التقنية الحديثة في خدمة السنة النبوية
دراسة تطبيقية على بعض أحاديث
الإمام البخاري
عبدالله محمد دمفو
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن التقنية الحديثة من ضروريات هذا العصر، خاصة في خدمة العلم بشتى مجالاته وتخصصاته، ويظن عدد غير قليل من الباحثين أنها لا تفيد إلا في خدمة تخصصات معينة كالعلوم التجريبية التطبيقية كالطب والهندسة والعلوم وغيرها، وهي قاصرة عن خدمة تخصصات أخرى كالعلوم الإسلامية مثلاً. وهذا في رأيي حكم في غير محله. ذلك أنني - من خلال تدريسي مادة الحديث الشريف بكلية التربية – قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، بالمدينة المنورة، باستخدام الحاسب الآلي والبرامج المخصصة منذ أربعة فصول دراسية سابقة - تأكدت من عظم الفائدة التي يمكن أن يجنيها الأستاذ والطلاب من استخدام هذه التقنية. ولذلك قمت بإعداد هذا البحث لدراسة عدد من أحاديث صحيح الإمام البخاري من مقرر مادة الحديث (3)، دراسة إسنادية إحصائية ببيان طرقها ورواتها ومراتب هؤلاء الرواة عنده جرحاً وتعديلاً، من خلال حكم الحافظ ابن حجر في التقريب، وكذلك من خلال دلالات الألوان الواردة في شجرة الأسانيد، ومقارنة طرقها ورواتها ومراتبهم بما عند باقي أصحاب الكتب التسعة للأحاديث ذاتها. وذلك باستخدام الحاسب الآلي متبعاً المنهج الآتي:
أولاً: إبراز الحديث بالطريق الذي أخرجه الإمام البخاري في الأبواب التي جاءت في توصيف المادة وهي (البيوع، السلم، الشفعة، الإجارة، الحوالة، النكاح، الطلاق).
ثانياً: تخريج الحديث من صحيح الإمام البخاري، ورصد طرقه المتعددة التي فرقها في ثنايا الكتاب، حيث لم يجمعها كلها في مكان واحد، وذلك لمعرفة مراتب الرواة الذين روى لهم.(1/1)
ثالثاً: تخريج الحديث الذي أخرجه البخاري من باقي الكتب التسعة المشهورة، وهي: صحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وموطأ مالك، ومسند أحمد، لمعرفة الرواة الذين رووا لهم ومراتبهم.
رابعاً: رسم شجرة أسانيد طرق حديث البخاري باستخدام الحاسب الآلي، وتحديد الرواة موطن الاتفاق والافتراق بين الطرق، واستخدام الألوان المختلفة في بيان مراتبهم جرحاً وتعديلاً.
خامساً: رسم شجرة أسانيد طرق الحديث عند أصحاب الكتب التسعة كلهم، باستخدام الطريقة المشار إليها في " ثالثاً "، وذلك بهدف الوصول إلى أن الإمام البخاري أخرج أنظف الطرق وأقواها.
سادساً: رسم جدول إحصائي لأسانيد طرق الإمام البخاري، وأسانيد طرق باقي أصحاب الكتب التسعة، وذلك بهدف معرفة نسبة الرواة الثقات وغير الثقات عنده إلى ما أخرجه أصحاب الكتب التسعة.
وأما عن دلالات الألوان على مراتب الرواة فهي كما يلي:
اللون الأبيض: ويرمز إلى الصحابة رضوان الله عليهم، ولم أدخلهم في الجداول الإحصائية وذلك لعدالتهم.
اللون الأصفر الفاتح: ويرمز إلى الرواة الثقات الأثبات الذين بلغوا الدرجة العليا من التوثيق.
اللون الأصفر الداكن: ويرمز إلى الرواة الثقات الذين لم يصلوا إلى درجة الثقات الأثبات، لكنهم لم يخرجوا عن دائرة التوثيق، وبالتالي فحديثهم صحيح كسابقيهم.
اللون الأخضر: ويرمز إلى الرواة الصدوقين، الذين لم يرقوا إلى درجة رجال الحديث الصحيح ، ولم ينزلوا إلى درجة رجال الحديث الضعيف، وإنما يحكم على حديثهم بأنه حسن.
اللون الأحمر: ويرمز إلى الرواة الضعفاء الذين هم رجال الحديث الضعيف.
وختاماً: آمل أن يكون فيما قدمته الفائدة للباحثين، وأن أكون قد وضعت لبنة من لبنات الدفاع عن السنة النبوية، وأبرزت إمكان الإفادة من التقنية الحديثة في ذلك..
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(1/2)
الحديث رقم(1)
)حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِي اللَّه عَنْه سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وحَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ).
تخريجه من صحيح البخاري:
…
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب البيوع، باب الحلال بيِّن والحرام بيِّن (2051).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (52).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات(1599).
وأبو داود في كتاب البيوع، باب في اجتناب الشبهات(3329).
والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في ترك الشبهات(1205)، وقال: حديث حسن صحيح.(1/3)
والنسائي في كتاب البيوع، باب اجتناب الشبهات في الكسب(4453)، وفي كتاب الأشربة باب الحث على ترك الشبهات(5710).
وابن ماجه في كتاب الفتن، باب الوقوف عند الشبهات(3984).
والدارمي في كتاب البيوع، باب في الحلال بيِّن والحرام بيِّن(2531).
وأحمد في مسنده(17883)،(17903)،(27638)،(17945).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب صحيح الإمام البخار
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب صحيح الإمام البخاري
جدول إيضاحي عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني(1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها، فجميع رواتها بين ثقة ثبت وثقة، بل غلبت نسبة الثقات الأثبات(58%) على نسبة الثقات(42%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الصدوقين الذين بلغت نسبتهم في طرق الحديث كافة في الكتب التسعة(9%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الضعفاء الذين بلغت نسبتهم في طرق الحديث كافة في الكتب التسعة(2%).
وجود الرواة الصدوقين والضعفاء في الطرق كافة، لم تؤثر في صحة الحديث عند الإمام البخاري.
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة، مما يزيدنا تأكيداً بأن كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
الحديث رقم (2)(1/4)
)حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
- أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا - فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا(.
تخريجه من صحيح البخاري:
…الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب البيوع، باب إذا بيَّن البيِّعان ولم يكتما (2079).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع (2082)، وباب كم يجوز الخيار ؟ (2108)، وباب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (2110)، وباب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع ؟ (2114).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان (1532).
وأبو داود في كتاب البيوع، باب في خيار المتبايعين (3459).
والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار (1246)، وقال: هذا حديث صحيح.
والنسائي في كتاب البيوع، باب ما يجب على التجار من التوقية في مبايعتهم (4457)، وباب وجوب الخيار للمتبايعين (4464).
والدارمي في كتاب البيوع، باب في البيعان ما لم يتفرقا (2547).
وأحمد في مسنده (14890)، (14900)، (15148).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب
الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
جدول إيضاحي عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة(1/5)
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت وثقة، بل غلبت نسبة الثقات الأثبات (77%) على نسبة الثقات (23%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الصدوقين الذين بلغت نسبتهم في طرق الحديث كافة في الكتب التسعة (4%).
خلا الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة من الرواة الضعفاء (0%).
وجود الرواة الصدوقين في الطرق كافة لم تؤثر في صحة الحديث عند الإمام البخاري.
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة، مما يعطينا الثقة بصحة أحاديث كتبه.
الحديث رقم (3)
(حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ - أَوْ قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً شَكَّ إِسْمَاعِيلُ- فَقَالَ مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ).
تخريجه من صحيح البخاري:
…الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب السَّلَم، باب السَّلَم في كيل معلوم (2239).
أطرافه:
كما أخرجه في الكتاب ذاته، باب السَّلَم في وزن معلوم (2241)، وباب السَّلَم إلى أجل معلوم (2253).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:(1/6)
وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب السَّلَم (1604).
وأبو داود في كتاب البيوع، باب في السلف (3463).
والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في السلف في الطعام والثمر (1311)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب البيوع، باب السلف في الثمار (4616).
وابن ماجه في كتاب التجارات، باب السلف في كيل معلوم (2280).
والدارمي في كتاب البيوع، باب في السلف (2583).
وأحمد في مسنده (1871)، و (1938)، و(2544)، و(3360).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (61%)، وثقة ونسبتهم (31%)، عدا راوٍ واحد فقط في مرتبة صدوق (8%).
مع وجود هذا الراوي الصدوق في إسناد حديث البخاري إلا أنه لا يعكر في صحة الحديث، وذلك لأنه لم يتفرد بالطريق الذي أخرجه وهي روايته عن سفيان بن سعيد الثوري، فقد تابعه راوٍ آخر ثقة ثبت.
لم يرو الإمام البخاري لأكثر من راوٍ صدوق واحد، مع كونهم أربعة في طرق الحديث كافة يمثلون نسبة (14%) من إجمالي الرواة.
خلا الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة من الرواة الضعفاء (0%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة في معظم الطرق التي أخرجها، ووجود الراوي الصدوق في طريق واحد فقط لا تؤثر في صحته كما تقدم.
الحديث رقم (4)(1/7)
(حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلافٍ مُنَجَّمَةً أَوْ مُقَطَّعَةً قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلافٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع (2258).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب الحيل، باب في الهبة والشفعة (6977)، و(6978)، وباب احتيال العامل ليهدى إليه (6980)، و(6981).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب الشفعة (1608).
وأبو داود في كتاب البيوع، باب في الشفعة (3516).
والنسائي في كتاب البيوع، باب ذكر الشفعة وأحكامها (4702).
وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب إذا وقعت الحدود فلا شفعة (2498).
وأحمد في مسنده (13743)، و(13994)، و(14440)، و(14581)، و(14675)، و(14865).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب
الإمام البخاري(1/8)
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها، فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (73%)، وثقة نسبتهم (27%).
لم يخرج الإمام البخاري ولا باقي أصحاب الكتب التسعة لأحد من الرواة الصدوقين (0%).
خلا الحديث بطرقه كافة عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة من الرواة الضعفاء (0%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة .
الحديث رقم (5)
(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ فَقُلْتُ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَقَالَ : لَنْ أَوْ لا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ(.
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الإجارة، باب استئجار الرجل الصالح (2261).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم (6923)، وفي كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة (7149)، وباب الحاكم يحكم بالقتل (7156)، و(7157).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين (1023).
وأبو داود في كتاب الزكاة، باب أجر الخازن (1684).
والنسائي في كتاب الزكاة، باب أجر الخازن إذا تصدق بإذن مولاه (2560).(1/9)
وأحمد في مسنده (19018)، و(19127)، و(19128)، و(19163)، و(19207).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (45.5%)، وثقة ونسبتهم (45.5%)، عدا راوٍ واحد فقط في مرتبة صدوق (9%).
مع وجود هذا الراوي الصدوق في إسناد حديث البخاري إلا أنه لا يؤثر في صحة الحديث؛ وذلك لأنه لم يتفرد بالطريق الذي أخرجه فقد تابعه راويان ثقتان ثبتان.
لم يرو الإمام البخاري لأكثر من راوٍ صدوق واحد، مع كونهم ثلاثة في طرق الحديث كافة يمثلون نسبة (10%) من إجمالي الرواة.
خلا الحديث عند الإمام البخاري من الرواة الضعفاء (0%) ، مع وجود راوٍ واحد ضعيف عند باقي أصحاب الكتب التسعة ، و يمثل نسبة (3%) من إجمالي الرواة .
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة في معظم الطرق التي أخرجها، ووجود الراوي الصدوق في طريق واحد فقط لا تؤثر في صحته كما تقدم.
الحديث رقم (6)
(حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ).
تخريجه من صحيح البخاري:(1/10)
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الحوالة، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة (2287).
أطرافه:
كما أخرجه في الكتاب ذاته، باب إذا أحال على مليء فليس له رد (2288)، وفي كتاب الاستقراض، باب مطل الغني ظلم (2400).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني (1564).
وأبو داود في كتاب البيوع، باب في المطل (3345).
والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في مطل الغني أنه ظلم (1308)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب البيوع، باب مطل الغني (4688)، وباب الحوالة (4691).
وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب الحوالة (2403).
والدارمي في كتاب البيوع، باب في مطل الغني ظلم (2586).
ومالك في الموطأ، كتاب البيوع، باب جامع الدين والحول (1379).
وأحمد في مسنده (7291)، و(27778)، و(7488)، و(27392)، و(8679)، و(8715)، و(27239)، و(9676).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة
موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها، فجميع رواتها بين ثقة ثبت وثقة، بل غلبت نسبة الثقات الأثبات (60%) على نسبة الثقات (40%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الصدوقين الذين بلغت نسبتهم في طرق الحديث كافة في الكتب التسعة (14%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الضعفاء.
وجود الرواة الصدوقين في الطرق كافة لم تؤثر في صحة الحديث عند الإمام البخاري.(1/11)
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة، مما يزيدنا تأكيداً بأن كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
الحديث رقم (7)
(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُاللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من استطاع منكم الباءة فليتزوج" (5065).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة (1905)، وفي كتاب النكاح، باب من لم يستطع الباءة فليصم (5066).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (1400).
وأبو داود في كتاب النكاح، باب التحريض على النكاح (2046).
والترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل التزويج (1081)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب الصيام، باب فضل الصيام (2239)، و(2240)، و(2241)، و(2242)، و(2243)، وفي كتاب النكاح، باب الحث على النكاح (3207)، (3208)، و(3209)، و(3211).(1/12)
وابن ماجه في كتاب النكاح، باب النهي عن التبتل (1845).
والدارمي في كتاب النكاح، باب من كان عنده طول فليتزوج (2165)، و(2166).
وأحمد في مسنده (3581)، و(4013)، و(4025)، و(4101)، و(4259).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (44%)، وثقة ونسبتهم (56%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الصدوقين الذين بلغت نسبتهم عند باقي أصحاب الكتب التسعة (19%).
خلا الحديث بطرقه كافة عند الإمام البخاري من الرواة الضعفاء الذين بلغت نسبتهم عند باقي أصحاب الكتب التسعة (3%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة.
الحديث رقم (8)
(حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ).
تخريجه من صحيح البخاري:
…الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب الشغار (5112).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب الحيل، باب الحيلة في النكاح (6960).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:(1/13)
وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه (1415).
وأبو داود في كتاب النكاح، باب في الشغار (2074).
والترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار (1124)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب النكاح، باب الشغار (3334)، وباب تفسير الشغار (3337).
وابن ماجه في كتاب النكاح، باب النهي عن الشغار (1883).
والدارمي في كتاب النكاح، باب في النهي عن الشغار (2180).
ومالك في كتاب النكاح، باب جامع ما لا يجوز من النكاح (1134).
وأحمد في مسنده (4512)، و(4678)، و(4899)، و(5267)، و(5622).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته ثقات أثبات ونسبتهم (100%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الصدوقين الذين أخرج لهم باقي أصحاب الكتب التسعة ونسبتهم (8%).
خلا الحديث بطرقه كافة عند الإمام البخاري من الرواة الضعفاء الذين بلغت نسبتهم عند باقي أصحاب الكتب التسعة (3%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة.
الحديث رقم (9)(1/14)
(حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ لابنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة آخراً (5115).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (4216)، وفي كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية (5523)، وفي كتاب الحيل، باب الحيلة في النكاح (6961).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب نكاح المتعة (1407).
والترمذي في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية (1794)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب النكاح، باب تحريم المتعة (3365)، و(3366)، وفي كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية (4334).
وابن ماجه في كتاب النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة (1961).
والدارمي في كتاب الأضاحي، باب في لحوم الحمر الأهلية (1990).
وأحمد في مسنده (593)، و(814)، و(1207).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
جدول إيضاحي عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:(1/15)
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (70%)، وثقة ونسبتهم (30%).
لم يخرج الإمام البخاري لأحد من الرواة الصدوقين الذين أخرج لهم باقي أصحاب الكتب التسعة، ونسبتهم (7%).
خلا الحديث بطرقه كافة عند الإمام البخاري من الرواة الضعفاء الذين أخرج لهم باقي أصحاب الكتب التسعة، ونسبتهم (2%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة.
الحديث رقم (10)(1/16)
(قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ ح 5127 وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا. فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ وَنِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ(1/17)
عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ لايَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب من قال: لا نكاح إلا بولي (5127).
أطرافه:
لم يخرجه الإمام البخاري في موضع آخر غير هذا.
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
لم يخرجه سوى أبي داود في كتاب الطلاق، باب في وجوه النكاح (2272) بطريق البخاري الثاني نفسه.
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري وأبي داود
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري وأبي داود
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من الطريقين اللذين وردا في الكتب التسعة، ومعظم رواتهما بين ثقة ثبت ونسبتهم (42%)، وثقة ونسبتهم (29%)، كما أخرج لراويين صدوقين، ونسبتهما إلى باقي الرواة (29%).
مع وجود هذين الراويين الصدوقين في إسناد حديث البخاري إلا أنهما لا يعكران في صحة الحديث، وذلك لأنهما لم يتفردا، بل تابع كل رواتهما راو في درجة ثقة ثبت، فتقوت رواياتهما بذلك.
خلا الحديث عند الإمام البخاري وأبي داود من الرواة الضعفاء(0%).(1/18)
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري صحيح، ووجود الراويين الصدوقين لا يعكران على صحته كما تقدم، وربما لم يجد البخاري الحديث بطريق أنظف مما ذكره، بدليل أن الحديث ضيق المخرج، فلم يخرجه أحد من باقي أصحاب الكتب التسعة سوى أبي داود، وقد شارك البخاري في أحد طريقيه. والله تعالى أعلم.
الحديث رقم (11)
(حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا كَانَ يَقُولُ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع (5142).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب البيوع، باب لا يبيع أحدكم على بيع أخيه (2139)، وباب النهي عن تلقي الركبان (2165).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه (1412).
وأبو داود في كتاب النكاح، باب في كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه (2081)، وفي كتاب البيوع، باب في التلقي (3436).
والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن البيع على بيع أخيه (1292)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب النكاح، باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب (3243)، وفي كتاب البيوع، باب بيع الرجل على بيع أخيه (4504).
وابن ماجه في كتاب التجارات، باب لا يبيع الرجل على بيع أخيه (2171).
والدارمي في كتاب النكاح، باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه (2176)، وفي كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه (2567).(1/19)
ومالك في كتاب النكاح، باب ما جاء في الخطبة (1112)، وفي كتاب البيوع، باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة (1390).
وأحمد في مسنده (4708).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (66%)، وثقة ونسبتهم (17%)، عدا راوٍ واحد فقط في مرتبة صدوق نسبته (17%).
مع وجود هذا الراوي الصدوق في إسناد حديث البخاري إلا أنه لا يؤثر في صحة الحديث، وذلك لأنه لم يتفرد بالطريق الذي أخرجه وهي روايته عن مالك بن أنس، فقد تابعه راوٍ آخر ثقة ثبت.
لم يرو الإمام البخاري لأكثر من راوٍ صدوق واحد، مع كونهم أربعة في طرق الحديث كافة يمثلون نسبة (15%) من إجمالي الرواة.
خلا الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة من الرواة الضعفاء (0%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة في معظم الطرق التي أخرجها، ووجود الراوي الصدوق في طريق واحد فقط لا تؤثر في صحته كما تقدم.
الحديث رقم (12)(1/20)
( حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ: دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب ضرب الدف في النكاح والوليمة (5147).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراً (4001).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في النهي عن الغناء (4922).
والترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح (1090)، وقال: حديث حسن صحيح.
وابن ماجه في كتاب النكاح، باب الغناء والدف (1897).
وأحمد في مسنده (26481)، (26487).
رسم بياني (1)عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
…يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها، فجميع رواته ثقات أثبات (75%) عدا راوٍ واحد فقط في مرتبة صدوق (25%).(1/21)
مع وجود هذا الراوي الصدوق في إسناد حديث البخاري، إلا أنه لا يؤثر في صحة الحديث بحسب نظر الإمام البخاري، وربما هو عنده في درجة الثقات.
لم يخرج الإمام البخاري لغير هذا الراوي الصدوق، مع وجود راويين آخرين في طرق الحديث كما في شجرة أسانيد الحديث في الكتب التسعة فمجموعهم فيها ثلاثة رواة.
وبناءً على ما تقدم يمكن القول بأن هذا الحديث لم يخرج في نظر الإمام البخاري عن درجة الصحة، وربما كان هذا الراوي الصدوق عنده في مرتبة الثقات، والله أعلم.
الحديث رقم (13)
(حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا عَنْ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه (5195).
أطرافه:
كما أخرجه في الكتاب ذاته، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعاً (5192)، وفي كتاب البيوع، باب قول الله تعالى ? ? ( ( ( ( ( (2066)، وفي كتاب النفقات، باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها (5360).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه (1026).
وأبو داود في كتاب الزكاة، باب المرأة تتصدق من بيت زوجها (1687).
وأحمد في مسنده (27405).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري(1/22)
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
…يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري الحديث من أربعة طرق كما يتضح من التشجير، ثلاثة منها جميع رواتها بين ثقات أثبات وثقات، والطريق الرابع فيه راويان صدوقان متعاقبان، وقد بلغت نسبة الثقات الأثبات في الحديث (39%) والثقات (46%)، في حين أن نسبة الصدوقين (15%).
مع وجود هذين الراويين الصدوقين في الإسناد إلا أنهما لا يؤثران في صحة الحديث، ذلك لأنهما توبعا متابعة تامة أو متابعة قاصرة من رواة ثقات أثبات وثقات.
خلا الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة من الرواة الضعفاء (0%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث بلغ أعلى درجات الصحة في معظم الطرق التي أخرجها البخاري ، ووجود الراويين الصدوقين لا تؤثر في صحة الحديث، كما تقدم.
الحديث رقم (14)(1/23)
(حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاَثَةَ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا).
تخريجه من صحيح البخاري:
الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الطلاق، باب تُحِدُّ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً (5334).
أطرافه:
كما أخرجه في كتاب الجنائز، باب إحداد المرأة على غير زوجها (1280)، و(1282)، وفي كتاب الطلاق، باب ( ? ( ( ( ( ( (5345).
تخريجه من باقي الكتب التسعة:
وأخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة (1486).
وأبو داود في كتاب الطلاق، باب إحداد المتوفى عنها زوجها (2299).
والترمذي في كتاب الطلاق، باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها (1195)، وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي في كتاب الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها (3500)، و(3502)، وباب سقوط الإحداد عن الكتابية (3527)، وباب ترك الزينة للحادة المسلمة (3533)، وباب النهي عن الكحل للحادة (3541).
وابن ماجه في كتاب الطلاق، باب كراهية الزينة للمتوفى عنها زوجها (2084).(1/24)
والدارمي في كتاب الطلاق، باب في إحداد المرأة على الزوج (2284).
ومالك في كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإحداد (1269).
وأحمد في مسنده (26225)، و(26226).
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري
رسم تفصيلي لشجرة أسانيد رواة الحديث في الكتب التسعة موضحاً به أسماؤهم ومراتبهم حسب الألوان
رسم بياني (1) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
عرض النتائج وتحليلها:
يتضح من تشجير الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة، والجداول والرسوم البيانية السابقة ما يلي:
أخرج الإمام البخاري من طرق الحديث أصحها وأقواها فجميع رواته بين ثقة ثبت ونسبتهم (44%)، وثقة ونسبتهم (44%)، عدا راوٍ واحد فقط في مرتبة صدوق نسبته (11%).
مع وجود هذا الراوي الصدوق في إسناد حديث البخاري إلا أنه لا يعكر في صحة الحديث، وذلك لأنه قد وهم في الطريق الذي أخرجه فقد تابعه راوٍ آخر ثقة ثبت.
لم يرو الإمام البخاري لأكثر من راوٍ صدوق واحد، مع كونهم اثنين في طرق الحديث كافة يمثلون نسبة (6%) من إجمالي الرواة.
خلا الحديث عند الإمام البخاري وباقي أصحاب الكتب التسعة من الرواة الضعفاء (0%).
وبناءً عليه يمكن القول بأن هذا الحديث عند الإمام البخاري بلغ أعلى درجات الصحة في معظم الطرق التي أخرجها، ووجود الراوي الصدوق في طريق واحد فقط لا تؤثر في صحته كما تقدم.
المحصلة النهائية للجداول والرسوم البيانية لأحاديث الدراسة عند الإمام البخاري وفي الكتب التسعة كافة
جدول إيضاحي عن رواة أحاديث الدراسة في كتاب الإمام البخاري :
الأحاديث ... الرواة ... الأثبات ... الثقات ... الصدوقون ... الضعفاء
الحديث رقم (1) ... 12 ... 7 ... 5 ... - ... -(1/25)
الحديث رقم (2) ... 13 ... 10 ... 3 ... - ... -
الحديث رقم (3) ... 13 ... 8 ... 4 ... 1 ... -
الحديث رقم (4) ... 11 ... 8 ... 3 ... - ... -
الحديث رقم (5) ... 11 ... 5 ... 5 ... 1 ... -
الحديث رقم (6) ... 10 ... 6 ... 4 ... - ... -
الحديث رقم (7) ... 9 ... 4 ... 5 ... - ... -
الحديث رقم (8) ... 6 ... 6 ... - ... - ... -
الأحاديث ... الرواة ... الأثبات ... الثقات ... الصدوقون ... الضعفاء
الحديث رقم (9) ... 10 ... 7 ... 3 ... - ... -
الحديث رقم (10) ... 7 ... 3 ... 2 ... 2 ... -
الحديث رقم (11) ... 6 ... 4 ... 1 ... 1 ... -
الحديث رقم (12) ... 4 ... 3 ... - ... 1 ... -
الحديث رقم (13) ... 13 ... 5 ... 6 ... 2 ... -
الحديث رقم (14) ... 9 ... 4 ... 4 ... 1 ... -
المجموع ... 134 ... 80 ... 45 ... 9 ... -
إجمالي رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري :
العدد ... النسبة المئوية بالنسبة لعدد الرواة
عدد الرواة ... 134 ... 100%
عدد الثقات الأثبات ... 80 ... 58.5%
عدد الثقات ... 45 ... 34%
عدد الصدوقين ... 9 ... 7.5%
عدد الضعفاء ... - ... 0%
رسم بياني (1) عن إجمالي رواة أحاديث الدراسة ومراتبهم ونسبهم في كتاب صحيح الإمام البخاري
رسم بياني (2) عن إجمالي رواة أحاديث الدراسة ومراتبهم ونسبهم في كتاب صحيح الإمام البخاري
جدول إيضاحي عن رواة أحاديث الدراسة في الكتب التسعة :
الأحاديث ... الرواة ... الأثبات ... الثقات ... الصدوقون ... الضعفاء
الحديث رقم (1) ... 45 ... 21 ... 19 ... 4 ... 1
الحديث رقم (2) ... 26 ... 19 ... 6 ... 1 ... -
الحديث رقم (3) ... 28 ... 17 ... 7 ... 4 ... -
الحديث رقم (4) ... 15 ... 11 ... 4 ... - ... -
الحديث رقم (5) ... 30 ... 17 ... 9 ... 3 ... 1
الحديث رقم (6) ... 30 ... 16 ... 10 ... 4 ... -
الحديث رقم (7) ... 37 ... 13 ... 16 ... 7 ... 1(1/26)
الحديث رقم (8) ... 24 ... 17 ... 5 ... 2 ... -
الحديث رقم (9) ... 42 ... 20 ... 18 ... 3 ... 1
الأحاديث ... الرواة ... الأثبات ... الثقات ... الصدوقون ... الضعفاء
الحديث رقم (10) ... 7 ... 3 ... 2 ... 2 ... -
الحديث رقم (11) ... 27 ... 18 ... 5 ... 4 ... -
الحديث رقم (12) ... 11 ... 6 ... 2 ... 3 ... -
الحديث رقم (13) ... 15 ... 6 ... 7 ... 2 ... -
الحديث رقم (14) ... 34 ... 21 ... 11 ... 2 ... -
المجموع ... 371 ... 205 ... 121 ... 41 ... 4
إجمالي رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة:
العدد ... النسبة المئوية بالنسبة لعدد الرواة
عدد الرواة ... 371 ... 100%
عدد الثقات الأثبات ... 205 ... 55%
عدد الثقات ... 121 ... 33%
عدد الصدوقين ... 41 ... 11%
عدد الضعفاء ... 4 ... 1%
رسم بياني (1) عن إجمالي رواة أحاديث الدراسة ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
رسم بياني (2) عن إجمالي رواة أحاديث الدراسة ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة
الخاتمة
بعد أن من الله عليَّ بإتمام هذا البحث، توصلت إلى نتائج أبرزها فيما يلي:
أولاً: يعتبر صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، ولم يصل إلى هذه المرتبة العالية إلا بإخلاص مؤلفه في خدمة السنة المطهرة، وحرصه الشديد على انتقاء أصح الأحاديث التي في موضوعها وبابها كما اتضح ذلك من دراسة الأحاديث مدار البحث.
ثانياً: خلا صحيح البخاري من رواة ضعفاء، فلم يخرج لواحد منهم
- حسب أحاديث الدراسة - وهذا هو الغالب على جميع أحاديث كتابه.
ثالثاً: لم يكثر البخاري من الإخراج للرواة الصدوقين، إذ بلغ عددهم
- حسب أحاديث الدراسة - تسعة رواة من مجموع الرواة الذين روي عنهم هذه الأحاديث، وعددهم مائة وأربعة وثلاثون راوياً بنسبة (7.5%).(1/27)
رابعاً: باقي الرواة بين ثقات أثبات بلغوا الدرجة العليا في التوثيق، وثقات لم يخرجوا عن دائرة رجال الحديث الصحيح، ويلاحظ من خلال الأحاديث غلبة النوع الأول على النوع الثاني فعدد الثقات الأثبات ثمانون راوياً بنسبة (58.5%)، وأما عدد الثقات فبلغ خمسة وأربعين راوياً بنسبة (34%)، مما يدل مع أن أحاديث البخاري ليست صحيحة فحسب بل في أعلى درجات الصحة.
خامساً: تعد باقي النسب التسعة من الكتب المعتمدة في علم السنة النبوية، فلم تحو إلا القليل من الأحاديث الضعيفة، بدليل أن عددهم في أحاديث الدراسة أربعة رواة بنسبة (1%).
سادساً: لم أكن لأتوصل إلى هذه النتائج وإثباتها عملياً لولا استخدام التقنية الحديثة التي يمكن أن تخدم العلوم النظرية الإسلامية بصفة الخصوص، لا كما يتصوره بعضهم من أنها تخدم العلوم التجريبية فقط.
…وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين .
المراجع
موسوعة الحديث الشريف (برنامج صخر) وتوثيق النصوص بالرجوع إلى المصادر الأصلية .
برنامج الإحصاء (SPSS) .
فهرس المحتويات
المقدمة…1
الحديث رقم(1)…4
تخريجه من صحيح البخاري:…4
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…5
عرض النتائج وتحليلها:…11
الحديث رقم (2)…13
تخريجه من صحيح البخاري:…13
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…13
عرض النتائج وتحليلها:…20
الحديث رقم (3)…22
تخريجه من صحيح البخاري:…22
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…22
عرض النتائج وتحليلها:…29
الحديث رقم (4)…30
تخريجه من صحيح البخاري:…30
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…31
عرض النتائج وتحليلها:…37
الحديث رقم (5)…37
تخريجه من صحيح البخاري:…38
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…38
عرض النتائج وتحليلها:…44
الحديث رقم (6)…46
تخريجه من صحيح البخاري:…46
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…46
عرض النتائج وتحليلها:…53
الحديث رقم (7)…54
تخريجه من صحيح البخاري:…54(1/28)
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…55
عرض النتائج وتحليلها:…61
الحديث رقم (8)…62
تخريجه من صحيح البخاري:…62
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…62
عرض النتائج وتحليلها:…69
الحديث رقم (9)…70
تخريجه من صحيح البخاري:…70
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…70
عرض النتائج وتحليلها:…77
الحديث رقم (10)…78
تخريجه من صحيح البخاري:…79
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…79
عرض النتائج وتحليلها:…82
الحديث رقم (11)…83
تخريجه من صحيح البخاري:…83
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…83
عرض النتائج وتحليلها:…90
الحديث رقم (12)…91
تخريجه من صحيح البخاري:…91
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…91
عرض النتائج وتحليلها:…96
الحديث رقم (13)…97
تخريجه من صحيح البخاري:…97
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…97
عرض النتائج وتحليلها:…103
الحديث رقم (14)…104
تخريجه من صحيح البخاري:…104
تخريجه من باقي الكتب التسعة:…105
عرض النتائج وتحليلها:…111
المحصلة النهائية للجداول والرسوم البيانية لأحاديث الدراسة عند الإمام البخاري وفي الكتب التسعة كافة…112
جدول إيضاحي عن رواة أحاديث الدراسة في كتاب الإمام البخاري :…113
إجمالي رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في كتاب الإمام البخاري :…115
جدول إيضاحي عن رواة أحاديث الدراسة في الكتب التسعة :…117
إجمالي رواة الحديث ومراتبهم ونسبهم في الكتب التسعة:…118
الخاتمة…120
المراجع…122
فهرس المحتويات…123(1/29)
اختلاف أقوال النقاد في الرواة المختلف فيهم
مع دراسة هذه الظاهرة عند ابن معين
الأستاذ الدكتور
سعدي مهدي الهاشمي
جامعة أم القرى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. أما بعد:
فإن القارئ والدارس لأقوال النقاد في كتب الجرح والتعديل - الرجال - يلاحظ ظاهرة واضحة تكاد تشمل معظم الأئمة المكثرين في نقد الرجال، ألا وهي تعدد أقوالهم المختلفة في الراوي الواحد. وقد حاول العلماء والحفاظ من المحدثين وغيرهم كالأصوليين، معالجتها ودراستها فيما اصطلحوا عليه بـ(تعارض الجرح والتعديل) وذلك لصلتها الوثيقة، بل هي الأساس المعتمد عليه في الحكم على الرواة الذين يُؤَثِّر اجتهاد الناقد فيهم في الحكم على الأحاديث. واختلافهم هذا كاختلاف الفقهاء في الحكم على القضايا الفقهية وتعددها. قال الإمام الترمذي (ت297ه): "وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم"(1).
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728ه) نحو هذا القول
فقال: "وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم"(2).
وقد صنف العلماء أئمة النقد؛ الرواة. إلى ثلاثة أقسام:
1- الرواة المتفق على تعديلهم وصحت أحاديثهم.
2- والضعفاء والمتروكين الذين سقط الاستدلال بمروياتهم.
3- والرواة المختلف فيهم، الذين تعددت أقوال النقاد في بيان أحوالهم، وترددوا في البتِّ، فيهم سواء مَنْ تشدد من الأئمة في توثيقه وتجريحه، ومن تساهل أو اعتدل منهم.
__________
(1) العلل الصغير 5/756 الملحق مع الجامع.
(2) رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص7.(2/1)
وتأتي أقوالهم في التوثيق أو التجريح تارة واضحة المعنى محددة الدلالة، وقد تتعدد وتتكرر ولكنها تدل على تعديل الراوي وتوثيقه أو توهينه بل تجريحه مثل قولهم: (لا بأس به)، (صدوق)، (صالح الحديث)، و (ثقة متقن)، (ثبت حجة)، (ثقة ثقة)، و (ليس بحجة)، (ليس بذاك)،
(يعرف وينكر)، و (متروك)، (ليس بثقة)، أو ترد الألفاظ عن الناقد نفسه، ومجموعة في لفظ واحد، التعديل والتجريح، وهذا يدل على ورعهم وخوفهم من قدحهم في راو ليس كما يبدو له، فيتردد في أمره، فيذكر التعديل والتوهين، أو لبيان حاله، والتفصيل في شأنه من خلال تلك العبارة أو اللفظة التي تبدو للناظر متناقضة. ولو ترجح عندهم التجريح بقرينة أخرى لحكموا بجرحهم، وكذلك لو ترجَّح عندهم التوثيق على ضوء قرائن التعديل لعدَّلوهم، وورود مثل هذه الألفاظ على القلة والندرة وهذه بعض النماذج:
1- قال يعقوب بن شيبة (ت262ه) في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم(1): "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق، رجل صالح"، وقال فيه ابن معين (ت234ه): "ليس به بأس وهو ضعيف ".
2- وقال يعقوب أيضاً في الربيع بن صبيح(2): "رجل صالح، صدوق ثقة، ضعيف جداً".
3- وقال يعقوب بن سفيان (ت277ه) في محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري(3): "ثقة عدل، في حديثه بعض المقال، لَيِّن الحديث عندهم".
4- وقال أبو حاتم الرازي (ت 277ه) في محمد بن الحسن بن زبالة(4): "واهي الحديث، ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، منكر الحديث، عنده مناكير، وليس بمتروك الحديث".
5- وقال أبو زرعة الرازي (ت 264ه) في عمر بن عطاء بن وراز(5): "ثقة لَيِّن ".
__________
(1) ضعيف في حفظه (بخ د ت ق)، (ت156ه).
(2) صدوق سيئ الحفظ وكان عابداً مجاهداً (خت ت ق) (ت 160ه)، التقريب رقم (1895).
(3) صدوق سيئ الحفظ جداً (4) (ت148ه)، التقريب رقم (6081).
(4) كذبوه (د) التقريب، رقم (5815).
(5) ضعيف (د ق) من السادسة، التقريب رقم (4949).(2/2)
وقد تَرِد الأقوال متعددة ومختلفة لناقد واحد في الراوي نفسه، فينصُّ على توثيقه مرة، وتجريحه مرة أخرى، وقد سوَّغ العلماء ذلك الاختلاف بأن يكون ذلك الراوي عنده ثقة ثم يظهر منه ما يسوِّغ له تجريحه، كأن يحدِّث بحديث ضعيف ثبت عند الناقد ضعف طرقه، أو يعتمد على تجريح أحد أئمة النقد السابقين له، ويعول على تجريحه، أو يطرأ عليه طارئ من اختلاط أو عمى أو غير ذلك فيختل ضبطه ويضعف حفظه، فيجرِّحه، أو عكس ذلك يكون ضعيفاً في بداية أمره، ثم يقوى ويتنبه لمروياته وانتقاده للأحاديث الصحيحة منها، ويختار الرواة الثقات. وبناء على ذلك تتغير صورته عند الناقد الذي سبق تجريحه فيوثقه، وقد تناول الأئمة والحفاظ هذه القضية
- وهي "إذا اجتمع في شخص واحد جرح وتعديل" - في كتبهم، وما صنفه العديد منهم في كتب "مصطلح الحديث"، واختلفت أقوالهم وتعددت شروطهم؛ وخلاصة ذلك خمسة أقوال، يحتاج لعرضها مبحث خاص(1).
وقد يزداد الأمر تعقيداً فتكثر الأقوال، وتزيد على القولين المتضادين، وهذه الظاهرة واضحة جلية عند يحيى بن معين الذي شمل نقده بالجرح أو التعديل سائر الرواة تقريباً، وتعددت مجالس نقده، وتكاثر رواة مادتها في الجرح والتعديل عنه.
ولأجل معالجة هذه الظاهرة عند ابن معين، خصصت هذا البحث؛ لدراستها ومحاولة الخروج بنتائج يستفيد منها الباحث عن الحكم في الرواة المختلف فيهم.
هذا وقد جعلت البحث في مقدمة وستة مباحث، تناولت في المبحث الأوّل: المصنفات المتعلقة بالموضوع.
وفي المبحث الثاني: نماذج من أقوال بعض النقاد المختلفة في الرّاوي الواحد.
وفي المبحث الثالث: نموذج لأحد الرّواة الّذين اختلفت أقوال النقاد فيهم.
__________
(1) وانظر مقدمة ابن الصلاح ص224، والكفاية 1/333، الاقتراح ص337، الخلاصة ص89، شرح ألفية العراقي ص151، نكت الزركشي 3/355، النكت الوفية (ل/1202)، فتح المغيث 1/306، تدريب الراوي 1/309، توضيح الأفكار 2/158، المغيث 1/306.(2/3)
وفي المبحث الرابع: التعريف بابن معين مع دراسة أقواله المختلفة في محمد بن إسحاق نموذجاً.
وفي المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاظ من أقوال ابن معين المختلفة.
وفي المبحث السادس: بيان الخطوات المتبعة في الجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرّواة.
وبالله التوفيق.
المبحث الأول: مصنفات في الرواة المختلف فيهم.
لقد عالج علماء الحديث كثيراً من المعضلات التي تعترضهم في بحثهم عن الرواة، ومنها الرواة المختلف فيهم؛ لأنه يتوقف على معرفتهم الحكم على الأحاديث، لذا حاول بعضهم أن يجمعهم في مصنف أو أن يبين أسباب الاختلاف في الحكم عليهم، ولعل أقدم مصنف وصل إلينا من مصنفات الرواة المختلف فيهم هو كتاب أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين البغدادي (ت 385ه)، وهو:
1- (ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ومن قيل فيه قولان):
ولم يصل إلينا منه إلا قطعة واحدة، وهي محفوظة في مكتبة محمد بن يوسف بمدينة مراكش في المغرب(1).
2- (الفضَّل من النقلة):
ذكر الإمام ابن حبان (ت 354ه) في كتابه المجروحين(2) في ترجمة داود ابن الزبرقان كتابه (الفضل من النقلة) حيث قال: "وإنما نملي بعد هذا الكتاب كتاب (الفضل من النقلة) ونذكر فيه كل شيخ اختلف فيه أئمتنا ممن ضعفه ووثقه البعض، ونذكر السبب الداعي لهم إلى ذلك، ونحتجُّ لكل واحد، ونذكر الصواب فيه؛ لئلا نطلق على المسلم الجرح بغير علم ولا يقال فيه أكثر مما فيه إن قضى الله ذلك وشاءه". وكذلك ذكره في كتابه "الثقات"(3) وسمَّاه (الفصل بين النقلة)، ولعل هذا هو الاسم الصحيح للكتاب والله أعلم.
__________
(1) حققه طارق عوض الله محمد عام 1410هـ القاهرة، و د.عبد الرحيم القشقري عام 1420هـ الرشد، وحققه الشيخ حماد الأنصاري، ونشره د. عبد الباري الأنصاري ط أضواء السلف 1419هـ.
(2) 1/292).
(3) 6/27).(2/4)
ولقد حاول الدكتور مبارك الهاجري أن يجمع الرواة الذين ذكرهم ابن حبان في المجروحين وأعادهم في الثقات فكان مجموعهم (159) راوياً(1)، واستدرك عليه بعض الباحثين (25) راوياً وذكرها على موقع ملتقى أهل الحديث في الشبكة العنكبوتية. وطريقة الدكتور الهاجري: أن يذكر ترجمة الراوي (المختلف فيه) من كتاب المجروحين ثم الثقات، وقد يخالف ذلك المنهج في بعض التراجم لأسباب خاصة(2).
3- (الرواة المختلف فيهم):
للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656ه)، ألحقه في آخر كتابه "الترغيب والترهيب"، واستغرق ذلك (15) صفحة(3).
المبحث الثاني: نماذج من اختلاف أقوال بعض النقاد في الراوي الواحد.
حفظت دواوين الرجال في الجرح والتعديل طائفة كبيرة من الرواة اختلفت فيهم أقوال العديد من أئمة النقد فتارة يعدلونهم، أو يوثقونهم، وتارة يجرحونهم، أو يضعفونهم، وذلك حسبما يقفون عليه من مرويات أولئك الرواة، ودراسة أحوالهم في الأداء، والاطلاع على أصولهم للتثبت من ضبطها، تلك الأمور وغيرها تجعل الناقد مضطراً إلى تغيير حكمه على الراوي، وقد يحكم عليه بنقيض الحكم الأول. وهذه نماذج لأقوال بعض النقاد المختلفة في الرواة أنفسهم:
أولاً: الإمام أحمد بن حنبل (ت 241ه):
1- إسماعيل بن زكريا بن مُرَّة الخُلقاني الأسدي مولاهم أبو زياد الكوفي نزيل بغداد ولقبه شَقُوصا (ت 194ه) وقيل قبلها(4):
- قال عنه في رواية عبد الله: "حديثه حديث مقارب"(5).
__________
(1) الرواة الذين ترجم لهم ابن حبان في المجروحين وأعادهم في الثقات) للدكتور مبارك سيف الهاري ط1421هـ / 2000م.
(2) المصدر السابق ص 8.
(3) الترغيب والترهيب 4/567-581.
(4) صدوق يخطئ قليلاً/ع، التقريب رقم (445).
(5) العلل رقم (3273)، الضعفاء للعقيلي (84)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/570، الكامل لابن عدي 1/311، وتهذيب الكمال 3/93، الميزان 1/228، بحر الدم ص70.(2/5)
- وقال عنه في رواية عبد الملك الميموني (ت 274ه): " أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث، صالح، ولكنه ليس ينشرح الصدر له، ليس يعرف هكذا يريد بالطلب"(1).
- وقال عنه في رواية أحمد بن ثابت أبو يحيى: "ضعيف الحديث"(2).
- وقال عنه في رواية أبي داود: "ما كان به بأس"(3).
- وقال عنه في رواية أبي العباس الفضل بن زياد - ثقة من المتقدمين عند أحمد -: "ثقة"(4).
2- حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي الغاضري (ت 180ه)(5).
- قال عنه في رواية عبد الله، وحنبل بن إسحاق: "متروك الحديث"(6).
- وقال عنه في رواية عبد الله: "صالح"(7).
- وقال عنه في رواية حنبل بن إسحاق: "ما كان به بأس"(8).
ثانياً: أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264ه):
1- الحكم بن عبدالله بن إسحاق بن الأعرج البصري(9):
- سئل عنه فقال: "بصري ثقة"(10).
- وقال مرة أخرى: "فيه لين"(11).
__________
(1) سؤالات الميموني رقم (475)، بحر الدم ص70.
(2) الكامل 1/311، إكمال التهذيب لمغلطاي 1/171، الميزان 1/228، تهذيب التهذيب 1/298.
(3) سؤالات أبي داود ص366 رقم (571)، تاريخ بغداد 6/216، تهذيب الكمال 3/94، الميزان 1/228، بحر الدم ص70.
(4) المعرفة والتاريخ 2/170، الكامل 1/312، تاريخ بغداد 6/217.
(5) متروك الحديث مع إمامته في القراءة / (ت عس ق)، التقريب رقم (1405).
(6) الضعفاء للعقيلي (335)، والجرح والتعديل 3/744، والكامل (505)، وتهذيب الكمال 7/1390، والميزان 1/558، وتهذيب التهذيب 2/700.
(7) تاريخ بغداد 8/187.
(8) المصدر السابق.
(9) ثقة ربما وهم من الثالثة، (م د ت س)، التقريب رقم (1446).
(10) الجرح والتعديل 2/120، وميزان الاعتدال 1/576، وتهذيب التهذيب 2/429.
(11) الجرح والتعديل 2/120، وميزان الاعتدال 1/656، وتهذيب التهذيب 2/429.(2/6)
2- خطاب بن القاسم الحراني، قاضيها (1):
- سئل عنه فقال: "قاضي حران ثقة"(2).
- وقال عنه: "منكر الحديث يقال إنه اختلط قبل موته"(3).
- وانظر أمثلة أخرى في (أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية)(4).
ثالثاً: أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه):
1- سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبو المغيرة (ت 123ه)(5).
- قال عنه: "سماك ليس بالقوي وكان يقبل التلقين"(6).
- وقال عنه: " ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث؛ لأنه كان يقبل التلقين "(7).
- وقال عنه: "ليس به بأس، وفي حديثه شيء"(8).
2- إسماعيل بن مسلم العبدي أبو محمد البصري القاضي(9):
- قال عنه: "لا بأس به"(10).
- وقال أيضاً: "ثقة"(11).
3- عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أبو سليمان المدني، (ت 172ه)(12):
- قال عنه: "ثقة"(13).
__________
(1) ثقة اختلط قبل موته من الثامنة، (د س)، التقريب رقم (1724).
(2) الجرح والتعديل 2/120، وميزان الاعتدال 1/656، وتهذيب التهذيب 2/147.
(3) تهذيب التهذيب 3/146، وميزان الاعتدال 1/656.
(4) 3/ص966-969.
(5) صدوق، روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأَخَرَة فكان ربما تلقن، (خت م4)، التقريب رقم (2624).
(6) السنن الصغرى 8/319 رقم (5677).
(7) السنن الكبرى 3/368 رقم (3295) وفي تحفة الأشراف 5/138: "وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيلقن"، وسير أعلام النبلاء 5/248، والميزان 2/233، وإكمال التهذيب لمغلطاي 6/109، وتهذيب التهذيب 6/234.
(8) تهذيب الكمال 12/120، وسير أعلام النبلاء 5/247، وتهذيب التهذيب 6/234.
(9) ثقة من السادسة، (م ت س)، التقريب رقم (483).
(10) السنن الكبرى 4 / 44 رقم (3694) تحفة الأشراف 8/ 190 رقم (10853).
(11) تهذيب الكمال 3 / 197.
(12) صدوق فيه لين، (خ م د تم ق)، التقريب رقم (3887).
(13) تهذيب الكمال 17/156، والميزان 2/568، وتهذيب التهذيب 6/190.(2/7)
- وقال أيضاً: "ليس به بأس"(1).
- وقال أيضاً: "ليس بالقوي"(2).
رابعاً: علي بن المديني (ت 234ه):
1- عرعرة بن البِرِنْد السامي الناجي أبو عمرو البصري لقبه كُزْمان(3):
- قال عنه فيما رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ثقة حافظ شهير،
ت 239ه): "كان عرعرة ثقة ثبتاً"(4).
- وفيما رواه العقيلي (ثقة، ت 322ه): "ضعيف"(5).
2- الأحوص بن حكيم بن عمير العَنْسي أو الهمداني الحمصي(6):
- روى ابن عدي بسنده إلى علي بن المديني أنه قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ثور - أي ابن يزيد الكلاعي - عندي ثقة. قال علي: ثور عندي أكبر من الأحوص، والأحوص صالح"(7).
- ثم عقب المزي على ذلك بقوله عن ابن المديني: "وقال في موضع آخر: والأحوص ثقة، وقال في رواية: لا يكتب حديثه "(8).
المبحث الثالث: نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت أقوال النقاد فيهم.
__________
(1) تهذيب الكمال 17/156، وتهذيب التهذيب 6/190.
(2) الكامل 4/1594، وتاريخ بغداد 1/226، والمصادر السابقة.
(3) صدوق يهم، من الثامنة (س)، التقريب رقم (4553).
(4) سؤالات محمد بن عثمان ص51.
(5) الضعفاء 3/430.
(6) ضعيف الحفظ، من الخامسة (ق)، التقريب رقم (290).
(7) الكامل 1/405.
(8) تهذيب الكمال 2/292.(2/8)
الإمام العالم الصدوق أسامة بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني (ت153ه)(1)، "من كبار العلماء من أهل المدينة"(2). قال الذهبي: "وقد يرتقي حديثه إلى رتبة الحسن، استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعات"(3)، وقال السخاوي: "وأخرج له مسلم في صحيحه متابعة، وأصحاب السنن، واستشهد به البخاري ولم يحتج به، وحديثه من قبيل الحسن"(4). قال ابن خلفون (ت 636ه): "هو عندي في الطبقة الثالثة من المحدثين، وهو حجة في بعض شيوخه وضعيف في بعضهم، ومن تدبر حديثه عرف ذلك"(5).
اختلف عدد من أئمة النقد في أسامة بن زيد، وهم:
1- يحيى بن سعيد القطان (ت 198ه).
2- يحيى بن معين (ت 233ه).
3- أحمد بن حنبل (ت 241ه).
4- أحمد بن شعيب ا لنسائي (ت303ه).
5- الحافظ الذهبي (ت 748ه).
6- الحافظ ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني (ت 852ه).
وأكد هذا الأمرَ كلٌ من: أبو العرب محمد بن أحمد القيرواني
(ت 333ه) في كتابه الضعفاء حيث قال: "اختلفوا فيه، وقيل: ثقة، وقيل: غير ثقة"(6). وأبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان الفاسي (ت628ه) حيث قال في كتابه (الوهم والإيهام) إن مسلماً - رحمه الله - لم يحتج به إنما روى له استشهاداً كالبخاري، وأقره على ذلك ابن الموَّاق -محمد ابن يحيى القرطبي المراكشي (ت642ه)- قال أبو الحسن: "وهو مختلف فيه"(7).
قال الساجي - زكريا بن يحيى (ت 307ه) -: "اختلف أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في أسامة الليثي"(8).
وإلى ذكر أقوال الأئمة - رحمهم الله - فيه:
__________
(1) صدوق يَهم، (خت م 4) التقريب (317)، وسير أعلام النبلاء 6/342.
(2) التحفة اللطيفة 1/287 رقم (382).
(3) سير أعلام النبلاء 6/343.
(4) التحفة اللطيفة 1/287 رقم (382).
(5) إكمال مغلطاي 2/60.
(6) إكمال مغلطاي 2/58.
(7) بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام 4/84، 520، 3/216.
(8) إكمال مغلطاي 2/60.(2/9)
1- يحيى بن سعيد القطان: قال ابن حبان في الثقات: "كان يحيى القطان يسكت عنه وفي نسخة: يكتب عنه"(1)، فمن هذا الخطأ ظن البعض اختلاف قول يحيى القطان فيه، والصواب ما ذكره الدارقطني في سؤالات الحاكم له
رقم (285)- وسماه مغلطاي بـ(التجريح والتعديل) -: "كان يحيى بن سعيد حدث عنه ثم تركه وقال: إنه حدث عن عطاء عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منى كلها منحر" فقال يحيى: اشهدوا أني قد تركت حديثه. زاد حمزة السهمي في (سؤالات الدارقطني) قلت: فمن أجل هذا احتج به مسلم وتركه البخاري"(2).
وفي "السؤالات الكبرى" للحاكم: وقد احتج به البخاري(3). وخالف ذلك في كتاب (المدخل) فقال: "روى له مسلم كتاباً لعبد الله بن وهب، والذي استدللت به في كثرة روايات له أنه عنده صحيح الكتاب، على أن أكثر تلك الأحاديث مستشهد بها أو هو مقرون في الإسناد. وقال البخاري: هو ممن يحتمل"(4). لذلك قال الذهبي: "اختلف قول القطان فيه"(5).
2- أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه): قال النسائي عنه
__________
(1) الثقات 6/74، وإكمال مغلطاي 2/ 57، وزاد في نقله عن ابن حبان "وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب"، وانظر التاريخ الكبير 2/ 22 مع الحاشية.
(2) إكمال مغلطاي 2/57-58، وتهذيب التهذيب 1/209، وأصل النص في سؤالات الحاكم للدارقطني في الجرح والتعديل ص187 رقم (285)، والحديث رواه أبو داود في سننه كتاب
المناسك / باب 65 رقم 1937، وسنن ابن ماجه في كتاب المناسك / باب الذبح حديث رقم (3048)، وأحمد في المسند 3/ 326، والدرامي رقم (1886)، وابن خزيمة رقم (2787).
(3) كذا في إكمال مغلطاي والصواب ما ورد في سؤالات الحاكم.... ص187.
(4) كذا في إكمال مغلطاي والصواب ما ورد في سؤالات الحاكم.... ص187.
(5) المغني 1/103، وسير أعلام النبلاء 6/342.(2/10)
- أسامة -: "ليس بثقة"(1)، وقال أيضاً: "ليس بالقوي"(2)، وفي نسخة من كتاب الجرح والتعديل للنسائي: "ليس به بأس"(3).
3- أحمد بن حنبل ت (241ه):
قال عبد الله بن أحمد قال أبي: "روى أسامة بن زيد عن نافع أحاديث مناكير. قلت له: إن أسامة حسن الحديث. قال: إن تدبرت حديثه فستعرف النكرة فيها"(4). وقال المروذي: "سألته (يعني أبا عبد الله) عن أسامة بن زيد، قال: الليثي أقوى من ذا يريد ابن زيد بن أسلم"(5). وقال أيضا: "قلت: (يعني للإمام أحمد) أسامة بن زيد يروي عن القاسم؟. قال: وهذا أيضا يحتمله الناس إلا أن يحيى القطان تركه "(6).
وقال أبو داود: "قلت لأحمد في أسامة بن زيد الليثي فقال: تركه بأَخَرَة، وسمعت أحمد يقول: يحيى ترك أسامة بأخرة، وذاك أن عثمان بن عمر ذاكره عنه عن عطاء.... حديث المناسك"(7).
وفي رواية الأثرم - أحمد بن محمد بن هاني (ت 273ه) -: "ليس بشيء"(8).
وقال عبد الله: "سئل أبي عنه فقال: هو دونه، وَحرَّك يَدَهُ"(9).
أي: أسامة بن زيد الليثي هو دون حاتم بن أبي صغيرة - ثقة - الذي سئل عنه أحمد قبل السؤال عن أسامة. والله أعلم.
وقد روى الإمام أحمد لأسامة بن زيد الليثي (76) حديثاً في مسنده.
__________
(1) الضعفاء للنسائي رقم (53)، وقد قدمت النسائي لاعتبار معين.
(2) الكامل 1/385، والضعفاء للعقيلي 1/96، وتهذيب الكمال 2/350، سير أعلام النبلاء 6/342، الميزان 1/174، المغني 1/66، تهذيب التهذيب 1/209.
(3) إكمال مغلطاي 2/58.
(4) انظر: العلل (1428) وأيضا (503)، الجرح والتعديل 2/284 (1031) تهذيب الكمال 2/349، بحر الدم ص62.
(5) سؤالات الميموني رقم (396)، بحر الدم ص62.
(6) سؤالات الميموني (435)، بحر الدم ص63.
(7) سؤالات أبي داود رقم (191).
(8) الجرح والتعديل 2/1031، المغني 1/66.
(9) العلل رقم (1472)، (1473).(2/11)
4- يحيى بن معين (ت 233ه): في رواية عباس الدوري وأحمد بن سعد ابن أبي مريم (ثقة)(1)، قال ابن الجوزي: "واختلفت الرواية عن يحيى، فقال مرة: ثقة صالح، وقال مرة: ليس به بأس. وقال مرة: ترك حديثه بأخرة"(2).
وقال ابن الجنيد - إبراهيم بن عبد الله الختلي (ت260ه) -: "مديني صالح ليس بذاك"(3). وقال في رواية الدارمي - عثمان بن سعيد
(ت 280ه) -: "ليس به بأس"(4). وقال الحافظ الذهبي منبهاً على وهم قد وقع في نسبة قول لابن معين: "وجاء عن يحيى بن معين أنه ثقة وجاء عنه قال: ترك حديثه بأخرة، وهذا وهم بل هذا القول الأخير هو قول يحيى، بن سعيد فيه"(5).
وبعد أن درس الحافظ الذهبي أقوال ابن معين خرج بنتيجة اتفق عليها اثنان من الرواة عن يحيى تمثَّلَتْ بقول الذهبي: "وقد روى عباس عن يحيى: ثقة، وروى أحمد بن أبي مريم عن يحيى: ثقة حجة، فابن معين حسن الرأي في أسامة"(6).
والحافظ الذهبي من النقاد المتأخرين، وقد شهد الحافظ ابن حجر له بأنه: "من أهل الاستقراء التام في الرجال" وقد اختلفت أقواله في أسامة الليثي: فقال عنه في المغني: "صدوق يهم، اختلف قول القطان فيه "(7).
وقال عنه: "صدوق فيه لين يستر"(8).
وقال أيضاً بعد كلام النقاد فيه: "وقد يرتقي حديثه إلى رتبة الحسن، استشهد به البخاري، وأخرج له مسلم في المتابعات"(9).
__________
(1) التاريخ 2/22، الجرح والتعديل 2/235، الكامل لابن عدي 1/385، وتهذيب الكمال 2/350.
(2) الضعفاء والمتروكين 1/96، ونقل المزي في تهذيب الكمال 2/350.
(3) سؤالات ابن الجنيد ص402 رقم (547).
(4) تاريخ الدارمي ص66 رقم (118).
(5) سير أعلام النبلاء 6/343.
(6) المصدر السابق.
(7) المغني 1/103.
(8) الديوان ص25.
(9) سير أعلام النبلاء 6/342. وقد صنفه في عام 732هـ كما في الإشارة إليه في المقدمة ص93.(2/12)
وقال عنه: "الليثي لا العدوي، صدوق قوي الحديث، أكثر مسلم إخراج حديث ابن وهب عنه، ولكن أكثرها شواهد ومتابعات، والظاهر أنه ثقة، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي"(1).
ونقل في ((الكاشف)) قول الحاكم ولفظه: "... أكثرها شواهد أو يقرنه بآخر، قال النسائي وغيره: ليس بالقوي"(2). وانتهى من تأليفه سنة 720ه، ولعل القول الفصل الذي نخرج به للحافظ الذهبي في أسامة الليثي هو ما ذكره في "سير أعلام النبلاء" والله أعلم.
5- الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852ه):
تعددت أقواله في هذا الراوي (أسامة) واختلفت أيضاً فقال فيه: "مختلف فيه، وعلق له البخاري قليلاً"(3). وقال عنه: "سيئ الحفظ"(4). وفي موضع آخر قال: "فيه مقال"(5). وقال أيضاً: "صدوق في حفظه شيء، أخرج له مسلم استشهاداً"(6). وقال أيضاً في نقده لحديث من روايته: "وهو لين، وقال الدارقطني: تفرد عثمان بن عمر بهذه الزيادة، وقد رواه ابن وهب عن أسامة وهو أعلم الناس بحديثه"(7). وقال: "صدوق يَهِمُ"(8). ويبدو أن الحافظ ابن حجر اقتنع بعد دراسة أحواله ومروياته أن حديثه حسن فحسنه(9).
المبحث الرابع: تعريف موجز بالإمام يحيى بن معين.
__________
(1) من تكلم فيه وهو موثق ص41. لعله صنفه بعد 724هـ.
(2) الكاشف 1/232 رقم (263).
(3) هدى الساري ص456.
(4) فتح الباري 3/210.
(5) فتح الباري 9/411.
(6) موافقة الخُبر الخبر 1/183.
(7) الدراية 1/243.
(8) التقريب ص124 رقم (317).
(9) الإصابة 7/427.(2/13)
هو (ع) يحيى بن معين بن عَوْن بن زياد المُرِّيُّ الغطفاني، أبو زكريا البغدادي الحافظ، مولى غطفان، إمام أهل الحديث في زمانه والمشار إليه من بين أقرانه، وهو كما وصفه الخطيب البغدادي: "كان إماماً ربانياً، عالماً، حافظاً، ثبتاً، متقناً"(1) اختاره الله - سبحانه وتعالى - من بين رهط مبارك؛ لحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والذَّبِّ عنها، وجمع له ما حفظه اثنا عشر عَلَماً من علماء الأمة في البصرة، والكوفة والحجاز(2)، حتى أصبح متميزاً من بين خاصة أهل الحديث وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه"(3).
تخصص يحيى بن معين بمعرفة الرجال حتى إذا اختلف أساطين العلم رجعوا إليه كما ورد عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل(4). وجَنَّد نفسه من نعومة أظفاره وأفنى حياته وما يملك حتى توفاه الله - عز وجل - في خدمة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد ورث عن أبيه "ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه"(5) وكان يقول: "كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث. قال أحمد - راوي الخبر -: وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف، وستمائة ألف"(6).
ورحل كثيراً في طلب الحديث، وكان صبوراً على طلب العلم، فهذا مظفر بن مُدْرِك الخراساني نزيل بغداد - ثقة متقن، كان لا يُحَدِّث إلا عن ثقة ت 207ه- كان أول من جاء إليه مع الإمام أحمد، ولم يحدِّثهم سنة شيئاً، فعدّوا الأيام، فلما تمت السنة جاؤوا فحدَّثهم" ومنه تعلم صنعة الحديث ومعرفة الرجال(7).
__________
(1) تاريخ بغداد 14/177.
(2) تاريخ بغداد 14/177، وتهذيب الكمال 31/550-551.
(3) تهذيب الكمال 31/551.
(4) تاريخ بغداد 14/182.
(5) تاريخ بغداد 14/177، وتهذيب الكمال 31/547.
(6) المصادر السابقة.
(7) تاريخ بغداد 6/29 (ترجمة إبراهيم الحربي)، نفسه 13/125 (ترجمة المظفر بن مدرك).(2/14)
وكان حريصاً على سؤال بعض الشيوخ الكبار في أول لقائه بهم والتعرف عليهم، فحينما قدم حران مع الإمام أحمد للقاء عبد الله بن محمد النفيلي - ثقة حافظ ت 234ه- سأله وهو يعانقه قال: "يا أبا جعفر. قرأت على معقل ابن عبيد الله عن عطاء (أدنى وقت الحائض اليوم؟) فقال له أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد - لو جلست؟ قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه"(1). وكان يقول: "كتبت بيدي ألف ألف حديث، وكل حديث لا يوجد ها هنا - وأشار بيده إلى الأسفاط - فهو كذب"(2). ورغم هذا الكم الهائل من الحديث كان كما يقول ابن سعد: "... وكان لا يكاد يحدث"(3).
ولعل السبب في ذلك ما ذكره أبو زرعة: "لم ينتفع بيحيى؛ لأنه كان يتكلم في الناس"(4).
__________
(1) الجامع لأخلاق الراوي.... 2/241 القول في كتب الحديث على وجهه...
(2) تهذيب الكمال 31/548، سير أعلام النبلاء 11/92، يعني بالأسانيد المكررة للمتن الواحد، ولأنه كان يكتب الحديث نيفاً وخمسين مرة - السير 11/92.
(3) طبقات ابن سعد 9/357 والسير 11/92.
(4) تاريخ الإسلام وفيات 231-240 ص411.(2/15)
وقد اعتنى بمعرفة الرجال وأحوالهم، حتى إن الحافظ الذهبي عَدَّه من الذين تكلموا في أكثر الرواة(1)، وصنفه ضمن المتعنتين في الجرح والمتثبتين في التعديل، يغمز الواحد منهم الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه، ثم وصف هذا القسم وأصحابه بأنه "إذا وَثَّقَ شخصاً فعض على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضَعَّفَ رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه؟ فإن وافقه، ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحُسن أقرب. وابن معين وأبو حاتم، والجوزجاني: متعنتون"(2).
وبسبب كثرة السائلين له عن الرجال تعدَّدت أقواله واختلفت، يقول الحافظ السخاوي: "يحيى بن معين وقد سأله عن الرجال غير واحد من الحفاظ، ومن ثَمَّ اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال، كما اختلف اجتهاد الفقهاء، وصارت لهم الأقوال والوجوه، فاجتهدوا في المسائل كما اجتهد ابن معين في الرجال"(3).
__________
(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص158 والمتكلمون في الرجال للسخاوي ص93.
(2) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص158-159، والمتكلمون في الرجال للسخاوي ص93 بلفظ: "ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه". ومن المعلوم أن هذا التقويم من الحافظ الذهبي له مكانته؛ لأنه كما قال الحافظ ابن حجر عنه: "هو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال" انظر الحاوي للفتاوي 1/348 وكذا السخاوي قالها في المتكلمون في الرجال ص132.
(3) المتكلمون في الرجال للسخاوي ص93.(2/16)
ولمعالجة هذه الظاهرة عند ابن معين كان هذا البحث محاولةً للوصول إلى طرق يوفق فيها وتجمع أقواله المختلفة، والخطوات التي ينبغي سلوكها لمعرفتها والتثبت منها، وكذلك تمييزها والوصول إلى نتائج مبنية على قواعد النقاد ومسالك بحثهم، وبالله التوفيق.
نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت فيهم أقوال
ابن معين
محمد بن إسحاق:
لعل أكثر الرواة الذين تعددت فيهم أقوال ابن معين واختلفت هو
محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي مولاهم المدني إمام المغازي
(ت 150ه)(1).
الذي قال عنه الخطيب: "احتجَّ بروايته في الأحكام قوم من أهل العلو وصَدَفَ عنها آخرون"(2).
وقال عنه الحافظ الذهبي: "فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسنُ الحديث، صالح الحال صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً. وقد احتج به أئمة؛ فالله أعلم"(3).
أقوال ابن معين في ابن إسحاق:
1- سأله الدوري: "أيما أحبّ إليك: موسى بن عبيدة الرَّبَذِي - ضعيف ولاسيما في عبد الله بن دينار - أو محمد بن إسحاق؟ فقال: محمد بن إسحاق، محمد بن إسحاق صدوق ولكنه ليس بحجة"(4).
2- وقال في روايته عنه أيضاً: "محمد بن إسحاق ثقة، ولكنه ليس بحجة"(5)، وعقَّبَ على ذلك ابن سيِّد النّاس بقوله: "وأما قول يحيى: ثقة وليس بحجة. فيكفينا التوثيق، ولو لم يُقبل إلا مثل العمري - عبيد الله بن عمر - ومالك لقلَّ المقبولون"(6).
__________
(1) صدوق يدلس (ط 4) وُرمي بالتشيع والقدر (خت م 4)، التقريب رقم (5725).
(2) تاريخ بغداد 1/ 215.
(3) الميزان 3/ 475.
(4) تاريخ ابن معين رواية الدوري 2/504 رقم (230)، والجرح والتعديل 7/192.
(5) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/225 رقم (1047).
(6) عيون الأثر 1/65.(2/17)
3- وقال الدوري: " سمعت يحيى يقول: لا تتشبث بشيء مما يحدثك به ابن إسحاق؛ فإن ابن إسحاق ليس هو بقوي في الحديث. فقال رجل ليحيى: يصح أن ابن إسحاق كان يرى القدر؟ قال: نعم كان يرى القدر"(1).
4- وقال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن عمرو أحب إليّ من محمد بن إسحاق"(2).
5- وقال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: ليث بن سعد أثبت في يزيد بن أبي حبيب من محمد ابن إسحاق"(3).
6- وقال الدوري: "محمد بن عبد الله بن أخي الزهري أحبُّ إليّ من محمد بن إسحاق في الزهري"(4).
7- وقال الدوري: "سمعت يحيى يقول: محمد بن عجلان أحب إليّ من محمد بن عمرو، ومحمد بن عمرو أحب إلي من محمد بن إسحاق"(5).
وفي رواية العقيلي من طريق الدوري بلفظ: "... محمد بن عجلان أوثق من محمد بن عمرو، ولم يكونوا يكتبون حديث محمد بن عمرو، حتى اشتهاها أصحاب الإسناد فكتبوها، ومحمد بن عمرو أحب إلي من محمد بن
إسحاق"(6).
8- وقال في رواية الدارمي: "ليس به بأس، وهو ضعيف الحديث عن الزهري"(7).
__________
(1) تاريخ ابن معين - الدوري - 2/504 رقم (1158).
(2) الكامل 6/2118.
(3) تاريخ ابن معين - الدوري - 4/466، الكامل 6/2118، وتهذيب الكمال 24/ 263.
(4) تاريخ ابن معين - الدوري - 2/524 رقم (730)، وانظر: رقم (1153) أيضاً.
(5) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/226.
(6) الضعفاء للعقيلي 4/110، إكمال تهذيب الكمال 10/301، وفي تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن عمرو 9/377 باختصار.
(7) تاريخ الدارمي ص44 رقم (15).(2/18)
9- وقال أبو زرعة الدمشقي: "قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة، فقلت له: محمد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس، وذكر قوماً آخرين"(1).
10- وقال المفضل بن غسان الغلابي: "سألت ابن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: كان ثقة، وكان حسن الحديث. فقلت: إنهم يزعمون أنه رأى سعيد بن المسيب. فقال: إنه لقديم"(2).
11- وقال أيضاً في رواية الغلابي: "ابن إسحاق ثبت في الحديث"(3).
12- وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة: " محمد بن إسحاق ليس به
بأس"(4).
13- وقال في رواية أخرى عنه: "ليس بذاك، ضعيف"(5).
14- وقال في رواية أخرى عنه: "محمد بن إسحاق عندي سقيم، ليس بالقوي"(6).
15- وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت يحيى وقيل له أيما أحب إليك موسى ابن عبيدة الرَّبَذي أو محمد بن إسحاق؟ فقال: محمد بن إسحاق"(7).
16- وقال أيضاً: وسمعت يحيى يقول: "لم يزل الناس يتقون حديث محمد ابن إسحاق"(8).
__________
(1) تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/460-461، وفي الكامل 6/2118، ومختصره للمقريزي ص649 بلفظ: "هو حجة فقال: هو صدوق ولكن الحجة عبيد الله بن عمر والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز"، وتاريخ بغداد 1/ 232، وتهذيب الكمال 24/423.
(2) تاريخ بغداد 1/218، وتهذيب الكمال 24/411. وتهذيب التهذيب 9/39-40.
(3) تاريخ بغداد 1/231، عيون الأثر 1/58.
(4) تاريخ بغداد 1/232، وعيون الأثر 1/58-59، وتهذيب الكمال 24/423، وتهذيب التهذيب 9/44.
(5) المصادر السابقة والجرح والتعديل 7/194.
(6) تاريخ بغداد 1/232، وعيون الأثر 1/59، وتهذيب الكمال 24/423، وتهذيب التهذيب 9/44.
(7) الجرح والتعديل 7/194، والثقات لابن شاهين ص200 رقم (1200).
(8) الجرح والتعديل 7/194.(2/19)
17- قال يعقوب بن شيبة: "سألت يحيى بن معين قلت: كيف محمد بن إسحاق عندك؟ قال: ليس هو عندي بذاك، ولم يثبّتْه وضعّفه، ولم يضعّفه جداً. فقلت له: ففي نفسك من صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقاً"(1).
18- قال الميموني: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف"(2).
19- وقال في رواية محمد بن عبيد الله الزهري: "محمد بن إسحاق ليس بذاك"(3).
20- قال أحمد بن محمد بن القاسم بن مُحْرِز وسمعت يحيى وقيل له: "أيما أكثر محمد بن إسحاق أو محمد بن عمرو؟ قال: محمد بن عمرو أحب إليّ منه، وأهل المدينة لا يرون أن يحدثوا عن ابن إسحاق، وذلك أنه كان
قدرياً"(4).
21- قال إسحاق بن منصور: "سئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو ومحمد بن إسحاق أيهما يقدم؟ فقال: محمد بن عمرو"(5).
22- وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: "قال يحيى بن معين: الليث بن سعد الفَهْمي -ثقة ثبت فقيه إمام مشهور (ت 175ه)- عندي أرفع من محمد بن إسحاق. قلت له: فالليث أو مالك؟ قال لي: مالك"(6).
23- وقال الليث بن عَبْدَة المروزي نزيل مصر: "سمعت يحيى بن معين يقول: الليث أرفع عندي من محمد بن إسحاق"(7).
24- وقال محمد بن هارون الفلاس المخرمي: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق؟ فقال: ما أحب أن احتج به في الفرائض"(8).
__________
(1) الكامل 6/2119، وتاريخ بغداد 1/231، وعيون الأثر 1/58، وتهذيب الكمال
24/ 422، والميزان 3/472.
(2) تاريخ بغداد 1/231.
(3) تاريخ بغداد 1/231.
(4) رواية ابن محرز 1/118، رقم (578).
(5) تهذيب التهذيب 9/376.
(6) تاريخ بغداد 3/13، الكامل 6/2120.
(7) الكامل 6/ 2118.
(8) الجرح والتعديل 7/193.(2/20)
وعقب ابنُ سَيِّد النَّاس على قول ابن معين فقال: "وأما قول يحيى: ما أحب أن احتج به في الفرائض، فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الإمام أحمد رحمه الله - قوله... أما في المغازي وأشباهها فيكتب، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا - ومدّ يده وضمّ أصابعه - على أن المعروف عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين المرويات من أحكام وغيرها والقبول مطلقاً أو عدمه من غير تفصيل"(1).
رواية ابن معين لأقوال بعض شيوخه في محمد بن إسحاق:
قال أحمد بن أبي خيثمة: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة - ثقة عالم بالمغازي (ت بعد120ه)-: لا يزال في الناس عِلْمٌ ما عاش محمد بن إسحاق"(2).
قال أحمد بن الدورقي: "حَدَّثني يحيى بن معين عن يحيى القطان- ثقة متقن حافظ إمام قدوة (ت 198ه) - أنه كان لا يرضى ابن إسحاق، ولا يروي عنه"(3).
وقال أحمد بن الدورقي أيضاً: "قال يحيى بن معين: محمد بن عمرو
- صدوق له أوهام (ت 145 ه) - روى عنه يحيى القطان، وقال: هو أحب إليّ من محمد بن إسحاق"(4).
معرفة ابن معين بأحوال ابن إسحاق ومروياته وسماعاته:
1- قال ابن محرز: " سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت لمحمد بن إسحاق شيخين أقدم من هذين: أبي سلمة بن عبد الرحمن - الزهري ثقة مكثر (ت 94ه) - وسالم بن عبد الله - بن عمر بن الخطاب أحد الفقهاء السبعة كان ثبتاً عابداً فاضلاً (ت 106ه) - "(5).
__________
(1) عيون الأثر 1/ 61-66.
(2) تاريخ بغداد 1/220، عيون الأثر 1/56، وتهذيب الكمال 24/413.
(3) تاريخ بغداد 1/227، والكامل 6/2118 دون قوله: "ولا يروي عنه".
(4) الكامل 6/ 2118.
(5) رواية ابن محرز 1/73 رقم (151) وذكر روايتين لابن معين تتعلق بهما رقم (149) و (150) ورواية من طريق ابن إسحاق عن أبان بن عثمان رقم (152)، وتاريخ بغداد 1/218.(2/21)
2- قال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق مولى قيس بن مخرمة"(1).
3- قال أحمد بن زهير: "سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق مات سنة 152ه"(2).
4- قال عباس الدوري: "سمعت يحيى بن معين يقول: لم نسمع من عبدالله بن دينار، عن أنس إلا الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق يعني حديث الرويبضة. وعقب عليه ابن عدي برواياته له من طريق ابن إسحاق فقال: حدثناه أحمد بن علي بن المثنى ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن دينار عن أنس قيل: يا رسول الله، ما الرويبضة؟ قال: الفاسق يتكلم في أمر العامَّة"(3)
__________
(1) تاريخ بغداد 1/215.
(2) تاريخ بغداد 1/234.
(3) الحديث رواه بهذا الإسناد أحمد بن حنبل في المسند 3/220 وأبو يعلى في مسنده 6/378 رقم (3715)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (465) و(466) من طرق عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن دينار عند البزار، إذ قال بعد روايته الحديث عن عوف بن مالك- وقع في المطبوع من مجمع الزوائد 7/284 (عمرو بن عوف). وفي مسند البزار 4/174 رقم (2740) وكذا في كشف الأستار 4/132 رقم (3373) (عوف بن مالك) - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بمثل هذا الحديث: "قال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن دينار، عن أنس، عن النبي بنحوه" وللحديث شاهد آخر عن أبي هريرة أخرجه ابن ماجه 2/ رقم (4036)، وأحمد في المسند 2/293، والحاكم في المستدرك 4/465، 512، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص30، وإسناده ضعيف لضعف عبدالملك بن قدامة، وجهالة إسحاق بن بكر ابن أبي الفرات، وأخرجه أحمد في المسند 2/338 من طريق سعيد بن عبيد في السباق عن أبي هريرة بنحوه وإسناده حسن، ولم أقف على إسناد أبي يعلى الذي رواه عنه ابن عدي، عن أبي يعلى - محمد بن العلاء - أبي كريب في المسند المطبوع، وقد سأل ابن أبي حاتم والده عن هذا الحديث، فقال: "لا أعلم أحداً روى عن عبدالله بن دينار هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، وودت في رواية بعض البصريين عن عبدالله عن المثنى الأنصاري عن عبدالله بن دينار عن أبي الأزهر عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه" قال أبي: " ولا أدري من أبو الأزهر هذا قلت: من الذي رواه عن عبدالله بن المثنى؟ فقال: حجاج الفسطاطي قال أبي: لو كان حديث ابن إسحاق صحيحاً لكان قد رواه الثقات عنه" علل الحديث 4/116 رقم (2792) أقول: قد روى هذا الحديث عن ابن إسحاق بعض الثقات مثل: عبد الله ابن إدريس الأودي، عباد بن العوام الواسطي، وقد وثَّقهما أبو حاتم نفسه كما في الجرح والتعديل
6/ ترجمة 425 بل قال في حديث ابن إدريس: "هو حجة يحت بها، وهو إمام من أئمة المسلمين ثقة"، الجرح والتعديل 5/ ترجمة 44 فلعله رحمه الله لم يقف على روايتهما عن ابن إسحاق والله أعلم.(2/22)
.
5- قال الدوري: "سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئاً"(1).
6- وقال أيضاً: "سمعت يحيى يقول: لم يسمع محمد بن إسحاق من طلحة بن نافع شيئاً، ولم يسمع حديث ابن عباس في البكر، وهو حديث ليس له أصل"(2).
7- وقال أيضاً: "سمعت يحيى يقول: لم نسمع عن عبد الله بن دينار عن أنس الحديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق عن عبد الله بن دينار عن أنس"(3).
8- وقال أيضاً: سمعت يحيى يقول: "قد سمع محمد بن إسحاق عن أبان ابن عثمان، وسمع من عطاء، وسمع عن أبي سلمة عن عبد الرحمن، وسمع أيضاً من القاسم بن محمد"(4).
9- وقال أيضاً: "وسمع من مكحول، وسمع من عبد الرحمن بن الأسود"(5).
تصنيف الأقوال وتحليلها ومحاولة الوصول إلى الحكم المناسب له:
أولاً: بعد جمع الأقوال المختلفة لابن معين في ابن إسحاق، والتي يمكننا أن نصنفها حسب التقويم التالي:
1- الأقوال التي تنطق بالتوثيق والتعديل، وكذا التليين والتضعيف والتوسط في ذلك.
2- الأقوال التي تُعَدُّ من قبيل التعديل النسبي وضده.
3- الأقوال التي نقلها عن شيوخه وبخاصة بعض أئمة النقد منهم كالقطان مثلاً.
4- الأقوال التي تدل على معرفة ابن معين بأحوال ابن إسحاق كسماعاته عن بعض الشيوخ وطبيعة - نوعية - المرويات عنهم، إلى غير ذلك مما يساعد على إعطائه التصور المتكامل عنه.
أقوال ابن معين في توثيق ابن إسحاق:
1- (الدوري) - صدوق ولكنه ليس بحجه.
2- (الدوري) - ثقة ولكنه ليس بحجة.
3- (أبو زرعة الدمشقي) - ثقة، إنما الحجة فلان....
12- (ابن أبي خيثمة) - ليس به بأس.
11- (الغلابي) - ثبت في الحديث.
__________
(1) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/167، والكامل 6/2120.
(2) تاريخ ابن معين - الدوري - 2/504، 3/241.
(3) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/135.
(4) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/201، وتاريخ بغداد 1/218، وتهذيب التهذيب 9/40.
(5) تاريخ ابن معين - الدوري - 3/212، وتاريخ بغداد 1/218.(2/23)
أقوال ابن معين في تضعيف ابن إسحاق:
13- (ابن أبي خيثمة) - ليس بذاك، ضعيف.
14- (ابن أبي خيثمة) – سقيم، ليس بالقوي.
18- (الميموني) - ضعيف.
أقوال ابن معين التي توسط فيها في ابن إسحاق:
10- (الغلابي) - ثقة حسن الحديث.
19- (محمد بن عبيد الزهري) - ليس بذاك - أي القوي.
8- (الدارمي) - ليس به بأس - وهو ضعيف الحديث عن الزهري.
3- (الدوري) - ليس هو بقوي في الحديث.
17- (يعقوب بن شيبة) - ليس هو عندي بذاك، ولم يثبّتْه، وضعفه ولم يضعّفْه جداً، كان صدوقاً.
24- (الفلاس المخرمي) - ما أحب أن احتج به في الفرائض.
التحليل:
بدراسة أقوال ابن معين المختلفة في ابن إسحاق، نجدها تتفق في بعض الروايات عنه في عدم العلو به إلى التوثيق العالي الذي عبر عنه بقوله: "ليس بحجة" وتتراوح بين قوله: "ثقة ولكنه ليس بحجة"، "ثقة إنما الحجة فلان..."، "صدوق ولكنه ليس بحجة". وأيضاً رواية الغلابي البغدادي: "ثبت في الحديث" حيث وافق فيها روايتي الدوري البغدادي صاحبه وملازمه، والدمشقي، وكذلك مع رواية ابن أبي خيثمة: "ليس به بأس" التي هي عنده توازي الثقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اتفق ابن أبي خيثمة، والميموني وكلامها بغدادي على قوله: (ضعيف، سقيم ليس بالقوي، ليس بذاك، ضعيف) وابن أبي خيثمة شارك بالرواية عن ابن معين - مَنْ وثَّقه حيث قال: "ليس به بأس".
ولعل رواية الميموني في حالة خاصة، أو رواية عناها ونقلها عنه الميموني. ولعل القول الذي يقترب من رأيه المتوازن الذي استغرق في وصفه وفصل بين التوثيق والتضعيف هو الذي نقله عنه ابن شيبة: "ليس هو عندي بذاك" - أي القوي - ولم يثبِّتْه - وضعفه، ولكن استدرك على ذلك بقوله - ولم يضعفه جداً، ثم أقره على صدقه - والله أعلم -.(2/24)
ويستأنس له بالأقوال الأخرى - أي الزهري، والغلابي، والدوري -. وأما في عدم روايته له والاحتجاج به في الفرائض فقد دافع عنه ابن سيد الناس، وهذا مذهب من يرى التشدد فيها وفي الأحكام وبيّن الخطيب البغدادي أن بعض الأئمة احتج بروايته في الأحكام وتوقف، أو لم يحتج بها البعض، لذا يرى الحافظ الذهبي وغيره أن حديثه (حسن) والله أعلم.
ثانياً: التأمل في تعديله وتليينه النسبي:
قارن ابن معين ابن إسحاق ببعض الرواة الآخرين الذين يقاربونه في الطبقة والمشاركة معه في الرواية.
فقد فَضَّل عليه الليث بن سعد في الرواية عن يزيد بن أبي حبيب، وكذلك قدَّم عليه ابن أخي الزهري في الرواية عن الزهري، وكذلك فضل عليه محمد بن عمرو الليثي المدني في الرواية، وكذلك الإمام مالك. ومن جهة أخرى فضل ابن إسحاق على موسى بن عبيدة الرّبذِي.
وعلق على هذا التوثيق النسبي الإمام أبو الوليد الباجي حيث قال: "وقد روى عباس بن محمد الدوري عن ابن معين أنه قال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بُحجّة، وأصل ذلك أنه سئل عنه، وعن موسى بن عبيدة الرَّبذي أيهما أحبّ إليك؟ فقال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة. فإنما ذهب إلى أنَّه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الرَّبذيّ "(1).
المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاظ من أقوال ابن معين المختلفة.
ونظراً لما تميز به الإمام الناقد يحيى بن معين من بين الأئمة الآخرين بكثرة أقواله واختلافها في طائفة كبيرة من الرواة؛ حاول بعض الحفاظ من المحدِّثين أن يجمعوا ويوفقوا بين أقواله المختلفة، ويسوّغوا اجتهاداته تلك، وقد يصرح البعض أحياناً بالتوقف حتى تتبين له القرائن أو الدلائل لترجيح أحد قوليه أو أقواله. وهذه طائفة منهم:
1- أبو حفص عمر بن شاهين البغدادي (ت 385ه):
الحافظ الناقد أبو حفص عمر بن شاهين البغدادي (ت 385ه)، حيث حاول في كتابه (المختلف فيهم)، أن يوفق ويجمع، وهذه نماذج لمحاولاته:
__________
(1) التعديل والتجريح 1/ 285.(2/25)
1- عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي الزاهد(1).
نقل في (المختلف فيهم) عن ابن معين أنه قال: "وما ذكره إلا بخير"(2) وفي (الثقات): "ليس به بأس"(3).
وفي رواية المفضل بن غسان قال: "ليس بشيء".
قال ابن شاهين: "هذا القول من يحيى بن معين يوجب التوقف في أبي ثوبان؛ لأن سكوته عن اطراحه وتوثيقه لا يقضي على تضعيفه أنه إذا كان كذلك لم يذكر في الصحيح".
2- وقال في عثمان بن عمير أبي اليقظان الكوفي البجلي الأعمى(4).
الذي نقل عنه في رواية عباس الدوري: "ليس حديثه بشيء"(5)، وقال عنه في رواية إسحاق: "إنه صالح"(6).
هذا الخلاف في عثمان عن يحيى وحده يوجب التوقف فيه حتى يعينه عليه آخر فيكون أحد كلامي يحيى معه والعمل فيه على ذلك"(7).
3- وقال في عطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي
أبو صفوان المدني(8):
الذي نقل عنه في رواية يزيد بن الهيثم (ثقة ت 284ه): "ليس به
بأس"(9)، وقال في رواية جعفر بن أبي عثمان (ت 282ه) - وكان مشهوراً بالثقة والإتقان - "ضعيف"(10).
__________
(1) صدوق يخطئ ورمي بالقدر بأخرة (بخ4)، (ت165ه) التقريب رقم (3820).
(2) المختلف فيهم ص43.
(3) الثقات ترجمة (765) وفي رواية عباس الدوري 2/346 زاد 2/346 بقوله: "ليس به بأس".
(4) ضعيف واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع (د ت ق)، (ت في حدود 150ه) التقريب (4507).
(5) المختلف فيهم ص48، والتاريخ 2/395، والضعفاء لابن شاهين (124) رقم (373)، الثقات (140) رقم (744).
(6) المختلف فيهم ص48، الثقات (140) رقم (744).
(7) المختلف فيهم ص48.
(8) صدوق يهم (بخ قد ت س)، (ت قبل 179ه) التقريب (4612).
(9) المختلف فيهم ص48، الثقات (178) رقم (1090).
(10) المختلف فيهم ص48، والتاريخ 2/406، والضعفاء لابن شاهين (148) رقم (481).(2/26)
وهذا الخلاف في عطاف يوجب التوقف، وليحيى فيه قولان، وهو عندي إلى قوله: "إنه ليس به" بأس أقرب وقد وافقه على ذلك أحمد بن حنبل ولأحاديث عن نافع ولا أعلم أتى بها غيره..."(1).
ويؤيد قوله رواية الدارمي عن ابن معين قوله: "ثقة"(2).
وأحيانا يرجح تعديل ابن معين على تجريحه لبعض الرواة إذا كان موافقاً لتوثيق بعض النقاد الآخرين أو أحدهم، فمثلاً:
4- قال في عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري(3) الذي نقل فيه ابن شاهين قول ابن معين: "ضعيف الحديث"(4).
وقال فيه في رواية ابن أبي خيثمة "ليس به بأس"(5). وهذا الخلاف يرجع فيه إلى قول أحمد بن حنبل: "قال فيه: صالح ثقة إن شاء الله"(6)؛ لأن يحيى بن معين قال فيه قولين أحدهما موافق لقول أحمد، فالرجوع إلى قول أحمد ويحيى في أحد قوليه أولى من الرجوع إلى قول يحيى وحده في قول قد قال غيره
- والله أعلم - ومع ذلك فقد روى عنه رجلان جليلان أحدهما: هشيم والآخر أبو عوانة.
وانظر: كذلك قوله في عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني(7) إذ عدله أحمد، ووافقه ابن معين في أحد قوليه حيث قال فيه: "ثقة"، وقال: "ليس بشيء"(8).
وكذلك قوله في الفضل بن العلاء أبو العباس، أبو العلاء الكوفي نزيل البصرة(9) حيث وافق أحد قوليه وهو: "لا بأس به" قول علي بن المديني الذي وثقه(10).
__________
(1) المختلف فيهم ص49.
(2) تاريخ الدارمي ص171.
(3) خت 4) التقريب رقم (4910).
(4) المختلف فيهم ص51، والضعفاء ص121 رقم (350) والميزان 3/201.
(5) المختلف فيهم ص52، والميزان 3/201
(6) المختلف فيهم ص51، وتهذيب التهذيب 7/759.
(7) صدوق، (بخ4)، (ت في حدود 150ه) التقريب رقم (5343).
(8) المختلف فيهم ص56.
(9) صدوق له أوهام، (خ س) التقريب رقم (5412).
(10) المختلف فيهم ص58-59.(2/27)
5- وقال في النعمان بن راشد الجزري أبو إسحاق الرَّقي(1) بعد ذكره قولي يحيى بن معين فيه: "ثقة" و "ليس بشيء"(2) وقال أيضاً: "مضطرب الحديث ليس بشيء" وفي رواية ابن الجنيد عن ابن معين: "ضعيف الحديث. قلت: ضعيف فيما روى عن الزهري وحده؟ قال: في الزهري وغيره هو ضعيف الحديث"(3): "وهذا الكلام من يحيى بن معين في النعمان بن راشد مختلف، فإن وافقه على أحد قوليه واحد كان القول قوله في أحدهما، وإلا فهو موقوف عن الصحيح؛ لأن الجرح أولى من التعديل"(4).
وكذا قوله في النهاس بن قهم القيسي أبو الخطاب البصري -ضعيف(5)- حيث قال بعد أن نقل قولي ابن معين: "ليس هو بشيء" و "وليس به بأس"(6). واستدل ابن معين بقول محمد بن أبي عدي: "لا يساوي النهاس بن قهم شيئاً".
قال ابن شاهين: "وهذا الكلام من يحيى في النهاس قد أعانه في أحد قوليه محمد بن أبي عدي، وهو أقدم من يحيى بن معين، فإذا كان معه في أحد قوليه غيره كان القول قوله في الذي أعانه عليه والله أعلم"(7).
2- أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي القرطبي الحافظ (ت474ه):
__________
(1) صدوق سيئ الحفظ، (خت م 4) التقريب رقم (7154).
(2) المختلف فيهم ص70، وتاريخ ابن معين - الدوري - 2/608، والثقات لابن شاهين ص241 رقم (1476)، والضعفاء لابن شاهين ص185 رقم (646).
(3) وسؤالات ابن الجنيد رقم (698)، وإكمال تهذيب الكمال 12/59.
(4) المختلف فيهم ص70.
(5) ضعيف، (بخ د ت ق) التقريب رقم (7197).
(6) المختلف فيهم ص70، وتاريخ ابن معين - الدوري - 2/610، والضعفاء لابن شاهين ص187 رقم (658)، والثقات لابن شاهين ص242 رقم (1484).
(7) المختلف فيهم ص71.(2/28)
بيَّن الحافظ أبو الوليد الباجي مقصد الأئمة النقاد في ألفاظهم - ومنهم يحيى ابن معين - فقال في (باب الجرح والتعديل): "واعلم أنه قد يقول المُعَدِّل: فلان ثقة، ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه، ويقول: فلان لا بأس به، ويريد أنه يحتج بحديثه، وإنما ذلك حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسأل عن الرجل الفاضل في دينه المتوسط حديثه، فيقرن بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان؟ فيقول: فلان ثقة، يريد أنه ليس من نمط من قرن به، وأنه ثقة بالإضافة إلى غيره.
وقد يُسأل عنه على غير هذا الوجه، فيقول: لا بأس به. فإذا قيل: أهو ثقة؟ قال: الثقة غير هذا.... وضرب مثالاً على ذلك بقول عبد الرحمن بن مهدي وقد سئل عن أبي خلدة - خالد بن دينار صدوق من الخامسة - أكان ثقة؟ فقال: كان خياراً، وكان مسلماً، وكان صدوقاً، الثقة شعبة وسفيان. وإنما أراد عبد الرحمن التناهي في الإمامة.... ولم يُرد أن يُبلغه مبلغ غيره ممن هو أتقن منه وأحفظ وأثبت، وذهب إلى أن يُبيّن أن درجته دون ذلك، ولذلك قال: كان خياراً، كان صدوقاً، وهذا معنى الثقة، إذا جمع الصدق والخير مع الإسلام"(1). ثم ضرب بعض الأمثلة الأخرى على ذلك منها: "وقد روى عباس بن محمد الدوري عن ابن معين أنه قال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة، وأصل ذلك أنه سئل عنه، وعن موسى بن عبيدة الرَّبَذِي أيهما أحب إليك؟ فقال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة. فإنما ذهب إلى أنه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الربذي....."(2).
ووصف الحافظ ابن حجر كلام أبي الوليد الباجي هذا بقوله: "قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه"(3).
3- الحافظ الزركشي (ت 794ه):
__________
(1) التعديل والتجريح 1/283-285.
(2) المصدر السابق.
(3) بذل الماعون في فضل الطاعون ص116-117.(2/29)
ومن الحفاظ وعلماء الحديث المتأخرين الذين حاولوا معرفة اختلاف أقوال النقاد المختلفة والموازنة بينها، سواء عند ابن معين أو غيره: الحافظ الزركشي (ت 794ه) حيث قال حين شرح قول ابن الصلاح: "إذا اجتمع في شخص واحد جرح وتعديل: " فيه أمور... السادس: هذا فيما إذا تعارضا من قائلين، فأما إذا تعارضا من قائل واحد فلم أر من تعرض له، وهذا يتفق ليحيى بن معين وغيره، يُروى عنه تضعيف الرجل مرة وتوثيقه أخرى، وكذا ابن حبان يذكره في الثقات مرة ويدخله في الضعفاء أخرى.
قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في المدخل: وهذا لأنه قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل من حاله في الحديث وقتاً ما ينكره قلبه، فيخرج جوابه على حسب الفكرة التي في قلبه، ويخطر له ما يخالفه في وقت آخر، فيجيب عما يعرفه في الوقت عنه. قال: وليس ذلك بتناقض ولا إحالة، ولكنه صدر عن حالين مختلفين، عرض أحدهما في وقت والآخر في غيره". قلت: - القائل هو الزركشي - والظاهر في هذه الحالة، أنه إن ثبت تأخر أحد القولين عن الآخر فهو المعمول به، وإلا وجب التوقف كما سبق"(1).
4- الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852ه):
__________
(1) النكت على مقدمة ابن الصلاح 3/361.(2/30)
نبه الحافظ ابن حجر على منهج ابن معين واختلاف أقواله في الرواة في أكثر من موضع من ذلك قوله في أبي بَلْج - بفتح أوله وسكون اللام بعدها جيم - الفزاري الكوفي ثم الواسطي(1): "وقد وثقه يحيى بن معين والنسائي..... ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنه ضعفه. فإن ثبت ذلك فقد يكون سئل عنه وعمّن هو فوقه، فضعفه بالنسبة إليه. وهذه قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه، نبه عليها أبو الوليد الباجي في كتابه "رجال البخاري" ويحتمل أن يكون ابن معين ضعفه من قبل رأيه، فإنه منسوب إلى التشيع. ولأجل هذا بالغ أبو إسحاق الجوزجاني فيه - كعادته في الحط على الشيعة - وتبعه أبو الفتح الأزدي...."(2).
وعقب على ذلك الحافظ السخاوي بقوله: "وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من الاختلاف في كلام أئمة الجرح والتعديل، فينبغي لهذا حكاية أقوال أهل الجرح والتعديل؛ ليتبين ما لعله خفي على كثير من الناس، وقد يكون الاختلاف للتغير في الاجتهاد"(3).
وقال في ترجمة هُدْبة بن خالد القيسي(4): "وقرأت بخط الذهبي: قوَّاه النسائي مرة وضعفه أخرى. قلت: لعله ضعفه في شيء خاص، وقد أكثر عنه مسلم، ولم يخرج عنه البخاري سوى أحاديث يسيرة من روايته عن همام"(5).
وعقب على ذلك العلامة ظفر أحمد العثماني (ت 1349ه) بقوله: "قلت: وإذا اختلف قول الناقد في رجل فضعفه مرة وقواه أخرى، فالذي يدل عليه صنيع الحافظ أن الترجيح للتعديل، ويحمل الجرح على شيء بعينه"(6).
__________
(1) صدوق ربما أخطأ (4) من الخامسة.
(2) بذل الماعون في فضل الطاعون ص117.
(3) فتح المغيث ص377 طبعة الأعظمي، والرفع والتكميل ص264 طبعة 1407هـ.
(4) ويقال له: هدّاب ثقة عابد (خ م د) (ت بضع وثلاثين ومائة للهجرة).
(5) هدى الساري ص447، وتهذيب التهذيب 11/25.
(6) قواعد في علوم الحديث ص430، وتعقيبه - رحمه الله - لا يصلح قاعدة إلا بعد السبر والدراسة والموازنة - والله أعلم -.(2/31)
وأختم هذا المبحث بقول الحافظ السخاوي: "أما إذا كانا من قائل واحد كما يتفق لابن معين وغيره من أئمة النقد، فهذا قد لا يكون تناقضاً بل نسبياً في أحدهما، أو ناشئاً عن تغير اجتهاد، وحينئذ فلا ينضبط بأمر كليٍّ، وإن قال بعض المتأخرين: إن الظاهر أن المعمول به المتأخر منهما إن علم وإلا وجب التوقف"(1).
المبحث السادس: الخطوات المتبعة في الجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرواة.
أولاً: التثبت من صحة نسبة القول إلى يحيى بن معين:
وذلك لوجود بعض الأقوال المنسوبة له في بعض الرواة ولا تصح،ومن ذلك:
1- العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي أبو شبل المدني(2) تعددت أقوال ابن معين فيه:
1- قال فيه (من رواية أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة ت 279ه): "ليس بذاك، لم يزل الناس يَتَوَقَّون حديثه"(3).
2- وفي رواية (عباس الدوري ت 271ه): "ليس حديثه بحجة، وهو وسهيل قريب من السَّواء"(4).
3- وفي رواية له: "فلم يُقوِّ أمَرَهما"(5).
4- وفي رواية (عبد الله بن أحمد ت 290ه): "مضطرب الحديث، ليس حديثه بحجة"(6).
5- وفي رواية (الدارمي ت 280ه): "ليس به بأس. قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقبري؟ فقال: سعيد أوثق والعلاء ضعيف"(7).
__________
(1) فتح المغيث 1/308.
(2) صدوق ربما وَهم (ت بضع وثلاثين ومائةه)، (ر م 4) التقريب رقم (5247).
(3) الجرح والتعديل 6/ت1974/ص357، تاريخ الإسلام ص496، وتهذيب التهذيب 8/187.
(4) الجرح والتعديل 6/ت1974، والضعفاء للعقيلي 3/341، وتاريخ الإسلام ص497. وتهذيب التهذيب 8/ 187، وسهيل بن أبي صالح "صدوق تغير حفظه بأخرة".
(5) التاريخ للدوري 2/415 رقم (1230)، الكامل 5/18، سير أعلام النبلاء 6/187.
(6) الضعفاء للعقيلي 3/341، الميزان 3/102.
(7) تاريخ الدارمي ص173-174 رقم (623)، (624)، الكامل 5/1860، وشيوخ مالك ص274، الميزان 3/102، وسير أعلام النبلاء 6/187، وتهذيب التهذيب 8/187.(2/32)
قال الحافظ ابن حجر: "يعني بالنسبة إليه يعني كأنه لما قال: أوثق خشي أنه يظن أنه يشاركه في هذه الصفة وقال: إنه ضعيف"(1).
6- وفي رواية (عبد الله الدورقي ت 276 ه): "ليس بالقوي"(2).
7- وفي رواية (ابن طهمان ت 284ه): "صالح الحديث"(3).
8- وذكر ابن الأعرابي عن عباس الدوري قال: "سُئِل يحيى - يعني ابن معين - عن حديث سهيل والعلاء وابن عقيل وعاصم بن عبيد الله؟ فقال: عاصم وابن عقيل أضعف الأربعة، وليس حديثهم بالحُجَّة، أو قريباً من هذا الكلام تكلّم به يحيى، ومحمد بن عمرو أكبر من هؤلاء الأربعة، وليس حديثهم بحُجَّة"(4).
9- وهنالك رواية أخرى رواها ابن الجوزي في الموضوعات بإسناده إلى أبي داود السجستاني (ت 275ه) أنه قال: " سمعت يحيى بن معين يقول: وسئل عن العلاء بن عبد الرحمن، فقال: أحسن أحواله عندي أنه قيل له عند موته: ألا تستغفر الله؟ فقال: أرجو لي وقد وضعت في فضل علي سبعين حديثاً"(5). وهذه الرواية غير صحيحه ولا يُسَلَّم بها، وذلك للأسباب التالية:
1- العلاء لم يثبت عنه روايته لحديث موضوع فكيف بوضعه لسبعين حديثاً بفضل علي رضي الله عنه؟
2- شهادة الحافظ الذهبي - وهو من أهل الاستقراء التام بالرجال -
إذ قال: "قلت لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، لكن يتجنب ما أنكر عليه"(6).
__________
(1) تهذيب التهذيب 8/ 187.
(2) الكامل 5/1860.
(3) الكامل 5/1860، وسير أعلام النبلاء 6/187، وتاريخ الإسلام ص496.
(4) أسماء شيوخ مالك لابن خلفون ص274، وانظر نحوه باختصار في الضعفاء للعقيلي 3/340.
(5) الموضوعات لابن الجوزي 1/339، وذكرها عنه برهان الدين الحلبي (ت 841هـ) في الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ص292 رقم (494).
(6) سير أعلام النبلاء 2/187.(2/33)
ومن أغرب ما أتى به عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً "إذ انتَصَفَ شعبان فلا تصوموا.. "(1). وقد وثقه الإمام أحمد بروايتي ابنه وأبي داود(2).
3- أخرج له مسلم والأربعة (د ت س ق) وأحمد ومالك والدارمي (338) حديثاً، منها (70) حديثاً من حديث المشاهير. قال الحافظ ابن حجر: "أخرج له مسلم من حديث المشاهير دون الشواذ"(3).
4- أدنى ما قال فيه ابن معين: "ليس بالقوي" و "ليس حديثه بحجة".
5- يستأنس بما رواه أبو دواد نفسه عن شيخه أحمد حيث وثقه.
6- لم يتهم بالتشيع من قبل أحد النقاد أو أهل العلم.
7- لم يذكر ابن الجوزي شيئاً من ذلك في ترجمته في كتاب (الضعفاء) وإنما اكتفى بقول الإمام أحمد: "لم يسمع أحداً ذكره بسوء" وذكر قولَيْ ابن
معين: "ليس حديثه بحجة مضطرب الحديث.."، وقوله: "ليس بالقوي" وختم ترجمته بقول ابن عدي: "ما أرى بحديثه بأساً"(4).
وعليه ربما وهم الحافظ ابن الجوزي في هذا - والله أعلم -.
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه (2337)، والترمذي في الجامع (738) وقال عنه: "حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ"، وابن ماجه برقم (1651)، وابن حبان (3589)، والدارمي (1747)، (1748)، وأحمد 2/442، وابن أبي شيبة 3/21، والبيهقي في السنن الكبرى 4/209، وحكى الحافظ في الفتح 4/129 إنكار الحديث عن ابن معين وأحمد فقال: "وقال أحمد وابن معين إنه منكر"، وكذا نقل البرذعي عن أبي زرعة حيث قال: "وزعم أنه منكر"، (الضعفاء لأبي زرعة 2/388).
(2) العلل (3171)، وسؤالات أبي داود رقم (187) ص217، والجرح والتعديل 6/ت1974، وتهذيب الكمال 22/522، والميزان رقم (5735).
(3) تهذيب التهذيب 8/187.
(4) الضعفاء والمتروكين 2/187- 188.(2/34)
2- داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي(1): أحد رجال الصحيحين المتقنين والعباد الورعين، ومن الذين وثقوه يحيى بن معين حيث قال عنه في روايتي إسحاق بن منصور، والدارمي: "ثقة"(2).
ولما ذكره ابن خلفون (ت 636ه) في (الثقات) قال: "ذكر أبو عبد الله الحاكم أن يحيى بن معين قال: داود بن عبد الرحمن العطار ضعيف" ثم عقب ابن خلفون على ذلك بقوله: "وهو ثقة، قاله أبو بكر البزار وغيره"(3).
ونفى ذلك الحاكم نفسه حيث نقل عنه الذهبي أنه قال: "والشيخان لم يُخْرجا عنه إلا بعد أن تَيَقَّنا أنه حجة؛ احتجا به في موضعين"(4). وأكد ذلك الحاكم حيث ذكره في كتابه (تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم).... في المتفق عليه من حرف الدال(5). ولذلك قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لقول الحاكم: "قلت: لم يصح عن ابن معين تضعيفه"(6).
ثانياً: التثبت من صحة اسم الراوي المقصود في نقد ابن معين:
__________
(1) ثقة لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه (ع)، (ت174ه) التقريب رقم (1798).
(2) تاريخ الدارمي ص107 رقم (313)، الجرح والتعديل 3/417، التعديل وحجة 2/566، وتهذيب الكمال 1/415، والميزان 2/11، والعقد الثمين 4/348.
(3) إكمال تهذيب الكمال 4/257-258، وهو أول من ذكر هذا القول، والمصادر التالية تنسب ما نقله الحاكم من التضعيف؛ انظر: العقد الثمين 4/348، الميزان 2/12، ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق ص77.
(4) أسماء من تكلم فيه ص77-78.
(5) تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما ص109 رقم (432).
(6) هدى الساري ص402.(2/35)
لاشك أن ابن معين من الأئمة النقاد الذين كَثُرَتْ أقوالهم وتعددت في الرواة، كما أن الرواة الذين تناولهم بالجرح والتعديل جم غفير، وقد يحصل منه الوهم في بعض الرواة. فقد روى الخطيب بسنده إلى عباس بن محمد الدوري (ت 271ه) أنه قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: قد روى مالك ابن أنس عن شيخ له، يقال له عبد الملك بن قُرَيْب وهو الأصمعي، ولكن في كتاب مالك بن عبد الملك بن قُرَير وهو خطأ إنما هُو الأصمعي"(1). قال الشيخ أبو بكر: "قد غلط ابن معين في هذا القول غلطاً ظاهراً وأخطأ خطأً فاحشاً، وحديث مالك صحيح، رواه عنه كافة أصحابه وساقه في موطأه عن عبد الملك بن قُرَير عن محمد بن سيرين، ويُرى أن الوهم دخل فيه على يحيى لاتفاق الاسمين وتقارب الأبوين - أعني: من عبد الملك بن قُرير، وعبد الملك ابن قريب - ".
ثم روى بسنده إلى الدوري أنه قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت الأصمعي يقول: سمع مني مالك بن أنس(2) فلما صح سماع يحيى هذا من الأصمعي واسمه عبد الملك بن قُرَيب، وانتهت إليه رواية مالك عن عبد الملك ابن قُرَير ظنه الأصمعي فقضى على مالك بالخطأ وألزمه الوهم. ولو أمعن يحيى النظر لعلم أن الأصمعي، لا يروي عن محمد بن سيرين، وعبد الملك بن قُرير الذي روى عنه مالك هو: العبدي أخو عبد العزيز بن قُرير من أهل البصرة، ولا أعلم روى عن عبد الملك غير مالك، وأما عبد العزيز فروى عنه سفيان الثوري وعَطّاف بن خالد وهو يروي عن الأحنف بن قيس وعن محمد ابن سيرين أيضاً "(3).
ثالثاً: التثبت من النقل الصحيح عن ابن معين:
قد يقع الوهم في أسماء متشابهة فينقل الرواة عن ابن معين التوثيق وهو في الحقيقة قال فيهم التضعيف، أو ينفي قوله؛ فمثلاً:
__________
(1) تاريخ يحيى بن معين 2/374، 3/215.
(2) تاريخ يحيى بن معين 2/374، 3/194.
(3) كتاب المتفق والمفترق 1/106-111.(2/36)
الراوي الأول: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عيّاش، ابن أبي ربيعة المخزومي، أبو هاشم أو هشام المدني(1).
الراوي الثاني: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، أبو هاشم أو هشام المدني أخو أبي بكر(2).
الراوي الثالث: المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي المدني(3).
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الأول: "قال عباس الدوري عن ابن معين: ثقة. وقال الآجري: قلت لأبي داود: إن عباساً حكى عن ابن معين أنه ضعف مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ووثق المخزومي. فقال: غلط عباس. قال أبو داود: المخزومي ضعيف"(4).
وروى الدوري عن ابن معين أنه قال في الراوي الأول: "ثقة"(5). وقال الآجري عن أبي داود: "ضعيف. قال: فقلت له: إن عباساً حكى عن يحيى أنه ضَعَّفَ الحزامي ووثق المخزومي. فقال: غلط عباس"(6).
وروى ابن أبي حاتم قال: "قرئ على العباس بن محمد عن ابن معين أنه قال: مغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ثقة"(7).
وقال ابن محرز: "سألت يحيى عن المغيرة بن عبد الرحمن المدني المخزومي
فقال: ليس به بأس، ليس بصاحب أبي الزناد "(8).
__________
(1) صدوق فقيه كان يهم من الثامنة (خ د س ق)، (ت 186ه) التقريب رقم (6843).
(2) ثقة واد من الخامسة، (مد)، (ت سنة بضع ومائة للهجرة) التقريب رقم (6844).
(3) ثقة له غرائب من السابعة، التقريب رقم (6845).
(4) هدي الساري ص445.
(5) تاريخ يحيى بن معين 2/581، وتهذيب الكمال 28/382.
(6) تهذيب الكمال 28/ 382، وتهذيب التهذيب 1/ 264.
(7) الجرح والتعديل 8/ 225 رقم (1011).
(8) رواية ابن محرز عن ابن معين ترجمة (246).(2/37)
وعقَّبَ المزيّ في ترجمة الثاني بعد ذكره لرواية ابن أبي حاتم بقوله: "هكذا ذكره ابن أبي حاتم في هذه الترجمة وتبعه على ذلك أبو القاسم (ابن عساكر)، ووهما في ذلك، إنما الذي وثقهُ عبّاس الدوري عن يحيى بن معين: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وقد ذكرنا ذلك في ترجمته، وذكرنا إنكار أبي داود على عباس الدوري ذلك، وأنه نسبه إلى الغلط ويؤيد ذلك قول معاوية بن صالح: لم يعرفه يحيى بن معين. والله أعلم"(1).
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك:
الراوي الأول: محمد بن ثابت بن أسلم البناني البصري(2).
الراوي الثاني: محمد بن ثابت العبدي أبو عبد الله البصري(3).
قال ابن معين - في رواية معاوية بن صالح - في الراوي الأول: "ليس
بشيء"(4)، وكذا في رواية الدوري(5).
وفي رواية أخرى عنه: "هو صالح الحديث"(6).
وفي رواية ابن أبي خيثمة: "ليس بقوي، كان عفان يقول: محمد بن ثابت البناني رجل صدوق في نفسه ولكنه ضعيف الحديث"(7). وعقَّبَ الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: "كذا ذكره ابن أبي حاتم والذي في تاريخ ابن أبي خيثمة هذه القصة عن محمد بن ثابت العبدي والله أعلم"(8).
وقال ابن معين في العبدي (الراوي الثاني) في رواية الدوري: "ليس
__________
(1) تهذيب الكمال 28/386، وتهذيب التهذيب 10/ 265.
(2) ، ضعيف من السابعة، التقريب رقم (5767).
(3) صدوق لين الحديث من الثامنة (دق) التقريب رقم (5776)، والجرح والتعديل 7/217، الضعفاء لابن الجوزي 3/245.
(4) الضعفاء للعقيلي 4/40، والجرح والتعديل 7/217، الضعفاء لابن الجوزي 3/ 245.
(5) تاريخ ابن معين 2/ 507.
(6) تاريخ ابن معين 2/507، وتهذيب الكمال 24/547.
(7) الجرح والتعديل 7/217.
(8) تهذيب التهذيب 9/83.(2/38)
بشيء"(1)، وفي رواية الدارمي: "ليس به بأس"(2)، وفي رواية ابن طهمان: "ضعيف"(3)، وفي رواية ابن محرز: "ليس بذاك القوي"(4)، وفي رواية معاوية ابن صالح: "ليس به بأس، ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم"(5). وقال عباس الدوري عن ابن معين: "محمد بن ثابت الذي يحدث عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التيمم بصري، وهو ضعيف. قلت ليحيى: أليس قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط"(6).
رابعاً: ألا يصدر قوله على سبيل المزاح:
الإمام ابن معين من النقاد الذين يَتَّسِمون بالورع ومخافة الله، إضافةً إلى العلم، حتى إن الخطيب وصفه بقوله: "كان إماما ربّانيا عالماً حافظا ثَبتاً متقناً"(7). ولا يقول قوله في الراوي إلا بعد التثبت والتحرِّي، حتى إن هارون ابن بشير الرازي يصف حاله ونقده للرواة وشدة تحريه وتثبته بقوله: "رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللهم إن كنتُ تكلمتُ في رجل وليس هو عندي كذاباً فلا تغفر لي"(8). لذلك قال أبو حاتم الرازي
(ت 277ه): "إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب"(9).
__________
(1) تاريخ ابن معين - الدوري - 2/507، وكذا في رواية معاوية بن صالح العقيلي 4/40، وتهذيب الكمال 24/547، والميزان 3/495، وتهذيب التهذيب 9/83.
(2) تاريخ الدارمي ترجمة 809، تهذيب الكمال 24/556.
(3) سؤالات ابن طهمان ترجمة 183.
(4) المصدر السابق.
(5) الضعفاء للعقيلي 4/39.
(6) تاريخ ابن معين 2/507، والكامل 6/2145.
(7) تاريخ بغداد 14/177، تهذيب الكمال 31/ 554.
(8) تاريخ بغداد 14/ 184، سير أعلام النبلاء 11/92.
(9) سير أعلام النبلاء 11/83، وزاد محمد بن هارون الفلاس في ابن معين بعد قوله فاعلم أنه كذاب، يضع الحديث وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين.(2/39)
ومع شدة ورعه ودقته وشهرته عند أهل الحديث وغيرهم كان يمزح مع بعض النقاد والحفاظ أحياناً، وقد ينقد ويجرح ولا يريد حقيقة النقد؛ فقد روى الخطيب بسنده: أن أحمد بن حنبل وابن معين وعلي بن المديني كانوا عند عفان أو سليمان بن حرب، فأتى بصك فشهدوا فيه، وكتب يحيى فيه "شهد يحيى بن أبي علي، وقال عفان لهم: أما أنت يا أحمد فضعيف في إبراهيم ابن سعد، وأما أنت يا علي فضعيف في حماد بن زيد، وأما أنت يا يحيى فضعيف في ابن المبارك. قال: فسكت أحمد وعلي: وقال يحيى: وأما أنت يا عفان فضعيف في شعبة. قال الخطيب: قلت: لم يكن واحد منهم ضعيفاً، وإنما جرى هذا الكلام بينهم على سبيل المزاح"(1).
وفي: شجاع بن الوليد بن قيس السكوني أبو بدر الكوفي(ت 204ه)(2).
روى الخطيب بسنده إلى المروزي وحنبل بن إسحاق أن الإمام أحمد قال: "كنت مع يحيى بن معين فلقي أبا بدر فقال له: اتق الله يا شيخ وانظر هذه الأحاديث لا يكون ابنك يعطيك. قال أبو عبدالله: فاستحييت وتنحيت ناحية، فبلغني أنه قال: إن كنت كاذباً ففعل الله بك وفعل. قال أبو عبد الله: وكان أبو بدر شجاعاً شيخاً صالحاً صدوقاً كتبنا عنه قديماً. قال: ولقيه يحيى ابن معين يوماً فقال له: يا كذاب، فقال له الشيخ: إن كنت كاذباً فهتكك الله. قال أبو عبد الله: فأظن دعوة الشيخ أدركته"(3).
قال الحافظ ابن حجر: "فكأنه كان مازحه فما احتمل المزاح"(4). ولعل الحافظ استدل على ذلك بتوثيق ابن معين نفسه في روايات ابن أبي خيثمة، وعبد الخالق بن منصور، والدوري للشيخ حيث قال عنه: "ثقة"(5).
__________
(1) تاريخ بغداد 14/183، وسير أعلام النبلاء 11/82.
(2) صدوق ورع له أوهام (ع)، التقريب رقم (2750)..
(3) تاريخ بغداد 9/249، تهذيب الكمال 12/386 ت (2702) السكوني.
(4) هدي الساري ص409.
(5) تاريخ ابن معين 2/249، الجرح والتعديل 4/ت1654، وتاريخ بغداد 9/249.(2/40)
خامساً: يجب التثبت من عدم وقوع التصحيف في مصطلحي (لا بأس به) و (ليس بشيء):
فمثلاً: عيينة بن عبد الرحمن بن جَوْشن الغطفاني (ت في حدود 150ه)(1).
فقد أورده ابن شاهين في (المختلف فيهم) وذكر أن ابن معين قال عنه في رواية يزيد بن الهيثم - ثقة (ت 284ه) -: "ثقة وأبوه ثقة"(2)، وفي رواية عباس الدوري: "أنه ثقة"(3)، وروى أيضاً فيه عن ابن معين أنه قال: "ليس بشيء"(4). ثم قال: "ويحتمل أن يكون القول فيه قول أحمد بن حنبل - قال فيه: ليس به بأس، صالح الحديث - وأحد قولي يحيى بن معين؛ لأن يحيى قد وثقه في رواية، وضعفه في أخرى"(5). والصواب: "لا بأس به" لذا قال الحافظ الذهبي: "وثقه ابن معين..."(6).
سادساً: قد يطلق ابن معين قوله: (ليس بشيء) ولا يريد بها الراوي، بل: أحاديثه قليلة:
قال الحافظ ابن حجر - في ترجمة عبد العزيز بن المختار الدباغ البصري-(7):
"وثقه ابن معين في رواية ابن الجنيد وغيره، وقال في رواية ابن أبي خيثمة عنه (ليس بشيء)، وقال أبو حاتم: مستوى الحديث ثقة، ووثقه العجلي وابن البرقي والنسائي، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ. قلت: احتج به الجماعة وذكر ابن القطان الفاسي (ت 628ه) أن مراد ابن معين بقوله في بعض الروايات: "ليس بشيء"، يعني أن أحاديثه قليلة جداً"(8).
__________
(1) صدوق (بخ 4) التقريب رقم (5343).
(2) من كلام أبي زكريا في الرجال ص48، رقم (69).
(3) المختلف فيهم ص56، وهي كذلك في تاريخ ابن معين - الدوري - 2/467 رقم (3697)، والجرح والتعديل 7/31، والثقات ص179 رقم (1085).
(4) كذا في المختلف فيهم ص56، والضعفاء ص129 رقم (401)، وفي تاريخ ابن معين - الدوري -2/467 رقم (3518) "لا بأس به" وفي تهذيب الكمال 23/78 "ليس به بأس"، وتهذيب التهذيب 7/241.
(5) المختلف فيهم ص56-57.
(6) الميزان 3/329، والكاشف 2/114.
(7) ، ثقة من السابعة، التقريب رقم (4120).
(8) هدي الساري ص421.(2/41)
وعبد العزيز بن المختار له في الكتب الستة (41) حديثاً و (6) أحاديث في مسند أحمد. وأما قول ابن معين فهو كما ذكر الحافظ: "ثقة" رواه عنه ابن الجنيد، وإسحاق بن منصور، والدوري(1).
ولذلك يتساءل الذهبي عن رواية ابن أبي خيثمة فيقول: "وما عرفت سبب قول ابن معين فيما سمعه يقول أحمد بن زهير: "ليس بشيء"(2). ونعته في الكاشف بأنه: "ثقة مكثر"(3).
وقول الحافظ الذهبي يتناقض مع قول ابن القطان في هذا الراوي الذي يؤيده تخريج أصحاب الكتب الستة له (41) حديثاً؛ وأكد السخاوي ذلك حيث نقل عن ابن القطان مراد ابن معين بـ"ليس بشيء": "إنما يريد أنه لم يرو حديثاً كثيراً"(4). ويرى الشيخ عبد الفتاح أبي غدة - رحمه الله -: أن "هذا القصد في عبارة ابن معين الظاهر أنه غيرُ مطّرد فقد جاء قوله: (ليس بشيء، ولاشيء) في مواطن عديدة من كلامه مراداً به تضعيف الراوي لا بيان قلة أحاديثه، وإليك بعض تلك المواطن..." وذكر (31) شاهداً ثم جزم بهذا المراد(5).
أقول: لا مانع إذا أراد ابن معين بعض الرواة بهذا المعنى الذي ذكره ابن القطان والله أعلم.
سابعاً: قد يطلق ابن معين قوله: (ليس هذا بشيء) ولا يريد الراوي بل الحديث:
__________
(1) سؤالات ابن الجنيد ص366 رقم (389)، وتاريخ ابن معين - الدوري - 2/367 رقم (3589)، والجرح والتعديل 5/394، والثقات ص163 رقم (941)، وتهذيب الكمال 9/196، وتهذيب التهذيب 6/355.
(2) الميزان 2/634.
(3) الكاشف 1/658.
(4) فتح المغيث ص373، طبعة أعظم كرة وعقب على ذلك السخاوي بقوله: "هذا مع أن ابن أبي حاتم قد حكى أن عثمان الدارمي سأله عن أبي دراس فقال: إنما يروي حديثاً واحداً ليس به بأس".
(5) الرفع والتكميل ص212-221.(2/42)
فمثلاً قال الحافظ ابن حجر في ترجمة عبد المتعال بن طالب الأنصاري، أبو محمد البغدادي - أصله من بلخ(1) -: "شيخ بغدادي وثقه أبو زرعة ويعقوب بن شيبة وغيرهما، وأورده ابن عدي في الكامل، ونقل عثمان الدارمي أنه سأل يحيى بن معين عن حديث هذا عن ابن وهب فقال: ليس هذا بشيء. قلت: وهذا ليس بصريح في تضعيفه؛ لاحتمال أن يكون أراد الحديث نفسه، ويقوي هذا أن عثمان هذا سأل ابن معين عن عبد المتعال فقال: ثقة، وكذا قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين"(2).
أما رواية عبد الخالق عنه فقد وثَّقه(3)، وفي رواية ابن مُحرز قال عنه: "هو المسكين لا بأس به"(4)، وأما في رواية الدارمي فقال: "ثقة"(5). قال الدارمي: " قلت ليحيى: ثنا عبد المتعال عن ابن وهب عن عمرو عن إسماعيل ابن أبي خالد عن صلة عن خباب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الخيل ثلاثة، فقال: ليس هذا بشيء"(6).
وعقَّب الحافظ على الحديث بقوله: "وهذا أمر محتمل لا يوجب تضعيف هذا الرجل"(7). قال ابن عدي: "وهذا الذي ذكره في هذه الحكاية أن ابن وهب رواه عن عمرو بن الحارث عن إسماعيل بن أبي خالد، لم يروه ابن وهب هذا عن عمرو، وإنما رواه عن مسلمة بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد ومسلمة ضعيف، وعمرو ثقة"(8).
__________
(1) ، ثقة (ت 222ه) التقريب رقم (4158).
(2) هدي الساري ص421.
(3) تاريخ بغداد 11/135، والميزان 2/648، وتهذيب الكمال 18/268.
(4) رواية ابن محرز عن ابن معين 1/93 رقم (357)، 2/178 رقم (584).
(5) تاريخ الدارمي ص187 رقم (683)، والجرح والتعديل 6/68، والكامل 5/1985، والمعلم بشيوخ البخاري ومسلم ص413، والميزان 2/648 بلفظ "ثقة أو قال: صدوق"، زاد الذهبي: "شك عثمان"؛ ولكن النص في تاريخ الدارمي "ثقة" فقط.
(6) المصادر السابقة، وأشار الذهبي للحديث باختصار، وكذا في تهذيب التهذيب 6/380.
(7) تهذيب التهذيب 6/380.
(8) الكامل 5/1985.(2/43)
والحديث رواه ابن وهب قال: أخبرني مسلمة بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن صلة بن زفر عن خباب بن الأرت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"الخيل ثلاث، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان"(1)، وهذا يقوي احتمال الحافظ ابن حجر - والله أعلم -.
وتُعَدُّ الخطوات السابقة احترازية للتثبت والتحقق في وقوع أقوال ابن معين في الرواة، وأما إذا ثبتت وتحققت في الراوي فيتم التعامل معها وفق معايير وقرائن أخرى.
ثامناً: إذا وردت أقوال ابن معين المختلفة في الراوي الواحد في وقت أو أوقات مختلفة وعن نفس راوي أقواله في ذلك الراوي المتكلم فيه، فالقول المعول عليه الأخير منها:
زكريا بن منظور بن ثعلبة، ويقال: زكريا بن يحيى بن منظور القُرَظي
أبو يحيى المدني(2).
قال ابن معين - في رواية الدوري -: "ليس بشيء" قال مرة: "فراجعته فيه مراراً فزعم أنه: ليس بشيء" قال: "وكان طفيلياً"(3).
قال: "كان زكريا بن منظور قد وَلي القضاء فقضى على حماد البربري، فلذلك حمله هارون إلى الرقة بذاك السبب، ليس بثقة"(4).
وقال الدوري: "سئل يحيى عن زكريا بن منظور فقال: ليس به بأس.
فقلت: قد سألتك عنه مرة، فلم أرك فيه جَيِّد الرأي، أو نحو هذا من الكلام. فقال: ليس به بأس وإنما كان فيه شيء؛ زعموا أنه كان طفيلياً"(5).
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير 4/80 رقم (3707)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/260: "فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف".
(2) ضعيف في الثامنة (ق)، التقريب رقم (2026).
(3) تاريخ يحيى بن معين 2/174، الضعفاء للعقيلي 2/84، الجرح والتعديل 3/597، الكامل 3/1067.
(4) تاريخ يحيى بن معين - الدارمي - 2/174، الضعفاء للعقيلي 2/84، الجرح والتعديل 3/597 ت2701، وتاريخ بغداد 8/453.
(5) تاريخ يحيى بن معين - الدارمي - 2/174، الكامل 3/1067، تاريخ بغداد 8/453، تهذيب الكمال 9/ 371. الميزان 2/78، وتهذيب التهذيب 3/333.(2/44)
ويؤيد قوله الأخير قوله في رواية الدارمي: "قلت: فزكريا بن منظور كيف حديثه؟ فقال: ليس به بأس"(1).
إلا أن ابن شاهين يرى التوقف فيه حيث قال: "وهذا الخلاف في زكريا يوجب التوقف؛ لأن يحيى ذَمَّهُ فروجع فيه فذمه وقال: هو طفيلي، والطفيلي الذي لا يبالي من أين كان مطعمه؟ ومن كانت هذه صورته في المطعم خفت ألا يكون مأموناً في العلم، وقد مدحه أحمد بن صالح فيوجب الوقف فيه إن شاء الله"(2).
وكذلك يرى الخطيب البغدادي أن يحيى بن معين قد اختلف قوله فيه(3).
وسرد الذهبي أقواله فيه حيث عبر بنقله عن رواية الدوري عنه: "ليس
بشيء. وقال مرات: ليس به بأس. وبعد أن ذكر رواية معاوية بن صالح عنه: ليس بثقة. وروايتي أحمد بن محمد بن محرز وأبي داود: ضعيف. جاء بأقوال الدوري عنه وآخرها ليس به بأس...."(4).
فلعله يرى ذلك آخر أقوال ابن معين وأرجحها فيه - والله أعلم -.
تاسعاً: قد ينفرد أحد الرواة برواية القول السابق لابن معين في راوٍ يخالفه فيه الرواة الآخرون:
وبخاصة البغاددة منهم الملازمون له، بينما الراوي للقول الأول صحبه مبكراً ثم استقر في بلده بعيداً عنه. فمثلاً:
__________
(1) تاريخ الدارمي ص113 رقم (340)، والمصادر السابقة.
(2) المختلف فيهم ترجمة (12)، وفي إكمال التهذيب 5/69 فسر قول يحيى بـ"طفيلي يعني في الحديث".
(3) تاريخ بغداد 8/ 453 وذهب الخطيب إلى تضعيفه لأنه ختم ترجمته بقول الدارقطني "متروك" وإذا اختلفت الأقوال في الراوي عند الخطيب فالتعويل على القول الأخير. نقل ذلك عنه أبو محمد بن الآبنوسي. انظر: تذكرة الحفاظ (1139)، وسير أعلام النبلاء 11/417، يقول الخطيب: "كل من ذكرت فيه أقاويل الناس من رح وتعديل فالتعويل على ما أخرت". وفي السير: "وختمت به الترجمة ".
(4) ميزان الاعتدال 2/78، وانظر: تهذيب الكمال 9/372 وتهذيب التهذيب 3/333.(2/45)
عثمان بن عُمَيْر، ويقال: ابن قيس والصواب أن قيساً جد أبيه، وهو عثمان بن أبي حُميد أيضاً البَجلي، أبو اليقظان الكوفي الأعمى (ت في حدود 150ه)(1).
انفرد الدارمي عن بقية الرواة عن يحيى بن معين بتعديل هذا الراوي حيث قال: "ليس به بأس"(2) وأما الروايات الأخرى التي نقلت أقوال ابن معين الأخرى في هذا الراوي فهي:
1- قال في رواية الدوري: "ليس حديثه بشيء"(3).
2- وقال في موضعين من رواية ابن الجنيد: "ليس بذاك" وعقّب في الموضع الثاني بقوله: "كأنه ضعفه"(4).
3- وكذا في رواية عبد الله الدورقي قال: "أبو اليقظان عثمان بن عمير ليس بذاك"(5).
ولعل قول ابن معين الذي رواه الدارمي عنه كان قديماً ثم رأى تضعيفه، ويدل على ذلك:
1- إجماع النقاد على تضعيفه؛ نقل ذلك أبو أحمد الحاكم (ت 378ه) حيث قال: "ليس بالقوي عندهم"(6)، وقال ابن عبد البر (ت 462ه): "كلهم ضعفه"(7). وقال الذهبي (ت 742ه): "ضعفوه"(8).
وختم ابن عدي (ت 365ه) ترجمته بقوله: "وعثمان بن عمير
أبو اليقظان هذا رديء المذهب، غالٍ في التشيُّع يؤمن بالرجعة. على أن الثقات قد رووا عنه، وله غير ما ذكرت، ويكتب حديثه على ضعفه"(9).
__________
(1) ضعيف واختلط وكان يدلّس ويغلو في التشيع (د ت ق)، التقريب رقم (4507)، وقال الذهبي: "ويقال إنه بقي إلى بعد الأربعين ومائة وأنا أستبعد ذلك؛ لأنه لو تأخر لحمل عنه مثل وكيع وأبي معاوية " تاريخ الإسلام ص220 وفيات (141-160هـ).
(2) تاريخ الدارمي عن ابن معين ص158 رقم (558).
(3) تاريخ ابن معين 2/395، الضعفاء للعقيلي 3/212، الجرح والتعديل /161.
(4) سؤالات ابن الجنيد رقم (543)، (851).
(5) الكامل 5/1815.
(6) تهذيب التهذيب 7/146.
(7) المصدر السابق.
(8) الميزان 3/50.
(9) الكامل 5/1816.(2/46)
2- يرى أ.د. أحمد محمد نور سيف محقق تاريخ الدارمي والذي عاش فترة من حياته - بارك الله فيها - في تحقيق تراث ابن معين، أن رواية الدارمي أقدم من رواية الدوري وابن أبي خيثمة وابن الجنيد والغلابي(1)، وعليه فالرأي الراجح لابن معين في عثمان بن عمير هو ما رواه ابن الجنيد والدورقي، والله أعلم.
عاشراً: إذا اختلفت أقوال الرواة عن ابن معين في الراوي المتكلم فيه فيرجح قول البغداديين عنه في ذلك الراوي:
لأنهم أكثر ملازمة له من غيرهم، فيعرفون أقواله السابقة واللاحقة في الرواة، فمثلاً: عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو أويس المدني قريب مالك وصهره (ت177ه)(2).
1- قال عنه في رواية الدارمي (ت 280ه بهراة) وهي من الروايات المتقدمة على غيرها: "ضعيف الحديث"(3).
2- وقال في رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة الحافظ المسند
(ت 297ه) كان مقيماً بالكوفة ثم انتقل إلى بغداد 273ه(4): "سمعت يحيى ابن معين وذُكِرَ له أبو أويس المدني فقال: كان ضعيفاً"(5).
3- وقال في رواية معاوية بن صالح الأشعريّ مولاهم الدمشقي
__________
(1) تاريخ الدارمي ص31.
(2) صدوق يهم (م4)، التقريب رقم (3412).
(3) تاريخ الدارمي ص190 رقم (694)، وضعفاء العقيلي 2/271، وتاريخ بغداد 10/6، وتهذيب الكمال 15/18، وتهذيب التهذيب 5/281.
(4) تاريخ بغداد 3/43.
(5) تاريخ بغداد 10/6.(2/47)
(ت 263ه) الحافظ الإمام المجوِّد - كذا نعته الذهبي وقال: "رحل وعني بهذا الشأن وسأل يحيى بن معين عن الرجال"- (1): "أبو أويس ضعيف مثل فُليح" وفي موضع آخر: "أبو أويس وابنه ضعيفان"(2).
4- وفي رواية ابن أبي حاتم عن أبيه عن معاوية عن يحيى: "ليس بثقة"(3).
5، 6- وفيما رواه ابن عدي موافقة معاوية للدوري، قال ابن عدي: "حدثنا ابن أبي بكر وابن حماد قالا: ثنا عباس سمعت يحيى يقول: وثنا ابن حماد، ثنا معاوية عن يحيى قال: أبو أويس "صدوق وليس بحجة" وهو دون الدراوردي وهو مثل فليح "في حديثه ضعف" زاد ابن أبي بكر وابن أخي ابن شهاب: أمثل من أبي أويس، وفي موضع آخر أبو أويس "ثقة"، زاد ابن حماد في موضع آخر: "أبو أويس وابنه ضعيفان" "(4).
7- ونقل المزي قولاً آخر لمعاوية بن صالح عن ابن معين عنه وهو: "ليس
__________
(1) السير 13/23-24، وطبقات الحنابلة 1/389 ت(500) وذكر له كتاب (التاريخ في معرفة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة الضعفاء والثقات).
(2) ضعفاء العقيلي 2/270 وفليح (ع) من سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي أو الأسلمي أبو محيي الدين صدوق كثير الخطأ (ت 168هـ) التقريب رقم (5443).
(3) تاريخ ابن معين 2/317، الجرح والتعديل 5/92 رقم (423).
(4) الكامل 4/1499 والدراوردي هو (ع) عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي: حديثه عن عبد الله العمري منكر
(ت 186هـ) التقريب رقم (4119).(2/48)
بقوي"(1). وقال في رواية ابن الجنيد الخُتّلي - بغدادي استوطن سُرّ من رأى ثقة (ت 260ه)، وقال عنه الخطيب: "له سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه"-(2): "ضعيف الحديث"(3). وقال في رواية عبد الله بن شعيب الصابوني(4): "قرأ على يحيى بن معين: أبو أويس ضعيف الحديث"(5).
8- وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة - زهير بن حرب (ت 279ه) ثقة متقن حافظ -: "سمعت يحيى بن معين يقول: أبو أويس صالح، ولكن حديثه ليس بذاك الجائز"(6). "وسمعت يحيى بن معين مرة يقول: أبو أويس المديني ضعيف الحديث ".
9- "وسئل مرة أخرى فقال: ليس بشيء"(7). "وسمعت يحيى بن معين مرة أخرى يقول: أبو أويس ثقة"(8).
10 - وقال أيضاً: "ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث"(9).
11- وقال أيضاً: " أبو أويس لا يساوي شيئاً"(10).
12- وقال أيضاً: "أبو أويس ما يساوي نواة وابنه إسماعيل ليس بصاحب حديث"(11).
13- وقال في رواية ابن الغلابي المفضل بن غسان بن المفضل البصري الأصل - سكن بغداد وحدث بها ثقة (ت 256ه) -: "أبو أويس المديني ليس به بأس"(12).
14- وقال في رواية الدوري، عباس بن محمد بن حاتم البغدادي
__________
(1) تهذيب الكمال 15/168 وتهذيب التهذيب 5/281.
(2) تاريخ بغداد 6/ 120.
(3) سؤالات ابن الجنيد ص312 رقم (161)، تاريخ بغداد 10/6 وتهذيب الكمال 15/ 169 وتهذيب التهذيب 5/281.
(4) له ترجمة في تاريخ دمشق 20/ 243 من شيوخ يعقوب بن شيبة.
(5) الكامل 4 / 1499.
(6) تاريخ بغداد 10/ 7، تهذيب الكمال 15/168، وتهذيب التهذيب 5/281.
(7) تاريخ بغداد 10/7، إكمال تهذيب الكمال 8/ 15 نقل قوله (ثقة).
(8) المصدر السابق.
(9) الكامل 4/1499، وإكمال تهذيب الكمال 8/15، وتهذيب التهذيب 5/281.
(10) الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى 1/344 ترجمة رقم(430).
(11) المصدر السابق.
(12) تاريخ بغداد 10/7، إكمال تهذيب الكمال 8/15.(2/49)
أبو الفضل - ثقة حافظ (ت 271ه)(1) -: "ثقة"، وقال أيضاً: "صدوق وليس بحجة"، وقال: "أبو أويس مثل فُليحْ، وفي حديثه ضعف"(2).
15- وما نقله الذهبي عنه فيه: "صالح الحديث"(3).
وخلاصة أقوال ابن معين فيه هي:
1- "ضعيف الحديث".
2- "كان ضعيفاً".
3- "ضعيف مثل فُليح".
4- "ليس بثقة".
5- "صدوق وليس بحجة وهو دون الدراوردي".
6- "ثقة".
7- "ليس بقوي".
8- "صالح ولكن حديثه ليس بذاك الجائز".
9- "ليس بشيء".
10- "يسرق الحديث".
11- "ليس به بأس".
12- "في حديثه ضعف".
13- "لا يساوي شيئاً".
14- "ما يساوي نواة".
15- "صالح الحديث".
وتتضح من خلالها صورة الاختلاف والتناقض، لذا ذهب عدد من النقاد والحفاظ إلى القول باختلاف رأي ابن معين فيه:
1- فقال محمد بن حبان البستي (ت 354ه) في ترجمة أبي أويس: "وكان يحيى بن معين يوثقه مَرّة ويُضَعِّفه أخرى"(4).
2- وذكر ابن شاهين (ت 385ه) عبد الله بن عبد الله أبو أويس في الضعفاء حيث نقل فيه قول ابن معين: "ضعيف" وكذا ذكره في الثقات نقلاً عن ابن معين: "ثقة"(5).
__________
(1) التقريب رقم (3189) ووصفه ابن معين بـ(صديقنا وصاحبنا).
(2) تاريخ ابن معين 2/317-318، الضعفاء للعقيلي 2/270 دون قوله "ثقة"، تهذيب الكمال 15/169، وتهذيب التهذيب 5/129، والجرح والتعديل 5/92 قوله "صدوق ليس بحجه"، وتاريخ بغداد 10/7 دون التشبيه بفُليح، وتهذيب الكمال 15/168 دون قوله "ثقة"، وكذا في الميزان 2/450، وتهذيب التهذيب 5/281. وقد ذكرت أقواله في رواية الدوري ضمن رواية معاوية.
(3) ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق ص110 رقم (186).
(4) المجروحين لابن حبان 2/24.
(5) الثقات ص126 رقم (629)، والضعفاء ص120 رقم (342).(2/50)
3- وقال ابن عبد البر في ترجمته: "اضطرب فيه قول ابن معين..." وذكر أقواله فيه... ثم قال: "وهذا من ابن معين رحمه الله تساهل في الغيبة. وقد روى عنه أنه قيل له: ما وجه كلامك في أبي أويس؟ فقال: روى عن ابن شهاب حديث المجامع في رمضان "(1) فقال فيه: ويقضي يوماً مكانه، ولم يقل ذلك مالك في هذا الحديث، وكان سماعه وسماع مالك من الزهري في وقت واحد. قال أبو عمر: " وأبو أويس لا يحكي عنه أحد جرحة في دينه وأمانته، وإنما عابوه لسوء حفظه وأنه يُخالف في حديثه"(2).
4- وأشار الذهبي (ت 748ه) إلى اختلاف يحيى فيه فقال: "قال يحيى مرة: ليس بثقة. وقال مرة: لا بأس به. وقال مرة: صدوق، وليس بحجة". ثم ختم أقواله بـ: "وقال ابن معين أيضاً: هو مثل فُليح، في حديثه ضَعْف. وهو دون الدراوردي، وليس بحجة؛ هذه رواية معاوية عن ابن معين"(3).
5- وكذا السخاوي (ت 902ه) حيث قال: "ووثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى، وجمع بينهما بقوله صدوق وليس بحجة"(4).
__________
(1) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في الصوم رقم (1936) باب/إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء...، ومسلم في الصيام (1111) باب/تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ومالك في الموطأ كتاب الصيام (28) باب كفارة من أفطر في رمضان. وأما حديث أبي أويس عن ابن شهاب فقد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/226 من طريق ابن أبي أويس حدثني أبي أن محمد بن مسلم بن شهاب أخبره عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة... الحديث، وانظر: طرق الحديث في التمهيد 7/161- 182.
(2) الاستغناء 1/344-345 ترجمة رقم (430)، وإكمال التهذيب 8/16 وتهذيب التهذيب 5/281.
(3) الميزان 2/450.
(4) التحفة اللطيفة 2/339 رقم (2090).(2/51)
ولعل أرجح الأقوال ما تتبعه فيها عباس الدوري، حيث روى عنه أقواله فيه: "ثقة"، "صدوق وليس بحجة"، "مثل فُليح - صدوق كثير الخطأ - وفي حديثه ضعف"، ويوافقه في بعض أقواله ابن أبي خيثمة حيث روى عنه فيه: "ثقة"، "صالح ولكنه ليس بذاك الجائز". وتؤيدهما رواية الغلابي عنه فيه: "ليس به بأس" ويؤيد ذلك اختيار الحافظ الذهبي حيث ذكره في "من تكلم فيه وهو موثق" واختار قول ابن معين فيه: "صالح الحديث"(1)، إضافة إلى قول ابن
عبد البر السابق، وما ترجح عند أبي زرعة: "صالح صدوق كأنه لين"(2). وما ذهب إليه ابن عدي حيث قال بعد ذكره بعض الأحاديث التي انتقدها عليه: "ولأبي أويس غير ما ذكرت من الحديث، وفي أحاديثه ما يصح ويوافقه الثقات عليه، وفيها ما لا يوافقه عليه أحد وهو ممن يكتب حديثه"(3). وقال أبو أحمد الحاكم: "يخالف في بعض حديثه"(4).
وقال الخليلي: "منهم من رضي حفظه، ومنهم من يضعفه وهو مقارب
الأمر..."(5).
وخرَّج أبو عوانة حديثه في صحيحه، وكذلك الحاكم وأبو علي الطوسي، والدارمي(6).
ولعل أنسب الأقوال فيه قول الحافظ ابن حجر: "صدوق يهم"(7) والله أعلم.
وذهب أ.د. أحمد محمد نور سيف إلى أن: "النقول تشير إلى أنه كان سيئ الرأي فيه ثم حسن الرأي فيه؛ وذلك لأن البغداديين من الرواة نقل بعضهم عنه توثيقه فقط كالدوري، وابن الغلابي، ونقل ابن أبي خيثمة ذلك عنه كما نقل عنه تضعيفه، ونقل غيرهم تضعيفه فقط، والبغداديون أكثر ملازمة له، وبخاصة الدوري مما يشير إلى أن الرأي الأخير ليحيى فيه حسن،
__________
(1) ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق ص110 رقم (186).
(2) الجرح والتعديل 5/92 رقم (423)، وتهذيب التهذيب 5/281.
(3) الكامل 4/ 1500، وإكمال تهذيب الكمال 8/16، وتهذيب التهذيب 5/282.
(4) إكمال تهذيب الكمال 8/16، وتهذيب التهذيب 5/ 282.
(5) المنتخب من الإرشاد 1/287، والمصدرين السابقين.
(6) إكمال تهذيب الكمال 8/17.
(7) التقريب رقم (3412).(2/52)
والله أعلم"(1).
وذكر الأستاذ نور سيف أيضاً أهمية أقوال ابن معين التي يرويها البغداديون: "نظراً لأنهم وقفوا على رأيه الأخير في بعض الرواة الذين تختلف فيهم أقوال يحيى؛ ولذا فمن الأهمية أن يؤخذ بقولهم عند الاتفاق على راوٍ في رأي يخالفهم فيه غيرهم"(2).
حادي عشر: يحمل قول ابن معين في توثيق بعض الرواة وتعديلهم على شهادته بدين الراوي لا روايته:
فمثلاً: صالح بن بشير بن وادع المري، أبو بشر البصري القاص الزاهد (ت 172ه)(3).
قال عنه في رواية جعفر بن أبي عثمان - ثقة ثبت (ت: 282ه)- : "صالح المري كان قاصاً، وكان كل حديث يحدث به عن ثابت باطل"(4).
وقال في روايات ابن مُحْرِز البغدادي ومحمد الصغاني - ثقة ثبت
(ت 270ه) - والدقاق بن الهيثم (ت 284ه): "ليس بشيء" وزاد الدقاق: "قاصٌّ"(5)، وقال في روايات الغلابي - ثقة (ت 256ه) -ومحمد بن أبي شيبة - الحافظ المفيد (ت 297ه) -، ومعاوية الدمشقي (ت 263ه) -: "ضعيف"، وقال في رواية أحمد بن أبي خيثمة - ثقة متقن (ت 279ه) -: "ضعيف الحديث"(6).
وقال عنه في رواية عبد الله الدورقي - ثقة (ت 276ه) -: "صالح المري ضعيف أو قال: ليس بشيء"(7).
__________
(1) تاريخ ابن معين رواية الدوري، قسم الدراسة 1/123.
(2) المصدر السابق 1/157.
(3) ضعيف (ت)، التقريب رقم (2845).
(4) المختلف فيهم ص39، والضعفاء ص109 رقم (295) ورواه الخطيب بإسناده إليه 9/309.
(5) رواية ابن محرز 1/61 رقم (92)، ورواية الدقاق ص66 رقم (163)، وروايات الثلاثة في تاريخ بغداد 9/309.
(6) الجرح والتعديل 4/396 رقم (1730)، والضعفاء للعقيلي 2/199، الكامل 4/1378، وتاريخ بغداد 9/309، وتهذيب الكمال 13/18، وسير أعلام النبلاء 8/43، وتهذيب التهذيب 4/382.
(7) الكامل 4/1378.(2/53)
وقال في رواية عباس الدوري: "رأيت يحيى بن معين ليس له في صالح المري كبير رأي"(1).
وقال أيضاً في رواية أخرى للدوري: "صالح المري ليس به بأس"(2).
ومن خلال أقوال النقاد الآخرين نجد أنهم قد أجمعوا على تضعيف صالح المري القاص في الحديث وروايته، وأثنوا على دينه وعبادته وخشيته من الله، وبخاصة في وعظه وتذكيره.
لذلك قال أبو حفص ابن شاهين البغدادي (ت 385ه) بعد أن أورد توثيق ابن معين له وتضعيفه في (الثقات) و(الضعفاء) و(المختلف فيهم): "وهذا الكلام من يحيى بن معين في صالح المري يحتمل أن يكون وصف صلاحه وديانته ووعظه؛ وذلك أنه كان قاصّاً، ولم يكن يعرف صحيح الحديث من سقيمه، وما رأيت أحداً مدحه بالثقة، والله أعلم بالحق فيما هو"(3).
وقال ابن حبان (ت 354ه): "كان يحيى بن معين شديد الحمل عليه"(4)
وقال الخطيب (ت 463ه) بعد روايته لقوله عن طريق الدوري: "ليس به بأس": "روى غيره عن يحيى سوء القول في صالح"(5).
وقال الذهبي بعد نقله رواية الدوري عن ابن معين: "لكن روى خمسة عن يحيى جرحه"(6). وقال في تاريخ الإسلام: "قلت: روى خمسةٌ عن يحيى تليين صالح المُريّ، وما في ضَعْفه نزاع، إنما الخلاف هل يُترك حديثه أو لا"(7).
__________
(1) تاريخ ابن معين رواية الدوري 2/262 رقم (4288)، ونقل مغلطاي في إكمال التهذيب 6/320 عن الساجي أنه قال: "منكر الحديث لم يكن ليحيى بن معين فيه كبير رأي".
(2) تاريخ ابن معين رواية الدوري 2/262 رقم (3383)، الثقات ص117 رقم (571)، وتاريخ بغداد 9/308، وتهذيب الكمال 13/17 وإكمال التهذيب 6/320، والميزان 2/289، وتهذيب التهذيب 4/382.
(3) المختلف فيهم ص39.
(4) المجروحين 1/372.
(5) تاريخ بغداد 9/308.
(6) الميزان 2/ 289.
(7) تاريخ الإسلام ص185، وفيات (171-180ه).(2/54)
ومما قيل فيه قول أبي حاتم الرازي (ت 277ه): "منكر الحديث يكتب حديثه، وكان من المتعبدين، ولم يكن في الحديث بذاك القوي"(1).
وقول ابن عدي (ت365ه): "قاص حسن الصوت، عامة أحاديثه منكرة، أُتي مِنْ قلة معرفته بالأسانيد، وعندي أنه لا يتعمد"(2).
الخاتمة
ضرورة الجمع الشامل لألفاظ الجرح والتعديل الخاصة بأئمة النقد من المصادر المطبوعة والمخطوطة وتصنيفها وتوثيق نسبتها لكل واحد منهم.
اختيار بعض طلاب مرحلة الدكتوراه المتميّزين لدراسة الأقوال المختلفة في الراوي الواحد لكل ناقد على حدة، ومحاولة التوفيق بين المتعارض منها على ضوء أقوالهم وقواعدهم التي اصطلحوا عليها أو المستنبطة من خلال البحث والدراسة.
لا تعارض بين أقوال ابن معين المختلفة في الراوي، وذلك إذا ما جمعت عن رواة أقواله كافة، وما ظاهرها التعارض، فهي تمثل اجتهاداته في أولئك الرواة بعد ثبوت عدالتهم وتوثيقهم أو العكس، أو يكون قد خص طائفة من الرواة بحكمين يمثل الأول حالة خاصة به، والثاني وصفه العام في جميع مروياته الأخرى.
ضرورة الاستعانة – أحيانا – بمرويات الراوي المتكلم فيه والموازنة بينها وبين الروايات الأخرى المتماثلة، وتنزيلها على أقوال ابن معين فيه، ومن ثم الخروج بالقول المناسب وحالة ذلك الراوي.
مصادر ومراجع البحث
1-…الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى - ليوسف بن عبد الله بن عبد البر - تحقيق عبد الله مرحول السوالمة - (رسالة دكتوراه).
2-…أسماء شيوخ مالك بن أنس الأصبحي - لابن خلفون محمد بن إسماعيل - تحقيق عبد الرحمن بن ضرار - وضياء بن محمد الأنصاري - وزارة العدل والشؤون الإسلامية - البحرين – 1419ه.
__________
(1) الجرح والتعديل 4/396.
(2) الكامل 4/1381، ونحوه كلام ابن الجوزي (ت 597هـ) في الضعفاء 2/47.(2/55)
3-…إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال - لعلاء الدين مغلطاي بن قليج - تحقيق عادل بن محمد وأسامة بن إبراهيم - مكتبة نزار الباز - مكة المكرمة – 1422ه.
4-…بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم - ليوسف بن حسن ابن عبد الهادي - تحقيق وتعليق الدكتور وصي الله عباس - دار الراية - الرياض - الطبعة الأولى – 1409ه.
5-…بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام - لأبي الحسن علي ابن محمد بن القطان - دراسة وتحقيق الدكتور الحسين آيت سعيد
- دار طيبة - الرياض – 1418ه.
6-…تاريخ أسماء الثقات - لأبي حفص عمر بن شاهين - تحقيق صبحي السامرائي - الدار السلفية - الكويت - الطبعة الأولى – 1404ه.
7-…تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين - لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين - تحقيق الدكتور عبد الرحيم القشقري – 1409ه.
8-…تاريخ بغداد - لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي - طبعة الخانجي - القاهرة - تصوير المكتبة السلفية.
9-…تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن معين - تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف - دار المأمون للتراث - دمشق – 1400ه.
10-…التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة - لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي - تحقيق أسعد طرابزوني - القاهرة – 1399ه.
11- تذكرة الحفاظ - لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - دار الكتب العلمية - بيروت – 1374ه.
12-…تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما
- لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم - تحقيق كمال يوسف الحوت - مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت – 1407ه.
13-…التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح - لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي - تحقيق الدكتور أبو لبابة حسين
- دار اللواء - الرياض - الطبعة الأولى – 1406ه.(2/56)
14-…تقريب التهذيب - لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - تحقيق محمد عوامة - دار الرشيد - حلب - الطبعة الثانية – 1408ه.
15-…التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - لأبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر - تحقيق سعيد أحمد إعراب وآخرين - وزارة الأوقاف - المغرب.
16-…تهذيب التهذيب - لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - عناية إبراهيم الزيبق وعادل المرشد - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى – 1416ه.
17-…تهذيب الكمال - لأبي الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي - تحقيق الدكتور بشار بن عواد معروف - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى – 1418ه.
18-…الثقات - لأبي حاتم محمد بن حبان البستي - طبع بمجلس دائرة المعارف العثمانية - تصوير دار الفكر - بيروت - الطبعة الأولى – 1393ه.
19-…الجامع - لمحمد بن عيسى الترمذي - تحقيق الشيخ أحمد شاكر وآخرين - طباعة مصطفى البابي الحلبي.
20-…الجرح والتعديل - لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي - تحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي - دار الكتب العلمية - بيروت.
21-…ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق محمد شكور بن محمود المياديني - مكتبة المنار - الزرقاء - الطبعة الأولى – 1406ه.
22-…ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة - دار القرآن الكريم - بيروت – 1400ه.
23-…الرفع والتكميل في الجرح والتعديل - لمحمد عبدالحي اللكنوي - تحقيق عبدالفتاح أبو غدة - بيروت - الطبعة الثالثة – 1407ه.
24-…سؤالات ابن الجنيد إبراهيم بن عبد الله ليحيى بن معين - تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف - مكتبة الدار – 1408ه.
25-…سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم - تحقيق الدكتور زياد منصور - مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة – 1414ه.(2/57)
26-…سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي (ضمن أبي زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية) - الأستاذ الدكتور سعدي الهاشمي - طباعة الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة.
27-…سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني - دراسة وتحقيق الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر - مكتبة المعارف - الرياض - الطبعة الأولى – 1404ه.
28-…سنن ابن ماجه - لمحمد بن يزيد القزويني - عناية محمد فؤاد
عبد الباقي - طباعة عيسى الحلبي - القاهرة - 1964م.
29-…سنن أبي داود - لسليمان بن الأشعث السجستاني - دار إحياء السنة النبوية.
30-…السنن الكبرى - لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي - حيدر أباد الدكن - الهند – 1346ه.
31-…سير أعلام النبلاء - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق شعيب الأرناؤوط وحسين الأسد وآخرين - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثامنة – 1412ه.
32-…صحيح البخاري - لمحمد بن إسماعيل البخاري - المكتبة السلفية - القاهرة.
33-…صحيح مسلم - لمسلم بن الحجاج النيسابوري - عناية محمد فؤاد عبد الباقي - طباعة عيسى الحلبي - 1955م.
34-…الضعفاء - لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي - تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى – 1404ه.
35-…الضعفاء والمتروكين - لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي البغدادي
- تحقيق عبد الله قاضي - دار الكتب العلمية - بيروت.
36-…طبقات الحنابلة - لمحمد بن أبي يعلى الفراء - أنصار السنة المحمدية - القاهرة – 1952ه.
37-…الطبقات الكبرى - لمحمد بن سعد - تحقيق الدكتور علي محمد عمر - طباعة الخانجي – 1421ه.
38-…العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين - لتقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكي – 1387ه.
39-…عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير - لمحمد بن سيد الناس اليعمري - تحقيق الدكتور محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو - دار التراث - المدينة المنورة – 1413ه.(2/58)
40-…قواعد في علوم الحديث - لظفر أحمد العثماني - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة - الرياض - الطبعة الخامسة – 1404ه.
41-…الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة - لأبي عبد الله محمد ابن أحمد الذهبي - تحقيق محمد عوامة وزميله - دار القبلة - جدة - الطبعة الأولى – 1413ه.
42-…الكامل في ضعفاء الرجال - لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني - تحقيق الدكتور سهيل زكار - دار الفكر - بيروت - الطبعة الثالثة – 1409ه.
43-…الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث - لبرهان الدين الحلبي - تحقيق السيد صبحي السامرائي - وزارة الأوقاف - بغداد.
44-…المتفق والمفترق - لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي - تحقيق الدكتور محمد صادق الحامدي - دار القادري – 1417ه.
45-…المتكلمون في الرجال - لمحمد عبد الرحمن السخاوي - تحقيق
عبد الفتاح أبو غدة - بيروت - الطبعة الثالثة – 1400ه.
46-…المجروحين من المحدثين - لمحمد بن حبان البستي - تحقيق محمود إبراهيم - دار الوعي - حلب.
47-…مختصر الكامل في الضعفاء وعلل الحديث - لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي - تحقيق أيمن بن عارف الدمشقي - مكتبة السنة - القاهرة - الطبعة الأولى – 1415ه.
48-…المختلف فيهم - لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين - تحقيق الدكتور عبد الرحيم القشقري - مكتبة الرشد – 1420ه.
49-…المسند - للإمام أحمد بن حنبل - المكتب الإسلامي - دار صادر - بيروت.
50-…مسند الدارمي - لعبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي - طباعة السيد عبد الله هاشم يماني - 1966م.
51-…المصنف - لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة - الدار السلفية - الهند.
52-…المعجم الأوسط - لسليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق محمد حسن الشافعي - دار الكتب العلمية - بيروت – 1420ه.
53-…المعجم الكبير - لسليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي - مطبعة الأمة - بغداد - 1978م.(2/59)
54-…المغني في الضعفاء - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق أبي الزهراء حازم القاضي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى – 1418ه.
55-…من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال رواية أبي خالد يزيد بن الهيثم الدقاق - تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف - دار المأمون للتراث - دمشق – 1400ه.
56-…المنتخب من الإرشاد في معرفة علماء الحديث - للخليل بن عبد الله ابن أحمد الخليلي القزويني - تحقيق الدكتور محمد سعيد بن عمر أدرسي - مكتبة الرشد – 1409ه.
57-…الموطأ - لمالك بن أنس - دار إحياء الكتب العربية - القاهرة.
58-…ميزان الاعتدال في نقد الرجال - لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق علي بن محمد البجاوي - دار المعرفة - بيروت – 1382ه.
59-…هدى الساري مقدمة فتح الباري - لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - عناية محب الدين الخطيب - رئاسة البحوث العلمية - الرياض.
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
المبحث الأول: مصنفات في الرواة المختلف فيهم.…5
المبحث الثاني: نماذج من اختلاف أقوال بعض النقاد في الراوي الواحد.…7
المبحث الثالث: نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت أقوال النقاد فيهم.…12
المبحث الرابع: تعريف موجز بالإمام يحيى بن معين.…19
نموذج لأحد الرواة الذين اختلفت فيهم أقوال ابن معين…23
المبحث الخامس: مواقف بعض الحفاظ من أقوال ابن معين المختلفة.…34
المبحث السادس: الخطوات المتبعة في الجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرواة.…42
الخاتمة…71
مصادر ومراجع البحث…72
فهرس الموضوعات…79(2/60)
أعلام السيرة النبوية في القرن الثاني للهجرة
مصنفاتهم ومناهجهم
بقلم الأستاذ الدكتور
فاروق حمادة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين، وصحابته المنتجبين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن السيرة النبوية العطرة، كانت على الدوام محلَّ اهتمام الأمة، ولاسيما في القرون الثلاثة الأُوَل؛ لأن صاحب السيرة قمة البشرية، وأسوة الإنسانية، ومحور مسيرتها إلى نهايتها.
وقد تعلق الصحابة رضوان الله عليهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلقاً كبيراً، فاستنارت به جنبات وجودهم ومكونات أفئدتهم، ولما التحق بالرفيق الأعلى وتوفاه الله إليه، شعروا وكأن الدنيا أظلمت عليهم، فعاشوا النموذج الأسمى فيه عليه الصلاة والسلام حياتهم، إذ كان لكل واحد منهم معه موقف بل مواقف، ورووا أيامه الغراء لأبنائهم، وورثوها لهم، أعلاقاً نفيسة تصان، ودرراً غالية تحفظ، في حنايا القلوب، وأعماق المشاعر والعقول، مناراً للأجيال، ومعالم هادية للحياة، وموازين عادلة للمسالك.. ولاسيما وأقباس من هذه السيرة يتلونها قرآناً في محاريبهم، ويتقربون به كلاماً قدسياً إلى ربهم آناء الليل وأطراف النهار، فتثور ذكرياتهم ويعيشون الماضي حاضر أيامهم..
ولهذا كانت تهب عليهم رياح الذكريات في غدوهم ورواحهم، ويَرَون ما حولهم فيذكِّرهم كل شيء بأيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيحرصون حرصاً شديداً على تدوين تلك اللحظات النبوية المضيئة، والمشاهد الشريفة، ويشجع الآباء أبناءهم على حفظها وروايتها للآتين، والاعتزاز بها في العالمين.(3/1)
فعبدالله بن الزبير، يرتمي في أحضان والده حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويمدّ يده إلى جراحة غائرة في عاتقه فيسأله عن هذه الجراحة، فتعود به الذكرى إلى أيام خلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسق الزمن، ولكنها حاضرة في القلب والعقل والإحساس، فيحدث ابنه عنها، ويتحفظها عبدالله ويرويها لمن بعده بانتماء وافتخار.
وكذلك كانت الأحداث من مثل: عبدالله بن محمد بن عقيل وأقرانه يأتون جابر بن عبدالله الأنصاري - وكان له مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام ومواقف إيمانية - فيسألونه عن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأيامه فيكتبونها.
وكان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: كنا نعلَّم مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسراياه كما نعلَّم السورة من القرآن.
وكان إسماعيل بن محمد بن سعد يقول: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعدّها علينا، وسراياه، ويقول: يا بنيَّ هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها(1).
وهكذا كان الجيل الأول في حرصه على تبليغ مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والجيل التابع من الحرص على تلقيها حتى أوشك القرن الأول على الانصرام، وأصبح عدد جيل الصحابة قليلاً جداً بل هو معدود، لأنهم تفرقوا في الأمصار.. وقبل أن ينقرضوا قيض الله من أبنائهم، وأتباعهم جيلاً، كان منهم صفوة أولت هذه المفاخر عنايتها، وهذه السيرة أهميتها، وكان في طليعة هذا الجيل، ومن هذه الصفوة: أبان بن الخليفة الراشد عثمان بن عفان المتوفى في نهاية القرن الأول، وكان قد دون قسماً من السيرة وصحَّحها(2).
__________
(1) انظر الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع للخطيب البغدادي 2/195.
(2) انظر مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص: 67.(3/2)
وعروة بن الزبير بن العوام المتوفى في نهاية القرن الأول نحو 94هـ، وقد جمع مختارات هامة في المغازي، حملت اسمه وسميت بمغازي عروة، وتناقلتها الأجيال في حلقات الدرس بعده.
ومنهم: عامر بن شراحيل الشعبي المتوفى بعد المائة الأولى بقليل، وقد روى عن جمع غفير من الصحابة، إذ أدرك منهم نحواً من خمسمائة وكان طلاّبة للعلم، غير قنوع بالقليل من المعرفة، فأَوْلى السيرة والمغازي قسطاً من اهتمامه تلقياً وتعليماً. قال عبدالملك بن عمير: مرّ عبدالله بن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي، فقال: كأن هذا كان شاهداً معنا، ولهو أحفظ لها مني وأعلم(1).
ومن هؤلاء: وهب بن منبه اليماني الصنعاني المتوفى بُعيد المائة الأولى، وكانت له عناية بالكتب السوالف مع السيرة النبوية.
فكان في نهاية القرن الأول للسيرة النبوية والمغازي حلقات درس خاصة زكاها وقوّاها عمل الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز الذي كانت خلافته على رأس المائة الأولى، وكان العمران قد استبحر، واتسع الناس، وأقبلوا على الدنيا وأَطلت أفكار غريبة، فأراد أن يجدد في قلوب المسلمين الصلة بالسيرة النبوية العطرة.
فكتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره: انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو سنة ماضية، أو حديث عمرة فاكتبه، فإني خفت دُروس العلم وذهاب العلماء(2). ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يُعَلَّم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرّاً (3).
__________
(1) انظر سير أعلام النبلاء 4/302.
(2) انظره في طبقات ابن سعد 8/480، وصحيح البخاري العلم، باب كيف يقبض العلم 1/194، وتقييد العلم للخطيب ص: 105-106.
(3) انظره معلقاً في صحيح البخاري: كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم 1/194.(3/3)
وقد أخذ درس السيرة النبوية في القرن الثاني، والتصنيف فيها مرحلة جديدة بدأت بحلق المساجد، ووضع مصنفات أو مكتوبات صغيرة، وبدأ رجال يقبلون على هذا الموضوع، وبدأ ينمو مع الأيام حتى استوى علم السيرة والتأليف فيها وكمل مع نهاية القرن الثاني. وقد كان ذلك من خلال أربعة أدوار، ولكل دور ملامحه وخصائصه.
فأردت أن أتتبع هذه الأدوار، واحداً بعد آخر، وأذكر أبرز رجاله، ومصنفاته وأبين مكانة هؤلاء المصنفين وتأثيرهم في التصنيف في السيرة، ومناهجهم في مصنفاتهم متتبعاً ذلك من خلال المصادر الأصلية.ولا أذكر إلا من رأيت من خلال المصادر أنه من دارسي هذا العلم مع التدليل على ذلك دون تقليد لأحد من الدارسين قبلي وبخاصة دارسو التاريخ من المعاصرين؛ لأن هذا العلم يقوم أساساً على الإسناد، وهو صناعة خاصة بالمحدثين ودارسي السنة، وله مفاهيمه التي لا يدرك مغزاها من لم يتمكن منها. مع ثنائنا الجميل وعرفاننا لكثير من الدارسين الذين كتبوا في هذا الموضوع أو قريب منه.
وحتى لا أكثر الإحالات على النصوص وأطيل الحواشي، فسأذكر مصادر تراجم الأعلام التي وقفت عليها وأفدت منها، وفيها جميع النصوص المقتبسة التي بنيت عليها هذا البحث.
الدور الأول
بدأ القرن الثاني وانتشر العلماء، بتأثير التوجيه السديد، الذي دفع عمر ابن عبدالعزيز العلماء إليه، في المساجد والأصقاع فكانوا يشيعون السنة والسيرة العطرة، ويعلمونها، واستدعى ذلك أَنْ تُمَيَّز السيرة بمكتوبات أكثر نضجاً من مدونات الجيل السابق. وتميزت نصوصها عن نصوص السنة بشكل أوضح، وأصبح الناس يذكرون رواداً لهم شأن في هذا الميدان في طليعتهم: (1) عاصم بن عمر بن قتادة، (2) وشرحبيل بن سعد، (3) ومحمد بن مسلم ابن شهاب الزهري، (4) ويزيد بن رومان، (5) وأبو محمد عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري.(3/4)
1- أما عاصم فهو ابن عمر بن قتادة بن النعمان أبو عمر الظفري المدني الأنصاري المتوفى سنة 120ه(1).
أحد العلماء، كان جدّه من فضلاء الصحابة، وهو الذي رد النبي - صلى الله عليه وسلم - عينه بعد أن قلعت فعادت بإذن الله كما كانت. تلقى العلم عن أنس بن مالك، وجابر بن عبدالله، ومحمود بن لبيد، وجدّته رميثة ولها صحبة، وأبيه عمر بن قتادة والحسن بن محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وغيرهم. وروى عنه: بكير بن عبدالله بن الأشج، وزيد بن أسلم، وعمارة بن غزية، وابنه الفضل بن عاصم، ومحمد بن إسحق بن يسار، وغيرهم.
قال محمد بن سعد: كانت له رواية للعلم، وعلم بالسيرة، ومغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ثقة كثير الحديث عالماً، وفد على عمر بن عبدالعزيز في خلافته في دَين لزمه فقضاه عنه عمر، وأمر له بعد ذلك بمعونة، وأمره أن يجلس في مسجد دمشق، فيحدِّث الناس بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومناقب أصحابه ففعل، ثم رجع إلى المدينة، فلم يزل بها حتى توفي.
ولولا علم عمر وهو العالم المجتهد بمكانة هذا الرجل في هذا الميدان، لما طلب منه ذلك، وأقعده هذا المقعد، ولعله رجع إلى المدينة بعد وفاة عمر، وإليه يعود قسم غير قليل من روايات السير والمغازي من رواتها ومصنفاتها. وقد وثقه غير واحد من الأئمة، وأخرج حديثه الجماعة، قال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)): ((كان عارفاً بالمغازي، يعتمد عليه ابن إسحق كثيراً)).
__________
(1) انظر ترجمته في: طبقات خليفة ص: 258، وتاريخ الفسوي 1/422، والجرح والتعديل 6/346، وتهذيب الكمال 13/528، وسير النبلاء 5/240، وتهذيب التهذيب 5/53.(3/5)
وإن كنا لانملك نصّاً خاصاً منفرداً عن عاصم بن عمر بن قتادة، إلا أننا من خلال ما دخل الكتب من حديثه عن المغازي وبخاصة كتاب تلميذه ابن إسحق الذي جعله أحد ركائزه الأساسية يتبين لنا أن عاصم بن عمر يذكر أخباره أحياناً بالأسانيد، وأحياناً بدون أسانيد، وأحياناً يذكر واحداً من شيوخه ويرسل عنه الحديث، كالزهري. ويقرنه في كثير من النقول مع غيره من شيوخه ورواته: مثل عبدالله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان والزهري، ويزيد بن رومان، وغيرهم، وفي كتاب ابن إسحق نصوص كثيرة ومطولة عنه كما قال الذهبي..
ويحسن في دراسة معمقة عنه أن تُجمع نصوص ما ذُكر منها بالأسانيد أو بغيرها وتدرس الأسانيد والنصوص، وتُقابَلَ بغيرها، وينظر فيما اعتمده أهل هذا العلم من نصوصه، وما موقفهم من هذه النصوص إذا خالفت غيرها؟
2- شُرَحْبيل بن سعد أبو سعد الخطمي المدني مولى الأنصار المتوفى 123هـ(1).
تابعي روى عن جابر بن عبدالله، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر، وأبي رافع، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وعويم بن ساعدة، والحسن بن علي. روى عنه مالك وكنى عنه، وكثيرون.
قال محمد بن سعد: ((كان شيخاً قديماً، روى عن زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبقي إلى آخر الزمان حتى اختلط، واحتاج حاجة شديدة، وله أحاديث، وليس يُحْتج به)).
قال علي بن المديني: قلت لسفيان بن عيينة: كان شرحبيل بن سعد يفتي؟ قال: نعم، ولم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه، فاحتاج، فكأنهم اتهموه، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلب منه شيئاً، فلم يُعْطِه أن يقول له: لم يشهد أبوك بدراً. وقال ابن أبي حاتم: كان عالماً بالمغازي.
__________
(1) ترجمته في طبقات ابن سعد 5/310، والجرح والتعديل 4/338، والكامل لابن عدي 4/41، وتهذيب الكمال 12 : 415، وميزان الاعتدال 2/266، وتهذيب التهذيب4/320.(3/6)
قال ابن عدي: ولشرحبيل بن سعد أحاديث وليس بالكثير، وفي عامة مايرويه إنكار، على أنه قد حدّث عنه جماعة من أهل المدينة من أئمتهم، وغيرهم، إلا مالكاً، فإنه كره الرواية عنه، وكنى عن اسمه، وهو إلى الضعف أقرب. وقد عاب يحيى القطان على ابن إسحق عدم روايته عن شرحبيل.
وقد أخرج له ابن حبان، وابن خزيمة في صحيحيهما، وأبو داود، وابن ماجه في السنن، والبخاري في الأدب المفرد.
وبقيت روايات شرحبيل، -على إمامته في هذا الميدان وتخصصه فيه-، محدودة، وأقل من غيره، وانظر من رواياته طبقات ابن سعد (1/237) من طريق يحيى بن محمد الجاري عن مجمع بن يعقوب عنه.
3- الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب القرشي الزهري، أبو بكر المخزومي المتوفى 124هـ(1).
علم الأعلام، وعالم الحجاز والشام، روى عن بعض الصحابة وعن جمع كبير من التابعين وكبارهم.
وروى عنه جمع غفير من الأعلام، وحديثه ملأ الكتب والدواوين قال ابن منجويه: رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار، وكان فقيهاً فاضلاً.
قال محمد بن سعد: قالوا: وكان الزهري ثقة كثير الحديث، والعلم والرواية فقيهاً جامعاً. قال الليث بن سعد: قلت لابن شهاب:يا أبا بكر لو وضعت للناس هذه الكتب ودونتها فتفرغت، فقال: ما نشر أحد من الناس هذا العلم نشري، وبَذَلَه بذلي.
وروايات ابن شهاب للسيرة النبوية ملأت الكتب كذلك من عصره وما تلاه، فابن إسحق تلميذُه أكثرَ عنه، وكل مَنْ صَنَّف في السيرة، أو روى، احتاج إليه.
__________
(1) ترجمته في جميع كتب التراجم والأعلام ومن المصادر: طبقات ابن سعد 4/126 تاريخ ابن عساكر وقد فصلت ترجمته وطبعت بتحقيق شكر الله بن نعمة الله القوجاني 1982، تهذيب الكمال 26/419 وإحالاته، وسير أعلام النبلاء 5/326، وتهذيب التهذيب 9/445.(3/7)
ومِنْ تَتَبُّع نصوصه نجد أن الزهري في سرده للسيرة يستعمل الإسناد أحياناً أي المرفوع المتصل، وأحياناً يرسل، وأحياناً يسوق الخبر بأسلوبه دون الاعتماد على أحد من الرواة، ولعل هذا راجع إلى طبيعة الموضوع وسياقه كقصة.
ويمكنني أن أقول هنا إنه وأقرانه بعمله هذا- أي بإسقاط الإسناد وسياق الأخبار دون إسنادها للرواة- قد مهدوا الطريق لتلميذهم محمد بن إسحق ومن بعده كأبي معشر، والواقدي أن يتجاوزوا الإسناد في كثير من أحداث السيرة وأخبارها، ولا أحتاج إلى التمثيل وذكر الصفحات؛ لأن ذلك كثير، ولكن هذه النصوص الكثيرة الواردة تدعونا إلى التساؤل، هل جمع الزهري مصنفاً في السيرة أو كتاباً فيها؟
لقد طلب عمر بن عبدالعزيز من الزهري وأضرابه أن يجمعوا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل شملت مكتوبات الزهري شيئاً من فصول السيرة أو الغزوات؟
لقد ذكر السهيلي في "الروض الأنف"(1) قوله: (وقع في سير الزهري أن بحيرى كان حبراً من يهود تيماء...) ويقول في خبر نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - من خديجة(2): (وذكر الزهري في سيره، وهي أول سيرة ألفت في الإسلام...).
ومن هذين النصين يتبين أن سير الزهري لم يقتصر على المغازي، بل ذكر فيه الفترة المكية التي تشمل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة.
وكنموذج من المغازي يقول في غزوة بدر؛ عند قوله(3): لقد ارتقيت مرتقى صعباً يارُوَيْعي الغنم، يعارض وما وقع في سير ابن شهاب، ومغازي ابن عقبة، أن ابن مسعود وجده جالساً لا يتحرك.
وقد ذكر السخاوي كتاب «مشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم -»، رواه عنه يونس بن يزيد الأيلي المتوفى 159هـ، وهو من المشهورين بالرواية عنه(4).
__________
(1) انظر 1/205.
(2) انظر 1/214.
(3) انظر 1/49.
(4) انظر تذكرة الحفاظ 1/162، وتهذيب التهذيب 11/450، والإعلان بالتوبيخ ص: 88 ومصادر السيرة النبوية وتقويمها ص: 94.(3/8)
كما ذُكِر له كتاب المغازي يرويه عنه الحجاج بن أبي منيع المتوفى 216هـ(1) قال محمد بن يحيى الذهلي في ترجمة عبيد الله بن أبي زياد الرّصافي: لم أعلم رواية غير ابن ابنه يقال له: حجاج بن أبي منيع، أخرجه إلى جزء من أحاديث الزهري، فنظرت فيها فوجدتها صحاحاً، فلم أكتب منها إلا يسيراً.
قال المزي في ترجمة حجاج: روى عن جدِّه عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري نسخة كبيرة، وأشار إلى تعليق البخاري له في الصحيح(2).
ومهما يكن من أمر روايات الزهري فهو إمام هذا العلم بلا منازع.
وأما زعم من زعم أنه أخرج مغازي الزهري من مصنف عبدالرزاق فلا دليل عليه، ولا يثبت عند البحث والتمحيص، وليس هذا مكان تفنيده، ويستحق ذلك.
4- يزيد بن رومان الأسدي، أبو روح المدني، مولى آل الزبير التابعي المتوفى 130هـ(3).
روى عن أنس بن مالك، وابن الزبير، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبدالله ابن عمر، وصالح بن خوّات بن جبير، والزهري وهو من أقرانه، وغيرهم.
وروى عنه جمع غفير منهم: مالك بن أنس، ومحمد بن إسحق، ونافع بن أبي نعيم القارئ، وهشام بن عروة، وجمع من الجلَّة.
وقد وثقه غير واحد، قال ابن سعد في الطبقات: «كان عالماً كثير الحديث ثقة، وأخرج له البخاري ومسلم، وغيرهما».
قال أبو عمر بن عبدالبر:كان عالماً بالمغازي، مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ثقة. ولكن هل دَوَّن كتاباً في المغازي؟ لا يبعد أن يكون قد كتب شيئاً من ذلك، لكن لم يصلنا مستقلاً عنه شيء، ووصل عنه في الكتب قِسْطٌ لا بأس به من الروايات.
__________
(1) انظر الإعلان بالتوبيخ ص: 88.
(2) انظر تهذيب الكمال 5/460.
(3) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد القسم المتمم لتابعي المدينة ص: 310، والتاريخ الكبير للبخاري 8 رقم 3207، والجرح والتعديل9/رقم: 1098 والتمهيد 23/31، ووفيات الأعيان 6/277، وتهذيب الكمال 32/122، وأسماء شيوخ مالك لابن خلفون ص: 313 وتهذيب التهذيب 11/325.(3/9)
أما عن رواياته في السير والمغازي فهي منثورة في المصنفات الأولى بدءاً من كتاب محمد بن إسحق وفيه نصوص كثيرة، ومن خلالها يتبين لنا أنَّ ما أثبته عنه ابن إسحق تارة يكون بإسناد متصل عن شيوخه مثل عروة بن الزبير عن الصحابة، وأحياناً يذكر الخبر دون إسناده لأحد من الرواة. وأحياناً يقرنه مع أقرانه ويسوق خبره معهم، وانظر: طبقات ابن سعد 1/280، 305، 216، 221.
وبهذا يكون من الرواد الأوائل الذين أبرزوا روايات السيرة، ولم يخرج عن أضرابه في منهجه في رواية الأخبار.
5- عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أبو محمد الأنصاري المتوفى نحو 130هـ(1).
تابعي، روى عن أنس بن مالك، وعباد بن تميم الأنصاري، وعروة بن الزبير، وطائفة كبيرة.
وروى عنه جماعة من الأئمة منهم: الزهري - وهو أكبر منه - وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد، وابن جريج ومحمد بن إسحق.. وغيرهم.
قال مالك بن أنس: «كان رجل صدق كثير الحديث». وقال ابن سعد: «كان ثقة عالماً كثير الحديث».
وقد وثَّقه غير واحد من الأئمة، وقال أحمد بن حنبل: حديثه شفاء، وقد أخرج حديثَه الشيخان وبقية الستة.
قال أبو عمر بن عبدالبر: كان من أهل العلم، ثقة فقيهاً، محدّثاً حافظاً من ساكني المدينة وهو حجة فيما نقل وروى، وقال ابن حبان: كان من سادات الناس وفقهائهم، وقد كان لأسرته العلمية الشهيرة بالمدينة المنورة حلقة علمية في المسجد النبوي الشريف.
حلاَّه الإمام الذهبي بقوله: الإمام الحافظ أبو محمد الأنصاري صاحب المغازي، وشيخ ابن إسحق.
__________
(1) ترجمته في: التاريخ الكبير 5/54، والجرح والتعديل 5/17، وطبقات ابن سعد القسم المتمم ص: 283، والتمهيد 17/155، ومشاهير علماء الأمصار ص: 68، وتهذيب الكمال 14/349، وسير أعلام النبلاء 5/314، وتهذيب التهذيب 5/164 وغيرها.(3/10)
ولكن لم يصلنا كتاب مصنف قائم بنفسه عن عبدالله، إلا أن رواياته الكثيرة في كتب السيرة تعطينا عنه صورة جيدة من حيث كثرة مروياته لنصوص السيرة عند ابن إسحق ومن تلاه من المصنفين، ممّا يجعلني أرجح أن يكون له مكتوبات ولاسيما أن أسرته وبخاصة أبوه هو الذي طلب منه عمر ابن عبدالعزيز التدوين للسنة والحديث.
ومِنْ تَتَبُّعِ نصوصه في كتاب ابن إسحق وتهذيبه لابن هشام ومصادر السيرة الأخرى، نجد أنه يسير التوجه العام فتارة يذكر أسانيده، وتارة يرسل الحديث، وتارة يقول ما استوعبه من مصادره التي استقى منها الأخبار دون أن يحيل على أحد.
وقد كان بجانب هؤلاء أعلام كانت لهم مشاركات في السيرة النبوية جمعاً ورواية، والملامح العامة للمنهج عند هؤلاء جميعاً هي:
إن جميع رجال هذه الطبقة تابعيون، رووا عن الصحابة وعن كبار التابعين، أي: أن العهد قريب.
إن هؤلاء الرواة تعددت مصادرهم واتسعت نظراً لاتصالهم بالصحابة وأبناء الصحابة، وكانوا يستقون منهم الأخبار، ولهذا نجد مخارج الروايات متعددة.
هؤلاء الرجال كلهم مدنيون، والمدينة كانت مهبط الوحي، ومنطلق الغزو وميدان السيرة، ومعرفتهم بأهل المدينة وأسرها كبيرة ـ وهم منهم ـ تعطي الدقة والاطلاع.
لم يصلنا كتاب مدوّن لنعرف بدقة كيفية جمعهم منهجاً ومضموناً.
نلاحظ من خلال النصوص الواردة عن هؤلاء أنهم أحياناً يذكرون الأسانيد، وأحياناً يتجاوزونها، وذلك نظراً لشيوع هذه الأخبار وكثرة الناقلين لها -والله أعلم-.
يظهر لي من خلال النصوص الواردة أنه كان لدى هؤلاء الرواد حرص شديد على تقصي أخبار السيرة والإحاطة بها.
على يد هؤلاء - وكانوا في الربع الأول من القرن الثاني- قام علم السيرة وجمع رواياتها، وكوَّنوا مدرسة نهضت بهذا الأمر حتى علت به وبقي مع الأيام كما وضعوه، وجاء بعدهم الدور الثاني من القرن الثاني.
الدور الثاني(3/11)
قام في الطبقة الثانية من القرن الثاني، في بناء علم السيرة مجموعة من الأعلام وفي طليعتهم:(1) موسى بن عقبة، (2) ومجالد بن سعيد، (3) وسليمان التيمي، (4) ومحمد بن إسحق، (5) ومعمر بن راشد اليماني.
1- أما موسى بن عقبة فهو ابن أبي عياش القرشي الأسدي مولاهم، أبو محمد المدني المتوفى نحو 141هـ(1).
أدرك أنس بن مالك، وعبدالله بن عمر وسهل بن سعد، وأم خالد بنت سعيد بن العاص ـ ولها صحبة ـ ويقال: كان مولاها، وهو من صغار التابعين. وقد روى العلم عن جمع من التابعين مثل: علقمة بن وقاص الليثيّ، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وسالم بن عبدالله بن عمر، والأعرج، ونافع بن جبير، وعروة بن الزبير، وعكرمة والزهري، وأبي الزناد، وغيرهم كثير.
وقد روى عنه خلق كثير منهم:بكير بن عبدالله الأشج -مع تقدمه- وشعبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك، والسفيانان، وأبو إسحق الفزاري، ومحمد بن فليح، وابن المبارك، وغيرهم.
وهو ثقة جليل حافظ إمام أثنى عليه الكبار: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن سعد وغيرهم.
وكان من أسرة علم، قال الواقدي: كان لإبراهيم، وموسى، ومحمد بني عقبة حلقة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا كلهم فقهاء محدّثين، وكان موسى يفتي. وقال مصعب الزبيري: لهم هيبة وعلم.
كتب موسى المغازي وتتبعها وأتقنها، وسبب ذلك ما ذكره إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال كان بالمدينة شيخ يقال له: شُرَحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي، فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة، وكان قد احتاج فأسقطوا مغازيه، وعلمه.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد؛ القسم المتمم ص: 340، الجرح والتعديل 8/154، المعرفة والتاريخ للفسوي 3/32، 317، تهذيب الكمال للمزي 29/119 سير أعلام النبلاء 6/116، أسماء شيوخ مالك لابن خلفون ص: 177، تهذيب التهذيب 10/306، تذكرة الحفاظ 1/148 وغيرها.(3/12)
قال إبراهيم: فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه فقال لي: كان شرحبيل بن سعد عالماً بالمغازي، فاتهموه أن يكون يُدْخِلُ فيهم من لم يشهد بدراً، ومَنْ قُتل يوم أحد، والهجرة، ومن لم يكن منهم وكان قد احتاج فسقط عند الناس، فسمع بذلك موسى بن عقبة فقال: وإن الناس قد اجترؤوا على هذا؟ فدبّ على كبر السن وقيد من شهد بدراً، وأحداً، ومن هاجر إلى أرض الحبشة، والمدينة وكتب ذلك.
وقد غدا كتابه هذا محل ثقة العلماء وراج في حلقات الدرس، فكان مالك بن أنس إذا سئل عن المغازي عمن تكتب قال: عليكم بمغازي موسى ابن عقبة فإنه ثقة، وفي رواية: عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي.
وسبب ثناء مالك عليها يوضحه ما جاء عنه في قوله: عليكم بمغازي موسى بن عقبة، فإنه رجل ثقة طلبها على كبر السن ليقيد من شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكثر كما كثر غيره.
قلت: هو يعرض بعمل محمد بن إسحق.
وبقي العلماء عبر العصور يشيدون به ويشيرون إليه، ومن ذلك قول علي ابن المديني، قال لي الدراوردي؛ قل ليوسف السمتي: يتقي الله ويرد كتاب موسى بن عقبة. قلت: أي أنه كان قد أعاره إياه لينسخه.
وبالرجوع إلى طبقات ابن سعد نجده قد تتبعه حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، وجعله أحد مصادره الأربعة الأساسية.
واقتبس منه من الأوائل: يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ من طريق محمد بن فليح. والبيهقي في دلائل النبوة انظر مثلاً 3/206، والاعتقاد ص: 339، 351 وغيرهما من كتبه وقد اقتبس نصوصاً طويلة.(3/13)
أما أبو عمر بن عبدالبر في كتاب «الدرر في اختصار المغازي والسير» فقد قَدَّمه على غيره وقال: وأفردت هذا الكتاب لسائر خبره، ومبعثه وأوقاته - صلى الله عليه وسلم -، اختصرت ذلك من كتاب موسى بن عقبة، وكتاب ابن إسحق.. واعتمده ابن عساكر في تاريخه، واللالكائي والمتأخرون وكل من كتب في السيرة النبوية ناهيك بمصنفات الحديث التي تلته.
وقد وصل الكتاب كاملاً إلى المتأخرين ونجد ابن سيد الناس في سيرته عيون الأثر يعتمده، ويضعه في جملة المصنفات التي أكثر الرجوع إليها ورواها بسنده، انظر 2/457، ونجد الذهبي يقول في تذكرة الحفاظ(1): «قرأت مغازي موسى بالمزّة على أبي نصر الفارسي».
وقال في سير أعلام النبلاء(2): ((الإمام الثقة الكبير، وكان بصيراً بالمغازي النبوية، ألفها في مجلد، فكان أول من صنف في ذلك)).
وقال تعليقاً على قول مالك: «ولم يكثر كما كثر غيره».
( قلت: هذا تعريض بابن إسحق، ولا ريب أن ابن إسحق كثر وطوّل بأنساب مستوفاة، اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة، حذفها أرجح، وبآثار لم تصح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح رواية ما فاته.
وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير سمعناها، وغالبها صحيح، ومرسل جيد، ولكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة ).
__________
(1) انظر تذكرة الحفاظ 1/148.
(2) سير أعلام النبلاء 6/115، 116.(3/14)
وقد اقتبس الذهبي منها كثيراً في تاريخه الكبير، وفي قسم السيرة، وفي السيرة التي أفردها حسام الدين القدسي وطبعها، ومن خلال ذلك يتبيّن لنا طريقة سياقه للنصوص، فتارة يروي بإسناده موصولاً، وتارة يروي عن شيوخه وخاصة الزهري مرسلاً، وتارة يسوق الخبر دون أن ينسبه إلى أحد بعبارته حسب ما استقى من مصادره في الوسط الذي عاش فيه: المدينة المنورة، ولولا خشية الإطالة لذكرت نماذج، وهذا بذاته يحتاج لمبحث مستقل، ولكن من التتبع لنصوصه عند ابن سعد، وابن سيد الناس والذهبي وغيرهم، نجد تأكيد ما قاله الذهبي وهو إمام الصنعة أن مراسيله وما لخصه بجملته صحيح ومقبول.
ولابد من الإشارة إلى أن موسى بن عقبة كان يريد أن يدقق في عمل رجلين معاصرين له، ويتجنب العثرات العلمية التي قصرا في تجنبها، وهما شُرَحبيل بن سعد، ومحمد بن إسحق، أما بالنسبة لشرحبيل فأراد أن يضبط من مصادر وثيقة ذوي السابقة في الإسلام الذين حضروا المشاهد، كل في مرتبته.
وأما محمد بن إسحق فأراد أن يبتعد عن الاستطراد والتطويل والجمع والحشد الذي وقع فيه محمد بن إسحق، وقد نجح إلى حدٍّ كبير في ذلك حسب ما شهد له به العلماء الذين عاصروه وجاؤوا بعده.
وقد اختصر الكتاب واحتفظ بطرف منه ابن قاضي شهبة، وطبع، وحاول بعض الناس جمع نصوصه، والأمر ما زال فيه متسع.
2-مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني، أبو عمر الكوفي المتوفى 144هـ(1).
__________
(1) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/349، والتاريخ الكبير للبخاري 8/رقم: 1950، والجرح والتعديل 8/رقم: 1653 والمجروحين لابن حبان 3/10، والكامل لابن عدي 6/420، وتهذيب الكمال 27/219، وسير أعلام النبلاء 6/286، وتهذيب التهذيب 10/39، وتقريب التهذيب ص:605.(3/15)
علامة محدث، ولد في أيام جماعة من الصحابة، ولكن لم تتهيأ له الرواية عنهم، ويدرج كما قال الذهبي: في عداد صغار التابعين، وقد روى عن الشعبي وأبي الوداك، وقيس بن أبي حازم، ومرَّة الهمداني... وغيرهم.
وروى عنه الكبار: السفيانان، وشعبة، وجرير بن حازم، وحفص بن غياث، وعبدالله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وحماد بن زيد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وابنه إسماعيل بن مجالد، وقد روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، وهو أكبر منه، وهذا يدخل في رواية التابعين عن الأتباع.
وقد وثقه بعضهم كالنسائي، وقال الفسوي: تكلم فيه الناس وهو صدوق. وقال العجلي: جائز الحديث، وقال البخاري: صدوق.
وكان يحيى بن سعيد يضعفه، وابن مهدي لايروي له شيئاً، وكان ابن مهدي يقول: حديث مجالد عند الأحداث - يحيى بن سعيد، وأبي أسامة - ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد، وهشيم وهؤلاء القدماء، يعني أنه تغيَّر حِفْظُه في آخر عمره. وقال ابن عدي: « ومجالد له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة، وعن غير جابر من الصحابة أحاديث صالحة». وجملة ما يرويه عن الشعبي، وقد روى عن غير الشعبي، ولكن أكثر روايته عنه وقال أحمد: يرفع حديثاً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس.
وقد أخرج له مسلم مقروناً، وأصحاب السنن.
وبعد الفحص والدرس، حكم عليه الإمام الذهبي بقوله: مشهور، صاحب حديث على لين فيه. وحكم عليه الحافظ ابن حجر بقوله: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره.(3/16)
وقد وردت نصوص عديدة عن مجالد في السيرة النبوية في المصادر كما في طبقات ابن سعد 1/192 بواسطة عبدالله بن نمير الهمداني، 1/263 بواسطة الهيثم بن عدي الطائي. وقد نسب إليه كتاب في ذلك، وقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بقوله: نا محمد بن إبراهيم بن شعيب، نا عمرو بن علي الصيرفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لعبدالله: أين تذهب؟ قال أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة عن مجالد، قال: تكتب كذباً كثيراً، ولو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فعل. وفي تهذيب الكمال وسير أعلام النبلاء، يقول: لعبيد الله، وفيهما: أكتب السيرة يعني عن أبيه عن مجالد.
قلت: ووهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري الحافظ المتوفى 206هـ إمام ثقة أخرج له الجماعة. وأبوه جرير بن حازم المتوفى 170هـ حافظ ثقة، في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث عن حفظه، وقد أخرج له الجماعة.
ومن هذا النص النفيس يتبين لنا أن مجالداً قد صنف كتاباً في السيرة، وهذا الكتاب قد ضم المسند الموصول، والمرسل وغيرهما؛ لأن يحيى بن سعيد يقول: لو أردت أن يجعلها كلها مرفوعة فعل.
وبهذا فهي مشابهة للتوجه العام عند موسى بن عقبة وغيره.
3- سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر -ولم يكن من بني تيم وإنما نزل فيهم- البصري شيخ الإسلام المتوفى 143هـ(1).
__________
(1) ترجمته قي طبقات ابن سعد 7/252، وتاريخ البخاري الكبير 4/ رقم 1828، والجرح والتعديل 4/رقم 539، وتهذيب الكمال 12/5. وسير أعلام النبلاء 6/195، وتذكرة الحفاظ 1/150، وتهذيب التهذيب 4/201. وحلية الأولياء 3/31 وغيرها.(3/17)
أحد التابعين العُبَّاد الزهاد الحفاظ المتقين، روى عن أنس بن مالك وجمع من الأئمة التابعين الكبار، أي عثمان النهدي، وطاوس، والحسن، وثابت البناني وبكر بن عبدالله المزني، وغيرهم. وروى عنه جمع من الأئمة، ومنهم شيخه أبو إسحق السبيعي، والثوري، وشعبة وابن علية، وحماد بن سلمة، وابن عيينة، وهشيم بن بشير، وأبو زيد الأنصاري وغيرهم. قال شعبة: ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي، كان إذا حَدَّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيَّر لونه.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان من العباد المجتهدين، وكان يصلي الليل كله يصلي الغداة بوضوء العشاء الآخرة، وكان هو وابنه معتمر يدوران الليل على المساجد، فيصليان مرة في هذا المسجد، ومرة في هذا المسجد حتى يصبحا، وقد وثقه غير واحد من الأئمة، وأخرج حديثه الستة. وقد صنف سليمان التيمي كتاباً في السيرة النبوية، رواه عنه ابنه معتمر، وقد حمله عن معتمر، محمد بن عبد الأعلى الصنعاني.
ومعتمر بن سليمان من الثقات توفي سنة 182ه، روى عنه الثوري، وهو أكبر منه، وابن المبارك وهو من أقرانه، ورى عنه الجَمّ الغفير من الأئمة، ووثقه غير واحد من الأئمة: ابن معين، وابن سعد، وأبو حاتم والعجلي، وغيرهم. وأما محمد بن عبد الأعلى الصنعاني المتوفى 245ه فهو ثقة أخرج حديثه مسلم إذ روى عنه خمسة وعشرين حديثاً. والنسائي، وقال كتبنا عنه وأثنى عليه خيراً وأخرج له الترمذي، وأبو داود، في كتاب القدر وابن ماجه وغيرهم.(3/18)
وقد روي كتاب التيمي من غير طريقه كما يتبين من المنقول وهذا الكتاب قد وصل إلى الأعصر المتأخرة، إذ نجد محمد بن أحمد المالكي الأندلسي قد ذكره في الجزء الذي جمعه في تسمية ما ورد به الخطيب إلى دمشق من الكتب التي رواها، فقال: مغازي سليمان التيمي(1). ووصلت روايته إلى ابن خير الإشبيلي المتوفى 575هـ فهو ضمن مروياته وسماه سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2). ونجده عند معاصره الحافظ أبي القاسم السهيلي المتوفى 581هـ في كتاب «الروض الأنف»(3) «وسماه: السير ».
واقتبس منه ابن قيم الجوزية في زاد المعاد(4) وسماه: المغازي.
واستفاد منه الإمام الذهبي في السيرة أخباراً عديدة منها بالأسانيد ومنها بغير أسانيد(5). وكذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري(6)ويسميه تارة بالمغازي، وتارة بالسيرة.
ومن المقتبسات يتبين أن هذا الكتاب فيه أخبار بدء الوحي، وأخبار المغازي ويذكر ذلك أحياناً بالأسانيد، وأحياناً يرسل ذلك إرسالاً، فهو موافق للخط العام في كتابه السير.
ومما يجدر ذكره أن التيمي لم تذكر له رواية عن الزهري في قائمة شيوخه التي ساقها المزي. وكذلك ابن إسحق الذي كان معاصراً له كان بينهما نفرة، ولم يكن سليمان التيمي يرتضيه؛ ولهذا فرواية ابن إسحق عنه أو التيمي عن ابن إسحق مستبعدة، والتيمي أكبر، وهو أقدم وفاة وسناً.
ويبدو - والله أعلم- أن هذه المغازي، أو السيرة كانت صغيرة محدودة ليس فيها توسع كثير في ذكر الأحداث وسياقها.
__________
(1) انظر جونة العطار للسيد أحمد بن الصديق، مرقون بالآلة، خاص 2/72.
(2) انظر فهرسة ابن خير ص: 231.
(3) انظر 1/271، 273، 2/48، 53، 177 وغيرها.
(4) انظر 3/600.
(5) انظر ص: 81، 87، 159، 125، 148، 29.
(6) انظر 1/23 و7/497 و8/29، 506، 13/274.(3/19)
4- محمد بن إسحق بن يسار، أبو بكر القرشي المطلبي مولاهم المدني المتوفى 151هـ(1).
ولد سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبدالله بن عمر، وطاف البلاد، وسمع من جمع كبير في مصر، والحجاز والعراق، والرّي وما بينها، ومنهم: أبوه، وعمه موسى بن يسار، وأبان بن عثمان، والأعرج ومحمد بن إبراهيم التيمي، ومكحول، ونافع العمري، وأبو سلمة بن عبدالرحمن والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبدالله بن أبي بكر بن حزم، ومحمد بن المنكدر، وطاوس. وحدَّث عنه شيخه يزيد بن أبي حبيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، -وهما من التابعين- وشعبة والثوري، والحمادان، وأبو عوانه، وهشيم، وسفيان بن عيينة، وخلقٌ كثير.
كان ابن إسحق ومازال إمام المغازي والسير، وهو حافظ علامة، أحد من دار عليهم الحديث والإسناد، وقد أثنى عليه في علم المغازي والسير، غير واحد من شيوخه وأقرانه والأئمة عبر العصور.
قال محمد مسلم بن شهاب الزهري، وقد سئل عن مغازيه، فقال: هذا أعلم الناس -يعني محمد بن إسحق-
وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحق. وقال شعبة: محمد بن إسحق أمير المؤمنين في الحديث.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد 9/401 و7/321، والتاريخ الكبير للبخاري 1/رقم 61 والتاريخ الصغير 2/11، والجرح والتعديل 7/ رقم 1087، وثقات ابن حبان 7/380 والكامل لابن عدي 6/102، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي ص: 537، وتاريخ بغداد 1/214، وتهذيب الكمال 24/ 405، وسير أعلام النبلاء 7/33، وميزان الاعتدال 3/468 وتذكرة الحفاظ 1/172، وتهذيب التهذيب 9/38 وغيرها، وقد طول ترجمته ابن سيد الناس في صدر كتابه عيون الأثر في فنون المغازي والسير، ومحّصها.(3/20)
وجاء عن البخاري قوله: محمد بن إسحق ينبغي أن يكون عنده ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد. قال ابن سعد في الطبقات: «كان محمد بن إسحق أول من جمع مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وألَّفها، وكان يروي عن عاصم ابن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان، ومحمد بن إبراهيم، وغيرهم ويروي عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وكانت امرأة هشام بن عروة، فقال: هو كان يدخل على امرأتي؟ كأنه أنكر ذلك ».
وخرج من المدينة قديماً فلم يرو أحد منهم عنه غير إبراهيم بن سعد، وكان ابن إسحق خرج مع العباس بن محمد إلى الجزيرة، وأتى أبا جعفر بالحيرة، فكتب له المغازي، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب. وسمع منه أهل الجزيرة، وأتى الرّي فسمع منه أهل الري، فرواته في هذه البلدان أكثر ممن روى عنه من أهل المدينة. وكان كثير الحديث، وقد كتبت عنه العلماء، ومنهم من يستضعفه.
قلت: وقد تكلم فيه مالك وهشام بن عروة كما تقدم، واتهم بغير نوع من البدع، ودافع عنه عدد من العلماء بدءاً بالبخاري. قال البخاري:(( والذي يذكر عن مالك في ابن إسحق لا يكاد يبين أمره، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبع من رأينا لمالك، أخرج إلي كتب ابن إسحق عن أبيه في المغازي وغيرها فانتخبت منه كثيراً.
ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحوَ ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة، وفيمن كان قبلهم، وتناول بعضهم في العرض والنفس. ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عنه التهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير ))، (انتهى كلام البخاري).
وقال أبو زرعة الدمشقي: ومحمد بن إسحق رجل قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم سفيان، وشعبة، وابن عيينة... وروى عنه الأكابر: يزيد بن أبي حبيب وقد اختبره أهل الحديث فرأوا خيراً وصدقاً مع مدحة ابن شهاب له.(3/21)
وقد ذاكرت دحيماً قول مالك - يعني فيه - فرأى أن ذلك ليس للحديث، وإنما هو لأنه اتهمه بالقدر.
وقد بحث ابن عدي في مروياته، وفتش في أحاديثه، وتقصى الأقوال فيه، وقال: ولمحمد بن إسحق حديث كثير، وقد روى عنه أئمة الناس...
وقد روى المغازي عنه: إبراهيم بن سعد، وسلمة بن الفضل، ومحمد بن سلمة، ويحيى بن سعيد الأموي، وسعيد بن بزيع، وجرير بن حازم، وزياد البكائي وغيرهم. ثم قال ابن عدي: ولو لم يكن لمحمد بن إسحق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شيء فصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومبتدأ الخلق، ومبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذه فضيلة لابن إسحق سبق بها. ثم بعده صنفها قوم آخرون، فلم يبلغوا مبلغ ابن إسحق منها.
وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به.
لقد أخذ ابن إسحق زمام الزعامة في علم المغازي والسير، وسار به إلى يوم الدين فكل من جاء بعده كان عالة عليه كما يقول الشافعي. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: وهو أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عجاجاً، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي. وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: إمام المغازي. ولهذا علق عنه البخاري في صحيحه، وروى له مسلم مقروناً بغيره، وأخرج له غيرهما.(3/22)
لقد بلغ ابن إسحق في تصنيفه الذروة في علم السيرة من حيث الحشد والجمع والتنقير ثم من حيث المنهج إذ بدأ بالمبعث وما قبله، ثم بالمغازي واحدة تلو أخرى ولهذا فقد انتشر مصنفه في عصره، وما تلاه في شرق الأرض وغربها، ودرسه الدارسون من نواح عديدة قديماً وحديثاً، وبقيت سيرته عبر العصور أم المصنفات في هذا الباب، وإليها المرجع على الدوام، وإن كانت هنا انتقادات وملاحظات، ولقيت من العناية والرعاية مالم يلقه كتاب آخر في السيرة، بل أستطيع أن أقول: إن ما كتب من كتب السيرة بعده كان هالة حول هذا الكتاب.
فابن سعد تلميذ الواقدي الذي جعل كتاب ابن إسحق موازياً لكتاب شيخه الواقدي، ومروراً بالأعلام بعد ابن سعد عبر القرون وإلى يومنا هذا، مما يؤكد كلمة ابن عدي أن هذه الفضيلة سبق بها ابن إسحاق، ولم يبلغ من بعده مبلغه.
وإذا أردت أن ألمع إلى ومضات موجزة من منهجه في هذا الكتاب أقول: رغم أن الكتاب كاملاً لم يظهر حتى نستطيع الجزم بمنهجه، ولم يظهر منه إلا قطعة رغم بقائه متداولاً حتى الأعصر المتأخرة، إلا أنه من خلال النصوص التي أخذت عنه ومن خلال تهذيب ابن هشام يمكننا أن نبني عنه تصوراً منهجياً ربما يكون قريباً من الحقيقة، ومن هذا يظهر أنه قد قسم كتابه ثلاثة أقسام: المبتدأ، والمبعث، والمغازي، فالمبتدأ عالج فيه ما كان من أحداث ورسل ووقائع قبل الإسلام، واعتمد في هذا القسم بقسط غير قليل على وهب بن منبه، وكعب الأحبار، ومسلمة أهل الكتاب، وغيرهم. وذكر فيه بعض أخبار القبائل العربية، وهذا القسم فيه الأخبار المنقطعة والآثار، والإسناد طبعاً نادر، إن لم يكن معدوماً بعد مَنْ حدّثه بها، وسواء غابت هذه الأخبار أو حضرت لا تضر بصفة عامة، وهي تروى ولا تدخل في السيرة أو التشريع من قريب ولا بعيد.(3/23)
وأما القسم الثاني: وهو المبعث فيشمل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة إلى أن فجأه الوحي، ثم إلى الهجرة، وفي هذا القسم يروي النصوص بأسانيده وأحياناً يرسل عن شيوخه، وأحياناً يسوق الخبر بلا إسناد، وله في ذلك تفردات.
القسم الثالث: عرض الغزوات النبوية وحياته في المدينة بشكل عام إلى مرضه ووفاته - صلى الله عليه وسلم -.
وكان يسلك في هذا القسم مسلك التقسيم للأحداث على السنن، ويبرز أسانيده ورواته بصفة عامة، وقد يرسل، أو يسوق الخبر دون إسناده لأحد، أو يجمع عدة أسانيد، ويسوق الخبر عنهم جميعاً مساقاًَ واحداً، وأحياناً يبهم شيخه في الخبر كأن يقول: حدثني من لا أتهم من أهل العلم، أو ذكر بعض آل فلان، أو بلغني عن فلان، أو حدثني بعض أصحابنا..
ومما يلاحظ أنه اعتمد على عدد من علماء السيرة؛ الزهري، عروة بن الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبدالله بن أبي بكر بن حزم.. وقد حاول ابن إسحق ربط الآيات القرآنية بأسباب نزولها، وكان يذكر الأشعار التي بلغته في مواضع الغزوات والفخر أو الهجاء. وبعد أن شاع الكتاب وذاع تعاورته العقول والأقلام، ومن أبرز من عُني بهذا الكتاب حتى نسب إليه هو عبدالملك بن هشام المتوفى 218هـ؛ إذ حاول تهذيب الكتاب وتشذيبه، أي أنه أرد أن يُقوم ما يراه في الكتاب من عوج ومن خلال كلامه نتبين المآخذ على ابن إسحق. قال ابن هشام: وتارك بعض ما ذكره ابن إسحق في هذا الكتاب مما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيراً له ولا شاهداً عليه لما ذكرت من الاختصار، وأشعاراً ذكرها لم أر أحداً من المعرفة بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره.(3/24)
وبعض لم يقرّ لنا البكائي بروايته، ومستقصٍ إن شاء الله تعالى، ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية والعلم به(1). وقد لقي عمل ابن هشام هذا القبول والرضا، وبه عرفت سيرة ابن إسحق بل ونسب إلى ابن هشام.
وتوالت الشروح والدراسات حول عمل ابن هشام هذا.
قال الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد يقول لعبيد الله: إلى أين تذهب؟ قال: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة، قال الذهبي: كان وهب يرويها عن أبيه عن ابن إسحق، وأشار يحيى القطان إلى ما في السيرة من الواهي من الشعر ومن بعض الآثار المنقطعة المنكرة، فلو حذف منها ذلك لحسنت، وَثَمَّ أحاديث جمَّة في الصحاح والمسانيد مما يتعلق بالسيرة والمغازي ينبغي أن تُضمَّ إليها وتُرَتَّب، وقد فعل غالب هذا الإمام أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة له(2).
قلت: وبهذا فلا يعدو كتاب البيهقي أن يكون مستخرجاً على كتاب ابن إسحق وهذا ظاهر فيه.
ودون أن أمرّ على تأثير كتاب ابن إسحق ومغازيه فيمن جاء بعده أبدي ملاحظات حول أهمية كتاب ابن إسحق فأقول(3):
إن ابن إسحق لم يلتزم بالإسناد في قسم من أخباره، ولم يضع شروطاً معينة لتلقي أخبار السيرة من رجال معينين، أو كيفية معينة، ولهذا كان كثير السؤال والتطلاب لأخبار السيرة والمغازي حتى اشتهر بذلك، فكان يأتيه أبناء البيوتات والأسر ليحدثوه عن أمجاد آبائهم، ويحملون له في ذلك أشعاراً قيلت في المناسبات التي يتحدث عنها وبخاصة الغزوات، فيرويها له في كتابه، حتى جاء النقاد بعده، وقالوا: إن كثيراً من هذه الأشعار غير صحيح. واضطر ابن هشام وغيره من بعده لحذف كثير من هذه الأشعار والأخبار، ولكن ابن إسحق جمع الجزئيات مع الكليات، فأطال وأطال، ولهذا عرّض به مالك، وأثنى على موسى بن عقبة بأن عمله مختصر غير طويل كغيره، -أي ابن إسحق-.
__________
(1) انظر: السيرة لابن هشام 1/ 2.
(2) انظر: سير أعلام النبلاء 7/52.
(3) كتابنا مصادر السيرة النبوية وتقديمها ص: 96.(3/25)
إن سعة علم ابن إسحق وتطوافه في البلاد، وبحثه عن العلم، وتفوقه على أقرانه، واستناده إلى بيان مشرق، وقلم سيال، وكلمة وضاءة وتصوير بارع للأحداث جعلت عمله يحظى بالقبول عند جُلِّ معاصريه ومن جاء بعده، وسار مسير الشمس في الأرض، وقد أشاد بهذا غير واحد ممن اقتفى أثره، وانتحى نحوه. ومنهم الأديب البليغ، الكلاعي في كتابه "الاكتفاء في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء"، حين جعل اعتماده ابن إسحق دون الواقدي بقوله(1): رأيته كثيراً ما يجري مع ابن إسحق، فاستغنيت عنه لفضل فصاحة ابن إسحق في الإيراد، وحسن بيانه الذي لا يعقل معه استحسان المعاد. وقد قام الخشني في شرح السيرة، وكذلك السهيلي، وهذا يدل على قوة النص الذي قدمه ابن إسحق.
وهذا يقودنا إلى الأمر الثالث في عمل ابن إسحق ألا وهو صياغة السيرة بتسلسل منهجي، وتتابع تاريخي، وكان عصره مبتكراً يدلف بالقارئ أو المستمع من خبر إلى تابعه، ومن غزوة إلى أخرى فكانت السيرة النبوية من الولادة إلى الهجرة إلى الغزوات المصطفوية قد سلكت أمام القارئ في سلك واحد، وكأنه يراها رأي العين. والأمر الذي يجب أن يلاحظ في تأريخ علم السيرة النبوية أن منهجية ابن إسحق هي التي صبغت جميع المؤلفات في هذا العلم، وبقيت تقفو أثر ابن إسحق، وهذا شيء في غاية الأهمية والقيمة والقدر المتجدد لعمل ابن إسحق أبرزِ كاتبٍ في السيرة النبوية عبر العصور وهو من رجال القرن الثاني.
__________
(1) الاكتفاء 1/4.(3/26)
ولما لم يلتزم ابن إسحق الإسناد في كل أخبار السيرة، بل كان همُّه جمعَ أطراف الأخبار في الحدث الواحد وسوقها في كلياتها وجزئياتها مساقاً واحداً قاصداً إعطاء أكبر التفصيلات، هذا جعل بذلك السيرة التي صنفها في السيرة النبوية قصة متكاملة شاملة، قريبة للقارئ والمستمع، سهلة للفهم والتلقين والحفظ، وهذا سَهَّل لها القبول والانتشار في كل الأوساط العلمية المتخصصة وغير العلمية، وغدت في كل بيت.
وقد حاول غير واحد أن يسلك مسلكه كما فعل الواقدي، وابن حبان وغيرهما من بعده، وهذا مما جعل عمل ابن إسحق عمدة لهذا العلم بوجه أو بآخر ولأجله قال ابن سيد الناس في صدر سيرته التي لقيت بدورها القبول والثناء: وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن إسحق إذ هو العمدة في هذا الباب لنا ولغيرنا(1).
وخلاصة القول: فإن ابن إسحق ـ مهما قيل في نقده ـ قد ارتقى بالتصنيف في السيرة النبوية مرتقى رفيعاً، وخلد بعمله علماً عظيماً، وفتح باباً للخير كبيراً، وسبق الناس في هذا المهيع سبقاً مبيناً، وأرسى ركناً ركيناً بنى من جاء بعده عليه، ونحا نحوه فيما يهدف إليه، فرحمه الله رحمة واسعة.
5- معمر بن راشد الأزدي الجدَّاني البصري نزيل اليمن المتوفى 153هـ(2).
__________
(1) انظر عيون الأثر 1/54.
(2) ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/046، والتاريخ الكبير للبخاري 7/رقم 1631، والجرح والتعديل 8/1165، وثقات ابن حبان 7/484، وتهذيب الكمال 28/303، وسير أعلام النبلاء 7/5، وتذكرة الحفاظ 1/190، وتهذيب التهذيب 10/243 وغيرها.(3/27)
ولد نحو سنة خمس وتسعين، وطلب العلم وهو حدث وكان من أطلب أهل زمانه للعلم، وحدّث عن قتادة والزهري وعمرو بن دينار، وهمام بن منبه، وأبي إسحق السبيعي، وثابت البناني، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم من الكبار. وحدّث عنه طائفة من شيوخه أبو إسحق، وعمرو بن دينار، وحَدَّث عنه السفيانان وابن المبارك وابن علية، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وعبدالرزاق بن هشام ومحمد بن كثير الصنعانيان، وخلق كثيرون. وقد وثقه جمع كثير، وشهدوا له بالحفظ والإتقان، والإمامة، قال ابن حبان في الثقات(1): كان فقيهاً متقناً، حافظاً ورعاً. وقال قرينه ابن جريج(2): عليكم بهذا الرجل - يعني معمراً -، فإنه لم يبق أحد من أهل زمانه أعلم منه. وحديثه في الكتب الستة وغيرها، وقال الإمام الذهبي: كان من أوعية العلم مع الصدق والتحري، والورع والجلالة، وحسن التصنيف.
وحلاه بقوله(3): الإمام الحافظ، شيخ الإسلام وقد صنف معمر كتابه: الجامع، وهو مشهور عنه، ومنقول. وقد ألحقه تلميذه عبدالرزاق بكتابه المصنف وهو مطبوع معه.
وصنف كتاب المغازي، وقد ذكره له ابن النديم في كتابه الفهرست(4). بقوله: من أصحاب السير والأحداث، وله من الكتب: كتاب المغازي.
واقتبس منه ابن سعد في الطبقات ( انظر مثلاً: 1/194و 4/27، 43) عن محمد بن حميد – وهو أبو سفيان المعمري – عنه. و(1/194، 225، 227، 258 و 3/313- 319 و 8/314) وغيرها، عن الواقدي عنه. و(1/241) عن عفان بن مسلم، عن معتمر بن سليمان عنه.
وفي ترجمة الإمام الزهري في الجزء المتمم لتابعي المدينة: روى عن إسحاق ابن أبي إسرائيل، عن عبد؟ عنه. وعن سليمان بن حرب وعفان بن مسلم عن حماد بن زيد عنه.
وقد ذكر أنه من الطبقة الأولى من المصنفين في الإسلام من المحدّثين.
__________
(1) الثقات 7/484.
(2) الجرح والتعديل 8/ رقم 1165.
(3) سير أعلام النبلاء 7/5.
(4) انظر ص: 106.(3/28)
وقد احتفظ الإمام الطبري بعدة نصوص تتعلق بالسيرة النبوية، ولعلها منه(1)، وجلها عن الزهري، ومنها ماهو بإسناد متصل، ومنها ماهو مرسل وقد اقتبس منه الحافظ الذهبي في السيرة النبوية(2)، ففي خبر انشقاق القمر يروي عن قتادة عن أنس. وفي فصل: فيما ورد من هواتف الجان، وأقوال الكهان يروي عن الزهري عن علي بن الحسين، مرسلا.
وفي الإسراء ساقه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.
ومن هذه النصوص يتبين لنا أن مصنف معمر فيه المتصل المرفوع، وفيه المرسل والمقطوع، وفيه كذلك ذكر الأخبار دون أسانيد
وهو بذلك لم يخرج عن التوجه العام الذي كان يسود في كتابة السيرة النبوية في النصف الأول من القرن الثاني ويمكن أن نلاحظ على هذه الحقبة الملاحظات التالية:
إن المصنفين في السيرة في هذه الحقبة – وتمتد من نهاية الربع الأول من القرن الثاني تقريباً حتى تبلغ منتصف هذا القرن تقريباً - كلهم أئمة أعلام رغم ما قيل في مجالد بن سعيد، ومحمد بن إسحق، وهم مشهورون مذكورون في حلقات الدرس والعلم.
إن مصنفات هؤلاء الأعلام قد نقلت عنهم وكانت محل اهتمام اللاحقين عبر العصور وأصبحت محور التصنيف ومدار المصنفين في علم السيرة.
كان توجه جميع المصنفين في هذه الحقبة عدم الالتزام الصارم بالأسانيد في أخبار السيرة، ولكنها كانت حاضرة، وكان كل مصنف يروي ما بلغ علمه من مصادره التي يستقيها من أهل العلم وغيرهم.
بلغ التصنيف في السيرة مع علمين من أعلام هذه الحقبة، موسى بن عقبة ومحمد بن إسحق مكانة رفيعة، كادت تستوفي الموضوع.
الدور الثالث
__________
(1) انظر التاريخ 2/281، 305، 698، 433، 554، 620، 625.
(2) انظر السيرة النبوية ص: 132، 158، 182.(3/29)
وبعد أن استوى علم السيرة وتدوينها على ساقه تابعت طائفة أخرى المسيرة فتلقت ما دونته الطبقة السابقة، وأضافت إلى عملهم شيئاً جديداً قوّاه ونمّاه، ومن أبرز هؤلاء الأعلام: (1) محمد بن صالح بن دينار، (2) وأبو معشر السندي، (3) وعبدالملك بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم.
أما:
1- محمد بن صالح بن دينار أبو عبدالله المدني مولى عائشة بنت جزء أم عمر بن قتادة بن النعمان المتوفى 168هـ(1).
فقد رأى سعيد بن المسيب، وروى عن سعيد بن إبراهيم، وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ويزيد بن رومان وموسى ابن عقبة وجمع غيرهم وروى عنه الواقدي، وعبدالله بن مسلمة القعنبي، والدراوردي وغيرهم وثقه أحمد بن حنبل، وأبو داود، وابن حبان والعجلي وقال أبو حاتم الرازي: شيخ ليس بالقوي، ولا يعجبني حديثه، وضعفه الدارقطني. قال محمد بن سعد(2): كان جيد العقل، قد لقي الناس، وعلم العلم والمغازي وقال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عبدالرحمن بن أبي الزناد قال: قال لي أبي: إن أردت المغازي صحيحة، فعليك بمحمد بن صالح ابن دينار التمار، وكان ثقة قليل الحديث، توفي وهو ابن بضع وثمانين سنة، وقد روى حديثه أصحاب السنن الأربعة وقد استفاد منه ابن سعد في طبقاته انظر 4/12، 13، 34، 37، و1/210، 216، 219، 221.
__________
(1) ترجمته في طبقات ابن سعد الجزء المتمم 446، تاريخ البخاري الكبير 1/117، والجرح والتعديل 7/278، ثقات ابن حبان 7/390 تهذيب الكمال 25/377، وميزان الاعتدال 3/581 وتهذيب التهذيب 9/225.
(2) الطبقات الجزء المتمم 446-447.(3/30)
وبالرجوع إلى تاريخ الطبري الذي استفاد من أكبر قدر من المصادر التي سبقته وجدت أنه اقتبس عدة نصوص عنه، منها: ما يتعلق بالوحي كما في 2/386، وفي التأريخ بالهجرة 2/390، وفي غزوة بدر 2/419، وفي غزوة بني قينقاع 2/480، وفي أخبار عمر 4/213، 220، وفي خبر غزوة ذات الصواري 4/288، وأخبار عثمان 4/359، وأخبار خروج الأشراف بفخ في عهد العباسيين 8/192، 193، 195، 198.
ويبدو أن شأنه كان عظيماً في تَقَصِّي روايات السيرة وتدقيقها إذ يرجع إليه الواقدي ويسأله ويؤكد محمد بن صالح له الأخبار التي يرويها أو التي يسمعها. ويتبين ذلك مما روي عن الشعبي أن إسرافيل قرن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه ثلاث سنوات قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن صالح ابن دينار فقال: والله يابن أخي لقد سمعت عبدالله بن أبي بكر بن حزم، وعاصم بن عمر بن قتادة يحدثان في المسجد، ورجل عراقي يقول لهما هذا، فأنكراه جميعاً وقالا: ما سمعنا ولا علمنا إلا أن جبريل هو الذي قرن به، وكان يأتيه بالوحي من يوم نبئ إلى أن توفي - صلى الله عليه وسلم -. وفي طبقات ابن سعد 1/191، ذكر هذا الخبر بسنده إلى الشعبي ثم قال: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وإن علماءهم، وأهل السيرة منهم يقولون: لم يقرن به غير جبريل من حين أنزل عليه الوحي إلى أن قبض - صلى الله عليه وسلم -.
ومن هذا النص الهام يتبين أن الواقدي قد عدّ شيخه محمد بن صالح من علماء المدينة ومن أهل السيرة.
ويستفاد منه كذلك أن علم السيرة له علماؤه المشهورون به، منهم محمد ابن صالح بن دينار، وطبقة شيوخه عبدالله بن أبي بكر بن حزم، وعاصم بن عمر ابن قتادة.(3/31)
ويبدو من خلال النصوص التي اقتبست عنه أن الواقدي كان يرجع إليه ليعرض عليه المعلومات والأخبار التي يتلقاها ليثبتها له ويبين وجه الصواب فيها.. وهذا يدل على جليل مكانته في هذا العلم، ويدل على تطور علم السيرة في هذه المرحلة بالرجوع إلى أناس عرفوا بذلك. وقد كان يروي بالأسانيد أحياناً.
2- أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي ثم المدني مولى بني هاشم المتوفى 170هـ(1).
رأى أبا أمامة بن سهل بن حنيف المتوفى سنة 100هـ وحدّث عن التابعين؛ محمد بن كعب القرظي، ونافع مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن المسيب، قال الذهبي: وفيه بعد، وسعيد المقبري، وغيرهم.
روى عنه جمع، منهم: سفيان الثوري ومات قبله، وعبدالرحمن بن مهدي، وعبدالرزاق الصنعاني، والليث بن سعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، والواقدي، وابنه محمد بن أبي معشر، هو آخر من روى عنه، وغيره.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/418، 266، والتاريخ الكبير للبخاري 8 ترجمة رقم 2397 و9/ رقم 985، والجرح والتعديل 8/ رقم 2263، والمجروحين لابن حبان 3/60 والكامل لابن عدي 7/ 52، وتاريخ بغداد 13/427، وتهذيب الكمال 29/322، وسير أعلام النبلاء 7/435، وتذكرة الحفاظ 1/234، ميزان الاعتدال 4/246، وتهذيب التهذيب 10/419، وتقريب التهذيب ص: 650.(3/32)
وثَّقة جمع، وضعفه آخرون من قبل حفظه. قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: كان أبو معشر كيساً حافظاً، وقال هشيم: ما رأيت أحداً أكيس من أبي معشر. وقال يحيى بن معين: ضعيف يكتب حديثه في الرقائق، وكان رجلاً أمياً يُتقى أن يروي من حديثه المسند. وضعفه البخاري، وأبو داود، والنسائي وغيرهم. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر مغازي أبي معشر فقال: كان أحمد بن حنبل يرضاه ويقول: كان بصيراً بالمغازي. وقال أبو حاتم: كنت أهاب حديث أبي معشر حتى رأيت أحمد بن حنبل يحدِّث عن رجل عنه أحاديث فتوسعت بعد في كتابة حديثه. قال الخليلي: أبو معشر له مكان في العلم والتاريخ، وتاريخه احتج به الأئمة، وضعفوه في الحديث. وذكره ابن البرقي فيمن احتملت روايته في القصص، ولم يكن متين الرواية.
قال ابن عدي: حدَّث عنه الثوري وهشيم، والليث بن سعد وغيرهم من الثقات وهو مع ضعفه يكتب حديثه.
أما علمه بالمغازي فشهد له بتبريز فيها غير واحد، وناهيك بأحمد بن حنبل. قال الفضل بن هارون البغدادي: سمعت محمد بن أبي معشر، قال: كان أبي سندياً أخرم خياطاً، قالوا: وكيف حفظ المغازي؟ قال: كان التابعون يجلسون إلى أستاذه فكانوا يتذاكرون المغازي، فحفظ. وابنه محمد هذا حدّث عنه بالمغازي وكان خاتمةَ من حدث بها عنه، وذلك لأنه عمِّر نحواً من مائة سنة، وتوفي سنة سبع وأربعين ومائتين، وهو صدوق أخرج له الترمذي عن أبيه.(3/33)
وقد اشتهر بعلم المغازي وذاع صيت تأليفه، وكان أبرز رجال هذه الطبقة في هذا العلم، ومن أقدم من رجع إليه واغترف منه محمد بن سعد في طبقاته الكبير؛ إذ جعله واحداً من أركان كتابه الأربعة، وهم شيخه الواقدي، وابن إسحق، وموسى بن عقبة وأبو معشر، ويشير إليهم بأهل العلم بالسيرة، أو رواة المغازي، ويجعل إجماعاً، ويقارن بين رواياتهم، وقد كان كتابه حاضراً بين يديه إذ قال(1): يزيد بن المزين ابن قيس بن عدي بن أمينة بن جدارة، هكذا قال محمد بن عمر، وقال موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحق، وعبدالله ابن محمد بن عمارة الأنصاري: هو زيد بن المزيد، ولم يذكره أبو معشر في كتابه. وهذا دليل على أن كتابه بين يديه ويتتبع روايات الأربعة ويقارن بينها، ويضيف إليهم: عبدالله بن محمد بن عمارة الأنصاري، وكتابه في نسب الأنصار.
والمقارنة الآن بين هؤلاء جديرة للخروج بنتائج جد دقيقة، ولكنها تحتاج إلى بحث خاص يخرجنا عن موضوعنا هذا.
وهذا الكتاب "المغازي"، قد ذكره له ابن النديم في الفهرست بقوله: عارف بالأحداث والسير، وله من الكتب، كتاب المغازي(2) وقد كان من الكتب التي حملها معه الخطيب إلى دمشق، وسماه المغازي(3) واقتبس منه غير واحد من الأئمة كابن عبدالبر في الاستيعاب، واستفاد منه بواسطة ابن أبي خيثم(4) من المتأخرين الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وسماه السيرة(5)وغير هؤلاء كثيرون يطول ذكرهم.
أما منهجه في هذا الكتاب فمن خلال المنقول عنه يتبين لي أنه لا يختلف عن الكتب الأخرى التي صنفت في هذه الفترة، منه ماهو بالأسانيد، ومنه ما هو بغير أسانيد كان يتتبعها أبو معشر من أفواه الرجال، من التابعين وأبنائهم، والعهد قريب أو من سماعاته من شيوخه الذي اهتبلوا بهذا الأمر.
__________
(1) انظر 3/538.
(2) الفهرست ص: 105.
(3) جونة العطار ص: 72.
(4) انظر 5.
(5) انظر 8/ 439.(3/34)
3- عبدالملك بن محمد أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم، أبو طاهر المتوفى 176هـ(1).
كان قاضياً ببغداد لهارون الرشيد، روى عن أبيه، وعمه عبدالله بن أبي بكر، روى عنه سريج ـ بالسين المهملة والجيم ـ بن النعمان الجوهري، وعبدالله بن صالح العجلي، وعبدالله بن وهب المصري.
كان جليلاً من أهل بيت العلم والسير، والحديث، ووثقه غير واحد، قال سريج بن النعمان: قدم علينا بغداد فأقام بها، وكتبنا عنه المغازي عن عمِّه عبدالله بن أبي بكر. ويمكن أن يكون هذا الكتاب: إما كتبه عن عمِّه عبدالله، أو أن يكون مصنفاً له، وقد أكثر الروايات فيه عن عمه عبدالله.
ويرجح أن يكون مصنفاً له قول ابن النديم في الفهرست: عبدالملك بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري توفي سنة ست وسبعين ومائة ببغداد وكان قاضياً بها لهارون، وله من الكتب: المغازي.
وخلاصة هذه الحقبة – التي امتدت من منتصف القرن الثاني لتشمل الربع الثالث منه مع وفاة عبدالملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المتوفى سنة 176هـ- وجود جيل من الرواد الذين كانوا يتتبعون أخبار السيرة، وأبرزهم على الإطلاق هو أبو معشر نجيح السندي، وقد كان له نشاط مذكور وكان أثره في مؤلفات السيرة واضحاً جداً.
الدور الرابع
وقد انتقل تدوين السيرة إلى جيل جديد في الربع الأخير من القرن الثاني الهجري ومطلع القرن الثالث، وكان منهم أعلام: (1) هشيم بن بشير، (2) وإبراهيم بن سعد أبو إسحق، (3) وعلي بن مجاهد، (4) ويحيى بن سعيد الأموي، (5) وإبراهيم بن محمد، (6) والوليد بن مسلم، (7) وعبدالله بن وهب المصري، (8) وعبدالرزاق الصنعاني، ويبلغ الأمر قمته عند (9)محمد بن عمر الواقدي المتوفى 207هـ.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد الجزء المتمم ص: 464، والجرح والتعديل 5/1727. والثقات لابن حبان 7/100، وتاريخ بغداد 10/409، وتهذيب الكمال 11/291، وتهذيب التهذيب 6/387.(3/35)
1- أما هشيم بن بشير بن أبي حازم الواسطي، أبو معاوية المتوفى 183هـ(1).
ولد سنة أربع ومائة، وأخذ عن الزهري، وعمرو بن دينار بمكة، وهما أكبر شيوخه، ولم يكثر عنهما، وروى عن أيوب السختياني، وسليمان التيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري وحميد الطويل، والأعمش وغيرهم. وأخذ عنه: شعبة، ومالك، والثوري ومحمد بن إسحق وهم أكبر منه ومن أشياخه، وروى عنه خلق كثير منهم: ابنه سعيد، وابن المبارك ووكيع، وأحمد بن حنبل. قال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث، ثبتاً يدلس كثيراً فما قال في حديثه: أخبرنا فهو حجة، ومالم يقل فيه أخبرنا فليس بحجة.
وسكن ببغداد، ونشر بها العلم وصنف التصانيف، وكان كثير الحديث، وأثنى عليه الأئمة في حفظه وتثبته، وإمامته، وكان من أوائل المصنفين في السنة. أما كتابه في السيرة فقد ذكره له الزركلي في الأعلام(2) نقلاً عن التبيان لابن ناصر الدين، ولم أعثر حتى الآن على أثر له، ولم أجد له في طبقات ابن سعد ولا تاريخ الطبري رواية في السيرة إلا نصاً واحداً في الوفاة النبوية وله روايات قليلة جداً في تعيين الذبيح، وصفة عثمان، وبيعة الزبير رضي الله عنهما.
وقد عدّ هشيم من أوائل المصنفين وأنه أول من صنف بواسط كما ذكرت في غير هذا الموضع(3).
ومما يؤكد أن لهشيم بن بشير كتباً قول محمد بن سعد في طبقاته(4) في ترجمة شجاع بن مخلد الفلاس أبي الفضل البغوي المتوفى سنة 235هـ: روى عن هشيم عامة كتبه، وشجاع بن مخلد ثبت، قلت: وقد أخرج له مسلم وأبو داود وغيرهما.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/313، التاريخ الكبير للبخاري 8/242، الجرح والتعديل 9/115، مشاهير علماء الأنصار 177، تاريخ بغداد 14/85، وتهذيب الكمال 30/272، سير أعلام النبلاء 8/287، تذكرة الحفاظ 1/148، ميزان الاعتدال 4/306، تهذيب التهذيب 11/59.
(2) انظر 3/216.
(3) انظر المحدث الفاصل ص: 612.
(4) انظر طبقات ابن سعد 7/352.(3/36)
2- إبراهيم بن سعد بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو إسحق المدني، نزيل بغداد المتوفى 183هـ(1).
روى عن أبيه قاضي المدينة، وعن ابن شهاب الزهري، ويزيد بن الهاد، وصالح بن كيسان، ومحمد بن إسحق، وعدد من الناس، وروى عن هشام بن عروة حديثاً واحداً، وروى عنه: شعبة، ومالك والليث، وهما أكبر منه، ويعقوب، وسعد ولداه وابن مهدي، والطيالسي، وأحمد بن حنبل، والقعنبي، وخلق غيره.
وقد وثقه وأثنى عليه غير واحد من الأئمة؛ أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والعجلي، وأبو حاتم، وابن خراش، وأخرج حديثه الجماعة. قال البخاري(2): قال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق نحو سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي.
أما كتابه في المغازي فقد رواه عنه أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان أحمد بن حنبل يقول: لا بأس به ويحيى بن معين يحمل عليه، وكتب عنه، ورأيته يقرأ عليهم كتاب المغازي عن إبراهيم بن سعد. ورواه عنه ابنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته(3) ونقل عنه من طريق صاحبه نوح بن يزيد المؤدب قال: سئل إبراهيم بن سعد كم نزّل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأرض؟ قال ثلاثاً(4)، ونقل عنه نصاً آخر بواسطة ابنه يعقوب في الوفاة النبوية(5)، ومواطن أخرى.
__________
(1) ترجمته في طبقات ابن سعد 7/322، 343، والتاريخ الكبير للبخاري 1/188، والجرح والتعديل 2/101، وتاريخ بغداد 6/81، وتهذيب الكمال 2/88، وسير أعلام النبلاء 8/304، وتذكرة الحفاظ 1/252، وميزان الاعتدال 1/33، وتهذيب التهذيب 1/121.
(2) انظر تهذيب الكمال 2/92، وسير أعلام النبلاء 8/306.
(3) انظر الطبقات 7/343.
(4) انظر الطبقات 2/305.
(5) انظر الطبقات 2/305.(3/37)
3- علي بن مجاهد بن مسلم بن رفيع الكابلي، أبو مجاهد الرازي، قاضي الريّ المتوفى بعد الثمانين ومائة(1).
روى عن الثوري، ومحمد بن إسحق، ومسعر بن كدام، وأبي معشر المدني، ويونس بن أبي إسحق، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري، وجرير بن عبدالحميد وهو من أقرانه، وغيرهم. وروى عنه: أحمد بن حنبل، وجرير بن عبدالحميد وهو من أقرانه، ومحمد بن حميد الرازي وغيرهم، قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، وقيل له: علي بن مجاهد الرازي؟ قال: كتبت عنه، ما أرى به بأساً. وقال علي بن الحسين بن حبان: وجدت في كتاب أبي بخط يده عن يحيى بن معين، قال علي بن مجاهد، رأيته على باب هشيم، ما أرى به بأساً، ولم أكتب عنه. وقال صالح جزرة: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن علي بن مجاهد، فقال: كان يضع الحديث، وكان قد صنف كتاب المغازي، وكان يضع للكلام إسناداً وفي رواية: للكل إسناداً. وكذلك كذبه يحيى بن الضريس، وقال: لم يسمع من ابن إسحق.
وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ ابن حجر: متروك، وقال: ليس في شيوخ أحمد أضعف منه، وقد أخرج له الترمذي في جامعه حديثاً عن محمد بن حميد الرازي. ولا نعلم عن كتابه هذا شيئاً إلا أنه من خلال النص المتقدم يتبين أن بعضه بإسناد، وبعضه بغير إسناد، كبقية كتب السيرة في هذا العصر.
4- إبراهيم بن محمد بن الحارث أبو إسحق الفزاري المتوفى 186هـ(2). الإمام الكبير الحافظ شيخ المجاهدين.
__________
(1) ترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 6/رقم 2457، والجرح والتعديل 6/123، تاريخ بغداد 12/106، تهذيب الكمال 21/117، وميزان الاعتدال 3/152 وضعفاء العقيلي 3/252، وتهذيب التهذيب 7/377 وغيرها.
(2) ترجمته في مقدمة الكتاب بتحقيقنا فهي مطولة، وفي تاريخ البخاري 1 / 321، والجرح والتعديل 1/128، وطبقات ابن سعد 7 / 488، وتهذيب الكمال 2 / 170، وسير أعلام النبلاء 8 / 539، وتهذيب التهذيب 1 / 151، وتذكرة الحفاظ 1 / 117، وغيرها.(3/38)
حدّث عن أبي إسحق السبيعي، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، وسليمان بن مهران الأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، وغيرهم.
وحدّث عنه الأوزاعي والثوري وهما من شيوخه، وعبدالله بن المبارك، وعبدالملك بن حبيب المصيصي، ومحبوب بن موسى الفراء، ومعاوية بن عمرو الأزدي، وخلق كثير.
وثقه جمع كبير من الأئمة، فقال أبو حاتم: الثقة المأمون الإمام.
وقال النسائي: ثقة مأمون، أحد الأئمة. قال العجلي: كان ثقة، صاحب سنة صالحاً، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلمهم السنة، كان يأمر وينهى، وإذا دخل إلى الثغر رجل مبتدع أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه. وكان الأوزاعي يقول: حدثني الصادق المصدوق، أبو إسحق الفزاري.
صنف الفزاري كتاباً سمّاه: السير، وقد نال ثناء جمع من الأئمة وعلى رأسهم: الشافعي إذ قال: لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحق. وأملى كتاباً على ترتيب كتابه. وقد روي عنه واقتبس الأئمة من طبقة تلاميذه ومن تلاهم. وقد أنقذنا قسماً من هذا الكتاب بفضل من الله تعالى عن نص قديم جداً كتب في الأندلس سنة 270هـ على رقّ غزال.(3/39)
أما منهج كتابه: فقد صاغه صياغة بين الفقه والحديث والسيرة، إذ استوعب قسطاً غير قليل من أحداث السيرة النبوية، ولكنها مبوبة على مباحث فقهية مثل: نبش القبور والركاز، ونفل السرايا، وسهمان الخيل، وردّ المسلم على المسلم، والغلول وعدم قتل الوفد وقتل المسن والمريض والجريح والمختل وأمان الرجل. والمرأة والعبد ونصب المنجنيق وحفر الخندق والسلب، والنهي عن الهبة. ويذكر بالأسانيد النصوص وجلُّها مرفوع، وبعضها موقوف، وبعضها مقطوع، وفيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف وليس فيها شيءٌ مما يحكم عليه بالوضع. ثم يتبع ذلك بنصوص فقهية ومسائل عن الأوزاعي وأكثر من ذلك، والثوري فهو مفيد جداًّ في السيرة، ولكنه ليس خاصا بها، بل نجد السيرة النبوية منثورة في ثناياه، ولو استطعنا الوصول إلى نسخة كاملة من هذا الكتاب لكان من أجلّ المصنفات في السيرة النبوية، والفقه والحديث.
5- يحيى بن سعيد بن أبان الأموي، أبو أيوب الكوفي المتوفى 194هـ(1).
روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، ويزيد بن عبدالله ابن أبي بردة، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، والثوري، وخلق سواهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلاّم، وابنه سعيد بن يحيى، وخلق.
وقد وثقه غير واحد منهم أحمد وابن معين، والنسائي وأبو داود والدارقطني، وابن حبان، وغيرهم، وروى حديثه الجماعة كلهم.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/398 و7/339، وتاريخ البخاري الكبير 8 رقم 2984 والجرح والتعديل 9/625، وثقات ابن حبان 5/526 و7/599، وتهذيب الكمال 31/318، وتذكرة الحفاظ 1/325، وسير أعلام النبلاء 9/139، وتهذيب التهذيب 11/213 وغيرها.(3/40)
وقد حمل المغازي عن ابن إسحق، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن سعيد ابن يحيى بن سعيد الأموي، قال: قال أبي: كان محمد بن سعيد أخي، والعوفي سمعوا المغازي سماعاً من ابن إسحق، فأما أنا وأبو يوسف ـ يعني القاضي ـ وأصحاب لنا عرضاً إلا الشيء يمرّ.
وقد أكثر المصنفون النقل عن مغازي الأموي فبعضهم ينسبه إلى يحيى بن سعيد، وبعضهم ينسبه لولده سعيد. فالذهبي في سير أعلام النبلاء(1): قال: وفي مغازي يحيى بن سعيد الأموي، والنص في الاستيعاب عن الأموي دون تحديد. وقال في ترجمته من «النبلاء» و«تذكرة الحفاظ»: وهو والد سعيد بن يحيى صاحب المغازي وعزا الكتاب في ترجمة ابن الشجري من النبلاء، لابنه(2).
وقد اقتبس منه ابن عبدالبر في الاستيعاب في مواطن عديدة ومنها 2/40 في ترجمة سعد بن عبادة. وابن تيمية في كتابه «الصارم المسلول» أخذ منه نصاً بقوله: قال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه: حدثني أبي عن المجالد بن سعيد عن الشعبي … وبهذا نسب الكتاب للابن. وقد ورد في جزء المالكي ضمن أسماء الكتب التي ورد بها الخطيب دمشق باسم مغازي سعيد.
وهو من مرويات ابن خير الإشبيلي في فهرسته، وعزاه للابن بقوله(3): كتاب السير، لسعيد بن يحيى الأموي، حدثني بها أبو الحسن علي بن عبدالله بن موهب رحمه الله، قال: نا أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري، قال: نا أبو الحسن علي بن بندار القزويني، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، قالا: نا أبو بكر بن شاذان، قال: نا أبو عبدالله أحمد بن المغلس البغدادي عن يحيى بن سعيد.
__________
(1) انظر 1/344.
(2) انظر 20/195.
(3) انظر ص: 237.(3/41)
واستمد منه ابن سيد الناس في عيون الأثر(1) وفي بعض المواطن يطلق القول، وفي بعضها يعزو الكتاب للأب، وبعضها للابن. وكذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري(2) يعزوه تارة للأب وتارة للابن وإذا كان الأب من رواة المغازي عن ابن إسحق، ومن أهل العناية بهذا العلم، فلا أستبعد أن يكون في الموضوع تصنيفان، تصنيف للأب يحيى بن سعيد، ثم زاد الابن عليه روايات أخرى وإضافات عن أبيه وعن شيوخ آخرين. أما منهج هذا الكتاب فمِن تَتَبُّعِ النصوص المقتبسة عنه نجد أن جلها جاء بالأسانيد، وبعضها مرسلة، وبعضَها من سياق المصنف، وبهذا فهو سائر في سياق كتب السيرة التي سبقته وعاصرته.
6- الوليد بن مسلم القرشي، أبو العباس الدمشقي المتوفى 195(3)هـ.
الإمام، عالم أهل الشام، روى عن خلق منهم: محمد بن عجلان، وابن جريج والأوزاعي، وعفير بن معدان، وحريز بن عثمان، والثوري، ومالك والليث، وابن لهيعة وغيرهم. وارتحل في الحديث والسنة، وصنف التصانيف، وتصدر للإمامة وكان من أوعية العلم، ثقة حافظ.
__________
(1) انظر مثلاً 1/170، و2/100، 101.
(2) انظر 7/227، 229، 238.
(3) ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/470، والتاريخ الكبير 8/ 153، والمعرفة والتاريخ للفسوي 2/420، والجرح والتعديل 9/16، تهذيب الكمال 31/86 وسير أعلام النبلاء 9/211، تذكرة الحفاظ 1/302، تهذيب التهذيب 11/151، وغيرها.(3/42)
روى عنه الليث بن سعد، وبقية بن الوليد، وهما من شيوخه، وابن وهب، وابن حنبل، ومحمد بن مصفى الحمصي، ومحمود بن غيلان، وخلق كثير آخرهم حجاج بن الريان الدمشقي المتوفى 264هـ. وثقه جمع من الأئمة، قال محمد بن سعد: كان الوليد بن مسلم، ثقة كثير الحديث والعلم. وقال الفسوي: سألت هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، فأقبل يصف علمه وورعه، وتواضعه. قال ابن جوصا الحافظ: لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد بن مسلم صلح أن يلي القضاء، ومصنفاته سبعون كتاباً. وقال صدقة بن الفضل: ما رأيت رجلاً أحفظ للحديث الطويل، وأحاديث الملاحم من الوليد بن مسلم، وكان يحفظ الأبواب.
وقال علي بن المديني: ما رأيت في الشاميين مثل الوليد بن مسلم، وقد أغرب أحاديث صحيحة لم يشركه فيها أحد.
ووصفوه بأنه كان بارعاً في حفظ المغازي، وقد أخرج حديثه البخاري ومسلم انتقاء، وبقية الستة.
أما كتابه في السيرة، فقد ذكره له غير واحد من المصنفين الأقدمين، ومنهم: ابن النديم في كتابه الفهرست، فقال: الوليد بن مسلم من أصحاب السير والأحداث وله من الكتب كتاب المغازي(1).
وقد كانت هذه السيرة من مرويات ابن خير الإشبيلي فقال(2): كتاب سير الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، حدثني به أبو محمد بن عتاب رحمه الله، قال: أخبرني أبي رحمه الله، قال: نا بها أبو القاسم خلف بن يحيى، قال: قرأت على أبي المطرف عبدالرحمن بن عيسى بن مدراج، قال: نا أبو عمرو عثمان ابن عبدالرحمن، قال: نا محمد بن وضّاح، قال: نا أبو العباس الوليد بن مزيد ابن مسلم، قال: سألت أبا عمرو الأوزاعي رحمه الله.
__________
(1) انظر الفهرست ص: 122.
(2) انظر ص: 236.(3/43)
أقول: إما أن يكون كتاباً في السير مزج فيه نصوص السيرة بالفقه، على طريقة أبي إسحق الفزاري، ولاسيما أن أبا إسحق الفزاري من شيوخه، وإما أن تكون النصوص فيه من طريق الأوزاعي، أو أكثرها. وأرجح أن يكون هذا كتاباً آخر غير المغازي النبوية. وقد اقتبس الحافظ ابن حجر في فتح الباري(1)من كتاب له اسمه الجهاد.
أما كتابه في المغازي فقد كان من مصادر عدد من المصنفين في السيرة، منهم: ابن سيد الناس في عيون الأثر(2) والذهبي في كتابه السيرة النبوية(3).
ومِن تَتَبُّعي للنصوص المقتبسة عنه لاحظت أنها منقولة بالأسانيد، وجلها منقول عن ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، وليست مقصورة على هذا المصدر، بل له أسانيد أخرى، تدرس وتناقش وتقابل بغيرها.
7- عبدالله بن وهب بن مسلم القرشي، أبو محمد المصري المتوفى سنة 197هـ(4).
أحد أعلام الفقه والحديث، روى عن ابن جريج، ويونس بن يزيد ويحيى ابن عبدالله المعافري، وحيوة بن شريح، وعمرو بن الحارث، ومالك والليث، وابن لهيعة، وحرملة بن عمران، وسلمة بن وردان وعبدالرحمن بن زياد الإفريقي، وخلق كثير، إذ طلب العلم في حداثته وله نحو من سبعة عشر عاماً، ولقي بعض صغار التابعين، ونقل عنه أنه سمع ثلاثمائة وسبعين شيخاً، وكان من أوعية العلم ومن كنوز العمل.
__________
(1) انظر 6/66 -67.
(2) انظر 2/13، 68، 105، 107، 111، 113 وغيرها.
(3) انظر ص:147، 234.
(4) ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/518، والتاريخ الكبير 5 / رقم 710، والجرح والتعديل 5/879، والكامل لابن عدي 4/202، وترتيب المدارك 3/228، ووفيات الأعيان 3/36، وتهذيب الكمال 16/277، وسير أعلام النبلاء 9/223، وتذكرة الحفاظ 1/304، وتهذيب التهذيب 6/71.(3/44)
وروى عنه خلق من الجلة الكبار، منهم الليث بن سعد شيخه، وعبدالرحمن بن مهدي وأصبغ بن الفرج، والحارث بن مسكين، وسحنون بن سعيد، ويحيى بن يحيى الليثي، ويونس بن عبدالأعلى وغيرهم. قال أحمد بن صالح حدث ابن وهب بمائة ألف حديث، ما رأيت أكثر حديثاً منه وقع عندنا سبعون ألف حديث عنه. قال الذهبي: كيف لا يكون من بحور العلم، وقد ضم إلى علمه علم مالك والليث ويحيى بن أيوب وعمرو بن الحارث وغيرهم. وكان يسمى ديوان العلم، قال ابن حبان: ابن وهب هو الذي عني بجمع ما روى أهل الحجاز، وأهل مصر، وحفظ عليهم حديثهم، وجمع وصنف وكان من العبّاد. قال أبو زرعة الرازي(1): نظرت في نحو ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر، وفي غير مصر، ما أعلم أني رأيت حديثا لا أصل له.
وقد جمع حرملة حديث ابن وهب كله إلا حديثين أحدهما تفرد به أبو الطاهر بن السرح، وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: كل بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها. والثاني، تفرد به الغرباء، وهم سبعة ذكرهم ابن عدي(2)، وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: (لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة). وقد أخرج الأئمة الستة وغيرهم حديثه.
وعُدَّ عبدالله به وهب من المكثرين في التصنيف، قال القاضي عياض(3): وألف تواليف كثيرة جليلة المقدار عظيمة المنفعة، منها سماعه من مالك ثلاثون كتابا.. وكتاب المغازي. وذكره له الذهبي في سير أعلام النبلاء(4). وكتابه الجامع مشهور مطبوع.
وكتابه المغازي حمله إلى الغرب تلميذه سحنون، فقد جاء في ترجمة سحنون، أنه كان إذا قرئت عليه مغازي ابن وهب تسيل دموعه، وإذا قرئ عليه الزهد لابن وهب يبكي(5).
__________
(1) مقدمة الجرح والتعديل ص 335.
(2) الكامل 4/205.
(3) ترتيب المدارك 3/240.
(4) انظر 9/225.
(5) انظر ترجمة سحنون في المدارك، وسير أعلام النبلاء 12/67.(3/45)
وجاء في ترجمة إبراهيم بن المنذر عند الخطيب في تاريخ بغداد بسنده إلى عثمان بن سعيد الدارمي قال: رأيت يحيى بن معين كتب عن إبراهيم بن المنذر الحزامي أحاديث ابن وهب ظننتها المغازي(1). وقد اقتبس منه القاضي عياض في «الشفا»، ومن طريقه ابن سيد الناس في عيون الأثر في فنون المغازي والسير(2).
كما استفاد منه الذهبي في السيرة النبوية(3).
ومن خلال النصوص المقتبسة يتبين أن الكتاب بالأسانيد، ولكن هل كله مسند؟ أستبعد ذلك لأن طبيعة الموضوع تفرض التوسع وإلا بقي الكتاب ضامراً محدوداً.
8- عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري، أبو بكر الصنعاني المتوفى سنة 211 هـ(4).
عالم اليمن، والحافظ الكبير ولد سنة ست عشرة ومائة، وارتحل إلى البلدان، وروى عن جمع من الكبار منهم: هشام بن حسان، وعبيد الله بن عمر وأخيه عبدالله، وابن جريج، ومعمر -وأكثر عنه- والأوزاعي، والثوري ومالك وخلق غيرهم.
__________
(1) انظر تاريخ بغداد 6/181 وتهذيب الكمال 2/209 وتهذيب التهذيب 1/167.
(2) انظر 1/167.
(3) انظر ص 127، 207.
(4) وترجمته في مصادر كثيرة منها: طبقات ابن سعد 5/548، والتاريخ الكبير 6/130، والجرح والتعديل 6/38، والكامل لابن عدي 5/311، وثقات ابن حبان 8/412، وتهذيب الكمال 18/52، وسير أعلام النبلاء 9/563، وتذكرة الحفاظ 1/364، وميزان الاعتدال 2/609، وتهذيب التهذيب 6/310 وغيرها.(3/46)
روى عنه شيخه سفيان بن عيينة، ومعتمر بن سليمان، وطائفة من أقرانه وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحق بن راهويه، وابن المديني، وخلق غيرهم، وآخر من روى عنه إسحق بن إبراهيم الدبري. وأثنى على علمه وفضله، جمع من الأئمة، قال قرينه هشام بن يوسف: كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا. وقد ملأ حديثه الكتب والدواوين، وروى له الستة وغيرهم، ونسب إلى شيء من التشيع. قال ابن عدي: ولعبدالرزاق بن همام أصناف في حديثه كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين، وأئمتهم وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأسا إلا أنهم نسبوه إلى شيء من التشيع.
وقال ابن حبان: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه على تشيع فيه.
وله من التصانيف: المصنف وهو كتاب كبير ضم عدا جامع معمر من الحديث تسعة عشر ألف حديث وأربعمائة وثمانية عشر حديثا.
وذكر غير واحد في جملة مصنفاته المغازي، ومنهم ابن النديم في الفهرست(1) واقتبس منه ابن عبدالبر في كتابه: الدرر في اختصار المغازي والسير(2). وكان كتاب المغازي هذا من الكتب التي ورد بها الخطيب دمشق(3). واقتبس منه المقدسي في المغني وذكره السخاوي في (( الإعلان بالتوبيخ))(4). أما عن منهجه فيه فيبدو أنه لا يخرج عن نسق كتابه المصنف، وكتاب أبي إسحق الفزاري أو قريب منه.
__________
(1) انظر ص 284.
(2) انظر ص 33، 37، 50.
(3) انظر جونة العطار ص 72.
(4) انظر المغني 10/519، والإعلان بالتوبيخ ص 88.(3/47)
9- محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي، المديني، القاضي المتوفى سنة 207هـ(1).
آخر الكبار المؤسسين لعلم السيرة النبوية، سمع من صغار التابعين، ومن بعدهم بالحجاز والشام، وغير ذلك، وحدث عن محمد بن عجلان، وابن جريج، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، وهشام بن الغاز، ومالك، وخلق كثير..
روى عنه كاتبه محمد بن سعد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي، والحارث بن أبي أسامة، وغيرهم.
قال كاتبه محمد بن سعد: كان عالما بالمغازي، والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه. وقد فسر ذلك في كتب استخرجها، ووضعها وحدث بها.
__________
(1) ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/334، والتاريخ الكبير للبخاري 1/178، والصغير 2/311 والجرح والتعديل 8/20، وتاريخ بغداد 3/3، والفهرست لابن النديم ص 111، وفيات الأعيان 1/506، تهذيب الكمال 26/180، سير أعلام النبلاء 9/454، ميزان الاعتدال 3/ رقم 7993، تهذيب التهذيب 9/363، تذكرة الحفاظ 1/348 وقد جمع أطراف الترجمة وناقشها ابن سيد الناس في صدر كتابه عيون الأثر، فلتنظر.(3/48)
قال الخطيب البغدادي: قدم الواقدي بغداد، وولي قضاء الجانب الشرقي فيها، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحد -عرف أخبار الناس- أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير، والطبقات، وأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب الفقه، واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك. وكان كريماً جواداً مشهوراً بالسخاء. وقد وقف الناس من الواقدي مواقف متباينة فمنهم من قواه، ومنهم من ضعفه حتى اتهمه غير واحد بالوضع في الحديث. ولكنه في المغازي والسير والأحداث غير مدفوع عن ذلك، بل له بها مزيد عناية واختصاص، وهو فيها رأس وله مكانة. قال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول: رأيت الواقدي يوماً جالساً إلى أسطوانة في مسجد المدينة، وهو يدرس، فقلنا: أي شيء تدرس؟ فقال: جزءاً من المغازي. وقلنا له يوما: هذا الذي تجمع الرجال تقول: حدثنا فلان وفلان، وجئت بمتن واحد، لو حدثتنا بحديث كل واحد على حدة، فقال: يطول، قلنا له: قد رضينا، فغاب عنا جمعة، ثم جاءنا بغزوة أحد في عشرين جلد، فقلنا: ردنا إلى الأمر الأول.
أقول: ولا غرابة في ذلك، فقد كان واسع الرواية بمنهج متميز، كشف عنه بقوله: ما أدركت رجلاً من أبناء الصحابة، وأبناء الشهداء، ولا مولى لهم إلا سألته هل سمعت أحداً من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل؟ فإن أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما عملت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه(1).ومن كان هذا همه ووكده فلا غرابة أن يكون عنده ما ليس عند غيره. قال ابن كثير، وهو الماهر العارف بهذا الشأن: والواقدي عنده زيادات حسنة وتاريخ محرر غالبا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثر(2).
__________
(1) عيون الأثر 1/18.
(2) انظر: البداية 2/324.(3/49)
وقال الذهبي: والواقدي وإن كان لا نزاع في ضعفه فهو صادق اللسان كبير القدر(1). وقال بعد أن استعرض ما قاله مادحوه وقادحوه(2): ((وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ويروى، لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه -وهم تمام عشرة محدثين-، إذ انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي)).
أما كتابه المغازي، فقد شاع عن مصنفه منذ تأليفه، وتلقفته الأجيال وحلقات الدرس في طول العالم الإسلامي وعرضه عبر العصور، وقد وصلنا الكتاب كاملا مطبوعاً.
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء 7/142.
(2) انظر: سير أعلام النبلاء 9/469.(3/50)
أما عن منهجه فيه: فقد بدأ بتسمية رجاله الذين كتب عنهم، وبلغ عددهم خمسة وعشرين شيخاً، ومنهم من هو معروف بالعلم، والسيرة خاصة، ومنهم من هو غير معروف، ومنهم المقبول، ومنهم غير المقبول، ومنهم من له مصنف في السيرة النبوية، ومنهم من لا يعرف بذلك. وهؤلاء المجهولون هم الذين كان يتتبعهم الواقدي ليسمع منهم ما أثروه وسمعوه من آبائهم وأجدادهم، ولهذا وصف الواقدي بأنه يروي عن كل ضرب، وقد حاول تلميذه محمد بن سعد انتقاء بعض الروايات التي كان يجمعها وأن تكون أخباره عن المعروفين. وأحياناً يطوي مع هذا العدد الكبير من الشيوخ ذكر عدد آخرين، فيقول: فكل قد حدثني من هذا بطائفة، وبعضهم أوعى لحديثه من بعض، وغيرهم قد حدثني أيضا، فكتبت كل الذي حدثوني، وكان يؤكد بأن من ينقل عنهم من أهل المعرفة بهذا الشأن، كما في قوله وحدثني عبدالله ابن أبي الأبيض عن جدته وهي مولاة جويرية -كان عالما بحديثهم(1). وكان يكرر في كثير من الغزوات والسرايا ذكر الشيوخ الذين حدثوه، وأحياناً يزيدون وأحياناً ينقصون، ولكنه دائما يجمع خلاصة ما سمع، ويقول: فكل قد حدثني بطائفة من هذا الحديث، وغيرهم ممن لم أسم، فكتبت كل ما حدثوني. ويقول أحياناً: وغير هؤلاء ممن لم يسم أهل ثقات، فكل قد حدثني بهذا الحديث بطائفة وقد كتبت ما حدثوني(2).
وقد بدأ بالسرايا والغزوات النبوية، ولم يعرض فيه للمبتدأ، والمبعث خلاف عمل ابن إسحق وآخرين، بل قصره على موضوعه المغازي.
وقد ساق تاريخا موجزا أشبه ما يكون بفهرس للغزوات النبوية حدد فيها تاريخ الغزوات، مع بعض المعلومات الضرورية، وختمها بقوله:
__________
(1) انظر المغازي 1/412.
(2) انظر المغازي 3 /955، 989.(3/51)
فكانت مغازي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة، ثم ذكر التي قاتل فيها، وقال: وكانت السرايا سبعا وأربعين سرية. واعتمر ثلاث عمر. ثم ذكر الصحابة الذين كان يستخلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه للغزو على المدينة ثم ذكر شعار المسلمين في غزواتهم، فقال: وكان شعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتال في بدر: يا منصور أمت.. ثم بدأ بتفصيل السرايا والغزوات.
ويذكر كثيرا من الأسانيد خلال عرضه للأحداث، ومنها ما هو مرفوع، ومنها ما هو مرسل، ثم يعود فيقول: قالوا: أي شيوخه الذين صدر بهم الحدث. ويعرض التفاصيل دقيقة عن الغزوات من حيث عدد الغزاة ومتاعهم، ومركوبهم وطريق سيرهم، وما يحصل بينهم… ويرجح ويختار، ويقرر بعض الأحداث تقرير الواثق مما يقول.
وكان خلال حديثه عن الغزوة ينقل بأسانيده- ومنها الجياد ومنها الضعاف- أخباراً موضحة ومعلومات هامة متعلقة بالموضوع، مما يضفي على عمله صفة الاستقصاء زيادة على ما جمعه من المصنفين قبله: الزهري، ومعمر، وموسى بن عقبة، وأبو معشر، ومحمد بن صالح بن دينار ويزيد بن رومان، والطبقة الأولى مثل: عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم.
وبهذا نستطيع أن نتصور الجمع الذي أراد الواقدي القيام به. وبالمقارنة بين روايات ابن إسحق والواقدي يتبين أن الواقدي لم يَرْو عن ابن إسحق مباشرة ونقل عنه بندرة، وذكر كثيرا من الروايات والتفاصيل التي لم يذكرها ابن إسحق.
وهنا أستطيع القول إن التصنيف في السيرة النبوية، بلغ الذروة مع الواقدي. ولهذا اضطر المصنفون في السيرة إلى الرجوع للواقدي، للدقائق والتفاصيل التي استقصاها وتتبعها وحاول تحريرها، وفي هذا يقول ابن سيد الناس: «وكثيراً ما أنقل عن الواقدي من طريق محمد بن سعد وغيره أخباراً، ولعل كثيراً منها لا يوجد عند غيره، فإلى ابن عمر انتهى علم ذلك أيضا في زمانه»(1).
__________
(1) انظر عيون الأثر 1 / 7.(3/52)
أقول: وإن الواقدي كغيره من العلماء لا يخلو من شذوذات ومخالفات فيما حمل وروى، ويقوم ذلك ويقدر بقدره بناء على موازين المعرفة(1).
وإذا جنحنا إلى الأخذ بنصوص الواقدي وقبوله في هذا المضمار نستطيع القول:
1- إنه وسّع دائرة الجمع لنصوص السيرة، مما هو مدون مكتوب قبله، ومما لم يدون. ولهذا كان يروي عن أناس عن آبائهم وأجدادهم، مما جعل نصوص السيرة يكتمل تدوينها على يديه، ولم يبق لمن بعده إلا التحسين، والمقارنة والترجيح والتعليق بإضافات ليست بالكثيرة.
2 - وهذا ما جعل رائدا من رواد الكتابة في السيرة النبوية والصدر الأول، -وهو تلميذ الواقدي محمد بن سعد- يجعل أئمة التصنيف الكبار في هذا الباب أربعة، ومن عداهم تتمات وإضافات بسيطة، وقد أصاب في ذلك وأحسن، وهم: (1) موسى بن عقبة (2) ومحمد ابن إسحق، (3) وأبو معشر السندي، (4) والواقدي، فهؤلاء على الحقيقة أعمدة التأليف في السيرة النبوية، وإليهم المرجع لأنهم أخذوها من غير وجه بطريق الرواة المحدثين أصحاب الأسانيد، ومن طريق المهتمين بالموضوع كالزهري وعاصم بن عمر ابن قتادة، وأسرة أبي بكر بن حزم، وأضرابهم ومن طريق أبناء أصحاب السوابق والمشاهد، ثم ما كان يروج بين عامة الناس مما نقل إليهم عن الصحابة والتابعين، ومن بعدهم.
3- وبعد هؤلاء الأربعة بدأت مرحلة التنقيح والمقارنة، فإجماعهم إجماع، واختلافهم يرجح بينه ويختار الأصوب بناء على ضوابط عدة، وأول من قام بهذا العمل -الذي يجب أن يُحيا ويبعث من جديد في كتابة السيرة النبوية- محمد بن سعد في كتاب الطبقات إذ كان يكثر من الاعتماد على إجماعهم، فيقول: وقالوا جميعا 3/068 وانظر 3/443، 454، 478.
__________
(1) انظر نماذج منها في كتابنا مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص: 78-79.(3/53)
أجمع موسى بن عقبة ومحمد بن إسحق، وأبو معشر، ومحمد بن عمر، وعبدالله بن محمد بن عمارة الأنصاري.. 3/601. وهذا الأخير متخصص في التاريخ وأخبار الأنساب. وأجمعوا جميعا 3/577، في روايتهم جميعا 3/569. أجمع على ذلك موسى بن عقبة ومحمد بن إسحق، وأبو معشر، ومحمد بن عمر 3/447.
ويقول: فجميع من شهد بدرا من المهاجرين الأولين من قريش وحلفائهم ومواليهم في عدد محمد بن إسحق: ثلاثة وثمانون رجلا، وفي عدد محمد بن عمر خمسة وثمانون رجلا 3/418. ويقول: وأجمع على ذكر عبيد - بن أوس - في بدر: موسى بن عقبة ومحمد بن إسحق ومحمد بن عمر، ولم يذكره أبو معشر، وهذا عندنا منه وهم، أو ممن روى عنه 3/454. في أمثال كثيرة حاول محمد بن سعد أن يحرر وينقح ويرجح بناء على ضوابط هي جديرة بالتأمل والنظر والاستخراج لأنه من أئمة العلم، وفرسان هذا الميدان.
الخلاصة
- إن عهد عمر بن عبدالعزيز على رأس القرن الهجري الأول كان منعطفا هاما جديدا في بدايات تدوين السيرة النبوية وإشاعتها، وتخصيص حلقات درس بها.
- أثمر هذا العهد مجموعة من المؤسسين الذين حاولوا تتبعها ونشرها وهم: عاصم بن عمر بن قتادة ت120هـ، وشرحبيل بن سعد ت 123هـ، وابن شهاب الزهري ت 124هـ، ويزيد بن رومان الأسدي ت 130هـ، وعبدالله بن أبي بكر بن حزم ت 135هـ.
- ثم برز بعدهم جيل أخذوا عن أعلام الجيل السابق ووسعوا دائرة روايتهم ودونوا السيرة النبوية وبهم أخذت شكلها المنهجي الثاني، وهم موسى بن عقبة ت 141هـ، ومحمد بن إسحق بن يسار ت151هـ، وسليمان التيمي ت 143هـ، ومعمر بن راشد اليماني ت 153هـ.
وحملت الأجيال مصنفات هؤلاء لأهميتها وجلالتها ولاتزال سارية إلى اليوم، ويمكن أن نسميهم جيل البناة المصنفين.(3/54)
- ثم جاء الجيل الثالث، فوسعوا دائرة التأليف، ونوّعوا المصادر وحاولوا استكمال النواقص، وكان من أبرز أعلام هذا الجيل: أبو معشر السندي المتوفى سنة 170هـ، ومحمد بن صالح بن دينار ت 168هـ، وعبدالملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم ت 176هـ ويمكن أن نسميه الجيل المكمِّل.
- وفي الدور الرابع مع الجيل الرابع في العقود الأخيرة من القرن الثاني وبدايات القرن الثالث كانت الإضافات التي عند الرواة تضاف إلى السيرة النبوية على يد جيل أتم البحث عن السيرة النبوية، وحاول أن لا يترك شيئا خارج نطاق التدوين فبلغ الذروة في ذلك على يد محمد بن عمر الواقدي المتوفى سنة 207هـ.
وهذا الجيل خاتمة أجيال بناة علم السيرة ومصنفاتها.
وبهذا نستطيع أن نقول: إن السيرة النبوية نضج التصنيف فيها، واكتمل نهاية القرن الثاني، وإلى أعلامه ومصنفاتهم المرجع إلى قيام الساعة، وأما عن أهمية هذه المصنفات والموازنة بينها، فله مكان آخر، وقد ألمعنا إلى كثير من ذلك في كتابنا مصادر السيرة النبوية وتقويمها فلينظر.
والحمد لله رب العالمين.
قائمة المصادر والمراجع
أسماء وشيوخ مالك لابن خلفون الأونبي، تحقيق عبدالرحمن الشاعر، وضياء محمد الأنصاري، نشر وزارة العدل والشؤن الإسلامية بدولة البحرين.
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي، مطبعة الشرقي 1349هـ نشره حسام الدين القدسي.
البداية والنهاية لابن كثير، نشر دار الفكر ببيروت 1398هـ-1978م.
تاريخ بغداد، نشر دار الفكر د.ت.
التاريخ الصغير للبخاري، تحقيق محمود إبراهيم الزايد، نشر دار الوعي بحلب، ودار التراث بالقاهرة.
تاريخ الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم نشر دار المعارف بمصر ط الرابعة.
التاريخ الكبير للبخاري، مصورة عن الهندية بدار الفكر د.ت.
تذكرة الحفاظ للذهبي، مصورة عن الهندية، دار إحياء التراث العربي د.ت.(3/55)
ترتيب المدارك للقاضي عياض، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.
تقييد العلم للخطيب البغدادي، تحقيق د. يوسف العش.
تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، مصورة عن الهندية بدار الفكر.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي، تحقيق د. بشار معروف ط مؤسسة الرسالة 1413هـ.
الثقات لأبي حاتم بن حبان، مصورة عن الطبعة الهندية بدار الكتب العلمية د.ت.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق د.محمود الطحان، نشر مكتبة المعارف بالرياض 1403ه-1983م.
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم مصورة عن الطبعة الهندية.
جونة العطار للشيخ أحمد بن الصديق نسخة خاصة.
الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبدالبر، ط دار الكتب العلمية د.ت.
الروض الأنف في تفسير السيرة للسهيلي، تقديم طه عبدالرزاق سعد نشر دار الفكر د.ت.
سير أعلام النبلاء للذهبي، ط مؤسسة الرسالة، الثالثة 1405هـ.
السير لأبي إسحق الفزاري، دراسة وتحقيق د.فاروق حمادة نشر مؤسسة الرسالة 1408هـ-1987م.
السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد نشر دار الفكر د.ت.
السيرة النبوية للذهبي، مصورة بدار الكتب العلمية ببيروت 1401هـ، عن طبعة حسام الدين القدسي.
صحيح البخاري، مع شرحه فتح الباري ط السلفية.
طبقات ابن سعد، ط دار صادر بيروت، والجزء المتمم تحقيق زياد محمد منصور ط المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
طبقات خليفة بن خياط، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، دار طيبة بالرياض، ط الثانية 1402هـ-1982م.
عيون الأثر في فنون المغازي والسير، نشر دار المعرفة بيروت د.ت، وطبعة أخرى بتحقيق د. محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو نشر مكتبة دار التراث، ودار ابن كثير 1413هـ-1992م.
الفهرست لابن النديم، تحقيق رضا- تجرد - د.ت.
الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني ط الثالثة بدار الفكر 1409-1988م.(3/56)
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب ط. الأولى بدار الفكر1391هـ-1971م.
مشاهير علماء الأمصار لأبي حاتم بن حبان، تصحيح م. فلا يشهمر مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1379هـ-1959م.
مصادر السيرة النبوية للدكتور فاروق حمادة ط الثانية 1410هـ بدار الثقافة بالدار البيضاء.
المغازي للواقدي، تحقيق جوثر، نشر عالم الكتب، بيروت د.ت.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي ط الأولى بدار إحياء الكتب العربية بمصر.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين بن خلكان تحقيق د.إحسان عباس ط دار صادر بيروت.
فهرس الموضوعات
مقدمة…2
الدور الأول…6
الدور الثاني…16
الدور الثالث…36
الدور الرابع…43
الخلاصة…64
قائمة المصادر والمراجع…66
فهرس الموضوعات…69(3/57)
الاستشراق وموقفه من
السنة النبوية
إعداد
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإنَّ من أهم ما ينبغي للمسلم إدراكه في الحياة العدوَّ الذي يتربص به وبدينه من كل جانب، ويحاول أن ينقضَّ عليه لاستئصاله، وانتزاع عقيدته من واقع حياته. وهذا العدو يظهر بأشكال كثيرة ومتنوعة، فأحياناً يكون بصورة استعمار عسكري يغزو البلاد وينهب الخيرات، وأحياناً يكون تحت شعارات إنسانية وحقوق الإنسان، ويأتي أحيانًا أخرى بهدف الحوار الحضاري أو المعرفي، وكلها صور مختلفة ولكن الهدف واحد، هو استعمار البلاد واستعمار العقول حسب ما تملي عليهم مبادئهم ومصالحهم. ولكن أخطر هذه الأنواع ذلك الذي يتغلغل داخل الأمة عبر الثقافة والمعرفة، ومنه ما يسمى بالاستشراق، فإنه عدو خطير بكل أدواته ووسائله؛ لأنه يحارب بالشبهة من خلال بعض ما يتوافر لديه من أحداث تاريخية أو روايات غير صحيحة، ولكنه يضعها في ثوب يثير الانتباه، ويشكك الضعفاء من أبناء الأمة في أمر دينهم وتاريخهم، مستفيدًا من بعض الصراعات التي حدثت في التاريخ الإسلامي في القرون الأولى لهذا الدين.
وهذا العدو خطير؛ لأنه مدعوم بأشياء كثيرة ومن أطراف متعددة، فتدعمه بعض الدول الكبرى والمؤسسات العلمية في الغرب والشرق، والتي لها شهرة معرفية لدى معظم دول العالم، هذا فضلاً عن القيادات التي ترأس هذه المؤسسات وعلاقاتهم مع الساسة الكبار في دولهم الاستعمارية.(4/1)
وقد وضع هذا العدو المتمثل بالاستشراق والمستشرقين أمامهم عدة أهداف من أجل الوصول إلى تحقيقها، وهذه الأهداف كثيرة ومتفاوتة من حيث الأهمية بالنسبة لهم، ولكن الغاية الأخيرة لهم هي جعل الدين الإسلامي مجرد أسطورة ليس له حقيقة ربانية، وإنما هو مزيج من الآراء والأفكار التي اقتبست من بعض الأشخاص كبحيرى الراهب وغيره، ومن الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية، لذلك بادر هؤلاء المستشرقون إلى الطعن في أركان هذا الدين ومصادره الأصلية التي هي مصدر الأحكام والتشريعات، إذ أعلنوا حربًا فكرية شعواء على القرآن الكريم، وعدّ الوحي ضربا من الصرع أو الجنون، ولكنهم شددوا هذه الحرب وبوسائل أقوى على السنة المطهرة؛ لكونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ويقوم تفصيل التشريع عليها، مستغلين بعض الأحاديث الموضوعة والخلافات التاريخية بين المسلمين.
وقد بذل علماء الأمة بمختلف اتجاهاتهم وتخصصاتهم جهودًا جبارة في التصدي لهذا العدو الخطير وسمومه، مع أن بعضًا من أبناء الأمة تأثروا ببعض هذه السموم، ولكنها في النهاية كان مصيرها السقوط والهزيمة والحمد لله.
وقد أحسنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في مجمع الملك فهد بإقامة ندوة (عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية)، وموضوع الاستشراق أحد محاور هذه الندوة، والذي يأتي هذا البحث مشاركة متواضعة فيه، فأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الندوة وبحوثها وأن تكون لها ثمار إيجابية، وجزى الله الجميع خير الجزاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منهج البحث
انطلقت عند كتابتي هذا البحث من زاوية علمية معرفية بالاستشراق ونشأته وأهدافه، والشبهات التي يثيرها المستشرقون حول السنة النبوية، وذلك من خلال النقاط التالية:
1 – اعتمدت عند تناول هذا البحث على محاولة الاستدلال مع الاختصار قدر الإمكان.(4/2)
2 – رجعت عند كتابة البحث إلى كتب المستشرقين أنفسهم وهي كثيرة، رغم قلة المترجَم منها، ومن أهم تلك الكتب كتاب "العقيدة والشريعة في الإسلام" لرأس المستشرقين "أجناس جولدتسيهر" وهو مترجم إلى العربية، وكذلك إلى كتابات المسلمين عن الاستشراق والمستشرقين وردودهم عليهم، وهي أيضًا كثيرة، وكان أهم مرجع اعتمدت عليه هو كتاب "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، فهو كتاب قيّم وشاف لمعرفة السنة والأطوار التي مرت بها، والشبهات التي أثيرت حولها من قبل الغربيين والرد عليها.
3 – عدم ذكر جميع الشبهات التي أثارها المستشرقون حول السنة النبوية؛ لأنها كثيرة جدًا، وتحتاج إلى كتابات طويلة لذكرها والرد عليها، ولكنني اكتفيت بذكر أهم هذه الشبهات حول السنة، والرد عليها بإيجاز.
4 – إذا نقلت نصًا من كتاب دون تصرف فإنني أضعه بين قوسي تنصيص صغيرين، وأشير إلى مرجعه في الحاشية في أسفل الصفحة، أما إذا نقلت النص بتصرف فإنني أشير في الحاشية فقط إلى المراجع التي اقتبست منها الفكرة.
5 – عزوتُ الآيات إلى مصادرها في القرآن الكريم.
6 – بالنسبة للأحاديث النبوية، فإنني وضعتها بين قوسي تنصيص صغيرين، وأشير في الحاشية إلى تخريجها حسب الطرق العلمية في التخريج.
أما خطة البحث فكانت على الشكل التالي:
مفهوم الاستشراق.
تاريخ الاستشراق وتطوره.
دوافع الاستشراق:
1 – الدافع الديني.
2 – الدافع الاستعماري.
3 – الدافع السياسي.
4 – الدافع الاقتصادي.
5 – الدافع العلمي.
شبهات الاستشراق حول السنة النبوية ومناقشتها:
مفهوم السنة عند المستشرقين.
الطعن في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الطعن في شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها:
أ- زعمهم انشغاله - صلى الله عليه وسلم - بالنساء.
ب- زعمهم اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالغنائم والسلب.
4- الطعن في الأحاديث النبوية سندًا ومتنًا.(4/3)
وينقسم إلى ما يلي:
زعمهم أن الحديث مزيج من عقائد الأديان السابقة وأفكارها من اليهودية والنصرانية.
ب- الطعن في رواة الحديث.
ج- موقفهم من الأحاديث المتعارضة في الظاهر.
د- زعمهم أن الأحاديث النبوية هي نتيجة التطور الديني.
ه- الطعن في منهج النقد عند المحدثين في سند الحديث ومتنه.
و- تأخر التدوين.
علاقة المستشرقين بالمذاهب والفرق القديمة والحديثة:
1 – الاستشراق والمعتزلة.
2 – الاستشراق والعقلانيون المعاصرون.
3 – الاستشراق والقرآنيون.
الخاتمة
وفيها بعض التوصيات والمقترحات حول الاستشراق ومدى حاجة الأمة إلى إنشاء مؤسسات علمية تتخصص بالدراسات الاستشراقية والغزو الفكري، تبيّن لأبناء المسلمين خطورتها على دينها وعقيدتها، وإيجاد وسائل الوقاية منها.
مفهوم الاستشراق
اختلف الباحثون في إيجاد تعريف موحد للاستشراق، رغم أن هذا الاختلاف شكلي وجزئي، إلا أنهم يتفقون فيما بينهم على عناصر مشتركة للاستشراق والمستشرقين، ويعود ذلك إلى تصور كل واحد منهم لحقيقة الاستشراق وأهدافه. وعلى كل حال فهو في صورته العامة: عبارة عن اتجاه فكري غربي يقوم بدراسة حضارة الأمم من جوانبها الثقافية والفكرية والدينية والاقتصادية والسياسية كافة، لغرض التأثير فيها.
وقد عرّفه إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق": "بأنه أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة صياغته وتشكيله وممارسة السلطة عليه"(1).
وقدّم أحمد عبدالحميد غراب تعريفات كثيرة للاستشراق من الغربيين وغيرهم، وقسّمها إلى قسمين، عام وخاص:
أما التعريف العام: فهو أن الاستشراق أسلوب فكري غربي (أي منهج غربي في رؤية الأشياء والتعامل معها) يقوم على أن هناك اختلافًا جذريًا في الوجود والمعرفة بين الغرب والشرق، وأن الأول يتميز بالتفوق العنصري والثقافي على الثاني.
__________
(1) ينظر رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد عبدالحميد غراب، ص7-8.(4/4)
وأما التعريف الخاص: فهو عبارة عن دراسات "أكاديمية"، يقوم بها غربيون من الدول الاستعمارية، للشرق بشتى جوانبه: تاريخه وثقافاته، وأديانه، ولغاته، ونظمه الاجتماعية والسياسية، وثرواته، وإمكاناته.. من منطلق التفوق العنصري والثقافي على الشرق، وبهدف السيطرة عليه لمصلحة الغرب، وتسويغ هذه السيطرة بدراسات وبحوث ونظريات تتظاهر بالعلمية والموضوعية(1).
وخلص إلى إيجاد تعريف أكثر شمولية من التعريفات السابقة، آخذًا في الحسبان النقص والتزوير الذي اعترى تلك التعريفات، فيقول في تعريف الاستشراق بمفهومه الاصطلاحي: "إن الاستشراق دراسات "أكاديمية" يقوم بها غربيون من أهل الكتاب للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب: عقيدة، وثقافة، وشريعة، وتاريخًا، ونظمًا، وثروات، وإمكانيات.. بهدف تشويه الإسلام، ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي"(2).
ولعلنا نأخذ بالتعريف الذي اقترحه الدكتور مازن مطبقاني، والذي أضاف إلى تعريف غراب بعض الزيادات، وتفرع ليشمل نطاقًا أوسع مما يتصوره الباحث، فقال عن الاستشراق:
__________
(1) المرجع السابق نفسه ص7-8.
(2) المرجع السابق، ص9.(4/5)
"بأنه كل ما يصدر عن الغربيين من أوروبيين (شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفيت) وأمريكيين من دراسات أكاديمية (جامعية) تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، كما يلحق بالاستشراق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم. كما أن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون والسياسيون الغربيون في ندواتهم ومؤتمراتهم العلنية أو السرية. ويمكننا أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم، ممن ينظر إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي، ولا بد أن نلحق بالاستشراق ما ينشره الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين، وتبنَّوا كثيرًا من أفكار المستشرقين حتى إن بعض هؤلاء التلاميذ تفوق على أساتذته في الأساليب والمناهج الاستشراقية، ويدل على ذلك احتفال دور النشر الاستشراقية بإنتاج هؤلاء ونشره باللغات الأوروبية على أنها بحوث علمية رصينة أو ما يترجمونه من كتابات بعض العرب والمسلمين إلى اللغات الأوروبية"(1).
ويمكن من خلال هذه التعريفات استخلاص عدة أمور تعد أركانًا متينة للاستشراق:
1 – أن الاستشراق هو حركة علمية (أكاديمية) من أهل الكتاب من شرقيين وغربيين وأمريكيين وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام بالمنظار الغربي.
2 – الهدف منه تشويه الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم، وذلك بالطعن في أهم مصادر التشريع: القرآن والسنة وتاريخ المسلمين(2).
__________
(1) بحث بعنوان: "الاستشراق". د. مازن مطبقاني على موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق . http: // medina center.org
(2) يحمل هذا الكلام من الباحث على الأعم الأغلب. وينظر ما ورد في ص 20-21. (اللجنة العلمية).(4/6)
3 – إنشاء مجتمعات تابعة للغرب في الفكر والاقتصاد والسياسة والاجتماع، ليسهل استغلالهم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
4 – أن الاستشراق ذو علاقة وطيدة مع الاستعمار، فلا استعمار بدون استشراق ولا استشراق من غير دول استعمارية.
5 – أن الاستشراق له علاقة بالتنصير؛ لأن معظم المستشرقين من أهل الكتاب، يبذلون قصارى جهدهم في سبيل أن يحوّل المسلمون دينهم إلى النصرانية، وهذا ما أكدته البعثات التنصيرية التي كانت ترافق الاستعمار في المنطقة الإسلامية.
6 – أن كثيراً من المستشرقين يفتقدون المنهجية العلمية في طرح شبهاتهم وأباطيلهم، فهم يحتجون ببعض الموضوعات من الآثار والروايات الموضوعة التي لا أصل لها في الواقع، وأحيانًا كثيرة لا يعتمدون على شيء وإنما يعتمدون على وساوس شياطينهم لتشكيك الأمة في دينها.
تاريخ الاستشراق وتطوره
إن المتمعن في تاريخ الاستشراق سيجد أن جذوره تمتد إلى الصدر الأول من الإسلام، متمثلاً باليهود والنصارى الذين لم يألوا جهدًا من أجل محاربة هذا الدين، وذلك بالطعن فيه والهمز واللمز في أحكامه وتشريعاته، واتهام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمجنون والساحر والشاعر، يقول الله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأنبياء: 5]، ويقول جلّ ذكره عنهم أيضًا:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الفرقان: 4-5]. وقوله: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [سورة المدثر: 24-25].
وقد اتخذ هؤلاء المشركون سبلاً كثيرة للطعن في هذا الدين لإعراض الناس عنه، فتارة يحرفون آياته وتارة يكتمون الحق وهم يعلمون، وأخرى يشككون فيه بالطعن في الوحي نفسه، يقول الله تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [البقرة: 75]. ويقول جل ذكره:
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([ البقرة: 41-42].(4/7)
وكثيرًا ما كان يتبع المشركون سبيل الدخول في الإسلام لفترة وجيزة ثم الارتداد عنه ليبين للناس أنهم جربوا هذا الدين؛ لأنه غير نافع وغير صحيح، لإخراجهم إلى ظلماتهم وضلالهم، يقول الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([آل عمران: 72].
هذه المواقف والأفعال لم تكن ذات أبعاد إنسانية أو إيجاد الخير للناس وإظهار الحق واتباعه، وإنما كانت جميعها منصبة ليردوا الناس عن دينهم ويتبعوا دياناتهم المنحرفة، يقول الله تعالى فيهم:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [ البقرة: 105].
ويقول أيضًا:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([آل عمران: 100].
وكل هذه الوسائل وغيرها اتبعها المشركون للصد عن دين الله، ويتبعها المستشرقون المعاصرون في نشاطاتهم الفكرية والثقافية، وهذا يعني حقًا أنهم امتداد لذلك التيار المعارض والمحارب لدين الله تعالى في بداية بزوغه.
إلا أن نشوء الاستشراق في القرون المتأخرة ليس له تاريخ محدد ومعلوم، وإنما بدأ تأسيسه عندما حاول بعض الرهبان الغربيين السفر إلى الأندلس ودرسوا القرآن والكتب العربية وترجموها إلى لغاتهم، وذلك بالاستعانة بالعلماء المسلمين في الطب والفلك والفلسفة والرياضيات وغيرها، ومن أوائل هؤلاء الغربيين الراهب الفرنسي "جربرت" الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام 999م بعد تعلمه في معاهد الأندلس وعودته إلى بلاده، وكذلك "بطرس المحترم 1092-1156م" و"جيراردي كريمون 1114-1187م".(4/8)
وبعد عودة هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا هذه الثقافة التي ارتأوها من الأندلس في بلادهم واستفادوا منها قرابة ستة قرون تقريبًا، من حيث دراسة اللغة العربية وترجمات القرآن الكريم وأمهات الكتب والمراجع العربية العلمية، إلى أن جاء عهد الاستعمار في القرن الثامن عشر، على العالم الإسلامي، للاستيلاء على خيراته وثرواته المادية والثقافية، فقد ظهرت فئة من هؤلاء الغربيين الذين تفرغوا تمامًا بالتعاون مع الاستعمار لنهب ثروات العالم الإسلامي العلمية والفكرية، والمتمثلة بالدرجة الأولى في الكتب والمخطوطات القيمة بأبخس الأثمان، مستفيدين من الفوضى العارمة في العالم الإسلامي، حتى بلغ عدد هذه المخطوطات والوثائق العلمية في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلد، والعدد يتزايد يومًا بعد يوم(1).
وقد عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام 1873م،(2) وكان بداية لعشرات المؤتمرات التي بدأت تدرس أحوال العالم الإسلامي وطرائق الوصول إلى ثرواته، ودراسة نقاط الضعف والقوة فيه، مستعينة بالقوى الاستعمارية الكبرى، ولا تزال هذه المؤتمرات والندوات في أوجها حتى هذا العصر، والتي كانت من إحدى نتائجها الحرب الحالية على العالم الإسلامي، ومحاولة مسح الهوية الإسلامية من الوجود وذلك باتهام المسلمين ومصادر تشريعهم، ولكن أنّى لهم ذلك، وقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه ( ? ( ( ( ( ( ( ([الحجر:9]. ويقول أيضًا:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [التوبة: 32].
وهذه المحاولات الجادة لتشويه صورة الإسلام والنيل منه تحتم على المختصين من أبناء المسلمين اليقظة والوعي والدراسات الجادة للقيام بمهمتهم، والسعي لنشر دينهم والحفاظ على مصادر تشريعهم.
دوافع الاستشراق
1 – الدافع الديني:
__________
(1) الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، مصطفى السباعي، ص17-18.
(2) المرجع السابق.(4/9)
تتبين حقيقة هذا الدافع للاستشراق من خلال دراسة نشأته وتاريخه، فقد نشأ على أيدي الرهبان وكان خروجه من الكنيسة، وهذا الدافع كان أمرًا ضروريًا للكنيسة، ولاسيما أنه قد حدثت مواجهة بين الكنيسة والعلم، وأفلست الكنيسة في أطروحاتها ومبادئها التي كانت تتغنى بها، فما كان لها من سبيل إلا الهجوم على دين الإسلام، وكما قيل: أفضل وسيلة للدفاع هو الهجوم، فجعل الاستشراق غايته الهجوم على الإسلام في عقيدته وعبادته وأحكامه، وتصويره بأنه دين القتل وسفك الدماء والشهوات، كل ذلك من أجل التغطية على فشل الكنيسة واصطدام مبادئها بالعلم والواقع والتاريخ، وتزعزت ثقة الغربيين بالكنيسة التي كانت عندهم المركز العصامي لتعاليمهم وأفكارهم، ومن جهة أخرى خوفًا من انتشار الدين الإسلامي الذي بدأ يزحف شرقًا وغربًا على أيدي الدعاة والتجار والمسافرين والذين اختلطوا مع المجتمعات الإسلامية، وأخذوا الإسلام من منابعه الأصيلة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاستشراق التقى في هدفه الديني مع تلك الجمعيات التنصيرية التي كان من أهم أهدافها تحويل المسلمين عن دينهم في الأحكام والأخلاق والمعاملات، إلى دين النصرانية، وذلك بتقديم الخدمات لهم في جميع المجالات، فإن استجابوا لذلك ودخلوا النصرانية كان هو المطلوب والمرسوم، وإن لم يستجيبوا في دخول النصرانية، فيكفي إخراجهم من دينهم إلى الإلحاد والشيوعية وغيرها، وقد أصاب هذا الداء كثيرًا من أبناء الأمة التي تخلت عن دينها إلى لا دين، فصاروا ملاحدة وزنادقة، فوزعت سموم الإلحاد وقذارة التغريب على المجتمعات الإسلامية التي لا تزال تعاني منها ومن أتباعها.
2 – الدافع الاستعماري:(4/10)
بعد أن انهزم الغرب في حروبه الصليبية على العالم الإسلامي، وكانت شديدة الوطأة على الغرب من النواحي كافة، العقدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية، إلا أن الغرب بدأ يعيد حساباته، ويخطط للاحتلال والغزو مرة أخرى، ولكن في هذه المرة يكون بشكل آخر واستراتيجية مختلفة، حيث لجأ هذا العدو إلى تأسيس مراكز وأكاديميات مختصة بشؤون العالم الإسلامي، وصرف جهودًا جبارة وأموالاً طائلة، لتكون مرافقة مع استعمارها للأمة وبلادها.
لقد درست هذه المراكز حال الأمة الإسلامية عقديًا وجغرافيًا واقتصاديا وعسكريا، وعرفت نقاط الضعف فيها ودرستها دراسة عميقة وواعية، فبدأ الاحتلال العسكري مرة أخرى، من خلال تلك النقاط، وكان احتلالاً عسكريًا وفكريا في آن واحد، وبعد أن تمركزت قوتهم في العالم الإسلامي، بدأ الاحتلال الفكري أو الغزو الفكري لعقول أبناء الأمة ونفوسها، وذلك بإظهار تفوقهم العلمي والتقني، وتخلف المسلمين في ذلك، وكذا بث روح الضعف والوهن في نفوسهم؛ لقتل روح المقاومة والتمسك بدينهم، وإظهار هذا الدين بصورة مشوهة غير صحيحة، مما كان له أثره الخطير في الأمة، فقد تأثر جمع غفير من أبنائها بهذه الوسائل، وقد ساعدهم على ذلك حصولهم على الثروات العلمية الإسلامية في البلاد المستعمرة، وتمكنهم من دراسة علومها في اللغة والأدب والدين والفقه والسيرة، واستطاعوا أن يخرجوا من بطون هذه الكتب نماذج من الأدب الوضيع والفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة كالتصوف، والتركيز عليها وتوصيلها إلى المثقفين والدارسين من أبناء الأمة على أنها الإسلام، فكان وسيلة قوية لتلك الدول على الاحتلال العسكري والبقاء لفترات أطول في ديار المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم وتسخيرها في مصالحهم المعيشية والتقنية والعسكرية.(4/11)
هذا بالإضافة إلى الدور الذي قام به هؤلاء المستشرقون في إفشاء روح الإقليمية والعنصرية بين المسلمين والتركيز على إثارة الفتن القومية بين الشعوب، كافتخار العربي بالعروبة والتركي بالتركية والمصري بالفرعونية، والكردي بالكردية، والفارسي بالفارسية وهكذا، فكان كل ذلك معول هدم وخراب، لذلك البناء المتين الذي أرسى قواعده الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رضوان الله عليهم، والعمالقة من أبناء الإسلام على مرّ العصور والأزمان، رغم أن الدين الإسلامي جاء وأزال كل هذه التصورات التي عدّها صفات جاهلية لا تتناسب مع الرسالة الربانية.
والحق أن الاستشراق صار ملازمًا للاستعمار أينما حلّ وأناخ، وتوسع مجاله ونطاقه بتوسع احتلاله واغتصابه لحقوق الشعوب عامة والمسلمين خاصة، حيث يقول المستشرق الهولندي سنوك هرجرنجي عن ذلك بقوله: "إن الشريعة الإسلامية موضوع مهم للدراسات الاستشراقية، ليس فقط لأسباب تجريدية [نظرية] متعلقة بتاريخ القانون والحضارة والدين، ولكن كذلك لأهداف عملية: وذلك أنه كلما توثقت العلاقات بين أوروبا والشرق الإسلامي، وكلما زاد [عدد] البلاد الإسلامية التي تقع تحت السيادة الأوروبية زادت الأهمية بالنسبة لنا نحن الأوروبيين لنتعرف على الحياة الفكرية، وعلى الشريعة، وعلى خلفية المفاهيم الإسلامية"(1).
3 – الدافع السياسي:
__________
(1) رؤية إسلامية للاستشراق أحمد غراب، ص53.(4/12)
يقول الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - "وهنالك دافع آخر أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية، ففي كل سفارة من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول سكرتير أو ملحق ثقافي يحسن اللغة العربية؛ ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته، وكثيرًا ما كان لهذا الاتصال أثره الخطير في الماضي حين كان السفراء الغربيون - ولا يزالون في بعض البلاد العربية والإسلامية - يبثون الدسائس للتفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض، وبين الدول العربية والدول الإسلامية، بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة بعد أن درسوا تماماً نفسية كثيرين من المسؤولين في تلك البلاد، وعرفوا نواحي الضعف في سياستهم العامة، كما عرفوا الاتجاهات الشعبية الخطيرة على مصالحهم واستعمارهم"(1).
وقد ظهر - حقًا - في الآونة الأخيرة في معظم الدول الإسلامية والعربية نوعٌ من التواصل الثقافي بين الملحقيات الثقافية للدول الغربية والطبقات المثقفة من الدول الإسلامية التي تحتضن هذه الملحقيات، وتعقد الندوات العلمية والحفلات الأدبية، بحجة تبادل الآراء والأفكار أو ما سمي في العصر الحديث بالتقارب الديني أو الحوار الحضاري، والهدف الأول والأخير من انعقاد هذه الندوات هو تحويل المسلمين عن دينهم، وإيجاد طبقة من المثقفين ولاسيما الذين يشغلون مناصب عالية في الدولة من تحقيق بعض أهدافهم السياسية في كسر الحواجز وإزالة العراقيل التي تحول دون الوصول إلى مآربهم في تلك البلاد، وأيضًا هناك مطلب مهم جدًا يقصدونه هؤلاء من وراء ملحقياتهم وهو اختيار بعض الناس من أبناء البلاد التي هم فيها ليكونوا لهم عيونًا لخدمة مصالحهم في جميع المجالات.
4 – الدافع الاقتصادي:
__________
(1) الاستشراق والمستشرقون، مصطفى السباعي، ص23-24.(4/13)
وهو من الدوافع التي ساعدت على تنشيط حركة الاستشراق وهي أن الدول الغربية بعد أن تعرفت على المنطقة الإسلامية وتعرفت على ثرواتها وخيراتها، أرادت أن تفتح مع هذه المنطقة صفحة أخرى أو علاقة أخرى من العلاقات التي تروي اقتصادهم وتدعم مصانعهم وشركاتهم، وبالتالي تسهل عليهم حركة التطور العلمي والتقني، وذلك بالاتصال المباشر مع العالم الإسلامي اقتصاديًا وذلك باستيراد ما تفتقر إليه من المواد الخام الطبيعية وبأسعار زهيدة وبخسة، حفاظاً على مستوى التصنيع والتقنية عندهم، وإبقاء لمستوى التراجع والتخلف في منطقتنا الإسلامية، التي كانت مهداً للصناعات والاختراعات، وجعلها منطقة استهلاك فحسب، وبذلك يتم القضاء كليا على الصناعات الوطنية والمحلية.
ومن أهم نتائج هذا الدافع وثمراته أن أموال المسلمين ومصالحهم صارت بأيدي الغربيين، فمعظم أغنياء المسلمين وأصحاب الثروات الكبيرة والأرصدة العالية، يودعون أموالهم وأسهمهم في بنوك الغربيين، حيث لا يصل إليهم من هذه البنوك إلا النزر اليسير من الأرباح، أما الغربيون فيربحون من وراء هذه الأرصدة الملايين والمليارات، وإذا صارت هناك إشكالات أو مشكلات سياسية بين هذه الدول الغربية والدول الإسلامية، ربما تؤدي بتلك الأموال المودعة إلى التجميد أو إلى الاستيلاء عليها، ولا يحق لأصحابها استرجاعها أو المطالبة بها، كما حدث في الآونة الأخيرة في أمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى، التي اتهمت مؤسسات وشركات ومنظمات خيرية بدعمها للإرهاب من أجل حيازة أرصدتهم وأموالهم، وكل ذلك ثمرة واضحة لمخططات المستشرقين مع دولهم الاستعمارية لنهب ثروات الأمة الإسلامية بشتى السبل والوسائل.
5 – الدافع العلمي:(4/14)
بعد أن تعرفنا على مجموعة من الدوافع المغرضة للاستشراق والمستشرقين، فإن هناك فئة قليلة ونادرة جدًا من هؤلاء الغربيين الذين يقبلون على دراسة الإسلام دراسة حقيقية لفهمه والاطلاع عليه، مجردين من الدوافع والأغراض التي سبق ذكرها، وهؤلاء يعدون من الصادقين في أبحاثهم ودراساتهم، إلا أنهم غير مدعومين من الدول الغربية، ولا من المؤسسات الاستشراقية التي تأسست على أساس تشويه الإسلام وتحريف أحكامه عند الناس، من أجل ذلك لا يكون لهم صيت قوي وشهرة شائعة في الأوساط العلمية والسياسية والدولية. وربما يجد هذا القسم من المستشرقين مضايقات وعقوبات من قبل حكوماتهم لأنهم لا يمثلون وجهة نظرهم ولا يخدمون مصالحهم، ومن هؤلاء المستشرقين من يعتنق الإسلام بعد أن يدرس الإسلام دراسة عميقة ومجردة، وربما يتحول إلى داعية ومفكر يدافع عن حمى الإسلام ودياره، ومن هؤلاء المستشرقين الذين كان هذا شأنهم المفكر محمد أسد صاحب كتاب "الإسلام على مفترق الطرق"، وتوماس أرنولد صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" والذي ركز فيه على التسامح الديني في الإسلام والتزام المسلمين بهذا المبدأ عبر التاريخ، إلا أنه تعرض لأكبر هجمة استشراقية واتهموه بأنه لم يعتمد في كتابه على الأدلة العلمية، وإنما على عاطفته تجاه المسلمين، رغم أنه لم يورد حادثة من التاريخ إلا ووثقها من مصادرها ومراجعها العلمية.
ومن هؤلاء المستشرقين أيضًا المستشرق الفرنسي "دينيه" الذي أسلم في الجزائر وغيّر اسمه إلى "ناصرالدين دينيه" وألف مع كاتب جزائري كتابًا في السيرة النبوية، وله كتاب "أشعة خاصة بنور الإسلام" الذي بيّن فيه حقد الغرب وتحاملهم على الرسول - صلى الله عليه وسلم -(1).
شبهات الاستشراق حول السنة النبوية
__________
(1) انظر: أجنحة المكر الثلاثة، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني.(4/15)
إن المتتبع للشبهات التي تثار حول السنة النبوية من قبل المستشرقين والمعادين لدين الله، فإنه سيجد أن هؤلاء يحاولون التشكيك في كل شيء في هذا الدين، وليست هناك شبهات محددة وإنما الدين كله مثار للشك والشبهة عندهم، ويظهر ذلك واضحًا في كتاباتهم ومحاضراتهم وندواتهم، وحتى في صحفهم ومجلاتهم، وهذا يعني أن التصدي الحقيقي للاستشراق يكمن في دراسة أصوله وحقيقة أهدافه، وبيان ذلك لأبناء الأمة، في كل مناسبة وكل مكان، لأن كثيرًا من هذه الشبهات هي قديمة في حقيقتها ومضمونها تبنتها المعتزلة والخوارج في فترات معينة، وخمدت نارها بعد أن تصدى لها علماء الأمة المخلصون، حتى جاء هؤلاء المستشرقون وأعادوا إثارتها وصياغتها من جديد.
لذلك لا نستطيع أن نبحث هذه الشبهات جميعها ونناقشها بالأدلة العقلية والمنطقية، وبالأحداث التاريخية، والدراسات الموضوعية، لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات ومصنفات، ولكننا سنذكر بعض الشبهات التي اتفقت عليها كلمة معظم المستشرقين حول السنة النبوية، والنيل من شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ابتداء من تشكيكهم في مفهوم السنة نفسها.
أولاً: السنة في مفهوم المستشرقين
يقول جولد تسيهر عن مفهوم السنة: "هي جوهر العادات وتفكير الأمة الإسلامية قديمًا وتعد شرحًا لألفاظ القرآن الغامضة التي جعلتها أمرًا عملياً حياً"(1).
__________
(1) العقيدة والشريعة لجولد تسيهر، ص41.(4/16)
كما يقول أيضًا هذا المستشرق: "ما من أمر أو فعل يوصف عندهم بالفضل أو العدالة إلا إذا كان له أصل في عاداتهم الموروثة أو كان متفقًا معها، وهذه العادات التي تتألف منها السنة تقوم عندهم مقام القانون أو الديانة، كما أنهم كانوا يرونها المصدر الأوحد للشريعة والدين، ويعدون اطراحها خطأ جسيما، ومخالفة خطيرة للقواعد المعروفة والتقاليد المرعية التي لا يصح الخروج عليها، وما يصدق على الأفعال يصدق أيضًا على الأفكار الموروثة، والجماعة يتحتم عليها أن لا تقبل في هذا المجال شيئًا جديدًا لا يتفق مع آراء أسلافها الأقدمين" ثم يقول: "فكرة السنة يمكن إدراجها بين الظواهر التي سماها سبنسر بـ العواطف القائمة مقام غيرها وهي النتائج العضوية التي جمعتها بيئة من البيئات خلال الأجيال والأحقاب، والتي تركزت وتجمعت في غريزة وراثية تتألف منها الصفة أو الصفات التي يتوارثها أفراد هذه البيئة"(1).
ثم يتطرق هذا المستشرق إلى تحديد مفهوم الحديث الذي يفصله عن مفهوم السنة بقوله إن الحديث: "الشكل الذي وصلت به السنة إلينا، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث، فهو عبارة عن سلسلة من المحدِّثين الذين يوصلون إلينا هذه الأخبار والأعمال المشار إليها طبقة بعد طبقة، مما ثبت عند الصحابة أنه حاز موافقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمور الدين أو الدنيا، وما ثبت أيضًا حسب هذا المعنى من المُثُل التي تحتذى كل يوم"(2).
وأما شاخت فيقول: "إن الأحاديث ليست هي السنة بل هي تدوين السنة بالوثائق"(3).
ويمكن استخلاص مفهوم السنة عند المستشرقين في النقاط التالية:
1 – أن السنة هي جوهر العادات والتقاليد الموروثة.
2 – أن السنة شرح لألفاظ القرآن الغامضة.
__________
(1) المستشرقون ومصادر التشريع الإسلامي، عجيل جاسم النشمي، ص81-82.
(2) المرجع السابق، ص83.
(3) المرجع السابق، ص84.(4/17)
3 – أن السنة وحدها هي القانون أو الديانة وهي المصدر الوحيد للشريعة.
4 – أن السنة غير الحديث، وأنهما ليسا بمعنى واحد.
وهنا لا بد من بيان حقيقة مفهوم السنة والحديث لدحض هذا الخلط الذي انتهجه المستشرقون بقصد التشويش والتضليل على أبناء الأمة، والتشكيك في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
فالسنة في اللغة: كما في القاموس المحيط هي الطريقة والعادة حسنة كانت أم سيئة، وقد جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ([الإسراء،: 77].
وجاءت في الأحاديث النبوية الشريفة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(1).
أما السنة اصطلاحًا: فقد تباينت تعريفات العلماء لها حسب نوع العلم الشرعي الذي تستعمل فيه السنة:
1 – السنة عند المحدثين: ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلُقية أو خَلقية.
فالقول: وهو الكلام الذي نطقه النبي - صلى الله عليه وسلم - وتناقله الناس بعد ذلك، مثل حديث: "إنما الأعمال بالنيات"(2).
الفعل: وهو ما كان يقوم به النبي عليه الصلاة والسلام من سلوك وتصرف وفعل، مثل كيفية صلاته، وصيامه، وحجه، مثل قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقوله "خذوا عني مناسككم".
التقرير: وهو ما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - من أفعال الصحابة بسكوته أو بإظهار رضاه له، كإقراره عليه الصلاة والسلام لمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده بعد الانتهاء من الصلاة ولم يعد صلاته.
الصفات: وهي إما خَلقية كطوله ومشيه ولونه وشعره..إلخ، أو خُلقية كالشجاعة والكرم والحلم والصفح وغيرها.
__________
(1) صحيح مسلم برقم 2351، ص410.
(2) أخرجه البخاري برقم 6689.(4/18)
2 – السنة عند علماء أصول الفقه، هي: ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، وبعضهم يضيف ما يصلح أن يكون دليلاً شرعيًا(1).
3 – السنة عند الفقهاء: تعددت تعريفات السنة عند الفقهاء ولكن مدلول هذه التعريفات واحد، فمنها: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، ومنها: كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن من باب الفرض والواجب(2).
4 – السنة عند علماء العقيدة: هي كل ما دل الدليل الشرعي عليه سواء كان هذا الدليل من الكتاب أو الحديث أو من قواعد الشريعة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
أما تعريف الحديث: فإنه علم يعرف به أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله. أو هو: كل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا التفصيل والتوضيح كاف لأن يزيل الغمة عن أفهام بعض من قد يجد التشويش الاستشراقي إلى فكره سبيلاً، هذا التشويش الذي يقصد به إلحاق اللغط وعدم الضبط في أهم علم من علوم هذا الدين وهو علم السنة والحديث، فيسقط ادعاء هؤلاء المغرضين من أن السنة خليط من المأثور القديم، وليعلموا بعد ذلك هؤلاء القوم جهود العلماء الأفذاذ الكبيرة وأسفارهم الطويلة والمديدة في سبيل تحصين هذا المصدر من سموم الحاقدين وإفك المفترين.
ثم إنهم لم يقفوا عند هذا الحد في خلطهم بين السنة والحديث، وإنما عمدوا إلى الطعن في أركان السنة التي ترتكز عليها.
ثانيًا: الطعن في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) شرح الكوكب المنير 2/159-166، إرشاد الفحول للشوكاني 1/131، 132.
(2) الإحكام للآمدي 1/169، شرح الكوكب المنير 1/160.(4/19)
إن الطعن في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني هدم الدين بالكامل لذلك ركز هؤلاء المستشرقون على الطعن في حقيقة الرسالة والوحي من السماء ليكون بمثابة هدم الصرح الذي يرتكز عليه الإسلام بالكامل، وذلك بالتشكيك في أصل الدين ومنبع أحكامه وأوامره ونواهيه، وبالتالي تتساقط المبادئ الأخرى تلقائيًا، وهذا الأسلوب العدائي الناتج عن الحقد الغائر في صدور أولئك القوم كان الأسلوب نفسه الذي مارسه كبراء قريش وزعماء الشرك في الصدر الأول من عهد هذا الدين، حيث اتهم المشركون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن ما يأتي به محمد ليس إلا نوعًا من الجنون أو صرعًا ينتابه في بعض الأحيان، فيأتيه وهو في حالته هذه بعض الأمور فيبثها على الصحابة من حوله، أو هو نوع من السحر يتعامل من خلاله مع الجن فيعلمونه أمورًا يجهلها المجتمع العربي في ذلك الوقت، وغيرها من الافتراءات والأكاذيب التي لا سند لها ولا دليل، فكان ذلك بمنزلة طعن في الوحي والتشكيك فيه.
يقول المستشرق هنري ماسيه في كتابه "الإسلام": "ووفقًا للتقاليد فإن محمدًا تلقى في بادئ الأمر نوعًا من الدوي فصار كأنه مصاب بالحمى، وشحب لونه وارتجف وتدثر بدثار، وهناك بعض المؤرخين - والبيزنطيون منهم على الخصوص - تحدثوا عن الصرع الذي يمكن أن يكون محمد مصابًا به، ومن المعلوم في القرون الوسطى في الشرق كما في الغرب أن هؤلاء المرضى كانوا يتخيلون كأن روحًا تمتلكهم، وقد أصبحت النوبات عند محمد مألوفة كثيرًا ابتداء من الوحي الأول الذي حدث في شهر رمضان"(1).
__________
(1) دراسات في الاستشراق ورد شبه المستشرقين حول الإسلام، د. علي علي شاهين، ص124-125.(4/20)
ويقول المستشرق واشنجتون آفنج في كتابه "حياة محمد" تحت عنوان "مسألة تعرض محمد لحالات من الصرع": "وهي المسألة التي يثيرها خصومه من الكتاب المسيحيين، ويبدو أن بعض المؤرخين المسلمين القدامى قد أيدوها، فذهبوا إلى أن محمدًا كان يصاب برعدة عنيفة ثم بنوع من الإغماء أو التشنجات وفي خلال ذلك ينحدر من جبهته سيل من العرق البارد، فكان يرقد وعيناه مغلقتان وقد انتشر الزبد حول فمه... وكانت زوجته عائشة ومولاه زيد ممن وصفوا هذه الحالة وذكروا أنها تحدث له نتيجة نزول الوحي عليه، وقد انتابته هذه الحالة عدة مرات في مكة قبل نزول القرآن وخافت خديجة عليه، إذ ظنت أنها نتيجة تأثير الأرواح الشريرة، وأرادت استدعاء أحد المشعوذين ليفحصه، ولكن محمدًا نهاها عن ذلك، فكان لا يحب أن يراه أحد خلال هذه النوبات"(1).
للرد على هذه الأقاويل والدعاوى يجب معرفة ما يلي:
1 - لماذا هذا التشكيك في الوحي ووصفه بأنه ضرب من الصرع أو السحر، ألم يكن هذا الوحي نفسه الذي كان ينزل على موسى وعيسى عليهما السلام؟ لماذا يكون هذا الوحي نتيجة صرع وقع على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وصدق وحقيقة مع موسى وعيسى عليهما السلام؟ أليس هذا الكلام نفسه نوع من الازدواجية في القياس والتحليل؟؛ بل إنه كراهية وحقد دفين في نفوس هؤلاء الغربيين تجاه هذا الدين الذي توسع بفضل الله تعالى ووصل إلى أقاصي الأرض.
ثم إن الوحي كان ينزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصور متعددة فأحيانًا كصلصلة الجرس وأحيانًا بصورة رجل، وأحيانًا بصورته الحقيقية، كما ذكرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) المرجع السابق.(4/21)
"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول". قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا"(1).
2 – أن الوحي الذي كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الصور المتعددة لم يكن بينه وبين الصرع أي تقارب أو تشابه، لأن الصرع عندما يصيب الإنسان يفقده النطق والحركة وتصطك أسنانه وتزيغ عيناه، فأين هذا من الحالة التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتلقى الوحي؟ ثم كيف يؤمن به الناس وهو يعاني مرض الصرع، وهو الذي يأتيهم بكلام فصيح وبليغ، تحدى العرب به عدة مرات في كتاب الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ([البقرة: 23-24].
3 – أن الحالات التي ذكرها هؤلاء هي محض افتراء وكذب وليس عليها دليل علمي، وإنما هي مجرد أقاويل، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءه الوحي في المرة الأولى كان في غار حراء، ولم يسبقه شيء قبل ذلك كما يدعي هؤلاء حيث تقول عائشة رضي الله عنها:
__________
(1) صحيح البخاري، برقم 3215، ص537.(4/22)
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
[العلق: 1-3] فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمِّلوني زمِّلوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع"(1).
وإن جبريل عليه السلام حين جاءه كان على صورته الحقيقية كما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ثم فتر عني الوحي فترة. فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض"(2).
وهذا يرد قولهم أن محمدًا تلقى في البداية نوعًا من الدوي.
4 – أما قولهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تأتيه هذه الحالات قبل مجيء الوحي فإنه لا يستند إلى شيء، والتاريخ يثبت كذب هذا القول وزوره، لأن هؤلاء يريدون مِنْ وراء ذلك أن يفصلوا الوحي الحقيقي عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدَّه حالة قديمة معه عليه الصلاة والسلام. فأين المستند على ذلك؟!
__________
(1) صحيح البخاري، برقم3، ص1.
(2) صحيح البخاري، برقم 3238، ص540.(4/23)
5 – أما قولهم وافتراؤهم على خديجة رضي الله عنها بأنها خافت عليه وخشيت أن يكون الوحي من الأرواح الشريرة، فإنه مردود عليهم بقول خديجة نفسها رضي الله عنها، عندما أخبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوحي وقال: خشيت على نفسي، فردَّت أمّنا رضي الله عنها: "كلا والله لن يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".
وأما قولهم: إنها ذهبت به إلى مشعوذ، فإن ذلك حمق وافتراء، لأن الذي ذهبوا إليه هو ورقة بن نوفل الذي تنصر وكان عنده علم من الكتب السماوية.
ثالثًا: الطعن في شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم -
أ – زعمهم انشغاله - صلى الله عليه وسلم - بالنساء
يقول غوستاف لوبون: "وضعف محمد - صلى الله عليه وسلم - الوحيد هو حبه الطارئ للنساء، وهو الذي اقتصر على زوجته الأولى حتى بلغ الخمسين من عمره، ولم يُخْفِ محمد - صلى الله عليه وسلم -حبه للنساء، فقد قال: "حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة".
ولم يبال محمد بسن المرأة التي كان يتزوجها، فتزوج عائشة وهي بنت عشر سنوات، وتزوج ميمونة وهي في السنة الحادية والخمسين من عمرها.
وأطلق محمد العنان لذلك الحب، حتى إنه رأى اتفاقًا زوجة ابنه بالتبني وهي عارية، فوقع في قلبه منها شيء، فسرَّحها بعلُها، ليتزوجها محمد - صلى الله عليه وسلم - فاغتم المسلمون، فأوحي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل الذي كان يتصل به يوميًا آيات تسوغ ذلك، فانقلب الانتقاد إلى سكوت"(1).
__________
(1) حضارة الغرب، غوستاف لوبون، ص142.(4/24)
ويقول جولد تسيهر في كتابه العقيدة والشريعة: "روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء" وأضيف إلى ذلك فيما بعد: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" وهذه الرواية وأمثالها تجعله بحق موضع اتهام خصومه الذين أخذوا عليه أنه لا يشتغل بغير النساء مما لا يتفق وصفة النبوة"(1).
يقول الله تعالى:( ? ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الكهف: 5].
يراد بذلك إحداث خلل في عقيدة المسلم وتشكيكه في نبيه - صلى الله عليه وسلم - ورسالته، وذلك حسب أهوائهم وتصورهم البشري القاصر، ثم يكون هدم الفروع سهلاً عليهم، ولكن الله تعالى هيأ لحفظ هذا الدين رجالاً وعلماء استطاعوا بفضله جل وعلا أن يتصدوا لهؤلاء، يقول الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( (( ( ( ( ( ( [إبراهيم: 27].
والعداء لهذا الدين قديم منذ أن أرسل الله الأنبياء والرسل الأولى
( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ([الفرقان: 31].
وللإجابة عن هذه الشبهة نقول:
1 - إن الله تعالى أباح لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الزواج لأكثر من واحدة، وهذا شرع الله الذي نحن به مؤمنون أبدًا، وهذه عقيدة المؤمنين الصادقين عبر التاريخ الإسلامي الطويل من عهد النبوة إلى قيام الساعة، مهما تقوّل المبطلون، أو افترى الحاقدون، ولهذا الزواج في دين الإسلام حِكَمٌ وأسباب، تبيّن لنا بعضها وغاب عنا بعضها الآخر، من هذه الحكم التي نلمسها:
أ – أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوَّجوا فإني مكاثِرٌ بكم الأمم. ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإنَّ الصوم له وِجاء"(2).
__________
(1) موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، الأمين الصادق الأمين 1/524.
(2) سنن ابن ماجه، رقم 1846، ص264.(4/25)
ب – تربية النفس على الطهارة والعفة بدلاً من إطلاق عنانها في دروب الرذيلة ومهاوي الخنا والفواحش، فربما احتاج الإنسان ليتزوج أكثر من واحدة؛ لحاجته إلى ذلك، فهناك من الرجال تكون غريزة الجنس عندهم قوية، لا يصبرون على واحدة فقط ولاسيما في حالات النفاس والحيض وغيرها، أو قد تكون الزوجة مريضة أو عقيمة، أو غير ذلك من الأسباب التي تدفع بالإنسان أن يتزوج بأخريات.
ج – زيادة عدد النساء وقلة عدد الرجال الذين تصيبهم المنية بأسبابها الكثيرة ولاسيما الحروب الطاحنة التي تعم أرجاء الأرض، وما تخلفه هذه الحروب من المآسي والكوارث البشرية من القتلى والمعاقين مما يقلل نسبة عدد الرجال وقدرة بعضهم على الزواج، فكان لزامًا أن يتزوج الرجل الواحد أكثر من واحدة، حتى لا تنحرف النساء العازبات عن السقوط في شراك الرذيلة والفاحشة.
2 – إن الزواج بأكثر من واحدة كان جائزًا في جميع الشرائع السابقة(1)، كاليهودية والنصرانية التي ينتمي إليها معظم المستشرقين، مما يتبين لنا مما تكنه نفوس هؤلاء من حقد لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
3 – فلينظر هؤلاء المستشرقون ومن سار على دربهم إلى الحقيقة الناصعة التي يتهربون منها في كتاباتهم ومحاضراتهم، ألا وهي السن الذي تزوج فيها الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام خديجة رضي الله عنها، وهو سن الشباب وقمة الطاقة والقوة الجسدية والجنسية، لو كان عنده أهواء جنسية لاختار من أجمل بنات العرب مالاً ونسبًا، وهو الشاب الأمين ومن نسب عريق وأصيل، إلا أن الله تعالى أراد أن يتزوج من خديجة التي كانت تكبره بخمس عشرة سنة، ليكون ذلك نقاء في صفحة حياته النقية أصلاً، ويكون صفعة في وجوه من أراد أن يثير حوله شبهة الشهوانية أو الهوى.
__________
(1) تعدد الزوجات إعجاز تشريعي يوقف المد الاستشراقي، محمد بن شتى أبو سعد، ص121.(4/26)
4 – ثم إن مرحلة الشباب التي مرّ بها هذا النبي عليه الصلاة والسلام لتشهد له بما كان عليه من الفضائل والأخلاق من السلوك وصدق الحديث والأمانة وغيرها، حتى سمي بين قومه بالصادق الأمين.
5 – إن بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت بفضل زوجاته بمنزلة مدارس تخرج المؤمنات الداعيات لهذا الدين، وكانت كل زوجة داعية وفقيهة تعلم النساء أحكام دينهن لقربهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانت النسوة يترددن إليهن، ويسألن عما يشكل عليهن من أمور الدين كحقوق الزوج وأحكام الطهارة والتحلي بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام.
6 – لو كان التعدد من الأمور الشهوانية والبهيمية لدى المسلمين لاستباح دين المسلمين إطلاق العنان لأبنائه بأن يسرحوا ويمرحوا في عالم الشهوة والهوى ومع أكبر عدد من النساء كما كانت عليه العرب في الجاهلية وبيوت الخنا التي كانت ترفرف على أبوابها أعلام الفاحشة والفجور، وكما نلاحظه في العصر الحالي من الإباحية المطلقة والبهيمية الجامحة التي ليس لها ضوابط ولا روادع، بل إن معظم بيوت الفاحشة في أوربا وغيرها عبارة عن مؤسسات لها حصانة قانونية، ولها الحرية التامة في الدعاية والإعلان حتى صارت مهنة وتجارة عالمية مربحة، ناهيك عن الدعم التي تجده هذه المؤسسات من القوى السياسية في تلك البلاد تحت راية الحريات الشخصية، حتى وصل بهم الحال أن يتزوج الرجال بالرجال، وصارت لهم منظمات ومراكز تعقد فيها عقود رسمية في المحاكم والدوائر الرسمية.(4/27)
أما عن نشاطات هذه المؤسسات والنوادي فهي قوية جدًا، ولديها قوة إعلامية هائلة للدعاية والترويج والربح، والشاهد على ذلك الفضائيات التي تبث في الليل والنهار الأفلام الجنسية بشتى الصور والأشكال، وشبكات الإنترنت التي صارت من أكبر الميادين الدعائية لها. وحسبنا أن نعلم أن هناك ما يقارب اثنين وعشرين مليون موقع جنسي على شبكات الإنترنت، عدا المحادثات المباشرة على مدار الساعة وبالعملات الصعبة.
هذه هي البهيمية الحقيقية والغريزة الحيوانية الجامحة من غير ضوابط وأحكام التي أفسدت المجتمعات الإنسانية وأخرجتها من إنسانيتها، واستولت على عقول الناس وَلوَّثت صفاء العقول وبراءة النفوس بالشهوات والخبائث.
والشيء الذي يأسف له القلب ويندى له الجبين أن هذه الثقافة الجنسية قد دخلت كثيرًا من البلاد الإسلامية وإن لم تكن على نحو رسمي ولكنها موجودة ولها تجارها وعملاؤها.(4/28)
7 – لم يكن من بين زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكر إلا عائشة رضي الله عنها، أما الأخريات فأرامل وثيبات، والعاقل يدرك أن زواجه عليه الصلاة والسلام بهؤلاء النساء رضوان الله عليهن لم يكن بدافع شهوة أو هوى في النفس، وإنما كان زواجه بكل واحدة منهن لقصة وحكمة: فمثلاً تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس القرشية وهي في الخامسة والخمسين بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، فهي مسنة وثيب، تقول عائشة رضي الله عنها: لما توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أي رسولَ الله ألا تتزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال: من البكر؟ قالت: بنت أحبِّ الخلق إليك عائشة بنت أبي بكر. قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة آمنت بك واتبعتك. فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة حيث بقيت تعاني الوحدة بعد وفاة زوجها في مكة فخشي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترجع إلى مكة ويفتنها أهلها في دينها فتزوجها - صلى الله عليه وسلم - ليحفظها ويستر عليها ويحميها من قومها الذين أسلم عدد كبير منهم بعد هذا الزواج.
فإن النظر والإمعان في هذا الزواج فيه ما يرد كيد المغرضين والطاعنين في شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي عرض عليه البكر والمسنة الثيب فاختار المسنة رفقًا بحالها وأنسًا لوحدتها وحفاظًا على دينها وعقيدتها.(4/29)
وأما زواجه عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها التي كانت من سبايا بني المصطلق، وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قصة زواجها من النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين قالت عائشة رضي الله عنها فجاءت تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي، فجئتك أسألك في كتابتي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهل لك إلى ما هو خير منه. قالت: وما هو يا رسول الله قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: قد فعلت. قالت: فتسامع تعني الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج جويرية فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم وقالوا: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق"(1).
وقد كان هذا الزواج سببًا في دخول بني المصطلق في الإسلام بعد معاداة طويلة على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. وهذا وحده كاف لمعرفة الحكمة من زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك العدد من النساء.
وسائر الزوجات الأخريات رضوان الله عليهن أيضًا كان لكل واحدة منهن شأن ديني ومصلحة دعوية، أو عطف إنساني، أو أمرٌ رباني.
8- أما بالنسبة للحديث الذي يذكره هؤلاء المستشرقين "حبب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" فإن كلمة
__________
(1) سنن أبي داود، برقم3931، ص558.(4/30)
( ثلاث ) زيادة لم ترد في رواية من الروايات التي أوردها الإمام أحمد والنسائي، وجملة ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) من أصل الحديث وليست مضافة إلى الرواية فيما بعد كما يدعون، وهذا يدل على عدم دقتهم في البحث والتحري، وفيما يلي سرد لجميع روايات هذا الحديث ليتبين الحق من الباطل، ويعلم العقلاء والمنصفون حقيقة دعاوى هؤلاء المستشرقين:
عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة(1) ". وفي رواية أخرى:" حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة "(2).
وجاء الحديث في ثلاث روايات للإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في
الصلاة "(3).
وفي أخرى:" حبب إلي النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة "(4) بدون "من الدنيا".
ثم بعد ذلك نقول: هلاّ أتوا بالمصدر الذي اقتبسوا منه هذا الحديث وأن جملة " وجعلت قرة عيني في الصلاة " أضيفت إليه فيما بعد أو أنه عبارة عن تشويش فحسب؟!
9- أما الشبهة التي ذكرها أحد المستشرقين حول قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زوجة ابنه بالتبني، فقد رواها مغلوطا وبرواية غريبة، وقد علل هذا المستشرق حسب هوى نفسه قصة هذا الزواج ليطعن في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وموقفه من النساء، وفيما يلي بيان بحقيقة هذا الزواج ومعالمه:
__________
(1) سنن النسائي ، رقم 3391، ص469.
(2) سنن النسائي ، رقم 3392، ص469.
(3) مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين.
(4) مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين.(4/31)
قال ابن كثير في تفسيره: قال العوفي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( الآية[الأحزاب:36].. وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة –رضي الله عنه- فدخل على زينب بنت جحش الأسدية –رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لست بناكحته. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( بلى فانكحيه ). قالت: يا رسول الله أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (. الآية.
قالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحاً؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(نعم) قالت: إذن لا أعصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنكحته نفسي.
وزيد كان قد سبي في الحرب واشترته خديجة رضي الله عنها وأهدته إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي خيّره بين أن يذهب مع أبيه أو يبقى معه، فقال: ما أنا بمفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عليه الصلاة والسلام:( اشهدوا أنه حرّ وأنه ابني يرثني وأرثه ) فسمي لذلك زيد بن محمد(1).
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ( ? ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:5](2).
وأما الأسباب والظروف التي كانت وراء زواج زيد بزينب رضي الله عنهما ثم افتراقهما، وزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب فيمكن إيجازها بما يلي:
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، ج14، ص193.
(2) صحيح البخاري، رقم 4782، ص840.(4/32)
أن ذلك كان أمراً ربانياً أولاً وآخراً، لا نستطيع أن نجادل في ذلك بشيء، فهو أعلم بخلقه، وأعلم بشؤونهم جميعا، ما ينفعهم وما يضرهم، وينزل إليهم ما تتحقق به مصالحهم وتسير بها أمورهم. فكان زواج زيد من زينب أمراً من رب ا لعالمين وكان طلاقها كذلك، وبالتالي كان زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب أيضاً أمراً ربانياً، والرسول - صلى الله عليه وسلم - المبلغ والمنفذ لأمر خالقه عز وجل، فكل ما حدث بهذا الموضوع كان تدبيراً إلهياً عظيماً، يقول الله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:36]. وقوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب:38].
كان في زواج زينب من زيد رضي الله عنهما -حسب ما تبين لنا- أمر إنساني عظيم وهو إزالة الفوارق الطبقية الموروثة والنظرة الدونية التي كانت سائدة في أوساط القبائل إلى غيرهم من العبيد والموالي، تحقيقاً لقول الله تعالى:( ? ( ( ( ( ([الحجرات:13] ولا يتم ذلك إلا بتطبيق عملي، فكان زواج ابنة القبيلة بمولى من الموالي.
إبطال عادة التبني التي كانت منتشرة عند العرب وهي: أن يعجب الرجل بأحد الأطفال أو الفتيان فيتبناه ويدعوه ابنه ويلحق بنسبه فيتوارث وإياه توارث النسب ويُعامل معاملة الابن في جميع الحقوق والواجبات. وتحدث عادة التبني غالباً في سبايا الحروب حين يؤخذ الأطفال والصبيان أثناء الغارات، فمن شاء أن يلحق بنسبه واحداً منه فعل ذلك من غير إحراج.
وردّ الأدعياء إلى آبائهم، لقول الله تعالى:( ( ( ( (( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب:4-5] ولاسيما وأن العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت وبدأ زيد يشكو إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الاضطراب، وأنه غير قادر على الاستمرار معها.(4/33)
أن الله تعالى قد ألهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أمر زواجه من زينب، ومع ذلك فإنه يقول عليه الصلاة والسلام لزيد رضي الله عنه
( ( ( ( ( ( ( إلى أن يضعه الله تعالى أمام أمر لابد من إظهاره ومواجهة الناس به، وذلك بأن يتزوج من مطلقة ابنه بالتبني، فيقول الله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب:37].
فعن أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:( اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا لكتم هذه)(1).
5- وكان في النهاية زواجه عليه الصلاة والسلام من زينب، حسب ما جاء في قوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الأحزاب:37].
حيث لم يعقد عليها كما عقد على سائر زوجاته، يقول أنس رضي الله عنه: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات(2).
وأظن أن هذا البيان كاف لإزالة الشبهة، ودحض الافتراء الذي يردده المستشرقون وبعض أذنابهم حول قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب رضي الله عنها.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيرًا من المستشرقين وأذنابهم من بعض المستغربين يخافون من المد السكاني الإسلامي وخطره على أفكار شعوبهم وبلادهم ومصالحهم، مما يدفع بهم بين الفينة والأخرى إلى نشر الكتب وعقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تطالب بالحد من التعدد، وتحديد النسل بحجة التنظيم أو بهدف الحصول على الرخاء الاقتصادي والاجتماعي في بلاد المسلمين التي يكثر فيها التعدد ويتزايد فيها الإنجاب.
ب – زعمهم اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - بالغنائم والسلب
__________
(1) صحيح البخاري، رقم 7420، ص1276.
(2) صحيح البخاري ، رقم 7420، ص1276.(4/34)
يقول مرجليوث: "عاش محمد - صلى الله عليه وسلم - هذه السنين الست ما بعد الهجرة إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب - ولكن نهب أهل مكة قد يسوّغه طرده من بلده ومسقط رأسه وضياع أملاكه وكذلك بالنسبة إلى القبائل اليهودية في المدينة فقد كان هناك - على أي حال - سبب ما، أحقيقيًا كان أم مصطنعًا يدعو إلى انتقامه منهم، إلا أن خيبر التي تبعد عن المدينة كل هذا البعد لم يرتكب أهلها في حقه ولا في حق أتباعه خطأ يعد تعديًا منهم جميعًا لأن قتل أحدهم رسول محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يصلح أن يكون ذريعة للانتقام"(1).
ولا استغراب في هذا الكلام حيث خرج من أفواه يهودية أو صليبية وسطرتها أقلامهم المنحرفة، ويشم من هذا الكلام حقد وحسرة ولاسيما أن هذا الدين قد وصل إلى أرجاء العالم وما وراء المحيطات والجبال، وهذا هو الشيء الذي يغيظهم ويحرق صدورهم، لذا يتخبصون ويفترون دون دليل علمي أو وثيقة تاريخية، ويكتبون الكلام جزافًا ويسمعه الحمقى والغاوون.
وللرد على هذه المزاعم والافتراءات المكشوفة نقول:
1- كيف بنبي أرسل من رب العالمين يكون همه السلب والنهب والعيش على أقوات الناس وأموالهم، وكل حركة من حياته عليه الصلاة والسلام وكل كلمة وسلوك ينطق بخلاف ما ذهب إليه هؤلاء المستشرقون؟ فالمعروف من حياة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يعيش على الكفاف وأنه كان يمر الشهر والشهران ولا يُوقَد في بيته نار، وأنه تعرض في بداية دعوته لأكبر جائزة ومنال من قريش فرفضها، حيث عرضت عليه المال والنساء والجاه فقال قولته المشهورة - صلى الله عليه وسلم -: "يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"(2).
__________
(1) الإسلام والمستشرقون، نخبة من العلماء المسلمين، ص256 نقلاً عن كتاب "محمد وقيام الساعة" لمرجليوث ص262-263.
(2) السيرة النبوية لابن هشام، 1/299.(4/35)
فمن يرفض هذا العرض المغري ويركن إلى الزهد ويصبر نفسه مع الفقراء الفقراء، ويحث أصحابه على شظف العيش والخشونة فيه، ووصف دار الدنيا بأنها دار ابتلاء واختبار، لا يكون من هذا شأنه إلا رجل يعيش من أجل رسالة عظيمة وهدف سام وجليل، وهي الدعوة إلى دين الله والعيش في ظلالها والموت في سبيلها، والتاريخ يشهد لهذا النبي عليه الصلاة والسلام بما كان عليه في حياته إلى أنْ توفَّاه الله تعالى، من صدق في الحديث واستقامة في السلوك وأمانة في التعامل، وإخلاص في العمل، وغير ذلك من الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة التي شهد له بعض الغربيين، يقول "الكونت هنري دي كاستري": "إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ما كان يميل إلى زخارف الدنيا ولم يكن بخيلاً، وكان يستدر اللبن من نعاجه بنفسه، ويجلس على التراب، ويرقع ثوبه ونعاله بيده، ويلبسها مرقعة، وكان قنوعًا، وقد خرج من هذا الباب، ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته، وتجرد من الطمع، وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد الغرب، ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم تكن له حاشية، ولم يتخذ وزيرًا ولا حشمًا، وقد احتقر المال، وإنه بلغ من السلطان منتهاه، ومع ذلك لم يكن له علامات الإمارة والملك سوى خاتم من الفضة مكتوب عليه (محمد رسول الله)"(1).
__________
(1) الإسلام والمستشرقون، ص317.(4/36)
2- ثم لينظر هؤلاء الذين لا يريدون أن يقرؤوا التاريخ على حقيقته وإنما يريدونه على هواهم ومصالحهم وأحقادهم لهذا الدين ونبيه عليه الصلاة والسلام، لينظر هؤلاء إلى الخُلق العظيم الذي كان يتحلى به الرسول عليه الصلاة والسلام وسماحته مع أعدائه، فبعد فتح مكة انقادت إليه القبائل، وصارت تحت سيطرته الجزيرة العربية، وأولئك الأعداء الذين كذبوه وحاربوه وأعرضوا عن دعوته، وقتلوا أصحابه وأهله، وقاطعوه في كل شيء مع صحابته ثلاث سنوات، وأخرجوه مع المؤمنين من ديارهم إلى الحبشة والمدينة، ها هم اليوم ضعفاء وأذلاء أمام هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون جزاءهم وعقابهم على ما اقترفوه خلال تلك السنوات نحو هذا النبي وأصحابه ودعوته، وقلوبهم وجلة تخشى أن ينزّل عليهم هذا النبي عليه الصلاة والسلام أقسى العقوبات أو أشد أنواع العذاب، ولكن الأمر كان على خلاف هذا التصور فخاطبهم نبي الرحمة:( يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )(1).
فأين الانتقام الذي يزعمه هؤلاء الحاقدون على الإسلام وأهله؟.
وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام مليئة بمثل هذه المواقف الرحيمة التي حيرت القاصي والداني من الأعداء وغيرهم، إلا أن هذا المستشرق الحاقد لا يريد أن يراجع التاريخ من أبوابه.
3- أما مسألة يهود خيبر فإن فيه القول الكثير الذي لا يذكره المستشرقون فإنهم من ناحية كفرهم كمشركي قريش والله تعالى أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بقتالهم وإخراجهم من خيبر بعد نزول قوله تعالى:
( ? ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ([البقرة:216]. وقوله تبارك وتعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( [البقرة:244]. وقوله تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([التوبة: 29].
__________
(1) السيرة النبوية لابن هشام:4/54-55.(4/37)
4- أما من الناحية الأخرى، فإن يهود خيبر لم يكونوا مسالمين مع المسلمين أبدًا، فقد ذهب إليهم كثير من زعماء بني النضير وظاهروهم على المسلمين وهم الذين حرضوا بعض القبائل على قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الخندق مثل غطفان وغيرها بشرط أن يكون لهم نصف ثمر خيبر.
وقد أقرّ بهذه الحقيقة المستشرق "مونتجمري وات" بقوله: "كان يهود خيبر وبخاصة رؤساء قبيلة بني النضير التي أجلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة يضمرون الحقد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهم الذين نجحوا في حمل قبائل العرب المجاورة على حمل السلاح على المسلمين والزحف عليهم، بما بذلوه من أموال وكان ذلك هو السبب الرئيس في توجه محمد إلى خيبر بجيوشه"(1).
__________
(1) السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي، ص352 نقلاً عن محمد النبي السياسي، ص189.(4/38)
5- أمّا تعليل مرجليوث أنّ سبب انتقام المسلمين من اليهود في غزوة خيبر هو قتل أحدهم رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو خطأ وافتراء عظيم على الحقائق التاريخية التي لاشك أنها لاتخفى على مرجليوث، ولكن التعصب يصم ويعمى، فالصواب الثابت تاريخياً(1) أنّ قتل أحدِ يهود خيبر رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - - عبدالله بن سهل - كان بعد غزوة فتح خيبر، وليس قبلها(2)، حتى يكون سبباً للانتقام منهم، من هنا يتبين لنا التلبيس الذي يمارسه المتعصبون الحاقدون من المستشرقين على عامة القراء والتحريف المتعمد لحقائق السيرة النبوية بصفة خاصة، ومعروف في كتب السيرة أنّ من أهم أسباب غزوة خيبر هو تحريض أهل خيبر قبائل العرب والمشركين على قتال محمد - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين.
رابعا- الطعن في الأحاديث النبوية سندًا ومتنًا
ونقسمه إلى ما يلي:
أ – زعمهم أن الحديث مزيج من عقائد الأديان السابقة وأفكارها من اليهودية والنصرانية.
يقول بروكلمان: "وأغلب الظن أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد انصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جدًا، وهو أمر لم يكن مستغربًا عند أصحاب النفوس الصافية من معاصريه الذين قصرت العبادة الوثنية عن إرواء ظمئهم الروحي. وتذهب الروايات إلى أنه اتصل في رحلاته ببعض اليهود والنصارى، أما في مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والإنجيل هزيلة إلى حد بعيد"(3).
__________
(1) انظر صحيح البخاري ح6143،6142، صحيح مسلم(3/1291-1295) رقم 1669.
(2) حيث ورد في صحيح مسلم المشار إليه في الحاشية السابقة صريحا أن عبدالله بن سهل وحميصة بن مسعود الأنصاريين خرجا إلى خيبر في زمان رسول الله وهي يومئذ صلح وأهلها يهود .....
(3) افتراءات المستشرق كارل بروكلمان على السيرة النبوية، ص22-23.(4/39)
ويقول جولد تسيهر في كتاب "العقيدة والشريعة في الإسلام": "لكي نقدر عمل محمد - صلى الله عليه وسلم - من الوجهة التاريخية، ليس من الضروري أن نتساءل عما إذا كان تبشيره ابتكارًا وطريفًا من كل الوجوه ناشئًا عن روحه، وعما إذا كان يفتح طريقًا جديدًا بحتًا. فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجًا منتخبًا من معارف وآراء دينية، عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها التي تأثر بها تأثرًا عميقًا والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة حقيقية عند بني وطنه"(1).
ويرى ريتشارد بل: مؤلف كتاب "مقدمة القرآن": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمد في كتابته للقرآن على الكتاب المقدس، وبخاصة على العهد القديم في قسم القصص، فبعض قصص العقاب كقصص عاد وثمود مستمد من مصادر عربية، ولكن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها محمد ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استمده من مصادر يهودية ونصرانية، وقد كانت فرصته في المدينة للتعرف على ما في العهد القديم أفضل من وضعه السابق في مكة حيث كان على اتصال بالجاليات اليهودية في المدينة، وعن طريقها حصل على قسط غير قليل من المعرفة بكتب موسى على الأقل(2).
ونقول للرد على هؤلاء:
__________
(1) العقيدة و الشريعة في الإسلام، أجناس جولدتسيهر، ص5-6.
(2) الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، محمود زقزوق، ص102.(4/40)
لا ريب أن هناك أموراً مشتركة كثيرة في التشريعات بين الإسلام والديانات الأخرى، مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأن مصدر الديانات كلها من عند الله الواحد الأحد، وكلها تأتي إلى البشر عن طريق الوحي إلى الرسل والأنبياء، ورغم أن الديانات السابقة أصابها التحريف والزيادة والنقصان إلا أنه بقي منها بعض الأمور التي توافق القرآن الكريم والسنة النبوية كما جاء في قوله تعالى:( ? ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([المائدة:44-45].
ومما جاء أيضا في الإسلام ويوافق ما في التوراة ما ورد في حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما:" أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون، فقال عبدالله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما، قال عبدالله فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة "(1).
__________
(1) صحيح البخاري ، رقم 3635، ص 610.(4/41)
ثم إنه لو كانت رسالة الإسلام مقتبسة من تلك الأديان لما جاء في كتاب الله تعالى الأمر بمخالفتهم ومحاربتهم، وعدم موالاتهم ونصرتهم، هذا فضلا عما اتصف به صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صدق وإخلاص لهذا الدين، فلو كان للقرآن علاقة بالتوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية من حيث الاقتباس، لرأينا الكثير من هؤلاء الصحابة ينقلون إلينا ذلك، ولكن لم يحدث شيءٌ من هذا، وهذا دليل على بطلان قولهم من أن السنة مزيج من العقائد والأديان السابقة.
ب – الطعن في رواة الحديث
كثر القول في رواة الأحاديث النبوية في كتابات المستشرقين ووسائلهم الأخرى، ووضعوا مجموعة من هؤلاء الرواة الثقات موضع الشبهة والتشكيك في رواياتهم لتأثرهم بالأحوال السياسية أو الاقتصادية التي كانوا يعيشون فيها، وكان على رأس قائمتهم عَلَمان كبيران ومن أعلام الرواية: هما الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، والإمام الزهري رحمه الله، وكان جولد تسيهر من أوائل الذين كتب عنهما وافترى عليهما الفريات العظام، معتمدًا في ذلك على الخلافات التي نشبت بين المسلمين بعد الخلافة الراشدة، والفتن التي مزقت الصف الإسلامي، فاستغلها أمثال تسيهر وغيره ليطعنوا في أهم مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وذلك بالطعن في رجال سنده. وهذه بعض الشبهات والتشكيكات التي أثارها المستشرق جولد تسيهر حول الإمام الزهري، وهي ليست كل الشبهات لأنها كثيرة، ولكننا نتناول هنا بعضها ونناقشها بموضوعية.
يقول أجناس جولد تسيهر فيما يفتريه على الإمام الزهري: "ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم، وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث...إلخ"(1).
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص 206.(4/42)
ويقول أيضًا: "إن عبدالملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منها حديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" ومنها حديث: "الصلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة فيما سواه" وأمثال هذين الحديثين، والدليل على أن الزهري هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقًا لعبدالملك وكان يتردد عليه وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طرق الزهري فقط"(1).
إن هذه الفرية رددها هذا المستشرق وتبعه تلامذته من بعده، واقتنع بها كثير من أبناء المسلمين، وهي فرية قديمة حديثة تبنتها الرافضة للطعن في كل رواية وردت في العهد الأموي أو ممن كانوا تحت الولاية الأموية، إلا أن التاريخ والشواهد الكثيرة والأدلة العلمية الواضحة التي لا شبهة فيها ولا غبار عليها، قادرة على نفي هذا التشكيك في أعظم شخصية إسلامية كالإمام الزهري الذي اتصف بالحزم والثبات في المواقف، وكان من أوائل الذين خدموا السنة بروايتها وتدوينها، إلا أن أقلام هؤلاء الأعداء لا يتركون أحدًا من المخلصين من رجالات هذه الأمة، حتى يتحول التاريخ الإسلامي في أذهان المسلمين إلى مجرد صراع ونفاق وكذب، وبالتالي يكون هذا الدين كله مبنيا على أوهام وخرافات، ولكن هيهات لهؤلاء أن يدركوا أهدافهم ومآربهم، لأن الله تعالى حفظ هذا الدين بحفظ كتابه، على أيد أمينة وصادقة، وهذه الحقيقة تناقلتها الأجيال بعد الأجيال.
__________
(1) المرجع السابق، ص191.(4/43)
وجعل الله تعالى جيل الصحابة من خير الأجيال، ثم الذين يلونهم، لأنهم جيل القدوة وجيل الرفقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والرفقة بأصحابه، فمهما كاد هؤلاء وأذنابهم فلن يصلوا إلى الغبار الذي كان تطؤه أقدامهم الطاهرة، ومن أجل أن تدحض فرية هؤلاء القوم على عالم جليل مثل الإمام الزهري، الذي عاش مع الصحابة وسلك نهجهم، لا بد من توضيح بعض الأمور منها:
1 – الإمام الزهري هو الإمام محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، اتصف هذا العالم في عصره بالحرص الشديد على تلقي العلم والسعي الدؤوب من أجل الحصول عليه، كما اتصف بقوة الحفظ والذاكرة، واتصف بصفات أخرى كالكرم والسخاء والشجاعة وحسن الخلق، ومعروف عنه المواقف الثابتة لمن خالف شيئًا من الدين، وشهد له بذلك شيوخه وعلماء الأمة.(4/44)
2 – الأمانة التي اتصف بها الإمام الزهري، تجعل هذه الافتراءات ترتد على أصحابها وتقذف في عيونهم القذى وفي بصائرهم ضلالهم وحقدهم، إذ يتبين من خلال دراسة سيرة حياة هذا العالم أنه كان لا يقبل أدنى تنازل في أية جزئية من جزئيات الدين، فكيف لمن هذا شأنه أن يفتري على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويضع الأحاديث حسب أهواء الأمراء والخلفاء؟ ويكفي هنا أن نذكر أحد مواقفه العظيمة أمام أحد خلفاء بني أمية عندما أراد أن يؤول حديثًا في غير موضعه، حيث " دخل الزهري على الوليد بن عبدالملك فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدًا رعيته كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات. قال الزهري: باطل يا أمير المؤمنين، أنبيٌّ خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة، قال: فإن الله تعالى يقول لنبيه داود عليه السلام:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([?ص : 26]، فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة فما ظنك بخليفة غير نبي؟ قال الوليد: إن الناس ليغووننا عن ديننا"(1).
3 – إن كبار العلماء في الدولة العباسية أخذوا عن الزهري جميع الأحاديث والروايات، ولم يذكر أن أحدهم قدح فيه، من أمثال الإمام أحمد ابن حنبل والبخاري ومسلم وغيرهم، رغم أنه كان من رجال بني أمية، الذين لم يسلموا من مهاجمة العباسيين لهم في معظم أمورهم، وهذا دليل كاف للردِّ على المفترين الذين افتروا على هذا العالم الجليل.
__________
(1) العقد الفريد، شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي 1/20.(4/45)
4 – أما بالنسبة لكلام تسيهر على منع عبدالملك بن مروان الناس الحج، وبناء قبة الصخرة ليحج الناس إليها وأمره الإمام الزهري بوضع حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فإن هذا الكلام لا يستند إلى دليل علمي أو تاريخي، وإنما هو سرد مغلوط ومشبوه يراد منه كعادته إثارة التشكيك في التاريخ الإسلامي ورجالاته، وتنجلي الغمة، ويتضح الأمر من خلال الأمور التالية:
أ – أجمع المؤرخون قاطبة أمثال الطبري وابن خلدون وابن الأثير على أن الذي بنى قبة الصخرة هو الوليد بن عبدالملك، وليس عبدالملك بن مروان، وكان الناس يقفون عندها في يوم عرفة، حيث كانت عادة المسلمين في كثير من البلاد حيث كانوا يخرجون إلى أطراف المدينة في هذا اليوم ويشاركون إخوانهم الحجاج في هذا اليوم، بالرغم من أن كثيرًا من العلماء كرهوا هذا الفعل، فالأمر لم يكن مقتصرًا على قبة الصخرة وإنما كان في كل مكان.
ب – لو كان كلام جولد تسيهر صحيحًا على فعل عبدالملك بن مروان، لما سكت علماء الأمة من ذلك الوقت وإلى يومنا على ذلك، لأن منع الناس من الحج لبيت الله وإنشاء مكان آخر للحج فيه يعد كفرًا، لا يقبل التهاون معه والمجاملة فيه.
ج – يذكر المؤرخون أن الزهري لم يلتق بعبدالملك بن مروان في عهد ابن الزبير، وإنما كان أول لقاء بينهما بعد مقتل ابن الزبير حينما كان شابًا، وإن السنة التي ولد فيها الزهري كانت إحدى وخمسين أو ثمانية وخمسين، وكان مقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين، فيكون عمر الزهري عشرين عامًا أو خمسة عشر عامًا، وغير معقول أن يشتهر الزهري في هذه السن المبكرة ثم يفتي بالحج إلى قبة الصخرة بدلاً من الكعبة؟.
د - أما كلام تسيهر أن حديث "لا تشد الرحال" لم يروه غير الزهري فهذا باطل لا أصل له، فقد روي من طرق كثيرة غير طريق الزهري كما أخرجه البخاري ومسلم.
ج – زعمهم التعارض في الأحاديث(4/46)
يقول جولد تسيهر: "إنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي"(1).
إن تعارض الأحاديث وقوة صحتها لا تعني بأي حال أنها موضوعة أو غير صحيحة، فمن المعلوم أن التعارض الظاهري بين بعض الأحاديث إنما نتيجة بعض الأسباب:
1 – أن الفعل الذي يُروى مرتين بشكل مختلف ربما يكون لكل واحد منهما حالة خاصة أو ظروف خاصة بالوضع الذي كان فيه الصحابي، أو بحسب حال الصحابي الذي كان يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يعني أبدًا أن هناك تناقضًا في الأحاديث، مثل الحديثين: "الوضوء من مس الذكر" و"هل هو إلا بضعة منك".
2 – ومنها أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز، فيروي صحابي ما شاهده في المرة الأولى، ويرويه آخر ما شاهده في المرة الثانية، مثل أحاديث الوتر أنها سبع أو تسع أو إحدى عشرة.
3 – منها اختلاف الصحابة في فهم مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحديث، فبعضهم يفهمه بالوجوب والآخرون يفهمونه بالاستحباب.
4 – منها اختلاف الصحابة في حكاية حال شاهدوها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل اختلافهم في حجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل كان فيها قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا؟ وكل ذلك حالات يجوز أن يفهمها الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل يحكم بما يرى.
5 – ومنها نسخ الحكم السابق بحكم لاحق وهذا كثير كما في بعض أحكام حَدِّ الزاني.
وقد بيّن علماء الأمة أسباب اختلاف الحديث فما كان سببه الوضع بَيَّنوه وما كان سببه شيئاً آخر بينوه أيضًا، وقد صنفوا في ذلك كتبًا ومراجع(2).
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص203.
(2) المرجع السابق، ص204.(4/47)
وهذا بيان واضح لمعرفة أسباب الاختلاف والتعارض بين بعض الأحاديث ليعلم الناس ذلك، ويكون حجة في وجوه المغرضين الذين يثيرون مسألة التعارض بوصفها مسألة أحاديث صحيحة وغير صحيحة.
وإذا وجد تعارض، بيّن أهلُ العلم حَلَّ هذا التعارض وفق قواعد معلومة لدى أئمة الحديث، عرفت بـ (مختلف الحديث). وخلاصتها أن ينظر في الأحاديث المتعارضة هل يمكن الجمع بينهما؟ فإن كان كذلك فيحمل كل واحد منهما على محمل خاص؟ فإن لم يمكن الجمع بينهما نظر في التاريخ، هل أحدهما متأخر والآخر متقدم، فيكون المتأخر ناسخاً، والمتقدم منسوخاً وإن لم يعلم المتأخر من المتقدم عمل بترجيح أحدهما على الآخر وفق المرجحات المعروفة عند المحدثين(1)، وإن لم يمكن الترجيح بحيث تساوت طرق الحديثين فيتوقف فيه -إن وجد- وهو الذي يسمّى بالحديث المضطرب إلى حين يتبين الترجيح.
د – زعمهم أن الأحاديث النبوية هي نتيجة التطور الديني
يقول جولد تسيهر: "إن القسم الأكبر من الحديث ليس صحيحًا ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام في عهد النضوج"(2).
ويقول بروكلمان: "كان محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يصلون مرتين في اليوم في مكة، أو ثلاث مرات في المدينة كاليهود، ثم جعلت الطقوس المتأخرة المتأثرة بالفرس عدد الصلوات في اليوم خمسًا"(3).
ويقول أيضًا: "القسم الأعظم من الحديث المتصل بسنة الرسول لم ينشأ إلا بعد قرنين من ظهور الإسلام، ومن هنا تعين اصطناعه مصدراً لعقيدة النبي نفسه"
__________
(1) انظر علوم الحديث لابن الصلاح /284-286.
(2) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص190.
(3) تاريخ الشعوب الإسلامية، ص73.(4/48)
ويقول برنارد لويس: "لقد استحدثت طرق جديدة في الحياة مع مرور الزمن وتوسع البلاد الإسلامية، وظهرت حاجات أدت إلى أوضاع غريبة تمامًا على الحياة البسيطة والفكر الذي كان سائدًا في عصر الصحابة – وبالإضافة إلى ذلك فإن الأحداث الغريبة والتأثيرات الأجنبية التي كان لا بد من استيعابها وهضمها كان لا بد أن تحدث خللاً في التمسك بالمفهوم الجامد للسنة على أنها المعيار الوحيد للصدق والعدل"(1).
إن هذا الكلام فيه كثير من اللغط والافتراء، لأن وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تكن في منتصف طريق دعوته إلى الله، وإنما كان بعد أن أدى الرسالة وبلغ الأمانة، حتى نزل قوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [ المائدة: 3]. وقال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه"(2) وهذا يدل على أن التحاق النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى كان بعد أدائه رسالة ربه للناس، وهذا يعني أن هذا الدين أُرسيت أصوله وأحكامه الثابتة في الحياة، وكان شريعة واضحة المعالم، لم تكن فيه مبهمات أو غموض أو أسرار، وإنما كان بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وإن التطور الذي حدث بعد عهد الرسالة كان في بعض الفروع والجزئيات التي ظهرت عندما توسعت رقعة الخلافة الإسلامية، وعندما فتح المسلمون البلاد الأخرى، فكان لا بد أن تعتريهم بعض الحوادث الجديدة التي لم يكن لها نص في القرآن أو السنة، فتعامل العلماء معها بطرق علمية متينة وقواعد معلومة تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله، كالإجماع والقياس وغيرهما من مصادر التشريع الإسلامي.
__________
(1) الاستشراق والاتجاهات الفكرية، مازن مطبقاني، ص156.
(2) الموطأ للإمام مالك، برقم 1874، ص70 بلاغاً، وقد وصله الحاكم في المستدرك 1/93 من حديث ابن عباس ، وإسناده حسن كما في تخريج المشكاة.(4/49)
ومن ناحية أخرى لو نظر الإنسان إلى هذا الدين منذ عهد النبوة إلى الآن سيجد فيه حجة قوية على بقاء الأصول على حالها منذ ذلك الوقت، ووحدة المسلمين في أداء عباداتهم وشعائرهم مع اختلاف يسير في بعض فروعها، في جميع أرجاء العالم رغم تباين أقطارهم واختلاف لغاتهم وتمايز أعراقهم وأجناسهم، ولو كانت الأحاديث النبوية نتيجة التطور الديني والاجتماعي كما يدعي هؤلاء القوم، لوجدنا المسلمين في كل بلد بل في كل منطقة يختلفون في كيفية أداء الصلوات وعدد ركعاتها وأوقاتها وكذلك الصيام والحج وغيرها من العبادات، ولكن الله تعالى أراد لهذا الدين أن يكون هكذا إلى يوم الدين؛ لأنه جل ثناؤه تكفل بحفظه وحمايته، من أيادي الانحراف والتزييف والتضليل.
وهذا الإيجاز كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ه - الطعن في منهج المحدثين في النقد
- في سند الحديث ومتنه:
يقول شاخت: "إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي، ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث، وكانت الأسانيد لا تجد أدنى اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد"(1).
__________
(1) المستشرق شاخت والسنة النبوية، محمد مصطفى الأعظمي ص 104.(4/50)
يقول جولد تسيهر: "نقد الأحاديث عند المسلمين قد غلب عليه الجانب الشكلي منذ البداية فالقوالب الجاهزة هي التي يحكم بواسطتها على الحديث بالصحة أو بغيرها، وهكذا لا يخضع للنقد إلا الشكل الخارجي للحديث، ذلك أن صحة المضمون مرتبطة أوثق الارتباط بنقد سلسلة الإسناد، فإذا استقام سند حديث لقوالب النقد الخارجي فإن المتن يصحح حتى ولو كان معناه غير واقعي أو احتوى على متناقضات داخلية أو خارجية، فيكفي لهذا الإسناد أن يكون متصل الحلقات وأن يكون رواته ثقات اتصل الواحد منهم بشيخه حتى يقبل متن مرْويّه، فلا يمكن لأحد أن يقول بعد ذلك إني أجد في المتن غموضًا منطقيًا أو أخطاء تاريخية لذلك فإني أشك في قيمة سنده"(1).
يقول المستشرق الإيطالي (كايتاني): كل قصد المحدثين ينحصر ويتركز في واد جدب ممحل من سرد الأشخاص الذين نقلوا المروي ولا يشغل أحد نفسه بنقد العبارة والمتن نفسه"(2).
ويقول أيضًا: "إن المحدثين والنقاد المسلمين لا يجسرون على الاندفاع في التحليل النقدي للسنة إلى ما وراء الإسناد، بل يمتنعون عن كل نقد للنص، إذ يرونه احتقارًا لمشهوري الصحابة، وقحة ثقيلة الخطر على الكيان الإسلامي"(3).
__________
(1) جهود المحدثين في نقد متن الحديث، محمد طاهر الجوابي، ص 450.
(2) المستشرقون والحديث النبوي، محمد بهاء الدين، ص128.
(3) المستشرقون والحديث النبوي، محمد بهاء الدين، ص130.(4/51)
ويقول غوستاف ويت: "قد درس رجال الحديث السنة بإتقان، إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى السند ومعرفة الرجال والتقائهم وسماع بعضهم من بعض..." ثم يقول: "لقد نقل لنا الرواة حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشافهة، ثم جمعه الحفاظ ودونوه، إلا أن هؤلاء لم ينقدوا المتن، ولذلك لسنا متأكدين من أن الحديث وصلنا كما هو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يضيف عليه الرواة شيئًا عن حسن النية في أثناء روايتهم، ومن الطبيعي أن يكونوا قد زادوا شيئًا عليه في أثناء روايتهم، لأنه كان بالمشافهة"(1).
أما بالنسبة لشبهاتهم حول الأسانيد فنقول:
ربما كانت شبهات المستشرقين حول أسانيد الأحاديث أقل حظاً إذا قورنت بمثيلتها بالنسبة للمتون، فالقلة من المستشرقين الذين نقدوا الأسانيد لأنهم لم يجدوا فيها ثغوراً يستطيعون أن يثيروا من خلالها الشبهات والادعاءات حول الأحاديث، ليس هذا فحسب بل هناك الكثيرون منهم أشادوا بجهود علماء الحديث واعتنائهم الكبير في الأسانيد ورواة الأحاديث، كما قال غوستاف ويت:"قد درس رجال الحديث السنة بإتقان، إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى السند ومعرفة الرجال والتقائهم وسماع بعضهم من بعض...".
ولكن رغم ذلك لم يسلم الإسناد من أباطيلهم وشبهاتهم، من أجل ذلك لابد من إلقاء نظرة سريعة حول الإسناد المتَّهم من قبل هؤلاء، لمعرفة حقيقته والمنهج العلمي الذي اتبعه العلماء للوصول إلى الحديث النبوي، وذلك بما يلي:
كان اهتمام علماء الحديث بالأسانيد قبل كل شيء انطلاقا من قول الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الحجرات:6].
فقد روى مسلم عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه.
__________
(1) المرجع السابق، ص161.(4/52)
فقال: يا ابن عباس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسمع. فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف(1).
فكان لا يؤخذ الحديث من أحد إلا إذا كان ثقة، حتى اشتهر بين المحدثين أن السند للخبر كالنسب للمرء. والحديث الذي ليس له سند ليس بشيء.
ومعروف عن ابن سيرين قوله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم(2).
وقول عبدالله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء(3).
__________
(1) مقدمة مسلم1/39.
(2) مقدمة مسلم1/44
(3) مقدمة مسلم1/47(4/53)
وكان الإسناد علم بذاته من علوم الحديث اعتنى به علماء الأمة عناية مميزة؛ لأنه سند السنة التي هي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد تفردت الأمة الإسلامية بهذا العلم وهذه المنهجية في أخذ الأخبار والروايات بخلاف جميع أمم الأرض وأديانها الأخرى حيث اعتمدت على المشافهة والروايات التي اختلط فيها الحق بالباطل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وجعله سُلَّماً إلى الدراية. فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات. وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات. وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم. وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد. وعليها من دينهم الاعتماد وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل. وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة، فإن أهل العلم منهم والدين هم من أمرهم على يقين، ظهر لهم الصدق من المَين كما يظهر الصبح لذي عينين"(1).
__________
(1) مجموعة الفتاوى 1/9.(4/54)
وقد فاقت جهود الصحابة وعلماء الأمة من بعدهم التصور البشري لشدة اهتمامهم وعنايتهم بالحديث النبوي، فهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يسافر من المدينة إلى مصر من أجل أن يتأكد من صحة حديث يحفظه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك من عقبة بن عامر رضي الله عنه. وهذا الحديث في الستر على المؤمن، فعن عطاء ابن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق أحد سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيره وغير عقبة، فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري ( وهو أمير مصر ) فأخبره فعجل عليه، فخرج إليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبق أحد سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة، فعجل فخرج إليه فعانقه، فقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبق أحد سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة" فقال له أبو أيوب صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعاً إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر(1).
ويقول سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين: إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد(2).
__________
(1) معرفة علوم الحديث، ص8.
(2) المرجع السابق.(4/55)
إن علماء الحديث قد وضعوا للإسناد قواعد وأصولاً علمية دقيقة للوصول إلى الأحاديث الصحيحة وترك غيرها من الضعيفة والموضوعة، وقسم هذا الإسناد إلى أقسام من حيث القبول أو الرد. فمن الأشياء التي وضعوها على سبيل المثال لا الحصر للراوي، ما يلي:
1- صفة من تقبل روايته ومن ترد: وقد اشترطوا للراوي العدالة والضبط، يقول ابن الصلاح:"أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يروي. وتفصيله: أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدَّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني".
فقد اشترطوا في العدالة: الإسلام: لقوله تعالى:( ? ( ( ( ( [البقرة:282] والمسلم من أهل الرضا، وغيره ليس من أهل الرضا، وبذلك لا يقبل حديث من راو كافر. وكذلك: البلوغ والعقل: لأنهما شرطان لتحمل التكاليف الشرعية وليتم ضبط الكلام وصدقه، فلا تقبل رواية الصبي والمجنون. والتقوى: وفيها اجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر. والدليل على اشتراط التقوى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الحجرات: 6]. فلا يقبل خبر الفاسق الذي يرتكب المعاصي ولاسيما الكبيرة منها. ويدخل في ذلك المبتدع فلا تقبل روايته.
فقد روي عن أبي بن كعب حديث مرفوع في فضل القرآن سورة سورة، من أوله إلى آخره. فقد روى السيوطي عن المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به، فقلت للشيخ: من حدثك به؟ فقال: حدثني رجل بالمدائن وهو حيّ، فصرت إليه فقلت من حدثك؟ فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه. فأخذ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك: فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث(1).
__________
(1) تدريب الراوي ص188،189.(4/56)
وأما شرط الضبط فيعرف بالمقاييس التي حددها العلماء كما يقول ابن الصلاح:"أن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه".
فإذا تحقق شرط العدالة والضبط في الراوي فيجب أخذ روايته والعمل بحديثه ويطلق عليه عندئذ (ثقة).
2- الجرح والتعديل: والجرح: هو الطعن في راوي الحديث بما يسلب أو يخل بعدالته أو ضبطه. والتعديل: عكسه، وهو تزكية الراوي والحكم عليه بأنه عدل أو ضابط(1).
وهناك شروط وآداب للجارح والمعدل، وشروط لقبول الجرح والتعديل أو رده، ومراتب الجرح والتعديل، وألفاظ الجرح والتعديل التي يعتمد عليها العلماء، وغيرها من الشروط التي يطول بنا المقام لسردها. لا نريد التوسع فيها.
3- الثقات والضعفاء: وقد ألفت مؤلفات في الثقات والضعفاء، لمعرفة أشخاص الإسناد وبالتالي معرفة درجة الحديث صحة وضعفاً، فمما أُلّف في الثقات: كتاب"الثقات" للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (المتوفى سنة 354هـ)، وكتاب"الثقات" للإمام أحمد بن عبدالله العجلي المتوفى سنة 261هـ، و(كتاب تذكرة الحفاظ) للإمام الحافظ شمس الدين محمد الذهبي (المتوفى سنة 748هـ). وما أُلّف في الضعفاء: "الكامل في الضعفاء" للحافظ الإمام أبي أحمد عبدالله بن عَديّ (المتوفى سنة 365هـ) وكتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) للإمام الذهبي، و(لسان الميزان) للحافظ ابن حجر العسقلاني. وغيرها كثير من الكتب التي تحدثت عن الثقات والضعفاء(2).
__________
(1) منهج النقد في علوم الحديث ، نورالدين عتر ص92، نقلا عن قسم الرواة ص55،88.
(2) منهج النقد، ص129-130.(4/57)
في نهاية المطاف نقول لهؤلاء المستشرقين إن المقياس الذي يقاس به رواة الحديث مقياس علمي ودقيق، حيث تطرق إلى حال الرواة من جميع النواحي الدينية والعقلية والذهنية والصحية والاجتماعية، والأخلاقية،ووضع لهم عبر هذا المقياس مراتب ودرجات عن طريق الجرح والتعديل، وألفت عنهم الكتب والمصنفات لبيان حالهم، عبر هذه المسيرة العلمية الدقيقة والشاقة لحال الإسناد، وصلت إلينا الأحاديث صافية وخالية من الكذب والتحريف أو الزيادة والإضافات من قبل الرواة أو غيرهم.
فهل بعد هذا يمكن أن يقال: إن جزءاً من أسانيد الأحاديث اعتباطي أو أنها لم تجد عناية أو قوالب جاهزة أو نحو ذلك؟!!
وأما فيما يتعلق بشبهاتهم حول متون الأحاديث فنقول:
إذا قرأنا ما ذكره علماء الحديث من قواعد لنقد الحديث وقبوله، لعلمنا أن ما يردده المستشرقون إنما هو محض افتراء وتكذيب، فقد ملئت كتب بهذه القواعد التي تدل على الاعتناء الكبير، والحرص الشديد لعلماء الأمة بالحديث سندًا ومتنًا، ولكن هيهات للعدو الحاقد أن يقر بالحق الذي هو كالشمس في رابعة النهار، ومنها ما ذكره الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله مثل:
"1 – ألا يكون ركيك اللفظ، بحيث لا يقوله بليغ أو فصيح.
2 – ألا يكون مخالفًا لبدهيات العقول، بحيث لا يمكن تأويله.
3 – ألا يخالف القواعد العامة في الحِكَم والأخلاق.
4 – ألا يكون مخالفًا للحس والمشاهدة.
5 – ألا يخالف البدهي في الطب والحكمة.
6 – ألا يكون داعية إلى رذيلة تتبرأ منها الشرائع.
7 – ألا يخالف المعقول في أصول العقيدة من صفات الله ورسله.
8 – ألا يكون مخالفًا لسنة الله في الكون والإنسان.
9 – ألا يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء.
10 – ألا يخالف القرآن أو محكم السنة أو المجمع عليه أو المعلوم من الدين بالضرورة، بحيث لا يحتمل التأويل.
11 – ألا يكون مخالفًا للحقائق التاريخية المعروفة عن عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -.(4/58)
12 – ألا يوافق مذهب الراوي الداعية إلى مذهبه.
13 – ألا يخبر عن أمر وقع بمشهد عظيم ثم ينفرد راو واحد بروايته.
14 – ألا يكون ناشئًا عن باعث نفسيّ، حمل الراوي على روايته.
15 – ألا يشتمل على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير"(1).
كانت تلك أهم القواعد التي اتبعها علماء الحديث في قبول متن الحديث أو رده، وهي كافية لدحض دعاوى المستشرقين الذي اتهموا منهج المحدثين في اهتمامهم بالسند دون المتن.
و – تأخر التدوين
يقول برنارد لويس أن "جمع الحديث وتدوينه لم يحدثا إلا بعد عدة أجيال من وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلال هذه المدة فإن الغرض والدوافع لتزوير الحديث كانت غير محدودة، فأولاً لا يكفي مجرد مرور الزمن وعجز الذاكرة البشرية وحدهما لأن يلقيا ظلالاً من الشك على بيّنة تنقل مشافهة مدة تزيد على مائة عام"(2).
ويقول أيضًا: "ثمة دوافع للتحريف المتعمد لأن الفترة التي تلت وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهدت تطورًا شاملاً في حياة المجتمع الإسلامي فكان تأثر المسلمين بالشعوب المغلوبة بالإضافة إلى الصراعات بين الأسر والأفراد كل ذلك أدى إلى وضع الحديث"(3).
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص271-272. وينظر ما كتبه الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم "المنار المنيف".
(2) الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي دراسات تطبيقية على كتابات برنارد لويس، ص157.
(3) المرجع السابق، ص157.(4/59)
يقول الدكتور نورالدين عتر: "برز قرن الفتنة التي أدت إلى مقتل الإمام الشهيد عثمان بن عفان ثم مقتل الإمام الحسين رضي الله عنهما، وظهرت الفرق المنحرفة، وراح المبتدعة يبحثون عن مستندات من النصوص يعتمدون عليها في كسب أعوان لهم، فعمدوا إلى الوضع في الحديث، فاختلقوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل، فكان مبدأ ظهور الوضع في الحديث منذ ذلك الوقت"(1).
فقبل كل شيء يجب معرفة ما كان عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع رسولهم - صلى الله عليه وسلم -، وكيف كانوا يأخذون منه الحديث ويتناقلونه فيما بينهم، وكيف كان حرصهم الشديد وعلى صحة هذا الحديث أو ذاك، فقد صارت لديهم ما يشبه القوانين أو الضوابط التي يعتمدون عليها في أَخْذِ الأحاديث أو ردها، وما كان هذا الحرص وهذا الجهد إلا لسببين اثنين:
1 – حرصهم في الحفاظ على هذا الكنز النبوي وخوفهم من ضياعه، والذي يعد من أهم صروح هذا الدين، فإن هوى هذا الصرح أو أصابه الضياع والنسيان فإن جزءًا كبيرًا من هذا الدين سيندثر معه، من أجل ذلك كانوا رضوان الله عليهم حريصين على نقل أحاديث الرسول صلى الله عليه بالدقة والتحري.
2 – خيرية الصحابة وخوفهم الشديد من الكذب عامة، وفي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة، يقول الله تعالى:( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الإسراء:36]، وقوله جل وعلا:( ? ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ([النحل: 105] وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"(2). وقوله عليه الصلاة والسلام: "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"(3)، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار"(4).
__________
(1) منهج النقد، نورالدين عتر، ص55.
(2) صحيح البخاري برقم 107، وصحيح مسلم، برقم5، ص8.
(3) صحيح مسلم، برقم1، ص7.
(4) صحيح البخاري، برقم109، ص24.(4/60)
ومن أهم ما تميز به الصحابة في نقل حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام أنهم لم يكثروا من كتابة الحديث ونقله خشية أن يعتريه الخطأ والزيادات، أو يختلط بالقرآن، وتلتبس الأمور بعد ذلك عليهم وعلى الأمة من بعدهم.
وكذلك حرص الصحابة على الدقة والتثبت من الأحاديث التي يرويها بعضهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والشاهد على هذا التدقيق والتشديد في ذلك حادثة الجدة حيث: "جاءت الجدة أم الأم وأم الأب إلى أبي بكر فقالت: إن ابن ابني أو ابن بنتي مات وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا فقال أبو بكر ما أجد لك في الكتاب من حق وما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى لك بشيء وسأسأل الناس قال: فسأل الناس فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس. قال: ومن سمع ذلك معك قال محمد بن مسلمة قال فأعطاها السدس ثم جاءت الجدة الأخرى التي تخالفها إلى عمر قال سفيان وزادني فيه معمر عن الزهري ولم أحفظه عن الزهري، ولكن حفظته من معمر أن عمر قال إن اجتمعتما فهو لكما، وأيتكما انفردت به فهو لها"(1).
ويجدر بنا إلى بيان المنهج الذي اتبعه بعض الصحابة في أخذ الأحاديث وهو عرضها على النصوص القطعية والأصول الثابتة من الدين، فهذه عائشة رضي الله عنها سمعت حديث عمر وابنه عبدالله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن:( ? ( ( ( ( ( [الأنعام: 164]"(2).
ومن أهم عوامل حفظ الصحابة للحديث
__________
(1) جامع الترمذي، برقم2100، ص482.
(2) صحيح البخاري، برقم 1288، ص206.(4/61)
1 – أن البساطة في العيش وقلة الاختلاط مع الناس يولد نوعًا من صفاء الذهن وقوة الحفظ والذاكرة بالإضافة إلى أن العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ومعظم علومها تعتمد في الدرجة الأولى على الحفظ، لذا كان من حفظهم ما يضرب به المثل وتناقلته الأجيال عبر التاريخ، مثل أولئك الذين كانوا يحفظون المعلقات الشعرية الطويلة، وكذلك معرفتهم بالأنساب والقبائل والأماكن وغيرها لدليل على تمكن هؤلاء العرب من القدرة على الحفظ دون عوائق، ومن الخطأ الفادح مقارنة العقل البشري المعاصر بعقول تلك العصور من رسالة الإسلام، ومن يقارن ويشابه بينهما ويطبق عليهما الدراسات والأبحاث فإنه سوف يصطدم بعقبات علمية كبيرة، وينزلق في مهاوي الجهل والظلام، وهذا ما وقع فيه المستشرقون الذين قارنوا بين حاضرهم اليوم وماضي هذه الأمة في القرون الأولى لهذا الدين، فشلت دراساتهم.
2 – أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث مع الصحابة، الذي تميز بالهدوء والأناة، وقِصَر جُمَله وإعادته للجملة الواحدة عدة مرات مما كان له الأثر الواضح في تمكين السامعين من حفظه وتدبره، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان يحدث حديثًا لو عده العاد لأحصاه"(1). وقالت أيضًا:"ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام يبينه فصل، يحفظه من جلس إليه"(2).
__________
(1) صحيح البخاري، برقم 3567، ص598.
(2) سنن أبى داود، رقم 3660، ص525، وجامع الترمذي، رقم 3639، (6/29).(4/62)
3 – إيمان الصحابة والتابعين ومن بعدهم بحقيقة هذا الدين وحقيقة هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحرصهم الشديد على حفظ منابعه ومصادره من الجفاف، واعتقادهم بأن هذا الدين بمصادره الرئيسة هو سبب سعادة البشرية ونصرها في الدنيا والآخرة، فحفظوا السنة النبوية بهذا الدافع الإيماني القوي، ولاسيما وأن الله تعالى قد نبّه المؤمنين على مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنته في الدين، كقوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( (
[آل عمران: 31]. وقوله جل وعلا:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء: 59]. وقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( [الحشر:7].
وغيرها من الآيات التي تحث المؤمنين على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعه والتحاكم إليه، ولا يتم ذلك بعد وفاته إلا بحفظ سنته الصحيحة وتجريدها مما ليس منها من أقوال الناس وآثارهم.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لصحابته: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"(1).
من أجل ذلك كله وجد المسلمون أنه من الواجب عليهم جمع سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بهذا الشكل الذي بين أيدينا وحفظها وحمايتها والدفاع عنها.
4 – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بعض الصحابة بكتابة الحديث، حتى يكون لهم مرجعًا آخر بعد القرآن في المستقبل، وهذا ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: "ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"(2).
ثم لا بد من ذكر الأسباب الحقيقية لوضع الأحاديث وهي بإيجاز:
__________
(1) سنن أبي داود، رقم 3660 ص525، وجامع الترمذي رقم 230 ص35، وسنن ابن ماجه، برقم 231، ص35.
(2) صحيح البخاري، برقم 113، ص24-25.(4/63)
1 – الخلافات السياسية: وذلك من أجل أن يثبت كل فريق أحقيته بالخلافة وأفضليته بالاتباع، وكان من أكثر الذين وضعوا الأحاديث هم الرافضة، حتى سئل الإمام مالك عنهم فقال: "لا تكلموهم، ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون"(1) وقال الشافعي: "ما رأيت في أهل الأهواء قومًا أشهد بالزور من الرافضة"(2).
ويكفي ما قال عنهم الخليلي في الإرشاد: "وضعت الرافضة في فضائل علي وأهل بيته ثلاثمائة ألف حديث"، ومن أشهر الأحاديث الموضوعة حديث الوصية في غدير خم، والذي يروي فيه الرافضة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد علي بعد رجوعه من حجة الوداع وقال للصحابة: "هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا" وقد كذّب أهل السنة هذا الحديث وعدّوه في الموضوعات.
وبالمقابل ظهرت بعض الأحاديث الموضوعة من بعض المتعصبين من الأمويين مثل: "الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعاوية" وحديث: "أنت مني يا معاوية وأنا منك".
2 – الزندقة: وقد ظهرت بعد أن فتحت البلاد وتوسعت سيطرة الخلافة الإسلامية، وصارت للدين شوكة ومنعة، وتنعم الناس في ظل الدين بالأمن والاستقرار، فلم يستطع أعداء الدين النيل منه علنًا أو مواجهة، وإنما اتخذوا سبيلاً آخر، وذلك بالدخول في الإسلام وتمزيق صفه من الداخل، فتستر هؤلاء بالتصوف والزهد والتشيع وغيرها، ووضعوا آلاف الأحاديث للطعن في الدين، ومن هذه الأحاديث الموضوعة: "ينزل ربنا عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة" و"خلق الله الملائكة من شعر ذراعيه وصدره". وقد لاحق بعض خلفاء بني العباس هؤلاء الزنادقة وقتلوهم وحبسوهم، حتى ضعفت شوكتهم وتم القضاء عليهم نهائيا.
__________
(1) الوضع في الحديث، عمر بن حسن فلاتة 1/246.
(2) المرجع السابق.(4/64)
3 – القصص والوعظ: حيث ظهرت حركة للقصاص الذين يجتمع حولهم الناس ليسمعوا رواياتهم وقصصهم ووعظهم، وهم لا يتورعون أن يكذبوا ويضعوا الأحاديث في سبيل أن يجذبوا الناس إليهم، أو يبكوهم في مجالسهم، فيكسبوا بذلك جاهًا ومكانة، ومثل هذه الأحاديث "من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرًا منقاره من ذهب وريشه من مرجان".
4 – الخلافات الفقهية والمذهبية: وهذه الخلافات أدت إلى أن تتعصب كل جماعة لمذهبهم وإمامهم، فوضعوا الأحاديث التي تساندهم، ومن ذلك القول المكذوب: "من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له".
5 – الجهل بالدين مع الرغبة في الخير: حيث قامت طائفة من العبّاد والزهاد بوضع الأحاديث ليرجعوا الناس إلى دين الله وكتابه، ظانين أن ذلك من العبادات المستحبة والأعمال الفاضلة، وقالوا إننا لم نكذب على رسول الله وإنما نكذب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
6 – التقرب إلى الأمراء والملوك: وذلك بوضع الأحاديث التي تناسب أوضاعهم وأحوالهم، وأهواءهم ورغباتهم، ومن ذلك ما فعله غياث بن إبراهيم الذي دخل على المهدي وهو يلعب بالحَمَام فروى له الحديث المشهور "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" وزاد غياث "أو جناح" إرضاء للمهدي الذي منحه عشرة آلاف درهم، ثم قال بعد أن ولَّى: "أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بذبح الحمام"(1).
* * *
هذا وإن علماء الأمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أهم مصدر من مصادر التشريع، فقد بذلوا جهودًا عظيمة لتنقية السنة من الشوائب والزيادات والأكاذيب، ووضعوا قواعد وأسسًا ينهجون عليها من ذلك:
__________
(1) ينظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص75-88.(4/65)
1 – إسناد الحديث: لم تظهر متابعة الإسناد إلا بعد ظهور الفتنة وانقسام المسلمين، وبعد ظهور اليهودي عبدالله بن سبأ الذي دعا إلى تأليه علي رضي الله عنه، فحينها لم يأخذ الصحابة الذين عاشوا إلى ذلك الوقت وكذلك التابعون من الأحاديث إلا ما عرف سنده وهذه كانت الخطوة الأولى لتصفية الحديث من غيره، حتى قال ابن المبارك: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"(1).
2 – التأكد والتوثق من الأحاديث وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، فقد صار هؤلاء مرجعًا للناس عند سماعهم حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أقروا أخذوا به وإن لم يقروه ضربوا به عرض الحائط. وقد سَخَّر كثير من الناس أنفسهم لخدمة الحديث وذلك بالسفر من بلد إلى آخر للتحقق من صحة الأحاديث المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بين هؤلاء الإمام البخاري ومسلم وغيرهما رضي الله عنهم جميعًا لما قاموا به من عمل جليل سيبقى ذخرًا للأمة إلى يوم الدين.
3 – نقد الرواة، وبيان حالهم من صدق أو كذب، وهذا الأصل كان من أهم الأصول التي اتبعوها في تنقية الأحاديث، حيث لم يحرجهم شيء في أن يقولوا عن الرواة ما فيهم من عيب أو كذب، وقد قيل ليحيى بن سعيد القطان: "أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إليّ من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لِمَ لم تذب الكذب عن حديثي"(2).
وهذا الإيجاز فيه بيان كاف للذين اتخذوا من وضع الأحاديث مطية يمتطون بها على السنة كلها، ويشككون فيها من كل الجهات والأطراف، ولكنهم خابوا وخسروا، وذهبت جهودهم وأقاويلهم مع رياح الحق التي أزهقتهم وأثبتت السنة الصحيحة.
* * *
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي(1/87)، الجرح والتعديل(2/16).
(2) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص90-92.(4/66)
علاقة المستشرقين بالمذاهب والفرق القديمة والحديثة
إن الشبهات التي تثار حول السنة النبوية من الطعن في رواتها والتشكيك في متون الأحاديث، إنما مصدرها في الحقيقة واحد، وإن اختلفت صورها وأشكالها، أو تباينت أفكار أصحابها، أو تباعدت أعصارهم وأمصارهم، فإنهم جميعًا يجتمعون ويشتركون في الشبهة غالبًا.
فظهر هؤلاء الأعداء بصور متعددة قديمًا وحديثًا، ففي القديم كانوا متمثلين في المعتزلة، وبعض الطوائف التي ظهرت وتنادي بالرجوع إلى القرآن فحسب، وامتد فكر هذه الطوائف لفترة طويلة ما بين مد وجزر، إلى أن هيأ الله تعالى للأمة علماء وأمراء مخلصين تمكنوا من كشف أكاذيبهم ومآربهم، إلا أن هذا التيار بقي على نحو ضعيف، إلى أن ظهرت في العصر الحديث طائفة محدودة من هؤلاء تنادي بالمنهج نفسه، وهم الذين نسميهم العقلانيين، فهؤلاء امتداد لأولئك الأعداء من المعتزلة وغيرهم ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين.
ويجدر بنا أن نتطرق إلى علاقة هذه الفرق القديمة والحديثة بالاستشراق والمستشرقين، ونبين بعض النقاط المشتركة بينهم باختصار شديد:
1 – الاستشراق والمعتزلة
إن المعتزلة تشترك في قدر كبير مع المستشرقين في قضية أساسية وهي التشكيك في صحة الأحاديث، وإلقاء ظلال الظن والريب على معظم الأحاديث النبوية، فمنهم من لا يعتد بالأحاديث مطلقًا، المتواتر والآحاد منها، وهم المتشددون منهم، فقد روى البغدادي رحمه الله عن النظام قوله: "الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عن سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذبًا"(1).
وقد أنكر النظَّام ما روي في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده وكذلك نبع الماء من بين أصابعه، ليتوصل بذلك إلى إنكار النبوة(2).
__________
(1) الفرق بين الفرق، عبدالقاهر البغدادي، ص103-104.
(2) الفرق بين الفرق، ص93.(4/67)
أما الهذيلية الذين هم أتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل المعروف بالعلاف وهم فرقة من المعتزلة إلا أنهم أقل تشددًا من النظامية، الذين يقولون إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام وفيما سواها لا تثبت بأقل من عشرين نفسًا فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقة حجة وإن بلغوا عدد المتواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب إذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة، وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكمًا، ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد يصح بوقوع العلم بخبرهم، وقد لا يقع العلم بخبرهم، وخبر العشرين إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة، واستدلوا على أن العشرين حجة بقول الله تبارك وتعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( [الأنفال: 65] حيث لم يبح لهم قتالهم إلا وهم عليهم حجة(1) .
وأما ما ورد في السنة وغاب عن الحس والبصر فإنه مرفوض عندهم تمامًا، كالقبر وعذابه ونزول المنكر والنكير على الميت.
ويلاحظ مما سبق أن المعتزلة يشتركون مع المستشرقين في التشكيك في رواة الحديث، وإن بلغ عددهم التواتر، وكذلك أحاديث الآحاد، والأحاديث التي وردت في أمور الغيب وحال الإنسان بعد الموت، وهذا يدل على أن الفكر الاستشراقي المعاصر هو امتداد متواصل مع الفكر المعتزلي في ذلك الوقت أو معتمد عليه.
2 - الاستشراق والقرآنيون(2)
__________
(1) المرجع السابق، ص90.
(2) القرآنيون: هم الفرقة التي تنكر السنة النبوية وتدعي الأخذ بالقرآن وحده، حيث نشأت هذه الفرقة في العصر الحديث في الهند على يد سيد أحمد خان، والمولوي جراغ علي، والمولوي عبدالله جكرالوي وآخرين.(4/68)
لقد ظهرت بعد جيل الصحابة في القرن الثاني للهجرة فرق ومذاهب شتى تدعوا كل منها إلى بعض الآراء والأطروحات التي مزقت الأمة وشتت وحدتها وأضاعت أحكام دينها التي كان عليها الجيل الذي قبلهم وهو جيل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، حيث برزت في الساحة طائفة تنكر حجية السنة مطلقًا وطائفة أخرى تنكر خبر الآحاد، ودعت هذه الطوائف إلى الاحتكام إلى القرآن وحده، دون اعتبار للسنة، لأن القرآن هو كلام الله المنزل الشامل والمفصل لكل شيء، محتجين بذلك على بعض الآيات القرآنية، والتحليلات العقلية. وقد كان للإمام الشافعي باع طويل في مناقشة هذه الأفكار والمزاعم في كتابه "الأم" الذي جاء فيه حوار مطول بين الشافعي وبين منكر للسنة الذي استسلم في النهاية لقول الشافعي وقبول الحق.
وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الفئة من الناس في قوله: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه"(1).
وهناك علاقة وثيقة بين هؤلاء الذين يسمون بالقرآنيين - وهم بعيدون عن القرآن – وبين المستشرقين ويشتركون معاً في كثير من العقائد والتصورات والتي كان المعتزلة سبقوهم لها، وقد كانت لمجلة "المنار" لرشيد رضا السبق في نشر مثل هذه الشبه والأباطيل في مقالة للدكتور "توفيق صدقي" تحت عنوان "الإسلام هو القرآن وحده" وهذه بعض الأباطيل التي فرزتها المراكز الاستشراقية وعناصرها وتبعها مجموعة من بني قومنا، وهي:
أولاً: تفسيرهم لقوله تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( [الأنعام:38]. وقوله جل وعلا:( ? ( ( ( (
( ( [النحل:89].
__________
(1) سنن أبي داود، برقم4604، ص651. وسنن ابن ماجه، وجامع الترمذي، ومسند أحمد.(4/69)
أي أن القرآن قد احتوى الدين كله أحكامًا ومعاملات وعبادات بشكل مفصل وواضح، فلا يحتاج هذا القرآن إلى شيء آخر كالسنة مثلاً، وإلا لم يكن هذا الكتاب بياناً وتبياناً لأمور الدين كلها.
وهذا تفسير في غير موضعه، لاحتواء القرآن الكريم على كثير من الأحكام العامة والقواعد الكلية، إلا أنه ترك كثيرًا من الأحكام مجملة ترك بيانها وتفسيرها للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بعد ذلك المؤمنين باتباع هذا النبي وطاعته، فجاءت آيات كثيرة تحث على ذلك وتدعو الأمة إلى الالتفاف حوله – عليه الصلاة والسلام – وهذا لا ينافي مطلقًا أن يكون القرآن حجة والسنة أيضًا حجة، لأن ما يرد في القرآن قد يرد في السنة على سبيل التأكيد والأهمية، وقد يأتي في القرآن أحكام تحتاج إلى البيان والتوضيح من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النحل: 44].
وروي أن عمران بن حصين كان جالسًا ومعه أصحابه فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن، قال فقال له: أدْنه فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد في صلاة الظهر أربعًا وصلاة العصر أربعًا والمغرب ثلاثًا تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعًا والطواف بالصفا والمروة؟ ثم قال: أي قوم خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن"(1).
ثانيًا: تفسيرهم لقوله تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ([الحجر: 9].
بأن الآية دليل على أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن فحسب دون السنة النبوية، فلو كانت السنة حجة لتكفل الله بحفظها أيضًا.
__________
(1) أخرجه الخطيب في الكفاية، ص15.(4/70)
وهذا التفسير كثيرا ما يتوافق مع أقوال كثير من المستشرقين الذين يثيرون الشبه والأباطيل حول ظنية السنة وأنها تعرضت للضياع والزيادة والنقصان، كما تعرضت للوضع والتحريف حسبما كانت تمليه الظروف السياسية للأمراء والخلفاء، وهذا يتوافق تمامًا مع قول برنارد لويس – الذي أشرنا إليه سابقًا -: "ثمة دوافع للتحريف المتعمد لأن الفترة التي تلت وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهدت تطورًا شاملاً في حياة المجتمع الإسلامي، فكان تأثر المسلمين بالشعوب المغلوبة بالإضافة إلى الصراعات بين الأسر والأفراد كل ذلك أدى إلى وضع الحديث"(1).
وحقيقة إن هذا التأويل لكلام الله بما لا يحتمل من قبل هؤلاء المتأثرين بالتغريب وأفكارهم، ضرب من العجز العلمي أو النقص والشعور بالدونية يدفعهم للسير وراء مقولات أعداء الدين من اليهود والنصارى وأهوائهم، وإلا فكيف يقال إن حفظ الله لكتابه يعني عدم حفظه لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهل يفسر الذكر بالقرآن فحسب، أم هو الدين الإسلامي كله بما فيه السنة النبوية المطهرة؟ وكيف يفسر قوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ([النحل: 43]؟ وأهل الذكر هم علماء الأمة الربانيون الذين حفظ الله على أيديهم هذا الدين من التحريف في كتابه العزيز وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. هذه من جهة، أما من الجهة الأخرى فقد وردت كلمة الذكر في مواضع أخرى من القرآن الكريم، وهي تشير إلى إبطال تفسير هؤلاء المغرضين، فهذه الآية الكريمة:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النحل: 44]، دليل على أن من أهم مهام الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضيح أمور الدين للناس ابتداء من العقيدة وانتهاء بأدق الأحكام والآداب.
__________
(1) الاستشراق والاتجاهات الفكرية، ص157.(4/71)
ولو سردنا أحكام الدين التي تحتاج الأمة إلى بيانها وتفصيلها من القرآن لاحتاج ذلك إلى حيزٍ واسعٍ من البحث، ولكن نشير إلى بعض تلك الأحكام والفرائض بشيء من الاختصار، فالصلاة التي جاءت في القرآن مجملة دون تفصيل ( ( ( ( ( ( [البقرة: 43]، بحاجة إلى بيان كيفية أدائها بالأقوال والحركات، والرسول عليه الصلاة والسلام هو الوحيد الذي يوضح للأمة هذه الكيفية، وكذلك قوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([آل عمران: 97]، فلولا السنة لاختلط كيفية أداء هذا النسك العظيم بالشركيات وأهواء الناس وكل واحد يؤديه حسب فهمه الخاص، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام علّم الأمة هذه الكيفية بحجته - صلى الله عليه وسلم - وقوله للصحابة: "خذوا عني مناسككم"، فالسنة بوصفها تبين وتوضِّح الأحكام المجملة في القرآن، إلا أنها تؤدي دورًا مهمًا في وحدة الأمة وترابط أبنائها على أداء العبادات بصورة واحدة لا تمايز لأحد على آخر، مما يؤدي بالتالي إلى جعلها كالجسد الواحد، في أعمالها وأقوالها ومشاعرها، ويتحقق بذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(1).
إن المستشرقين وأذنابهم ممن يسمون بالقرآنيين إما أنهم يجهلون هذه المعاني والأحكام، أو أنهم يقصدون ذلك لتمزيق صف الأمة الواحد، وإفشاء روح التشكيك في نفوس المسلمين تجاه أهم مصدر لدينهم وهو السنة.
__________
(1) صحيح مسلم، برقم 6586، ص 1131.(4/72)
ثالثًا: قولهم بما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بكتابة السنة أو جمعها وحفظها في قراطيس فهذا يدل على أن السنة ليست بحجة، ولأن السنة بعد ذلك صارت ظنية الثبوت فلا يصح الاحتجاج بها، لقوله تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ([الإسراء: 36]، وقال:( ? ( ( ( ([الأنعام:148]. لأن القطع لا يكون إلا بكتابتها وحفظها من التحريف والزيادات مثل القرآن، ومن أجل ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم كتابة السنة ومحو ما كُتب منها:
أ - فقد أخرج الحاكم عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه أحرق خمسمائة حديث كتبها، وقال: "خشيت أن أموت فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك".
ب – فعل زيد بن ثابت عندما دخل على معاوية فسأله معاوية عن حديث فأخبره به، فأمر معاوية إنسانًا بكتبه فقال له زيد: إن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئًا من حديثه فمحاه.
ج – لقد عزم عمر رضي الله عنه مرة أن يكتب السنن ثم عدل عن ذلك وقال: "إني كنت أريد أن أكتب السنن فإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني – والله – لا أشوب كتاب الله بشيء أبدًا".
د – طلب علي رضي الله عنه ممن كتب أي شيء من الحديث أن يمحوه.
هـ - كره مجموعة من علماء الأمة كتابة الحديث منهم: القاسم بن محمد، والشعبي، والنخعي، ومنصور، والأعمش.
و – أن السنة لم تكتب وتدون إلا في العصور المتأخرة بعد أن اعتراها الخطأ والنسيان والتحريف والتبديل، مما يوجب الظن والشك فيها فلا يجوز الأخذ بها(1).
وهذه الشبهة استشراقية بكل محتوياتها، فهذا هو المستشرق الألماني شاخت يقول: "لا صحة لأي حديث منسوب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن أقدم ما بين أيدينا من أحاديث الأحكام لا يرجع إلا إلى سنة (100) هجرية ليس إلا".
__________
(1) بتصرف من السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص153-155.(4/73)
وقد سبق بيان هذه الشبهة سابقًا في دعاوى المستشرقين حول تأخير تدوين السنة والرد عليها.
هذه نماذج من الطائفة التي تسمى بالقرآنيين، رغم أن أفكارهم صارت عقيدة لدى كثير من المفكرين والأكاديميين المنتسبين إلى الإسلام، إلا أن معظمهم من الذين تغربوا أو تشرقوا أو "تأمركوا"، أو احتضنتهم المراكز الاستعمارية والاستشراقية، وتأثروا بهم في جميع مجالات الحياة ليس في الجانب العقدي فحسب؛ بل تغلغل هذا التأثير في وجدانهم فغيّر نظرتهم للحياة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا.
وحقيقة إنكار السنة لم تنحصر في المعتزلة والمستشرقين فحسب، بل كانت عقيدة راسخة في أذهان الخوارج، فهذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول عن موقف الخوارج من السنة: "وأصل مذهبهم تعظيم القرآن وطلب اتّباعه، حتى خرجوا عن السنة والجماعة، فهم لا يرون اتّباع السنة التي يظنون أنها تخالف القرآن كالرجم ونصاب السرقة وغير ذلك، فضلوا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بما أنزل الله عليه، والله قد أنزل عليه الكتاب والحكمة"(1).
3 – الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
العقلانيون المعاصرون هم الطائفة التي ظهرت في مصر في العصر الحديث، وتدعو إلى وضع الشريعة في ميزان العقل، فما وافق منها العقل يؤخذ به، وما خالفه يرفض ويترك.
__________
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/208.(4/74)
والمنهج الذي يدعون إليه منهج قديم وحديث، يتفق مع المعتزلة قديمًا ومع المستشرقين حديثًا في تفضيل العقل على النقل، ولا يخفى خطورة ما يدعون إليه من هدم لأركان الدين ودعائمه الأساسية، ما دام الميزان هو العقل، والعقل ليس له تصور واضح، ومقياس ثابت، فالعقول تختلف من شخص إلى آخر، ما يراه أحدهم صحيحًا ربما يكون غير صحيح عند الآخر، فهذا الميزان مختل ومرفوض، ولكن هذه المدرسة تأثرت كثيرًا بالمدارس الاستشراقية في أخذ أحكام الدين عن طريق العقل لا النقل، ولاسيما أن رجالاتها اختلطوا كثيرا بالغربيين وانبهروا بفكرهم وحضارتهم المادية، فحاولوا أن يوفقوا بين الإسلام والغرب، فخرجوا بهذه القواعد المنحرفة والخطيرة.
ونستطيع القول وبشكل قطعي أن هؤلاء القوم يحملون معظم أفكار المستشرقين وآرائهم إلا أنهم ينتسبون إلى العروبة والبلاد العربية، والدليل على ذلك شبهاتهم الكثيرة حول السنة النبوية ونقدهم لكثير من الأحاديث، وفيما يلي بعض أقوال دعاة هذه المدرسة:
أ – يقول أحمد أمين وهو ينتمي إلى هذه المدرسة: "إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلت أنا في "فجر الإسلام وضحى الإسلام"(1).
ب - يقول محمود أبو رية: "كان الأستاذ والإمام محمد عبده لا يأخذ بحديث الآحاد مهما بلغت درجته من الصحة في نظر المحدثين، إذا ما خالف العقل أو القرآن أو العلم"(2).
ويقول محمد رشيد رضا: أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمنًا لا يتوقف شيء منها على أحاديث الآحاد(3).
__________
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص238.
(2) أضواء على السنة النبوية، محمود أبو رية، ص259.
(3) مجلة المنار، مج19، ص29.(4/75)
ج - يقول أحمد أمين: "وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد ليس هنا محل ذكرها ولكنهم - والحق يقال - عنوا بنقد الإسناد أكثر مما عنوا بنقد المتن"(1).
وغيرها كثير من الشبهات التي أثارها المستشرقون عن السنة النبوية روَّجها هؤلاء القوم، إرضاء للغربيين وإظهارًا لهم بأن هذا الدين مبني على العقل مثلما أنتم تدعون إليه.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأصلي وأسلم على خير البريات وعلى آله وأصحابه وزوجاته الطاهرات والتابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسموات، وبعد؛ فقد كانت تلك دراسة موجزة عن الاستشراق وموقفه من السنة النبوية، مع بيان لتاريخ نشأته وتطوره، وذكر لبعض أهدافه، ولم تبحث هذه الدراسة إلا في جوانب محددة من شبهات هؤلاء القوم، لأن كتاباتهم ومجلاتهم وندواتهم كثيرة لا يتسع لها هذا المقام، فدراساتهم لم تتوقف عند حد معين من النقد والقدح، وإنما يشككون في كل شيء من هذا الدين، ودراسة الاستشراق والمستشرقين وموقفهم من السنة وحدها، تحتاج إلى تصنيف طويل وموسوعة مطولة، إلا أننا اكتفينا بذكر بعض أقوالهم ومناقشتها في ضوء الأدلة القطعية والحقائق التاريخية.
ولا شك أن الاستشراق مدرسة خطيرة من مدارس الاستعمار وحركات التنصير، فهو يشكل معهما مثلثًا خطيرًا يهدد العالم الإسلامي في عقيدته وأخلاقه واقتصاده ومجتمعه، وهذا يستدعي من الأمة الانتباه والصحوة، وأن تعد العدة في كل لحظة لمواجهة أي عدوان فكري مرتقب، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والمعرفة، والاطلاع على ثقافة العدو وكشف زيفها أمام العالم، وهتك الستار الكاذب الذي يتزين به.
ولا بد من إرشاد أبناء الأمة من الطلبة والجامعيين والعاملين في كل المؤسسات العلمية والثقافية إلى حقيقة دعاوى هؤلاء القوم، وتوضيح أهدافهم في المنطقة الإسلامية، والجهات التي تدعمهم حتى يكونوا على حذر تام من تلوثهم الفكري وشبهاتهم الباطلة.
__________
(1) فجر الإسلام، ص217.(4/76)
وبعد: فأود هنا أن أوصي بما يلي:
1 – أن تحرص الجامعات في البلاد الإسلامية وبخاصة في أقسام السنة النبوية على تجلية هذه المذاهب ودراسة الشبه ودحضها.
2 – أن يقوم المختصون في السنة النبوية بدراسة هذه الأفكار دراسات منهجية ومتتابعة.
3 – أن تحرص المراكز العلمية على ترجمة ما يذكره المستشرقون قديمًا وحديثًا والتنبه له مبكرًا.
4 – أن ينبرى المختصون لربط الشبه الموجهة إلى السنة النبوية مهما كان مصدرها، وحصرها.
5 – أن يقوم المختصون بمتابعة ما يجد في تخصصاتهم حول السنة النبوية ونشرها والدفاع عنها بمختلف الوسائل الممكنة.
6 – مواصلة هذه الندوة كل سنتين وحصرها في موضوع واحد ليتم تفصيله.
7 – أوصي هذه الندوة المباركة بتكليف لجنة من المختصين بمواصلة دراسة هذا الأمر ليكون نواة لمركز موسع متخصص لدراسة الاستشراق والمستشرقين.
والله الموفق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع والمصادر
القرآن الكريم.
أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير – الاستشراق – الاستعمار: دراسة وتحليل وتوجيه، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، ط7، دار القلم، دمشق 1414هـ، 1994م.
"الاستشراق". د. مازن مطبقاني على موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق http://medinacenter.org
الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، قاسم السامرائي، منشورات دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع، ط1، 1403هـ، 1983م.
الاستشراق في الميزان، منذر معاليقي، المكتب الإسلامي، ط1، 1418هـ، 1997م.
الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي: دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس، مازن بن صلاح مطبقاني، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض 1416هـ، 1995م.
الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، محمود حمدي زقزوق، ط2، دار المنار، القاهرة 1409هـ، 1989م.(4/77)
الاستشراق والمستشرقون "ما لهم وما عليهم"، مصطفى السباعي، دار الوراق للنشر والتوزيع، ط1، الرياض 1420هـ، 1999م.
الإسلام والمستشرقون، نخبة من العلماء المسلمين، ط1، مطبعة عالم المعرفة للنشر والتوزيع، جدة 1405هـ، 1985م.
افتراءات المستشرق كارل بروكلمان على السيرة النبوية، غثيان علي جريس، من إصدارات نادي أبها الأدبي.
اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندًا ومتنًا ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم، محمد لقمان السلفي، ط1، 1408هـ، 1987م.
تدريب الراوي شرح تقريب النووي للسيوطي، ط1، مصر.
تعدد الزوجات إعجاز تشريعي يوقف المد الإسلامي، محمد بن محمد شتا أبو سعيد.
جهود المحدثين في نقد متن الحديث، محمد طاهر الجوابي، تونس، بدون تاريخ.
حضارة الغرب، غوستاف لوبون، نقله إلى العربية عادل زعيتر، ط3، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان 1399هـ، 1979م.
دراسات في الاستشراق ورد شبه المستشرقين حول الإسلام، علي علي شاهين، ط1، دار الطباعة المحمدية، القاهرة 1412هـ.
رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد عبدالحميد غراب، مؤسسة دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام، الرياض 1408هـ، 1988م.
زوجات النبي الطاهرات وحكمة تعددهن، محمد محمود الصواف، دار الاعتصام.
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ط4، المكتب الإسلامي، 1405هـ، 1985م.
سنن ابن ماجه، إشراف صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
سنن الترمذي، إشراف صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
السيرة النبوية لابن هشام. علّق عليها وخرج أحاديثها وصنع فهارسها عمر عبدالسلام تدمري، ط1، دار الرياض للتراث، القاهرة 1408هـ، 1987م.
صحيح البخاري، إشراف صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
صحيح مسلم، إشراف صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.(4/78)
العقد الفريد، شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي، تقديم خليل شرف الدين، ج1، مكتبة المعارف، الرياض.
العقيدة والشريعة في الإسلام: تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الديانة الإسلامية، أجناس جولد تسيهر؛ نقله إلى العربية وعلق عليه: محمد يوسف موسى، عبدالعزيز عبدالحق، علي حسن عبدالقادر، دار الرائد العربي، بيروت – لبنان.
الغزو الفكري في العالم العربي، عبدالله عبدالجبار، المملكة العربية السعودية، وزارة المعارف، المكتبات المدرسية، المكتبة الصغيرة 12، ط1، 1394هـ، 1974م.
الفرق بين الفرق، عبدالقاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
قضايا إسلامية معاصرة: أهداف التغريب في العالم الإسلامي، أنور الجندي، تصدرها الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف.
المستشرق شاخت والسنة النبوية، محمد مصطفى الأعظمي، ضمن مجموعة بحوث عنون لها: منهاج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، ج1، المنظمة العربية للتربية ومكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1405هـ.
المستشرقون والأحاديث النبوية، محمد بهاء الدين، ط1، دار النفائس، عمان 1420هـ.
المستشرقون ومصادر التشريع الإسلامي، عجيل جاسم النشمي، ط1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1404هـ، 1984م.
المستشرقون ومن تابعهم وموقفهم من ثبات الشريعة وشمولها: دراسة وتطبيقًا، عابد بن محمد السفياني، مكتبة المنار، مكة المكرمة، ط1، 1408هـ، 1988م.
مسند أبي داود. إشراف صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
منهج النقد في علوم الحديث، نورالدين عتر، ط3، دار الفكر، دمشق1401هـ، 1981م.
الموطأ للإمام مالك، حققه وعلق عليه د. بشار عواد معروف، خليل محمد خليل، ط1، مؤسسة الرسالة، 1412هـ، 1991م.
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، الأمين الصادق الأمين، ط1، مكتبة الرشد، الرياض 1418هـ.(4/79)
الوضع في الحديث، عمر بن حسن فلاتة، مؤسسة مناهل العرفان ببيروت، مكتبة الغزالي بدمشق، 1401هـ، 1981م.
فهرس المحتويات
المقدمة…1
منهج البحث…3
مفهوم الاستشراق…6
تاريخ الاستشراق وتطوره…10
دوافع الاستشراق…14
1 – الدافع الديني:…14
2 – الدافع الاستعماري:…15
3 – الدافع السياسي:…17
4 – الدافع الاقتصادي:…18
5 – الدافع العلمي:…19
شبهات الاستشراق حول السنة النبوية…21
أولاً: السنة في مفهوم المستشرقين…22
فالسنة في اللغة:.…23
أما السنة اصطلاحًا:…24
1 – السنة عند المحدثين:…24
2 – السنة عند علماء أصول الفقه،.…25
3 – السنة عند الفقهاء:…25
4 – السنة عند علماء العقيدة:…25
ثانيًا: الطعن في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -…27
ثالثًا: الطعن في شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم -…32
أ – زعمهم انشغاله - صلى الله عليه وسلم - بالنساء…32
ب – زعمهم اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - بالغنائم والسلب…44
رابعا- الطعن في الأحاديث النبوية سندًا ومتنًا…48
أ – زعمهم أن الحديث مزيج من عقائد الأديان السابقة وأفكارها من اليهودية والنصرانية.…48
ب – الطعن في رواة الحديث…51
ج – زعمهم التعارض في الأحاديث…57
د – زعمهم أن الأحاديث النبوية هي نتيجة التطور الديني…59
ه – الطعن في منهج المحدثين في النقد…61
و- من أهم عوامل حفظ الصحابة للحديث…75
علاقة المستشرقين بالمذاهب والفرق القديمة والحديثة…82
1 – الاستشراق والمعتزلة…82
2 - الاستشراق والقرآنيون…84
3 – الاستشراق والعقلانيون المعاصرون…91
الخاتمة…93
المراجع والمصادر…95
فهرس المحتويات…99(4/80)
الاهتمامُ
بالسّنّة النّبويّة بِلُغة الهوسَا
عرضٌ وتحليلٌ
محمد ثاني عمر موسى
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
(1)
بيانٌ موجَز لدخول الإسلام بلادَ الهوسا وأثرُه فيهم
ذهب أكثر الباحثين إلى أنّ الإسلامَ دخل بلاد الهوسا في الفترة بين القرن الحادي عشر والرّابع عشر الميلاديين، وذلك لأنّ ملك كَانِم برنو(1): هَمّي جَلْمي (1085- 1097م) اعتنق الإسلامَ فأسلمت على يده مملكتُه كلّها، وصار الإسلام فيها بعد ذلك منتشراً في سلاطينهم وعامّتهم، بل ليس في هذه البلاد عامّة معتنون بقراءة القرآن وتجويدِه وحِفْظه وكتابَتِه أكثر منهم(2). وقد أسلم أمير كانو: عَلِي ياجي (1349-1385م) وانتشر الإسلام في عهده. وَفرّق الأستاذ الدكتور شيخو أحمد غلادنثي ما بَين دخول الإسلام إلى الدولة وانتشارِه عن طريقها، - فيكون الأمر كما ذكر المؤرِّخون -، وبين دخول الإسلام إلى أفراد الشّعب وانتشاره بينهم بالطّرق السِّلْمِيّة عن طريق التّجارة وغيرها، وحينئذ فدخول الإسلام إلى المنطقة أقدمُ بكثير مما ذكر المؤرِّخون(3)، ومما استُشْهد به على ذلك قولُ المؤرِّخ الشيخ محمّد بللو: (( إنّ الإسلام في هذه البلاد إنّما ورد به التّجار والمسافِرون فأخذه مَن أَخَذه عَنْهم ))(4).
__________
(1) تقع الآن في نيجيريا.
(2) إنفاق الميسور )) لمحمد بللو (ص9).
(3) انظر: (( حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا )) للدكتور شيخو غلادنثي (27- 30).
(4) إنفاق الميسور )) لمحمد بللو (ص10) , وانظر: (( حركة اللغة العربية )) (ص33).(5/1)
بيد أنّ غَالِب من اعتنق الإسلام في أوّل الأمر لم يدركوا جَيّدا الحقائقَ الإسلاميّة، فاستمرّوا على ما يُشبِه جاهليَّتَهم، مع تَأْدِيتِهم بعضَ شعائر الإسلام كالصّلاة والصّوم، ولكن ذلك لم يمنعهم من التّعلق بغير الله، والذّبح للجنّ والأشجار، وإتيان الكَهنة والسَّحرة، والتّطيّر، وإدمانِ الخمر، وتبرّج النّساء، وغير ذلك، ومما زاد الطِّينَ بِلّةً أنّ أكثر السّلاطين الذين ادّعوا الإسلام لَم يؤمنوا به حقّ الإيمان، وإنما أرادوا استغلالَه لمصالحهم؛ لَمّا رأوا إقبالَ النّاس على ذلك الدين الجديد. وكان العلماء أيضاً في أول العهد قلّة، ولم يكن لدى التّجار الذين هم سببُ انتشار الإسلام الكَفَاءةُ العِلمِيَّة الّتي تُؤَهِّلُهم لشرح المعاني الدّقيقة والقواعد الأساسية للإسلام، ويُضاف إلى ذلك كثرةُ ترحال التّجار وعدم استقرارهم في محل واحد؛ مما جعل إمكانية التّعليم الجاد المستمرّ أمراً عسيراً، لكن الأمر تحسّن مع مرور الوقت، لما بدأ العلماء يَفدون إلى هذه البلاد من المغرب العربي ومصر، ولعلّ من أشهر من وفد إليها من العُلماء الإمام السّيوطي -رحمه الله- (ت911هـ)، والشّيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني (ت919هـ). فانكبّ جمعٌ من النّاس على طلب العلم، ونشأ العديدُ من المدارس والمراكز العِلمِيَّة.
ثم إنّ الأمر قبل ظهور دولة الشّيخ عثمان بن فودي (خلافة صكتو) قد أخذ في التّردي والانحطاط، حَتّى كادت آثارُ الإسلام تُمْحى؛ إذْ أكبّ كثيرٌ من النّاس على عبادة الأحجار والأشجار والأنهار يَرجُونها لجلب الخير
ودفع الشَّرّ، وانتشرت البدَعُ، وفَشَتِ المنكراتُ والتّقاليد الجاهليّة بصورةٍ مُزْرِيَةٍ جداًّ.(5/2)
فشاء الله أن تهبّ رياحُ خيرٍ على المنطقة في أوائل القرن الحادي عشر الهجري، إذ ظَهر نخبةٌ من العلماء، منهم: الشّيخ محمد سمبو بن عبد الله، وكان عالماً تقياً، رَحل إلى الحرمَيْن وأقام فيهما بِضع عشرة حِجَّة، ومنهم الشّيخ محمّد بن الرّاجي، أخذ (صحيح البخاري) وكتبَ السُّنَّة عن علماء الحجاز، وله إجازة إلى البخاري من شَيخه أبي الحسن السِّندي عن محمّد بن حياة السِّندي. ومنهم: الشّيخ جبريل بن عمر، الذي كان عالماً ربّانياً، شديدَ التّمسك بالسُّنَّة، وصار الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر دَيْدَنَه، ولم يَكن يَخافُ في ذلك لومَةَ لائمٍ، فقام بمحاربة البِدع والعادات الجاهليّة، فأخذ ذلك عنه تلميذُه الشّيخ عثمان بن محمّد بن صالح بن فودي الّذي سَاءَه ما آلت إليه أحوالُ البلاد من قلّةِ العلْمِ وانتشار البِدَع والخرافَات وظُلْمِ الأمراء وغير ذلك، فأخذ يَقتفي أثرَ شيخه (جبريل بن عمر) فَجال المدُنَ والقُرى يدعو النّاس ويعلمّهم دينَهم، فدعا إلى إحياء السُّنَّة وطرح مَا يخالفها، وقد وقف ـ رحمه الله ـ أمام سَلاطين الهوسا وَأنكر عليهم انحرافَهم عن الدِّين وظُلْمَهم الرَّعِيَّةَ وحملَهم إيّاهم على أحكامٍ جاهليَّةٍ وتقاليدَ موروثَةٍ، فقابلوا دعوتَه بالرَّفض والاضطهاد له - وأمّا عامة الشّعب فقد التفوا حول الشّيخ منذ البداية، وَقَبِلوا دَعْوَتَه وأخذوها بقوّة - وكان أشدّ الأمراء عداوةً لدعوة الشّيخ سلطان غُوبر الذي يُدعى (يُنفَى)، فدارت مناوشاتٌ وحروبٌ انتهت إلى النّصر المبين لجماعة الشّيخ. وأخذت إماراتُ الهوسا تَسقط شيئاً فشيئاً، إلى أن أقام الشّيخ عثمان عام: 1812م دولةً إسلاميّة قويّةً هي الوحيدة على نمطها في القارة الإفريقيّة، فدخلت في طاعتها كلّ إماراتِ الهوسا وبعضُ مملكة برنو وإقليمِ أَدَمَاوَا.(5/3)
وقد أخذتْ هذه الدّولة على عَاتقها تطبيقَ الشّريعة، ونشر الإسلام وثقافته واللّغة العربيّة في المنطقة بصورةٍ مُتميِّزة، بل إنّها صَيّرت العربية لغة البلاد الرّسميّة، وقامت بتشجيع العُلماء على الدّعوة والتّدريس والوعظ، فانتشر لذلك الإسلام بين جميع رَعَايَاها حتى لم يبق منهم على الوثنيّة إلاّ قلّة، واستمرّت على المنهج الإسلامي - وإن وجدت بعضُ الانحرافات عن المنهج الأمثل لدى بعض أُمرائها، ولكن قواعد الدّولة ظلّت على أساس الشّريعة الإسلاميّة - إلى أن سيطر الإنجليز عليها عام 1903م.
ومن الجدير بالذّكر أنّ قبائل الهوسا يتمركزون بِصِفَةٍ أساسيّة في الإقليم الشّمالي للبلاد، وكذلك في الْبُلدان المجاوِرة مثل: النّيجر والكامرون، وشمالي التُوجو وبنين وغَاَنا، ويبلغ نِسبتُها من عدد السّكان – بما فيها قبائل الفولاّني - حوالي: 33 ? يمثِّل المسلمون منهم أكثرَ من 97 ?، ونسبةُ التدين فيهم عالية بسبب الحركة التجديديّة للشيخ عثمان بن فودي، ومع ذلك فلا يَزال الجهلُ بالدّين وبعضُ العادات والتّقاليد الخاطئة مشوِّهَاتٍ ضخمة لروح التّدين لديهم. وقد امتزج الهوساويون بقبائل الفولاّني، ونتيجةً لشدة التّمازج الحاصل بين هاتين المجموعتين فإنّ أكثر من 70 ? من الفولانيين الّذين يعيشون في المدن لا يعرفون لغتهم الأصليّة، ويستخدمون في تخاطبهم لغة الهوسا بَدلاً عنها، فأصبحوا يؤلفون مجموعةً عرقيةً واحدة يُطلق عليها اسم: (هوسا-فولاني).
(2)
لَمْحَةٌ عن مَكَانة السُّنَّة النَّبويَّة في التّشريع الإسلاميّ
للسّنة النَّبويَّة مكانةٌ عظيمةٌ ومنزلة عاليةٌ رفيعةٌ في التّشريع الإسلامي، فهي المبيِّنةُ للقرآن الكرِيم، والمفسِّرةُ لمجمَلِه، والمخصِّصَة لعامِّه، والمقيّدة لمطلَقِه، والشّارحةُ لمبهَمِه، ولذلك أوجب الله تعالى على المسلمين النّزولَ عند(5/4)
حكمِه - صلى الله عليه وسلم - في كلّ خلافٍ فقال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النساء: 65].
وجعل طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاعة لله، فقال عز من قائل: ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء: 80]. وحذّر من مَغَبّة مُخالَفة أمره - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النور: 63].
والآيات في وجوب اتباع سنّته - صلى الله عليه وسلم - والنّهي عن مخالفته - صلى الله عليه وسلم - كثيرةٌ جدًّا.
وقد أكد رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى في أحاديثَ كثيرةٍ تكفي في الدّلالة على أنّ السُّنَّة تَوْءَمُ الكِتاب، وقرينةُ التنزيل؛ منها ما رواه الإمام أحمد(1) وأبو داود(2) - واللفظ له- بسندٍ صحيحٍ عن المقدام بن مَعدي كرب أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ألا إنّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَه مَعه )). وهذه المثليّة شاملةٌ لمعنى الوَحْي، ومَعْنى الاستقلاليَّة في التّشريع، فهو وحيٌ كالتنزيل، وشريعةٌ يتحتَّم على المسلم الإيمانُ بها، والتَّسليمُ لقضائها دون شعورٍ بأدنى حرجٍ من ذلك أو ضيقٍ، وأنّ على المسلم الأخذَ بها ومَن ادَّعَى الاستغناءَ بالقرآن عَنها فقد خاَلف الصِّراط المستقيم الّذي دلّت عليه آياتُ التنزيل وبَيَّنَه النّبي - صلى الله عليه وسلم - أوضحَ بيانٍ، وسار عليه الصّحابة وأئمّة الهدى من بعدهم رضي الله عنهم أجمعين.
الفصل الأوّل: الاهتمام بتدريس السُّنَّة بلغَةِ الْهوسا
تدريس السُّنَّة بلغة الهوسا في الحلقات العِلمِيَّة والدّروس العامّة
__________
(1) مسند الإمام أحمد )) (4/130).
(2) سنن أبي داود )) (4/200/رقم4604).(5/5)
إنّ اهتمامَ المسلمين بالسُّنَّة قديماً وحديثاً راجعٌ إلى درايتهم بمكانتها في التّشريع الإسلاميّ، وعلمهم بمنزلتها من الوحي الإلهيّ، ومن صُوَر اهتمام المسلمين من قبائل الهوسا بالسُّنَّة النَّبويَّة اهتمامُهم بِنَقْلها وتدريسها للأفراد والعامّة، عبر قناةِ لغة الهوسا، ففي حَلقات العلم لَديهم تجد أنّ مِن بين الكتب التي يدرِّسها الشّيخ تلاميذَه كُتُباً في السُّنَّة النَّبويَّة، مستخدِماً في تدريسها لغةَ الهوسا، يَشرح لهم معاني الأحاديث المقروءة عليه؛ بالاختصار تارةً، وبالبسط تارةً أخرى حسب ما للشّيخ من إلمامٍ بموضوع تلك الأحاديث، وعلى قدر ما يملك من المادّة العِلمِيَّة وما يَستظهر من سائر فُنون العلم والمعرفة، وهو في غالب الأحيان إنّما يؤدّي ما تلّقاه هو أيضًا من شيخه الّذي تلقى عنه العلم، فتجد حتى مفرداتِ التّرجمة تَكاد تكون واحدةً لا تتبدّل، وَصِيغ الجمَل لا تتغيّر؛ إذ ترجمة تلك الكتب عندهم أمر يُتلقّى شفهياًّ، ولَيست عن اجتهادِ مجتَهدٍ، وقد يعتذر الشّيخ بعدم تدريس كتابٍ مّا؛ لأنه لم يتلقَّه من شيخه في أثناء طلبه للعلم. وهذا قد ساعد على توحّد الترجمات الشفهيّة للأحاديث النَّبويَّة في المجتمعات الهوساويّة على نحو كبيرٍ من جهة، ومن جهة أخرى ساعد هذا التّقليد على ذيوع أخطاء مُعيّنة في ترجمة بعض الأحاديث، مثال ذلك حديث (( إذا مات الإنسان انقطع عَمَلُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية.... )) الحديث. فقد كانت من عادة بعض العلماء سابقاً أن يترجموا عبارةَ (صدقة جارية) إلى لغة الهوسا بما معناه: (صدقة فَتَاةٍ) أي أنّه بإمكان الأب أو ولي البنت أن يُنكح ابنتَه أو مَوليَّته إلى من يراه كفئاً لها دون أن يتقاضى منه مهراً، بل يتصدّق بإنكاحها إيّاه، وهذا ذَهَابٌ منهم إلى أنّ المراد بالجارية في الحديث (الْفَتاة) وأنّ الجملةَ إضافيةٌ؛ فيقرؤونها (صَدَقَةُ جَارِيَةٍ) بدلا من أن تكون كلمةُ (جارية) نعتاً(5/6)
لكلمة (صدقة) وهي مؤنّث وصف (الجاري) من فعل (جَرى يجري) أي (صَدَقَةٌ مستمرَّة غير منقطعة) كَحَفْر الآبار وبناءِ الأوقاف وغيرها.
وهذا من الأمور الّتي قام الشّيخ أبو بكر محمود جومي ـ رحمه الله ـ بتصحيح مفاهيم المسلمين فيها، وبين لهم المراد من هذا الحديث، وأخبرهم بما ينبغي فعله لمن أراد أن يُحسن إلى شخصٍ بتزويج موليته إيّاه لما رأى فيه من صفات محمودةٍ ، وآثار حَسنة تجعل مصاهرتَه أمراً مرغوباً فيه للنّفس، بأن يقوم الأب أو الولي بالتّبرع بمهر موليّته إلى من يريده زوجاً لها، ويقوم الأخير بدفع المهر إلى البنت، فتتمّ بذلك أركان النكاح المطلوبة شرعاً لصحته. وبذلك استطاع الشّيخ القضاءَ على هذه الظاهرة(1).
وثمة كتب حديثيّة يتمّ الاعتناء بها غالباً في الحلقات العِلمِيَّة والدّروس العامّة.
أوّلا: الحلقات العِلمِيَّة
ففي الحلقات العِلمِيَّة، هناك صنفان من الكتب:
الصّنف الأوّل: ما كان معروفاً بين علماء بلاد الهوسا:
ومن نماذج هذا الصّنف:
1- الكتب الستة:
__________
(1) انظر: (( البحث عن أعمال الشيخ أبي بكر محمود جومي )) (ص58-59).(5/7)
وهي (صحيح البخاري وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن التّرمذي، وسنن النّسائي، وسنن ابن ماجه) وهي الكتب الّتي اشتملت على أغلب الأحاديث الّتي عليها مدار أحكام الشّريعة الإسلاميّة. وقد اعتنى بها غير واحد من علماء الهوسا، تعلّما وتعليما، فمن هؤلاء: الشّيخ (مَالَمْ) سابو زَاغي رحمه الله، وكان يقال: إنّه كان يحفظ هذه الكتب عن ظهر قلبٍ ويصحّح قراءةَ تلاميذه من حفظه، وكان يدرسها في حلقاته العلميّة بلغة الهوسا، وقد خلفه ابنه في حلقته. والشّيخ مَالَمْ غَدُو دَمَاسُو رحمه الله، وكان يسكن حيّ مَرْمَرَا بمدينة كانو. والشّيخ مَالَمْ حُسَيْن كَبَرا رحمه الله، ويقال أيضا: إنه ممن يحفظها. واشتهر بتدريسها بلغة الهوسا. والشّيخ أحمد مَطَاتي، والشّيخ مَا لَمْ مصطفى مجتبى رحمه الله وكان قد سَكَن ولاية كانو ثُمّ انتقل إلى ولاية كادونا في عهد أمير كانو عَبّاس، من عام 1922م إلى عام 1927م. وكان يُمدح بأنّه (الجامع بين الحديث والقراءة، والإمارة والجاه). ومنهم: الشّيخ مَالَمْ مِجِنْ يَوا رحمه الله وحلقته في حي (بَقِنْ رُوَا) بمدينة كانو، والشّيخ مَالَمْ عَلِيّ محمّد كماسي رحمه الله (ت1986م)، والشّيخ مَالَمْ نُوح وله حلقة علميّة في حي (سَانِي مَيْ نَغِّي) كانو - وقد اشتهر بتدريس (الصّحيحين) وغيرهما، وما زالت حلقته إلى اليوم.
2- كتاب الموطأ، للإمام مالك:(5/8)
ولأهميته عند علماء المالكية، اهتم به علماء بلاد الهوسا لكونهم على المذهب نفسه، فكان من الكتب الحديثيّة الّتي اعتنوا بتدريسها لتلاميذهم ونَقلها إليهم بلغة الهوسا، وممن اشتهر بتدريس (الموطأ) في حلقته العلميّة: الشّيخ مَالَمْ يَحيى الضّرير رحمه الله، وقد عاش في حي (يَن تَمْبَرِي) بمدينة كانو، وتوفِّي قبل ثلاثين عاما تقريباً، وكان له إجازةٌ بهذا الكتاب، ومنهم: مَالَمْ الشّيخ نوح في حي (سَاني مَيْ نَغِّي) بمدينة كانو، ولا زال حياّ إلى وقت كتابة هذه العجالة، والشّيخ طاهر عثمان بوشي، أحد أقطاب الصوفيّة، وكان يدرّس كتاب (الموطأ) ويُبَثّ في إذاعة كادونا الفيدرالية، وكان هدفُه من تدريس هذا الكتاب معارضةَ دروس الشّيخ الدّاعية المصلِح: أبي بكر محمود جومي ـ رحمه الله ـ كدرسه في (صحيح البخاري) كما سيأتي الحديث عنه.
3- كتاب (الأربعون حديثاً النّووية):
وهي مجموعَةُ أربعين حديثاً من تأليف الإمام يحيى بن شرف الدّين النّووي (ت676هـ) في جزءٍ صغيرٍ، بحذفِ أسانيدها والاكتفاء بصحابِيّ الحديث، والإحالةِ على مخرِّجِيها من أصحاب الكُتب الحديثيّة المسندَة كصاحبي الصَّحيحَيْن، وأصحاب السّنن الأربعة. وهي أحاديث أصول تدور عليها غالب الأحكام والمسائل الشرعِيّة.
وقد درج العلماءُ في بلاد الهوسا على عَدِّ هذا الكتاب أوَّلَ كتابٍ يدرسه التِّلميذ على شيخه في الحديث، ويَفْقه معانيَه بلغة الهوسا، لأهميَّته تلك، وكثيرٌ من العلماء لا يَسمح للتلميذ أن يَتلقّى دروساً في الحديث قبل أن يَفْقه في بعض كتب الفُروع الفقهيَّة مثل كتاب الأخضري في الفقه المالكي، وكتاب العزية في الفقه المالكي أيضا؛ إذْ يعتقدون أنّ الأحاديث النَّبويَّة لا يمكن لأحد فَهْمُها ما لَم يَقْوَ عَضُدُه في بعض العلوم الشَّرعيّة وبخاصّةٍ ما يتعلَّق بالفقه المالكيّ.(5/9)
ويدرس التِّلميذ هذا الكتابَ بقراءته على شيخه حديثاً منه في كلّ مجلس، والشّيخ يترجمه له جُمْلةً بعد أخرى، ويقفُ الشّيخ وقفاتٍ فيما يراه بحاجةٍ إلى الشّرح والتّوضيح. وفي الغالب لا يتجاوز التِّلميذُ حديثاً واحدا في كل جلسة، بل قد يقطِّعُ بعضَ الأحاديث الطِّوَال، ويَتلقَّاها في عِدَّة مجالس؛ كحديث جبريل في السُّؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان ونحوه. ويستمرّ التّلميذُ في تلقِّي ترجمةِ هذا الكتاب إلى لغة الهوسا عند شيخه حتى النِّهاية.
4- كتاب (لباب الحديث)، للسّيوطي:
من الكتب الحديثيَّة الّتي تُدرس في الحلقات العلميَّة أيضاً كتابُ (لباب الحديث) للسيّوطي، وهو عبارةٌ عن مجموعةِ أحاديثَ ضعيفةٍ وموضوعةٍ جمعها الحافظ أبو بكر السّيوطي ـ رحمه الله ـ بحجّة أنّ الضَّعيفَ يُعمل به في الفضائل والتّرغيب والتّرهيب، لكنّه في هذا الكتاب لم يَسْتوفِ الشّروطَ الّتي وَضعها من يَرى هذا الرّأي من العلماء، فَحَشر فيه أحاديثَ كثيرةً أغلبُها ضعيفٌ جداًّ وموضوعٌ، وهي بلا شكّ خارجةٌ عن محلِّ الجواز عند من يَقول بِه من العُلماء.
ومن عجيب المفارقَات أنّ التّلميذ لا يَنحدر إلى هذا الكِتاب حَتىّ ينتهي من كتاب (الأربعين النّووية) الّذي جمع أصولَ الإسلام، وأهمَّ جُمَلِه، والحالُ أنّه من الأولى أن يَرتَقي التّلميذ ويَعلو إلى كتابٍِ أرفعَ من هذا من حيث الأصالةُ والصِّحةُ، والتَّوسّعُ، لكنّه بدلاً من ذلك يَتردَّى إلى كتابٍ يحوي كثيراً من الأباطيل والأكاذيب. وعُذْر العلماء في ذلك الحين عَدمُ تمكّنهم من المعارف الحديثيّة، وقلَّةُ بضاعتهم في تمييز الصّحيح من السّقيم، والثّابت من الموضوع.
5- كتاب (مختار الأحاديث النَّبويَّة) للهاشمي:(5/10)
كما يَندرج أيضا في قائمة الكُتب التي تُتدارس في الحلقات العِلمِيَّة كتابُ (مختارالأحاديث النَّبويَّة) وهو كتابٌ جَمَعه الأستاذُ السّيد أحمد الهاشمي وَهُو عبارة عن قِصار الأحاديث اختارها من كتاب (الجامع الصغير) للسيوطي وحَذَف حَتّى صحابِيّ الحديث في الغالب، ورتّبها على حروف المعجم، وفيه من الأحاديث الضعيفةٍ والموضوعةٍ شيءٌ كثير، وجامعُها في علمِ الحديث جِدُّ فَقير. وهذا الكتاب أيضاً مِمّا يُترجم لطلاب العلم في الحلقات العِلمِيَّة إلى لغة الهوسا.
الصّنف الثّاني: الْكُتب الّتي رافقت الصّحوةَ الإسلاميّة
ولما بدأ علمُ الحديث يَنتشر في المجتمع الهوساوي في الآونة الأخيرة عن طريق الطّلاب الّذين دَرَسوا في البلاد العربيّة، وفي طليعتها المملكةُ العربيّة السّعوديّة، ونَهلوا من علم السُّنَّة النّبويّة ما لم يكن لأسلافهم من قَبلُ بَدأت بعضُ الكتب الحديثية المهمّة تُدَرّس في الحلقات العِلمِيَّة، من ذلك:
1- كتاب بلوغ المرام من أدلّة الأحكام:
وهو كتابٌ وَضَعه الحافظُ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) مشتملاً على أحاديثِ الأحكام، مُبيِّناً مؤلفُه الصّحيح والسّقيم، مرَتِّباً إيّاه على أبواب الفقه، شاملاً لغالب أدلّة المذاهب الفقهّية الأربعة وغيرها.
وبِداية إدخال تدريس هذا الكتاب في الحلقات العلمية تَعود إلى أوائل الثمانينيات على أيدي الجماعات المنتسبة إلى أهل السُّنَّة والجماعة، ثُمّ عمّ ذلك جميعَ التّيارات في البلاد؛ الصوفيّة وغيرهم.(5/11)
والجدير بالذّكر أنّ هذا الكتاب يعد من الكتب الّتي نَقلت إلى المجتمع الهوساوي وإلى لغة الهوسا ذاتِها مصطلحاتٍ علميّةً جديدةً لم يَكن النّاس قد أَلِفُوا سَماعها من قبل، وذلك: أنّ الحافظ ابنَ حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ كان يَحكم على الأحاديثِ الّتي يَسوقها في هذا الكتاب ولا سيّما الّتي لم تَكن في الصّحيحين بما يُناسب حالها صحَّةً وضعفاً، وكان يَستخدم مصطلحاتِ أصولِ الحديث في بيانه ذلك، من قبيل مصطلح (المرسل) و(المنكر) و(الشّاذ) و(المعلول) و(الحَسَن) و(الصّحيح) وهَلُمَّ جراًّ، وهي كُلُّها مصطلحات تنتمي إلى علم (أصول الحديث) أو ما بات يُعرف بـ (مصطلح الحديث) وهو علمٌ رَغم كونِ بعض علماء بلادِ الهوسا(1) قد كَتبوا فيه، إلا أن مبادئه الأساسيّة ظلّت مجهولةً في الأوساط العلميّة في تلك البلاد، ولمَ يُولِ العلماءُ عنايتهم بتعلّمه أو تعليمه، فصارت بذلك تلك المصطلحات غائبةً عن ذلك المجتمع تماماً، لا يَعرفها كثير من المنتمين للعلم ناهيك عن عَوام النّاس. فلمّا بدأت الحلقاتُ العِلمِيَّة بتدريس هذا الكتاب وَنَقْلِ مُحتوياته إلى لغة الهوسا هنا صَادف كثيرٌ من العلماء وطلاّب العلم إشكال شرح تلك المصطلحات العِلمِيَّة الّتي لم يكونوا على دِرَاية كافية بها، فتخبّط كثيرٌ منهم في ترجمتها كما تَخَبّطوا في بيان المقصود منها ونَقْلِها إلى فُهُوم المتعلِّمين. وكان هذا بدايةَ اكتشافِ كثير منهم أهميَّةَ علم أصول الحديثِ أو مصطلح الحديث، فَطفق النّاس يَبحثون عن معرفتِه ودراستِه لكي يتمكَّنوا من حلِّ رُموز كتابٍ مثل (بلوغ المرام من أدلّة
__________
(1) كالشيخ: عبد الله بن فودي (ت1245هـ)، وله فيه منظومة باسم (مصباح الراوي في علم الحديث) حققها الشّيخ محمد غالي موسى في أطروحة الماجستير في جامعة صوكوتو، وحققها أيضا: الأخ الشّيخ محمّد المنصور إبراهيم مع تعليقات موضحة مقاصد الكتاب، ويعدها للنشر إن شاء الله تعالى.(5/12)
الأحكام).
كانت الحلقات العِلمِيَّة بِشتَّى صُوَرِها تتناول هذا الكتاب بالدِّراسة ونقلِ مادّته إلى لغة الهوسا، وَكان بعضُ العلماء يَسلُكون الطّريقة التّقليديّة في نقل المعارف وتدريس العلوم، وهي الّتي يتلقى فيها التلميذ مادَّة الكتاب مُترجمةً إلى لغة الهوسا من شيخه؛ يَقرأ عليه جملةً ثُمّ يسمع منه ترجمتَها، ثم يقرأ جملةً أخرى وينتظر ترجمتَها، وربما شَرح له بعضَ مدلولاتها... وهكذا. وذلك لأنّ العادةَ في الحلقات العِلمِيَّة آنذاك أن يختصّ كلّ تلميذٍ بموادِّه الّتي يدرسها على شيخه، ولا يجتمع التّلاميذ بعضُهم ببعض في سماع موادَّ مشتَركة في آنٍ واحدٍ.
ثُمّ فِيما بَعدُ صار بعض العلماء يجعل هذا الكتابَ مادَّةً من ضمن المواد المشتركة حيثُ تكون الحلقة تضمّ موادَّ علميَّةً منتظمَةً يأخذها الطّلاب جميعاً في آنٍ واحدٍ، فيأتي كلُّ واحدٍ منهم مثلاً بكتاب (بلوغ المرام) في اليوم المخصَّص له فيقرأ أحدهم بعضَ أحاديث الكتاب حديثاً حديثاً مع الإصغاء إلى الشّيخ يترجمه لهم إلى لغة الهوسا، والكُلُّ آخذٌ بنسختِهِ يُتَابِع قراءةَ التّلميذ القارئِ وترجمةَ الشّيخ لكلّ جملةٍ تُقرأُ عَليه.
بينما نجدُ بعضَهم جعلَ الكتاب مادَّةً لدرسٍ عَامّ يحضره طلاب العلم وغيرهم من عامّة النّاس، مخصِّصاً له يوماً في مسجده يقرؤه على النّاس مترجماً لِجُمَلِه جملةً جملةً وشارحاً لمعانيه. وهذه طريقةٌ في التعليم مبتكرَة لم تكن مَعروفةً سلفاً في مجتمع الهوسا، وإنما جاءتْ مع الصَّحوة الدِّينيّة والنّهضة العِلمِيَّة المعاصرة الّتي بَدأت بالشّيخ (أبو بكر محمود جومي) رحمه الله، وإنما كانت المجالس العامّة سابقاً مجالسَ للوعظ والنّصائح في الجملة.
2- كتاب (رياض الصالحين) للإمام النّووي:(5/13)
وهو كتاب صنفّه الإمام يحيى بن شرف الدّين النّووي - رحمه الله- (ت676هـ) وقد ضَمَّن هذا الكتاب كثيراً من الأحاديث النَّبويَّة غالِبُها صحاحٌ وحسانٌ، ويَدور موضوعها على التّربية الإسلاميّة وبَيان مكارم الأخلاق الّتي يجب على المسلِم التّحلي بها والتّحذير من مساوئ الأخلاق الّتي يجب عليه اجتنابُها، وتعليم الآداب الشّرعيّة الّتي جاء بها الإسلام.
وهذا الكِتَاب أيضاً من الكُتب الّتي دخلت الحلقات العِلمِيَّة في بلاد الهوسا في وقت متأخِّر، وعُرف هذا الكتاب على نطاقٍ واسعٍ في ظلّ الدّعوة السلفيّة الّتي رَبطت المسلمين بالسُّنَّة النَّبويَّة فأصبحوا يبحثون عن كُتُب تعتني بها لنقلها إلى لغة المجتمع.(5/14)
وطريقةُ تدريس هذا الكتاب غير مختلفةٍ عن الطّريقة التي سلكها العلماء والدعاة في تدريس كتاب (بلوغ المرام). والإمام النووي وإن كان أشهرَ عند علماء بلاد الهوسا من الحافظ ابن حجر، بسبب كتابه (الأربعون النووية) إلاّ أن اكتشاف أهميّة كتابه هذا وعنايتهم بتدريسه ونقله إلى لغة الهوسا جاءت متأخِّرَةً عن عنايتهم بكتاب (بلوغ المرام)، ولعلّ السّبب في ذلك عائدٌ إلى اختلاف مادّة الكتابين، فَبينما كان كتابُ (رياض الصّالحين) اعتنى فيه مؤلِّفه بجمع مادّةِ التَّربية الإسلاميّة من صحاح السّنن وحسانها كانَ الكتاب الأوّل وهو (بلوغ المرام) اعتنى فيه جامعُه بمادَّةِ أدلَّة المسائل الفقهيّة، وكان علم الفقه، وبخاصة الفقه المالكي في مجتمع الهوسا يمثلّ قمَّة العلوم الّتي اعتنى بها العلماء وأتقنوها، ولما كانت الدّعوة السلفيّة قد جاءت بنبذ التّعصب المذهبي والدعوة إلى فقه الدّليل والاتّباع، كان من الطّبعي أن تكون عنايتُهم بهذا الكتاب عنايةً منقطعةَ النّظير؛ إذْ يحمل في طَيّاته أدلَّة حديثية جديدةً بالنّسبة لما أَلِفُوا سماعَه من ذي قبل؛ إذْ دِراستهم للفقه كانت محصورةً جداًّ في بعض كتب المتأخرين من المالكيّة ولا سيما كتاب (مختصر خليل)، فوجد علماء الدعوة السلفيّة في كتاب (بلوغ المرام) ما لم يجدوه في غيره من الكتب التي وصلت إليهم في هذا المجال.
ثانيا: الدّروس العامّة
هناك كتبٌ تناولها علماءُ الهوسا بالتّرجمة في دروسهم العِلمِيَّة الّتي يعقدونها بغرض توعيةِ النّاس وتبصيرهم بدينهم؛ كلّ حسب توجهاته العقديّة وميولاته المنهجيّة، من ذلك:
1- كتاب (صحيح البخاري):(5/15)
وهو كتابٌ شهيرٌ غنِيٌّ عن التَّعريف، من تأليف أمير المؤمنين في الحديث، الإمامِ محمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويأتي في الصّحة بعد القرآن الكريم إجماعاً، فلذلك اعتنت به الأمّة أَيّما اعتناءٍ، وكان لِعلماء الهوسا دورٌ كبيرٌ في نشر كنوز الكتاب ونقل معارفه في لغة الهوسا إلى الجماهير النّاطقة بهذه اللّغة، وأوّل مَن يُذكر دورُه في هذا المضمار:
- الشّيخ أبو بكر محمود جومي رحمه الله (ت1412هـ)، رائدُ الدّعوة السَّلفيّة في بلاد الهوسا وما جاورها، فقد كان لدروسه في ترجمة (صحيح البخاريّ) إلى لغة الهوسا - وكانت تُبثُّ في أكبر إذاعة في شمال نيجيريا، وهي إذاعةُ كادونا الفيدراليّة - أكبرُ أثرٍ في إحياء السُّنَّة المحمديّة، ومحاربة بِدع الصوفيّة التي عمّت ربوع بلاد الهوسا قبل بزوغ دعوة هذا الشّيخ. وقد بدأ الشّيخ أبو بكر جومي ـ رحمه الله ـ بإلقاء الدّروس العِلمِيَّة في جامع (السّلطان بللو) الّذي في ولاية كادونا عام 1381هـ الموافق 1961م في عهد أحمد بللو أوّل رئيس وزراء شمال نيجيريا رحمه الله تعالى، وكانت الدّروس تُقام في عهده في أيّام شهر رمضان المبارك. ولكن عام 1971م زاد الشّيخ من دروسه بهذا الجامع دروساً في مساء يومي الجمعة والأحد، ثمّ تحولت فيما بعد إلى يَومي السّبت والأحد مساءً، ومن ضمن هذه الدّروس درسُه في (صحيح البخاري) في لغة الهوسا الّذي يُقام في يوم السبت كلّ أسبوع من السّاعة 4,30 إلى السّاعة 6,00 مساءً(1)، ويبث بعد ذلك في إذاعة كادونا.
__________
(1) انظر: (( البحث عن أعمال الشيخ أبو بكر محمود جومي )) (ص39، 40).(5/16)
وكان لهذا الدّرس أَثَرٌ كبير في معالجة قضايا دينيّة كثيرة، فقد كان الشّيخ - رحمه الله - يَسعى جاهداً في محاولة تقريب نصوص هذا الكتاب إلى أفهام العامّة، مع ربطها بِواقعهم الدِّيني واستنباط أحكامٍ شرعيَّةٍ وآدابٍ مرعيَّةٍ من خلال أحاديثه، والتّحذير مما يقع فيه كثير من المسلمين، ومنهم علماؤهم من مخالفة هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد جَذَبَتْ هذه الدّروس شريحةً عريضةً من المجتمع، واستطاع الشَّيخ بفضل الله أن يَخترق الحواجز الّتي وضعها علماءُ الصّوفية لإقصاءِ أتباعهم عن سَماع الحق ودعوة السُّنَّة؛ إذ أصبح هذا الدّرس يدخل بيوتهم من خلال تلك الإذاعة الشّهيرة الواسِعَةِ الانتشارِ، فكان ذلك بفضل الله تعالى عاملاً كبيراً في نجاح دعوة الشّيخ - رحمه الله - وتحقيق انتصارات كبيرةِ في حَربه ضدّ بدع الصوفيّة والتّقاليد المخالفةِ لشرع الله تعالى. وما زالت هذه الدّروس تُبثّ في تلك الإذاعة رَغْم رَحِيل الشَّيخ عن هذه الحياة بأكثر من إحدى عشرة سنة، وهذا مصداقٌ لقوله تعالى: ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الرعد: 17]، وقد صدَق أحدُ زعماء الصّوفيّة وأكبرُ مُنَاوِئِي دعوةِ الشَّيخ حيثُ قال: (( ذهب الشَّيخُ إلى ربِّه، لكنَّ شَبَحَه ما زال يُطاردنا )) في الإشارة إلى دروسه التي استمرّ بثُّها في إذاعة كادونا الفيدراليّة.
وقد استطاع الشّيخ - رحمه الله - أن يُنهيَ ترجمته لهذا الكتاب من خلال هذا الدّرس، نسأل الله أن يوفِّق من المسلمين من يَتَبَنّى جمعَ هذه الدُّروس ونسخَها وتحريرَها ثُمّ إخراجَها لجماهير المسلمين الذين يتحدّثون هذه اللّغة (الهوسا) لعلّ الله ينفع بها الإسلام والمسلمين.
وطريقة الشّيخ في عرض مادّة هذا الكتاب ما يلي:(5/17)
أ- كان الشّيخ - رحمه الله - يَفتتح دَرْسَهُ في هذا الكتاب دائماً بعبارة حُفِظتْ عنه وهي: (( دراسةُ الحديثِ والْعملُ به هو السّبيل الوحيد لتوفير الأمن والاستقرار بين الأمّة، فقد وعد الله هذه الأمةَ بأن لا يُهلكَها ما دام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعيش بين ظهرانيهم، وما داموا يستغفرون الله تعالى فقال تعالى:( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأنفال: 33] وَبعد وَفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون التّمسك بحديثه هو السّبيل إلى ذلك )).
ب- ثُمّ يبدأ بقراءته في الكتاب من حيثُ وقف به الدَّرس، ويَقرأ الإسنادَ ولا يلوي على شيءٍ من مبهماته، ولا يَقف لاستجلاء غَوامِضه، أو حلّ معضلاتِه.
ج- يَقرأ متن الحديث، مترجِماً لَه إلى لغة الهوسا جملةً جملةً، ولا يَقف لشرحه إلا بعد نهايتِه إن كان الحديثُ قصيرا، وإن كان طويلا يقفُ لبيان ما يتطلّب الموقفُ شرحَه، بل أحيانا تتداخله أسئلةُ الحاضرين، إذْ قد يمرّ موقف يحتاج فيه بعضُ السامعين إلى استفسارٍ واستيضاح، ولطول المتن لا يمكن الانتظارُ حتى ينتهي الحديثُ، فيسأل السّائل ويجيب الشّيخ عن سؤاله، وهكذا حتى ينتهي الحديثُ، ثم ينتقل إلى حديثٍ يليه.
د- قد يتعرّض الشّيخ إلى بعض المسائل الفقهيّة الواردة في الحديث مُبيِّناً فيها ما ذهب إليه المذهب المالكي في المسألة، وقد يكون المذهبُ موافقاً وقد يكون مخالفاً لظاهر الحديث، وفي مُعظم الأوقات لا يقف الشّيخ لشرح وجهة نظر المالكية في مخالفتهم لظاهر النصّ وإنما يستمرّ كأنّه يَعرض الموقفَ فقط دون تعليقٍ، وأحياناً يحصل له ترجيح مقتضى الحديث على المذهب، وإن كان ذلك نادراً منه - رحمه الله -.(5/18)
هـ- يَربط معاني الأحاديث بواقع المجتمع الهوساويّ ويبيّن ما يقع فيه النّاس من مخالفةٍ لتلك الأحاديث، وما يحدُث في الطّرق الصوفيّة من مناقضةٍ لها، وفي الغالب لا يتعدَّى الطُّرقَ الصُّوفيةَ الموجودة في بلاد الهوسا، وبخاصَّةٍ (الطريقة التيجانيّة، والطّريقة القادريّة) لأنّ أغلب من ينتسب للصوفيّة في مجتمعه إنما ينتسب إلى إحدى هاتين الطّريقتين، فكان تركيزُ الشيخ عليهما أكثر من غيرهما.
و- كان الشّيخ يمتاز برحابة الصَّدر وسعتِه، فما كان يردّ سائلاً مهما كان السّائل جافاًّ معه، بل كان يُصغي إليه إصغاءً مهما كانت قوّة لهجة المعارَضة، ثُمّ يجيب الشّيخ عن أسئلته دون أدنى تأنيف أو تأفّف(1).
ولقوَّة تأثير الشّيخ - رحمه الله - في سَامعي درسه هذا وغيره مِن دروسه أصبح بعض النّاشئين بَعده يقلِّدونه فيها أيَّما تقليدٍ، ولم يكتفوا بأخذ منهجه في التّدريس فحسب، بل زَادوا على ذلك تقليدَه في صَوته ونَبْرته ولهجته. وممن كان بهذه الحال: الشّيخ مختار غَبْطُو أحدُ طلاب العلم في ولاية تَرابَا شرقِ شمال نيجيريا، وكانت له دروسٌ مشهودة على صُورة دروس الشّيخ أبي بكر محمود جومي، منها درسُه في (صحيح البخاري)، يَعقده في بيته كلَّ مساء يومي السّبت والأحد كما كان يفعل الشّيخ، ويبثّ في إذاعة الولاية كما يُبثّ درسُ الشّيخ، ويقلِّده في نبرة صوته ولهجته وطريقة إلقائه للدرس وتفاعله مع الحاضرين.
- الشّيخ الدّكتور: أحمد محمد إبراهيم - حفظه الله -:
__________
(1) ولزميلنا وأخينا الفاضل: الشيخ محمد المنصور إبراهيم دراسة علميّة حول جُهود الشّيخ أبي بكر محمود جومي في الحديث النبويّ، نال بها درجةَ الماجستير في جامعة صكتو.(5/19)
وهو أيضاً ممن لهم دورٌ بارز في تدريس هذا الكتاب ونقله إلى لغة الهوسا عبر دروسه العِلمِيَّة؛ فقد أحيا د. أحمد - بحقٍّ - ما توقف بموت الشّيخ أبي بكر محمود جومي من دروسه في هذا الكتاب؛ إذْ لم يكن بعد الشّيخ من استمر في إلقاء دروس في هذا السّفر العظيم قبل الدكتور أحمد - فيما أعلم - وهو أحدُ قدامى خريجي الجامعة الإسلامية كليّة الحديث الشّريف، والتحق بجامعة بايرو كانُو مبتعثاً من قِبَل دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ حيث واصل دراستَه في تلك الجامعة حَتّى حصل على (الدّكتوراه) في الدّراسات الإسلامية، وتَمّ تعيينه عضواً في هيئة التّدريس بها بقسم اللّغة العربِيّة والدِّراسات الإسلاميّة. وكان له درسٌ في كتاب (صحيح البخاري) في جامع جامعة بايرو في يومي السّبت والأحد مساءً، وهو درسٌ مشهودٌ يأتيه النّاس من كلِّ فجٍّ وصوبٍ، من داخل ولاية كانو ومن خارجها. وقد استطاع د. أحمد من خلال دَرْسِه هذا وما أُوتي من أسلوبٍ فصيحٍ، وصوتٍ جَهوريٍّ أن يَبُثّ الوعْيَ بالسُّنَّة النَّبويَّة في صُفوف شريحةٍ كبيرةٍ من المتحدثين بلغة الهوسا في مجتمع نيجيريا، وكان درسُه يُبثّ في إذاعة كانو ويُنقل عبر شَاشَةِ تلفزيون (NTA) كانو، مما أقلق مضاجع الصوفيّة، وسَعَوا لوقف هذا المدّ السّني السّلفيّ، ووضع حدٍّ لتأثيره في الشّباب، فأوجدوا دروسًا مضادَّة، وبرامج إذاعيّة وتلفزيونيّة؛ لتقوم حائلا بين النّاس وبين سماع صوت السُّنَّة النَّبويَّة المرتفع من رحاب مسجد الجامع لجامعة بايرو ومن خلال أحاديث (صحيح البخاري) لكنّه دون جدوى، بل أصبح الأمر كما قال أبو تمام قديماً:
وإذا أراد الله نَشْرَ فضيلةٍ… طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَولا اشْتِعَالُ النَّار فِيمَا جَاوَرَتْ… مَا كَان يُعْرفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ(5/20)
واستمرّ الشّيخ في إلقاء دروسه في هذا الكتاب حتى أتى على آخره، ثم انتقل منه إلى كتاب يلي (صحيح البخاريّ) في الصّحة وهو:
2 - صحيح مسلم:
من تأليف الإمام المحدث مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، واستمرّ الشيخ في هذا الكتاب حتى نهايتِه، ثُمّ انتقل إلى كتابٍ آخر، وهو:
3- سنن الترمذي:
وهو من تأليف الإمام أبي عيسى محمّد بن عيسى بن سَوْرَة التّرمذي (ت273هـ) وهو كتابٌ حَديثيّ كبير الشّأن جَمع فيه مؤلِّفه الأحاديث المرويّة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أبواب الأحكام الفقهيّة، مبيِّنا فيها درجة كلِّ حديث من حيث الصِّحةُ والضَّعفُ، حاكياً لمذاهب أهل العلم في تلك الأحاديث. وقد اعتنت الأمّة بهذا الكتاب شرحاً وتوضيحاً، ولذلك ثلّث به الشّيخ د. أحمد بمبا بعد (صحيح مسلم)، ولعل د. أحمد هو أوّل من قام بتدريس هذا الكتاب في الدروس العامّة التي يشهدها جميعُ فئات المجتمع، وإن كان الكتاب قد يكون من بين الكتب العِلمِيَّة التي تدرس في الحلقات العِلمِيَّة الخاصة في دروس بعض العلماء، إلا أنّه لم يُسبق أنْ وُجد من قام بتدريسه بهذه الصفّة غيره.
ولم يَكن يختلف أسلوب الشّيخ د. أحمد في تدريسه لتلك الكتب عن الأسلوب الذي كان قد سَلكه قبلَه الشّيخ أبو بكر محمود جومي رحمه الله، وإنما زاد عليه الدّكتور أحمد إسهابَه في تناول القضايا ذاتِ العلاقة بالحديث المدروس، وأحياناً استطرادَه في الحديث عن بعض الشّؤون الاجتماعية، وكانت سمةُ الوعظ والإرشاد تعلو كلَّ هذا، ويَغلب أسلوبُ الخطابة في كثير من الأمور، ذلك أنَّ معظم الحاضرين للدَّرْس من عوام النّاس الّذين لا يصلح لهم غير هذا الأسلوب، فلذلك يشهد الدّرس إقبالاً مُهِمًّا جداًّ.
- الشيّخ محمد ناصر كبرا:(5/21)
ويجدر أنْ يذكر بهذا الصّدد أحد مشايخ الصّوفية وهو الشّيخ محمّد ناصر كبرا (ت1413هـ) الّذي كان ينعت نَفْسَه بأنّه زعيمٌ للطّريقة القادريّة في غرب إفريقيا، وأميرٌ لجيش الشّيخ عثمان بن فودي! وقد أسهم هذا الشّيخ الصّوفي في نشر الحديث النّبوي بلغة الهوسا لكن بطريقته الخاصّة؛ حيث آثر أن يقرأ على النّاس في كتاب (الشّفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض (ت544هـ). وقد أحبّ الشّيخ أن يكون نشرُه للحديث من خلال هذا الكتاب الّذي ملأه مصنِّفُه ـ رحمه الله ـ بالأحاديث الضّعيفة والمنكرة، والقصص الباطلة الموضوعة، وبحقٍّ قال الحافظ الذهبي في هذا الكتاب: (( تواليفه نفيسَة، وأجلُّها وأشرَفُها (( كتاب الشِّفا )) لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتَعَلَة، عَمَلُ إِمَامٍ لا نَقْدَ لَه في فنّ الحديث ولا ذَوْق، والله يُثيبه على حُسن قصده، وينفع بـ (( شفائه ))، وقد فعل. وكذا فيه من التّأويلات البعيدة ألوانٌ، وَنَبِيّنا صلوات الله عليه وسلامه غَنِيّ بمدحةِ التنزيل عن الأحاديث، وبما تَواتر من الأخبار عن الآحَاد، وبالآحاد النّظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نَتَشبَّع بالموضوعات، فَيتطرّق إلينا مقالُ ذوي الغلّ والحسد، ولكن من لا يَعلم معذورٌ. فعليك يا أخي بكتاب (( دلائل النّبوة )) للبيهقي؛ فإنّه شفاء لما في الصّدور وهدى ونور ))(1).
__________
(1) سير أعلام النبلاء )) (20/216).(5/22)
ولم يأت اختيارُ الشّيخ محمّد ناصر كبرا نشرَ هذا الكتاب ونقلَ مادَّته إلى لغة عوام النّاس عن فراغ؛ بل كان ذلك؛ لأن بَقاء الصّوفية في أيّ زمان وفي أيّ مكانٍ مرهونٌ ببقاء مثل هذه الأحاديث المنكرة. وكانت قراءتُه في شهر رمضان في هذا الكتاب، وكان يَنقله إلى سامعيه بلغة الهوسا الّتي يمتلك من مفرداتها وغرائبها رصيداً كبيراً يعزّ وجودُ مثله في أقرانه، إلاّ أنّه لم يُوفَّقْ بطلاقة لسانٍ، وبلاغةِ منطقٍ وبيانٍ، فكان نصف ترجمته لأحاديث ذلك الكتاب مفهوماً ونصفُه غيرَ مفهوم، مما أفقدها الحيويّة والجماهيريّة إلا عند أتباعه الّذين يرون أنّ التّعلق به قربةٌ إلى الله وثَني الرُّكب أمامه عبادة يثابون عليها يوم القيامة....
- الشّيخ جعفر محمود آدم:
لَه دورٌ بارزٌ في نشر السُّنَّة النَّبويَّة ونقلها إلى لغة الهوسا من خلال دروسه العامّة والخاصّة فهو أحد خريجي الجامعة الإسلامية في المدينة، وكانت له دروس في كتابي (عُمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي، و(بلوغ المرام من أدلة الأحكام). ألقى مادّة الكتابين في ولايتي (بوثي) و(برنو) الشماليّتين. ودروسه العِلمِيَّة من أكبر الدّروس شهوداً وحضوراً، وقد تَميّزت بنكاتٍ علميّة، وفوائدَ بديعةٍ، ومواعظَ بليغة، جَعلت طلابَ العلم يحرصون عليها أيّما حِرص، وتَعَلَّقَ بها جماهير العامّة من أجل إفصاحه في طَرحها، وجودَةِ أسلوبِه في عَرْضِها، وتَمَكُّنِه من نَاصية لغة الهوسا ومفرداتِها. وقد أفاد منه جمٌّ كبير، ودروسُه منتشرةٌ ومذاعة.
- الشّيخ عبد الوهاب عبد الله:(5/23)
وهو أحدُ العلماء البارزين في شمال نيجيريا، وأحدُ خريجي الجامعة الإسلامية في كلية الحديث، أسهم بدروسه العِلمِيَّة في نقل السُّنَّة النَّبويَّة إلى لغة الهوسا ونشرها بين العامّة والخاصة؛ فقد كانت له دروس في (صحيح البخاري) و(بلوغ المرام) مع شرحه (سبل السلام) للصنعاني،كما أنّ له درسًا في (سنن التّرمذي)، وتلك الدروس وإن كانت لغة التعليم هي الهوسا إلاّ أنها خاصّة بطلاّب العلم النّابهين. ثم إنّ له درساً عاماًّ لجماهير النّاس في (سنن أبي داود) يُلقيه يوم الاثنين،. وقد تميزت دروسه بالمباحث الفقهيّة غالباً ودراسات حديثيّة متعلقة بالتّصحيح والتّضعيف، ولصلته بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية أثر كبير في اتجاهه هذا. والله أعلم.
الفصل الثّاني: الاهتمام بترجمة كتب السُّنَّة إلى لغة الهوسا
(1)
دور المؤسّسات التّعليميّة في الاهتمام بترجمة كتب السُّنَّة النَّبويَّة بلغة الهوسا
لم ينحصر الاهتمام بالسُّنَّة النَّبويَّة بلغة الهوسا في التّرجمات الشّفهيّة في الحلقات والدروس العِلمِيَّة الّتي تحدَّثنا عنها سابقاً، بل اهتموا كذلك بكتابة ترجماتٍ لبعض كتب السُّنَّة في لغة الهوسا. وكان للمؤسسات التعليمية دور بارز في هذا المجال، وَيُمَثِّل أُنموذجاً لهذا قسمُ اللّغة العربية والدّراسات الإسلاميّة في جامعة بايرو في ولاية كانو ـ نيجيريا، فقد قام بمشروع ترجمة كتب السُّنَّة، وبخاصّة الكتب السّتة: (الصحيحان)، و(السنن الأربعة) بالإضافة إلى (سنن الدّارمي) و(مسند الإمام أحمد)، وغيرها.(5/24)
وقد بدأ تنفيذ خطّة هذا المشروع تحت إشراف: د. عبد العلي عبد الحميد وهو أستاذٌ في القسم المذكور منسِّقاً للمشروع، وكان ذلك في يُونيو عام 1983م، وقد رأى القائمون على المشروع أن يتم توزيع أحاديث الكتب المختارة للترجمة على طلاب اللّيسانس ليترجموها بحثاً تكميليّاً للحصول على شهادة اللّيسانس، فقام الطالب: قاسم عمر مدابو - رحمه الله - بترجمة أول مائة حديثٍ من كتاب (( صحيح البخاري )) في عام 1983م، واستمرّ العملُ في ترجمة الكتاب على أيدي الطلاب الدّارسين بهذا القسم إلى أن اكتمل في
عام 1988م.
ثم تلاه العملُ في ترجمة (( صحيح مسلم ))، وكانت بدايته عام 1988م، وانتهى إلى عام 1993م تقريباً. وهكذا تلا ذلك ترجمة (السنن الأربعة) على التّرتيب التّالي: ترجمة (سنن الترمذي)، ثم (سنن أبي داود)، ثم (سنن النسائي)، ثم (سنن ابن ماجه). وسوف تشمل المرحلة القادمة للمشروع: (سنن الدّارمي)، و(مسند الإمام أحمد).
وكان أول منسِّق لتنفيذ المشروع - كما تقدم - د. عبد العلي عبدالحميد، ثم بعده د. أحمد محمد إبراهيم، وبعده: الشّيخ أبو بكر جبريل.
كما قام القسم أيضاً بترجمة كتاب (( الشّفا بتعريف حقوق المصطفى )) للقاضي عياض في مرحلة الماجستير: أسندت الترجمة إلى طالبين؛ هما: قاسم عمر مدابو - رحمه الله - وإبراهيم أبو بكر توفا، فحازا بها مرتبة الماجستير.
وكانت الخطّة الّتي تَمّت ترجمةُ الكتب الستّة المذكورة على منوالها هي على النّحو التّالي:
- يُعطَى كلّ طالبٍ مائة حديث من الكتاب تقريباً.
- يقوم بترجمتها بوضع النّص العربِيّ في الجانب الأيمن من الصّفحة، والتّرجمة في الجانب الأيسر. وهذا في عمل الطّلاب الأوائل، ثُمّ أصبحوا بعد ذلك يَضَعُون النَّصَّ فوق الصّفحة، والتَّرجمة أسفلها.
والمنهج المتبع في الغالب على النّحو التّالي:
- ترجمة الأحاديث المختارة إلى لغة الهوسا.(5/25)
- نَقلُ ما في كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) تحتَ كلّ حديث.
- لا يَلزم الطالبَ التّعليقُ على تلك الأحاديث، وإنما ذلك موكولٌ إلى مشيئته، إن شاء علّق حيث شاء أن يعلِّق، أو يترك ذلك، وهذا الغالب.
وهذا المشروع رَغم أنّه أخذَ حَيِّزاً من الزَّمن غير قصير، ورغم الجهود المبذولة فيه من قبل القَائمين عليه والطلاب الدّارسين على السّواء، إلا أنّ ما صاحبه من الخلل كَانَ كبيراً، ولم يكن العملُ بمستوى ضخامة المشروع وأهميّته، ومبدأُ الخلل كامنٌ في إسناد مثل هذا العمل إلى طلاب مرحلة اللّيسانس، وهي مرحلة أوليّة لتكوين الشّخصية العِلمِيَّة، ولم تكن بذلك النّضج الّذي يؤهلها للقيام بمثل هذا المشروع الضّخم ذي الأهميّة القصوى كهذه، ولو تَمّ ذلك لطلاب مرحلة الماجستير والدّكتوراه لكان الأمر أنسب وأليق بمكانة تلك الكتب ومنزلتها في التّشريع الإسلامي.
كما أنّ المنهج الذي وضعه المخططّون للمشروع كان منهجاً مُجْحِفاً جداًّ؛ إذ اقتصر على مجرَّد ترجمة النّصوص دون التّعليق عليها، مع أنّ هناك مواضعَ كثيرةً لا يظهر منها المراد جلياًّ من خلال مجرّد نقل ألفاظ تلك النّصوص إلى ما يقابلها في لغة الهدف (المترجَم إليها)، وهذا أمرٌ معلوم بالضّرورة؛ إذ هي نصوصٌ في أصلها تحتاج في كثير من الأحيان إلى الشّرح والتّوضيح لبيان مقصود الشّارع منها، وما كُتُبُ شروحِ الحديث إلاّ آيةُ صدق هذا الكلام، فكيف بها وهي منقولةٌ إلى لغةٍ أخرى لا توازي لغةَ العرب في قُوَّة البيان وإحكام النَّظم وسعة المفردات؟.(5/26)
وكذلك (عمليّةُ التّخريج) أو بعبارة أدقّ: (عمليّةُ العزو) التي قام بها أولئك الطلاب غير علميّة ولا دقيقة؛ إذ اعتمدت على نقل ما كتبه أصحاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) عند كلّ حديثٍ، وهذا معلومٌ خطؤُه بداهةً؛ إذْ من المعلوم أنّ العزْوَ إنما يتمّ إلى الكتب التي تضمَّنها ذلك (المعجم)، لا إلى (المعجم) نَفْسِه، كما أنّ (المعجم) إنما اعتمد أصحابُه في وضعه طريقةَ الألفاظ، فيذكرون لفظةً في حديث، ويُشيرون إلى مواضعها من الكتب التّسعة (وهي: الصّحيحان، والسّنن الأربعة، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، وسنن الدّارمي) بغضّ النظر عن اتحادِ أو اختلاف مخارج الحديث في الكتب المشار إليها؛ فقد يكون حديثاً واحداً، وقد تكون عدَّةَ أحاديث عن عَدَدٍ من الصَّحابة، فالمهمّ عندهم اللّفظةُ لا طرقُ الحديث ومخارجه، وعلى هذا فلا يسوغ علميًّا لمن يخرِّج أو يعزو حديثاً لأبي هريرة مثلاً أن يعتمد في عَزوه على جميع المواضع التي ذكرها ذلك (المعجم)؛ إذ معنى حديث أبي هريرة قد يَرِد في حديث ابن عمر أو ابن عباس أو جابر أو غيرهم، فعزو الألفاظ ليس هو التخريج أو العزو بمعناه العلمي الدّقيق.
(2)
دور الأفراد من المشايخ وطلبة العلم في ترجمة كُتب السنّة
بجانب إسهامات المؤسسات العِلمِيَّة في مجال الاهتمام بترجمة كتب السُّنَّة النَّبويَّة والعناية بها بلغة الهوسا، هناك دور بارز للأفراد أيضاً في هذا المجال، فقد قدّم غير واحد عملاً يضاف إلى رصيد اهتمام بلاد الهوسا بالسُّنَّة النَّبويَّة، وهو القيام بترجمة بعض الكتب المشهورة التي تدرس في الحلقات العِلمِيَّة وفي الدروس العامة، ونقلها إلى لغة الهوسا، من ذلك:
1- الأربعون النووية:(5/27)
ويُعدُّ هذا الجزء الحديثي من أكثر ما اعتنت به الأوساطُ العلميّة في بلاد الهوسا منذ أوّل أمرها قبل النّهضة العِلمِيَّة التي تشهدها البلاد حالياًّ، وقد تقدم بيان كيفية تلقّي التلاميذ ترجمةَ معاني هذا الجزء من مشايخهم شفهياً. وهو أوّل جزءٍ تتم ترجمته إلى لغة الهوسا وطبعه، وذلك في عام 1959م عندما قام الشيخ أبو بكر محمود جومي بترجمته كَجزءٍ من أنشطته العِلمِيَّة والدعويّة الّتي تُعَدّ بدايةَ بزوغ فجر الدّعوة السلفيّة في نيجيريا في هذا العصر، يقول الشّيخ في مقدِّمة التّرجمة:
(( لم يُرسِل الله سبحانه وتعالى الأنبياءَ إلاّ بلسان قومِهم؛ ليعلِّموهم دينَهم، وعليه؛ فمن الصّعب إلزامُ جميع النّاس بتعلّم لغةٍِ غير لغاتهم ليتمكنّوا من معرفة دينهم، ولذلك كان من فُروض الكفاية على العلماء الّذين درسوا اللّغة العربيّة أن يَقوموا بترجمة كلّ ما جاز شرعًا ترجمته من علوم الشّريعة لكي يَنتفع به أصحابُ تلك اللّغة. ولغيابِ هذا العمل في المجتمع أصبحَ كثيرٌ من النّاس لا يعرفون الإسلام وإن انتسبوا إليه. وقد سُرِرْتُ جداًّ لما جاءني خطابٌ من وكالة الإقليم الشمالي للشّؤون الأدبية (NORLA) يَطلب مني القيام بترجمة (متن الأربعين النووية) إلى لُغة الهوسا، وهم بهذا قد أيقظوني لِسلوك طريقِ الخير... ))(1).
__________
(1) ترجمة (( متن الأربعين النووية )) إلى لغة الهوسا - للشيخ أبي بكر جومي (ص5).(5/28)
فكما أشار الشّيخ في مقدمته هذه: أنّ الترجمة تَمّت بناءً على طلبٍ من وكالة الإقليم الشّمالي للشّؤون الأدبية (Northern region Agency) المعروفة اختصاراً بـ (NORLA)، وهي هيئةٌ حكوميّةٌ أسِّسَتْ عامَ 1953م بأمرٍ من الحكومة البريطانيّة الاستعماريّة للإقليم الشّمالي تحت قيادة الحاكم بيريان شاروود سميث كإحدى الوسائل لمكافحة الأميّة، ولتوفيرِ كُتب في مجتمع شمال نيجيريا يَقرؤها العامّة والخاصّة باللّغات التي يتحدثونها، فكان من خُطّتها توفيرُ كتبٍ بلغة الهوسا باستعمال الحروف اللاتينية والحروف العربية وهو ما يسمى عرفًا بـ (عَجَمِي) أي كتابة لغةٍ غير عَربية بحروفٍ عربية، ومن ضمن أعمال هذه الهيئة ترجمةُ كتب دينيّة إلى لغة الهوسا(1).
وقد طُبعت ترجمة الشّيخ أبي بكر محمود جومي في شركة شمال نيجيريا للطّباعة (NNPC).
كما قام أيضا بنقل معاني هذا الكتاب إلى لغة الهوسا: الشّيخ شعيب عُمر من جمهورية غانَا وهو داعيةٌ إسلامي مشهور هناك، وقد تَمّ طبعُ ترجمته في وزارة الشّؤون الإسلاميّة بالمملكة العربية السّعودية.
2- خمسون حديثاً نبوياً:
وهي ترجمةٌ لخمسين حديثاً نبوياً قام بها الشّيخ م محمّد طن بابا، وطبعت في عام 1975م، ذكرها د. إبراهيم يارو في كتابه (( تاريخ التّأليف بلغة الهوسا ))(2).
3- صحيح البخاري (قسم منه):
__________
(1) انظر: (( تاريخ التأليف بلغة الهوسا )) - للأستاذ الدكتور إبراهيم يارو يحيى (ص98-108).
(2) انظر: (ص209).(5/29)
قام الشّيخ محمّد سنوسي غمبي بترجمةِ أحاديث من (صحيح البخاري)، وطبع 1984م، وكانت نِيّته أن يواصل تَرجمةَ الكتاب إلى نهايته لكن لم يتم العملُ إلى الآن ولم يُصْدِر منه إلاّ جزءاً أو جزأين(1).
4- ترجمة كتاب (سَوْقُ الأمّة إلى اتّباع السُّنَّة) للشّيخ عثمان بن فودي:
وهو كتابٌ جمع فيه مؤلِّفه الأحاديثَ والآثار الوارِدة في الحثّ على التّمسك بالسُّنَّة النَّبويَّة وسلوك هديه - صلى الله عليه وسلم - في العبادات والمعاملات، ألّفه مجدِّد الإسلام في عصره في بلاد السودان الدّاعية المعروف الشّيخ عثمان بن فودي
- رحمه الله - مؤسس الدولة العثمانية الإسلامية في بلاد السّودان، وقد قام بنقل هذا الكتاب إلى لغة الهوسا الشّيخ بخاري إمام من ولاية صكوتو عام 1985م في الولايات المتحدة الأمريكية(2).
5- بلوغ المرام من أدلة الأحكام للحافظ ابن حجر:
__________
(1) كان المترجم من قدماء خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة النَّبويَّة، كلية الدعوة وأصول الدين، ثم التحق بعدها بالجامعة الأمريكية في لبنان، ودرس الأديان دراسة مقارنة، وتحول إلى داعية عصري يدعو إلى منهج المعتزلة وينكر مصدرية السُّنَّة النَّبويَّة في التشريع الإسلامي، كما ينكر حجيتها في العقائد، فأنكر معظم أشراط الساعة الواردة في السُّنَّة، كنزول المسيح ـ عليه السلام ـ وخروج الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك، ولا زال الرجل على هذا المنهج يدعو إليه بوسائل مختلفة... نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق إلى الحق.
(2) انظر: (( تاريخ التأليف بلغة الهوسا )) (ص283).(5/30)
تقدّم بيان أن هذا الكتاب من الكتب التي رافقت الصّحوة الإسلاميّة والنهضة العِلمِيَّة المعاصرة في بلاد الهوسا، وعناية أهل السُّنَّة والجماعة بتدريس هذا الكتاب في الحلقات والدّروس العامّة. وقام الشّيخ إبراهيم أبو بكر توفا بنقله إلى لغة الهوسا، كجزءٍ من هذه العناية والاهتمام، وطُبع في جزأين في كانو نيجيريا. وسيأتي الحديث عنه بالتّفصيل.
6- صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وهذا أيضاً كتابٌ مشهورٌ بين دعاة السَّلفيّة في بلاد الهوسا، وقد قام كثير من الدّعاة بتدريسه في مجالس دعوية كثيرة، وهو كتاب من تأليف الشّيخ محمّد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - جمع مادَّتَه من الأحاديث النَّبويَّة الصّحيحة والحسنة مستنبِطاً ما يراه من مدلول تلك الأحاديث في الأبواب الّتي وضعها ومستنداً إلى آراء علماء المذاهب فيما يختاره، وغالباً ما يكون ذلك في الحاشية، وليس في الكتاب إلا المتن برواياته وترجمته فحسب. وقد قام الشيخ إبراهيم أبو بكر توفا أيضاً بنقله إلى لغة الهوسا؛ متنِه وحواشِيه، وشَرع في ترجمته في 20 ربيع الأول لعام 1416هـ الموافق 16 من أغسطس، 1995م، وانتهى منها في 21 من ربيع الثاني، من العام نفسه، الموافق 16 من سبتمبر عام 1995م، أي أنّ العمل في الترجمة قد استغرق شهراً واحداً فقط(1). وقد طبع في مطابع كانو - نيجيريا.
7- التّجريد الصّريح لأحاديث الجامع الصّحيح للزّبيدي:
وهو عبارة عن أحاديث من (صحيح البخاري)، جَرَّدها أبو العباس أحمد
ابن أحمد الشّرْجِي الزَّبيدي الحنفي (ت893هـ) محذوفةَ الأسانيد، جمَع فيه ما تفرّق في الأبواب، ولم يذكر إلاّ ما كان مسنَداً متَّصلاً.
قام الشّيخ إبراهيم أبو بكر توفا أيضاً بنقله إلى لغة الهوسا، وطُبع القسم الأول منه.
8- أخلاقُ العلماء، للآجري (ت360هـ):
__________
(1) انظر مقدمة المترجم للكتاب (ص1).(5/31)
وهو كتابٌ من تصنيف الإمام شيخِ الحرم محمّد بن الحسين أبي بكر الآجرّي (ت360هـ) بَناه على مَنهج المحدثين في سَوْقِ الأحاديث المرفوعة والآثار الموقُوفة في الموضوع بأسانيدَ لِنفسه مستنبِطاً منها ما يريد تبيينَه من خلال الأبواب الّتي وضعها. وقد قُمت بنقله إلى لغة الهوسا في عام 1414هـ مبيِّناً درجاتِ الأحاديث الّتي فيها من حيثُ الصّحةُ والضَّعفُ بياناً مختصراً في الحواشي.
9- رياضُ الصّالحين من أحاديث سيّد المرسلين، للإمام النووي:
قام بنقله من اللغة العربية إلى لغة الهوسا الشّيخ تجاني إمام.
10- مختار الأحاديث النَّبويَّة، للشيخ السّيد أحمد الهاشمي:
قام بنقله إلى لغة الهوسا الشّيخ: سنوسي محمّد قَني.
11- عمدة الأحكام الكبرى للإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي:
نقله إلى لغة الهوسا الشيخ ناصر محمد ين أواكي.
12- الأدب المفرد للبخاري:
ترجمه إلى لغة الهوسا الشّيخ عبد الرزاق.
13- بغية كلِّ مسلم من صحيح مسلم، للشّيخ محمّد عبد الله المرّاكشي:
وهو عبارةٌ عن جزءٍ صغير فيه مختاراتٌ مضبوطةٌ فيما تشتدّ إليه الحاجة من العقائد والأحكام من صحيح مسلم بن الحجّاج، قام بترجمته إلى لغة الهوسا: الشّيخ صلاح جبريل أحمد.
(3)
من كتب الحديث المترجمة إلى لغة الهوسا عرض وتحليل
اتضح من الحديث السابق أنّ علماء الهوسا قد أولوا عناية بالسُّنَّة النَّبويَّة، واهتموا بها تدريساً ونشراً وترجمةً لبعض كتبها إلى لغة الهوسا، وهي كتب تختلف من حيثُ أصالتُها وأهميَّتُها ومن حيثُ حجمُها وموضوعُها، ومن حيث دقّةُ التّرجمة أيضاً، ويعود هذا إلى مقدار ما عند المترجِم من عِلمٍ ومعرفةٍ وإلمامٍ بأصول الشّريعة وقواعدها، وتمكُّنه من اللّغتين ؛ لغة المصدر (المترجم منها) ولغة الهدف (المترجَم إليها)، وفيما يلي تحليل نموذجين لما تقدم سردُه من أعمال علماء الهوسا في ترجمة كتب السُّنَّة النَّبويَّة إلى لغتهم:(5/32)
الأوّل: ترجمة الأربعين النووية
للشيخ جومي رحمه الله:
تقدمت الإشارة إلى ذكر هذه الترجمة التي قام بها الشيخ أبو بكر محمود جومي - رحمه الله - منذ الخمسينيات، وبالتحديد عام 1959م. وقد أشار الشيخ في مقدمته للترجمة إلى أنّها جاءت بناءً على طلب من وكالة الإقليم الشّمالي للشؤون الأدبية (Northern region literature Agency) المعروفة اختصاراً باسم (NORLA)، وطبعته شركة شمال نيجيريا للطّباعة (NNPC).
وقد سَلك الشّيخ المنهجَ المعتاد في التّرجمة، فجعل الكتابَ في عَمُودين مُتَوازِيَيْن، واضعاً النّصّ العربِيّ في العمود الأيمن، والتّرجمة في العمود الأيسر موازيةً تماماً لنصّ الحديث.
وقد اتّسمت ترجمته هذه بالدِّقة والجودة وسلامة اللّغة وجزالةِ العبارة لا يشوبُ أساليبَها غموضٌ ولا التواءٌ.
والشّيخ - رحمه الله - رغم تمسكه الشّديد في حديثه اليومي بأصول لهجة أهل ولاية صكتو الّتي تختلف في بعض مفرداتها وبناءِ ألفاظها عن اللّهجة العِلمِيَّة الّتي تجري الكتابة بها في المؤسّسات العِلمِيَّة والأطروحات الأكاديمية والّتي تستمد معظمَ مفرداتها وبنائها الصّرفي من لهجة أهل ولاية كانو إلاّ أنّه في هذه الترجمة لم يَظهر أَثَر تمسّكه بتلك اللّهجة، وفي نظري أنّ السّبب في هذا قد يكون راجعاً إلى كون التّرجمة قد وُضعتْ خصِّيصاً بطلبٍ من وكالة الإقليم الشّمالي للشّؤون الأدبية (NORLA) كما تقدم - وهي وكالةٌ عَمل بها فريقٌ من المتخصِّصين في مختلفِ لغات نيجيريا. فليس بِغريب أن تخضع ترجمةُ الشّيخ من حيثُ صياغتُها اللّغويّة لمراجعة هؤلاء المختصّين، ويكفي أن نعرف أنّ من بين العاملين بهذه الوكالة عميدَ أدب الهوسا آنذاك الّذي لم يَأت بعده مثلُه في مجال الكتابة في الأدب الهوساوي وهو الشّيخ/ أبو بكر إمام(5/33)
- رحمه الله - فلا يُستَبْعَدُ إذن أن تَحظى ترجمةُ الشّيخ جومي ببعض ملاحظاتِه الأدبية، وإشاراته اللّغويّة. والأمر الّذي حداني إلى هذه الملاّحظة الاختلافُ الحاصلُ بين الصّياغة اللّغوية المبني عليها ترجمة (متن الأربعين النوويّة) والصِّياغة الّتي تمت بها ترجمةُ الشّيخ نفسِه لمعاني القرآن الكريم، فإنّ القارئ الهوساويَّ للتّرجمتين لا بُدّ أن يَلمس بينهما فرقاً جوهرياًّ من حيثُ الوضوحُ اللّغويّ وجزالةُ الأسلوب، فإنّ ترجمة الأربعين النّوويّة أكثر وضوحاً وجزالةً. والله أعلم.
وقد اعتنى الشّيخ أبو بكر جومي -رحمه الله- في ترجمته لمعاني (متن الأربعين) بتعليقاتٍ مهمّة جدّاً، حاول فيها أن يُبرز دعوتَه إلى التّمسك بالسُّنَّة ومحاربتِه للبدع والطّرق الصوفيّة والأعراف المخالِفة لروح الشّريعة الإسلاميّة، وكانت معالجةُ الشّيخ لهذه القضايا من خلال تلك التّعليقات والحواشي تتَّسم بنوعٍ كبيرٍ من اللّباقة والحكمة؛ إذْ لم تَزل الدّعوة السّلفيّة آنذاك في طورها الأوّل، والتّصريح بكلِّ أمرٍ قد يؤدّي إلى نتائجَ سيئة تضر بالدّعوة وتقضي عليها في مَهدها، كما يُمكن أن تسبِّب له إشكالاتٍ قد تقف عائقا أمام هَدفه الدّعوي ومرماه الإصلاحي، فَجاءت تعليقاتُه فيها من الحكمة والإشارة اللّطيفة ما يُفهم منه غرضُه دون أن يثير حفيظةَ القارئ. ونضرب لهذه التّعليقات نماذجَ يتّضح منها ما وراءها، فمن ذلك:(5/34)
تعليقه على الحديث الثّاني من الكتاب وهو حديث جبريل المشهور في سؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان، إذ قال الشّيخ: (( يُفهم من هذا الحديث أمورٌ كثيرة، أوّلا: أنّ نظافة الأبدان والملابس أمرٌ مطلوبٌ شرعاً كما تدلّ عليه هيئةُ هذا الرّجل الغريب. الثّاني: أنّ الإسلام إنما يُتَعلّم عن طريق سؤالِ من يعلمه. الثّالث: لا يَنبغي الغلوّ في تعظيم شخصٍ. الرّابع: الطّرق الصوفّية ليستْ من ضروريّات الدّين. الخامس: معرفةُ أنّ الإسلام والإيمان والإحسان حقائقُ مختلفة. السّادس: لا ينبغي لعالِمٍ إذا سُئل عن أمرٍ من أمور الدّين وهو لا يدري أن يَكذب على السّائل في الجواب. السّابع: ينبغي للعالم أن ينبّه تلاميذَه لسؤالِ ما ينبغي لهم سؤالُه لفائدته، إذا غَفلوا عن ذلك. الثّامن: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إلاّ ما يوحى إليه من ربّه. التّاسع: معرفة كمال خلق الصحابة وصبرهم. العاشر: معرفة أنّ الملائكةَ قد يَظهرون في صورةٍ غير صورتهم الحقيقيّة ))(1).
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص9) (الهامش رقم1).(5/35)
والملاحِظ في هذه الفوائد يجد أنّ الشّيخ قد أشار إلى أمورٍ كانت من أمراض المسلمين يُعاني منها المجتمع الإسلامي، كاعتقاد بعضِهم أنّ ترك نظافةِ البدن والتّقشف في المأكل والملبس من متطلَّبات الولاية في الدِّين، فيظلّ الإنسانُ عمرَه لا يغتسل ولا ينظِّف ملابِسَه لكي يستكمل شروطَ الولاية فيحظى بها. كما أشار في تعليقه إلى الطّرق الصّوفية التي كانت يومئذ في ذروة نَشاطها وَأَوْجِ قوّتها، وقد جاءت إشارةُ الشّيخ إليها مشوبةً بالحذر والتّحفظ فاكتفى بقوله: "ليس من ضروريّات الدّين"(1) وهذا تلميح منه إلى أنّ تركها والاستغناءَ بما جاء في حديث جبريل كافٍ في الحصول على ولاية الله للعبد ولا ضرورةَ إلى الإحداث في دين الله ما لم يَأذن به الله.
كما أشارَ الشّيخ إلى ضرورة تعليم النّاس دينَهم، وأنّ الدِّين لا يُعلم إلاّ بالتّعلّم وأنّ من طرق التّعلّم سؤالَ من لا يَعلم، وقد كان أجلّ همّ الصوفيّة في تلك المجتمعات الاكتفاءَ في الغالب بشحن أذهان أتباعها بِقِصَصِ كَرامات أوليائها حَتّى أصبحتْ كلّ طريقة تُنافس نظيراتها في تمجيد من تنتسب إليه وتفضيله على غيره مما كان سبباً لارتفاع نسبة الجهل بالإسلام بين شريحةٍ واسعةٍ في المجتمع. كما حذّر الشّيخ العلماءَ من مغبّة القول على الله بلا علم.... وغير ذلك مما يَلمحه القارئ من خلال سطور هذا التّعليق الوجيز المليء بالفوائد والتّنبيهات.
ومن ذلك أيضاً تعليقه على الحديث الرّابع، وهو حديثُ عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (( من أحدَثَ في أمرِنَا هذا ما ليس منه فهو رَدّ )). إذْ جاء تعليقُ الشّيخ عليه ما ترجمته كالتّالي:
__________
(1) وانظر مثل هذه الإشارة أيضا في تعليقه على الحديث الثاني والعشرين (ص19) (الهامش رقم1).(5/36)
قال الشّيخ - رحمه الله -: (( هذا الحديث يُعلِّمنا حقيقةَ ما يُسمى بالبدعة، وهو أن يُحدَث شيءٌ في الدّين ليس يُعرف في عهد النّبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد صحابته رضي الله عنهم. ومَهما يكن علمُ عالِمٍ فليس في وسعه أن يزيد شيئاً في دين الله، ولو زاد شيئاً لم تُقبل منه هذه الزّيادة. وهذا لا يَمنع أن يُستعمل شيءٌ يعودُ على المسلمين بالنّفع، كالبثّ الإذاعي لتلاوة القرآن، وترجمة الكتب إلى لغةٍ ليست عربية؛ لكي يقرأها أصحاب تلك اللّغة ويَقِفوا على حقيقة دينهم ))(1).
وهذا التعليق تضمّن ثلاثةَ أمور مهمّة في باب الابتداع:
الأول: تعريف البدعة.
الثّاني: أنّ البدعة لا تُقبل ولو كان مُحْدِثها رجلاً يُظنّ فيه العلم والصّلاح، إذْ لا تلازم بين الأمرين، فقد يكون كذلك ويخطئ في هذا الباب. والشّيخ - رحمه الله - يُشير بهذا إلى أن اعتقاد بعض النّاس فيمن ينتسبون إليه أنه وَلِيٌّ لله لا يُسوّغ لهم قبول ما نُسب إليه من البدع والأمور المحدثة في دين الله، فنحن ولو سلّمنا جدلاً ولايةَ ذلك الشّخص فإنّه يجب علينا أن نَزِنَ أقوالَه وأفعالَه بميزان الشّرع فما كان موافقاً للكتاب والسُّنَّة وهدي السّلف قَبِلناه، وما كان مخالفاً لها تركناه ولا اعتبار بصلاح صاحبه وفضله في ذلك. وبالتّسليم لهذا تَسقط جميعُ الطّرق الصوفيّة حتى ولو صحّت نسبةُ جميع ما فيها إلى من نسبت إليهم... وهذه طريقةٌ لَبِقَةٌ وأسلوبٌ حكيمٌ.... والله أعلم.
الثاّلث: الرّدّ على من يخلط بين البدع وما يُسمى بالمصالح المرسلة أو ما هو من قبيل الاختراعات العصريّة فيتخذ إجماعَ العلماء لإباحة الأمر الثّاني ذريعةً وحجةً إلى الإحداث في دين الله ما لم يكن منه.
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص11) (الهامش رقم2).(5/37)
ونموذجٌ آخر في تعليقه على الحديث السّابع وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( الدّين النّصيحة )). قلنا: لمن ؟ قال: (( لله، ولكتابه، ولِرسوله ولأئمّة المسلمين، وعامَّتِهم )).
فعلّق عليه الشّيخ بقوله: (( النّصيحة: هي فعلُ ما ينبغي فعلُه. النّصيحة لله هي الإيمان بوجوده وصفاته كما يليق به. والنّصيحة لكتب الله هي الإيمان بها وأنّ ما فيها إنما هو وحي من الله. والنّصيحة للرسول هو التّصديق بأنّه رسولٌ من عند الله، وتوقيره وتوقير ذريّته. والنّصيحة للأئمّة: هو احترامهم كما يليق بمنزلتهم ما دام أنّ ذلك في حدود الشّرع، ولا يجوز الانحناء في التّحية لأحدٍ، لأنّ فعلَ ذلك ليس من النّصيحة في شيءٍ. والنّصيحة لعامّة المسلمين، هي إعانتهم على ما فيه خَيرهم، مثلُ تعليمهم وإرشادهم بطريقة مفيدةٍ وباحترامٍ ))(1).
ويلاحظُ إشارة الشّيخ إلى ظاهرةٍ اجتماعية طالما سَكَت عنها أهل العلم في ذلك الوقت بل حَبَّذُوها وشجَّعوها وعدُّوها حقّاً لكل كبير على صغير، وهي ظَاهرة الانحناء عند التّحيّة، فجاءت إشارةُ الشّيخ إلى هذه الظّاهرة وتنبيهه على أنّ ذلك ليس من باب النّصيحة لأئمّة المسلمين، وأنّ احترامهم لا بُدّ أن يَتم في حدود ما أقرَّتْه الشَّريعة، والانحناءُ مما جاء النّهي عنه فيما رواه الترمذي وغيره عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، الرّجل منّا يَلْقى أخاه أو صديقَه أينحني له؟ قال: (( لا )). قال: أَفَيَلْتَزمه ويقبِّلُه؟ قال: (( لا )). قال: أفيأخذ بيده ويُصافحه؟ قال: (( نعم )). قال التّرمذي: (( هذا حديثٌ حَسَن ))(2).
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص12) (الهامش رقم2).
(2) أخرجه الترمذي (5/75/رقم2728)، وابن ماجه (2/1220/رقم3702)، وأحمد (3/198)، وغيرهم. وحسنه الترمذي.(5/38)
وعلى هذا المنوال جَرى الشّيخُ في تعليقاته وتَهْمِيشاته لأحاديث هذا الكتاب يُشير إلى بعض الأمراض العقديّة والاجتماعية المنافِيةِ للشّريعة الإسلامية ويعالجها بحكمةٍ وَرَوِيَّةٍ.
ومن الملاحظ: أنّ هذه التّعليقات لم تستمرَّ في الكتاب على وتيرةٍ واحدةٍ، بل نجد الشّيخ في أوائل الكتاب قد أكثر منها ثُمّ بدأت تَتَناقصُ في وسط الكتاب، بحيث لا تتجاوز السَّطْرَ والسَّطْرَيْن، بل قد تَرك بَعْضَ الأحاديث غُفْلاً دون تعليق، ثم توقّفت في أواخر الكتاب، وربما يُفسّر هذا، بأن الشّيخ قد كتب هذه التّرجمة في أوقات مُتباعدة، وفَتَراتٍ متقطّعة؛ كان في أولها أكثر نشاطاً وحيويَّةً ثمّ بدأ نشاطُه يضعف شيئاً فشيئًا، كما هي العادة في كلّ عمل هذا شَأْنُه.
وعلى الرّغم مما أشرنا إليه من دقة هذه التّرجمة وحُسن صياغتها إلاّ أنّ ذلك لا يَعني خلوَّها من بعض الأخطاء التي لا يَكاد يسلم منها عملٌ بشريٌّ. فمن خلال قراءتي لهذه التّرجمة وجدتُ أموراً يحسن التّنبيه عليها لكي تتُدارك في الطّبعات اللاّحقة للكتاب، وهي تتمثل فيما يلي:
1- عدم ترجمة بعض الجمل.
- ففي الحديث الثّاني(1) ؛ حديث جبريل عليه السّلام المشهور، لم تُتَرجَم لفظ (العَالة)
وترجمته كالتّالي: (matalauta)
- وفي الحديث الثّاني والعشرين(2)؛ حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - لم يُترجم قوله - صلى الله عليه وسلم - ((... فإنّه من يَعِشْ منكم فَسيرى اختلافاً كثيراً )).
وترجمته كالتاّلي:
Domin lalle wanda duk ya rayu daga cikinku to zai ga sabani mai yawa.
- في الحديث الخامس والثّلاثين(3)؛ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لم تُترجَم جملةُ ((.. ولا تدابروا ))
وترجمتُها كالتّالي:
Kuma kada ku bawa juna baya.
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص9).
(2) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص34).
(3) المصدر نفسه )) (ص26).(5/39)
- في الحديث الأربعين(1)؛ حديث ابن عمر - رضي الله عنه - لم تترجم جملة: (( ومن حياتِك لمرضك )).
وترجمتها كالتّالي:
Kuma ka yi aiki lokacin rayuwarka saboda mutuwarka.
2- ترجمة بعض الجمل أو الألفاظ خطأ:
- ففي الحديث السّابع(2)؛ حديث أبي رقيّة تميم بن أوس الدّاري - رضي الله عنه - ترجم عبارة: (( قلنا: لمن )) بقوله: Muka ce, "Ga me?" وهذا معناه: (قلنا: لأيّ شيء...؟)، وصواب الترجمة:
Muka ce, "Ga wa?".
- وفي الحديث الثّاني والثّلاثين(3)؛ حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ترجم قولَ المؤلف: (( وله طرقٌ يُقَوِّي بعضُها بعضاً )) بقوله:
(kuma shi hadisin yana da hanyoyi daban na karbowa).
وهذا معناه : (وللحديث طرق مختلفة للرّواية).
وصواب التّرجمة :
Kuma shi hadisin yana da hayoyin daban-daban wadanda sashisu yana karfafar sashi.
- في الحديث الثّامن والثّلاثين(4)؛ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ترجم قولَه تعالى : (( فقد آذنته بالحرب )) بقوله :
(hakika na umarce shi da shirin yaki).
ومعناه : (فقد أمرته بالاستعداد بالحرب). فكأنّه حَمَل لفظ (آذنته) على معنى الإذن، وإنما هي على معنى (الأذان) وهو الإعلام والإعلان، فتكون صواب الترجمة :
(hakika na yi masa shelar fitowa ya yi yaki (da ni) .
- وفي الحديث الثّاني والأربعين(5)؛ حديث أنس - رضي الله عنه - ترجمة قوله تعالى : (( غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي )) بقوله :
(zan gafarta maka abin da yake kanka).
ومعناه : (غفرت لك ما عليك).
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص30).
(2) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص12).
(3) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص25).
(4) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص29).
(5) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص30).(5/40)
بينما معنى قوله تعالى : (على ما كان منك) أي مَع ما كان منك من تكرار معصيتك كما أفاده ابن دقيق العيد(1) وغيره. وعليه يكون صواب التّرجمة :
Zan gafarta maka duk da irin laifinka kuma ban damu ba.
2- حمل الضّمير على غير المراد به :
وهذا في الحديث السّادس عشر(2) ؛ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - إذ تَرجم المؤلّف عبارةَ : (فردَّدَ مراراً) بقوله :
Sai (Annabi) ya nanata sau da yawa….
ومعناه : (فردّد (النّبي) مرارا)
وفي هذا حملُ الضّمير في (فردد) على أنه عائدٌ إلى النّبي - صلى الله عليه وسلم - ، والصّواب أنه عائد إلى السّائل، أي أنّه ردّد السّؤال مرارا :
قال الإمام النووي(3) : (( فَلم يزده في الوصية على (لا تغضب) مع تكرار الطّلب )) يعني من السّائل .
وقال ابن رجب(4) : (( ثم ردّد هذه المسألة عليه مراراً، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يرددّ عليه الجواب )).
وقال الحافظ ابن حجر(5) : (( أي ردد السّؤال يلتمس أنفعَ من ذلك أو أبلغَ أو أعمَّ، فلم يَزد عليه على ذلك )).
وقد أخرج الطبراني(6) وابن عبد البر(7) عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - : يا نبي الله قل لي قولا انتفع به، وأقلل لعلِّي أعقله؟ فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَغْضَب )). فعاوده مراراً يَسأله عن ذلك، يقول نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَغضب )).
وصوابُ الترجمة على هذا:
__________
(1) انظر : (( شرح الأربعين حديثا النووية )) لابن دقيق العيد (ص110).
(2) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص16).
(3) شرح صحيح مسلم )) للنووي (ج16/163).
(4) جامع العلوم والحكم )) (1/371).
(5) فتح الباري )) لابن حجر (10/519).
(6) المعجم الكبير )) (7/69/رقم6399).
(7) التمهيد )) لابن عبد البر (7/246).(5/41)
Sai (mai tambaya) ya nanata sau da yawa, shi kuma yana ce masa: "Kada ka yi hushi".
4- ترجمة بعض المصطلحات ترجمة حرفية :
وذلك في الحديث الثّاني والثّلاثين(1)؛ حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، حيث جاء فيه قولُ المؤلف : (( رواه ابن ماجه والدّارقطني وغيرهما مسنداً، رواه مالك في الموطّأ مرسلاً ... )). فترجم الشّيخ لفظَ (مسنداً) ولَفظَ (مرسلاً) ترجمةً حرفيةً صِرْفاً ، فقابل (مسنداً) بقوله : (doge) و(مرسلاً) بقوله : (sake). وهذه التّرجمة لا يُفهم من ورائها شيءٌ، فالأولى ؛ إمّا أن يتركَ تلك المصطلحات كما هي في العربيّة، ثم يضعَ حاشية يشرحها، أو يسلكَ مسلكَ التّرجمة التّفسيرية، فيقول مثلاً في ترجمة لفظ (مسنداً) :
(da cikakken isnadi)
ومعناه : (بإسناده كاملاً)، إذْ المراد بالمسنَد هنا ما قابل المرسَل ، وهو أنّ راويَه أسنده بذكر جميع رجال الإسناد بمن فيهم صحابِيّ الحديث وهو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
ويُترجِم لفظ : (مرسلاً) بقوله :
(ba tare da ambaton sahabin hadisin ba).
ومعناه : (بدون ذكر صحابي الحديث).
وعلى الرّغم من أنّ المراد بالمرسَل : (ما أضافه التّابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً)(2) ويجوز أن تكون الواسطةُ صحابياً، ويجوز أن تكون تابعياً كما هو معروف عند أهل العلم بالحديث، إلاّ أنّ المراد بالإرسال هنا ما قابل الإسنادَ المذكور وهو ذكر (أبي سعيد الخدري) في الإسناد وترك ذكره، فجاز أن يُترجم لفظ (المرسَل) بالمراد منه في هذا الموضع، لا بالمراد منه مطلقاً . والله أعلم .
5- الاضطراب في ترجمة بعض الألفاظ :
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص25).
(2) ومعناه بلغة الهوسا: (Shi ne abin da tabii ya jingina shi ga Annabi, tsira da aminain Allah cu tabbata a gave shi).(5/42)
ففي الحديث الخامس والثّلاثين(1)؛ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - جاءت ترجمة ألفاظِه مضطربةً ، صورتها كالتالي :
Kada ku yi wa juna hassada ... لا تحاسدوا… ... 1
kuma kada ku yi wa juna kyashi ... ولا تناجشوا ... 2
kuma kada ku yi kiyayya ... ولا تباغضوا ... 3
kuma kada ku yi wa juna rudi a ciniki ... ولا تدابروا… ... 4
فالملاحَظُ في هذه الترجمة : أنّ العبارة الأولى جاءت ترجمتها صحيحةً، وأمّا العبارة الثّانية، فَتُرجِمت بمعنىً يقرُب من معنى العبارة الأولى، بل هو عَينه، إذ لفظ kyashi يعني (الحسد) نفسه، ولا يعني (التناجش)، بينما وُضعت ترجمةُ (ولا تناجشوا) مقابلَ ترجمة العبارة الرّابعة، وهي (ولا تدابروا)، فالصّحيح أنْ تنقلَ هذه التّرجمة إلى الرّقم الثّاني، ويُحذف ما يقابلها، فتبقى العبارةُ الرّابعة لم تَرِدْ ترجمتها في السِّياق، وقد نبّهنا عليها فيما مرّ .
5- ضبط بعض الأسماء خطأً:
- يكتب المترجم اسمَ الدّارقطني هكذا : Daraul-Kuduni
والصواب أن تكتب هكذا : Ad-Dara Kudni
تنبيه: دَرج المترجِم على ضبط اسم التّرمذي بضم التّاء والميم جميعاً، وهذا وإن كان خلافَ المشهور، إلاّ أنّ بعضَ أهل المعرفة قال به؛ ففي (( معجم البلدان ))(2): (( قال أبو سعد: النّاس مختلفُون في كيفيّة هذه النّسبة؛ بعضُهم يقول بفتح التّاء، وبعضهم يقول بضمّها، وبعضُهم بكسرها. والمتداوَل على لسان أهل تلك المدينة بفتح التّاء وكسر الميم، والّذي كنّا نعرفه فيه قديماً بكسر التّاء والميم جميعاً، والذي يقوله المتأنّقون وأهل المعرفة: بضمّ التاء والميم، وكلّ واحدٍ يقول معنىً لما يدَّعيه )).
الثاّني: ترجمة كتاب (بلوغ المرام من أدلّة الأحكام)
للشّيخ إبراهيم توفا.
__________
(1) متن الأربعين النووية )) - ترجمة الهوسا - (ص26).
(2) 2/26).(5/43)
تقدّمت الإشارة إلى أنّ كتاب (بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) من الكتب التي رافقت الصّحوة الإسلامية والنّهضة العِلمِيَّة الحديثيّة في مجتمع بلاد الهوسا، ولذلك حَظي الكتابُ بعناية المهتمِّين بالدعوة إلى الكتاب والسُّنَّة، والاهتمامِ بإحياء ما اندرس من علم السُّنَّة النَّبويَّة، فكان مادّةً للتدريس في عديدٍ من الحلقات العِلمِيَّة والدّروس العامة، وقام الشّيخ إبراهيم أبو بكر توفا بنقله إلى لغة الهوسا، وطُبع في جزأين.
والشّيخ توفا أحدُ المهتمّين بترجمة الكتب الدّينية إلى لغة الهوسا، ولعلّ ذلك عائدٌ إلى كونه أحدَ أولئك الذين أسهموا في مشروع ترجمة كتب السُّنَّة في جامعة بايرو كنو عندما كان طالباً بها؛ فقد شارك في ترجمة كتاب (الشفاء) للقاضي عياض، جزءاً من متطلّبات الحصول على درجة الماجستير. فلما انخرط الشّيخ في الدّعوة والتعليم رأى أن يواصل جهوده في نقل الكتب الدّينيّة إلى لغة الهوسا ولا سيّما تلك الكتب الّتي لاقت شهرةً واسعةً بين العاملين في الحقل الدّعويّ والتّعليميّ في مجتمع شمال نيجيريا فترجم كتاب (بلوغ المرام)، وكتاب (رياض الصّالحين) وكتاب (صفة صلاة النّبي - صلى الله عليه وسلم -) وغيرها.
ومع أنّ الشّيخ توفا قد مارس عمليةَ الترجمة لعديدٍ من الكتب إلاّ أنّنا نجد ترجمته لكتاب (بلوغ المرام) ليست على المستوى المطلوب من حيث الدقّةُ ونقلُ مادَّةِ الكتاب، ويبدو من أول حديِث المؤلف عن الكتاب أنّ معلوماته عن الكتاب ومؤلِّفِه ضئيلة ومحدودةٌ جدًّا، وأنّ صلتَه بالكتاب ضعيفةٌ كذلك، فإنّه قد قال في مقدّمة الكتاب: (( اشتمل الكتاب كلُّه على (1597) حديثاً، أعني الأحاديث الّتي رَقَّمها المؤلف، فهناك أحاديث لَم يَضع لها المؤلِّف أرقاماً، وإنّما اكتفى بوضع نجمةٍٍ حولها ))(1).
__________
(1) ص2) من المقدمة.(5/44)
فإذا كان المترجِم لا علم له حتىّ بالأرقام الّتي توجد عادةً في النّسخ المطبوعة التي هي من عمل المحقِّقين أو الطَّابعين، فما ظنّك بصلتِه بمادّة الكتاب؟ ويظهر ذلك جلياً من كثرة الأخطاء العِلمِيَّة الواقعة في التّرجمة، وقد أَلقيتُ نظرةً سريعةً على لفيفٍ محدودٍ من صفحات التّرجمة فأحصيتُ بتسريح نظرٍ لا بدقَّة تَتَبُّعٍ 18 خطأً علمياًّ في 13 صفحةً فقط، هذا ما عدا الأخطاءَ المطبعيةَ! وإليك عرضَ نماذجَ وصورٍٍ من هذه الأخطاء:
أ - الأخطاء العِلمِيَّة في نقل معاني بعض الأحاديث:
وهي كثيرة جدًّا؛ لا تكاد تدخل تحتَ الإحصاء ولا يأخذها الحصرُ، وإليك ألواناً منها لتدلّ على ما وراءها:
1- قال المؤلّف في الحديث (رقم8): (ولمسلم: "منه". ولأبي داود: "ولا يغتسل فيه من الجنابة".
فقال المترجِم:
(( Muslim da Abu Dauda sun ruwaito ta hanyar Abu Hurairata cewa: kada ya yi wankan janaba a cikinsa ))(1).
ومعناه بالعربية: (( روى مسلمٌ وأبو داود من طريق أبي هريرة أنّه (الرجل) لا يغتسل فيه من الجنابة )).
وهذا سوءُ فهمٍ لصنيع المؤلِّف، فإنّه يحكي ما في اختلافِ لفظ مسلمٍ، ولفظِ أبي داود من تغايرٍ في المعنى، فالإمام مسلمٌ قال في روايته (منه) بدلاً عن قوله (فيه) -كما في رواية أبي داود- والأولى تُفيد أنّه لا يغتسل فيه بالانغماس مثلاً، والثّانية تفيد أن لا يتناول منه، ويغتسلَ خارجه(2). فهذه فروقٌ لفظية دقيقةٌ ترتّب عليها حكمٌ شرعيٌّ أراد المصنّف أن يشير إليه، لكن لم يَفهمه المترجم؛ فحمل روايةَ مسلمٍ على رواية أبي داود، فترجمهما ترجمةً واحدةً حاد بمعنى الحديث عن صوابه.
2- قال المؤلّف في الحديث (رقم12) (( وللتّرمذي: "أولاهنّ أو أُخراهنّ" )).
فترجمه المترجِم بقوله:
__________
(1) انظر : (( ترجمة بلوغ المرام إلى لغة الهوسا )) (1/2).
(2) انظر: (( سبل السلام )) للصنعاني (1/20).(5/45)
A ruwayar tirmizi kuwa cewa ya yi: "wankewar farko da ta karshe"(1).
معناه بالعربية: (( وقال في رواية التّرمذي: (( الغسلةُ الأولى والأخيرة )).
بينما تفيد "أو" الواردةُ في هذه الرّواية الشكّ، أي أنّ الرّاوي شكّ في المرّة التي يكون فيها الترتيب، هل هي الأولى أو الأخرى، فتجاهل المترجِم قضيّة "أو" هذه، فجعل الترتيبَ مرّتين في غسل الإناء الّذي ولغ فيه الكلب، وهي المرّة الأولى والأخيرة، وهذا ما لم تَرد به روايةٌ قط، ولم يقل به أحدٌ من الفقهاء.
3- وفي الحديث (رقم16) جاء فيه: ((... وأمّا الدّمان: فالطّحال والكَبد ))
فقال المترجم:
"Amma jini biyu su ne hanta da koda"
ومعناه: (( وأما الدّمان، فهما: الكَبد، والكُلْيَة )). فجعل معنى الطّحال معنى الكُلْية، والفرق بينهما معروفٌ.
4- وجاء في الحديث (رقم16): (( وإنّه يَتَّقِي بجناحِه الّذي فيه الدّاء )).
فترجمه بقوله:
"..dan a kare da fukafukin nasa da ke da cutar".
ومعناه: (لِيُتَّخذ - بالبناء للمفعول - جناحُه الذي في الداء وقايةً).
__________
(1) ترجمة بلوغ المرام بلغة الهوسا )) (1/3).(5/46)
ومعنى كلامه: (أننا نحمي أنفسنا من سمّ الذباب بنفس الجناح الذي به الدّاء). وهذا كلام غير مستساغ عقلاً، إذ كيف يجعل الجناح الّذي به الداء وقايةً من سمه، بل إنما يكون ذلك من جناحه الّذي به الدّواء، كما نص عليه الحديث: (( فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً )) ولو أنّ المترجم فَهم أن معنى الحديث أنّ الذباب إنما يقع من طرف الجناح الّذي به الدّاء لَعلم أنّ المراد من الزّيادة الواردة في رواية أبي داود: أنّ الذباب إنما يقدّم جناحَه الّذي به الدّاء حال وقوعه على شيءٍ؛ مستخدما إياه كسلاحٍ للدّفاع والوقاية، فإنْ كان ما يَقدم عليه مُضِراًّ به، يكون قد قدّم سلاحه الّذي هو الجناح الّذي به الدّاء للدّفاع عن نفسه، وأخّر الثّاني الذي فيه الدّواء، فلذلك أُمر بغَمْسه حتى يختلط الدّواء بالدّاء فيقضي على أثره، ولذلك قال الحافظ: (( وفي حديث أبي سعيد المذكور: أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ))(1).
وقال صاحب (( عون المعبود ))(2): (( ويجوز أن يكون معناه: أنه يحفظه نفسه بتقديم ذلك الجناح من أذية تلحقه من حرارة ذلك الطعام. ذكر ابن الملك )).
وهذا هو المراد، فكلمةُ (يَتَّقِي) تُقرأ بفتح الياء وكسر القاف؛ أي بالبناء للفاعل، وفاعله (الذّباب) نفسه، لا الشّارب الذي يغمس الذّباب، لكنّ المترجم لما قرأه بضمّ الياء في أوّله وفتح القاف - بالبناء للمفعول - (يُتّقَى) فَحمل الفاعل على أنّه من أمر بغمس الذباب، فحاد عن وجه الصّواب. والله أعلم.
5- وجاء في الكتاب حديث أنس - رضي الله عنه - (برقم25) (( أنّ قدح النّبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر، فاتّخذ مكانَ الشّعب سلسلة من فضَّة )).
فترجمه المترجم بقوله:
"butar Annabi (S.A.W) ta fashe sai ya karbi wata gidauniya ta azirfa a gurin mutanan"(3).
__________
(1) فتح الباري )) (10/251).
(2) عون المعبود )) (10/231).
(3) ترجمة بلوغ المرام إلى لغة الهوسا )) (1/6).(5/47)
ومعناه بالعربية: (( انكسر إبريقُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ من القوم قَصْعَةً من فضّة )).
فانظر - رعاك الله - كيف أبعد النّجعةَ بهذه التّرجمة، وأضاع معنى الحديث وفقهَه تماماً، فقد توهّم أنّ عبارة (الشّعب) المذكورة في الحديث تعنى كلمة (الشَّعب) التي تُستَعمل اليوم بمعنى (مواطني بلد مّا)؛ فيقال: (شعب نيجيريا) أو (شعب المملكة) وهكذا، فترجمها بـ (القوم)، ثم حوّل لفظة (سلسلة من فضة) إلى (قصعة من فضة)، فأين هذا التّحريف من معنى الحديث! فلفظ: (الشَّعْب) ـ بفتح الشين المعجمة، وسكون المهملة؛ لفظٌ مشتركٌ بين معانٍٍ، والمراد منه هنا: الصّدع والشّق.
و(سلسلة من فضة) أشار في (( القاموس المحيط ))(1) إلى أن: (سَلْسَلَة) - بفتح أوّله، وسكون اللام، وفتح السّين الثّانية منها -: اتّصال الشّيء بالشّيء. أو (سِلْسِلَة) بكسر أوّله: دائرٌ من حديد ونحوه. والظّاهر: أنّ المراد الأوّل، فيقرأ بفتح أوِّله(2) ؛ وكأنه سَدَّ الشُّقوقَ بخيُوطٍٍ من فِضَّةٍ، فصارت مثل السّلسلة(3).
والحديث إنما هو دليلٌ على جواز تَضْبِيبِ الإناءِ بالفضّة، ولا خِلافَ في جَوَازه(4)، وهذا ما لا يُفهم بتاتاً من الترجمة الخاطئة.
ب - الأخطاء الواقعة في ضبط الأسماء:
__________
(1) ص9014 ط. دار الفكر).
(2) انظر: (( سبل السلام )) للصنعاني (1/34).
(3) انظر: (( فتح الباري )) لابن حجر (10/80).
(4) سبل السلام )) للصنعاني (1/34).(5/48)
يقال في آداب طالب الحديث: يَنبغي له أن لا يُغْفِلَ ضبطَ الأسماء، فقد قال أبو إسحاق إبراهيم النّجيرمي: (( أولى الأشياء بالضّبط أسماءُ الرّجال؛ لأنّها لا يَدخلها القياس، ولا قَبلَها ولا بعدها شيءٌ يدلّ عليها ))(1). ولا شيءَ أسرعُ في فضح "الصَّحفيِّين(2)" الّذين دخلوا في علم الحديث من غير أبوابه مثلُ الأسماء، فيقعون في حُفرة التّصحيف سريعاً، وتنكشف الجبّة بما فيها، وهذا الواقع لمترجم الكتاب، فقد وقعت منه تصحيفاتٌ وتحريفاتٌ لكثير من أسماء المحدّثين المشهورين، ونقلُها بالحروف اللاتينية على غير وجهها، ومن ذلك:
1- درج على ضبط اسم الإمام النّسائي بكسر النّون، هكذا: (النِّسائي)، بينما الصّواب فيه (النَّسَائي) بفتح النّون(3).
2- ودرج على ضبط (ابن لهيعة) (لُهَيْعَة) _ مصغَّراً ـ بضم اللام وفتح الهاء وسكون الياء، والصّواب: (لَهِيعَة) ـ مكبراًّ ـ بفتح اللاّم وكسر الهاء.
3- ودرج على ضبط (الدّارقطني) بضم الرّاء، فكأنه يتوهم أنها محلّ الإعراب، بينما إعرابه إعرابُ المركّب المزجي ؛ فحكمُ الجزء الأوّل منه أن يُفتح آخره، ويَقع الإعراب على آخر الجزء الثّاني كما ذكروا في (حضرموت) و(بعلبكّ) ونحوهما(4).
4- ويضبط اسم (ابن معين) بضم الميم هكذا: (مُعِين)، وصوابه: (مَعِين) بفتحها، وهو إمام مشهورٌ لدى جميع طلاب الحديث وغيرهم.
5- يضبط (أبو بكرة) بضم بالبّاء (بُكْرة)، والصّواب (بَكْرَة) بفتحها.
ونحو هذه التّصحيفات كثيرةٌ في (التّرجمة)، وهي غالباً تقع في ضبط أسماء مشاهير الأعلام، مما يدل على بُعد المترجِم عن معرفة عِلْمِ التّراجم وأئمّة الفنّ رحمهم الله تعالى.
__________
(1) انظر: (( توجيه النظر )) (2/779).
(2) أي الذين أخذوا العلم من الصحف، أي الكتب لا من أفواه الرجال.
(3) انظر: (( معجم البلدان )) (5/281).
(4) انظر: (( أوضح المسالك )) لابن هشام (ج1/133).(5/49)
ج - الأخطاء الواقعة في تَبيين المراد مِن بعض المصطلحات الحديثيّة:
ثَمّة أخطاءٌ تتعلق بمحاولة المترجِم إيضاح المقصود من بعض المصطلحات الحديثيّة أو ترجمتها إلى لغة الهوسا، وهي أيضا - كسابقاتها - كثيرةٌ جداّ نشير إلى بعض منها كنماذجَ دالّة على ما وراءها.
أراد المترجِم أن يُساعد قرّاءه على فكّ رموزِ الكتاب المترجَم وحلِّ غوامِضه ومشكلاته، وذلك بتقديم فذلكةٍ تعريفيّة لبعض مصطلحات حديثيّة استعملها المؤلِّف في كتابه، فارتكب في كلامه الغلط، وركب في صَحَاصِح الأوهام مطيَّة الشّطط، من ذلك:
1- أنه أراد تعريف علم الحديث رواية فقال: (( هو علم اشتمل على ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا أو تقريرا، أو صفة خلقية أو خلقية روي بإسناد ثابت صحيح ))(1).
وهذا من المعلوم لدى كلّ طالبِ علمٍ أنّه تعريفٌ للحديث نفسه، وليس تعريفاً لعلم الحديث. أمّا تعريف علم الحديث فذكره على أنّه تعريفٌ لعلم الحديث درايةً، وهو ما يلي:
2- قال المترجم في فذلكته: (( علمُ الحديث درايةً: هو ما يُعرف به قوانين الرّواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرّواة وشروطهم وأنواع المرويّات، وما يتعلّق بذلك )) (2).
وهذا -كما قلت لك- تعريفٌ لعلم الحديث روايةً، وليس تعريفاً له دراية.
3- وأراد بيان المراد من تدليس الشّيوخ، فقال: (( هو أن يخفي الرّاوي أحدَ شيوخه إذا كان فيه قدحٌ لم يُذكر ))(3).
وهذا تعريف لم يقل به أحدٌ، وإنما عرّفوا تدليس الشّيوخ بقولهم: (( أن يَروي عن شيخٍ حديثاً سمعه منه فيسمِّيه أو يكنِّيه أو يَنسبَه أو يصفَه بما لا يُعرف به كي لا يُعرَفَ ))(4). وهذا فيه أنَّه يذكره في الإسناد، ولكن بغير ما اشتهر به.
__________
(1) ترجمة بلوغ المرام بلغة الهوسا )) (ص1 من المقدمة).
(2) المصدر نفسه )) (في الموضع السابق).
(3) المصدر نفسه )) (ص3 من المقدمة).
(4) انظر: (( علوم الحديث )) (ص80 مع التقييد).(5/50)
4- وعلّق على الحديث (رقم36) تعريفاً للحديث المعلَّق عند البخاريّ بقوله: (( التّعليق: هو أن يُورِد البخاريّ حديثاً في كتابه بدون إسنادٍ... ))(1).
وهذا تعريفٌ قاصرٌ على إحدى صُور التّعليق، والمشهور في تعريفه هو: (( ما حُذف من مبتدأ إسناده واحدٌ فأكثر ولو إلى نهاية الإسناد ))(2). وزاد السّخاوي بقوله: (( وكذلك لهما في صحيحيهما بلا سندٍ أصلاً أو كاملٍ حيثُ أضيف لبعض رواته، إمّا الصحابي أو التّابعي فمن دونه مع قطع السّند مِمّا يليهما ))(3). لذلك قال السّيوطي في ألفيّته:
مَا أوّلُ الإسناد منه يُطلَقُ …ولو إلى آخرِه معلَّق(4)
5- وعرّف الحديث المرسل تعليقاً على الحديث (رقم142) بأنّه: (( الحديث الّذي حُذِف الصحابي من إسناده ))(5).
والحقّ أن هذا تعريف مُجْحِفٌ وخاطئٌ، ولو كان ما ذكره تعريفاً للمرسل لما كان لرَادِّه مستند في ردّه؛ إذ جهالة عين الصّحابي غير ضارّة، فكلّهم عدولٌ بتعديل الله إيّاهم كما هو مقرَّر عند أهل السُّنَّة والجماعة، وإنّما الصّواب الّذي عليه جمهور المحدثين في تعريف المرسل هو: (( ما أضافه التّابعي إلى النّبي - صلى الله عليه وسلم - )) وقيّده بعضهم بالكبير، والأولى ـ كما قال الحافظ ـ إطلاقُه(6).
__________
(1) ترجمة بلوغ المرام بلغة الهوسا )) (ص1/9/الهامش 7).
(2) علوم الحديث )) لابن الصلاح (ص20 مع التقييد).
(3) فتح المغيث )) للسخاوي (1/61).
(4) ألفية السيوطي )) (1/141 مع شرح الأثيوبي).
(5) ترجمة بلوغ المرام بلغة الهوسا )) (1/34/الهامش 32).
(6) انظر: (( النكت على كتاب ابن الصلاح )) لابن حجر (2/543).(5/51)
والأمثلة على أمثال هذه الأخطاء كثيرة، كترجمته لمصطلح (المحفوظ)(1) عند المحدّثين، وقولهم: (( لم يثبت فيه شيء ))(2)، وترجمته لعبارة (أصحاب السّنن)(3) وغير ذلك مما لا طريق إلى إحصائه، ولا مجالَ لاستقصائه.
وهناك ألوانٌ أخرى من الأخطاء لا يتّسع المجال لاستعراض نماذج منها؛ كإغفاله ترجمة بعض الأحاديث(4)، أو إغفال ترجمة بعض ألفاظ منه(5) وزيادة عبارة في التّرجمة ذات مغزى دلالي جليّ(6)، وأخطاء واقعة في بعض تعليقاته الفقهيّة والحديثية على معاني بعض الأحاديث وألفاظ المؤلف(7)، وسوء فهم لعباراتِ بعض الأئمّة(8) وغير ذلك مما يحتمل بحثاً مفرداً واسعاً.
(4)
نظرةٌ مستقبليّة لترجمة كُتُب السُّنَّة إلى لغة الهوسا
النّاظر في قضيّة ترجمة كتب السُّنَّة النَّبويَّة إلى لغة الهوسا يجد أنّ النّقل الشفهي والتعليمي أكثر رواجاً بين علماء بلاد الهوسا قديماً وحديثاً من النّقل الكتابي التّدوينيّ ؛ إذ غالب ما تَمّ إنجازه من ترجمات لكتب الحديث النبويّ إنما تَمّ ذلك في سياق أعمال علميّة ذات صبغة أكاديميّة، وأنّ تلك الأعمالَ لم تَزل قابعةً على رفوف مكتبات الجامعات والأقسام العِلمِيَّة دون أن يرى النّور منها شيءٌ إلى اليوم فيفيد منه عامّة المسلمين النّاطقين بلغة الهوسا كإفادتهم من التّرجمات الشفهيّة الّتي تتم من خلال الدّروس والحلقات العِلمِيَّة.
__________
(1) انظر: (1/12/رقم48).
(2) انظر: (1/13/رقم56)
(3) انظر: (1/3/رقم11)
(4) انظر مثلا: الحديث (رقم71).
(5) انظر مثلا: الحديث (رقم137).
(6) انظر مثلا: الحديث (رقم107).
(7) انظر مثلا: الحديث (رقم808).
(8) انظر مثلا: مقدمة (الجزء الثاني) (ص3/الهامش 2).(5/52)
ونظراً لكون السّاحة العِلمِيَّة والدعوية لأبناء هذه اللّغة تشهدان تطوَّراً علمياً حسناً فإنّه من المتوقّع أن تزداد العنايةُ بهذه التّرجمات، وأن يُقبلَ عليها غيرُ واحد من المهتمِّين بقضية التّرجمة، فحينئذ من الواجب أن تُوجّه عنايةُ القادرين المؤهّلين من أولي العلم وطلاّبه إلى مزيد من الاهتمام بهذه القضيّة، فَيُترجَم للجماهير النَّاطقة بلغة الهوسا ما يمكن ترجمتُه إليها من كتبٍ وأجزاء حديثيّة، وأن يُستفاد في ذلك من أولئك الّذين درسوا علوماً شرعيّة بمختلف تخصّصاتها وحازوا قسطاً جَيِّداً من العلوم في مجال السُّنَّة النَّبويَّة، ووقفوا على ثروةٍ من كتب السُّنَّة ما لَم يتمّ لسلفهم من قَبل.
كما أنّ العمل في هذا الإطار يمكن أن يَأخذ طابَعاً جماعياًّ بحيث تكون ثَمّة مراكزُ علميّة متخصِّصة تَتبَنّى مثل هذا المشروع في إطارِ فريق متخصِّص في مجالات العلوم الشرعيّة المختلفة على غرار (مركز خدمة السُّنَّة والسّيرة النَّبويَّة) الموجود حاليا بالمدينة النَّبويَّة.
كما أنّه من الأهمية بمكان توجيهُ عناية الأثرياء وأهل الدّثور إلى تبنّي مشروع (ترجمة كتب السُّنَّة) وإيجاد أوقافٍ خاصّة به تابعةٍ له. فبمثل هذه الجهود مجتمعةً يمكننا أن نَرفع من شأن السُّنَّة النَّبويَّة ونقدّمها إلى المسلمين النّاطقين بهذه اللّغة، ونكون قد أدّينا شيئاً من واجبنا تجاهَ الحديث النّبويّ الشّريف الذي ظَلَلْنَا ردحاً من الزّمن مقصِّرين فيه أَيّما تقصير، والله نسألُ العونَ والتّوفيق.
الخاتمة
من خلال هذه الجولة القصيرة في قضايا السُّنَّة النَّبويَّة والاهتمام بها في لغة الهوسا، يمكننا أن نُشير إلى توصياتٍ نتمنىّ للعاملين في الحقل الدّعوي والتعليمي أن ينظروا فيها بعين الاعتبار ويقوموا بدراستها دراسة فاحصة للخروج من نتائجها بأوراق عمل، وهذه التّوصيات كالتالي:(5/53)
1- ينبغي تكوينُ لجنةٍ متخصِّصة تتضمّن عدّةً من المتخصِّصين في علوم الحديث والفقه واللغة وغيرها، فينظرون في أعمالِ بعض كبار عُلماء الهوسا في مجال نقل السُّنَّة وتعليمها، كالنّظر مثلاً في دروس الشّيخ أبي بكر محمود جومي المسجلّة حول (صحيح البخاري)، فتُفرَّغ كتابيّاً ثُمّ تقوم هذه اللّجنة بمراجعتها وتنقيحها وتحريرها، ومن ثَمّ إخراجها للمتحدثين بلغة الهوسا كافةً لَكي تَستمرّ الإفادةُ من هذه الذّخائر العِلمِيَّة، وتكونَ إضافةً قيّمة في مجال الاهتمام بالسُّنَّة النَّبويَّة بهذه اللّغة.
2- قيامُ المراكز العِلمِيَّة والهيئات والمؤسسات الإسلامية بالعناية بترجمة كتب السُّنَّة والأجزاء الحديثيّة السَّيّارة ونشرها مترجمةً بين الأمّة، كما هو الشّأن بالنّسبة للقرآن الكريم؛ فإنّ السُّنَّة بوصفها شارحةً ومبيِّنَةً لمعاني كتاب الله عز وجل فلا بد أن يكونا معاً متلازِمَيْن مُقتَرِنَيْن تحقيقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( أَلا إنِّي أوتِيت القرآنَ ومثلَه مَعَه ))(1).
3- عَلى علماء الهوسا وطلاّب العلم منهم أن يَقوموا بواجبهم تجاهَ نقل ما يحتاج الشّعب الهوساوي إلى نقله بلغة التّخاطب بينهم، ليكون ذلك قاطعاً للطّريق أمامَ الّذين يقومون بهذا العمل الجليل وهم غير مؤهّلين له علميًّا، فعندما ينتشر الصّحيح فلا بد أن يَزهق الباطل ويَزول بإذن الله تعالى.
4- كما يَنبغي إيجاد لجنةٍ أو هيئةٍ متخصِّصة تقوم بعملية رصد كلّ ما يُطرح في السّاحة من ترجمات لكتب وأجزاء حديثيّة وتقويمها والتّمييز بين الصّحيح منها والسّقيم؛ لتكون الأمّة على بيّنة من أمرها، ويكونَ ذلك جزءاً من واجب الأمّة تجاه السُّنَّة النَّبويَّة والذّبّ عن حياضها ودفع الْمَيْنِ والكَذِب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثبت المصادر
أولا: مصادر عربيّة:
__________
(1) صحيح، سبق تخريجه.(5/54)
ألفية السيوطي (مع شرح الشيخ الأثيوبي) ط1/1414هـ مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة – السعودية.
أوضح المسالك، لجمال الدين بن هشام الأنصاري، طبع مع (ضياء السالك لمحمد عبد العزيز النجار).
التمهيد، للحافظ ابن عبدالبر، ت/مصطفى أحمد العلوي، ومحمد عبدالكبير البكري، ط/1387هـ وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.
توجيه النظر، للشيخ طاهر الجزائري، ت/عبد الفتاح أبوغدة، ط1/1416هـ، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، بحلب-سوريا.
جامع العلوم والحكم، للحافظ ابن رجب، ت/طارق بن عوض الله، ط1/1415هـ، دار ابن الجوزي، الدمام – السعودية.
حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا، للدكتور شيخو غلادنثي، ط. 1982م، القاهرة، مصر.
سبل السلام، للصنعاني، ت/محمد عبد العزيز الخولي، ط4/1379هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
السنن، لابن ماجه القزويني، ت/محمد فؤاد عبد الباقي، ط/دار الفكر ـ بيروت.
السنن، لأبي داود السجستاني، ت/محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الفكر، بيروت – لبنان.
السنن، لأبي عيسى الترمذي، ت/أحمد شاكر وآخرين، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
سير أعلام النبلاء، للحافظ الذهبي، ت/مجموعة من المحققين بإشراف شعيب الأرناؤوط، ط9/1412هـ مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان.
شرح الأربعين حديثا النووية، لابن دقيق العيد، ط. مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر، جدة.
شرح صحيح مسلم، للإمام النووي، ط2/1392هـ دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
علوم الحديث لابن الصلاح (مع التقييد للعراقي) ط2/1405هـ دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان.
عون المعبود، شرف الحق آبادي، ط2/1415هـ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ت/محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب، ط/1379هـ، دار المعرفة، بيروت – لبنان.
فتح المغيث، للسخاوي، ت/علي حسين علي، ط2/1412هـ، مكتبة الإمام الطبري.(5/55)
القاموس المحيط، للعلامة الفيروزآبادي، ط/ دار الفكر، بيروت – لبنان.
مسند الإمام أحمد، مصورة الطبعة الميمنية، مؤسسة قرطبة، مصر.
معجم البلدان، لياقوت الحموي، ط/دار الفكر، بيروت – لبنان.
المعجم الكبير، للحافظ الطبراني، ت/حمد بن عبدالمجيد السلفي، ط2/1404هـ نشر مكتبة العلوم والحكم، المدينة – السعودية.
النكت على كتاب ابن الصلاح، للحافظ ابن حجر، ت/د. ربيع بن هادي عمير، ط1/1404هـ الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
ثانيا: مصادر هوساوية:
Bincike Akan Ayyukan Alhaji Abubakar Mahmud Gummi, Na Salihu Kubau.
Fassarar Hadisi Arba'in, Na Sheikh Abubakar Mahmud Gummi, Bugun Dar Al-Arabia, Beirut-Lebanon.
Fassarar Littafin Bulugul Maram, Na Ibrahim Abubakar I Tofa.
Hausa A Rubuce: Tarihin Rubuce-Rubuce Cikin Hausa, Na Ibrahim Y. Yahay, Bugun Farko, NNPC, Zaria, Nigeria.
Siffar Sallar Annabi (S.A.W), Na Ibrahim Abubakar I Tofa.
فهرس المحتويات
مدخل…1
بيانٌ موجَز لدخول الإسلام بلادَ الهوسا وأثرُه فيهم…1
لَمْحَةٌ عن مَكَانة السُّنَّة النَّبويَّة في التّشريع الإسلاميّ…5
الفصل الأوّل: الاهتمام بتدريس السُّنَّة بلغَةِ الْهوسا…7
تدريس السُّنَّة بلغة الهوسا في الحلقات العِلمِيَّة والدّروس العامّة…7
أوّلا: الحلقات العِلمِيَّة…8
الصّنف الثّاني: الْكُتب الّتي رافقت الصّحوةَ الإسلاميّة…12
ثانيا: الدّروس العامّة…16
الفصل الثّاني: الاهتمام بترجمة كتب السُّنَّة إلى لغة الهوسا…25
دور المؤسّسات التّعليميّة في الاهتمام بترجمة كتب السُّنَّة النَّبويَّة بلغة
الهوسا…25
دور الأفراد من المشايخ وطلبة العلم في ترجمة كُتب السنّة…29
من كتب الحديث المترجمة إلى لغة الهوسا عرض وتحليل…35
الأوّل: ترجمة الأربعين النووية…35
للشيخ جومي رحمه الله:…35
الثاّني: ترجمة كتاب (بلوغ المرام من أدلّة الأحكام)…47
للشّيخ إبراهيم توفا.…47(5/56)
نظرةٌ مستقبليّة لترجمة كُتُب السُّنَّة إلى لغة الهوسا…58
الخاتمة…60
ثبت المصادر…62
أولا: مصادر عربيّة:…62
ثانيا: مصادر هوساوية:…64
فهرس المحتويات…65(5/57)
الاهتمام بالسيرة النبوية
باللغة الإنجليزية
عرض وتحليل
الأستاذ الدكتور محمد مهر علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفصل الأول: مؤلفات المسلمين وأنواعها
إن المؤلفات عن السيرة النبوية باللغة الإنجليزية عديدة ومتنوعة، وهي تنقسم إلى قسمين كبيرين هما:
( أ ) مؤلفات المسلمين.
(ب) مؤلفات غير المسلمين، ولاسيما الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية.
أما مؤلفات المسلمين فبدأت تظهر في العصر الحديث، وذلك بعد رسوخ الاستعمار البريطاني في بعض الدول الإسلامية، وبخاصة في البنغال والجزء الشمالي من شبه القارة الهندية، ومن ثم انتشار اللغة الإنجليزية تدريجياً بين شعوب تلك البلدان. ومن المعلوم أن الحكم البريطاني تأسس في البنغال في سنة 1757م/1170هـ ثم انتشر في معظم المناطق من شبه القارة، في غضون نصف قرن من ذلك الوقت. وبدأ تدريس اللغة الإنجليزية على نحو منظم في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وقررت الحكومة في البنغال سنة 1835م/1251هـ أن تكون اللغة الإنجليزية لغة التدريس بدلاً من اللغة الفارسية التي كانت سائدة في حقل التعليم والتعلم حتى ذلك التاريخ. فأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في المدارس التعليمية، والباب الوحيد للدخول في ساحة الوظائف الشاغرة للمواطنين. وفي الوقت نفسه اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات لتجريد المدرسة العالية بكلكتة من طبيعتها الإسلامية، وهي المؤسسة الرئيسة للدراسات الإسلامية في البنغال وقتذاك، وتحويلها إلى كلية لتدريس اللغتين العربية والإنجليزية، وذلك باستثناء القرآن والسنة من المقررات الدراسية. ونتيجة لهذه التطورات برز في الستينيات من القرن جيل جديد من المسلمين يتقنون اللغة الإنجليزية.(6/1)
ومن أبرز كتّاب هذا الجيل سيد أحمد خان من عليكره (Aligarh) في شمال الهند، وسيد أمير علي من كلكتة في البنغال، وكلاهما اهتم بالكتابة عن السيرة النبوية باللغة الإنجليزية. وكان الباعث وراءهما كتابات بعض المستشرقين عن السيرة وقتذاك، وبخاصة كتاب ويليم ميوير (W.Muir) والذي صدر في أربعة مجلدات في لندن بين 1858م و1861/ 1274و 1278هـ. وقد شوه فيه ميوير وجه الحقيقة عن السيرة، وبث كثيراً من الادعاءات والافتراءات. فعزم السيد أحمد خان الرد عليه، وكتب سلسلة من المقالات العلمية دحض فيها مزاعم ميوير بالأدلة النقلية والعقلية. صدرت هذه المقالات في لندن سنة 1870م/1278هـ، وأصبحت كلاسيكية منذ صدورها فجمعت فيما بعد في مجلد واحد بعنوان: مقالات في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -
"Essays on the Life of Muhammad" وطبعت عدة مرات(1).
وفي الوقت نفسه كتب السيد أمير علي(2) عن السيرة بالغرض نفسه وهو الرد على ادعاءات المستشرقين مثل ميوير، ولكنه فعل ذلك بطريق غير مباشر، وعلى نطاق أوسع فعالج موضوع السيرة وتعاليم الإسلام مجتمعة في كتاب واحد بعنوان: "فحص نقدي في سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتعاليمه" (A Critical Examination of the Life and Teachings of Muhammad) صدر الكتاب في لندن سنة 1873م/ 1290ه. وبعد عقدين عَدَّل الكتاب وحسَّنه، وأصدره من لندن سنة 1891 م بعنوان The Spirit of Islam (روح الإسلام). وقد حاز الكتاب شهرة فائقة، وأعيد طبعه عدة مرات.
ومن بداية القرن العشرين الميلادي حتى الوقت الحاضر صدر عدد كبير من المؤلفات عن السيرة من قِبل المسلمين. لا يتسع المجال هنا لحصر هذه المؤلفات، فأكتفي بالإشارة إلى الأصناف البارزة منها:
__________
(1) انظر الطبعة الجديدة، إدارة أدبية بدهلي 1981م.
(2) هذا الكاتب شيعي رافضي، ويتحدث في كتابه عن أحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من وجهة النظر الشيعية (اللجنة العلمية).(6/2)
الصنف الأول: يتكون من المؤلفات التي تعالج موضوع السيرة مجتمعة، ومن أمثال هذا الصنف:
( 1 ) The Life of Muhammad (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -) لأبي الفضل، والصادر في كلكتة سنة 1910م/1328هـ.
( 2 ) The Ideal Prophet (النبي المثالي) لخواجة، كمال الدين، والصادر في لاهور سنة 1925م/ 1344هـ.
( 3 ) Muhammad Rasulullah (محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) للدكتور محمد حميد الله، الصادر في حيدر آباد جنوب الهند سنة1974م/ 1394ه.
( 4 ) Muhammad: Seal of the Prophets (محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -) لمحمد ظفر الله خان(1)، والصادر في لندن سنة 1982م/ 1402هـ.
( 5 )The Prophet Muhammad His Life and Eternal Message (النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: حياته ورسالته الخالدة) لغلام وحيد شودهري، والصادر في لندن سنة 1995م/ 1416هـ، وغير ذلك من مؤلفات المسلمين الصادرة باللغة الإنجليزية.
والصنف الثاني: يتألف من المؤلفات التي تعالج جانباً خاصاً بالسيرة، ومنها:
( 1 ) The Battlefields of the Prophet Muhammad (ميادين القتال للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -) للدكتور محمد حميد الله، والصادر في وكنج ـ إنجلترا سنة 1953م/1372هـ.
( 2 ) Muhammad and the Jews: A Re-examination (محمد - صلى الله عليه وسلم - واليهود: فحص من جديد) لبركة أحمد، والصادر في دلهي سنة 1979م/1399هـ.
( 3 ) Organization of Government under the Holy Prophet (نظام الحكومة تحت النبي صلى الله عليه وسلم) لياسين مظهر صديقي، الصادر في دهلي سنة 1987م/ 1407هـ.
( 4 ) The Prophet,s Concept of War (مفهوم القتال عند النبي - صلى الله عليه وسلم -) لغلذار أحمد، الصادر في لاهور سنة 1986م/1406هـ .
__________
(1) المذكور قادياني (اللجنة العلمية).(6/3)
( 5 ) The Foreign Policy of Muhammad (سياسة محمد - صلى الله عليه وسلم - الخارجية) لمحمد صديق قريشي والصادر في لاهور سنة 1989م/ 1409هـ.
وغير ذلك من هذا النوع من المؤلفات، ويأتي ضمن هذا الصنف المؤلفات الخاصة بأمهات المؤمنين والصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
والصنف الثالث: يتألف من كشوف موجزة ومفيدة عن السيرة النبوية، وهي مقدمات لكتب أخرى مثل ترجمة معاني القرآن الكريم أو مؤلفات عن الإسلام.
والمثالان البارزان من هذا النوع هما:
( 1 ) مقالة علمية وعميقة عن السيرة كتبها محمد مرمديوك بكثول Marmarduke Pickthall)) مقدمةً لترجمته لمعاني القرآن الكريم(1).
( 2 ) مقالتان في السيرة كتبهما الحافظ غلام سرور ضمن مقدمته الطويلة لترجمة معاني القرآن له(2) .
والصنف الرابع: يتكون من المقالات العلمية لا عن السيرة مجتمعة، بل عن مختلف الموضوعات المتعلقة بها والمنشورة في مجلات تخصصية ودوريات تابعة لمراكز البحوث والجامعات.
وهذه بعض أمثلة تمثل هذا النوع:
( 1 ) "The Political Significance of the Constitution of Madina" (الأهمية السياسية لدستور المدينة) د ت. زين العابدين(3).
( 2 ) "Was Muhammad Illiterate?" (هل كان محمد - صلى الله عليه وسلم - أمياً؟) لـ: م. أحمد(4).
( 3 ) "Al-Hudaybia: An Alternative Version" (الحديبية
تفسير بديل) لـ: ف.ب. علي(5).
__________
(1) M.Pickthall, The Meaning of the Glorious Qur'ân, vol. i, Hyderabad, Deccan, , Introduction pp
(2) Hafiz Ghulam Sarwar, Translation of the Holy Qur'ân, first edition, London/Woking, n.d.,Introduction,pp I-Lxviii.
(3) Arabian and Islamic Studies, ed. G.R. Smith, London, ,pp. .
(4) Islam and the Modern Age, vol. , n. , , pp.
(5) The Moslem World. Vo . , , pp.(6/4)
( 4 ) " New Light on the Story of Banu Qurayzah and the Jews of Madina " (ضوء جديد على قصة بني قريظة ويهود المدينة) لـ و. عرفة(1).
( 5 ) "A critical Study of the poetry of the Prophet's time and its authenticity as the source of the sira" (دراسة نقدية للشعر في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحته مصدراً للسيرة) لـ م.م.خان (2).
والصنف الخامس: يتكون مما كتب مؤخراً في نقد وتحليل كتابات المستشرقين عن السيرة، ونذكر منه:
( 1 ) "Prophet Muhammad and his Western Critics" (النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ونقاده الغربيون) لمحمد ظفر علي قريشي، مجلدان، وصدر في لاهور سنة 1992م/1413هـ.
( 2 ) "Image of the Prophet Muhammad in the West" (صورة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في الغرب) لجبل محمد بوابن، الصادر في ليستر سنة 1995م/1416هـ.
( 3 ) "SIrat al-NabI and the Orientalists" (سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمستشرقون) لمحمد مهر علي، مجلدان، الصادر في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة سنة 1997م/1418هـ.
أما النوع السادس فيتألف مما نقله المسلمون إلى اللغة الإنجليزية من مؤلفات المسلمين في السيرة بلغات أخرى، ولا سيما اللغة العربية والأردية وأمثالهما:
( 1 ) سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لشبلي نعماني بالأُردية، قام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية محمد طيب بخش بدايوني، مجلدان، وصدر في لاهور سنة 1979م/1399هـ.
( 2 ) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للسيد أبي الحسن علي الندوي باللغة العربية، نقله إلى اللغة الإنجليزية محيي الدين أحمد، وصدر في لكهنو سنة 1979م/1399هـ.
__________
(1) Journal of the Royal Asiatic Society, , pp.
(2) Islamic Culture, vol. , . pp.(6/5)
( 3 ) الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري باللغة العربية، قام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية ونشرته المكتبة الإسلامية بالرياض سنة 1995م/1415هـ.
( 4 ) حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - لمحمد حسين هيكل باللغة العربية، ترجمه إلى اللغة الإنجليزية الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي ونشرته الأمانة الأمريكية للنشر "American Trust Publications" مع مقدمة لحسن بن عبد الله آل الشيخ، وزير التعليم العالي السعودي السابق، سنة1976م/1417هـ.
( 5 ) الترجمة الإنجليزية للسيرة النبوية لابن كثير، 4مجلدات، نشر ريدينج سنة1998م/ 1419هـ.
ويأتي ضمن هذا النوع موسوعة السيرة "Encyclopedia of Seerah" في عدة مجلدات، أعدَّها ونشرها أفضل الرحمن في لندن بين 1981م و1992م/1401هـ و1412هـ. فالموسوعة المذكورة في الأصل تأليف وترجمة لما كتبه الآخرون في السيرة والمرتب تحت عناوين مناسبة.
وليس هذا التصنيف جامعاً لوقائع السيرة كما يفهم من عنوانه، بل هو إشارة إلى أنواع المؤلفات فقط، وجميعها يستهدف فهم السيرة وتفهيمها، وإن كان بعضها موجهاً إلى عامة القراء وبعضها إلى المتخصصين والمطلعين الجادين.
الفصل الثاني: مؤلفات الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية من غير المسلمين(6/6)
إن مؤلفات الإنجليز والأوربيين عامة عن السيرة أقدم من مؤلفات المسلمين عن السيرة باللغة الإنجليزية، ويعود تاريخها إلى اتصال الأوربيين المباشر بالإسلام والمسلمين، وبخاصة إبان الحروب الصليبية1096-1273م/489-672هـ، ومنذ ذلك الوقت حتى الوقت الحاضر ما زال الأوربيون في القارة الأمريكية وأماكن أخرى يكتبون عن السيرة. وربما زاد عدد هذه الكتابات بكثير على عدد كتابات المسلمين في السيرة باللغة الإنجليزية. ولكن خلافاً لما يكتبه المسلمون، فإن كتابات الإنجليز على العموم لا تهدف إلى عرض السيرة والإسلام على الوجه الحقيقي، بل إلى تشويهها وتضليل القراء. وقبل أن نتحدث عن كتاباتهم تجدر الإشارة إلى أنها أيضاً تتنوع إلى ستة أنواع.
المبحث الأول: أنواع مصنفاتهم:
الصنف الأول: يتألف من تلك المصنفات التي تتحدث عن السيرة مجتمعة وأمثلتها:
( 1 ) The Life and Death of Mahomet (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووفاته) لولتر رالي ((Walter Raleigh والصادر في لندن سنة 1637م/1047هـ.
( 2 ) The True Nature of Imposture Fully Displayed in the Life of Mahomet (طبيعة المدعي الحقيقية المنعكسة كاملة في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -). لهمفري بريدو (Humphrey Prideaux) والصادر في لندن سنة 1697م/1109هـ.
( 3 ) "Life of Mahomet " (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -) لونشطن أرفينج Washington Irving)) والصادر في لندن سنة 1850م/1163هـ.
( 4 ) "Life of Mahomet from the Original Sources" (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -) من المصادر الأصلية، لويليم ميوير (William Muir) 4مجلدات، والصادر في لندن، 1858-1861م/1274-1278هـ.
( 5 ) The Life and Times of Muhammad (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعصره) لـ:جون باجت جلاب John Bagot Glubb))، والصادر في لندن سنة 1970م/1390هـ. وغير ذلك من هذا النوع من المؤلفات.(6/7)
النوع الثاني: يتألف من المقالات والدراسات الموجزة عن السيرة، وهي مقدمات لكتب أخرى مثل ترجمة معاني القرآن ومؤلفات عن الإسلام والتاريخ الإسلامي، ومن أبرزها:
( 1 ) مقالة عن السيرة كتبها .. هـ ستاب "H. Stubb" في مقدمة كتابه "An Account of the Rise and Progress of Mahometanism: With the Life of Mahomet" (قصة ظهور المحمدية وتقدمها: مع حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -)، والصادر في لندن سنة 1670م/1081هـ.
( 2 ) مقالة عن السيرة كتبها جورج سيل "George Sale" ضمن مقدمته لترجمة معاني القرآن له، وصدر في لندن سنة 1734م/1147هـ.
( 3 ) مقالة إدوارد جيبون Edward Gibbon)) عن السيرة في المجلد الثالث لكتابه الشهير "Fall of the Holy Roman Empire" (سقوط الإمبراطورية الرومانية المقدسة)، الصادر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي.
( 4 ) مقالة عن السيرة لـ هـ.أ.ر. جيب "H. A. R. Gibb" في مقدمة كتابه "Mohammadanism: A Historical Survey" (المحمدية نظرة تاريخية)، والصادر في أكسفورد سنة 1949م/1369هـ.
النوع الثالث: يتألف من المصنفات التي تعالج جانباً من جوانب السيرة، وأمثلتها:
( 1 ) "Aisha the Beloved of the Prophet" (عائشة رضي الله عنها: محبوبة النبي - صلى الله عليه وسلم -) لـ: نابيا أبوت "Nabia Abbott"، وصدر في نيويورك سنة1942م/1361هـ.
( 2 ) " The Ascension of the Prophet and the Heavenly Book " (معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - والكتاب السماوي) لـ:ج. وايدن جرين "G. Widengren"، والصادر في أوبسلا سنة 1950م/1370هـ.
( 3 ) "Muhamad's Prophetic Office as protrayed in the Qur'an" (الوظيفة النبوية لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كما يصورها القرآن لـ: ج. سى. ويلسون "J. C. Wilson"، وهو رسالة الدكتوراه بجامعة أدنبرة 1949م/1369هـ.(6/8)
النوع الرابع: يتألف من مقالات تعالج كل واحدة منها مختلف الموضوعات من السيرة، وصدر في مجلات ودوريات تخصصية وأمثالها:
( 1 ) "The character of Muhammad as a Prophet" (خلق محمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً) لـ:ف. بول "F. Buhl"(1).
( 2 ) "Mecca's food supply and Muhammad's boycott" تموين مكة ومقاطعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، لـ: ف. دونار "F. Donner"(2).
( 3 ) "A Note on the Sira of Ibn Ishaq" تعليقة على سيرة ابن إسحاق) لـ: أ.غيوم "A. Guillaume"(3).
( 4 ) "Constitution of Madina: A Reconsideration" (دستور المدينة: إعادة النظر فيه)، لـ: م. غيل "M. Gil(4)".
( 5 ) "The Illitrate Prophet (Nabi Ummi): An Enquiry into the Development of a Dogma in Islamic Tradition" (النبي الأمي: نظرة في تطور العقيدة في الروايات الإسلامية) لـ: أ.ي. جولد فيلد "I. Goldfield"(5).
الصنف الخامس: يتألف مما نقل إلى اللغة الإنجليزية من المؤلفات عن السيرة في بعض اللغات الأوروبية ومن الكتب العربية الأصيلة وأمثالها:
( 1 ) حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - لبولان فيليا "H. C. Boulainvilliers" ترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية بعنوان "Life of Mohammed"، والصادر في لندن سنة1731م/1144هـ.
( 2 ) محمد - صلى الله عليه وسلم - والإسلام "Mohammed and Islam" لجولد تسيهر "I. Goldziher" ترجمة من الألمانية إلى الإنجليزية مطابع جامعة ييل "Yale University" 1917م/1335هـ.
__________
(1) The Moslem World, no. I, vol. , , pp.
(2) Journal of Economic and Social History, ,pp.
(3) Bulletin of the School of Oriental and African Studies, vol. , pp.
(4) Israel Oriental Studies, vol . , , pp.
(5) Der Islam, vol . ,pp.(6/9)
( 3 ) محمد - صلى الله عليه وسلم -: الشخص ودينه "Mohammad: The Man and His Faith" لتور أندري "Tor Andrae" ترجمة من السويدية إلى الإنجليزية، صدر في نيوهامبشاير سنة 1936م/1355هـ.
( 4 ) محمد - صلى الله عليه وسلم -، لـ: م. رودنسون "M. Rodinson" ترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية، صدر في لندن سنة1971م/1391هـ.
( 5 ) ترجمة سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن إسحاق إلى الإنجليزية قام بها أ. غيوم "A. Guillaume" بعنوان: "The life of Mohammed"، وصدر في أكسفورد سنة 1955م/ 1375هـ.
والصنف السادس: يتكون من بعض الكتب في نقد الآراء المتطرفة والافتراءات التي تختص بها عامة المؤلفات عن السيرة باللغة الإنجليزية، ونقد بعض كتب المسلمين، ومنها:
( 1 ) "Apology for Mohammad" دفاع عن محمد - صلى الله عليه وسلم -، لـ: غ.هيجنس "G. Higgins"، وصدر في إله آباد سنة 1929م/1348ه.
( 2 ) "An Apology for Muhammad and the Koran" دفاع عن محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن، لـ: جون دافنبورت "John Davenport"، صدر في لندن سنة 1869م/1286هـ.
( 3 ) "Muhammad in Europe: A Thousand Years of Mythmaking" محمد - صلى الله عليه وسلم - في أوروبا: ألف سنة من صناعة الأساطير. لـ: م. ريفس "Minion Reeves"، صدر في لندن، سنة2000م/ 1421هـ.
( 4 ) "A Modern Arabic Biography of Muhammad: A Critical Study of Muhammad Husyan Hykal's Hayat Muhammad, by A Wessels" ترجمة حديثة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - باللغة العربية: دراسة نقدية لكتاب حياة محمد لمحمد حسين هيكل. لـ:أ.ويسلس، وصدر في ليدن سنة 1982م/1392هـ.
وباستثناء الصنف الأخير فإن جميع مؤلفات الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية من غير المسلمين تتسم بسمة واحدة، وهي العدوان والهجوم على السيرة والإسلام بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة وإن كانت تختلف في الأساليب والمناهج.(6/10)
ويمكن تحديد ثلاث مراحل في تطور هذه الكتابات عن السيرة.
المبحث الثاني: مراحل التأليف عن السيرة باللغة الإنجليزية
تمتد المرحلة الأولى من العصور الوسطى إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. في هذه الفترة كانت الكتابات عن السيرة مبنية تماماً على غاية الجهالة والغرض المشبوه، وكان الهدف الرئيس وراءها تحريض الشعوب الأوربية ضد الإسلام والمسلمين، ولا سيما من أجل الحروب الصليبية التي كانت جارية حوالي قرنين، فكان المؤلفون الأوربيون يصفون الإسلام طوال هذه الفترة على أنه تطور شيطاني يستحق المقاومة والقضاء عليه، وكانوا يقولون إن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - نوع جديد من الوثنية وأن محمداً يدَّعي نفسه إلهاً، ويطلب من أتباعه عبادته. ونتيجة لهذه الادعاءات المبثوثة عبر قرنين من الزمن اكتسبت الكلمة "Mammet/Maumet" كما كانوا يتهجون اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتسبت معنى الصنم لدى الإنجليز. وقد أدخلت الكلمتان "memmetry/memmet" بمعنى الصنم والوثنية؟ في المعاجم الإنجليزية(1).
والمرحلة الثانية بدأت من منتصف القرن الخامس عشر الميلادي واستمرت حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. في هذه المرحلة بدأ الأوربيون يعرفون الإسلام والمسلمين أكثر مما كانوا يعرفونهما من قبل، وذلك بسبب تعاملهم المتزايد مع الأتراك العثمانيين. فعرفوا أن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس بدين الوثنية وما الله بإله كاذب، ولكنهم تصوروا الآن أنه نبي كاذب ونشر دينه الباطل حسب قولهم بالخداع والقوة. وهذه التصورات الخاطئة في جميع الكتابات عن السيرة كانت في هذه المرحلة.
__________
(1) انظر Chambers Twentieth Century Dictionary الطبع لـ:1954م ص:644(6/11)
فمثلاً مارتن لوثر، الزعيم الشهير للحركة الإصلاحية في النصرانية "The Reformation Movement" يقارن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبابا "Pope" ويصف كلاً منهما بأنه عبد الشيطان وهما عدو المسيح عيسى عليه السلام(1). ومع ذلك فإن لوثر أدرك أن الإسلام ليس بدين الوثنية، هو دين التوحيد. ولكن تعصبه الشديد حوَّله عن الحق فانتابته المخاوف طوال حياته بأن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - قد يغلبه فحذر نفسه والنصارى قائلاً:
"The abominable Muhammad almost became my Prophet, and both Turks and Jews were on the way to sainthood... So take my advice, do not celebrate too soon. Watch out that your skill does not desert you. Be concerned, be humble, and pray that you may grow in this art and be protected against the crafty Devil."(2).
(إن محمداً البغيض كاد يكون نبياً والأتراك واليهود كانوا على طريق القداسة الخالصة.. فخذوا نصيحتي ولا تفرحوا قبل الأوان وكونوا حذرين لكي تأمنوا الشيطان المكار).
وكذلك كانت أفكار فولتير "Voltaire" بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فألف كتاباً متعصباً في السيرة بعنوان: "La fanatisme au Mahomet le Prophet" (التعصب على محمد النبي) قال فيه:
__________
(1) Martin Luther, Lectures etc., quoted in M. Reeves, Muhammad in Europe: etc., London, , p.
(2) Martin Luther's Works, tr. J. Pelikan, St. Louis, , vol. ,pp. , quoted in ibid, p.(6/12)
"But when a camel driver stirs up rebellion, claims to have coversed with Gabriel, and to have received this incomprehensible book, in which every page does violence to sober reason, when he murders men and abducts women to force them to believe in this book, such conduct can be defended by no man unless he is a born Turk, or unless superstition has choked all of the light of nature in him".
(ولكن عندما يثير جمَّالٌ فتنةً، ويدَّعِي أنه تكلم مع جبريل وتلقى هذا الكتاب غير المفهوم وكل صفحة فيه تخالف العقل السليم، عندما يغتال الناس ويختطف النسوة لإجبارهم على الاعتقاد بهذا الكتاب، ولا يمكن الدفاع عن هذا السلوك من قبل أي رجل إلا أن يكون تركياً بالنسل، أو أن تكون الخرافة قد خنقت نور الفطرة فيه برمتها).
وفي إنجلترا كتب همفري بريدو "Humphrey Prideaux" كتاباً في نهاية القرن السابع عشر الميلادي تفوق فيه على جميع السابقين له في الادعاءات والافتراءات على نبي الإسلام. وصدر كتابه سنة1697م/1108هـ بعنوان:
"The True Nature of Imposture Fully Displayed in the Life of Mahomet" (طبيعة المدّعي الحقيقية متوافرة كاملة في حياة محمد) والعنوان إشارة وافية لما يحتويه الكتاب.
مثلاً يقول بريدو:
]"Muhammad made[ such a religion as he thought might best go down, he drew up a scheme of that imposture he afterwards deluded them with, which being a medley made up of Judaism, the several heresies of the Christians then in the East, and the old pagan rites of the Arabs, with an indulgence to all sorts of Sensual Delights, it did too well answer his Design in drawing men of all sorts to the embracing of it"(1).
__________
(1) H. Prideaux, The True Nature of Imposture etc., p.(6/13)
(إن محمداً صنع ديناً بصورة تجعله مقبولاً حسب ظنه، فدبر مكايد الخداع الذي خدع به الناس وهو دين مزيج مشوش من اليهودية وبدع النصارى المنتشرة في الشرق وقتذاك ونسك الوثنية القديمة للعرب مع إطلاق العنان للغرائز الشهوانية بجميع أشكالها وقد خدم هذا خطته الماكرة في جذب جميع الأصناف ممن يطمع في اعتناقه الإسلام).
كما أيقظ بريدو الادعاء القديم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مصاباً بداء الصرع وأضاف أنه استخدم علامات هذا الداء احتيالاً لتلقي الوحي.
يقول بريدو:
"And whereas he was subject to the Falling Sickness, whenever the fit was upon him. He pretended it to be a trance, and that then the Angel Gabriel was come from God with some new revelations unto him"(1).
(وحيث إنه كان مصاباً بداء الصرع فكلما جاءته نوبة المرض ادعى أنها غيبوبة وأن الملك جبريل يأتيه بوحي جديد من الله إليه).
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي؛ أي بعد نصف قرن من صدور كتاب بريدو أعاد إدوارد جيبون "Edward Gibbon" جميع هذه الادعاءات والتهم ما عدا تهمة داء الصرع، في المجلد الثالث من كتابه الشهير: "Decline and Fall of the Holy Roman Empire" (انحطاط الإمبراطورية الرومانية المقدسة وسقوطها).
يقول جيبون:
إن محمداً مع إنجازاته السياسية كان خادعاً ماكراً وأنه لو كان مخلصاً في العهد المكي، .... لَماَ انزلق إلى الخداع بعد الهجرة وتحول إلى انتهازي سياسي مع إطلاق العنان للشهوات، وأنه كان:
__________
(1) Ibid., p. 0(6/14)
"... a memorable instance ... of how a wise man may deceive himself, how a good man may deceive others, how the conscious may slumber in a mixed and muddled state of self– illusion and voluntary fraud"(1).
(مثلاً بارزاً.. كيف يمكن رجلاً حكيماً أن يخدع نفسه، وكيف يمكن رجلاً صالحاً أن يخدع الآخرين.. وكيف يهجع الضمير في خليط مشوش من خداع الذات والاحتيال الاختياري).
كما يقول جيبون: إن محمداً انتصر على العالم النصراني الشرقي بواسطة القرآن في إحدى يديه والسيف في الأخرى.
هذه هي بعض أمثلة الكتابات عن السيرة في المرحة الثانية.
__________
(1) E. Gibbon, Decline and Fall of the Holy Roman Empire, vol. iii, p. , quoted in Clinton Bennet, In search of Muhammad, London & New York, , p. .(6/15)
أما المرحلة الثالثة فبدأت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك إثر انتشار الاستعمار البريطاني في بعض الدول الإسلامية وبدء الأنشطة التنصيرية المنتظمة فيها من قبل عدة جمعيات إرسالية. وتزامنت هذه التطورات مع وقوع عديد من المصادر العربية الأصلية للسيرة في متناول الأوربيين والإنجليز، فأصبح من الضروري إعادة النظر في الأساليب المتبعة حتى ذلك الوقت في معالجة السيرة. وفي الواقع أشار توماس كرليل "Thomas Carlyl" إلى اتجاه جديد في سلسلة من المحاضرات ألقاها سنة 1840م/1256هـ عن الأبطال وعبادة البطل في التاريخ "On Heroes and Hero Worship in History" ومفاد قوله إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان مخلصاً في اعتقاده أنه نبي، ولكنه كان مخطئاً في اعتقاده هذا. ومن ذلك الوقت بدأ الكتَّاب الأوربيون والإنجليز يشيرون إلى إخلاص النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يتركوا ادعاء الخداع تماماً، كما أنهم بدؤوا في استخدام المصادر العربية الأصلية على نحو متزايد في معالجتهم للسيرة، مع محاولاتهم في التشكيك بها حسب الضرورة أو تحريف معاني نصوصها والافتراضات من أجل التمسك بالادعاءات والافتراءات الموروثة من أسلافهم. وسيتضح هذا لو نظرنا إلى ثلاثة من أبرز ما كتب عن السيرة من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حتى الوقت الحاضر، وهي:
( 1 ) "William Muir: Life of Mahomet from the Original Sources, 4 vols., London, " (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - من المصادر الأصلية) لوليم ميوير، في أربعة مجلدات، صدر في لندن سنة1858-1861م/1275-1278هـ.
( 2 ) "D. S. Margoliouth: Mohammed and the Rise of Islam, London, " (محمد - صلى الله عليه وسلم - وطلوع الإسلام) لـ:د.س. مرغوليوث، والصادر في لندن سنة 1905م/1323هـ.(6/16)
( 3 ) "W. M. Watt: Muhammad at Mecca and Muhammad at Medina, vols., Oxford, and " (محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة)، لـ:و.م. وات، وصدر في أكسفورد سنة1953م/1372هـ و1956م/1375هـ.
المبحث الثالث: كتاب ميوير عن السيرة
كان ميوير من كبار موظفي الحكومة البريطانية في الهند وكانت له صلة وطيدة مع الجمعيات الإرسالية العاملة في الهند وقتذاك، ولا سيما مع المنصِّر الشهير كارل غوتالب فندار "Carl Gottaleb Pfander" الذي كان يعمل في البنغال وشمال الهند. وفي الواقع كان ميوير حكماً من جانب النصارى في المناظرة بأكرا سنة 1853م/1269هـ بين فندر والشيخ رحمة الله الكيرانوي، وكان فندر هو الذي حرض ميوير على تصنيف كتاب عن السيرة كما يعترف به ميوير في مقدمة كتابه.
وفي ذلك الوقت صدر عدد من المصادر للسيرة. ففي سنة 1856م/1272هـ طبع بكلكتة ترجمة موجزة لمغازي الواقدي، وقام بها المستشرق الشهير فون كريمر "Von kremer" بعنوان:
"History of Muhammad's Campaigns by Aboo Abd-Allah Mohammad Omar al-Waqidi"
كما صدر في الوقت نفسه الإصابة لابن حجر العسقلاني، والطبقات لابن سعد، وذلك بتحقيق ويليم ناسؤليز "William Nassau Lees" وهو عميد المدرسة العالية بكلكتة وقتذاك. وفي أوربا صدرت سيرة ابن هشام سنة 1859م/1275هـ بتحقيق: ف. وستنفلد
"F. Wustenfeld".
استفاد ميوير من هذه المصادر، وكتب في أول الأمر ثلاث مقالات عن السيرة بعناوين:
(مولد محمد - صلى الله عليه وسلم - وطفولته)
"The Birth and Childhood of Mahomet"
و(حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - من شبابه إلى سن الأربعين)
"The Life of Mahomet, from his youth to his fortieth year"
و(اعتقاد محمد - صلى الله عليه وسلم - في الوحي إليه)
"Belief of Mahomet in his inspiration".(6/17)
صدرت هذه المقالات الثلاث في عددين متتالين من مجلة كلكتا ريفيو "The Calcutta Review" لسنة1852م. وتجدر الإشارة إلى أن المقالين الأول والثاني هما الفصلان الأولان في كتابه عن السيرة.
يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول مخَصَّص للكلام على مصادر السيرة. وخلاصة قول ميوير في هذا الموضوع أن الكتب في السيرة مثل كتاب ابن إسحاق متحيزة ومليئة بأساطير وقصص غير معقولة، فينبغي تنقيحها وتأويل الحقائق المسجلة فيها. أما الأحاديث/ الروايات فجميعها أو أغلبها مفتريات من قبل الأطراف المعنية، فلا يعتمد عليها إلا التي هي لغير صالح النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه ـ يقول ميوير ـ لا يمكن إشاعة مثل هذا النوع من الروايات إلا أن تكون صحيحة.
إن ميوير مخطئ في مزاعمه هذه بالنسبة للمصادر، وهو يتجاهل الحقيقة الهامة أن العلماء المسلمين وضعوا ضوابط وقواعد دقيقة لتمييز الروايات الصحيحة من الموضوعة. ولكن هدفه خفي وهو تمهيد السبيل إلى التلاعب بالمصادر وطرح الافتراضات لصالح آرائه. على أية حال فإن خَلَفَهُ مثل جولد تسيهر "Goldziher" وشاخت "J. Schacht" قد اتخذا تلميحاته في كتابيهما عن السنة. حتى نولديكه يعتمد على إشارات ميوير في كتابته عن تاريخ القرآن(1).
يسعى ميوير لتطبيق نظرياته بشأن المصادر في معالجته العهد المكي والعهد المدني في الجزأين الأخيرين من كتابه، فيشكك في المعلومات التي لا تتفق مع آرائه أو يحرف معناها ويستخدم الروايات المؤيدة لنظرياته بدون النظر في أسانيدها وصحتها، ويلجأ إلى الافتراضات والظنون في كثير من الأمور. وبهذه الأساليب يعيد ويضخم جميع الادعاءات والافتراءات القديمة والمتعلقة بالموضوعات الرئيسة للسيرة.
__________
(1) انظر اعتراف نولديكه في مقالاته عن القرآن في الموسوعة البريطانية الطبعة التاسعة 1891م ص597 وما بعدها.(6/18)
أولاً: بالنسبة لخلفية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقول ميوير: إن الكعبة ليست لها أية صلة بإبراهيم عليه السلام وإن الذبيح هو إسحاق لا إسماعيل عليهما السلام، ثم يفترض أن المستعمرين الأولين بمكة كانوا من سكان اليمن الذين جاؤوا إليها بالوثنية وعبادة الحجر، وهم الذين بنوا الكعبة، وربطوا دينهم وعبادة الحجر الأسود بها وببئر زمزم. أما هاجر وإسماعيل فسكنا في فاران في شمال الجزيرة العربية، ثم بعد زمن طويل جاءت قبيلة إسماعيل إلى مكة نظراً لأهميتها التجارية وسكنت فيها. فهم الذين استوردوا الأسطورة الإبراهيمية، وطعموها بالكعبة والخرافات الموجودة هناك. فاستخدم محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد هذه الأسطورة الإبراهيمية لغرضه(1).
ثانياً: أما بالنسبة لحياته - صلى الله عليه وسلم - المبكرة يجدد ميوير الادعاء القديم أنه كان مصاباً بداء الصرع الذي تصاحبه الغشية والغيبوبة، وأنه استخدم هذه القرائن فيما بعد لتلقي الوحي(2).
ثالثاً: يعيد ميوير الادعاء أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان طموحاً للتقدم والرقي واستهدف توحيد الجزيرة العربية سياسياً وإخضاعها لسلطته.
يقول ميوير:
"Behind the quiet retiring exterior of Mahomet lay hid a high resolve, a singleness and unity of purpose, a strength and fixedness of will; a sublime determination, destined to achieve the marvellous work of bowing towards himself the heart of all Arabia as the heart of one man" (3).
__________
(1) Muir, Life of Mahomet etc., st edition, vol. i, pp. cxi, cxv, cxxv- cxxvi.
(2) المرجع نفسه: ص21-24
(3) Muir, Life of Mahomet etc., third edition, pp.(6/19)
(كان وراء ظهور محمد - صلى الله عليه وسلم - وشخصيته الهادئة والانطوائية عزيمة مخفية وتفانٍٍ في سبيل هدف واحد، وقوة الإرادة والثبات وهمة سامية، جميعها موجهة إلى إنجاز العمل البديع وهو إخضاع الجزيرة العربية إليه كقلب رجل واحد).
كما يقول ميوير بهذا الصدد إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - أعد نفسه للدور الذي قام به فيما بعد، وذلك بحضور المنافسة الأدبية في أسواق عكاظ وذي المجنة.
رابعاً: وامتداداً لادعائه السابق، يكرر ميوير الحجة القديمة أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوَّد بالمعلومات عن الديانتين اليهودية والنصرانية وقد أتى بها من أفراد اليهود والنصارى الموجودين في مكة والمدينة والذين لقيهم خلال رحلتيه إلى الشام، ولا سيما من أفراد مثل ورقة بن نوفل بمكة، كما يكرر ميوير ما كان قد قاله بريدو من قبل: أن انطباع محمد - صلى الله عليه وسلم - لهاتين الديانتين كان خاطئاً، حيث حصل على معلوماته من الكاثوليك المنحرفين.
يقول ميوير:
".... the misnamed catholicism of the Empire thus grievously misled the mastermind of the age, and through him eventually so great a part of the eastern world."(1).
(هكذا أضلت الكثلكة في الإمبراطورية عقل العصر المدبر، ومن ثم الجزء الكبير من العالم الشرقي).
خامساً: بالنسبة لأمر الوحي والرسالة يقول ميوير: (إنها من نتائج تأمل محمد - صلى الله عليه وسلم - وتدبره في غار حراء، فتبادر إلى ذهنه بعض التصورات عن الله والبعث بعد الموت والتي أشاعها في قطع صغيرة من الشعر وتعبيرات زاخرة بالعواطف. فالوحي من ذات محمد - صلى الله عليه وسلم - ونفسه وهو أمر نفسي على الأرجح)(2). وقد سبق أن أشرنا إلى أن ميوير يربط داء الصرع المزعوم بالوحي.
__________
(1) المرجع نفسه: ص20-21.
(2) المرجع نفسه: ص35-41.(6/20)
سادساً: وبالنسبة للمرحلة الأولى للدعوة، يقول ميوير: (إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لم يتخل عن الوثنية تماماً في بداية الأمر وأنه لم يدَّع النبوة إلا بعد أن قال له المشركون إنهم لو كان قد أرسل إليهم نبي لآمنوا به)(1).
كما يصدق ميوير قصة الغرانيق، ويقول: (إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قام بالاتفاق مع الوثنيين وإنه كان في الواقع يتلقى الوحي من الشيطان).
يقول ميوير:
"Our belief in the power of the Evil One must lead us to consider this as at least one of the possible causes of the fall of Mahomet... into the meshes of deception. May we conceive that a diabolical influence and inspiration was permitted to enslave the heart of him who had deiliberately yielded to the compromise with the evil".
(إن اعتقادنا بقوة الشيطان ليقودنا إلى الأخذ في الاعتبار أن هذه كانت على الأقل من أسباب محتملة لسقوط محمد - صلى الله عليه وسلم - في شبكة الخدعة. ويمكننا أن نتصور أن أثراً شيطانياً قد أوحى إليه واستولى على القلب الذي استسلم عمداً للتسوية مع الشر).
هكذا يعيد ميوير بعبارات أخرى ما كان قد قاله مارتن لوثر وبريدو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مُدَّعياً، وتابعاً للشيطان.
سابعاً: أما بالنسبة لمعارضة المشركين فيتعاطف ميوير مع اعتراضاتهم ويقلل من معاناة المسلمين واضطهادهم، يقول ميوير: (إن المسلمين الأرقاء الذين لم تكن لهم صلة وطيدة مع أسر ذات نفوذ في المجتمع تعرضوا للعذاب، ولكن الذين ينتمون إلى الأسر والقبائل نجوا من خطر الاضطهاد)(2).
ثامناً: أما بالنسبة للهجرة فيقول ميوير مثل قول جيبون من قبله: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحول إلى رجل دولة واستخدم الوحي لتحقيق أغراضه الدنيوية والشخصية)(3).
__________
(1) المرجع نفسه: ص42-43.
(2) المرجع نفسه: ص 61.
(3) المرجع نفسه: ص53.(6/21)
تاسعاً: أما بالنسبة للعلاقة مع مكة بعد الهجرة، فيعيد ميوير كذلك الحجة القديمة (أنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالاعتداءات والهجوم على قريش، وأنها قاتلت دفاعاً عن نفسها فقط)(1).
يقول ميوير:
"Vindictive thoughts died out of Mecca... The thoughts of Mahomet, on the other hand, from the day of his flight, were not thought of peace. In his revelation vengeance was threatened against his enemies – a vengeance not postponed to a future life, but immediate and overwhelming even now. Sheltered in his present refuge, he might become the agent for executing the divine sentence, and at the same time truimphantly impose the true religion on those who had rejected it. Hostility to the Coreish lay a seed germinating in his heart; it wanted but a favourable opportunity to spring up"(2).
(إن أفكار الضغينة خمدت في مكة، ولكن أفكار محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تكن من يوم هجرته أفكار سلام، ففي وحيه جاء التهديد بالانتقام على أعدائه. انتقام لا يؤجل إلى مستقبل الأيام بل هو عاجل وساحق على الفور. وكان بإمكانه ـ وهو آمن في مأواه الحالي ـ أن يكون منفذاً للحكم الإلهي وفي الوقت نفسه أن يفرض دينه وينتصر على الذين كانوا قد رفضوه. كان العدوان على قريش كامناً في صدره كبذرة ناشئة تنتظر فرصة ملائمة لتنبت).
عاشراً: أما بالنسبة لمعاملته - صلى الله عليه وسلم - ليهود المدينة، فيتهمه بالظلم والقسوة عليهم ويخفف أو يخفي دورهم المعادي والخياني ونقضهم العهود(3).
__________
(1) المرجع نفسه ص196-206.
(2) المرجع نفسه: ص196.
(3) المصدر نفسه ص: 234-235 ، 271-276 ، 304-312.(6/22)
حادي عشر: وكعادة السابقين له يتهم ميوير النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشهوة بسبب تعدد زوجاته رضي الله عنهن، كما يقول في زواجه - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها (أنه استعان بوحي إلهي لإنقاذ سمعته)(1).
ثاني عشر: فإن ميوير لا يعيد الحجة القديمة أنه - صلى الله عليه وسلم - نشر وفرض دينه بالقوة والعنف فحسب بل يعيد أيضاً ادعاء مارتن لوثر ومَنْ قبله (أن الإسلام خطر على الغرب والحضارة)، فيقول في ختام كتابه:
"The sword of Mahomet and the Coran are the most stubborn enemies of Civilisation, Liberty and Truth which the world has yet known"(2).
(إن سيف محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن هما ألدُّ أعداء الحضارة والحرية والحق حتى الآن).
هكذا يعيد ميوير جميع الادعاءات والافتراءات المبثوثة من قبله، وذلك بأساليب وافتراضات شتى، وجميع هذه الادعاءات والافتراضات باطلة وقابلة للدحض بالأدلة النقلية والعقلية. وفي الواقع قد فَنَّدْتُ تلك التي تخص العهد المكي في كتابي "سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمستشرقون"(3)، وأنوي معالجة البقية في مؤلف آخر إن شاء الله. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع ما كتب عن السيرة باللغة الإنجليزية بعد ميوير ينتهج منهجه في تكرير الادعاءات المشار إليها بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة، مع الغلو فيها، وبالإضافة إليها بنظريات جديدة وافتراضات فرعية. فلننظر إلى كتاب مرغوليوث في السيرة.
المبحث الرابع: كتاب مرغوليوث: "Mohammed and the Rise of Islam"
__________
(1) المصدر نفسه: ص238.
(2) المصدر نفسه: ص506.
(3) M. M. Ali, Sîrat al-Nabî and the Orientalists, Vols., Madina,(6/23)
صدر كتاب مرغوليوث " Mohammed and the Rise of Islam" (محمد - صلى الله عليه وسلم - وطلوع الإسلام) سنة 1905م/1323هـ. ويقع الكتاب في 13فصلاً إضافة إلى المقدمة والفهارس. يتحدث مرغوليوث في المقدمة عما كتب عن السيرة من قبله مشيراً إلى كتاب ميوير وكتابات نولديكه وجولدتسيهر عن القرآن والسنة، ويقول: (إن موقفه من المصادر يتفق وموقف أولئك المؤلفين). ولكنه يقول: (إن ميوير عالج السيرة من وجهة نظر النصارى)، فيدعي هو لنفسه الموضوعية في معالجة السيرة. لكنه في الواقع يفعل عكس ذلك ويشن هجوماً أعنف على النبي - صلى الله عليه وسلم - مكرراً جميع ادعاءات ميوير ومن قبله.
أولاً: في موضوع خلفية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصلة الكعبة بإبراهيم عليه السلام لا يؤيد مرغوليوث آراء ميوير فحسب، بل يخطو خطوة إلى الأمام قائلاً: (إن الأسطورة الإبراهيمية تبدو وكأنها قد تطورت بكاملها بعد أن طرأت حاجة سياسية لها في العهد المدني)(1).
ولا يتوقف مرغوليوث إلى هذا الحد بل يسيء إلى نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: (إنه ينحدر من أسرة رذيلة)، ثم يحاول إثبات ذلك عن طريق تفسير محرف لبعض الأحاديث من مسند أحمد(2). كما يقول: (إنه - صلى الله عليه وسلم - كان قبل البعثة يعبد الأصنام) ويستدل لذلك بحديث عروة بن الزبير رضي الله عنه، ونصه: ((قال: حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول لخديجة: والله لا أعبد اللات والعزى والله لا أعبد أبداً. قال: فتقول خديجة: خل اللات خل العزى، قال: كانت صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون))(3).
__________
(1) Margoliouth, Mohammed etc. p.
(2) المرجع نفسه: ص45-51.
(3) مسند أحمد (4/222) قال محقق المسند: إسناده صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين غير جار خديجة... وهو صحابي وجهالته لا تضر. المسند تحقيق الأرنؤوط (29/467).(6/24)
يخطئ مرغوليوث في فهم العبارة الأخيرة من الحديث فيظن أنها تشير إلى عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - للأصنام.
ثانياً: يعيد مرغوليوث ـ مثل ميوير ـ زعم داء الصرع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويربط هذا الزعم بكيفية نزول الوحي، قائلاً: (إنه - صلى الله عليه وسلم - اكتسب المهارة في إحداث القرائن للداء المزعوم احتيالاً لتلقي الوحي)(1).
ثالثاً: كما يكرر مرغوليوث مزاعم طموح النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعداده نفسه للدور الذي قام به فيما بعد. ويحرف بهذا الصدد معاني سورة الشرح وآية من سورة هود(2)، كما يقول ـ مثل ميوير ـ: (إن هدفه - صلى الله عليه وسلم - كان سياسياً من البداية، وهو توحيد الجزيرة العربية بواسطة دين خاص. ويقول: إنه كان يزور سوق عكاظ للتعرف على فن الشعر من الشعراء المنافسين هناك، فاستخدم هذه الخبرة فيما بعد لإملاء القرآن(3). ويقول أيضاً: إنه - صلى الله عليه وسلم - شارك في حرب الفجار لنيل الرفعة والسمعة(4).
رابعاً: كذلك يحذو مرغوليوث حذو السابقين له في ادعاء الاقتباس من اليهودية والنصرانية، ويقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - تأثر على الأخص بمفهوم النبي والوحي والكتاب السماوي الموجود في هاتين الديانتين. كما يكرر الزعم القديم أن معرفته - صلى الله عليه وسلم - باليهودية والنصرانية كانت خاطئة وسطحية، ولكنه لم يعتنق النصرانية لا نتيجة لذلك ـ كما يظن ميوير ـ بل لأنه كان طموحاً ومدركاً تمام الإدراك أن اعتناق النصرانية يقتضي الاعتراف بسيطرة الإمبراطورية البيزنطية(5).
__________
(1) Margoliouth, Mohammed etc. pp.
(2) المرجع نفسه: ص64-65
(3) المرجع نفسه: ص59.
(4) المرجع نفسه: ص65.
(5) المرجع نفسه: ص77-87.(6/25)
ويضيف قائلاً: إن معرفة محمد - صلى الله عليه وسلم - باليهودية والنصرانية تحسنت تدريجياً مع مضي الزمن وهذا يدل على أنه كان يستغل الفرص المناسبة حيث جاءت للحصول على معلومات أكثر عن هاتين الديانتين(1).
خامساً: أما بالنسبة لموضوع الوحي والرسالة فيقول مرغوليوث: إن هذا الأمر كان خداعاً من البداية إلى النهاية. ويستدل على ذلك بكتاب ف.بودمور "F. Podmore" بعنوان: "Modern Spiritualism" (الروحانية الحديثة) صدر في لندن سنة 1903م/1321هـ ويقول فيه الكاتب: (إن رجلاً شريفاً يستطيع أن يكون خادعاً في الوقت نفسه) (2). وفي هذا الصدد يقارن مرغوليوث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوسف سميت "J.Smith"، مؤسس فرقة مرمون الأمريكية "Mormon Sect"، الذي تجول في الغابة فترة من الزمن ثم جاء بكتاب مدَّعياً أنه قد أنزل إليه. كذلك ـ يقول مرغوليوث ـ بدأ محمد - صلى الله عليه وسلم - حياته النبوية بعد فترة من الانعزال(3).
وقد سبق أن أشرنا إلى أن مرغوليوث يربط داء الصرع المزعوم بأمر الوحي، ويقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - اكتسب المهارة في إحداث أعراض احتيال لتلقي الوحي.
إن ما يقوله بودمور في كتابه بشأن خداع رجل شريف والذي يتبناه مرغوليوث ليس بجديد، بل هو إعادة لما كان قد قاله جيبون "Gibbon" قبل حوالي قرنين. وإن مرغوليوث يعيد ادعاء الخداع مباشرة في حين يعيده ميوير عن طريق غير مباشر.
__________
(1) المرجع نفسه: ص106.
(2) المرجع نفسه: ص86.
(3) المرجع نفسه: ص90(6/26)
سادساً: أما بالنسبة للمرحلة المبكرة للدعوة فيؤيد مرغوليوث جميع ما يقوله السابقون له بهذا الشأن، ويضيف إليه ادعاءات جديدة ـ مثلاً ـ يحرف قول ابن إسحاق بشأن إخفاء الدعوة في أول الأمر، ويقول: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - وضع نفسه على رأس جمعية سرية "Secret Society" وجذب إليها أفراداً مثل أبي بكر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ بشتى الوسائل المشكوك فيها(1).
ويعزو مرغوليوث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غرضاً عسكرياً في أمر الهجرة إلى الحبشة، فيقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - أرسل جمعاً من أصحابه إليها للحصول على مساعدتها العسكرية ولكي يعود أولئك المهاجرون على رأس جنود من الحبشة منتصرين(2). كما يصدق مرغوليوث قصة الغرانيق ويقدم بهذا الصدد نظرية غريبة وبعيدة كل البعد عن الحقائق قائلاً: إنه - صلى الله عليه وسلم - قام بهذه التسوية المزعومة مع المشركين من أجل التخلص من حصارهم على بني هاشم(3).
وهكذا يعيد مرغوليوث ادعاءات السابقين له بالنسبة لبقية الموضوعات المهمة للسيرة.
سابعاً: يتعاطف مع معارضة المشركين واعتراضاتهم، حتى يندم على فشلهم في مؤامرتهم في قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - عشية هجرته إلى المدينة(4).
ثامناً: يقول: إنه بعد الهجرة تحول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل دولة، واستخدم الوحي لأغراضه السياسية والشخصية.
تاسعاً: يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان بادئاً بالعدوان على قريش فجعل نفسه على رأس شرذمة من اللصوص لنهب القوافل التجارية(5).
عاشراً: طرد محمد - صلى الله عليه وسلم - يهود المدينة وعذبهم ظلماً وعدواناً(6).
__________
(1) المرجع نفسه، الفصل الثالث.
(2) المرجع نفسه: ص157-166.
(3) المرجع نفسه: ص171-173
(4) المرجع نفسه: ص208.
(5) المرجع نفسه: ص236 وما بعدها..
(6) المرجع نفسه: الفصل التاسع.(6/27)
حادي عشر: كان محمد - صلى الله عليه وسلم - شهوانياً(1).
ثاني عشر: فرض الإسلام على الجزيرة بالسيف والقوة(2).
وهكذا يعيد مرغوليوث الادعاءات القديمة ويضخمها. والآن للنظر في مؤلفات وات في السيرة.
المبحث الخامس: مؤلفات وات في السيرة
إن الادعاءات والافتراءات وتشويه الحقائق بأجمعها تصل إلى ذروتها على يد مونتغمري وات وذلك على الأخص في كتابيه "Muhammad at Mecca" (محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة) و"Muhammad at Medina" (محمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة)، صدرا في أكسفورد سنتي 1953م/1372هـ ـ 1956م/1375هـ حسب ترتيب الذكر.
وله كتابان آخران في السيرة هما: "Muhammad Prophet and Statesman" (محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي ورجل دولة) و"Muhammad's Mecca" (مكة محمد - صلى الله عليه وسلم -)، صدرا في سنتي 1961م/1381هـ ـ 1988م/1408هـ حسب الترتيب المذكور. وكلاهما مبني على الكتابين الأولين.
يقع كتاب (محمد في مكة) في ستة فصول وثمانية ملاحق، وكتاب (محمد في المدينة) في عشرة فصول واثني عشر ملحقاً. يتحدث وات عن العهد المكي حسب الترتيب الزمني ولكنه يعالج العهد المدني لا حسب الترتيب الزمني بل حسب الموضوعات. ومع هذا الاختلاف في خطة الكتابين فإن كلامه في العهدين المكي والمدني يدور في الجوهر حول الادعاءات والافتراءات التي قدمها السابقون له، وبخاصة مرغوليوث وميوير. ويختص وات بأنه يجمع ويتبنى جميع الادعاءات السابقة، ثم يلبسها بافتراضات وافتراءات أخرى، ويصنع بذلك نظريات غريبة وباطلة كما سنرى.
__________
(1) المرجع نفسه: ص66.
(2) المرجع نفسه: الفصلان الحادي عشر والثاني عشر.(6/28)
يدَّعي وات في مقدمة كتابه الموضوعية وعدم الانحياز، ويقول: إنه لن يقول في كتابه شيئاً يتطلب نبذ أية عقيدة أصلية في الإسلام، ولكنه في الحقيقة ينوي عكس ذلك ـ كما يفعل مرغوليوث ـ فيتسرع بالقول: ومع أن هناك مجالاً لإعادة النظر فيما يقوله علماء الغرب بشأن الإسلام، فإن هناك أيضاً مجالاً لإعادة صياغة العقائد الإسلامية(1).
هكذا يقول وات مع الحذر في الكلام: إن المسلمين لا يفهمون دينهم فهماً صحيحاً، بل إنه هو الذي يفهمه على الوجه الصحيح، كما أن قوله هذا يشير إلى نياته الحقيقية، وهي ليست تشويه السيرة فحسب، بل تضليل القراء المسلمين. وفي الواقع يبدي وات هدفه في الفقرة التالية من مقدمته ونصها:
"In so far as Christianity is in contact with Islam, Christians must adopt some attitude towards Muhammad and that attitude ought to be based on theological principles. I would readily admit that my book is incomplete in this respect, but would claim that it presents Christians with the historical material which must be taken into account in forming the theological judgement"(2).
(وبقدر ما يتعلق باتصال النصرانية بالإسلام فإنه لا بد للنصارى من أن يتخذوا موقفاً من محمد، وأن يكون ذلك الموقف مبنياً على مبادئ دينية. وسأعترف طواعية بأن كتابي ناقص من هذه الناحية، ومع ذلك فإني أدَّعي أنه يقدم للنصارى المادة التاريخية التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار لصياغة ذلك الحكم الديني).
وهكذا يعترف وات أن هدفه تنصيري وهو تزويد النصارى بالمادة التاريخية لهذا الغرض.
__________
(1) Watt, Muhammad at Mecca, Introduction p. x.
(2) Ibid.(6/29)
أما موقفه من مصادر السيرة فلا يختلف من موقف ميوير ومرغوليوث. وفي الواقع يشير إلى آرائهم ويلفت النظر خاصة إلى كتابات نولديكه ولامنس وجولدتسيهر وشاخت في هذا الموضوع. فيستخدم الروايات المؤيدة لآرائه بدون النظر في أسانيدها، وينتقد تلك التي لا تؤيد نظريته، كما يحرف معانيها ومعاني الآيات القرآنية حسب الحاجة.
وحسب ما يقوله بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة فهو كما يلي:
أولاً: بالنسبة لخلفية النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلة الكعبة بإبراهيم عليه السلام فيتبنى وات رأي مرغوليوث أن الأسطورة الإبراهيمية كانت قد طورت في العهد المدني ويضيف إليه مزاعم أستاذه ريتشارد بل "Richard Bell" أنه - صلى الله عليه وسلم - قام بتعديل الآيات القرآنية المتصلة بهذا الموضوع في العهد المدني(1).
كما يقلل من نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا الغرض يحرف معنى الآية (31) من سورة الزخرف: ? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( كما يخفف مكانة عبد المطلب في المجتمع المكي، ويقول إنه تفاوض مع أبرهة الأشرم حين هجومه على الكعبة للحصول على بعض المميزات التجارية ضد بعض بني عبد شمس وبني مخزوم(2).
ثانياً: أما بالنسبة لحياته - صلى الله عليه وسلم - المبكرة فيتفق وات مع مرغوليوث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعبد الأصنام قبل بعثته، كما يقبل زعم داء الصرع عن طريق غير مباشر قائلاً: (إنه - صلى الله عليه وسلم - تعود إحداث علامات ذلك الداء لتلقي الوحي)(3).
ثالثاً: أما بالنسبة لمزاعم طموح النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعداده نفسه للدور الذي قام به فيما بعد، فيوسع وات قول السابقين له في هذا الصدد ويطرح ما يسميه تفسيراً اقتصادياً لظهور النبي والإسلام. ويدور تفسيره هذا حول ثلاث ركائز، هي:
__________
(1) المرجع نفسه: ص31-33-49.
(2) المرجع نفسه: ص14
(3) المرجع نفسه: ص58(6/30)
( 1 ) كانت مكة مدينة تجارية قد خرجت من مرحلة الاقتصاد اليدوي على مرحلة الاقتصاد التجاري.
( 2 ) ونتيجة لذلك فقد انكسر التكافل القبلي وبرزت ظاهرة الفردانية "Individualism".
( 3 ) كانت هناك منافسة تجارية شديدة بين فريقين من قبائل مكة يترأس أحدهما بنو هاشم، والآخر بنو مخزوم وبنو عبد شمس.
ويقول وات: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان في شبابه ممنوعاً عن دائرة التجارة الرابحة ومن ثم كان يعاني الشعور بالحرمان "Sense of deprivation"، وهذا ما دفعه إلى الأمام(1).
كما يربط وات حرب الفجار وحلف الفضول بهذا التفسير الاقتصادي والمنافسة التجارية. وخلاصة كلامه أن الحركة الإسلامية كانت في الأصل نضالاً بين الطبقتين الأولى والثانية في المجتمع المكي وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه كانوا هم الطبقة الثانية.
إن هذا التفسير الاقتصادي لوات مبني على اقتراحات الآخرين مثل لامنس وتوري "C.C.Torrey" وإنه فاسد وباطل كما أثبتناه في كتابنا "سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمستشرقون"(2).
رابعاً: وبالنسبة لمزاعم الاقتباس من اليهودية والنصرانية فإن وات لا يعيدها فحسب بل يقول مثل قول مرغوليوث: أن معلوماته - صلى الله عليه وسلم - كانت خاطئة وناقصة في بداية الأمر وتحسنت مع مرور الوقت.
ويستدل لهذا بالآيات القرآنية المتعلقة بقصص إبراهيم ولوط عليهما السلام، ويقول: إن هذه الآيات تدل على أن معرفة محمد - صلى الله عليه وسلم - بقصص الأنبياء كانت تتحسن وأنه كان يتلقى المعلومات عن فرد أو أفراد ذوي صلة به(3). ويحاول إثبات هذا القول بتحريف معنى الآية(103) من سورة النحل: ( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( . والآيتين من سورة الفرقان: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الفرقان:4-5].
__________
(1) المرجع نفسه: ص51-52.
(2) M. M. Ali, op. cit., chapters IV & XXIV
(3) Watt, Muhammad at Mecca, p.(6/31)
كما يقول وات: (إنه - صلى الله عليه وسلم - اقتبس الأفكار العلمية الخاطئة والسائدة في ذلك الوقت، وهذا من الأخطاء العلمية في القرآن)(1). ويجادل وات أيضاً في أمية النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: (إنه لم يكن بدون معرفة الكتابة والقراءة كما يظن المسلمون وأن كلمة "الأمي" في القرآن تعني بدون كتاب مُنَزَّل لديهم) (2).
خامساً: أما بالنسبة للوحي فيتبع وات كذلك السابقين له في معالجته الموضوع ويضيف إليها اقتراح أستاذه "ييل" أن المَلَك جبريل عليه السلام لم يكن معروفاً لدى محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل العهد المدني وأنه ظن أنه رأى الله في غار حراء، ولكن ظنه هذا كان نمطاً نفسياً له. ومن أجل إثبات هذا الادعاء يقسِّم وات رواية عروة بن الزبير بهذا الشأن إلى (11)قطعة ويحرف معنى كل واحدة منها(3). ومثل مرغوليوث الذي يستند إلى كتاب بودمور في معالجته للوحي، يلجأ وات إلى كتاب بولين "A.Poulain" عن اللاهوت، وهو بعنوان: "The Interior Graces of Prayer" (لطائف باطنية للدعاء) والصادر في لندن سنة1928م/1347هـ، وذلك لإثبات أن الوحي كان منبثقاً عن ذات محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان عبارة عن محاورة كلامية ذهنية أو فكرية "Intellectual or Imaginative locution" له(4).
كما يكرر وات ما يقوله أستاذه "ييل": (أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم بتعديل الآيات القرآنية من حين لآخر، وأنه أجاد تقنية الاستماع إلى ما كان قد نسي أو فقد من الوحي واسترجاعه)(5).
وقد سبق أن أشرنا إلى أن وات يتفق مع مرغوليوث في زعمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتاد إحداث داء الصرع المزعوم لتلقي الوحي.
__________
(1) Watt, Muhammad's Mecca, pp.
(2) المرجع نفسه: ص52.
(3) Watt, Muhammad at Mecca, pp.
(4) المرجع نفسه: ص52-58.
(5) المرجع نفسه: ص58.(6/32)
سادساً: بالنسبة للمرحلة الأولى للدعوة يحاول وات مثل ميوير تعيين التعاليم القرآنية الأولية ويقول: (إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتخل عن الوثنية تماماً في بداية الأمر ولم يكن توحيده خالصاً، كما يصدق قصة الغرانيق، ويطرح بهذا الصدد نظرية غريبة وعارية من الصحة وهي: أن معارضة المشركين بدأت بعد أن ألغى النبي - صلى الله عليه وسلم - التسوية المزعومة التي كان قد أبرمها، وبعد أن تراجع عن اعترافه بآلهتهم(1).
سابعاً: وبالنسبة لمعارضة المشركين يتعاطف وات مثل ميوير مع اعتراضهم ويقلل من أمر المشركين واضطهادهم للمسلمين.
يقول وات:
"... the persecution of the Muslims was mild and did not include any acts strictly forbidden by custom. The frequent references in the Qur'an to Muhammad's opponents are largely concerned with their verbal criticisms of his message and of himself. There is... mention of plots and schemes against Muhammad and the Muslims, but hardly of anything that really merits the name of persecution"(2).
(إن اضطهاد المسلمين كان خفيفاً ولم يشمل إجراءات يمنعها العرف منعاً باتاً. والإشارات المتكررة في القرآن إلى معارضي محمد - صلى الله عليه وسلم - تخص إلى حد كبير بانتقاداتهم الشفوية والكلامية لدعوته ولنفسه. إن هناك ذكراً للمكايد والمخططات ضد محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن من النادر أن يستحق أن يسمى اضطهاداً).
ويضيف قائلاً: (إن العنف أصاب فقط بعض الأرقاء مثل بلال وعامر ابن فهيرة رضي الله عنهما).
ثامناً: وبالنسبة للهجرة فيعدها وات مثل ميوير ومرغوليوث منعطفاً، ويقول: (بعدها تحول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل دولة ووجه جميع إجراءاته إلى تحقيق أهدافه السياسية).
__________
(1) المرجع نفسه: الفصلان الثالث والرابع.
(2) المرجع نفسه: ص123.(6/33)
تاسعاً: وبالنسبة للعلاقة مع قريش والأحداث العسكرية التي تلت فيتهم وات مثل الآخرين النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعدوان على قريش. وفي الواقع يسمِّي الفصل الأول من كتابه (محمد في المدينة) والذي يتحدث فيه عن الأحداث العسكرية حتى معركة بدر بـ(استفزاز قريش) "Provocation of Quraysh" والفصل الثاني الذي يتحدث فيه عن جميع الأحداث العسكرية حتى نهاية غزوة الخندق بـ(فشل الرد المكي) "The Failure of the Meccan Riposte".
عاشراً: كذلك يعالج وات موضوع علاقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيهود المدينة معالجة متحيزة للغاية، ومن أجل ذلك يذهب إلى القول: (إن اليهود لم يبرموا أية معاهدة معه في صحيفة المدينة وأن مكانته في المدينة حتى فتح مكة لم تكن مختلفة من مكانة أي رئيس من رؤساء القبائل والفصائل الأخرى في المدينة). ولإثبات هذه النظرية يحرف وات معاني بنود صحيفة المدينة(1). كما يتعاطف مع محاولات المنافقين ضده ويسميها (معارضة المسلمين) "The Muslim Opposition" للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة(2).
حادي عشر: كذلك يشن وات هجوماً على خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أساس تعدد زوجاته المطهرات رضي الله عنهن وأمور أخرى، ولو بطريقة غير مباشرة، وذلك بعنوان: "The Alleged Moral Failures" (القصور الخلقي المزعوم) (3).
ثاني عشر: ويقول وات مثل قول السابقين له إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - فرض الإسلام على الجزيرة العربية بالقوة وإن دينه خليط من اليهودية والنصرانية والوثنية العربية القديمة(4).
الخاتمة
يتضح مما سبق أن ميوير ومرغوليوث ووات يعيدون الادعاءات والافتراءات نفسها بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة.
__________
(1) Watt, Muhammad at Medina, chapters V,VI and Vll.
(2) المرجع نفسه: ص 180-191
(3) المرجع نفسه: ص 324-334
(4) المرجع نفسه: الفصل الرابع والفصل التاسع.(6/34)
كما أن مواقفهم من المصادر متساوية ومتطابقة. ولهم افتراضات ونظريات أخرى في كثير من الأمور الفرعية للسيرة. فلا فرق بين معالجتهم للسيرة إلا في الأساليب والافتراضات والنظريات من أجل التوصل إلى نفس الاستنتاجات. وجميع ما كتبه أعداء الإسلام من المستشرقين عن السيرة في القرن الماضي يعيد بطريق أو آخر ما يطرحه ميوير ومرغوليوث ووات من الادعاءات والافتراءات.
وما هذه الادعاءات والاستنتاجات إلا إعادة في الجوهر لما كان قد كتبه مؤلفو العصور الوسطى والعصر الحديث المبكر. ومن هذه الناحية لا فرق بين الكتابات عن السيرة في القرنين الماضيين والكتابات من قبلها. فالكتابات قبل القرن الثامن عشر الميلادي تعتمد عموماً على المصادر الثانوية والإشاعات التي وصلت إلى أوربا بطرق شتى عن الإسلام والمسلمين، والكتابات بعد القرن الثامن عشر الميلادي، وبخاصة بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، تستخدم المصادر العربية الأصلية ولكنها تقوم بالتشكيك فيها أو تحريف معاني نصوصها أو الاعتماد على روايات ضعيفة وموضوعة بدون النظر في أسانيدها وصحتها، وذلك من أجل تأييد الادعاءات والافتراءات القديمة.
وإن إشاعة هذه الادعاءات والافتراءات عبر تعاقب العصور من قبل العديد من الجامعات والمؤسسات والمراكز الاستشراقية قد أثرت تأثيراً واسعا في دوائر المثقفين والجامعيين ومن ثم في تكوين الرأي العام عن الإسلام والمسلمين في الغرب خاصة، وفي شتى أنحاء العالم التي تسود فيها اللغة الإنجليزية عامة.(6/35)
فعندما يكتب كاتب معاصر كتاباً بعنوان: "الآيات الشيطانية" فهو في الحقيقة يبدي تأثره بما يقوله مثلاً مارتن لوثر ومنتغومري وات بهذا الصدد، وعندما يدَّعي بعض الناس في الغرب أن الإسلام خطر وتهديد للحضارة والحرية والسلام، ويقارنه مع الإرهاب فإنه يعيد ما كان قد قاله ميوير قبل قرن ونصف قرن: (إن القرآن وسيف محمد - صلى الله عليه وسلم - هما ألد أعداء الحضارة والحرية والحق).
والله المستعان على ما يصفون والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع
( ) Ali, M. M. Sirat al-Nabi and the Orientalists, Vols., king Fahd Complex for the Printing of the Qur'an,.
( ) Ali, Sayyid Amir, The Spriti of Islam, reprinted Delhi,.
( ) Bennet, Clinton, In Search of Muhammad, Cassell, London & New York, .
( ) Buaben, Jabal Muhammad, Image of the Prophet Muhammad in the West, Lecester,.
( ) Daniel, Norman, Islam and the West: The Making of an Image, Oxford,.
( ) Davenport, John, An Apology for Mohammed and the Koran, London, .
( ) Hussain, S.S., Misconceptions About Prophet Muhammad, karachi, .
( ) Khan, Sayyid Ahmad, Essays on the Life of Muhammad, reprinted Delhi,.
( ) Margoliouth, D. S. Mohammed and the Rise of Islam, third edition, London,.
( ) Muir William, Life of Mahomet from the Original Sources, 4 vols., London .
( ) Qureshi, Zafar Ali, Prophet Muhammad and his Western Critics, vols., Lahore,.
( ) Reeves, Minion, Muhammad in Europe: A Thousand Years of Myth-Making, Garnet, Reading,.
( ) Watt, William Montgomery, Muhammad at Mecca, Oxford,.
___, Muhammad At Medina, Oxford,.
___, Muhammad Prophet and Statesman, Oxford,.
___, Muhammad's Mecca, Edinburgh,.(6/36)
فهرس المحتويات
الفصل الأول: مؤلفات المسلمين وأنواعها…1
الفصل الثاني: مؤلفات الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية من غير المسلمين…10
المبحث الأول: أنواع مصنفاتهم:…11
المبحث الثاني: مراحل التأليف عن السيرة باللغة الإنجليزية…17
المبحث الثالث: كتاب ميوير عن السيرة…24
المبحث الرابع: كتاب مرغوليوث:…34
المبحث الخامس: مؤلفات وات في السيرة…40
الخاتمة…50
المراجع…52
فهرس المحتويات…53(6/37)
الاهتمام بالسيرة النبوية
باللغة البنغالية
عرض وتحليل
إعداد
أبو بكر محمد زكريا
ماجستير في العقيدة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فإن مما يشرفني أن ألبي دعوة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في الاشتراك في ندوة "عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية" ببحث عن "الاهتمام بالسيرة النبوية في اللغة البنغالية" عرض وتحليل.
وقد قمت بتخطيط هذا الموضوع، فجعلته في مقدمة، وتمهيد يشتمل على نبذة عن اللغة البنغالية والمتكلمين بها، ومدى اهتمامهم بالسيرة النبوية، وبيان مصادر السيرة النبوية، ومدى استفادتهم منها. وجعلت أصل الموضوع في ستة فصول، مضيفاً معها خاتمة مختصرة، كالتالي:
الفصل الأول: مصنفات أوّلية تشتمل على بعض جوانب السيرة النبوية: عرض وتحليل.
الفصل الثاني: المصنفات الكاملة الأولية عن السيرة النبوية باللغة البنغالية: عرض وتحليل.
الفصل الثالث: بعض مصنفات غير المسلمين في السيرة النبوية باللغة البنغالية: عرض وتحليل.
الفصل الرابع: المصنفات الأصيلة للسيرة النبوية في اللغة البنغالية: عرض وتحليل لأهمها.
الفصل الخامس: المصنفات المترجمة في السيرة النبوية إلى اللغة البنغالية: عرض وتحليل لأهمها.
الفصل السادس: الاتجاهات الحديثة للسيرة النبوية في اللغة البنغالية: عرض وتحليل.
الخاتمة: وفيها بيان أهم النتائج.(7/1)
هذا وقد ألّف في ببليوجرافيا مؤلفات السيرة النبوية باللغة البنغالية كتب عديدة، من أهمها: كتاب الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة باللغة البنغالية، حاول المؤلف أن يجعل كتابه ببليوجرافيا شاملة لجميع الكتب التي ألفت إلى عام1998م، وقد استفدت منه في كثير من أماكن البحث كما سيتضح ذلك لاحقاً.
…تمهيد
نبذة عن اللغة البنغالية:
اللغة البنغالية من فصيلة اللغات الهندية الأوروبية(1). وقد اختلف الناس قديماً وحديثاً في نسبة هذه اللغة إلى جذورها، فبينما يذهب فريق إلى أنها من أصل سنسكريتي(2)، يذهب الآخرون إلى أن أصلها من البالية أو البراكريتية، والصحيح أن أصلها من البالية، وقد دخل فيها ألفاظ سنسكريتية بكثرة في الآونة الأخيرة(3)؛ لظهور شخصيات بارزة(4) تحت الاستعمار البريطاني، وقد كان الهندوس في البداية يستنكفون أن يتكلموا بهذه اللغة؛ لأن المسلمين هم الذين قاموا بتطويرها(5)، وهم الذين تكلموا بها في البداية تحت حكام أسرة بال البوذية(6)
__________
(1) انظر ما ذكره غوستاف لوبون: حضارات الهند ص(479)، ومحمد شفيق غربال: الموسوعة العربية الميسرة (1/412)، و(2/1558)، جدول اللغات، وقد حرفت الكلمة إلى "السنغالية" وهي البنغالية.
(2) انظر ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية (8/187).
(3) ينظر: تاريخ تطور ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة البنغالية ص(7).
(4) منهم رابندرناته طاغور الحائز بجائزة نوبل لأدبه الرفيع، وهو هندوسي، يؤمن بقداسة اللغة السنسكريتية، فأدخل فيها ألفاظاً سنسكريتية كلما سنح له، ومنهم أيضاً: بنكيم جندر جترابادّاي، وهو أيضاً هندوسي متعصب، وكان جل جهده إخضاع هذه اللغة لسيطرة السنسكريتية؛ وقد نجح إلى حد كبير لما أعطي له من براعة في الصياغة.
(5) انظر ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية (8/189).
(6) ينظر: تاريخ تطور ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة البنغالية ص(6)، وانظر كتاب الشيخ إي كي إيم نذير أحمد: دخول الإسلام في بنغلاديش ص(20ـ22). وانظر أيضاً ما جاء في الجريدة الأسبوعية "عرفات" مقالة عبدالرحمن، 19/فبراير، 1969م ص(37).(7/2)
، وأنفة الهندوس للمسلمين وللغاتهم مشهورة.
والشخص المتمكن من اللغات إذا سافر البنغال الغربي ـ التابع للهند حالياً(1) ـ وسافر بنغلاديش يلاحظ فرقاً كبيراً من حيث كثرة الكلمات العربية والفارسية(2) والأردية في كلام أهل بنغلاديش، بخلاف أهل البنغال الغربي، فإنه سيلاحظ هناك كثرة الألفاظ السنسكريتية نتيجة الترك المتعمد للألفاظ العربية والفارسية والأردية، فكانوا يستبدلون بها ألفاظاً سنسكريتية أو محلية(3).
__________
(1) عاصمتها كوليكاتا.
(2) دخلت الكلمات الفارسية والعربية والتركية بغزارة إبان حكم الحكام المسلمين لبنغال، حتى أصبحت جزءاً من اللغة البنغالية، نلاحظ وجود هذه الألفاظ في الإدارة والحرب، وإيراد الدولة والمحاكم، والدين والعبادات، التعليم، والأجناس والديانات والمهن، والثقافة والمدنية، شؤون عامة وآراء في الحياة. فأسهمت الفارسية بنحو 2500 كلمة في مفردات البنغالية بصفة عامة، وبنحو 2000 كلمة أخرى في مفردات المسلمين الذين يقطنون الجزء الجنوبي الشرقي خاصة. أما الألفاظ العربية فدخولها باللغة البنغالية كانت بكثرة، وقد كتبت عدة رسائل في تأثير اللغة العربية على اللغة البنغالية في عدة جامعات.
ينظر: دائرة المعارف الإسلامية (8/187ـ189).
(3) انظر تفصيل الكلام في ذلك في دائرة المعارف الإسلامية (8/187).(7/3)
والناطقون باللغة البنغالية يؤلفون نسبة كبيرة من سكان العالم، حدد بعضهم بأنهم 3? من مجموع سكان العالم(1)، والصحيح أن نسبتهم أكثر من هذا، فقد جاء في بعض الإحصائيات أن عدد الناطقين باللغة البنغالية يصلون إلى 215 مليون نسمة(2). ولعل السبب في تقليل بعض الإحصائيات من أعدادهم: أن كثيراً ممن يحصون عدد الناطقين باللغة البنغالية لا يحصون إلا سكان بنغلاديش وسكان البنغال الغربي، مع أن الجزء الكبير من آسام، وأوريسا، وبهار وبعض مقاطعات جنوب الهند يتكلم أيضاً باللغة البنغالية.
ويتبين ذلك بمعرفة المنطقة التي تسمى ببنغال، فإنه على الرغم من أن حدود البنغال كانت تتغير كثيراً وبخاصة الغربية منها والشمالية الشرقية، فإن مساحتها وتخومها الأساسية ظلت في حالها في العهد الإسلامي من هذا الوقت إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي عندما عينت حدودها تعييناً ثابتاً بأمر من الإمبراطور أكبر، فأملاك سلاطين البنغال كانت تشمل معظم النواحي الحديثة لبَردِوان ثم وكالات داكا وراج شاهي، وبهاكلبور وشمالي بتنا(3)، واتسع إلى الجنوب إلى حدود بورما مضيفاً إليها بعض مناطق تريبورا.
مصادر السيرة النبوية في الإسلام:
للسيرة النبوية مصادر في الإسلام، وهي:
القرآن الكريم؛ فالقرآن الكريم ينبئنا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أماكن كثيرة جداً(4).
__________
(1) AlShamsi.Net ™.
(2) ويتحدث باللغة البنغالية أكثر من 215 مليون نسمة. wwww.ksu.edu.sa/kfs-website/source/-
(3) انظر دائرة المعارف الإسلامية (8/182ـ183).
(4) لقد قام كثير من المعتنين بالسيرة في اللغة البنغالية بحصر هذه الأماكن من القرآن الكريم، من ذلك ما قام به الشيخ محمد أبو القاسم بهونيان في كتابه: دراسة السيرة النبوية في اللغة البنغالية ص(15ـ17).(7/4)
كتب الحديث النبوي؛ فإن كتب الحديث حوت أغلب ما وقع في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من وقائع، بل المحدثون هم حملة هذا العلم بأمانة بترتيب بديع.
أشعار وأبيات الصحابة في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -(1).
كتب السير والمغازي.
كتب التواريخ.
كتب دلائل النبوة.
كتب الشمائل.
كتب تاريخ مكة والمدينة.
وقد روي في هذه المصادر ـ ما عدا القرآن الكريم ـ كثير من الروايات عن السيرة النبوية بعضها صحيحة، والبعض الآخر ضعيفة.
اهتمام الناطقين باللغة البنغالية بالسيرة النبوية:
الكلام على اهتمامهم بالسيرة النبوية مرتبط بشيئين أساسيين:
أولاً: بدخول الإسلام في هذه المنطقة.
ثانياً: بتنمية الأدب البنغالي.
أما دخول الإسلام في منطقة بنغال: فقد كان على أيدي الدعاة والتجار، بل يذكر أهل بنغال أن هناك صحابياً من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - اسمه: أبو وقاص مالك بن وهيب(2) هاجر إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة، ومن هنا خرج للتجارة إلى الصين مع بعض رفقائه، وقد مر ببعض المناطق الساحلية من البنغال، فلعل هذا أول مسلم نزل في هذه المنطقة، ويحتمل إسلام بعض أهل المنطقة على يده(3). وليس عندنا من الوثائق ما يدل على صحة ما ذكروا.
__________
(1) مثل قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وديوانه، وديوان كعب بن مالك الأنصاري، وديوان حسان بن ثابت، وديوان عبدالله بن رواحة وغيرها.
(2) لم أجد بهذا الاسم أي صحابي في كتب التراجم، فلا أدري من أين يذكرونه، نعم، وهناك أبو الوقاص غير منسوب عند ابن حجر في الإصابة في الكنى، فلا أدري هل هو هو أو غيره؟.
(3) انظر: دخول الإسلام في بنغلاديش/ الأستاذ إي كي إم نذير أحمد ص(20ـ21). وانظر أيضاً: مقالة في جريدة المدينة الشهرية، محيي الدين خان، بعنوان: بنغلاديشئ إسلام (الإسلام في بنغلاديش ص(40ـ41).(7/5)
ولكن ثبت بيقين أن الإسلام دخل في منطقة البنغال في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد ما بين سنة 786م إلى 809م(1)، وقد وُجِدت في منطقة راج شاهي ومنطقة كوملا من بنغلاديش أنواعٌ من العملات التي تحمل اسم الخليفة العباسي هارون الرشيد مما يدل على دخول المسلمين إلى منطقة البنغال في زمانه إما للتجارة والدعوة وإما للدعوة وحدها(2).
ثم دخل الدعاة والتجار إلى هذه المنطقة بصفة عامة واستوطنوها، ولهذا لما أخذ اختيار الدين محمد بختيار مقاليد الحكم في البنغال من الحاكم المحلي الهندوسي سنة 1203م، كانت فيها فئة كبيرة من المسلمين، فلم يواجه الحاكم المسلم "بختيار" أية صعوبة تذكر من جهة الشعب(3).
أما اللغة البنغالية: فقد تزامن تطور هذه اللغة ونموها مع دخول الإسلام في هذه المنطقة(4)، حتى برزت فرعاً متميزاً قبل أن يحكم المسلمون البنغال بنحو ثلاثمائة سنة، وازدهرت من حيث هي أدب إقليمي زهاء قرن ونصف القرن بعد الفتح الإسلامي.
الفصل الأول: مصنفات أوّلية تشتمل على بعض جوانب السيرة النبوية: عرض وتحليل
__________
(1) راجع المصادر السابقة، وانظر أيضاً: تداول القرآن في اللغة البنغالية / د. مجيب الرحمن ص(24ـ29)، وتاريخ تبليغ القرآن الكريم ومائة عام على ترجمته باللغة البنغالية / د. مفخر حسين خان ص(19).
(2) راجع: كتاب الأستاذ الدكتور محمد مهر علي/ The History of the Muslims of Bengal ص(30).
(3) راجع: دخول الإسلام في بنغلاديش / إي كي إم نذير أحمد ص(20ـ22).
(4) ينظر: الدكتور مهر علي: The History of the Muslims of Bengal ص(30)، وانظر أيضاً: دائرة المعارف الإسلامية (8/189).(7/6)
لم تكن هناك حركة علمية لدى المسلمين في ذلك الزمان كما هو الآن، ولم تكن كتب السيرة النبوية التي كتبها علماء المسلمين متوافرة لديهم، بل كان معيار العلم والفضل وقتذاك مجرد معرفة قراءة القرآن وحفظ بعض السور بالتجويد، سواء فهموا معناها أو لم يفهموها، ولهذا كانت هناك محافل عامة يحضر فيها الناس لاستماع خطب بعض العلماء، وهم يذكرون لهم السيرة النبوية بما أعطيت لهم من سبل وتوافرت لديهم من إمكانات.
ولعل أول محاولة لتقريب السيرة النبوية إلى أفهام الدارسين من المسلمين هي التي قام بها الشاعر "زين الدين" في مؤلفه"رسول بيجوي" (فتح الرسول) عن مآثر النبي صلى الله عليه وسلم، تحت رعاية السلطان يوسف شاه (1478ـ1481م)(1). وكان ذلك في القرن الخامس عشر الميلادي.
أما في القرن السادس عشر الميلادي، فقد ظهرت عدة كتب تتضمن جوانب من السيرة النبوية، فقد ألف شاه بريد خان (1517ـ1585م)كتابه المسمى "رسول بيجوي" (فتح الرسول).
ثم ظهر في الساحة الشاعر سيد سلطان، (1550ـ1648م)، وألَّف كتباً عديدة تشتمل على جوانب من السيرة النبوية، وهي: رسول بيجوي، (فتح الرسول)، شب إئ معراج، (ليلة المعراج) نبي بنغشه (أسرة النبي) فقد ضمنها كثيراً من حكايات السيرة النبوية(2).
وألف الشيخ بران (1555ـ1615م) كتاباً سماه بـ"نور نامه" يتضمن خلق محمد - صلى الله عليه وسلم - وحقيقة خلقه(3).
وألف مير محمد شفيع (1559ـ1630م) كتابين في السيرة النبوية باللغة البنغالية، هما: نور قنديل، ونور نامه. وهما يتحدثان عن (خرافة) حقيقة النور المحمدي(4).
__________
(1) دائرة المعارف الإسلامية (8/190).
(2) طبعت بعض هذه الكتب مجموعة باسم "نبي بنغش" من قبل "بنغله أكاديمي" بعناية الأستاذ أحمد شريف.
(3) كما يصوره الشاعر.
(4) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(55).(7/7)
أما في القرن السابع عشر، فقد ألفت ثلاثة كتب تتضمن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -،فألف الشيخ ساند (1560ـ1625م) "رسول بيجوي" (فتح الرسول)، وألف عبدالحكيم (1620ـ1690م) كتابين، الأول: نور نامه،(1) والثاني: رسول بيجوي (فتح الرسول).
وفي القرن الثامن عشر، ألفت ثلاثة كتب تتضمن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فألف المدعو فقير ساند كتاباً بعنوان: "نبي نامه"، وألف عبدالكريم خوندكار كتاباً بعنوان "نور نامه"، وألف الشاعر غلام رسول كتاباً آخر بعنوان: "رسول بيجوي كابّى" (قصيدة فتح الرسول).
ثم جاء القرن التاسع عشر، فمن بدايته إلى الخمسينيات كان هناك امتداد لما سبق من سيطرة النظم التقليدية القديمة في السيرة النبوية، فقد أُلفت ثلاثة كتب مهمة، فقد ألف المدعو عبدالحميد كتاباً وسماه "أبهودئي، أبهيرباب، شيش نبي حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم -" (النبي حضرة محمد - صلى الله عليه وسلم - وجوده وطلوعه)، وألف منشي شاه خاجا عبدالرحيم كتاباً وسماه" نبي نامه"، كما ألف محمد ظهير الدين كتاباً آخر باسم "سيد المرسلين". هذه الكتب كلها كانت بالنُّظُم التقليدية القديمة.
تقويم هذه الكتب:
__________
(1) وقد طبع بعناية "بنغله أنين بورد" (مجلس تحسين اللغة البنغالية) سنة 1970م.(7/8)
لم يكن لدى مصنفي السيرة النبوية باللغة البنغالية في تلك الحقبة الزمنية من مصادر السيرة النبوية الأصيلة إلا نزرٌ يسير، مع قلة الاستفادة منها؛ لعدم وجود من يتقن لغة هذه الكتب، ولهذا نرى أن هذه الكتب التي ألفت باللغة البنغالية في السيرة النبوية والتي كانت بالنظم التقليدي القديم، لم تكن موثقة، بل نلاحظ على أغلب هذه الكتابات الغلو والإطراء، فهم يذكرون أن وجود هذه الكائنات من أجل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أول المخلوقات، وسبب وجود الموجودات، وتكاد تكون هذه الأشياء المحور الأساس لهذه المصنفات، ولعل السبب في ذلك أنهم كانوا مستهدفين من قبل بعض الهندوس الذين كانوا يؤلفون مؤلفات وينشدون أغاني وأشعاراً لإظهار تفوق إلههم بِشْنُو على كل شيء(1)، فأمام هذه التحديات قام هؤلاء بما كانت لديهم من معارف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يمكنهم توخي الصحة فيها، فذكروا أقاصيص وحكايات سمعوها من العلماء أو الدعاة الذين أسلموا على أيديهم، حاولوا بها إضفاء القداسة على شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يفعل الهندوس في بعض آلهتهم.
ولم تكن اللغة البنغالية في تلك الفترة بتلك الدرجة من الرقي والثراء، ولهذا نجد في هذه المنظومات كثيراً من الألفاظ القديمة التي ترك استخدامها حالياً من قبل عموم الناطقين بها، فالاستفادة منها قليلة جداً الآن، ولهذا بقي معظمها في قسم المخطوطات دليلاً على الآثار القديمة لهذه اللغة(2)، فلم تنل اهتماماً كبيراً من قبل المختصين.
الفصل الثاني: المصنفات الأولية الكاملة في السيرة النبوية باللغة البنغالية: عرض وتحليل
__________
(1) المصدر السابق (8/90ـ91).
(2) أغلب هذه المخطوطات الآن في المكتبة المركزية لجامعة داكا، وقسم المخطوطات لـ"بنغله إكاديمي" داكا.(7/9)
شهدت الستينات من القرن التاسع عشر ظهور نمط آخر من المؤلفات في السيرة النبوية باللغة البنغالية، حيث ظهرت المؤلفات بالنثر بصفة عامة، والسبب في ذلك أن النثر البنغالي أخذ مسيره في الأوج والرقى، ونجد أول مصنف في النثر البنغالي في السيرة النبوية لمؤلف مجهول ويتضمن275 صفحة باسم "محمد جيبون سريت" (سيرة محمد وحياته) والمطبوع سنة 1858هـ بكوليكاتا، والكتاب مخصص للسيرة النبوية، أجاد فيه مؤلفه في بعض الجوانب، ولكنه لم يتحر الروايات الصحيحة.
ثم ألف المدعو عبدالغفور كتاباً بعنوان "خير بركت" في السيرة النبوية. واستمرت الكتابة بالنثر فيما بعد مع تخلل بعض المصنفات المنظومة فيما بعد، ولكن السيطرة الكاملة كانت للنثر، فقد ألف في السبعينات ثلاثة كتب في السيرة النبوية تتضمن كثيراً من جوانب السيرة النبوية، فألف: ضمير الدين كتابه الموسوم بـ: "واجهة النبي"، كما ألف المدعو صادق علي كتابه بعنوان "حالات النبي" وألّف عبدالله بن سلام كتابه: "هزار مسئله" أي: ألف مسألة وهي إجابة عن ألف سؤال تتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته.
تقويم هذه المؤلفات:
سدت هذه المؤلفات فراغاً في تلك المرحلة الزمنية، وأثرت كثيراً في ثقافة عموم الناطقين باللغة البنغالية، ولكنها كلها لا تخلو من الملاحظات، فإن مصادر السيرة النبوية الأصيلة لم تكن بتلك الدرجة لدى معظم مصنفي هذه الكتب، كما أن الأغلبية الساحقة منهم لم يكن لديهم من التحقيق العلمي ما يميزون به بين الروايات الصحيحة والضعيفة، ولهذا جاءت هذه الكتب مليئة بالحكايات الضعيفة والموضوعة.
الفصل الثالث: بعض مصنفات غير المسلمين في السيرة النبوية باللغة البنغالية: عرض وتحليل(7/10)
ظهر أول مصنف من قبل غير المسلمين سنة 1802م، فقد خرج كتاب بعنوان "محمدير بيان" (بيان عن محمد) أساء إلى الإسلام والمسلمين ونبيهم إساءة بالغة، فقد كان الكتاب بقصد النيل من نبي الإسلام، وأحدث هذا الكتاب ضجة في أوساط المسلمين وقاموا بالاستنكار وبيان الحقائق وكشف المكايد، حتى خمدت الكتابة من هذا النوع برهة من الزمن.
ولما جاءت الثمانينات من القرن التاسع عشر الميلادي نشطت حركة التنصير من جهة، وحركة برهما سماج القائلين بالتطهير لمن دخل في الإسلام من الهندوس من جهة أخرى، ومن هنا بدأ المؤلفون من غير المسلمين يؤلفون عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - باللغة البنغالية.
من مؤلفات جماعة برهما سماج (الهندوسية المتعصبة):
دهرما بير محمد، (محمد البطل الديني) تأليف: أتول كريشنا ميترا، والكتاب مسرحية تمت في مجلدين، المجلد الأول في 124صفحة، طبع سنة 1885م، والمجلد الثاني، في 95صفحة، طبع سنة 1886م.
كما سلف معنا: الكتاب مسرحية، حوت قصصاً خرافيةً وتجاوزات كثيرةً جداً، ولا سيما في زواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخديجة، وزواجه بعائشة رضي الله عنهما، حيث ذكر أشياء تنبو الأسماع عن سماعها فضلاً عن قبولها، وقد غير كثيراً من المصطلحات الشرعية، مثل "الله" بـ"برميشور، وإيشور"، والدين بـ"دهارما" وما إلى ذلك، ولهذا عارض المسلمون تنفيذ هذه المسرحية معارضة شديدة حتى اضطر المؤلف إلى تركها.
محمدير سريت ومسلمان دهارمير شنكهيفت بيبرن (سيرة محمد والبيان المختصر عن ديانة المسلمين)، تأليف: كريشنا كومار ميترو، والكتاب في مجلد واحد، بلغ عدد صفحاته 268 صفحة، وقد طبع سنة 1986م.(7/11)
كان هذا المؤلف من كبار الصحفيين، وكان يقصد بتأليفه هذا الكتاب التقريب بين الديانتين الإسلام والهندوسية، ولكنه جعل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مثل بعض أفتار(1) الهندوس، ولم يفهم كثيراً من صفات الله عز وجل، فجعل ينكرها، ويجعل هذه الآيات والصفات دخيلة في الإسلام فإن "برهما سماج" من الهندوس الذين ينكرون كل صفة للإله، فأنكر كل صفة ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كأنه من ناحية أخرى يرمز إلى أن الدين الإسلامي أيضاً حصل فيه التحريف كما حصل للديانة الهندوسية. وقد تفطن لهذه القضية كثير من المسلمين، فلم يحظ بالقبول لدى المسلمين.
مها بوروش محمدير جيبون سريت (سيرة وحياة الإنسان العظيم محمد)، تأليف: غيريش جندر شين، والكتاب في مجلدين، خرج المجلد الأول منه سنة 1886م في 164صفحة، وخرج المجلد الثاني سنة 1887م في 202صفحة.
مها بوروش حضرت محمد و..إسلام دهارما (الإنسان العظيم محمد وديانته الإسلام)، تأليف: غيريش جندر شين، طبع سنة 1906م، في مائة صفحة.
__________
(1) "أفتار" تعريب avatar بالسنسكريتية، وهو بحسب عقيدة الهندوس يمثل الإله في صورة خلق من خلقه.(7/12)
هذا المؤلِّف معروف لدى عامة الناطقين باللغة البنغالية؛ فإنه ترجم القرآن الكريم أول مرة كاملاً باللغة البنغالية، ويبدو لي أنه لم يكن بتلك الدرجة من المتعصبين القادحين في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، نعم كان له مقصد خاص، وهو التقريب بين الديانتين الإسلام وبرهما سماج، فقد غيّر كثيراً من مصطلحات الإسلام بمصطلحات هندوسية، من ذلك تغييره لفظ الجلالة في كل مكان بما يحلو له بكلمات هندوسية دالة على الإله، وقد ذكر المؤلف في مقدمة كتابه أنه استفاد من بعض الكتب الفارسية والعربية، ولم تكن معرفته بالعربية بتلك الدرجة، فوقع في أوهامٍ في سرد كثير من الحوادث والقصص(1).
حضرت محمد، تأليف: رام بْرْان غوبت، طبع سنة 1904م، و1912م.
هذا المؤلف مع كونه من الهندوس المتعصبين لم يذكر في سرد السيرة ما يقدح في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل يفهم من كلامه الأخير أنه تأثر بشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - تأثراً بالغاً، ولكن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له))(2)، وإنما يؤخذ على كتاباته تبديله بعض المصطلحات الإسلامية ببعض المصطلحات الهندوسية(3).
شيش بيغمبر وتار فبيتر دهارما (آخر الأنبياء ودينه المقدس)، تأليف: مهيندرا ناته لهيعي، المطبوع بكوليكاتا، طبع المجلد الأول منه سنة 1910م، في 180 صفحة، وطبع المجلد الثاني منه سنة 1913م.
__________
(1) انظر لمعرفة المزيد عن غيريش جندر شين: تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البنغالية، لراقم هذه الحروف، من مطبوعات مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة.
(2) قطعة من خطبة الحاجة التي كان يعلمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، كما ثبت ذلك بأسانيد صحيحة.
(3) انظر كتاب حضرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، حياة وتعاليم، ص(594).(7/13)
لم أجد فيما قرأت من هذا الكتاب أي قدح في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، غير أن فيه تغييراً لبعض المصطلحات الإسلامية بالمصطلحات الهندوسية.
من مؤلفات المنصّرين باللغة البنغالية في السيرة النبوية:
عيسى أو محمد، تأليف: جي إيس راوس.
عيسى أو محمد، تأليف: وارد.
تواريخ محمدي، تأليف: إمام الدين (نصراني).
محمد في الإسلام: غولدسيك.
سيرة محمد، تهاكور داس (نصراني).
سيرة محمد...، تأليف: ريباريند جيمس لونغ.
محمد...، تأليف: سري فيليب بشواش (نصراني).
كتبت هذه الكتب كلها في القدح في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي مليئة بالأكاذيب، والافتراءات على الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وقد تنبه العلماء لمقاصدهم، وقاموا بالرد على شبهات هؤلاء المنصرين خير قيام، وكتبوا ضد هذه الكتب كتابات عديدة ومفيدة، وأغلب هذه الشبه ما زالت في كتب المستشرقين، فالمتأخر يأخذ من المتقدم ويزيد عليها أو ينقص حسب الحاجة(1).
الفصل الرابع: المصنفات الأصيلة للسيرة النبوية في اللغة البنغالية: عرض وتحليل لأهمها
بعد انتشار مؤلفات هؤلاء المغرضين ضد الإسلام ونبيه تفطن المسلمون وانتبهوا لواجبهم تجاه دينهم ونبيهم؛ حيث بدأ المسلمون المتميزون يؤلفون في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولما كانت سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تتضمن عناصر كثيرة من حياته، فمنهم مَن كتب السيرة النبوية كاملة، ومنهم من صنف في بعض هذه العناصر كتابات مستقلة، وقد وصل عدد هذه المصنفات إلى ما يربو على أربعمائة مصنف(2).
ويمكن أن نقسم هذه المصنفات إلى قسمين:
الأول: المؤلفات التي تتناول السيرة النبوية كاملة
__________
(1) انظر ما ذكره الشيخ محمد أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(96ـ97).
(2) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية.(7/14)
وصل عدد هذه المصنفات إلى أكثر من مائتي مؤلَّف(1)، إلا أن الجزء الأكبر من هذه المؤلفات خالٍ من التحقيق العلمي، كأنها مجموعة من الحكايات والأساطير، وبعض هذه المؤلفات من قبل المتصوفة الذين لهم مقصد خاص في تصنيفها، فهي تحمل أفكارهم وآراءهم، وسأقتصر فيما يلي على أهم هذه المصنفات التي لها رواج في أوساط الناطقين باللغة البنغالية.
حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم - جيبون سريت ودهارما نيتي: (سيرة حضرة محمد - صلى الله عليه وسلم - وآراؤه الدينية)، تأليف: الشيخ عبدالرحيم، طبع سنة 1926م، في كوليكاتا في623صفحة.
استعرض المؤلف في هذا الكتاب حياته - صلى الله عليه وسلم - بدءاً من أحوال العرب قبل الإسلام وانتهاء بآراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدينية، من منهجه أنه يستعرض وقائع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل سنة على حدة، من السنة الأولى من الهجرة إلى السنة الحادية عشرة. كما أن ترتيبه لوقائع حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتميز بحسن العرض، وجمال التعبير، وقد ذكر من مصادره: السيرة النبوية لابن هشام، والتاريخ لابن الأثير، والتاريخ لابن كثير، وتاريخ الطبري، وإنسان العيون، وتاريخ ابن خلدون، وكتب الحديث عموماً.
وقد دافع عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما ألصق بها من التهم من قبل ويليام مور وغيره من المستشرقين قدر الإمكان.
ومما يؤخذ على الكتاب استخدامه بعض المصطلحات الهندوسية، وذكر أشياء لا علاقة لها بالسيرة من العلوم الطبيعية من النجوم وسيرها وما إلى ذلك.
كما يؤخذ عليه إنكاره وجود ختم النبوة في جسده - صلى الله عليه وسلم -، وإنكاره لبعض المعجزات.
__________
(1) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(96ـ139).(7/15)
كما أن فيه معلومات غير صحيحة، من ذلك ادعاؤه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه الوحي وهو في سن العشرين. وعلى كل حال: فالكتاب يعدُّ من أوائل المصنفات الكاملة في السيرة النبوية من قبل المسلمين.
شانتي كرتا با حضرت محمد (صاحب الرحمة أو حضرة محمد)، تأليف: معز الدين أحمد "مدهو ميان".
والكتاب في ثلاثة مجلدات، طبع في 1910، 1912، 1914م، ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب أنه استفاد من الكتب الفارسية والعربية، وأنه كتبه حين زادت هجمات المنصرين على المسلمين الناطقين باللغة البنغالية، ومن خلال تصفح الكتاب يبدو لي أنه يشتمل على كثير من القصص الواهية والموضوعة، ولعل ذلك يرجع إلى كون المؤلف من المتصوفة الذين يقدمون الذوق على الروايات الصحيحة.
أدلى المؤلف بدلوه، وحاول قدر الإمكان الدفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض ما قيل فيه من قِبل غير المسلمين، فالله أسأل أن يجزيه على حسناته، ويعفو عنه زلاته.
مصطفى سريت، (سيرة المصطفى) للشيخ محمد أكرم خان. طبع سنة 1925م، وقد وصلت صفحاته 572 صفحة.
عرف المؤلف بعلمه وفضله وحسن اتجاهه لكونه من أهل الحديث المعروفين، فقد تضمنت مقدمة الكتاب بحوثاً جميلة عن الحديث و مصطلحاته، وهو أول من علَّم أهل بنغلاديش الصحافة فناً قائماً برأسه، وكان كثير النقاش مع المستشرقين، إلا أنه تأثر كثيراً بالمدرسة العقلانية، إذ أنكر بعض حوادث السيرة النبوية من أهمها:
( 1 ) قضية شق الصدر.
( 2 ) قضية بحيرى الراهب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمه أبي طالب.
( 3 ) معراجه - صلى الله عليه وسلم - بجسده (بدون تفصيل).(7/16)
لولا هذه المخالفات لكان من أحسن ما كتب في الدفاع عن السيرة النبوية، حيث إنه كان يتناول الموضوعات قضية قضية، ويذكر ما أثار فيها بعض المستشرقين من مثل مور ومرغليوث وات وغيرهم من الشبه، ويردّ على كل هذه الشبه بأدلة كافية، وقد ألجمهم بتحقيقاته القيمة. والكتاب حريٌّ أن ينشر بكميات كبيرة بين طلبة العلم لما يحتوي عليه من معلومات تكاد لا توجد في غيره، ولكن ينبغي التنبيه على المسائل التي جانب فيه المؤلف الحق والصواب. أسأل الله أن يغفر سيئاته، ويتجاوز عن زلاته.
مرو بهاشكر (مهندس الفيافي)، لمؤلفه: محمد واجد علي، طبع سنة 1941م، في 195 صفحة.
والمؤلف من الأدباء المعروفين لدى الناطقين باللغة البنغالية، لم يأت بشيء من الحكايات الواهية والموضوعة، بل حاول أن يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنسان، ليس كما يدعي بعضهم بأنه فوق الإنسان، أو أنه مثل الآلهة، أو من الأفتار كما يقوله بعض من تأثر بثقافات الهندوس، وقد أثبت كونه - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً وخلقاً وسمتا وهدياً.
لغة الكتاب ممتازة ويستحق الاهتمام به.
بيشّ نبي (النبي العالمي) تأليف: غلام مصطفى، الشاعر الأديب، الأريب، البليغ في الأداء والفصيح في البيان.
ذاع صيته بعد كتابة هذا الكتاب، وتلقاه الناس بالقبول، واغتنموا اقتناء نسخة منه، يدل عليه كثرة طبعاته، فقد وصلت طبعاته المعتمدة إلى ثلاثين طبعة منذ بدايتها سنة 1942م.
والكتاب صفحاته 567 صفحة، في جزأين، الجزء الأول منه خاص بالسيرة النبوية، وفيه 58 فصلاً، بينما الجزء الثاني في الدفاع عن بعض قضايا السيرة النبوية ويتضمن 14 فصلاً.
تأثر المؤلف ببعض ما تربى عليه من أحاديث الصوفية في الغلو والإطراء لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في ولادته، إذ يذكر أن آمنة رأت في المنام ليلة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها حضرتها نساء من الجنة وهن مريم وحواء ورحمة وهاجر.(7/17)
ومضت خيالاته الواسعة الشاعرية في التصوير الأدبي لهذه الليلة، ولا ريب في تأثره بهذه الأمور بما ساد في زمانه من قصص الموالد التي كانت تذكر من قبل أشباه العلماء.
حاول أن يجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فوق البشرية، وإن لم يصرح بها، وجعله مبشراً بالكتب المقدسة السابقة، حتى ذكر بعض الأحاديث الموضوعة، وبعض عبارات الكتب الهندوسية.
تشمّ من بعض عباراته رائحة وحدة الوجود، ونظرية الإنسان الكامل، واستطرد كثيراً في بيان توافق أحمد مع اسمه الآخر محمد، وبيان أحوال الأمم عند ولادته - صلى الله عليه وسلم -، فبدأ بأحوال الهند والصين والفرس ثم اليهود وذكر أنهم قتلوا عيسى بالصلب(؟)، ثم تطرق إلى بيان حال النصرانية وتكلم أخيرًا عن أحوال العرب قبل مولده - صلى الله عليه وسلم -.
تحدث عن رضاعته، ووفاة أمه، ورحلته إلى الشام مع عمه، ولقائه مع بحيرى الراهب، ورجوعه من السفر، وتلقيبه بالأمين، وتجارته بالشراكة مع خديجة، وزواجه منها، ثم تحدث عن مواضيع السيرة الأخرى من بناء الكعبة، وبدء الوحي، وتبليغه، ومقاساة أنواع العذاب، ومقاطعة قريش له، والإسراء والمعراج، والهجرة إلى المدينة، ثم تطرق لبيان المغازي واختتم بحجة الوداع، وذكر وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
أما الجزء الثاني: فقد تكلم فيه على تحديد يوم ولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتحديد زمن بناء الكعبة، وعن معجزات الرسول، وإثبات المعراج بالجسد، كما تحدث عن تعدد زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودافع عن الشبهات المثارة حولها.
وقد ذكر من مصادره:(7/18)
من كتب التفسير: التفسير الحقاني، وتفسير الكشاف، وترجمة القرآن لمحمد علي وعبدالله يوسف علي. ومن كتب الأحاديث: صحيح البخاري ومشكاة المصابيح. ومن كتب السيرة: السيرة النبوية لابن هشام، وأصح السير ل عبدالرؤوف الدانافوري، ومصطفى سريت للشيخ أكرم خان، والسيرة النبوية لشبلي نعماني، والسيرة النبوية لابن إسحاق، الترجمة الإنكليزية، وبعض كتب الديانة الهندوسية، كما ذكر استفادته من بعض كتب المستشرقين من مور وغوبا إربينغ، وغيبون، ومرغليوث وغيرهم.
لولا هفوات المؤلف في الفصول الأولى من هذا الكتاب لكان من أحسن ما ألّف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حيث الجمال الأدبي الرفيع، فإن لغة الكتاب راقية جداً لا يدانيه أي كتاب باللغة البنغالية المكتوبة في السيرة النبوية من هذه الناحية لا قبله ولا بعده.
سيد المرسلين، تأليف: عبدالخالق، طبع سنة 1951م، في مجلدين كبيرين، في 1200 صفحة.
أحسن المؤلف في ترتيب أبواب السيرة من حيث موضوعات السيرة، ومما يؤخذ على الكتاب ترجيحه رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربه ليلة الإسراء بعينيه. وأما لغة الكتاب فهي عصرية وسهلة ويمكن الاستفادة منها من قبل فئات مختلفة من القراء.
منوشير نبي (نبي الناس) تأليف: محمد عبدالجبار صديقي، طبع سنة 1953م، في 281 صفحة.
بدأ المؤلف بمقدمة قصيرة، ثم أردفها بما جاء في القرآن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآثار الإسلام على الأديان الأخرى، وأنه لا ينبغي الإكراه في الدين، وأن الإسلام دين الفطرة، ثم تحدث عن النبي العالمي، وأنه آخر الأنبياء والرسل، وأنه ليس إنساناً عظيماً فحسب بل نبي عظيم، وتكلم على ولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولماذا أرسل إلى مكة بالذات، ثم ذكر أوصافه الخَلْقية وختم النبوة، ثم تحدث عن بقية حياته - صلى الله عليه وسلم - باختصار، وفي الأخير تكلم عن حجة الوداع ووفاته- صلى الله عليه وسلم -.(7/19)
من مصادره: القرآن الكريم، ومن كتب الحديث: سنن الترمذي، مشكاة المصابيح، الموطأ، ومن كتب السيرة: كتب السيرة عامة، وبخاصة: الخصائص الكبرى للسيوطي، وبعض الكتب الإنكليزية في السيرة من قبل بعض المسلمين.
ادعى المؤلف أنه لم يأت من الأحاديث إلا ما صح، وأنه اعتمد على القرآن الكريم، إلا أن الكتاب فيه بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، خصوصاً عند الحديث عن ولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث نرى فيه فرية كونه مخلوقاً من نور وقد توسع فيه وجاء بالطامات.
لغة الكتاب راقية، إلا أنه مختصر.
مهانبير سيرت كوش (مختصر سيرة النبي العظيم)، تأليف: خان محمد مصلح الدين، طبع سنة 1994م، في 267 صفحة.
مؤلف الكتاب رئيس قسم المكتبات في المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، أحسن في تأليفه وأجاد؛ حيث طرق أغلب مواضيع السيرة دون إطناب. والكتاب لا يستغني عنه أحد يريد أن يتعرف على سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المختصرة.
اللّهر رسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، (رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -) تأليف الأستاذ نور محمد خليل الله، طبع في مطبعة ليكها براكاشاني، كوليكاتا، سنة 2001م. وقد أحسن المؤلف في كثير من الجوانب، وهو كتاب مهم مختصر جامع لسيرته - صلى الله عليه وسلم -.
حضرت رسول كريم - صلى الله عليه وسلم - جيبون وشيكها، (حضرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حياته وتعاليمه)، تأليف الباحثين في المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، طبع سنة 1997م.
من أحسن المؤلفات على الإطلاق من حيث صحة المعلومات، حيث قام على كتابته مجموعة كبيرة من الباحثين، وهم من خيرة طلبة العلم، تضمن موضوعات السيرة التالية:
نسبه، ولادته، طفولته، شبابه، حياته الزوجية، بعثته، دعوته وتبليغه، هجرته إلى المدينة، غزواته، فتح مكة، غزواته بعد فتح مكة، تبليغ الدين خارج مكة والمدينة، وفاته وتعيين من يتولى الخلافة بعده.(7/20)
ثم انطلقوا إلى بيان الدروس المستفادة من السيرة النبوية، من حيث كونه قدوة وأسوة حسنة، ومن حيث أخلاقه الحسنة، وصفاته الطيبة، وحياته الاجتماعية، وكيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغاً، وما لاقاه في سبيل الدعوة والتبليغ، وما ميزات دعوته، معاهداته، وغزواته، وكيف كانت سياسته للدولة، وكيف كان حكمه، وخطبه، وكيف حافظ على حقوق المرأة؟، وتحدثوا بتوسع عن معجزاته - صلى الله عليه وسلم -.
ثم تحدثوا عن الكتب المؤلفة في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من القرن الخامس عشر الميلادي إلى سنة 1994م. وقد وصلت صفحات الكتاب إلى 632صفحة.
هذه بعض الكتب المهمة التي ألفت باللغة البنغالية، والتي لها سيرورة في الناس، حاولت قدر الإمكان أن أختصر في بيانها.
الثاني: المؤلفات التي تناولت بعض جوانب السيرة النبوية:
جوانب السيرة النبوية كثيرة؛ وقد ألف في كثير من هذه الجوانب مؤلفات عديدة باللغة البنغالية، فمثلاً:
مؤلفات تتناول بشارات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتب القديمة:
كثير من المؤلفات في السيرة النبوية باللغة البنغالية تناولت بشارات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتب الدينية القديمة، فقد أوردوا في كتبهم من النصوص الدالة على وجود بشارات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل وكتب الهندوس وكتب الفرس الدينية، لكن هناك مؤلفات مفردة في هذا الموضوع، وقد وصلت هذه المؤلفات 25 مؤلفاً(1)، من أهمها ما يلي:
إنجيل إئ محمد شاهيبير خبر (أخبار السيد محمد في الإنجيل) تأليف: إيمان الله، طبع سنة 1885م.
__________
(1) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(195ـ196)، وقد ذكر 19 كتاباً إلى سنة 1998م، وقد وجدت ستة كتب فيما بعد منشورة في الأسواق.(7/21)
هندو دهارمير دريشتيتئ حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم - (محمد - صلى الله عليه وسلم - كما تصوره الديانة الهندوسية) تأليف: منشي مهر الله.
تريتا ناشك وبائيبل إئ حضرت محمد (نقض التثليث ومحمد في الإنجيل)، تأليف: د/ صوفي معز الدين أحمد، طبع سنة 1902م.
إنجيل إئ حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم - وبادري راوش شاهيبير شاكها (محمد - صلى الله عليه وسلم - في الإنجيل وشهادة القس راوس على ذلك) تأليف: منشي الشيخ محمد ضمير الدين، طبع سنة 1923م.
حضرت برنابار إنجيل إئ شيش خبر (الخبر الأخير في إنجيل برنابا)، تأليف: منشي الشيخ محمد ضمير الدين، طبع سنة 1923م.
براسين دهارما غرنتهى شيش نبي (النبي الأخير في كتب الديانات القديمة) تأليف: الدكتور محمد شهيد الله، طبع سنة 1952م.
ويد برانئ حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم - وكلير أفتار (محمد - صلى الله عليه وسلم - في الويد والبرانات وكلي أفتار(1)) تأليف: د. محمد قدرت الله، طبع سنة 1952م.
كلكي أفتار كئ؟ (من هو كلكي أفتار؟) تأليف: د.إسماعيل حسين، طبع سنة 1964م. وللكتاب عنوان آخر: هندو شاسترئ شيش نبي، (خاتم النبيين في كتب الهندوس).
__________
(1) الويد هو الكتاب الهندوسي الأصلي المقدس لديهم، وبران من كتبهم القصصية المقدسة، وكلي أفتار أحد أفتارهم الذي يعتقدون فيه أنه ينزل في آخر الزمان لإخراج الناس من الظلمات وليقيم العدل بين الناس، ولن تبقى حينئذٍ الطبقية الموجودة لدى الهندوس، وقد ادعى كثير من الهندوس وكثير من المسلمين أن هذه بشارات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم. والله أعلم بحقيقة الحال.(7/22)
بيبينّ دهارما غرنتهئ الله ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، (الله ومحمد في كتب الديانات العديدة) تأليف: إسماعيل حسين ديناجي(1)، وله كتاب آخر بعنوان: كلكي أفتار ومحمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أجاد مؤلفو هذه الكتب حيث لم يلجؤوا إلى التأويلات لإثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - من كتبهم، أما وجود البشارات في التوراة والإنجيل فقد ثبت ذلك في القرآن الكريم وأفصح عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكن وجود البشارات في كتب الهندوس تثير الحيرة والشك والعجب، فلا أدري من أين دخلت هذه المعلومات عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الكتب، ولا سيما أننا لا نرى نزوله من الله تعالى، فلعلها أدرجت من قبل الهندوس في العصور القديمة؛ لإضفاء القداسة على كتبهم، ولم يتنبه لها أحد(2).
مؤلفات تتناول ولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
وقد وصل عدد هذه المؤلفات 66 مؤلفاً(3)، وهذه المؤلفات أغلبها تتضمن خرافات وحكايات وقصص ومبالغات عن النبي- صلى الله عليه وسلم -، وهي من مؤلفات الجماعات الصوفية المنحرفة الذين يقيمون احتفالات بمولده - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه المؤلفات بدأت تقل في السنوات الأخيرة لوجود الدعاة والمصلحين من الخارج ومن الداخل، وربما تبقى يوماً ـ بمشيئة الله ـ رمزاً لتاريخ الأدب البنغالي القديم، فلا تكون هناك ممارسة لهذه البدعة بإذن الله.
__________
(1) نائب رئيس التحرير لجريدة "سنغرام" اليومية المشهورة باللغة البنغالية، كان هندوسياً فأسلم، وحسن إسلامه، وهو من المعتنين بالمسلمين الجدد الذين يضطهدون من قبل أسرهم الهندوسية.
(2) انظر ما ذكره الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي: اليهودية والمسيحية وأديان الهند ص(706ـ707).
(3) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(235ـ237).(7/23)
مؤلفات تتناول معجزاته، وأحواله وفضائله، ومغازيه، وأخلاقه، وشمائله، وسياسته، وسيرته مع أهل بيته وما إلى ذلك:
من أهم هذه المؤلفات ما يلي:
معجزئ نور نبي، (معجزة نور النبي - صلى الله عليه وسلم -) تأليف: أظهر علي بختياري، طبع سنة 1953م، في 240 صفحة، مطبعة باك بوك ديبو، داكا.
رسول اللهر شينيك جيبون (الحياة العسكرية للرسول - صلى الله عليه وسلم -) تأليف: أبو الفضل محمد عبدالمجيد رشدي، طبع سنة 1946م، ثم طبعته المؤسسة الإسلامية سنة 1979م في 141صفحة.
نعلين شريف، (نعلي الرسول - صلى الله عليه وسلم -) شريف محمد عبدالقادر، طبع سنة 1960م، ويتضمن 23 صفحة، ولاشك أن أغلب الصفات المذكورة في هذا الكتاب للنعلين لم يرد في روايات صحيحة، وإنما هي حكايات لدى القصاص وأصحاب الغرائب من المصنفين.
نبي غريه شنغباد، (أخبار بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، محمد بركة الله، طبع من مطبعة غريت إيشت لائيبريري، سنة 1960م، في 193 صفحة، وقد طبعته المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش سنة 1983م في 204 صفحة، وهو كتاب نفيس جداً.
معجزات وكرامات، تأليف أبي الليث أنصاري، طبع سنة 1962م، من إسلاميك لائيبريري، وصفحاته 372 صفحة، والكتاب يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة، وروايات مكذوبة.
بيش نبير شينيك جيبون (الحياة العسكرية لنبي العالم)، تأليف: الشيخ محمود الرحمن، طبع سنة 1964م، بـ" سبحانيه لائيبريري"، في 392صفحة.
أرتهانيتيك شوبيسار وحضرت محمد - صلى الله عليه وسلم - (العدالة الاقتصادية المالية وحضرة محمد) للشيخ محمد عبدالرحيم، طبع سنة 1970م، في 64 صفحة، ثم طبعته المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش.
مهانبير معجزة، (معجزة النبي العظيم)، تأليف: حبيب أحسن، ليكها بركاشاني، كوليكاتا، 2001م.
معصوم حضرت محمد، تأليف: الشيخ محمد ضمير الدين، طبع سنة 1917م، في 69 صفحة. والكتاب في الردِّ على من طعن في عصمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.(7/24)
مهانبير دربارئ شيطان، (الشيطان في مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، تأليف: محمد فضل الوحيد رائ كولابي، طبع في ليكها بركاشاني، سنة 2001م. والكتاب يتضمن قصصاً بعضها ثابت، وبعضها غير ثابت.
"أمِي تو ديئسي توماكى كوثر" (إنا أعطيناك الكوثر)، تأليف: الأستاذ القاضي دين محمد، طبع سنة 1993م، داكا.
تحدث المؤلف فيه عن معاني السورة وسبب نزولها، وكيف أصبح الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر العالمين محبوباً لدى الناس، وكيف ذاع صيته في العالمين، ولماذا يحبه الناس، وما الفضائل التي تحلى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -. تحدث عن كل هذه الموضوعات بطريقة مبتكرة بعبارات بليغة جميلة.
مهانبير ديهاكريتي، (صورة جسد النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم -)، للشيخ عبدالقيوم، طبعة ليكها براكاشاني، كوليكاتا، كأن المؤلف استفاد من كتاب الشمائل للإمام الترمذي.
الثالث: المؤلفات التي ألفت في السيرة النبوية للأطفال:
شهد القرن العشرون الميلادي تطوراً مهماً في الأدب البنغالي، حيث كتب كثير من المصنفين والأدباء في أدب الأطفال، وأول ما بدؤوا به سيرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وقد وصل عدد المؤلفات في السيرة النبوية للأطفال 140 مؤلفاً(1)، من ميزات هذه الآداب ـ حسب اطِّلاعي عليها ـ أنها غالباً لا تحتوي على القصص الواهية والموضوعة، بل تكتفي بذكر عظمة الرسول- صلى الله عليه وسلم - ونسبه وولادته وأحواله وأخلاقه في صغره ونبوته ودعوته وهجرته وكيف كان يتعامل مع الصغار، ووفاته.
وهذه المؤلفات حرية بالاعتناء بها ونشرها بين الأطفال.
من أهم هذه المصنفات ما يلي:
__________
(1) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(213ـ221)؛ حيث ذكر 132 كتاباً، وذلك ما وصل إلى المؤلف إلى 1998م ثم رأيت ثمانية كتب طبعت بعدها، ولعل هناك كتباً أخرى لم أتمكن من تسجيلها.(7/25)
شرغير جوتي (نور الجنة)، للكاتبة: ساره طيفور، طبع سنة 1916م، من مطبوعات مسلم بك إيجنسي، كوليكاتا.
نور نبي، تأليف: محمد يعقوب علي شودري، طبع سنة 1918م، كوليكاتا.
سيليدير حضرت محمد (حضرة محمد للأولاد)، تأليف: شفيع الدين أحمد، سنة 1918م، كوليكاتا.
شيشودير مصطفى - صلى الله عليه وسلم - (مصطفى - صلى الله عليه وسلم - للأطفال)، تأليف: الشيخ محمد إدريس علي، طبع سنة 1929م، إسلامية فبليشينك هاوس، كوليكاتا.
سيليدير نور نبي ( نور نبي للأطفال) تأليف: نور الدين أحمد، طبع في بريسال، بنغلاديش، سنة 1936م.
سهوتدير مصطفى (المصطفى للصغار) تأليف: تراب علي، فاروق منزل، فابنا، سنة 1936م.
مرو دولال، (ولد القفار) تأليف: الشاعر العبقري غلام مصطفى، طبع سنة 1948م، مسلم بنغل لائبريري، كوليكاتا.
سيليدير مها نبي، (النبي العظيم للأولاد)، خان بهادر أحسن الله، طبع سنة 1951م، مطبعة أحسنية لائبريري، خولنا.
سهوتدير نور نبي (نور نبي للصغار) تأليف: عبدالجليل المظاهري، طبع من المكتبة الحمراء، داكا.
كيشور مصطفى، (المصطفى للفتيان) تأليف: خان بهادر محمد عبيد علي، طبع سنة 1953م، داكا.
أمادير شيش نبي (نبينا الأخير) تأليف: الشاعر أحسن حبيب، طبع سنة 1962م، المكتبة الإسلامية، داكا.
يتيم بالك محمد (الطفل اليتيم محمد) تأليف الأديب محمد شهيد الله، طبع سنة 1968م، مطبعة أنواري داكا.
مرو دولالير غلب شون، (اسمعوا قصة الطفل القفار)، تأليف محبوب الحق، طبع سنة 1981م، المكتبة الوطنية داكا.
سهوتدير مهانبي، (النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيم للصغار) تأليف: عبدالعزيز الأمان، صاحب مطبعة الحرف بكوليكاتا، طبع سنة 1984م.
مكّاي نبي جي، (النبي في مكة)، تأليف: أبو طاهر مصباح، من مطبعة القلم، داكا، سنة 2000م.
مديناي نبي جي، (النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة)، تأليف: أبو طاهر مصباح، من مطبعة القلم، داكا، سنة 2000م.(7/26)
جهادير ميدانى نبي جي (النبي - صلى الله عليه وسلم - في ميدان الجهاد)، تأليف: أبو طاهر مصباح، دار القلم، داكا، سنة 2000م.
هذه بعض المؤلفات التي ألفت في السيرة النبوية للأطفال، أغلبها جيد للغاية، لأنها خالية من التعقيدات اللغوية، ميسرة للأطفال إلى حد كبير.
الفصل الخامس: المصنفات المترجمة في السيرة النبوية إلى اللغة البنغالية عرض وتحليل لأهمها
بدأت حركة الترجمة في الأدب البنغالي في الثلاثينيات من القرن العشرين، وبدأت في الرقي والازدهار حتى وصلت في السبعينات إلى منزلة رفيعة، وقد وصلت مؤلفات السيرة النبوية المترجمة إلى اللغة البنغالية من اللغة العربية والأردية والفارسية والإنكليزية إلى 97 مؤلفاً(1)، ويمكن أن نقسم هذه المؤلفات إلى قسمين:
القسم الأول: المؤلفات التي تناولت سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كاملة، وفيما يلي أهم هذه المؤلفات:
المؤلفات المترجمة من العربية:
زاد المعاد للعلامة ابن قيم الجوزية، ترجمه الأستاذ أختر فاروق، وطبع في المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، وهي ترجمة سلسة وممتازة، ثم ترجم الكتاب مرة أخرى من قبل العلامة محمد عبدالرحمن وطبع في مطبعة أهل الحديث، بداكا.
تهذيب سيرة ابن هشام، وقد هذبه الأستاذ عبدالسلام هارون، ترجمه الأستاذ أكرم فاروق، والترجمة جيدة جداً، أدى الأمانة العلمية في ترجمته، ولكنه لم يذكر في غلاف الكتاب أنه "تهذيب سيرة ابن هشام" مما يوهم عامة القراء أنه أصل كتاب ابن هشام.
__________
(1) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(174ـ183)، فقد سرد 92 مؤلفاً، ثم وجدت بعض المؤلفات المترجمة في السوق لم يدرجها المؤلف لأنها خرجت بعد كتابة هذا الكتاب.(7/27)
سيرة ابن هشام كاملاً، وقد ترجم من قبل مترجمي المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، وقد خرج في أربعة مجلدات كبار، وفي الترجمة بعض الضعف في ترجمة الأشعار العربية وهي تتطلب مراجعة دقيقة، وبقية المعلومات طيبة وحسنة.
حياة محمد، لمحمد حسين هيكل.
ترجمه الشيخ عبدالأول، وهو من مطبوعات المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، ط: 1998م، 1419هـ.
الترجمة سلسة وطيبة، أدى المترجم أمانة الترجمة، وعلق على بعض أخطاء المؤلف، وتجاهل بعضها، فقد ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب أن أول محاولة لجمع الأحاديث النبوية كانت في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد(1)، ولاشك أن هذا خطأ، يريد من ورائه التشكيك في سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والغريب أن المترجم إما أنه لم يتنبه وإما أنه تغافل في التعليق عليها(2).
وقد قام الدكتور محمد صديق الرحمن نظامي بتعقيب جيد على هذا الكتاب في مجلة المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش التي تصدر باللغة البنغالية، وبين ما فيه من أخطاء عقدية وعلمية. فمما لاحظ عليه:
النقل الكثير من كتاب فرنسي La vie de mahomet تأليف: Emile Dermenghem، حتى قلد هذا المستشرق في عدم الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
جعل هزيمة أصحاب الفيل من قبل الطاعون، لا أن الله أرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.
أنكر شق صدر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
جعل الإسراء روحياً، عن طريق وحدة الوجود.
جعل إتيان جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية البعثة مناماً.
أنكر كل المعجزات سوى القرآن الكريم.
صوَّر موت إبراهيم ابن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تصويراً لا يليق
بالرسول - صلى الله عليه وسلم -(3).
__________
(1) ص(58).
(2) ولا سيما أن المترجم يقال إنه ينتمي إلى القاديانية، نسأل الله السلامة والعافية.
(3) انظر مجلة المؤسسة الإسلامية، السنة 41، من ص(131ـ150).(7/28)
سيرة سيد المرسلين، تأليف: طالب الهاشمي، وقد ترجمه المفتي محمد نور الدين، إمام المسجد "البيت المكرم"، المسجد الجامع المركزي، بداكا، طبع سنة 1417هـ، في 168صفحة.
تكلم المؤلف على أول إنسانٍ على وجه الأرض، وعن العرب وقريش، ثم تطرق إلى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطفولته، ونبوته وهجرته ومغازيه، ثم تحدث عن أزواجه وأهل بيته، وفي الأخير تحدث عن شمائله المباركة، والمؤلف ذكر في رضاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أرضعته شفاء بنت عوف وقال: إنها أم عبدالرحمن بن عوف. وقد أحسن المترجم في الترجمة وأجاد.
مختصر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - تأليف: المفتي السيد محمد عميم الإحسان البركتي، رئيس الأساتذة في المدرسة العالية داكا.
والمؤلف له كتب عديدة باللغة العربية، وهو شيخ مشايخي في دياري، كتب هذه السيرة المختصرة لتكون ضمن محفوظات طلبة العلم، وقد ترجمه الشيخ شريف محمد عبدالقادر إلى اللغة البنغالية، سنة 1988م، وقد أجاد المترجم في ترجمته وأفاد.
نضرة النعيم، الكتاب الذي أشرف على إعداده الشيخ
عبدالله بن حميد، وقد ترجم بعض أجزائه إلى اللغة البنغالية، قام بترجمته مجموعة من المترجمين تحت إشراف الشيخ الدكتور أ.ف.م. أبي بكر الصديق، والشيخ عبدالأول، والشيخ فريد الدين مسعود، وهم من متقني الترجمة العربية، وهناك أشياء تحتاج إلى مراجعة من حيث اللغة والمحاورات العربية، وأصل الترجمة جيدة وسلسة بصفة عامة.
ومن الكتب العربية التي ترجمت بواسطة لغات أخرى:
سيرة ابن إسحاق، وقد ترجمه الأستاذ شهيد أكهند، الأديب المشهور، في ثلاثة مجلدات. من مطبوعات المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش.(7/29)
ذكر المترجم في مقدمة الكتاب أنه ترجمه من الإنكليزية من نسخة Guillamme A. والذي نقله إلى الإنكليزية من العربية، والترجمة جيدة، إلا أن فيها تحريفاً في نطق بعض الكلمات نتيجة اللغة الوسيطة، والمترجم له باع طويل في اللغة الإنجليزية وليس عنده معارف جيدة باللغة العربية، فحدوث هذا النوع من الخطأ غير المتعمد.
الرسالة الخالدة، تأليف عبدالرحمن عزام، وقد ترجم باسم "مهانبير شاشّت بيغام"، طبع سنة 1980م من المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، في 287 صفحة.
ترجمه الأديب المشهور: أبو جعفر، وقد ذكر المترجم أنه ترجمه من الترجمة الإنكليزية التي تمت بيد الدكتور Ceaser E. Farah..
والكتاب يتضمن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مختصرةً، وأكثر ما فيه الدروس المستفادة من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيذكر كيف كان هديه - صلى الله عليه وسلم - في تعليم الأخلاق الحسنة، وفي إدارة الدولة الإسلامية، وفي العلاقات الدولية، وما إلى ذلك. وقد أدى المترجم ترجمته بأمانة وإخلاص، فظهر لي أن لغة الترجمة راقية وجميلة.
محمد - صلى الله عليه وسلم -، (مسرحية) تأليف: توفيق الحكيم، ألفت هذه المسرحية واكتسبت شهرة بين الناس، وقد ترجمت إلى اللغة البنغالية في بعض المجلات، ثم ترجمتها: خديجة أختر رضائي من النسخة الإنكليزية، وهي المطبوعة الموجودة حالياً، وصفحاتها 324صفحة. طبعت في: القرآن أكاديمي لندن.
الترجمة سليمة إلى حد كبير، وإذا كان هناك خلل في المعلومات فهو في أصل الكتاب، فإن المسرحيات لا تحمل سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما تنبغي.
نور العيون في تلخيص سيرة الأمين والمأمون لابن سيد الناس، ترجمه الشيخ ولي الله الدهلوي إلى الفارسية وسماه: سرور المحزون، ومنه ترجم إلى اللغة الأردية باسم: الذكر الميمون، ترجم منه إلى اللغة البنغالية باسم "سيرة رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم -".(7/30)
ترجمه محمد نور الإسلام أحمد آبادي، إمام وخطيب أحد المساجد بداكا، وقد طبع بـ عزيزية كتبخانه، بيت المكرم، داكا، سنة 1995م. في ستين صفحة.
والترجمة جيدة، وهي مهمة بالنسبة للقارئ المبتدئ، إلا أن المترجم أدرج فيه بعضاً من كلام المفتي محمد شفيع الديوبندي من كتابه: سيرة خاتم الأنبياء، وهذا الإدراج خاص بالترجمة.
الرحيق المختوم، للشيخ صفي الرحمن المباركفوري، وقد ترجم أولاً من قبل الشيخ عبدالخالق رحماني(1)، من البنغال الغربي، المطبوع سنة 1995م، ولم أطلع عليه، ثم ترجم من قبل خديجة أختر رضائي، سنة 1999م، طبعته دار القرآن أكاديمي لندن.
ذكرت المترجمة أنها ترجمت من الترجمة الإنكليزية، فيها تحريفات عجيبة وغريبة في مضمونه وأعلامه وأماكنه، ولقوة لغة الترجمة ربما لا يهتدي إليها عموم القراء، إلا أن الذي يقرأ النسخة العربية يستطيع أن يدرك هذه الأخطاء بسهولة.
محمد العربي - صلى الله عليه وسلم -، تأليف محمد أحمد برانق، وقد كان الكتاب عبارة عن موسوعة ألِّفت في مصر، ترجمها إلى الأردية الدكتور محمد عنايت الله سبحاني، ومن ثم ترجمت إلى البنغالية.
ترجمها محمد جلال الدين بشواش، طبعت سنة 1999م، في 296صفحة، من بغداد لائبريري داكا، معلومات الكتاب دقيقة، أعجبتني لغة الترجمة، وهي راقية جداً، لا يمل القارئ من قراءته لحسن ترتيبه وجودة بيانه، انتهى الكتاب بدفن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الكتب المترجمة من اللغة الفارسية:
كانت اللغة الفارسية لغة أمراء الدول المغولية، فلهذا كان لها رواج بين المثقفين من زمان قديم، ولكننا نلاحظ أن أغلب المصنفات الفارسية عبارة عن المدائح النبوية، أما السيرة النبوية باللغة الفارسية التي ترجمت إلى البنغالية، فلا نجد فيها إلا كتابين وهما:
__________
(1) انظر ما ذكره الشيخ أبو القاسم بهونيان: دراسة السيرة النبوية باللغة البنغالية ص(181).(7/31)
هادي عالم، ترجمة من الفارسية لكتاب "تكبير سيرت" الذي ألفه مجيد فارسي، ترجمه أبو الفضل عبدالكريم.
معلومات الكتاب غير دقيقة، كلها حكايات وقصص، عارية عن التوثيق، والترجمة سهلة وميسرة، طبع سنة 1930م، من كوليكاتا، تحت رعاية أنجمن تعليم إسلام.
محمد النبي العالمي، تأليف: زين العابدين رهنما، أصل الكتاب بالفارسية، ثم ترجم إلى الإنكليزية بعنوان: Pyamber, Messenger The ومن ثم ترجمه: أبو جعفر إلى اللغة البنغالية بعنوان: بيشّ نبي محمد. طبع سنة 1984م، من مطبعة سندباد.
الترجمة مفهومة ومقروءة، إلا أن أصل الكتاب مليء بمعلومات غير دقيقة وغير موثقة عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الكتب المترجمة من اللغة الأردية:
الكتب المترجمة من اللغة الأردية كثيرة جداً، من أهمها:
بيغام محمدي، للشيخ السيد محمد علي القادري المنغري، ترجمه الشاعر محمد غلام حسين، من مطبعة محمدي بوك إيجنسي، كوليكاتا، سنة 1922م.
وهو أول كتاب مترجم إلى اللغة البنغالية من كتب السيرة النبوية، والكتاب فيه أوهام كثيرة، إلا أن الترجمة سليمة وجميلة.
السيرة النبوية للعلامة شبلي النعماني، وللعلامة السيد سليمان الندوي.
هذا الكتاب باللغة الأردية، بدأ الشيخ محيي الدين بترجمته حتى وصل إلى المجلد الثالث، ثم ترجمه كله الشيخ فضل الرحمن منشي وقد خرج في ثمانية مجلدات.
والكتاب معروف في شبه القارة الهندية، استفاد منه كل من جاء بعده، لا يستغني عنه أحد يريد أن يتعلم السيرة النبوية جيداً، لولا طوله وكثرة استطراده وسعة مباحثه، لكان له رواج واسع، وهو من أحسن الكتب المترجمة إلى اللغة البنغالية.
يقول المؤلف عن المنهج الذي سلكه في كتابة هذه الموسوعة الفريدة:
الكتاب الذي تمكنت من الاستفادة منه هو الذي سجلته عند الإحالة.(7/32)
الحوادث المهمة حاولت قدر الإمكان أن آخذها من الكتب المعتمدة والروايات المسندة من الأحاديث الصحيحة، إلا إذا كان من الوقائع العامة، فإنني لم ألتزم فيها بقواعد المحدثين في البحث عن صحة إسنادها وضعفها، إلا إذا لاح لي ضعفها مباشرة.
ذكرتُ المطبعة التي طبعتْ فيها المصادر والمراجع التي أخذتُ منها في المكان نفسه لكي يسهل الرجوع إليها بسهولة.
ويبدو لي أنه بذل جهداً كبيراً جداً، فقد كان جل اعتماده على كتاب الله والسنة النبوية، وكان موفقاً إلى حد كبير في تقريب سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين في شبه القارة الهندية مع الاستطرادات الكثيرة المفيدة.
سيرة سرور عالم - صلى الله عليه وسلم -، (سيرة سيد العالم - صلى الله عليه وسلم -)، ألفه الأستاذ أبو الأعلى المودودي، وقد ترجمه عباس علي خان، وطبع في خمسة مجلدات.
بدأ ببيان حقيقة النبوة، تلاه بيان الوحي ثم بيان حاجة الرسالة المحمدية، والأدلة على رسالته - صلى الله عليه وسلم - من القرآن والفطرة والعقل ومن الكتب المتقدمة، ثم تكلم عن كونه سيداً للعالم، ثم تحدث عن ختم النبوة، ثم تحدث عن حياته - صلى الله عليه وسلم - الشخصية، والحياة النبوية، وتكلم على بشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والديانة الحقة، والمعجزات، ومسألة الشفاعة، وإخباره - صلى الله عليه وسلم - عن الأمور المستقبلية، ثم دافع عن بعض القضايا التي أثيرت من قِبل المستشرقين حول حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ثم تحدث عن قضايا السيرة الأخرى.
والمؤلف معروف لدى مثقفي شبه القارة الهندية من حيث مقدرته الفائقة في حسن الإنشاء، وله باع طويل في بعض القضايا الحساسة.
كما أن في الكتاب استطرادات كثيرة في موضوعات لا علاقة لها بالسيرة النبوية إلا من بعيد.(7/33)
رحمة للعالمين، للقاضي سليمان المنصورفوري، وقد ترجم إلى اللغة البنغالية في مجلدين، ترجمه الأستاذ حسن عبدالخالق، من مطبعة ليكها براكاشاني، كوليكاتا.
هذا الكتاب ترجم إلى اللغة العربية أيضاً، وقد أثنى عليه كثير من العلماء، اقتبس منه الشيخ صفي الرحمن المباركفوري كثيراً في كتابه "الرحيق المختوم"، جاءت الترجمة سهلة ومفهومة.
خاتم الأنبياء، ترجمة كتاب: خاتم الأنبياء للشيخ أشرف علي التهانوي، ترجمه خان محمد غلام رحمن، طبع بـ"رحمانية لائبريري"، داكا، في 136 صفحة.
والكتاب مختصر جامع، إلا أنه في باب الولادة غلا في الرسول - صلى الله عليه وسلم - غلواً عجيباً، فذكر أن سبب نجاة نوح وذريته في السفينة من أجل سرّ وجود محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه سبب وجود الخلائق، وسبب وجود الليل والنهار، ولاشك أن كل هذه الأشياء من الغلو الذي لا يرضاه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما ذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - لما جاء إلى الدنيا أخذ تراباً بيده، ونظر إلى السماء، ولاشك في كونه من الأكاذيب، وقد كان المترجم أميناً، ولغته لا بأس بها.
من أحسن ما تطرق إليه في الكتاب، قضية تعدد زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودافع عنها.
سيرة مصطفى: للعلامة محمد إدريس الكاندهلوي، ترجمه الشيخ بشير الدين، طبع في محمدي لائبريري، داكا. في مجلدين كبيرين.
تطرق مؤلف الكتاب إلى أغلب مسائل السيرة وحاول التوفيق بين قضاياها المختلفة، وقد خصص جل محاولاته في التوفيق من حيث الدراية، أما من حيث الإسناد فقلما اعتنى به، ولهذا دخلت فيه روايات ضعيفة كثيرة. وقد كان المترجم أميناً في الترجمة، فترجمته حسنة وجميلة، والكتاب مفيد لطلبة العلم المختصين.
أصح السير، للشيخ أبي الحسنات عبدالرؤوف الدانافوري، ترجمه إلى البنغالية، أ. س. م. محمود الحسن خان، و عبدالله بن سعيد الجلال آبادي، طبعته المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش.(7/34)
سمَّاه المؤلف بأصح السير، وقد وفق إلى حد كبير، لكن بقي فيه بعض الروايات الضعيفة التي احتج بها المؤلف لنصرة مذهبه.
وقد أحسن المترجمان في ترجمتهما، وهما من خيرة المترجمين.
نبي الرحمة، (السيرة النبوية) لأبي الحسن الندوي، والكتاب في 511صفحة. ترجمه: أبو سعيد عمر علي.
والمترجم من أحباب الشيخ أبي الحسن علي الندوي، قام بترجمة هذا الكتاب بأمر من الشيخ الندوي، جاءت الترجمة سلسة وجيدة، حيث إن المترجم من كبار المترجمين في المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش.
سيرة خاتم الأنبياء الميسر، تأليف: مفتي محمد شفيع الديوبندي، ترجمه الشيخ محمد حبيب الرحمن. في 144 صفحة.
أدرج المؤلف بعض القصص المكذوبة في بعض الأماكن خاصةً عند ذكر ولادة الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وبقية الأشياء مفيدة، والمترجم كان أمين في الترجمة. ويبدو لي أن له ترجمة أخرى للشيخ محيي الدين، طبع سنة 1997م، بعنوان: سيرة رسول أكرم - صلى الله عليه وسلم -.
رسول عربي، أصله لأحد السيخ(1)، ترجمه الشيخ أبو طاهر مصباح، طبع بدار الكوثر، داكا، سنة 1998م.
الكتاب مختصر في 108 صفحات، وقد حوى أغلب جوانب سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولغة الترجمة سهلة وجيدة، ويظهر فيها محبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون إطراء أو غلو، يظهر منه أن المؤلف أحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حقاً.
الكتب المترجمة من اللغة الإنكليزية:
الكتب المترجمة من اللغة الإنكليزية كثيرة، من أهمها:
نبي سمرات، ترجمة كتاب: The Greatest of the Prophets، تأليف: خواجه كمال الدين، ترجمه محمد شيق الله، طبع سنة 1932م، في 143صفحة.
__________
(1) ديانة منشقة عن الهندوسية، وقد لفق مؤسسها عقائد الإسلام بعقائد من الهندوس، وحاول الدمج بينهما، وهم أكثر الناس تعصباً ومخالفةً للإسلام والمسلمين، ولكن الله عز وجل ينصر هذا الدين بمن يشاء.(7/35)
والكتاب عبارة عن سيرة مختصرة، معلومات الكتاب غير موثقة، والترجمة سليمة وجيدة.
مهانبي محمد، (النبي العظيم محمد) هذا الكتاب ترجمة لكتاب محمد علي القادياني اللاهوري، باللغة الإنكليزية، ترجمه إلى البنغالية محمد عبدالله، والمؤلف يقصد من تأليف الكتاب إثبات عدم كون النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء، وكأن المترجم لم يتنبه له أو تغافل عنه، أو تعمد التعمية، والله أعلم بحقيقة الحال حيث لم يقم بأي تعليق على أخطاء محمد علي المؤلِّف حول السيرة النبوية.
حضرة محمد - صلى الله عليه وسلم - حياته (موسوعة)، أصل الكتاب: “Muhammad (pbuh) Encyclo. of Seera” للشيخ أفضل الرحمن، وقد خرج في ستة مجلدات باللغة الإنكليزية، وقد ترجم الجزء الأول منه إلى اللغة البنغالية من قبل مترجمي المؤسسة الإسلامية، في 568 صفحة.
والكتاب يشتمل على فصلين، الفصل الأول منه يتضمن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وأخلاقه، وكونه أسوة للناس كافة، والدفاع عن الغلو المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الفصل الثاني ففي هديه - صلى الله عليه وسلم - في التعليم والتربية، والكتاب فريد في بابه كما أن الترجمة جاءت مثالاً للذوق الأدبي الرفيع. وهو حري أن ينشر ويتداول.
Prophet Muhammad تأليف: راما كريشنا راو، الهندوسي، أصل الكتاب بالإنكليزية، ترجمه إلى البنغالية، أبو جعفر بعنوان: نبي محمد.
جاءت الترجمة جيدة وبعبارات سهلة، خصوصاً أن المترجم من الأدباء المشهورين في اللغة البنغالية.
Hajrat Muhammad (pbuh) in the Battlefield تأليف: الأستاذ الدكتور حميد الله، وقد ترجمه إلى اللغة البنغالية، محمد لطف الحق، بعنوان: جهادير ميداني حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم -. طبعته المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش سنة 1991م. وقد امتازت الترجمة بالحسن والجمال.(7/36)
The Prophet تأليف: الشاعر خليل جبران النصراني، هذا الكتاب معروف لدى الأدباء لحسن صياغته وجمال معانيه، وقد ترجمه إلى اللغة البنغالية صلاح الدين، وطبعه بنفسه من مطبعة "أنيبارز" سنة 1993م، جاءت الترجمة مثل أصله، بل أحسن منه في بعض الأحيان من الناحية اللغوية.
On Heroes and Hero Worship in History تأليف: توماس كارلايل، ترجم الجزء الذي يتعلق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المعنون بـ" Hero as Prophet " الأديب البنغالي: نبي منشي، وقد طبع باسم: مهانبي، (النبي العظيم). والترجمة سليمة جداً، أدى المترجم أمانة الترجمة بإتقان.
A Critical Examination of the Life and Teaching of Muhammad ترجم من قبل بعض المختصين، وقد طبعت بعنوان: (حضرت محمد - صلى الله عليه وسلم - جيبون وشيكها)، من مطبعة ليكها، بكوليكاتا، سنة 2001م.
المؤلفات المترجمة التي تناولت بعض جوانب السيرة النبوية:
هناك مؤلفات بلغات عالمية مشهورة تناولت بعض الجوانب من السيرة النبوية ترجم كثير منها إلى اللغة البنغالية، من أهمها:
بيشّ نبير وفاة (وفاة نبي العالم)، تأليف: الشيخ أبي الكلام آزاد، ترجمة الشيخ نور الدين أحمد، طبع سنة 1965م، من إسلاميك لائيبريري، في 108 صفحات.
مهانبير برتيركها كوشل (السياسة الدفاعية للرسول - صلى الله عليه وسلم -) تأليف: اللواء الركن: أكبر خان، بعنوان: حديث دفاع، ترجمه أبو سعيد محمد عمر علي، سنة 1984، وطبعته المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، وهو كتاب مفيد، لم يتطرق إلا إلى ما هو مشهور ومعروف من سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم -.
بيش نبير معجزة، (معجزة نبي العالم) لوليد الأعظمي، ترجمه عبدالقادر، طبع في مطبعة "أدهونيك" داكا، 1992م.
بيش نبير تين شت معجزة، (ثلاثمائة معجزة لنبي العالم)، للشيخ محمد سعيد، ترجمه: محمد خالد، طبع بمطبعة محمد لائبريري داكا،1992م.(7/37)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، تأليف: العلامة السيد سليمان الندوي، ترجمه الأديب البنغالي: أختر فاروق، طبعته مكتبة رشيدية، داكا.
ويحتوي الكتاب أيضاً على بعض الروايات الضعيفة، كما ينقص بعض الروايات الصحيحة، ولكنه أحسن من سابقه، والترجمة ممتازة وسلسة.
معجزئ رسول أكرم (معجزة الرسول الأكرم) الشيخ سعيد أحمد الدهلوي، ترجمة: أبو الكلام محمد عبداللطيف، مكتبة إمدادية، داكا، طبع سنة 1995م.
ويحتوي الكتاب على كثير مما روي في معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنها غير مخرجة ولا محققة، والمترجم من أساتذتي الكرام، والكتاب كعامة الكتب التي لا تلتزم الصحة في الروايات والأسانيد.
أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي الشيخ الأصفهاني، طبع سنة 1994م من المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش.
ترجم من اللغة الأردية التي أكملها الدكتور محمد أحمد مختار قمر، وقد كانت الترجمة من قبل مترجمي المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، أدرج المترجمون بعض الفوائد داخل الكتاب كما أدرجها مترجم الأصل باللغة الأردية، فحصل خلط بين النصوص والفوائد، والمفروض أن تكون الفوائد في حاشية الكتاب. والترجمة جيدة وحسنة.
الخصائص الكبرى، لجلال الدين السيوطي، ترجمه الشيخ محيي الدين، طبع سنة 1998م، من مطبعة لجنة البحوث عن السيرة، داكا.
والكتاب معروف لدى العلماء بأن فيه الغث والسمين، والمترجم ليس لديه قدرة في التمييز بين الصحيح والضعيف، بل ترجمه كما وجد، ولم يبال بالتحقيق العلمي.
الفصل السادس: الاتجاهات الحديثة للسيرة النبوية في اللغة البنغالية: عرض وتحليل(7/38)
جاء القرن الحادي والعشرون بميزة في السيرة النبوية باللغة البنغالية، وهي التحوُّل من سرد السيرة إلى فقه السيرة واستنباط الفوائد والعبر والعظات والدروس المستفادة منها، ويتمثل ذلك في صدور مؤلفات عديدة في السيرة النبوية من ناحية الاستفادة من حوادثها ووقائعها، وقد كانت بدايتها في الثمانينات من القرن العشرين عندما بدأ بعض المجلات الشهرية إصدار عدد خاص على السيرة النبوية في كل سنة، وإن كان الأغلب منهم يحددون شهر ربيع الأول لإصدار مثل هذه المجلة يتحدثون فيها عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من نواح عدة(1).
كما وجدت مؤسسات علمية وثقافية تعني بإصدار أعداد خاصة عن السيرة النبوية في كل سنة.
وقد وصلت هذه المجلات التي تصدر أعداداً خاصة عن السيرة النبوية أكثر من عشرين مجلة إسلامية، وازدادت المؤسسات العلمية والثقافية التي تصدر أعداداً خاصة عن السيرة النبوية من خمسين مؤسسة ومنظمة.
هذه الأعداد الخاصة تشتمل على مقالات عن السيرة النبوية، تحدَّث فيها أصحابها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نواحٍ عديدة.
من أهم هذه المؤسسات: المؤسسة الإسلامية بنغلاديش، ولجنة السيرة الوطنية بنغلاديش، تمدن مجلس، وغيرها.
ومن أهم المجلات التي تصدر الأعداد الخاصة بمقالات العلماء المختارة جريدة "المدينة" وجريدة "أغراباتيك"، وجريدة "برثيفي"، وجريدة "قلم"، وجريدة "كعبهر فتهى" وغيرها.
__________
(1) ربما كان الدافع لهم في اختيار هذا الشهر هو الاحتفال بعيد ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الله شاء أن يغير هذا العيد إلى الاهتمام بالسيرة النبوية في السنوات الأخيرة، حيث صدرت بعض الأعداد الخاصة عن السيرة النبوية في غير هذا الشهر أيضاً.(7/39)
من ميزات هذه المقالات أنها تتضمن الإجابات عن الأسئلة العصرية التي تتعلق بالسيرة النبوية، كما أنها تعطي الحلول المناسبة عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل قضية من قضايا العصر، مثال ذلك:
كيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعامل مع الأطفال؟ وكيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بيته مع أزواجه؟ وكيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعامل مع غير المسلمين؟ وما هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدفاع عن دولة الإسلام؟ وما هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللباس؟ وأمثال هذه المقالات(1).
ولاشك أن هذا الاتجاه مفيد جداً، فإن الاستفادة من السيرة النبوية هو المطلوب، والمؤسسة التي لها فضل السبق في هذا المجال هي المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، فإنها منذ صدور الأوامر الرئاسية بإنشائها تعنى بهذا الاتجاه، وتحاول أن تخرج السيرة النبوية محققةً وموثقةً، ويلاحظ ذلك من مؤلفات السيرة التي صدرت من هذه المؤسسة فإنها أحسن بكثير من المؤلفات التي صدرت عن غيرها.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وصحبه الأخيار، وبعد.
فهذا سرد لبعض ما يدل على الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة البنغالية، وقد آن لي أن أختصر مجموع هذه الجهود في السطور الآتية:
بدأ الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة البنغالية في القرن الخامس عشر الميلادي بطريقة تقليدية من قبل بعض الشعراء، ولم يكن بحوزتهم من مصادر السيرة النبوية الأصيلة حتى يميزوا بين الروايات الصحيحة والضعيفة من هذه الأخبار، وإنما كان جلّ معارفهم مما يسمعون من العلماء والخطباء والوعاظ والمذكرين.
__________
(1) انظر مقالة الأخ نصير هلال، بعنوان: دراسة السيرة النبوية من خلال الإعلام من ص545ـ568، من العدد الخاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جريدة أغراباتيك.(7/40)
واستمرت هذه الجهود قرابة أربعة قرون من الزمن، حتى شهد القرن التاسع عشر مؤلفات كثيرة بالنثر الفني البنغالي عن السيرة النبوية، حيث بدأ بعض العلماء بالكتابة عن السيرة النبوية مستعيناً ببعض الكتب العربية والأردية والفارسية، ولم يكن لديهم في ذلك الوقت أيضاً الحصانة العلمية التي تعينهم على ترك الموضوعات والواهيات من روايات السيرة، وانضم إلى ذلك كثرة الطرق الصوفية التي مورست في تلك الحقبة الزمنية، وهم يروجون بعض القصص الواهية لمصلحتهم، سواء كان عن قصدٍ، أو جهل.
وقد شهدت الخمسينيات من القرن العشرين مؤلفات في السيرة النبوية باللغة البنغالية حتى بلغت مبلغاً كبيراً، حيث كتب في السيرة النبوية عامة أهل بنغلاديش من العلماء والخطباء والشعراء وغيرهم من جهة، ونشطت حركة الترجمة لكتب السيرة من اللغات الأخرى من جهة أخرى، حتى أصبح الثمانينيات من القرن التاسع عشر تشهد بوجود كتب عديدة ومقالات متنوعة في كل موضوع من مواضيع السيرة النبوية.
ومن الربع الأخير من القرن العشرين إلى اليوم نلاحظ نهضة شاملة في السيرة النبوية سواء كان من جهة المصنفات الأصيلة التي بدأت تهتم بالروايات الصحيحة وترك الروايات الضعيفة والموضوعة، أو من جهة ترجمة مؤلفات العلماء المختصين في السيرة النبوية، ولعل ذلك يرجع إلى وجود النشاط العلمي والأدبي والإعلامي من عموم المسلمين.
وإنني إذ أختم هذا البحث أرجو من الله أن يتقبل هذا الجهد المقل مني، وأن يتغمدني برحمته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، كما أطلب من الله أن يوفقنا لخدمة السنة والسيرة النبوية في كل ربوع العالم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قائمة المصادر والمراجع
تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البنغالية، أبو بكر محمد زكريا، من بحوث ندوة المملكة العربية السعودية عن ترجمة معاني القرآن الكريم، 1423هـ.(7/41)
تاريخ تبليغ القرآن الكريم ومائة عام على ترجمته باللغة البنغالية، د. مفخر حسين خان، بنغله أكاديمي، دكا، 1997م.
تداول القرآن في اللغة البنغالية، د. محمد مجيب الرحمن، طبعة المؤسسة الإسلامية بنغلاديش. داكا، 1986م.
جريدة "مدينة" الشهرية، أعداد عديدة. محمد محيي الدين خان، مطبوع من مدينة برنتارس، داكا.
حضارات الهند،غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الأولى، 1948م.
حضرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حياته وتعاليمه، مجموعة من الباحثين بالمؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، طبعة المؤسسة الإسلامية ببنغلاديش، سنة 1998م.
دائرة المعارف الإسلامية، جماعة من المستشرقين، النسخة العربية، إعداد وتحرير إبراهيم زكي خورشيد، أحمد الشنتناوي، ود. عبدالحميد يونس. طبعة الشعب، القاهرة.
دارسة السيرة النبوية باللغة البنغالية، أبو القاسم بهونيان، توحيد براكاشاني، داكا. سنة 1998م.
دارسة السيرة النبوية من خلال الإعلام، نصير هلال، العدد الخاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جريدة أغراباتيك. داكا.
دخول الإسلام في بنغلاديش، إئ كي إم نذير أحمد، إسلامك سنتر، داكا، 1999م.
مجلة المؤسسة الإسلامية، نظامي، الدكتور محمد صديق الرحمن،
السنة 41، العدد الثالث، سنة 2002م.
الموسوعة العربية الميسرة، محمد شفيق غربال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، طبع سنة 1967م.
اليهودية والمسيحية وأديان الهند، الأعظمي، الدكتور محمد ضياء الرحمن، طبعة مكتبة الرشد، الرياض، 2001م.
من المراجع الإنجليزية:
/ The History of the Muslims of Bengal. الدكتور محمد مهر علي، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
من المراجع الإلكترونية:
AlShamsi.Net ™.
wwww.ksu.edu.sa/kfs-website/source/-
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
تمهيد…3
نبذة عن اللغة البنغالية…3
مصادر السيرة النبوية في الإسلام…5
اهتمام الناطقين باللغة البنغالية بالسيرة النبوية…6(7/42)
الفصل الأول: مصنفات أوّلية تشتمل على بعض جوانب السيرة النبوية: عرض وتحليل…9
تقويم هذه الكتب…11
الفصل الثاني: المصنفات الأولية الكاملة في السيرة النبوية باللغة البنغالية: عرض وتحليل…13
تقويم هذه المؤلفات…14
الفصل الثالث: بعض مصنفات غير المسلمين في السيرة النبوية باللغة البنغالية: عرض وتحليل…15
من مؤلفات جماعة برهما سماج (الهندوسية المتعصبة)…15
من مؤلفات المنصّرين باللغة البنغالية في السيرة النبوية…18
الفصل الرابع: المصنفات الأصيلة للسيرة النبوية في اللغة البنغالية: عرض وتحليل لأهمها…20
ويمكن أن نقسم هذه المصنفات إلى قسمين…20
الأول: المؤلفات التي تتناول السيرة النبوية كاملة…20
الثاني: المؤلفات التي تناولت بعض جوانب السيرة النبوية:…29
مؤلفات تتناول بشارات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتب القديمة…29
مؤلفات تتناول ولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -…31
مؤلفات تتناول معجزاته، وأحواله وفضائله، ومغازيه، وأخلاقه، وشمائله، وسياسته، وسيرته مع أهل بيته وما إلى ذلك…32
الثالث: المؤلفات التي ألفت في السيرة النبوية للأطفال…34
الفصل الخامس: المصنفات المترجمة في السيرة النبوية إلى اللغة البنغالية عرض وتحليل لأهمها…37
المؤلفات المترجمة من العربية…37
ومن الكتب العربية التي ترجمت بواسطة لغات أخرى…40
الكتب المترجمة من اللغة الفارسية…43
الكتب المترجمة من اللغة الأردية…44
الكتب المترجمة من اللغة الإنكليزية…49
المؤلفات المترجمة التي تناولت بعض جوانب السيرة النبوية…51
الفصل السادس: الاتجاهات الحديثة للسيرة النبوية في اللغة البنغالية: عرض وتحليل…54
الخاتمة…56
قائمة المصادر والمراجع…58
المراجع الإنجليزية…59
من المراجع الإلكترونية…59
فهرس الموضوعات…61(7/43)
الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الروسية
إعداد الدكتور
إلمير رفائيل كولييف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
في أهمية دراسة السيرة النبوية لفهم حقيقة الإسلام
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه? وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ اتةذب? [الأنبياء: 107] والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.(1)
ربما لا تجد إنسانا لا يهتم من قريب أو بعيد بشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فأتباعه ومحبوه يؤمنون بأنه رسول الله وخاتم النبيين وخير البشر، فضَّله الله بخُلُقه وصفاته الحميدة، وأن سنته هي الطريق الوحيد إلى رحمة الله والنجاة من النار. أما أعداؤه ومخالفوه فيرونه سياسيا عبقريا حيث استطاع في مدة قصيرة أن يؤسس حضارة عظيمة مازالت تذهل عقول ذوي الألباب، وتحافظ على خصائصها الأصلية، وتؤثر بشكل واضح في بقية الحضارات والأديان.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان مثلا حيا لمكارم الأخلاق، ومعلما حكيما، ومربيا حليما، وكان أسوة حسنة لكل رشيد وتقي، وكان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ وعليه فإن طاعته هي طاعة لله تعالى كما قال سبحانه وتعالى: * لِلَّهِ " # $ % & )[النساء: 80].
__________
(1) البخاري في الأدب المفرد / برقم 273، أحمد في المسند (2/381) والحاكم في المستدرك (2/613) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وانظر الصحيحة (1/112) برقم (45) وصححه و السنن الكبرى للبيهقي (10/191).(8/1)
بلَّغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - رسالة ربه وبينها وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلَّم أصحابه كيفية تطبيق الأحكام القرآنية، ووضح لهم أسرارها ودقائقها، كما علمهم المنهج الحكيم في طرائق التصرف في أعوص القضايا. قال تعالى:? كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ اتختب?[البقرة: 151].
واهتم علماء المسلمين بدراسة السيرة النبوية والسنة لأنها وحي من عند الله ومصدر ثان للتشريع الإسلامي، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لايحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)). رواه أحمد وأبو داود.(1)
وقد ألَّف المتقدمون والمتأخرون من العلماء كتبا كثيرة في السيرة النبوية، معتمدين على الأحاديث والآثار الصحيحة حتى يتسنى للمسلمين الفهم الصحيح لكتاب الله الذي على أساسه يمكنهم حل المشاكل التي تواجههم في كل زمان ومكان.
ومن المناسب في هذا الصدد أن أشير إلى بعض الفوائد من دراسة السيرة النبوية من خلال أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله:
أولاً: إن المتأمل في السيرة النبوية يدرك أولا حقيقة الدين الإسلامي المتمثل في عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تحقيقا لمعنى الشهادتين.
__________
(1) مسند أحمد (4/130)، سنن أبي داود (4604)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2643).(8/2)
ثانياً: يشعر بأهمية تزكية نفسه بالعقيدة الصحيحة والعمل الصالح وتهذيبها بتقوى الله والصلاح والزهد متأسيا بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثاً: يعي ضرورة الدعوة إلى الصراط المستقيم ويتعلم كيف يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويميز بين ما ينفعه وما يضره، ويصبر ويثابر من أجل بلوغ الهدف، ويبدأ دائما بالأهم فالأهم، ويتحلى بالتأني ولا يتهور، ولا يقنط من رحمة الله.
رابعاً: يتيقن بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما ينقل عن ربه الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه. قال الشيخ السعدي في تفسيره: (( فمن عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال، ثم من بعد ذلك، قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسبر أحواله، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأنه تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم ))(1) اهـ
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص 46).(8/3)
خامساً: تجعله يحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصفاته الحميدة وأخلاقه العظيمة وأفعاله الحكيمة؛ فإن حبه من أعظم القربات إلى الله. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)). رواه البخاري ومسلم.(1) وروى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الآن يا عمر)).(2)
سادساً: تجعله يحب أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذين صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فما بدلوا وما غيروا، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل تبليغ دعوة الحق إنقاذا للبشرية من الكفر والضلال، وكانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، فإن حبهم من دلائل صدق الإيمان. وقد جاء في حديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار)). (3)
__________
(1) صحيح البخاري 15، صحيح مسلم (44).
(2) صحيح البخاري (6257).
(3) صحيح البخاري (17).(8/4)
سابعاً: تعينه على الثبات في الدين وتجعله يعيش مع الرعيل الأول تلك الصعوبات والمحن التي لقوها، بهذا يتعلم الصبر في الشدائد، كما ثبَّت الله قلب رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقصص الأنبياء السابقين حيث قال الله تعالى:? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ اتةجب? [هود: 120]. وقال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: ((أي قلبَك ليطمئن، ويثبت، وتصبر،كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتزيد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به))(1).
ثامناً: يتأسى بالرسول - صلى الله عليه وسلم - تحقيقا لقول الله تعالى:? وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتثةب?[الأحزاب، 21].
تاسعاً: يتخلق بأخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي مصدرها القرآن الكريم كما جاء في حديث زوجته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ قول الله عز وجل? وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ احب? [القلم: 4]. رواه أحمد والطبراني في الأوسط.(2)
عاشراً: تسهل عليه فهم بعض دقائق الشريعة في العبادات والمعاملات كما تُعَدُّ عاملاً مساعداً لفهم القرآن الكريم بمعرفة أسباب النزول والظروف الواقعية التي كانت تحيط بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص 348)
(2) مسند أحمد (6/91)، والمعجم الأوسط (1/30).(8/5)
وخلاصة القول أن دراسة السيرة النبوية لها أهمية كبيرة في فهم الإسلام للمسلمين ولغيرهم. وقد أثبت علماء المسلمين أن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نقلت إلينا بدقة وبأسانيد صحيحة، مما يلزم المسلمين أن يعتمدوا عليها في أمورهم الدينية والدنيوية.
وعلى غرار علماء المسلمين فالسيرة النبوية يدرسها المستشرقون كذلك، حيث إنهم يقومون بالتحليل الدقيق لأخبار أصحاب السير من عدة وجوه، ولكن إقبالهم يختلف اختلافا تاما عن إقبال المسلمين. إن بحوثهم المتحاملة عادة متوجهة لإنشاء فكر وتصور مشوه عن الإسلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لذلك كان - ولا يزال - علماء المسلمين ينتقدون ويردُّون على هذا التوجه في الثقافة الغربية المسمى بالاستشراق.
في قاموس اللغة الإنجليزية الصادر من جامعة أوكسفورد أن اصطلاح الاستشراق ظهر في عام 1870م لأول مرة.(1) ولكن الدراسات عن الإسلام وجدت قبل هذا التاريخ. حيث بذل المستشرقون جهودا عظيمة في فهم سر نجاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخصائص الدين الإسلامي، وأسباب تأثيره البالغ في عقول الناس. في هذا المجال ينقسم المستشرقون إلى قسمين: منهم الغلاة الذين لا يستعملون طرقا علمية في كتاباتهم، فيحرفون حقيقة الدين الإسلامي وشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنهم مَنْ ظاهرُه الاعتدال، فيركزون على الشبه والتأويلات البعيدة في شرح الأحكام الشرعية والأخبار التاريخية بما يؤيد مذاهبهم، وأكثرهم مثل جوليان بولديك (Julian Baldick)، تجدهم يعرضون شخصية الرسول - - صلى الله عليه وسلم - - كأنها مبهمة.(2) وفي كلا القسمين أهل الكتاب، والملحدون الذين لا يؤمنون بوجود الخالق، وعلى هذا الأساس يختلفون في وجهات نظرهم في مسائل متباينة، ولكن جُلَّهم تجمعهم عدة نظريات متحاملة تمنعهم من الفهم الصحيح للدين الإسلامي:
__________
(1) كتاب محمد وسيرته المختصرة لمرتين فورورد (ص 147).
(2) المصدر نفسه.(8/6)
- منها أنهم يرون الحضارة الغربية مثلا أعلى للمنطق والعدل والتطور والإنسانية، ويرون الإسلام مثلا للجهل والأمية والظلم والتخلف؛ مما يجعل الإنسان يبتعد عن عقائد المسلمين ومنهج حياتهم.
- ومنها أنهم يحسبون الأفكار المجردة لعلماء الغرب عن الإسلام أكثر عدالة من شهادات المسلمين أنفسهم عن دينهم ومجتمعهم في مختلف مراحل تطوره.
- ومنها أنهم يزعمون أن المسلم لا يمكنه أن يُقَوِّم دينه بغير انحياز على عكس ما يقوم به باحث مستقل.
- ومنها أنهم يشعرون بخطر عظيم من الدين الإسلامي والمسلمين؛ لذا يرون أن من واجبهم تعليم المسلمين منهج حياة حضاري، وتخليصهم من القيود الدينية، والتأثير المباشر في مجريات الأمور في العالم الإسلامي.
وكل هذه النظريات طَبَّقها المستشرقون الروس والسوفيات في مؤلفاتهم، وقد أسسوا مدرسة للاستشراق لا يستهان بها. واليوم تملك هذه المدرسة تقاليد عريقة، وتقوم بدور مهم في تكوين أفكار قراء اللغة الروسية عن الإسلام. وسوف نقوم، بعون الله تعالى، في هذا البحث بإلقاء الضوء على بعض هذه المؤلفات.
مؤلفات المستشرقين الروس في السيرة النبوية
ليست مدرسة الاستشراق الروسية غنية بالمؤلفات المخصصة للسيرة النبوية وهذا يعود لأسباب تاريخية، ففي عهد روسيا القيصرية اهتم المستشرقون بدراسة القرآن الكريم وتأسيس منهج موجه لنقد الكتاب المقدس عند المسلمين. وقد عرقلت الرقابة القيصرية عقوداً طويلة من الزمن نشر الكتب والترجمات الإسلامية التي تخالف سياسة الامبراطورية الروسية ومن جملتها الكتب التي تتحدث عن شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك قبيل زوالها. وهذا إنما يدل على تحيز هذه المدرسة منذ تأسيسها.(8/7)
يعد كتاب ((محمد، حياته وتعليمه الديني)) من أول الكتب الروسية في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكاتبه هو المفكر النصراني سولوفيوف (1853-1900م)، الذي حكم عليه رجال الدين النصارى في زمانه بالردة بسبب انتقاده قواعد الدين النصراني، ومحاولة الإصلاح بين الفرق النصرانية، بحسب اعترافه الشخصي، وكان المصدر الأساسي لكتابه هو ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة الروسية واللغات الأوروبية الأخرى، آخذا بنصيحة المستشرق المشهور روزين، اعتمد سولوفيوف على ترجمات كل من:
(Rodwell, El-Kor'an, nd edition, London )روديول.
وروكيرت (Ruckert Der Kor'an, Herausgegben von August Muller Muller).
وبما أن المؤلف لا يعرف اللغة العربية لم يكن قادراً على الاطلاع على مصادر المؤرخين المسلمين، لذا اكتفى بدراسة كتب المستشرقين الأوروبيين مثل: نيكولا كوزانوس (Nikolaus Cusanus, De cribratione alchoran)، وكوسه دي برسيفال (Caussin de Perceval, Histoire des Arabes)، وسبرينجر (Sprenger, Das Leben und die Lehre des Mohammed]، وويلهوزن (Wellhausen, Skizzen und Vorarbeiten)، وأوجوست مولير (August Muller, Der Islam im Morgen und Abendland), وهوبرت جريمي (Hubert Grimme, Mohammed), وروبيرتسن سميث (Robertson Smith, The Religion of Semites).(8/8)
ويتضمن كتابه هذا بحثا كاملا في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيه عرض لأهم العقائد الإسلامية، فإنه يعد رأي نصراني معتدل نسبيا عن الإسلام ونبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد حاول سولوفيوف ألاَّ ينحاز عند تقويمه لأحداث التاريخ الإسلامي وقضاياه العقدية، ولكن ارتباطه بالدين النصراني ترك آثارا واضحة في كتابه. ومع ذلك يختلف هذا البحث عمّا كتبه المستشرقون الروس بعده في كون مؤلفه يثق بروايات المسلمين عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أنه لم يكن لديه أدنى تصور عن صحة الأسانيد وضعفها؛ ولذا كان يعتمد على جميع الروايات التي وقف عليها.
ويختلف موقف سولوفيوف عن مواقف كثير من المستشرقين الغربيين في أواخر القرن التاسع عشر الذين ازدروا الحضارة الإسلامية والعرب عامة. حيث إنه يردُّ بقوة على افتراء بعض المستشرقين أن اليهود هم الذين أشاعوا أن للعرب علاقة بقصة إسماعيل المذكورة في كتابهم المقدس، وأن هذا في الأصل غير صحيح، وأن مكة في الأصل قرية اليهود. وهذه الفرضية الأخيرة معروفة في الاستشراق بنظرية دوزي.
كما انتقد المؤلف بعض المؤرخين مثل أوجوست مولير الذي شكك في صحة نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنكر أن يكون قصي وهو من أجداد النبي - صلى الله عليه وسلم - شخصية تاريخية حيث يقول: إن هؤلاء الباحثين يثبتون معنا أن عبد المطلب شخصية تاريخية، ومن المعلوم أن بين عبد المطلب وقصي الذي يعدونه شخصية خرافية جيلين فقط، وليس ثمة قاعدة تبين الدرجة التي يتحول فيها الجد الحقيقي إلى جد خرافي، ومما يمكن اعتباره قاعدة عامة أن جد الأب التابع لشخصية تاريخية لا يُعَدُّ شخصية خرافية محضة. اهـ(8/9)
ويشير المؤلف إلى كثير من محاسن الإسلام ويدافع عن الأسس الأخلاقية في القرآن الكريم ويرد على مؤرخي زمانه المعتدين. ولكنه يؤكد أن بين الإسلام التقليدي عند الشعوب المسلمة في روسيا وبين الإسلام في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرقاً كبيراً حيث قال: (( ومما لا يستغنى عن ذكره، أن التعاليم الدينية عند محمد المحفوظة في القرآن والمذكورة في هذا الكتاب، تختلف عن الإسلام المتأخر المعروف عندنا بدين محمد كما تختلف مواعظ وشرائع بوذا عن عقائد البوذية الشمالية أو اللاموية". اهـ
ولكن موقف سولوفيوف من شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير ثابت ومتناقض، حيث اعترف أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي من بني إسماعيل المذكور في الكتاب المقدس هذا من جهة؛ وينتقد بعض أفعاله وأوامره ويزعم أنه لم يستطع حلَّ بعض الإشكالات الدينية وأن تعاليم الإسلام غير كاملة وأنها عصارة فكر محمد - صلى الله عليه وسلم - من جهة أخرى.
أثبت سولوفيوف صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان متيقنا برسالته ولم يكن كذابا، ويذكر أن تلقيه للوحي يتوافق مع التجارب النفسية وله أمثلة في التاريخ. ومع ذلك يحدد من صلاحيات النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: إنه لم يَدَّع قط أن له مقاصد عالية تتطلب معجزات وكمال أخلاق، بل أكَّد أكثر من مرة أنه لم يُكلَّف بهذا. اهـ
اهتم المؤلف بوصف الوضع الديني قبل البعثة فحاول وصف حياة مشركي العرب وعباداتهم وتقاليدهم حيث يقول: مثل هذه العبادة لا تقيم أي علاقة بين العبد والإله، ولا تلبي الاحتياجات الدينية ولا تخدم الوحدة العقدية والاجتماعية. اهـ
وإلى جانب ذلك أشار إلى بقاء حنيفية إبراهيم - - عليه السلام - - عند العرب حيث يقول: ((ذكر دين التوحيد المتعلق بأسماء إبراهيم وإسماعيل لم ينقرض من بلاد العرب)). اهـ(8/10)
واعترف أن عرب الحجاز لم يكن لديهم صلة مع الكنيسة الأرثوذكسية ومع ذلك يؤكد أنهم كانوا يتعاملون مع الفرق النصرانية الأخرى التي هي في نظره مبتدعة؛ لأنهم حرّفوا أصل الدين النصراني الذي هو الاتحاد الكامل بين العبد والإله. وفي نظره فإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - تألفت عقيدته من مزيج من حنيفية إبراهيم - - عليه السلام - - وعقائد تلك الفرق النصرانية المبتدعة؛ لذا يعد دينه غير كامل. ولكنه لم يجد دليلا يقدمه على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعلَّم من النصارى، ويعترف بهذا قائلا: القرب بين الإسلام والبدع النصرانية مما لا شك فيه، ولكن الصلة التاريخية بينهما لا يمكننا إثباتها مع أنها مزعومة منذ زمان، كما جاء في نظرية نيكولا كوزانوس الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي وزعم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - تنصر على يد الراهب سيرجي بمكة، ثم ضلله اليهود. اهـ
وفي آخر الحديث يستنتج المؤلف أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة بسنوات كان يتأمل وينقح ويستوعب تلك العقائد المؤثرة المأخوذة من اليهود والنصارى والحنيفية.
حاول سولوفيوف في بداية حديثه عن الوحي والدعوة أن يدرس حقيقة الإسلام والعقيدة الإسلامية، وركَّز على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصف الإسلام بأنه دين كل الرسل ونفى عن نفسه أن يكون مؤسس هذا الدين، وفي هذا الصدد أشار إلى مكانة نبي الله إبراهيم - - عليه السلام - - في القرآن الكريم حيث قال: إن محمداً ادعى أن الإسلام دين إبراهيم، وكان يأمل بهذا أن يجعل دعوته مقنعة وملزمة لأتباع موسى والمسيح الصادقين. وكان يريد أن يوحِّد بين أديان التوحيد ويُرْجِعها إلى أصلها. اهـ(8/11)
وزعم المؤلف أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يُلزم أهل الكتاب بالدخول في الإسلام، لكن عليهم التمسك بكتبهم وفي هذا يقول: إذا فرضنا أن محمدا لم يبدل أفكاره فلماذا طالب اليهود والنصارى بقبول القرآن شرطاً للنجاة، وأوجب عليهم فقط تطبيق أحكام شرائعهم. اهـ
هكذا يعرض سولوفيوف موقف الإسلام من الأديان التي يحسبها أديان التوحيد.
ثم يقول: إن القرآن كتاب للعرب، ولا ينسخ التوراة والإنجيل لمن أنزل إليهم، ولكن ينسخهما للعرب. فالأحكام الدينية تبقى ثابتة للأمم التي أنزلت إليها ويحاسبون على أساسها في الدنيا والآخرة. اهـ
وقد استدل بقوله تعالى:? إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ x@دJtمur صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ xwur خَوْفٌ عَلَيْهِمْ xwur هُمْ يَحْزَنُونَ ادثب? [البقرة: 62]، وقوله:? وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ احذب?[المائدة: 47]، وقوله:? لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا tûüخ/ة"x2 اجزب?[النحل: 89].
ويشرح هذا بقوله: حسب وجهة نظر محمد الرئيسة فإن المصير الأخير للإنسان لا يحدده الدين فقط، بل الأخلاق الدينية لها دور مهم، وهذا المصير لا تقرره القوة العليا جورا، ولا التمسك بدين معين، ولكن وفق الموقف الداخلي للإنسان من الخير والشر والقبول الفعلي للقوانين الإلهية. اهـ(8/12)
ويستدل لهذا بقوله سبحانه وتعالى:? لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا xwur دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ اجذب?[الحج: 37]،وقوله:? لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ×pyJح!$s% يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ اتتخب? [آل عمران: 113-115] وغيرها من الآيات القرآنية.
كان سولوفيوف - وهو النصراني المقتنع بدينه - يقارن بين الإسلام والنصرانية، وفي هذا يركز على مسألة القضاء والقدر في القرآن الكريم، اعتقادا منه بالعدل الإلهي فهو لا يرى أن الشر والكفر من الله، ويعد هذا من ميزات النصرانية على الإسلام. ويرى أن هذه العقائد غير لائقة بالله ويقول: ((إن عناد المشركين ألجأ محمدا إلى أن جعل أعداءه وأمثالهم من الأمم السابقة التي لم تؤمن برسلها، أنهم لم يكفروا بجهلهم، ولكن كفرهم كان بسوء قضاء من الله، لأنهم أقوام كتب عليهم الهلاك)). اهـ
ثم يدافع الكاتب عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقول: هذا الاعتقاد ذكر أكثر من مرة في القرآن وكان له مكان سامٍ في علم الشريعة المتأخر كما هومعروف. ولكن المؤرخين أخطؤوا، مثل أوجوست مولير، الذين نسبوا إلى محمد هذا الاعتقاد الكفري السخيف. لأنه لم يقصد أن الله كتب على بعض الناس أن يكونوا محسنين وناجين من العذاب وآخرين أن يكونوا مسيئين معذبين. وإنما نجد هذه الأفكار في بعض عبارات القرآن بسبب عدم استطاعة محمد التعبير الدقيق والمفصل عن العقائد المجردة. اهـ(8/13)
وهكذا توصَّل الكاتب دفاعا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن الكريم من تأليف الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يتمكن من التعبير عن أفكاره. ويعلل ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فيلسوفا ولذا لا يطالب بفهم هذه المسائل العويصة.
وفي معرض مقارنة المؤلف بين الإسلام والنصرانية، أشار إلى أن الإسلام لا يفرق بين الإيمان والعمل فيقول: لا نجد في القرآن جواز الإيمان من غير عمل يصاحبه، ولم يفرق محمد بين الإيمان والعمل، ولكن يؤكد أن للإيمان درجات وللعمل درجات كذلك. اهـ
ويقارن بين الرهبانية عند النصارى والزهد في الإسلام فيقول: الزهد في الإسلام ليس من باب القضاء على الشهوة ولكن من باب الاعتدال لحفظ تزكية النفس والحرية. اهـ
كما يرى اختلافاً آخر بين الإسلام والنصرانية في وصف الآخرة والجنة والنار، فيشير إلى أن النصارى ينتقدون المسلمين؛ لأنهم يرغبون في الأجر والثواب، ويرهبون النكال والعقاب في الآخرة، وهو ما يسمى بمذهب المنفعة، وعلى أنهم يصورون الثواب والعقاب في الآخرة بشكل حسي، وهو ما يسمى بالمذهب الحسي.
ومرة أخرى يدافع المؤلف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويزعم أن هذه الانتقادات ليست في تعاليمه وفي هذا يقول: إن الوصف الحسي للجنة وسيلة بيان على قدر عقول قومه لا غير، ولايقصد التعبير عن الحقيقة. اهـ
لم يكتف المؤلف بالمقارنة بين الإسلام والنصرانية في مجال العقائد والأحكام، بل تعدى ذلك إلى أتباعهما حيث ذكر التشابه بين علاقة أبي بكر الصديق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلاقة ميلانختون بلوتر في قوله: إن موقف أبي بكر من محمد يمكن مقارنته بموقف ميلانختون من لوتر. وكان أبو بكر رجلا حليما، لطيفا، هادئا، متساهلاً في الأمور الدنيوية وحازما في الأمور المهمة يعني بها الدينية. اهـ(8/14)
كما نجد في كتابه اهتماما كبيرا بمكانة عيسى بن مريم - - عليه السلام - - في الإسلام، حيث يذكر سولوفيوف أن المسلمين يعدون عيسى - - عليه السلام - - من أعظم الرسل ويعتقدون أنه رفع إلى السماء ولم يقتل، فيقول: إن هذه التصورات عن المسيح عند محمد تتضمن فكرتين متناقضتين مأخوذتين من فرقتي النصارى التين لا صلة بينهما. اهـ
وتأسيا منه بالمستشرقين قبله، ركز المؤلف على قصة الغرانيق المشهورة ويقول: إن الرسول بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، في لحظة الانهيار النفسي قرر أن يتنازل ويجمع بين التوحيد الحق ووثنية وطنه كأنه قال في نفسه: إن أهل الكتاب يؤمنون بأن هناك مخلوقات مقدسة سوى الله تسمى الملائكة، والنصارى يعدون نبيهم ابن الله، ويعظِّمون أمه، حتى عبدوها،كما يعظمون أرواح الأموات الكثيرة. ولم لا نعترف بآلهة مشركي العرب ونعدها واسطة بين الله والعباد أو ملائكة الله أو شفعاء عنده ؟ اهـ
وبهذا يشير المؤلف إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سمى الآلهة غرانيق العلا، واعترف بصحة شفاعتهم، وبعد ذلك بأسابيع تبرأ من هذا القول وقال إنه من وسواس الشيطان. ويقول المؤلف شارحاً هذه القصة: ((إن الملك جبريل أو ضمير محمد نفسه جعله يتخلى عن هذه الصفقة)). اهـ
ونجد أن سولوفيوف لا يتعجب من أن الرجل الذي يسميه نبيا يقع في مثل هذا الخطأ، ثم يتخلى عن قوله؛ لأنه من البداية يعد رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ناقصة غير كاملة.(8/15)
إنه يشكك حتى في إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مجيء جبريل - - عليه السلام - - إليه، وهذا يظهر جليا من قوله المتقدم وغيره. يقول عند سرده قصة الإسراء والمعراج: إن النبي أخرج من البيت ورفع بقوة مجهولة كان يظنها جبريل. اهـ وليست هذه الفرية الوحيدة في وصفه للإسراء والمعراج. ورغم إسهابه المفصل في ذكر القصة إلا أننا نجده يسكت عن بعض الأمور الهامة ويحرف بعضها الآخر، فيزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسري به أثناء منامه بروحه فقط، ولا يذكر أنه صلى إماما بالأنبياء في بيت المقدس، كما يدَّعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بدون حجاب.
ويتجنى ملخصا لرسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - معلنا أنه يستحق الذم لعشقه للنساء بعد تقدمه في السن وارتكب بعض الاغتيالات السياسية طلباً للثأر.
ولكن هاتين التهمتين يوردهما المؤلف مع التحفظ، فيقول: الاتهام الأساسي للقرآن هو شرعية تعدد الزوجات، ولكن هذا بقيود، لأن القرآن شرع هذا الحق للرجال، ولم يجعله مقدسا مطلقا كما كان في الجاهلية، بل قيَّده بأربع زوجات. اهـ
هذا فيما يخص الاتهام الأول أما بالنسبة للاتهام الثاني فيقارن بين النبي - صلى الله عليه وسلم - و الإمبراطور قسطنطين والملك كارل العظيم، فيقول: إن قسطنطين العظيم قتل زوجته وابنه البريء، وأما كارل العظيم فعذب أربعة آلاف وخمسمائة أسرى سكسيين، وهذه الشرور أعظم من شرور محمد. مع العلم أن كارل العظيم كان من شعب تنصَّر منذ ثلاثمائة عام، ونشأ على هذا الدين، وأن قسطنطين العظيم تنصَّر بنفسه، وتربى في مجتمع أكثر ثقافة من مجتمع محمد، فينتج من مقارنتنا بين أولئك العظماء من رجال الدين والسياسة من شرق العالم النصراني وغربه أن محمداً كان أولى منهم. فإذا قدَّس اليونان قسطنطين واللتينيون كارل فلماذا لا يعظم المسلمون ذِكْر نبيهم؟ اهـ(8/16)
ثم يقول: إن أهم قصور في عقيدة محمد ودينه هو عدم كمال الإنسان الذي هو كمال الوحدة بين الله والإنسان وذلك لأن الإسلام لا يأمر المؤمن بتكميل نفسه الدائم وإنما يأمره بالاستسلام المطلق. اهـ
ثم يقول: إذا افتقدنا مثال الكمال الذي يسعى إليه الإنسان فليس لسعيه مهمة أو غاية، مما يؤدي إلى عدم التطور وبهذا السبب أصبح التطور غريبا عن الشعوب المسلمة عقيدة وفعلا. وثقافة المسلمين هي ثقافة محلية تزول بدون تقدم. إن العالم الإسلامي لم ينشأ عبقريا مطلقا وإنه لم يأت من يقود البشرية إلى الكمال. اهـ
ومما تقدم يتضح موقف هذا الكاتب من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو موقف بعيد عن الصواب والإنصاف.
ومن الملائم أن نذكر هنا أن أفكار سولوفيوف لها أتباع بين علماء الروس حتى الآن ومن الغريب أن بعضهم ينتسبون إلى الإسلام ومنهم المترجمة الروسية لمعاني القرآن الكريم بوروخوفا التي تابعت سولوفيوف في قوله إن أهل الكتاب غير ملزمين بقبول الإسلام، وإن في تطبيق شرائعهم كفاية لدخول الجنة، وإن نعيم الجنة للروح فقط بدون البدن. هذه العقائد الباطلة وغيرها نجدها في ترجمتها لمعاني القرآن الكريم وتفسيرها وهي لا تزال تدعو إليها.(1)
ثم إن سولوفيوف اهتم بتحليل الأخبار التاريخية مما جعل عمله يثير انتباه الباحثين. ولكن حكمه في كثير من المواضع غير مُنصف، وعرضه للروايات غير كامل ممَّا يحول بين القراء وتدبر أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوامره ونواهيه، وكثيرا ما يعتمد على روايات ضعيفة. ولا يسعنا المقام أن نسرد كل ما وجدنا في كتابه من الأخبار الكاذبة ونكتفي بذكر بعضها.
__________
(1) انظر بحث المؤلف في موضوع "الأخطاء العقدية في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية" طبع بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة سنة 1423 هـ.(8/17)
يزعم سولوفيوف أن المسجد النبوي بالمدينة هو أول مسجد بني في الإسلام، ولا يذكر بناء مسجد قباء. كما يدعي أن المسلمين أجبروا ريحانة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام فمكنوه من الزواج بها. ويخطئ في قوله بأن ماريا أم إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت من أزواجه ويقول أكثر من مرة إن حج البيت صرف العبادة للكعبة، وكل ذلك يدل على أن معارفه عن أصول الدين الإسلامي كانت مشوَّهة.
ومن خصائص هذا الكتاب بحوث المؤلف في اشتقاق الكلمات العربية والمصطلحات الشرعية فيشير إلى أن اسم هاجر أم إسماعيل - - عليه السلام - - وكلمة هجرة مشتقان من فعل واحد قائلا: بالهجرة من مكة بلد إبراهيم، أعاد محمد خروج إسماعيل من بيت أبيه. اهـ
كما يقول عن أبوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أسماءهما يدلان على أهم خصاله: العبودية لله والأمانة.
وخلاصة القول أن كتاب سولوفيوف كان خطوة هامة في تاريخ مدرسة الاستشراق الروسية ورسم خطة عامة لتقدمها في القرن العشرين.
واعتنى المستشرقون في روسيا بدراسة السيرة النبوية في العشرينيات من القرن الماضي بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم، ونشأ جيل من الباحثين الذين ألفوا الرسائل العلمية في بعض المسائل المتعلقة بالسيرة النبوية منهم بارتولد وكاشتالوفا وفينّيكوف، ولا نجد من بين مؤلفاتهم كتابا عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورة كاملة.
وفي العقود الخمسة التالية تأثرت مدرسة الاستشراق بالشيوعية فاستخدم الباحثون الأساليب المخالفة للعلم، وجعلوا محمدا شخصية غير تاريخية وادعوا أن القرآن ألف في عهد ازدهار الخلافة ونسب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. مثل هذه العقائد والخرافات وضعت في أساس مؤلفات بيلاييف وكليموفيتش وتولستوف. وأصداء هذه الأقوال نجدها حتى في بعض الرسائل المؤلفة في الستينيات والسبعينيات.(8/18)
ولكن في بداية الستينيات بعد نشر ترجمة معاني القرآن الكريم للأكاديمي كراتشكوفسكي تغيَّر موقف المستشرقين الروس من شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذوا يدرسون المراجع الإسلامية بدقة، وألَّفوا البحوث والرسائل في السيرة النبوية. ومع ذلك بذلت معظم جهودهم لدراسة معاني القرآن الكريم ومؤلفات علماء المسلمين عن تاريخ الشعوب المسلمة التي تعيش في الاتحاد السوفياتي.
ومن أول الكتب الشاملة للمستشرقين السوفيات عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب ((العرب والإسلام والخلافة العربية في العصور الوسطى)) للمستشرق بيلاييف، ولكن الدراسة الكاملة المطولة للسيرة النبوية نجدها في كتاب ((تاريخ الخلافة)) للمؤرخ بولشاكوف. وفي المجلد الأول من هذا الكتاب يتحدث المؤلف بالتفصيل عن تاريخ العرب قبل الإسلام والسيرة النبوية.
وهذا الكتاب سهل الفهم لعامة القراء؛ لأن كل ما يتعلق بالمتخصصين من دراسة الروايات وذكر المسائل الخلافية وسرد الأدلة وشرح المصطلحات وارد في الحواشي آخر المجلد، ولا يُمِل من يريد أن يتعرف على السيرة النبوية بشكل عام.
ويبين صاحب المقدمة موقف بولشاكوف من موضوع كتابه قائلا: إن موقفنا ليس موقفَ ملتزم بدين معين يتسامح مع الإسلام، ويضعه بجانب دينه، وإنما موقفنا موقف الباحث البعيد عن العقائد الدينية وهو الموقف العادل الوحيد، ويجب علينا أن ندرك بهذه الطريقة الانفعالات النفسية لرجل اعتقد أن الإله يخاطب البشرية بلسانه، كما يجب علينا أن نعقل هذه المواعظ التي لا نؤمن بكونها من الله، ونوضح بغير تحيّز كيف تنشأ مثل هذه العقائد، وكيف تفتح قلوب الشعوب وتصبح قوة نافذة في التاريخ. اهـ
إن بولشاكوف لا يكتفي بذكر أهم الأحداث من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويدرس حالة العرب الاجتماعية والاقتصادية قبل البعثة وبعدها حتى يتفهم أسباب ظهور الإسلام والخلاف بين المشركين والمسلمين.(8/19)
حرصا على تقويم الأحداث التاريخية ومحاولة لفهم الترتيب الزمني يهتم المؤلف بدراسة التواريخ، كما يعتني بالأرقام ليأخذ فكرة عن العلاقات بين الأفراد والقبائل وسير المعارك وغيرها من الأحداث مثلا يقول في غزوة بدر: إن أسماء القتلى توضح لنا سير الغزوة.
أولا: أكثر من نصف قتلى المكيين من بني عبد شمس وبني مخزوم، ونصف الأسرى منهم كذلك، وهذا يدل على أنهم قاتلوا بجد وأن بقية المشركين كانوا غير نشيطين.
ثانيا: نصف قتلى المكيين لَقُوا مصرعهم على أيدي المهاجرين مع أنهم ربع جيش المسلمين فقط.
ثالثا: لم يقتل أحد من المكيين أو المهاجرين بيد خصم من قبيلته لأنهم حاولوا ألا يقاتلوا أقرباءهم.(1) اهـ
ولو صح ما ادعاه المؤلف لكان من الملاحظات المفيدة ولكن ادعاءَه يعارض الروايات الصحيحة، وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره في قوله تعالى? لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ (# qçR%x2 آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ |=tFx2 فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ اثثب? [المجادلة: 22]: أنزلت هذه الآية إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر.(2)
ومن المعلوم أن الصديق همّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، ومصعب بن عمير قتلَ أخاه عبيد بن عمير، وعمر قتلَ قريبا له يومئذ أيضا ولكن المؤلف لم يُلْق بالا لهذه الروايات.
__________
(1) كتاب تاريخ الخلافة لبولشاكوف (1/101).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/420).(8/20)
ومع ذلك فإن بولشاكوف كثيرا ما كان يعتمد على كتب السيرة وروايات الثقات، ولكن عمله تأثر بعقيدته المنحرفة، فنجد بعض استنتاجاته غير مقبولة عند عامة المسلمين، وتخالف أقوال أئمتهم. وسبب ذلك يعود أحيانا إلى عدم معرفته بأصول الدين الإسلامي، ويمكن الاستدلال على ذلك بعدد من أقواله منها: عدّه تعظيم المسلمين للكعبة عبادة لها.(1)
ويشكك المؤلف في صحة كثير من الأحداث من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المذكورة في كتب السيرة الموثوقة.
وعند إيراده قصة شرح صدر محمد - صلى الله عليه وسلم - في صغره يقول: إن حدوث هذه القصة مشكوك فيه والظاهر أنها ألِّفت بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدة سنوات.(2) اهـ
وعند ذكره لقصة أكل الأرضة لصحيفة المقاطعة العامة يذكر بولشاكوف أن الكتابة الباقية كانت (بسم الله الرحمن الرحيم) معتمدا على ما ورد في سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد. ثم ينكر هذه القصة مبينا وجهة نظره أن عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) ما كانت معروفة حينئذ، مستدلا بقصة رفض سهيل بن عمرو أن تكتب هذه العبارة في أول معاهدة صلح الحديبية.(3)
والتحريف نفسه نجده عند كلامه على بيعتي العقبة حيث يشكك في صحة صياغة الأخبار الواردة في كتب السيرة ويميل إلى أقوال ميلاميدي (Melamede) ووات (Watt) قائلا: إن الروايات عن بيعتي العقبة نشأت عن ذكريات مضطربة عن عدة لقاءات محمد - صلى الله عليه وسلم - بالقبائل، مما جعلهم يقسمون اللقاء الوحيد بأهل يثرب في العقبة في أواخر ذي الحجة الموافق 14 يوليو سنة 622م.(4) اهـ
__________
(1) كتاب تاريخ الخلافة لبولشاكوف (1/74 و 83).
(2) المصدر نفسه (1/65).
(3) المصدر نفسه (1/81).
(4) المصدر نفسه (1/87).(8/21)
وهو يرجح هذا الرأي لثلاثة أسباب حيث يقول: ((مما يجعلنا نشك في هذه الروايات أن عدد النقباء في بيعة العقبة الثانية هو نفسه عدد الوافدين في بيعة العقبة الأولى، وأن بيعة النساء الواردة في القرآن يرجع تاريخها إلى وقت متأخر، وأن خطاب العباس عمّ محمد المذكور في كثير من المراجع يظهر غير منطقي في ضوء الظروف الراهنة آنذاك)).(1) اهـ
وأكثر من مرة نجد المؤلف يبحث عن العلاقة بين مواعظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآثار النصارى، ولا يلقى أي اهتمام لاعتقاد المسلمين أن القرآن الكريم أنزل مصدقا للكتب السابقة مهيمنا عليها، فيقول: إن وصف الجنة كعرس أبدي جزاءً للزاهدين في الدنيا بشكل واضح مأخوذ من الكتب الرهبانية النصرانية.(2) اهـ
كما يقول: بهذا يتبين لنا أن محمدا كان على معرفة واسعة بقصص الكتاب المقدس وإنْ نقلها بشكل آخر، وهذا ما جعل بعض الباحثين يظنون أنها غير مأخوذة من الكتاب المقدس نفسه بل هي من الرصيد الأسطوري السامي.(3) اهـ
ويظهر انتقاد المؤلف لكثير من الأحداث التاريخية من تقويمه لأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال أصحاب السير، ملخصا لأهمية هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والأحداث التي صاحبتها يقول بولشاكوف: من المميز أن مؤرخي العصور الوسطى، الذين يحبون أن تزين كتبهم بكثير من الخطابات البليغة للشخصيات التاريخية صحيحة كانت أوموضوعة، لم يذكروا أي خطبة لمحمد في قباء. كما لم يحظ هذا الحدث العظيم في حياة الأمة بأي ذكر في القرآن. وهذا يبين لنا أن محمدا كان يتعرف على مصادر القوى، ويخاف من الأقوال المتهورة التي قد تفسد كل شيء. (4) اهـ
__________
(1) المصدر السابق نفسه.
(2) المصدر نفسه (1/77).
(3) المصدر نفسه (1/78).
(4) المصدر نفسه (1/90 - 91).(8/22)
ينظر المؤلف بسخرية إلى أن وقوف ناقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند بني النجار عند قدومه إلى المدينة كان من توفيق الله لها، مستدلا بأن أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا من هذه القبيلة، يقول بولشاكوف: ولا شك أن هذا الاختيار لم يكن عفويا؛ لأن محمدا كان يشعر باطمئنان عند أخواله أكثر من أي مكان آخر، وإشارته إلى أنه كان من توفيق الله للناقة خلصت محمداً من الشبه واللوم، (ثم يقول زاعماً): إنه فضَّل أقرباءه على غيرهم.(1) اهـ
ويصف المؤلف أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإرسال جيش أسامة إلى الشمال بالغرابة والسفاهة، فيقول: كيف نفسر هذا الأمر الغريب، المتمثل في إرسال أفضل المجاهدين إلى جهة ليس فيها أي خطر وترك بدون حماية من كان مستهدفا؟ هل هذا من الجهل التام بالأوضاع وعلى كل حال أمره بترك المدينة من غير حماية مدة شهر كان غير مناسب. ولعل أمره بالزحف إلى الشمال كان حماسيا محضا لأنه شعر بتدهور حالته الصحية، وهذا ما كان غير واضح لأصحابه، فقرر قبل فوات الأوان أن ينتقم من قتلة حِبِّه زيد، وإن كان هذا التصرف غير لائق بشخصية سياسية كبيرة، من الناحية الإنسانية.(2) اهـ
لقد استخدم بولشاكوف كل الفرص لإتهام المؤرخين المسلمين بالتحيز، ودافع أكثر من مرة عن المنافقين، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول. فنجده عند ذكر إخراج بني قينقاع من المدينة يثني على هذا المنافق، حيث يذكر أنه ناشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدم قتلهم ثم حاول إقناعه بعدم إخراجهم.(3) وأثناء كلامه عن غزوة أحد ويعد تولي عبد الله مع ثلاثمائة جندي، رأيا صائبا نظرا لقصده عدم ترك المدينة بدون دفاع.(4) اهـ
__________
(1) المصدر نفسه (1/91).
(2) المصدر نفسه (1/185).
(3) المصدر نفسه (1/108).
(4) المصدر نفسه (1/114).(8/23)
ولا يستطيع بولشاكوف إخفاء كراهيته لنجاح المسلمين ووحدتهم ويحاول دائما أن يقنع القارئ بأنه كانت هناك خلافات كثيرة بينهم. وأحيانا يفترض في سبيل ذلك فرضيات غير معقولة، مثلا عند ذكره لرجوع المهاجرين من الحبشة إلى المدينة يقول: من المحتمل أن بين جعفر ومحمد خلافات غير مذكورة في المراجع الإسلامية. وإلا فكيف نفسر أن بعض المهاجرين وجدوا فرصة للقدوم إلى المدينة بعد غزوة بدر مباشرة، وقريبه جعفر انتظر أربع سنين بعد ذلك.(1) اهـ
تحليلا لمراحل تكوين العبادات الإسلامية يستنتج المؤلف أنها تألفت من خلال النقاش المباشر وغير المباشر مع اليهود فيشير إلى اتخاذ المسلمين بيت المقدس قبلة، وصيامهم يوم عاشوراء، وجواز أكل طعام أهل الكتاب. ولكن استنتاجاته بعيدة عن الصواب، وفي بعضها قلة أدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ونذكر على سبيل المثال قوله: كان محمد في بداية دعوته مقتنعا أن حنيفيته هي عقيدة التوراة نفسها، وربما مناظرته مع اليهود ذكرت حتى في السور المكية، والأرجح أن هذا نتيجة التحرير المتأخر. ومن أول لقاء مع اليهود تبين أنهم قبلوه قاضيا عاما ولكن رفضوا إرشاداته الدينية، وكانت تصورات محمد المضطربة عن قصص أهل الكتاب موضع سخرية عند اليهود الذين تعلموها منذ نعومة أظفارهم (2). اهـ
__________
(1) المصدر نفسه (1/150).
(2) المصدر نفسه (1/104-105).(8/24)
وأيُّ ذكر للملائكة والجن والمعجزات يحسبها بولشاكوف من عناصر الأسطورة الإسلامية المخترعة من طرف المؤرخين لتزيين الأحداث الحقيقية، وفي بعض الأحيان يربط هذا بأسباب أخرى. مثلا يستغرب من مناصرة آلاف من الملائكة للمسلمين في غزوة بدر، فيقول: إن هزيمة أقوى الخصمين أدهشت الطرفين كليهما، ولشرحها ظهرت أسطورة عن مساعدة ألف مَلَك للمسلمين إجابة لدعوة محمد، وهذا الشرح كان يناسب تماما الطرف المهزوم حفاظا على ماء وجوههم؛ لأن الوقوع في الأسر من طرف عدو ضعيف شيء، ومن طرف ملائكة في هيئة إنسان شيء آخر.(1) اهـ
وينفي المؤلف تلك العوامل التي أثرت بشكل أساس في سير أحداث غزوة الخندق، مثل إرسال الله الريح والجنود من السماء، كما لا يعد من عوامل الانتصار الأساسية الخطة الجديدة التي لم يعهدها العرب واختارها المسلمون بمشورة سلمان الفارسي. ويرى تفوق المسلمين في المجال العقدي فيقول: إن طبيعة البدو الفردية، التي تلزم الفرد بالواجبات نحو عدد محدود من الناس، واجهت خدمة غير مشروطة للعقيدة التي تجعل الفرد يتخلى ليس فقط عن مصالحه الشخصية ولكن عن الأسس الأدبية التي تألفت عبر القرون كذلك. إن الطرف الواحد يشن غارة على عدوه بجرأة ولكن يتوقف عند المقاومة التي تهدده بخسائر بالغة، ويدبر أموره باحتراس من الثأر. وأما الطرف الآخر كل شيء لديه مسخر للهدف الأعظم، الذي لا يمكن مقارنته بأي أهواء شخصية ولا تصورات الجاهلية للخير والشر.(2) اهـ
__________
(1) المصدر نفسه (1/101).
(2) المصدر نفسه (1/135).(8/25)
وحتى هذه التعليلات المادية يعدها المؤلف أحياناً غير كافية لشرح انتصارات المسلمين. ولاسيما عندما يتحدث عن الغنائم الكثيرة التي أصابها الصحابة في غزوة بني النضير (خمسين درعا، وخمسين بيضة، و ثلاثمائة وأربعين سيفا)، يتعجب فيقول: كيف لم تستطع هذه المجموعة من الرجال المدججين بالأسلحة أن تصمد أمام العدد نفسه من المسلمين (1).
فالمؤرخ المبهوت لم يجد جوابا عن هذا السؤال. ولكنه لم ينسب كل معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأساطير الخرافية، وأحيانا يحاول أن يجد لها تأويلات معقولة. مثلا يقول تعليقا عن قصة غرز الرسول - صلى الله عليه وسلم - لسهمه في قاع البئر وانفجار الماء منها: ربما هذا ليس تلفيقا لأن محمدا كان بإمكانه معرفة خصائص هذه البئر، فغرز سهمه في المكان المناسب.(2) اهـ
ومن هذا القبيل تعليقه على إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أحداث معركة مؤتة واستشهاد زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة - رضوان الله عليهم أجمعين - بأن رجلا يكنى بأبي عامر رجع من الشام قبل خالد بن الوليد وجيشه فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حدث، ويعتمد المؤلف في هذا القول على رواية ابن سعد (3).
وفي آخر الكتاب يحاول بولشاكوف تحليل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشكل عام ولا يخفى ذهوله من النجاح الباهر للدعوة الإسلامية، فيقول: محمد ترك لأتباعه نظاما دينيا كاملا مرتبطا بشخصيته يحتوي كل ما يحتاج إليه الإنسان من معرفة حقيقة العبد والإله إلى العبادات المنظمة بدقة.(4) اهـ
__________
(1) المصدر نفسه (1/120).
(2) المصدر نفسه (1/144).
(3) المصدر نفسه (1/156).
(4) المصدر نفسه (1/187).(8/26)
ثم يقول: إن محمدا أسس أمة جديدة غير مقيدة بالعرى القبلية، وليس فيها خضوع لقبيلة ما، أو منطقة ما لقبيلة أخرى رغم أن كثيرا من القبائل عدّوا الإسلام خضوعا لقريش، وأفراد هذه الأمة اجتمعوا على أساس شعور داخلي، ولكن هذه الأمة ما كانت حينئذ دولة ذات نظام مالي موجه وهيكل إداري وجيش. إن محمداً لم يترك أي أحكام تختص بقيادة الأمة، فلم يرث المسلمون إلا بعض الأحداث السياسية من سيرته والتجارب السياسية لدى المشركين، فكان عليهم إعادة فهمها على ضوء العقيدة الجديدة (1) اهـ.
وخلاصة القول أن كتاب ((تاريخ الخلافة)) يعد أكثر تفصيلا لما كتب عن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - باللغة الروسية. ورغم أن للمؤلف اتجاها إلحاديا وتقويما خاطئا لبعض الأحداث التاريخية، فإن هذا الكتاب يستحق دراسة من قِبل علماء المسلمين لما فيه من تحليلات لها أهميتها عند المستشرقين الذين غزوا عقول عامة المسلمين وبخاصة في الديار التي كانت تحت سيطرتهم، فلبسوا الحق بالباطل، وأضلُّوهم عن الطريق السوي.
__________
(1) المصدر نفسه (1/188).(8/27)
والآن ننتقل للحديث عن كتاب ((النبي محمد)) للمستشرقَين السوفياتيين بانوفا وفاختين، فلهذا الكتاب مكانة خاصة بين كتب السيرة النبوية باللغة الروسية لأن أسلوبه يختلف عن أساليب كثير من كتب المستشرقين. فعلى الرغم من أن المؤلفَين اعتمدا على المراجع الموثوقة وذكرا فضائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأظهرا حرصهما لبيان الحق إلا أن أساس هذا الكتاب هو الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله. فبانوفا لا تصدق بالأخبار التي تذكر فيها معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتحاول أحيانا أن تفسرها بالظواهر الطبيعية والحوادث التي لم يستطع الناس أن يدركوها في تلك الأيام. فتقول عند ذكر هلاك أصحاب الفيل: اتفق المؤرخون أن هذه الظاهرة الخارقة للطبيعة إنما كانت وباء الجدري شب في جيش الأحباش، وقد ثبت أن الجدري دخل جزيرة العرب لأول مرة في ذاك الوقت.(1) اهـ
وبسخرية تحدثت بانوفا عن رحلة أبي طالب تاجرا إلى الشام لما بلغ محمد اثنتي عشرة سنة حيث تقول: ذكر المؤرخون معجزات محمد في الشام وفي الطريق إليه، ولكن هذه المعجزات يسيرة عديمة الأهمية من جملتها أن المَلَكَ أظل محمدا، وفعل ذلك خفيا حتى لم يشعر به محمد نفسه، وأما الناس فشاهدوا الملائكة وظلالهم وسكتوا عن ذلك وياليت شعري لم كتموه عليه ؟.(2) اهـ
وتجعل بانوفا القارئ يشكك في صحة الروايات عن معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم -. حتى عند ذكر غزوة بدر تعد هذه المستشرقة انتصار المسلمين حادثا عاديا، وتقلل من عدد جنود قريش حيث تقول: إنهم كانوا ستمائة فقط.(3) اهـ
__________
(1) كتاب النبي محمد لبانوفا وفاختين (ص 46).
(2) المصدر نفسه (ص100).
(3) المصدر نفسه (ص308).(8/28)
إلى جانب هذا تكتم بانوفا الأحاديث العديدة عن معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي دُهش منها كفار قريش وغيرهم، وتسكت عما رأت حليمة السعدية من بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في صغره، وكذلك كتمت معجزة انشقاق القمر المذكور في كتاب الله وإخباره - صلى الله عليه وسلم - عن صحيفة المقاطعة العامة التي أكلتها الأرضة وخلاصه من قريش ليلة الهجرة، ولقاءه مع سراقة بن مالك، وغيرها من المعجزات الثابتة في الكتاب والسنة.
وأحيانا تشكك بانوفا في صحة الروايات التاريخية المقبولة وأحيانا تروي الآثار الباطلة التي تجعل عامة القراء لا يثقون بكل ما ورد في كتب التاريخ مثلا تقول عن جمال عبد الله والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يذكر في الأساطير أن عبدالله كان له كمال لا مثيل له وكان يسبي عقول النساء ولذا ماتت في ليلة زفافه مائتا فتاة.(1) اهـ
ثم تقول: وإنما قصد تلك الأساطير تشريف لعبد الله وآمنة أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - وإشارة إلى صفاتهما الحميدة الفذة كالجمال والحسب.(2) اهـ
وكثير من الناس بعد سماع مثل هذا الشرح يشككون في صحة الأخبار عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ظانين أنها مزينة بالأكاذيب والخرافات.
وهنا مثال آخر لموقف المستشرقة الروسية مما جاء في كتب التاريخ حيث تقول في وصف حجة الوداع: أعلن محمد قصده الحجَّ فانتشر هذا الخبر وأخذت حشود المسلمين تلحق به. يقال إن ستين ألف مسلم خرج من المدينة، وربما لم يكن هناك ستون ألفاً وكانوا ثلاثة آلاف فقط، إنا نفهم أن المؤرخين غاروا من شهرة النبي - صلى الله عليه وسلم -.(3) اهـ
__________
(1) نفس المصدر (ص 44).
(2) المصدر نفسه (ص45).
(3) المصدر نفسه (ص353).(8/29)
والظاهر أن بانوفا لا تميز بين الروايات الصحيحة والضعيفة وتقبل الروايات التي توافق هواها والتي تحسبها معقولة. ومن هذا القبيل ردها لقصة وضع الحجر الأسود في مكانه حيث تقول: إن المؤرخين الأتقياء علقوا أهمية على قصة محمد والحجر الأسود ولكننا لا نثق بها. وقد ثبت أن محمدا لم يتحدث عنها أبداً وذلك مما يدل على أنها تلفيق.(1) اهـ
وعند ذكر سبب نزول أول سورة عبس تشير المؤلفة إلى أقوال المفسرين بأنها نزلت في عبد الله بن أم مكتوم ثم تقول: وربما لم يكن في عهده رجل أعمى باسم عبد الله بن أم مكتوم، ومن المعلوم أن الرواة الذين تحدثوا عن أقوال محمد وأفعاله لم يتركوا سطرا من القرآن إلا فسروه، والآن لا نستطيع أن نوضح هل الحادث الحقيقي وضع في أساس الآيات أو هذه الآيات هي التي أثارت الروايات؟(2) اهـ.
ثم إن بانوفا لا تنكر الآثار الصحيحة عند أئمة المسلمين فحسب بل تنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأقوال التي لا يشك المسلم في بطلانها، تقول: روي عن محمد أن الله قال: يا أيها الإنسان! احفظ ما آمرك به فتصبح مثلي، تقول للشيء كن فيكون.(3) اهـ وكأنها لم تسمع بقوله تعالى:? فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ x@yèy_ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اتتب?[الشورى: 11].
__________
(1) المصدر نفسه (ص118).
(2) المصدر نفسه (ص215 - 216).
(3) المصدر نفسه (ص129).(8/30)
وفي كثير من المواضع تفتري هذه المستشرقة بأن القرآن ليس كتاب الله وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نسبه إلى الله جورا وكذبا، وتستدل على ذلك بقصة الغرانيق المشهورة حيث تقول: إن النبي سمى آلهة المشركين ملائكة فسجد المشركون لله رضا بما يقول ثم تشرح ذلك بقولها: بعد ما زال الفرح فهم محمد أنه ارتكب خطأً كبيراً. إن هذه الخطوة مكَّنته من تفريق جماعة المشركين وتأمين مصالح المسلمين، ولكنها لم تُمِلْ قريشاً إلى الإسلام لأن الإيمان بالله وحده لايتفق مع هذه الآلهة بنات الله التي اعترف بها محمد حرصا على حل وسط مع قريش. ويمكن القول أن محمداً تناقض مع نفسه، فبدا له أن هذه المشكلة لا حل لها، ولكنها انحلت بعد نزول الآيات التالية فأُوحي إليه أن الله ليس له يد في ذلك، وأن هذه الكلمات ليست من كتابه المحفوظ ولا من تنزيله، وأن الشيطان هو الذي خدعه وأوحى إليه.(1) اهـ
ونجد هذه المستشرقة تحاول دائما إثبات الخلافات بين أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتقول مثلا: إن كبار الصحابة كأبي بكر وحمزة عدُّوا الشباب كعلي وزيد مزاحمين لهم.(2) اهـ
وفي شرحها لقوله تعالى:? xwur تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ اخثب?[الأنعام: 52] تقول المؤلفة: يبدو لنا أن بعض أتباع محمد كانت لهم سمعة سيئة بين العرب فأعلن محمد أن إيمانهم بالله وتوبتهم النصوح كفارة لذنوبهم السابقة، والمسلمون طووها في صفحة النسيان، ولكن المشركين ما حسبوا الذنوب الفاحشة تُمحى بالصلاة والإيمان وربما اعترض طائفة من المسلمين على أن محمدا يقبل الناس في صفوف أمته بلا تمييز.(3) اهـ
__________
(1) المصدر نفسه (238 -239).
(2) المصدر نفسه (ص265).
(3) المصدر نفسه (ص287- 288).(8/31)
وتتبجح على قوله تعالى:? وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ xwur يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ازب?[الحشر: 9] وغيرها من الآيات، التي تصف الصحابة الكرام تقول المؤلفة: إن التآخي الإجباري خيّب آمال محمد وقلما ترقت هذه الأحلاف إلى صداقة متينة.(1) اهـ
وتدعي المستشرقة أن المسلمين في بعض الأحيان عاملوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بخشونة بل تقول: إن بين محمد وزوج ابنته عليٍّ خلافات متواصلة بدا أثرها في القرآن على نحو غير واضح، مما جعل كثيرا من المسلمين يعاملون علياً وفاطمة ابنة النبي بكراهة غير خفية.(2) اهـ
ثم إن بانوفا تصف الصحابة بالجشع والطمع والأثرة والنزع إلى سفك الدماء والميل إلى الثأر والحرص على القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل المال والسلطة. ومن هذا القبيل شرحها لحالة المسلمين بعد ولادة إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: إن محمدا فرح فرحا شديدا، ولم يشاركه أحد في ذلك. وحزنت زوجاته اللاتي أهانتهن ولادة إبراهيم، حتى وجوه أصحابه الصادقين كانت عابسة؛ لأن فضائلهم كانت تستصغر بجانب ابن النبي. بل إن ولادة إبراهيم أغمَّت فاطمة وعليا لأن الحسن والحسين أضاعا مزية في كونهما وارثي النبي.(3) اهـ
__________
(1) المصدر نفسه (ص351).
(2) المصدر نفسه (ص472).
(3) المصدر نفسه (ص529).(8/32)
ولا تزال بانوفا تتبع الظن وتفتري على الصحابة حتى تقول عند وصف آخر الأيام قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: لم يستطع محمد أن يمشي إلى المسجد فحاول عمر أن يصلي بالناس إماما، ولكن المؤمنين لم يقبلوه فكلف محمد أبا بكر بالإمامة في الصلاة وربما لم يفعل ذلك لأن المسلمين شعروا بقرب موته فذهب عنه سلطانه.(1) اهـ
وتظهر هذه الكلمات مدى ما أشرب قلبها من بغض للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، مع ما فيها من كذب ووقاحة، ولها من مثله الكثير في هذا الكتاب. من ذلك تحريفها لما حدث بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث تقول: إن النبي الميت تُرك في بيت عائشة، وفي تلك الليلة تبين من ينازع على الحكم: علي جمع حزبه في بيت فاطمة، ونصره الزبير وطلحة، واجتمع الأنصار حول سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة مدججين بالسلاح. وتفرق بقية المهاجرين إلى حزب أبي بكر وحزب عمر. واعترف عمر أن التفرقة بين المهاجرين أرهبته، وكان هو لا يريد خلافة علي فاجتمع مع أبي بكر.(2) اهـ
ويشعر القارئ بلذع كلامها عند وصفها لغزوة أحد حيث تقول بعد إشارة إلى حرص الصحابة على الغنائم: حزن النبي لما وجد أكثر المسلمين لا يجاهدون لدينهم، ولكن لأجل الغنائم ونعيم الدنيا. اهـ
وهي تعتمد على بعض الروايات الضعيفة الموجودة في كتب بعض الفرق الضالة، منها ما روي عن علي بن أبي طالب - - رضي الله عنه - - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: إن هذا أخي ووليي وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا. وهذا حديث لا يُستدل بمثله، وقد ضعَّفه العلماء رحمهم الله. ذكره ابن كثير في تفسيره.(3)
__________
(1) المصدر نفسه (ص561).
(2) المصدر نفسه (ص563 ).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/464).(8/33)
وتوضح دراسة استنتاجات بانوفا وفاختين أن معرفتهما بالمسائل الشرعية كانت سطحية مما جعل عملهما مضللا للناس. فنجد في كتابهما القول بأن القرآن أنزل للعرب فحسب(1) وأن الطواف بالكعبة يعد عبادة لها(2) وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي كان يحس بلمس ويقول إن الله يلمسه بيده(3)، وأن الرجل الصالح الذي وجده موسى - - عليه السلام - - عند مجمع البحرين كان مَلَكا في صورة البشر.(4) وزعمت المستشرقة أن عبد الله بن أبي بن سلول كان سيد الأنصار وأنه بعد موته لم تجتمع كلمتهم.(5)
وزعمت أن الصحابة زينوا قبور شهداء أحد بأحجار الجرانيت والأحجار الكريمة(6) كأنها لم تسمع بالنهي عن البناء على القبور، كما ادعت أن المسلمين يعدون أبا طالب من أهل الإيمان بالرغم من موته على شركه.(7)
ثم إن المستشرقة تزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يهتم بقضية القبلة حتى صلى متوجها إلى الشرق، تقول: كان المسلمون يدخلون المسجد من الجهة الغربية والظاهر أنهم صلوا إلى الشرق لا إلى الشمال الذي هو جهة بيت المقدس. وكان أهل الفرق المبتدعة النصرانية يتوجهون إلى الشرق، وثبت أن كثيرا من النصارى عاشوا بالمدينة حينذاك. وربما تأثر المسلمون بأتباع عيسى أثناء بناء المسجد. وكان محمد أمرهم بالصلاة إلى بيت المقدس ولم يهتم بهذه المسألة حتى لا يمنع اختياره للقبلة من الدخول في الإسلام. ومن المعلوم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - بعد عدة سنين صلى مع وفد النصارى من نجران متّجها إلى الشرق.(8) اهـ
__________
(1) كتاب النبي محمد لبانوفا وفاختين (ص 150).
(2) المصدر نفسه (ص559).
(3) المصدر نفسه (ص150).
(4) المصدر نفسه (ص290).
(5) المصدر نفسه (ص564).
(6) المصدر نفسه (ص417).
(7) المصدر نفسه ( ص298).
(8) المصدر نفسه (ص342).(8/34)
واهتمت بانوفا بزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بشكل خاص ولكن استنتاجاتها كانت خاطئة باطلة. تزعم المؤلفة تعليقا على زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخديجة أنه أقدم على هذا الأمر من أجل المال حيث تقول: زواج محمد بخديجة خيب آماله في الغنى، ومن المستبعد أنه كان يرجو محبة زوجية عالية.(1) أما زواجه بسودة فتصفه إظهارا للمحبة الأخوية والتضامن الذي كان يدعو إليه(2)، وزواجه بعائشة تعلله بحسابات سياسية(3)، وزواجه بحفصة برغبة في الحيلولة دون نشوب خلاف بين سادة الأمة الإسلامية بعدما رفض أبو بكر وعثمان الزواج بحفصة بنت عمر(4)، وزواجه بجويرية تعده صفقة سياسية رابحة مع بني المصطلق.(5) وأما زواجه بريحانة وزينب وصفية فتسوغه بأنه - صلى الله عليه وسلم -لم يصمد أمام مظهرهن الجميل(6).
وتلك بعض الأمثلة التي تبين منهج المستشرقين بانوفا وفاختين، وهو في الحقيقة منهج جميع المستشرقين الروس الذين حاولوا أن ينشروا أفكارهم الباطلة ويثبتوا أن الدين الإسلامي نشأ وتكون تحت تأثير العوامل الاجتماعية والسياسية، وكان وسيلة في أيدي وجهاء المجتمع لتقوية سلطانهم.
يحاول المستشرقون تلبية لمقاصدهم غير العلمية أن يستخفُّوا بالقيم الدينية والأخلاقية، ويدّعوا أن الحضارة الإسلامية هي في الحقيقة التراث العربي فقط وأن سائر الناس يمكنهم التخلي عنها. ورغم هذا نجد كتبهم منتشرة بكثرة حتى بين المسلمين الناطِقين باللغة الروسية نظرا لطريقة عرض الأحداث التاريخية بصفة شائقة وبعبارات سهلة الفهم، وصدق من قال: إن مثلهم كمثل الذي يقدم العسل مدسوساً بالسم.
__________
(1) المصدر نفسه (ص140).
(2) المصدر نفسه (ص309).
(3) نفس المصدر (ص311).
(4) نفس المصدر (ص400-401).
(5) نفس المصدر (ص 450).
(6) نفس المصدر (ص 465 و 466 و 488).(8/35)
ولهذا يتعين على علماء المسلمين أن يجتهدوا في عرض السيرة النبوية الصحيحة لأكبر عدد من القراء الذين وقعوا في شرك المستشرقين، وبخاصة الناطقون باللغة الروسية، الذين يقدّرون مهارات المؤلفين الأدبية ويحتاجون إلى شرح واف واستدلالات قاطعة؛ ليقتنعوا بصحة الأخبار الواردة في المراجع الإسلامية.
ويمكن القول إن بحوث المستشرقين الروس والسوفيات كانت موجهة أساسا لحل مسألتين:
إحداهما هي إيجاد تعليل مادي لحالة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي عليه ولنجاحه في دعوته. لهذا استخدموا كل الاختراعات في مجال علم النفس، والطب النفسي، وطرق استحضار الجن، وعلم الإثنوغرافيا وغيرها من العلوم. واجتهدوا في إيجاد أوجه التشابه بين حالته وحالة الشعراء والسحرة والكهان مثلما فعل مشركو قريش، واصطلحوا لهذه الحالة بحالة نفسية مختلة. ولتسهيل مهمتهم صاروا يدرسون شخصيته بمعزل عن تعاليمه الدينية وأخلاقه الكريمة وقراراته الحكيمة الصائبة ولو أنصفوا وذكروا بعضا منها لهدمت كل افتراءاتهم. ولكنهم أهملوا كل الروايات التي لا تخدم مقاصدهم واعتنوا فقط بسلوكه - صلى الله عليه وسلم - أثناء تلقيه الوحي.
والمسألة الثانية هي محاولتهم إيجاد جواب على تساؤل محير، كيف استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - استخدام مهاراته السياسية لتوحيد العرب في أمة واحدة تخضع لشريعة واحدة؟ فهم بانحياز وتشكيك يتعاملون مع روايات المؤرخين المسلمين، ويهتمون بدراسة قرارات النبي - صلى الله عليه وسلم - السياسية ويعدونه سياسيا حكيما حذرا وأنه استخدم بدهاء نظرية الوحي الإلهي لبلوغ غايته.كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
وبعد تحليل دقيق لمنهج المستشرقين الروس في دراسة السيرة النبوية وعرضها على القراء والعناية بالوضع الحالي للمسلمين في هذه الديار، أود أن أشير إلى بعض الأسس التي ينبغى أن يُعتمد عليها في عرض السيرة النبوية:(8/36)
أولا: كتب السيرة النبوية إما أن تكون بحوثا علمية فيها الأدلة والبراهين والتحليلات لمواقف من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدفها إثبات الحق والرد على افتراءات المستشرقين وأهل الزيغ والأهواء، وإما أن تكون مؤلفات فنية معتمدة على الآثار الصحيحة موجهة لعامة القراء.
ثانيا: تحليل وجيه ومتقن لأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع تقويم الوضع السياسي والاقتصادي للمسلمين وأعدائهم يجعل الكتاب ممتعا وجالباً للقارئ المتمعن المستعد لقبول الحق إذا تبين له.
ثالثا: تفسير الآيات القرآنية وذكر أسباب نزولها تجعل الكتاب عن السيرة النبوية وسيلة تعليمية واضحة، لا تعرف القارئ بمنهج حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسب، بل تعينه على الفهم الصحيح لمعاني كتاب الله.
رابعا: الرد على الاتهامات الباطلة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - المنتشرة بين الكفرة والجهلة له أهمية قصوى في تأليف الكتب في السيرة النبوية، ومن المستحسن إبطال تلك الافتراءات من خلال كتب السيرة النبوية وبيان الحق فيما يمكن أن يلبسوا علينا به مثل سبب زواجه بعدة نساء، وجهاده المشركين والكفار من أهل الكتاب.
خامسا: التركيز على ذكر الحِكم والفوائد من السيرة النبوية في مراحل مختلفة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتمكن القارئ من فهم حقيقة الإسلام وغايته العظمى التي تتمثل في عبادة الله وحده وإخلاص الدين له حنيفا، وإدراك واجبات المسلم في مرحلة تاريخية معينة بظروفها الخاصة. وهذا مهم جدا في وقتنا الحاضر عندما نجد بعض المسلمين ينحرفون عن الجادة والصراط المستقيم الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدقة متناهية فيجعلون من الأمور الفرعية أصولا في الدين، ومن الوسائل غايات، فيجلبون على الأمة الإسلامية ويلات كثيرة من حيث يعلمون أولا يعلمون.(8/37)
سادسا: توضيح أقسام الوحي وحالة النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء نزوله بمقارنته بالرسل قبله مع بيان الفرق بين رسل الله وأنبيائه وبين الدجالين الذين يَدَّعون النبوة ويلبسون على عامة الناس، وذلك لأن المستشرقين بنوا افتراءاتهم على هذه المسألة فاخترعوا نظريات لمقارنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ بالدجالين والسحرة.
سابعا: بيان معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي فاق بها جميع الرسل قبله بأنها حقيقية والتنويه بتنبؤاته بأحداث وقعت بعد وفاته، مما يقضي على تصورات الملحدين أنه - صلى الله عليه وسلم - كان كسائر البشر لم يأت بأي معجزة وأن كل ما فعل يمكن تفسيره بقوانين الطبيعة.
ثامنا: الإشادة بدور الصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - لأن أعداء الإسلام لا يضيعون أي فرصة للنيل من حملة هذا الدين ويتهمونهم بالحسد والعداوة بينهم، وأن قلوبهم أشربت بحب السلطة ونعيم الدنيا. ومن الضروري التركيز على فضائل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبي هريرة وعائشة أم المؤمنين رضوان الله عليهم لأنهم مستهدفون بالدرجة الأولى.
تاسعا: إيضاح مسألة الإمامة العظمى بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهلية أبي بكر الصديق بالخلافة، وبيان بطلان الروايات التي فيها وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة لعلي بن أبي طالب - - رضي الله عنه - - وأن الصحابة عصوا الله ورسوله واستولوا على الحكم.
عاشرا: تصفية كتب السيرة النبوية من الآثار الضعيفة والموضوعة وبيان وجهة ضعفها وأسباب وقوع مثل هذه الروايات في كتب السيرة والسنة وهذا ما يعين القارئ على كشف مكايد المستشرقين وأهل البدع والأهواء الذين ينشرونها، ويعتمدون عليها، ليعرضوا شكوكهم في صحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصدقه، أو ثقة أصحابه وعدالتهم، كما يكوّن ذلك لدى القارئ فكرة صحيحة عن تاريخ كتابة السيرة والسنة النبوية والقواعد المقررة لدى علماء المسلمين.(8/38)
وخلاصة القول أن المسلمين وغيرهم ممن يدرس العلوم الشرعية والسيرة النبوية لا يكتفون اليوم بالكتب التي تحتوي على سرد بسيط للآثار التاريخية ويحتاجون إلى البحوث المفصلة التي تزعج عقول مَنْ يعتمد على مؤلفات المستشرقين وأهل الأهواء ويرجع إليها رغبة في معرفة الدين الإسلامي، ومن أهم وظائف العلماء اليوم أن ينشروا الحق عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه وأوامره ونواهيه حتى يتبين للناس أنه أرسل رحمة للعالمين ودعا إلى الصراط المستقيم، وامتاز بالخلق العظيم وكان فيه أسوة حسنة لكل من يرجو الله واليوم الآخر ويذكر الله كثيرا. كما يجب على المؤرخين أن يأخذوا بعين الاعتبار عقائد القراء وميولهم لأن كثيرا منهم غير مسلمين يريدون أن يتعرفوا على الإسلام. فمن القراء الناطقين باللغة الروسية من غير المسلمين: اليهود والنصارى المتعصبون الذين هم في حاجة إلى دعوة ملحة موجهة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومنهم من تكونت عقيدته تحت تأثير الدعوة الشيوعية الملحدة، فأصبح لا يصدق كل ما لا يمكن شرحه بالقوانين الطبيعية. وإن معظمهم اليوم يتعرفون على الإسلام من كتب المستشرقين المتاحة لديهم، وعلينا أن نبين لهم الحق بالحجج الدامغة والأساليب السهلة.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم نافعة لنا ولسائر المسلمين، وأن يضعها في ميزان حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس المراجع
- تاريخ الخلافة، الكتاب الأول، الإسلام في جزيرة العرب، بولشاكوف، باللغة الروسية، مكتبة أدب الشرق، موسكو، الطبعة الأولى، 2000م. ... 1
- الترجمة المفسرة لمعاني القرآن باللغة الروسية، بوروخوفا، مطبعة سبهر، طهران، الطبعة الأولى، 1417هـ. ... 2 ...(8/39)
- تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، دار العرفان، الكويت، الطبعة الثانية، 1416هـ. ... 3 ...
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السادسة، 1417هـ. ... 4 ...
- الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، الطبعة الثانية، 1416هـ. ... 5 ...
- رياض الأنوار في سيرة النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - لصفي الرحمن المباركفوري، باللغة الروسية، ترجمة عبد الله نيرش، دار البدر، موسكو، الطبعة الأولى، 2000م. ... 6 ...
- زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، الطبعة التاسعة، 1416هـ. ... 7 ...
- شرح صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي، دار أبي حيان، الطبعة الأولى، 1415هـ ... 8 ...
- شرح السنة للإمام البغوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ ... 9 ...
- صحيح السيرة النبوية ما صح من كتاب سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه للحافظ ابن كثير، محمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى، 1421هـ. ... 10 ...
- صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1408هـ. ... 11 ...
- صور من حياة الصحابة، عبد الرحمن رأفت الباشا، دار الأدب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الجديدة المشروعة نشرت للمرة الأولى، 1418هـ. ... 12 ...
- غزوة أحد دراسة دعوية، محمد بن عيظة بن سعيد بامدحج، دار إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولي، 1420هـ. ... 13 ...
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى، 1421هـ. ... 14 ...(8/40)
- محمد حياته وتعليمه الديني، سولوفيوف، باللغة الروسية، الطبعة الإلكترونية نشرت في الشبكة العالمية إنترنيت:
http://vehi.by.ru/soloviev/magomet/magomet.html ... 15 ...
- مختصر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن هشام، باللغة الروسية، ترجمة غينولين، دار الأمة، موسكو، الطبعة الأولى، 2002م. ... 16 ...
- النبي محمد، بانوفا وفاختين، باللغة الروسية، دار فينيكس، روستوف، 1999م. ... 17 ...
فهرس الموضوعات
مقدمة…1
مؤلفات المستشرقين الروس في السيرة النبوية…8
فهرس المراجع…43
فهرس الموضوعات…45(8/41)
الاهتمام بالسيرة النبوية
باللغة الفرنسية: عرض وتحليل
للدكتور حسن عزوزي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
تتضمن مباحث ثلاثة:
أ- لماذا الاهتمام بالسيرة النبوية باللغات الأجنبية؟
لم يعد هناك مجال للشك في أن معظم الناس في البلاد غير الإسلامية والبلاد الإسلامية غير العربية يجهلون الشيء الكثير عن حقائق الإسلام ومبادئه وقيمه، ولعل مصدر هذا الجهل يعود بالمقام الأول إلى كون عملية التعريف بالإسلام وحضارته وعلومه لا تراعي التعددية اللسانية لدى المخاطَبين الذين لا يستطيعون استيعاب حقائق الإسلام بغير لغاتهم الأصلية.
إن خطاب الدعوة الإسلامية خطاب بشارة ونذارة للعالمين، قال تعالى: ? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [سبأ28].
وإذا كان المسلم داعية إلى الدين الحنيف بحكم العقيدة التي ينتمي إليها والشريعة التي يلتزم بأحكامها، فإن من قصور النظر وضيق الأفق الاعتقاد بأن التعريف بأصول الإسلام وتاريخه وحضارته ودعوته ينبغي أن تكون موجهة إلى الناطقين بالعربية لأنها لغة التنزيل العزيز، وأن كل توجُّه آخر بلغات غير العربية إلى أقوام لا يحسنون لغة القرآن الكريم يعد توجها خاطئا ومشبوها.
ويعد مبدأ عالمية الرسالة الإسلامية الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الثقافات والأديان الأخرى، ومن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام في توجيه الدعوة نحو غير المسلمين الذين يتوقون إلى استكمال معرفتهم بدينهم ومعطيات ثقافتهم الإسلامية باللسان الذي يتحدثون به ثم توجيه الدعوة أيضا نحو غير المسلمين الذين يفرض واجب الدعوة تعريفهم بحقائق الإسلام وتعاليمه بلغاتهم الأجنبية.
وإذا كان هؤلاء وأولئك في حاجة إلى معرفة أصول الشريعة الإسلامية وما تنبني عليه من علوم للقرآن والسنة والفقه والأصول فإنهم أيضا في حاجة إلى معرفة معطيات السيرة النبوية ووقائعها وأحداثها باللغات التي يتحدثون بها.(9/1)
من هنا دعت الضرورة إلى الكتابة في حقل السيرة النبوية بمختلف اللغات الأجنبية تحقيقا لهذه الحاجة الملحة، بيد أنه بالرغم من أن الدعوة الإسلامية في امتداداتها خارج الوطن الإسلامي تتطلب –بقوة- توفير الأبحاث والدراسات حول السيرة النبوية، فإن نسبة الأبحاث العلمية التي وضعها باحثون مسلمون(1) هي أقل بكثير مما وضعه الأجانب من مستشرقين وغيرهم.
ب- موقع اللغة الفرنسية بين باقي اللغات الأجنبية.
تأتي اللغة الفرنسية بعد اللغة الإنجليزية من حيث الانتشار وعدد المتحدثين بها في العالم، كما أنها تأتي في الترتيب نفسه ضمن لغات منظمة الأمم المتحدة، ولذلك فإن اختيار هذه اللغة لبحث مدى ومستوى التأليف بها في مجال السيرة النبوية له أهميته وجدواه، فاللغة تتمركز – فضلا عن فرنسا معقل اللغة الفرنسية- في كل من بلجيكا واللوكسمبورغ وفي المنطقة الفرنكوفونية من كندا (كبيك Quebec ) وكذا في كثير من الدول الإفريقية المستعمرة سابقا من طرف فرنسا ( دول المغرب العربي وكثير من دول إفريقيا السوداء).
__________
(1) يقصد الباحث (باللغة الفرنسية).(9/2)
من جهة أخرى فإن ثمة علاقة وصلة متميزة تربط بين فرنسا والعالم العربي إذ أقدم الفرنسيون منذ قرون على تعلم اللغة العربية وتعليمها استجابة لظروف الاحتكاك بين فرنسا والمنطقة العربية وكذلك تلبية للحاجيات والمصالح والمطامع الاستعمارية، ومنذ القرن الثامن الميلادي كانت أبواب الأندلس العربية قريبة من فرنسا فكان التواصل عن طريق معاهد الترجمة متناميا، وكان بعض المستشرقين القدامى ( ابتداء من ق 15 م) عارفين باللغة العربية، فتطور تعليمها وتعلمها مع الزمن، ودعت الحاجة إلى اكتشاف أغوار المشرق الساحر إلى تعلم العربية مما دفع قدما بمستوى الاهتمام بالثقافة العربية وبخاصة في العصر الحديث حيث أسهم وجود نسبة كبيرة من المهاجرين العرب في فرنسا وبلجيكا وغيرهما إلى تفعيل الكتابة في العالم العربي باللغة الفرنسية.ومع تزايد المصالح الفرنسية في المنطقة العربية كان من المتوقع أن توجه فرنسا اهتمامها المعرفي لكشف أسرار الحضارة والفكر الإسلاميين.
وفي العقود الأخيرة بدا أن التعاون الفرنكوفوني مع الدول العربية الناطقة بالفرنسية ( المغرب –الجزائر-تونس-لبنان-سوريا…) قد ساعد بقوة على دعم الكتابة باللغة الفرنسية والترجمة منها وإليها، كما أن استقرار نخبة من العلماء والمفكرين والكتاب بالدول الفرنكوفونية ممن اتخذوا اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير قد أسهموا في الكتابة عن الثقافة العربية والإسلامية باللغة الفرنسية، وهذه الاعتبارات كلها تؤكد أهمية بحث موضوع: الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية.
ج- بدايات الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية:…(9/3)
من الصعب جدًّا تحديد تاريخ معين لبداية الاهتمام بوقائع السيرة النبوية باللغة الفرنسية، ولاشك أن الانتشار السريع للإسلام مشرقا ومغربا قد لفت بقوة أنظار رجالات اللاهوت الكنسيين إلى هذا الدين خلال القرون الوسطى، ومن هنا بدأ الاهتمام بالإسلام من كل جوانبه ومن بينها محاولة البحث في تاريخ وسيرة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام(1).
ومع البدايات الأولى لظهور الاستشراق كانت الكتابات الاستشراقية المهتمة بالإسلام تصدر باللغة اللاتينية، ولم يظهر مفهوم "مستشرق" في فرنسا إلا في عام 1799م، كما لم يدرج مفهوم "الاستشراق" في قاموس الأكاديمية الفرنسية إلا عام 1838م(2).
__________
(1) أشار المؤرخ الفرنسي آلان دوسلييه إلى أن الراهب ثيوفان الواعظ Théophane le confesseur أول مؤلف قدم لنا أوائل القرن التاسع الميلادي نظرة عامة عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والمجتمع العربي وأسس لشبهة أخذ الإسلام عن التراث اليهودي المسيحي والتأثيرات المسيحية على دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة .
Alain Ducellier: chrétiens d'oriens et Islam au Moyen Age -Armand Colin-Paris
وراجع عن ثيوفان الواعظ هذا كتاب: أليكسي جوراسكي: الإسلام والمسيحية سلسلة عالم المعرفة الكويتية عدد 173 ص 73.
(2) تراث الإسلام تصنيف جوزيف شاخت وبوزورث، ترجمة د. محمد زهير السمهودي 1/78 بسلسلة عالم المعرفة بالكويت 1978م.(9/4)
لقد نشط اللاهوتيون النصارى الفرنسيون كغيرهم خلال القرون الوسطى ضد الإسلام وراحوا ينشرون الافتراءات والأكاذيب حول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغزت الأساطير الشعبية والخرافات خيال الكتاب الفرنسيين، ولم يكن الهدف عرض صورة موضوعية عن السيرة النبوية، فقد كان هذا أبعد ما يكون عن الأذهان وقتئذ، ولم يكن الاعتماد قائما على أية مصادر مكتوبة، بل يتم الرجوع فقط إلى آراء العامة والشائعات والأراجيف التي يتناقلها الناس عن الإسلام ونبيه(1).
ولم يكن الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته آنئذ بداية للحديث عن السيرة النبوية، بل كان ذلك يتم في سياق مواجهة الدين الجديد ومحاولة تشويه صورته وحقيقته، فجاءت صورته - صلى الله عليه وسلم - في كتاباتهم صورة النبي المزيف والكذاب الذي أراد القضاء على النصرانية، أما اللغات الشرقية ومنها العربية فلم تكن معروفة لدى الفرنسيين أثناء الحروب الصليبية وقبلها، ولم تعرف إلا مع ظهور حركات التنصير ومصادقة مجمع فيينا الكنسي عام 1312م على ضرورة تعليم اللغة العربية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وسلمنكا، وفي عام 1539م تم إنشاء أول كرسي للغة العربية في كلية (دي فرانس) Collège de France بباريس وكان أول من شغله هو المستشرق الفرنسي الشهير Guillaume Postel (ت 1581م) الذي يعد أول المستشرقين الفرنسيين الذين أسهموا في إثراء دراسة اللغة العربية، ونقل بعض التراث العربي إلى اللغة الفرنسية.
__________
(1) سوذرن: نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى، ترجمة د. علي فهمي خشيم ود. صلاح الدين حسني مكتبة دار الفكر بليبيا 1975م ص 17.(9/5)
وعلى الرغم من ذلك فقد تطور الأمر مع مرور الزمن حيث شهدت نهاية القرن السابع عشر اتجاها آخر مختلفا عما كان عليه خلال القرون الوسطى، فقد بدأت تبرز نظرات استشراقية موضوعية إلى حد ما، فيها القليل من التعاطف مع الإسلام وقد أسهم في تعزيز ذلك ظهور النزعة العقلية الجديدة التي بدأت تنتشر في أوروبا متحدية الكنيسة النصرانية التي تعارضها.
وقد كان من أبرز هؤلاء الفرنسي بيير بايل Pierre Bayle الذي عرض لحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - في قاموسه التاريخي والنقدي الذي ظهرت طبعته الأولى في روتردام عام 1697م(1).
وفي الوقت الذي أشاد فيه فولتير Voltaire بالنبي عليه السلام في مقالة مشهورة(2)، أبدى رأيا مخالفا ومتهجما في مسرحيته الشهيرة Mahomet ou le fanatisme "محمد أوالتعصب".
كما ألف بودي Body كتابه "حياة محمد" La vie de Mahomed عام 1671م ولم يصدر منقحا إلا عام 1730م، ويعد هذا الكتاب أول كتاب وقف به الفرنسيون على حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكنه كان بعيدا عن الإنصاف والموضوعية، كما أنه لم يخلص فيه مؤلفه الحديث عن السيرة النبوية كما قد يتوهم من عنوان الكتاب.وألف هنري دي بولنفيليي كتابه عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعادات المسلمين عام 1731م(3).
__________
(1) اشتهر المعجم في طبعته الخامسة عام 1740م متضمنة تعليقات وملاحظات كبار الكتاب الفرنسيين، أما آخر طبعة من الكتاب فقد ظهرت عام 1995م بجنيف وتقع في أكثر من 3000 صفحة.
(2) Voltaire: Essai sur l’histoire générale et sur les meurs Paris .
(3) Henri de Boulainvilliers, Le Conte de la vie de Mahomet avec des réflexions sur la vie mahommtane et les coutumes des musulmans –Amsterdam .
وقد وصفه مكسيم رودنسون بأنه كتاب دفاعي – انظر:تراث الإسلام ن سلسلة عالم المعرفة 1/66.(9/6)
ولم يكن الوقت قد حان للحديث عن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتب مستقلة، فذلك لم يظهر إلا ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، ولكن بالمقابل كانت هناك بدايات للحديث عن السيرة النبوية في المعاجم الكبرى من جهة وفي مقدمات ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية من جهة أخرى.
وبعد ظهور هذه البدايات الأولى للحديث عن السيرة النبوية كان لابد من انتظار القرن العشرين لكي يمكن الحديث عن اهتمام حقيقي بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية من طرف المسلمين والمستشرقين على السواء، وإذا كانت الكتابة الفرنسية في حقل السيرة النبوية تتم من قبل انطلاقا من الشائعات والحكايات المتداولة وبعض الإشارات الواردة في كتب من هنا وهناك، فإنه بعد ترجمة بعض المصادر الأولى للسيرة النبوية إلى اللغة الفرنسية(1) والانفتاح على اللغة العربية مباشرة أضحى من السهل إنجاز دراسات خالصة وجادة.
الفصل الأول: كتابات المسلمين حول السيرة النبوية باللغة الفرنسية
ينطلق اهتمام الباحثين المسلمين بدراسة السيرة النبوية باللغة الفرنسية من باعثين اثنين:
__________
(1) أحصى فكتور شوفان الفرنسي Victor chauvin عددا لا بأس به في عمله الموسوعي (مرجعية الكتب العربية أو المتعلقة بالعرب المنشورة في أوروبا المسيحية من سنة 1810م إلى 1885م) (المجلد 11المتعلق بالسيرة النبوية).
Bibliographie des ouvrages arabes ou relatifs aux arabes publiés dans l’Europe chrétienne de à –Liège .
ومن ذلك ترجمة Noel de vergers للسيرة النبوية من تاريخ أبي الفداء عام 1873م وترجمة Perron لقصة المعراج عام 1854م ونشر هنري ماسيه H Masséلكتاب الاكتفاء للكلاعي(ت634/عام1933م وغير ذلك.(9/7)
أ- تحقيق واجب الدعوة الإسلامية الذي يفرض ضرورة استخدام وتوظيف اللغات الأجنبية كوسيلة وأداة لنشر الإسلام والتعريف بنبيه ورسالته ونقل معطياته إلى العالم برمته، وهذا الصنف من الدعوة تحتاج إليه الأقليات والجاليات الإسلامية من جهة، وكذا غير المسلمين من أتباع الديانات والعقائد المختلفة الذين يتوقون إلى الاطلاع على سيرة الرسول -- صلى الله عليه وسلم -- ومعالم رسالته.
ب- مواجهة الكتابات الاستشراقية المهيمنة عن طريق إيجاد بديل لدراساتهم المشوهة لحقائق السيرة النبوية ومعطياتها الأصيلة، ولا شك أن الاقتناع بضرورة إنتاج دراسات وأبحاث حول السيرة النبوية باللغة الفرنسية من طرف علماء وباحثين مسلمين يستوعبون وقائع السيرة في نقائها وصفائها وأصالتها يمثل في حد ذاته تحقيقا لواجب الرد والتصدي لمن يطعن في الإسلام ورسالته.
وإذا كان الأمر كذلك فلابد من الاعتراف بأن ما كتب عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - باللغة الفرنسية من طرف العلماء والباحثين المسلمين ضئيل جدا مقارنة بما كتب باللغة الإنجليزية، فأمام هيمنة واسعة للكتابات الاستشراقية باللغة الفرنسية لا نجد سوى دراسات معدودة للباحثين المسلمين، لعل أبرزها:
أولاً: كتاب "محمد - صلى الله عليه وسلم -" لمحمد أسعد باي(1) قدم له المستشرق الفرنسي M.E.I. Gautier يقع في 330 صفحة، ويضم أربعة فصول :
الفصل الأول: العالم قبل ميلاد محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الفصل الثاني: الرسالة.
الفصل الثالث: المدينة والدولة.
الفصل الرابع: العالم بعد وفاة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ويبدو من خلال الكتاب أن المؤلف قد كتب كتابه متأثرا بالمنهج الاستشراقي في الكتابة في حقل السيرة النبوية.
__________
(1) Med Essad Bey: Mohomet: Payot –Paris .(9/8)
ثانياً:كتاب الدكتور جمال الدين بن الشيخ: معراج النبي - صلى الله عليه وسلم -(1)، استعرض فيه حدث المعراج من خلال ترجمة حديث المعراج وتحليله من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما المشهورة وقد تخلل الكتاب إشارات متعددة إلى مدى استغلال قصة المعراج في الثقافة الصوفية من جهة والفكر الغربي (دانتي على سبيل المثال) من جهة أخرى.
ثالثاً: كتابات البروفسور محمد حميد الله الحيدر آبادي رحمه الله (توفي عام1424هـ)، ويمكن الجزم بأن الشيخ محمد حميد الله هو أبرز من تخصص في إبراز وقائع السيرة النبوية باللغة الفرنسية في نقائها وصفائها وأصالتها، حيث لم يترك جانبا من جوانب السيرة النبوية إلا واهتم به اهتماما بالغا وقام بتحقيق معطياته وتوثيق نصوصه، وإذا كان رحمه الله قد اعتنى في حياته العلمية التي استغرقت سبعة عقود من الزمن بمختلف مجالات الدراسة والبحث في الإسلام دينا وحضارة فإن اهتمامه بالسيرة النبوية كان له الحيز الأكبر والنصيب الأوفر، ولو اقتصرنا على ذكر كتابه الذائع الصيت "نبي الإسلام" الذي يقع في مجلدين لكان كافيا.
ومن أهم دراساته وأبحاثه الأخرى في مجال السيرة النبوية باللغة الفرنسية ما يلي:
1) ستة أصول لرسائل نبي الإسلام الدبلوماسية.
Six originaux des lettres diplomatiques du prophète de l’Islam(2).
وتحدث فيه عن الموضوعات التالية:-تاريخ الكتابة باللغة العربية
- ظروف المراسلة- تقويم وتأريخ الأحداث.
- الوثيقة الأصلية لكتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كل من المقوقس والمنذر ملك البحرين وهرقل ملك الروم وكسرى ملك فارس وملك عمان.
__________
(1) Jamaelddine Bencheikh: Le voyage nocturne de Mohomet préface: André Miquel ; Paris ( pages).
(2) Editions Tougui – Paris ( p).(9/9)
وقد اكتشفت جميع هذه الوثائق حديثاً، وأرخ محمد حميد الله لتواريخ ذلك وقام بتوثيق النصوص ودراستها، وفصول الدراسة عبارة عن أبحاث ومقالات سبق أن نشرها مستقلة بالمجلات العلمية الفرنسية(1) كما فصل الحديث عنها أيضا في كتابه " نبي الإسلام"(2).
2- مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة
La diplomatie musulmane à l'epoque du prophète et des khalifes orthodoxes (Paris 1935) والكتاب عبارة عن أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها الشيخ محمد حميد الله عام 1935م إلى جامعة السوربون.
3- تسامح النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، نشر في كتاب جماعي بإشراف اليونسكو.
La Tolérance dans l'œuvre du prophète à Médine dans le livre : «L'Islam , la philosophie et les sciences» (3).
4) ساحات المعارك في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
Les champs de bataille du temps du Prophète(4).
تحدث محمد حميد الله في هذا المقال عن مواقع غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - معززا ذلك برسوم تاريخية دقيقة، وقد أشاد المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون بهذا البحث(5).
5) تاريخ ميلاد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
La date de naissance du prophète Muhammed(6).
6) إخوة وأخوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الرضاعة.
__________
(1) انظر على سبيل المثال: كتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل ومصير الوثيقة الأصلية.
La lettre du prophéte à Heraclius et le sort de l'original (Arabica / Janvier ).
(2) M , Hamidullah ; Le prophète de l'Islam (Tome I) ( ) ( )
( ) ( ) ( ).
(3) ترجم الكتاب إلى العربية تحت هذا العنوان، مصر 1941 –1956م، بيروت 1965-1983م –1985م....إلخ).
(4) Unesco pp –Paris.
(5) In Revue des Etudes Islamiques Paris .
(6) Maxime Rodinson: Bilan des Etudes mahomédanes, Revue historique n° (Mars ) p .(9/10)
Les frères et sœurs de lait du prophète (3).
7) الرسول - صلى الله عليه وسلم - مربيا.
Le prophète de l'Islam en tant qu'éducateur (1)
8) رحلات الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل الإسلام.
Les voyages du prophète avant l'Islam(2)
9) حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقد ترجم إلى أكثر من عشرين لغة.
La vie du prophète(3).
ومعظم هذه الأبحاث ترجمت إلى لغات أجنبية أخرى مثل الإنجليزية والألمانية والإسبانية فضلا عن الأردية لغة البلد الأصلي للمؤلف.
10) " نبي الإسلام: حياته ودعوته" في مجلدين (1070 صفحة).
Le prophète de l'Islam, sa vie et son œuvre(4).
يعد هذا الكتاب الضخم عن حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشهر ما ألف في السيرة النبوية باللغة الفرنسية، وقد طبع الكتاب طبعات متعددة، وتمت قرصنته مرارا في حياة المؤلف الذي كان يعلم بذلك ولا يحرك ساكنا معتبرا –كما جاء على لسان أحد طلبته- أن في ذلك تعميما للفائدة، وقد ترجم الكتاب إلى الإنجليزية والتركية والبوسنية وغيرها.
ذكر المؤلف رحمه الله في مقدمة الطبعة الأولى أنه بالرغم من خصوبة وتنوع الأدب الفرنسي بجميع فروعه فإن هناك نقصا فيما يتعلق بإنجاز دراسة شاملة للسيرة النبوية تسطر دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) In France Islam ( mensuel) N° .
(2) In: France Islami (mensuel) N° .
(3) In: Le Musulman Paris .
(4) In: Bulletin d'Etudes Orientales . Damas 1977 (Melanges Henri Laoust).(9/11)
في المقدمة وتحت عنوان: نبي الإسلام، لماذا دراسة حياته؟ استعرض الأسباب والدوافع التي تدفع إلى دراسة حياة ودعوة نبي الإسلام، ثم انتقل إلى دراسة المواد والمصادر الأولى المؤسسة للسيرة النبوية وأولها القرآن الكريم ثم السنة النبوية ثم الشعر ثم كتب السيرة النبوية التي ألفت في عصور متقدمة يرجع بعضها إلى أواخر عصر الصحابة، وقد ركز محمد حميد الله على سيرة ابن إسحاق التي سبق له أن عثر على جزء منها في خزانة القرويين وحققها هو بنفسه وكتاب المغازي للواقدي (ت207هـ) وسيرة ابن هشام (ت210هـ) ثم طبقات ابن سعد (ت230هـ)، هذا فضلا عن اعتماده على كتب أخرى لم تخصص لدراسة السيرة النبوية بصفة مباشرة ولكنها تضمنت معلومات مفيدة في هذا المجال ككتب ابن حبيب والدينوري والطبري واليعقوبي والبلاذري وغيرها، بالإضافة إلى كتب المعاصرين سواء كانت لباحثين مسلمين أو مستشرقين.
قسم محمد حميد الله كتابه إلى عدة فصول متضمنة لمباحث متعددة رتبها في صورة فقرات مترابطة، وهي طريقة سار عليها في بعض كتبه الأخرى(1).
استهل المؤلف حديثه عن البيئة والظروف المحيطة ثم عن بداية حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعن دعوته في مكة ثم الهجرة إلى المدينة ليصل إلى الفصل المطول حول الحياة السياسية والدينية لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد تضمن هذا الفصل المهم الحديث عن غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام وسراياه واستعراض رسائله إلى ملوك الدول المجاورة، وهو الجانب الذي فصل الحديث عنه في كتاب مستقل ذكرناه في مستهل هذا الفصل.
كما تحدث عن علاقاته - صلى الله عليه وسلم - بباقي القبائل العربية والمواثيق والمعاهدات الموقعة معها، وكذا علاقاته بمختلف الفصائل النصرانية واليهودية.
__________
(1) وهو صنيعه في كتابه الشهير:"التعريف بالإسلام" Initiation à l’Islam الذي ترجم إلى 18 لغة.(9/12)
وفي المجلد الثاني تحدث المؤلف عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - الخاصة، وعلاقته بأزواجه وطرق حفظ وصيانة القرآن الكريم والسنة النبوية ودعائم النظام التربوي والتعليمي بالإضافة إلى الحديث عن العلوم المختلفة، ثم تحدث المؤلف عن أسس بناء الدولة الإسلامية في المجتمع المدني واستعرض في هذا الإطار مكونات هذا البناء من إدارة ووظيفة عمومية وجهاز اقتصادي وغير ذلك، ثم انتقل للحديث عن الجهاز العسكري والنظام الاجتماعي في شتى جوانبه وقضاياه.
ويقول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون عن كتاب محمد حميد الله: "نجد في كتابه نفس الخصائص المعتادة في كتبه الأخرى، معرفة عميقة بالمصادر الإسلامية واطلاع واسع بالتراث الاستشراقي وهو أمر نادر لدى علماء المسلمين، ولكن المعرفة الاستشراقية لا يكاد يوظفها إلا قليلا، ثم إنه يتوفر أخيرا على إيمان قوي بالإسلام وعقيدته، ولا يسعنا إلا الإعجاب بهذا الإيمان القوي والهادئ لدى الرجل، ولكن كل هذا أعطى لمؤلفاته وبخاصة كتابه عن سيرة نبي الإسلام طابعا دفاعيا وحماسيا (apologétique) تتخلله ثقة مطلقة وانعدام للحس النقدي فمرويات السيرة كلها صحيحة لا تتعرض للنقد، وجميع أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسوغة بسذاجة بالغة، وبالرغم من ذلك فالكتاب له أهميته على مستوى جمع معطيات السيرة ووقائعها وتقريب ما تفرق في المصادر الأولى المعتمدة وبخاصة المفقود منها كما أن الأخذ بآراء محمد حميد الله له مكانته وأهميته"(1).
__________
(1) Maxime Rodinson: Bilan des Etudes mehoméiennes p .(9/13)
هذا هو إذن حكم مستشرق فرنسي على كتاب محمد حميد الله، إعجاب وتقدير للمادة العلمية المفيدة يقابله نقد واتهام بانعدام الحس النقدي الذي يرى جل المستشرقين أن توظيفه ضروري لنقد مرويات السيرة النبوية وتكسير وتجريح المسلَّمات والبداهات التي يؤمن بها المسلمون. وهذا أمر غير مستغرب في حق المستشرقين الذين لا يعترفون بصحة وقائع السيرة النبوية إلا في حدود ما يتوافق مع أهوائهم وأهدافهم المغرضة.
رابعاً: هناك كتب في السيرة النبوية لعلماء وباحثين مسلمين ترجمت إلى اللغة الفرنسية انطلاقا من لغات أخرى منها العربية، ونذكر من بين هذه الكتب:
أ- كتاب القاضي عياض (ت 544): الشفا في حقوق المصطفى.
ب- كتاب ابن القيم (ت 751): زاد المعاد في هدي خير العباد.
ج- كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للخضري بك، وقد ترجم تحت عنوان: La lumière de la certitude(1).
د- كتاب الشيخ محمد الغزالي: "فقه السيرة"
هـ- كتاب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي "فقه السيرة".
و- كتاب خالد محمد خالد: رجال حول الرسول(2).
ز- بعض الكتب التي تصدرها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية وتترجم إلى مختلف اللغات الأجنبية منها اللغة الفرنسية، وهي كتب دعوية تتضمن إشارات مهمة إلى بعض وقائع السيرة النبوية.
ح- كتاب محمد علي مترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية وهو تحت عنوان: فكر محمد - صلى الله عليه وسلم -(3)
__________
(1) طبع بدار الفكر بيروت ترجمة زدياب Z Diab ومراجعة فوزي شعبان Fawzi Cheabane
(2) جل هذه الكتب ترجمت إلى اللغة الفرنسية ونشرت بدار الفكر ببيروت.
(3) Med Ali: La pensée de Mohammed Paris, Corèa
الأصل الإنجليزي تحت عنوان:
The Living Thoughts of the Prophet Mohammed, London .(9/14)
La pensée de Mohammed وقد وصفه مكسيم رودنسون بأنه دفاعي وحماسي واتهمه بأنه أغفل الحديث عما عاناه بنو قريظة من مضايقات وحصار(1).
خامساً: هناك كتب ألفها باحثون مسلمون باللغة الفرنسية في موضوعات عامة حول الإسلام لكنها تتضمن فصولا حول حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ من المعلوم أن التعريف بالإسلام وحضارته يفرض تخصيص فصل أو أكثر عن حياة رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، ونذكر من بين هذه الكتب:
أ- كتاب مالك بن نبي الجزائري: دعوة الإسلام Vocation de l'Islam(2).
ب- كتاب حمزة بوبكر: بحث معاصر في العقيدة الإسلامية
Traité moderne de théologie Islamique (3).
ج- كتاب الشيخ محمد عبد الله دراز:Initiation au Coran (Paris 1951) (4). مدخل إلى القرآن الكريم.
الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية
اهتم الاستشراق الفرنسي بالسيرة أكثر من اهتمام الباحثين المسلمين، فالأعمال التي خلفها هؤلاء في هذا الحقل كثيرة ومتعددة ومتنوعة، ولعل أهمية هذا الاهتمام تكمن في أنه قديم قدم الاستشراق الفرنسي ذاته، بل يمكن القول بأن الاهتمام بسيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قد سار جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالقرآن الكريم تأليفا وترجمة.
وقد سبق توضيح بعض أسباب الاهتمام المبكر بالاستشراق الفرنسي بالإسلام دينا وثقافة وحضارة في مقدمة هذه الدراسة.
__________
(1) Rodinsion: op cit p .
(2) Malek Bennabi: Vocation de l’Islam , Seuil – Paris ( p).
(3) Hamza Boubaker: Traité moderne de thèologie Islamique, Meisonneuve- Paris
(4) ترجم الكتاب من الفرنسية إلى أبرز اللغات الأوروبية منذ زمن بعيد، وكان لهذا الكتاب أثر كبير في الاستشراق الألماني على وجه الخصوص بعد قيام كريستيان جوتشيد C Gottched بنقله إلى الألمانية.(9/15)
بيد أنه لا بد من التذكير بأن الغرب قد اتخذ بوجه عام طيلة الفترة الواقعة بين القرنين الثامن والسابع عشر الميلادي أي على مدى ألف عام تقريبا موقفا عدائيا حيال الإسلام، ولم تبدأ علامات التحول التدريجي في الظهور في الأفق إلا مع نهاية القرن السابع عشر. فالصراعات بين الطرفين والمواقف المعادية ضد الإسلام لم تكن تسمح بأي نظرة موضوعية بعيدة عن التحيز.
وإذا كانت قد ظهرت منذ الحروب الصليبية كتابات عن الإسلام وترجمات لمعاني القرآن الكريم في أوروبا فإن هدف ناشريها من ممثلي الكنيسة المسيحية لم يكن هو التعريف بالإسلام ونبيه بل محاربته والطعن فيه والتهجم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتشويه سيرته وشخصيته، وفي نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وفي ذات الوقت الذي ظهر فيه كتاب بايل Bayle (المعجم التاريخي) الذي سبقت الإشارة إليه نشر المستشرق الفرنسي برتملي ديربيلو Berthélemy d'Herbelot موسوعته الضخمة الشهيرة: "المكتبة الشرقية"(1) وعلى الرغم من غزارة المعلومات والأفكار التي تقدمها هذه الموسوعة عن الإسلام وبلدان الشرق العربي إلا أنها اتسمت بدورها بعدم الإنصاف والموضوعية حيال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته.
ولعل أفضل من يقربنا من الصورة المشوهة التي كان ينظر بها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المستشرق الفرنسي إميل درمنغهم في كتابه " حياة محمد" حيث جاء فيه: " لما نشبت الحرب بين الإسلام والمسيحية اتسعت هوة سوء الفهم وازدادت حدتها، ويجب أن يعترف الإنسان بأن الغربيين كانوا السباقين إلى أشد الخلاف، ولم يحارب الكتاب والشعراء مسلمي الأندلس إلا بأسخف المثالب، فقد زعموا أن محمدا لص نياق، وزعموه متهالكا على اللهو وزعموه شاعرا، وزعموه رئيس عصابة، بل زعموه قسا رومانيا مغيظا محنقا؛ لأنه لم ينتخب لكرسي البابوية، وحسبه بعضهم إلها زائفا.
__________
(1) Bibliothéque orientale Paris.(9/16)
وإن جبير دنوجن (ت 1124 م) نفسه –وهو رجل جد- ليفقد توازنه فيذكر أن محمدا مات في نوبة سكر بيِّن، وأن جسده وجد ملقى على كوم من الروث(1)…….
وذهبت أغنية رولان (La chanson de Roland)(2) إلى تصوير فرسان "شارلمان" وهم يحطمون الأوثان الإسلامية ويزعمون أن مسلمي الأندلس يعبدون ثالوثا مكونا من: ترفاجان Tervagan وماهوم Mahom وأبولون Appolon.. وقد ظلت الأحقاد والخرافات قوية، فقد وُصِفَ محمدٌ بأنه دجال، والإسلامُ بأنه مجموعة الهرطقات كلها، وأنه من عمل الشيطان، ووصفوا المسلمين بأنهم وحوش، والقرآن بأنه نسيج من السخافات، وقد كانوا يعتذرون عن الحديث الجد في أمر هذا مبلغ سخافته"(3).
بعد عصر النهضة الفرنسية كانت هناك يقظة فكرية وتنويرية متميزة، وكان هنالك حرص نسبي على تقصي الحقائق وبخاصة من لدن أولئك المستشرقين الذين تحللوا من الأديان وثاروا عليها بعد ما تم فصل الكنيسة عن الدولة، حيث استطاع هؤلاء دراسة الإسلام ونبيه دراسة أقرب إلى الواقع والحقائق التاريخية.
والحاصل أن المستشرقين الفرنسيين ينقسمون في نظرتهم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ثلاثة أقسام:
-فئة معتدلة تظهر –إلى حد ما- عطفا على الإسلام وتسعى إلى فهم السيرة النبوية من خلال المصادر العربية المعتمدة وتقع أحيانا في أخطاء فتنصف حينا وتسيء أخرى.
- فئة مغالية ومتعصبة ترمي الرسول عليه الصلاة والسلام بأقبح الصفات وأقذع النعوت.
-فئة قليلة ندبت نفسها لقول الحقيقة بموضوعية وتجرد، وقد تخطئ عن سوء فهم.
__________
(1) هنا يعجز القلم عن الاستمرار في سرد تفاهات الغربيين في العصور الوسطى كما ذكرها إميل درمنغهم:
Emile Dermangham: la vie de Mohomet Paris ( p )
(2) قصيدة غنائية فرنسية ظهرت في القرون الوسطى زمن الحروب الصليبية الأولى طورت وعدلت مرات كثيرة، انظر كتاب أليكسي جورافسكي السابق الذكر ص 76.
(3) E, Dermengham; Opcit p .(9/17)
اهتمام الفرنسيين بالسيرة النبوية انطلاقا من خلفياتهم الدينية والإيديولوجية
إذا كان المستشرقون الفرنسيون الذين تخلوا عن دياناتهم قد عدوا في كثير من الأحيان أقرب الفئات الاستشراقية إنصافا واقترابا من الحقيقة والواقع، فما ذلك إلا لكونهم لم يندفعوا بدافع من الحقد الديني –الكنسي منه على وجه الخصوص-إلى الطعن في الإسلام ونبيه وتشويه وتحريف الحقائق الناصعة، وإذا كان الكثير من الباحثين المسلمين يشيدون بكتاب " حضارة العرب"(1) للمستشرق الفرنسي جوستان لوبون G. Lebon نظرا لما تضمنه من إشادة بالإسلام ورسالته فلأن السبب في ذلك هو كون الرجل لم يؤمن بالنصرانية أو غيرها من الأديان، وبالتالي فقد سعى إلى فهم الإسلام ورسالة نبيه في حدود ما أتاحته له ظروف البحث والدراسة.
إن الخلفية الدينية للمستشرق لها دورها في توجيه الكتابة والبحث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالمسيحي المقتنع بدينه يصعب عليه أن يتحدث عن الجوانب التي لها صلة بالغيب والوحي المحمدي في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فثمة جدار فاصل يقف بين المستشرق وبين فهم معطيات السيرة النبوية ونسيجها العام.
ويقول المستشرق الشهير هاملتون جب : "إن العقل الغربي الحديث يعسر عليه بوجه خاص أن يقوم بمحاولة استكناه طبيعة المواقف الدينية لدى أناس تختلف نظرتهم إلى الكون اختلافا بعيدا عن نظرة الغربي، ولذا أصبحت أحكامنا الدينية –نحن الغربيين- شديدة الاختلال"(2).
__________
(1) Gustave le Bon ;La civilisation des Arabes Paris.
(2) هاملتون جب: دراسات في حضارة الإسلام: ترجمة إحسان عباس ورفاقه، دار العلم للملايين بيروت 1964م ص 235.(9/18)
إذن فالواضح أن المستشرق بين أن يكون علمانيا لا يؤمن بالغيب وبين أن يكون نصرانيا أو يهوديا لا يؤمن بصدق الرسالة التي أعقبت النصرانية لا يمكنه أن ينضج دراسة موضوعية عن السيرة النبوية، فالخلفية الدينية أو الإيديولوجية لها أثرها البالغ في توجيه المواقف وتحديد التوجهات، وفيما يلي محاولة تقريبية وتصنيفية لأبرز خلفيات المستشرقين الفرنسيين في دراسة السيرة النبوية.
الخلفية النصرانية:
في الوقت الذي ينظر فيه المسلمون إلى السيد المسيح وبقية الأنبياء نظرة احترام وتقدير، يؤمنون بما أنزل إليهم ويرفعونهم إلى مقام العفة والطهر نجد النصارى على العكس من ذلك يقفون موقفا عدائيا من الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وهو الموقف الذي يتسم بالتكذيب لنبوته وتشويه شخصيته واتهامه بأقذع الأوصاف والنعوت ومختلف أنواع الشتم والتجريح البذيء، وأسباب هذه المواقف العدائية تعود بالأساس إلى الامتعاض وعدم تقبل ما جاء به الإسلام من فكرة نسخ الدين الجديد لباقي الديانات فضلا عن شعور النصارى الجارف بأن الإسلام قد أوقف الإنسانية باتجاه النصرانية دون انتشارها. والمستشرقون الفرنسيون ذوو الخلفية النصرانية المتشددة والذين اهتموا بدراسة السيرة النبوية كثر، لكن اشتهر منهم بعض ممن كان لهم دور بالغ في تشويه صورة كيان السيرة النبوية النقي البهي. يأتي على رأس هؤلاء المستشرق والقس الفرنسي الجنسية البلجيكي المولد هنري لامنس Henri Lammens (1862م-1937م)، الذي استقر بلبنان وكان من أوائل علماء الجامعة اليسوعية ببيروت، له آراء متحاملة على الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - لَفَظَها بعضُ المستشرقين(1)قبل غيرهم من المسلمين، ويبدو أحيانا شتَّاماً لعَّاناً وليس باحثاً جاداً، فيصف الرسول
__________
(1) من ذلك ما قاله المستشرق الفرنسي لوي ماسنيون L Massignon في حقه:"ما كان سَيُبقي لامنس من الأناجيل لو طبَّق عليها منهجه النقدي الذي مارسه على القرآن".(9/19)
عليه الصلاة والسلام بأبشع الأوصاف وأقبح ما يمكن أن يظهره الحقد والكراهية حتى لكأننا نسمع أسلوب رهبان القرون الوسطى الذين لم يكن في جعبتهم سوى السبِّ والشتم.
كما انتقص من أمهات المؤمنين وبخاصة عائشة رضي الله عنها التي اتهمها بالتآمر لاستخلاف أبيها مسوِّغاً دعواه بروايات ترمي إلى عكس ما يرمي إليه ساعيا إلى لي أعناقها وتحريف مضامينها لبلوغ النتائج التي يهدف من ورائها إلى تأكيد أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن تمكن لأبيها بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمصلحة أبيها(1). وبينما ينتقص لامنس من أعلام المسلمين نجده يذكر المرتدين والمنافقين في صورة أحرار عمالقة وطنيين وينتصر لبني أمية ضد بني هاشم، وقد أثار عليه حفيظة الفرنسي كازانوفا ووصفه بالتطرف في كتابه "مهد ونهاية العالم" قائلا: يحق لنا أن نعجب أشد العجب من كاهن كاثوليكي مثل الأب لامنس يتطوع للدفاع عن أولئك الطغاة الدنيويين ويسخر من الذين مكروا به وخدعوه"(2). وكلاهما أي لامنس وكازانوفا منحرف في تعصبه، وقد رد عليهما الفرنسي المسلم ناصر الدين دينيه في كتابه "الشرق في نظر الغرب"(3).
والواقع أن اهتمام لامنس بالسيرة النبوية في مختلف جوانبها لم يفد البحث العلمي في شيء(4) فإذا كان الباحثون المسلمون لا يمكنهم الوثوق بكتابات هذا الرجل أو الاعتماد عليها فإن المستشرقين بدورهم نبهوا على خطورة ونتائج الاعتماد على كتابات "لامنس" الذي ذهب بعضهم إلى القول بأنها تشوِّه صورة المستشرقين الجادين في أبحاثهم ودراساتهم.
__________
(1) انظر كتابه "عائشة" الفصل الثالث ص 143 وما بعدها.
(2) Casanova ; Mahomet et la fin du monde- Paris – p .
(3) E Dinet: L'orient vu par l'occident Paris
(4) من المؤسف حقا أن يكون تحرير مواد كثيرة في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الأولى قد أسند إلى لامنس.(9/20)
يقول عنه المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون:" لقد كان متعصبا وحقودا على الإسلام ونبيه وعلى عرب الصحراء، حريصا على نقل أفكار إنياس جولدزيهر في حق الإسلام ودفع إلى أقصى حد متطرف تحليله النقدي للسيرة والسنة النبوية، ويستطرد رودنسون قائلا:" بيد أن مبالغة لامنس في نقد السيرة وتحطيم أصولها ومرتكزاتها كان له أكبر الأثر في إعادة النظر من لدن المستشرقين في مصادرهم، حيث بدأ عهد جديد في بحث السيرة يعتمد الأصول العربية للسيرة"(1).
ومن المستشرقين الفرنسيين الذين سعوا من خلال تشبعهم بالخلفية الدينية النصرانية إلى القول بدعوى تأثير النصرانية في الإسلام كارادوفو Carra de Vaux صاحب كتاب"مفكرو الإسلام" الشهير إلى القول بدعوى تأثير النصرانية في الإسلام. والذي أسندت إليه كتابة عدد من المواد المرتبطة بالسيرة النبوية في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية في طبعتها الأولى، وقد عرف هذا الرجل من خلال اهتمامه بأحداث السيرة النبوية بكونه كان يسعى دائما إلى التقريب بين الإسلام والنصرانية، ليس لبيان ما بينهما من صلات أحيانا، بل لإثبات أثر النصرانية في الإسلام والتركيز على دعوى أخذ الإسلام من التراث المسيحي.
وهذا كازانوفا Casanova الفرنسي لم يكن بعيدا عن التأثر بالخلفية اللاهوتية عندما قرر الفكرة الأساسية التي زعم أنها سيطرت على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي أن العالم لن يستمر بعد وفاته وأن الساعة قد تقوم قبل موته أو بعده مباشرة ولذلك لم يعين من يخلفه من المسلمين(2) معتبرا أن هذا الاعتقاد مسيحي محض.
الخلفية اليهودية:
__________
(1) M Rodinson: Bilan des études Mohammadiennes p .
(2) د. حسن عزوزي: مدخل إلى دراسة علوم القرآن والتفسير، طبعة فاس الأولى 1998م ص 90.(9/21)
لم يتخلص المستشرقون الفرنسيون اليهود من خلفياتهم الدينية وأصولهم اليهودية في دراسة وقائع السيرة النبوية فمن تأكيدهم على الأصل التوراتي للقرآن إلى الادعاء بأخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الأحبار، ومن إيراد الشبه والعلاقة بين الإسلام واليهودية في التشريعات (صيام عاشوراء ورد شعائر الحج إلى أصول يهودية) إلى الزعم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان قاسيا وناقما ضد يهود المدينة ومستأصلا لهم إلى غير ذلك من الشبهات والطعون.
ويستند معظم المستشرقين الفرنسيين ذوي النزعة اليهودية في ذلك إلى أن اليهود كانوا على قوة في الجزيرة العربية كلها، وكانت كتاباتهم المقدسة معروفة، سواء أكان ذلك التوراة أو التلمود أو المشنا ( من شروح التوراة والتلمود).
يقول هنري ماسيه: "إن مما لا ريب فيه أن التأثير اليهودي يبدو أكثر وضوحا من التأثير المسيحي وقد حاول محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستميل اليهود حيث زودته علاقاته بهم بمعلومات عن العهد القديم (التوراة)، ويوجد فعلا انعكاس لهذه المحادثات في أجزاء القرآن التي يعود تاريخها إلى ذلك الوقت حيث تبدو المهارة بإضافة إبراهيم إلى الإسلام"(1).
ويدعي المستشرق الفرنسي إدوارد مونتيه E. Montet صاحب ترجمة معاني القرآن الكريم المعروفة في كتاب له عن "محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن" بشرية القرآن واستحالة أن يكون من عند الله تعالى، ثم يشير إلى أن النص القرآني قد تعمق في الإلهام اليهودي أكثر من الإلهام المسيحي ويرد ذلك إلى الأصل المشترك لليهود والعرب أي السامية.
__________
(1) Henri Massé: l’Islam, 3eme ed, librairie Paris p .(9/22)
وقد أفاض مونتيه في تحليل علاقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - باليهود في الجزيرة العربية. وعندما وجدها تنتهي بالقطيعة فسَّر ذلك بالعديد من الأسباب من أهمها الزعم بمحاولة إجبارهم على اعتناق الإسلام الأمر الذي رفضه اليهود وتصدوا له، مما دفع بالرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى استئصالهم والقضاء عليهم مخافة أن يصبحوا مصدرا للقلاقل(1)، أما ما جبل عليه يهود المدينة من نقض للعهود وتكذيب للرسالات، وما أشربوا في قلوبهم من حقد على الإسلام ورسوله الكريم، فهذه حقائق لا يشير إليها مونتيه أو غيره من المستشرقين.
الاتجاه المادي:
ينهج المستشرقون الفرنسيون ذوو الاتجاه الإلحادي المادي في دراستهم لحياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهجا إسقاطيا مدمرا لأسس الثقة في معطيات السيرة النبوية. إنهم يريدون إسقاط الوقائع المادية المحسوسة على الوقائع التاريخية والدينية ذات الصلة بالوحي الإلهي والغيبيات، فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة.
فالغزوات والفتوحات تفسر بتفسيرات تخلط بين الدوافع الاقتصادية والدوافع الدينية وهي تفسيرات ساذجة إلى حد كبير، وقد يتوصل أحيانا إلى نتائج مفادها أن المشاكل التي استطاعت أن تحلها الغزوات والفتوحات كانت مشاكل اقتصادية اجتماعية وليست مشاكل دينية، أما نجاح الدعوة الإسلامية فكانت تشكل-في زعمهم- إجابة لاحتياجات المجتمع المدني في ذلك الوقت، وأن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - استطاع أن يقف على هذه الاحتياجات التي كانت في أساسها احتياجات اقتصادية، لهذا كتب لدعوته النجاح.
وهذه الادعاءات جميعها ليس لها أي نصيب من الصحة ولا تصمد أمام النقد العلمي الموضوعي.
__________
(1) E Montet: Mohomet et le Coran , Paris – p .(9/23)
إن أبحاث المستشرقين الفرنسيين الماديين أمثال مكسيم رودنسون(1) مرفوضة؛ لأنها مبنية على أساس ومنهج مرفوضين لا يمكن تطبيقهما على مجال علمي كمجال السيرة النبوية تمتد أصولها بعالم الغيب وترتبط أسبابها بالسماء ويكون فيها (الوحي الإلهي) همزة وصل مباشرة بين الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.إن الدين والغيب والروح تعد ثلاثتها عصب السيرة النبوية ولحمتها وليس بمقدور أي من الحس أو العقل أو المنهج المادي أن يحيط بجذورها وأسبابها ومعطياتها.
ولتقديم نماذج من الفهم المادي لوقائع السيرة النبوية من طرف المستشرقين الفرنسيين نقتصر على بعض ما جاء في كتاب "محمد" - صلى الله عليه وسلم - للمستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون الماركسي النزعة الذي يفتخر بتوظيفه للمنهج المادي في دراسة الإسلام.
يقول رودنسون في حوار أجري معه:" إن الكثير من كتب المستشرقين حول حياة محمد قد قَوَّمَت شخصية الرسول بشكل إيجابي، وفيها الكثير من التمجيد له، ولكنها بالطبع ليست بكتب دينية لأنها كتبت من قبل مستشرقين غربيين، وفي كتابي حول حياة محمد يوجد الشيء نفسه، فإنني معجب بعظمة هذا الرجل وعبقريته، لكنني عندما أدرسه أدرس حياته وفق منظور تحليلي مادي أعتبره المنظور الصائب الذي يمكن فهم حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ودوره التاريخي الهام أو إنسانية الرسالة التي أتى بها، لكن هذا المنظور لا يروق بالطبع للمسلمين المتدينين لأنه ليس دينيا ومقدسا بل هو مادي"(2).
وبالرغم من اعتراف رودنسون بكون القرآن الكريم المصدر الأكثر موثوقية من بين باقي المصادر التي يشك في صحتها ومن بينها المرويات الحديثية إلا أنه يعتبر إشارات القرآن الكريم لا تقدم معطيات كاملة وتامة(3).
__________
(1) Maxime Rodinson: Mahomet , ed Seuil- Paris .
(2) في حوار معه بمجلة رسالة الجهاد الليبية من العدد 70 (أكتوبر 1988م ) ص 54.
(3) M Rodinson: Bilan p .(9/24)
فعندما يأخذ رودنسون غزوة بدر يحاول فهم موقعها ضمن سلسلة الأسباب والمسببات، ولكن هل يعد الملائكة الذين اشتركوا في بدر وكانوا مددا للمسلمين عنصرا من عناصر الواقعة أو لا؟ إن مما لا شك فيه أن المنهج المادي الذي يوظفه رودنسون في كل فصول كتابه عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يقيم وزنا لمسألة إرسال الله تعالى للملائكة ليكونوا عونا ومددا للمسلمين، وهو يرى أن اعتقاد الفكر الديني (هكذا) (La pensée religieuse) بهذا الاشتراك يضفي على الواقعة التاريخية بعدا أسطوريا ويجعلها تتحول من حدث تاريخي واقعي إلى حدث أسطوري (mythologique).(1)
ثم إن السؤال عن كيفية تحول الحدث التاريخي إلى حدث أسطوري
– حسب زعم رودنسون - لا يقتصر على واقعة بعينها كغزوة بدر أو حدث الإسراء والمعراج، بل يعمم ليشمل كل وقائع السيرة النبوية ذات الصلة بالغيب والوحي، وهذه المسألة لا تخفى على رودنسون الذي يكاد يخصص لبحث الشخصية المحمدية في علاقتها بالمعطى الغيبي كل الفصل السابع من كتابه(2).
إن المتصفح لكتاب "محمد" لمكسيم رودنسون يبدو له أن كلام المؤلف على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلام على نبي آخر، يلملم أجزاء شخصيته ويركب عناصر الوضع الاجتماعي الذي انفعل به بشيء كثير من الهوى ثم يخلص إلى نتائج واستنتاجات غريبة تختلف في كثير من الأحيان عن تلك التي يصدرها المستشرقون النصارى.
الاهتمام بالسيرة النبوية في دراسات المستشرقين الفرنسيين المعتدلين
__________
(1) M,Rodinson: Mohamet, p (le prophète armé (فصل: النبي المسلح
(2) Op cit p .(9/25)
يرتبط هذا المبحث في منطلقه من مسألة ذات طابع منهجي تخص تعاملنا –نحن الباحثين المسلمين- مع معطيات الفكر الاستشراقي، فالبعض قد يرى أن اعتماد عدد من الشهادات "الإيجابية" إلى حد ما لهذا المستشرق أو ذاك، عن جانب ما من جوانب الإسلام يعني تزكية له وإقرارا بإنصافه وموضوعيته، وهذا غير صحيح، فالمستشرق كيفما كان لا بد أن تتضمن أبحاثه ودراساته شبهات وطعونا في حق الإسلام ورسالته، بيد أن الأمر يتفاوت بين هذه الفئة وتلك، والمستشرقون أصناف ودرجات، ونحن هنا إنما نقصد بالمستشرقين الفرنسيين المعتدلين أولئك الذين لم تطغ طعونهم وافتراءاتهم على شهاداتهم الإيجابية، والذين يحس القارئ من خلال قراءته في كتبهم كأنهم حريصون –إلى حد ما- على عدم التطرف والمغالاة في تحريف الوقائع والتشكيك في المعطيات الصحيحة وإنكار المسلمات والبدهيات التي تفرضها قوة الحجة والبرهان.
إن الاعتدال وابتغاء الموضوعية ميزتان تميزان هذه الأعمال، وهي على قلتها تعبر عن مواقف إيجابية تجاه سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجدر التنبيه إليها والإشادة بها. يقول الدكتور عماد الدين خليل: "إن علينا أن نلاحظ كيف أن عددا من الشهادت الإيجابية بحق الإسلام، أو جانب من جوانبه، من قبل هذا المستشرق أو ذاك يقابله في الوقت نفسه ركام من شهادات أخرى سلبية تقف موقفا مضادا من الإسلام، لكن هذا لا يمنع من اعتبار الشهادات الأولى بمنزلة اعتراف(حُر) بهذه القيمة أو تلك من قيم الإسلام والتي تدفع الغربيين إلى إعلان رأيهم ذاك دونما أي نوع من أنواع الاضطرار أو القسر"(1).
__________
(1) د. عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام: مؤسسة الرسالة 1999م المقدمة.(9/26)
ينبغي ألا نبخس الاستشراق الفرنسي حقه جملة وتفصيلا فندعي أنه في أغلبه كان يسير في اتجاه عدواني صرف، فهناك مستشرقون فرنسيون ذوو نيات حسنة ولهم اطلاع كبير ومباشر على تراثنا وثقافتنا بالرغم من وقوعهم في أخطاء جسيمة أحيانا، لذلك فإنهم ليسوا جميعا على قدر واحد من التجني والافتئات فالذين ينصفون الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرة ويسيئون إليه أخرى عن سوء نية أو سوء فهم يمكن عدهم من المعتدلين إذ يمثلون الطرف الوسط بين المتعصبين والمنصفين.
لكن بالمقابل ينبغي لدارس السيرة النبوية ألا يغتر بعبارات الثناء والمدح التي يصدرها بعض المستشرقين في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل يجب النظر إلى مجمل دراساتهم وتحليلها ونقدها والحكم عليها، إذ قد أضحى معروفاً أن عبارات التمجيد والإشادة من طرف المستشرقين المعاصرين يقصد بها في أغلب الأحيان خلق جو من الثقة والاطمئنان إلى نزاهتهم، لذلك يمكن القول بأن من غلبت مواقفه الإيجابية على غيرها يعدُّ –إلى حد ما- معتدلا ومنصفا ولعل أبرز المستشرقين الفرنسيين المعتدلين الذين تميزت دراساتهم في السيرة النبوية عن غيرها:
- إميل درمنغهم في كتابه "حياة محمد"(1) وقد أشاد بالكتاب الذي ترجمه عادل زعيتر الأمير شكيب أرسلان.
- رجيس بلاشسر في كتابه " معضلة محمد"(2)
__________
(1) للمؤلف كتاب آخر يتحدث فيه عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - هو "محمد والسنة الإسلامية" Mahomet et la tradition Islamique (باريس 1955م ) وقد قسمه إلى ثلاثة أقسام : الأول في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ولادته إلى وفاته والثاني عن الإسلام كحضارة والثالث عبارة عن نصوص مختارة من القرآن والحديث والآثار والأشعار، وتخلل الكتاب كثير من الصور والمنمنمات Miniatures التي تبرز بعض مظاهر الحضارة الإسلامية.
(2) le problème de Mahomet وللمؤلف كتاب آخر في الموضوع يحمل عنوان : في خطى محمد
Sur les pas de Mahomet .(9/27)
الذي يعتبر من أجود دراسات المستشرقين الفرنسيين بسبب اعتماده على المصادر الإسلامية الأصيلة ونقده للدراسات الاستشراقية السابقة فضلا عن محافظته على التسلسل الزمني السليم في سرد الوقائع والمعطيات، لكن بالرغم من ذلك فهنالك أخطاء كثيرة مثل تحريف بعض الوقائع أو التشكيك فيها وتفسير الأحداث بأسلوب الإسقاط مع الاضطرار في بناء النتائج والأحكام.
- روجير أرنالديز Roger Arnaldez في كتابه "محمد" وقد قسمه إلى قسمين، تناول في أولهما حوادث السيرة مختصرة حسب التسلسل الزمني وفي الثاني أورد نصوصا مختارة من الحديث النبوي حول وقائع السيرة النبوية.
وفيما يلي عرض وتحليل موجز لكتاب درمنغهم نموذجاً لكتابات المستشرقين الفرنسيين المعتدلين.
حياة محمد لإميل درمنغهم:
من الصعب جدا استعراض أبرز ملامح الكتاب المتميزة، وهذا المجال لا يسع لعرض موضوعات الكتاب وتحليل منهجيته وطريقة حديثه عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنكتفي بالإشارة إلى بعض المباحث المتألقة التي أجاد المؤلف في عرضها والوقوف عندها.
يعبر درمنغهم عن إعجابه بشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مقدمة كتابه فيقول:" إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة، وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة، فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق حياة رجل يؤمن برسالته مجموعة كبيرة من بني الإنسان(1).
__________
(1) E. Dermengham: la vie de Mahomet, p .(9/28)
وإذا كان كثير من المستشرقين الفرنسيين لم يستسيغوا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تحنث في غار حراء حيث شاء الله تعالى تهيئة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحمل أعباء الرسالة الخاتمة أن تكون مرحلة العزلة والتأمل فرصة لإغناء تكوينه العقلي والوجداني والروحي، فمنهم من أنكر ذلك(1) ومنهم من فسر تحنثه بغار حراء هروبا من حر مكة والتماسا للجو الملطف البارد، فإن درمنغهم وقف عند موضوع العزلة التي كان يلجأ إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - محللا أهميتها وقيمتها بالنسبة لرجل يستعد –من غير شعور- لاستقبال الدعوة الجديدة وحمل أمانتها.
يقول: "فما كان لمحمد (- صلى الله عليه وسلم -) أن يستغني عن العزلة شأن أقوياء النفوس وذوي الجد من الرجال ولم ينفك عن الانقطاع حتى بعد أن أصبح رئيس دولة وصارت أمور السياسة والحرب تشغل باله، لما في الانقطاع من مصدر القوة والاتزان والحكمة وبعد النظر ……… فالتأمل المستمر يطهر النفس وينبه روح المعاينة ويؤدي إلى كشف ما وراء الحجب ويحث على العمل عند الضرورة …. والتأمل الصحيح يحمل بذور الحركة والتحرر من الهوى الطارئ"(2).
__________
(1) شذ في ذلك هنري لامنس عندما قال مستعرضا أقوال بعض المستشرقين عن عزلة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " كلا، ليس هناك ما يثبت اعتكاف محمد وعزلته فذلك لا يتفق مع نفرة محمد من الوحدة وكراهيته المشهورة للنسك"
Lammens: Mahomet fut il sincère, p
(2) La vie de Mahomet, p .(9/29)
ويختتم درمنغهم حديثه عن العزلة التي مهدت الرسول عليه الصلاة والسلام لتحمل الرسالة وحمل الأمانة بقوله:" ونفس محمد - صلى الله عليه وسلم - النقية الصادقة التي اتصلت بما وجدته في قرارتها من الحقائق، بفعل العزلة في الجبل والصحراء، شعرت بأن الدين أمر غير المجادلات المجردة والمناظرات الجميلة، فذهب إلى أن كل إنسان يمكنه أن يعرف الله كما يستطيع ولكن المهم أن يعرف الله سبحانه على الوجه الصحيح وأن يسلم أمره إليه"(1).
هذه إذن وقفات للمستشرق الفرنسي درمنغهم أمام ملامح التكوين النفسي والوجداني للرسول - صلى الله عليه وسلم - في مرحلة العزلة والوحدة قبل تلقيه الوحي وتحمله أعباء الرسالة.
وعلى عكس ما ذهب إليه بعض المستشرقين المتحاملين الذين لم يقتنعوا بسماحة الإسلام ومرونته ولم يقروا بصفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحميدة من صدق وأمانة وعفو نجد درمنغهم يقف عند هذه النقطة وهو معجب بسماحة الرسول الكريم وتوق نفسه إلى العفو والصفح وعدم الاعتداء، فيقول عنه - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أبدى من الكرم وعظمة النفس ما لا تجد مثله في التاريخ إلا نادرا. وكان يوصي جنوده بأن يرحموا الضعفاء والشيوخ والنساء والأولاد، وكان ينهى عن هدم البيوت وإهلاك الحرث وقطع الشجر المثمر، ويأمر بألا يسل مسلم حسامه إلا عند أقصى الضرورة … وأنحى باللائمة على بعض رجاله فعوض بالمال مما اقترفوه وهو الذي رأى أن النفس الواحدة خير من كل الغنائم"(2) ثم يقول:" ولا يستطيع أحد أن يشك في إخلاص محمد، فحياته شاهدة على اعتقاده صدق رسالته التي حمل أمانتها الثقيلة ببطولة، وإن قوة إبداعه وعبقريته الواسعة وذكائه العظيم وبصره النافذ وقدرته على ضبط نفسه وعزمه المكين وحذره وحسن تدبيره ونشاطه وطراز عيشه مما يمنع عد ذلك الموحى إليه الموهوب الجلي مبتلى بالصرع"(3).
__________
(1) Ibid, p c.
(2) Ibid, p .
(3) Ibid, .(9/30)
إن مثل هذه الشهادات الإيجابية والمواقف الرائعة من مستشرق فرنسي عاش في ظل فترة تموج بالفكر المتعصب ضد الإسلام (النصف الأول من القرن العشرين) كفيلة بأن تؤكد لنا أن الاعتراف الحر والتعبير المنصف في حق نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام لم يكن لينعدم ويخبو أثره، وهو يؤكد لنا بقوة أن التفكير الحر إذا رام النزاهة والموضوعية وتخلى عن التعصب والتحامل لا بد أن يعبر عن الحقيقة وينقل وقائع الأمور كما هي بموضوعية وحياد وإنصاف.
وبالرغم من موضوعية درمنغهم وإنصافه فإنه لا يمكن أن ننكر وقوعه في بعض الأخطاء والزلات التي لا يمكن أن يتجرد منها من لم يقتنع بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وكونه خاتم الأنبياء والمرسلين.
الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا(9/31)
إذا كان معظم المستشرقين الذين اطلعوا بعمق على حقائق الإسلام ومبادئه المثلى وقيمه السامية لم يهتدوا إلى طريق الحق، فإن بعضا منهم، وهم قلة قليلة، قد دخلوا في الإسلام واعتنقوه باقتناع وصدق بعد بحث طويل وتأمل عميق، بيد أن هؤلاء لم يؤلفوا في السيرة النبوية وإنما ألفوا في جوانب مختلفة ترتبط بالإسلام دينا وتاريخا وحضارة(1)، وقد تحدث بعض منهم عن حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في صفحات معدودة كما فعل Vinvent Mansour Monteil في كتابه L’Islam. والشيخ عبد الواحد يحيى (اللورد هدلي) الكاثوليكي الذي عاش في القاهرة وتوفي بها وكرستيان شرفيس أحد الأدباء الفرنسيين المشهورين. أما مارتن لينغز الإنجليزي الأصل الذي أسلم فيمكن عدُّ ترجمة كتابه "النبي محمد"(2) إلى اللغة الفرنسية نموذجا للاهتمام الفرنسي بكتب السيرة، وقد اعتمد في كتابه المصادر الأولى للسيرة مثل كتب ابن إسحاق وابن سعد والواقدي والطبري والسهيلي، وقد ضمن كتابه خمسة وثمانين فصلا تحمل عناوين تؤلف محطات رئيسة في حقل السيرة النبوية.
ويعتبر ناصر الدين دينيه Etienne Dinet(3)
__________
(1) من الذين ألفوا بالفرنسية في موضوعات عامة حول الإسلام الفرنسي Vincent Mansour Monteil (منصور مونتاي) والسويسري لوي ميشون، وقد راسلني بتوقيع: علي عبد الخالق، وافادو فيتراي مايروفيتش المستشرقة الفرنسية التي توفيت منذ بضعة سنين وصديقي الفرنسي المسلم ميشال باربو Michel Barbot (أمين عبد الكريم) وغيرهم.
(2) Martin Lings: Le prophète Muhammed, sa vie d’après les sources les plus anciennes, Seuil- Paris .
(3) أبرز المستشرقين المسلمين (1861-1928) رد على المستشرقين المتعصبين وكتب كتبا مفيدة في الحج والسيرة وعرض مبادئ الإسلام بصورة مقنعة ومشرقة.
انظر ما كتبته عنه في مجلة الوعي الإسلامي، العدد 409 (رمضان1420) ص 64-66.(9/32)
المستشرق الفرنسي المسلم الوحيد –حسب علمنا- الذي ألف كتابا مستقلا عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو الكتاب الذي ساعده على إخراجه صديقُه الجزائريُّ سليمان بن إبراهيم، ولما كان دينيه رساما بارعا فقد زين الكتاب بالصور الملونة البديعة مثل فيها المناظر الأثرية الإسلامية في بلاد الجزائر ومعالم الدين فيها وقدمه لأرواح الجنود المسلمين الذين استشهدوا في الحرب العالمية الأولى وهم يحاربون في صفوف الفرنسيين.
يقول ناصر الدين دينيه في مقدمة كتابه: "إن حدود هذا السفر لن تسمح لنا بأن نقدم جميع التفاصيل وجميع النواحي لحياة حافلة بالعظائم إلى هذا الحد كما هو الشأن في حياة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولذا نجد لزاما علينا أن نتخير لعرض أهم الحوادث لكي نعطيها العناية التي نراها ضرورية، وإذن فعملنا هذا إنما هو سلسلة من اللوحات التصويرية، وليس تاريخا كاملا نقدمه للقراء. وقد اعتمدنا في استمداد عناصرها على أقدم المؤلفين كابن هشام وابن سعد وسواهما ثم على مؤرخ من المحدثين وهو علي بن برهان الدين الحلبي الذي حشد في كتابه "السيرة الحلبية" مختلف الروايات لأشهر المؤرخين(1)، وحينما ألف ناصر الدين دينيه كتابه عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثارت ثورة النقاد من المستشرقين متجهة على الخصوص إلى الشكل لا إلى الجوهر، لقد زعموا أن الأبحاث العلمية الحديثة قد وضحت جوانب من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن المستشرقين في مختلف الأقطار قد كتبوا عن سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - كتابة تعتمد على الأبحاث العلمية الدقيقة ورأوا أن الأستاذ ناصر الدين دينيه الذي لم يعبأ بشيء من ذلك وأخذوا عليه أنه لم يقم وزنا لإنتاج المستشرقين في السيرة النبوية، وأن اعتماده إنما كان على السير القديمة كسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد.
__________
(1) E. Dinet : La vie de Mohammed: Préface.(9/33)
ولا يخفى أن ناصر الدين دينيه قد ألف كتابه في أوائل القرن العشرين عندما كان حقل الإسلاميات في أوروبا يهيمن عليه المستشرقون بمناهجهم وطرقهم وأساليبهم المغرضة، ولذلك لم يخفوا استغرابهم من إقدام من كان معدودا منهم فأسلم ثم كتب في السيرة النبوية بمنهج مغاير لمناهجهم.
والواقع أن دينيه عندما تجاوز الاعتماد على كتب المستشرقين إنما فعل ذلك متعمدا، فبعد أن قرأ ما كتبه القوم عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجد أنه لا يستحق التقدير. لقد رأى أنه من المستحيل أن يتجرد المستشرقون من عواطفهم ونزعاتهم وميولهم إلى تحريف وقائع السيرة وتشويه معطياتها الحقيقية.
وميزة الكتاب كما في باقي كتب المؤلف أن أسلوب التعريض بشبهات المستشرقين وتفنيدها حاضر كلما دعت الضرورة لذلك، فهو الذي عاش بين ظهراني الاستشراق الفرنسي أيام ذروة تعصبه وتحامله على الإسلام، فقد كان عارفا ومحيطا بافتراءات القوم وطعونهم، ولذلك كان يتصدى لبعض من ذلك كلما سنحت الفرصة لذلك في كتابه، يقول على سبيل المثال:" كيف نقول إن عقيدة القضاء والقدر تشل كل عمل عند المسلمين؟ والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أنشط الناس وأكثرهم مثابرة وجهادا، والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء عقب نشأته بالفتوح الواسعة العجيبة والحضارة السامية العظيمة؟ إن كلمة (إسلام) تعني الرضا بأوامر الله أي بما لا يمكن لأي قوة إنسانية أن تحول دونه… فهذه العقيدة إذن بعيدة كل البعد عن أن تكون مصدر ضعف، إنها على العكس من ذلك مصدر قوة نفسية لا تضارع بالنسبة إلى المسلم، تعينه على احتمال المحن والشدائد"(1).
__________
(1) La vie de Mohammed, p .(9/34)
لم ينهج ناصر الدين دينيه في كتابه الموجز (300 صفحة من القطع الصغير) نهج التأليف المعهود في السيرة النبوية وإنما سار في ذلك على النهج التاريخي منتقيا محطات مهمة في السيرة وقف عندها متأملا ومحللا وضمنها في عشرة فصول، وكان يقف من حين لآخر عبر مباحث محددة لكي يبرز الوجه المشرق للإسلام من خلال رده على الشبهات والطعون بطريقة غير مباشرة وذلك مثل المباحث التالية :
محمد والراهب ( في الفصل الثاني).
محمد عليه السلام لم يؤلف القرآن (في الفصل الثالث).
السبب في إنكار الغرب أثر الإسلام في الحضارة الغربية (في الفصل العاشر).
* * *
الاهتمام بالسيرة النبوية في الموسوعات والمعاجم الفرنسية
عرفت الثقافة الغربية منذ زمن بعيد إنتاج ما يعرف بالموسوعات العالمية والمعاجم الكبرى وهي تؤرخ لمعظم جوانب الثقافة العالمية في شتى فروعها وأجناسها وأنماطها، وفي سياق اهتمام هذه الموسوعات والمعاجم بمختلف الأديان اهتمت بالإسلام دينا وثقافة وتاريخا وحضارة، فأرَّخَتْ له وقدمت مواد متنوعة تتعلق بتاريخ الإسلام ونبيه وعلوم الشريعة وعلمائها وغير ذلك.
وتتفاوت هذه الكتب الموسوعية من حيث الاهتمام بما يرتبط بالإسلام سواء من حيث حجم المواد المخصصة له أو على مستوى العرض والتحليل والموضوعية. وقد تفنن الغربيون منذ قرون من الزمن في إنضاج هذا النوع من الكتب الضخمة، وتعد الموسوعات والمعاجم الفرنسية واحدة من أشهر ما كتب في الموضوع نظرا لكون الثقافة الفرنسية قد عرفت شخصيات موسوعية اشتهرت في التاريخ المعاصر اشتهارا واسعا أمثال لاروس Larousse وروبير Robert وإلياد Eliade وغيرهم، واهتم بالإسلام أيضا نوع طريف من المعاجم يعد أكثر تخصصا وهو ما يعرف بمعاجم تاريخ الأديان، وفيها اهتمام أوسع بالمواد المرتبطة بالإسلام.(9/35)
من جهة أخرى ظهرت ابتداء من أوائل القرن العشرين موسوعات ضخمة خاصة بالإسلام وحضارته، وهي تعد أكثر إحاطة بمختلف المواد العلمية التي يمكن أن تعترض سبيل الباحث في مجال الإسلاميات، ولعل أبرزها دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت في طبعتين.
وفيما يلي سرد لأبرز المعاجم والموسوعات الفرنسية التي تضمنت الحديث عن مادة السيرة النبوية(1) مع عرض وتحليل ما جاء في لاروس الكبير نموذجاً للمعاجم، وعرض وتحليل ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية في طبعتها الثانية كنموذج للموسوعات.
- المكتبة الشرقية Bibliothèque orientale وهي دائرة معارف في بضعة مجلدات تبحث في علوم وثقافات الشرقيين وأديانهم وعاداتهم مرتبة على حروف المعجم من تأليف بارتلمي ديربيلو Bartélemy d'Herbelot ( مستشرق فرنسي عاش في القرن السابع عشر). جاءت صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعجم سلبية إلى أقصى درجة، ففي الباب الذي تحدث فيه عن (محمد) نجد ما يبعث على الأسى، مثل قوله:" هذا هو المنتحل المشهور ماهومت Mahomet المؤلف والمؤسس لهرطقة اتخذت لها اسم الدين، نسميها نحن الماهومتية……."(2).
- معجم الأديان(3) Dictionnaire des religions ويقع في مجلد واحد متوسط الحجم، تضمن استعراض مادة "محمد" في عمودين فقط وهو استعراض خاطف لمعطيات السيرة النبوية مع بث بعض الشكوك والطعون (مثل دعوى تلقيه - صلى الله عليه وسلم - الثقافة الدينية عن بحيرى أثناء سفره إلى الشام، والزعم بأنه عليه السلام تزوج أربع عشرة امرأة تم سبيها).
__________
(1) قد يتم التعرض للمادة تحت هذا المصطلح: سيرة SIRA أو تحت مادة: (محمد) - صلى الله عليه وسلم - Muhammed وقد يبحث المصطلحان معا كما في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتيها الأولى والثانية.
(2) انظر إدوارد سعيد : الاستشراق ص 94.
(3) من تأليف: Marguerite Marie et Hiollier, Paris(9/36)
- معجم الأديان:إلياد – كوليانو(1)، يقع في مجلد واحد ضخم جاء الحديث فيه عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - ضمن مادة " إسلام Islam " (ص203-223) وضمن مادة "محمد" - صلى الله عليه وسلم - وتقع في صفحة واحدة فقط تم من خلالها التركيز على الجوانب التي يروق للغربيين التشكيك في الإسلام من خلالها، ويبدو من خلال هذا المعجم وهو حديث الصدور (1990) مقارنة بغيره أن الحرص قائم على أن يتم تضليل القارئ بطرق ملتوية فيها الكثير من التمويه والتحايل، تقول المادة مثلا:"لقد اعتذر محمد كثيرا للملك جبريل بأنه لا يستطيع القراءة (إشارة إلى واقعة بدء نزول الوحي)، لكن جبريل ألح كثيرا فأصبح محمد يقرأ بسهولة فائقة"، وبعد هذا مباشرة تم الانتقال إلى قصة الغرانيق، وبذلك يتأكد أن الهدف هو تقديم مادة مشوهة عن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملؤها التحريف والتشويه والتضليل.
- الموسوعة العالمية Encyclopèdia Universalis، وهي في اللغات الأوروبية وتقع في 24 مجلدا، وتوجد أيضا في قرص مدمج C D-Rom.
- الموسوعة العامة للإسلام Encyclopédie générale de l'Islam، ترجمت عن اللغة الإنجليزية، ووضعها في ستة مجلدات كل من P.M.Holt -LAMBTON وبرنارد لويس B. Lewis وصدرت الترجمة الفرنسية عام 1985.
مادة"محمد"- صلى الله عليه وسلم - في معجم لاروسLarousse (2):
__________
(1) Eliade / Gouliano : Dictionnaire des religions, Plon –Paris, .
(2) الاسم الكامل للمعجم هو: " المعجم الكبير الشامل الفرنسي التاريخي والجغرافي والببليوغرافي والأدبي والفني والعلمي للقرن التاسع عشر"، ويقع في 15 مجلدا .
Grand dictionnaire universel francais, historique, géographique, bibliographique, littèraire, artistique, scientifique du siècle.(9/37)
تعتبر مادة "محمد Mahomet " في معجم لاروس من أهم الكتابات الاستشراقية المعجمية التي صدرت باللغة الفرنسية.ومن خلال دراسة المادة يتبين الاعتماد الواضح على مصادر استشراقية محضة تنتمي إلى حقب مختلفة منذ القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع عشر أمثال كوسان دي برسفال وسلفسر دي ساسي ووليام مويير وبارتلمي سان هيلير وبيير بايل الذي استعان بمعجمه التاريخي، ولم يعتمد قطعا على مصادر عربية.
بدأ لاروس كتابة مادة "محمد Mehomet " بتعريف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤسساً للديانة الإسلامية( هكذا ) مقدما بذلك الانطباع بأن الإسلام دين بشري، ثم انطلق يسرد باختصار أهم الأحداث التي شهدها الرسول عليه الصلاة والسلام منذ طفولته إلى حين زواجه بخديجة (رضي الله عنها) وانتقل إلى الحديث عن البيئة العربية في شبه الجزيرة العربية وكيف كانت مساعدة على تقبل الدعوة الدينية الجديدة. ثم أشار إلى فترة بداية الوحي مركزا بشيء من سوء النية على قدرات محمد - صلى الله عليه وسلم - الفكرية والمعرفية التي اكتسبها خلال فترة التأمل والتدبر التي أمضاها من قبل، وهي التي جعلته يتوهم –حسب زعمه- أنه أوحي إليه مستغلا كل الظروف المتاحة لصالح دعوته.
ومن خلال استعراضه لمختلف محطات السيرة النبوية أصر لاروس على أن يجد في كل مرحلة من مراحل حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسبابا تفسر نجاحه.(9/38)
وبالرغم من محاولة لاروس إظهار نوع من الموضوعية عند معالجة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واعتماده مناهج العلوم الإسلامية في عصره إلا أنه لم يسلم من الوقوع في كثير من الأخطاء والمزالق وسبب ذلك عدم قدرته على التخلص من أفكاره السابقة عن الإسلام مما كان يعد خلال القرن التاسع عشر شيئا عاديا ومألوفا لدى كل الغربيين. حتى إن بعض تلك الأفكار السابقة قد ساغها في قوالب للطعن والافتئات مثل الزعم بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه بنشر الإسلام بالعنف والقوة والسلاح والزعم أيضا بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد طرد يهود بني قينقاع بسبب رفضهم اعتناق الإسلام والزعم أيضا بأن أهل المدينة إنما استجابوا لدعوة الإسلام، بسبب كرههم وعداوتهم لأهل مكة.
إن مثل هذه الطعون والشبهات الواردة في المعاجم الأجنبية الضخمة لها تأثيرها البالغ في فهم الغربيين للإسلام، إذ مثل هذه المعاجم تعد أداة عمل ومفتاحا من مفاتيح الثقافة الرئيسة في البحث عن المعلومات والأفكار تلجأ إليها كل الشرائح الثقافية من طلبة وأساتذة وعموم المثقفين، ومن الصعب جدا مقاومة هذا الاتجاه في التأليف والتصنيف، فالأمر لا يتعلق بمؤلف بسيط يمكن الرد عليه بمؤلف آخر يفنده ويرد على أباطيله، وإنما الأمر يتعلق بمعاجم عالمية ودولية تتولاها جهات غربية تتبنى من خلالها مواقفها في الفكر والثقافة.
دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (الطبعة الفرنسية):(9/39)
تعتبر دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية أو موسوعة الإسلام L’Encyclopédie de l’Islam أهم أداة عمل غربية في البحث في حقل الإسلاميات، ونظرا لما لها في الأوساط العلمية في الغرب والعالم الإسلامي من أهمية، وما تتمتع به من الانتشار الواسع بين الباحثين في جميع فروع الثقافة والمعارف الإسلامية فإن أثرها وتأثيرها في القراء أمر لا يخفى على المهتمين والمتتبعين للشأن الثقافي الإسلامي مما يتطلب مراجعة لموادها وتصحيحا لأخطائها وتقويما للأفكار والمعلومات الخاطئة الواردة بها.
ظهرت دائرة المعارف الإسلامية في طبعتين باللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية، الأولى بين عامي 1913م و1936م في أربعة مجلدات ضخمة(1) والثانية شرع في إصدارها عام 1958م، وصدر المجلد الأخير (المجلد العاشر) عام 2001م، جاءت مادة "محمد" في الطبعتين : الأولى(2) والثانية(3)، وجاءت مادة "سيرة" موسعة في الطبعة الأولى وموجزة في الطبعة الثانية(4).
__________
(1) صدرت في أواخر الستينات من القرن العشرين ترجمة عربية جزئية للطبعة الأولى إلى حدود حرف العين (15 مجلدا) قام بها ثلاثة من خريجي كلية الآداب بالقاهرة وهم إبراهيم زكي خورشيد وأحمد الشناوي وعبد الحميد يونس، وقد تضمنت الترجمة تعقيبات وتصويبات مفيدة لآراء محرري الموسوعة قام بها علماء أزهريون أمثال أمين الخولي ومصطفى عبد الرزاق وإبراهيم مدكور وغيرهم. وعند توقف مشروع ترجمة الموسوعة طال انتظار الباحثين العرب وتشوقهم إلى ترجمة كاملة إلى أن قام مركز الشارقة للإبداع الفكري بإصدار موجز كامل لدائرة المعارف الإسلامية بإشراف محمد سمير سرحان، وقد صدر الموجز في 32 مجلدا في طبعته الأولى عام 1998م.
(2) المجلد الثالث (1936م).
(3) المجلد السابع (1991م).
(4) EI Tome pp .(9/40)
والواقع أن أحداث السيرة النبوية لا يمكن تلمسها في إطار مادتي "محمد" و"سيرة" فقط وإنما هي أحداث متناثرة بين صفحات الموسوعة وبين موضوعاتها ومقالاتها، وإذا كانت المادة الجامعة لأحداث ووقائع ومراحل السيرة هي مادة "محمد" التي تشغل في الطبعة الثانية سبعاً وعشرين صفحة فقد وردت إشارات أخرى إلى جزئيات وأحداث محددة من وقائع السيرة النبوية في مواد أخرى من الموسوعة.
منها ما يتعلق بأسماء الأماكن التي عاش في رحابها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل "مكة"و "المدينة" و"الطائف"، ومنها ما يتعلق بأسماء القبائل والطوائف مثل "حنفاء" "وأهل نجران" و"بنو النضير" و"بنوقريظة" و"بنو قينقاع" ومنها ما يتعلق بأسماء الغزوات وأماكن وقوعها مثل "بدر" و"أحد" و"الأحزاب" و"الحديبية" و "مؤتة" و "تبوك".
ومنها ما يتعلق بأسماء الصحابة رضوان الله عليهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وحفصة وغيرهم.(9/41)
وبهذا التنوع في ذكر المواد المرتبطة بالسيرة النبوية يتبين مدى اهتمام الموسوعة بشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وما يتعلق بحياته ومغازيه ودعوته، وإذا كان في كل ذلك ما من شأنه أن يعرف بأحداث السيرة النبوية ووقائعها فإنه بالمقابل ينبغي الاعتراف بأن كل هذه المواد التي كتبها المستشرقون قد قدمت بأسلوب مبني على منهج المراوغة والتحريف حينا والطعن والافتئات حينا آخر، إذ لا يخفى أن مادة السيرة النبوية تعد مثل مواد القرآن والسنة والعقيدة من المواد الجوهرية الرئيسة في الموسوعة والتي تحاط بعناية واهتمام فائقين، فتحرير مثل هذه المواد لا يسند للعلماء المسلمين وإنما إلى المستشرقين الذين يؤتمنون على المنهج الغربي في دراسة الإسلام وهو المنهج القائم على التحريف والطعن والتحامل، كما يتم الحرص على الاستعانة والاستئناس بكل ما كتب في الموضوع وبخاصة في الثقافة الاستشراقية مع السعي إلى التهوين من شأن ما كتبه العلماء المسلمون المعاصرون. وقد جاءت أحداث السيرة النبوية في الموسوعة مشوبة بكثير من التشكيك والتهوين من مصداقيتها، ويتم التسويغ لذلك بدعوى أن الروايات التي تناقلتها كتب السيرة عن تلك الأحداث غامضة وأن القرآن سكت عنها، أما المرحلة المدنية من الدعوة فقد تم التقليل من أهميتها كمرحلة تم خلالها تأسيس الدولة الإسلامية بعد أن قويت شوكة المسلمين وأظهر الله دينه الحق. ولم يكن غريبا أن تفتتح الموسوعة الحديث عن هذه المرحلة بقولها: "إن أهل المدينة لم يكونوا يرغبون في استمالة واعظ ملهم(1) إلى مدينتهم بقدر ما
__________
(1) هكذا يوصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يوصف بالنبوة والرسالة، ويدأب المستشرقون –في كثير من الأحيان-على وصفه عليه الصلاة والسلام بالمصلح الديني، وقد أكثرت الموسوعة من استخدام هذا النعت لإظهاره - صلى الله عليه وسلم - في مظهر المفكر العبقري الذي استطاع بقوة فكره ان يبتكر هذا الدين الجديد.(9/42)
كانوا يرغبون في كسب زعيم سياسي قادر على إصلاح علاقاتهم التي فسدت بسبب الحروب القبلية"(1)، ولا شك أن الهدف من هذا الافتراء القائم على تحليل مادي متهافت هو الإيحاء بأن الدوافع التي دفعت أهل المدينة إلى قبول دعوة الإسلام هي دوافع سياسية دنيوية صرفة لا مكان بينها للدوافع الدينية والإيمانية.
الفصل الثالث: الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية في مجالات أخرى
لم يكن الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية منحصرا في إنتاج كتب متخصصة في هذا المجال، بل اتسعت دائرة الاهتمام لتشمل مجالات أخرى يمكن للمهتم والمتتبع لكل ما يقال ويكتب في موضوع السيرة النبوية أن يكتشفها ويجد أنها تعبر بصورة أو بأخرى عن شدة الاهتمام بحياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اللغة الفرنسية، وقدتم تتبع مواطن ومواضع الاهتمام بذلك فتبين أن أبرز مجالات الاهتمام الأخرى ما يلي:
1) الاهتمام بالسيرة النبوية في الكتابات العامة حول الإسلام باللغة الفرنسية.
2) ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى.
3) الأطروحات والرسائل الجامعية.
4) المقالات والأبحاث في المجلات والدوريات الفرنسية.
وسنستعرض الحديث عن هذه المجالات بتركيز واختصار لأن الغرض الرئيس من البحث هو الوقوف عند مواطن الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية وإبراز مكانتها وقيمتها.
أولا: الاهتمام بالسيرة النبوية في الكتابات العامة الفرنسية حول الإسلام:
__________
(1) Muhammed in Encyclopèdie de l’Islam ; ème édition (Brill ) Tome p(9/43)
لم يقتصر الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية على التأليف الخاص بالموضوع، بل يبرز الاهتمام أيضا ضمن الكتب المؤلفة حول الإسلام بصفة عامة، حيث حرص كثير من الذين ألفوا كتبا عن الإسلام دينا وشريعة وحضارة وتاريخا على تخصيص فصل أو أكثر للحديث عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الحديث الذي تصدر به –في الغالب- مثل هذه الكتب، على أن استعراض حياة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم --ولو بصفة مجملة-يمهد للحديث عن نشأة الإسلام مجتمعا ودولة وحضارة. وتتفاوت هذه الكتابات من حيث الالتزام بالموضوعية والإنصاف، ويمكن الإشادة –بهذا الصدد- بمجموعة من الكتب التي وضعها مستشرقون فرنسيون معاصرون ضمت الحديث عن السيرة النبوية بطريقة أقرب إلى الموضوعية والإنصاف واستعراض الحقائق والوقائع في صفائها وأصالتها.
ونذكر من هذه الكتابات المنصفة:
- الإسلام دينا ومجتمعا للمستشرق الفرنسي لوي جاردي Louis Gardet.
- الإسلام في القرون الوسطى للمستشرق الفرنسي دومينيك سورديل ترجمه إلى اللغة العربية علي المقلد (بيروت 1983م).
- تاريخ العرب والشعوب الإسلامية لكلود كاهين وقد ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور بدر الدين قاسم (بيروت 1983م). وفيه يقول(1) مستعرضا حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - "ولا يليق بالمؤرخ المنصف أن يعير اهتماماته للاتهامات التي صدرت عن المهاترات الطائفية القديمة، بل إنه يبدو لهذا المؤرخ المنصف أن محمداً كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الإخلاص والحماسة إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيا وفكريا".
__________
(1) Claude Cohan: Histoire des Arabes et des peuples musulmans, p .(9/44)
- (على خُطا محمد) - صلى الله عليه وسلم - للبناني المسيحي نصري سلحب(1)، ويبدو لقارئ الكتاب أنه من تأليف باحث مسلم لمبالغته في الإنصاف والحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتبجيل والتقدير البالغَين.
ومن الكتابات التي يطبعها شيء من التحامل وعدم الإنصاف.
- الإسلام للباحث اللبناني المسيحي يواكيم مبارك Youakim Moubarac.
- الإسلام للمستشرق هنري ماسيه، ترجمه إلى اللغة العربية بهيج شعبان (ط ثالثة بيروت 1988م).
- الإسلام لأدوارد مونتيه(2).
- الإسلام عقائد ونظم لهنري لامنس(3).Henri Lammens
- نساء النبي للباحثة الفرنسية مجالي مرسي(4) Magali Morsy.
وهذا الكتاب الذي اختص بدراسة حياة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الخاصة مع أمهات المؤمنين حاولت المؤلفة من خلاله الالتزام بالموضوعية والإنصاف –إلى حد ما- وقد ساعد على ذلك الاستئناس بكتب ابن هشام وابن سعد والطبري في السيرة النبوية، بالإضافة إلى كتب المستشرقين الفرنسيين المعتدلين أمثال درمنغهم وبلاشير، وقد حرصت في الفصل الأخير من الدراسة الذي وضعته تحت عنوان: "نظرة معاصرة إلى بيت النبوة"، تأكيد أهمية استعراض حياة أمهات المؤمنين مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاستفادة من أقوالهن وأفعالهن في إطار بيت النبوة. إن الأمر –كما تقول المؤلفة- لا يتعلق بأصداء بعيدة وقديمة، نستمع إليها فقط ولكنه خطاب معاصر ينبغي استثماره من لدن نساء العصر الحديث وتوجيهه مع المستجدات والمتغيرات الراهنة، وعلى كل المجتمعات الإسلامية أن تحترم هذا التراث وتستمد منه ما يدعو إلى التطور والعدل.
__________
(1) Nasri SALHAB: Sur les pas de Mahomet, Beyrouth, sans date.
(2) E.Montet : L’Islam, Payot –Paris .
(3) L’Islam, Croyances et institutions, Paris .
(4) Magali Morsy : Les femmes du prophète, Mercure de France Paris ( pages).(9/45)
ويدخل ضمن الكتابات العامة حول الإسلام ما أقحمه بعض المستشرقين الفرنسيين من دراسات عامة حول الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - في مقدمات ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم.
وللإشارة فإن بعض المستشرقين قد دأبوا على أن يقدموا لترجماتهم القرآنية بحديث مطول يعتبر مدخلا أساسيا إلى الترجمة غالبا ما يكون مصاغا في شكل استعراض شامل لبدايات الإسلام ورسالته والسيرة النبوية مع الحديث عن مضمون القرآن الكريم وتاريخ جمعه(1)، والملاحظ أن المستشرقين وحدهم هم الذين يعمدون إلى إقحام هذه المداخل كمقدمات للترجمة القرآنية وهدفهم من وراء ذلك هو جعل الغربيين لا يقدمون على قراءة معاني القرآن الكريم مترجمة إلا بعد أن تشحن عقولهم بجهاز من المقولات الكاذبة والحقائق المزيفة.
__________
(1) د. حسن عزوزي: دراسات في الاستشراق ومناهجه، طبعة فاس 1999م ص 19.(9/46)
وقد تفرد المقدمة أحيانا في كتاب مستقل كما هو الشأن بالنسبة لكتاب رجيس بلاشير (مدخل إلى القرآن الكريم)، وقد توضع في حجم كبير وتخصص لسيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما فعل مكسيم سفاري في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن الكريم والتي وضع لها عنوان "مختصر لسيرة محمد - صلى الله عليه وسلم -"(1) وتقع في 112 صفحة. وقد شحن سفاري هذه المقدمة بوافر من الاتهامات والافتراءات بحق رسول الله عليه الصلاة والسلام(2)، لكن بالمقابل يمكن القول بأنه تجنب الوقوع في كثير من الأخطاء التي وقع فيها غيره أثناء الحديث عن السيرة النبوية، مثل الحديث عن أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولقائه ببحيرى الراهب بالشام وهو صغير، وحديثه عن زواجه بأمهات المؤمنين وغير ذلك من القضايا التي أثارها بصورة محمودة نادرة في القرن الثامن عشر الذي عاش المترجم خلاله(3).
ومن المستشرقين الفرنسيين الذين قدموا لترجماتهم القرآنية بما يتضمن الإشارة إلى السيرة النبوية ادوارد مونتيه ودنيس ماصون Denise Massonالذي قدم لترجمتها فرنسي آخر له بدوره ترجمة لمعاني القرآن الكريم وهو جان كروجيين Jean Grojean.
ثانياً: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى
__________
(1) Le Coran précédé d’un abrégé de la vie de Mahomet, par M Savary Paris, .
(2) لعل أبشعها وضع عنوان الغلاف هكذا (محمد : القرآن مترجما من العربية) موهما بذلك أن القرآن الكريم من تأليف محمد - صلى الله عليه وسلم -.
(3) انظر على سبل المثال الصفحات 5-8، 42-65.(9/47)
يعد هذا الجانب من جوانب الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية أحد أبرز مجالات الاهتمام الكبرى، وذلك لأن الكتاب لا يترجم إلى لغة أخرى إلا إذا كان هناك باعث قوي ودافع رئيس يرتبطان بأهمية الموضوع وقيمته، ولقد اهتم الاستشراق الفرنسي بنقل بعض أهم الكتب التي وضعت في السيرة النبوية في اللغات الأوروبية الأخرى نظرا لمكانتها وقيمتها في مجال بحث ودراية حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ولعل أقدم ما ترجم إلى اللغة الفرنسية في مجال السيرة النبوية هو كتاب هادريان ريلاند Hadrian Reland "الديانة المحمدية"، وكان المؤلف قد سعى في مؤلفه هذا إلى تقديم عرض منصف للإسلام، وقد نشر الكتاب عام 1721م(1). وفي عام 1943م أصدر الفينلدي هولمان H. Holma كتابه " محمد نبي الإسلام" وقد ترجم إلى اللغة الفرنسية عام 1947م(2).
أما في القرن العشرين فقد ترجمت كثير من الكتب الموضوعة في السيرة النبوية من لغات أجنبية أخرى إلى اللغة الفرنسية وسنقتصر هنا على اثنين من أبرز المتخصصين في هذا المجال وهما تورأندريه السويدي ومنتغمري واط الإنجليزي وكلاهما خلف كتابين مهمين في الموضوع.
1) تور أندريه Tor Andrae:
برع هذا المستشرق في الحديث عن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعتبر كتاباه"شخصية محمد في تعليم أمته ومعتقداتها"وكتاب "محمد:حياته وعقيدته"نقطة انطلاق المستشرقين الفرنسيين المعاصرين في دراسة السيرة النبوية.
__________
(1) دكاتارينا مومزن:جوته والعالم العربي سلسلة عالم المعرفة ع 194 (1995) ص 180.
(2) H. Holma: Mahomet, prophète de l'Islam, Paris – Flamarion .(9/48)
وقد ترجم كتابه الثاني "محمد حياته وعقيدته"(1) إلى اللغة الفرنسية ليصبح عمدة كل الدارسين الفرنسيين للسيرة النبوية، وبالرغم من إشادة كثير من الباحثين(2) بهذا الكتاب إلا أن المتصفح له سرعان ما يفطن إلى منهج المؤلف الملتوي الذي يطبعه كثير من التحايل والمراوغة واستعمال الأسلوب التمويهي من أجل التشكيك في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ومهما ادعى المؤلف نهج طريقة الحياد والموضوعية في دراسة السيرة النبوية إلا أنه لم يستطع التجرد من الهوى والتعصب، فهو يتصيد الأدلة التي تخدم أغراضه ويفسر الوقائع على غير حقيقتها ثم إنه يتهجم على كثير من معطيات السيرة الثابتة بلباقة وتمويه بالغَين. ففي معرض حديثه عن صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحدث عن زهده وورعه فقال وبنبرة يلفها الشك والتهوين:"فبعض هذه الصفات تبدو لنا جد حقيقية، وفيها بصمات الصحة، لكن لا ندري أبدا بماذا نثق، إذ هناك أحاديث أخرى تصور النبي في هيئة مختلفة تماما عن هذه، تنفي أن يكون زهد فعلا في حياته …….ثم يستطرد قائلا: ومن المؤكد أن الروايات المتحدثة عن فقر النبي وحرمانه فيها مبالغات كثيرة، فإذا كان باستطاعته أن يهب لعائشة عقد لؤلؤ ثمين، فهو قطعا ليس في حاجة لرهن درعه…"(3).
والمؤلف لا يتردد أحيانا في وصم الروايات المتنوعة في الواقعة الواحدة بالتناقض، ومهما أوهم القارئ أنه يعتمد أمهات الكتب العربية إلا أنه يظهر براعة قوية في التضليل والتمويه وانتقاء ما يخدم أهواءه وأهدافه وإهمال وإغفال الحديث عما لا يستجيب لآرائه.
__________
(1) Mahomet, Sa vie et sa doctrine – Paris, .
(2) من هؤلاء نجيب العقيقي في كتابه "المستشرقون 3/33 ومكسيم رودنسون في دراسته السابقة الذكر (Bilan ) ص 171.
(3) Mahomet, sa vie et sa doctrine, p .(9/49)
إن كتابات تورأندريه في السيرة النبوية بالرغم من شهرتها واعتماد المستشرقين المعاصرين عليها لا ترقى إلى مصاف الكتابة النزيهة والموضوعية إذ إن المؤلف مهما أحاط جيدا بمعطيات السيرة النبوية مع اطلاعه الواسع على أصولها ومرجعياتها العربية إلا أنه آثر سلوك طريق التشويه والطعن والافتئات.
ولعل ذلك هو الذي أتاح لهذا الكتاب الثاني شهرة واسعة جعلته يترجم إلى الإنجليزية (لندن 1936م) والألمانية (جوتنجن 1939م) والفرنسية (باريس 1945م) والإيطالية (باري 1934م).
2) منتغمري واط Montgomery Watt:
يعد واط من أشهر المستشرقين المعاصرين اعتناء بالسيرة النبوية، حيث خلف في الموضوع كتابين مهمين لقيا اهتماما بالغا من الباحثين الغربيين والعرب على السواء.
أصدر واط كتابه "محمد في مكة" عام 1953م وظهرت الترجمة الفرنسية عام 1958م(1) وهي ترجمة ضعيفة مبتورة ومجردة من الملاحق الواردة في الأصل الإنجليزي وقد قدم للترجمة الفرنسية مكسيم رودنسون.
أما الكتاب الثاني فهو "محمد في المدينة" صدر عام 1956م وظهرت الترجمة الفرنسية عام 1959م(2) وهي أفضل من الأولى.
أشاد رودنسون بهذين الكتابين وقال:" يمتاز المؤلف في كتابيه بأنه استطاع من خلالهما أن يعتمد مختلف المصادر –بما فيها العربية- ويستفيد منها ويتوصل إلى نتائج واضحة، وقد انتقد من لدن بعض المستشرقين بأنه بالغ في الوثوق بمصادر السيرة النبوية المعتمدة"(3).
__________
(1) Mahomet à la Mecque, Payot –Paris, .
(2) Mahomet à Médine, Payot –Paris, .
(3) Rodinson : Bilan, p .(9/50)
وبالرغم من أن الكتابين لهما أهميتهما في مجال التأليف في السيرة النبوية في البحث الاستشراقي إلا أن دائرة الموضوعية التي تعهد واط في مقدمة كتابه الأول بأنه سيلتزم بها تبقى مفتوحة للنقاش، ذلك أن الرجل مهما حاول أن يعتمد منهجا مغايرا لما اعتمده زملاؤه يعتبر أقرب إلى الموضوعية، إلا أنه ارتطم واصطدم في كثير من الأحيان بالمسلمات والبدهيات التي نؤمن بها في حقل السيرة النبوية. ومهما بدت منطلقاته في البحث والتحليل سليمة –إلى حد ما-(عدم اعتماد الافتراضات السابقة مثلا ) فإن استنتاجاته التي توصل إليها لا تتوافق مع وقائع ومعطيات السيرة الحقيقية.
يقول الدكتور عماد الدين خليل:(( يبدو واط على مستوى تقنية البحث متفوقا بمعنى الكلمة، وهو يمتلك أداة البحث ومستلزماته، ويعتمد أسلوبا نقديا مقارنا يثير الإعجاب، وقد تمكن بواسطته من تحقيق عدد من النتائج القيمة على مستوى السيرة، وإن كان يلح أحيانا في نزعته النقدية، الأمر الذي قاده إلى عملية (نفي) واسع النطاق لمساحات من حقائق السيرة المتعارف عليها ))(1).
إن واط وهو يبالغ في نزعته النقدية يميل في كثير من الأحيان إلى الأخذ بمنهج إسقاط الرؤية والمواضعات المعاصرة على أحداث السيرة ونفي المرويات الصحيحة أو إثارة الشكوك حولها، فضلا عن النزوع أحيانا إلى الأخذ بفكرة التأثير النصراني أو اليهودي في صياغة وقائع السيرة النبوية.
ثالثاً: الأطروحات والأبحاث الجامعية:
__________
(1) مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية الرياض 1985م ج1 ص 147 ونحيل على هذه الدراسة المفيدة للاطلاع على تفاصيل منهج واط في كتابيه.(9/51)
لم يقتصر الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية على الدوائر العلمية والأكاديمية وإنما كان له حظ من لدن الطلبة الجامعيين بفرنسا وبلجيكا وغيرهما، حيث سجلت أطروحات للدكتوراه في موضوعات تتعلق بمجال السيرة النبوية ليس في شعب الدراسات العربية والإسلامية بالجامعات الفرنسية فحسب وإنما أيضا في شعب الأدب الفرنسي والأدب المقارن، كما يظهر من خلال استعراض النماذج التالية(1):
* G. Pyronnet : Mahomet et les dogmes chrétiens d’après le Coran
محمد - صلى الله عليه وسلم - والعقائد النصرانية من خلال القرآن الكريم
نوقشت عام 1974م بجامعة Brest
*- Abdenbi Alem : Les Magazi du prophète dans le Coran et la poesie مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - من خلال القرآن والشعر.
نوقشت عام 1986م بشعبة الدراسات العربية والإسلامية بجامعة باريس الرابعة Paris 4 تحت إشراف د. سورديل Dominique Sourdel.
درس الباحث من خلال أطروحته أربع غزوات هي: بدر –أحد- بني النضير – الخندق وبحث كل غزوة في فصل مستقل من خلال ما جاء عنها في القرآن الكريم وفي الشعر العربي، وخصص فصلا خامسا للحديث عن الشخصيات الواردة أسماؤها ضمن تاريخ هذه الغزوات.
*-Dominique Cornoy Torabi : Le Miroir de Mahomet.
مرآة محمد - صلى الله عليه وسلم -
نوقشت بجامعة ليل Lille الثالثة بشعبة الأدب الفرنسي تحت إشراف الأستاذ Robert Horville عام 1994م.
*-Mandana Saorzadeh : la lecture du Coran et de la vie de Mahomet au siècle des lumières.
القراءة في القرآن وحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - في عصر الأنوار.
نوقشت عام 1996م بجامعة نانسي ( شعبة الأدب الفرنسي) تحت إشراف Roger Marchal
*- Nehed Chabarek : Mahomet et l'Islam vus par Voltaire
__________
(1) هذه النماذج تم الحصول عليها من خلال الاتصال بزملاء يشتغلون بالجامعات الفرنسية.(9/52)
محمد - صلى الله عليه وسلم - والإسلام في نظر فولتير.
نوقشت عام 1992م بجامعة باريس الثالثة Paris 3 (شعبة الأدب الفرنسي) تحت إشراف الأستاذ Jean René Demoris.
*- Laurence Fontany: Etude de Mahomet de Voltaire () ;
دراسة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - من قِبل فولتير، وترجمة من الحاج فودي.
نوقشت عام 1997م بجامعة Grenoble 3 الفرنسية ( شعبة الأدب المقارن) تحت إشراف الأستاذ Daniel Chauvin.
رابعاً: المقالات والأبحاث الفرنسية في المجلات والدوريات
لم يقتصر بحث ودراسة معطيات ووقائع السيرة النبوية على النشر في الكتب وإنما انصب أيضا على النشر في المجلات والدوريات العلمية وبخاصة تلك المرتبطة بالاستشراق الفرنسي منذ عقود عديدة من الزمن. مثل مجلة
Revue des études Islamiques – Studia Islamica – Arabica وكلها تصدر بباريس.
ومن الطبعي أن يكون معظم كُتَّاب المقالات ممن لهم اهتمام سابق بحقل السيرة النبوية وبخاصة من خلال إصدار مؤلفات خاصة بموضوع السيرة أو مؤلفات شاملة عن الإسلام دينا وحضارة، وتتميز المقالات والأبحاث المنشورة بالمجلات ببحث ودراسة جوانب دقيقة ومغمورة من جوانب السيرة النبوية.
وهذا الجانب من الاهتمام بالسيرة النبوية له أهميته على مستوى النشر الواسع والتأثير البالغ، وذلك بخلاف النشر عبر الكتب المتخصصة التي تطبع بأعداد قليلة ولا تكاد تقرأ إلا من المتخصصين، في حين أن المجلات والدوريات تطبع بأعداد وافرة وتوزع على أوسع نطاق كما أن تداولها يبدو أيسر من تداول الكتب المتخصصة وأكثر جاذبية.(9/53)
ولا يمكننا الإحاطة بالمجلات والدوريات الفرنسية؛ لأن حصرها خارج عن نطاق بحثنا هذا(1) ونقتصر فيما يلي على ذكر نماذج لأهم ما نشر في هذا الإطار:
* أبحاث الشيخ محمد حميد الله الحيدر ابادي المنشورة بكبريات الدوريات الفرنسية مثل دراسته "مواقع المعارك في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -" وقد نشرها عام 1939م بمجلة الدراسات الإسلامية (باريس)Revue des Etudes Islamique ودراسته لأصول كتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الدول المجاورة وقد نشرها موزعة في مجلات مختلفة منها أرابيكا ARABICA ومجلة معرفة الإسلام Connaissance de l'Islam.
ونشر بمجلة FI (France – Islam) دراسات متنوعة حول تاريخ ميلاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( عدد 28 عام 1969م) وإخوة وأخوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الرضاعة ( عدد 78 عام 1973م) ورحلات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( عدد 93 عام 1975م) ونشر بمجلة المسلم Le musulman التي أنشأها لفائدة الطلاب المسلمين المقيمين بفرنسا مقالا بعنوان "رسول الله مربيا"0العدد 3 عام 1974م) إلى غير ذلك من المقالات المتنوعة.
__________
(1) يمكن لمن أراد الاطلاع على مجمل ما كتب حول السيرة النبوية الرجوع إلى الكتاب المعجمي الفريد الذي وضعه بيرسون Person تحت عنوان " Index Islamicus " (الفهرس الإسلامي) وهو مرتب ومصنف حسب فروع الاستشراق الإسلامي، ويقع في مجلدات متسلسلة زمنيا وتوجد مادة السيرة النبوية تحت عنوان "حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -".(9/54)
* نشر المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون دراسته المهمة التي أشرنا إليها مرارا تحت عنوان "حصيلة الدراسات المحمدية" ( Bilan des études mahomèdiennes) بالمجلة التاريخية التي تصدر بباريس، كما نشر بمجلة ديوجين الباريسية مقالا تحت عنوان: "حياة النبي والمشكلة الاجتماعية لأصول الإسلام"(1).
* نشرت أبحاث ومقالات حول مختلف جوانب السيرة النبوية ضمن كتاب جماعي عبارة عن أشغال ندوة دولية حول " سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - " عقدت بمدينة ستراسبورغ الفرنسية في أكتوبر عام 1980م(2) نشرت الأبحاث والمقالات باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وعناوين الأبحاث الفرنسية كالتالي:
- الأسلوب القديم والحديث في سيرة ابن هشام لوهيب عطاء الله.
- مشاكل في سيرة ابن إسحاق لتوفيق فهد.
- حول بعض النساء المعاديات للرسول - صلى الله عليه وسلم - للفرنسي شارل بيلا
Charles Pellat
- سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفتوحات العرب من خلال الكتابات السريانية لبرتولد سبولر Bertold Spuler
- سيرة محمد ( - صلى الله عليه وسلم -) في تراث برتملي ديديس Barthélemy d'Edesse للمستشرق جيرار تروبو Troupeau Gerard
- عناصر ببليوغرافية تتعلق بسيرة محمد في الأدب اليوناني خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة للمستشرق اليوناني Asterios Argryion
- المصادر الإسلامية للسيرة النبوية قبل ابن هشام (ت 218ه) وقيمتها التاريخية للباحث اللبناني ر.ج. خوري R.G. Khoury
ونموذجاً لما سبق من أبحاث، نلقي نظرة عامة على بحث خوري الأخير.
__________
(1) M.Rodinson : La vie de Mahomet et le problème social des origines de l'Islam " in Diaogène N° ( ) Paris
وقد ترجمت الدكتورة زينب رضوان المقال إلى العربية ونشرته بمجلة الفكر العربي ع 32، السنة الخامسة 1983 م.
(2) La vie du prophète Mahomet, Colloque de Strasbourg, editions PUF ? ème edition .(9/55)
تحدث بداية عن مصادر ابن هشام في كتابه والأقسام التي تضمنها(1) ثم انتقل إلى استعراض أبرز شيوخ ابن هشام الذين تلقى عنهم مباشرة، وهم حوالي 27 شيخا.
وقد ترجم لهم ترجمة وافية مؤكدا على جانب الرواية الحديثية في مجال السيرة النبوية. وبعد أن توافرت فكرة عامة عن المصادر المباشرة وغير المباشرة في سيرة ابن هشام تعرض المؤلف لدور ابن هشام في الاستفادة منها ودراسة المصادر الأخرى التي لم يشر إليها، وذلك بهدف تبين مدى اختلاف الروايات المسندة ابتداء من ابن إسحاق أو غيره من كتاب السيرة النبوية وتجلية قيمتها التاريخية.
الدراسة التي تقع في 23 صفحة تتميز بالعمق والدقة في بحث وتحليل المصادر وأدوار شيوخ الرواية، وقد أبدع المؤلف في التمييز بين منهج المحدثين والفقهاء بالمدينة الذين انبنى كتاب ابن هشام على رواياتهم ومنهج القُصَّاص والرواة غير الموثوق بهم.
فهرس المراجع (العربية)
1) الإسلام لهنري ماسيه: ترجمة بهيج شعبان، منشورات عويدات بيروت1980م.
2) الإسلام والمسيحية لإليكسي جورافسكي: سلسلة عالم المعرفة الكويتية ع 215 ( نونبر 1996م).
3) تاريخ الدراسات العربية في فرنسا للدكتور محمد المقداد: سلسلة عالم المعرفة الكويتية، ع 167 ( نوفمبر 1992م ).
4) تراث الإسلام لبوزورث وآخرين: سلسلة عالم المعرفة الكويتية ع 8 (الطبعة الثانية 1988م).
5) جوته والعالم العربي لكاترينا مومزن: سلسلة عالم المعرفة الكويتية ع 194 ( فبراير 1995م).
6) دراسات في الاستشراق ومناهجه للدكتور حسن عزوزي، الطبعة الأولى فاس 1999م.
7) دراسات في حضارة الإسلام لهاملتون جب: ترجمة د/ إحسان عباس ورفاقه دار العلم للملايين، بيروت 1964م.
8) السيرة النبوية وأوهام المستشرقين لعبد المتعال محمد الجبري: مكتبة وهبة بالقاهرة 1988م.
__________
(1) من المعلوم أن الكتب المضمنة في سيرة ابن هشام: كتاب المغازي 0( المبتدأ- المبعث – المغازي) وكتاب الخلفاء وكتاب الفتوح.(9/56)
9) مدخل إلى دراسة علوم القرآن والتفسير للدكتور حسن عزوزي:، الطبعة الثانية فاس 1998م.
10) المستشرقون لنجيب العقيقي: دار المعارف بمصر ط رابعة 1980م.
11) مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، مطبعة مكتب التربية العربية لدول الخليج –الرياض 1985م.
فهرس المراجع ( الفرنسية)
1-Andrae (Tor): Mahomet, sa vie et sa doctrine, Paris.
2- Bencheikh (Jamaleddin): Le voyage nocture de Mahomet, Paris.
3-Bennabi (Malek): Vocation de l'Islam, Seuil, Paris.
4-Blachère (Régis); Le problème de Mahomet, Paris PUF.
5-Casanova:Mahomet et le fin du monde, Paris.
6-Colloque de Strasbourg sur la vie du prophète Mahomet, editions PUF.
7-Dermenghem (Emile):Mahomet et la tradition Islamique, Paris .
8- Dermenghem (Emile): La vie de Mahomet, Paris, Charlot
9-Dinet (Etienne) : La vie de Mohammed, Paris.
10- Dinet (Etienne): L’Orient vu par l’occident, Paris.
11- Ducellier (Alain) : Chrètiens d’orient et Islam an Moyen Age, Armand Colin, Paris.
12-Eliade / Couliano, Dictionnaire des religions, Plon, Paris.
13-Encyclopèdie de l’Islam, er et ème éditions, Brill, Leyde.
14-Essad (Med): Mahomet, Payot, Paris.
15-Gardet (Louis): L’Islam, religion et Communauté, ème ed, Paris.
16-Hammidullah (Med) : Le prophète de l’Islam, sa vie et son œuvre, ème ed, Paris.
17- Hammidullah (Med): Six originaux des lettres diplomatiques du prophète de l’Islam, ed Tougui Paris.
18- Larousse: Grand dictionnaire universal Francais.
19-Lammens (Henri): L’Islam, croyances et institutions, ème ed, Paris.
20- Lings (Martin): Le prophète Mohammed, Seuil, Paris.(9/57)
21-Massé (Henri): L’Islam, 3ème ed , Librairie Armand Colin, Paris .
22-Montet (Edouard): L’Islam, Payot, Paris .
23- Morsy (Magali): Les femmes du prophète, Paris .
24-Rodinson (Maxime): Mahomet, Seuil, Paris .
25-Rodinson (Maxime): Bilan des études mohammediennes (Revue historique n).
26- Rodinson (Maxime): la vie de Mahomet et le prophète Social des origines de l’Islam, in Diogène N° Paris.
27-Savary (Maxime): Le Coran, précédé d’un abrégé de la vie du prophète, Paris.
28-Salhab (Nasri): Sur les pas de Mahomet, Beyrouth, sans date.
29-Watt (Montgomery): Mahomet à la Mecque, Payot, Paris.
30- Watt (Montgomery): Mahomet à Médine, Payot, Paris.
فهرس الموضوعات
مقدمة…1
الفصل الأول: كتابات المسلمين حول السيرة النبوية باللغة الفرنسية…8
الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية…17
اهتمام الفرنسيين بالسيرة النبوية انطلاقا من خلفياتهم الدينية والإيديولوجية…20
الخلفية النصرانية:…21
الخلفية اليهودية:…24
الاتجاه المادي:…26
الاهتمام بالسيرة النبوية في دراسات المستشرقين الفرنسيين المعتدلين…30
حياة محمد لإميل درمنغهم:…33
الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا…36
مادة"محمد"- صلى الله عليه وسلم - في معجم لاروسLarousse …43
دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (الطبعة الفرنسية):…45
الفصل الثالث: الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية في مجالات أخرى…48
أولا:الاهتمام بالسيرة النبوية في الكتابات العامة الفرنسية حول الإسلام…48
ثانياً: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى…52
ثالثاً: الأطروحات والأبحاث الجامعية:…57
رابعاً: المقالات والأبحاث الفرنسية في المجلات والدوريات…58
فهرس المراجع (العربية)…63
فهرس المراجع ( الفرنسية)…64
فهرس الموضوعات…67(9/58)
التصنيف في السُّنَّة النبوية
من بداية المنتصف الثاني للقرن الرابع عشر الهجري
إلى الوقت الحاضر
عَرْض تاريخي
الدكتور
خلدون محمد سليم الأحدب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلّم تسليماً كثيراً.
وبعد: فإنّ هذه الدراسة تؤرِّخ للسنة النبوية وعلومها في جانب من أبرز جوانبها، وهو: (التصنيف)، في فترة زمنية معاصرة تمتد (أربعة وسبعين) عاماً، تبدأ من سنة (1351 هـ) وتنتهي في العام الهجري (1424هـ).
ومحور الدراسة وقاعدتها: أوجه التصنيف وجوانبه في السنة المطهرة وعلومها في هذه الفترة الزمنية، وذِكْر أهم ما صُنِّف في كلّ جانب - طوال هذه الفترة - على امتداد رقعة العالم الإسلامي.
وتمّ حصر أوجه التصنيف هذه في خمسة عشر وجهاً، هي:
الأول: حجية السنة ومكانتها، ودفع الشُّبَه عنها.
الثاني: تاريخ السنة وعلومها.
الثالث: علوم الحديث.
الرابع: دراسات في أئمة الحديث وآثارهم، وبيان أثرهم في الحديث وعلومه.
الخامس: المجاميع الحديثية.
السادس: كتب التخريج.
السابع: كتب الزوائد.
الثامن: ترتيب كتب الحديث.
التاسع: الفهرسة.
العاشر: شروح الحديث النبوي.
الحادي عشر: فقه السنة النبوية.
الثاني عشر: الدراسة المعرفية والحضارية في السنة النبوية.
الثالث عشر: الدراسة اللغوية والأدبية في الحديث النبوي.
الرابع عشر: الإعجاز العلمي في السنة النبوية.
الخامس عشر: الجمع والتهذيب والاختصار.
وقد قُدِّم للدراسة بمبحثين:
الأول: في معنى التصنيف في اللغة والاصطلاح.
الثاني: في دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية.
المبحث الأول: التصنيف في اللغة والاصطلاح
التصنيف في اللغة:
"الصِّنْف و الصَّنْف: النوع والضرب من الشيء
يقال: صَنْف وصِنْف من المتاع - لغتان -، والجمع أصناف وصنوف.
والتصنيف: تمييز الأشياء بعضها من بعض.(10/1)
وصنَّف الشيء: مَيَّزَ بعضه من بعض.
وتصنيف الشيء: جعله أصنافاً"(1).
"ومنه تصنيف الكتب " كما قال الإمام الزمخشري(2)-محمود بن عمر (ت 538هـ)-.
وقد جلَّى الإمام ابن فارس - أحمد بن فارس الرازي (ت395هـ) -المعنى اللغوي للتصنيف بما لا مزيد عليه، فقال رحمه الله في " معجم مقاييس اللغة"(3):
" الصاد والنون والفاء أصل صحيح مطرد في معنيين، أحدهما: الطائفة من الشيء، والآخر: تمييز الأشياء، بعضها عن بعض.
فالأول الصِّنْفُ، قال الخليل: الصِّنْفُ طائفة من كُلَّ شيء. وهذا صِنف من الأصناف أي نوع...
والأصل الآخر، قال الخليل: التصنيف: تمييز الأشياء بعضها عن بعض.
ولعل تصنيف الكتاب من هذا. والغريب المصنَّف من هذا، كأنه مُيِّزت أبوابه فجُعل لكلّ باب حَيِّزُه.
فأمّا أصله في لغة العرب فمن قولهم: صَنَّفتِ الشجرةُ، إذا أخرجت ورقها.
قال ابن قيس الرُّقَيَّات(4):
سَقْياً لِحُلْوَان ذي الكُروم وما…صَنَّفَ مِنْ تِيْنِه ومِنْ عِنَبِهْ
وبيت الشَّعْر هذا أنشده الفَرَّاء: صُنَّفَ(5)، ورواه غيره صَنَّفَ "(6).
التصنيف في الاصطلاح:
قال العلاّمة المُنَاوي - محمد عبد الرؤوف (ت 1031هـ) - في " التوقيف على مهمات التعاريف"(7):
" التصنيف: تمييز الأشياء بعضها عن بعض.
__________
(1) " لسان العرب " لابن منظور (9 / 198) مادة (صنف). وقوله: "بعضها مِنْ بعض " و " ميّز بعضه مِنْ بعض "، على الجادة في استعمال "مِنْ". انظر: " الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجر" للدكتور محمود عمار ص 101 -102.
(2) في " أساس البلاغة " (2/29).
(3) 3/ 313 -314).
(4) "ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات " ص 13.
(5) هكذا على بناء المجهول، بمعنى (مُيَّزَ). ورواية غيره: (صَنَّفَ) على بناء الفاعل، بمعنى خرج ورقه. وكلتاهما صحيحة. انظر " تاج العروس " للزَّبِيْدِي (12 /0 33) فقد فَصَّلَ في ذلك.
(6) " لسان العرب " (9 / 199).
(7) ص 180.(10/2)
ومنه تصنيف الكتب. وصَنَّفَ الأمر تصنيفاً: أدركَ بعضه دون بعضٍ، ولوَّن بعضه دون بعض ".
ومِنْ قَبْلُ قد عرَّف الشريف الجُرْجَاني-علي بن محمد (ت 816 هـ)- اللفظ المرادف لـ (التصنيف) وهو (التأليف)، فقال(1):
" التألف والتأليف: هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا، فعلى هذا يكون التأليف أعمّ من الترتيب ".
وجاء تعريف " التصنيف " في " الصحاح في اللغة والعلوم "(2)- وهو معجم معاصر - بأنه:
" تقسيم الأشياء أو المعاني وترتيبها في نظام خاص وعلى أساس معين، بحيث تبدو صلة بعضها ببعض ".
وبعد ذِكْرِ ما سبق، يمكن أن أُقَدَّم التعريف التالي لـ (التصنيف)، فأقول:
"هو جمع المادة العلمية المتناسبة في موضوع بذاته، ثم تقسيمها وترتيبها في نظام خاص ووفق أساس معيَّن، والربط فيما بينها برابطٍ مناسبٍ، بحيث تبدو صلة بعضها ببعض ".
فيُلْحَظُ في أمر التصنيف:
أولاً: الربط المنطقي بين الأفكار والمعاني، وبين جزئيات الموضوعات وكلياته.
ثانياً: مراعاة التسلسل التاريخي في عرض الأفكار والمعاني ما أمكن، ليعرف صاحب الفكرة الأول، ويتبين تطورها عند الآخرين، ومقدار ما أضافه اللاحق إلى السابق.
المبحث الثاني: دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية
إنّ موقع التصنيف والاشتغال به من أجل النهضة والعمران، والإحياء والتجديد، في المحل الذي لا يُجْهَل؛ ومن ثَمَّ فإنَّ الأمم والشعوب - وعلى مدار التاريخ الإنساني -، قد أَوْلَت هذا الجانب بالغ اهتمامها وعنايتها وتوجهها.
حيث إنَّ البناء والدفع والتميز الحضاري - في بعض أصوله ومعالمه - يرتبط بموقع التصنيف ونوعه وتطبيقاتها منها.
__________
(1) في كتابه "التعريفات" ص 50. وانظر: "الكليات" لأبي البقاء الكَفَوي ص 288.
(2) ص 738.(10/3)
ومن نظر في دواعي التصنيف ومقاصده بعامة، يجد أنها في أصولها واحدة، ثم إنها تصطبغ بصبغة المصنَّفين الزمانية والمكانية والتخصصية بأبعادها النفسية والثقافية والتاريخية.
وقد ذكر الإمام ابن حزم الأندلسي - علي بن محمد (ت456هـ) - في كتابه: " التقريب لِحَدَّ المنطق"(1) دواعي التصنيف ومقاصده، وحصرها في رؤوس سبعة، جاء على بسطها ومَدَّ أطنابها العلامة ابن خلدون - عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) - في " مقدمته"(2)، فقال رحمه الله:
" إنَّ النَّاس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها فعدوها سبعة:
أولها: استنباط العلم بموضوعه،وتقويم أبوابه وفصوله، وتتبع مسائله، أو استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقق يحرص على إيصالها لغيره لتعمَّ المنفعة به، فيودع ذلك بالكتاب في الصحف، لعل المتأخر يظهر على تلك الفائدة. كما وقع في الأصول في الفقه، تكلَّم الشافعي أوَّلاً في الأدلة الشرعية اللفظية ولخصها، ثم جاء الحنفية فاستنبطوا مسائل القياس واستوعبوها، وانتفع بذلك من بعدهم إلى الأبد.
وثانيها: أن يقف على كلام الأولين وتواليفهم، فيجدها مستغلقةً على الأفهام، ويفتح الله له في فهمها. فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه، لتصل الفائدة لمستحقها. وهذه طريقة البيان لكتب المعقول والمنقول، وهو فصل شريف.
وثالثها: أن يعثر المتأخر على غلط أو خطأ في كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله، وبَعُدَ في الإفادة صيته، ويستوثق من ذلك بالبرهان الواضح الذي لا مدخل للشك فيه، ويحرص على إيصال ذلك لمن بعده، إذ قد تعذَّر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار وشهرة المؤلف ووثوق الناس بمعارفه؛ فيودع ذلك الكتاب ليقف الناظر على بيان ذلك.
__________
(1) 4 / 103). والكتاب مطبوع ضمن"رسائل ابن حزم الأندلسي"بتحقيق الدكتور إحسان عباس.
(2) 3 / 1237 - 1239) بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي رحمه الله.(10/4)
ورابعها: أن يكون الفن الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب انقسام موضوعه، فيقصد المطلع على ذلك أن يتمم ما نقص من تلك المسائل؛ ليكمل الفن بكمال مسائله وفصوله، ولا يبقى للنقص فيه مجال.
وخامسها: أن تكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبة في أبوابها ولا منتظمة؛ فيقصد المطلع على ذلك أن يرتبها ويهذبها، ويجعل كل مسألة في بابها، كما وقع في " المدونة " من رواية سحنون عن أبي القاسم، وفي " العُتْبِيَّة " من رواية العُتْبِيّ عن أصحاب مالك.
فإن مسائل كثيرة من أبواب الفقه منها قد وقعت في غير بابها، فهذَّب ابن أبي زيد " المدونة "، وبقيت " العُتْبِيَّة " غير مهذَّبة،فنجد في كل باب مسائل من غيره،واستغنوا بـ " المدونة " وما فعله ابن أبي زيد فيها والبَرَادِعي(1) من بعده.
وسادسها: أن تكون مسائل العلم مفرقة في أبوابها من علوم أخرى، فيتنبه بعض الفضلاء لموضوع ذلك الفن وجمع مسائله، فيفعل ذلك، ويظهر به فن ينظمه في جملة العلوم التي ينتحلها البشر بأفكارهم، كما وقع في (علم البيان)، فإنَّ عبد القاهر الجُرْجَاني وأبا يوسف السَّكَّاكي وجدا مسائله متفرقة في كتب (النحو)، وقد جمع منها الجاحظ في كتاب "البيان والتبيين" مسائل كثيرة تنبه الناس فيها لموضوع ذلك العلم وانفراده عن سائر العلوم، فَكُتبت في ذلك تواليفهم المشهورة، وصارت أصولاً لفن (البيان)، ولقنها المتأخرون فأربوا فيها على كلّ متقدَّم.
__________
(1) ويقال: "البراذعي" بالذال المعجمة، وهو أبو سعيد خلف بن أبي القاسم (من علماء القرن الرابع الهجري)، وقد طبع المجلد الأول من كتابه " التهذيب في اختصار المدونة " بتحقيق محمد الأمين ولد محمد، عام (1420هـ)، وصدر عن دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث في دبي.(10/5)
وسابعها: أن يكون الشيء من التواليف التي هي أمهات للفنون مطوَّلاً مسهباً، فيقصد بالتأليف تلخيص ذلك بالاختصار والإيجاز وحذف المتكرر إن وقع، مع الحذر من حذف الضروري لئلا يخلّ بمقصد المؤلَّف الأول " انتهى.
وهذه المقاصد السبعة التي انتهت إلى العقلاء والحكماء الأقدمين، قد لخصها القاضي أبوبكر بن العربي-محمد بن عبدالله (ت543هـ)-، في غرضين اثنين، فقال في استفتاحه لكتابه " عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي"(1):
"ولا ينبغي لحصيف أن يتصدى إلى تصنيف، أن يعدل عن غرضين:
إمَّا يخترع معنى.
أو يبتدع وضعاً ومبنى....
وما سوى هذين الوجهين، فهو تسويد الورق، والتحلَّي بحلية السرق".
وللإمام النووي - محيي الدين يحيى بن شرف (ت676هـ)- رحمه الله تعالى كلام متين في فائدة التصنيف وما يتطلب،حيث يقول في مقدَّمات كتابه " المجموع شرح المهذَّب"(2):
"ينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له، فبه يطلع على حقائق العلم ودقائقه ويثبت معه، لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة والتحقيق والمراجعة، والاطلاع على مختلِف كلام الأئمة ومُتَّفِقِه، وواضحه من مُشْكِلِه، وصحيحه من ضعيفه، وجزله من ركيكه،وما لا اعتراض عليه من غيره، وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد.
وليحذر كل الحذر أن يشرع في تصنيف ما لم يتأهل له،فإن ذلك يضره في دينه وعلمه وعِرْضِهِ.
وليحذر أيضاً من إخراج تصنيفه من يده إلاّ بعد تهذيبه وترداد نظره فيه وتكريره.
وليحرص على إيضاح العبارة وإيجازها، فلا يوضح إيضاحاً ينتهي إلى الركاكة، ولا يوجز إيجازاً يفضي إلى المحق والاستغلاق.
وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يُسْبَق إليه أكثر.
__________
(1) 1 / 4) مصحَّحاً ما وقع فيه من تصحيف وتحريف.
(2) 1 / 29 - 30).(10/6)
والمراد بهذا ألا يكون هناك مصنَّف يغني عن مُصَنَّفِه في جميع أساليبه، فإنْ أغنى عن بعضها فليصنَّف مِنْ جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها، مع ضم ما فاته من الأساليب، وليكن تصنيفه فيما يعمّ الانتفاع به، ويكثر الاحتياج إليه". انتهى.
وإذا أتينا إلى دواعي التصنيف ومقاصده في السنة النبوية وعلومها في الفترة الزمنية للدراسة، نجد أنها لا تخرج - في جملتها - عمّا ذُكِرَ، مع تفاوت في مراتب هذه الدواعي والمقاصد يقتضيها اختلاف الزمان والمكان
والعِلْم المصنَّف فيه وموضوعاته.
وكُلِّيات هذه الدواعي في هذه الفترة الزمنية لا تخرج عن:
أولاً: تأكيد مكانة السنة النبوية وإثبات حجيتها، ودفع الشُّبَه عنها.
ثانياً: الاهتمام بالدراسات النقدية والمقارنة التي تتناول السنة النبوية: تاريخاً،وعلوماًَ، ومناهج، ومصنَّفين.
ثالثاً: التيسير والتقريب للسنة النبوية وعلومها: عَرْضاً، واختصاراً، وجمعاً، وترتيباً، وتصنيفاً، وفهرسةً.
رابعاً: تخريج الأحاديث النبوية ونقدها وتمييزها،والتقعيد لعلم التخريج.
خامساً: بيان معالم وضوابط التعامل مع السنة النبوية فهماً وتنزيلاً.
سادساً: ربط المعارف والعلوم الإنسانية والاجتماعية بالسنة النبوية، وتأكيد دورها في إعادة بناء الحضارة الإسلامية.
سابعاً: إبراز دور السنة النبوية في معالجة مشكلات الأُمَّة.
ثامناً: العناية بـ "الشرح الموضوعي" للحديث النبوي.
المبحث الثالث: جوانب التصنيف في السُّنَّة النبوية وعلومها في
الفترة الزمنية (1351 -1424هـ) وذِكْرُ أهمِّ ما صُنِّف
في كلِّ جانبٍ منها
قبل الخوض في بيان أوجه وجوانب التصنيف في السنة النبوية وعلومها وذِكْر أهم ما صُنَّفَ في كلّ جانبٍ منها طوال (أربعة وسبعين) عاماً، لابد من ذكر أمرين اثنين:(10/7)
الأمر الأول: إنّ مساهمة الكثير من العلماء والباحثين في السنة وعلومها، كان متجهاً صوب تحقيق كتب الحديث الشريف وعلومه والتعليق عليها،وهو جانب لا يقل أهمية - عندما يستوفي شروطه وضوابطه - عن التصنيف إن لم يربو أحياناً.
وهذا التحقيق وتلك العناية، مَهَّدَت ووطَّأَت وأغنت جوانب التصنيف في هذه الفترة الزمنية، مما يجب التذكير به، وإبراز أثره، والامتنان لأهله: مؤسسات ومجامع وأفرادًا.
ولعل أثر مثل: دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد الدَّكَن في الهند، بما أخرجته من عيون كتب الحديث الشريف وعلومه من مثل: "السنن الكبرى" للبيهقي، و "المستدرك" للحاكم، و " مسند أبي داود الطيالسي"، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي، و"التاريخ الكبير" للبخاري، و "الإكمال" لابن ماكولا، و"معرفة علوم الحديث" للحاكم، وغيرها كثير، مما لا يغيب عن البال.
وقد نوَّه العلاّمة أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله (ت 1420 هـ) بدائرة المعارف العثمانية هذه وأثرها، فقال: (1)
"ومن المؤسسات العلمية الكبيرة التي كان لها فضل كبير في إحياء الكتب الدينية والعلمية، وبعثها من مدافنها في المكتبات العتيقة، ونشرها بتصحيح وتحقيق في العالم الإسلامي: (دائرة المعارف العثمانية) في حيدر آباد التي تأسست عام (1306هـ= 1888م) بتوجيه العلاّمة السيد حسين البلكرامي، ومولانا عبد القيوم، ومولانا أنوار الله خان أستاذ سمو (النظام).
وقد نشرت أكثر من مئة وخمسين كتاباً قيماً من كتب الحديث وأسماء الرجال والتاريخ والعلوم الرياضية والحكمية، حرمها العالم الإسلامي والأوساط العلمية من عهد بعيد، وتسامع بها العلماء والمدرسون، فكانت خدمةً جليلةً للعلم والدين.... ".
__________
(1) في كتابه " الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين " ص66-67.(10/8)
ولا ريب أنَّ العطاء الفردي في هذه الفترة الزمنية في خدمة كتب الحديث الشريف وعلومه: نشراً وتحقيقاً وتعليقاً، كان هو الغالب، ويتميز الكثير منه بأنه خرج على أعدل المناهج في التحقيق وأقومها.
ويأتي في مقدَّمة هؤلاء المحققين: أحمد محمد شاكر (1309-1377هـ)، وعبد الرحمن المُعَلَِّمي اليماني (1313-1386هـ)، والسيد أحمد صقر (1334-1410هـ)، وحبيب الرحمن الأعظمي (1319-1412هـ)، وعبد الفتاح أبو غُدَّة (1336 - 1417هـ)، ومحمد ناصر الدين الألباني (1333-1420هـ)، رحمهم المولى تعالى.
أمّا الأمر الثاني: فهو أنَّ مثل هذه الدراسة لا تتسع لذكر جميع ماصُنَّفَ في جوانب السنة النبوية وعلومها في هذه الفترة الزمنية على امتداد رقعة العالم الإسلامي، ولذا فإن ما ذُكِرَ من المصنفات، روعي فيه - ما أمكن-:
أولاً: التقدم الزماني للمصنَّف، وسبقه وريادته وجِدّته وتجديده وإتقانه فيما صنَّف بشكلٍ أغلبي.
ثانياً: التنوع الجغرافي للمصنَّفين، لأهمية ذلك في إبراز الوحدة الفكرية والعلمية للعلماء والباحثين المسلمين.
ثالثاً: استيفاء المصنفات في بعض الجوانب لقلتها وافتقاد غيرها في موضوعاتها.
رابعاً: مراعاة الترتيب التاريخي لِسِني نشر هذه المصنفات(1)، إلاّ في مواطن قليلة جداً ترتبط بتأخر نشر هذه المصنفات لظروف مختلفة مع تقدم تأليفها، وريادة أصحابها فيها.
ولابد من التذكير بأنَّ الدراسات الحديثية التي قُدَّمت للجامعات رسائل علمية، ولماّ تُنشر بعد، لا تدخل بين المصنفات المذكورة.
وكذا المنشور من الدراسات في المجلات العلمية.
وكذا المباحث الحديثية التي قُدَّم بها لتحقيق كتب السنة النبوية وعلومها.
__________
(1) بعض المصنفات لم أقف على طبعاتها الأولى، فوصفت الطبعات التي وقفت عليها،وجاء ترتيبها وفق سنة نشرها.(10/9)
وسألتزم بذكر وفيات من تُوفي من المصنَّفين رحمهم المولى تعالى، وكذا تاريخ ولاداتهم، إلاّ في قلة قليلة منهم، لم أتمكن من الوصول إلى معرفة ذلك. وأهمية هذا في التأريخ والدراسة والنقد والتقويم في المحلّ الذي لا يخفى.
الجانب الأول: حجيَّة السنة النبوية ومكانتها، ودفع الشبه عنها
توطئة:
إنَّ محاولات تشكيك المسلمين في (السنة النبوية) التي هي الأصل الثاني لهذا الدين في مجموع بنيته: عقيدةً وشريعةً وأخلاقاً، قد أخذ أساليب متعددة ومسارب مختلفة، منذ عهد مبكر من تاريخ المسلمين.
-فتارةً عن طريق التشكيك في ثبوتها، وأنها آحادية وليست متواترة.
-وتارةً أخرى عن طريق اختلاف الروايات التي تُظهر الأحاديث بمظهر السطحية والسذاجة في التفكير، ومخالفة الواقع المحسوس، أو العقل الصريح، أو النقل الصحيح، أو التجربة المسلَّمة.
-وتارةً بالطعن في حملتها الأولين ورواتها الأقدمين من الصحابة والتابعين، وما طَعْنُ النَّظَّام المعتزلي- إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري
(ت 231هـ)-، في عبد الله بن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهما، وتكذيبه لهما، وكذا شتمه لزيد بن ثابت رضي الله عنه، بمجهول(1).
ثم جاء جماعة من المستشرقين، فأخذوا هذه الطعون والشبهات، فنفخوا فيها وزادوا.
-فمنهم من طعن في حجية السنة النبوية وقيمتها التشريعية.
-ومنهم من أثار الارتياب في الأسانيد وقيمتها العلمية.
-ومنهم من ادَّعى تأخر كتابة الأحاديث إلى قرن أو أكثر، ومن ثم فإنه لا يمكن الاعتماد عليها،لأن الذاكرة -بضعفها الطبيعي - لابد أن تكون قد
خانت في نقلها الأحاديث شفاهاً، وقصرت في الحفاظ عليها خلال هذه المدة الطويلة.
-ومنهم من ادَّعى أنَّ الأحاديث الفقهية - على وجه الخصوص -، كانت من وضع الفقهاء في القرنين الثاني والثالث ليدعموا مذاهبهم الفقهية!!
__________
(1) انظر " تأويل مختلف الحديث " لابن قتيبة ص 66-73.(10/10)
-وجاء آخرون ليقرروا أنَّ السنة كانت أحكاماً مؤقتةً لعصر النبي صلى الله عليه وسلم،وأصبحت الآن عديمة الجدوى،وتسربت هذه الفكرة إلى البلاد الإسلامية، وأخذت شكلاً منظماً، فظهر في شبه القارة الهندية منذ أوائل القرن الرابع عشر الهجري، جماعة تنادي بعدم الاحتجاج بالسنة، وسَمَّوا أنفسهم بـ (أهل القرآن) لاكتفائهم بأخذ الأحكام من القرآن وحده دون السنة، وأَلَّفوا كتباً ورسائل كثيرة لنشر أفكارهم ومعتقداتهم.
وفي مقدمة من أثار هذه الطعون،وعرض لها بالبحث والدراسة، المستشرق (اجْنَتْس جولْد تسيهر- ت1921م -)، حيث أصدر عام (1890 م)، كتابه "دراسات إسلامية " باللغة الألمانية.
وأصبح كتابه في دائرة الاستشراق منذ ذلك الوقت وحتى الآن (كتاباً مقدساً)، يهتدي به الباحثون.
وبعد مضي ستين عاماً على نشر الكتاب السابق، نشط المستشرق (جوزيف شاخت - ت 1969م -)، فأصدر في (أكسفورد) عام (1950م)، كتابه " بداية الفقه الإسلامي ".
وأصبح هذا الكتاب كصنوه السابق، مقدساً في عالم الاستشراق، وفاق (شاخت) سلفه (جولد تسيهر)، حيث غيَّر من نظرته التشكيكية في صحة الأحاديث إلى نظرة متيقنة في عدم صحتها(1).
وممَّا يؤسف له غاية الأسف، أنَّ سياسة (التدجين والتفريغ)، التي عمل عليها الاستشراق - في بعض مدارسه- في العالم الإسلامي، أفضت إلى وجود بعض المتغربين من المسلمين المعاصرين الذين رددوا تلك الشبهات والمقولات والطعون،بصيغ وطروحات وأشكال مختلفة، وتتباين كذلك في جهارتها وخفائها، ومِنْ هؤلاء مَنْ تلقَّف هذه الشبهات والطعون ونسبها إلى نفسه زوراً وبهتاناً، فكان كلابس ثوبيْ زُور، وبعض الناس من الجهلة المتعالمين لم ينتحلها لنفسه، ولكنه تبناها وارتضاها، ومَكَّنَ لها ودافع عنها.
__________
(1) انظر بخصوص كتابي (جولد تسيهر) و(شاخت): "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" للدكتور محمد مصطفى الأعظمي ص: (ي).(10/11)
وقد واجه علماء المسلمين ومفكروهم، هذه الطروحات المشكَّكة والطاعنة منذ بدايات ظهورها، فناقشوها ودفعوها بحجة وعلم وبرهان، وكشفوا زيفها،ووهن بنائها،مع بيانهم للدوافع والمقاصد التي كانت وراءها.
ومن أبرز المصنَّفات التي اهتمت بهذا الجانب في هذه الفترة الزمنية (1351-1424هـ):
1 ـ (حجية السُّنَّة).
عبد الغني عبد الخالق رحمه الله تعالى (1326- 1403هـ).
وتاريخ مقدمته عام (1361هـ)، وقد صدر في طبعته الأولى عام (1407هـ)،عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا، في (598) ص.
ويعد هذا الكتاب بحق من أوفى الكتب في موضوعه، وأكثرها جِدَّةً ومنهجيةً وإحكاماً ورسوخاً.
وقد أحسن الدكتور محمد مصطفى الأعظمي عندما قال في حقَّه - كما في تقدمة المعهد للكتاب ص17-:
" إنَّه كتاب عظيم لو قُدَّرَ له أن يُنشر في وقته وبعد إعداده مباشرة لكان له أعظم الأثر على دراسات السنة والحديث وعلومه في سائر أنحاء الدنيا، وهو لا يزال قادراً على تغيير مجرى الدراسات المعاصرة والمنتظرة في السنة، وردَّ الكثير من الشبهات المثارة حولها.
2- (دفاع عن السنة وردَّ شُبَه المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين).
محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى (1332-1403هـ).
وكان تأليفه له عام (1365هـ)، وقد صدرت له طبعات عدة، منها: طبعة صدرت عام (1409هـ)، عن مكتبة السنة في القاهرة وعدد صفحاته (250) صفحة، وقد ضُمَّ إليه كتابه الآخر الذي لم ينُشر من قبل.
3 - (بيان الشُّبَه الواردة على السنة قديماً وحديثا وردّها ردّاً علمياً صحيحاً).
وقد وصف رحمه الله تعالى كتابه الثاني هذا بقوله في ص 329 منه:
" هذا الكتاب الذي يعتبر عُصارة ذهني وعقلي وقلبي وخلاصة عمرٍ طويلٍ في دراسة السنة النبوية المطهرة والردود على ما يثار حولها من شُبَهٍ وتجنياتٍ وأباطيل، ما يزيد عن ثلث قرن من الزمان، ولله الحمد والمنة".
وكتابه هذا يقع في (144) صفحة.(10/12)
4 - (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي).
مصطفى حسني السباعي رحمه الله تعالى (1333-1384هـ).
وتاريخ مقدمته له كان عام (1368هـ). وصدر له طبعات عدة، الثانية منها عن المكتب الإسلامي في بيروت، عام (1396هـ)، في (448)ص.
وممّا جاء في تقدمة الدكتور محمد أديب الصالح له ص: (هـ):
"وبطريقة منهجية جامعة فَنَّدَ آراء المخالفين قديماً وحديثاً، وعرض لمواقف بعض المستشرقين والمستغربين، وكشف بالروح العلمية المنصفة مواقعهم وما وراء اتجاهاتهم من جهل وتزوير ".
وكان لهذا الكتاب على مدار الأعوام الأربعين السالفة - وما يزال -، بالغ الأثر في التمكين للسنة المشرفة، والذود عنها، ودحض الشبهات القديمة المتجددة حولها.
5 - (الأنوار الكاشفة لما في كتاب " أضواء على السنة " من الزلل والتضليل والمجازفة).
عبد الرحمن بن يحيى المُعَلِّمي اليماني رحمه الله تعالى (1313-1386هـ).
وقد صدر عن المكتبة السلفية في القاهرة عام (1378هـ) في (320) ص.
قال في مقدمته:" فإنَّه وقع إليَّ كتاب جمعه الأستاذ محمود أبو رية وسمَّاه " أضواء على السنة النبوية " فطالعته وتدبرته، فوجدت تهجماً وترتيباً وتكميلاً للمطاعن في السنة النبوية....... ورأيت من الحق عليَّ أن أضع رسالة أسوق فيها القضايا التي ذكرها أبو رية، وأعقب كل قضية ببيان الحق فيها متحرياً إن شاء الله تعالى الحق...."(1).
6- (تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها).
سليمان النَّدْوي رحمه الله تعالى (ت 1373هـ).
المكتبة السلفية، القاهرة، (1377هـ)، (51)ص.
7- (ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية).
__________
(1) ما بعد هذا الكتاب، سأكتفي بذكر المعلومات التالية حول كل كتاب: 1- عنوانه 2- مؤلفه 3- ناشره 4- مكان النشر 5- سنة النشر 6- عدد صفحاته؛ إلاّ إذا كان هناك ما يقتضي التعليق. وما ذكرته آنفاً بخصوص الكتب الخمسة المتقدمة، إنما كان لأسبقيتها وعظيم محلها وبالغ أثرها.(10/13)
محمد عبد الرازق حمزة رحمه الله تعالى (1311-1392هـ).
المكتبة السلفية، القاهرة، (1378هـ)، (333) ص.
8- (دفاع عن أبي هريرة).
عبد المنعم صالح العلي.
دار الشروق في بيروت، ومكتبة النهضة في بغداد، ط 1، (1393هـ)، (515)ص.
9- (منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يُستغنى عنها بالقرآن).
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333- 1420 هـ).
الدار السلفية، الكويت، ط 4، (1404هـ)، (23) ص.
وكانت الطبعة الأولى عام (1394هـ).
10- (اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم).
محمد لقمان السلفي.
الناشر: خاص، الرياض، (1408هـ)، (584)ص.
11- (القرآنيون و شبهاتهم حول السنة).
خادم حسين إلهي بخش.
مكتبة الصديق، الطائف - السعودية -،(1409هـ)،(482)ص.
12- (موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية).
الأمين الصادق الأمين.
مكتبة الرشد، الرياض، (1418هـ)، (2)مج.
13- (مكانة السنة في التشريع الإسلامي ودحض مزاعم المنكرين والملحدين).
محمد لقمان السلفي.
دار الداعي، الرياض، ط2، (1420 هـ) (372)ص.
الجانب الثاني: تاريخ السُّنَّة النبوية وعلومها
توطئة:
من الموضوعات التي اهتم بها العلماء والباحثون في هذه الفترة الزمنية المعاصرة، وأولوها عنايتهم،موضوع (تاريخ السنة النبوية وعلوم الحديث)، حيث عرضوا لمراحل كتابة الحديث النبوي، ثم جمعه وتدوينه ثم تصنيفه، ومناقشة ما أثير حول ذلك تفصيلاً - وبخاصة من قبل المستشرقين -، وذكر الأدوار التاريخية التي مر بها.
كما عرضوا للمراحل التي مر فيها فَنُّ (علوم الحديث)،منذ نشأته في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وما كان فيه من ظهور أصول قوانين الرواية وتوثيق الحديث سنداً ومتناً، إلى وقتنا الحاضر.
كما بحثوا طويلاً في مسألة ظهور الوضع في الحديث، وأطواره، وبيان أسبابه، ووسائل مواجهته، وجهود العلماء في مقاومته.(10/14)
كما اتجه بعضهم للتأريخ للسنة النبوية وعلومها في رقعة جغرافية من رقاع العالم الإسلامي بخصوصها، وضمن فترة زمانية محددة.
واتجه آخرون إلى التأريخ لجهود المرأة في خدمة الحديث النبوي في فترات زمانية محددة.
وينبغي أن نكون على ذُكْرٍ هنا أنَّ جانب التأريخ للسنة وعلومها في أدوارها المختلفة، كان رصيفاً للجانب الأول السابق والمتعلق بحجية السنة المطهرة ومكانتها والثقة بها ودفع الشُّبَه عنها، ومتمماً له.
فكان كلُّ جانبٍ يكمل الجانب الآخر، ويظهره، ويمكَّن له.
وسيتم تقسيم المصنفات في الجانب الثاني هذا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مصنفات تاريخ السنة وعلومها العامة.
الثاني: مصنفات تاريخ السنة وعلومها الخاصة ببلدان مخصوصة.
الثالث: المصنفات الخاصة بتاريخ جهود المرأة في السنة النبوية.
القسم الأول: مصنَّفات تاريخ السُّنَّة وعلومها العامّة.
- (السير الحثيث في تاريخ تدوين الحديث)(1).
محمد زبير الصديقي رحمه الله تعالى.
مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - الهند -، (1358هـ)، (55) ص.
2- (الحديث والمحدَّثون-أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية-).
محمد محمد أبو زهو رحمه الله تعالى (ت 1403هـ).
مطبعة مصر، القاهرة، (1378هـ)،(495)ص.
والكتاب تأريخ للسنة المشرفة في أدوارها المختلفة وحتى وقتنا المعاصر.
3- (السنة قبل التدوين).
محمد عجاج الخطيب.
مكتبة وهبة، القاهرة،(1383هـ)، (652)ص.
وهو من الدراسات الأولى في موضوعه.
4- (بحوث في تاريخ السنة المشرفة).
أكرم ضياء العمري.
مطبعة الإرشاد، بغداد، (1387هـ)، (174) ص.
__________
(1) من المناسب هنا، الإشارة إلى محاولة مبكرة لتأريخ فنون الحديث، قام بها الأستاذ محمد عبد العزيز الخولي رحمه الله تعالى (1310- 1349هـ)، حيث أصدر سنة (1339هـ) في القاهرة كتابه " مفتاح السنة أو تاريخ فنون الحديث "، في (173) ص. وهو خارج عن نطاق الفترة الزمنية للدراسة.(10/15)
وقد طُبِعَ بَعْدُ طبعات عدّة بزيادات كثيرة مفيدة.
5- (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه).
محمد مصطفى الأعظمي.
جامعة الرياض، (1396هـ)، (712)ص.
وهذه الدراسة من الدراسات الأصيلة والمتميزة في موضوعها، وهي في أصلها أطروحة علمية كتبت باللغة الإنكليزية،وقُدَّمت إلى (جامعة كمبردج) في بريطانيا عام (1386هـ).
6- (لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث).
عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى ((1336-1417هـ).
مكتب المطبوعات الإسلامية في حلب-سوريا-،ط1،(1404هـ)،(170) ص.
وصدر عن ذات المكتب عام (1417هـ)في (314)ص.
وصُلْب هذه الدراسة: التأريخ للوضع في الحديث، وذكر أطواره، وبيان أسبابه ونتائجه، وبحث أهم الأسس التي أقامها النقاد من علماء الحديث لصيانة السنة النبوية.
7- (دلائل التوثيق المُبَكِّر للسنة والحديث).
امتياز أحمد.
نُشر ضمن سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإسلامية في كراتشي - باكستان -، وطبع في القاهرة عام (1410هـ) في (629) ص.
وهذه الدراسة أصيلة جيدة، وهي في أصلها أطروحة علمية كتبت باللغة الإنكليزية، وقُدَّمت إلى (جامعة أدنبره) في اسكتلندا عام (1394هـ).
8- (صحائف الصحابة رضي الله عنهم وتدوين السنة النبوية المشرفة).
أحمد عبد الرحمن الصويَّان.
الناشر: خاص، دون ذكر مكان النشر،ط1،(1410هـ)،(276) ص.
9- (تدوين السنة النبوية، نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري).
محمد بن مطر الزهراني.
دار الهجرة، الثقبة - السعودية -، (1417هـ)، (278) ص.
10- (منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل - دراسة مقارنة -).
عزيَّة علي طه - مؤلِّفة -.
الناشر:خاص، دون ذكر مكان النشر،ط2، (1417هـ)،(582)ص.
11- (تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين).
حاكم عبيسان المطيري.
جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي،(1423هـ)، (154)ص.
القسم الثاني: مصنَّفات تاريخ السُّنَّة وعلومها الخاصة ببلدان مخصوصة.(10/16)
1- (مدرسة الحديث في مصر منذ سقوط بغداد(1) إلى نهاية القرن العاشر الهجري).
محمد رشاد خليفة.
الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة،(1403هـ)، (527) ص.
2 - (مدرسة الحديث في القَيْرَوان من الفتح الإسلامي(2) إلى منتصف القرن الخامس الهجري).
الحسين بن محمد شواط.
الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض، ط1، (1411هـ)، (2) مج في (1072) ص.
3 - (مدرسة الحديث في البصرة حتى القرن الثالث الهجري).
أمين القضاة.
دار ابن حزم،بيروت، (1419هـ)،(672)ص.
4 - (علم الحديث في مكَّة خلال العصر المملوكي).
صالح يوسف معتوق.
مؤسسة الريان، بيروت،(1421هـ)،(643) ص.
5 - (الحديث والمحدَّثون في اليمن في عصر الصحابة).
عبد الله الحميري.
مكتبة الرشد، الرياض، ط1، (1421هـ)،(3) مج في (2036)ص.
6 - (مدرسة الحديث في بلاد الشام خلال القرن الثامن الهجري).
محمد بن عزوز.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1421هـ)،(696)ص.
القسم الثالث: المصنَّفات الخاصة بتاريخ جهود المرأة في السنة النبوية.
1- (عناية النساء بالحديث النبوي - صفحات مضيئة من حياة المحدَّثات حتى القرن الثالث عشر الهجري).
مشهور آل سلمان.
دار ابن عفان، الخبر- السعودية -،ط1، (1414هـ)،(160) ص.
2 - (جهود المرأة في رواية الحديث - القرن الثامن الهجري -).
صالح يوسف معتوق.
دار البشائر الإسلامية، بيروت،ط1، (1418هـ)،(376)ص.
3 - (دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى).
آمال حسين.
سلسلة كتاب الأمة في قطر،ط1، (1420 هـ)،(203) ص.
4 - (صفحات مشرقة من عناية المرأة بصحيح الإمام البخاري - رواية ودراية -).
محمد بن عزوز.
دار ابن حزم، بيروت،ط 1، (1423هـ)، (387) ص.
__________
(1) عام (656 هـ).
(2) عام (50) للهجرة. وتقع (القيروان) الآن في تونس، على بعد (180) كلم من العاصمة.(10/17)
الجانب الثالث: علوم الحديث(1)
توطئة:
إذا كان (علم أصول الفقه) هو ميزان المعقول، فإنَّ (علم أصول الحديث) هو ميزان المنقول.
وكلا العلمين يمثل إضافة حقيقية هامة ومتفردة في التأصيل للفكر المنهجي، والتحصين الثقافي، والتميز الحضاري للمسلمين.
ففيهما وقع الردّ على تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
و(علم أصول الحديث)، بما اشتمل عليه من القواعد والقوانين المعرَّفة مجال الراوي والمروي من حيث القبول والرد؛ يمثل منهجاً نقدياً محكماً في شمولية وتوازن، تمّ به حفظ الدين الإسلامي من التحريف والتبديل من خلال حفظ (الحديث النبوي) من الخلط فيه، أو الدس والافتراء عليه.
فهو يحقق ولاء المسلم وانتماءه إلى دينه في المآل.
لقد عمل هذا العلم - ومازال، وسيبقى بمشيئة الله تعالى -، على الحيلولة دون تسلل الخرافة وتفشي البدعة في الحياة الإسلامية.
ومن ثَمَّ جاءت عناية العلماء في هذه الفترة الزمنية - في التصنيف في (علوم الحديث)، امتداداً للجهود الأصيلة لعلماء الحديث وأئمته في هذا الجانب على مدار القرون السالفة،تمكيناً وتأكيداً لتلك الغايات مجتمعة.
وإلى جانب ما تميزت به بعض المؤلفات المعاصرة في (علوم الحديث)، من تجديد في العرض أو الصياغة أو النقد أو الإضافة أو التطبيق؛
فإنَّ ربط (علوم الحديث) بحجية السنة ومكانتها وتاريخها ودفع الشُّبَه عنها، كان من السمات الرئيسة التي تميزت بها تلك المصنفات المعاصرة، وهو مما اقتضته طبيعة المرحلة - في هذه الفترة الزمنية - بطروحاتها الفكرية والعلمية، والمختلفة في بواعثها وأهدافها.
__________
(1) يطلق على (علوم الحديث) أيضاً اسم: (علم أصول الحديث) و(علم مصطلح الحديث).(10/18)
ولكثرة (أنواع علوم الحديث) التي وقفت عند الحافظ السيوطي - عبدالرحمن بن أبي بكر ت (911هـ)- في كتابه " تدريب الراوي"، عند (النوع الثالث والتسعين)- وهي قابلة للمَدََّ -، ولكثرة المصنفات في ذلك، فإنه سيتم تقسيم المصنفات في (علوم الحديث)- ضمن هذه الفترة الزمنية - إلى ستة أقسام:
القسم الأول: المصنفات الجامعة في علوم الحديث.
القسم الثاني: المعاجم الحديثية.
القسم الثالث:المصنفات المفردة في أنواع علوم الحديث. وهو أوسعها.
القسم الرابع: الجرح والتعديل وعلم الرجال.
القسم الخامس: دراسات في المنهج النقدي عند المحدَّثين.
القسم السادس: دراسات حديثية متنوعة.
القسم الأول: المصنَّفات الجامعة في علوم الحديث
1 - (شرح قصيدة "غرامي صحيح(1) " في أنواع الحديث).
بدر الدين الحسني رحمه الله تعالى (1267-1354هـ).
الطبعة الأولى في بولاق في مصر عام (1286هـ).
والثانية في دار البصائر،دمشق، (1401هـ)،(55)ص.
2 - (شرح ألفية السيوطي في علم الحديث).
أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى (1309 -1377هـ).
عيس البابي الحلبي، القاهرة -أتم كتابتها كما في آخر الشرح عام (1353هـ)-،(291) ص.
3- (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير).
أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى (1309-1377هـ).
مطبعة حجازي، القاهرة، (1356هـ)، (315)ص.
وطبع عام (1415هـ) في دار العاصمة في الرياض في (2)مج في (784) ص، بتحقيق علي بن حسن الحلبي.
4 - (علوم الحديث ومصطلحه).
صبحي إبراهيم الصالح رحمه الله تعالى (1345-1407هـ).
دار العلم للملايين، بيروت، ط1، (1378هـ). والطبعة (الرابعة عشر ة) عام (1403هـ)،(448)ص.
وهو من المؤلفات المتقدمة والرائدة في هذه الفترة الزمنية، ومن مباحثه المتميزة: (تاريخ الحديث)، و(الحديث بين الشكل والمضمون)، و (مكانة الحديث في التشريع واللغة والأدب).
__________
(1) وهي للإمام شهاب الدين أحمد بن فَرْح الإشبيلي (625-699هـ)، وهي في (عشرين) بيتاً.(10/19)
5- (المنهج الحديث في علوم الحديث).
محمد محمد السَّمَاحي رحمه الله تعالى (1325 - 1404 هـ).
والمطبوع منه:
القسم الأول: (قسم مصطلح الحديث)، دار الأنوار، القاهرة، ط1، (1382هـ)، (311)ص.
القسم الثاني: (قسم الرواية)، دار الأنوار، القاهرة، ط1، (1385هـ)، (319) ص.
القسم الثالث: (قسم الرواة)، دار العهد الجديد، القاهرة،ط1، (1391هـ)،(296)ص.
وهذا المصنَّف قصد به مؤلفه رحمه الله تعالى إلى إعداد موسوعة جامعة في علوم الحديث، وقد امتاز بحسن التقسيم والتفصيل، وخالف الطريقة الموروثة في تناول علوم الحديث وعرضها. و القارئ للكتاب بتأنٍ يلمح تناول مؤلفه لبعض مباحثه بِنَفَس الأصولي أكثر منه بِنَفَس المحدَّث.
وقد أشار رحمه الله تعالى في خاتمة القسم الثالث (الرواة)، في قائمة مؤلفاته، إلى كتابه: (المنهج الحديث في تاريخ الحديث).
القسم الأول: الحديث في عصر الرسول وصحابته.
القسم الثاني: الحديث في عصر التابعين وأتباعهم.
القسم الثالث: تدوين الحديث والمدونون.
وذكر أنها تحت الطبع، ولم أقف عليها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
6 - (المبتكر الجامع لكتابي " المختصر والمعتصر " في علوم الأثر).
عبد الوهاب عبد اللطيف رحمه الله تعالى (ت 1390هـ).
دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثامنة، (1386هـ).
7 - (أصول الحديث علومه ومصطلحه).
محمد عجاج الخطيب.
أُرَّخت طبعته الأولى عام (1387هـ).
وكانت الطبعة السادسة منه عام (1414هـ)،عن دار المنارة في جدة، في (522) ص.
ويمتاز في بابه الأول: (مدخل إلى السنة) ص (21-228)، حيث عرض لتاريخ الحديث الشريف والمراحل التي مر فيها.
8 - (منهج النقد في علوم الحديث).
نور الدين عِتْر.
دار الفكر، دمشق، ط1، (1392هـ)، (503) ص.(10/20)
وهو من الكتب المتميزة في (علوم الحديث)- في هذه الفترة الزمنية-، حيث صاغ مؤلفه (علوم الحديث) في نظرية علمية كاملة تُبرز كمال هذا العلم ودقته. وقد استفاد في تقسيمه وترتيبه وعرضه من كتاب شيخه السَّمَاحي السابق (المنهج الحديث في علوم الحديث).
9- (تيسير مصطلح الحديث).
محمود الطحان.
مطبعة المدينة، الرياض،(01396هـ)، (240) ص.
10- (الوسيط في علوم ومصطلح الحديث).
محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى (1332-1403هـ).
عالم المعرفة، جدة - السعودية - ط1، (1403هـ)،(799) ص.
11- (التقريرات السنية في شرح المنظومة البيقونية).
حسن محمد المشَّاط رحمه الله تعالى (1317-1399هـ).
مكتبة طيبة، المدينة المنورة، (1404هـ)،(32)ص.
12- (شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث).
عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى (ت1422هـ).
دار الفلاح،- حلب - سورية -، دون تاريخ الطبع، (223) ص.
وممّا يلتحق بالقسم الأول: (المصنفات الجامعة في علوم الحديث).
13- (قواعد في علوم الحديث).
ظَفَر أحمد العثماني التهانوي رحمه الله تعالى (1310-1394هـ).
الطبعة الأولى في الهند عام (1348هـ).والثالثة عام (1392هـ) عن مكتب المطبوعات الإسلامية في حلب - سورية - بتحقيق وتعليق عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، في (553) ص.
14- (نظرات جديدة في علوم الحديث - دراسة نقدية مقارنة بين الجانب التطبيقي لدى المتقدمين والجانب النظري عند المتأخرين-).
حمزة عبد الله المليباري.
المكتبة المكية في مكة المكرمة، ودار ابن حزم في بيروت، ط1، (1416 هـ)، (106) ص.
15- (المنهج المقترح لفهم المصطلح-دراسة تأريخية تأصيلية لمصطلح الحديث-).
الشريف حاتم بن عارف العوني.
دار الهجرة، الرياض، ط1، (1416هـ)، (310)ص.
القسم الثاني: المعاجم الحديثية
1- (معجم المصطلحات الحديثية).
نور الدين عِتْر.
مجمع اللغة العربية، دمشق،(1397هـ)،(127) ص.(10/21)
وقد ترجمه وصاغه بالفرنسية: عبد اللطيف الصباغ، وداود عبد الله كريل.
2 - (معجم مصطلحات توثيق الحديث).
علي زوين.
عالم الكتب،ومكتبة النهضة العربية، بيروت، ط1،(1407هـ)،(96) ص.
3 - (قاموس مصطلحات الحديث النبوي).
محمد صديق المنشاوي.
دار الفضيلة، القاهرة، (1416هـ)،(144) ص.
4- (معجم مصطلحات الحديث).
سليمان الحرش، وحسين الجمل.
مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، (1417هـ)، (171)ص.
5- (معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد).
محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
أضواء السلف،الرياض- السعودية -،ط1، (1420 هـ)، (563)ص.
6- (معجم علوم الحديث النبوي).
عبد الرحمن الخميسي.
دار الأندلس الخضراء،جدة - السعودية -،ط1،(1421هـ)،(284) ص.
القسم الثالث: المصنَّفات المفردة في أنواع علوم الحديث.
وتنقسم إلى الأنواع التالية:
الأول: العلوم المعرَّفة بحال الراوي.
الثاني: العلوم التي تبين شخص الراوي.
الثالث: علوم رواية الحديث.
الرابع: علوم الحديث من حيث القبول والرد.
الخامس: علوم المتن.
السادس: علوم السند من حيث الاتصال والانقطاع.
السابع: العلوم المشتركة بين السند والمتن.
النوع الأول: العلوم المعرَّفة بحال الراوي.
أولاً: (تعريف الرواة وألقابهم العلمية).
1- (هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث).
محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله تعالى (1295ـ 1363هـ).
دار البشائر الإسلامية، بيروت، (1410هـ)،(44) ص.
2- (أمراء المؤمنين في الحديث).
عبد الفتاح أبو غُدَّة رحمه الله تعالى (1336-1417هـ).
مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب - سورية -،ط1،(1411هـ).
طُبع مع كتاب جواب "الحافظ أبي عبد الله العظيم المنذري عن أسئلة الجرح والتعديل" بتحقيق المؤلف، وهو فيه من صفحة (100 - 156).
3- (السراج المنير في ألقاب المحدَّثين).
سعد فهمي أحمد بلال.
مكتبة التوبة، الرياض - السعودية -،ط1، (1417هـ)،(460) ص.
ثانياً: (الصحابة).(10/22)
1- (صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم في الكتاب والسنة).
عيادة أيوب الكبيسي.
دار القلم، دمشق، ط1، (1407هـ)، (399) ص.
ثالثاً: (من اختلط في آخر عمره).
1 - (نهاية الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط).
علاء الدين علي رضا.
دار المعرفة، بيروت، (1408 هـ)، (400) ص.
رابعاً: (المُدَلِّسُون).
1- (التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس).
عبد العزيز بن محمد بن الصَّدَّيق الغُمَاري رحمه الله تعالى(1338- 1418هـ).
مؤسسة الرسالة، بيروت، (1404هـ)،(122) ص.
2- (إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ).
حمَّاد بن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى (1343ـ 1418هـ).
مكتبة المعلا، الكويت، (1416هـ)، (63) ص.
النوع الثاني: (العلوم التي تُبَيَّن شخص الراوي).
أولاً: (طبقات الرواة).
1- (طبقات النساء المحدَّثات من الطبقة الأولى إلى الطبقة السادسة).
عبد العزيز سيد الأهل.
الناشر: خاص، دون ذكر مكان الطبع،(1401هـ)، (207) ص.
دار الثقافة للطباعة، مكة المكرمة، ط2، (1410هـ)،(108)ص.
2- (علم طبقات المحدَّثين - أهميته وفائدته-).
أسعد سالم تميم.
مكتبة الرشد، الرياض، ط1، (1415هـ)، (224)ص.
ثانياً: (ألقاب الرواة).
1- (فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدَّثين بالألقاب).
حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى (1343- 1418هـ).
مؤسسة الرسالة، بيروت، (1406هـ)، (151) ص.
2- (تسمية من لُقَّب بالطويل).
يحيى بن عبد الله الشهري.
أضواء السلف، الرياض - السعودية -، (1419هـ)، (152)ص.
النوع الثالث: علوم رواية الحديث.
أولاً: (آداب المحدَّث وآداب طالب الحديث).
1- (من أدب المحدَّثين في التربية والتعليم).
أحمد محمد نور سيف.
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي - الإمارات العربية المتحدة -،ط2، (1418هـ)، (338) ص.
ثانياً: (صفة رواية الحديث).
1- (مناهج المحدَّثين في رواية الحديث بالمعنى).
عبد الرزاق الشايجي، والسيد محمد نوح.(10/23)
دار بن حزم، بيروت، ط1، (1419هـ)، (93) ص.
النوع الرابع: علوم الحديث من حيث القبول والرد.
أ- أنواع الحديث المقبول.
أولاً: (الحديث الصحيح).
1- (الحديث الصحيح ومنهج علماء المسلمين في التصحيح).
عبد الكريم إسماعيل صبَّاح.
مكتبة الرشد، الرياض، ط1، (1419هـ)، (408) ص.
2- (الحديث الصحيح ـ تعريفه، أقسامه، مراتبه، مظانه -).
أحمد خليل عبد العال محمود.
مطبعة نادر، أسوان - مصر -،(1420هـ)، (293) ص.
3- (مسألة التصحيح والتحسين في الأعصار المتأخرة في علوم الحديث -دراسة نظرية تطبيقية -).
عبد الرزاق الشايجي.
دار بن حزم، بيروت، ط1، (1420هـ)، (138) ص.
ثانياً: الحديث الحسن.
1- (مناهج المحدَّثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة).
المرتضى الزين أحمد.
مكتبة الرشد، الرياض -السعودية-، ط1،(1415هـ)،(477) ص.
2- (الحسن بمجموع الطرق في ميزان الاحتجاج بين المتقدمين والمتأخرين).
عمرو عبد المنعم سليم.
دار الضياء، طنطا - مصر -،صدر عام (1424هـ)، (213) ص.
ب: أنواع الحديث المردود.
أولاً: الحديث الضعيف.
1- (الانشراح لبيان بعض علوم الحديث والاصطلاح- الضعيف وأنواعه -).
أحمد خليل عبد العال محمود.
الناشر: خاص، مصر، (1415هـ)، (470) ص.
2- (الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به).
عبد الكريم بن عبد الله الخضير.
دار المسلم، الرياض، ط1،(1417هـ)، (490) ص.
ثانياً: (الحديث الموضوع).
1- (الوضع في الحديث).
عمر بن حسن عثمان فَلاَّتة.
مكتبة الغزالي، دمشق، ط1، (1401هـ)، (3) مج.
2- (الوضع والوضاعون في الحديث النبوي).
عبد الصمد بن بكر عابد.
دار الفضيلة، القاهرة، تاريخ المقدمة: (1410هـ)، (192) ص.
3- (مسألة الإمامة والوضع في الحديث عند الفرق الإسلامية).
محسن عبد الناظر.
الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، (1403هـ)، (578)ص.
النوع الخامس: علوم المتن.
أولاً: (الحديث القدسي).
1- (الأحاديث القدسية في دائرة الجرح والتعديل ومصادرها،وأدوار تدوينها).(10/24)
عبد الغفور البلوشي.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1414هـ)، (76) ص.
2 - (الأحاديث القدسية ومنزلتها في التشريع).
شعبان محمد إسماعيل.
دار المريخ، الرياض - السعودية -، (1402 هـ)، (187) ص.
3- (جامع الأحاديث القدسية - موسوعة جامعة مشروحة ومحققة).
عصام الدين بن سيد الصبابطي.
دار الريان للتراث، القاهرة، (1409هـ)، (3) مج في (6)ج.
واشتمل على (1150) حديثاً.
4- (معجم الأحاديث القدسية الصحيحة).
كمال بن بسيوني الأبياني المصري.
مكتبة السنة، القاهرة، (1412 هـ)، (438) ص.
5- (الأحاديث القدسية الضعيفة والموضوعة).
أحمد بن أحمد العيسوي.
دار الصحابة للتراث، طنطا - مصر -، (1413 هـ)،(163) ص.
ثانياً: (الحديث المرفوع).
1- (ماله حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم).
محمد بن مطر الزهراني.
دار الخضيري، المدينة المنورة، (1418هـ)، (93) ص.
2- (المرفوع وصيغ الرفع).
عبد الله أبو السعود بدر.
دار ابن حزم، بيروت، (1421هـ)، (161) ص.
ثالثاً (أسباب ورود الحديث (.
1 - (أسباب ورود الحديث - تحليل وتأسيس -).
محمد رأفت سعيد.
سلسلة كتاب الأمة، قطر، ط1، (1414هـ)، (158) ص.
2- (علم أسباب ورود الحديث وتطبيقاته عند المحدثين والأصوليين، وجمع طائفة مما لم يصنَّف من أسباب الحديث).
طارق أسعد الأسعد.
دار ابن حزم، بيروت، ط1، (1422هـ)، (545) ص.
رابعاً: (مختلف ومشكل الحديث).
1- (التأليف بين مختلف الحديث).
محمد رشاد خليفة.
الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، ط 2،(1405هـ)، (348) ص.
2- (مختلف الحديث وموقف النقاد والمحدثين منه).
أسامة عبد الله الخياط.
مطابع الصفا، مكة المكرمة، ط1، (1406هـ)، (486) ص.
3- (منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث وأثره في الفقه الإسلامي).
عبد المجيد السُّوسوة.
دار النفائس، عمان - الأردن -، ط1، (1418هـ)، (615) ص.
خامساً: (ناسخ الحديث ومنسوخه).
1- (النسخ في السنة بين النظرية والتطبيق).(10/25)
سيد أحمد عبد الحميد كشك.
مكتبة الزهراء، القاهرة، (1418هـ)، (198) ص.
النوع السادس:علوم السند من حيث الاتصال والانقطاع.
القسم الأول: علوم السند من حيث الاتصال.
أولاً: (الحديث المعنعن).
1- (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين).
خالد منصور الدريس.
مكتبة الرشد وشركة الرياض،الرياض- السعودية -،ط1، (1416هـ)، (614) ص.
2- (إجماع المحدِّثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين).
الشريف حاتم بن عارف العوني.
دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط1، (1421هـ)، (179) ص.
ثانياً: (الحديث المسلسل).
1- (الآيات البينات في شرح وتخريج الأحاديث المسلسلات).
عبد الحفيظ بن محمد الفِهْري الفاسي رحمه الله تعالى (1296-1383هـ).
المطبعة الوطنية، الرباط - المغرب -،(1352هـ)، (300) ص.
2- (المناهل السَّلْسَلَة في الأحاديث المسلسلة).
عبد الباقي بن علي الأيوبي الأنصاري رحمه الله تعالى (1286ـ1364هـ).
مكتبة القدسي، القاهرة، ط1، (1357هـ)، (230) ص.
ثم طبع في دار الكتب العلمية، بيروت، (1403هـ)، في (414) ص.
3- (العجالة في الأحاديث المسلسلة).
محمد ياسين الفاداني المكي رحمه الله تعالى (1335-1410هـ).
دار البصائر، دمشق، ط2، (1405هـ)، (128) ص.
القسم الثاني: علوم السند من حيث الانقطاع.
أولاً: (الحديث المرسل).
1- (المرسل من الحديث وآراء الأئمة فيه).
محمد بن مصطفى الغدامسي.
دارف المحدودة، لندن - بريطانيا-، دون تاريخ الطبع، (201) ص.
وهو رسالة علمية قدَّمت إلى دار الحديث الحسنية في الرباط-المغرب-، عام (1396هـ).
2- (الحديث المرسل مفهومه وحجيته).
خلدون محمد سليم الأحدب.
دار البيان العربي، جدة- السعودية -،ط1، (1404هـ)، (103) ص.
3- (الحديث المرسل بين القبول والرد).
حصة بنت عبد العزيز الصغير.
دار الأندلس الخضراء، جدة- السعودية-، ط1، (1420هـ)، (2) مج (796) ص.(10/26)
ثانياً: (الحديث المدلَّس).
1- (التدليس في الحديث - حقيقته وأقسامه وأحكامه ومراتبه
والموصوفون به-).
مسفر بن غرم الله الدميني.
الناشر: خاص، السعودية، ط1، (1412هـ)، (483) ص.
2- (منهج المتقدمين في التدليس).
ناصر بن حمد الفهد.
أضواء السلف،الرياض- السعودية -،ط1، (1422هـ)، (257) ص.
3- (ضوابط قبول عنعنة المدلَّس -دراسة نظرية تطبيقية-).
عبد الرزاق الشايجي.
جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي، ط1، (1423هـ)، (350) ص.
رابعاً: (المرسل الخفي).
1- (المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس - دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن البصري -).
الشريف حاتم بن عارف العوني.
دار الهجرة، الرياض- السعودية -، ط1، (1418هـ)، (4) مج (1968) ص.
النوع السابع: العلوم المشتركة بين السند والمتن.
أولاً: (الحديث المتواتر).
1- (الحديث المتواتر).
خليل إبراهيم مُلاّ خاطر.
دار الوفاء، جدة - السعودية -،ط1، (1404هـ)، (93) ص.
2 - (عيون الآثار فيما تواتر من الأحاديث والأخبار).
محمد الناصر الكَتَّاني رحمه الله تعالى (1334-1394هـ).
مطابع النجاح، الدار البيضاء - المغرب -، (1417هـ)، (445) ص.
ثانياً: (حديث الآحاد).
1- (وجوب الأخذ بحديث الآحاد).
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333ـ1420هـ).
الدار السلفية، الكويت، (1401هـ)، (50) ص.
2 - (حديث الآحاد - المشهور،العزيز،الغريب-).
خليل إبراهيم مُلاّ خاطر.
دار الوفاء، جدة - السعودية-، ط1، (1407هـ)، (129) ص.
3- (أخبار الآحاد في الحديث النبوي-حجيتها،مفادها،العمل بموجبها-).
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
دار طيبة، الرياض- السعودية -، ط1، (1408هـ)، (154) ص.
4- (خبر الواحد وحجيته).
أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطي.
الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، المجلس العلمي،(1413هـ)، (216)ص.
ثالثاً: (الحديث المضطرب).
1- (المقترب في بيان المضطرب - تعريفه، قواعده، أمثلته، والرجال الموصوفون بالاضطراب-).(10/27)
أحمد بن عمر بازمُول.
دار الخراز في جدة، ودار بن حزم في بيروت، ط1، (1422هـ)، (489) ص.
رابعاً: (الحديث المعلَّل).
1- (العلل في الحديث - دراسة منهجية في ضوء شرح علل الترمذي لابن رجب-).
همَّام عبد الرحيم سعيد.
دار العدوي، عمان - الأردن -،ط1، (1400هـ)، (319) ص.
2- (الحديث المعلل).
خليل إبراهيم مُلاّ خاطر.
دار الوفاء، جدة - السعودية -، ط1، (1406هـ)، (74) ص.
3- (الحديث المعلول - قواعد وضوابط -).
حمزة عبد الله المليباري.
المكتبة المكية في مكة المكرمة،ودار ابن حزم في بيروت، ط1، (1416هـ)، (104) ص.
خامساً: (المصحَّف).
1 - (التصحيف وأثره في الحديث والفقه وجهود المحدثين في مكافحته).
أسطيري جمال.
دار طيبة، الرياض - السعودية -،ط1، (1415هـ)، (550)ص.
سادساً: (زيادة الثقة).
1- (زيادة الثقة وما يتعلق بها من أحكام).
محمد رأفت سعيد.
دار المنار، القاهرة، (1411هـ)، (57) ص.
2- (هداية الحديثي إلى فني المزيد في متصل الأسانيد والمرسل الخفي).
رضا زكريا حميدة.
الناشر: خاص، مصر، (1416هـ)، (243) ص.
سابعاً: (التابع والشاهد).
1- (الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات).
طارق بن عوض الله.
مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، (1417هـ)، (494) ص.
القسم الرابع: الجرح والتعديل وعلم الرجال.
ويشتمل هذا القسم على خمسة أنواع:
الأول: المصنفات في أصول الجرح والتعديل وعلم الرجال.
الثاني: المصنفات في ألفاظ ومصطلحات الجرح والتعديل.
الثالث: المصنفات في مناهج الجرح والتعديل الخاصة بأفراد أئمة الجرح والتعديل.
الرابع: المصنفات في الدراسات المختلفة في الجرح والتعديل وعلم الرجال.
الخامس: المصنفات في الرواة.
النوع الأول: المصنفات في أصول الجرح والتعديل(10/28)
وعلم الرجال(1).
1- (علم الرجال وأهميته).
عبد الرحمن المعلِّمي اليماني رحمه الله تعالى (1313-1386هـ).
دار البصائر، دمشق، ط2،(1401هـ)، (64) ص.
2- (دراسات في الجرح والتعديل).
محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط1،(1415هـ)،(543) ص.
3-(علم الرجال-نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع-).
محمد بن مطر الزهراني.
دار الهجرة، الرياض، ط1، (1417هـ)، (624) ص.
4- (نظرية نقد الرجال ومكانتها في ضوء البحث العلمي - دراسة تأصيلية تطبيقية في علم الجرح والتعديل-).
عماد الدين محمد الرشيد.
دار الشهاب، دمشق،ط1، (1420هـ)، (451) ص.
5 - (أصول الجرح والتعديل وعلم الرجال).
نور الدين عِتْر.
دار اليمامة، دمشق، (1422 هـ)، (206) ص.
-ويلتحق بالنوع الأول هذا(أصول الجرح والتعديل وعلم الرجال): المصنفات (في فن دراسة الأسانيد)، ومنها:
6- (منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها).
وليد بن حسن العاني رحمه الله تعالى (1375ـ1416هـ).
دار النفائس، عمان - الأردن -، ط1، (1418هـ)، (215) ص.
7- (دراسة الأسانيد).
عبد العزيز بن عبد الرحمن العثيم رحمه الله تعالى (1367ـ1412هـ)، وعطا الله بن عبد الغفار السندي.
أضواء السلف، الرياض، ط1، (1419هـ)، (494) ص.
8- (ضوابط الجرح والتعديل)
للدكتور عبدالعزيز بن محمد العبد اللطيف (ت 1421هـ).
9- (التأسيس في فن دراسة الأسانيد).
عمر إيمان أبو بكر.
__________
(1) من المناسب أن يشار هنا إلى كتاب الإمام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي رحمه الله تعالى (1264 - 1304 هـ): " الرفع والتكميل في الجرح والتعديل "، فهو مع التعليقات الحافلة عليه للشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى (1336 - 1417 هـ)، من أوائل وأبرز المصنفات في موضوع (أصول الجرح والتعديل). وقد طبع طبعته الثالثة في بيروت عام (1407 هـ) عن مكتب المطبوعات الإسلامية في حلب - سورية -، ويقع في (564) ص.(10/29)
مكتبة المعارف،الرياض-السعودية-،ط1،(1422هـ)، (494) ص.
النوع الثاني: المصنفات في ألفاظ ومصطلحات الجرح والتعديل.
1- (شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال).
سعدي الهاشمي.
طبع الجزء الأول في المطبعة السلفية في القاهرة في (143) ص، من دون تاريخ.
وطبع الجزء الثاني في مطابع الصفا في مكة المكرمة، وتاريخ مقدمته: (1408هـ)، في (346) ص.
2 - (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل).
مصطفى بن إسماعيل.
مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، (1411 هـ)، (550) ص.
3- (قول البخاري سكتوا عنه).
مسفر بن غرم الله الدميني.
الناشر: خاص، الرياض، ط1، (1412هـ)، (225) ص.
النوع الثالث: المصنفات في مناهج الجرح والتعديل الخاصة بأفراد أئمة الجرح والتعديل.
1- (الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال).
إكرام الله إمداد الحق.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1413هـ)، (775) ص.
2- (الفَلاَّس(1) منهجه وأقواله في الرواة).
محمد فاضل أحمد معلوم.
مطبعة المحمودية،المدينة المنورة، ط1، (1413هـ)،(365) ص.
3- (ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي رحمه الله-جمعاً ودراسةً -).
محمد الثاني بن عمر بن موسى.
سلسلة إصدارات الحكمة في بريطانيا،ط1،(1421هـ)،(2) مج (1030)ص.
4- (منهج الإمام أبي عبد الرحمن النَّسَائي في الجرح والتعديل وجمع أقواله في الرجال).
قاسم علي سعد.
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي - الإمارات العربية المتحدة -، ط1، (1422هـ)، (5) مج، (2420) ص.
النوع الرابع: المصنفات في الدراسات المختلفة في الجرح والتعديل وعلم الرجال.
1- (مباحث في علم الجرح والتعديل).
قاسم علي سعد.
__________
(1) هو الإمام الناقد أبو حفص عمرو بن علي بن بَحْر الفَلاَّس - (ت 294 هـ) -. قال الحافظ الذهبي عنه في رسالته: " ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل " ص 174: " وكان يُنَظَّرُ بابن المديني ".(10/30)
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1408هـ)، (181) ص.
2- (الاستبصار في نقد الأخبار).
عبد الرحمن المعلِّمي اليماني رحمه الله تعالى (1313 - 1386هـ).
دار أطلس،الرياض - السعودية -، (1417هـ)، (63) ص.
3- (المُزَكُّون لرواة الأخبار عند الإمام ابن أبي حاتم).
هشام بن عبد العزيز الحَلاّف.
دار عالم الفوائد، مكة المكرمة،ط1، (1419هـ)، (166) ص.
4- (الجرح والتعديل في المدرسة المغربية الحديثة).
إبراهيم بن الصَّدَّيق الغُمَاري.
سلسلة دعوة الحق في المغرب، (1422هـ)، (409) ص.
النوع الخامس: المصنفات في الرواة.
1 - (تراجم الأحبار من رجال شرح معاني الآثار).
محمد أيوب المظاهري.
مكتبة إشاعة العلوم، سهارنفور - الهند -،فرغ من المسودة عام (1317هـ) كما في مقدمته، (4) مج.
2 - (الرواة الذين وثقهم الذهبي في ميزان الاعتدال وقد تكلم فيهم بعض النقاد من حيث البدعة).
محمد إبراهيم شحاذة الموصلي.
دار القبلة، جدة - السعودية-، تاريخ المقدمة:(1406هـ)، (210) ص.
3- (رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق
والتجهيل).
عداب محمود الحمش.
دار حسان،ودار الأماني،الرياض - السعودية -،ط2،(1407هـ)، (262) ص.
4 - (معجم الجرح والتعديل لرجال السنن الكبرى - مع دراسة إضافية لمنهج البيهقي في نقد الرواة في ضوء السنن الكبرى).
نجم عبد الرحمن خلف.
دار الراية، الرياض - السعودية -، ط1، (1409هـ)،(271) ص.
5- (السلسبيل فيمن ذكرهم الترمذي بجرح أو تعديل).
محمد عبد الله الشنقيطي.
مؤسسة المؤتمن، الرياض- السعودية -، ط1،(1415هـ)، (272) ص.
6- (بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني).
حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى (1343هـ - 1418هـ).
مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، (1415 هـ)، (394)ص.
7 - (تحرير تقريب التهذيب).
شعيب الأرنؤوط، وبشار عواد معروف.
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1417 هـ)، (4) مج.(10/31)
8- (الثقات الذين ضُعَّفُوا في بعض شيوخهم).
صالح بن حامد الرفاعي.
دار الخضيري، المدينة المنورة، ط2، (1418هـ)،(319) ص.
9 - (ذيل لسان الميزان).
الشريف حاتم بن عارف العوني.
دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط1، (1418 هـ)، (270) ص.
10 - (رجال الحاكم في المستدرك).
مقبل بن هادي الوادعي.
دار الحرمين، القاهرة، ط1، (1419 هـ)، (2) مج.
وترجم في لـ (1937) راوياً.
11 - (تراجم رجال الدارقطني في "سننه" الذين لم يُترجم لهم في "التقريب" ولا في "رجال الحاكم").
مقبل بن هادي الوادعي.
دار الآثار، صنعاء - اليمن -، ط1،(1420 هـ)، (564) ص.
وترجم فيه لـ (1385) راوياً.
12 - (الرواة الذين ترجم لهم ابن حِبَّان في المجروحين وأعادهم في الثقات
- جمع ودراسة وتحليل -).
مبارك سيف الهاجري.
جامعة الكويت،مجلس النشر العلمي،ط1،(1421هـ)،(396)ص.
وقد بلغوا (159) راوياً.
- وقد صُنِّفَ في (زوائد الرجال):
13- (زوائد التهذيب على التقريب).
إبراهيم بن عبد الله الحازمي.
دار الشريف، الرياض - السعودية -، (1422هـ)، (187) ص.
14- (زبدة تعجيل المنفعة لمن يريد زوائد رجال الأئمة الأربعة).
أحمد شاغف.
دار الوطن، الرياض - السعودية -، (1420هـ)، (215) ص.
والمراد بـ (الأئمة الأربعة): أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، رحمهم المولى تعالى.
15- (زوائد رجال صحيح ابن حِبَّان على الكتب الستة).
يحيى بن عبد الله الشهري.
مكتبة الرشد،الرياض- السعودية-،ط1،(1422هـ)،(6) مج (3434) ص.
ويشتمل على (748) ترجمة.
القسم الخامس: دراسات في المنهج النقدي عند المحدَّثين.
1- (منهج النقد عند المحدثين نشأته وتاريخه-ويليه كتاب التمييز للإمام مسلم).
محمد مصطفى الأعظمي.
شركة الطباعة العربية السعودية،الرياض،ط 2، (1402هـ)، (149) ص.
ويليه كتاب " التمييز " في (80) ص.
2- (منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي).
صلاح الدين الإدلبي.(10/32)
دار الآفاق الجديدة،بيروت،ط1، (1403هـ)، (375) ص.
3- (مقاييس نقد متون السنة).
مسفر بن غرم الله الدميني.
الناشر: خاص، الرياض- السعودية -، ط1، (1404هـ)، (565) ص.
4- (أسباب اختلاف المحدَّثين - دراسة نقدية مقارنة حول أسباب الاختلاف في قبول الأحاديث وردّها -).
خلدون محمد سليم الأحدب.
الدار السعودية، جدة، ط1، (1405هـ)، (2) مج (753) ص.
5- (دراسات في مناهج المحدَّثين - دراسة تحليلية لمناهج مشاهير المحدَّثين من العهد النبوي إلى وقتنا الحاضر).
محمد محمود أحمد هاشم.
مكتب مهيب للطباعة، المنصورة - مصر-، (1413هـ)، (321) ص.
6- (الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها).
حمزة عبد الله المليباري.
المكتبة المكية في مكة المكرمة، ودار بن حزم في بيروت، ط1، (1416هـ)، (102) ص.
7- (منهج النقد عند المحدَّثين مقارناً بالمنهج النقدي الغربي).
أكرم ضياء العمري.
دار إشبيليا، الرياض - السعودية-، (1417هـ)، (58) ص.
8- (دراسات في منهج النقد عند المحدَّثين).
محمد علي قاسم العمري.
دار النفائس،عمان - الأردن-، ط 1،(1420هـ)، (471) ص.
9- (مناهج المحدَّثين).
سعد بن عبد الله آل حميد.
دار علوم السنة، الرياض- السعودية -، ط 1،(1420هـ)، (276) ص.
10- (القواعد والمسائل الحديثية المختلف فيها بين المحدَّثين وبعض الأصوليين وأثر ذلك في قبول الأحاديث أو ردها).
أميرة بنت علي الصاعدي.
مكتبة الرشد، الرياض - السعودية-، ط1،(1421هـ)، (488) ص.
القسم السادس: دراسات حديثية متنوعة.
1- (أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم).
محمد عَوَّامة.
مطبعة محمد هاشم الكتبي،دمشق،ط1، (1398هـ)، (141) ص.
وصدرت ط4،عن دار البشائر الإسلامية في بيروت، عام (1418هـ) في (236) ص.
2- (عناية المحدَّثين بتوثيق المرويات وأثر ذلك في تحقيق المخطوطات).
أحمد محمد نور سيف.
دار المأمون للتراث، دمشق، ط 1، (1407هـ)، (97) ص.(10/33)
3- (الإسناد من الدين، وصفحة مشرفة من تاريخ سماع الحديث
عند المحدَّثين).
عبد الفتاح أبو غُدَّة رحمه الله تعالى (1336- 1417هـ).
مكتب المطبوعات الإسلامية،حلب- سورية -،ط1،(1412هـ)، (225) ص.
4- (الإضافة - دراسات حديثية -).
محمد بن عمر بازمُول.
دار الهجرة، الرياض - السعودية-،ط1،(1415هـ)، (448)ص.
الجانب الرابع: دراسات في أئمة الحديث وآثارهم، وبيان أثرهم في الحديث وعلومه
توطئة:
من الجوانب التي استأثرت باهتمام كثيرٍ من الدارسين المعاصرين في السنة المطهرة وعلومها، جانب إفراد أئمة الحديث بالدراسة التاريخية التحليلية النقدية، وبيان جهودهم وأثرهم في الحديث الشريف.
وقد حققت هذه الدراسات عدّة أغراض لعلّ من أهمها:
أولاً: إنها أوفت ببعض حق هؤلاء الأئمة: قُوَّام الشريعة، وحُفَّاظ الدين، وورَّاث الأنبياء، بذكر أخبارهم، ونشر مآثرهم، والوقوف على آثارهم،وبيان منازلهم.
وفي هذا الإبراز أيضاً: نُصْحٌ للأمّة لتقتدي بسيرهم،وتقتفي أثرهم،في إقامة هذا الدين في الأرض والتمكين له، والمحافظة عليه من خلال نشر حقائقه،وإظهار محاسنه، وتيسير موارده.
فهذه السَّيَرُ: قوادحُ للعزائم، مشَاحِذُ للهمم، فيها التعشق للعِلْم، والإخلاص فيه، والصبر عليه، والنبوغ فيه، والتخلق بأخلاقه، والوقوف عند حدوده.
ثانياً: إنها تأريخ منهجي نقدي مُفصَّلٌ للسنة النبوية وعلومها من خلال أعلامها وآثارهم في فترات زمانية ومكانية محدودة، يمكن جمعه ورصفه متسلسلاً ليكون تاريخاً نقدياً جامعاً فيما بعد للسنة المطهرة وعلومها.
ثالثاً: التمكين للنظر النقدي والمقارن الذي يحتاج إلى رسوخ، وسعة اطلاع، ومَلَكة ودراية وأدب وإنصاف.
وتنقسم هذه الدراسات إلى قسمين:
الأول: مصنفات شاملة تتناول سيرة المترجَم له، مع دراسة آثاره في الحديث وعلومه جميعاً، والتعرف على منهاجه، وبيان أثره في علم الحديث.(10/34)
مع ملاحظة أنَّ بعض المصنَّفين لم ينصّوا في عناوين دراساتهم على الأمر الأخير المتعلق ببيان الأثر، وإنْ جاء متضمناً فيما عرضوا له من موضوعات ومباحث غالباً.
الثاني: مصنفات مختصة في دراسة منهج إمامٍ من أئمة الحديث في كتابٍ من كتبه المشهورة في هذا العلم، إلى جانب الترجمة له ابتداء.
القسم الأول: المصنفات الشاملة.
1- (أبو جعفر الطحاوي وأثره في الحديث).
عبد المجيد محمود.
الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، (1395هـ)، (372) ص.
2- (الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث).
محمود الطحان.
دار القرآن الكريم، بيروت، ط1، (1401هـ)، (508) ص.
3- (بدر الدين العَيْنِي وأثره في علم الحديث).
صالح يوسف معتوق.
دار البشائر الإسلامية،بيروت،ط1،(1407هـ)، (336) ص.
4-(الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث).
خليل إبراهيم قوتلاي.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1408هـ)، (495) ص.
5- (الحافظ ابن حجر العسقلاني - أمير المؤمنين في الحديث-).
عبد الستار الشيخ.
دار القلم، دمشق، ط1، (1412هـ)، (637) ص.
6- (الإمام النووي وأثره في الحديث وعلومه).
أحمد عبد العزيز قاسم الحداد.
دار البشائر الإسلامية، بيروت،ط 1،(1413هـ)، (791) ص.
7- (ابن أبي حاتم الرازي وأثره في علوم الحديث).
رفعت فوزي عبد المطلب.
مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1،(1415هـ)، (369) ص.
8- (الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي وجهوده في الحديث وعلومه).
بديع السيد اللحام.
دار قتيبة، دمشق، ط1، (1415هـ)، (553) ص.
9- (شيخ الإسلام بن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه).
عبد الرحمن الفريوائي.
دار العاصمة، الرياض- السعودية-،ط 1،(1416هـ)،(4)مج.
10- (الحافظ السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه).
بدر بن محمد العَمَّاش.
مكتبة الرشد،الرياض -السعودية -،(1421هـ)،(2) مج (926) ص.
القسم الثاني: المصنفات المختصة بدراسة كتابٍ من كتب …السنة المشهورة.(10/35)
1- (الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين).
نور الدين عِتْر.
مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،القاهرة،(1390هـ)،(512) ص.
2-(الإمام ابن الجوزي وكتابه الموضوعات).
محمود أحمد القيسية.
شركة أبو ظبي للطباعة-الإمارات العربية المتحدة -،(1403هـ)،(434)ص.
3- (الصناعة الحديثية في السنن الكبرى للإمام البيهقي).
نجم عبد الرحمن خلف.
دار الوفاء، المنصورة - مصر-،ط1،(1412هـ)، (718) ص.
4- (المدخل إلى شرح السنة للإمام البغوي).
علي بن عمر با دحدح.
دار الأندلس الخضراء، جدة - السعودية -، ط1، (1415هـ)، (2مج) (985) ص.
والكتاب دراسة عن الإمام البغوي ومنهجه في كتابه" شرح السنة".
5-(الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح وأثره في علم الحديث).
مشهور بن حسن آل سلمان.
دار الصميعي، الرياض - السعودية-،ط1، (1417هـ)،(2مج).
6- (الإمام ابن ماجه وكتابه السنن).
محمد عبد الرشيد النعماني رحمه الله تعالى (1333- 1420هـ).
مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب- سورية-، (1419 هـ)، (392)ص.
7-(منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح).
أبو بكر كافي.
دار ابن حزم، بيروت، ط1، (1421 هـ)، (395)ص.
8-(ابن عدي ومنهجه في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال).…
زهير عثمان علي نور.
مكتبة الرشد، الرياض - السعودية -، ط1، (1422 هـ)، (2)مج.
9-(الإمام الترمذي ومنهجه في كتابه الجامع- دراسة نقدية تطبيقية-).
عداب محمود الحمش.
دار الفتح، عمان- الأردن -،ط1،(1423 هـ)،(3) مج(1451) ص.
الجانب الخامس: المجاميع الحديثية
توطئة:(10/36)
إنَّ التصنيف في هذا الجانب المتمثل في الجمع بين بعض كتب الحديث النبوي وفق طرائق من التنظيم والترتيب والتخريج - والشرح أحياناً-، في هذه الفترة الزمنية، كان امتداداً لجهود كبيرة سبقت في هذا المضمار(1)، لجمع السنة النبوية وتقريبها وتيسيرها وتذليل صعابها.
وكان لبعض تلك (المجاميع الحديثية)، من مثل " جامع الأصول(2)" لابن الأثير الجَزَري - المبارك بن محمد (ت 606هـ) -، و"جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأقوم سَنَن(3)" لابن كثير الدمشقي- إسماعيل بن عمر (ت774هـ) -،و" الجامع الكبير "، و " الجامع الصغير " للسيوطي(4)- عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) -، وما زال، من النفع والحظوة والاهتمام والاشتغال، ما هو معلوم مشهود.…
و ممّا صُنِّفَ من (المجاميع) في هذه الفترة الزمنية:
1- (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم)- جمع فيه أحاديث الأصول الستة -.
منصور علي ناصف رحمه الله تعالى- توفي بعد عام (1371هـ)-.
مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، (1354هـ)، (5) مج.
ومعه للمصنِّف: (غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول).
__________
(1) انظرها في: " كشف الظنون " (1/639) وما بعد، و " الرسالة المستطرفة " ص 173 وما بعد.
(2) الذي قال فيه ياقوت الحموي في " معجم الأدباء " (5/2271): " أقطع قطعاً، أنه لم يُصَنَّف مثله قطّ، ولا يُصَنَّف ".
(3) والذي قال فيه تلميذ مؤلِّفه الحافظ ابن الجَزَري في " المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد" ص 40: " أجهد نفسه كثيراً، و تعب فيه تعباً عظيماً، فجاء لا نظير له في العالم ".
(4) قال العلامة عبد الحي الكَتَّاني في "فهرس الفهارس والأثبات " (2/1017) وهو يتحدث عن كتب السيوطي: "ومن أهمها وأعظمها، وهو من أكبر مِنَنِه على المسلمين كتابه "الجامع الصغير "... وأكبر منه وأوسع وأعظم: " الجامع الكبير"،جمع فيهما عدة آلاف من الأحاديث النبوية مرتبة على حروف المعجم...".(10/37)
2- (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان).
محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله تعالى (1299 - 1388هـ).
دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (1368هـ)، (2) مج.
وقد تضمن (1906) أحاديث.
3- (موسوعة الحديث النبوي).
جمع وتصنيف: عبد الملك بن بكر قاضي.
وقد تم منها: (أحاديث الزكاة) وصدر عام (1406هـ)، و(أحاديث الصيام) (1407هـ)، و(أحاديث الحرمين الشريفين والأقصى المبارك) (1408هـ)، و(أحاديث الحج والعمرة) (1409هـ)، و (أحاديث الجمعة) (1410هـ)، و (أحاديث الهدي والأضاحي) (1412هـ)، و(أحاديث النكاح والأولاد والمعاشرة بالمعروف والطلاق والعِدَّة) (1416هـ).
وقد طبعت هذه الأجزاء في السعودية، ومصر،والأردن، برعاية ونفقة مبرة بكر بن عبد الله قاضي، في مكة المكرمة.
4- (المسند الجامع).
- وهو لأحاديث الكتب الستة،ومؤلفات أصحابها الأخرى، وموطأ مالك، ومسانيد: أحمد والحميدي وعبد بن حميد، وسنن الدارمي، وصحيح ابن خزيمة.
حققه ورتبه وضبط نصه: بشار معروف، والسيد أبو المعاطي النوري، وأحمد عيد، وأيمن الزاملي، ومحمود خليل.
دار الجيل في بيروت،والشركة المتحدة في الكويت،ط1،(1413 هـ)،(20) مج.
وعدد أحاديثه (17802) مرتبةً حسب مسانيد الصحابة، كما رُتبت أحاديث مسند كل صحابي على حسب الموضوعات. وهو مشتمل على الأسانيد والمتون معاً.
5- (الجامع بين الصحيحين للإمامين البخاري ومسلم).
صالح أحمد الشامي.
دار القلم، دمشق،ط1، (1415 هـ)، (4) مج.
واشتمل على (3896) حديثاً.
6- (جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار).
جمع وشرح وتخريج: عبد الله بن عبد القادر التليدي.
دار البشائر الإسلامية،بيروت،ط1،(1419 هـ)،(2) مج (974) ص.
وقد تضمن (1938) حديثاً.
7- (موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة).
علي الحلبي، وإبراهيم القيسي، وحمدي مراد.
مكتبة المعارف،الرياض -السعودية-،ط1،(1419 هـ)،(15)مج.
8- (المتعة في بيان الأحاديث التي اتفق عليها السبعة)(10/38)
- الستة وأحمد -.
إبراهيم بن عبد الله الحازمي.
دار الشريف،الرياض - السعودية -، ط1،(1419 هـ)،(2) مج(721) ص.
9-(صحيح الحُفَّاظ ممّا اتفق عليه الأئمة الستة).
عواد الخلف.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، (1422 هـ)، (215) ص.
واشتمل على (408) أحاديث.
10-(صفوة الأحاديث النبوية الشريفة - الأحاديث التي اتفق على صحتها عدد من أئمة الحديث -).
أعدَّها وبوَّبها وشرح غريبها: عبد القادر محمد المكي الكَتَّاني.
دار الفارابي، دمشق، ط1، (1423 هـ)، (663) ص.
واشتمل على (4370) حديثاً.
الجانب السادس: كتب التخريج
توطئة:
اختلف المعاصرون في تعريف (التخريج)، والأكثر منهم لا يخرج في تعريفه عن:
"عزو الحديث للمصادر التي ترويه بسنده، وبيان مرتبته من القبول والردّ ".
وهذا الجانب من التصنيف سأتناوله في أقسام سبعة، هي:
الأول: المصنفات في علم التخريج وتأصيله.
الثاني: المصنفات في تخريج أحاديث كتب مخصوصة.
الثالث: المصنفات في تخريج أحاديث موضوعات مخصوصة.
الرابع: المصنفات التي جمعت مرويات صحابي واحد أو راو واحد وتخريجها.
الخامس: المصنفات في تخريج حديث واحد.
السادس: المصنفات في تخريج الأحاديث غير المقيدة بكتب مخصوصة.
السابع: المصنفات التي فَرَّقت بين صحيح وضعيف أحاديث كتب مخصوصة.
القسم الأول: المصنفات في علم التخريج وتأصيله.
1- (أصول التخريج ودراسة الأسانيد).
محمود الطحان.
المطبعة العربية،حلب - سورية-،ط1،(1398 هـ)، (255) ص.
2- (المدخل إلى تخريج الأحاديث والآثار والحكم عليها).
عبد الصمد بن بكر عابد.
دار الفضيلة في القاهرة،ودار البخاري في المدينة المنورة،تاريخ المقدمة: (1410 هـ)، (143) ص.
3- (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل).
بكر بن عبد الله أبو زيد.
دار العاصمة، الرياض-السعودية-،ط1،(1413 هـ)،(254) ص.
4- (حصول التفريج بأصول التخريج).
أحمد بن محمد بن الصِّدِّيق الغُمَاري رحمه الله تعالى (1320-1380هـ).(10/39)
مكتبة طبرية، الرياض -السعودية-،ط1، (1414 هـ)، (94) ص.
5- (كيف ندرس علم تخريج الحديث).
حمزة المليباري، وسلطان العكايلة.
دار الرازي، عمان - الأردن -، ط1،(1419 هـ)،(237) ص.
6- (علم تخريج الحديث ونقده - تأصيل وتطبيق-).
عداب محمود الحمش.
دار الفرقان،عمان - الأردن-،ط1، (1420 هـ)،(383) ص.
القسم الثاني: المصنفات في تخريج أحاديث كتب مخصوصة.
1- (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل(1)).
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1332 - 1420هـ).
المكتب الإسلامي، بيروت،ط1، (1399هـ)، (8) مج.
وقد تضمن تخريج (2707) حديث وأثر.
2- (تخريج أحاديث اللُّمَع في أصول الفقه(2)).
عبد الله بن محمد بن الصِّدِّيق الغُمَاري رحمه الله تعالى (1328-1413هـ).
عالم الكتب، بيروت، ط 1، (1405هـ)، (439) ص.
وقد تضمن تخريج (118) حديثاً.
3- (تخريج الأحاديث النبوية الواردة في مدونة الإمام مالك بن أنس).
الطاهر محمد الدرديري.
جامعة أم القرى - مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي-، مكة المكرمة، ط1، (1406هـ)، (3) مج (1361) ص.
وقد تضمن تخريج (551) حديثاً.
4- (الهداية في تخريج أحاديث البداية(3)).
أحمد بن محمد بن الصِّدِّيق الغُمَاري رحمه الله تعالى (1320- 1380هـ).
عالم الكتب، بيروت،ط1، (1407هـ)، (8) مج.
وقد تضمن تخريج (1799) حديثاً وأثراً.
5- (الدر النضيد في تخريج كتاب التوحيد(4)).
صالح بن عبد الله العصيمي.…
__________
(1) وتمام اسمه: "منار السبيل في شرح الدليل على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل " من تأليف العلامة ابن ضُوَيَّان - إبراهيم بن محمد (ت 1353هـ) -.
(2) وكتاب "اللمع في أصول الفقه" للإمام أبي إسحاق الشيرازي- إبراهيم بن علي (ت 476هـ)-.
(3) هو " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " للقاضي ابن رشد الحفيد - محمد بن أحمد (ت 595هـ) -.
(4) للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى (ت 1206 هـ).(10/40)
دار ابن خزيمة، الرياض - السعودية-،(1413هـ)، (200) ص.
6-(الروض البسام بترتيب فوائد تمام(1)).
جاسم بن سليمان الدوسري.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1414هـ)، (5)مج.
وقد تضمن تخريج (1796) حديثاً.
7- (الإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف(2)).
بدوي عبد الصمد الطاهر صالح.
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي - الإمارات العربية المتحدة-، ط1، (1420هـ)، (4)مج، (2151) ص.
وقد تضمن تخريج (1632) حديثاً وأثراً.
القسم الثالث: المصنفات في تخريج أحاديث موضوعات مخصوصة.
1- (مرويات غزوة بدر).
أحمد محمد العليمي باوزير.
مكتبة طيبة، المدينة المنورة، ط1، (1400هـ)، (495) ص.
2- (أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان).
عبد الله بن يوسف الجديع.
مكتبة دار الأقصى، الكويت، ط1، (1406هـ)، (185) ص.
3- (أحاديث الهجرة - جمع وتحقيق ودراسة-).
سليمان بن علي السعود.
مركز الدراسات الإسلامية، بريطانيا، ط1، (1411هـ)، (318) ص.
4- (الأحاديث الواردة في فضائل المدينة - جمعاً ودراسةً-).
صالح بن حامد الرفاعي.
وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، ط2،(1415هـ)،(753) ص.
5- (الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل).
عبد العليم عبد العظيم البستوي.
المكتبة المكية في مكة المكرمة، ودار ابن حزم في بيروت، ط1، (1420هـ)، (2) مج.
وقد طبع المجلد الأول تحت عنوان: (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة).
والثاني تحت عنوان: (الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة).
6- (المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية -دراسة حديثية نقدية -).
عداب محمود الحمش.
دار الفتح، عمان - الأردن -، ط1، (1422هـ)، (553) ص.
__________
(1) هو كتاب " الفوائد " للحافظ تمام بن محمد الرازي رحمه الله تعالى (ت 414 هـ).
(2) وتمام اسمه: " الإشراف على مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي(ت 422هـ).(10/41)
القسم الرابع: المصنفات التي جمعت مرويات صحابي واحد، أو راو واحد، وتخريجها.
1- (مرويات الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد).
حكمت بشير ياسين.
عالم المعرفة، جدة - السعودية-،ط 1،(1404هـ)، (476) ص.
2- (مرويات ابن مسعود رضي الله عنه في الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد).
الشريف منصور بن عون العبدلي رحمه الله تعالى (1365 - 1419هـ).
دار الشروق، جدة - السعودية-، ط 1، (1406هـ)، (2)مج.
3-(مرويات عبدالله بن وهب المصري في السنن الأربع-جمعاً ودراسةً-).
أحمد ذو النورين الجكني.
دار عالم الكتب،الرياض- السعودية-،(1416هـ)،(2) مج(1299) ص.
القسم الخامس: المصنفات في تخريج حديث واحد.
1- (التحقيق الجلي لحديث لانكاح إلابولي).
مفلح بن سليمان الرشيدي.
مؤسسة قرطبة، القاهرة، تاريخ المقدمة: (1402هـ)، (237) ص.
2- (تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر والرد على
من ضَعَّفَه).
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333- 1420هـ).
المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، (1403هـ)، (47) ص.
3- (كشف اللثام عن طريق حديث غربة الإسلام).
عبد الله بن يوسف الجديع.
مكتبة الرشد، الرياض - السعودية -، (1409هـ)، (56) ص.
4- (إقامة البرهان على ضعف حديث "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان").
خالد بن أحمد المؤذن.
مطابع الفرزدق،الرياض- السعودية-، (1411هـ)،(197) ص.
5- (جزء حديث أبي حُمَيد الساعدي في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وجزء حديث المسيء صلاته، بتجميع طرقه وزياداته).
محمد عمر بازمُول.
دار الهجرة،الرياض- السعودية-،ط 1، (1411هـ)،(71)ص+ (84) ص.
6- (تفصيل المقال على حديث " كل أمر ذي بال ").
عبد الغفور عبد الحق البلوشي.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، (1416هـ)، (104) ص.
القسم السادس: المصنفات في تخريج الأحاديث غير المقيدة بكتب مخصوصة.
1- (سلسلة الأحاديث الصحيحة).(10/42)
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333-1420هـ).
صدر الجزء الأول عن المكتب الإسلامي في بيروت عام (1392هـ)،وتتابع صدور الأجزاء بعد.
والطبعة الأخيرة التامة صدرت عن دار المعارف في الرياض (1415- 1422هـ) في (11) مج.
وقد تضمنت تخريج (4035) حديثاً،وهو آخر ما خرَّجه الشيخ رحمه الله تعالى.
2- (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة).
صدر الجزء الأول عن المكتب الإسلامي في بيروت عام (1379هـ)، وتتابع صدور الأجزاء بعد.
والطبعة الأخيرة صدرت عن دار المعارف في الرياض (1412-1422هـ) في (13) مج.
وقد تضمنت تخريج (5500) حديث.
3- (الصحيح المسند مماليس في الصحيحين).
مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى (ت 1422هـ).
مكتبة دار القدس في صنعاء، ودار ابن حزم في بيروت،(1415هـ)،(2) مج.
القسم السابع: المصنفات التي فَرَّقت بين صحيح وضعيف أحاديث كتب مخصوصة.
وكلّ المصنفات في هذا القسم من عمل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333-1420هـ)، إلا ما سيذكر آخراً:
1- (صحيح الجامع الصغير وزيادته).
المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، (1388هـ)، (3)مج في (6)ج.
وتضمن (8058) حديثاً.
2 - (ضعيف الجامع الصغير وزيادته).
المكتب الإسلامي، بيروت،ط2، (1399هـ)، (3) مج في (6) ج.
وتضمن (6469) حديثاً.
3 - (صحيح سنن ابن ماجه).
مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض - السعودية -، ط1، (1407هـ)، (2) مج.
وتضمن (3503) أحاديث.
4 - (ضعيف سنن ابن ماجه).
مكتب التربية...، ط1،(1408هـ)، (356) ص.
وتضمن (948) حديثاً.
5 - (صحيح سنن الترمذي).
مكتب التربية...، ط1، (1408هـ)، (3) مج.
وعدد أحاديثه (3101).
6 - (ضعيف سنن الترمذي).
مكتب التربية...، ط1، (1411هـ)، (706) ص.
وتضمن (832) حديثاً.
7 - (صحيح سنن أبي داود).
مكتب التربية...، ط 1، (1409هـ)، (3) مج.
وتضمن (4393) حديثاً.
8 - (ضعيف سنن أبي داود).
مكتب التربية... ط1، (1412هـ)، (672) ص.(10/43)
وتضمن (1127) حديثاً.
9 - (صحيح سنن النسائي).
مكتب التربية...، ط1، (1409هـ)، (3) مج.
وتضمن (5314) حديثاً.
10 - (ضعيف سنن النسائي).
مكتب التربية... ط1، (1411هـ)، (321) ص.
وتضمن (447) حديثاً.
11 - (صحيح كتاب الأذكار وضعيفه للإمام النووي).
سليم بن عيد الهلالي.
مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، (1413هـ)، (2)مج.
12 - (صحيح "المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح " للدمياطي).
زكريا بن غلام الباكستاني.
دار الخراز في جدة، ودار ابن حزم في بيروت، (1422هـ)، (534) ص.
13 - (ضعيف "المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح " للدمياطي ").
زكريا بن غلام الباكستاني.
ذات الناشر، (1422هـ)، (415) ص.
الجانب السابع: كتب الزوائد
توطئة:
علم زوائد الحديث هو: "علم يتناول إفراد الأحاديث الزائدة في مصنَّف رُويت فيه الأحاديث بأسانيد مؤلِّفه، على أحاديث كتب الأصول الستة أو بعضها، من حديثٍ بتمامه لا يوجد في الكتب المزيد عليها، أو هو فيها عن صحابي آخر، أو من حديثٍ شارك فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم، وفيه زيادة مؤثرة عنده "(1).
وغاية هذا العلم وفائدته: هي تقريب السنة النبوية وتيسيرها للمسلمين بعامة، ولعلمائهم بمختلف تخصصاتهم بخاصة(2).
ورائد (فن الزوائد) غير منازَع، هو الإمام نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي رحمه الله تعالى (ت 807هـ)، ومؤلَّفه الأشهر: "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"،موسوعة حديثية قلّ نظيرها بين موسوعات السنة النبوية، وقد ضمت (18776) حديثاً.
وأكمل الإمام شهاب الدين البُوصيري - أحمد بن أبي بكر الكِنَاني
__________
(1) "علم زوائد الحديث " للدكتور خلدون محمد سليم الأحدب ص 12.
(2) انظر أوجه التقريب والتيسير هذه مفصلة في المصدر السابق ص 35-44.(10/44)
(ت 840هـ) -، المسيرة مِنْ بَعْدُ، وكان مؤلَّفه الأشهر:"إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة "،والذي ضم (7968) حديثاً، الموسوعة المتممة لموسوعة الإمام الهيثمي الأولى.
وصنو موسوعة البُوصيري، موسوعة الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ أحمد بن علي (ت 852هـ)-:"المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية"(1).
وجاءت جهود العلماء في هذا الفن - في الفترة الزمنية هذه -، امتداداً لجهود السابقين وتتميماً لها.
1 - فصدر كتاب (علم زوائد الحديث) لخلدون محمد سليم الأحدب، كأول دراسة تأصيلية لهذا العلم، ونشرته دار القلم في دمشق، عام (1413هـ) في (94) ص.
2 - ومِنْ بَعْدُ صدر كتاب (علم زوائد الحديث-دراسة ومنهج ومصنفات-) لعبد السلام علوش، عن دار ابن حزم في بيروت، عام (1415هـ) في (328) ص.
- أما مصنفات الزوائد - في هذه الفترة الزمنية - فما طبع منها فقليل، ومن بعض هذا القليل:
1 - (زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة).
خلدون محمد سليم الأحدب.
دار القلم، دمشق، ط1، (1417هـ)،(10) مج (6006) ص.
وقد تضمن (2223) حديثاً.
2 - (زوائد السنن(2) على الصحيحين).
صالح أحمد الشامي.
دار القلم، دمشق، ط1، (1418هـ)، (7) مج.
وتضمن (7688) حديثاً.
3 - (تشنيف الآذان بسماع الزائد على الستة عند ابن حِبَّان).
عبد السلام علوش.
المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، (1416هـ)، (2) مج.
وتضمن (1267) حديثاً.
الجانب الثامن: ترتيب كتب الحديث
توطئة:
توجهت بعض أنظار أهل العلم - في هذه الفترة الزمنية -، إلى ترتيب أحاديث بعض كتب الحديث الشريف على الكتب والأبواب بعد أن كانت مرتبة في جُلِّها على حسب المسانيد، مما يصعب معه الوصول إلى المطلوب منها، فقرَّبت البعيد، وسَهَّلَت تناول المقصود لكل طالب ومريد.
وكان هناك مقصد آخر، هو حذف المكرر من الحديث فيها.
__________
(1) انظر ما صنفه الأئمة في هذا الفن، المصدر السابق ص 49-64.
(2) الأربعة مع " سنن الدارمي ".(10/45)
ولا يظن ظان أنّ هذا الترتيب أمر سهل ميسور لكل أحد، فإنه يحتاج إلى جانب اليقظة والتأني والصبر، إلى فقه ودقة نظر.
وكان رائد هذا اللون من التصنيف - في هذه الفترة الزمنية - الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي رحمه الله تعالى، المتوفى عام (1358هـ)، حيث صنَّف ثلاثة كتب(1) هي:
1 - (الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني).
وصدر عن دار الشهاب في القاهرة،دون تاريخ النشر، (12) مج في (24) ج.
2 - (بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن).
مطبعة الأنوار، القاهرة، (1369هـ)، (2) مج.
وقد تضمن (1135) حديثاً.
3 - (منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود).
المطبعة المنيرية، القاهرة، (1372هـ)، (2) ج في مجلد واحد.
وتضمن (2842) حديثاً.
4 - (هداية الباري إلى ترتيب أحاديث البخاري).
عبد الرحيم بن عنبر الطَّهْطَاوي رحمه الله تعالى (ت1365هـ).
مطبعة السعادة، القاهرة،(1329هـ)،(2) مج.
وقد علَّق المؤلف رحمه الله على الأحاديث تعليقات حسنة.
5 - (ترتيب أحاديث صحيح الجامع وزيادته على الأبواب الفقهية).
رتبه وبوبه: عوني نعيم الشريف،وشرح غريب ألفاظه:علي حسن عبد الحميد.
مكتبة المعارف، الرياض - السعودية -، ط1،(1406هـ)، (4) مج.
6 - (الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تَمَّام).
جاسم بن سليمان الدوسري.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، (1414هـ)، (5) مج.
وتضمن (1796) حديثاً. وقد سبق في قسم التخريج.
الجانب التاسع: الفهرسة
توطئة:
__________
(1) وقد قَسَّمَ رحمه الله تعالى موضوعات أحاديث كل كتاب إلى سبعة أقسام كلية هي:1- التوحيد وأصول الدين،2- الفقه،3- التفسير،4- الترغيب،5- الترهيب،6- التاريخ، 7- علامات الساعة. وجعل تحت كل قسم منها ما يناسبه من الكتب والأبواب.(10/46)
ممّا سبق به المسلمون الغرب: العناية بوضع الفهارس والتفنن فيها. وإنّ التنظيم المعجمي بدأ مبكراً جداً، حيث نجد الإمام البخاري - محمد بن إسماعيل (ت256هـ) - في كتابيه: " التاريخ الكبير "، و"الضعفاء الصغير"، والإمام النسائي - أحمد بن شعيب (ت 303هـ) - في كتابه "الضعفاء" والمتروكين، قد رَتَّبا كتبهم هذه على حروف المعجم.
بل إنَّ الإمام البخاري في " صحيحه(1)"، في كتاب المغازي، باب تسمية مَنْ سُمِّيَ مِنْ أهل بَدْرٍ،قد ذكر أسماء الصحابة على حروف المعجم.
وما عَمَلُ (أطراف الحديث) في نهاية القرن الهجري الأول من قِبَل بعض المحدِّثين(2) ليستذكر به الأحاديث، إلاّ أحد ألوان الفهارس؛ حيث غدا هذا العمل في القرن الرابع الهجري وما بعده من القرون المتأخرة عِلْماً قائماً بنفسه، وأُلِّفَت فيه تآليف كثيرة(3)، كـ "أطراف الصحيحين " لأبي مسعود إبراهيم الدمشقي (ت 401هـ)، و"أطراف الكتب الستة " لمحمد بن طاهر المقدسي (ت 507هـ).
ومن شاء أن يقف على مبلغ علماء المسلمين السابقين في التفنن في وضع الفهارس، فلينظر إلى مثل صنيع الإمام ابن الأثير الجَزَري - مبارك بن محمد (ت 606هـ) - في الفهارس التي صنعها لكتابه: "جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم "، فإنه بعد أن رَتَّبَ أحاديث الكتاب على الكتب والأبواب، ورتب الكتب على حروف المعجم؛ صنع فهارس متعددة متميزة لكتابه، منها:(فهرس للأحاديث على الألفاظ المشهورة فيها)، و(فهرس للأعلام بتراجمهم)، و(فهرس الكتب والحروف والأبواب والفصول والفروع والأنواع...).
__________
(1) 4/1476 ـ 1477)
(2) انظر أسماءهم في مقدمة: " فهارس سنن النسائي " للشيخ عبد الفتاح أبوغدة رحمه الله تعالى ص 24-25.
(3) انظرها في: " الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة " للكتاني ص 167- 170.(10/47)
وقد بلغ الاهتمام بالفهرسة - في هذه الفترة الزمنية - مبلغاً أنك قلّما تجد كتاباً من كتب الحديث إلاّ وفُهرس، وجُلُّ تلك الفهارس كانت متجهة صوب فهرس (أطراف أحاديث) هذه الكتب، وأقلّها ما كانت فهارسه متنوعة تخدم الكتاب المفهرَس الخدمة العلمية المرتجاة.
ومما كُتب في (علم فهرست الحديث):
1 - (علم فهرست الحديث، نشأته، تطوره، أشهر ما ورد فيه).
يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
مكتبة المعارف، الرياض- السعودية- ط1،(1406هـ)،(152) ص.
وقد ذكر في كتابه هذا أسماء (267) فهرساً مطبوعاً.
2 - (الفهارس ومكانتها عند المحدِّثين).
سعد المَرْصَفي(1).
ذات السلاسل، الكويت، (1409هـ)، (363) ص.
وسأكتفي هنا بذكر أميز بعض تلك الفهارس:
1 - (مفتاح المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود).
مصطفى علي بيومي(المولود سنة 1308 هـ والمتوفى بعد 1369هـ).
مطبعة الاستقامة، القاهرة،(1356 هـ)، (291)ص.
2 - (فهارس صحيح مسلم).
محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله تعالى (1299 - 1388هـ).
مطبوع في جزء مستقل في نهاية الطبعة التي حققها المؤلف، وصدرت عن دار إحياء الكتب العربية في القاهرة، عام (1374 هـ)،(608)ص.
3 - (المرشد إلى أحاديث سنن الترمذي).
صدقي البيك.
مطبعة الفجر، حمص - سورية -، (1398هـ)، (677) ص.
وهو يفهرس لألفاظ الحديث على طريقة "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ".
4 - (دليل القاري إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري).
عبد الله بن محمد الغنيمان.
الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، (1393هـ)، (606) ص.
5 - (فهارس سنن النسائي).
عبد الفتاح أبو غُدَّة رحمه الله تعالى (1336 - 1417هـ).
__________
(1) للمؤلف الفاضل عمل يجب التنويه به لأهميته وضرورته، وهو كتابه: "أضواء على أخطاء المستشرقين في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ". وقد صدر عن دار القلم في الكويت عام (1408هـ) في (210) ص.(10/48)
وهو الجزء (التاسع) والأخير من " سنن النسائي" التي اعتنى بها الشيخ رحمه الله،وصدرت عن مكتب المطبوعات الإسلامية في حلب -سورية- عام (1406هـ)،في (364) ص.
وقد تضمن (ثمانية أنواع) من الفهارس الدقيقة.
6 - (موسوعة أطراف الحديث النبوي).
أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول.
عالم التراث، بيروت، ط1، (1410هـ)، (11) مج.
وهي تشمل فهرس أطراف أحاديث (150) كتاباً ذكرها في مقدمة كتابه.
وقد أتبعها بـ "الذيل على موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف " في أربعة مجلدات، صدرت عن مكتبة الغرباء الأثرية في المدينة المنورة عام (1414هـ)، وتضمن فهرس أطراف أحاديث (105) كتب أخرى ذكرها في مقدمة "الذيل".
الجانب العاشر: شروح الحديث النبوي
توطئة:
من دقق النظر في شروح كتب السنة المطهرة مُذْ كانت وإلى زمننا هذا، يجد أن هذه الشروح، توجهت صوب أحسن كتب الحديث الشريف تصنيفاً، وأجودها تأليفاً، وأكثرها صواباً، وأقلها غلطاً، وأعمها نفعاً، وأعودها فائدة.
وفي صدارة هذه الكتب: الموطأ، والكتب الستة، وسنن الدارمي، ومسند أحمد، حيث أصبحت كنزاً للدين، وركازاً للعلوم.
وينطبق عليها قول الإمام ابن الأثير الجَزَري(1) - مجد الدين مبارك بن محمد (ت 606 هـ) ـ:
" هي أُمُّ كتب الحديث، وأشهرها في أيدي الناس، بأحاديثها أخذ العلماء، واستدل الفقهاء، وأثبتوا الأحكام، وشادوا مباني الإسلام، ومصنِّفوها أشهر علماء الحديث، وأكثرهم حفظاً، وأعرفهم بمواضع الخطأ والصواب، وإليهم المنتهى، وعندهم الموقف ".
وجاءت بعض هذه الشروح، ليكون الواحد منها (مَعْلَمَة) مستقلة برأسها في كافة العلوم والفنون: اللغوية، والشرعية، والتاريخية، والدعوية، والتربوية، مع التحقيق والنقد، والتأصيل والترجيح، ودونك شروح الأئمة: الخطابي - حَمْد بن محمد (ت388 هـ) -، وابن عبد البر - يوسف
__________
(1) في مقدمة كتابه " جامع الأصول " (1 / 49).(10/49)
ابن عبد الله (ت463 هـ) -، والمازَري - محمد بن علي (ت536 هـ) والنووي - محيي الدين يحيى بن شرف (ت 676 هـ) -،
والطِّيْيبي - حسين بن محمد (ت 743 هـ) -، وابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي (ت 852 هـ)،- والعَيْني- بدر الدين محمود بن أحمد (ت 855 هـ) -، والقاري - علي بن سلطان (ت1014 هـ)-، والشوكاني- محمد بن علي (ت1250هـ)-، لكتب الحديث المختلفة لترى مصداق ذلك.
وسأذكر بعض شروح السنة النبوية في هذه الفترة الزمنية مقسمةً إلى قسمين:
الأول: شروح كتب الحديث المشهورة.
الثاني: الشروح غير المقيدة بكتب مخصوصة.
القسم الأول: شروح كتب الحديث المشهورة.
أولاً: (شروح صحيح البخاري).
1-(فيض الباري على صحيح البخاري).
محمد أنور شاه الكشميري رحمه الله تعالى (1292 - 1352هـ).
نشر المجلس العالمي في الهند،وقد طبع في مصر عام(1357 هـ)، (4 مج).
2- (كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري).
محمد الخضر بن عبد الله ما يأبى الجكني الشنقيطي رحمه الله تعالى (ت1353 هـ).
مكتبة المؤيد في الرياض، ومؤسسة الرسالة في بيروت، (1415هـ)، (14) مج.
وصل فيه إلى نهاية كتاب الحج، ثم توفاه المولى تعالى.
ثانياً: (شروح صحيح مسلم).
1 - (فتح المُلْهِم بشرح صحيح مسلم).
شَبِّيْر أحمد العثماني رحمه الله تعالى (1305 - 1369 هـ).
المطبعة الشهيرة، بهاندة - الهند -، ط1، (1350 هـ).
ثم طبعته المكتبة الرشيدية في كراتشي - باكستان -، (1405 هـ)، (3) مج.
2 - (تكملة فتح المُلْهِم بشرح صحيح مسلم).
محمد تقي العثماني.
مكتبة دار العلوم، كراتشي - باكستان -، ط 4، (1414 هـ)، (6) مج.
ثالثاً: (شروح سنن أبي داود).
1 - (المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود).
محمود محمد خطاب السُّبْكي رحمه الله تعالى (1274 - 1352 هـ).
مطبعة الاستقامة، القاهرة، (1353 هـ)، (10) مج.
2 - (فتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام
أبي داود).(10/50)
أمين محمود خطاب السُّبْكي رحمه الله تعالى (ت 1387 هـ).
مطبعة الاستقامة، القاهرة، (1359 هـ)، (4) مج.
رابعاً: (شروح سنن الترمذي).
1 - (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي).
محمد عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله تعالى (1283 - 1353 هـ).
المكتبة السلفية، المدينة المنورة، (1383 هـ)، (12) مج.
2 - (معارف السنن شرح سنن الترمذي).
محمد يوسف البَنُّوري رحمه الله تعالى (1326 - 1397 هـ).
المكتبة البنورية،كراتشي - باكستان -،(1383 هـ)،(6)مج، - ولم يكمل -.
خامساً: (شروح سنن النسائي).
1 - (شرح سنن النسائي،المسمَّى:ذخيرة العقبى في شرح المجتبى).
محمد بن علي بن آدم الأثيوبي الولوي.
دار آل بروم، مكة المكرمة، (1424 هـ)، (26) مج في (40)ج - وهو تام -.
والمجلدات الخمسة الأولى منه نُشرت في دار المعراج الدولية في الرياض.
سادساً: (شروح سنن ابن ماجه).
1 - (إهداء الديباجة بشرح سنن ابن ماجه).
صفاء الضوي أحمد العدوي.
مكتبة دار اليقين، البحرين، ط1،(1422 هـ)،(5)مج-وهو تام -.
سابعاً: (شروح سنن الدارمي).
1 - (فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي أبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن).
نبيل بن هاشم الغمري.
المكتبة المكية في مكة المكرمة،ودار البشائر الإسلامية في بيروت، ط1، (1419 هـ)، (10) مج - وهو تام -.
ثامناً: (شروح الموطأ).
1 - (أوجز المسالك إلى موطأ مالك).
محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي رحمه الله تعالى (1315 - 1402هـ).
المكتبة الإمدادية في مكة المكرمة، والمكتبة اليحيوية في الهند، (1400 هـ)، (15) مج - وهو تام -.
تاسعاً: (شروح مشكاة المصابيح).
1 - (التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح).
محمد إدريس بن محمد الكاندهلوي رحمه الله تعالى (1317- 1394هـ).
المكتبة الفخرية، ديو بند - الهند -، (1354هـ)، (4) مج.
وطبع بعد في المكتبة العثمانية في لاهور - باكستان - في (7) مج.
عاشراً: (شروح رياض الصالحين).(10/51)
1 - (منهل الواردين شرح رياض الصالحين).
صبحي إبراهيم الصالح رحمه الله تعالى(1345-1407هـ).
دار العلم للملايين، بيروت، (1390هـ)، (2) مج.
2 - (نزهة المتقين شرح رياض الصالحين).
مصطفى الخن، ومصطفى البغا، ومحيي الدين مستو، وعلي الشربجي، ومحمد أمين لطفي.
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1397 هـ)، (2) مج.
3 - (شرح رياض الصالحين).
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى (1347-1421هـ).
دار الوطن، الرياض - السعودية -،(1415هـ)،(7) مج-ولم يكمل بعد -.
القسم الثاني: الشروح غير المقيدة بكتب مخصوصة.
وهي كثيرة جداً، أذكر بعضاً من أهمها:
1- (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار).
عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى (1307 -1376هـ).
مطبعة السنة المحمدية، القاهرة،(1372هـ)، (257) ص.
2- (من هدي السنة).
علي حسب الله رحمه الله تعالى (1313- 1398هـ)، ومصطفى زيد رحمه الله تعالى (ت 1398هـ).
دار الفكر العربي، ط3، (1382 هـ)، (229) ص.
3- (المختار من كنوز السنة).
محمد بن عبد الله دراز رحمه الله تعالى (1312- 1377 هـ).
دار الأنصار، القاهرة،ط2،(1398هـ)، (414)ص.
4- (توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للحياة والأحياء).
أحمد الشرباصي رحمه الله تعالى (1336 - 1400 هـ).
دار الجيل، بيروت، (1399هـ)، (400) ص.
5- (كما تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم).
خالد محمد خالد رحمه الله تعالى (1339 - 1416هـ).
دار العلم للملايين، بيروت، (1400هـ)، (508) ص.
6 - (المجتمع والحياة. دراسة على ضوء الكلم الطيب).
علي عبد المنعم عبد الحميد.
دار القلم، الكويت، ط2، (1400هـ)، (2) مج.
7 - (مجالس التذكير من حديث البشير النذير-صلى الله عليه وسلم -).
عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى (1305- 1359هـ).
وزارة الشئون الدينية في الجزائر،(1403هـ)، (348) ص.
8- (المنهل الحديث في شرح الحديث).
عبد العال أحمد عبد العال، وموسى شاهين لاشين.(10/52)
عالم الكتب، بيروت، (1418هـ)،(4) ج في (2) مج.
9-(قضايا في الدين والحياة والمجتمع-تأملات في عدد من جوامع الكلم-).
محمد بن لطفي الصباغ.
المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، (1411هـ)، (320) ص.
10 - (خلاصة الكلام في الأحاديث التي عليها مدار الإسلام).
علي الشربجي.
دار القلم، دمشق، (1418هـ)، (182) ص.
11 - (من توجيهات الرسول -صلى الله عليه وسلم -).
أحمد عمر هاشم.
دار الشروق، القاهرة، ط1، (1418هـ)، (254) ص.
الجانب الحادي عشر: فقه السنة النبوية
توطئة:
إنَّ أشرف العلم كما يقول الإمام علي بن المديني رحمه الله تعالى (ت234هـ): " الفقه في متون الأحاديث ومعرفة أحوال الرجال"(1).
وإنَّ من مفاريد الإمام الحاكم النيسابوري - محمد بن عبد الله (ت405هـ) - في ذكره (لأنواع علوم الحديث)، عَدَّه:(فقه السنة)، نوعاً مستقلاً برأسه من أنواعه، حيث وضعه في حَاقِّ(2) موضعه منها، دالاًّ بذلك على منهجية عنده وتأصيل، وجِدَّة وتجديد.
فيقول رحمه الله تعالى في كتابه " معرفة علوم الحديث"(3) تحت عنوان: "ذكر النوع العشرين من عِلْم الحديث ":
" النوع العشرون من هذا العلم بعد معرفة ما قدَّمنا من صحة الحديث إتقاناً ومعرفةً لا تقليدا ًوظناً: معرفة (فقه الحديث)، إذ هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشريعة... ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هذا الموضع (فقه الحديث) عن أهله، ليستدل بذلك على أنَّ أهل هذه الصنعة من تبحر فيها لا يجهل فقه الحديث، إذ هو نوع من أنواع هذا العلم ".
ثم شرع رحمه الله، بذكر أخبار أعلام فقهاء المحدثين وأقوالهم في ذلك إلى وقته، في فصل استغرق أكثر من عشرين صفحة.
__________
(1) " منهاج السنة النبوية " لابن تيمية (4 / 115). وانظر: " المحدث الفاصل) للرامهرمزي ص 320.
(2) حاقّ كل شيء: وسطه.
(3) ص 63.(10/53)
وللعلماء - في هذه الفترة الزمنية - في جانب (فقه السنة النبوية)، عطاء تعددت جوانبه بين شروح لبعض كتب (أحاديث الأحكام) المشهورة، أو تآليف مستقلة تنوعت مناهج أصحابها فيها وطرائقهم.
وسأذكر أولاً بعض ما صنِّف في (مناهج التفقه والتعامل مع السنة النبوية)، ثم أُثَنِّي بذكر المصنَّفات في (فقه السنة):
1- (كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط).
يوسف القرضاوي.
دار الوفاء للطباعة والنشر،المنصورة- مصر-،ط2،(1411هـ)، (185)ص.
2- (العقل والفقه في فهم الحديث النبوي).
مصطفى أحمد الزرقا رحمه الله تعالى (1325-1420هـ).
دار القلم، دمشق، (1417هـ)، (127)ص.
3- (دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجاً وأسلوباً).
عبد الله بن ضيف الله الرحيلي.
مطبعة سفير،الرياض - السعودية -ط2،(1419هـ)،(200) ص.
القسم الأول: شروح كتب (أحاديث الأحكام) المشهورة.
أولاً: بعض شروح (عمدة الأحكام من كلام خير الأنام صلى الله عليه وسلم) لعبد الغني المقدسي (ت 600هـ).
1 - (تيسير العلاَّم شرح عمدة الأحكام).
عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام رحمه الله تعالى (ت 1423هـ).
مطبعة المدني، القاهرة، (1380هـ)، (2) مج.
2 - (نيل المرام شرح عمدة الأحكام).
حسن سليمان النوري، وعلوي عباس المالكي.
مكتبة الاقتصاد، مكة المكرمة، ط2،(1381 هـ)،(417) ص.
ثانياً: شروح (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) لابن حجر العسقلاني -أحمد بن علي (ت 852 هـ)-.
1- (فقه الإسلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام).
عبد القادر شيبة الحمد.
مطابع الرشيد، المدينة المنورة، (1401هـ)، (10) مج.
2 - (توضيح الأحكام من بلوغ المرام).
عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله تعالى (ت 1423هـ).
مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط2،(1414هـ)، (6) مج.
3- (إعلام الأنام شرح بلوغ المرام من أحاديث الأحكام).
نور الدين عِتْر.
الناشر: خاص، دمشق، (1419هـ)، (3) مج.(10/54)
القسم الثاني: التآليف المستقلة في فقه السنة النبوية.
1 - (فقه السنة).
السيد سابق رحمه الله تعالى (1333-1420هـ).
طبع أولاً عام (1365هـ)، ثم تتالت طبعاته الكثيرة جداً، ومن آخرها طبعة الفتح للإعلام العربي في القاهرة، ودار التربية والتراث في مكة المكرمة، (1418هـ)، (4) مج.
2 - (الإحكام شرح أصول الأحكام).
عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي رحمه الله تعالى (ت 1392هـ).
مطبعة الترقي، دمشق، (1375هـ)، (4) مج.
و (أصول الأحكام) للشارح أيضاً.
3 - (إعلاء السنن).
ظَفَر أحمد العثماني التهانوي رحمه الله تعالى(1310-1394 هـ).
إدارة القرآن والعلوم الإسلامية،كراتشي-باكستان -،(1396 هـ)، (18)ج في (12) مج.
ومعه مقدمة (إعلاء السنن) في مجلد مستقل من غير ما سبق، وتشمل ثلاثة كتب، هي: 1- (قواعد في علوم الحديث)، 2- (قواعد في علوم الفقه)، 3- (أبو حنيفة وأصحابه المحدِّثون).
4-(من فقه السنة -دراسة فقهية لبعض الأحاديث في الشفعة-).
حمد بن حماد الحماد.
مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط1، (1411هـ)، (51)ص.
5 - (أحاديث حد السرقة في ضوء أصول التحديث رواية ودراية).
سعد المَرْصَفي.
مكتبة المنار الإسلامية في الكويت، ومؤسسة الريان في بيروت، (1416 هـ)،(128) ص.
6- (فقه الحديث عند أئمة السلف برواية الإمام الترمذي).
محمد بن أحمد كنعان.
مؤسسة المعارف، بيروت، (1419 هـ)، (2) مج (824) ص.
7- (إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة).
عبد الله بن عبد القادر التليدي.
دار البشائر الإسلامية، بيروت،ط1،(1420هـ)، (574) ص.
و(منهاج الجنة) للشارح أيضاً.
8- (الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب).
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333-1420هـ).
غراس للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، (1422هـ)، (2)مج، (1049) ص.
9- (حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في البيوع المنهي عنها - دراسة حديثية فقهية نقدية -).
خلدون محمد سليم الأحدب.(10/55)
دار الأندلس الخضراء، جدة - السعودية -،(1422هـ)،(120) ص.
وهو الحلقة الأولى من سلسلة (دراسات في أصول أحاديث الأحكام).
10- (من فقه السنة).
فالح بن محمد الصغير.
دار إشبيليا،الرياض- السعودية -،ط1، (1422 هـ)، (2) مج، (767) ص.
11- (حديث أم حبيبة رضي الله عنها في صلاة التطوع -دراسة حديثية فقهية نقدية-).
خلدون محمد سليم الأحدب.
دار الأندلس الخضراء،جدة - السعودية، ط1، (1424هـ)، (461) ص.
وهو الحلقة الثانية من سلسلة (دراسات في أصول أحاديث الأحكام).
الجانب الثاني عشر: الدراسة المعرفية والحضارية في السنة النبوية
توطئة:
إنَّ الله تعالى ذكر وظائف (الرسالة المحمدية) في أربع آيات من كتابه، في كُلٍّ منها ? رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اتثزب? [البقرة:129، وآل عمران:164، والجمعة:2]، وفي واحدة منها زيادة? كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ اتختب? [البقرة: 151]، فالجانب المعرفي التعليمي هو جزء من المهمة النبوية.
وتعليم (الكتاب) أخصّ من تلاوة الآيات، فهو يعني الشرح النظري والتطبيق العملي للقرآن، وهو البيان الذي وُكِّلَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ? بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ اححب? [النحل:44]. و(الحكمة): المراد بها هنا: السُّنَّة.
كما أنَّ الله بعث رسوله الكريم، ليصنع به أمةً ربانيةً متميزةً، سمَّاها الله(10/56)
* < = )[البقرة:143]، و? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ اتتةب?[آل عمران:110]: وهي أمة (الصراط المستقيم)، صراط التوازن والتكامل بين المادة والروح، بين الدنيا والآخرة، بين العقل والوحي، بين المثالية والواقعية، بين الفردية والجماعية، بين الحرية والمسؤولية، بين الإبداع المادي والالتزام الإيماني، فقامت على أساس هذه التعاليم حضارة عالمية فَذَّة، جمعت بين الربانية والإنسانية، بين العلم والإيمان، بين الرقي والأخلاق، هي الحضارة الإسلامية التي سادت العالم قروناً، واقتبست من حضارات الأقدمين، وَهذَّبتها وأضافت إليها، وابتكرت الجديد المفيد في علوم الدين ومعارف الدنيا.
فلا عجب أن يجد الباحث المدقق في مصادر السنة الكثير الطيب، مما يشبع نهمه، ويلهب حماسه، في مجال البحث عن السنة مصدراً للمعرفة والحضارة"(1).
وهذا اللون من الدراسة:" أمر جديد على العقل المسلم، وإن كان له جذوره في تراثنا، ولكنها جذور غائرة في الأعماق، تحتاج إلى نبش وكشف عنها، حتى تظهر للعيان، وتتبين للناظرين"(2).
وقد صدر عن (المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية) في عمَّان، عام (1411هـ)، كتاب:
1 - (السنة النبوية ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة).
في مجلدين في (1033) صفحة.
واشتمل على الأبحاث التي قدمت إلى الندوة التي عقدت في عمَّان
- الأردن - عام (1409هـ)،تحت هذا العنوان، بدعوة من المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن.
ثم صدر الكتاب الماتع للدكتور يوسف القرضاوي:
2- (السنة مصدراً للمعرفة والحضارة).
__________
(1) "السنة مصدراً للمعرفة والحضارة " للدكتور يوسف القرضاوي ص 8.
(2) المصدر السابق ص 7.(10/57)
عن دار الشروق في القاهرة، عام (1417هـ) في (311) ص.
ولابد من الإشارة ابتداءًً،إلى أنَّ المقصود بـ (الجانب المعرفي في السنة النبوية) هنا: المعرفة المتعلقة بالجوانب الإنسانية على وجه الخصوص، وأبرزها: التربية والتعليم، والصحة، والاقتصاد.
أمَّا (الجانب الحضاري في السنة النبوية)، فإنه يتجه إلى موضوعين اثنين، الأول: البناء والفقه الحضاري، والثاني: السلوك الحضاري.
وسأعرض أولاً للمصنفات في (الجانب المعرفي)، ثم في (الجانب
الحضاري) ثانياً.
أولاً: (الجانب المعرفي في السنة النبوية).
ويتضمن الجوانب التالية:
الأول: الجانب التربوي والتعليمي والنفسي.
1 - (فلسفة التربية الإسلامية في الحديث النبوي).
عبد الجواد سيد بكر.
دار الفكر العربي، القاهرة، (1403 هـ)، (443) ص.
2 - (الحديث النبوي وعلم النفس).
محمد عثمان نجاتي.
دار الشروق، القاهرة، (1409هـ)،(360) ص.
3 - (أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية).
عبد الحميد الزنتاني.
الدار العربية للكتاب، ليبيا، (1413هـ)، (917) ص.
4 - (تربية الأطفال في الحديث الشريف).
خالد أحمد الشنتوت.
مطابع الرشيد، المدينة المنورة، (1417هـ)، (128) ص.
5- (الرسول المعلِّم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم).
عبد الفتاح أبو غُدَّة رحمه الله تعالى (1336- 1417هـ).
مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب -سورية - ط1،(1417هـ)، (226) ص.
6 - (العِلْم وأهله في الحديث النبوي الشريف).
محسن عبد الناظر.
مؤسسة الريان، بيروت، ط1، (1419 هـ)، (219) ص.
7 - (استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم الوسائل التعليمية).
حسن بن علي البشاري.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر - سلسلة كتاب الأمة -، (1421هـ)، (170) ص.
8 - (التوجيه والإرشاد النفسي من القرآن الكريم والسنة النبوية).
مسفر بن سعيد الزهراني.
المكتبة المكية، مكة المكرمة، (1421 هـ)، (534) ص.
الثاني: الجانب الصحي.
1 - (في رحاب الطب النبوي).(10/58)
نجيب الكيلاني رحمه الله تعالى (ت 1415هـ).
مؤسسة الرسالة، بيروت، (1408هـ)، (104) ص.
2 - (الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة).
لؤلؤة بنت صالح آل علي.
دار ابن القيم، الدمام - السعودية -، (1409 هـ)،(768) ص.
3 - (سنن الفطرة: الخِتَان) -من سلسلة (قبسات من الطب النبوي الوقائي)-.
محمد على البار.
دار المنارة، جدة - السعودية -، (1414هـ)،(123) ص.
4 - (الطب الوقائي من القرآن والسنة).
عبد الباسط محمد السيد.
ألفا للنشر والتوزيع، القاهرة، (1423 هـ)،(166) ص.
الثالث: الجانب الاقتصادي.
1- (الكشاف الاقتصادي للأحاديث النبوية الشريفة).
محيي الدين عطية.
دار البحوث العلمية في الكويت، ومؤسسة الرسالة في بيروت، ط1، (1408هـ)، (128) ص.
2-(المختار من أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام في التنظيم الاقتصادي والمالي والاجتماعي).
محمد بن عبد الله الشباني.
دار عالم الكتب، الرياض،- السعودية -، (1411هـ)،(2)مج.
3 - (المال ملكيته واستثماره وإنفاقه - دراسة موضوعية في الأحاديث النبوية الشريفة-).
محمد رأفت سعيد.
مكتبة المدارس، قطر، (1412هـ)،(287)ص.
4 - (النصوص الاقتصادية في القرآن والسنة).
منذر قحف.
جامعة الملك عبد العزيز في جدة - مركز النشر العلمي-، (1415هـ)، (1023) ص.
5 - (الأنشطة المصرفية وكمالها في السنة النبوية).
حسن صالح العناني.
المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي،دون ذكر سنة النشر،(181) ص.
ثانياً: الجانب الحضاري في السنة النبوية.
ويشتمل على موضوعين:
الأول: البناء والفقه الحضاري.
1- (الجانب الإعلامي في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم).
محمد إبراهيم محمد إبراهيم.
المكتب الإسلامي في بيروت، ومكتبة فرقد الخاني في الرياض، (1406هـ)، (456) ص.
2 - (المظهرية الجوفاء وأثرها في دمار الأمة) - في سلسلة نظرات في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم -.
حسين بن عودة العوايشة.(10/59)
دار الهجرة، الرياض - السعودية -،(1411هـ)،(112) ص.
3 - (صورة الإنسان في الحديث النبوي الشريف).
كامل حمود.
دار الفكر اللبناني، بيروت، (1413 هـ)، (238) ص.
4 - (المنهج النبوي والتغيير الحضاري).
برغوث عبد العزيز بن مبارك.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر - سلسلة كتاب الأمة -، (1415هـ)، (157) ص.
5 - (السنة ودورها في الحفاظ على الوحدة الفكرية للأمة).
عبد الله شعبان علي.
المكتب العلمي الحديث للطباعة،الزقازيق - مصر-،(1415 هـ)، (218) ص.
6-(الغُلُوُّ في الدين في ضوء السنة النبوية).
عاطف أحمد أمان.
دار الطباعة المحمدية، القاهرة، (1416هـ)، (86) ص.
7- (الإحصاء والحديث النبوي).
مصطفى زيد.
مؤسسة هجر، القاهرة، (1419هـ)، (385) ص.
8- (من فقه الفتن في ضوء السنة).
عبد الله شعبان.
دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا -مصر-، (1419هـ)،(255) ص.
9 - (الحوار في السنة وأثره في تكوين المجتمع).
تيسير محجوب الفتياني.
مركز الكتاب الأكاديمي،عمان- الأردن -،(1420هـ)،(249) ص.
10 - (أسلوب الحوار النبوي بين إقناع العقل وإثارة الوجدان).
هاشم عبد الرحيم.
الناشر: خاص،مصر، (1420هـ)، (95) ص.
11 - (السنة وموقفها من الإرهاب).
موسى فرحات الزين.
دار الكلمة للنشر، مصر، (1420 هـ)، (226) ص.
12 - (في ظلال السنة- قراءة فكرية أدبية تستشرف الفقه الحضاري للسنة النبوية في مختلف جوانب الحياة الإنسانية وقضاياها الاستراتيجية-).
محمد رفعت زنجير.
دار التوفيق ودار اقرأ، دمشق، ط1، (1423 هـ)،(207)ص.
الثاني: السلوك الحضاري.
1 - (توجيهات من السنة في مجال الأخلاق والأسرة).
محمد رشاد خليفة.
الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية،القاهرة،(1405هـ)،(365)ص.
2- (اللباس والزينة من السنة المطهرة).
محمد عبد الحكيم القاضي.
الناشر: خاص، مصر، (1410هـ)، (799) ص.
3- (الضوابط المنهجية للمداراة في الحديث النبوي).
ساجدة حلمي سمارة.(10/60)
دار البشير في عمَّان، ومؤسسة الرسالة في بيروت، (1418هـ)،(272) ص.
4- (الاستقامة في مائة حديث نبوي).
محمد زكي خضر.
دار الفرقان، عمان - الأردن -، (1419هـ)، (183) ص.
5- (المرحومون في السنة النبوية).
محمد بن محمود الإسكندري.
دار ابن حزم، بيروت، (1422هـ)، (280) ص.
الجانب الثالث عشر: الدراسة اللغوية والأدبية في الحديث النبوي
توطئة:
إنَّ القرآن الكريم هو المصدر الأول لـ (اللغة العربية وآدابها)، والحديث النبوي هو المصدر الثاني لها.
فقد منح الله سبحانه وتعالى نبينا محمَّداً صلى الله عليه وسلم من كمالات الدنيا والآخرة ما لم يمنحه غيره من قبله أو بعده، فمن ذلك كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة.
وكلام النبوة دون كلام الخالق، وفوق كلام فصحاء المخلوقين، فيه جوامع الكلام، ومعجزات البلاغة والفصاحة.
وهو كثير مستفيض، وحصر البليغ من كلام النبوة ممتنعٌ مُعْجِزٌ، لأنَّه كلَّه بليغ فصيح(1).
قال القاضي عياض بن موسى اليَحْصُبِيّ(2) رحمه الله تعالى -(ت 544هـ)-:
"وأمَّا فصاحة اللسان، وبلاغة القول، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بالمحل الأفضل،والموضع الذي لا يُجْهَلُ، سلاسة طبع، وبراعة مَنْزَعٍ، وإيجاز مقطعٍ، ونصاعة لفظٍ، وجزالة قولٍ، وصحة معان، وقلَّة تكلُّف، أُوتي جوامع الكَلِمِ، وخُصَّ ببدائع الحِكَم،وعُلِّمَ ألسنة العرب، فكان يخاطب كُلَّ أُمَّةٍ منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في مَنْزِعِ بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطنٍ عن شرح كلامه، وتفسير قوله …
وأمَّا كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة، وجوامع كَلِمِه وحِكَمِه المأثورة، فقد أَلَّفَ الناس فيها الدواوين، وجُمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها ما لا يُوازى فصاحةً، ولا يُبَارَى بلاغةً …
__________
(1) انظر: " لباب الآداب " لأسامة بن منقذ ص 330 - 334.
(2) في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم- " (1/70 - 80).(10/61)
إلى ماروته الكافة عن الكافة من مقاماته، ومحاضراته، وخطبه، ومخاطباته، وعهوده مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبةً لا يُقاس بها غيره، وحاز فيها سبقاً لا يُقْدَرُ قَدْرُهُ.
وقد جُمعت من كلماته التي لم يُسبق إليها، ولا قَدَرَ أحد أن يُفرغ في قالَبه عليها... ما يدرك الناظر العجب في مُضَمَّنِها، ويذهب به الفكر في أداني حِكَمِهَا …
فَجُمِعَ له بذلك صلى الله عليه وسلم قوةُ عارضة البادية وجزالتها، ونصاعةُ ألفاظ الحاضرة، ورونقُ كلامها، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بَشَريٌّ ". انتهى.
وسأتناول هذا الجانب في قسمين:
القسم الأول: الجانب اللغوي في الحديث النبوي.
1 - (موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف).
خديجة الحديثي.
دار الرشيد، بغداد، (1402هـ)، (444) ص.
2 - (الحديث النبوي في النحو العربي).
محمود فجَّال.
نادي أبها الأدبي - السعودية -، طـ1، (1404هـ)، (384) ص.
3 - (الألفاظ الأعجمية في روايات غريب الحديث والأثر).
أبو السعود أحمد الفخراني.
الناشر: خاص، القاهرة، (1416هـ)، (241) ص.
4- (أثر الحديث النبوي في التصويب اللغوي).
عبد الهادي أحمد محمد السلمون.
الناشر: خاص، مصر، (1417هـ)، (296) ص.
5 - (إعراب الأربعين حديثاً النووية).
حسين عبد الجليل يوسف.
مؤسسة المختار، القاهرة، طـ 1، (1422هـ)، (260) ص.
6 - (اللؤلؤ النثير في التعليق على " النهاية " لابن الأثير).
إبراهيم السامرائي رحمه الله تعالى (1341- 1422هـ).
دار القلم، دمشق، طـ 1، (1423هـ)، (328) ص.
القسم الثاني: الجانب الأدبي في الحديث النبوي.
1 - (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية).
مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تعالى (1298 - 1356هـ).
مطبعة الاستقامة، القاهرة، طـ4، (1359هـ)، (274) ص.
2- (روائع من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم - دراسات لغوية وفكرية وأدبية-).
عبد الرحمن حبنكة الميداني.(10/62)
كانت طبعته الأولى (1391هـ)،وصدرت الطبعة السابعة له عن دار القلم في دمشق عام (1419هـ)،في (576) ص.
3 - (الحديث النبوي من الوجهة البلاغية).
عز الدين علي السيد.
دار الطباعة المحمدية، القاهرة، (1392هـ)، (519) ص.
4- (القصص في الحديث النبوي - دراسة فنية وموضوعية-).
محمد بن حسن الزير.
المطبعة السلفية، القاهرة، (1398هـ)، (448) ص.
5- (التصوير الفني في الحديث النبوي).
محمد بن لطفي الصباغ.
المكتب الإسلامي، بيروت، طـ1، (1403هـ)، (607) ص.
6- (البيان النبوي).
محمد رجب البيومي.
دار الوفاء، القاهرة، (1407هـ)، (350) ص.
7- (أثر التشبيه في تصوير المعنى - قراءة في صحيح مسلم -).
عبد الباري طه سعيد.
الناشر: خاص، القاهرة، (1412هـ)، (351) ص.
8- (التشويق في الحديث النبوي - طرقه وأغراضه -).
بسيوني عبد الفتاح فيود.
مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، (1414هـ)، (142) ص.
9- (الأمثال في الحديث النبوي الشريف).
محمد جابر فياض العلواني.
مكتبة المؤيد، الرياض - السعودية -، طـ1، (1414هـ)، (580) ص.
10 - (الخصائص الفنية في الأدب النبوي).
محمد بن سعد الدبل.
مكتبة العبيكان، الرياض - السعودية -،ط2،(1418هـ)،(293)ص.
11 - (الروائع والبدائع في البيان النبوي).
محمد نعمان الدين الندوي.
دار الشهاب، بيروت، طـ1، (1420هـ)، (203) ص.
12- (الحديث النبوي - رؤية فنية جمالية -).
صابر عبد الدايم.
دار الوفاء، الإسكندية - مصر -، (1420هـ)، (168) ص.
الجانب الرابع عشر: الإعجاز العلمي في السنة النبوية
توطئة:
الإعجاز العلمي في السنة النبوية، هو: " إخبار السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم"(1).
__________
(1) "تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة " - رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة - ص14.(10/63)
وإذا كان الكثير ممن عاصر النبي صلى الله عليه وسلم قد شاهدوا بأعينهم بعضاً من معجزاته التي أيده الله تعالى بها، فكانت شاهد صدقٍ على نبوته ورسالته صلى الله عيه وسلم، فإنَّ أهل هذا العصر رأوا لوناً آخر من المعجزات له صلى الله عليه وسلم تتناسب مع عصرهم بما حفل من تقدم متسارع في العلوم كافة، والتجريبي منها بخاصة؛ فكانت ناطقةً بأنه رسول الله حقاً وصدقاً، وكانت من أوضح الحجاج وألزمها لمن أراد الحق وسعى إليه، وأنصف من نفسه، من سائر بني البشر.
وهذا اللون الجديد من الدراسات يحتاج إلى حَيْطَة وحذر، حيث إن بعضاً من الكاتبين المتعجلين كان منهم افتعال وتمحل لاستخراج معنى من حديث يدخل في الإعجاز العلمي، وهو معنى مقحم على الحديث متكلَّف.
وبعضهم: أدخل (الفروض العلمية) التي لم تزل موضع أخذ ورد بين أهل الاختصاص من العلماء.
ومنهم: من جعل فهمه مبطلاً للأفهام السابقة بالكلية. وهكذا...
ومن (المصنفات في الإعجاز العلمي في السنة النبوية):
1 - (العدوى بين الطب وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم).
محمد علي البار.
دار الشروق، جدة - السعودية-، (1398هـ)، (85) ص.
2 - (تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة).
من أبحاث المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنعقد في إسلام آباد - باكستان - (1408هـ).
رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، (77) ص.
3 - (الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية).
محمد كامل عبد الصمد.
الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، (1410هـ)، (237) ص.
4 - (الطب النبوي والعلم الحديث).
محمود ناظم النسيمي.
مؤسسة الرسالة، بيروت، طـ2، (1412هـ)، (397) ص.
5 - (من إعجاز السنة المشرفة).
محمد فؤاد شاكر.
مصر، دون اسم الناشر، (1415هـ)، (75) ص.
6 - (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة - تاريخه وضوابطه-).
عبد الله بن عبد العزيز المصلح.
رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، (1417هـ)، (61) ص.(10/64)
7 - (الإعجاز العلمي في السنة النبوية).
رزق عامر حسن.
مطبعة رشوان، مصر، (1418هـ)،(199) ص.
8 - (الإعجاز العلمي في السنة النبوية).
صالح أحمد رضا.
مكتبة العبيكان، الرياض- السعودية-، طـ1،(1422هـ)، (2)مج (1560) ص.
الجانب الخامس عشر: الجمع والتهذيب والاختصار
توطئة:
هذا اللون عُرِفَ في القرون المتأخرة، واستمر إلى وقتنا هذا، و(المصلحة) هي عنوان من قام بذلك.
وإذا كان (الجمع) مفيداً محقِّقَاً للمصلحة، فإنَّ (التهذيب) و(الاختصار)، يكتنفهما محاذير كثيرة، منها(1):
1-إنَّ الاختصار تقليد، يُعَزِّز ارتفاع العلم.
2-اعتماد المختصرات مراجع!
3-الخطر على الأصول عند أهل العلم.
4-وعلى طباعة الأصول ونشرها أيضاً.
ولا شك أنَّ تفاوتاً كبيراً ملحوظاً بين أنواع (المهذَّبات) و(المختصرات)، فمنها - وهو الأقل -، من وُفِّقَ أصحابها فيها، ومنها
- وهو الأكثر - من أساء أصحابها فيها، وكثرت مفاسد عملهم.
ومن الأعمال في جانب (التهذيب) و (الانتقاء) و(الاختصار):
1 - (المنتخب من السنة).
انتخاب لجنة من العلماء في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر.
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، (1381هـ)، (8) مج.
2 - (مختصر مشكاة المصابيح للتبريزي).
عبد البديع صقر رحمه الله تعالى (1335 - 1407هـ).
دار العربية للطباعة، بيروت، (1388هـ)، (344) ص.
3 - (مختصر صحيح الإمام البخاري - أول مختصر علمي دقيق-).
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى (1333 - 1420هـ).
المكتب الإسلامي، بيروت، طـ1، (1394هـ)، المجلد الأول (477) ص + (141) ص فهارس.
4- (مختصر رياض الصالحين للنووي).
محمد خير محمد حمصي.
دار الألباب، دمشق، (1406هـ)، (257) ص.
5- (مختصر صحيح مسلم).
محمد بن ياسين بن عبد الله.
المكتبة التجارية، مكة المكرمة، (1411هـ)، (2) مج.
__________
(1) انظر: " أخطار على المراجع العلمية لأئمة السلف " لعثمان عبد القادر الصافي ص 73-86.(10/65)
6- (تهذيب الترغيب والترهيب).
عوني نعيم الشريف.
دار الجيل، بيروت، (1412هـ)، (2) مج.
7- (المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري).
يوسف القرضاوي.
دار الوفاء، المنصورة - مصر -، ط2، (1413هـ)،(2) مج (1057) ص.
8- (مختصر كتاب الأذكار للإمام النووي).
علي الشربجي، ومحيي الدين نجيب.
اليمامة للطباعة والنشر، دمشق، (1414هـ)، (320) ص.
9- (تهذيب " الترغيب والترهيب " من الأحاديث الصحاح).
محيي الدين مستو، وسمير العطار، ويوسف البديوي.
دار ابن كثير، دمشق، (1416هـ)، (648) ص.
10- (مختصر سنن أبي داود).
مصطفى ديب البُغَا.
اليمامة للطباعة والنشر، (1417هـ)، (788) ص.
وللمُخْتَصِر، وعن ذات الدار الناشرة:
1 - (مختصر سنن النسائي)،(1417هـ)، (752) ص.
2 - (مختصر سنن الترمذي)،(1418هـ)، (708) ص.
3 - (مختصر سنن ابن ماجه)، (1418هـ)،(662) ص.
11- (مختصر صحيح مسلم).
أحمد شمس الدين.
دار الكتب العلمية، بيروت، (1419هـ)، (686) ص.
ومن أعمال (الجمع):
1 - (مسند خليفة بن خياط) - أحاديث مجموعة -.
أكرم ضياء العمري.
الناشر: خاص، بيروت، ط1، (1405هـ)، (115) ص.
وعدد أحاديثه (101).
2 - (بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي).
خضر محمد شيخو.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1،(1414هـ)، (607) ص.
وتضمن (781) حديثاً.
3 - (الدراري المكنونة في الأماكن المنثورة - فوائد وقواعد حديثية من كتب الإمام الذهبي -).
جمع وترتيب: محمد بن عبد الله الهبدان.
دار العاصمة، الرياض - السعودية -، ط1،(1416هـ)،(80) ص.
4 - (القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام
ابن تيمية).
علي بن محمد العمران.
دار عالم الفوائد، الرياض - السعودية -، ط1،(1417هـ)،(220) ص.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ثَبتُ المصادر
1 - الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجر.
د. محمود إسماعيل عمار.
دار عالم الكتب، الرياض، ط1، (1419هـ).(10/66)
2 - أخطار على المراجع العلمية لأئمة السلف.
عثمان بن عبد القادر الصافي.
دار الفاروق، الطائف - السعودية -، ط1، (1410هـ).
3 - أساس البلاغة.
للزمخشري - محمود بن عمر (ت 538هـ)-.
الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط3، (1985م).
4 - الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين.
أبو الحسن الندوي (ت 1420هـ).
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، (1403هـ).
5 - الأنوار الكاشفة لما في كتاب (أضواء على السنة) من الزلل والتضليل والمجازفة.
عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي اليماني (ت 1386هـ).
المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، (1405هـ).
6 - تاج العروس من جواهر القاموس.
للزبيدي - محمد مرتضى (1205هـ) -.
تحقيق علي شيري. دار الفكر، بيروت، (1414هـ).
7 - تأصيل الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة.
من أبحاث المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنعقد في إسلام آباد - باكستان - عام(1408هـ).
رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، دون تاريخ.
8 - تأويل مختلف الحديث.
لابن قتيبة - عبد الله بن مسلم (ت 276هـ) -.
تحقيق محمد محيي الدين الأصفر. المكتب الإسلامي في بيروت، ودار الإشراق في الدوحة، ط3، (1419هـ).
9 - التعريفات.
للشريف الجرجاني - علي بن محمد (ت 816هـ)-.
دار الكتب العلمية، بيروت، (1403هـ).
10 - تقريب التهذيب.
لابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي (852هـ)-.
تحقيق محمد عوامة. دار ابن حزم، بيروت، (1420هـ).
11 - التقريب لحد المنطق.
لابن حزم الأندلسي - علي بن محمد (ت 456هـ)-.
مطبوع ضمن " رسائل ابن حزم الأندلسي " بتحقيق د. إحسان عباس.
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، (1983م).
12 - تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم.
محمد تقي العثماني.
مكتبة دار العلوم، كراتشي - باكستان -، ط4، (1414هـ).
13 - التوقيف على مهمات التعاريف.
للمناوي - محمد عبد الرؤوف (1031هـ)-.(10/67)
تحقيق د. محمد رضوان الداية. دار الفكر المعاصر في بيروت، ودار الفكر في دمشق، ط1، (1410هـ).
14 - جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
لابن الأثير الجزري - مجد الدين مبارك بن محمد (ت 606هـ)-.
تحقيق عبد القادر الأرناؤوط. مكتبة الحلواني ودار البيان ومطبعة الملاح، دمشق، ط1، (1389هـ).
15 - حجية السنة.
عبد الغني عبد الخالق (ت1403هـ).
المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا، ط1، (1407هـ).
16 - دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه.
د. محمد مصطفى الأعظمي.
مطابع جامعة الرياض، (1396هـ).
17 - دفاع عن السنة.
محمد أبو شهبة (ت1403هـ).
مكتبة السنة، القاهرة، ط1، (1409هـ).
18 - ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات.
تحقيق د. محمد يوسف نجم.
دار صادر في بيروت، ودار بيروت، (1378هـ).
19 - ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل.
للذهبي - محمد أحمد (ت748هـ)-.
تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. دار القرآن الكريم، بيروت، ط3، (1400هـ).
20 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة.
للكتاني - محمد بن جعفر (ت1345هـ)-.
دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط4، (1406هـ).
21- السنة مصدراً للمعرفة والحضارة.
د. يوسف القرضاوي.
دار الشروق، القاهرة، ط1، (1417هـ).
22 - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
د. مصطفى السباعي.
المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، (1402هـ).
23 - سنن الترمذي.
لأبي عيسى محمد بن سورة - ت 279هـ -.
تحقيق أحمد شاكر. دار الكتب العلمية، بيروت، (1408هـ).
24 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم.
للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت544هـ).
المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، دون تاريخ الطبع.
25 - الصحاح في اللغة والعلوم.
نديم وأسامة مرعشلي.
دار الحضارة العربية، بيروت، ط1، (1974م).
26 - صحيح البخاري.
لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل (ت256هـ).(10/68)
تحقيق د. مصطفى ديب البغا. دار ابن كثير ودار اليمامة - دمشق-، ط4، (1410هـ).
27 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي.
لأبي بكر بن العربي - محمد بن عبد الله (ت 543هـ)-.
دار أم القرى، القاهرة، دون تاريخ الطبع.
28 - علم زوائد الحديث.
د. خلدون محمد سليم الأحدب.
دار القلم، دمشق، ط1، (1413هـ).
29 - فهارس سنن النسائي. - مطبوع مع " سنن النسائي " -.
عبد الفتاح أبوغدة (ت1417هـ).
مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب - سورية -،ط2، (1406هـ).
30 - فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات.
للكتاني - محمد بن عبد الحي بن عبد الكبير (ت1382هـ) -.
بعناية د. إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي، بيروت،ط2، (1402هـ).
31 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.
لحاجي خليفة - مصطفى بن عبد الله (ت1067هـ)-.
مصورة دار الفكر، بيروت، (1402هـ).
32 - الكليات.
لأبي البقاء الكفوي - أيوب بن موسى (1094هـ)-.
تحقيق د. عدنان درويش، ومحمد المصري.
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، (1413هـ).
33 - لسان العرب.
لابن منظور الإفريقي - محمد بن مكرم (ت711هـ) -.
دار صادر، بيروت، دون تاريخ الطبع.
34 - لباب الآداب.
أسامة بن منقذ - (ت584هـ) -.
تحقيق أحمد شاكر. مكتبة لويس كركيس، القاهرة، (1354هـ).
35 - المجموع شرح المهذََّّب.
للنووي - محيي الدين يحيى بن شرف (ت676هـ) -.
مصورة دار الفكر، بيروت، دون تاريخ الطبع.
36 - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي.
للرامهرمزي - الحسن بن عبد الرحمن (ت360هـ) -.
تحقيق د. محمد عجاج الخطيب. دار الفكر، بيروت، ط3،(1404هـ).
37 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد.
لابن الجزري - شمس الدين محمد بن محمد (ت833هـ)-.
تحقيق أحمد شاكر. مطبوع في أول " المسند " دار المعارف، القاهرة، ط4، (1373هـ).
38 - معجم الأدباء.
لياقوت الحموي - أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله (ت626هـ)-.(10/69)
تحقيق د. إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي،بيروت، ط1، (1993م).
39 - معجم مقاييس اللغة.
لأبي الحسين أحمد بن فارس الرازي - (ت 395هـ)-.
تحقيق عبد السلام هارون. دار الكتب العلمية، إيران، دون تاريخ الطبع.
40 - معرفة علوم الحديث.
للحاكم النيسابوري - محمد بن عبد الله (ت 405هـ)-.
تحقيق د. معظم حسين. مصورة المكتبة العلمية في المدينة المنورة، ط2، (1397هـ).
41 - مقدمة ابن خلدون.
ابن خلدون - عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ)-.
تحقيق د. علي عبد الواحد وافي. دار نهضة مصر، القاهرة، ط3، دون تاريخ الطبع.
42 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية.
لابن تيمية - تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت728هـ) -.
مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، دون تاريخ الطبع.
43 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.
لابن خَلِّكِان - أحمد بن محمد (ت681هـ) -.
تحقيق د. إحسان عباس. دار صادر، بيروت، (1397هـ).
فهرس الموضوعات
المقدمة…1
المبحث الأول: التصنيف في اللغة والاصطلاح…3
التصنيف في اللغة:…3
التصنيف في الاصطلاح:…4
المبحث الثاني: دواعي التصنيف في هذه الفترة الزمنية…6
المبحث الثالث: جوانب التصنيف في السُّنَّة النبوية وعلومها في الفترة الزمنية (1351 -1424هـ) وذِكْرُ أهمِّ ما صُنِّف في كلِّ جانبٍ منها…11
الجانب الأول: حجيَّة السنة النبوية ومكانتها، ودفع الشبه عنها…14
الجانب الثاني: تاريخ السُّنَّة النبوية وعلومها…21
القسم الأول: مصنَّفات تاريخ السُّنَّة وعلومها العامّة.…22
القسم الثاني: مصنَّفات تاريخ السُّنَّة وعلومها الخاصة ببلدان مخصوصة.…24
القسم الثالث: المصنَّفات الخاصة بتاريخ جهود المرأة في السنة النبوية.…26
الجانب الثالث: علوم الحديث…27
الجانب الرابع: دراسات في أئمة الحديث وآثارهم، وبيان أثرهم في الحديث وعلومه…57
الجانب الخامس: المجاميع الحديثية…62
الجانب السادس: كتب التخريج…66
الجانب السابع: كتب الزوائد…76(10/70)
الجانب الثامن: ترتيب كتب الحديث…79
الجانب التاسع: الفهرسة…81
الجانب العاشر: شروح الحديث النبوي…85
الجانب الحادي عشر: فقه السنة النبوية…92
الجانب الثاني عشر: الدراسة المعرفية والحضارية في السنة النبوية…97
الجانب الثالث عشر: الدراسة اللغوية والأدبية في الحديث النبوي…105
الجانب الرابع عشر: الإعجاز العلمي في السنة النبوية…110
الجانب الخامس عشر: الجمع والتهذيب والاختصار…113
ثَبتُ المصادر…117
فهرس الموضوعات…125(10/71)
التصنيف في السنة النبوية وعلومها
في القرن الخامس الهجري
للدكتور
عبدالعزيز بن عبدالله بن عثمان الهليل
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيعد علم الحديث النبوي من العلوم التي كثر فيها التصنيف، وتنوَّعت فيها طرائق العلماء بالكتابة في شتى جوانبه؛ وذلك لما تميز به من البحث في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبيانها، وتوضيح مقاصدها وكشف أسرارها؛ وكونها مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي العظيم.
ولذا اهتم علماء الإسلام في شتى العصور بجمع الأحاديث النبوية وروايتها، ودراسة ما اشتملت عليه من العلوم الشرعية المتعددة.
وقد اخترت الكتابة عن التصنيف في السنة النبوية في القرن الخامس الهجري (1) للأسباب الآتية:
أولاً: عدم اطلاعي ـ فيما وقفت عليه ـ على من أفرد هذا الجانب من جوانب القرن الخامس بالتأليف.
ثانياً: إبراز جهود علماء القرن الخامس في التصنيف في مجال السنة النبوية.
ثالثاً: التنويه بكثرة علماء هذا القرن ممن صَنَّفوا في السنة النبوية، والتعريف بهم.
رابعاً: بيان كثرة المؤلفات والمصنفات في السنة النبوية في هذا القرن وقد كان لها أثر واضح فيما بعده من القرون إلى يومنا الحاضر.
وتشتمل خطة البحث على مقدمة، ومدخل، وخمسة مباحث، وخاتمة، وفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات، وهي على النحو الآتي:
__________
(1) كتب عن السنة النبوية في القرن الرابع الهجري الدكتور/ أحمد بن عبدالله الباتلي بحثا منشورا في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية /العدد الثامن عشر/ عام 1418 هـ مشتملا على المحدثين بين عامي 301 ـ 400 هـ .(11/1)
أولاً: المقدمة، وذكرت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره، وخطة البحث، و الفترة الزمنية التي يتناولها البحث.
ثانياً: المدخل، وأشرت فيه إلى الحالة السياسية والعلمية للعالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري.
ثالثاً: التصنيف في السنة النبوية وعلومها في القرن الخامس، وجعلته في خمسة مباحث:
المبحث الأول: التصنيف في علوم الحديث. وفيه واحد وعشرون نوعاً.
المبحث الثاني: التصنيف للحديث النبوي. وفيه أربعة عشر نوعا.
المبحث الثالث: تصنيف الأمالي، والمجالس، والأجزاء، والفوائد الحديثية وفيه نوعان.
المبحث الرابع: التصنيف في التواريخ والتراجم والسير. وفيه اثنا عشر نوعاً.
المبحث الخامس: مصنفات المحدثين العامة.
رابعاً: الخاتمة، وفيها أهم ما توصلت إليه من نتائج.
خامساً: فهرس المصادر والمراجع.
سادساً: فهرس الموضوعات.
وتجدر الإشارة هاهنا إلى أن البحث سيتناول ـ بإذن الله تعالى ـ جهود التصنيف في السنة النبوية في القرن الخامس الهجري، ويشمل ذلك من عاش من المحدثين بين سنتي: 401 ـ 500 من الهجرة، مع ما حدث في هذا القرن من ضعف للخلافة العباسية، وتفرق البلاد الإسلامية إلى دويلات صغيرة، إلا أن ذلك لم يقلل من عناية أهل هذا القرن بالسنة النبوية في مجالي الرواية والدراية.
فيجد المطلع على أحوالهم عناية فائقة بتحصيل الحديث وروايته والرحلة في سبيل ذلك، كما ظهرت مصنفات كثيرة تُنْبئ عن جهودهم العظيمة في خدمة السنة النبوية في هذه الحقبة من الزمن، كما يتضح ذلك في ثنايا هذا البحث إن شاء الله تعالى.
ويُذكر في هذا الصدد الخطيب البغدادي حافظ المشرق، وابن عبدالبر حافظ المغرب وقد توفيا في هذا القرن في سنة واحدة(1). ولذا لم يكن دقيقا من قال: ((ما كاد ينتهي القرن الرابع حتى أصبح عمل العلماء قاصرا على الجمع والترتيب أو التهذيب لكتب السابقين(2))).
__________
(1) انظر : الرسالة المستطرفة (ص : 53) .
(2) الحديث والمحدثون (ص : 429) .(11/2)
وإذا علمنا أن صاحب هذا القول قصر في كتابته ورصده للحديث والمحدثين في القرن الخامس حيث تحدث عنه وعن القرن السادس في نحو خمس صفحات فقط من (429 ـ 434) أدركنا بيقين أن قوله هذا صدر عن غير تروّ وسعة اطلاع على محدثي القرن الخامس وجهودهم في خدمة السنة النبوية. ويعد هذا البحث إشارة يسيرة إلى بعض أهم أعمالهم في هذا المجال.
ولذا تشتد الحاجة اليوم إلى التركيز على إبراز جهود المسلمين في مختلف القرون الماضية في مجال السنة النبوية وغيرها من العلوم الإسلامية؛ حتى يظهر بجلاء ما كان عليه أسلافنا الصالحون من عناية تامة بالعلم الشرعي: تعلما، وتعليما، وتصنيفا، مما كان له الأثر البالغ في رقيهم وسعادتهم وسيرهم على الصراط المستقيم.
وهذه الندوة المباركة التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة ما هي إلا خطوة مباركة في السير على هذا المنهاج الذي يبين للأمة الإسلامية اليوم بعض ما كان عليه أسلافهم من عنايتهم بالعلم الشرعي، وتفانيهم في تحصيله ونشره بين طلابه، حتى يقتدي بهم شباب الإسلام اليوم ويسيروا على منهاجهم.
ومن الله تعالى أستمد العون والسداد، وأسأله التوفيق لما يحبه ويرضاه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
مدخل
شهد القرن الخامس في الجانب السياسي ضعفا وتفرقا بين المسلمين على وجه العموم؛ وإن كان هناك بعض مواطن القوة والعزة والانتصارات في خلال هذا القرن، فالغزنويون والسلاجقة في الشرق، والفاطميون في المغرب ومصر والشام، والبويهيون في العراق وما جاورها. وقد تمزقت الدولة الإسلامية إلى دويلات ضعيفة متناحرة، ولم يبق للخليفة العباسي من الخلافة إلا الاسم فقط(1).
__________
(1) انظر : ظهر الإسلام (1/50 ـ 93) .(11/3)
وكم ساق المؤرخون من حوادث تدل على انتشار الفوضى وعدم الثقة بين تلك الدويلات، وانعدام الأمن في مراحل كثيرة من هذا القرن في الدويلة الواحدة نفسها.
كما ساقوا أخباراً كثيرة من الفتن التي وقعت بين السنة والشيعة على امتداد هذا القرن الهجري (1).
ومما لا شك فيه أن لهذه القلاقل والفتن وضعف الخلافة تأثيراً قوياً في سير النهضة العلمية في البلاد الإسلامية في هذا القرن.
ومع ذلك فقد سجل هذا القرن ازدهاراً جيداً في الحركة العلمية، وسوف أشير إلى عناصر تدل بوضوح على سير الحركة العلمية في هذا القرن في مجال السنة النبوية من خلال ما يأتي:
أولاً: الرحلة في طلب الحديث
تعد الرحلة في طلب الحديث واحدة مما تميز به المحدِّثون عن غيرهم من طلاب العلم في كل عصر ومصر.
وقد شهد القرن الخامس ـ كغيره من القرون الماضية ـ تسجيل رحلات كثيرة لعدد من المحدثين والحفاظ أوردها أهل التراجم والسير في كتبهم، وهي تُظْهر حال أصحاب هذا القرن في الرحلة لطلب الحديث.
وممن ذكره أهل التراجم والسير من محدثي هذا القرن الذين رحلوا في طلب الحديث وتدوينه عدد كثير منهم: الحافظ أبو الفتح؛ محمد بن أحمد بن عبدالله بن سمكويه الأصبهاني(2)، والحافظُ شيرويه طاهر بن أحمد بن علي النيسابوري(3)، والحافظ أبو العباس؛ مكي بن عبدالسلام بن الحسين الرميلي(4)، وغيرهم كثير لا يتسع المقام لسردهم(5).
ثانياً: كثرة الحفظ وجودة الإتقان
__________
(1) انظر في ذلك : البداية والنهاية لابن كثير (15/532 ـ 16/200) .
(2) انظر : سير أعلام النبلاء (19/16) ، وتذكرة الحفاظ (4/1213) .
(3) انظر : تذكرة الحفاظ (4/1223) .
(4) انظر : سير أعلام النبلاء (19/178) ، وتذكرة الحفاظ (4/1229) .
(5) انظر : تاريخ بغداد (8/334) ، وسير أعلام النبلاء (17/246 ، 260) ، والتذكرة (3/1064 ، 1066 ، 1071) .(11/4)
وُصِف كثير من محدثي هذا القرن بأنهم حازوا على صفة (الحفظ) أو (الحافظ)، أو وصفوا بحفظ كثير من الأحاديث والأسانيد، وممن وصف بذلك الحافظ البارع أبو بكر؛ محمد بن أحمد بن عبدالوهاب الأسفراييني(1)، والحافظ أبو عبدالله؛ أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف البزاز(2) والحافظ الكبير خلف بن محمد بن علي بن حمدون الواسطي(3)، وغيرهم كثير(4).
ثالثاً: انتشار مجالس الإملاء
عقد جمع من محدثي القرن الخامس مجالس لإملاء الحديث في بعض الجوامع ومجالس التحديث سيرا على سنن الحفاظ الأوائل الذين كانوا يُمْلون من حفظهم أو من كتبهم الموثقة المضبوطة الأحاديث والآثار.
فممن عقد مجالس الإملاء من محدثي هذا القرن: الحافظ أبو المعالي؛ محمد ابن محمد بن زيد الحسيني العلوي البغدادي(5)، والحافظ أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزاز(6)، والحافظ أبو الفتح؛ محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفوارس البغدادي(7).
رابعاً: الكلام في التصحيح والتعليل
يعد التصحيح والتضعيف للأحاديث والآثار مرتبة سامية لا يتوصل إليها المحدِّث، إلا بعد أن يكون على دراية بأصول الجرح والتعديل، ومعرفة بالشاذ والمعلل، وقد شهد هذا القرن وجود جمع من العلماء والحفاظ ممن تصدوا لهذا الباب كالخطيب البغدادي، وأبي بكر البيهقي، وأبي عمر بن عبدالبر، وأبي نعيم الأصبهاني، والحافظ أبي القاسم؛ حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي الجرجاني (8)، وغيرهم كثير.
خامساً: الكلام في الجرح والتعديل
__________
(1) انظر : التذكرة (3/1064) .
(2) انظر : تاريخ بغداد (5/124) ، والتذكرة (3/1066) .
(3) انظر : التذكرة (3/1068) .
(4) انظر المزيد في : ذيل تاريخ مولد العلماء (ص : 184) ، والتذكرة (3/1110) ، و سير أعلام النبلاء (18/268).
(5) انظر : تذكرة الحفاظ (4/1210) .
(6) انظر : البداية (15/571) .
(7) انظر : التذكرة (3/1053) .
(8) انظر : سير أعلام النبلاء (17/470) ، والتذكرة (3/1090) .(11/5)
تتوقف معرفة الصحيح والضعيف من الأحاديث والآثار على التعرف على أحوال الرواة ثقة وضعفا، مع شروط أخر معروفة عند أهل هذا الفن.
ولذا اهتم علماء الحديث وأئمته بتفحص أحوال الرواة ومعرفة أخبارهم وتمييز من يقبل خبره ومن يرد، وكان لمحدثي القرن الخامس نصيب من الخوض في هذا الغمار. فممن صنف أو تكلم في ذلك: الحافظ الخطيب البغدادي، والحافظ أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون(1)، والحافظ أبو محمد؛ عطية بن سعيد الأندلسي المغربي(2)، والحافظ أبو القاسم؛ حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي الجرجاني(3)، والحافظ أبو يعقوب؛ إسحاق بن إبراهيم القراب الهروي(4).
سادساً: الاهتمام برواية الكتب الستة
تعد الكتب الستة أصولا أصيلة جمعت لأهل الإسلام أصول الحديث النبوي وعنها تفرعت باقي المصنفات في الحديث وعلومه، ولذا عكف طلاب الحديث في قديم الدهر وحديثه على روايتها، ودراستها، ومعرفة أحوال الرواة فيها.
وكان لمحدثي القرن الخامس الهجري نصيب وافر من العناية بها يتمثل في الحرص على روايتها والاتصال بمؤلفيها بوصال الإسناد.
__________
(1) انظر : التذكرة (4/1208) .
(2) انظر : سير أعلام النبلاء (17/414) ، والتذكرة (3/1089) .
(3) انظر : التذكرة (3/1090) .
(4) انظر : سير أعلام النبلاء (17/572) ، والتذكرة (3/1101) .(11/6)
فممن كان له رواية لبعض هذه الكتب: مسند مرو أبو الحسين؛ محمد بن موسى بن عبدالله الصفار(1)، وكريمة بنت أحمد المروزي(2)، والحافظ أبو عبدالرحمن؛ إسماعيل بن أحمد بن عبدالله الحيري الضرير(3)، والحافظ أبو الحسن؛ عبدالرحمن بن محمد بن الظفر الداودي(4)، والمسند أبو علي؛ الحسين ابن محمد بن محمد الروذباري الطوسي(5)، والحافظ أبو عمر؛ القاسم بن جعفر بن عبدالواحد الهاشمي البصري(6)، والحافظ أبو عمر؛ يوسف بن عبدالله ابن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي(7)، وغيرهم كثير (8).
سابعاً: الحرص على تحصيل الإجازات
تعد الإجازة نوعاً من أنواع الرواية، وقد أورد أصحاب التراجم غير واحد ممن روى بالإجازة في هذا القرن، منهم الحافظ أبو الفتح؛ أحمد بن الحسين الأديب(9)، والحافظ الخطيب البغدادي، وابن عبدالبر(10)، وغيرهم.
ثامناً: الاهتمام بجمع الكتب
الكتب وعاء العلم؛ ومن أجل هذا اشتدت عناية العلماء بتحصيل الكتب وجمعها، ومن ثم النظر فيها ودراستها.
__________
(1) انظر : التذكرة (3/1177) .
(2) انظر : ذيل تاريخ مولد العلماء (ص : 32) .
(3) انظر : البداية والنهاية (15/679) .
(4) انظر : المرجع السابق (16/52) .
(5) انظر : التذكرة (3/1079) .
(6) انظر : البداية والنهاية (15/600) .
(7) انظر : التذكرة (3/1130) .
(8) انظر المزيد في : سير أعلام النبلاء (17/257 ، 271) (19/50) ، والتذكرة (3/1049 ، 1052 ، 1183 ، 1196) (4/1209) .
(9) انظر : تذكرة الحفاظ (4/1210) .
(10) انظر : سير أعلام النبلاء (17/556) ، والتذكرة (3/1104) .(11/7)
وقد كان لمحدثي هذا العصر نصيب وافر من جمع الكتب والحرص على تحصيلها، وبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك، فممن اهتم بذلك منهم: الحافظ أبو سعد؛ أحمد بن محمد بن أحمد الماليني الصوفي(1)، والحافظ أبو محمد؛ عبيدالله بن الحسن بن الوراق(2)، والحافظ أبو بكر؛ أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني(3)، وأبو الوليد؛ عبدالله بن محمد بن يوسف بن الفرضي القرطبي(4)، وغيرهم كثير(5).
تاسعاً: مهنة النسخ والمقابلة
كان نسخ الكتب والأجزاء الحديثية ومقابلتها، مهنة يمتهنها كثير من الناس في ذلك الزمان؛ نظراً للحاجة الملحة إليها وكونها الوسيلة الوحيدة للحصول على نسخة من هذا الكتاب أو ذلك الجزء.
ويعد ازدهار النسخ في هذا القرن مؤشراً على عناية أهله بالحصول على الكتب والأجزاء مما يُظهر صورة حقيقية للحركة العلمية في هذا الجانب.
فممن كان يمتهن ذلك أو يعانيه: عبدالعزيز بن علي الأزجي(6)، والحافظ أبو حازم؛ عمر بن أحمد العبدوي النيسابوري(7)، والحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد البرقاني(8)، وغيرهم كثير(9).
عاشراً: بناء المدارس، ووقف الكتب
__________
(1) انظر : التذكرة (3/1070) .
(2) انظر : ذيل تاريخ مولد العلماء (ص : 138) .
(3) انظر : التذكرة (3/1075) .
(4) انظر : سير أعلام النبلاء (17/179) ، والتذكرة (3/1077) .
(5) انظر المزيد في : التذكرة (3/1088 ، 1128 ، 1192) ، و سير أعلام النبلاء (18/220) .
(6) انظر : سير أعلام النبلاء (17/302) ، والتذكرة (3/1071) .
(7) انظر : التذكرة (3/1073) .
(8) انظر : تاريخ بغداد (4/375) ، والتذكرة (3/1075) .
(9) انظر المزيد في : ذيل تاريخ مولد العلماء (ص : 154 ، 159) ، وسير أعلام النبلاء (17/500) ، والتذكرة (3/1084 ، 1114 ، 1115) .(11/8)
إضافة إلى إقامة الحلقات العلمية في المساجد حرص كثير من الخلفاء والوزراء في هذا القرن على بناء المدارس في كثير من الأقطار الإسلامية، وكلفوا أشهر علماء العصر بالتدريس فيها واحداً بعد آخر.
كما ذكر عن بعض علماء هذا العصر أنه أوقف كتبه على طلاب العلم.
وهذا وذاك من بناء المدارس ووقف الكتب يبين صفحة أخرى من صفحات الحركة العلمية في هذا القرن.
فمن المدارس التي أقيمت في هذا القرن المدرسة النظامية ببغداد، والمدرسة التاجية(1)، وما أوقفه الوزير سابور بن أردشير من دور العلم(2)، وما أوقفه العلامة أبو عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله الحميدي من كتبه(3) ووقف الوزير أبو منصور؛ بهرام بن مافَنَّهْ، خزانة كتب تشتمل على سبعة آلاف مجلد(4)، وما أوقفه الوزير أحمد بن يوسف المنازعي من كتب كثيرة على جامعي آمد ومَيَافارَقين(5).
هذه بعض المظاهر للحركة العلمية في هذا القرن، ويمكن من خلالها التعرف على ما زخر به هذا القرن من همة ونشاط في مجال دراسة السنة النبوية وعلومها، والتصنيف فيها.
التصنيف في السنة النبوية وعلومها في القرن الخامس
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: التصنيف في علوم الحديث
أولاً: كتب علوم الحديث:
ألف علماء القرن الخامس في علوم الحديث ومصطلحاته وقواعده كتباً كثيرة، منها:
1- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463ه)(6). مطبوع عدة طبعات، منها طبعة دار المعارف بالرياض بتحقيق د. محمود الطحان عام 1403ه.
__________
(1) انظر : البداية والنهاية (16/126) .
(2) انظر : المرجع السابق (15/607) .
(3) انظر : تذكرة الحفاظ (4/1221) .
(4) انظر : البداية والنهاية (15/685) .
(5) انظر : المرجع السابق (15/698) .
(6) له ترجمة في : فهرسة ابن خير (181) ، والسير (18/270) .(11/9)
2- الكفاية في علم الرواية. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (551)، وهو مطبوع عدة طبعات منها طبعة دار الكتب الحديثة بالقاهرة بتحقيق الشيخ محمد الحافظ التيجاني.
3- المدخل إلى السنن الكبرى. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين ابن علي البيهقي (ت: 458ه)(1). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (93)، والروداني في الصلة (407)، وطبعته دار الخلفاء بالكويت بتحقيق د.محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
4- كتاب الشواهد في إثبات خبر الواحد. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت:463ه)(2). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1129).
5- الرحلة في طلب الحديث. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (557)، وطبعته دار الكتب العلمية بتحقيق الدكتور نور الدين عتر. عام 1395 ه.
6- المدخل إلى علم الصحيح. وسماه سزكين: المدخل إلى معرفة الصحيحين. للحافظ الكبير إمام المحدثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد ابن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع(ت:405ه). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/1043)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/274)
7- الإكليل. وسماه سزكين: المدخل إلى معرفة الإكليل. للحافظ الحاكم أبي عبدالله أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1043)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/455) وذكر مخطوطاته، وطبعته دار الدعوة بمصر. بتحقيق د.فؤاد عبدالمنعم أحمد.
8- معرفة علوم الحديث. للحافظ الكبير الحاكم أبي عبدالله أيضاً. ذكره القاضي عياض في الغنية (40، 73، 141)، وطبع عدة طبعات منها طبعة مكتبة طبرية بتحقيق الدكتور السيد معظم حسين.
__________
(1) له ترجمة في : السير (18/163) ، ووفيات الأعيان (1/75) .
(2) له ترجمة في : فهرسة ابن خير (214) ، والسير (18/153) .(11/10)
9- من حَدَّث ونسي جزءاً للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (578)، والصلة (212).
ثانياً: كتب الإجازة:
تعد الإجازة قسما من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله، ولها أنواع كثيرة(1)، وقد ألف علماء القرن الخامس في بعض أنواعها، ومنها:
1- إجازة المجهول والمعدوم. للحافظ الكبير أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وحاجي خليفة (1/10).
ثالثاً: كتب المسلسلات:
الحديث المسلسل: ما تتابع رجال إسناده على صفة أو حالة(2).
وقد اعتنى المحدثون بهذا النوع، وحرص كثير منهم على روايته، ومن المؤلفات فيه في القرن الخامس:
1- المسلسلات. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت:430 هـ)(3). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (600)، والروداني في الصلة (388)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (656).
2- المسلسلات. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
3- مسلسل الأسودين التمر والماء(4). لمحدِّث دمشق ومفتيها الحافظ أبي محمد؛ عبدالعزيز بن أحمد بن علي التميمي الدمشقي الكتاني الصوفي (ت: 466 هـ)(5).
4- مسلسل العيدين. للحافظ الكبير الخطيب البغدادي أيضاً. طبعته مكتبة الرشد بالرياض. بتحقيق مجدي فتحي السيد.عام 1416هـ.
__________
(1) انظر : علوم الحديث لابن الصلاح (134) .
(2) انظر : المقنع في علوم الحديث لابن الملقن (447) .
(3) له ترجمة في : البداية والنهاية (15/674) ، والسير (17/453) .
(4) انظر : كتب المسلسلات عند المحدثين (73) .
(5) له ترجمة في : السير (18/248) ، والشذرات (3/325) .(11/11)
5- مسلسل العيدين. لمحدث دمشق الحافظ الكتاني الصوفي أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (117).
6- علة الحديث المسلسل في يوم العيدين. لأبي محمد؛ عبدالله بن يوسف القاضي الجرجاني (ت: 489 هـ)(1). طبعته دار الوطن بالرياض. بتحقيق د.محمد بن تركي التركي. عام 1420 هـ.
رابعاً: كتب الرباعيات والخماسيات:
وهي الكتب التي اعتنت بجمع الأحاديث المسلسلة بأربعة من الصحابة أو خمسة يروي بعضهم عن بعض(2).
1- الرباعي في الحديث. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني بن سعيد ابن علي الأزدي المصري (ت: 409 هـ)(3). ذكره ابن جابر في برنامجه (ص: 252)، وابن خير في فهرسته (ص: 219)، وابن رشيد في ملء العيبة (2/322)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/461) - وأشار إلى مخطوطاته - وطبع في مجلة الجامعة السلفية في الهند (م 16 عدد 3) بتحقيق محمد عزيز شمس، ثم طبعته دار عمار بالأردن بتحقيق/علي حسن علي عبدالحميد عام 1408هـ.
2- الرباعيات. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463ه). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
3- الخماسيات. لمسند العراق أبي الحسين؛ أحمد بن محمد بن أحمد بن النقور البغدادي البزاز (ت:470هـ)(4). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1159)، والكتاني في الرسالة (99).
خامساً: كتب الأطراف:
وطريقتها ذكر حديث الصحابي مفردا كأهل المسانيد، إلا أنهم يذكرون طرفا من الحديث في الغالب خلاف أصحاب المسانيد، فإنهم يذكرون الحديث بتمامه(5)، وقد شارك محدثو القرن الخامس بالتصنيف في هذا الباب، فمما صنفوا في ذلك:
__________
(1) له ترجمة في : السير (19/159) ، والتذكرة (4/1227) .
(2) انظر : فتح الباري (13/12) .
(3) له ترجمة في : المنتظم (7/291) ، والسير (17/268) .
(4) له ترجمة في : تاريخ بغداد (4/381) ، والسير (18/372) .
(5) انظر : مقدمة تحقيق تحفة الأشراف للمزي (1/2) .(11/12)
1- أطراف الصحيحين. لأبي محمد؛ خلف بن محمد بن علي بن حمدون الواسطي (ت:401 هـ)(1). ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (15/534)، والذهبي في التذكرة (3/1068)، والكتاني في الرسالة (167)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/255).
2- أطراف الصحيحين. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت:430 هـ). ذكره الدكتور محمد أبو زهو في الحديث والمحدثون (ص: 434).
3- كتاب الأطراف. للحافظ أبي مسعود؛ إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (ت: 401 هـ)(2)،(خ). ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/533)، والذهبي في التذكرة (3/1068).
سادساً: كتب طرق الحديث:
اعتنى المحدثون بتخريج كثير من الأحاديث النبوية المشتملة على موضوع هام، أو كانت مما اختلفت فيه أنظار المحدثين ما بين مصحح ومضعف، وقد كان لعلماء القرن الخامس مشاركة في التصنيف في هذا النوع من المصنفات الحديثية، ومن تلك المصنفات:
1 ـ طرق حديث المغفر. للحافظ أبي محمد؛ عطية بن سعيد الأندلسي المغربي القفصي (ت: 408 هـ)(3). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1088)(4).
2 ـ طرق حديث الطير. لأبي طاهر؛ محمد بن أحمد بن علي بن حمدان الخراساني (كان حيا سنة:441هـ)(5). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1112).
3 ـ المحبين مع المحبوبين. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (327)(6).
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ بغداد (8/334) ، والبداية والنهاية (15/534) .
(2) له ترجمة في : البداية والنهاية (15/533) ، والسير (17/227) .
(3) له ترجمة في : تاريخ بغداد (12/322) ، والسير (17/412) .
(4) وذكر أنه في أجزاء عدة .
(5) له ترجمة في : السير (17/663) .
(6) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/576) : جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث ـ يعني حديث (المرء مع من أحب) ـ في جزء سماه كتاب المحبين مع المحبوبين وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين .(11/13)
4 ـ طرق حديث قبض العلم. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463ه). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والكتاني في الرسالة (112).
5 ـ جزء فيه طرق حديث (( إن لله تسعة وتسعين اسما )) للحافظ أبي نعيم الأصبهاني أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (342).
6 ـ جزء فيه طرق (( زر غبا تزدد حبا )) للحافظ أبي نعيم أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (245).
سابعاً: كتب العوالي:
يعد الإسناد العالي ميزة يحرص على تحصيلها الحفاظ في كل العصور، وذلك لما في العلو من فوائد كثيرة، ولذا قال الإمام أحمد: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف(1).
وقد حرص علماء القرن الخامس على جمع الأحاديث العالية الإسناد فأفردوها بالتصنيف، ومن تلك المصنفات:
1- عوالي سفيان بن عيينة. للحافظ الإمام المتفنن محدث مصر أبي إسحاق؛ إبراهيم بن سعيد بن عبدالله النعماني الحبال المصري (ت:482هـ)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1192).
2- العوالي. لمسند نيسابور أبي زكريا؛ يحيى بن محمد بن يحيى النيسابوري المزكي (ت: 414 هـ) (3). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/468)، وأشار إلى مخطوطه.
3- عوالي مالك. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1498).
ثامناً: كتب الجمع بين الصحيحين:
لقي الصحيحان عناية تامة تليق بمكانهما في الإسلام لدى علماء الحديث قاطبة بعد الإمامين: البخاري ومسلم.
__________
(1) انظر : الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع (117) .
(2) له ترجمة في : السير (18/495) ، وحسن المحاضرة (1/353) .
(3) له ترجمة في : السير (17/295) ، وتذكرة الحفاظ (3/1058) .(11/14)
وقد تنوعت أوجه الاهتمام بهما أنواعا كثيرة، ومنها الجمع بين الصحيحين في مصنف واحد يشتمل على أحاديثهما بطريقة معينة ومنهج خاص بكل مصنف، وقد كان لمحدثي القرن الخامس مشاركة في التصنيف في هذا النوع، ومن تلك المصنفات:
1- الجمع بين الصحيحين. للحافظ الثبت الإمام القدوة أبي عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي الميورقي (ت: 48 ه )(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (172)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1219)، والحافظ ابن حجر في المعجم (1731)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/599)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (128)، وسزكين في تاريخ التراث العربي (1/1/244).
2- الجمع بين الصحيحين. لإسماعيل بن أحمد المعروف بابن الفرات السرخسي الهروي (ت: 414هـ). ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (1/599).
تاسعاً: كتب معاجم الشيوخ والرواة:
اهتم كثير من المحدثين بجمع أسماء مشايخهم في معاجم خاصة، وبعضهم أضاف إليها بعض مسموعاته من أولئك الشيوخ.
وكذلك صنفوا في الرواة عن حافظ معين أو إمام مبرز، وقد كان لمحدثي القرن الخامس مصنفات في هذين النوعين من أهمها:
1- معجم الشيوخ. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت:434هـ)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1104).
2- معجم الحافظ الكبير إمام المحدثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيِّع (ت: 405 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (784)، والروداني في الصلة (371).
__________
(1) له ترجمة في : السير (19/120) ، والشذرات (3/392) .
(2) له ترجمة في : تاريخ بغداد (11/141) ، والسير (17/554) .(11/15)
3- معجم ابن جميع. للحافظ أبي الحسن؛ محمد بن أحمد بن محمد بن جميع الغساني الصيداوي (ت: 402 هـ) (1). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/453).
4- المشيخة الصغيرة. للحافظ الكبير أبي علي؛ الحسن بن أحمد بن إبراهيم ابن شاذان البغدادي (ت: 425 هـ) (2). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (802)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (626)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/476).
5- مشيخة أبي علي بن شاذان. للحافظ أبي علي بن شاذان أيضاً. ذكرها الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (801)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (626).
6- معجم الرواة عن شعبة. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
عاشراً: المصنفات في الأفراد والغرائب:
يعد علم الأفراد والغرائب من أدق علوم الحديث؛ حيث يتطلب الخوض فيه دراية تامة بروايات الحديث وطرقه، واطلاعا واسعا بأوجه روايته.
وقد صنف بعض حفاظ القرن الخامس في هذا النوع مصنفات من أهمها:
1- الأفراد والغرائب المخرجة من أصول أبي الحسن البغدادي. لأبي محمد؛ خلف بن محمد بن علي بن حمدون الواسطي (ت: 401هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/453).
2- الأفراد. للحافظ أبي علي بن شاذان أيضاً. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/475)، وأشار إلى مخطوطه.
حادي عشر: المصنفات في علل الحديث:
معرفة علل الحديث من أدق علوم الحديث التي لم يخض غمارها إلا الأئمة النقاد، والحفاظ الأفذاذ من أئمة الحديث في كل عصر.
ولم يخل القرن الخامس من أئمة خاضوا غماره وتكلموا على علل الحديث في أثناء مصنفاتهم أو أفردوه بالتصنيف.
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/152) ، والوافي (2/60) .
(2) له ترجمة في : تاريخ بغداد (7/279) ، والسير (17/415) .(11/16)
1- ومن أولئك الحافظ أبو مسعود؛ إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (ت: 401 هـ). حيث ذكر الذهبي في التذكرة (3/1069) أنه وقف على جزء له في أحاديث معللة تنبئ بحفظه ونقده.
ثاني عشر: كتب الناسخ والمنسوخ:
من الأنواع التي صنف فيها المحدثون معرفة الناسخ والمنسوخ، وذلك لما له من أثر بالغ في الأحكام الشرعية، وقد اعتنى بالتصنيف فيه محدثو القرن الخامس، ومما صنفوا فيه:
1- الناسخ والمنسوخ، للحافظ أبي القاسم؛ هبة الله بن سلامة البغدادي (ت: 410 هـ)(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (132)، والذهبي في التذكرة (3/1051).
2- الناسخ والمنسوخ. للحافظ الثبت أبي المطرف؛ عبدالرحمن بن محمد بان عيسى بن فطيس القرطبي (ت402ه)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1061)(3).
ثالث عشر: رواية الصحابة عن التابعين:
من اللطائف الإسنادية في علوم الحديث أن يروي صحابي عن تابعي.
وقد اعتنى المحدثون بإبراز مثل هذه اللطائف في مصنفات خاصة، ومما صنفه محدثو القرن الخامس في ذلك:
1- ما روى الصحابة عن التابعين. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم (560)، والروداني في الصلة (249).
رابع عشر: رواية الأبناء عن آبائهم، والآباء عن أبنائهم:
من اللطائف الإسنادية أيضاً رواية الأبناء عن آبائهم، ورواية الآباء عن أبنائهم.
وقد اعتنى محدثو القرن الخامس بهذا النوع وأفردوه بالتصنيف ومن مصنفاتهم في ذلك:
1- رواية الأبناء عن آبائهم. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1140).
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ بغداد (12/98) ، والسير (17/311) .
(2) له ترجمة في : السير (17/210) ، والشذرات (3/163) .
(3) وذكر أنه في ثلاثين جزءاً .(11/17)
2- رواية الآباء عن أبنائهم. للخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (561)، والروداني في الصلة (249).
خامس عشر: كتب الإخوة:
وهي الكتب التي اعتنت بذكر الإخوة الذين يجمعهم وصف كونهم من رواة الحديث.
ومما صنفه محدثو القرن الخامس في ذلك:
1- كتاب الإخوة. لأبي المطرف؛ عبدالرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس القرطبي (ت 402 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1061)(1).
سادس عشر: المراسيل:
ويقصد بها رواية التابعي عن الرسول من غير ذكر للصحابي(2)، وقد تطلق على مطلق الانقطاع.
ومن مصنفات محدّثي القرن الخامس في ذلك:
1- كتاب مبهم المراسيل. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
سابع عشر: المزيد في متصل الأسانيد:
وهي المصنفات التي اعتنت بذكر الزيادات التي زادها بعض الرواة في الأسانيد على سبيل الوهم والخطأ.
ومن مصنفات محدّثي القرن الخامس في ذلك:
1- تمييز المزيد في متصل الأسانيد. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره ابن الصلاح في علوم الحديث (ص: 260)، والذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
ثامن عشر: كتب المدلسين:
وهي الكتب التي اختصت بذكر المدلسين، ومما ألفه محدّثو هذا القرن من ذلك كتاب:
1- أسماء المدلسين. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
تاسع عشر: المدرج:
وهي المصنفات التي اعتنت بتمييز الكلام الذي أدرجه بعض الرواة في الحديث وليس منه، أو غير ذلك من صوره.
ومن مصنفات محدثي القرن الخامس في ذلك:
__________
(1) وذكر الذهبي أنه في أربعين جزءا .
(2) انظر : المقنع في علوم الحديث (ص : 129) .(11/18)
1- كتاب الفصل للوصل المدرج في النقل. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره ابن الصلاح في علوم الحديث (ص: 89)، وابن خير في فهرسته (ص: 182)، والنووي في التقريب (1/257)، والذهبي في التذكرة (3/1139،1140)، والحافظ ابن حجر في النكت (2/811)، والصنعاني في توضيح الأفكار (2/66)، وطبعته دار الصميعي بالرياض. بتحقيق د.محمد بن مطر الزهراني. عام 1418 هـ.
عشرون: كتب المبهمات:
وهي المصنفات التي اعتنت بتعيين من أبهم في إسناد أو متون الأحاديث كرجل، أو امرأة، أو ابن فلان أو بنته، ونحو ذلك.
ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- الغوامض والمبهمات. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني ابن سعيد بن علي الأزدي المصري (ت: 409 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/470)، وابن خير في فهرسته (ص:219)، والبغدادي في هدية العارفين (1/589)، والألباني في فهرسة مخطوطات الظاهرية (ص: 348)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/461) - وأشار إلى مخطوطاته - وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (5/273).
2- المبهمات. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم (558)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (245)، وله عدة نسخ في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وطبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة. بتحقيق د.عزالدين علي السيد. عام 1405 هـ باسم (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة).
الحادي والعشرون: المقلوب:
وهي المصنفات التي اعتنت بتوضيح ما قلب إسناده أو متنه؛ كحديث مشهور عن سالم جعل لنافع.
ومما صنفه محدِّثو القرن الخامس في ذلك:(11/19)
1- مقلوب الأسماء. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
المبحث الثاني: التصنيف في الحديث النبوي
أولاً: كتب المسانيد:
يعد التصنيف على المسانيد أحد أنواع تصنيف الحديث النبوي، وقد ظهر هذا النوع في بدايات التصنيف في الحديث، وكان لمحدثي القرن الخامس مصنفات في هذا النوع، فمن ذلك:
1- المسند. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني (ت: 425 هـ) (1). ذكره الخطيب في تاريخه (4/374)، والذهبي في التذكرة (3/1074).
2- وذكر الذهبي في التذكرة (3/1074) أن البرقاني صنف حديث الثوري وشعبة، وعبيدالله بن عمر، وعبدالملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق.
3- المسند. لمحدث أصبهان أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن محمد بن إسحاق ابن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني (ت:470هـ)(2). ذكره الكتاني في الرسالة (31).
4- مسند بهز بن حكيم. لأبي طاهر؛ محمد بن أحمد بن علي ابن حمدان الخراساني (كان حيا سنة: 441 هـ)(3). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1112).
5- مسند ابن جميع. للحافظ أبي الحسن؛ محمد بن أحمد بن محمد بن جميع الغساني الصيداوي (ت: 402 هـ). ذكره الكتاني في الرسالة (74)، والشيخ عبدالرحمن المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (1/88).
6- مسند الصحيحين. للمحدث المفيد الجوال أبي مسلم؛ عمر بن علي بن أحمد بن الليث الليثي البخاري (ت: 466 هـ)(4). ذكره الذهبي في التذكرة (4/1236).
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ بغداد (4/373) ، والسير (17/464) .
(2) له ترجمة في : السير (18/349) ، والشذرات (3/337) .
(3) له ترجمة في : السير (17/663) .
(4) له ترجمة في : السير (18/407) ، ولسان الميزان (4/319) .(11/20)
7- مسند المقلين من الأمراء والسلاطين. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد ابن عبدالله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت:414هـ)(1). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/467)، وأشار إلى مخطوطاته، وطبعته الدار السلفية بالكويت. بتحقيق صبحي جاسم السامرائي.
8- مسند الشعراء. للحافظ الثبت العلامة أبي بكر؛ أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت: 410 هـ)(2). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1297).
9- بحر الأسانيد في صحاح المسانيد. للحافظ الإمام الرحَّالة قوام السنة أبي محمد؛ الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي (ت:491 ه) (3). ذكره الذهبي في التذكرة (4/1231)(4).
10- مسند محمد بن سوقة. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
11- المسند. للحافظ الثبت العلامة أبي بكر؛ أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت: 410 هـ). ذكره الكتاني في الرسالة (26).
12- مسانيد القراء. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1447)، والروداني في الصلة(367).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/289) ، والوافي بالوفيات (10/397) .
(2) له ترجمة في : تاريخ أصبهان (1/168) ، والسير (17/308) .
(3) له ترجمة في : السير (19/205) ، والشذرات (3/394) .
(4) ونقل عن عمر بن محمد النسفي أن صاحب الكتاب جمع فيه مائة ألف حديث ، وأنه لو رتب وهذب لم يقع في الإسلام مثله ، وذكر أنه يقع في ثمانمائة جزء .(11/21)
13- مسند الشهاب. للقاضي أبي عبدالله؛ محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي المصري (ت: 454 هـ)(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (101، 131، 154)، وابن جابر في برنامجه (ص:217)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (240)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (435)، وطبعته مؤسسة الرسالة ببيروت. بتحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي. عام 1407هـ.
14- حديث أبي العشراء الدارمي. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد بن عبدالله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت: 414ه). طبعته دار البصائر ببيروت. بتحقيق بسام عبدالوهاب الجابي.
ثانياً: كتب المستخرجات:
صنف محدثو القرن الخامس مستخرجات على بعض الكتب المهمة، فمن ذلك:
1- السنة. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن علي بن محمد بن منجويه اليزدي الأصبهاني (ت: 428 هـ)(2).
ذكر الذهبي في التذكرة (3/1086) أنه خرجه على سنن أبي داود.
2- مستخرج على الصحيحين. له أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة في الموضع السابق.
3- مستخرج على جامع الترمذي. له أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة في الموضع السابق.
4- مستدرك على الصحيحين. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد ابن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي(ت: 434ه). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1106)، والشيخ عبدالرحمن المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (1/95).
5- المسند على الصحيحين. للحافظ المفيد الإمام أبي محمد؛ الحسن بن محمد ابن الحسن الخلال البغدادي (ت: 439 هـ)(3). ذكره الخطيب في تاريخه (7/425)، والذهبي في التذكرة (3/1110).
__________
(1) له ترجمة في : السير (18/92) ، وحسن المحاضرة (1/403) .
(2) له ترجمة في : السير (17/438) ، والوافي 2/217) .
(3) له ترجمة في : تاريخ بغداد (7/425) ، والسير (17/593) .(11/22)
6- المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الناس للمعرفة. لمحدث أصبهان أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني(ت: 470هـ). ذكره الشيخ عبدالرحمن المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (1/93)(1)، والكتاني في الرسالة (31)(2).
7- المستخرج على صحيح البخاري. للحافظ الثبت العلامة أبي بكر؛ أحمد ابن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت:410 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1051).
8- المستخرج على صحيح البخاري. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1097)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (23)، والكتاني في الرسالة (26).
9- المستخرج على صحيح مسلم. للحافظ أبي نعيم الأصبهاني أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1097)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (24)، ثم طبعته دار الكتب العلمية ببيروت. بتحقيق محمد حسن الشافعي. عام 1996م.
10- مسند الأحاديث في المصافحة. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني (ت: 425 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس ( 505)(3)، والروداني في الصلة (365).
11- مستخرج على كتاب التوحيد لابن خزيمة. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت:430ه). ذكره الكتاني في الرسالة(31).
__________
(1) وقال المباركفوري : جمعه من كتب الناس ، واستخرجه للتذكرة .
(2) وقال الكتاني : جمع فيه فأوعى .... وكثيرا ما ينقل عن مستخرجه المذكور الحافظ ابن حجر في كتبه ، فيقول : ذكر ابن مندة في مستخرجه ، وتارة يقول : في تذكرته .
(3) وقال : وهو منتزع من مستخرجه على الصحيحين ، مرتب على مسانيد الصحابة من عواليه .(11/23)
12- المستخرج على الإلزامات. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد ابن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت:434هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (506)، والروداني في الصلة (368).
13- التخريج لصحيح الحديث. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني (ت: 425 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس ( 1372)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/474) - وأشار إلى مخطوطه - وطبعت الجزء الأول منه دار ابن حزم بالرياض. بتحقيق رضا بوشامة الجزائري. عام 1420هـ.
ثالثاً: كتب الصحاح:
صنف علماء الحديث مصنفات كثيرة، بعضها قصد فيها مصنفوها جمع السنة النبوية من غير تمييز للصحيح من غيره، وقصد بعضهم التصنيف فيما صح خاصة من الأحاديث النبوية، وقد كان لعلماء القرن الخامس مساهمة في التصنيف في الحديث الصحيح، ومن ذلك:
1- كتاب الجامع في صحيح الحديث باختصار الأسانيد. للعلامة الحافظ الفقيه المجتهد أبي محمد؛ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري (ت: 456 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1147).
2- الصحيح. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت: 434 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1104).
رابعاً: السنن والجوامع:
صنف علماء القرن الخامس مصنفات وجوامع للأحاديث النبوية على الأبواب الفقهية، ومن تلك المصنفات:
__________
(1) له ترجمة في : السير (18/184) ، ووفيات الأعيان (3/325) .(11/24)
1- السنن الكبير. ويقال لها السنن الكبرى. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد ابن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (37)، والكتاني في الرسالة (33)(1)، وطبعته دائرة المعارف النظامية بالهند في عشرة مجلدات كبار عام 1344 هـ.
2- السنن الصغير. للحافظ أبي بكر البيهقي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، والشيخ عبدالرحمن المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (1/86)(2)، وطبعته مكتبة الدار بالمدينة النبوية، بتحقيق د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، عام 1410 هـ.
3- معرفة السنن والآثار. له أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، وطبعته جامعة الدراسات الإسلامية بتحقيق د. عبدالمعطي قلعجي عام 1412هـ.
4- الجامع. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت: 434 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1106).
5- الحافظ المفيد أبو الفتح؛ محمد بن أحمد بن عبدالله بن سمكويه الأصبهاني (ت: 482 هـ)(3). ذكر الذهبي في التذكرة (4/1213) أنه صنف في الأبواب.
خامساً: كتب الآداب والفضائل:
وهي كتب مفردة في باب أو أكثر من أبواب الفضائل والآداب، وقد كان لمحدثي القرن الخامس عناية بهذا النوع من المصنفات، فمما صنفوا في ذلك:
__________
(1) وقال الكتاني : الكبرى مستوعبة لأكثر أحاديث الأحكام ، وعليها حاشية للشيخ علاء الدين .... المعروف بابن التركماني المتوفى سنة خمسين وسبعمائة سماها الجوهر النقي في الرد على البيهقي في سفر كبير أكثرها اعتراضات عليه ومناقشات له ومباحثات معه .
(2) وقال الشيخ عبدالرحمن المباركفوري : وهما (يعني الكبير والصغير) على ترتيب مختصر المزني لم يصنف في الإسلام مثلهما .
(3) له ترجمة في : المنتظم (9/52) ، والسير (19/16) .(11/25)
1- الآداب. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت:458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، والحافظ ابن حجر في المعجم (244)، وطبعته مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت بتحقيق أبي عبدالله السعيد المندوه عام 1408 هـ.
2- جامع بيان العلم وفضله. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف ابن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت:463ه). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1129)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (418)، وطبعته دار الكتب الإسلامية بمصر. بتقديم عبدالكريم الخطيب. عام 1402 هـ.
3- بهجة المجالس. له أيضاً. ذكره القاضي عياض في الغنية (207)، والذهبي في التذكرة (3/1129) وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (510)، وطبع عدة مرات.
سادساً: كتب الأذكار والأدعية، وعمل اليوم والليلة:
أفرد علماء الحديث الأذكار والأدعية في مصنفات خاصة، وذلك لمكانة الدعاء والذكر من الدين.
ومما صنفه محدثو القرن الخامس في ذلك:
1- الدعاء. للحافظ الكبير إمام المحدثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله ابن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (341)، والروداني في الصلة(234).
2- كتاب الدعوات. للحافظ العلامة أبي العباس؛ جعفر بن محمد المستغفري النسفي (ت: 432 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1102)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (2/1417).
3- الدعوات الكبير. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره ابن الجوزي في المنتظم (8/242)، والذهبي في التذكرة (3/1132) وحاجي خليفة في كشف الظنون (2/1417)، وطبعته جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت. بتحقيق بدر بن عبدالله البدر. عام 1409هـ.
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/564) ، والوافي بالوفيات (11/149) .(11/26)
4- الدعوات. لأبي الحسن؛ علي بن أحمد الواحدي (ت:468هـ). ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (2/1417).
5- كتاب الدعاء. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت: 434هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1106).
6- عمل اليوم والليلة. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1097)، وابن جابر في برنامجه (ص:223) والحافظ ابن حجر في المعجم (353)، والروداني في الصلة (302)، والكتاني في الرسالة (57).
سابعاً: كتب الترغيب والترهيب:
ويقصد بها الأحاديث التي ترغب في الأعمال والأقوال الصالحة، أو تحذر عن الأعمال والأقوال السيئة.
ومن مصنفات محدثي القرن الخامس في ذلك:
1- الترغيب والترهيب. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132).
ثامناً: كتب الزهد:
وهي المصنفات المشتملة على الأحاديث والآثار التي تحث على الزهد في الحياة الدنيا وعدم الاغترار بها.
وقد صنف محدثو القرن الخامس عدة مؤلفات في هذا النوع ومنها:
1- الزهد. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (261).
2- الزهد الكبير. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (265)(1)، والكتاني في الرسالة (51)، وطبعته مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت بتحقيق عامر أحمد حيدر. عام1408ه.
3- الزهد الصغير. له أيضاً. ذكره الكتاني في الرسالة (51).
تاسعاً: كتب المواعظ:
__________
(1) إلا أن اسمه عنده : الزهد . من غير وصف له بالكبير .
وإسناد المطبوع باسم الكبير هو نفس إسناد الحافظ ابن حجر له .(11/27)
وهي المصنفات الوعظية المشتملة على رقائق ومواعظ تلين القلوب وتردع النفوس عن الغي والظلم.
ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- كتاب الذهب المسبوك في وعظ الملوك. للحافظ الثبت الإمام القدوة أبي عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي الميورقي (ت: 488 هـ). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1219).
2- كتاب سنن الصالحين وسنن العابدين. للحافظ العلامة ذي الفنون أبي الوليد؛ سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي القرطبي الذهبي (ت: 474 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1180).
3- كتاب سبيل المهتدين. للحافظ أبي الوليد الباجي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1180).
عاشراً: كتب الأربعينات، والمائة، والألف:
تفنن المحدثون في تصنيف الحديث النبوي على أنواع كثيرة، منها تصنيف الكتب المشتملة على أربعين أو مائة أو ألف حديث، وقد كان لمحدثي القرن الخامس إسهامات في التصنيف على هذه الأنواع، ومن ذلك:
1- أربعين الصوفية. للحافظ أبي سعيد؛ أحمد بن محمد بن أحمد الهروي الماليني الصوفي (ت: 411 هـ)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1070).
2- الأربعين. للحافظ الزاهد أبي عبدالرحمن؛ محمد بن الحسين بن محمد السلمي النيسابوري (ت: 412 ه )(3). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (908)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (990)، وطبع في حيدر آباد الدكن بالهند. عام 1401هـ.
3- كتاب الأربعين. لشيخ الإسلام أبي إسماعيل؛ عبدالرحمن بن إسماعيل الصابوني (ت: 449 ه )(4). ذكره الكتاني في الرسالة (103).
__________
(1) له ترجمة في : السير (18/535) ، ووفيات الأعيان (2/408) .
(2) له ترجمة في : تاريخ جرجان (82 ، 83) ، والسير (17/301) .
(3) له ترجمة في : تاريخ بغداد (2/248) ، والسير (17/247) .
(4) له ترجمة في شذرات الذهب (3/283) .…(11/28)
4- كتاب الأربعين. لمحمد بن وكيع بن دواس بن الشرقي الطوسي. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/452)(1).
5- الأربعين. للحافظ الكبير إمام المحدثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت:405ه). ذكره القاضي عياض في الغنية (209)، والحافظ ابن حجر في المعجم (911).
6- الأربعين المخرجة من المصافحات. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني (ت: 425 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس ( 909)، والروداني في الصلة (79).
7- الأربعون على مذهب المتحققين من الصوفية. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (912) ـ وسماه: الأربعين في آداب الصوفية - وابن جابر في برنامجه (ص: 266)، وله نسخة خطية بجامعة الإمام، وطبعته دار ابن حزم ببيروت. بتحقيق بدر بن عبدالله البدر. عام 1414 هـ.
8- الأربعين المخرجة من السنن الكبرى. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الحافظ في المعجم(918)(2).
9- الأربعون الكبرى. للحافظ البيهقي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132).
10- الأربعين الصغرى. للحافظ البيهقي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، والحافظ ابن حجر في المعجم (917)، وابن جابر في برنامجه (ص: 268)، وطبعته دار الكتب العلمية ببيروت. بتحقيق محمد السعيد زغلول. عام 1407 هـ.
11- المائة. للحافظ شيخ الإسلام، الإمام أبي إسماعيل، عبدالله بن محمد بن علي الهروي الأنصاري (ت: 481 هـ)(3). ذكره الكتاني في الرسالة(104).
__________
(1) وذكر أنه ربما عاش في أوائل القرن الخامس الهجري .
(2) ولعله والذي بعده كتاب واحد .
(3) له ترجمة في المنتظم (9/44) ، والسير (18/503) .(11/29)
12- المائتان. لشيخ الإسلام أبي إسماعيل؛ عبدالرحمن بن إسماعيل الصابوني (ت: 449 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (1495)، والكتاني في الرسالة (105) والروداني في الصلة (394، والبغدادي في هدية العارفين (1/210).
13- ألف حديث عن مائة شيخ. للحافظ أبي المظفر؛ منصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني المروزي (ت:489 هـ)(1). ذكره الكتاني في الرسالة (105).
الحادي عشر:كتب المستدركات والتعقبات:
وهي الكتب التي استدرك بها مؤلفوها على من سبقهم في التصنيف في نوع معين من أنواع علوم الحديث أو تعقبوهم فيها بقصد الإحاطة بجميع جوانب الموضوع، أو التنبيه على وهم أو خطأ.
ومن الكتب التي صنفها محدثو القرن الخامس في هذا النوع:
1- المستدرك على الصحيحين. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (29)، والشيخ عبدالرحمن المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (1/94)(2)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (333)، وطبعته دائرة المعارف النظامية بالهند. عام 1345 هـ.
2- مجلس من أوهام أبي عبدالله البخاري في تاريخه الكبير. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري (ت:409هـ). ذكره ابن خير في فهرسته (ص:224)، وطبع في آخر التاريخ الكبير.
__________
(1) له ترجمة في : المنتظم (9/102) ، والسير (19/114) .
(2) وذكر المباركفوري أن الحاكم زاد فيه في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين وقد خرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط واحد منهما وما أداه اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما .(11/30)
3- كشف الأوهام التي في كتاب المدخل الذي صنفه الحاكم النيسابوري. للحافظ عبدالغني أيضاً. ذكره القاضي عياض في الغنية (133، 179)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/461)، وأشار إلى مخطوطاته، وطبعته مكتبة المنار بالأردن. بتحقيق/مشهور حسن سلمان.
الثاني عشر: كتب المختصرات:
يعد الاختصار نوعا من التأليف باعتبار أن المختصر يكون على دراية تامة بالكتاب الذي يختصره وبمنهج مؤلفه فيه، وقد كان لمحدثي القرن الخامس مصنفات في اختصار بعض الكتب المهمة في السنة النبوية، ومن تلك المصنفات:
1- إرشاد الساري إلى اختصار صحيح البخاري. للحافظ أبي القاسم؛ علي ابن الحسن بن محمد بن عبيدالله اليزدي (كان حيا سنة: 488 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث العربي(1/1/244) وأشار إلى مخطوطه.
2- ملخص الموطأ. لأبي الحسن؛ علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي (ت: 403 هـ)(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (42)،والذهبي في التذكرة (3/1079)، وابن جابر في برنامجه (206)، والكتاني في الرسالة(14)(2).
الثالث عشر: مصنفات الشروح، والغريب:
ويقصد بها المصنفات التي تناولت بالشرح والبيان مؤلفاً حديثياً له مكانته الهامة بين المصنفات الحديثية، أو لتوضيح غريب الحديث.
ومما صنفه محدثو هذا القرن في ذلك:
1- شرح البخاري. للحافظ أبي الحسن؛ علي بن خلف بن بطال القرطبي (ت: 449 هـ) (3). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1127)، وسزكين في تاريخ التراث العربي 1/1/229)، وأشار إلى مخطوطاته، وهو مطبوع.
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/158) ، والشذرات (3/168) .
(2) وذكر الكتاني أنه جمع فيه ما اتصل إسناده من حديث مالك في الموطأ رواية عبدالرحمن بن القاسم المصري ونقل عن أبي عمرو الداني قوله : وهو خمسمائة حديث وعشرون حديثا ، وقال غيره : هو على صغر حجمه جيد في بابه .
(3) له ترجمة في : السير (18/47) ، والشذرات (3/283) .(11/31)
2- تفسير غريب ما في الصحيحين. للحافظ الثبت الإمام القدوة أبي عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي الميورقي (ت:488 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/275).
3- كتاب الغريبين. للحافظ العلامة أبي عبيد؛ أحمد بن محمد بن محمد بن أبي عبيد العبدي الهروي (ت:401ه)(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (176، 203)، والكتاني في الرسالة (156)، وهو مطبوع.
4- المعاني. للحافظ العلامة ذي الفنون أبي الوليد؛ سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي القرطبي الذهبي (ت:474هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1180)(2).
5- اختلاف الموطآت. للحافظ أبي الوليد الباجي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1180).
6- الخلافيات. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، وهو مطبوع.
7- التمهيد. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت:463 هـ). ذكره القاضي عياض في الغنية (217)، والذهبي في التذكرة (3/1129) وابن حجر في المعجم المفهرس (627)، وطبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب بتحقيق جمع من المحققين(3).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/146) ، ووفيات الأعيان (1/90) .
(2) ذكر الذهبي أنه في شرح الموطأ ، وأنه في عشرين مجلدا ، ووصفه بكونه عديم النظير ، وذكر الحافظ ابن كثير في البداية (16/80) له أيضا كتاب المنتقى في شرح الموطأ .
(3) ونقل الذهبي عن ابن حزم قوله : لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلا فكيف أحسن منه ؟ .(11/32)
8- الاستذكار. للإمام أبي عمر بن عبدالبر أيضاً. ذكره القاضي عياض في الغنية (217)، والذهبي في التذكرة (3/1129) والحافظ ابن حجر في المعجم (628)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (83)، وطبعته دار قتيبة ببيروت. بتحقيق د.عبدالمعطي قلعجي. عام1413ه(1).
9- التقصي لحديث الموطأ. للإمام أبي عمر بن عبدالبر أيضاً. ذكره القاضي عياض في الغنية (43، 139، 195)، والذهبي في التذكرة (3/1129)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (10)، وابن جابر في برنامجه (ص: 205)، وطبعته مكتبة القدسي عام 1350 هـ باسم ((تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)).
10- كتاب شرح أحاديث الموطأ. للعلامة الحافظ الفقيه المجتهد أبي محمد؛ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري (ت:456 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1147).
11- الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع. للفقيه العلامة ابن حزم الظاهري أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1147)(2).
المبحث الثالث: تصنيف الأمالي، والمجالس، والأجزاء، والفوائد الحديثية.
أولاً: كتب الأمالي، والمجالس الحديثية:
حرص المحدثون على عقد مجالس لإملاء الحديث رغبة منهم في نشره بين الطلاب(3).
وكان لمحدثي القرن الخامس نصيبٌ من التصنيف في الأمالي والمجالس الحديثية فمن ذلك:
1- الأمالي. للحافظ المفيد الإمام أبي محمد؛ الحسن بن محمد بن الحسن الخلال البغدادي (ت: 439 هـ). ذكرها سزكين في تاريخ التراث العربي (1/1/480)، وأشار إلى مخطوطه.
__________
(1) وهو اختصار التمهيد.
(2) وذكر الذهبي أنه كتاب كبير في فقه الحديث، وأنه أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول.
(3) انظر الجامع لأخلاق الراوي . للخطيب (2/55 ، 56) .(11/33)
2- الأمالي. لمسند نيسابور أبي زكريا؛ يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي النيسابوري (ت: 414 هـ). ذكرها الذهبي في التذكرة (3/1058).
3- الأمالي. لمسند أصبهان أبي عبدالله؛ محمد بن إبراهيم بن جعفر الفروي الجرجاني اليزيدي (ت: 408 هـ)(1). ذكرها الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1063)، وسزكين في تاريخ التراث العربي (1/1/459)، وأشار إلى مخطوطاتها.
4- الأمالي. لمسند نيسابور أبي طاهر؛ محمد بن محمد بن محمش الزيادي (ت:410هـ)(2). ذكرها سزكين في تاريخ التراث العربي (1/1/459)، وأشار إلى مخطوطاتها.
5- المجالس. لمحمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري (ت:430هـ)(3). ذكرها سزكين في تاريخ التراث العربي (1/1/477)، وأشار إلى مخطوطاتها.
6- مجالس الجرجاني؛ لمسند أصبهان أبي عبدالله الفروي الجرجاني اليزيدي أيضاً. ذكرها الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1060).
ثانياً: الأجزاء والفوائد الحديثية:
أكثر محدثو القرن الخامس من التصنيف في الأجزاء والفوائد الحديثية، وذلك لكونها تختص بباب واحد من أبواب العلم أو الفضائل أو الأحكام.
ولما تتميز به من الاختصار غالبا وعدم التطويل.
وبنظرة فيما صنفه محدثو القرن الخامس في هذا النوع، يمكن الجزم بكونه من أكثر الأنواع التي صنفوا فيها.
وقد تنوعت طرائقهم في التصنيف في هذا النوع؛ فمن مصنفات عنيت بدراسة موضوع محدد، إلى مصنفات عنيت بذكر أحاديث متفرقة لا يجمعها باب واحد من أبواب العلم.
ومن مصنفاتهم في هذا الباب:
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/286) ، والشذرات (3/187) .
(2) له ترجمة في : السير (17/276) ، والتذكرة (3/1051) .
(3) له ترجمة في : السير (17/638) ، والشذرات (3/271) .(11/34)
1- جزء في ذم أكل الطين. لمحدث أصبهان أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن محمد ابن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني (ت: 470هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (220)، والكتاني في الرسالة (32)، والروداني في الصلة (210).
2- جزء فيه شهر رمضان. لمحدث دمشق ومفتيها الحافظ أبي محمد؛ عبدالعزيز بن أحمد بن علي التميمي الدمشقي الكتاني الصوفي (ت: 466هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (151).
3- جزء في فضل شهر رجب. له أيضاً. ذكره ابن حجر في المعجم المفهرس (153)، والروداني في الصلة (319).
4- فضائل الأوقات. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (158)، وطبعته مكتبة المنارة بمكة المكرمة بتحقيق عدنان عبدالرحمن القيسي. عام 1410هـ.
5- شهادة الزور. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري،المالكي (ت:434هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1106).
6- صلاة التسبيح. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
7- صوم يوم الشك. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
8- غسل الجمعة. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
9- شعر أصحاب الحديث. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/457).
10- كتاب المنامات. للحافظ العلامة أبي العباس؛ جعفر بن محمد المستغفري النسفي (ت: 432 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1102).(11/35)
11- صلاة الضحى. للحافظ الكبير أبي عبدالله الحاكم أيضاً. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس ( 111)، والروداني في الصلة (286)، والكتاني في الرسالة (47).
12- حفظ الجار. للحافظ الثبت الإمام القدوة أبي عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي الميورقي (ت: 488 هـ). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1219).
13- ذم النميمة. للحافظ الثبت أبي عبدالله الحميدي أيضاً. ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1219).
14- التختم في الإسلام. لمحدث أصبهان أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني (ت: 470هـ). ذكره ابن جابر في برنامجه (ص: 243).
15- العيدين. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت:434 هـ). ذكره ابن خير في فهرسته (ص: 286)، والذهبي في التذكرة (3/1106).
16- شرف أصحاب الحديث. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وطبعته دار إحياء السنة بتركيا، بتحقيق د.محمد سعيد خطيب أوغلي. عام 1971 م.
17- اقتضاء العلم العمل. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم (262)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (96)، وطبعه المكتب الإسلامي ببيروت. بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. عام 1397ه.
18- تقييد العلم. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139،1140)، وطبع بتحقيق يوسف العش.
19- الانتصار لأصحاب الحديث. للحافظ أبي المظفر؛ منصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني المروزي (ت:489 هـ). ذكره الكتاني في الرسالة(56).(11/36)
20- حديث إسلام زيد بن حارثة وغيره من أحاديث الشيوخ. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد بن عبدالله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت:414). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/467)، وأشار إلى مخطوطه.
21- العمل بشاهد ويمين. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
22- القضاة والشهود. لأبي سعيد؛ محمد بن علي بن عمرو بن مهدي النقاش الحنبلي الأصبهاني(ت414ه)(1). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (226) - وسماه: القضاء - والكتاني في الرسالة (48)، والروداني في الصلة (341).
23- أدب الصحبة. 24- الفتوة. كلاهما للحافظ الزاهد أبي عبدالرحمن؛ محمد بن الحسين بن محمد السلمي النيسابوري (ت:412 ه ). ذكر الأول منهما القاضي عياض في الغنية (134)، وابن جابر في برنامجه (ص:261)، وطبعته دار الصحابة بمصر بتحقيق مجدي فتحي السيد. عام 1410 هـ، وأشار المحقق المذكور إلى مكان حفظ الثاني منهما، وذكرهما جميعا الكتاني في الرسالة (54).
25- فضل الديك. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (223).
26- رياضة المتعلمين. للحافظ أبي نعيم الأصبهاني أيضاً. ذكره القاضي عياض في الغنية (132)، وابن جابر في برنامجه (ص:225)، والحافظ ابن حجر في المعجم (279)، والبغدادي في هدية العارفين (1/75) وسماه: الرياضة والأدب(2).
27- المنامات النبوية. للحافظ الإمام المتقن أبي علي؛ أحمد بن محمد بن أحمد البرداني البغدادي (ت: 498 هـ) (3). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1232)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (444)، والروداني في الصلة (423).
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ أصبهان (2/308) ، والسير (17/307) .
(2) طبعت دار العاصمة بالرياض كتابا لأبي نعيم باسم رياضة الأبدان . وأظنه والمذكور هنا واحدا .
(3) له ترجمة في : المنتظم (9/144) ، والسير (19/219) .(11/37)
28- الأنس والسلوة. لأبي يعقوب؛ إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي الهروي القراب (ت: 429 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1101).
29- شمائل العباد. لأبي يعقوب القراب أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة(3/1101).
30- بستان العارفين. للمحدث أبي الفضل؛ محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي (ت: 482 هـ)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1195).
31- كتاب الخطب النبوية. للحافظ العلامة أبي العباس؛ جعفر بن محمد المستغفري النسفي (ت: 432 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1102).
32- الطب النبوي. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت:430 هـ). ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/674)، والذهبي في التذكرة (3/1097)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (127)، والكتاني في الرسالة (55)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (2/1095)، والروداني في الصلة (294).
33- قربان المتقين في أن الصلاة قرة عين العابدين. للحافظ أبي نعيم الأصبهاني أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1097)، والحافظ ابن حجر في المعجم (113)، والكتاني في الرسالة (57)، والروداني في الصلة(337).
34- صفة الجنة. للحافظ أبي نعيم الأصبهاني أيضاً. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/674)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (473)، وطبعته دار المأمون بدمشق. بتحقيق علي رضا عبدالله. عام1406هـ.
35- فضل السواك. له أيضاً. ذكره الكتاني في الرسالة (46).
36- فضل العلم. له أيضاً. ذكره الكتاني في الرسالة (56).
37- كتاب الأسرى. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/570) ، والشذرات (3/244) .
(2) له ترجمة في : السير (18/588) ، والتذكرة (3/1195) .(11/38)
38- كتاب الفرائض. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت: 463 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1129).
39- فنون العجائب. للحافظ أبي سعيد؛ محمد بن علي بن عمرو الأصبهاني النقاش الحنبلي (ت 414 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (441)، والروداني في الصلة (324)، وطبعته مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت بتحقيق مصطفى عبدالقادر عطا. عام 1410 هـ.
40- الوخشيات. للحافظ أبي علي؛ الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر البلخي الوخشي (ت: 471 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1172)(2).
41- مجالس في الحديث. للحافظ أبي الحسن؛ علي بن عمر بن محمد المعروف بابن القزويني (ت: 442 هـ)(3). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/484)، وأشار إلى مخطوطه.
42- حديث. للحافظ أبي طالب؛ محمد بن محمد بن عثمان بن عمران البندار يعرف بابن السواق البغدادي(ت:440هـ)(4). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/481)، وأشار إلى مخطوطه.
43- حديث. للحافظ أبي بكر؛ عمر بن روح بن علي النهرواني المعروف بابن البابنائي (ت: 404 هـ)(5). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/449).
44- حديث. للحافظ أبي الحسن المعروف بابن القزويني أيضاً. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/484)، وأشار إلى مخطوطه.
45- حديث. لمحدث بغداد أبي الحسن؛ محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزقويه البزاز (ت: 412)(6). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/464)، وأشار إلى مخطوطه.
__________
(1) له ترجمة في : السير (18/365) ، واللسان (2/241) .
(2) وذكر أنه في خمسة أجزاء .
(3) له ترجمة في : تاريخ بغداد (12/43) ، والسير (17/609) .
(4) له ترجمة في : تاريخ بغداد (3/235) ، والسير (17/622) .
(5) له ترجمة في : تاريخ بغداد (11/271) .
(6) له ترجمة في : تاريخ بغداد (1/351) ، والسير (17/258) .(11/39)
46- حديث. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن طلحة بن أحمد بن هارون المنقي (ت: 426 هـ)(1). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/475).
47- حديث. للحافظ الكبير أبي علي؛ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي (ت: 425 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/475).
48- حديث أبي سهل؛ أحمد بن محمد بن عبدالله بن زياد القطان. للحافظ أبي علي بن شاذان أيضاً. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/476).
49- حديث شعبة بن الحجاج. للحافظ أبي علي بن شاذان أيضاً. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/476).
50- جزء الأستاذ أبي معشر؛ عبدالكريم بن عبدالصمد بن محمد بن علي القطان الطبري الشافعي (ت: 478 هـ)(2). ذكره الكتاني في الرسالة (88)(3).
51- جزء فيه مجلسا السلمي وابن بالويه. للحافظ الزاهد أبي عبدالرحمن محمد بن الحسين بن محمد السلمي النيسابوري (ت:412 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1266)، وابن جابر في برنامجه (ص: 245).
52- جزء من حديث. للحافظ أبي القاسم؛ عبدالعزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الخياط الأزجي (ت: 444 هـ)(4). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/482)، وأشار إلى مخطوطه.
53- جزء. لأبي الحسن؛ أحمد بن عبدالعزيز بن أحمد بن حامد التميمي بن ترتال البغدادي (ت: 408 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/458)، وأشار إلى مخطوطاته.
54- جزء فيه انتقاء من حديث أهل البصرة. للحافظ الثبت العلامة أبي بكر؛ أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت: 410هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/463)، وأشار إلى مخطوطه.
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ بغداد (4/212) ، والسير (17/477) .
(2) له ترجمة في : السير (18/488) .
(3) وذكر الكتاني أنه ذكر فيه ما رواه أبو حنيفة عن الصحابة .
(4) له ترجمة في : تاريخ بغداد (10/468) ، والسير (18/18) .(11/40)
55- جزء حديثي. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت:405هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/457)، وأشار إلى مخطوطه.
56- الأجزاء الثقفيات. للحافظ أبي عبدالله؛ القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي الأصبهاني (ت: 489 هـ)(1). ذكره الكتاني في الرسالة (91)(2). وذكره الكتاني في الرسالة (93).
57- الأجزاء الخلعيات. لمسند مصر القاضي أبي الحسن؛ علي بن الحسن بن الحسين الشافعي المعروف بالخلعي ( ت:492ه) (3). ذكره الكتاني في الرسالة (91) (4).
58- الأجزاء الكنجروديات. تخريج أبي سعيد؛ علي بن موسى النيسابوري المعروف بالسكري ( ت: 465 ه ) (5) من حديث أبي سعيد محمد بن عبدالرحمن الكنجرودي. ذكره الكتاني في الرسالة ( 93).
59- جزء من رواية الحافظ الكبير أبي علي؛ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي (ت: 425 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/476).
60- حديث. لأبي بكر؛ أحمد بن علي بن لال. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/451)(6).
61- حديث. للحافظ أبي الحسن؛ محمد بن أحمد بن محمد بن جميع الغساني الصيداوي (ت: 402 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/454).
62- الحديث. لأبي الحسن؛ محمد بن طلحة بن محمد بن عثمان النعالي (ت:413 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/466)، وأشار إلى مخطوطه.
63- حديث. للحافظ أبي الحسن؛ علي بن أحمد بن عمر الحمامي (ت:417ه). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/470)، وأشار إلى مخطوطه.
__________
(1) له ترجمة في : السير (19/8) ، والشذرات (3/393) .
(2) وذكر أنه عشرة أجزاء .
(3) له ترجمة في : السيرة (19/74)، والنجوم الزاهرة (5/164).
(4) وذكره أنه عشرون جزءاً.
(5) له ترجمة في : السير (18/423) ، والشذرات (3/323).
(6) وذكر سزكين أنه ربما عاش في أوائل القرن الخامس الهجري .(11/41)
64- حديث. للحافظ أبي نصر؛ محمد بن أحمد بن العكبري البقال (كان حيا سنة: 417 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/470)، وأشار إلى مخطوطه.
65- أحاديث. للحافظ أبي الحسن؛ عبدالرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر الجوبري (ت: 425 هـ )(1). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1083)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/473).
66- أحاديث. لمحمد بن أبي نصر المكي البلخي (كان حيا سنة: 430ه). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/478)، وأشار إلى مخطوطه.
67- أحاديث. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي(ت:434هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس ( 1184)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/479)، وأشار إلى مخطوطه.
68- الفوائد المنتقاة العوالي. أو: فوائد أبي طاهر المخلص. للحافظ المجود أبي الفتح؛ محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن أبي الفوارس البغدادي (ت: 412) (2). ذكره الكتاني في الرسالة (96)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/465) وأشار إلى مخطوطاته(3).
69- فوائد ابن قانع وغيره. للحافظ الكبير أبي علي؛ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي (ت: 425 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/476).
70- فوائد أبي الحسين؛ محمد بن علي بن عبدالله بن عبدالصمد، يعرف بابن الغريق (ت: 465 هـ)(4). ذكره الكتاني في الرسالة (96).
71- فوائد أبي عمرو؛ عبدالوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني (ت: 475 هـ)(5). ذكره الكتاني في الرسالة (95).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/415) ، والشذرات (3/229) .
(2) له ترجمة في : تاريخ بغداد (1/352) ، والسير (17/223) .
(3) وذكر سزكين أنه مختارات من الأحاديث التي جمعها محمد بن عبدالرحمن بن العباس المخلص .
(4) له ترجمة في : تاريخ بغداد (3/108) ، والسير (18/241) .
(5) له ترجمة في : السير (18/440) ، والشذرات (3/348) .(11/42)
72- فوائد الحديث. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد بن عبدالله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت: 414). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/467)، وأشار إلى مخطوطاته.
73- الفوائد. لمحمد بن عبدالله بن بشران. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/450).
74- فوائد. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت:434 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/479)، وأشار إلى مخطوطه.
75- فوائد. لمسند الديار المصرية الحافظ أبي عبدالله؛ محمد بن الفضل بن نظيف المصري الفراء (ت: 431 هـ)(1). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/479)، وأشار إلى مخطوطه.
76- الفوائد. للحافظ أبي الحسين؛ علي بن محمد بن عبدالله بن بشران الأموي المعدِّل (ت: 415 هـ)(2)، وهو مطبوع. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/469).
77- الفوائد. للحافظ أبي طالب؛ محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمذاني البزاز (ت: 440 هـ)(3). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/481).
78- فوائد. لأبي أحمد؛ عبدالله بن محمد بن شجاع المضري. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/450)(4).
79- الفوائد. لأبي علي؛ عبدالرحمن بن محمد بن فضالة النيسابوري. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/451)(5).
80- فوائد. لأبي الحسين؛ أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة الثقفي حاكم الكوفة. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/451)(6).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/476) ، النجوم الزاهرة (5/31) .
(2) له ترجمة في : تاريخ بغداد (12/98) ، والسير (17/311) .
(3) له ترجمة في : تاريخ بغداد (3/234) ، والسير (17/598) .
(4) وقال سزكين : يحتمل أنه كان يؤلف أوائل القرن الخامس الهجري .
(5) له ترجمة في : لسان الميزان (3/433) .
(6) ذكر سزكين أنه ربما كان يعيش في أوائل القرن الخامس الهجري .(11/43)
81- الفوائد. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت:405هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/457)، وأشار إلى مخطوطه.
82- الفوائد. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد الرازي (ت:414هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (1044)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (336)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/467)، وطبعته مكتبة الرشد بالرياض. بتحقيق/حمدي بن عبدالمجيد السلفي.
83- فوائد. للحافظ أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن عبيدالله بن عبدالله بن محمد السمسار المعروف بالحرفي البغدادي(ت:423هـ)(1). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/473).
84- فوائد منتقاة. للحافظ أبي الحسن؛ أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم ابن الصلت القرشي العبدي (ت: 405 هـ)(2). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/458)، وأشار إلى مخطوطه.
85- الفوائد المنتقاة عن الشيوخ الثقات من حديث أبي الحسين؛ محمد بن أحمد العباس بن الإخميمي. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد، عبدالغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري (ت: 409هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/461)، وأشار إلى مخطوطاته.
86- فوائد. لأبي القاسم؛ عبدالرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي الشيباني (ت: 414 هـ)(3). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/469)، وأشار إلى مخطوطه.
87- الفوائد والنوادر. لأبي الحسين؛ محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أبي علي الأصفهاني (ت: 428 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/477).
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ بغداد (10/303) ، والسير (17/411) .
(2) له ترجمة في : تاريخ بغداد (5/94) ، والسير (17/186) .
(3) له ترجمة في : السير (17/262) ، ولسان الميزان (3/424) .(11/44)
88- النوادر. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد بن عبدالله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت: 414). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (440)، والروداني في الصلة (435).
المبحث الرابع: التصنيف في التواريخ والتراجم والسير.
يعد علم التاريخ والسير ومعرفة الرجال من أهم علوم الحديث التي لا يستغني عنها طلاب الحديث فضلا عن أئمته وعلمائه.
وذلك لكونه به تعرف أحوال الرواة، ومنزلتهم من الثقة أو عدمها.
وقد أولى علماء الحديث في القديم والحديث علم التاريخ بمختلف أنواعه عنايتهم التامة، فتفننوا في تصنيفه وتنويعه.
وقد كان لمحدثي القرن الخامس نصيب وافر من تلك العناية، فتفننوا في التصنيف فيه على حسب الأنواع الآتية:
أولاً: كتب تراجم الصحابة والتابعين:
وهي المصنفات التي اختصت بتراجم الصحابة أو التابعين خاصة، ومن مصنفات محدثي القرن الخامس في ذلك:
1- معرفة الصحابة. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/674)، والذهبي في التذكرة (3/1097)، وطبعته دار الوطن بالرياض. بتحقيق/عادل بن يوسف العزازي. عام 1419 هـ.
2- فضائل الصحابة. لأبي المطرف؛ عبدالرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس القرطبي (ت 402 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1061)(1)، والكتاني في الرسالة (58).
3- فضائل الخلفاء الأربعة. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (454)، والروداني في الصلة (314)، وطبعته دار البخاري بالمدينة المنورة. بتحقيق صالح بن محمد العقيل. عام 1417 هـ.
4- كتاب معرفة الصحابة. للحافظ العلامة أبي العباس؛ جعفر بن محمد المستغفري النسفي (ت: 432 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1102).
5- فضائل الصحابة. للحافظ أبي نعيم الأصبهاني أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1097)، والكتاني في الرسالة (58).
__________
(1) وذكر الذهبي أنه في مائة جزء .(11/45)
6- الاستيعاب في معرفة الأصحاب. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت: 463هـ). ذكره القاضي عياض في الغنية (81، 195) ـ وسماه: الصحابة ـ والذهبي في التذكرة (3/1129)، وابن جابر في برنامجه (ص:215)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (401، 406)، وطبعته مكتبة نهضة مصر بالقاهرة. بتحقيق علي بن محمد البجاوي.
7- معرفة التابعين. لأبي المطرف؛ عبدالرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس القرطبي (ت 402 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1061)(1).
ثانياً: كتب التواريخ الشاملة:
يعد علم التواريخ ومعرفة الرجال من أهم علوم الحديث التي لا يستغني عنها طلاب الحديث فضلا عن أئمته وعلمائه.
وذلك لكونه به تعرف أحوال الرواة، ومنزلتهم من الثقة أو عدمها.
وقد أولى علماء الحديث في القديم والحديث علم التاريخ بمختلف أنواعه عنايتهم التامة، فتفننوا في تصنيفه وتنويعه.
وقد كان لمحدثي القرن الخامس نصيب وافر من تلك العناية، فتفننوا في التصنيف فيه على أنواع كثيرة منها: التواريخ الشاملة، ومما ألفه محدثو القرن الخامس من ذلك:
1- تاريخ السنين. لأبي يعقوب؛ إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي الهروي القراب (ت: 429 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1101)(2).
2- جمل تاريخ الإسلام. للحافظ الثبت الإمام القدوة أبي عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي الميورقي (ت: 488 هـ). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1219).
3- الوفيات. لمحدث أصبهان أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني (ت: 470 هـ). ذكره الكتاني في الرسالة (31).
__________
(1) وذكر الذهبي أنه في مائة وخمسين جزءاً .
(2) ذكر الذهبي أنه صنفه في وفيات أهل العلم من أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سنة موته وهي سنة تسع وعشرين وأربعمائة .(11/46)
4- ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم. لمحدث دمشق ومفتيها الحافظ أبي محمد؛ عبدالعزيز بن أحمد بن علي التميمي الدمشقي الكتاني الصوفي (ت: 466). طبعته دار العاصمة بالرياض. بتحقيق د. عبدالله بن أحمد الحمد. عام 1409 هـ.
5- الحافظ الثبت العلامة أبو بكر؛ أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت: 410 هـ). ذكر الكتاني في الرسالة (26) أن له مصنفا في التاريخ.
6- الحافظ المحدث أبو الفضل؛ أحمد بن علي بن عمر البيكندي البخاري (ت: 404 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1036)، وأنه وقف له على تأليف في أسماء الرجال.
7- مزكي الأخبار. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت:405ه).
8- الإرشاد في معرفة المحدِّثين. للحافظ أبي يعلى؛ الخليل بن عبدالله الخليلي القزويني (ت: 446 هـ)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1123)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (693)، وابن جابر في برنامجه (ص: 257)، وطبعته مكتبة الرشد بالرياض. بتحقيق دمحمد بن سعيد ابن عمر. عام 1409 هـ.
9- الطبقات. لأبي الفضل؛ علي بن الحسين الهمذاني المشهور بالفلكي(3). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1125) (4).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/200) ، والشذرات (3/172) .
(2) له ترجمة في : السير (17/666) ، والشذرات (3/274) .
(3) قال الذهبي : كان جده محتشما بارعا في علم الفلك والحساب ولذا قيل له : الفلكي .
(4) ذكر الذهبي أنه في الرجال ، وأنه جاء في ألف جزء .(11/47)
10- حلية الأولياء. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/674)(1)، والذهبي في التذكرة (3/1094)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (280)، وصورته دار الريان بمصر. عام 1407 هـ عن طبعة المكتبة السلفية.
11- السابق واللاحق. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (572)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (634)، وطبعته دار طيبة بالرياض. بتحقيق د.محمد بن مطر الزهراني. عام 1402 هـ.
12- الإنباه عن قبائل الرواة. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف ابن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت: 463هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1129)، وطبعته دار الكتاب العربي ببيروت، بتحقيق إبراهيم الأبياري. عام 1405 هـ.
13- كتاب القصد والأمم في أنساب العرب والعجم. للإمام أبي عمر بن عبدالبر أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1129)، وطبع بتحقيق إبراهيم الأبياري.
ثالثاً: كتب تواريخ البلدان:
وهي المصنفات التي اعتنت بذكر وبيان أحوال محدثي وحفاظ بلد معين، ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- تاريخ بخارى. للحافظ العالم محدث ما وراء النهر أبي عبدالله؛ محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان البخاري المعروف بغنجار (ت:412هـ)(2). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1052)، والحافظ ابن حجر في المعجم (725)، والروداني في صلة الخلف (162).
__________
(1) وقال : في مجلدات كثيرة ، دلت على اتساع روايته ، وكثرة مشايخه ، وقوة اطلاعه على مخارج الأحاديث وتشعب طرقها .
(2) له ترجمة في : السير (17/304) ، والوافي بالوفيات (2/60) .(11/48)
2- الذيل على تاريخ بخارى للغنجار. للحافظ أبي حامد؛ أحمد بن محمد بن ماما الأصبهاني (ت: 436)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1118).
3- تاريخ بغداد. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم (720)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (440، 819)، وطبعته دار الكتاب العربي ببيروت.
4- تاريخ أصبهان. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/675) والذهبي في التذكرة (3/1097)، والحافظ ابن حجر في المعجم (729)، وطبعته الدار العلمية بالهند. عام 1405 هـ.
5- تاريخ سمرقند. لأبي سعد؛ عبدالرحمن بن محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الإدريسي الأستراباذي (ت:405ه )(2). ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/559)، والذهبي في التذكرة (3/1062).
6- تاريخ أستراباذ. لأبي سعد الإدريسي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1062).
7- تاريخ الأندلس. للحافظ الثبت الإمام القدوة أبي عبدالله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي الميورقي (ت: 488 هـ). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1219).
8- تاريخ شيراز. للحافظ المفيد الجوال أبي القاسم؛ هبة الله بن عبدالوارث ابن علي الشيرازي (ت:485، وقيل:486هـ)(3). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1215).
9- تاريخ نيسابور. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت:405ه). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (724)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/456).
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/580) ، والوافي (7/361) .
(2) له ترجمة في : البداية والنهاية (15/559) ، والسير (17/226) .
(3) له ترجمة في : السير (19/17) ، والشذرات (3/379) .(11/49)
10- كتاب تاريخ نسف. للحافظ العلامة أبي العباس؛ جعفر بن محمد المستغفري النسفي (ت:432هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1102).
11- كتاب تاريخ كش. للحافظ المستغفري أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1102).
12- وفيات المصريين. للحافظ الإمام المتفنن محدِّث مصر أبي إسحاق؛ إبراهيم بن سعيد بن عبدالله النعماني الحبال المصري (ت: 482هـ). طبعته دار العاصمة بالرياض. بتحقيق/محمود بن محمد الحداد. عام 1408ه.
13- تاريخ علماء أهل مصر. لأبي القاسم؛ يحيى بن علي بن محمد بن إبراهيم الحضرمي المصري المعروف بابن الطحان (ت:416هـ)(1). طبعته دار العاصمة بالرياض. بتحقيق محمود بن محمد الحداد.عام 1408ه.
رابعاً: كتب السؤالات:
ويقصد بها المصنفات المشتملة على أسئلة وأجوبة عن أحوال الرواة ألقيت على إمام من الأئمة فدونت إجاباته فيها، ومن مصنفات محدثي القرن الخامس في ذلك:
1- سؤالات الحافظ الفقيه الرحال أبي سعيد؛ مسعود بن ناصر بن عبدالله بن أحمد السجزي (ت:477هـ)(2) لأبي عبدالله الحاكم. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1118)، والحافظ في المعجم المفهرس (695)، وطبعته دار الغرب الإسلامي ببيروت. بتحقيق د/موفق بن عبدالله بن عبدالقادر. عام 1408هـ.
2- سؤالات أبي عبدالله الحاكم النيسابوري، للدارقطني وأجوبته في أسامي مشايخ من أهل العراق. ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/457)، وأشار إلى مخطوطه، وطبعته مكتبة المعارف بالرياض بتحقيق د/موفق بن عبدالله بن عبدالقادر. عام 1404 هـ.
__________
(1) انظر : كشف الظنون (304) ، ومعجم المؤلفين (13/213) .
(2) له ترجمة في : المنتظم (9/13) ، والسير (18/532) .(11/50)
3- سؤالات أبي بكر البرقاني وجوابات الدارقطني. للحافظ أبي بكر؛ أحمد ابن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني (ت: 425 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (587)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/474)، وطبع في باكستان بتحقيق د. عبدالرحيم بن محمد القشقري. عام 1404 هـ.
خامساً: كتب التراجم الخاصة برجال كتب معينة:
وهي المصنفات التي اعتنت ببيان أحوال رواة كتب معينة، ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح. للحافظ العلامة ذي الفنون أبي الوليد؛ سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي القرطبي الذهبي (ت: 474 هـ). ذكره القاضي عياض في الغنية (135، 184)، وابن كثير في البداية والنهاية (16/80)، والذهبي في التذكرة (3/1180)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/252)، وطبعته دار اللواء بالرياض. بتحقيق دأبو لبابة حسين. عام 1406 هـ.
2- الإمام الحافظ أبو القاسم؛ هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت: 418 هـ) (1). ذكر الذهبي في التذكرة (3/1083) أن له كتابا في رجال الصحيحين.
3- رجال صحيح الإمام مسلم. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن علي بن محمد ابن منجويه اليزدي الأصبهاني (ت:428ه). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس ( 697)، والروداني في الصلة (249)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/272)، وطبعته دار المعرفة ببيروت. بتحقيق عبدالله الليثي. عام 1407 هـ.
4- التعريف برجال الموطأ. للحافظ أبي عبدالله؛ محمد بن يحيى بن أحمد يعرف بابن الحذاء التميمي البصري (ت:410 هـ)(2). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (1763)، والكتاني في الرسالة (209)(3)، وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (12/99).
__________
(1) له ترجمة في : تاريخ بغداد (14/70) ، والسير (17/419) .
(2) له ترجمة في : السير (17/444) ، والشذرات (3/206) .
(3) وذكر أنه في أربعة أسفار .(11/51)
5- كتاب من روى عن الشافعي. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد بن عبدالله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت:414). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/468).
6- تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت:405 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث(1/1/274).
7- أجوبة الحاكم النيسابوري على منصرفه من بغداد عن أسئلة أهل الحديث عن جماعة من الخراسانيين لم يقفوا على محلهم من الجرح والتعديل. ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (694)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/457)- وأشار إلى مخطوطه - وطبعته دار الغرب الإسلامي ببيروت. بتحقيق د.موفق بن عبدالله بن عبدالقادر. عام1408ه.
8- الرواة عن مالك. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم (687)، والكتاني في الرسالة (113).
سادساً: كتب الضعفاء خاصة:
ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- كتاب الضعفاء. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت:430ه). طبعته دار الثقافة بالمغرب. بتحقيق د.فاروق حمادة. عام1405ه.
سابعاً: كتب الأسماء والكنى والألقاب:
وهي المصنفات التي اعتنت بذكر أسماء رواة الحديث وكناهم، وألقابهم التي اشتهروا بها.
ومما ألفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- الأسماء والكنى. للحافظ أبي أحمد؛ محمد بن عمر بن أحمد بن إسحاق (كان حيا سنة 413 هـ). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/466)، وأشار إلى مخطوطه.
2- كتاب الكنى والألقاب. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 هـ). ذكره الكتاني في الرسالة (120).(11/52)
3- كتاب الاستغناء في معرفة الكنى. للإمام الحافظ؛ حافظ المغرب أبي عمر؛ يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (ت:463هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1129)، والكتاني في الرسالة (121).
4- من عرف من الصحابة بالكنية ولم يوقف له على اسم أو اختلف فيه.
5- أسماء المعروفين بالكنية من التابعين ومن بعدهم. كلاهما للحافظ الإمام أبي عمر؛ يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي أيضاً.
6- كتاب الألقاب والكنى. لأبي بكر؛ أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد الفارسي الشيرازي (ت: 407 هـ)(1). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1066)، والكتاني في الرسالة (120)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/463)، وأشار إلى مخطوطه.
7- منتهى الكمال في معرفة ألقاب الرجال. لأبي الفضل؛ علي بن الحسين الهمذاني المشهور بالفلكي. ذكره الكتاني في الرسالة (121).
8- فتح الباب في الكنى والألقاب. لمحدث أصبهان أبي القاسم؛ عبدالرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني (ت:470هـ). ذكره الكتاني في الرسالة (121)(2).
ثامناً: من وافقت كنيته اسم أبيه:
وهي الكتب التي اعتنت بتمييز الرواة الذين وافقت كناهم أسماء آبائهم، ومما ألفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- من وافقت كنيته اسم أبيه. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463ه). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
تاسعاً: المؤتلف والمختلف، والمشتبه:
وهي المصنفات التي اعتنت بتمييز ما يتفق في الخط دون اللفظ(3) من أسماء الرواة.
ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/242) ، والشذرات (3/184 ، 190) .
(2) وانظر مقدمة د.عبدالرحيم القشقري في تحقيقه لكتاب الكنى والأسماء ، للإمام مسلم (1/14) .
(3) انظر : تدريب الراوي (2/297) ، وفتح المغيث (3/213) .(11/53)
1- المؤتلف والمختلف. لأبي الوليد؛ عبدالله بن محمد بن يوسف بن نصر بن الفرضي القرطبي (ت: 403ه)(1). ذكره الحميدي في جذوة المقتبس (538)، وابن كثير في البداية والنهاية (15/551)، والذهبي في التذكرة(3/1077).
2- المؤتلف والمختلف. للحافظ أبي سعيد؛ أحمد بن محمد بن أحمد الهروي الماليني الصوفي (ت: 411 هـ). ذكره السخاوي في فتح المغيث (3/214)، والحافظ ابن حجر في تبصير المنتبه (4/1512)، والكتاني في الرسالة (103).
3- مشتبه النسبة: لأبي الوليد بن الفرضي القرطبي أيضاً. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (15/551)، والذهبي في التذكرة (3/1077)، وابن خلكان في وفيات الأعيان (3/105).
4- مشتبه النسبة. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري (ت: 409 هـ). ذكره الرافعي في التدوين (1/343)، والقاضي عياض في الغنية (134)، والحافظ ابن حجر في الإصابة (2/73)، وابن خير في فهرسته (ص:217) والكتاني في الرسالة (87)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/460)، وأشار إلى مخطوطاته، ونشره محمد الجعفري الزيتي في الهند سنة 1332 هـ مع المؤتلف.
__________
(1) له ترجمة في : جذوة المقتبس (538) ، والبداية والنهاية (15/551) .(11/54)
5- الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب. لأبي نصر؛ علي بن هبة الله بن جعفر المعروف بالأمير ابن مأكولا (ت:475ه)(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (69)، وابن خير في فهرسته (ص: 219) وابن كثير في البداية والنهاية (16/84)(2)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (293)، وطبعه محمد أمين دمج ببيروت. بتصحيح العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي.
6- تهذيب مستمر الأوهام على ذوي المعرفة وأولي الأفهام. لابن مأكولا أيضاً. ذكره الذهبي في السير (18/569)، وابن خلكان في وفيات الأعيان (3/305)، وطبعته دار الكتب العلمية ببيروت. بتحقيق سيد كسروي حسن. عام 1410 هـ.
7- المؤتنف لتكملة المؤتلف والمختلف للدارقطني. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره القاضي عياض في الغنية (77)، وابن كثير في البداية (16/84)، والذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وابن خلكان في وفيات الأعيان (3/305).
8- المؤتلف والمختلف. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني بن سعيد ابن علي الأزدي المصري (ت:409ه). ذكره الرافعي في التدوين (1/343)، والقاضي عياض في الغنية (134)، والذهبي في التذكرة (3/1049)، وابن نقطة في التقييد (2/135)، وابن خلكان في الوفيات (3/223)، والسيوطي في حسن المحاضرة (1/165)، وابن خير في فهرسته (ص: 216)، وابن العماد في الشذرات (3/188)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/460)، وأشار إلى مخطوطاته، ونشره محمد الجعفري الزيتي في الهند سنة 1332 هـ مع مشتبه النسبة.
__________
(1) له ترجمة في : البداية والنهاية (16/83) ، والسير (18/569) .
(2) وقال : وهو في غاية الإفادة ورفع الالتباس ، والضبط ، ولم يوضع مثله ، ولا يحتاج هذا الأمير بعده إلى ذكر فضيلة أخرى ، ففيه دلالة على كثرة اطلاعه وضبطه وتحريره وإتقانه .(11/55)
9- الزيادات في كتاب المؤتلف والمختلف لعبدالغني. للحافظ العلامة أبي العباس؛ جعفر بن محمد المستغفري النسفي (ت:432ه). ذكره السخاوي في فتح المغيث (3/214)، وسزكين في تاريخ التراث(1/1/460).
10- المؤتلف والمختلف. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
11- المؤتلف والمختلف. لأبي القاسم؛ يحيى بن علي بن محمد بن إبراهيم الحضرمي المصري المعروف بابن الطحان (ت: 416هـ). ذكره ابن مأكولا في الإكمال (1/9، 338)، وابن خير في فهرسته (ص218).
12- المؤتلف والمختلف في الأسماء. لأبي حامد؛ أحمد بن محمد بن ماما الماماني الأصبهاني (ت: 436 هـ). ذكره السمعاني في الأنساب (12/58).
13- المؤتلف والمختلف. لأبي نصر؛ عبيدالله بن سعيد بن حاتم الوائلي السجزي (ت: 444 هـ)(1). ذكره ابن ناصر الدين في التوضيح (2/256، 330).
14- المؤتلف والمختلف. للحافظ أبي محمد؛ عبدالله بن الحسن الطبسي (ت: 449 هـ)(2). ذكره ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم (ص: 183).
15- تهذيب المؤتلف والمختلف لمحمد بن حبيب. لأبي عبيد؛ عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي (ت:487 هـ). ذكره ابن خير في فهرسته (ص: 219).
16- تهذيب كتاب المؤتلف والمختلف في أسماء القبائل. لأبي الوليد؛ هشام ابن أحمد بن هشام الكناني الوقشي (ت: 489 هـ). ذكره ابن خير في فهرسته (ص: 219).
17- التنبيهات على أوهام الدارقطني في المؤتلف والمختلف. لأبي الوليد الوقشي أيضاً. ذكره ياقوت في معجم البلدان (5/381).
18- المعجم في المشتبه. لأبي محمد؛ عبدالله بن يوسف القاضي الجرجاني (ت: 489 هـ). ذكره ابن ناصر الدين في الإعلام (ص: 125).
عاشراً: كتب المهمل:
__________
(1) له ترجمة في : السير (17/654) ، وتبصير المنتبه (2/727) .
(2) له ترجمة في المنتظم (9/125) .(11/56)
1- المكمل في بيان المهمل. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، والحافظ ابن حجر في المعجم (568).
2- تقييد المهمل وتمييز المشكل. للحافظ الإمام الثبت محدث الأندلس أبي علي؛ الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني(ت:498هـ)(1). ذكره القاضي عياض في الغنية (138)، وابن كثير في البداية والنهاية (16/189)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1233)، والحافظ ابن حجر في المعجم (702)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (128)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/254).
3- غنية المقتبس في تمييز الملتبس. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463ه). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
الحادي عشر: كتب المتفق والمفترق:
وهي المصنفات التي اعتنت بتبيين ما اتفق خطا ولفظا من أسماء الرواة المختلفين، كأن يتفق جماعة من الرواة في أسمائهم وأسماء آبائهم، ونحو ذلك(2).
ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- المتفق والمفترق. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وعبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات (336).
2- تلخيص المتشابه. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وطبعته دار طلاس بدمشق. بتحقيق سكينة الشهابي. عام 1985 م.
3- تالي تلخيص المتشابه. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وطبعته دار الصميعي بالرياض. بتحقيق مشهور بن حسن سلمان، وأحمد الشقيرات.
__________
(1) له ترجمة في : البداية والنهاية (16/189) ، والسير (19/148) .
(2) انظر : المقنع في علوم الحديث (ص : 614) .(11/57)
4- أيضاًح الإشكال في الرواة. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري (ت:409 هـ). ذكره ابن حجر في التهذيب (3/98)، وابن خير في فهرسته (ص: 219)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/461)، وأشار إلى مخطوطه.
5- المعجم في مشتبه أسامي المحدِّثين. للحافظ أبي الفضل؛ عبيدالله بن عبدالله ابن أحمد بن محمد بن يوسف الهروي (405 هـ)(1). ذكره ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر (609)، والحافظ ابن حجر في التقريب (ص: 129)، والسخاوي في فتح المغيث (3/271)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/480)، وأشار إلى مخطوطه، وطبعته مكتبة الرشد بالرياض. بتحقيق نظر محمد الفاريابي. عام 1411 هـ.
6- موضح أوهام الجمع والتفريق. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وطبعته دار المعرفة ببيروت. بتحقيق دعبدالمعطي قلعجي. عام 1407 هـ.
الثاني عشر: كتب المناقب:
وهي المصنفات التي أوردت فضائل ومناقب بعض العلماء والأئمة والحفاظ وقد كان لمحدثي القرن الخامس مساهمات في التصنيف في هذا الباب، ومما صنفوه في ذلك:
1- أخبار الرهبان ومواعظهم. للحافظ أبي القاسم؛ تمام بن محمد بن عبدالله ابن جعفر الرازي ثم الدمشقي (ت:414). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم (268)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/468)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/27).
2- أخبار مالك بن أنس. للحافظ أبي نصر؛ عبدالوهاب بن عبدالله بن عمران الجبان المري الشروطي الأذرعي (ت:425هـ)(2). ذكره سزكين في تاريخ التراث (1/1/473)، وأشار إلى مخطوطه.
__________
(1) انظر ترجمته في مقدمة المحقق لكتابه (ص : 7 ـ 10) .
(2) له ترجمة في : السير (17/468) ، والتذكرة (3/1076) .(11/58)
3- كتاب فضائل مالك. للإمام العلامة الحافظ أبي ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبدالله الهروي، الأنصاري، المالكي (ت: 434هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1106).
4- مناقب الشافعي. للحافظ العلامة أبي بكر؛ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132)، والحافظ ابن حجر في المعجم (748)، والبغدادي في هدية العارفين (1/78)، وهو مطبوع.
5- فضائل الشافعي. للحافظ الكبير إمام المحدِّثين الحاكم أبي عبدالله؛ محمد ابن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 هـ). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1043).
6- الاحتجاج بالشافعي. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت:463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وطبعته الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية بالرياض. بتحقيق خليل إبراهيم ملا خاطر. عام 1400 هـ.
7- مناقب أحمد. للحافظ أبي بكر البيهقي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1132).
8- مناقب الشافعي. لأبي محمد؛ عبدالله بن يوسف القاضي الجرجاني (ت:489ه). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1227).
9- مناقب الإمام أحمد. للحافظ شيخ الإسلام، الإمام أبي إسماعيل، عبدالله بن محمد ابن علي الهروي الأنصاري (ت:481هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (750)، والروداني في الصلة (390).
المبحث الخامس: مصنفات المحدِّثين العامة.
والمقصود بها المصنفات التي لا تدخل في باب من الأبواب السابقة، وقد تكون من قبيل المعارف العامة والنوادر والملح.
ومما صنفه محدّثو القرن الخامس في ذلك:
1- كتاب فرحة المتعلم. لأبي المعالي؛ محمد بن محمد بن زيد الحسيني العلوي البغدادي (ت: 476، وقيل: 480 هـ)(1). ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1212).
__________
(1) له ترجمة في : السير (18/520) .(11/59)
2- المتوارين. للحافظ المتقن النسابة أبي محمد؛ عبدالغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري (ت: 409 هـ). ذكره البغدادي في هدية العارفين (1/589)، وسزكين في تاريخ التراث (1/1/374)- وأشار إلى مخطوطه- وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (5/273)، وطبعته دار القلم بدمشق. بتحقيق مشهور حسن سلمان. عام 1410 هـ.
3- التطفيل. للحافظ الكبير أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الخطيب البغدادي (ت: 463). ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140)، وياقوت الحموي في معجم الأدباء (4/21)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (431)، والبغدادي في هدية العارفين (5/79)، وطبعته دار المدني بجدة. بتحقيق د.عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان. عام 1406 هـ.
4- أخبار البخلاء. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140، 4/1210)، والحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (430).
5- الفنون. للحافظ الكبير الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
6- أخبار الثقلاء. للحافظ أبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت: 430 هـ). ذكره الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس (428)، والروداني في الصلة (110).
7- الحيل. للحافظ الخطيب البغدادي أيضاً. ذكره الذهبي في التذكرة (3/1139، 1140).
الخاتمة
بعد هذا العرض للحركة العلمية والتأليفية للسنة النبوية في القرن الخامس الهجري يمكن استخلاص النتائج الآتية:
أولاً: ازدهار الحركة العلمية في القرن الخامس الهجري وفي مجال السنة النبوية على وجه الخصوص، وأن من قلل شأن تلك الحركة العلمية وعدها في هذا القرن قاصرة على الجمع والتهذيب أو الترتيب لكتب السابقين؛ فإنه قد بخس أهل هذا القرن حقهم من الاجتهاد في ذلك.(11/60)
ثانياً: رغم ما مرت به الأمة الإسلامية في هذا القرن من مراحل ضعف في الخلافة العباسية وتفرق الدولة إلى دويلات صغيرة إلا أن ذلك- وإن كان له أثرٌ لا يخفى- فإنه لم يُضعف همة العلماء في ذلك القرن في تحصيل علوم السنة النبوية ونشرها بين الطلاب تدريسا وتصنيفا.
ثالثاً: ظهر بوضوح ثراء هذا القرن من حيث التصنيف في السنة النبوية وعلومها؛ حيث ظهرت مصنفات كثيرة في أكثر أبواب السنة النبوية سواء كانت تأصيلا، أو تصحيحا وتعقبا، أو تكميلا.
رابعاً: تجلت بوضوح جهود الحافظ أبي بكر؛ أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي في التصنيف في كثير من علوم السنة النبوية؛ حتى صدق فيه قول من قال: كل من جاء بعد الخطيب عيال على كتبه.
خامساً: حفل هذا القرن أيضاً بحافظ المغرب أبي عمر بن عبدالبر النمري وهو بحق يمثل مدرسة للحديث في وقته في بلاد الغرب الإسلامي.
سادساً: أظهر البحث الحاجة الماسة إلى استقصاء جهود العلماء- في شتى المجالات وخاصة علوم الشريعة، وبالأخص علوم السنة النبوية- في القرون الماضية، وإبرازها على الحقيقة.
فهرس المصادر والمراجع
1- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق. ليحيى بن شرف النووي. تحقيق عبدالباري فتح الله السلفي. ط/الأولى. عام 1408 هـ. مكتبة الإيمان. المدينة المنورة.
2- الإعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام. لمحمد بن عبدالله بن ناصر الدين الدمشقي. تحقيق عبدرب النبي محمد. ط/الأولى. عام 1407 هـ. مكتبة العلوم والحكم. المدينة المنورة.
3- البداية والنهاية.لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي. تحقيق د.عبدالله بن عبدالمحسن التركي. ط/الأولى. عام 1417 هـ. دار هجر. مصر.
4- برنامج ابن جابر الوادي آشي. لمحمد بن جابر الوادي آشي التونسي. تحقيق د.محمد الحبيب الهيلة. جامعة أم القرى. مكة المكرمة.(11/61)
5- جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس. لعبدالله بن محمد بن أبي نصر الحميدي. تحقيق إبراهيم الأبياري. ط/الثانية. عام 1403هـ. دار الكتاب المصري. القاهرة.
- تاريخ أصبهان = ذكر أخبار أصبهان.
6- تاريخ بغداد. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. دار الكتاب العربي. بيروت.
7- تاريخ التراث العربي. للدكتور فؤاد سزكين. 1411 هـ. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الرياض.
8- تاريخ جرجان. لحمزة بن يوسف السهمي. ط/الثالثة. عام 1401 هـ. عالم الكتب. بيروت.
9- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. ط/الثانية. عام 1406 هـ. الدار العلمية. الهند.
10- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف. لأبي الحجاج يوسف بن عبدالرحمن المزي. تحقيق عبدالصمد شرف الدين. الدار القيمة. الهند.
11- تذكرة الحفاظ. لأبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي. تصحيح العلامة يحيى المعلمي. تصوير دار الكتب العلمية عن الطبعة الهندية.
12- تقريب التهذيب. لأبي الفضل أحمد بن محمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق/محمد عوامة. ط/الثالثة. عام 1411 هـ. دار الرشيد. سوريا.
- التقريب للنووي = إرشاد طلاب الحقائق.
13- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير. لأبي الفرج؛ عبدالرحمن بن علي بن الجوزي. مكتبة الآداب. مصر.
14- توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار. لمحمد بن إسماعيل الصنعاني. تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد. دار الفكر. بيروت.
15- توضيح المشتبه. لمحمد بن عبدالله بن ناصر الدين الدمشقي. تحقيق محمد نعيم العرقسوسي. ط/الأولى. عام 1414 هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت.
16- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. للحافظ أبي بكر؛ أحمد بن علي ابن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق د.محمود الطحان.عام 1403 هـ. دار المعارف. الرياض.(11/62)
17- جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس. لمحمد بن أبي نصر الحميدي. تحقيق إبراهيم الأبياري. ط/الثانية. عام 1403هـ. دار الكتاب المصري. القاهرة.
18- الحديث والمحدثون. لمحمد محمد أبو زهو. ط/الثانية. عام 1404هـ. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. المملكة العربية السعودية.
19- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة. لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. ط/الأولى. عام 1967م. عيسى الحلبي. القاهرة.
20- ذكر أخبار أصبهان. لأبي نعيم؛ أحمد بن عبدالله الأصبهاني. ط/الثانية. عام 1405هـ. الدار العلمية. الهند.
21- ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم. لأبي محمد؛ عبدالعزيز بن أحمد الكتاني. تحقيق د. عبدالله بن أحمد الحمد. ط/الأولى. عام 1409 هـ. دار العاصمة. الرياض.
22- ذيل ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم. لأبي محمد؛ هبة الله بن أحمد بن الأكفاني. تحقيق د. عبدالله بن أحمد الحمد. ط/الأولى. عام 1409هـ. دار العاصمة. الرياض.
23- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة. لمحمد بن جعفر الكتاني. ط/الرابعة. عام 1406 هـ. دار البشائر الإسلامية. بيروت.
24- السنة النبوية في القرن الرابع الهجري. للدكتور أحمد بن عبدالله الباتلي. مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية /العدد 18/عام 1418ه.
25- سير أعلام النبلاء. لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق شعيب الأرنؤوط وجماعة. ط/الأولى. عام 1409ه. مؤسسة الرسالة. بيروت.
26- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لابن العماد الحنبلي. دار إحياء التراث العربي. بيروت.
27- صلة الخلف بموصول السلف. لمحمد بن سليمان الروداني. تحقيق محمد حجي. عام 1408 ه. دار الغرب الإسلامي. بيروت.(11/63)
28- صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط. لعثمان بن موسى الكردي المشهور بابن الصلاح. تحقيق د. موفق بن عبدالله بن عبدالقادر. ط/الأولى. عام 1404هـ. دار الغرب الإسلامي. بيروت.
29- ظهر الإسلام. لأحمد أمين. مكتبة النهضة المصرية. القاهرة.
30- الغنية. فهرست شيوخ القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي. تحقيق ماهر زهير جرار. ط/الأولى. عام 1402 هـ. دار الغرب الإسلامي. بيروت.
31- فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز. ط/الثالثة. عام 1407هـ. المكتبة السلفية. مصر.
32- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي. تحقيق/علي حسين علي. ط/الأولى. عام 1407هـ. الهند.
33- فهرس الفهارس والأثبات. لعبدالحي بن عبدالكبير الكتاني. تحقيق د.إحسان عباس. ط/الثانية. عام 140ه. دار الغرب الإسلامي. بيروت.
- فهرسة ابن خير = فهرسة ما رواه عن شيوخه.
34- فهرسة ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف. لأبي بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الإشبيلي. بعناية فرنسشكة قدارة زيدين. ط/الثانية. عام 1382هـ. مؤسسة الخانجي. القاهرة.
35- فهرس المخطوطات والمصورات (الحديث الشريف). 1405هـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الرياض.
- فهرس مخطوطات الظاهرية للألباني = المنتخب من مخطوطات الحديث.
36- كتب المسلسلات عند المحدِّثين. للدكتور عبداللطيف بن محمد الجيلاني. عام 1424هـ. نشر مكتبة الملك فهد الوطنية. الرياض.
37- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. لمصطفى بن عبدالله الشهير بحاجي خليفة. أعادت نشره مكتبة المثنى ببيروت.
38- لب اللباب في تحرير الأنساب. لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي. تحقيق محمد أحمد عبدالعزيز وأخيه. ط/الأولى. عام 1411هـ. دار الكتب العلمية. بيروت.(11/64)
39- لسان الميزان. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. ط/الأولى. عام 1329هـ. حيدر آباد. الهند.
40- معجم الأدباء. لياقوت بن عبدالله الحموي. ط/الثالثة.
41- معجم البلدان. لياقوت بن عبدالله الحموي. تحقيق محمد عبدالرحمن المرعشلي. ط/الأولى. عام 1417هـ. دار إحياء التراث العربي. بيروت.
42- المعجم المفهرس. لأبي الفضل أحمد بن محمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق محمد شكور المياديني. ط/الأولى. عام 1418هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت.
43- معجم المؤلفين. لعمر رضا كحالة. دار إحياء التراث العربي. بيروت.
44- معرفة علوم الحديث. لأبي عمرو؛ عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري. تحقيق د. نور الدين عتر. عام 1401هـ. المكتبة العلمية. بيروت.
45- المقنع في علوم الحديث. لسراج الدين عمر بن علي الأنصاري المشهور بابن الملقن. تحقيق عبدالله بن يوسف الجديع. ط/الأولى. عام 1413 هـ. دار فواز للنشر. الإحساء.
46- المنتخب من مخطوطات الحديث. للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. عام 1390 هـ. نشر مجمع اللغة العربية. دمشق.
47- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. لأبي الفرج؛ عبدالرحمن بن علي بن الجوزي. 1359 هـ. حيدر آباد.
48- الموسوعة العربية الميسرة. بإشراف محمد شفيق غربال. ط 1965م. مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. القاهرة.
49- ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق علي محمد البجاوي. دار المعرفة. بيروت.
50- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. ليوسف بن تغري بردي الأتابكي. عام 1929 م. وزارة الثقافة والإرشاد القومي. القاهرة.
51- هدية العارفين. لإسماعيل باشا البغدادي. طبع بتركيا سنة 1951 م. وأعادت نشره مكتبة المثنى ببيروت.
52- الوافي بالوفيات. لخليل بن أيبك الصفدي. إشراف جمعية المستشرقين الألمانية. عام 1381هـ. بيروت.
53- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. لأحمد بن محمد بن خلكان. عام 1978م. بيروت.
فهرس الموضوعات
المقدمة…1(11/65)
مدخل…5
أولاً: الرحلة في طلب الحديث…6
ثانياً: كثرة الحفظ وجودة الإتقان…6
ثالثاً: انتشار مجالس الإملاء…7
رابعاً: الكلام في التصحيح والتعليل…7
خامساً: الكلام في الجرح والتعديل…8
سادساً: الاهتمام برواية الكتب الستة…8
سابعاً: الحرص على تحصيل الإجازات…10
ثامناً: الاهتمام بجمع الكتب…10
تاسعاً: مهنة النسخ والمقابلة…11
عاشراً: بناء المدارس، ووقف الكتب…11
التصنيف في السنة النبوية وعلومها في القرن الخامس…13
المبحث الأول: التصنيف في علوم الحديث…13
ثانياً: كتب الإجازة…15
ثالثاً: كتب المسلسلات…15
رابعاً: كتب الرباعيات والخماسيات…16
خامساً: كتب الأطراف…17
سادساً: كتب طرق الحديث…18
سابعاً: كتب العوالي…20
ثامناً: كتب الجمع بين الصحيحين…20
تاسعاً: كتب معاجم الشيوخ والرواة…21
عاشراً: المصنفات في الأفراد والغرائب…23
حادي عشر: المصنفات في علل الحديث…23
ثاني عشر: كتب الناسخ والمنسوخ…24
ثالث عشر: رواية الصحابة عن التابعين…24
رابع عشر: رواية الأبناء عن آبائهم، والآباء عن أبنائهم…25
خامس عشر: كتب الإخوة…25
سادس عشر: المراسيل…26
سابع عشر: المزيد في متصل الأسانيد…26
ثامن عشر: كتب المدلسين…26
تاسع عشر: المدرج…27
عشرون: كتب المبهمات…27
الحادي والعشرون: المقلوب…28
المبحث الثاني: التصنيف في الحديث النبوي…29
أولاً: كتب المسانيد…29
ثانياً: كتب المستخرجات…32
ثالثاً: كتب الصحاح…34
رابعاً: السنن والجوامع…35
خامساً: كتب الآداب والفضائل…36
سادساً: كتب الأذكار والأدعية، وعمل اليوم والليلة…37
سابعاً: كتب الترغيب والترهيب…38
ثامناً: كتب الزهد…38
تاسعاً: كتب المواعظ…39
عاشراً: كتب الأربعينات، والمائة، والألف…40
الحادي عشر:كتب المستدركات والتعقبات…43
الثاني عشر: كتب المختصرات…44
الثالث عشر: مصنفات الشروح، والغريب…45
المبحث الثالث: تصنيف الأمالي، والمجالس، والأجزاء، والفوائد الحديثية…48(11/66)
أولاً: كتب الأمالي، والمجالس الحديثية…48
ثانياً: الأجزاء والفوائد الحديثية…49
المبحث الرابع: التصنيف في التواريخ والتراجم والسير…65
أولاً: كتب تراجم الصحابة والتابعين…65
ثانياً: كتب التواريخ الشاملة…66
ثالثاً: كتب تواريخ البلدان…70
رابعاً: كتب السؤالات…72
خامساً: كتب التراجم الخاصة برجال كتب معينة…73
سادساً: كتب الضعفاء خاصة…75
سابعاً: كتب الأسماء والكنى والألقاب…75
ثامناً: من وافقت كنيته اسم أبيه…77
تاسعاً: المؤتلف والمختلف، والمشتبه…77
عاشراً: كتب المهمل…81
الحادي عشر: كتب المتفق والمفترق…82
الثاني عشر: كتب المناقب…83
المبحث الخامس: مصنفات المحدِّثين العامة…86
الخاتمة…88
فهرس المصادر والمراجع…89
فهرس الموضوعات…95(11/67)
اتّخاذ السّنّة النّبويّة - إلى جانب القرآن الكريم-
أساساً لشؤون الحياة والحكم
في المملكة العربية السعودية
د/ عبد الرحيم بن محمد المغذّوي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (آل عمران:102).
( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( (النساء:1).
( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (الأحزاب: 70-71).
أمّا بعد:
فإنّ السّنّة النبويّة هي المصدر التشريعي الثاني في الإسلام بعد كتاب الله تعالى، ومنها يستمدّ المسلمون أسس حياتهم في جميع المجالات وعلى مختلف المستويات.
والمملكة العربيّة السعوديّة دولة تقوم على نهج واضح وأصول متينة من الكتاب الكريم والسنّة النبويّة.
ومجالات اتخاذ المملكة العربية السعودية للسنّة النبوية إلى جانب القرآن الكريم أساساً لشؤون الحياة والحكم، عديدة، وتشمل أوجه الحياة المتنوّعة في المملكة.
أولاً: موضوع البحث
يتطرق البحث إلى جوانب اتّخاذ المملكة العربية السعودية للسنّة النبويّة – إلى جانب القرآن الكريم – أساساً لشؤون الحياة والحكم في مجالات الحياة المتعدّدة.
ثانياً: أهميّة البحث
تبرز أهمية البحث في النقاط الأربعة التالية:
الأولى: استجابة المملكة العربية السعودية للنصوص من الكتاب الكريم والسنة النبويّة الحاثة على التمسّك بالسنة والعلم والعمل بها.
الثانية: قيام المملكة العربية السعودية بالتطبيق الفعلي العملي للسنّة النبويّة في مجالات الحياة المتعدّدة.
الثالثة: تميّز المملكة العربية السعودية عن غيرها من البلدان في العناية بالسنة المطهرة علماً وعملاً وتطبيقاً.(12/1)
الرابعة: الثمرات الطيّبة التي جنتها المملكة العربية السعودية من تطبيق السنة في مجتمعها.
ثالثاًً: تساؤلات البحث
يهدف البحث إلى الإجابة عن التساؤلات الرئيسة التالية:
1- ما المقصود بالسنة النبوية، وما مكانتها وما ضرورة تحكيمها؟
2- ما مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنّة النبويّة في شؤون الحكم؟
3- ما مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحياة المختلفة علميّاً وعمليّاً؟
رابعاً: أهداف البحث
يهدف البحث إلى بيان جملة من الأمور الهامّة التالية:
1- أهمية السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
2- ضرورة تحكيم السنة النبوية في شتى مجالات الحياة الخاصّة والعامّة.
3- قيام المملكة العربية السعودية بتطبيق السنة النبوية في شؤون الحكم في البلاد.
4- اعتناء المملكة العربية السعودية بتطبيق السنة النبويّة في سائر شؤون الحياة العامّة.
خامساً: حدود البحث
موضوع البحث كبير جدّاً ويحتاج إلى التوسّع في كل جزئيّة من جزئيّاته، ولكن نظراً للوقت المحدود وظروف البحث، فإنّني سأقف عند متطلبات الخطة البحثيّة، وبصورة مختصرة دون التوسّع والاسترسال.
سادساً: منهج البحث
لمعالجة قضايا البحث سوف أستخدم منهجين في كتابة الموضوع هما(1):
1- منهج البحث الوصفي: وذلك لبيان مفردات الخطة والموضوعات المندرجة فيها، وما تحتاجه من توصيف علمي وعملي.
2- منهج البحث التحليلي: وذلك لتحليل بعض الموضوعات واستجلاء النقاط الهامة فيها.
سابعاً: خطة البحث
يتضمن البحث مقدّمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة، وملحق، وفهارس.
المقدّمة:
المبحث الأول: المدخل إلى السنّة النبوية، وضرورة تحكيمها وتطبيقها في شؤون الحياة والحكم.
__________
(1) لمزيد من الاطلاع على مناهج البحث، انظر: أصول البحث العلمي ومناهجه، د. أحمد بدر ص (221)، والبحث العلمي، د. عبد العزيز الربيعة (2/171)، والبحث العلمي، د. ذوقان عبيدات وآخرين ص (205) وما بعدها.(12/2)
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالسنة لغة واصطلاحاً
المطلب الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي
المطلب الثالث: ضرورة تحكيم السنة النبوية في سائر شؤون الحياة والحكم.
المبحث الثاني: مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحكم.
ويتضمن عشرة مطالب:
المطلب الأول: قراءة تحليلية مبسطة للنظام الأساسي للحكم في المملكة ودلالاته الكبرى.
المطلب الثاني: تأسيس النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على هدي الكتاب والسنة وتضمينه المواد الدالة على ذلك.
المطلب الثالث: توقير أولي الأمر في المملكة العربية السعودية للسنة النبوية وتعظيمهم لها والإشادة بها.
المطلب الرابع: اهتمام أولي الأمر في المملكة بعلماء السنة وتقريبهم واحترامهم وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم.
المطلب الخامس: قيام مجلس الشورى في المملكة، وتحديث نظامه وأجهزته تطبيقاً للسنة.
المطلب السادس: تأكيد النظام الأساسي للحكم في المملكة على رعاية حقوق الإنسان والعناية بها تطبيقاً لتوجيه السنة.
المطلب السابع: احتفاء النظام الأساسي للحكم في المملكة ببيان الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم.
المطلب الثامن: عناية النظام الأساسي للحكم في المملكة بإيضاح أهمية الأمن وضرورته للحياة اتساقاً مع دعوة السنة.
المطلب التاسع: صبغ أجهزة الدولة العامة بالسنة النبوية وتفعيلها في خدمة المجتمع السعودي.
المطلب العاشر: عدم سماح المملكة العربية السعودية بقيام تجمّعات وأحزاب سياسية استجابة لهدي السنة النبوية.
المبحث الثالث: مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحياة.
ويتضمن عشرة مطالب:
المطلب الأول: ابتناء التعليم على ضوء السنة النبوية وتخصيص مواد تعنى بها.
المطلب الثاني: إنشاء ودعم الكليات والأقسام العلمية الخاصة بالسنة النبوية.
المطلب الثالث: إنشاء مركز خدمة السنة والسيرة النبوية.(12/3)
المطلب الرابع: الدروس العلمية في الحرمين الشريفين وفي غيرها من المساجد والميادين التوعوية الأخرى.
المطلب الخامس: تحكيم السنة في المحاكم والهيئات الشرعية المتعددة، وتوثيق العقود والوثائق المتنوّعة على ضوئها.
المطلب السادس: دعم أجهزة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقاً للسنة وقمعاً للبدعة.
المطلب السابع: طبع ونشر المصنفات والكتب الخاصة بالسنة النبوية.
المطلب الثامن: استحداث جائزة عالمية خاصّة بالسنة النبوية.
المطلب التاسع: حظر الأعمال والعقائد والأفكار المناهضة للسنّة النبويّة وحماية المجتمع السعودي منها.
المطلب العاشر: تطويع وسائل الإعلام لخدمة السنة النبوية.
الخاتمة، وتتضمن نتائج البحث وتوصياته.
ملحق البحث [النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية]
الفهارس.
المبحث الأول: المدخل إلى السنّة النبوية، وضرورة تحكيمها وتطبيقها في شؤون الحياة والحكم
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالسنة لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي.
المطلب الثالث: ضرورة تحكيم السنة النبوية في سائر شؤون الحياة والحكم.
المطلب الأول: التعريف بالسنة لغة واصطلاحاً
أولاً: التعريف بالسنة لغةً
يقول ابن فارس:(( السِّين والنون أصلٌ واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطّراده في سهولة، والأصل قولهم: سَنَنْتُ الماءَ على وجهي أَسُنُّه سَنّاً، إذا أرسلتَه إرسالاً، ثم اشتقّ منه رجلٌ مسنون الوجه، كأنّ اللحم قد سُنَّ على وجهه. ومما اشتُقّ منه السُّنَّة، وهي السِّيرة، وسُنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيرته، قال الهُذَليّ:
فلا تَجْزَعَنْ من سُنَّةٍ أنت سِرْتَها ... فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يسيرها(12/4)
وإنّما سُمِّيت بذلك؛ لأنّها تجري جرياً، ومن ذلك قولهم: ماض على سَنَنِك وسُنَنِك، أي وَجْهك، وجاءت الرِّيح سنائِن إذا جاءت على طريقة واحدة(1).
وقال الجوهري: ((السّنَنُ: الطريقة، يقال، استقام فلانٌ على سَنَنٍ واحد، ويقال: امض على سَنَنِك وسُنَنِك، أي على وجهك، وجاء من الخيل سَنَنٌ لا يُردّ وجْهُه، وتَنَحَّ عن سَنَن الخيل، أي عن وجهه، وعن سَنَن الطريق وسُنَنه وسِنَنه ثلاث لغات.. والسُّنَّة: السِّيرة … والسُّنَّة أيضاً: ضرب من تمر المدينة، وسُنَّة الوجه صورته، قال ذو الرّمّة:
تريك سُنَّة وَجْهٍ غير مُقْرفَةٍ ... مَلْساءَ ليس بها خالٌ ولا نَدَبُ(2)
ومما قاله الفيروزابادي في معاني السّنّة لغةً: ((سَنَّنَ المنطق: حَسَّنَه..والأمر: بيّنه.. والسيرة والطبيعة، وتَمْرٌ بالمدينة، ومن الله: حكمه وأمره ونهيه))(3).
ويضيف العلاّمة ابن منظور معاني أخرى إلى السّنّة في اللغة، ومنها: ((السُّنّة: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة..والأصل منها الطريقة والسِّيرة.. وهي مأخوذة من السّنَن وهو الطريق)) (4).
ومما سبق يمكن القول إنّ السُّنّة في اللغة تعني: السِّيرة والطريقة والطبيعة حسنة كانت أو قبيحة.
ثانياً: التّعريف بالسنة اصطلاحاً
عرّفت السنّة بعدّة تعاريف في الاصطلاح، وذلك حسبما تضاف إليه من علوم.
فالسنة عند المحدّثين هي: ((ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقيّة أو خُلُقيّة)) (5).
__________
(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/60) (مادة: سنن).
(2) الصحاح للجوهري (5/2138) (مادة: سنن).
(3) القاموس المحيط للفيروزابادي (4/337) (مادة: السنّ).
(4) لسان العرب المحيط لابن منظور (2/222) (مادة: سنن).
(5) فتح المغيث للسخاوي (1/6).(12/5)
وأمّا تعريف السنة عند علماء أصول الفقه فهي: ((ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي)) (1).
ويعرف الفقهاء السنة بأنها ((ترادف المستحبّ، وهو ما في فعله ثواب وفي تركه ملامة وعتاب ولا عقاب)) (2).
ومن عرّفها بهذا التعريف نظر إلى تعريف السنة باعتبار الثمرة.
وبعض الفقهاء عرَّف السنة بأنّها ((كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب، وهؤلاء نظروا إليها باعتبار مكانتها بين الأحكام التكليفية الخمسة)) (3).
وأمّا علماء العقيدة فيعرفون السنة بقولهم: ((هي كل ما ثبت بالدليل الشرعي أو ما دلّ عليه الدليل الشرعي، سواء كان قرآناً أو حديثاً أو من القواعد الشرعية العامّة)).
فهم نظروا إلى السنة من حيث مقابلتها للبدعة، وعلماء العقيدة يستعملونها كثيراً في مثل قولهم: هذا من السنة، أي مقابل للبدعة(4).
ويمكن أن نعرِّف السنة عند الدعاة فنقول بأنها: ((كلّ ما نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال والتقريرات، وأوصاف الخير والكمال في خَلْقه وخُلُقه ومَنْهَجه، مما أُمِرنا باتباعه والتأسِّي به)) (5).
والمتأمِّل في التعريف السابق للسنّة يجد أنّه يتضمّن عدّة أمور هي:
أ- كل ما نسب وأضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - داخل في السنّة، وليس هنالك مجال لاختزاله أو تبعيضه أو الانتقاء منه.
ب – أن السنة المأمورين باتباعها هي المنسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليست لغيره من البشر.
ج – أن السنة تشمل أقواله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته وجميع أوصاف الخير والكمال الخَلْقيّة والخُلُقيّة.
__________
(1) شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/159).
(2) أنيس الفقهاء لقاسم القونوي ص (106).
(3) علوم القرآن والسنة، أ.د. فالح الصغير،د. اليحياوي ص (101).
(4) المرجع السابق ص (102).
(5) تعريف الباحث.(12/6)
د- أن السنة تشتمل أيضاً على منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله تعالى، وسبيله الأقوم في الهداية والبلاغ.
هـ – أن السنة عند الدعاة تعني وجوب التمسك بها، واتباعها والتأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته واطّراح ما عدا ذلك من الطرق والسنن المبتدعة.
المطلب الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون للناس هدايةً في جميع شؤون الحياة الخاصّة والعامّة، وليبيّن لهم ما ينفعهم ويرجون خيره في دنياهم وأخراهم، قال تعالى: ( ?( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (إبراهيم:1).
وقال سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (النحل:89).
وقد تلقّى الصحابة القرآن الكريم مشافهة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بكتابته، ثم نُقِل كذلك نقلاً متواتراً في العصور التالية.
ومن هنا كان المسلمون في حاجة إلى معرفة كتاب الله تعالى، والعلم بأحكامه وتشريعاته وما فيه من التوجيهات والآداب.
ونظراً لذلك، فقد اتفق المسلمون قديماً وحديثاً على أنّ سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي الذي لا غنى لكل مسلم ومسلمة عنها(1).
يقول الشوكاني رحمه الله: ((إنّ ثبوت حجيّة السّنّة المطهّرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظّ له في الإسلام)) (2).
فالسنة بهذا الاعتبار هي ((أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم الذي هو كلام الله رب العالمين، منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود)) (3).
__________
(1) انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي ص (49).
(2) إرشاد الفحول للشوكاني ص (29).
(3) تدوين السنة النبوية، د. محمد مطر الزهراني ص (19).(12/7)
والنصوص الموضِّحة لذلك عديدة ومتنوّعة من الكتاب والسنة وإجماع السلف.
فمن الكتاب الكريم:
قوله تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
(النجم:3-4).
وقوله تعالى ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (النحل:44).
وقال سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( (( ( (( ( ( ( ( ( (الحشر:7).
وقال سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (النساء:65).
وقال جل شأنه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (الأحزاب:21).
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسِّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله(1).
وأمّا النصوص من السنّة فهي عديدة، ومنها:
ما رواه أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ألفينّ أحدكم متّكئاً على أريكته يأتيه أمرٌ مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)) (2).
__________
(1) تفسير ابن كثير ص (1487).
(2) رواه أبو داود في سننه (5/12) كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم الحديث (4605)، ورواه الترمذي في سننه (5/37) كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم الحديث (2663)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.(12/8)
وعن المقدام بن معديكرب أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا وإنّ ما حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرَّم الله)) (1).
وعن العرباض بن سارية أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشيّاً، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (2).
وأمّا أقوال السلف فعديدة وأكثر من أن تحصى ومنها:
قول حسّان بن عطيّة: ((كان جبريل ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسّنّة كما ينزل عليه بالقرآن)) (3).
وعن الأوزاعي قال: قال أيوب السختياني: ((إذا حدّثت الرجل بالسنّة فقال: دعنا من هذا وحدثنا من القرآن، فاعلم أنّه ضالّ)) (4).
__________
(1) رواه أبو داود في سننه (5/10) كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4604)، ورواه الترمذي في سننه (5/38) كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم الحديث (2664)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(2) رواه أبو داود في سننه (5/13) كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4607)، ورواه الترمذي في سننه (5/44) كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم الحديث (2676)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) رواه الدارمي في السنن (1/177) المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله، رقم (594)، والخطيب في الكفاية ص (48)، وابن عبد البر في الجامع (1/191).
(4) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث، ص (65)، والخطيب في الكفاية ص (49).(12/9)
وقال الأوزاعي، ومكحول، ويحيى بن كثير وغيرهم: ((القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب، والسنّة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب قاضياً على السنّة)) (1).
وقال الفضل بن زياد: ((سمعتُ أبا عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – وسئل عن الحديث الذي روي أنّ السنة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكن السنّة تفسّر الكتاب، وتعرِّف الكتاب وتبيِّنه)) (2).
وقال الحافظ ابن عبد البر: ((البيان منه - صلى الله عليه وسلم - على ضربين: الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز كالصلوات الخمس في مواقيتها، وسجودها، وركوعها وسائر أحكامها، وكبيانه للزكاة وحدها ووقتها وما الذي تؤخذ منه الأموال، وبيان مناسك الحج… الثاني: زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمّتها وخالتها، وكتحريم الحُمُر الأهليّة، وكل ذي ناب من السِّباع إلى أشياء يطول ذكرها…)) (3).
ومن مجموع النصوص السابقة يتضح لنا بجلاء أنّ السنّة ((مصدر تشريعي مهمّ لا بد منه وأنّها صنو الكتاب – العزيز – تسايره في الأحكام والتشريع على السواء، وأنّها لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن فصل السنّة عن الكتاب بحال من الأحوال)) (4).
ويؤكِّد ذلك كلّه قول الإمام الشافعي رحمه الله: ((فكلّ من قبل عن الله فرائضه قبل عن رسول الله سنّته، بفرض الله طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه، ومن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله قبل، لما افترض الله من طاعته)) (5).
__________
(1) رواه الدارمي في السنن (1/177)، المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله، رقم (593).
(2) أخرجه الخطيب في الكفاية ص (47)، وابن عبد البر في الجامع (2/191).
(3) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/190).
(4) السنّة في مواجهة الأباطيل، محمد طاهر حكيم ص (15).
(5) الرسالة للإمام الشافعي ص (33).(12/10)
المطلب الثالث: ضرورة تحكيم السنة النبوية في سائر شؤون الحياة والحكم
المسلمون مطالبون بتحكيم السنة النبوية في جميع شؤون حياتهم الخاصّة والعامة. ويتنوّع تحكيم السنة النبوية في الحياة الإسلامية إلى أنواع عديدة منها:
أولاً…: العقائد والعبادات والمعاملات والأحكام والقضاء.
ثانياً…: الدعوة والالتزام بالمنهج القويم في الهداية والإصلاح.
ثالثاً……: التربية والتعليم والتوجيه وتثقيف الناس.
رابعاً…: الأخلاق والمسالك والسِّير.
خامساً…: أمور السياسة والحكم بين الناس.
سادساً…: صبغ الحياة العامّة في الدولة بالسنة النبوية.
سابعاً…: ابتناء علاقة الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول والمجتمعات الأخرى وفق توجيهات السنة.
ثامناً…: حفظ حقوق الإنسان الخاصة والعامة.
تاسعاً…: رعاية غير المسلمين في المجتمع المسلم وحفظ ذمَّتهم وحياتهم وعدم الاعتداء عليهم وفق توجيهات السنة.
عاشراً…: الرأفة والرحمة في تحكيم السنة بالخلق، والترفق بالناس، والمخلوقات الأخرى.
والسنة النبوية تتطرّق إلى تلك الأمور وغيرها مما لا يتّسع المجال لذكره.
وتبرز أهميّة تحكيم السنّة النبوية في الحياة الإسلامية كونها امتثالاً لأمر الله تعالى باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنّ ذلك دليل على محبّته، كما قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (آل عمران:31).
كما أن تحكيم السنة فيه طاعة لله تعالى وامتثال لأمره بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: ( ? ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( (النساء:80).
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية الكريمة: ((يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وما ذاك إلا لأنّه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)) (1).
__________
(1) تفسير ابن كثير ص (510).(12/11)
بل إنّ الله تعالى جعل تحكيم السنّة في حياة المسلمين من لوازم إيمانهم الدالة على صدق معتقدهم، وسلامة منهجهم، كما قال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (النساء:65).
يقول الشيخ ابن سعدي في تفسيره للآية الكريمة: ((أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنّهم لا يؤمنون حتى يحكّموا رسوله فيما شجر بينهم، أي في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلّموا لحكمه تسليماً، بانشراح الصدر، وطمأنينة النفس، وانقياد بالظاهر والباطن، فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإحسان، فمن استكمل هذه المراتب وكملها فقد استكمل مراتب الدين كلها، فمن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومن تركه مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين)) (1).
والمتأمل في سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجد أنها تهدف إلى صياغة المجتمع صياغة إسلامية نظيفة خالية من الشوائب والمكدّرات، فيها المعنى الحقيقي للحياة النقية، كما قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( (الأنفال:24).
وهكذا يتضح أنه ((لن يتحقَّق الإيمان إلا بتحكيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يُختلف فيه)) (2)، كما قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (النساء:59).
المبحث الثاني: مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحكم.
ويتضمن عشرة مطالب:
المطلب الأول: قراءة تحليلية مبسطة للنظام الأساسي للحكم في المملكة ودلالاته الكبرى.
المطلب الثاني: تأسيس النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على هدي الكتاب والسنة وتضمينه المواد الدالة على ذلك.
__________
(1) تفسير ابن سعدي ص (184-185).
(2) المدخل إلى توثيق السنة، د. رفعت فوزي ص (9).(12/12)
المطلب الثالث: توقير أولي الأمر في المملكة العربية السعودية للسنة النبوية وتعظيمهم لها والإشادة بها.
المطلب الرابع: اهتمام أولي الأمر في المملكة بعلماء السنة وتقريبهم واحترامهم وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم.
المطلب الخامس: قيام مجلس الشورى في المملكة، وتحديث نظامه وأجهزته تطبيقاً للسنة.
المطلب السادس: تأكيد النظام الأساسي للحكم في المملكة على رعاية حقوق الإنسان والعناية بها تطبيقاً لتوجيه السنة.
المطلب السابع: احتفاء النظام الأساسي للحكم في المملكة ببيان الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم.
المطلب الثامن: عناية النظام الأساسي للحكم في المملكة بإيضاح أهمية الأمن وضرورته للحياة اتساقاً مع دعوة السنة.
المطلب التاسع: صبغ أجهزة الدولة العامة بالسنة النبوية وتفعيلها في خدمة المجتمع السعودي.
المطلب العاشر: عدم سماح المملكة العربية السعودية بقيام تجمّعات وأحزاب سياسية استجابة لهدي السنة النبوية.
المطلب الأول: قراءة تحليلية مبسطة للنظام الأساسي للحكم في المملكة ودلالاته الكبرى
المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية تقوم على أسس متينة من الكتاب والسنة، وترتكز في نظامها الأساسي للحكم على أصول عظيمة ثابتة.
وبقراءة متأنّية في النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية وبتحليل مبسط واستقراء له، يمكن تسجيل الوقفات والدلالات الكبرى التالية:
أولاً: يتكوّن النظام الأساسي للحكم من ثلاث وثمانين مادّة انتظمت في تسعة أبواب رئيسة(1).
ثانياً: يتضح من صياغة مواد النظام الأساسي للحكم مدى العناية التي كانت له مبنى ومعنى وأحكاماً.
ثالثاً: يفصح النظام الأساسي للحكم عن هويّة المملكة العربية السعودية وطبيعة الحكم فيها ومنهجها القيّم.
رابعاً: يتضح من ثنايا مواد نظام الحكم في المملكة ركائز النظام الأساسي، ومستند الدولة الشرعي، ومنطلقها الأساسي.
__________
(1) انظر: ملحق البحث.(12/13)
خامساً: يبيّن النظام الأساسي للحكم في المملكة نظرة الدولة الحكيمة إلى جوانب الحياة المتنوّعة في البلاد.
سادساً: عُنون الباب الأول في النظام الأساسي للحكم بـ((المبادئ العامّة)) وانتظمتفيه أربع مواد (من المادة الأولى إلى المادة الرابعة) وضحت طبيعة المملكة العربية السعودية شكلاً ونظاماً وهويّةً ودستوراً ولغة وعاصمة، كما وضحت عيدي الدولة وتقويمَها وعَلَمَهَا وشِعارَها.
سابعاً: عنون الباب الثاني في النظام الأساسي للحكم بـ((نظام الحكم)) وانتظمت فيه أربع مواد (من المادة الخامسة إلى المادة الثامنة) وضحت طبيعة نظام الحكم في المملكة والبيعة، واستمداد أصول الحكم والأساس الذي يبتني عليه الحكم، وهو العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
ثامناً: يقع الباب الثالث في نظام الحكم تحت اسم ((مقوّمات المجتمع السعودي)) وانتظم في خمس مواد (من المادة التاسعة إلى المادة الثالثة عشرة) وضحت نواة المجتمع السعودي، وهي الأسرة وما ينبغي أن تبنى عليه، كما بينت المواد حرص المملكة على الأسرة والحفاظ عليها ورعايتها، وما يقوم عليه المجتمع السعودي من أسس قويّة ثابتة وتعاون إيجابي مثمر، كما بيّنت المواد أهمية الوحدة الوطنيّة وامتناع كل ما يؤدّي للفتنة، وإيلاء التعليم كل عناية وابتناءه على العقيدة الإسلامية.
تاسعاً: تضمّن الباب الرابع في النظام الأساسي للحكم في المملكة (المبادئ الاقتصادية) ويقع في تسع مواد (من المادة الرابعة عشرة إلى المادة الثانية والعشرين) وبيّنت مواد الباب الموارد الاقتصادية والماليّة للدولة وخدمة الأموال العامة وواجب المحافظة عليها، وتأكيد الملكية ورأس المال وكونها مقوّمات أساسية للاقتصاد السعودي، مع كفالة الدولة لحرية الملكية الخاصة، وحظر مصادرة الأموال إلا بقضاء، كما بيّنت المواد فرض الضرائب والرسوم وجباية الزكاة، وأهمية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق خطة علمية عادلة.(12/14)
عاشراً: تضمّن الباب الخامس في النظام الأساسي للحكم في المملكة (الحقوق والواجبات) ويقع في إحدى وعشرين مادة (من المادة الثالثة والعشرين إلى المادة الثالثة والأربعين) وقد بيّنت مواد الباب جملة من الحقوق والواجبات التي تقوم بها الدولة حمايةً للعقيدة الإسلامية وتطبيق الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بواجب الدعوة إلى الله، وإعمار الحرمين الشريفين وخدمة قاصديهما، وتحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية وحماية حقوق الإنسان، وكفالة حقوق المواطن وأسرته وتيسير مجالات العمل ورعاية العلوم والآداب والثقافة وتشجيع البحث العلمي وصيانة التراث الإسلامي، وتوفير فرص التعليم العام، مع العناية بالصحة العامة والمحافظة على البيئة وحمايتها، والعناية بالقوّات المسلّحة لتدافع عن الدين والوطن، كما بيّنت المواد أحكام الجنسية العربية السعودية، وواجب الدولة في توفير الأمن وبسطه في ربوع البلاد، كما بيّنت المواد حرمة المساكن وأن العقوبة شخصيّة ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على حكم من الشرع والنظام، كما بينت المواد واجب وسائل الإعلام وما ينبغي الالتزام به من التعبير بالكلمة الطيّبة وفق أنظمة الدولة، كما بينت المواد كذلك صيانة المراسلات والمحادثات مع بيان واجب المقيمين في المملكة من الالتزام بالأنظمة المرعيّة فيها، كما بيّنت المواد حقّ الدولة في منح اللجوء السياسي عند اقتضاء المصلحة العامَّة، وأخيراً بينت المواد حقيقة هامّة ينفرد بها النظام السياسي السعودي وهي فتح مجلس الملك ومجلس ولي العهد لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة وكل من له حق، وهذا من خصائص النظام الأساسي للحكم في المملكة ومن المزايا التي تفرقه عن غيره من الأنظمة الحاكمة الأخرى(1).
__________
(1) للاستزادة حول ذلك انظر: المجالس المفتوحة، د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز آل سعود ص (135) وما بعدها.(12/15)
حادي عشر: وضح الباب السادس من النظام الأساسي للحكم في المملكة (سلطات الدولة) وانتظم في ثمانٍ وعشرين مادة (من المادة الرابعة والأربعين إلى المادّة الحادية والسبعين)، وبيّنت المواد جملة من سلطات الدولة القضائية والتنفيذية والتنظيمية، ومدى طبيعة كل سلطة من السلطات الثلاث المذكورة ومجال عملها، وهذه المواد في غاية الأهمية؛ لأنها مرتكز لأعمال أجهزة الدولة المختلفة.
ثاني عشر: وضّح الباب السابع من النظام الأساسي للحكم في المملكة (الشؤون المالية) وانتظم في سبع مواد فقط (من المادة الثانية والسبعين إلى المادة الثامنة والسبعين) وأبانت هذه المواد عن ماليّة الدولة، وميزانيتها والأمور المتعلّقة بإيراداتها وشؤونها.
ثالث عشر: اهتمّ الباب الثامن من النظام الأساسي للحكم في المملكة ببيان (أجهزة الرقابة) وانتظم في مادّتين فقط (وهما المادة التاسعة والسبعون والمادة الثمانون) وعُنيتا بالرقابة على أموال الدولة وإيراداتها ومصروفاتها وأموالها العامة والجهاز المعني بذلك، كما بيّنت المادة الثمانون أهميّة المراقبة على الأجهزة الحكومية والتأكّد من حسن الأداء في الوظائف العامّة وتطبيق الأنظمة.
رابع عشر: ختمت أبواب النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية بالباب التاسع والذي بَيَّن (أحكاماً عامّة) وانتظم في ثلاث مواد (من المادة الحادية والثمانين إلى المادة الثالثة والثمانين) والذي وضحت مواده التزام المملكة بارتباطاتها مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية وعدم إخلال تطبيق النظام بذلك، وكذا بينت المواد عدم جواز تعطيل هذا النظام بأي حال من الأحوال إلا بصفة مؤقتة كزمن الحرب والطوارئ وعلى وجه يبيّنه النظام، وختمت المواد بتأكيد أنه لا يجري تعديل هذا النظام إلا بنفس الطريقة التي أصدر بها.(12/16)
المطلب الثاني: تأسيس النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على هدي الكتاب والسنة، وتضمينه المواد الدالة على ذلك
وضَّح النظام الأساسي في الحكم طبيعة نظام المملكة العربية السعودية، والركائز العظيمة التي تقوم عليها الدولة، والأسس التي تنبني عليها، وذلك من خلال منطوق المادة الأولى من الباب الأول والتي تنصّ على ما يلي: ((المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامّة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض)) (1).
وبنظرة تحليليّة لهذه المادّة الهامة نجد أنّها تضمّنت الفقرات التالية:
أولاً: شكل الدولة السياسي هو الشكل الملكي.
ثانياً: مسمى الدولة هو المملكة العربية السعودية.
ثالثاً: هوية الدولة: عربية إسلامية.
رابعاً: تأكيد سيادة الدولة وأنّها سيادة تامّة وليست سيادة ناقصة.
وغني عن القول ما عني به الإسلام الحنيف من تأكيد مشروعية سيادة الدولة في الإسلام، وعلوّها، وكمالها وعدم انتقاصها أو خضوعها لأحد.
قال تعالى: ( ? ( ( ( ( (المنافقون:8)، وقال سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( (آل عمران:139).
والمتأمِّل في مسيرة المملكة العربية السعودية في مراحلها التاريخية وعهودها المتعاقبة يجد أنها تولي سيادتها أهميّة بالغة، باحتكامها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ترضى بأي حال من الأحوال باخترامها أو انتقاصها أو تهديدها.
خامساً: وضحت المادة الأولى أيضاً دين الدولة وهو الإسلام، وهذا تأكيد لتمسك المملكة العربية السعودية بالإسلام وتحقيق لقول الله تعالى: ( ? ( ( ( (( ( (آل عمران:19). وقوله سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (آل عمران:85).
__________
(1) انظر: الأنظمة السعودية الأساسية ص (13).(12/17)
سادساً: تأكيد أنّ دستور الدّولة يستمدّ من مصدرين عظيمين ثابتين كاملين محيطين بكل شيء ولم يفرِّطا في أي شيء هما: القرآن العظيم، والسنة النبوية المطهّرة، وفي هذا أكبر تأكيد وأعظم ملحظ على تمسك المملكة العربية السعودية بهدي الكتاب والسنة وعدهما الحاكمين الحقيقيين على أجهزة الدولة.
كما يجدر التنبه هنا على أن دساتير كثير من الدول الأخرى تستمدّ من آراء وأفهام بشرية تصاغ في مواد قانونية دستورية قد يعتريها النقص والتغيّر والتحوّل.
ومسألة التزام المملكة العربية السعودية ورضاها بأن يكون دستورها الكتاب والسنة أبلغ مقال على حسن التوجّه وسلامة المنهج وفضيلة المسلك، وتقديم رضا الله تعالى، ورضا رسوله - صلى الله عليه وسلم - على رضا البشر، والقناعة بحكم الله تعالى وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتقديم شرعهما على غيره.
قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (الجاثية:18).
سابعاً: لغة المملكة العربية السعودية اللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم، وبها حفظت السنة النبوية، وفي هذا تأكيد من المملكة على الاعتناء بالكتاب والسنة وحفظهما ورعايتهما.
ثامناً: نصت المادة أخيراً على كون الرياض عاصمة المملكة.
كما نصّت المادة السابعة من الباب الثاني من النظام الأساسي للحكم في المملكة على ما يلي: ((يستمدّ الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)) (1).
وبتحليل لهذه المادة الهامة نجد أنها تضمّنت حقيقتين هامتين هما:
أولاً: استمداد سلطة الحكم في المملكة من الكتاب الكريم والسنة النبوية.
ثانياً: كون الكتاب الكريم والسنة النبوية هما الحاكمان على النظام الأساسي للحكم وجميع أنظمة الدولة الأخرى.
__________
(1) انظر: الأنظمة السعودية الأساسية ص (14).(12/18)
وفي هذا تأكيد من قادة المملكة العربية السعودية وأولي الأمر فيها ـ وفقهم الله ـ على الالتزام بالكتاب والسنة وتحكيمهما على جميع أنظمة الدولة بما فيها النظام الأساسي للحكم، وذلك امتثال لقوله تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (النساء:65).
المطلب الثالث: توقير أولي الأمر في المملكة العربية السعودية للسنة النبوية، وتعظيمهم لها، والإشادة بها
من مظاهر اهتمام أولي الأمر في المملكة بالسنة النبوية المطهرة توقيرهم وتعظيمهم لها والإشادة بها، ويتَّضح ذلك من خلال عدة أمور منها:
أ- تعظيم سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واتخاذها إلى جانب القرآن الكريم دستوراً للمملكة العربية السعودية، وعدم المساس بقداستها أو التنقّص من فضلها.
ب – إشادة أولي الأمر في المملكة بالسنة النبوية منذ تأسيسها وإلى الوقت الحاضر بحمد الله تعالى.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – حفظه الله – في كلمة توجيهية له: ((إنّ أهمّية الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله كبيرة، فمن لم يحكم بكتابه وينفّذ ما أمر الله به فسوف يكون هالكاً وسوف يكون الخاسر في الدنيا والآخرة)) (1).
المطلب الرابع: اهتمام أولي الأمر في المملكة بعلماء السنة وتقريبهم واحترامهم وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم
إنَّ من مظاهر اهتمام أولي الأمر في المملكة بالسنة النبوية الاحتفاء بعلماء السنة وتقريبهم واحترامهم وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم، والاستماع إلى آرائهم ومشورتهم، وتفعيل ذلك في شؤون الحكم.
ويمكن إيضاح ذلك في النقاط المركزة التالية:
أ- الاحتفاء بعلماء السنة النبوية، وعدم هجرهم وتركهم.
ب – إنزال علماء السنة المنزلة اللائقة بهم وبعلمهم ومكانتهم.
ج – استقبال خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين للعلماء، وتبادل الحديث المنوّع معهم.
__________
(1) توثيق ووثائق، عبد الرحمن الرويشد (1/13).(12/19)
د – إنشاء الأجهزة الحكومية الخاصّة بالعلماء والداخلة في نطاق اختصاصهم ومجالهم، ومن ذلك:
1- رئاسة إدارة البحوث العلميّة والإفتاء.
2- وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
3- الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
4- الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- إنشاء العديد من الإدارات الدينية وإدارات التوعية والتوجيه في بعض الأجهزة الحكومية المدنية والعسكرية في المملكة(1).
والحقيقة أنّ كل تلك المناشط تُعدّ اهتماماً خاصّاً من قبل أولي الأمر في المملكة بعلماء السنة وتفعيل دورهم في توجيه وخدمة المجتمع.
المطلب الخامس: قيام مجلس الشورى في المملكة، وتحديث نظامه وأجهزته تطبيقاً للسنّة
أرشدت السنة النبوية إلى العناية بالشورى والاهتمام بها وأخذها واستخلاصها من أهلها لخير المجتمع، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر الناس مشورة لأصحابه(2).
وتأسِّياً بهذه السنة النبوية فقد قام أولو الأمر في المملكة العربية السعودية بإنشاء مجلس للشورى منذ عهد الملك عبد العزيز يرحمه الله.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين أعيد النظر في مجلس الشورى شكلاً ومضموناً، وأعيد تحديث أنظمته وأجهزته وآليّة عمله ليكون رافداً قويّاً، ومساعداً هامّاً لأولي الأمر.
__________
(1) للاستزادة انظر: الدعوة إلى الله في عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، د. عبد الرحيم محمد المغذوي ص (57) وما بعدها.
(2) انظر: الشورى وأثرها في الديموقراطية، د. عبد الحميد الأنصاري ص (65) وما بعدها.(12/20)
وقد صدر الأمر الملكي الكريم بإنشاء مجلس الشورى بالرقم (أ/91) وتاريخ (27/8/1412هـ) ونصّه: ((بعون الله تعالى..نحن فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، عملاً بقوله تعالى: ( ? ( (( ( وقوله تعالى: ( ? ( ( ( واقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشاورة أصحابه، وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامّة.. وبعد الاطلاع على نظام مجلس الشورى الصادر بالأمر الملكي في عام 1347هـ أمرنا بما هو آت:
أولاً: إصدار نظام مجلس الشورى بالصيغة المرافقة بهذا.
ثانياً: يحلّ هذا النظام محل نظام مجلس الشورى الصادر في عام 1347هـ، ويتم ترتيب أوضاع هذا المجلس بأمر ملكي.
ثالثاً: يستمر العمل بكل الأنظمة والأوامر والقرارت المعمول بها عند نفاذ هذا النظام حتى تعدل بما يتفق معه.
رابعاً: يتمّ العمل بهذا النظام في مدّة أقصاها ستة أشهر من تاريخ نشره.
خامساً: ينشر هذا النظام في الجريدة الرسميّة)) (1).
ويتكوّن نظام الشورى من ثلاثين مادّة وضّحت ما يتعلّق بالمجلس، ثم صدرت اللائحة الدّاخلية لمجلس الشورى بالأمر الملكي رقم (أ/15 وتاريخ 3/3/1414هـ) وتتكون مما يلي:
الباب الأول: اختصاصات رئيس المجلس ونائبه والأمين العام، ويتكون من سبعة مواد (من المادة الأولى إلى المادة السابعة).
الباب الثاني: الهيئة العامّة للمجلس، ويتكون من أربع مواد (من المادة الثامنة إلى المادة الحادية عشرة).
الباب الثالث: الجلسات، ويتكوّن من تسع مواد (من المادة الثانية عشرة إلى المادة العشرين).
الباب الرابع: اللجان، ويتكون من عشر مواد (من المادة الحادية والعشرين إلى المادة الثلاثين).
الباب الخامس: التصويت وإصدار القرارات، ويتكوّن من مادتين فقط هما: (المادة الحادية والثلاثون والمادة الثانية والثلاثون).
__________
(1) الأنظمة السعودية الأساسية ص (45).(12/21)
الباب السادس: أحكام عامة، ويتكوّن من مادتين (المادة الثالثة والثلاثين والمادة الرابعة والثلاثين).
كما صدرت لائحة حقوق أعضاء مجلس الشورى وواجباتهم، وتتكون من ست مواد.
كما صدر تنظيم الشؤون المالية والوظيفيّة للمجلس، ويتكون من عشر مواد، كما صدرت قواعد التحقيق والمحاكمة لعضو مجلس الشورى وإجراءاتها وتتكوّن من خمس مواد(1).
ويقوم مجلس الشورى بعدة أعمال ووظائف جليلة هامّة في حياة المجتمع السعودي وخدمة قضاياه المتعددة(2).
المطلب السادس: تأكيد النظام الأساسي في المملكة على رعاية حقوق الإنسان والعناية بها تطبيقاً لتوجيه السنّة
أكّد النظام الأساسي للحكم في المملكة أهمية ضمان حقوق الإنسان والعناية بها وعدم التنقّص منها، وذلك تطبيقاً لدعوة السنة إلى الاهتمام بالمسلم ورعايته(3)، كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ))بحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))(4).
والمتأمِّل في النظام الأساسي للحكم في المملكة يجد أنّه قد أكد مسألة ضمان حقوق الإنسان، ومن ذلك:
المادة السادسة والعشرون والتي تنصّ على ما يلي: تحمي الدولة حقوق الإنسان.. وفق الشريعة الإسلامية (5).
__________
(1) الأنظمة السعودية الأساسية ( نظام مجلس الشورى ) ص (45-71).
(2) انظر: نظام الحكم والإدارة، مجلس الشورى، إعداد يوسف إبراهيم السلوم ص (17)وما بعدها.
(3) انظر: المملكة العربية السعودية وحقوق الإنسان في الإسلام، أ.د. محمد الحسيني مصيلحي ص (3).
(4) صحيح مسلم (4/1986) كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم (2564).
(5) الأنظمة السعودية الأساسية ص (18).(12/22)
والمادة السابعة والعشرون ونصها كالتالي: ((تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسّسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيريّة))(1).
المادة السابعة والثلاثون ونصها: ((للمساكن حرمتها.. ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبيّنها النظام)) (2).
وتقوم المملكة العربية السعودية برعاية حقوق الإنسان وصيانتها سواء أكان مواطناً أم مقيماً على أرض المملكة، مع كفالة جميع متطلباته الأساسية، وكفالة حقوقه الشخصيّة من أيّ اعتداء أو انتهاك(3).
المطلب السابع: احتفاء النظام الأساسي في المملكة ببيان الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم
اهتمّ النظام الأساسي للحكم في المملكة ببيان الحقوق والواجبات المترتّبة على كل من الحاكم والمحكوم، وهذا من تمام عناية النظام وتوازن نظرته.
ويتضح ذلك الاهتمام ويبدو جليّاً في إفراد باب خاص به، يعنى بمسائله وقضاياه المتنوّعة وهو الباب الخامس الذي يحمل اسم: (الحقوق والواجبات) وينتظم في إحدى وعشرين مادّة(4).
ومن أمثلة الحقوق والواجبات التي أكدتها المواد النظامية الآنفة ما يلي:
حماية الدولة لعقيدة الإسلام، وتطبيق الشريعة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، والقيام بإعمار الحرمين الشريفين والمساجد وتحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية وتيسير مجالات عمل المواطن وحفظ حقوقه وكفالتها مع واجب المواطن والمقيم في حفظ الوطن وعدم هتك نسيجه الفكري والاجتماعي، وغير ذلك من الحقوق والواجبات.
__________
(1) الأنظمة السعودية الأساسية ص (18).
(2) المرجع السابق ص (20).
(3) انظر: المملكة العربية السعودية وحقوق الإنسان، عزت مراد ص (53) وما بعدها.
(4) انظر: الأنظمة السعودية الأساسية ص (18-21).(12/23)
المطلب الثامن: عناية النظام الأساسي للحكم في المملكة بإيضاح أهميّة الأمن، وضرورته للحياة اتساقاً مع دعوة السنّة
للأمن أهميته في حياة أي إنسان وأي مجتمع على وجه الأرض، بل إنّه يمكن القول: إن الأمن هو الوسط الحيوي اللازم للحياة الإنسانية الطبيعية، بعد الإيمان بالله تعالى وتوحيده، كما قال سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (الأنعام:82).
وقد أكدت السنة أهمية الأمن وضرورته للحياة بل وعدله لها وذلك في الحديث الذي يرويه سلمة بن عُبَيد الله بن مُحْصِن الخُطَميّ عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أصبح منكم آمناً في سِرْبه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنّما حِيزت له الدنيا)) (1).
والمتأمِّل في مواد النظام الأساسي للحكم في المملكة يجد أن جميع موادِّه تهتم بالأمن الشامل في جميع المجالات، ومن ذلك المادة السادسة والثلاثون ونصّها: ((توفّر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها ولا يجوز تقييد تصرّفات أحد وتوقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام)) (2).
وبتحليل لهذه المادة النظامية الهامّة نجد أنّها تضمّنت ما يلي:
أ- اهتمام الدولة بالأمن وعدم إغفاله والتأكيد عليه في مواد النظام الأساسي للحكم.
ب-التزام الدولة بتوفير الأمن، مع أخذ الاحتياطات والمستلزمات.
ج- شموليّة الأمن لجميع المواطنين والمقيمين على أرض المملكة.
د- كفالة أمن المواطن والمقيم وحرّيته وعدم الاعتداء عليه.
هـ- احترام تصرّفات المواطنين والمقيمين وعدم تقييدها إلا بالنظام.
__________
(1) رواه الترمذي في سننه (4/574)، كتاب الزهد، باب 34، رقم (2346)، وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه ابن ماجه في سننه (2/1386)، كتاب الزهد، باب القناعة، رقم (4141). وقال الشيخ الألباني: حسن، انظر: صحيح سنن ابن ماجه (2/399)، رقم: (3340).
(2) الأنظمة السعودية الأساسية ص (20).(12/24)
و- عدم هدر كرامة الإنسان بتوقيفه أو حبسه دون وجه حقّ.
ومن مجموع ذلك كله يتضح بجلاء عناية النظام الأساسي للحكم بمسألة الأمن وضرورتها لحياة الناس.
المطلب التاسع: صبغ أجهزة الدولة العامّة بالسنة النبوية وتفعيلها في خدمة المجتمع السعودي
إنّ المتأمل في كثير من أجهزة الدولة العامّة في المملكة العربية السعودية يجد أنها تسير وفق توجيهات السنة النبوية بصورة أو أخرى، مع تفعيل تلك الأجهزة قاطبة في خدمة المجتمع السعودي سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين.
وهذه الصِّبغة الطيِّبة لأجهزة الدولة إنما هي ثمرة للسياسة الشرعية الحكيمة التي يقوم بها ولي الأمر في هذه البلاد، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة والخمسون: ((يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والسياسة العامّة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها)) (1).
المطلب العاشر: عدم سماح المملكة العربية السعودية بقيام تجمّعات وأحزاب سياسية استجابة لهدي السنة النبوية
إنّ التجمّعات والتحزّبات السياسية والفكرية والمنهجية في أي مجتمع دليل على اختلافه وتفرّقه وعدم وحدته، وهذا ما حذّر الله تعالى منه بقوله: ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (آل عمران:103)، وقوله سبحانه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( (المؤمنون:52-53) وقوله جلّ شأنه: ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( (الروم:31-32).
__________
(1) الأنظمة السعودية الأساسية ص (24).(12/25)
ومما قيل في تفسير هذه الآية الكريمة: ((ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدّلوا دينهم، وغيّروه فأخذوا بعضه، وتركوا بعضه، تبعاً لأهوائهم، فصاروا فرقاً وأحزاباً، يتشيّعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم، يعين بعضهم بعضاً على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون، يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل)) (1).
وقد أكدت السنة النبوية الاعتصام والجماعة وعدم التفرق والتحزّب، ويتضح ذلك في الحديث الذي رواه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ أهل الكتاب تفرّقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة…)) الحديث(2).
وقد أكد علماء الأمة وجوب التزام الجماعة وترك الخلاف والتفرّق لكونه يضرّ ولا ينفع ويهدم ولا يبني ويخرِّب ولا يصلح، يقول ابن أبي العز الحنفي في عقيدته: ((ونرى الجماعة حقّاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً)) (3).
ونظراً لكلِّ ذلك فقد أكد النظام الأساسي للحكم في المملكة أهمية الوحدة والجماعة وترك الفرقة والخلاف والانقسام والفتن التي تضرّ المجتمع ولا تفيده بأي حال من الأحوال، وهذا ماَ نصَّتْ عليه المادة الحادية عشرة: ((يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البرّ والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرّقهم)) (4).
كما أكدت ذلك المادة الثانية عشرة ونصها: ((تعزيز الوحدة الوطنيّة واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام)) (5).
__________
(1) التفسير الميسّر ص (407).
(2) رواه أبو داود في سننه (5/5) كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم (4597)، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/358) رقم (204).
(3) شرح العقيدة الطحاوية ص (512).
(4) الأنظمة السعودية الأساسية ص (15).
(5) المرجع السابق ص (15).(12/26)
المبحث الثالث: مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحياة
ويتضمن عشرة مطالب:
المطلب الأول: ابتناء التعليم على ضوء السنة النبوية وتخصيص مواد تعنى بها.
المطلب الثاني: إنشاء ودعم الكليات والأقسام العلمية الخاصة بالسنة النبوية.
المطلب الثالث: إنشاء مركز خدمة السنة والسيرة النبوية.
المطلب الرابع: الدروس العلمية في الحرمين الشريفين وفي غيرها من المساجد وميادين التوعية الأخرى.
المطلب الخامس: تحكيم السنة في المحاكم والهيئات والمجالس الشرعية المتعددة، وتوثيق العقود والوثائق المتنوّعة على ضوئها.
المطلب السادس: دعم أجهزة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقاً للسنة وقمعاً للبدعة.
المطلب السابع: طبع ونشر المصنفات والكتب الخاصة بالسنة النبوية.
المطلب الثامن: استحداث جائزة عالمية خاصّة بالسنة النبوية.
المطلب التاسع: حظر الأعمال والعقائد والأفكار المناهضة للسنّة النبويّة وحماية المجتمع السعودي منها.
المطلب العاشر: تطويع وسائل الإعلام لخدمة السنة النبوية.
المطلب الأول: ابتناء التعليم على ضوء السنة النبوية وتخصيص مواد تعنى بها(12/27)
لتعليم النشء وتربيته أهميته خاصّة، حتى يشبّ على التمسّك بالعقيدة الإسلامية، والعلم بالأحكام الشرعية، والمعرفة بالحقوق والواجبات الفردية والاجتماعية، إضافة إلى ما يكتسبه من علوم ومعارف وفنون ومهارات متنوّعة، وهذا امتثال لقوله تعالى: ( ? ( ( ( ( (طه:114)، وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن يرد الله به خيراً يُفقِّهه في الدين(1)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طلب العلم فريضة على كل مسلم)) (2).
ونظراً لكل ذلك فقد اهتمّت المملكة العربية السعودية بتعليم أبنائها ذكوراً وإناثاً منذ نعومة أظفارهم، كما اهتمّت بتعليم المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافةً إلى تعليم الكبار.
وقد أكد النظام الأساسي للحكم في المملكة على التعليم، ونبل أهدافه، وسمو معانيه، ويتضح ذلك من خلال المادة الثالثة عشرة ونصها: ((يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم محبين لوطنهم معتزّين بتاريخه)) (3).
وتوضح المادة الثلاثون التزام الدولة بتوفير التعليم وتيسيره لأبنائها صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، حيث تنص على ما يلي: ((توفّر الدولة التعليم العام.. وتلتزم بمكافحة الأميّة)) (4).
__________
(1) صحيح البخاري (1/42)، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، رقم (71).
(2) سنن ابن ماجه (1/80) المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم (224)، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر: صحيح سنن ابن ماجه (1/44)، رقم (183).
(3) الأنظمة السعودية الأساسية ص (15).
(4) الأنظمة السعودية الأساسية ص (19).(12/28)
ومما هو ملاحظ في مناهج التعليم العام في المملكة ابتناؤه على أسس صحيحة ثابتة من الكتاب والسنة، مع تضمين العديد من المناهج نصوصاً من الكتاب والسنة، أضف إلى ذلك إفراد مواد خاصّة بالسنة النبوية هي مادة الحديث.
المطلب الثاني: إنشاء ودعم الكليات والأقسام العلمية الخاصة بالسنة النبوية
لم تكتف المملكة العربية السعودية بمناهج التعليم العام واهتمامها بالسنة وتخصيص المواد التي تعنى بذلك، بل قامت الدولة - رعاها الله – بإنشاء ودعم الكليات والأقسام العلمية الخاصة بالسنة النبوية في الجامعات، ومن أمثلة هذه الجامعات:
أ- الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
ب- جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
ج- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
د- جامعة الملك خالد بأبها.
هـ - جامعة الملك سعود بالرياض.
و- جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
كما تعنى بتدريس السنة النبوية بصفة عامة سائر الكليات والمؤسسات التعليمية بالمملكة، مثل:
أ- كليات المعلمين.
ب- كليات إعداد المعلمات(1).
ج- كلية الملك عبد العزيز الحربية.
د- كلية الملك خالد العسكرية بالحرس الوطني.
هـ- كلية الملك فهد الأمنية.
و - دار الحديث المكية.
ز - دار الحديث المدنية.
ولو أردنا أن نأخذ نموذجاً لذلك، لاخترنا كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة؛ وذلك لأنَّ هذه الكلية تعدّ الوحيدة التي تحمل هذا الاسم، وتختص بهذه النوعية من الدراسة على مستوى جامعات المملكة.
وقد صدر الأمر السامي الكريم بإنشائها برقم (15653) وتاريخ 23/6/1396هـ، وقد بدأت الدراسة بها يوم الأحد 24/10/1396هـ.
واختصت هذه الكلية بالعناية بالسنة النبوية وخدمتها والمحافظة عليها والذبّ عنها وتأهيل المتخصّصين المتمكنين من علومها، مع الإلمام بالعلوم التي تساعدهم على ذلك.
__________
(1) انظر: جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة السنة وعلومها، د. أحمد الباتلي ص (17).(12/29)
وتضمّ الكلية الأقسام العلمية التالية:
أ- قسم فقه السنة ومصادرها، ويدخل في اختصاصه المواد التالية: الحديث-دراسات في كتب السنة-تدوين السنة.
ب- قسم علوم الحديث، ويدخل في اختصاصه المواد التالية: مصطلح الحديث - الجرح والتعديل - رواة الحديث وطبقاتهم - الوضع والوضاعون - التخريج ودراسة الأسانيد.
كما تمنح الكلية الدرجات العلمية الثلاث: الجامعية، والماجستير، والدكتوراه.
وتشهد الكلية نموّاً في أعداد منسوبيها من أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين(1).
ولا تألو الدولة جهداً في دعم هذه الكلية وغيرها من الكليات والجامعات للقيام بأداء رسالتها خير قيام.
المطلب الثالث: إنشاء مركز خدمة السنة والسيرة النبوية
من أبرز مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية والعناية بها هو: إنشاء مركز خاص يعنى ويختص بها.
هذا المركز هو مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
وقد أنشئ هذا المركز في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – يحفظه الله – بموجب الأمر الملكي ذي الرقم (5/793/م) والتاريخ 20/4/1406هـ.
ويهدف المركز إلى جملة أمور هامّة تخدم السنة والسيرة النبوية وتعنى بها في جميع المجالات العلمية ومنها:
أ- جمع وحفظ الكتب المخطوطة والمطبوعة والوثائق والمعلومات المتعلقة بالسنة والسيرة النبوية وتيسيرها للباحثين.
ب- إعداد موسوعة في الحديث النبوي وموسوعات أخرى في خدمة السنة والسيرة النبوية وفقاً للخطط التي يضعها مجلس المركز.
ج- تحقيق ما يمكن من كتب السنة والسيرة النبوية وإعداد البحوث العلمية التي تخدم السنة والسيرة النبوية.
__________
(1) للاستزادة، انظر: الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ص (335).(12/30)
د- ترجمة ما تدعو الحاجة إليه من كتب السنة والسيرة النبوية وما يتعلق بها.
هـ- ردّ الأباطيل ورفع الشبهات عن ساحة السنة والسيرة النبوية.
و- نشر الأعمال المنجزة في المركز في مجال التأليف والتحقيق والترجمة.
ز- التعاون مع المراكز والهيئات والمؤسسات العلمية التي تعمل في خدمة السنة والسيرة النبوية داخل المملكة وخارجها فيما يخدم المركز ويحقق أهدافه.
ح- الاستفادة من خبرات ذوي الشهرة العلمية في السنة والسيرة النبوية.
ط- الاستفادة من الحاسب الآلي في جمع السنة وبرمجة المعلومات المتعلقة بها وبعلومها.
وقام المركز منذ إنشائه بعدّة أعمال وإنجازات تخدم السنة والسيرة النبوية، ولكي يقوم المركز بمهامه كُوّن له مجلس علمي مؤلّف من:
1- مدير المركز وله رئاسة المجلس.
2- وكيل المركز أميناً للمجلس.
3- خمسة من المتخصصين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، ويصدر بتعيينهم قرار من مدير الجامعة مدة سنتين قابلة للتجديد بناءً على ترشيح مدير المركز، ويتألف المركز من الأقسام التالية:
1- قسم التحقيق.
2- قسم الموسوعات، ويشمل:
أ- موسوعة الرواة.
ب- موسوعة المتون.
ج- موسوعة السيرة النبوية.
3- الحاسب الآلي، ويتولى أعمال البرمجة وقواعد المعلومات.
وقد قام المركز بإنجاز بعض الكتب والبحوث العلمية الخاصة بالسنة والسيرة النبوية، ومنها:
1- الأحاديث الواردة في فضائل المدينة المنورة، د. صالح الرفاعي.
2- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي، تحقيق د. حسين الباكري.
3- السيرة النبوية والمستشرقون (باللغة الإنجليزية).
4- إتحاف المهرة لابن حجر العسقلاني، تحقيق مجموعة من الباحثين.
كما أنّ العمل جارٍ في المركز لإعداد قواعد معلومات للموسوعات التالية:
أ- موسوعة السيرة النبوية.
ب- موسوعة الرواة.
ج- موسوعة المتون(1)
__________
(1) انظر الكتب التالية:
الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ص (199-200).
الدعوة إلى الله في عهد خادم الحرمين الشريفين…د. عبد الرحيم محمد المغذوي ص (70).
أضواء على مركز خدمة السنة والسيرة النبوية ص (8).(12/31)
.
المطلب الرابع: الدروس العلمية في الحرمين الشريفين، وفي غيرهما من المساجد وميادين التوعية الأخرى
من الصور الرائعة لعناية المملكة بالسنة النبوية ما تقوم به من عناية وتوجيه ودعم للدروس العلمية في المسجد الحرام بمكة المكرمة وفي المسجد النبوي في المدينة المنورة، وذلك عن طريق الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي التي قامت بتخصيص إدارة تعنى بذلك هي: إدارة شؤون التدريس، وانتداب العلماء الموثوق بهم للتدريس، ومن الأمثلة على ذلك:
أ- قيام الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، بتدريس العديد من كتب السنة في المسجد النبوي.
ب- قيام الشيخ أبي بكر جابر الجزائري بتدريس السنة في حلقته بالمسجد النبوي(1) وغيرهما من العلماء والمشايخ الفضلاء.
ح- قيام العلماء في المسجد الحرام والمسجد النبوي بتدريس السنة سواء بشكل مباشر من كتب السنة، أو بشكل غير مباشر من كتب العقيدة والتفسير والفقه وغيرها.
كما تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
– مشكورة – بتنظيم العديد من الدروس والمحاضرات والندوات التي تخدم السنة وتنشرها بين الناس من خلال الجوامع والمساجد المنتشرة في أنحاء المملكة(2).
المطلب الخامس: تحكيم السنة في المحاكم والهيئات الشرعية المتعدّدة، وتوثيق العقود والوثائق المتنوّعة على ضوئها
للقضاء في المملكة العربية السعودية أهمية خاصة، وذلك لاستناده إلى الأصول الشرعية من الكتاب والسنة.
والمتأمّل في المحاكم الشرعية والهيئات القضائية والمتوَّجة بمجلس القضاء الأعلى يجد التزامها في أحكامها، وما تصدره من قرارات بالكتاب والسنة النبوية.
وتيسيراً لذلك فقد أنشأت المملكة العربية السعودية الإدارات القضائية المعنية بذلك، ومنها:
__________
(1) انظر: الحرمان الشريفان التوسعة والخدمات خلال مائة عام ص (213)، ص (360).
(2) جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة السنة وعلومها، د. أحمد الباتلي ص (53).(12/32)
1- وزارة العدل.
2- مجلس القضاء الأعلى.
3- هيئات التمييز.
4- المحاكم الشرعية المتنوّعة في درجاتها واختصاصاتها والتابعة لوزارة العدل.
5- ديوان المظالم.
والمتأمل في النظام الأساسي للحكم في المملكة يجد أنه قد أولى القضاء عنايته واهتمامه، ومن الشواهد على ذلك ما يلي:
المادة السادسة والأربعون، ونصها: ((القضاء سلطة مستقلة … ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية)) (1).
المادة الثامنة والأربعون، ونصها: ((تطبّق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دلّ عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة)) (2).
وقد قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء المباني الخاصة بالمحاكم والهيئات والإدارات الشرعية بصورة ممتازة، مع تزويدها بكل ما تحتاج إليه من معدات ومستلزمات لإنجاز أعمالها، فضلاً عن إمدادها بالموظفين والأيدي العاملة.
هذا، وقد بلغ عدد محاكم التمييز في المملكة(2)، وعدد المحاكم العامة (302)، وكتابات العدل (125)، وعدد الدرجات القضائية المعتمدة (1051) وظيفة قضائية، وعدد وظائف كتاب العدل المعتمدة (302) وظيفة، وبلغ مجموع فروع وزارة العدل بالمملكة (11) فرعاً.
ودعماً للقضاة فقد صدر الأمر السامي الكريم بتحسين سلّم رواتب القضاة الصادر عام 1414هـ(3).
المطلب السادس: دعم أجهزة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيقاً للسنة وقمعاً للبدعة
من الدلائل البارزة على اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنّة النبويّة هو دعمها لمسيرة وأجهزة الدعوة الإسلامية والاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقاً للخير والفضل في المجتمع.
__________
(1) الأنظمة السعودية الأساسية ص (22).
(2) المرجع السابق ص (23).
(3) انظر: الدعوة إلى الله في عهد خادم الحرمين الشريفين، د. عبد الرحيم بن محمد المغذوي ص (87).(12/33)
قال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (آل عمران:104).
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: ((أي: منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (1).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (2).
وامتثالاً لكل ذلك وتحقيقاً له، وللقيام بالدور المنتظر والمأمول من المملكة العربية السعودية فقد تم تدعيم مسيرة الدعوة والدعاة وأجهزة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن صور ذلك ما يلي:
1- إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
2- إنشاء الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- إنشاء المجالس المتخصصة في الدعوة.
4- إنشاء العديد من الإدارات المعنيّة بالدعوة والتوجيه في كثير من الوزارات والأجهزة الحكومية(3).
5- تأكيد النظام الأساسي في الحكم على العناية بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك:
المادة الثالثة عشرة ونصها: ((تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر…وتقوم بواجب الدعوة إلى الله)) (4).
__________
(1) تفسير ابن كثير ص (387).
(2) رواه مسلم في صحيحه (1/69) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان … رقم (49).
(3) انظر: الأصول العلمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…د. عبد الرحيم بن محمد المغذوي ص (445) وما بعدها.
(4) الأنظمة السعودية الأساسية ص (18).(12/34)
ونتيجة لدعم المملكة العربية السعودية للدعوة الإسلامية وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد تميّزت المملكة بذلك عن سائر البلدان، وجنى مجتمعها الثمرات الطيّبة النافعة – بحمد الله تعالى - (1).
المطلب السابع: طبع ونشر المصنّفات والكتب الخاصّة بالسنّة النبويّة
للمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها اهتمام خاصّ بطبع المصنفات والكتب العلمية وبخاصّة كتب السنة، وهذا ما تؤكده المادة التاسعة عشرة التي تؤكد الاهتمام بالعلوم والبحث العلمي وما يتعلق بذلك ونص المادة: ((ترعى الدَّولة العلوم والآداب والثقافة.. وتعنى بتشجيع البحث العلمي وتصون التراث الإسلامي والعربي وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية))(2).
ومن هذه المصنّفات والكتب التي عنيت بالسنّة وقامت المملكة بالعناية بها، وطبعها ونشرها ما يلي(3):
1- مسند الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- بإشراف معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وتحقيق مجموعة من العلماء، ويقع الكتاب في خمسين مجلداً، وصادر عن مؤسسة الرسالة، وطبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز –يحفظه الله-.
2- تهذيب الآثار وتفصيل معاني الثابت عن رسول الله من الأخبار، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق د. ناصر بن سعد الرشيد، وصدر عن مطابع الصفا بمكة المكرمة، وطبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أجزل الله مثوبته.
__________
(1) الأصول العلمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر …د. عبد الرحيم بن محمد المغذوي ص (495) وما بعدها.
(2) الأنظمة السعودية الأساسية ص (19).
(3) انظر: جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة السنة وعلومها، د. أحمد الباتلي ص (49).(12/35)
3- جامع العلوم والحكم، للحافظ ابن رجب الحنبلي، بتحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، وصدر عن الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، وطبع عام 1419هـ، وطبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله-.
4- الفوائد المنتخبة العوالي عن الشيوخ الثقات المعروفة بالغيلانيات، لمحمد بن عبد الله الشافعي البزار، وصدر عن دار المأمون للتراث بدمشق، وطبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -وفقه الله-
5- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، للإمام نور الدين الهيثمي، بتحقيق:د. حسين أحمد الباكري، وصدر عن مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1413هـ.
6- إتحاف المهرة بالفوائد من أطراف العشرة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، بتحقيق مجموعة من الباحثين، وطبع منه إلى الآن ثمانية عشر مجلداً، وطبع الكتاب بالتعاون بين مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية ومجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
7- مجموعة الحديث المعروفة ((بالأحاديث النجديّة)) وصدر عن الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة عام 1419هـ، وطبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – وفقه الله -.
8- الأحاديث الواردة في فضائل المدينة، للدكتور صالح بن حامد الرفاعي، وهي رسالة دكتوراه بإشراف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، وطبع طبعتين الأولى عام 1413هـ، والثانية عام 1415هـ، وصدرت بالتعاون بين مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
9- السيرة النبوية والمستشرقون، وطبعت باللغة الإنجليزية في مجلدين، وصدر بالتعاون بين مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.(12/36)
كما اهتمت المملكة بنشر كتب لها صلة بالسنة النبوية وفقهها كمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، باعتناء محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ويقع في سبعة وثلاثين مجلداً، وصدر في عدة طبعات آخرها طباعة مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عام 1416هـ، بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وطبع بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أجزل الله مثوبته.
المطلب الثامن: استحداث جائزة عالميّة خاصّة بالسنّة النبويّة
من المظاهر العلمية الهامّة لاهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحياة العامّة، وتفعيلها داخل المجتمع المحلي بل وحتى المجتمع الإسلامي والعالمي قيامها بإنشاء الجوائز والمسابقات التي تعنى بالسنة النبوية، ومن ذلك إنشاء جائزة عالمية فريدة في مجالها واختصاصها،وهي: [جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية، للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة] وقد صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين على إنشائها في 29شوال 1422هـ، ويتكفل بالجائزة ويمولها ويرعاها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخلية – حفظه الله ورعاه وأجزل مثوبته -.
وللجائزة أهداف رائدة هي(1):
1- تشجيع البحث العلمي في مجال السنة النبوية وعلومها والدراسات الإسلامية المعاصرة.
2- إذكاء روح التنافس العلمي بين الباحثين في كافة أنحاء العالم.
3- الإسهام في دراسة الواقع المعاصر للعالم الإسلامي واقتراح الحلول المناسبة لمشكلاته بما يعود بالنفع على المسلمين حاضراً ومستقبلاً.
4- إثراء الساحة الإسلامية بالبحوث العلمية المؤصَّلة.
5- إبراز محاسن الدين الإسلامي الحنيف وصلاحيّته لكل زمان ومكان.
6- الإسهام في التقدّم والرقي الحضاري للبشرية.
__________
(1) انظر: نظام الجائزة والنشرة الخاصة بالجائزة الصادرة عن أمانة الجائزة في 15/9/1423هـ.(12/37)
أما فروع الجائزة فهما فرعان رئيسان:
الفرع الأول: السنة النبوية.
الفرع الثاني: الدراسات الإسلامية المعاصرة.
وتتولى اللجنة العلمية للجائزة تحديد التخصصات التي تندرج تحت كل فرع من هذين الفرعين، وكذلك الموضوعات التي يتمّ طرحها للتنافس في كلّ فرع ولكل دورة من دورات الجائزة.
موضوعات الجائزة:
يطرح في كل دورة من دورات الجائزة ولكل فرع من فرعَيْها موضوعان في تخصصات مختلفة، ويكون هناك فائز واحد في كل موضوع، فيكون مجموع الفائزين أربعة، وإذا لم تستحق الجائزة في موضوع من الموضوعات المطروحة حجبت في تلك الدورة.
مقدار الجائزة:
يقدم لكلّ فائز من الفائزين في أحد موضوعات الجائزة ما يلي:
1- شهادة استحقاق.
2- درع يحمل شعار الجائزة.
3- مبلغ نقدي مقداره (500,000) خمسمائة ألف ريال.
وتخضع البحوث المقدّمة لشروط معينة ودقيقة.
وللجائزة هيئة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود راعي الجائزة أو مَن ينيبه وتضمّ في عضويتها أربعة عشر عضواً، كما أنّ للجائزة أمانة عامة، وإدارة تنفيذية وتضم عدّة لجان فرعية لضمان سير أعمال الجائزة.
أما مقر الجائزة الرسمي فهو المدينة المنورة.
المطلب التاسع: حظر الأعمال والعقائد والأفكار المناهضة للسنة النبوية وحماية المجتمع السعودي منها
للمملكة العربية السعودية دور رائد وهامّ في العناية بالسنة النبوية وخدمتها في جميع المجالات، ومن ذلك حظر الأعمال والعقائد والأفكار المناهضة للسنة النبوية وحماية المجتمع السعودي منها.
وقد تضمَّنت موادّ النظام الأساسي للحكم في المملكة ما يفيد ذلك، ومنها:
المادة الثالثة والعشرون، ونصها: ((تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وتقوم بواجب الدعوة إلى الله))(1).
__________
(1) الأنظمة السعودية الأساسية ص (18).(12/38)
المادة الحادية والأربعون، ونصها: ((يلتزم المقيمون في المملكة العربية السعودية بأنظمتها وعليهم مراعاة قيم المجتمع السعودي واحترام تقاليده ومشاعره)) (1).
وبناءً على هذا فقد أصبحت أجهزة الدولة المختلفة مقيدة بحماية دين الأمة وعقيدتها وفكرها، وفي مقدمة ذلك:
العناية بالسنة النبوية وعدم إحداث ما يخالفها أو إظهار ما يناقضها.
المطلب العاشر: تطويع وسائل الإعلام لخدمة السنة النبوية
تلتزم المملكة العربية السعودية في وسائل إعلامها بالمحافظة على ثوابت الدين الإسلامي الحنيف، والتأكيد على أصوله التي يرتكز عليها من الكتاب الكريم، والسنة النبوية، وقد أكد النظام الأساسي للحكم على ذلك في المادة التاسعة والثلاثين ونصها كالتالي: ((تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة.. وتسهم في تثقيف الأمّة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدِّي إلى الفتنة أو الانقسام أو يمسّ بأمن الدولة وعلاقتها العامّة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه وتبيّن الأنظمة كيفيّة ذلك)) (2).
والمتأمِّل في السياسة الإعلاميّة السعودية، يجد أنّها قد أكّدت أهميّة خدمة هذه الوسائل للسنة النبوية وثوابت الدين الإسلامي الحنيف عامّة من خلال مسارين:
المسار الأول: نشر السنة من خلال وسائل الإعلام المتنوّعة.
المسار الثاني: عدم الإتيان بما يخالف السنة وعقيدة الإسلام.
وهذا ما تؤكده مواد السياسة الإعلامية في المملكة، ومنها:
المادة الأولى: ((يلتزم الإعلام السعودي بالإسلام في كل ما يصدر عنه، ويحافظ على عقيدة سلف هذه الأمّة ويستبعد من وسائله جميعها كل ما يناقض شريعة الله التي شرعها للناس)) (3).
__________
(1) المرجع السابق ص (21).
(2) الأنظمة السعودية الأساسية ص (20).
(3) نصوص السياسة الإعلامية.. ص (9).(12/39)
المادة الثانية: ((يعمل الإعلام السعودي على مناهضة التيارات الهدامة والاتجاهات الإلحادية والفلسفات المعادية ومحاولات صرف المسلمين عن عقيدتهم ويكشف زيفها ويبرز خطرها على الأفراد والمجتمعات والتصدي للتحديات الإعلامية المعادية بما يتفق مع السياسة العامّة للدولة)) (1).
المادة الثالثة: ((تدأب وسائل الإعلام على خدمة المجتمع، وذلك عن طريق تأصيل قيمه الإسلامية الثمينة، وترسيخ تقاليده العربيّة الكريمة والحفاظ على عاداته الخيّرة الموروثة ومقاومة كلّ ما من شأنه أن يفسد نقاءه وصفاءه، وتعنى بدفع عجلة التنمية والتعاون مع المؤسسات المختصة في هذا المجال)) (2).
وتقوم المملكة العربية السعودية بنشر السنة النبوية عبر وسائل إعلامها المختلفة، مثل(3):
أ- الوسائل المقروءة كالصحف والمجلات والدوريات، وذلك عن طريق نشر بعض الأحاديث والتعليق عليها، أو نشر الآداب والصفات المستفادة من السنة النبوية، ومثال ذلك:
1- الصفحات الإسلامية في كثير من الصحف اليومية السعودية، مثل صحيفة المدينة، وعكاظ، والجزيرة، والرياض وغيرها.
2- بعض ملاحق الصحف، مثل ملحق صحيفة المدينة (الرسالة).
3- هناك مجلات تعنى بالسنة ونشرها، ومثال ذلك مجلة (الدعوة)، ومجلة (الحسبة).
4- هناك العديد من الأبواب والصفحات التي تعنى بالسنة في كثير من المجلات والدوريات الصادرة في المملكة.
ب- الوسائل المسموعة: والمقصود بذلك الإذاعة، حيث تقوم المملكة بنشر السنة النبوية عبر موجات الأثير إلى كل أنحاء العالم.
ومن الإذاعات المتنوّعة في المملكة والتي تسهم في نشر السنة بصورة أو أخرى ما يلي:
1- إذاعة البرنامج العام (والذي يبث من الرياض).
2- إذاعة البرنامج الثاني (والذي يبث من جدة).
3- إذاعة القرآن الكريم (والذي يبث من الرياض).
__________
(1) نصوص السياسة الإعلامية.. ص (10).
(2) المرجع السابق ص (10).
(3) رصد خاص من الباحث.(12/40)
4- إذاعة نداء الإسلام (والذي يبث من مكة المكرمة).
5- الإذاعات الموجّهة.
ومن البرامج الإذاعية التي تبثها إذاعة المملكة والخاصة بالسنة النبوية ما يلي:
1- شرح منتقى الأخبار، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – يرحمه الله -، ثم صار يلقيه سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة.
2- قراءة من صحيح البخاري مع شرحها، للدكتور محمد أبي شهبة – يرحمه الله -.
3- شرح مختصر صحيح البخاري، للدكتور عبد الكريم الخضير.
4- شرح صحيح مسلم للدكتور عبد الله المطلق.
5- شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن العباد.
6- الأمثال النبوية للدكتور مسفر الدميني.
7- الأحاديث المشتهرة بين الناس، للدكتور إبراهيم الريّس.
8- القصص في السنة النبوية للدكتور محمد أديب الصالح.
9- الأحاديث الخاصة بموسم شهر رمضان المبارك.
10- الأحاديث الخاصة بموسم الحج.
ويقدِّم تلك البرامج عدد من العلماء والمشايخ المتخصصين.
ج- الوسائل المرئية، والمقصود بها التلفزيون، وذلك عن طريق قنواته المتعددة، وهي:
1- القناة الأولى.
2- القناة الثانية.
3- قناة الشباب.
وتقوم المملكة ببث العديد من البرامج الخاصة بالسنة النبويّة سواء ما يتعلّق بعلوم السنة أو شرح بعض الأحاديث أو الآداب والأخلاق المستفادة من توجيهات السنة النبوية.
ومن أمثلة البرامج التلفزيونية ما يلي:
1- برنامج الإسلام والحياة.
2- برنامج دين ودنيا.
3- برنامج في رحاب الإسلام.
4- برنامج نبض الشباب.
5- برنامج فتاوى على الهواء.
6- برنامج فاسألوا على أهل الذكر.
7- برنامج مجالس العلماء.
8- برنامج حديث اليوم، والذي يبث خلال شهر رمضان المبارك.
9- برنامج حديث الحج، والذي يبث خلال موسم الحج.
10- العديد من البرامج المنوّعة الأخرى.
الخاتمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على نبيِّنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، وبعد:(12/41)
فقد تناولنا في الصفحات الماضية موضوع [اتخاذ السنة النبوية –إلى جانب القرآن الكريم- أساساً لشؤون الحياة والحكم في المملكة العربية السعودية].
وفي ختام هذا البحث أود أن أورد النقاط التالية:
أولاً: نتائج البحث
هنالك جملة من النتائج التي كشف عنها البحث، منها:
1- للسنة مكانة وأهمية بالغة في الشريعة الإسلامية.
2- شمولية السنة لجوانب الحياة المختلفة.
3- أهمية الدعوة إلى السنة في شتى المجالات والميادين.
4- أهمية الذّبّ عن السنة النبوية والدفاع عنها.
5- عناية المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحكم وإظهار ذلك من خلال المناشط المتعددة.
6- اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحياة المختلفة من خلال المناشط المتنوعة.
7- تميّز المملكة العربية السعودية عن غيرها من البلدان والمجتمعات في الأخذ بالسنة النبوية وتطبيقها.
8- فضيلة النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية لتضمّنه العناية بالكتاب والسنة النبوية.
9- التقدير والمكانة الرفيعة التي تحظى بها المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي نتيجة اهتمامها بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
10- الآثار والثمرات العظيمة التي جنتها المملكة العربية السعوديةحكومة وشعباً من تطبيقها للسنة النبوية. ومن أهمها الأمن والاستقرار.
ثانياً: توصيات البحث
يوصي الباحث في نهاية البحث ببعض التوصيات التالية:
1- زيادة العناية بالسنة النبوية في جميع مراحل التعليم المختلفة.
2- تضمين المواد الدراسية في مراحل التعليم المختلفة موضوعات من السنة وتوجيهاتها الكريمة في الحفاظ على مقوّمات حياة الفرد والمجتمع الدينية والدنيوية المتنوعة.(12/42)
3- زيادة العناية بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية بصفتها أول كلية متخصصة في هذا النوع من الدراسات من حيث تنويع الأقسام العلمية، وزيادة مبانيها وتزويدها بكل ما تحتاج إليه من مستلزمات لتستوعب العديد من أبناء العالم الإسلامي.
4- اقتراح إنشاء دبلوم عالٍ متخصص في السنة وعلومها، ويكون مقرّه كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية.
5- زيادة الاهتمام بالدراسات المتعلقة بالسنة النبوية في بقية الأقسام والكليات في الجامعات السعودية، وتوجيه دراسات الطلاب العليا توجيهاً مناسباً يحقق الفائدة العلمية والعملية للمجتمع.
6- الاهتمام بمعالجة قضايا المجتمع ومشكلاته المعاصرة من خلال توجيهات السنة النبوية، وحفز الباحثين على تلمّس ذلك ومعالجته المعالجة العلمية الصائبة.
7- التوصية بزيادة الاهتمام بمركز السنة والسيرة النبوية في الجامعة الإسلامية من حيث طبيعة عمله وجهوده وآليات تنفيذ ذلك مع تزويده بكل ما يحتاج إليه من إمكانات ليقوم بأداء وظائفه على الوجه اللائق.
8- اقتراح إنشاء مجلة علمية متخصصة جامعة للسنة وعلومها وآدابها وتوجيهاتها للفرد والمجتمع، تتبناها إحدى الجامعات أو الكليات أو المراكز المتخصصة، وتقرّب إلى الجمهور.
9- يقترح الباحث تأسيس موقع عالمي على الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) يكون خاصّاً بالسنة النبوية نشراً ودعوة لها وتعريفاً بعلومها وكنوزها ودفاعاً عنها.
10- يقترح الباحث عقد العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية التي تعنى بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في شتى المجالات والموضوعات.
11- يوصي الباحث بتكوين جمعية علميّة تعنى بالسنة وعلومها ويقترح أن يكون اسمها [الجمعية العلمية السعودية للسنة النبوية] ويكون مقرها في إحدى الجامعات السعودية العريقة.(12/43)
12- وأخيراً يوصي الباحث بنشر السنة النبوية عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وزيادة البرامج الخاصة بها، والتطرّق إلى دعوة الناس للالتزام بها وفق المنهج النبوي الحكيم، كما قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( (النحل:125)، وقوله سبحانه: ( ? ( ( ( ( (( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( (يوسف:108).
وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثره والتزم بسنّته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
والحمد لله ربّ العالمين.
فهرس المصادر والمراجع
1- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للإمام محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: أحمد عزّوعناية، ط1 (دار الكتاب العربي، بيروت، 1419هـ).
2- أصول البحث العلمي ومناهجه، د. أحمد بدر، ط4 (وكالة المطبوعات، الكويت، 1978م).
3- الأصول العلمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع بيان جهود المملكة العربية السعودية في هذا المجال، د. عبد الرحيم بن محمد المغذوي، ط1 (طباعة وعناية ونشر الأمانة العامة لجائزة المدينة المنورة، 1422هـ).
4- أضواء على مركز خدمة السنّة والسيرة النبوية بالتعاون مع مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، إصدار العلاقات العامة (مطابع الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1409هـ).
5- الأنظمة السعودية الأساسية، إعداد الوكالة الأهليّة للإعلام " نبراس "، ط1 (مطابع العصر، الرياض، 1422هـ).
6- أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، للشيخ قاسم القونوي، تحقيق: د. أحمد عبد الرزاق الكبيسي، ط2 (دار الوفاء للنشر والتوزيع، جدة، 1407هـ).
7- البحث العلمي، د. عبد العزيز الربيعة، ط1 (نشر المؤلف، الرياض، 1418هـ).
8- البحث العلمي: مفهومه وأدواته وأساليبه، د. ذوقان عبيدات وآخرين، ط5 (دار الفكر، عَمّان، 1417هـ).(12/44)
9- تدوين السنة النبوية: نشأته وتطوّره، د. محمد مطر الزهراني، ط2 (دار الخضيري للنشر والتوزيع، المدينة النبوية، 1419هـ).
10- تفسير ابن سعدي، المعروف بتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تقديم الشيخ عبد الله بن عقيل والشيخ محمد الصالح العثيمين، تحقيق: عبد الرحمن معلا اللويحق، ط1 (مؤسسة الرسالة، بيروت، 1421هـ).
11- تفسير ابن كثير (المسمى: تفسير القرآن العظيم) للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، ط1 (دار ابن حزم، بيروت، 1420هـ).
12- التفسير الميسَّر، إعداد: نخبة من العلماء (توزيع مجمّع الملك لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1419هـ).
13- توثيق ووثائق، كلمات منتقاة من خطب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود من 1402هـ إلى 1406هـ، إعداد: عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، ط1 (دار الشِّبل، الرياض، 1416هـ).
14- جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر النمري القرطبي، ط1 (دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ).
15- جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة السنة وعلومها، د. أحمد بن عبد الله الباتلي (من بحوث الندوة العالمية عن جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة الإسلام والمسلمين، الصادر عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض، 1422هـ).
16- الحرمان الشريفان: التوسعة والخدمات خلال مائة عام، ط1 (باعتناء وإصدار الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وطبعت في دار عكاظ للطباعة والنشر، جدة، 1419هـ).(12/45)
17- الدعوة إلى الله في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، د. عبد الرحيم بن محمد المغذوي، ط1 (صادر عن وزارة التعليم العالي والجامعات السعودية بمناسبة مرور 20عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم، رقم (022)، توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1424هـ).
18- الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، (المكتبة العلمية، بيروت، بدون).
19- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط4 (المكتب الإسلامي، دمشق، 1405هـ).
20-سنن ابن ماجه، للحافظ محمد بن يزيد القزويني، تحقيق وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي (دار الريان للتراث، القاهرة، بدون).
21- سنن أبي داود، للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، ط5 (دار الحديث، بيروت، 1388هـ).
22- سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، بتحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، ط2 (مكتبة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1398هـ).
23- سنن الدارمي، للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق وتعليق: د. مصطفى ديب البغا، ط3 (دار القلم، دمشق، 1417هـ).
24- السنة في مواجهة الأباطيل، للأستاذ محمد طاهر حكيم، ط1 (سلسلة كتاب دعوة الحق، الصادر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، السنة الثانية 1402هـ، ربيع الأول، العدد 12).
25- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، ط3 (المكتب الإسلامي، دمشق، 1402هـ).
26- شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: جماعة من العلماء، تخريج الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط8 (المكتب الإسلامي، بيروت، 1404هـ).(12/46)
27- شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير للشيخ محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار، تحقيق: أ.د. محمد مصطفى الزحيلي، أ.د. نزيه كمال حماد، ط1 (دار الفكر، دمشق، 1400هـ).
28- الشورى وأثرها في الديموقراطية (دراسة مقارنة)، د. عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، ط2 (المكتبة العصرية، صيدا، بدون).
29- الصحاح، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، ط3 (دار العلم للملايين، بيروت، 1404هـ).
30- صحيح البخاري (المسمى: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، بشرح محب الدين الخطيب، وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، ونشر ومراجعة قصي محب الدين الخطيب، ط1 (المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1400هـ).
31- صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (مطبعة دار إحياء الكتب العلمية، القاهرة، بدون).
32- صحيح سنن ابن ماجه، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط3 (المكتب الإسلامي، بيروت، 1408هـ).
33-علوم القرآن والسنة، أ.د. فالح بن محمد الصغيّر، د. محمد بن يحيى اليحياوي، ط1 (دار إشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، 1423هـ).
34- فتح المغيث، لشمس الدين السخاوي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي (المكتبة العلمية، المدينة المنورة، بدون).
35- في النظريات والنظم السياسية، د. محمد عبد المعزّ نصر، ط1 (دار النهضة العربية، بيروت، 1973م).
36- القاموس المحيط، للفيروزآبادي، بدون (دار الفكر، بيروت، 1403هـ).
37- الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط1 (مطابع مؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر، جدة، 1419هـ).
38- الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي أحمد بن علي، (المكتبة العلمية، المدينة المنورة، بدون).(12/47)
39- لسان العرب المحيط، للعلامة محمد بن مكرم بن منظور، إعداد وتصنيف: يوسف خيّاط (دار لسان العرب، بيروت، بدون).
40- المجالس المفتوحة والمفهوم الإسلامي للحكم في سياسة المملكة العربية السعودية، تقديم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، تأليف: د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، ط1 (مكتبة العبيكان، الرياض، 1422هـ).
41- المدخل إلى توثيق السنة، وبيان مكانتها في بناء المجتمع الإسلامي، د. رفعت فوزي، ط1 (مؤسسة الخانجي، القاهرة، 1398هـ).
42- معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (دار الكتب العلمية، إسماعيليان نجفي، إيران، بدون).
43- معرفة علوم الحديث، للإمام محمد بن عبد الله الحاكم، ط2 (المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1397هـ).
44- المملكة العربية السعودية وحقوق الإنسان، عِزَّت مراد، ط1 (بدون، 1422هـ).
45- المملكة العربية السعودية وحقوق الإنسان في الإسلام، أ.د. محمد الحسيني مصيلحي (ضمن بحوث الندوة العالمية عن جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة الإسلام والمسلمين، الصادر عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1422هـ).
46- نصوص السياسة الإعلامية ونظام المطبوعات والنشر ونظام المؤسسات الصحفية ونظام حماية حقوق المؤلف في المملكة العربية السعودية، ط1 (صادر عن وزارة الإعلام- الإعْلام الداخلي، الرياض، 1423هـ).
47- نظام الحكم والإدارة، مجلس الشورى، د. يوسف بن إبراهيم السلّوم (ضمن بحوث الندوة العالمية عن جهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة الإسلام والمسلمين، الصادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1422هـ).
48- نظام جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة (صادر عن أمانة الجائزة، المدينة المنورة، 1423هـ).(12/48)
49- النشرة الخاصة بجائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة (نشرة صحيفة تصدرها الأمانة العامة للجائزة، العدد الأول 15/9/1423هـ).
فهرس الموضوعات
المقدمة…2
أولاً: موضوع البحث…3
ثانياً: أهميّة البحث…3
ثالثاًً: تساؤلات البحث…3
رابعاً: أهداف البحث…4
خامساً: حدود البحث…4
سادساً: منهج البحث…5
سابعاً: خطة البحث…5
المبحث الأول: المدخل إلى السنّة النبوية، وضرورة تحكيمها وتطبيقها في شؤون الحياة والحكم…9
المطلب الأول: التعريف بالسنة لغة واصطلاحاً…10
أولاً: التعريف بالسنة لغةً…10
ثانياً: التّعريف بالسُّنّة اصطلاحاً…11
المطلب الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي…13
المطلب الثالث: ضرورة تحكيم السنة النبوية في سائر شؤون الحياة والحكم…18
المبحث الثاني: مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحكم.…21
المطلب الأول: قراءة تحليلية مبسطة للنظام الأساسي للحكم في المملكة ودلالاته الكبرى…22
المطلب الثاني: تأسيس النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على هدي الكتاب والسنة، وتضمينه المواد الدالة على ذلك…26
المطلب الثالث: توقير أولي الأمر في المملكة العربية السعودية للسنة النبوية، وتعظيمهم لها، والإشادة بها…29
المطلب الرابع: اهتمام أولي الأمر في المملكة بعلماء السنة وتقريبهم واحترامهم وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم…30
المطلب الخامس: قيام مجلس الشورى في المملكة، وتحديث نظامه وأجهزته تطبيقاً للسنّة…31
المطلب السادس: تأكيد النظام الأساسي في المملكة على رعاية حقوق الإنسان والعناية بها تطبيقاً لتوجيه السنّة…34
المطلب السابع: احتفاء النظام الأساسي في المملكة ببيان الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم…36
المطلب الثامن: عناية النظام الأساسي للحكم في المملكة بإيضاح أهميّة الأمن، وضرورته للحياة اتساقاً مع دعوة السنّة…37(12/49)
المطلب التاسع: صبغ أجهزة الدولة العامّة بالسنة النبوية وتفعيلها في خدمة المجتمع السعودي…38
المطلب العاشر: عدم سماح المملكة العربية السعودية بقيام تجمّعات وأحزاب سياسية استجابة لهدي السنة النبوية…39
المبحث الثالث: مظاهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالسنة النبوية في شؤون الحياة…42
المطلب الأول: ابتناء التعليم على ضوء السنة النبوية وتخصيص مواد تعنى بها…43
المطلب الثاني: إنشاء ودعم الكليات والأقسام العلمية الخاصة بالسنة النبوية…44
المطلب الثالث: إنشاء مركز خدمة السنة والسيرة النبوية…47
المطلب الرابع: الدروس العلمية في الحرمين الشريفين، وفي غيرهما من المساجد وميادين التوعية الأخرى…49
المطلب الخامس: تحكيم السنة في المحاكم والهيئات الشرعية المتعدّدة، وتوثيق العقود والوثائق المتنوّعة على ضوئها…50
المطلب السادس: دعم أجهزة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيقاً للسنة وقمعاً للبدعة…52
المطلب السابع: طبع ونشر المصنّفات والكتب الخاصّة بالسنّة النبويّة…54
المطلب الثامن: استحداث جائزة عالميّة خاصّة بالسنّة النبويّة…57
المطلب التاسع: حظر الأعمال والعقائد والأفكار المناهضة للسنة النبوية وحماية المجتمع السعودي منها…59
المطلب العاشر: تطويع وسائل الإعلام لخدمة السنة النبوية…60
الخاتمة…65
أولاً: نتائج البحث…65
فهرس المصادر والمراجع…69
فهرس الموضوعات…76(12/50)
التقنية الحديثة في خدمة
السنة والسيرة النبوية
بين الواقع والمأمول
إعداد الدكتور
إبراهيم بن حماد السلطان الريس
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده حمد شاكر لخالقه على جزيل النعم، وأصلي وأسلم على النبي المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد :
فإن للسنة النبوية مكانة في دين الله عظيمة، ومنزلة رفيعة، وإن القول الفصل في بيان فضل السنة النبوية، ومكانتها في الإسلام، وعظم أجر من يعيش معها وفي ظلالها، هو ما بينه الله عز وجل من عظم مكانة من يطيع الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال:? وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ادزب? [ النساء: 69] .
بل جعل الله تعالى الاحتكام إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - في حياته وإلى سنته بعد مماته شرطاً للإيمان فقال سبحانه وتعالى : ? xxsù وَرَبِّكَ xw يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ xw يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا |Mّٹxزs% وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ادخب?[ النساء: 65]؛ يقول الإمام ابن كثير(1) رحمه الله :" يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال: * ¸ ¹ ؛ " ¼ ½ ¾ ؟ ہ )؛ أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة".ا.هـ
__________
(1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/521) دار الفكر 1401هـ(13/1)
وأرشد الله سبحانه وتعالى إلى أن طريق الهداية وسبيل النجاة في الدارين هو في اتباع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كما في قوله عز وجل:
? قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ¾دmدG"yJخ=x2ur وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ اتخرب?[ الأعراف: 158]، وبين عز وجل أن في الاستجابة لدعوته واتباع هديه حياةَ القلوب والأرواح فقال سبحانه وتعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَن اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ اثحب?[ الأنفال:24].
وقد تربى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم على هذا النهج القويم؛ أن تتحول أقوال وأفعال حبيبهم المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى واقع عملي سلوكي في حياتهم؛ فكانوا يتعلمون الآيات من كتاب الله تعالى ولا يكثرون حتى يعملوا بما فيها من العلم والعمل، يقول علي رضي الله عنه كما روى ذلك الإمام الدارمي في سننه(1):( تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ تُعْرَفُوا بِهِ وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ …). ويقول مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ :( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمُوا فَلَنْ يَأْجُرَكُمُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ حَتَّى تَعْمَلُوا )(2).
وهذا أبوالدَّرْدَاءِ رضي الله عنه يَقُولُ : ( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمًا لا يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ )(3).
__________
(1) سنن الإمام الدارمي، باب العمل بالعلم وحسن النية فيه، (1/93).
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.(13/2)
ويقول الإمام سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَةَ - رحمه الله -: ( أَجْهَلُ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ مَا يَعْلَمُ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ أَخْشَعَهُمْ لِلَّهِ )(1).
هذه الأقوال وغيرها، جعلت حرص الأمة - متمثلاً في مواقف علمائها وأقوالهم- على تفعيل نصوص السنة وأحداث السيرة والعمل بها ولها، وإيضاحها للناس، وذلك بتعلمها وتعليمها، يقول الإمام سفيان الثوري
- رحمه الله -: ما أعلم عملاً أفضل من طلب الحديث لمن أراد به اللّه عز وجل. قال ابن الصلاح(2): وروينا نحوه عن ابن المبارك اهـ .
وأمر آخر - تجدر الإشارة إليه -؛ فإن ما تركه لنا النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كنز عظيم وإرث مبارك؛ يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في مطلع تاريخه(3): إن الله - عز وجل - وله الحمد، قد أغنانا برسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن سائر الشرائع، وبكتابه عن سائر الكتب، فلسنا نترامى على ما بأيديهم - يعني بني إسرائيل - مما وقع فيه خبط وخلط وكذب ووضع وتحريف وتبديل وبعد ذلك كله نسخ وتغيير. ا.هـ
هذا هو حال سنة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وضوح في المنهج والطريقة، وقوة في البيان والحجة، ومتانة في الأسلوب والدلالة، وشمولية في الطرح والعرض، ودقة في النقل والرواية.
هذا الكنز المبارك لقي من العناية والاهتمام به من علماء الأمة ما يعجز البيان عن تعداده؛ حيث أقاموا حوله من العلوم لخدمته وتحقيق حال نقلته والتصنيف فيه، ما زخرت به مكتبات العالم أجمع من كتب مطبوعة ومخطوطة، غير ما فقد من ذلك وهو كثير.
__________
(1) سنن الإمام الدارمي، باب في فضل العلم والعالم، (1/107).
(2) علوم الحديث، لابن الصلاح، النوع الثامن والعشرون،(ص 144).
(3) البداية والنهاية ( 1/7)(13/3)
ويتواصل الاهتمام بها وتتقدم الوسائل وتستجد التقنيات، ويسخر أهل الإسلام ما يستجد من تلكم الوسائل لخدمة دين الله عز وجل وتيسيره للعالمين، وذلك في كل عصر بحسبه، وتنال السنة النبوية من ذلك النصيب الأوفر؛ بدأً من حفظها في الصحف والأوراق ومروراً بتزيينها بالنقط والتشكيل، وما تبع ذلك من مراحل استجدت فيها تقنيات استدعت أن تسخر لخدمة هذا النور والهدى والحكمة، إلى أن جاء عصر الطباعة؛ حيث كانت ثورة تقنية في نشر العلم النبوي وتيسير الحصول على مصادره، ثم ما تلا ذلك من الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة - مقروءة ومسموعة ومرئية- في إيصال هذا الخير ونشره.
ومع تقدم التقنية وظهور ما يعرف بعصر الحاسب الآلي، كان للسنة والسيرة النبوية من الخدمة من خلال أجهزة الحاسب وبرامجه، ومن خلال شبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت ) الجهود الكثيرة من أجل تيسير سبل الوصول إلى خبر النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لجميع أمة الإسلام في أصقاع الأرض كلها، فتوافرت برامج موسوعية تتناول علوم الحديث رواية ودراية، وتتناول علم الرجال وجمع المصنفات فيهم في برامج تيسر سبل الوقوف على متن الخبر، وأقوال الأئمة في حاله، وكذا الوقوف على نقلة السنة النبوية ومعرفة أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم.
وسأقصر القول في هذا البحث على التقنية الحاسوبية وخدمتها للسنة والسيرة النبوية، وذلك من خلال الدراسة والتحليل والنظر، وجعلت عنوان البحث:
"التقنية الحديثة في خدمة السنة والسيرة النبوية، بين الواقع والمأمول"
ومن المحاور المهمة في هذا البحث بعد هذه المقدمة:
"مدخل حول مشروعية الاستفادة مما لدى الأمم الكافرة من تقنيات ومخترعات.
"التقنية وخدمة السنة والسيرة النبوية.
"الموسوعات الحاسوبية في خدمة السنة والسيرة النبوية.
"أهمية الموسوعات الحاسوبية الحديثية.
"أشهر الموسوعات الحاسوبية الحديثية.
"الفئات المستهدفة والمستفيدة من هذه البرامج.(13/4)
"ذكر بعض مميزات التقنيات الحاسوبية.
"ذكر بعض سلبيات التقنيات الحاسوبية.
"خطر الموسوعات الحاسوبية على السنة والسيرة النبوية.
"الخاتمة: وفيها أعرض لذكر أهم توصيات البحث، وما يؤمل أن تكون عليه هذه التقنيات في خدمتها لسنة وسيرة نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم-.
"الفهارس.
"المراجع.
وإنني إذ أتقدم بهذا البحث لمؤتمر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية " عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية". أسأل الله جل وعلا أن يجعله خالصاً ونافعاً وفاتحة لدراسة التقنيات الحديثة، وتناولها بالتحليل والتوجيه لما فيه خدمة الأمة وتحقيق الخيرية التي اختص الله تعالى بها أهل الإسلام متى ما دعوا إلى الله ونشروا دينه وأعلوا كلمته وآمنوا به جل وعلا إيماناً صادقاً .
الاستفادة من التقنيات والمخترعات الحديثة
إن التقنيات المعاصرة بإمكاناتها المذهلة، وسرعتها الفائقة، وخدماتها الجليلة في بعض جوانبها، جعلت من أبناء الأمة من سارع لتطويعها والاستفادة منها في خدمة الإسلام ونشره بين العالمين، فمن خلال البرامج الحاسوبية خاصة، وعن طريق الشبكة العالمية للمعلومات(Internet)، كانت هنالك جهود قليلة في تسخير هذه التقنيات، ومع قلتها وضعف إمكاناتها؛ فهي تبشر بخير كثير، فقد أثمرت ثماراً يانعة مشجعة، تدفع لمضاعفة العمل واستشعار المسؤولية وتوحيد الجهود وتطوير العمل وإعداد البحوث والدراسات حول ذلك كله.(13/5)
إن عصر السرعة الذي نعيش فيه اليوم يستدعي من الأمة العمل على ما يجعل المعلومة بين يدي الباحث عنها، بل وبين يدي العالم أجمع - أعني المعلومات عن الإسلام خاصة، لأن مسؤولية الأمة في البلاغ عظيمة -، وإن التقنية المعاصرة تخدم ذلك بأيسر السبل وأقل التكاليف، ويبقى الجهد البشري من الأمة والهمة العالية من العلماء وطلبة العلم والبذل السخي من الحكومات والمؤسسات العلمية والبحثية والخيرية، وهي مسؤوليتنا جميعاً نحو هذا الدين وهذه الثقافة وهذه الأمة.
بهذه التقنية يستطيع المسلم الواعي إيصال نور الله تعالى للعالمين بسرعة مذهلة، ولأقطار من الأرض بعيدة وقاصية لا يمكن الوصول لها بالطرق التقليدية، كل ذلك دون تعقيدات ولا تكاليف أو جهد، وأيضاً وفّرت التقنية الحصول على المعلومة بسرعة وشمولية، وتبقى حاجة الأمة إلى الوعي بأهمية هذه التقنية، وكيفية تسخيرها، والاستفادة منها، والعلم بأهميتها وأثرها.
التقنية و خدمة السنة والسيرة النبوية
تنوعت الوسائل التقنية في عصرنا، وانتشرت هذه الوسائل على نحو طغى على العمل البشري، إذ تولَّته الآلة في جوانب كثيرة، وقامت الآلة مقام الإنسان، ومع هذا التعدد التقني برزت التقنية الرقمية المتمثلة في الحاسب الآلي وخدمات الشبكة المعلوماتية الجبارة، وصارت رمزاً لعصرنا، وأكثر من غيرها من التقنيات إبهاراً وسيطرة، وبسبب هذه السيطرة الرقمية، فإنني سأقصر البحث حول البرامج الحاسوبية خاصة؛ وذلك لجدتها، وعموم النفع بها، ولما فيها من خدمات جليلة مبهرة، فأقول:(13/6)
إن هنالك برامج حاسوبية موسوعية ضخمة، تقدم للسنة والسيرة النبوية المطهرة ما يقدمه الكتاب الورقي، ولكنها تمتاز على ذلك بمزايا ستأتي الإشارة لها - إن شاء الله تعالى -. يضاف إلى ذلك أن هذه البرامج لمَّا تزل جديدة على الساحة العلمية في العالم عامة وفي عالمنا الإسلامي خاصة، فهي تحتاج إلى شيء من التقويم ووضع القيود والضوابط المهمة للاستفادة القصوى من هذه التقنيات مع الحفاظ على مصادر الشريعة التي تتناولها هذه البرامج بالخدمة والعناية، وأيضاً لأن إنتاج هذه البرامج مبهر ومربح والخطأ فيه متحقق، وبخاصة في الوضع الحالي حيث بداية العمل عليها وبها، فلهذا سأعرض للموضوع من جوانبه المختلفة؛ متناولاً لهذه البرامج من حيث الواقع الحالي، ومؤسساً لبعض الأسس والضوابط المهمة التي ينبغي العناية بها، وإبرازها لدى كل من يعمل في تسخير هذه التقنية لخدمة هذا الدين.
إن أهم ما تميزت به هذه الظاهرة التقنية في السنوات الأخيرة؛ تزايد المعلومات بدرجة كبيرة في فروع المعرفة كافة وجميع أوجه النشاط الإنساني، وإتاحة قدر كبير من المعلومات للباحثين بسهولة ويسر، ويظهر ذلك من خلال ما أثمرته هذه الصناعة الحاسوبية من القدرة على تخزين ونقل كمية ضخمة من المعلومات واسترجاعها بسرعة فائقة ودقة رائعة.(13/7)
وإن لجهود بعض المسلمين في تسخير هذه التقنية الحاسوبية لخدمة علوم الشريعة ثماراً مباركة، من أظهرها ما نراه من استخدام الحاسب ليكون مكتبة علمية متنقلة، تحوي أصول كتب الشريعة وتمكن الباحث من الوقوف على المعلومة فيها بيسر وسرعة، فلقد اقتحمت اللغة العربية ميدان تقنية المعلومات، وكان لجهود بعض العرب والمسلمين دور ظاهر في ذلك؛ جاء في "السجل العلمي لندوة استخدام اللغة العربية في تقنية المعلومات": منذ بداية الثمانينات تقريباً، بدأ الباحثون العرب في مجال الحاسبات الآلية بالتعامل باللغة العربية؛ سواء في تعريب الحاسب الآلي وبرامجه، أو كان في استخدام الحاسبات الآلية في الأبحاث التي تستخدم اللغة العربية، ومنذ ذلك العهد استطاع الحاسب الآلي أن يجد طريقه كوسيلة تعليمية رائدة لنقل المعلومات باللغة العربية، في المجالات التعليمية المختلفة(1).
وقد ظهرت الموسوعات العلمية في علوم الشريعة كافة من القرآن الكريم والتفسير والحديث وعلومه المختلفة والفقه وأصوله والسيرة النبوية والتاريخ وسير الرجال والأعلام والزهد وعلوم العربية من النحو والأدب والشعر، بل عني أنواع منها بجمع مصنفات إمام أو أكثر في برنامج واحد.
ثم إن مستخرجات العمل الحاسوبي الموسوعي اليوم تناولت السنة والسيرة النبوية على نحو خاص تناولاً واسعاً من خلال عمل عدد من الجهات العلمية والتجارية والخيرية، فنالت السنة النبوية ما لم ينله غيرها من علوم الإسلام الأخرى، ولعل سبب ذلك ما تشمله علوم السنة من أنواع كثيرة دائرة بين علوم الحديث رواية وعلوم الحديث دراية.
الموسوعات الحاسوبية في خدمة السنة والسيرة النبوية
__________
(1) السجل العلمي لندوة استخدام اللغة العربية في تقنية المعلومات( ص 665 ).(13/8)
إن الساحة مليئة بالبرامج التي تعنى بهذا الباب، ولكني لن أعرض للكلام المفصل على هذه البرامج؛ لأن ذلك يحتاج إلى تفصيل ليس هذا مقامه، فإن المقصد لهذا البحث يتحقق دون الدخول في تفصيل القول عن كل برنامج والشركة التابع لها، ولذا فإن ما أريد أن أتناوله في هذا المبحث هو بيان واقع هذه التقنية اليوم وخدمتها لسنة وسيرة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال العناصر التالية:
" أهمية برامج الموسوعات الحاسوبية الحديثية.
" أشهر برامج الموسوعات الحاسوبية الحديثية.
" ذكر الفئات المستهدفة والمستفيدة من هذه البرامج.
" ذكر بعض مميزات التقنيات الحاسوبية.
" ذكر بعض سلبيات التقنيات الحاسوبية.
" خطر الموسوعات الحاسوبية على السنة والسيرة النبوية.
" ثم أختم ذلك بتوجيه بعض التوصيات المهمة لكل من له علاقة بمثل هذه التقنيات؛ من الشركات المنتجة والمحافل العلمية والباحثين وعامة الناس، مع ذكر بعض المقترحات المهمة لتطويرها.
أهمية البرامج الحاسوبية الحديثية للباحث
لا شك أن حاجة الباحث في علوم السنة والسيرة النبوية ماسة إلى ما يسهل له الوقوف على أحاديث وأخبار النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ويعينه في معرفة رواتها. وكم كان الباحث يفتش - الأيام والليالي - عن الخبر الواحد في دواوين السنة ويتتبع طرق الخبر ورواياته؛ لعلَّه يقف على طرق أخرى للحديث أو روايات أخرى له؟ وإن أهم ما يحتاج إليه الباحث هو الحصول على المعلومة واختصار الوقت في ذلك، وكل هذا تحققه البرامج الحاسوبية الحديثية، بل وتزيد على ذلك أيضاً أمراً آخر هو عمليات الترتيب والتنسيق والموازنة التي تحققها أكثر هذه البرامج.(13/9)
إن تقنية البحث السريع - إذا تواكبت مع الإدخال الدقيق للمعلومات-تُحقق للباحث نتائج ما كان باستطاعته تحقيقها بالوسائل البحثية التقليدية؛ كالبحث في أثناء إسناد الخبر، ورواية بعض الرواة عن بعض على وجه الخصوص، والوقوف على أفراد الخبر وغرائب الروايات،كما أنه يساهم في التحقق من الروايات الموقوفة والمقطوعة مما كان الوقوف عليه متعسراً بطرق البحث اليدوية التقليدية، كما ساهم كثيراً في تيسير الجمع والموازنة والمقابلة للتحقق من العلل والاختلاف في الرواية بين راوٍ وآخر، وبين رواية وأخرى، وغير ذلك من دقائق هذا العلم ونوادره.
هذا بالإضافة إلى ما وفرته بعض البرامج من التشجير لطرق الخبر ورواياته، ورسم ذلك بصورة تسهل على الباحث جهد أيام من البحث والتحري والرسم والموازنة. فهذه بعض الجوانب من الأهمية لهذه التقنية.وسأشير بعد قليل لأبرز ميزاتها.
وهذا عرض مجمل لأشهر البرامج الحاسوبية في هذا الباب، ولم أرد تفصيل القول عنها هنا، وسأرتبها حسب الشركات المنتجة، ذاكراً مسمى الشركة، وموطنها، ونشأتها، وأبرز منتجاتها، ثم أعرض لذكر البرامج التي تخدم السنة والسيرة النبوية خاصة؛ بشيء من التفصيل اليسير:
أولاً : منتجات شركة حرف لتقنية المعلومات(1)
في عام 1982 تأسست شركة "صخر لبرامج الحاسب" إحدى فروع شركة العالمية للإلكترونيات، ثم إن شركة صخر أنشأت سنة 1985 إدارة باسم " مركز التراث الإسلامي" معنية بإنتاج البرامج الإسلامية، ثم استقرت تسميتها بعد ذلك بـ " شركة حرف لتقنية المعلومات". وهي من أول الشركات عملاً في هذا المجال، إن لم تكن أولها، إذ قامت بوضع المصادر الإسلامية الكبرى على وسائل إليكترونية.
وتعد برامجها من أدق البرامج الحاسوبية في خدمة السنة والسيرة النبوية، حيث عنيت في جل برامجها بالدقة والمراجعة والضبط بالشكل للنصوص.
__________
(1) موقع الشركة: http://www.harf.com(13/10)
ومن أهم البرامج المتعلقة بالسنة مما أنتجته هذه الشركة. موسوعة الحديث الشريف(1): وهي مكتبة شاملة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، من كتب الحديث التسعة: صحيحي البخاري ومسلم، وسنن الدارمي، والنسائي، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجه، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، مع بعض شروحها، وتحتوي على أكثر من 62.000 حديث شريف، ويناهز عدد صفحاتها نحو 25 ألف صفحة، بالإضافة إلى شروحها مع شرح الأحاديث من كتب الشروح المشهورة.
ومن برامجها: برنامج صفوة الأحاديث :ويشمل مجموعة مختارة من الأحاديث الصحيحة، مع الترجمة الكاملة للبرنامج بكافة محتوياته وواجهة تشغيله إلى اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية.
ومنها : موسوعة السيرة النبوية : وفيه عرض كامل لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وحياته. ومن أهم مصادر البرنامج :السيرة النبوية لابن هشام، والروض الأنف لعبدالرحمن بن عبدالله السهيلي، وزاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، والمغازي لأبي عبدالله بن عمر الواقدي، ومختصر السيرة لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب. وقد استخدمت إمكانات الحاسب في البرمجة لهذه الموسوعة على نحو متقن ومبهر؛ فقد تم العرض لإمكانات البرنامج في الوصول للمعلومة من خلال عدد من الاختيارات التي يجدها الباحث في الصفحة الرئيسة من البرنامج، إذ يمكن للباحث عرض محتويات الكتب بالطريقة التقليدية، مع إمكان العرض للنص مضبوطاً بالشكل وبدون ضبط، وإمكان العرض للأحداث حسب الموضوعات، وإمكانية العرض من خلال الفهارس المتنوعة، ومن خلال الترتيب الزمني للأحداث، مع العرض للصور والخرائط والرسوم البيانية، وهناك ميزة بديعة وهي عرض الأحداث من السيرة بحسب الشهر، فعند البحث عن أحداث شهر ما من الشهور؛ تظهر الروابط لعناوين أهم الأحداث، ليصل إليها الباحث بالطريق الميسر.
__________
(1) http://www.harf.com/Products/ARB/hadeth.htm(13/11)
البيان فيما اتفق عليه الشيخان : يعرض البرنامج أكثر من 1700 حديث متفق عليها بين الإمامين البخاري ومسلم، والبرنامج مترجم إلى ست لغات هي : الإنجليزية والفرنسية والماليزية والإندونيسية والألمانية والتركية.
ثانياً : مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي(1)
وهو مؤسسة أردنية أنشئت عام 1993 بهدف خدمة كتب التراث وتسهيل الاستفادة منها بواسطة الحاسوب، وقد أصدر المركز باكورة برامجه: الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه، عام 1997م. وللمركز إنتاج غزير اشتمل على جل علوم الشريعة وتناولها بالبرمجة، إلا أن برامجه تفتقر إلى العناية بها تدقيقاً ومراجعة وضبطاً، ولعل سبب ما يعتري البرامج من الخلل ضخامة الإنتاج المطروح والقدر الهائل من الصفحات المطبوعة، مما يحتاج إلى جهد كبير في المراجعة والمقابلة والضبط، ومع ذلك فبرامج المركز قيِّمة ومهمة وجهوده مشكورة.
وإيضاح ذلك بمايلي:
أولاً: سبق أن قابلت الأستاذ أسامة الخطيب في عمارة الصالحية بالرياض، بعد صدور إصدارهم الأول من الألفية، وسألته عن سبب كثرة الأخطاء الطباعية والسقط، وهل ستكون خطتهم القادمة هي مراجعة النص في برنامج الألفية أو الزيادة في المصادر؟ فأجاب: نحن لا نستطيع إعادة مقابلة مايزيد على مليوني صفحة؛ هي مجمل صفحات برامجنا، ولكننا سنسعى لزيادة القدر من المصادر؛ لأن التكاليف التي تتطلبها المراجعة تفوق قدرتنا المالية وبخاصة ونحن نشتكي بمرارة من انتشار النسخ غير المشروع لبرامجنا.
ثانياً: أعمل الآن في بحث يتناول: دراسة البرامج الحاسبوية الحديثة، وتقويمها، وقد شارف علىالانتهاء، وقد خلصت فيه إلى نتائح أرى أنها مهمة، وضروري أن تبين للباحثين، أسأل الله تعالى أن يعين على إخراجه قربياً: من الأمثلة لما ذكرته من حاجة برامجهم إلى المراجعة:
__________
(1) موقع الشركة :www.turath.com/arabic/index.php(13/12)
1.إيراد الكتاب الواحد تحت عنوانين مكرراً؛ حيث جاء كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعف للإمام ابن القيم، في بعض برامج المركز؛ كالموسوعة الذهبية-الإصدار 1،5، وموسوعة التخريج، وموسوعة الأحاديث الضعيفة، مكرراً مرتين بمسميين مختلفين، مرة باسمه المذكور، وأخرى تحت عنوان " نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول " وفي الألفية
- الإصدار الثالث- باسم "نقد المقول" فقط.
2.ومن ذلك نسبة كتاب إلى غير مؤلفه؛ حيث نسب كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل إلى ابن أبي عاصم؛ وذلك في الإصدار الأول والثاني من الألفية، ولما جاء الإصدار الثالث والأخير تضاعف الغلط؛ حيث أضيف إلى الموسوعة كتاب الزهد لابن أبي عاصم، وبقي كتاب الزهد للإمام أحمد على نسبته السابقة لابن أبي عاصم.
3.الخلط الواضح في تصنيف الكتب، وبخاصة في الألفية - الإصدار الثالث-، فالخلط فيه أكثر منه في الإصدارات الأولى، فقد صنفوا الكتب إلى مجموعات؛ مثل: التفسير، الصحاح، السنن، كتب المصنفات والآثار، والمساند والمعاجم، أخرى1...، أخرى2...، أخرى3... . وغيرها.
وصنفت الكتب تحت هذه المجموعات، ويظهر الخلط في عدد من الكتب المصنفة تحت هذه المجموعات، من أمثلة ذلك:
المجموعة ... الكتب المدرجة ضمنها
... طرق الحديث ... مكارم الأخلاق، ومن عاش بعد الموت.
... تراجم عامة ... عون المعبود، وشرح حديث لبيك، وفيض القدير.
... السير والتاريخ ... سبل السلام، ونيل الأوطار.
... تراجم كتب مخصوصة ... من رمي بالاختلاط.
... كتب البلدان ... كتاب رجال مسلم، وكتاب من روى عنهم البخاري في الصحيح.
... مصطلحات الحديث ... سؤالات حمزة، ومن كلام أبي زكريا في الرجال.
إلى غير ذلك مما ليس المقام لبسطه.
4.حذفت مقدمة الإمام ابن حبان لكتابه المجروحين وهي مقدمة قيمة مهمة، ووعدوا بإعادتها في الإصدارات القادمة.
5.وأما الأخطاء الطباعية فهي كثيرة، بل إن هناك خللاً في فك رموز(13/13)
" تشفير" البرنامج أدى لاستبدال كلمات كثيرة بأخرى، وإن كان هذا يظهر في جهاز ولايظهر في آخر؛ إلا أنه أمر ظاهر لمعظم من تعامل مع برامجهم، وخاصة الألفية؛ من أمثلة ذللك:
الكلمة كما في البرنامج ... الصواب ... الكلمة كما في البرنامج ... الصواب
... ثم ... عند ... ينعقد ... معن
... غرماء ... يكنى ... زوجها ... مرفوع
... البغوي ... صحبة ... التابعين ... أمرك
ولهذا فلا يعتمد على هذه البرامج كلياً، بل لا بد من مراجعة الأصول المطبوعة.
ومن أشهر البرامج التي أنتجها المركز: الموسوعة الذهبية للحديث النبوي وعلومه " - الإصدار الثاني - وتشمل ( 600 ) مجلد وكتاب، وتعنى بالتخريج الآلي للحديث؛ وهو أظهر خدمات الموسوعة، إذ تشتمل على التخريج الآلي لأكثر من 200.000 نص مسند، وموسوعة تراجم تحتوي على أكثر من 150.000 ترجمة لرواة الحديث، كما تضمنت الحكم على أكثر من 80.000 حديث.
ومن برامج المركز: المكتبة الألفية للسنة النبوية، وهي موسوعة إلكترونية لما يقارب (1300) مجلد وكتاب من كتب السنة وعلومها، بالإضافة لبعض الكتب والقواميس المساندة. ثم صدرت إصدارة جديدة - الإصدار الثالث-في ثلاثة أقراص- أحدها قرص حماية- اشتملت على عدد كبير من الكتب الحديثية، حيث ضمن فيها برنامج الأجزاء الحديثية الخاص بالشركة، وبرنامج تاريخ دمشق، وإضافة مراجع أخرى، وجاء على غلاف البرنامج أنه يشتمل على " أكثر من 3500 مجلد حاسوبي"، وهي من أشمل برامج المركز في جمع كتب السنة النبوية .
ومنها : مكتبة الأجزاء الحديثية، وتحوي أكثر من 150 جزءاً حديثياً.
ومنها : مكتبة علوم الحديث، وفيها أكثر من ( 100 ) مجلد وكتاب في علوم الحديث.
ومنها : موسوعة التخريج والأطراف الكبرى، وتحوي التخريج الآلي لحوالي 250000 نص مسند من أمهات كتب الحديث النبوي الشريف، وموسوعة الأطراف الشاملة والأطراف القولية والفعلية والآثار.(13/14)
ومنها : موسوعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حيث يحتوي البرنامج على خمسة وأربعين كتاباً من مظان الحديث الضعيف والموضوع، مما حكم عليه العلماء قديماً أوحديثاً، بالضعف أو الوضع.
ومنها : موسوعة السيرة النبوية، وهو برنامج مختص في خدمة كتب السيرة النبوية، حيث يضم أكثر من 120 مجلد وكتاب.
ثالثاً : شركة العريس(1)
تحت شعار " نحو مكتبة شاملة للعلوم الإسلامية " بنت الشركة منهجها في البرامج المعدة. ولم أستطع الوقوف على تاريخ نشأة الشركة، وقد راسلتهم من خلال موقعهم، ولم أتلق منهم أي رد، وكنت مترقباً لذلك لأنني منذ مدة، أتابع الموقع الخاص بالشركة ولم أر فيه أي تطوير ولا متابعة حتى في عرض منتجات الشركة والدعاية لها(2).
وللشركة إصدارات متنوعة في مجالات متعددة؛ مكتبية وتعليمية وأسرية وغيرها، بالإضافة لعنايتها بالبرامج العلمية، وقد عملت الشركة على تحديث برامجها وتحسينها، وذلك بإصدارات متلاحقة.
ومن ضمن إصدارات الشركة العلمية ما يخدم المعارف و العلوم الإسلامية، فقد ضمت العديد من البرامج التي تعتني بذلك، ومن أهمها: مكتبة الحديث الشريف، ومكتبة القرآن الكريم والتفاسير ومكتبة الفقه.
وسأعرض بإيجاز لأهم برامج الشركة الحديثية:
مكتبة الحديث الشريف : وهو برنامج يتضمن في إصدارته الخامسة أكثر من 2100 مجلد وكتاب من كتب الحديث الشريف وشروحه وعلومه الأخرى. إضافة إلى بعض كتب الرجال والتراجم، واللغة والمعاجم، وأما عدد عناوين الكتب الواردة في الموسوعة فتبلغ " 359" عنواناً.
__________
(1) موقع الشركة : www.elariss.com
(2) في هذه الأيام ظهر موقع الشركة بثوب جديد وعرض متميز، وقد لحظت منهم عناية بينة بمنتجاتهم، وإشارة منهم للتفاعل مع مستخدمي برامج الشركة، فعسى أن يرد ردهم عليّ قريباً، للاستفادة منه في إيضاح بعض إشكاليات برامج الشركة.(13/15)
مكتبة التراجم والرجال : برنامج يعرف بالأعلام والشخصيات الذين اجتازوا مرحلة الحياة أو مازالوا فيها، وخلفوا وراءهم أثراً يذكر لهم أو خبراً يروى عنهم، ويشتمل على عدد كبير من كتب تراجم الرواة للحديث النبوي، وكما يظهر من تعريف الشركة به، بل ومن خلال النظر في البرنامج والتعامل معه، فإنه اشتمل على تراجم لأعلام معاصرين ليس لهم بعلم الحديث والرواية دراية ولا أثر، فهو برنامج شامل في بابه؛ وهو مفيد جداً لمن يريد النظر في كتب التراجم الحديثية وغيرها.
رابعاً : مؤسسة عبداللطيف للمعلومات
ليس ثمة موقع على الشبكة المعلوماتية( internet ) لهذه المؤسسة حتى تاريخ كتابة هذا البحث؛ وقد تمت مقابلة بيني وبين الأخ عبداللطيف القائم عليها، وأفاد بالتالي: أنها مؤسسة تأسست سنة 1990 م، وذلك للنشاط التجاري، ثم أدخل مجال الحاسب الآلي في عام 1996م بإنشاء البرامج الإدارية، وفي عام 1997 م تم العمل في إعداد البرامج الإسلامية، وفي عام 1998م تم إنتاج برنامج "موسوعة طالب العلم" لأول مرة على مستوى العالم الإسلامي، ولاقى البرنامج انتشاراً واسعاً، ثم توالت البرامج الإسلامية الأخرى بعد ذلك؛ مثل السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والقرآن الكريم والحديث الشريف والفقه وموسوعة ابن القيم وغيرها كثير.
وفي عام 2000م، تمَّ بتوفيق من الله إنتاج برمجة التخريج الآلي للحديث، وهي التي غيرت مسار البرامج الخاصة بنا نحو هذه التقنية الجديدة، ورغم وجود بعض الأخطاء بها، إلا أنها من الناحية العملية ملائمة بنسبة 95%.
وفي عام 2001م ظهر برنامج "تحفة الباحث لعمل الحواشي والتحقيقات" وهو برنامج فريد من نوعه(1).
ومن أظهر برامج هذه الشركة:
__________
(1) انظر الصفحة التالية.(13/16)
برنامج الموسوعة الماسية للحديث النبوي وعلومه :ويشتمل على أحاديث قرابة ( 300 ) مجلد وكتاب، ويمكن عن طريق هذا البرنامج إجراء التخريج الآلي لكل الآيات والأحاديث والآثار الواردة في برامج الشركة الأخرى، من كتب التفسير والحديث والعقيدة والفقه والرقائق والسير والتراجم وغيرها. ويوفر البرنامج خدمة تخريج أي حديث يريده الباحث سواء كان من مراجع البرنامج أم من غيرها، ويحدد الباحث مستوى التخريج والتطابق في الألفاظ، كما يوفر البرنامج خدمة رسم شجرة الإسناد لأي حديث وارد في كتب الموسوعة.
برنامج السيرة النبوية من منابعها الأصلية : جُمِع فيه عدد من المصنفات في السيرة النبوية، منها : السيرة النبوية لابن إسحاق ولابن هشام ولابن حبان ولابن كثير، وكتاب زاد المعاد، والشمائل المحمدية، والشفا للقاضي عياض، وعيون الأثر، وجلاء الأفهام وغيرها، مع إمكانات برامج المؤسسة الأخرى، والاستفادة من برنامج الموسوعة الماسية في التخريج وغيره من أنواع الصنعة الحديثية.
"تحفة الباحث لعمل الحواشي والتحقيقات":
وهذا البرنامج يمكنني القول عنه بأنه من أخطر وأهم برامج الشركة، فهو مع صغر حجمه، وغلاء ثمنه مقارنة بأسعار الشركة، واعتماده على برنامج الموسوعة الماسية، فإنه يسهل للباحث كتابة البحث وتخريج نصوصه من الآيات والأحاديث، وإثباتها في حاشية البحث وفق خيارات كثيرة يضعها الباحث.
وتتلخص الصورة عنه في أن الباحث يضع البحث المعد لديه على برنامج الوورد"word" ، ويضع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بين أقواس معينة، ثم يعطي للبرنامج أمراً وفق خيارات كثيرة يختارها الباحث في صياغة متكاملة للحواشي والتعليقات، ثم بطريقة آلية، يعيد البرنامج صياغة البحث مع صنع الحواشي والتخريجات للبحث بالصورة التي اختارها الباحث، .
خامساً : مشروع برنامج المحدث(1)
__________
(1) WWW.MUHADDITH.ORG(13/17)