مكنني في أن أنهج نهجاً فردياً؛ في عمل ظهر منه الأجزاء التالية: (الطهارة، والزكاة، والحج والعمرة، والهدي، والأضاحي، والحرمان الشريفان، والأقصى المبارك، وصلاة الجمعة، والزواج، والطلاق، والعدد)، استخرجتها من ستمائة مصنف حديثي، مستعيناً بالله - عز وجل -، ومنتهجاً أفضل الطرق التي تمكنني من تحقيق الهدف، معتبراً الإمكانات الواقعية في التنفيذ. مستنصحاً ذوي الشأن الحديثي، والفكر الإسلامي الذين أسهموا إسهاماً كبيراً، في تدعيم بنيانه، وتقويم أعمدته، ظهر كل ذلك في الإصدارات المتتالية المنقّحة، والمزيدة، والمصححة.
التقديرات
أولاً: تحقيق الأصول الخطية
شراء صور النسخ الخطية ………………………………999 مصنف × ألف ريال
مكافآت موثقي النصوص.………………………………9 ملايين نص × ريال واحد
مكافآت محققي النصوص.………………………………9 ملايين نص × ريال واحد
مكافآت معدي الطباعة.…………………………………9 ملايين نص × ريال واحد
مكافآت لجان المراجعة.……………………………………9 ملايين نص × ريال واحد
ثانياً: التصنيف والتدوين
مستلزمات
المصادر الحديثية المطبوعة: تسع مجموعات × خمسون ألفاً
الأقراص اللغوية، والموسوعية: ثلاث نسخ × خمسون ألفاً
الأدوات المكتبية. الاتصالات. البريد. التصوير: عام واحد × خمسون ألفاً
مكافآت مجهزي بطاقات الأحاديث والآثار
توثيق، وقص المصادر الحديثية المطبوعة: مليون صفحة × ريال
تصنيف الأحاديث والآثار على الموضوعات: 9 ملايين نص × نصف ريال
ترتيب، وتثبيت، وعنونة أحاديث وآثار الديوان: 9 ملايين نص × ريال
تصوير نسخة القص من الديوان: مليون صفحة
قص صفحات صورة الديوان المعدة للباحثين: مليون صفحة × ربع ريال
مكافآت الباحثين
تجميع متابعات الحديث الواحد: 7 ملايين × نصف ريال
تثبيت المتابعات على صفحات: 7 ملايين × ربع ريال
مكافآت المحدثين
التأكد من صحة تدوين المتابعات: 7 ملايين × ربع ريال(26/8)
تدوين شواهد متن واحد: أربعون ألف متن × مئة ريال
تشجير شواهد متن واحد: أربعون ألف متن × مئة ريال
التدقيق، والمصداقية
مقابلة نصوص الديوان مع المصادر الحديثية 9 ملايين × نصف ريال
مراجعة مسودات الشواهد: أربعون ألف متن × خمسون ريالاً
موسوعة رجال الحديث الشريف
تثبيت ألفاظ جرح وتعديل الرواة 70 ألفاً × مئة ريال
مناظرة أقوال المحدثين، لاستصدار ترجمة الرواة 70 ألفاً × خمسون ريالاً
الإشراف والسكرتارية
اللجنة (سفر. إقامة. بدل حضور): أربعة أعضاء × ستة آلاف × 50 اجتماعا
بدل تفرغ صيفي: مائتان وخمسون ألفاً × خمس سنوات
سكرتارية القاهرة: ثلاثون ألفاً × خمس سنوات
سكرتارية الظهران: خمسون ألفاً × خمس سنوات
سكرتارية المدينة النبوية: خمسون ألفاً × خمس سنوات
ثالثاً: الطباعة والنشر
رابعاً: القرص الحاسوبي
المفاهيم
1 - تحرير العمل من المذهبية، والإقليمية، والجدوى التجارية.
2 - عدم التصرف في النصوص بالتعديل، أو الحجب.
3 - التزام المنهج الواحد في جميع الخطوات.
4 - الاستيعاب، والشمولية.
5 - اعتماد التصنيف الموضوعي في جميع المسارات.
6 - مراجعة العمل، وتدقيقه مرات متعددة، وبطرق مختلفة.
7 - ترقيم النصوص مرتكز على ترقيم موثقي نصوص النسخ الخطية للمصادر.
8 - قيام الباحث نفسه، بإنجاز ديوان، وموسوعة الباب الفقهي المعين له.
المهام
أولاً: مهام مصنفي البطاقات (من الذين لهم تطلّع لشرف خدمة السنّة النبوية)
1 - توثيق، وقص نصوص المصنفات الحديثية.
2 - تصنيف النصوص على موضوعات الأقسام.
3 – تقسيم كل قسم إلى كتب. وكل كتاب إلى أبواب.
4 – تثبيت نصوص الدواوين على صفحات.
ثانياً : مهام الباحثين (من الحاصلين على الشهادة الجامعية)
1 - تجميع طرق، ونصوص الحديث الواحد.
2 - ترتيب هذه الطرق حسب المنهج المقرر.
3 - اختيار نص مناسب بحسب أهمية المصدر.
4 - تدوين متابعات الحديث الواحد.
5 - الإشارة إلى الألفاظ المستخدمة في التخريج.(26/9)
6 - توثيق رقم الحديث إن وجد، أو تحديد الجزء والصفحة.
7 - تثبيت أي تصريح من المحدثين المعتنين ببيان درجات الحديث بتصحيح الحديث، أو تحسينه، أو تضعيفه، إن وجد. وإن كان هناك اختلاف، يذكر ذلك الاختلاف.
ثالثاً: مهام المحدثين (من الذين لهم قدم راسخة في التأليف في علوم الحديث)
1 - التثبت من أن عمل الباحث في المتابعات، وبيان الدرجة مطمئن.
2 - تجميع شواهد الأحاديث المتعددة لمتنٍ واحدٍ. واختيار متن كأصل.
رابعاً: مهام اللجنة العلمية
(من العلماء المشهود لهم بالتصنيف، والفضل)
1 - اختيار المحدثين، والباحثين، ومصنفي البطاقات.
2 - اختيار مصادر المشروع، مع بيان الترتيب فيما بينها.
3 - ترتيب الموضوعات كتباً، وأبواباً.
4 - ترتيب المتون في الباب الواحد.
5 - ترقيم الحديث الواحد بمتابعاته، وشواهده.
6 - إقرار مسودات العمل بصفة نهائية.
الأصول الخطية
إن الاعتماد على مصنفات حديثية، متقنة؛ لا يكون إلا بإخراجها في صورة مماثلة، ومطابقة - ما أمكن ذلك - كما تركها مصنفها. وذلك بتحقيق جميع المصنفات الحديثية المطبوع منها، وغير المطبوع. وفق منهج سليم.
إن ما نشر حتى الآن من النصوص الحديثية المحققة، لا يغطي إنجازات العلماء المحدثين بما ينبغي؛ فبعضها لم يحقق تحقيقاً وفق القواعد العلمية لنشر النصوص، كما أن ما حقق لا يخلو من أخطاء لإسناد بعض دور النشر أعمال التحقيق، لأشخاص لا يوثق بعلمهم، ولا بدينهم.
فبعض هذه الطبعات رديئة الإخراج، ذات سقط، وتحريف، وأغلاط مشكلة. ولم تعتمد على أصول خطية موثقة.
وبعض المحققين عمد إلى تغيير أسماء المصنفات، ووضع أسماء جديدة لها. مثال ذلك: التاريخ الأوسط للبخاري، طبع على أنه التاريخ الصغير. وكتاب "الشمائل المحمدية"، للترمذي، حققه سميح وعباس، وأسمياه: أوصاف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(26/10)
وبعضهم حذف بعض الأحاديث عند التكرار. ومثاله: ما في تحقيق كمال يوسف الحوت، لكتاب الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، صفحة 133، حديث رقم (903).
وبعضهم حذف أسانيد الكتاب من الصلب، وأثبتها في الحاشية، كما فعل محقق كتاب "غريب الحديث"، لأبي عبيد القاسم بن سلام (224ه).
ويوجد سلخٌ لأبواب من مصنف، ثم نشرها باسم جديد يوهم بأنه تأليف مستقل. وهناك توسع في التعليق، والشرح لمصنفات أخرى.
ثم إن بعض الناشرين حذف مقدمة محقق سابق للتعمية على حقوق التحقيق. وقد تكون هذه المقدمة موضحة للتدخلات في النص بالحذف، أو الإضافة، وعندئِذٍ لا يمكن تمييز أصل الكتاب كما صنفه صاحبه، من بين الحذف الذي تم بمادته الرئيسة.
ومن جانب آخر، فهناك مخطوطات محفوظة في المكتبات، لم تنشر بعد، ومخطوطات توزعت مجلداتها في مكتبات مختلفة، فصعب جمعها. ومخطوطات لم يكن يسمح بتصويرها، ومخطوطات نادرة تمتاز بقدمها، أو بصحتها على تلك النُسخ التي كانت قد طبعت.
لذا ينبغي:
أولاً: تجهيز الأصول الخطية للمصنفات الحديثية وفق الخطوات التالية:
1 - حصر أسماء المصنفات الحديثية، المثبتة في فهارس المكتبات العامة، والخاصة. وفي الكتب التي اعتنت بالتراث الإسلامي المخطوط. وفي ثبت فهارس المصنفين لمؤلفاتهم، ومشايخهم. وفيما يلي تفصيل لبعضها:
- كتاب تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين.
- كتاب تاريخ الأدب العربي، لكارل بروكلمان.
- مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي.
لندن. إنجلترا.
- معهد تاريخ العلوم العربية، والإسلامية.
جامعة فرانكفورت. ماين. ألمانيا.
- جمعية إحياء التراث الإسلامي.
مركز المخطوطات والتراث والوثائق.
الكويت.
- مركز الأبحاث للتاريخ، والفنون، والثقافة الإسلامية
إستانبول. تركيا.
2- جمع الأصول الخطية لهذه المصنفات، أو صورٍ لها، وإخضاع كل مخطوط للتالي:
- التحقق من عنوانه.
- التثبت من صحة نسبته لمصنفه.
- استبعاد النسخ الخطية الملفقة.(26/11)
- المفاضلة بين النسخ، لاختيار النسخة الأم، كأصل يُعتمد عليها في التحقيق. ويتم ذلك بالنظر إلى كون النسخة بخط مصنفها. أو لكونها نسخة أحد كبار تلاميذه. أو لكونها نسخة كاملة؛ ليس فيها نقص، أو خرم. أو أنها تحمل قراءات، وسماعات لمحدثين معروفين.
3- استبعاد الترجمة للمصنف، ومصنفه، ومنهجه. والإحالة في ذلك على كتاب مصنفات المحدثين.
4- عدم تخريج الأحاديث، أو الآثار. والإحالة في ذلك على فهارس العمل الحديثي.
5- إخراج روايات النص المتعددة التي تختلف من ناحية الترتيب. أو الزيادة، والنقص، كل رواية على حدة دونما تلفيق.
ثانياً: اختيار المشتغلين بالتحقيق
إن أمتنا الإسلامية غنية في مختلف بقاع الأرض، بالقادرين على مهمة التحقيق، وبالإمكان توزيع النصوص عليهم في أماكن استقرارهم، مع الحرص على التزامهم بوحدة المنهج. وهم على ثلاث درجات: موثق النص، ومحقق النص، ومعد النص للطباعة. وجميعهم ينبغي أن يعرفوا بالتالي:
1- حسن المقصد باحتساب العمل لله تعالى.
2- الأمانة، وصحة المعتقد، وتحري الحق.
3- سعة الصدر، والصبر، والجَلَد.
4- حسن الفهم لما يقرؤه.
5- سعة الاطلاع على ألفاظ اللغة العربية، وأساليبها.
6- معرفة الخطوط العربية، وأطوارها التاريخية.
مهام موثق النص
1- إبراز النص كما تركه مصنفه دون تعديل.
2- إثبات فروق النسخ، وما عليها من حواشٍ.
3- استكمال الخرم الحاصل من انتقال نظر المؤلف، أو الناسخ.
4- التثبت من أن الزيادات المنفردة تتطابق مع أسلوب المصنف، وليست من مزج الناسخ لصلب الأصل بحواشي القراء، أو المالكين للمخطوط.
5- اعتماد الرسم الإملائي المتعارف عليه في عصرنا.
مهام محقق النص
1- تقييد النص بالحركات، فيما يشتبه من الألفاظ، والأسماء، والكنى، والألقاب، والأنساب، والبلدان.(26/12)
2- إزالة الالتباس عن الراوي الذي اقتصر على ذكر اسمه في السند، وعن الراوي الذي اشترك مع غيره في الاسم، أو الكُنية، بما يميزهم عمن سواهم من الرواة.
3- توثيق الآيات القرآنية، والأشعار، والأرجاز، والأمثال.
4- شرح غريب الألفاظ، وإيضاح غامضها، ومشكلها.
5- ترقيم الأحاديث، والآثار، والكتب، والأبواب، والفصول.
6- تحديد أوائل الفقرات. والعناية بعدم تداخل أجزاء الكلام.
7- تصحيح الأخطاء - إن وجدت - في الحواشي. وترك الأصل على ما هو عليه.
8- الترجيح بين الروايات في العبارات المعتلة لغوياً، أو نحوياً. أو التي يستحيل معها المعنى، أو ينعكس، أو يستغلق فهمه. وعلى المحقق تعليل ترجيحه ببيان الأدلة.
9- تبيين الأوهام التي قد وقع فيها المصنف، ودفعها بالدليل - إن كان المحقق قادراً - وإلا فتقوم اللجنة العلمية بذلك.
مهام معد النص للطباعة
1- استكمال إدخال الحركات على جميع الألفاظ.
2- إدخال علامات الترقيم.
3- توزيع النص، بما يعين على فهمه.
المسارات
لتيسير الإحاطة الشاملة، والصحيحة، بهدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فقد تنوعت الإصدارات على أربعة مسارات:
1- للمحدثين: ديوان السنن والآثار، في خمسمائة وخمسين جزءاً.
2- للباحثين: موسوعة الحديث النبوي، في أربعين جزءاً.
3- للفقهاء: مدونة أحاديث الأحكام، في عشرين جزءاً.
4- لكل مسلم: معلمة الهدي النبوي، في تسعة أجزاء.
مَعْلَمة الهدي النبوي
مستفادة من الموسوعة
وحدة البناء: المقبول من المتون(26/13)
تجمع المتون المقبولة: صحيحها، وحسنها. والمراسيل التي تتعدد مخارجها، طبقاً للمعايير المتيسرة بين أيدي علماء الشأن الأكفاء. على أن يعمل بما يجد من معرفة الصحيح من الروايات، فيعتمد إلغاء ما يتبين أن الحكم بصحته لم يكن صحيحاً. ويؤخذ فيها بما يحكم بصحته مما لم يكن مؤكداً من قبل، إلى أن تصل على مدى الأجيال المتعاقبة إلى الكمال، أو قريباً منه، مجردة من الأسانيد. ومعلقاً عليها بما يوضح المفاهيم. ويدفع الشبهات. مكملة ببيان الأحكام. والغريب من الألفاظ. والدلائل الإيمانية التي ترسخ الإسلام في ذهن القارئ المسترشد.
إن هدف هذه المعلمة، تثبيت السنة النبوية على سبيل الحصر. وتيسير الإحاطة الشاملة والصحيحة بمضامينها في مختلف جوانب الحياة.
وإذا اكتسبت المعلمة الثقة العلمية؛ فإنها ستزيح عبئاً عن المهتمين، إذ لا عذر لأحد بعدها في إشاعة الأحاديث الضعيفة، والموضوعة. أو الاستدلال بها. وفي ذلك حفظ للسنة، وصيانة لها.
مدونة أحاديث الأحكام
منتخبة من الموسوعة
وحدة البناء: المتن
تقوم على إيراد متون أحاديث الأحكام: مقبولها، ومردودها، وقد سبق جمع متابعاتها في الموسوعة.
ويقدم من المتون النوع الذي هو حجة في الشهادة، وهو ما رواه اثنان من الصحابة، فأكثر. ويشار إلى كونه متناً مقبولاً، أو مردوداً.
ولا يلتفت إلى تقديم المتن الأوفى؛ لأن المتن مبني على الثقة، والصحّة. خاصة إذا كان يترتب على ذلك حكم فقهي، مع الإشارة إلى الخصوصيات الزائدة، التي لا يترتب عليها حكم فقهي جديد.
ومتون المدونة مرقمة ترقيماً تصاعدياً، مع ذكر أرقام شواهدها، كما تقدمت في الموسوعة. فالمتن أعطيه رقماً واحداً، حتى ولو اختلف الراوة إذا تقاربت ألفاظهم، ومعانيهم. لأن الاعتبار في المدونة للمعنى دون اللفظ، أو الإسناد. فما دام أصل المعنى واحداً، فالحديث واحد. وهذا هو عرف الفقهاء.(26/14)
وتوثيق الطرق؛ مبني على منهج الترميز للمصادر الحديثية. ونصصت في كل حديث على رقمه في الموسوعة.
موسوعة الحديث النبوي
مستقاة من الديوان
وحدة البناء: الراوي
تقوم على متن مختار فأكثر من متابعات الحديث المتطابقة، أو المتقاربة. يكون أجمع للمعنى. ومميزاً للمتن الأصح من الصحيح. مع الاعتناء بتقديم لفظ البخاري ومسلم في صحيحيهما، ومالك في الموطأ.
وفي حال تغاير المتن الذي اخترته بكلمة، أو جملة، أو مجموعة جُمل تتضمن سبباً للقصة؛ فأثبتها كمتن جديد، يحمل رقم الحديث المسلسل نفسه، مع رقم فرعي آخر يفصل بينهما قاطع (/). أما إذا كان المتن المغاير يحمل حكماً فقهياً جديداً؛ فإنني أثبته حديثاً جديداً، برقم جديد.
وإذا كان المتن المختار، تغايره متون أخرى بنقصان فيها، فلا أهتم بها؛ لأن الهدف الأساس هو العمل الموسوعي، وليس دراسة مناهج المصنفات، وأصحابها.
ولم أثبت المتون التي أوردتها كتب الموضوعات المحصورة فيها فقط - وإن كانت مُثبتة في ديوان السنن والآثار - لأن مصنفيها أوردوها في تراجم الرجال، ليدللوا على ضعف هؤلاء. قال ابن عدي(1) : "وذاكر لكل رجل منهم مما رواه؛ ما يضعف من أجله". وقال ابن حبان(2): "ونذكر عند كل شيخ منهم من حديثه ما يستدل به على وهنه في روايته تلك". وقال أيضاً(3) "وإنني لا أحل لأحد روى عني هذه الأحاديث التي ذكرتها في هذا الكتاب؛ إلا على سبيل الجرح في روايتها على حسب ما ذكرنا". وهذه المصنّفات هي:
الكامل؛ لابن عدي (368ه).
واستبعدت مصنفات يرويها راو متروك، معروف بوضع الأحاديث. وهذه المصنفات هي:
نسخة نبيط بن شريط الأشجعي (87ه) في الأحاديث الموضوعة، وعددها ستة وستون حديثاً. منها ما هو صحيح المتن. ولكن الحُكم عليها بالوضع باعتبار السند.
__________
(1) الكامل (1/5).
(2) المجروحين (1/94).
(3) 1/241).(26/15)
المسند المنسوب لزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (122ه)؛ فالراوي له عن زيد، رجل لا يوثق بشيء من روايته، عند أئمة الحديث؛ وهو أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي الهاشمي (120ه). قال أحمد: "كذاب. يروي عن زيد بن علي، عن آبائه أحاديث موضوعة".
الأربعون الودعانية، لابن ودعان (494ه).
والمصنفات المثبتة لأحاديث تتسم بالضعف الشديد، وهي:
العظمة، لأبي الشيخ (396ه).
فضائل القدس، لابن الجوزي (597ه).
فمصنفات لرواة معروفين بالوضع، أو لرواة متروكين، والمصنفات التي جل نصوصها واهية المتن، ليس موطنها موسوعة الحديث النبوي، كمتون منفردة. وإنما بالإشارة إليها في طُرق التخريج، ليتمكن النقاد الباحثون من الرجوع إليها في نصوص الديوان.
وإذا كان الحديث يستفاد منه في أكثر من معنى متعدد، في أبواب منوعة؛ فقد وضعته كاملاً في أول المواضع به، وأعطيته عندئذ رقماً أصلياً. مع الإشارة إليه في المواضع التي يستشهد به فيها. مكتفياً بإيراد الفقرة المستشهد بها، مع ذكر موقعه الأصلي؛ ليرجع إليه بتمامه هناك، ولم أعطه رقماً إطلاقاً، إنما أشير إلى ذلك بالنقط داخل قوسين.
فهذه الإحالات تغنينا عن تقطيع الحديث، وعن تكراره، فالحديث مثبت في الموضع الأصلي في الاستدلال، ويشار إليه في كل معنى يصلح للاستشهاد به فيه، دون تكلف، ولا مشقة.
واعتمدت في العزو إلى المصادر عنوان: (طرقه)، للخروج مما تتضمنه كلمة تخريجه، أو أطرافه، لكون المتن المختار لا يعني وجوده في جميع الطرق، ولوجود كتب العِلل، والرجال ضمن مصادر طرق الحديث.
وعند العزو إلى المصادر، فإنني أذكر اسم المصنف، ومصنفه، ورقم الحديث، أو رقم الصفحة. دون ذكر لعنوان الكتاب والباب الذي ورد فيه، اعتماداً على ورود المتون كاملة، مع عناوين كتبها، وأبوابها في الديوان.
والتزمت في ترتيب طرق مخرجي الحديث أقدمية التسلسل التاريخي لوفياتهم.(26/16)
وأحاديث الموسوعة مرقمة ترقيماً تصاعدياً برقمين: الأول لتسلسل الأحاديث، والثاني لرقم الباب. وتسلسل أرقام الأحاديث لكل باب على حدة - في الوقت الحاضر - على أن ترقم ترقيماً مسلسلاً لكل من الأحاديث، والأبواب، والكتب، والأقسام من أولها إلى آخرها، عند نهاية إنجازها - إن شاء الله تعالى -.
وعنونة أبواب الموسوعة، متوافقة، ومتطابقة، مع ما يماثلها في الديوان، لتيسير رجوع الباحث إلى النصوص كاملة كما وردت في المصنفات الحديثية.
والجمع المستوعب، والمستقصي لأشتات حديث واحد: طرقاً، وأطرافاً، وعللاً، ونقداً، مع ما تيسره موسوعة الرواة، يحقق التالي:
1- الوصول إلى عدد الأحاديث النبوية بصورة دقيقة.
2- التمكن على المدى الطويل من استخراج اللفظ الذي نطق به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، دون ما روي بالمعنى. قال الرافعي يصف ألفاظ النبوة: "محذوفة الفضول، حتى ليس فيها كلمة مفضولة". إن حصر الدلالات اللغوية للنصوص بدقة عن طريق المعاجم الحديثة للغة العربية، والتي سيستعان بالحاسب الآلي في صناعتها، سيقلص من الاختلاف الذي وقع بسبب عدم وحدة الفهم للدلالة اللغوية، ولصعوبة الإحاطة بالألفاظ ومدلولاتها في عصر الرسالة.
3- القدرة على استخلاص الحكم على الرواية بالصحة، أو السقم، فإن بعض طرق حديث ما، تكاد تخرجه من إطار السنة النبوية. فإذا استكملنا الاستيعاب، فقد نستحصل على متابعات تعضده، وتقويه، مما يجعله متناً مقبولاً.(26/17)
4- معارضة الروايات بعضها ببعض خوف شذوذ، أو نكارة. مع دراسة اتصال السند خوف تدليس، أو انقطاع. وتعيين الراوي إن كان مبهماً، أو غير منسوب. ثم الاطلاع على أقوال أئمة الجرح والتعديل في الراوي. فيكون عندئذٍ حكم المحدثين اللاحقين - إن كانوا أهلاً لذلك - على درجة الحديث، أوضح وأتم من أحكام المحدثين السابقين فيما مضى، لأنهم كانوا يحكمون على كل رواية وحدها بالصحة، أو السقم. وقد يصحح بعضهم أكثر من رواية للحديث، فيصححونها جميعاً مع اختلاف ألفاظها، بل وتناقضها أحياناً. ويحتج كثير من الفقهاء بكل الروايات التي يصححها المحدثون، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل إلا لفظاً واحداً.
5- تمكن الفقهاء من إعادة النظر في الاجتهاد الذي سبق خلال القرون الماضية، لعدم الوقوف على نص. وسوف تتقلص دائرة الخلاف الفقهي بين المدارس الفقهية، بسبب تمحيص الأدلة. وستسقط الآراء المبنية على أحاديث ضعيفة، أو واهية.
ديوان السنن والآثار
مُستوفى من مصنّفات المحدّثين
وحدة البناء: المصنفات
يستوعب ويستقصي جميع الروايات، والطرق لكل ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً، أو صفة خُلُقية أوخَلْقية، أو سيرة؛ سواء كانت قبل بعثته، أو بعدها.(26/18)
ويتضمن ما أضيف للصحابة، والتابعين، من قول، أو فعل، في جميع بطون المصنفات الحديثية المطبوعة، على اختلاف أسانيدها، واختلاف ألفاظها. تلك التي يرويها أصحابها بأسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو كانت مجردة الأسانيد، صحيحها، وسقيمها. مع تعليقات المصنفين، وتعقيباتهم، ونقولهم عن غيرهم، دون التقيد بزمن تصنيفها؛ ليكون بين يدي الباحث في جزئية الموضوع الذي يناظره: كل السنن، والآثار – التي وصلت إلينا -، والتعقيبات، والعلل، والأحكام. ليكون الحكم بعد ذلك على بينة، وبصيرة؛ فلا يخرج علينا أحد بعد ذلك بشيء ينسب إلى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلا ونكون قد أحصيناه، ويكون علماء الشأن قد نظروا فيه.
فديوان السنن والآثار - بعد اكتماله إن شاء الله - يستوعب السنة النبوية - التي وصلت إلينا - في مصنّف واحد، مرتب على أبواب الجوامع الحديثية.
ولم أتقيد بزمن تصنيف معين أتوقف عنده. لأن طول السند، أو قصره، ليس دليلاً على الصحة، أو الضعف. وقد تكون هناك أحاديث استدركت في القرون المتأخرة.
ولم أقتصر على كتب الرواية الحديثية، من صِحاح، وسنن، وجوامع، ومسانيد، ومعاجم، وغيرها. بل اهتممت بكتب التاريخ، والسير، والمغازي، والتراجم، والطبقات، والكنى، والغريب، والعِلل، وبيان الدرجة، والمردود من الأحاديث؛ لأنه لا يستغنى عنها بحال في بناء موسوعة الحديث النبوي، ففيها أحاديث مروية بأسانيد متصلة. ومناظرتها مع ما يماثلها يفيدنا في معرفة المقبول، والمردود.
والتزمت أخذ النصوص من مصادرها الأصلية، لا من المصادر الآخذة عنها؛ إلا إذا كان الكتاب مفقوداً، أو مخطوطاً لم يحقق بعد، أو لم أقف عليه فيما اجتهدت؛ فأكتفي بأخذه عمن نقل عنه. أو من كتب المجاميع، والزوائد، كبعض مصادر السيوطي (911ه) في جامعه الكبير (جمع الجوامع)؛ فإن فيه مصنّفات لم نحظ بالوصول إليها، وقد أشرت إليها في ثبت المصادر.(26/19)
ولم ألتفت إلى المختصرات، لأنها تحصيل حاصل، ككتاب المعتصر من المختصر، ليوسف بن موسى (803ه).
ولما كانت أكثر نسخ المصنفات الحديثية في أوائل نصوصها ذكر تلميذ المصنف. وهذه طريقة المتقدمين، يذكر الراوي إسناده إلى المصنف في كل حديث. فرأيت مناسبة حذف هذا، ليكون التحديث من المصنّف مباشرة؛ مدركاً، ومعتبراً أن بعض أحاديث المصنفات من زيادات التلامذة التي رووها عن شيوخهم مباشرة، مثبتها في مواقع وفيات التلامذة. مثال ذلك: ما زاده عبدالله بن أحمد (290ه)، وأبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي (368ه). فقد أوردت زيادات عبدالله في تاريخ وفاته. ووثقتها: بزيادته على مسند أبيه. والقطيعي في تاريخ وفاته (368ه) ووثقتها: بما زاده في مسند أحمد. أما التي وجدها التلميذ بخط شيخه، ولم يسمعها منه؛ فأوضح أن هذا من قوله، حتى لا يشتبه شيء على القارئ.
وغطيت في الوقت الحاضر المصادر المطبوعة فقط - لضعف الإمكانات -. أختار أميزها تحقيقاً، مقارناً، وموازناً بما يستجد من طبعات محققة ممن هو أوثق علماً، وأمهر إخراجاً، وأحسن ضبطاً؛ فأجدد تصنيفي مصححاً، ومنقحاً لما سبقها من طبعات.
واعتمدت التبويب الموضوعي المبني على الأبواب الفقهية في جميع مسارات العمل الأربعة. واهتممت بأن تكون عنونة الأبواب مقاربة لتلك التي استخدمها المحدثون فيما مضى، مع ما يستجد من عناوين تناسب العصر. مبتعداً عن العنونة التي تحسم رأياً فقهياً.
وقمت بتقسيم الموضوعات إلى عشرين قسماً رئيساً:
القسم الأول ... : ... الإيمان
القسم الثاني ... : ... العبادات
القسم الثالث ... : ... الأسرة
القسم الرابع ... : ... المعاملات
القسم الخامس ... : ... المجتمع
القسم السادس ... : ... الأخلاق
القسم السابع ... : ... التربية
القسم الثامن ... : ... القرآن
القسم التاسع ... : ... السيرة
القسم العاشر ... : ... المغازي
القسم الحادي عشر ... : ... الوفود(26/20)
القسم الثاني عشر ... : ... الفضائل
القسم الثالث عشر ... : ... الغذاء
القسم الرابع عشر ... : ... اللباس
القسم الخامس عشر ... : ... الطب
القسم السادس عشر ... : ... الأيمان والنذور
القسم السابع عشر ... : ... العقوبات
القسم الثامن عشر ... : ... الفتن وأشراط الساعة
القسم التاسع عشر ... : ... الجهاد
القسم العشرون ... : ... الجامع
ثم جزأت كل قسم إلى كتب، وقسمت كل كتاب إلى أبواب، بما يناسب التصنيف في حينه. وقد تضمنت بعض الأبواب فصولاً، مرتباً نصوص الباب الواحد حسب أقدمية وَفَيَات المصنفين. مورداً عناوين كتب وأبواب النصوص المثبتة كما وردت في المصنفات التي تعنى بذلك في مقدمة الروايات، يفصلهما خط مائل. وحيثما يكون الخط مائلاً؛ فإن ما بعدها هو اسم الباب، وما قبلها اسم الكتاب. وإذا ورد الخط المائل، ولم يذكر قبله شيء؛ فهذا يعني أن الباب يتبع الكتاب السابق نفسه.
وعند عزو النصوص أثبت اسم المصنف، واسم مصنفه، ورقم الحديث، أو رقم الصفحة، أو رقم الجزء والصفحة.
ونصوص كل باب مرقمة على حِدة ترقيماً تصاعدياً مسلسلاً، لعدم اكتمال الديوان حالياً في طبعاته التمهيدية. وسيكون هناك ترقيم مسلسل للأحاديث والآثار من فاتحته إلى خاتمته - إن شاء الله تعالى - عند اكتمال كل قسم من الأقسام.
أبحاث لازمة
البحث الأول:
دراسة لقواعد الجرح والتعديل، ومعادلة الألفاظ الخاصة بهما - بالنظر إلى الاختلاف الحاصل في مدلولها بين العلماء - سعياً إلى تقرير المبادئ الأساسية لمنهج تحديد مراتب الرواة، وترقيمها بمسلسل رقمي يدل على تدرج هذه المراتب من أعلى درجات التوثيق إلى أدنى درجات التجريح، بحيث يعبر كل رقم من هذه الأرقام المسلسلة عن مجموعة ألفاظ الجرح والتعديل المستخدمة في نطاق المرتبة الواحدة.
البحث الثاني:(26/21)
تقنين المصطلحات المستخدمة في مباحث علوم الحديث. وترجيح مدلول لكل مصطلح. على أن يقوم هذا التقنين على أساس تقسيم كلي جامع يربط بين مباحث عِلم المصطلح بعلاقة منطقية، واضحة المعالم، إذ يساعد ذلك على صياغة برامج الكمبيوتر التي تخدم الحديث، وعلومه.
الفهارس
*تنظيم الفهارس على نسق الحروف الهجائية:
فهرس للموضوعات.
فهرس للرواة.
فهرس للأعلام.
فهرس للأماكن.
فهرس للأحاديث القولية.
فهرس للأحاديث الفعلية.
*ترتيب الألفاظ في الفهارس:
حسب المادة.
حسب الترتيب الهجائي للكلمات مع تقديم المرفوع على المنصوب، ثم المجرور.
تقديم ما خلا من (ال). على ما فيه (ال).
تقديم المنون على غير المنون.
*تتم إحالة الكنى، والنسب للأعلام، على الأسماء.
الطباعة
- الحجم المطلوب للكتاب 17×24.
- الحجم المطبوع 12× 19 بما في ذلك الرقم المتسلسل.
- عدد الأسطر في كل صفحة لا تقل عن (26) سطراً.
- عدم ترك صفحات بيضاء بين الأبواب.
- لا بأس أن تكون بداية الباب بصفحة ذات رقم فردي، أو زوجي.
- إلغاء رقم الباب والاكتفاء بأرقام الأحاديث فقط.
- ترقيم الأحاديث لكل باب على حدة، مع اعتماد الشرطة (-) بدلاً من الأقواس ( ).
- الترويسة العُليا ستكون عبارة عن عنوان الباب.
- توثيق نصوص الديوان يكون في نفس سطر نهاية الحديث إذا سمحت المسافة بذلك.
- الآيات القرآنية جميعها من المصحف، مع ذكر رقم الآية.
- تعتمد عناوين الفصول في وسط الصفحة وبإطار مختلف عن إطار عنوان الباب.
- تحذف النقطتان الملازمة للعناوين الجانبية.
- ترك مسافتين آخرتين بعد علامة (*) دائماً.
- إضافة صفر (عددي)، وليس (نقطة)، سابق لرقم الآحاد، مثل (01) و(02) حتى الرقم (10). وإضافة نقطة سابقة أيضاً لرقم من ثلاثة أرقام، وعند الوصول لأرقام الأحاديث المكونة من أربعة أرقام، فتكون الأرقام في نفس الصفحة مسبوقة بصفر، مثل (0998)، (0999)، (1000).(26/22)
- يكون عدد النقاط الفرعية لبعض الطرق (في الموسوعة) حسب الأرقام المذكورة في نفس الصفحة. فمثلاً يكون عدد النقاط (2) في حالة أن الأرقام مكونة من رقمين. ويكون عدد النقاط (3) في حالة أن الأرقام في الصفحة مكونة من ثلاثة أرقام، وهكذا.
- التقيّد تماماً بإشارة بداية الأسطر.
- بدء الكتابة من أقصى اليمين دون ترك فراغ بداية الأسطر.
المراجع
أوقفوا هذا العبث بالتراث؛ لمحمد بن عبدالله آل شاكر، بيروت، دار المعالي، 1417ه.
تحقيق المخطوطات بين الواقع والمنهج الأمثل؛ لعبدالله بن عبدالرحيم عسيلان، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1415ه.
تحقيق النصوص ونشرها؛ لعبدالسلام هارون، الكويت، الثالثة، مزيدة.
تذكر الحفاظ؛ للذهبي، تحقيق: عبدالرحمن بن يحيى المعلمي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
ترميز كتب الحديث؛ لمحمد بن سليمان الأشقر، مجلة الحكمة، العدد العاشر، جمادى الآخرة1417ه، الصفحات 239-279.
التعريف بدار التأصيل؛ لعبدالرحمن بن عبدالله بن عقيل، القاهرة، رمضان1420ه. نشرة تعريفية.
الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع؛ للخطيب البغدادي، تحقيق: محمود الطحان، الرياض، مكتبة المعارف، 1403ه.
جمع الجوامع؛ للسيوطي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصورة عن النسخة الخطية.
جهود المعاصرين في خدمة السنة المشرفة؛ لمحمد عبدالله أبو صعيليك، دمشق، دار القلم، 1416ه.
دليل مركز بحوث السنة والسيرة؛ جامعة قطر، الدوحة، 1411ه، نشرة تعريفية.
الرسالة المستطرفة لبيان مشهور السنة المشرفة؛ لمحمد بن جعفر الكتاني، بيروت، دار البشائر الإسلامية، الرابعة، منقحة، 1406ه.
علم فهرسة الحديث: نشأته، وتطوره، أشهر ما دون فيه؛ ليوسف بن عبدالرحمن المرعشلي، بيروت، 1406ه.
فتح المغيث؛ للسخاوي، المدينة النبوية، المكتبة السلفية، 1388ه.(26/23)
فهارس أوائل الحديث، وأطرافه: نشأتها، وأهميتها، وترتيبها؛ لناصر ابن محمد السويدان، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1417ه.
مقدمة ابن الصلاح؛ تحقيق: عائشة بنت عبدالرحمن، القاهرة، دار الكتب، 1974م.
مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين؛ لرمضان عبدالتواب، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1406ه.
منهج لتصنيف موسوعة حديثية جامعة؛ لعبدالقادر بن أحمد عبدالقادر، المدينة النبوية، الجامعة الإسلامية، 1402ه ـ 1403ه، رسالة ماجستير.
موسوعة الحديث النبوي الشريف: الصحيح والحسن؛ لنديم مرعشلي، وأسامة مرعشلي، بيروت، دار الحضارة العربية، 1411ه.
نحو موسوعة للحديث النبوي: مشروع منهج مقترح؛ ليوسف القرضاوي، مجلة المسلم المعاصر، السنة الحادية عشر، العدد الحادي والأربعين، ربيع الأول1405ه. الصفحات 117-158.
ندوة استخدام الحاسوب في العلوم الشرعية؛ تنظيم البنك الإسلامي للتنمية بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي، الكتاب التوثيقي، جدة، 1413ه.
ندوة السنة النبوية ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة؛ تنظيم مؤسسة آل البيت بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الكتاب التوثيقي، عمان 1410ه.
ندوة نحو موسوعة شاملة للحديث النبوي؛ تنظيم جامعة قطر بالدوحة، مجلة منار الإسلام، السنة السادسة عشرة، العدد الثالث، ربيع الأول1411ه. الصفحات 66-77.
فهرس المحتويات:
المقدمة…1
التمويل…10
التقديرات…11
أولاً: تحقيق الأصول الخطية…11
ثانياً: التصنيف والتدوين…11
المفاهيم…13
المهام…14
أولاً: مهام مصنفي البطاقات (من الذين لهم تطلّع لشرف خدمة السنّة النبوية)…14
ثانياً : مهام الباحثين (من الحاصلين على الشهادة الجامعية)…14
ثالثاً: مهام المحدثين (من الذين لهم قدم راسخة في التأليف في علوم الحديث)…15
رابعاً: مهام اللجنة العلمية (من العلماء المشهود لهم بالتصنيف، والفضل)…15
الأصول الخطية…16(26/24)
أولاً: تجهيز الأصول الخطية للمصنفات الحديثية وفق الخطوات التالية:…17
ثانياً: اختيار المشتغلين بالتحقيق…19
مهام موثق النص…19
مهام محقق النص…20
مهام معد النص للطباعة…20
المسارات…21
مَعْلَمة الهدي النبوي…22
مدونة أحاديث الأحكام…23
موسوعة الحديث النبوي…24
ديوان السنن والآثار…29
أبحاث لازمة…33
البحث الأول:…33
البحث الثاني:…33
الفهارس…34
الطباعة…35
المراجع…37
فهرس المحتويات:…41(26/25)
الموسوعة الحديثية الشاملة
بين الواقع والمأمول
د. زهير بن ناصر الناصر
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ؛ ليظهره على الدِّين كُلِّه، ولو كره الكافرون.
ولقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ والتبيين، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وعبد رَبَّه حتى أتاه اليقين، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
ورضي الله تبارك وتعالى عن صحابته أجمعين، الغُرّ الميامين، الذين قاموا بنقل الشريعة بأمانة ونصح، ورضي الله عن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. وبعد:
فإنَّ خدمة هذا الدِّين وإظهار علوم سَيّد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - واجب إسلامي، وهو أمانة في أعناق العلماء العاملين، والأئمة المصلحين، وما ذاك إلاَّ بنشر سُنَّته - صلى الله عليه وسلم -، والعمل بها، والدعوة إليها، وحفظها، والذَّوْدِ عن حياضها.
ولقد قيَّض الله تعالى لذلك أئمة عاملين، ودعاة مخلصين، أفنوا أعمارهم وبذلوا النفس والنفيس في سبيل ذلك.
ومن هؤلاء الأئمة الذين بذلوا الجهود المضنية في جمع السُّنَّة النبوية، وفي حفظها وتدوينها، وفي ضبط أسانيدها وشرح متونها، واستنباط الأحكام منها، ومعرفة صحيحها من سقيمها.
ولذلك أُلِّفت الجوامع، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنَّفات، والأجزاء، وكتب الجرح والتعديل، وموسوعات تراجم الرجال والرواة الشاملة للثقات والضعفاء، أو المخصصة للضعفاء والمجروحين، وهكذا.
ولأجل ذلك وضعت علوم جمَّة لخدمة السنة، وفق مناهج علمية رصينة، وقواعد محكمة، لمعرفة درجة كل حديث، والاستفادة من الفوائد الإسنادية والمتنية.(27/1)
ومن المعلوم أن السُّنَّة هي المصدر الثاني للتشريع، وقد كانت محصورةً في زمن البعثة باعتبار صدورها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من قول أو فعل أو تقرير، ولكنْ كثرتْ طُرُقُها، وتشعَّبتْ أسانيدُها، باعتبار النقلة من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى آخر عصر الإسناد، في المصنَّفات والجوامع والسنن والأجزاء... كحديث العرنيين، بلغت طرقه أكثر من ( 50 ) طريقاً، وهو واقعة واحدة، وحديث واحد صادر عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -(1). وكحديث جابر بن عبدالله في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بلغت طرقه أكثر من (100) طريق، مختصراً ومطولاً، وهو حديث واحد يصور واقعة واحدة(2).
لذا عكف العلماء في مختلف العصور على فكرة الجمع الموسوعي للوصول إلى حصر السُّنَّة وفق أصلها، للعمل بها وتبليغها للناس.
هذا وإنَّ فكرة هذا الجمع، الشامل للأحاديث النبوية، ليست وليدة هذا العصر، بل كانت ماثلةً في أذهان المتقدمين، وقائمةً في بعض مصنَّفاتهم بصور مختلفة.
لقد أدرك الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852ه) أهمية جمع الأحاديث النبوية واستيعابها في مصنَّف واحد، وإلى ذلك يشير قوله(3):((ولقد كان استيعابُ الأحاديث سهلاً، لو أراد الله تعالى ذلك، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر مَنْ بعده ما اطَّلع عليه ممَّا فاته من حديث مستقل أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها، فيكون كالدليل عليه، وكذا من بعده، فلا يمضي كثيرٌ من الزمان إلاَّ وقد استُوعبت وصارت كالمصنَّف الواحد، ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن)).
__________
(1) انظر تخريجه في ((مسند أحمد)) 19 / 97 – 99.
(2) انظر المصدر السابق 22 / 325 – 331.
(3) تدريب الراوي)) 1/100.(27/2)
ويقول أيضاً رحمه الله تعالى(1):((وإن المتعيّن على من يتكلَّم على الأحاديث أن يَجْمَعَ طُرُقَها، ثم يجمعَ ألفاظ المتون إذا صَحَّت الطُّرُقُ ويشرحها على أنه حديث واحد، فإنَّ الحديث أولى ما فُسِّرَ بالحديث)).
والجمع الموسوعي عند المتقدِّمين يتمثَّل بحلقات موسوعية، تُحقِّق أهدافاً موسوعية مقيدة، وتتمثل بحلقات مختلفة: في كتب الأطراف، وكتب جمع المتون، وكتب الزوائد على كتب معينة.
ولو نَظَرْنا بعين الإنصاف والشمول لرأينا أنَّ النظرة الموسوعية في التصنيف والتأليف كان صاحب السبق فيها هو الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بما جمعه واحتواه من طريقة المتقدِّمين وفوائد المتأخرين، وبخاصَّة في كتابه ((المطالب العالية))، حيث جمع زوائد المتون والأسانيد، على مطالب الساحة الراهنة في الجمع والتصنيف والتبويب.
وسيكون جمع المادة العلمية لهذا البحث ضمن العناصر الرئيسة التالية:
1 - الجمع الموسوعي عند المتقدِّمين في براعة الحفظ والاستحضار.
2 - التصنيف الموسوعي عند المتقدِّمين والمعاصرين.
3- الجهود المبذولة في سبيل إعداد الموسوعة الشاملة باستخدام الحاسب الآلي.
4 - مراحل طريقة الجمع الموسوعي.
5 - مقترحات في تشكيل أهم اللجان الدائمة للعمل الموسوعي.
6 - خاتمة في أهداف العمل الموسوعي.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 - الجمع الموسوعي عند المتقدِّمين في براعة الحفظ والاستحضار
كان المتقدِّمون من علماء المسلمين في غاية إتقان الحفظ واستحضار ما هو مركوزٌ في حافظتهم، حتى لو أعادَ أحدهم ما حفظه مراتٍ عديدةً، لا يُغَيِّرُ كلمةً منه، ولا يُحَرِّفُها أو يُصَحِّفُها، ولا يبدل بها مرادفاً لها.
ولو أملى من ذلك كتاباً ضخماً من الأحاديث النبوية، أو القصائد الشعرية، أو المقطعات النثرية؛ لَمَا غَاب عنه شيءٌ من محفوظاته مطلقاً، لقوة ملكة حفظه، وسرعة نُطْقه واستحضاره.
__________
(1) فتح الباري)) 6 /475.(27/3)
والجمع الموسوعي عند المتقدِّمين، في الحديث النبوي، كان أعظم من الجمع الموسوعي على الحاسب الآلي، في هذه الأزمنة، ويتجلَّى ذلك واضحاً في تراجمهم وأخبارهم التي نُقلت إلينا، والتي تشهدُ على سعة حفظهم، وسيلان ذهنهم، واطِّلاعهم الواسع على علل الحديث، ومعرفة صحيحها من سقيمها.
وممَّن اشتهر بالحفظ وسعة الاطّلاع: الحافظُ الكبير، شيخُ الإسلام، أبو نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن الكوفي المُلائي (130 - 219ه).
قال يعقوب الفَسَوِي(1): أجمع أصحابُنا أنَّ أبا نُعَيْم كان غايةً في الإتقان والحفظ.
وقال أبو حاتم الرازي(2): كان حافظاً متقناً، لم أَرَ من المحدِّثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظٍ واحدٍ لا يُغَيِّرُه سوى قَبِيصة وأبي نعيم في حديث الثوري، وكان أبو نُعَيْم يحفظُ حديث الثوري حفظاً جيداً، يعني الذي عنده عنه. قال: وهو ثلاثة آلاف وخمسمئة حديث، ويحفظ حديث مِسْعَر، وهو خمسمئة حديث، وكان لا يُلَقَّن(3).
ومما يشهدُ له بالحفظ والاطلاع اختبارُ يحيى بن مَعِين له بحضرة الإمام أحمد بن حنبل. فقد روى الخطيبُ البغداديُّ(4) من طريق أحمد بن منصور الرمادي قال:
خرجتُ مع أحمد ويحيى بن مَعِين إلى عبدالرزاق خادماً لهما، فلمَّا عُدْنا إلى الكوفة قال يحيى بن مَعِين لأحمد بن حنبل: أُرِيدُ أنْ أختبرَ أبا نُعَيْم، فقال أحمد: لا تُرِدْ، فالرجلُ ثقةٌ. قال يحيى: لا بُدَّ لي.
__________
(1) المعرفة والتاريخ)) 2 / 633.
(2) الجرح والتعديل)) 7 / 62، و((سير أعلام النبلاء)) 10 / 148.
(3) قال الحافظ الذهبيُّ في ((سير أعلام النبلاء)) 10 / 210 فيمن يُلَقَّن: أنه كان يُحَدِّثُهم بالحديث، فيتوقَّف فيه ويتغلَّط، فيردُّون عليه، فيقول. ومثلُ هذا غضٌّ عن رتبة الحفظ لجوازِ أنَّ فيما رُدَّ عليه زيادةً أو تغييراً يسيراً، والله أعلم.
(4) تاريخ بغداد)) 2 / 20 - 21.(27/4)
فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثاً، وجعل على رأس كل عشرة منها حديثاً ليس من حديثه. ثم إنهم جاؤوا إلى أبي نُعَيْم، فخرج، وجلس على دكان طين، وأقعد أحمد بن حنبل عن يمينه، ويحيى عن يساره، وجلستُ أسفل.
فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث، وهو ساكت، ثم الحادي عشر، فقال أبو نعيم: ليس هذا من حديثي، فاضْرِبْ عليه. ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني فقال: هذا أيضاً ليس من حديثي، فاضْرِبْ عليه. ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ الحديث الثالث، فتغيَّر أبو نعيم، وانقلبتْ عيناه.
ثم أقبل على يحيى، فقال: أمَّا هذا - وذراعُ أحمد بيده - فأورعُ من أن يعمل مثل هذا، وأمَّا هذا - يريدني - فأقلُّ من أن يفعل ذاك، ولكن هذا من فعلك يا فاعل.
ثم أخرج رجله، فرفس يحيى بن مَعِين وقلبه عن الدكان، وقام فدخل داره، فقال أحمد بن حنبل ليحيى: ألم أنهك وأقل لك: إنه ثَبْت؟ فقال له يحيى: واللهِ! لرفستُه لي أحبُّ إليَّ من سفرتي.
وقال أبو عُبَيْد الآجُرِّي(1): قلتُ لأبي داود: كان أبو نُعَيْم حافظاً؟ قال: جدّاً.
ومن أئمة هذا الشأن: الحافظ الإمام الجِهْبذ شيخ المحدِّثين أبو زكريا يحيى بن مَعِين (158 - 233ه).
قال أحمد بن عُقْبة(2): سألت يحيى بن مَعِين: كم كتبتَ من الحديث؟ قال: كتبتُ بيدي هذه ستَّ مئة ألف حديث.
وقال عبَّاس الدُّوري(3): سمعتُ يحيى يقول: لو لم نكتب الحديث خمسين مرة، ما عَرَفْناه.
وقال محمد بن نصر الطبري(4): دخلتُ على يحيى بن مَعِين، فوجدتُ عنده كذا وكذا سَفَطاً دفاتر، وسمعتُه يقول: كتبتُ بيدي ألفَ ألفِ حديث، وكُلُّ حديثٍ لا يُوجَدُ هاهنا - وأشارَ بيده إلى الأسفاط - فهو كذب.
__________
(1) سؤالاته)) ص ( 99 ).
(2) سير أعلام النبلاء)) 11 / 81.
(3) المصدر السابق 11 / 84.
(4) المصدر السابق 11 / 91 - 92.(27/5)
وقال العِجْلي(1): ما خَلَقَ اللهُ أحداً كان أعرفَ بالحديث من يحيى بن مَعِين. كان يُؤْتى بالأحاديث قد خُلطت وقُلبت، فيقول: هذا كذا، وهذا كذا، كما قال.
ومن أئمة الحُفَّاظ وسادتهم: الإمام الكبير، شيخ المشرق، إسحاق بن راهويه (161 - 238ه).
قال الشَّعْبي(2): ما كتبتُ سوداءَ في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدَّثني رجلٌ بحديثٍ قطُّ إلاَّ حفظتُه، ولا أحببتُ أن يُعيده عليَّ. قال علي بن خشرم: فحدَّثْتُ بهذا إسحاق بن راهويه، فقال: تعجَبُ من هذا؟ قلتُ: نعم. قال: ما كنت أسمع شيئاً إلا حَفِظْتُه، وكأني أنظر إلى سبعين ألف حديث - أو قال: أكثر من سبعين ألف حديث - في كتبي.
قال أبو داود الخَفَّاف(3): سمعتُ إسحاق بن راهويه، يقول: لكأني أنظر إلى مئة ألف حديث في كتبي، وثلاثين ألفاً أَسْرُدُها. قال: وأَمْلَى علينا إسحاق أحدَ عشر ألف حديثٍ من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفاً، ولا نقص حرفاً.
قال الحافظ الذهبي(4): فهذا واللهِ الحفظ.
وعن إسحاق بن راهويه، قال: ما سمعتُ شيئاً إلا وحفظتُه، ولا حفظتُ شيئاً قطُّ فنسيتُه(5).
وقال أبو يزيد محمد بن يحيى: سمعت إسحاق يقول: أحفظُ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي.
وقال أحمد بن سلمة: سمعت أبا حاتِم الرازي، يقول: ذكرتُ لأبي زُرعة حِفْظَ إسحاق بن راهويه، فقال أبو زرعة: ما رُئي أحفظ من إسحاق، ثم قال أبو حاتِم: والعجب من إتقانه، وسلامته من الغلط مع ما رُزِقَ من الحفظ. فقلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه. قال: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهونُ من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها.
__________
(1) النكت على كتاب ابن الصلاح)) للحافظ ابن حجر 2 / 871.
(2) تاريخ بغداد)) 6 / 351 - 352.
(3) المصدر السابق 6 / 352 و 354.
(4) سير أعلام النبلاء)) 11 / 373.
(5) المصدر السابق.(27/6)
وقال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ(1): فاتني عن إسحاق مجلسٌ مِن مُسنده، وكان يُمِلُّه حفظاً، فترددت إليه مِراراً ليُعيده، فتعذَّر. فقصدته يوماً لأسأله إعادته، وقد حمَلْتُ إليه حنطة من الرُّستاق، فقال لي: تقومُ عندي وتكتبُ وزن هذه الحنطة، فإذا فرغْتَ أعدتُ لك. ففعلتُ ذلك، فسألني عن أول حديث من المجلس، ثم اتكأ على عُضادة الباب، فأعاد المجلس حفظاً. وكان قد أملى ((المسند)) كُلَّه حفظاً، وقرأه أيضاً من حفظه ثانياً كلّه.
وقال أبو يَزيد محمد بن يحيى بن خالد(2): سمعتُ إسحاق بن راهويه الحنظلي يقول: أعرفُ مكان مئة ألف حديث، كأني أنظرُ إليها، وأحفظُ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي، وأحفظُ أربعة آلاف حديث مُزَوَّرة. فقيل له: ما معنى حفظ المُزَوَّرة؟ قال: إذا مَرَّ بي منها حديثٌ في الأحاديث الصحيحة فَلَيْتُه منها فَلْياً.
ومن المشهورين بالحفظ: شيخ الإسلام، الإمام أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل (164 - 241ه).
قال عبدالله بن أحمد(3): قال لي أبو زُرْعة: أبوك يحفظ ألفَ ألفِ حديث. فقيل له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب.
قال الحافظ الذهبي: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبدالله.
وقال ابن أبي حاتم(4): قال سعيد بن عَمْرو: يا أبا زُرْعة، أأنتَ أحفظُ أم أحمد؟ قال: بل أحمد. فقلتُ: كيف علمتَ؟ قال: وجدتُ كتبه ليس في أوائل الأجزاء أسماءُ الذين حدَّثوه، فكان يحفظُ كُلَّ جزء ممَّن سمعه، وأنا لا أقدرُ على هذا.
وعن أبي زُرْعة قال(5): حُزِرَتْ كُتُب أحمد يوم مات، فبَلَغَتْ اثني عشر حِمْلاً وعِدْلاً. ما كان على ظَهْرِ كتابٍ منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حَدَّثنا فلان، كلّ ذلك كان يحفظُه عن ظهر قلبه.
__________
(1) تاريخ بغداد)) 6 / 354.
(2) المصدر السابق 6 / 352.
(3) سير أعلام النبلاء)) 11 / 187.
(4) سير أعلام النبلاء)) 11 / 187.
(5) المصدر السابق 11 / 188.(27/7)
وقال حسن بن مُنَبِّه(2): سمعتُ أبا زُرْعة يقول: أخرج إليَّ أبو عبدالله أجزاءً، كُلُّها: سفيان سفيان، ليس على حديث منها: حدثنا فلان، فظننتُها عن رجلٍ واحد، فانتخبتُ منها. فلمَّا قرأ ذلك عليَّ جعل يقول: حدَّثنا وكيع ويحيى، وحدَّثنا فلان، فعجبتُ من ذلك، وجهدتُ أن أَقْدِرَ على شيءٍ من هذا، فلم أَقْدِرْ.
وقال عبدالله بن أحمد(1): قال لي أبي: خُذْ أيَّ كتابٍ شئتَ من كُتُب وكيع من المصنّف، فإنْ شئتَ أن تسألني عن الكلام حتى أُخبرك بالإسناد، وإنْ شئتَ بالإسناد حتى أُخبرك أنا بالكلام.
وعن أحمد الدَّوْرَقي(2)، عن أبي عبدالله، قال: نحن كَتَبْنا الحديث من ستة وجوهٍ وسبعة لم نضبطه، فكيف يضبطُه من كتبه منْ وَجْهٍ واحد؟!.
ومن حُفَّاظ الدنيا: أمير المؤمنين في الحديث الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256ه).
قال محمد بن أبي حاتم الورَّاق(3): سمعتُ حاشدَ بنَ إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبدالله البخاري يختلفُ معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلامٌ، فلا يكتب، حتى أَتَى على ذلك أيام، فكُنّا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يوماً بعد ستة عشر يوماً: إنكما قد أكثرتُما عليَّ وألححتُما، فاعْرِضا عليَّ ما كتبتُما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزادَ على خمسة عشر ألف حديث، فقَرَأَها كُلَّها عن ظهر القلب، حتى جعلنا نُحْكِمُ كُتُبَنا من حفظه.
ثم قال: أَتَرَوْن أني أختلف هَدْراً، وأُضَيِّع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابنُ عَدِيّ(4): حدثني محمد بن أحمد القُومسي، سمعتُ محمد بن خميرويه، سمعتُ محمد بن إسماعيل يقول: أحفظُ مئة ألف حديث صحيح، وأحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح.
__________
(1) المصدر السابق 11 / 186.
(2) المصدر السابق 11 / 186.
(3) سير أعلام النبلاء)) 12 / 408.
(4) المصدر السابق 12 / 415.(27/8)
وقال أبو بكر الكَلْوَاذاني(1): ما رأيتُ مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذُ الكتابَ من العلماء، فيطَّلعُ عليه اطِّلاعةً، فيحفظُ عامَّةَ أطرافِ الأحاديث بمرَّة.
وقال علي بن الحُسَيْن بن عاصم البِيكَنْدي: قدم علينا محمد بن إسماعيل، قال: فاجتمعنا عنده، فقال بعضُنا: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول: كأنّي أنظرُ إلى سبعين ألف حديثٍ من كتابي.¸ فقال محمد بن إسماعيل: أو تَعْجَبُ من هذا؟! لعلَّ في هذا الزمان مَنْ ينظرُ إلى مئتي ألف حديث من كتابه. وإنما عَنَى به نفسه.
ومن أعجب العجائب ما فعله أصحاب الحديث مع الإمام البخاري، وهذه القصَّة أوردها الخطيبُ البغدادي(2) من طريق أبي أحمد بن عَدِيّ قال: سمعت عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحابُ الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متنَ هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسنادَ هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أَنْ يُلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين.
فلمَّا اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجلٌ من العشرة فسأله عن حديثٍ من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فما زال يُلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاريُّ يقول: لا أعرفه.
فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فَهِم الرجل، ومن كان فَهِمَ منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ.
ثم انتدب إليه رجلٌ آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاريُّ: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال:
__________
(1) المصدر السابق 12 / 416.
(2) تاريخ بغداد)) 2 / 20 - 21.(27/9)
لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يَزَلْ يُلقي عليه واحداً بعد واحدٍ حتى فرغ من عشرته والبخاريُّ يقول: لا أعرفه.
ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاريُّ لا يزيدهم على لا أعرفه.
فلمَّا عَلِمَ البخاريُّ أنهم قد فَرَغُوا التفت إلى الأول منهم فقال: أمَّا حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة.
فرَدَّ كلَّ متنٍ إلى إسناده، وكُلَّ إسنادٍ إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ردَّ متونَ الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدَها إلى متونها، فأقرَّ الناسُ له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.
قال الحافظ ابن حجر(1): سمعتُ شيخنا - يعني الحافظَ العراقيَّ - غير مرة يقول: ما العجبُ من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتِّساع معرفته، وإنما يُتعجب منه في هذا لكونه حَفِظَ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرَّةٍ واحدة.
وقال أيضاً رحمه الله تعالى(2): وهنا تخضع للبخاري الرقاب، فما العجب من رَدِّه الخطأَ إلى الصواب، بل العجب من حفظه للخطأ القليل الفائدة، على ترتيب ما أَلْقَوْه عليه من مرَّة واحدة.
وأضاف الحافظ السخاوي(3): ولا عجب، لأنه في سرعة الحفظ: طويل الباع، وهو إمام النُّقَّاد بلا نِزاع، وحصرُ سيلانِ ذهنه لا يُستطاع.
فإن قيل: كيف ساغ لهم هذا الامتحان العجيب، الذي ارتكبوا بسببه شِبْه الوضع في هذا التقليب، وربما يترتَّبُ عليه تغليطُ المُمْتَحَن، واستمرارُه على روايته، لظنّه أنه صواب، بحيث يُعَدُّ من البلايا والمحن، وقد يسمعُه من لا خبرة له، فيرويه على هذه الصيغة المهملة؟
قلت: لما رأوا فيه من تمام المصلحة، التي منها: معرفةُ رتبة الراوي في الضبط، في ساعة ولمحة.
__________
(1) النكت على كتاب ابن الصلاح)) 2 / 869 - 870.
(2) هدي الساري)) ص 486.
(3) عمدة القارئ والسامع)) ص 55 - 56.(27/10)
وأيضاً، ففعلُهم لهذا ينتهي بانتهاء الحاجة، بحيث يزول أثرُه، ونأمن علاجه، وقد فعله غيرُ واحد من الأكابر، المجتهدين في تحقيق السُّنَّة بالألسُن والمحابر.
وما لعلَّه ينتج من مفسدته، فهو دون ما أبديناه من مصلحتِه.
وقال أبو الأزهر(1): كان بسمرقند أربعمئة ممَّن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبُّوا مغالطة محمد بن إسماعيل، فأدخلوا إسنادَ الشام في إسناد العراق، وإسنادَ اليمن في إسناد الحرمين، فما تعلَّقُوا منه بسَقْطةٍ لا في الإسناد، ولا في المتن.
ومن هؤلاء الأعلام: الإمام سيد الحُفَّاظ، أبو زُرْعة عُبَيْد الله بن عبدالكريم الرازي (ت264ه).
قال أبو إسحاق الجوزجاني(2): كُنّا عند سُلَيْمان بن عبدالرحمن، فلم يَأْذَنْ لنا أياماً، ثم دخلنا عليه، فقال: بلغني وُرُودُ هذا الغلام، يعني أبا زُرْعة، فدرستُ للالتقاءِ به ثلاثَمئة ألف حديث.
وقال صالح بن محمد جَزَرَة(3): سمعتُ أبا زُرْعَة يقولُ: كتبتُ عن إبراهيم ابنِ موسى الرَّازي مئةَ ألفِ حديثٍ، وعن أبي بكر بن أبي شَيْبة مئة ألفٍ. فقلتُ له: بَلَغَني أنَّك تحفَظُ مئةَ ألفِ حديثٍ، تَقْدِرُ أن تُملي عليَّ ألفَ حديثٍ من حفظٍ؟ قال: لا، ولكنْ إذا أُلقيَ عَليَّ عَرَفْتُ.
وقال أبو عبدالله بن مَنْدَه الحافظ: سمعتُ أبا العبَّاس محمد بن جَعْفر بن حَمْكَوَيْه بالرَّي يقول: سُئِل أبو زُرْعة عن رَجُل حَلَف بالطَّلاق: أنَّ أبا زُرْعَة يحفظُ مئتي ألف حديث هَل حَنِثَ؟ فقال: لا. ثم قال أبو زرعة: أحفظُ مئتي ألفِ حديثٍ كما يحفظُ الإنسانُ: ? ( ( ( ( ([الإخلاص:1] وفي المُذَاكرة ثلاثَمئةِ ألفِ حديثٍ.
قال الحافظ الذهبي(4): هذه حكايةٌ مُرْسَلةٌ، وحكايةُ صالح جَزَرَة أصَحُّ.
__________
(1) سير أعلام النبلاء)) 12 / 411.
(2) المصدر السابق 13 / 80.
(3) سير أعلام النبلاء)) 13 / 68.
(4) المصدر السابق 13 / 69.(27/11)
وقال الحافظُ أبو أحمد بنُ عَدِي(1): سَمعتُ أبي يقولُ: كنتُ بالرَّي، وأنا غلامٌ في البزازين، فَحَلَف رجل بطلاق امرأته: أنَّ أبا زُرْعة يحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ. فَذَهبَ قومٌ - أنا فيهم - إلى أبي زُرْعة، فسألناه، فقال: ما حَمَلَه على الحلف بالطَّلاق؟ قيلَ: قد جَرى الآن منه ذلك. فقال أبو زُرْعَة: ليُمْسِكْ امرأتَه، فإنَّها لم تطلق عليه. أو كما قال.
وقال أبو عبدالله الحاكم(2): سمعتُ أبا جَعْفر محمد بن أحمد الرَّازي يقول: سمعتُ محمد بن مُسْلم بن وَارَة قال: كنتُ عند إسْحاق بِنَيْسابور، فقال رَجُلٌ من العِراق: سمعتُ أحمد بن حَنْبل يقول: صَحَّ من الحديث سبعُمئةِ ألفِ حديثٍ وكسرٌ، وهذا الفتى -¸ يعني أبا زُرْعة - قد حَفِظَ ستَّمئةِ ألفِ حديث.
وقال عُمَر بن محمد بن إسحاق القَطَّان(3): سمعتُ عبدالله بن أحمد بن حَنْبل، سمعتُ أبي يقول: ما جاوزَ الجِسْرَ أحدٌ أفْقهُ من إسحاق بن رَاهَوَيْه، ولا أحفظُ من أبي زُرْعة.
قال ابن عدي(4): سمعتُ أبا يَعلى الموْصِلي يقول: ما سمعنا بذكر أحد في الحفْظِ، إلاَّ كانَ اسمُه أكبرَ من رُؤيتِه، إلا أبا زُرْعة الرَّازي، فإنَّ مُشاهدَتَه كانتْ أعظم من اسمِه، وكانَ قد جَمَعَ حفظَ الأبوابِ والشُّيُوخ والتَّفْسير، كتبنا بانتخابه بواسط سِتَّةَ آلاف حديثٍ.
__________
(1) تاريخ بغداد)) 10 / 324 - 325.
(2) المصدر السابق 10 / 332.
(3) تاريخ بغداد)) 10 / 328.
(4) المصدر السابق 10 / 334.(27/12)
وقال الحاكم(1): سمعتُ الفقيه أبا حَامد أحمد بن محمد، سمعتُ أبا العَبَّاس الثَّقفي يقول: لما انصرف قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ إلى الرَّي، سَألُوه أن يُحدِّثَهم، فامتنع، فقال: أُحدِّثُكم بعد أن حضر مجلسي أحمد، وابنُ مَعِين، وابنُ المديني، وأبو بكر بنُ أبي شَيْبَة، وأبو خيثمة؟ قالوا له: فإن عندنا غُلاماً يَسْرُدُ كلَّ ما حَدَّثْتَ به، مجلساً مجلساً، قمْ يا أبا زُرْعة، قال: فقام، فَسَرَدَ كلَّ ما حدَّث به قُتَيْبة، فحدَّثهم قُتَيْبة.
وممن امتحنه تلاميذه: الحافظ الجليل الناقد أبو جعفر محمد بن عَمْرو بن موسى العُقَيْلي الحِجازي (ت322ه).
قال مسلمة بن القاسم(2): كان العُقَيْليُّ جليلَ القَدْر، عظيمَ الخطر، ما رأيتُ مِثْلَه، وكان كثيرَ التصانيف، فكان مَنْ أتاه من المحدِّثين، قال: اقرأْ من كتابك، ولا يُخرج أصلَه.
قال: فتكلَّمنا في ذلك، وقلنا: إمَّا أن يكون من أحفظ الناس، وإمَّا أن يكون من أكذب الناس. فاجتمعنا فاتَّفقنا على أنْ نكتب له أحاديثَ من روايته، ونَزِيد فيها وننقص.
فأتيناه لنمتحنَه، فقال لي: اقرأْ، فقرأتُها عليه، فلمَّا أتيتُ بالزيادة والنقص، فَطِنَ لذلك، فأَخَذَ مني الكتاب، وأخذ القلم، فأَصْلحها من حِفْظِه، فانصرفنا من عنده، وقد طَابَتْ نفوسُنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس.
2- التصنيف الموسوعي عند المتقدِّمين والمعاصرين
أ - التصنيف الموسوعي عند المتقدمين
وهو يتمثل بحلقات موسوعية، تُحَقِّق أهدافاً موسوعية مقيدة، ويتمثل بالحلقات التالية:
الحلقة الأولى: كتب الأطراف.
الحلقة الثانية: كتب جمع المتون.
الحلقة الثالثة: كتب الزوائد.
الحلقة الرابعة: كتب الشروح.
الحلقة الأولى: كتب الأطراف
__________
(1) المصدر السابق 10 / 332.
(2) سير أعلام النبلاء)) 15 / 237، و ((تذكرة الحفاظ)) 3 / 833 - 834.(27/13)
لقد أدرك الأئمة منذ اللحظة الأولى ضرورة العمل الموسوعي، وكان هو الباعثَ لوَضْع التصنيف، بشكلٍ أو بآخر، وبهذا تختلف مُصَنَّفاتُ كلِّ فَنٍّ بحَسَبِه.
ولكن كُتُبَ الحديث - وبدرجةٍ أصيلةٍ - تعتمدُ على الإسناد؛ إذْ هو مدارُ القبول والردّ، فوَضَعَ فيه الأئمةُ المتقدِّمون مُصَنَّفاتِهم بهذا الاعتبار، وكانتْ درجةُ كُلِّ مصنَّف تختلفُ باعتبار درجة التوثيق في أسانيدها، ومدى اعتبارِ ذلك في طُرُقِ مروياتهم، فجاءت كُتُبُ الصِّحاح والمسانيد والمعاجم والمشيخات تُحَقِّقُ الأهدافَ الموسوعية، ولكن على نحوٍ غير مباشر.
ولقد كان فَضْلُ السَّبق في التصنيف الموسوعي في الحديث الشريف وبالمفهوم المعاصر، على نحوٍ واضح وملموس، وبنظام مُحْكَم؛ للأئمة الذين جمعوا الأحاديث على طريقة فنّ الأطراف، وذلك في تأصيل لهذا العمل على قواعدَ ثابتة، وهو يتمثَّل في كتبهم التالية:
1 - ((تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف))
للإمام الحافظ المُتْقِن جمال الدِّين أبي الحجَّاج يوسف بن عبدالرحمن المِزّي ( 654 - 742ه).
2 - ((جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأَقْوَمِ سَنَن)): للإمام الحافظ عماد الدِّين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (700 - 774ه).
3 - إِطْراف المُسْنِد المُعْتَلِي بأَطْراف المُسْنَد الحنبلي)): للإمام الحافظ شهاب الدِّين أبي الفَضْل أحمد بن علي بن حَجَر العسقلاني (773-852ه).
4 - ((إتحاف المَهَرة بالفوائد المُبْتَكَرة من أطراف العَشَرَة)): للحافظ ابن حَجَر أيضاً.
5 - ((ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث)): للعلاَّمة عبدالغني بن إسماعيل الدمشقي المعروف بالنَّابُلُسِيّ ( 1050-1143ه).
1 - ((تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف))
للإمام العلامة أبي الحجّاج جمال الدِّين يوسف بن الزكي عبدالرحمن المزّي ( 654 - 742ه).(27/14)
وهو موسوعة إسنادية ضمن إطارٍ محدودٍ، وهو الكتبُ السِّتة وملحقاتها، وهو لَبِنَةٌ في الهيكل الموسوعي العامّ للسُّنَّة النبوية.
قال مؤلّفه رحمه الله تعالى في المقدمة(1):
((فإني قد عَزَمْتُ على أنْ أجمعَ في هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى - أطرافَ الكتب الستة التي هي عمدةُ أهلِ الإسلام، وعليها مدارُ عامَّةِ الأحكام، وهي:
1 - ((صحيح)) محمد بن إسماعيل البُخاري (ت256ه).
2 - و ((صحيح)) مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261ه).
3 - و ((سنن)) أبي داود السِّجِسْتاني (ت275ه).
4 - و ((جامع)) أبي عيسى التِّرْمذي (ت279ه).
5 - و ((سنن)) أبي عبدالرحمن النَّسائي (ت303ه).
6 - و ((سنن)) أبي عبدالله بن مَاجَه القَزْويني (ت273ه).
وما يجري مجراها من:
((مقدمة)) كتاب مسلم. وكتاب ((المراسيل)) لأبي داود.
وكتاب ((العلل)) للترمذي، وهو الذي في آخر كتاب الجامع له.
وكتاب ((الشمائل)) له. وكتاب ((عمل يوم وليلة)) للنَّسائي.
مُعْتَمِداً في عامّة ذلك على كتاب أبي مسعود الدمشقي (ت401ه) وكتاب خلف الواسطي (ت بعد 400ه) في أحاديث الصحيحَيْنِ، وعلى كتاب أبي القاسم بن عساكر (ت571ه) في كتب السُّنَن وما تقدّم ذِكْرُه معها.
ورَتَّبْتُه على نحو ترتيب كتاب أبي القاسم، فإنه أَحْسَنُ الكُلِّ ترتيباً، وأَضَفْتُ إلى ذلك بعضَ ما وَقَعَ لي من الزيادات التي أَغْفَلُوها، أو أغْفَلَها بعضُهم، أو لم يَقَعْ له من الأحاديث ومن الكلام عليها، وأصلحتُ ما عثرتُ عليه في ذلك مِنْ وَهمٍ أو غَلَط.
وكان الشُّروعُ فيه يوم عاشوراء سنة ستّ وتسعين وستّمئة، وخُتم في الثالث من ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وسبعمئة)). انتهى كلام المِزّي.
__________
(1) 1 / 3 - 5.(27/15)
وقال الحافظ ابن حجر في ((النكت الظراف على الأطراف)): ((فإنَّ من الكُتُبِ الجليلةِ المُصَنَّفةِ في علوم الحديث كتابَ ((تُحْفَة الأشراف بمعرفة الأطراف)) تأليف شيخ شيوخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف بن الزكي عبدالرحمن بن يوسف المِزّي، وقد حَصَلَ الانتفاعُ به شرقاً وغرباً، وتَنَافَسَ العلماءُ في تحصيله بُعْداً وقُرْباً)). اهـ.
وقد قسم المؤلِّفُ رحمه الله تعالى جميعَ أحاديثِ الكتب الستة وما يجري مجراها مُسْندِها ومُرْسَلِها - وعددُها 19626 مع المكررات - إلى 1391 مُسْنداً، منها 986 مُسْنداً منسوباً إلى الصحابة رجالاً ونساء رضوان الله عليهم أجمعين، مُرَتَّباً أسماؤهم على حروف المعجم، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وباقي المسانيد ( 987 - 1391 ) وعددها 404 من المراسيل وما يجري مجراها من أقوال أئمّة التابعين ومن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين.
هذا هو التقسيم العامّ لأحاديث الكتب الستة، ومنه يُعرف عدد الأحاديث المروية عن كل صحابي على حِدَة، فمنهم من له حديثٌ واحد، ومنهم من له حديثان، فأكثر وأكثر، وهكذا...
وللمُصنِّف تقسيمٌ آخرُ للمُكثرين من الصحابة، وذلك بأنه يقسم مروياتهم على تراجم جميع من يروي عنهم من التابعين وبعض الصحابة، كُلُّ ذلك على نَسَق حروف المُعْجَم.
وله تقسيمٌ ثالثٌ لمرويات كُلِّ تابعي تحت كُلّ صحابي مُكْثِرٍ إذا كَثُرَت الرواياتُ عن ذلك التابعي، حيث يقسمها على تراجمِ مَنْ يروي عنه من أتباع التابعين.
وإذا وَجَدَ أحداً من هؤلاء الأتباع مَنْ له عِدَّةُ تلاميذ يَرْوُون عنه قسم مروياتِه تقسيماً رابعاً على تراجمِ أتباعِ أتباع التابعين.
وعادةُ المُصَنِّفِ - رحمه الله تعالى - غالباً في ترتيب سياق الروايات تحت كل ترجمة، أنه يُقَدِّمُ ما كَثُرَ عددُ مُخَرِّجيه على ما قَلَّ عددُهم فيه، ولا عبرة بموضوعِ الأحاديث أو لَفْظِها.(27/16)
فما رواه الجماعةُ الستةُ يَسْبِقُ ما رواه الخمسة، وما رواه الخمسةُ يَسْبِقُ ما رواه الأربعة، وهكذا إلى ما رواه الواحد، ويُراعي في ذلك تقديمَ ما رواه الإمامُ البخاريُّ، وتأخيرَ ما رواه ابنُ مَاجَه.
2 - ((جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأَقْوَمِ سَنَن))
للإمام الحافظ عماد الدِّين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي
(700 - 774ه).
وهو عملٌ موسوعيٌّ مَتْنيٌّ وإسناديّ، حَرَصَ فيه مُصَنِّفُه على جَمْعِ كُتُبٍ مُعَيَّنَةٍ على قواعدِ فنِّ الأطراف وقواعدِ جوامع المُتون.
وهو لَبِنَةٌ موسوعيةٌ أُخرى تُتَمِّمُ ((إتحاف المهرة)) باعتبار الأسانيد، كما تُتَمِّمُ ((تحفة الأشراف)) باعتبار الأسانيد والمتون، وإنْ كان يَقْصُرُ أحياناً عن جوامع المتون إذْ لم يُبَيِّن اختلافَ المصادر في ألفاظ متون الحديث كما فعله الحافظُ ابنُ الأثير في ((جامع الأصول)).
لقد بَيَّنَ الحافظُ ابن كثير رحمه الله تعالى في المقدمة الخِطَّةَ التي مشى عليها في تأليف هذا الكتاب، فقال:((... كتابي هذا الذي قد جَمَعْتُه أيضاً من كُتُبِ الإسلام المُعْتَمَدَة، في الأحاديث الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك:
الكتب الستة، وهي: الصحيحانِ البُخاريُّ ومسلم، والسُّنَنُ الأربع لأبي داود والترمذي والنَّسائي وابنِ مَاجَه.
ومن ذلك: مسند الإمام أحمد. ومسند أبي بكر البَزَّار.
ومسند الحافظ أبي يعلى الموصلي. والمعجم الكبير للطبراني. رحمهم الله.
فهذه عشرٌ كاملة. أذكرُ في كتابي هذا مجموع ما في هذه العشرة، وربما زِدْتُ عليها من غيرها وكل ما يخرج من الأحاديث مما يُحتاج إليه في الدِّين.
وهذه الكتب العشرة تشتمل على أَرْبَى من مئة ألف حديث بالمكررة...(27/17)
وسَمَّيْتُ كتابي هذا ((جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأَقْوَمِ سَنَن))، وهو المسند الكبير، وشرطي فيه أني أُتَرْجِمُ كُلَّ صحابي له روايةٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مُرَتَّب على حروف المُعْجَم، وأُورِدُ له جميعَ ما وَقَعَ له في الكتب، وما تَيَسَّر لي من غيرها، وبالله أستعين، وعليه أَتَوكَّلُ، وإليه أُنيب)). اهـ.
لقد اكتمل منهجُ أطرافِ الكتبِ الستةِ ولواحقِها ونضج على يد الحافظ المُتْقِن جمال الدين أبي الحجاج يوسف المِزّي (654 - 742ه)، واستفادَ علماءُ عصرِه ومَنْ بعدهم من كتابه ((تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف))، وتنافسوا في تحصيله بُعْداً وقُرْباً، وتناولوه بالدراسة والاختصار والتعقّب.
وقد لازم الحافظُ ابنُ كثير شيخَه الحافظَ المِزّي، واستفادَ منه، وقرأ عليه أكثر تصانيفه، وتَزَوَّجَ بابنته، وكانتْ له عنايةٌ خاصّةٌ بكتاب ((تحفة الأشراف))، وكانت له نسخةٌ خاصةٌ منه، وعلى حواشي هذه النسخة تعليقات بخطّ الحافظ المزي تتبّع فيها أشياء كثيرة من كتاب النَّسائي رواية ابن الأحمر، وقد أفردها الحافظ المزي في جُزْءٍ لطيف سمّاه ((لَحْق الأطراف))(1).
وقف الحافظ ابن كثير على كتاب ((تحفة الأشراف))، واستفادَ منه، وسبر الخطة التي سلكها شيخُه فيه، وكانتْ هي السببَ في نشوء فكرة إعداد كتابه ((جامع المسانيد والسنن))، ولكن بشكل أوسع، يجمع فيه الكتبَ الستةَ ولواحقَها التي استوعبها الحافظ المزّي في ((تحفة الأشراف))، مع الكتب الأخرى التي ذكرها في المقدمة.
__________
(1) انظر ((النكت الظراف)) 1 / 5.(27/18)
كان للحافظ ابن كثير اهتمامٌ كبيرٌ بمسند الإمام أحمد، وكان -كما قيل- ممن يحفظه عن ظهر قلب، و((مسند أحمد)) أحد دواوين الإسلام، ولكنه ينقصه معرفة درجة أحاديثه، وهذا يحصل بالربط بينه وبين ((تحفة الأشراف))، وحينئذ تكتمل الفائدة منه بمعرفة الأحاديث التي هي في الكتب الستة، والتنبيه على الأحاديث التي تَفَرَّد الإمام أحمد بروايتها عن الكتب الستة خاصّة.
كان الحافظُ ابنُ المُحِبّ رحمه الله تعالى من قبل ذلك رَتَّب ((مسند أحمد)) على طريقة كتب الأطراف، فأخذه الحافظُ ابنُ كثير وجعله عمدة كتابه
((جامع المسانيد والسنن))، وأضاف إليه من شارك الإمام أحمد في رواية الأحاديث من أصحاب الكتبِ الستّةِ ولواحقِها تبعاً لما ورد في ((تحفة الأشراف))، فإنْ لم يشاركه أحدٌ أشارَ إلى تفرُّدِ الإمام أحمد برواية هذا الحديث باعتبار الكتب الستة فقط.
ثم أضاف إلى كتابه أحاديث ((المعجم الكبير)) للطبراني، و((مسند البزّار))، و((مسند أبي يعلى الموصلي)).
وقد أشار إلى ذلك الحافظُ ابنُ الجَزَرِيّ(1)، فقال رحمه الله تعالى: ((أمّا ترتيب هذا المسند، فقد أقام اللهُ تعالى لترتيبه شيخنا خاتمةَ الحُفَّاظ الإمامَ الصالح الورع: أبا بكر محمد بن عبدالله بن المُحِبّ الصامت رحمه الله تعالى، فرَتَّبَه على مُعْجَم الصحابة، وَرَتَّبَ الرواةَ كذلك، كترتيب كتاب الأطراف، تَعِبَ فيه تَعَباً كثيراً.
ثم إنَّ شيخنا الإمام مؤرّخ الإسلام، وحافظ الشام عمادَ الدين أبا الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير رحمه الله تعالى، أخذ هذا الكتاب المُرَتَّب من مؤلّفه، وأضاف إليه أحاديثَ الكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، ومسند البزّار، ومسند أبي يعلى الموصلي، وأَجْهَدَ نفسَه كثيراً، وتَعِبَ فيه تَعَباً عظيماً، فجاء لا نظيرَ له في العالم، وأَكْمَلَه إلاّ بعضَ مسند أبي هريرة، فإنه مات قبل أن يُكْمِلَه، فإنه عُوجِلَ بكَفّ بصره)).
__________
(1) المصعد الأحمد)) ص ( 39 ).(27/19)
شرح خِطّة الحافظ ابن كثير في هذا الكتاب:
يبدأ الحافظ ابن كثير بذكر ترجمة الصحابي ممن له روايةٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ترتيب حروف المُعْجَم، ويوردُ فيها نَسَبَه ولقبَه وطرفاً من أخباره، مُعْتَمِداً في ذلك على ما ورد في الكُتُبِ العشرة أو غيرِها من كُتُبِ تراجمِ الصحابة.
ثم يُورِدُ له في ترجمته جميعَ ما وَقَعَ له من أحاديث في ((مسند أحمد))، والكتب الستة، و((المعجم الكبير)) للطبراني، و((مسند أبي بكر البزّار))، و((مسند أبي يعلى الموصلي)).
فإنْ لم يكن له حديث في هذه الكتب العشرة أورد له ما ذكره الحافظُ أبو نعيم في كتاب ((معرفة الصحابة))، وابنُ الأثير في ((أسد الغابة))، والعسكريُّ في الصحابة، وأبو موسى المديني، وابن عبدالبَرّ، وعبدان بن محمد المروزي، وغيرهم ممن ألّف في الصحابة.
وقد يوردُ له ما وقع في غير كتب الصحابة مثل ((مسند أبي داود الطيالسي)) و((العلل)) لابن أبي حاتم، و((المستدرك)) للحاكم،
و((المغازي)) للواقدي، و((المؤتلف والمختلف)) للدارقطني.
فإنْ كان الصحابيُّ مُكْثِراً رَتَّبَ أسماء الرواة عنه أيضاً على حروف المعجم، ويبدأ أولاً بذكر أحاديث ((مسند أحمد)) تبعاً لكتاب ((ترتيب المسند)) لابن المُحِبّ، فإنْ شاركه أحدٌ من أصحاب الكتب الستة ذكره تبعاً لما في كتاب ((تحفة الأشراف))، وينقل منه الفوائد والتعقبات التي يوردها شيخه الحافظ المزّي رحمه الله تعالى، مُصَرِّحاً بذلك في بعض المواضع.
فإنْ لم يكن حديث ((مسند أحمد)) في أحد الكتب الستة عقّبه بقوله:
((تَفَرَّدَ به))، باعتبار الكتب الستة، لا باعتبار باقي الكتب العشرة التي اعتمد عليها في تصنيف كتابه(1).
وقد يورد أحياناً حديثاً تَفَرَّدَ به الإمام أحمد ثم يذكره من طريق أخرى من بقية الكتب العشرة لزيادة فيه(2).
__________
(1) انظر مثلاً 1 / 303 و 2 / 269.
(2) انظر 1 / 173 و 237.(27/20)
ثم يورد في الترجمة باقي الأحاديث المذكورة في ((تحفة الأشراف)) من أحاديث الكتب الستة، والتي لم يَرْوِها الإمام أحمد في ((مسنده))، ويضيف إليها الفوائد التي ذكرها شيخه في ((تحفة الأشراف)).
وقد ينفرد الحافظ ابن كثير فيذكر بعض التعقبات والنقد لبعض الأحاديث من قِبَل نفسه(1).
فإن لم يكن الحديث في ((مسند أحمد)) ولا في ((تحفة الأشراف)) أورده من طريق ((المعجم الكبير)) للطبراني.
فإن لم يذكر هذا الحديث في ((مسند أحمد)) و((تحفة الأشراف))
و((المعجم الكبير)) ذكره من طريق ((مسند أبي بكر البزّار)).
فإنْ لم يوجد الحديث في الكتب المتقدمة أورده من طريق ((مسند أبي يعلى الموصلي)).
هذا هو الغالب في خِطّة الحافظ ابن كثير في تصنيف كتابه، وربما خالف هذه الخِطّة في بعض الأحيان، ولكنه قليل.
فقد ذكر حديثاً وعزاه لابن ماجه والطبراني(2).
وكذلك عزا حديثاً لابن ماجه والطبراني وأبي يعلى والبزار(3).
وعزا حديثاً لأبي يعلى والطبراني(4).
وذكر حديثاً من طريق أحمد وأبي داود والنسائي وأبي يعلى(5).
عدد أجزاء هذا الكتاب:
طُبع كتاب ((جامع المسانيد والسُّنَن)) في (37) جُزْءاً، وليس كُلُّه من عمل الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، كما هو مذكور على جميع أجزاء الكتاب، بل عَمَلُ الحافظ ابن كثير شمل عشرين جُزْءاً من الكتاب، وهي: من الجزء الأول إلى تمام السادس عشر، والجزء الحادي والعشرين، والسابع والعشرين، والثامن والعشرين، والتاسع والعشرين.
وأمّا باقي أجزاء الكتاب فهي من تصنيف محقّق الكتاب، فكان ينبغي أن يذكر عليها عبارة: ((تكملة جامع المسانيد والسُّنَن)) للدكتور عبدالمعطي أمين قلعجي. وهذه الأجزاء المزيدة تشمل المسانيد التالية:
__________
(1) انظر مثلاً 1 / 32 و 47 و 72 و 150 و 194 و 419 و 457.
(2) انظر 16 / 68.
(3) انظر 4 / 75.
(4) انظر 1 / 235 و 3 / 62.
(5) انظر 2 / 191.(27/21)
( 17، 18، 19، 20 ) مسانيد الخلفاء الراشدين الأربعة.
( 22، 23 ) باقي مسند أنس بن مالك.
( 24، 25 ) مسند جابر بن عبدالله.
( 26 ) مسند عبدالله بن عَمْرو بن العاص.
( 30، 31، 32 ) مسند عبدالله بن عباس.
( 33 ) مسند أبي سعيد الخدري.
( 34، 35، 36، 37 ) مسند السيدة عائشة.
وقد بَيَّنَ المحقِّقُ ذلك في ((المقدمة))(1)، وهذا لا يُعفيه من الإشارة إلى ذلك في عنوان كُلّ جُزْءٍ من هذه الأجزاء، أداءً للأمانة، لأنَّ القارئ ربما لا يقف على ذلك في المقدمة، فيظنُّ أنَّ الكتابَ كُلَّه من تصنيف الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، وليس كذلك(2).
ويُلاحظ على عنوان الكتاب أنه وقع فيه خطأ في ضبط لفظ ( سَنَن ) غير المُعَرَّفة، ولعلّه من قِبَل الطابع، فقد كُتب على غلاف الكتاب هكذا: ( سُنن ) بضم السين، وهو خطأ، والصوابُ في العنوان كاملاً: ((جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأقوم سَنَن))، والله تعالى أعلم.
3 - ((إطْراف المُسْنِدِ المُعْتَلي بأطْراف المُسْنَد الحنبلي))
للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حَجَر العَسْقلاني (773 - 852ه). وهو عمل موسوعي إسنادي أيضاً، مهمّتُه جَمْعُ طُرُقِ الحديث على قواعدِ فَنِّ الأطراف في كتاب مُعَيَّن، وهو لَبِنَةٌ أُخرى في العمل الموسوعي، تُتَمِّمُ عَمَل الحافظِ المِزّي في ((تحفة الأشراف))، وقد بلغتْ أحاديثُ هذا الكتاب
/12787/ حديثاً.
وقد بَيَّن الحافظُ منهجَه في كتابه هذا، فقال رحمه الله تعالى في ((المقدمة))(3): ((فهذا كتابُ أطرافِ الأحاديث التي اشتَمَلَ عليها ((المُسْنَدُ)) الشهيرُ الكبيرُ للإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل مع زيادات ابنِه عبدالله.
__________
(1) ص 264 - 265.
(2) وانظر بيان المآخذ التي وقع فيها مُحَقِّق هذا الكتاب في كتابي: ((القول المفيد في الذَّبّ عن جامع المسانيد)) ص ( 75 – 161 ).
(3) 1 / 169.(27/22)
رَتَّبْتُ أسماءَ الصحابة الذين فيه على حروف المُعْجَم، ثم مَنْ عُرِفَ بالكُنْية، ثم المُبْهَم، ثم النساء كذلك.
فإنْ كان الصحابيُّ مُكْثِراً رَتَّبْتُ الرواةَ عنه على حروف المعجم، فإنْ كان بعضُ الرواة مُكْثراً على ذلك المُكْثِر فربما رَتَّبْتُ الرواة عنه أيضاً، أو رتبت أحاديثَه على الألفاظ، وقد أشرتُ في أوائل تراجم الصحابة المقلِّين إلى أماكِنها من الأصل.
وأمّا مَنْ كان مُكْثِراً فإني أرمزُ على اسم شيخ أحمد عدداً بالهندي يُعْلَمُ منه مَحَلُّ ذلك في أيّ جُزْءٍ هو من مُسْنَدِ ذلك الصحابي(1).
وإذا كان الحديثُ عنده من طريقٍ واحدةٍ سُقْتُ إسنادَه بحروفه، فإن كان المتنُ قصيراً سُقْتُه أيضاً بحروفه إنْ لم يكن مشهورَ اللفظ، وإلاّ اكتفيتُ بطَرَفهِ.
وإذا كان الحديثُ عنده من طُرُقٍ جَمَعْتُها في مكانٍ واحدٍ بالعَنْعَنة، واللَّفْظُ حينئذٍ لأول شيخٍ يُذكر.
وإذا كان من زيادات عبدالله قلتُ في أول الإسناد: قال عبدالله.
وهذه أسماء المسانيد التي اشْتَمَلَ عليها أصلُ ((المسند)):
مسند العَشَرة وما معه. …
ومسند أهل البيت، وفيه: مسند العبّاس وبَنِيه.
ومسند عبدالله بن عبّاس. ………ومسند ابن مسعود.
ومسند أبي هريرة. …………ومسند عبدالله بن عُمر.
ومسند عبدالله بن عَمْرو بن العاص. ……ومسند أبي سعيد الخُدْري.
ومسند أنس. …………ومسند جابر.
ومسند الأنصار. …………ومسند المكيين والمدنيين.
ومسند الكوفيين. …………ومسند البصريين.
ومسند الشاميين. …………ومسند عائشة.
ومسند النساء.
وهذه معرفة الرموز التي على الأحاديث، وبها يَتَبَيَّنُ مَنْ شَارَكَ الإمامَ أحمدَ في تخريج ذلك الحديث من الأئمة.
__________
(1) لم أجدْ ذلك خلال اشتغالي بتحقيق هذا الكتاب، ولعلّه كُتب بالحمرة فلم يظهر في التصوير.(27/23)
فللبُخاري: خ. ومسلم: م. ولأبي داود: د. وللنَّسائي: س. وللترمذي: ت. ولابن مَاجَهْ: ق. ولابن خُزَيْمة في ((صحيحه)): خز. ولأبي عَوَانة في ((صحيحه)): عه. ولابن حِبّان في ((صحيحه)): حب. وللحاكم في ((مستدركه)): ك. وللدارقطني في ((سننه)): قط. وللدارمي في ((جامعه)): مي.
وما خلا عن رقم فلم يُخرجه أحدٌ من هؤلاء من ذلك الوجه مع احتمال أنْ يكون بعضُهم أخرجه من وجه آخر)). انتهى كلام الحافظ.
قلتُ: إنما ذكر الحافظ رحمه الله تعالى هذه الرموز المتقدمة في /38/ مُسْنَداً، ولم يُوَفّ بذلك في جميع المسانيد، وقد بَيَّنْتُ أسماءَ المسانيد التي رَمَز لها في مقدمتي لتحقيق هذا الكتاب(1).
4 - ((إتحاف المَهَرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة))
للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حَجَر العسقلاني (773 - 852ه).
وهو عملٌ موسوعيٌّ إسنادي، أوسعُ دائرةً من ((إطراف المُسْنِد المعتلي بأطراف المُسْنَد الحنبلي))، مهمّتُه جَمْعُ طُرُقِ الحديث على قواعدِ فنِّ الأطراف لكُتُبٍ مُعَيَّنة، وهي عشرة كُتُب.
وهو لَبِنَةٌ أخرى في العمل الموسوعي تُتَمّمُ عَمَلَ الحافظ المِزّي.
وقد جَمَعَتْ هذه الموسوعةُ الإسناديةُ أحدَ عَشَرَ مصدراً من كتب السُّنَّة المشرّفة، على طريقة فنّ الأطراف، وهي:
1 - موطأ الإمام مالك بن أنس. …2 - مسند الإمام الشافعي.
3 - مسند الإمام أحمد بن حنبل. …4 - سنن الدارِمي.
5 - المنتقى لابن الجارود. ……6 - صحيح ابن خُزَيْمة.
7 - مستخرج أبي عَوَانة. ……8 - شرح معاني الآثار للطحاوي.
9 - صحيح ابن حِبّان. ……10 - سنن الدارقطني.
11 - مستدرك الحاكم.
وإنما زاد العددُ واحداً، لأنَّ الحافظ رحمه الله تعالى أردفها بالسُّنَن للدارقطني جَبْراً لما فات من الوقوف على جميع ((صحيح ابن خُزَيْمة)).
__________
(1) ص 109 - 110.(27/24)
وقد بَيَّنَ الحافظ ابن حجر في مقدمته(1) أولَ مَنْ صَنَّفَ في فَنّ الأطراف، وسببَ تأليفه هذا الكتاب، والخِطّة التي سلكها فيه، فقال رحمه الله تعالى:
((ثم صَنَّفَ الأئمّةُ في ذلك - أي الأطرافِ - تصانيفَ قَصَدُوا بها ترتيبَ الأحاديثِ وتسهيلها على مَنْ يَرُومُ كيفيةَ مخارجِها.
فمِنْ أول مَنْ صَنَّفَ في ذلك: خَلفٌ الوَاسِطيُّ (ت بعد 400ه)، جَمَع أطراف الصحيحين. وأبو مسعود الدِّمشقي (ت 401ه) جَمَعَهما أيضاً، وعصرُهما مُتَقارِب.
وصَنَّفَ الدَّانِيُّ (ت532ه) أطرافَ الموطأ.
ثم جَمَع أبو الفضل بنُ طاهر (ت 507ه) أطراف السُّنَن، وهي لأبي داود والنسائي والترمذي وابنِ ماجه، وأضافهما إلى أطراف الصحيحين.
ثم تَتَبَّعَ الحافظُ أبو القاسم بنُ عساكر (ت571ه) أوهامَه في ذلك، وأَفْرَدَ أطراف الأربعة.
ثم جَمَعَ الستةَ أيضاً المُحَدِّثُ قطبُ الدِّين القسطلاني (ت 686ه)، ثم الحافظُ أبو الحَجَّاج المِزّي (ت 742ه)، وقد كَثُرَ النَّفْعُ به.
ثم إني نَظَرْتُ فيما عندي من المرويات فوجدتُ فيها عِدَّةَ تصانيف قد الْتَزَمَ مُصنِّفوها الصحة، فمنهم مَنْ تَقَيَّدَ بالشيخَيْن كالحاكم، ومنهم من لم يَتَقَيَّدْ كابنِ حِبَّان، والحاجةُ مَاسَّةٌ إلى الاستفادة منها، فَجَمَعْتُ أطرافَها على طريقةِ الحافظ أبي الحَجَّاج المِزّي وترتيبِه، إلا أني أَسُوقُ ألفاظَ الصِّيَغِ في الإسنادِ غالباً لتظهرَ فائدةُ ما يُصَرِّحُ به المُدَلّس. ثم إنْ كان حديثُ التابعي كثيراً رتَّبْتُه على أسماء الرواة عنه غالباً، وكذا الصحابي المتوسط.
وجعلتُ لها رقوماً أُبَيِّنُها:
فللدارمي: مي. ولابن خُزَيْمة: خز، ولم أقف منه إلاّ على رُبع العبادات بكماله ومواضعَ مفرقةٍ من غيره. ولابن الجارود: جا.ولأبي عَوَانة: عه. ولابن حِبّان: حب. وللحاكم أبي عبدالله في ((المستدرك)): كم.
__________
(1) 1 / 158 - 160.(27/25)
ثم أضفتُ إلى هذه الكُتُبِ الستةِ أربعةَ كُتُبٍ أخرى، وهي: ((الموطأ)) لمالك، و((المسند)) للشافعي، و((المسند)) للإمام أحمد، و((شرح معاني الآثار)) للطحاوي؛ لأني لم أَجِدْ عن أبي حنيفة مُسْنَداً يُعْتَمَدُ عليه.
فلمّا صارتْ هذه عشرةً كاملةً أردفتُها بـ((السُّنَن)) للدارقطني جَبْراً لما فَاتَ من الوقوف على جميع ((صحيح)) ابن خُزَيْمة.
وجعلتُ للطحاوي: طح. وللدارقطني: قط.
فإنْ أخرجه الثلاثةُ الأُوَلُ أفصحتُ بذِكْرِهم، أعني: مالكاً، والشافعيَّ، وأحمد.
وهذه المُصَنَّفاتُ قَلَّ أنْ يشذَّ عنها شيءٌ من الأحاديث الصحيحة لا سيّما في الأحكام إذا ضُمَّ إليها أطراف المِزِّي)). انتهى كلام الحافظ رحمه الله.
ثم إنَّ الحافظ أيضاً لم يقتصر على المصادر العشرة التي ذكرها في مقدمة
((الإتحاف)) والتزم بها، فكثيراً ما ينقل عن غيرها مِثْل:
1 - ((الأدب المفرد)) للبخاري (ت 256ه).
2 - ((روضة العقلاء)) و((كتاب الصلاة)) كلاهما لابن حِبّان
(ت 354ه).
3 - ((المعاجم الثلاثة)) و((الدعاء)) كلها للطبراني (ت 360ه).
4 - ((تهذيب الآثار)) للطبري (ت 310ه).
5 - ((فضل العلم)) لابن عبدالبَرّ (ت 463ه).
6 - ((فضائل القرآن)) لأبي عُبَيْد (ت 224ه).
7 - ((مسند البزّار)) (ت 292ه).
8 - ((مسند الحارث بن أبي أسامة)) (ت 282ه).
9 - كتاب ((السياسة)) وكتاب ((التوكل)) كلاهما لابن خُزَيْمة
(ت 311ه).
10 - ((شعب الإيمان)) و((السنن الكبرى)) كلاهما للبيهقي
(ت 458ه).
11 - ((مسند إسحاق بن راهُويه)) (ت 238ه).
12 - ((مصنّف ابن أبي شيبة)) (ت 235ه).
13 - ((مسند أبي يعلى الموصلي)) (ت 307ه).
كما بينت ذلك في مقدمتي لإتحاف المهرة(1).
5 - كتاب ((ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث))
للعلامة عبدالغني بن إسماعيل الدمشقي المعروف بالنَّابُلُسِيّ
(1050-1143ه).
__________
(1) انظر 1 / 104 - 105.(27/26)
جَمَع فيه أطراف الكتب الستة والموطأ، على طريقة الفهرست، لمعرفة موضع كُلّ حديثٍ منها، ومكان كل رواية مأثورة.
وقد تبع في تأليفه مَنْ تَقَدَّمَه من الأئمّة الذين صنّفوا في فنّ الأطراف، ولكنْ على وجه الاختصار، من غير إخلالٍ ولا إملالٍ ولا إكثار، فقد اتَّصَفَ عملُ الأئمة من قبل بالجمع الموسوعي، من حيث إيرادُ الأسانيد والمتون، مع الإكثار من ذِكْر الوسائط فيما بعد الصحابي من الرواة، بحيث مَنْ أراد استخراج حديثٍ منها فلا بُدَّ من معرفة صحابيِّه وتابعيه وتابعِ تابعيه وما بعد ذلك، وفي ذلك مشقة وعُسْر على كثيرٍ من الباحثين.
لقد لحظ الإمام النابلسي ذلك، فصنَّف كتابه ((ذخائر المواريث)) مع حذف الوسائط والتكرار، والاقتصار على الرواية المُصَرَّح بها دون المرموزة، والاكتفاء بذِكْر مشايخ أصحاب الكتب السبعة، لأنَّ حذفَ الأسانيدِ والتزامَ جَمْع أحاديثه المتكررة ورواياته المتفرقة في موضعٍ واحد، مع التنبيه على مواضعها؛ من الاختصار النافع، فإنَّ في جَمْعِ رواياته فوائدَ عديدة، مما يُفيد العالِم سهولة الاستنباط، ويكفيه مُؤْنة البحث الشديد ليعمل بالاحتياط.
وهذه الفوائد ليست في كتب الأطراف التي وضعها الحفاظ، كأطراف ابن عساكر والمِزِّي وابن حجر وغيرهم.
أمّا أولاً: فلأنها لا يستفيد منها إلا الحافظُ الكبيرُ الذي يحفظ مئين الألوف من متون الأحاديث، بِشَرْطِ أن يكون حافظاً لأسماءِ الصحابة الذين رَوَوْها، وأسماءِ التابعين الذين أخذوها منهم. فإذا كان كذلك سَهُلَ عليه البحثُ في الأطراف للاطّلاع على جميع الطُّرُق لذلك الحديث.
وأمّا ثانياً: فلأنها غيرُ مُرَتَّبَةٍ على الأبواب المعروفة، وإنما هي مُرَتَّبَةٌ على حروف المُعْجَم في أسماء الصحابة، فلا يستفيدُ منها إلاّ مَنْ يعرف اسمَ الصحابي الذي رواه.(27/27)
وبالجملة ففائدتُها قليلةٌ جدّاً لمن هو بصدد العمل واستنباط الحكم، واستخراج الفقه الذي هو المقصود من كتب الحديث وتدوينها وجَمْعها على اختلاف أنواعها، إذِ القصدُ من كُتُب الأطراف إنما هو جَمْعُ طُرُقِ الحديث، ومعرفةُ تَشَعُّبِ الرواة في الأسانيد من الصحابة إلى الحُفَّاظ.
وأمّا القصدُ بهذا التأليف فهو جَمْعُ الأحاديث والروايات في موضعٍ واحد، مع المحافظة على ذِكْر أسماء مشايخ الكتب السبعة التي التزمها المصنِّف، والتزام عَزْوِها إلى أبوابها.
ولا شكَّ أنَّ هذه الطريقة هي الغرضُ الذي حام حوله جماعةٌ من الحُفَّاظ، والمعنى الذي كانوا يُشِيْرُون إليه بمختلف الألفاظ.
وبالجملة فإنَّ هذا المؤلَّف قد دَلَّ لمؤلِّفه على حفظٍ باهرٍ للسُّنَّة النبوية، ورسوخِ ملكةٍ في استحضار الأحاديث المروية , ولا غَرْوَ فهو سليلُ أسرةٍ معروفةٍ بالعلم والصلاح والتقوى، أنجبتْ علماء وأدباء مرموقين.
وقد قامت جمعية النشر والتأليف الأزهرية بالقاهرة سنة 1352هـ بنشر كتاب ((ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث))، بعد طول بحث وتنقيب عن كتب الأطراف، وذلك بهمّة الأستاذ المحدّث الشيخ أحمد محمد شاكر الذي أحضر نسخته الفريدة من الحجاز.
خِطّة العلامة النَّابُلُسي في كتابه ((ذخائر المواريث)):
بَيَّن العلامة النابلسي في المقدمة الخطَّةَ التي سلكها في تصنيف كتابه والطريقةَ التي مشى عليها في ترتيبه، فقال رحمه الله تعالى:
ولكني اقتصرت على:
بيان الرواية المُصَرَّح بها دون المرموزة.
ولم أذكر من الأسانيد غيرَ مشايخ أصحاب الكُتُب على طريقةٍ وجيزة.
واقتصرتُ على ذِكر الصحابة الأولين، وتركتُ ذِكرَ الوسائط كُلِّها من التابعين وتابعي التابعين.
ولم أُكَرِّرْ رواية، بل وضَعْتُ كُلَّ شيءٍ في موضعه بدايةً ونهاية.
وزِدْتُ أطرافَ رواياتِ ((الموطأ)) للإمام مالك، من رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي فإنها المشهورة بين الممالك.(27/28)
وجعلتُ مكانَ ((سنن الإمام النسائي الكبرى))، حيث قلَّ وجودُها في هذه الأعصار، ((سُنَنَه الصغرى)) المُسَماةَ بـ((المُجْتَبَى من سُنَن النبيّ المختار)).
وقد اعتبرتُ المعنى أو بعضه دون اللفظ في جَمْع الروايات، بحيث تذكر الرواية من الحديث ويُشَارُ برموز الحروف إلى ما يوافقُها في المعنى دون الكلمات. فعلى الطالب أنْ يعتبرَ في مطلوبه المعاني، وهذا أمرٌ واضحٌ عند مَنْ يَتدَاوَلُ كُتُبَ الأطراف ولها يُعاني.
وإنْ رُوي الحديثُ الواحدُ عن جملةٍ من الصحابة، ذكرتُ أسماءهم في محلٍّ واحد، أذكرُ ذلك في مسند واحدٍ منهم، اكتفاءً بحُصولِ المقصود والإصابة.
وإذا أردتَ الاستخراج منه فتأمَّلْ في معنى الحديث الذي تريده في أيّ شيءٍ هو، ولا تعْتَبِر خصوصَ ألفاظه، ثم تَأَمَّلْ الصحابيَّ الذي عنه روايةُ ذلك الحديث، فقد يكون في السَّنَد: عن عُمَرَ أو أنسٍ مثلاً، والروايةُ عن صحابيٍّ آخرَ مذكورٍ في ذلك الحديث، فصَحِّح الصحابي المَرْوِي عنه، ثم اكشف عنه في مَحَلِّه تجدْه إن شاء الله تعالى.
ورمزتُ للكُتُب السبعة بالحروف هكذا:
(خ) لصحيح البخاري. ……(م) لصحيح مسلم.
(د) لسنن أبي داود السِّجِسْتاني. …(ت) لسنن الترمذي.
(س) لسنن النسائي. ……(ه ) لسنن ابن مَاجه.
(ط) لموطأ الإمام مالك.
وَرتَّبْتُه على سبعة أبواب، كلُّ باب منها مرَتَّب ما فيه على ترتيب حروف المعجم، تسهيلاً للاستخراج منه على أُولي الألباب:
( الباب الأول ): في مسانيد الرجال، من الصحابة أهل الكمال.
( الباب الثاني ): في مسانيد من اشتهر منهم بالكُنية.
( الباب الثالث ): في مسانيد المبهمين من الرجال، على حسب ما ذكر فيهم من الأقوال.
( الباب الرابع ): في مسانيد النساء من الصحابيات.
( الباب الخامس ): في مسانيد من اشتهر منهن بالكُنية.
( الباب السادس ): في مسانيد المبهمات من النساء الصحابيات.
( الباب السابع ): في ذكر المراسيل من الأحاديث.(27/29)
وفي آخره ثلاثة فصول: في الكنى، وفي المبهمين، وفي مراسيل النساء.
وهذا الكتاب لا يمكن اعتباره في العمل الموسوعي عند الإطلاق لخلوّه من الإسناد الذي هو شرطٌ أساسيٌّ في العمل الموسوعي في الحديث الشريف؛ إذْ به يمكن معرفة درجة الحديث من حيث القبولُ أو الردّ.
الحلقة الثانية: كتب جمع المتون
وهي كتب غير مسندة، جمع فيها الأئمة أحاديث كتب مخصوصة، مرتبة على المسانيد، أو على الكتب والأبواب، أو على حروف المعجم.
ولا يمكن عدُّ هذه الكتب في العمل الموسوعي، عند الإطلاق، لعدم اشتمالها على أسانيد الأحاديث المذكورة، إذ الإسنادُ شرطٌ أساسيٌّ في العمل الموسوعي في الحديث النبوي الشريف، وعليه مدار الحكم على هذه الأحاديث من حيث القبولُ أو الردّ.
وإنما يمكن التعامل مع هذه الكتب غير المسندة في العمل الموسوعي، بكيفية متنية قاصرة، ولاسيما أن أكثر هذه المصنَّفات قد اشتملت على كتبٍ هي فروعٌ عن أصول ميسَّرة.
ومن أهمّ الكتب المصنَّفة في جمع متون الأحاديث النبوية:
1 - ((الجمع بين الصحيحين)): للإمام المحدِّث محمد بن فُتُوح الحُمَيْدي (ت 488ه).
2 - ((جامع الأُصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -)): للإمام أبي السعادات مبارك بن محمد ابن الأثير الجزري (544 - 606ه).
3 - ((الجامع الصغير من حديث البشير النذير - صلى الله عليه وسلم -)): للإمام الحافظ المؤرّخ جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السُّيُوطي (849 - 911ه).
4 - ((جَمْع الجوامع)) أو ((الجامع الكبير)): وهو للحافظ السيوطي أيضاً.
5 - ((منهج العمال)) و((الإكمال)) و((غاية العمال)) و((كنْز العمال)): للشيخ علاء الدِّين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت 975ه).
1 - ((الجمع بين الصحيحين))
للإمام المحدِّث محمد بن فُتُوح الحُمَيْدي (ت 488ه).
سعى الحافظ الحُمَيْدي إلى جمع أحاديث صحيحي البخاري ومسلم في كتابٍ واحد، مرتَّب على المسانيد، بحيث يجمع أحاديث كلِّ صحابي من(27/30)
((الصحيحين)) في موضع واحد.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: مسانيد العشرة المبشّرين بالجنة، بدأه بمسند أبي بكر الصِّدّيق، ثم الخلفاء الثلاثة بعده، ثم سائر العشرة رضوان الله عليهم وعلى الصحابة أجمعين.
القسم الثاني: مسانيد المقدَّمين بعد العشرة، بدأه بمسند عبدالله بن مسعود، وختمه بمسند سلمة بن الأكوع، وعددُ الصحابة في هذا القسم أربعةٌ وستون.
القسم الثالث: مسانيد المكثرين من الصحابة، وهم ستة: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن عُمر، وجابر بن عبدالله، وأبو سعيد الخُدْري، وأنس بن مالك، وأبو هريرة. وهذا هو القسم الأكبر من الكتاب، وفيه ما يقرب من (1797) حديثاً من مجموع أحاديث الكتاب وعددها (3574) حديثاً.
القسم الرابع: مسانيد المقلّين، وفيه واحد وأربعون مسنداً. وفي آخر هذا القسم ذكر مسانيد الصحابة الذين أخرج لهم البخاريُّ دون مسلم، وهم خمسة وثلاثون، ثم الذين أخرج لهم مسلم دون البخاري، وعددهم خمسة وخمسون.
القسم الخامس: مسانيد النساء، بدأه بمسند السيدة عائشة أم المؤمنين، ثم بمسند السيدة فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم مسانيد سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم الصحابيات التي اتفق الشيخان على الإخراج لهنَّ، وعددهن أربع وعشرون، وبعد ذلك أورد الحميديُّ ستَّ مسانيد للصحابيات اللاتي انفردَ بهنَّ البخاريُّ دون مسلم، ثم سبع صحابيات أخرج لهنَّ مسلمٌ دون البخاري.
وداخل كل مسند من المسانيد السابقة يبدأ المؤلف بذكر ما اتَّفق عليه الإمامان، ثم ما انفرد به البخاريُّ، ثم ما انفردَ به مسلم من ذلك المسند.
وفي كُلِّ قسمٍ من هذه الأقسام الثلاثة يجعل الحُمَيْدِيُّ كُلَّ معنى حديثاً وإن اختلف في بعض ألفاظه قليلاً أو كثيراً، سواء أكان ذلك الاختلاف بين الشيخين، أم بين روايات الشيخ نفسه.
ويُعطي الحميديُّ لكل حديث رقماً مسلسلاً في القسم الخاصّ به من المسند.(27/31)
وهو يُراعي في ترتيب الأحاديث داخل القسم الخاصّ به - في الغالب - أن يجمع أحاديث الراوي عن الصحابي في مكان واحد، وهو يرتِّب الرواة عن الصحابي حسب مكانتهم، فيُقدِّم رواية الصحابي عن الصحابي، ثم رواية غيره عن الصحابي.
وإذا كانت أحاديث التابعي عن الصحابي كثيرة، فإنه يُراعي في ذلك رواية الراوي عنه، ويُحاول جمعها في مكان واحد.
والحُمَيْدِيُّ إذا نقل حديثاً عن الصحابي قدَّم الرواية التي للشيخين، أو التي فيها اختلاف قليل بينهما، وهو ينقل الحديث بلفظ أحد الشيخين إن اختلفا، ثم يُتبع ذلك بما جاء في الحديث نفسه من الروايات الأُخر عن الراوي نفسه بزيادة أو نقصان أو اختلاف.
ومنهاج الحُميدي في جمع المتون المتقاربة جعله يحذف كثيراً من الأحاديث المكررة، أو المتقاربة الألفاظ، أو يجمع بين الأحاديث الطويلة جداً في موضع واحد.
ومن منهج الحُميدي في كتابه هذا ما قاله رحمه الله تعالى في المقدمة(1):
((ولم أذكر من الإسناد في الأكثر إلاَّ التابع عن الصاحب، أو من روى عنه ممَّا يتعلَّق بالتراجم للمعرفة به، ولا من المُعاد إلاَّ ما تدعو الضرورةُ إليه لزيادة بيان، أو لمعنىً يتصلُ بما لا يقع الفهمُ إلاَّ بإيراده، وربما أَضَفْنا إلى ذلك نُبَذاً مما تَنَبَّهْنا عليه من كتب الدارقطني والإسماعيلي والبرقاني وأبي مسعود الدمشقي وغيرهم من الحُفَّاظ الذين عُنُوا بالصحيح مما يتعلَّق بالكتابين، من تنبيهٍ على غرض، أو تتميمٍ لمحذوف، أو زيادةٍ في شرح، أو بيانٍ لاسمٍ أو نسب، أو كلامٍ على إسناد، أو تتبع لوَهَمِ بعض أصحاب التعاليق في الحكاية عنهما، ونحو ذلك من الغوامض التي يقفُ عليها من ينفعه الله بمعرفتها إن شاء الله تعالى)).
وهو مطبوع في أربعة مجلدات.
2 - ((جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -))
للإمام أبي السعادات مبارك بن محمد ابن الأثير الجَزَرِي (544-606ه).
__________
(1) 1 / 74 - 75.(27/32)
وهو كتابٌ موسوعيٌّ مَتْنِيٌّ لكتب مخصصة، مَبْنِيٌّ على أساس التبويب الفقهي لصحيحي البخاري ومسلم، والموطأ لمالك، وجامع أبي عيسى الترمذي، وسنن أبي داود السِّجِسْتاني، وسنن أبي عبدالرحمن النَّسائي، رحمة الله عليهم أجمعين.
وقد حذف الحافظُ ابنُ الأثير الأسانيدَ من الكتب المذكورة، اقتداءً بمن سَبَقه من الأئمة، ثم قال رحمه الله تعالى في المقدمة(1) مبيِّناً سبب ذلك:
((لأنَّ الغَرَضَ من ذِكْر الأسانيد كان أولاً لإثبات الحديث وتصحيحه، وهذه كانتْ وظيفةَ الأولين رحمة الله عليهم، وقد كفونا تلك المؤنة، فلا حاجة بنا إلى ذِكْر ما قد فَرَغُوا منه، وأَغْنَوْنا عنه، فلم أُثْبِتْ إلاَّ اسمَ الصحابي الذي روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنْ كان خَبَراً، أو اسمَ من يرويه عن الصحابي إنْ كان أَثَراً، اللهمَّ إلاَّ أنْ يَعْرِضَ في الحديث ذِكْرُ اسم رواته فيما تمسُّ الحاجة إليه فأذكره، لتوقُّف فهم المعنى المذكور في الحديث عليه)).
فهذا الكتاب يَقْصُرُ في العمل الموسوعي عن الغاية؛ لأنه لا إسنادَ فيه، فلا يمكن التعامل معه إلاَّ بكيفية مَتْنية قاصرة، وهو فرعٌ عن أصول ميسرة.
ورَتَّبَ الإمام ابن الأثير كتابه ((جامع الأصول)) على الكتب والأبواب، ورَتَّبَ الكتب على حروف المعجم، فبدأ بحرف الهمزة، بكتاب ( الإيمان والإسلام )، وانتهى بحرف الياء بكتاب ( اليمين )، ورَتَّبَ الأحاديث داخلَ كُلِّ بابٍ على فصول، والتبويبُ من أفضل طرق الدلالة على الأحاديث، إذْ يَدُلُّ عليها بمعانيها، فيُرْشِدُ المُرَاجِعَ إلى طَلِبَتِه بمعرفة موضوع الحديث، وبخاصةٍ إذا كان الحديثُ ناطقَ الدلالة على بابه أو كتابه.
__________
(1) 1 / 22.(27/33)
لكنَّ الشيخَ ابنَ الأثير لَحَظَ أنَّ جملةً كبيرةً من الأحاديث لا يَخْلُصُ معناها، لتَدْخُلَ في بابٍ مُعَيَّنٍ تُطْلَبُ منه، فاخترع لها فَهْرَسَةًَ أخرى وطريقةً للدلالة عليها غيرَ الأبواب، فصَنَعَ لها ( فهرسة على الألفاظ المشهورة فيها )، يستهدي الطالبُ للحديث بمعرفة اللفظِ المشهورِ فيه، فيطلبه في حرفه ومادَّتِه، فيرى الشيخَ ابنَ الأثير قد أرشده إلى كتابِه وبابِه وفَصْلِه.
وكذلك لَحَظَ الإمامُ ابنُ الأثير أنَّ أبواباً عدة هي من جملة بعض الكتب المذكورة في كتابه، فإذا ذكرها في أوائل حروفها فستكون مفردة عن أحكام تلك الكتب، وفي هذا تفريق وتضييع للفائدة المنشودة، فعقد لذلك فصلاً لكل حرف من هذه الحروف يُستدلّ به على مواضع هذه الأبواب من تلك الكتب.
قال رحمه الله تعالى في ( الفصل الثالث: في بيان التقفية وإثبات الكتب في الحروف )(1):
((ثم وجدتُ في الأبواب أبواباً عدة، هي من جملة الكتب التي انقسم الكتابُ إليها، وإذا ذَكَرْتُها في الحرف الذي يختصُّ بها أكون قد أفردت أحدَ أحكام ذلك الكتاب عنه، وفَرَّقْتُه ووَضَعْتُه في غير موضعه الأَوْلَى به.
مثالُ ذلك أنَّ ((كتاب الجهاد)) هو في حرف الجيم، وفي جملة أحكام الجهاد أبوابٌ عدَّةٌ لا يجوزُ أن تنفردَ عنه، مثل: الغنائم، والغلول، والنفل والخمس، والشهادة. وكُلُّ واحدٍ من هذه يختصُّ بحرفٍ غير حرف الجيم...
فذكرتُ هذه الأبواب في جملة كتاب الجهاد في حرف الجيم.
ثم عمدت إلى آخر كُلِّ حرف من تلك الحروف التي تختصُّ بهذه الأبواب، فذكرتُ فيه فصلاً يُستدلُّ به على مواضع هذه الأبواب من الكتاب، فذكرتُ في آخر حرف الغين أنَّ الغنائم والغلول في كتاب الجهاد حرف الجيم.
وكذلك تَتَبَّعْتُ جميع الحروف، وفعلتُ بها هذا الفعل.
__________
(1) 1 / 26 - 27.(27/34)
فإذا أردت حديثاً من هذا النوع فاطْلُبْه في حرفه، فإنْ وجدته وإلاَّ فترى في آخر الحرف ما يدلُّك على موضعه، حتى إنه متى صار لك أدنى دُرْبة بالكتاب وعرفت الغرض من وضعه، استغنيتَ عن ذلك جميعه)).
3 - كتاب ((الجامع الصغير من حديث البشير النذير))
للحافظ عبدالرحمن بن أبي بكر السُّيُوطي (849-911ه).
وهو كتابٌ جليلٌ، مطابقٌ لما وَصَفَه به مؤلِّفُه بقوله(1):
((أودعتُ فيه من الكَلِم النبوية أُلوفاً، ومن الحِكَم المصطفوية صنوفاً. اقتصرتُ فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخّصتُ فيه من معادن الأَثَر إبريزَه. وبالغتُ في تحرير التخريج، فتركتُ القشرَ وأخذتُ اللُّباب، وصُنْتُه عمّا تَفَرَّدَ به وَضّاعٌ أو كذّاب. ففَاقَ بذلك الكُتُبَ المُؤَلَّفةَ في هذا النوع، وحَوَى من نفائس الصَّنْعة الحديثية ما لم يُودَعْ قبلَه في كتاب. وَرَتَّبْتُه على حروف المعجم مراعياً أولَ الحديث فما بعده تسهيلاً على الطُّلاّب، وسَمَّيتُه: ((الجامع الصغير من حديث البشير النذير)) لأنه مُقْتَضَبٌ من الكتاب الكبير الذي سَمَّيْتُه ((جمع الجوامع))، وقصدت فيه جَمْعَ الأحاديث النبوية بأَسْرِها، وهذه رُمُوزُه...)).
وقد ذكر في آخره أنه فرغ من تأليفه سنة (907ه). وقد وقع لكتابه هذا القبول التام، وكثر شارحوه من أئمّة الإسلام، وعمّ النفع به في سائر البلاد الإسلامية.
ثم إنَّ مؤلِّفه رحمه الله تعالى جعل له ذَيْلاً سمّاه ((زيادة الجامع))، ألّفه في خلال السنين الأربع التي بقيت من عمره بعد تمام ((الجامع الصغير)).
وقد جمع الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني (1265 - 1350ه) بين أحاديث ((الجامع الصغير)) وأحاديث ذيله المُسَمَّى بـ((زيادة الجامع)) في كتابه: ((الفتح الكبير في ضمّ الزيادة إلى الجامع الصغير)).
وقد ذكر في المقدمة(2) سبب هذا الجمع، فقال رحمه الله تعالى:
__________
(1) انظر ((فيض القدير)) 1 / 19 - 24.
(2) 1 / 3 - 4.(27/35)
((وقد رأيتُ من الصواب أنْ أجمعهما في كتاب، لأنَّ ((زيادة الجامع)) يجبُ أن تكون به متصلة، ولا معنى لكونها زيادةً له إذا كانت عنه منفصلة، وفي جَمْعِهما تسهيلُ السبيلِ إلى اقتنائهما، ومراجعة الحديث اللازم مراجعته فيهما، وعسى أن يحصل للزيادة ما حصل للأصل من القبول والإقبال، فإنَّ للمجاورة تأثيراً في استفادة الكمال من أهل الكمال، لا سيما وأنَّ حكمَها كحُكْمِه، وحجمها كحجمه، ومعناهما واحد، وأصلُهما واحد، ومؤلِّفهما واحد.
فجمعتُهما في هذا الكتاب ومزجتهما مَزْجَ مؤلَّفٍ واحد، ولولا أني مَيَّزْتُ أحاديث الزيادة بوضع حرف (ز) في أوائلها لَما عُرِفَ الأصل من الزائد.
وقد اعتنيتُ كمالَ الاعتناءِ بترتيب الأحاديث على الحروف معتبراً حروف الكلمة الأولى، ثم التي تليها، وهكذا إلى آخر الحديث...)).
4 - كتاب ((جَمْع الجوامع)) المشتهر باسم ((الجامع الكبير))
وهو للحافظ السُّيُوطي أيضاً (849-911ه).
وكان قصد الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى أنْ يجمع الأحاديث النبوية بأسرها في ((الجامع الكبير)) كما صَرَّح بذلك في خطبة ((الجامع الصغير))، ولكن اخترمته المنية قبل إتمامه كما صَرَّحَ به المُناوي وغيره.
قال رحمه الله تعالى في مقدمته:
((وقسمته قسمين:
الأول: أسوق فيه لفظ المصطفى بنصّه، وأطوق كل خاتم بفصّه، وأُتبع متن الحديث بذِكْر من خَرَّجَه من الأئمة أصحاب الكتب المعتبرة، ومن رواه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من واحدٍ إلى عشرة أو أكثر من عشرة، وسالكاً طريقة يُعرف منها صحةُ الحديث وحُسْنُه وضَعْفُه، مرتباً ترتيب اللغة على حروف المعجم، مراعياً أول الكلمة فما بعده.
والثاني: الأحاديث الفعلية المحضة أو المشتملة على قول وفعل أو سبب أو مراجعة أو نحو ذلك، مرتباً على مسانيد الصحابة)).(27/36)
وقد جمع الشيخ أحمد عبدالجواد أحاديث ((الجامع الصغير)) و((زوائده)) وأحاديث ((الجامع الكبير)) في كتابٍ واحد، وأضاف إليها الأحاديث التي استدركها على ((الجامع الكبير)) الحافظان: المُناوي والشريف إدريس العراقي المغربي.
قال العلاَّمة عبدالحيّ الكتاني في ((فهرس الفهارس والأثبات))(1):
((وللسيوطي ((الجامع الكبير)) و((الجامع الصغير)) وهما من أهمّ مؤلَّفاته وأعظمها، ومن أكبر مِنَنِه على المسلمين كتابُه ((الجامع الصغير))، وأكبرُ منه وأوسعُ وأعظمُ: ((الجامع الكبير))، جَمَعَ فيهما عِدَّة آلاف من الأحاديث النبوية، مرتبة على حروف المعجم، وهما المعجم الوحيد الآن المتداول بين المسلمين، الذين يعرفون به كَلِمَ نبيِّهم، ومُخَرِّجيها، ومظانَّها، ومرتبتَها في الجملة)).
5 - ((منهج العمال)) و((الإكمال)) و((غاية العمال)) و((كنز العمال))
كلها للشيخ علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت975ه).
وقد ذكر في مقدمة ((كنز العمال))(2) سبب تأليفه هذه الكتب، فقال:
((لمّا رأيتُ كتابَيْ ((الجامع الصغير)) و((زوائده)) تأليفَيْ شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي ملخّصاً من قسم الأقوال من ((جامعه الكبير)) وهو مُرَتَّبٌ على الحروف جَمَعْتُ بينهما، مبوّباً ذلك على الأبواب الفقهية، مسمّياً الجمع المذكور: ((منهج العُمّال في سنن الأقوال)).
ثم عَنَّ لي أنْ أُبَوِّبَ ما بقي من قسم الأقوال، فنجز بحمد الله وسمّيتُه:
((الإكمال لمنهج العمال)).
ثم مزجتُ بين هذين التأليفين... مميزاً أحاديث ((الإكمال)) من ((منهج العمال))، ومقصودي من هذا التمييز أنَّ المؤلف رحمه الله ذَكَرَ أنَّ الأحاديثَ التي في ((الجامع الصغير)) و((زوائده)) أَصَحُّ وأخصرُ وأبعدُ من التكرار كما يُعلم من ديباجة ((الجامع الصغير)).
فصارا كتاباً سمّيتُه: ((غاية العمال في سنن الأقوال)).
__________
(1) 2 / 1017.
(2) 1 / 3 - 4.(27/37)