بسم الله الرحمن الرحيم
التعليقات على منهج المتقدمين في التدليس
الكاتب : ابن سفران الشريفي ... ... ... ... ... ... ... المصدر : ملتقى أهل الحديث .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين .
وبعد :
فإن كتاب منهج المتقدمين في التدليس للشيخ ناصر الفهد من الكتب الجيدة في بابه ، وقد بين فيه ما شاع من خطأ في هذا الباب ، فجزاه الله خيراً .
وقد رأيت أن الكتب الجيدة هي أولى بنقد ما فيها من أخطاء من غيرها ، لأن في ذلك تمحيصاً للفائدة ، وهو مركب يسير لقلة ما بها من أخطاء .
فلذا أقدم لك هذه التعليقات على كتاب منهج المتقدمين في التدليس ، أنزلها تباعا إن شاء الله .
هذا ورأيي صواب عندي يحتمل الخطأ ، ومن رأى مني خطأ فليذكره مشكوراً .
ومن كان لديه تعليق على الكتاب فليثر الموضوع به ، على أن لا يستبق الموضوعات التي لم أذكرها تلافياً للتكرار ، ويعرف ذلك برقم الصفحة من كتاب الشيخ .
وهذه الملاحظات لم أتقصدها تقصداً ، بل علقتها على الكتاب في حين قراءته ، ثم أعدت النظر فيها وكتبتها مجدداً .
ومن هذه الملاحظات ما لا ينافي الفكرة التي يقصدها الكاتب ، بل هي منصبة على الاستدلال للفكرة ، وجزاكم الله خيراً .
وكتب :
أبو محمد عبدالله بن حسين بن سعيد ابن سفران الشريفي القحطاني
ebnsufran@hotmail.com
ص.ب : 12546 الدمام 31483
فاكس 038422480
الملاحظة الأولى :
قال حفظه الله ص51 حاشية1 :
( لا أعني في هذا الكلام أن باب التصحيح والتضعيف أغلق ، ولكن الفوائد من معرفة علوم الحديث على منهج المتقدمين متعددة أهمها ثلاثة أمور :
1- الوقوف على مآخذهم في الحكم على الأحاديث ، فإن هذا يحدث من الاطمئنان أكثر مما يحدثه التقليد المحض .
2- الترجيح بين أقوالهم عند اختلافهم في التصحيح والتضعيف استناداً إلى طرقهم في ذلك .
3- الحكم على الأحاديث التي لم يبلغنا حكمهم فيها .(1/1)
أما مزاحمتهم في أحكامهم على الأحاديث فلا والله ) .
قلت : إن بلغنا عن واحد أو عن جماعة لم تبلغ إجماعاً ولا شبه إجماع حكماً على حديث معين ، فما الدليل على وجوب اتباعه في حكمه ؟
نعم إننا لنستصعب أن نخالف عالماً من علماء السلف ، ولكن المقطوع بصحته عندنا هو نهج السلف ، وأحكامهم التي اتفقوا عليها في الأحاديث المعينة ، أما قول بعضهم فليس بحجة ، وإن كنا نقدمه في التقليد على أقوال المتأخرين ، ونتأنا في الاجتهاد قبل مخالفته .
الملاحظة الثانية :
وقال حفظه الله ص60 :
( لم يسمع سعيد بن عروبة من : الحكم ، ولا من الأعمش ، ولا من حماد ، ولا من عمرو بن دينار ، ولا من هشام بن عروة ، ولا من إسماعيل بن أبي خالد ، ومن عبيد الله بن عمر ، ولا من أبي بشر ، ولا من ابن عقيل ، ولا من زيد بن أسلم ولا من عمر بن أبي سلمة ، ولا من أبي الزناد ، وقد حدث عن هؤلاء على التدليس ) .
وقال معلقاً على ذلك في الحاشية 2 :
(( قوله ( وقد حدث على هؤلاء على التدليس ) من قول الذهبي .... والاستدلال قائم على فهم الذهبي لتلك النصوص وعبارات السلف )) .
إذا كان هذا من فهم الذهبي وكلامه ، فلماذا يدرجه في كلام المتقدمين ؟
فهم الذهبي هو فهم متأخر ، وهو وإن كان من خير المتأخرين ، وأعلمهم بكلام السلف وأقربهم إليه ، إلا أنه لا يسوغ الاحتجاج بعباراته في هذا المقام .
الملاحظة الثالثة :
وقال وفقه الله ص73 :
(( أنه جعل عنعنته متوقفاً فيها عند قوم ولم يذكرهم ، ولم يذكر المتقدمون أحداً توقف في الاحتجاج بعنعنته عمن سمع منه ـ كما سيأتي في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى ـ . )) .(1/2)
قلت : لعل المقصود بترجمة العلائي عن هذه الطبقة أن من وصل إلى درجتها فهو ممن يتوقف في قبول عنعنته البعض ، فالكلام على مجموع الطبقة لا على كل فرد ، وهذا هو الذي أفهمه ، فإذا توقف بعض الأئمة في عنعنة راومعين ، ثم وجدت من هو مثله أو شر منه ألحقته بشرط الطبقة حتى ولو لم ينص أحد على ذلك لفظاً ، وهذا فهم قابل للأخذ والرد ، وهو عذر العلائي على الأقل .
الملاحظة الرابعة :
وقال عفا الله عنه ص83 :
( أن الحافظ ابن حجر قال : ( مشهور بالتدليس ) وذكر أن هذا وصف النسائي له ، والنسائي لم يقل أنه مشهور بل قال : ( ذكر المدلسين ..)) .
قلت : بل معنى كلام ابن حجر أن النسائي وصفه بالتدليس لا بالشهرة بالتدليس التي هي من كلام ابن حجر ، فقد قال ابن حجر : ( مشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره ) ، ولو كان يقصد الشهرة لقال وصفه بها .
خالد بن عمر
هذا رابط النقاش السابق حول الكتاب
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showt...%C7%E1%DD%E5%CF
ابن معين
أخي الفاضل : ابن سفران .. أسأل الله أن يشفي والدك ويعافيه ، وأن يجمع له بين الأجر والعافية ، وأن يجعل ما أصابه كفارة له .
كتاب الشيخ ناصر الفهد كتاب مفيد جداً ، مليء بالنقولات عن الأئمة المتقدمين ، ومحاولة لفهم طريقتهم في هذا العلم ..
ولا يخلو أي كتاب من ملاحظة ، وأقوى ما علي الكتاب من ملاحظة في نظري _ وهي ملاحظة قوية _ ما اختلف فيه كلام المؤلف في أول الكتاب عن آخره ! في حال المدلس الذي تدليسه من نوع رواية الراوي عن من عاصره ولم يلقه .
فإن المؤلف _ فرج الله عنه _ قرر في ( ص 66) أن هذا النوع من التدليس الأصل فيه الانقطاع حتى يتحقق السماع في الجملة ، وهو كلام صحيح .
إلا أنه في خاتمة الكتاب (ص254) قرر أن ( رد ) رواية المدلس إنما هو في حالتين فقط .
والحالتان عنده هما : 1_ أن يقوم الدليل على أن حديثه هذا بعينه مدلس .(1/3)
2_ أن لا يُعلم وجود التدليس ، ولكن تكون في الحديث علة فتحمل هذه العلة على احتمال وجود التدليس .
ولم يذكر فيما ينبغي التوقف فيه عنعنة المدلس الذي تدليسه من نوع رواية الراوي عن من عاصره ولم يلقه !!!
فإن الأصل فيها الانقطاع كما قرره هو ! _ وهو صحيح _ حتى يتحقق السماع من شيخه ولو في حديث واحد .
وقد قرره قبله الشيخ الشريف حاتم العوني في كتابه ( المرسل الخفي ).
فعلى كلامه الأخير الذي ذكره في خاتمة كتابه ، أن عنعنة المدلس الذي تدليسه من نوع رواية الراوي عن من عاصره ولم يلقه مقبولة ولم يقل بهذا أحد البتة ! ولا هو في أول كتابه !
فإن كلام الأئمة المتقدمين في الحكم بالانقطاع على عنعنة الراوي الذي عاصر شيخه ولم يسمع منه أشهر من أن تذكر ، وفي ما ذكرته كفاية ، والله أعلم .
محب العلم
الأخ الفاضل / ابن سفران الشريفي سدّده الله
قول الشيخ ناصر حفظه الله وفرج عنه :
" أن الحافظ ابن حجر قال : ( مشهور بالتدليس ) وذكر أن هذا وصف النسائي له ، والنسائي لم يقل أنه مشهور بل قال : ( ذكر المدلسين ..)"
له اعتذار حسن وهو أن قول الحافظ : " مشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره ".
يحتمل الأمر الذي ذكرته أنت وهو وصفه بالتدليس وهو أظهر .
ويحتمل أن متعلق قوله ( به ) هو " الوصف " ، أي : وصفه بهذا الوصف ، وهو الشهرة بالتدليس ... فتأمل .
الأخ الفاضل / البخاري سدّده الله
قد أثنى ناصر الفهد على المحدث الشريف في كتابه وهو حقيق بذلك .
وإن كنت تقصد مسألة اشتراط ثبوت اللقاء في ( الإرسال الخفي ) وأن الأصل فيه الإنقطاع حتى يتحقق الاتصال ، والتفريق بينه وبين ( التدليس ) من هذه الحيثية ، فهذه مسألة مقررة معروفة قبل الشيخ حاتم حفظه الله .
وكلام الحافظ ابن حجر في التفريق بين المرسل الخفي والتدليس في مقدمة " هدي الساري " أظهر من أن يذكر .
بل بعض شيوخنا قرر هذه المسألة في دروسه قبل طبع كتاب الشيخ حاتم بعشر سنين !(1/4)
وعلى كلٍّ : جهد الشيخ المحدث القدير حاتم الشريف حفظه الله في الحديث وعلومه جهد جليل يشكر ، ومنة على أهل الحديث لاتنكر .
إلا أن العلم ليس مناخاً لمن سبق ، بل هو رحم بين أهله .
ومثلك لايخفاه هذا وفقك الله وحفظك .
ابن وهب
ولمن أراد أن يعرف منهج المتقدمين في المسألة أن ينظر في عملهم ؛ كما أشار إلى ذلك الشيخ هيثم حمدان - وفقه الله - ، وأفضل كتاب لدراسة عمل الأئمة ، وهو أفضل من النقولات عن الإمام احمد أو غيره من الأئمة في العلل وتفسير ذلك بأنه لم يضعفه بالتدليس أو العنعنة أو نحو ذلك- كتاب صحيح الإمام البخاري - رحمه الله - ، وهو أفضل كتاب لدراسة منهج البصريين ومنهج المتقدمين في هذا الأمر ، وبدراسة مختصرة لمرويات المدلسين في صحيح البخاري يعرف صنيع الإمام البخاري ، وذلك بجرد مرويات من اشتهروا بالتدليس ، وكمثال :
1- ابن جريج
2- قتادة
3- حميد
4- الأعمش
5- أبو اسحاق السبيعي
وغيرهم
ودراسة مرويات هؤلاء الأئمة في صحيح الإمام البخاري من جهة هل اعتمد البخاري على مرويات هؤلاء حتى ولو لم تبين له التصريح بالسماع أو لا ؟
وهل احتج بهذه المرويات في الأصول أو في المتابعات ؛ بمعنى هل احتج بحديث عن المدلسين دون أن يصرحوا بالتحديث في الأصول أو لا ؟
هل اعتمد رواية شعبة عن بعض المدلسين مثلاً .
ولماذا اختار روايات شعبة عن قتادة .
ولماذا اختار روايات حفص بن غياث عن الأعمش .
ولماذا اختار روايات يحيى القطان عن شيوخه عن المدلسين .
ولماذا ركز على تبين سماع حميد ولو أدى ذلك إلى تعليق رواية من طريق يحيى ابن أيوب ( ليس هو من شرط الصحيح في الأصول ) .
وبعد دراسة هذا ؛ نرجع إلى دراسة صحيح الإمام مسلم ، ولنأخذ مرويات ابن جريج على سبيل المثال : وهل اهتم مسلم بتبيين سماع ابن جريج أو لا ؟
ولماذا يروي من طريق البرساني والذي هو في كثير من الأحوال يبين سماع ابن جريج ؟(1/5)
وأيضاً مرويات قتادة لماذا يركز على مرويات شعبة عن قتادة ؟
الخ
والنظر في كتابي البخاري ومسلم يبين بجلاء منهج الأئمة في هذا الباب ، وعلى من يقول بأن البخاري احتج بمرويات المدلسين حتى ولو لم يصرحوا بالتحديث مطلقاً
أن يثبت أمرين :
الأول : أن هذا الراوي مدلس عند البخاري ؛ واحتج به فرب أن هذا الراوي لم يعتبره البخاري من المدلسين .
الثاني : أن يبين أن البخاري احتج بهذا الحديث أو هذا السند في الأصول لا في المتابعات .
الثالث : أن ينظر في القرائن ؛ فينظر في الذي روى عن المدلس وفي رواية المدلس نفسه عن من هو ؟
فرب أن المدلس له عناية برواية من روى عنه ، ويحتمل تدلسيه عن هذا الرواي دون غيره ؛ كما قيل في روايات ابن جريج عن عطاء .
أيضا النظر في الراوي عن المدلس ، ومدى اختصاصه به ، ومعرفته بحديث المدلس :
وكمثال رواية شعبة عن قتادة .
أو مثلا روايات يحيى القطان عن شيوخه عن المدلس عن شيخه .
أو مثلا روايات البصريين عموما فان التدليس ضعيف في البصريين .
أو يكون راوية كتب :
كروايات محمد بن بكر البرساني عن ابن جريج .
فمحمد بن بكر البرساني راوية كتب يروي كتب ابن جريج .
(ولا يعني أنه لم يسمع من ابن جريج ، ولكن قصدي أنه كان راوية لكتاب ابن جريج ) فله مزيد عناية به .
أو مثلا رواية عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش .
الخ
وهذا يحتاج إلى بحث وجرد لروايات من اتهموا بالتدليس وثبت عنهم التدليس ، وأظن أن هناك كتاباً طبع حديثاً بعنوان : ( مرويات المدلسين في صحيح مسلم ) ولم أطلع عليه .
والمسألة تحتاج إلى مزيد بحث !
وكتاب الشيخ ناصر الفهد - فرج الله عنه - كتاب جيد وبحث رائع في بيان خطأ كثير من المتأخرين ، والذي يمشي على طريقتهم كثير من المعاصرين .(1/6)
والحق وسط بين منهج يلغي أحكام التدليس تقريباً وبين منهج يبحث عن التصريح بالسماع في مرويات مثل الثوري وابن عيينة مطلقاً ، أو رد رواية كل من اتهم بالتدليس ولو بمجرد ذكر اسمه في أسماء المدلسين تجدهم يضعفون مروياته .
والله أعلم بالصواب ، وكما أسلفت وقلت : المسألة تحتاج مزيد بحث .
ابن سفران الشريفي :
والسبب في الانقطاع هو مرض الوالد شفاه الله .
أما كلام المتقدمين فهو المعول ، وإليه المرجع ، فلذلك أعجبني الكتاب .
وكانت عندي إشكالات كثيرة في صنيع الحافظ ابن حجر عندما أقابله بما قاله من قبله ، فلما جاء الكتاب وافق شيئاً في النفس .
ولكن الموافقة لا تمنع الاختلاف في بعض الشيء ، أو الاختلاف في الاستدلال للمتفق عليه ، وأكثر ملاحظاتي في الثاني .
كما أن في استدلال الشيخ أحياناً بكلام المتقدمين بعض النظر ، فليس كل مستدل بكلام المتقدمين مصيب لما أراده المتقدمون .
أخي الكريم ابن معين وفقه الله ، صدقت في الثناء على كتاب الشيخ ، وملاحظتك قوية ، أذكرها إن شاء الله في موضعها مع بيان وجه وعذر للشيخ فيها .
أخي الكريم ابن وهب ، جزاك الله خيراً واستجاب دعوتك .
أما ما طرحته فهو طرح جيد ، يتجاوز الكلام النظري ، أسأل الله أن يوفقك لمزيد البحث الذي تحتاجه المسألة .
الملاحظة الخامسة :
وقال وفقه الله ص 89 في تتمة حاشية 1 من ص 88 :
( فإن هؤلاء الذين ذكرهم ابن حزم بالتدليس وقال إنه يقبل أحاديثهم على أي صيغة كانت ما لم يتيقن أنها مدلسة لو سألت أحدهم ـ كالحسن وقتادة والأعمش وأبي إسحاق والثوري ـ فقلت له : ( أيها الإمام المحدث رحمك الله : هل كل ما رويته لنا سمعته ،، !! ) . لقال لك : ( منه ما سمعته ، ومنه ما حدثته ، وإلا فلو سمعت كل ما رويت ما جعلوني مدلساً !! ) . فأي فرق بين هؤلاء وبين أبي الزبير !! ) .(1/7)
قلت : الفرق بينهم هو أن أبا الزبير بناءً على هذه القصة ذو تدليس كثير جداً ، بيانه أنه أعلم له على ما سمع ، ولو كان تدليسه قليلاً لأعلم له على ما لم يسمع ، فيظهر من هذا أن التدليس غالب على روايته .
الملاحظة السادسة :
وقال حفظه الله بعد ذلك :
( فإن قال ابن حزم : فأبو الزبير تميز لنا ما سمعه مما لم يسمعه وذلك برواية الليث عنه . قلنا : فينبغي لك أن لا تصحح إلا رواية الليث عنه فقط حتى لو صرح بالتحديث ، ولن يصح لك من مئات الأحاديث إلا بضعة عشر حديثاً رواها الليث عنه ـ حسب ما ذكره ابن حزم ـ .
فإن قال ابن حزم : ولكنه بتصريح بالتحديث كشف لنا أنه سمعه منه وإن لم يروه الليث قلنا : فقد تبين لك أنه سمع ما لم يروه الليث عنه ، فاجعل رواية الليث مسألة مستقلة ( كأنه أبو زبير آخر غير مدلس ) تقبل مطلقاً ولا يوصف فيها بالتدليس ، ثم تعال إلى باقي رواياته فإن منها ما سمعه ومنها ما لم يسمعه تماماً كالأعمش والثوري وقتادة وغيرهم في مروياتهم فينبغي لك على هذا أن لا ترد حديثاً له من غير طريق الليث إلا ( ما علمت يقيناً أنه أرسله وما علمت أنه أسقط بعض من في إسناده وتأخذ من حديثه ما لم توقن فيه شيئاً من ذلك ) . بناءا على ما ذكرته في معاملة رواية المدلس الثقة ) .
قلت : نقلت الكلام بطوله لعل أحداً يفهم غير ما فهمت .
قال الشيخ : ( فينبغي لك أن لا تصحح إلا رواية الليث عنه فقط حتى لو صرح بالتحديث ) وأنا لا أدري ما وجه هذا الإلزام ، فابن حزم لم يجعل ما لم يروه الليث عن أبي الزبير مدلساً تبين تدليسه ، بل احتمال التدليس فيه كثير يرد الحديث المعنعن له ، ولكن إن رواه الليث فهو مؤكد سماعه فيه .
وفي الملاحظة السابقة ذكرنا الفرق بينه وبين الأعمش والثوري وقتادة .
الملاحظة السابعة :
وقال حفظه الله ص91 :
( وشعبة قد عرف عنه أنه لا يروي عن شيخ إلا ما كان مسموعاً له ، وقد روى عنه هذه المئات ) .(1/8)
قلت : بل لم يرو عنه حرفاً ، وإنما سمع منه المئات ، والشيخ قبل أسطر نقل عن شعبة عدم روايته عنه ، ولا يتم له الاستدلال إلا برواية شعبة عنه لا سماعه منه .
الملاحظة الثامنة :
وقال حفظه الله ص92 :
( أن الدار قطني قد استدرك على الصحيحين أحاديث وأسانيد ، ولم يستدرك حديثا واحداً من أحاديث أبي الزبير المعنعنة )
قلت : انتقادات الدارقطني منصبة على الأحاديث المعلى بالاختلاف ونحوه ، فلا تراه ينتقد شيئاً لأنه منقطع ، أو لأن راويه ضعيف .
بل قد ينتقد حديثاً بمخالفة الراوي لغيره أحياناً ، مع أن بعض رواته تكلم فيهم فلا يذكر من ذلك شيئاً .
الملاحظة التاسعة :
وقال وفقه الله ص92 بعد ذلك :
(بل قد قال عن أحاديث أبي الزبير ملزماً لمسلم ( وبقي على مسلم من تراجم أبي الزبير حديث كثير )
قلت : هذا إلزام لمسلم بأن يخرج مثل ما أخرجه ، وليس فيه رأي للدارقطني حول أبي الزبير وعنعنته .
الملاحظة العاشرة :
وقال عفا الله عنه ص93 :
( أن النسائي ـ الذي ذكر أبا الزبير مع المدلسين ـ ذكر مجموعة كبيرة من أحاديثه في كتابه السنن ، منها ( خمسة وستون حديثاً بالعنعنة ) ولم يعلل شيئاً منها بالتدليس أو بعدم السماع ، وهو يذكر الأحاديث والعلل والاختلافات في سننه دائماً ، فهذا يدل على أن وصفه بالتدليس لا يريد منه رد عنعنته ) .
قلت : مع قوة هذا الاستدلال إلا أن لي نظراً حوله ، فهل اشترط النسائي على نفسه أن يذكر كل علة في حديث ؟
أوافق على أنه كثيراً ما يذكر العلل و الاختلافات في سننه ، بل ويذك أحياناًَ حال بعض الرواة ، ولكن هل كان ذلك على وجه الدوام ؟
الملاحظة الحادية عشرة :
وقال نفع الله به ص 94 حاشية 1 :
(لم يثبت عنه التدليس كما ذكرته عن الأئمة ) .(1/9)
قلت : قد نقل الشيخ في ص87 عن النسائي وضعه إياه في المدلسين ، فلا يحسن نفي ثبوت التدليس عنه عند الأئمة ، نعم قد يكون مدلساً تقبل عنعنته ، أما أن ينفى التدليس عنه بالكلية فهو أمر غير مقبول مع ما نقله الشيخ عن النسائي .
الملاحظة الثانية عشرة :
وقال وفقه الله ص96 :
(أننا لو سلمنا بعد هذا كله بأنه مدلس ، فإنه مكثر جداً عن ( جابر ) والأصل في روايته عنه الاتصال حتى يتبين الانقطاع كما بين ذلك بعض الأئمة في روايات المدلسين إذا رووا عمن أكثروا عنه ) .
قلت : وهذا لا يلزم ابن حزم هنا ، فالقصة التي يستدل بها تدل على كثرة تدليس أبي الزبير عن جابر نفسه ، فالخشية من روايته عن جابر .
تنبيه :
هذا وأنا مع الشيخ في قبول عنعنة أبي الزبير عن جابر .
الملاحظة الثالثة عشر :
وقال وفقه الله لكل خير ص100 :
( أنهم أطلقوا تدليسه وتسويته ، وإنما هي عن الأوزاعي فقط كما يظهر في النصوص السابقة ) .
قلت : وكيف يكون ذلك وقد نقل الشيخ بنفسه في صفحة 98 عن ابن معين قوله : ( وكان الوليد بن مسلم مدلساً ) ؟
وتدليس الشيوخ ذكره ابن حبان بإطلاق كما نقله الشيخ في نفس الصفحة .
وإنما ذكر تدليسه عن الأوزاعي من ذكره ، لسبب محتمل ، وهو أن شطر رواية الوليد بن مسلم تقريباً هي عن الأوزاعي ، فلذلك كان تدليسه عن الأوزاعي أظهر .
الملاحظة الرابعة عشر :
وقال وفقه الله ص 100 :
( أن ابن حجر رحمه الله جعل الوليد في الطبقة الرابعة ، وليته ذكر من الذي نقل الاتفاق على عدم قبول روايته إلا إذا صرح بالتحديث ) .
قلت : وهذا يقال فيه كما قلنا عن العلائي في الملاحظة الثالثة .
الملاحظة الخامسة عشر :
وقال عفا الله عنه ص101 :
( فإننا حتى لو قلنا بمذهب المتأخرين من وجوب وجود صيغة التحديث للمدلس فالوليد مكثر عن الأوزاعي كما سبق ) .
وقال في ص 102 :
((1/10)
فإن قيل : ولكن الوليد لم يذكر بالتدليس أصلاً إلا عن الأوزاعي . قلنا : الوليد مكثر عن الأوزاعي مع ذلك ، ولو جمعت أحاديثه التي قيل إنه دلسها على الأوزاعي إلى مجموع روايته عنه لرأيت إنها قليلة ) .
قلت : ولو سألنا الشيخ ناصراً عن تدليسه عن غير الأوزاعي أأقل من تدليسه عن الأوزاعي أم أكثر ؟ لقال : بل لم يذكر له تدليس عن غير الأوزاعي . فنقول عندئذً : فاستدلالك بقاعدة تمشية عنعنة المدلس عن شيخه المكثر عنه لا تصلح هنا ، والسؤال الوارد على الشيخ قائمٌ ، فليحذف الشيخ استدلاله بالقاعدة ، وليبق له إثبات قلة تدليسه .
الملاحظة السادسة عشر :
وقال وفقه الله ص102 :
( أن الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي ويذكر مشايخه المتكلم فيهم ، فقد روى عن الأوزاعي عن قرة عدة أحاديث .
وروى عنه واصل بن أبي جميل .
وروى عنه عبد الواحد بن قيس .
وروى عنه جسر بن الحسن .
وروى عنه خصيف ، مما يدل على قلة تدليسه وأنه لا يلتزم تسوية السند من الضعفاء عن الأوزاعي ) .
قلت : لم يذكر أحد أنه لا يروي عن الأوزاعي إلا مدلساً لشيوخه الضعفاء ، ولا يوجد مدلس يدلس كل رواياته ، ولا ضعيف يهم في كل رواياته ، إنما العبرة بالكثرة والقلة ، فإن كان يدلس كثيراً ترك ما عنعنه ، وإن قل قبل .
الملاحظة السابعة عشر :
وقال حفظه الله ص 103 :
أن دحيماً الحافظ روى عن الوليد بن مسلم أنه قال: ( كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول : حدثني يحيى قال حدثنا فلان قال حدثنا فلان حتى ينتهي . قال الوليد : فربما حدثت كما حدثني ، وربما قلت عن عن عن وتحققنا من الأخبار ) اهـ . وهذا دليل على أن الوليد يناوب بين التحديث والعنعنة من أجل التخفف لا من أجل التدليس ) .
قلت : الوليد هنا يريد أن يقول : إن قلت حدثنا الأوزاعي عن فلان عن فلان ، فليس معنى ذلك أن الأوزاعي ذكر فلان عن فلان بالعنعنة ، بل قد يكون بالتحديث ، فأنا لا ألتزم بألفاظ الأوزاعي في ذلك .(1/11)
وهذا يفعله الوليد وغيره من المدلسين وغيرهم ، ولست أدري أين نفى الوليد هنا أنه يدلس ؟
ومن الذي قال أنه يبدل ما ذكره الأوزاعي تحديثاً إلى عنعنة لقصد التدليس فقط ؟
الملاحظة الثامنة عشر :
وقال حفظه الله ص106 :
( أن كلام هؤلاء الأئمة ، وخاصة تفصيل يحيى القطان يدل على أن ابن جريج ( واضح التدليس ) لا ( خفي التدليس ) ، وهذا ييسر معرفة الروايات المدلسة ) .
قلت : ليس في كلام القطان ، بل ولا في كلام غيره ما يبين وضوح تدليسه ، فهذا هو قول القطان الذي نقله الشيخ في نفس الصفحة : ( كان ابن جريج صدوقاً فإذا قال حدثني فهو سماع وإذا قال أخبرنا أو أخبرني فهو قراءه وإذا قال قال فهو شبه الريح ) .
فكلام القطان فيه أن ما لم يذكر فيه إخباراً أو تحديثاً يكون كلا شيء ، مما يدل على اطراح عنعنته .
ولا يوجد ما فهمه الشيخ حتى في كلام غير القطان ، إلا كلاماً محتملاً للخليلي ، وهو قوله : ( وابن جريج يدلس في أحاديث ولا يخفى ذلك على الحفاظ ) .
وكلام الخليلي هذا يحتمل أن يقصد به أنه لا يخفى على الحفاظ أنه مدلس ، بل هو الظاهر إذا عرفنا سياق الكلام ، قال الخليلي : " روى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المنتهب ولا على المختلس ولا على الخائن قطع ويقال إن هذا لم يسمعه من أبي الزبير لكنه أخذه عن ياسين الزيات وهو ضعيف جدا عن أبي الزبير وابن جريج يدلس في أحاديث ولا يخفى ذلك على الحفاظ " .
الملاحظة التاسعة عشر :
وقال حفظه الله ص 107 :
( ثانياً : أنهم لم يذكروا ( العنعنة ) ، لأن الغالب في العنعنة أنها من تصرف الرواة لا من لفظ الحديث ، فالاستدلال بهذه الأقوال على رد العنعنة أو التوقف فيها لا يتم ـ وسيأتي إن شاء الله تعالى ـ .
ثالثاً : أن الوقوف على نفس الصيغة التي نطق بها ( ابن جريج ) تصعب كثيراً ) .(1/12)
قلت : من رد عنعنته فإنما ردها لاشتراطه العلم بالتحديث أو الإخبار ، وذلك لأن ابن جريج عنده كثير التدليس ، فوجب الوقوف على السماع ، فإن عنعن لم يعلم سماعه ، فلا يحتج به .
الملاحظة العشرون :
وقال حفظه الله 107 :
(أن الإمام أحمد قال ( إذا قال ابن جريج قال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير ) ، وهذا حكم ( واقع ) لا ( إخبار بضابط تقاس به مروياته ) حيث قال ( جاء بمناكير ) ، فإذا كان الحديث مستقيماً كان الراجح أنه متصل كما هو ظاهر ) .
قلت : إذا قال الإمام أحمد أو غيره أن في رواية فلان عن فلان مناكير ، فهذا إخبار بالواقع لا السبب أيضاً ، ولكن هذا موجب لضعف الرواية وإن اختلفت درجات الضعف ، ولا يقتضي هذا أن نقبل ما رأيناه مستقيماً من رواياته ، وهذا يلزمنا في من قيل فيه يجيء بالمناكير ، فإن هذا تضعيف لروايته ، فهل لنا أن نقول إذاً سنقبل ما كان مستقيماً من روايته ؟
الملاحظة الحادية والعشرون :
وقال حفظه الله 107 :
(أن كثيراًً من تدليس ابن جريج ـ إن لم يكن أكثره ـ كما يظهر من الكلام السابق ومن مجموع مروياته يكون بلفظ ( حدثت عن ، وأخبرت عن ) ، بحيث يظهر فيها الانقطاع وعدم السماع أصلاً ، وإنما سمي تدليساً من باب التجوز ، ويدل عليه كلام الإمام أحمد السابق ، وقوله أيضاً : ( رأيت سنيداً عند الحجاج بن محمد وهو يسمع منه كتاب الجامع يعني لابن جريج فكان في الكتاب ابن جريج قال أخبرت عن يحيى بن سعيد ، وأخبرت عن الزهري ، وأخبرن عن صفوان بن سليم ، فجعل سنيد يقول لحجاج : قل يا أبا محمد بن جريج عن الزهري ، وابن جريج عن يحيى بن سعيد ، وابن جريج عن صفوان بن سليم ، فكان يقول له هكذا ، ولم يحمده أبي ، فيما رآه يصنع بحجاج وذمه على ذلك ، قال الإمام أحمد : وبعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذه يعني قوله أخبرت وحدثت عن فلان ) اهـ(1/13)
قلت : كلام أحمد رحمه الله ليس فيه تعرض لتدليس ابن جريج ، بل هو في مراسيل ابن جريح المبهمة ، والعيب في تدليسها هنا يعود إلى حجاج بن محمد ، فليس فيه تعرض إلى تدليس ابن جريج ، فضلاً عن أن يكون فيه دلالة على أن أكثره بهذه الألفاظ .
وكلام القطان صريح في رد العيب لقول ابن جريج ( قال فلان ) لا إلى أبهام الراوي ، وقريب منه كلام أحمد بن صالح الذي نقله الشيخ وهو : " ابن جريح إذا أخبر الخبر فهو جيد ، وإذا لم يخبر فلا يعبأ به " .
الملاحظة الثانية والعشرون :
وقال وفقه الله لكل خير ص112 :
( أنه جعله في المرتبة الرابعة ، ومن ذكر هذا الاتفاق ومن نقله ؟ )
قلت : يقال في هذا ما قلته في الملاحظة الثالثة .
الملاحظة الثالثة والعشرون :
وقال حفظه الله ص114 :
( أن قصة حديث ( دجلة ودجيل ) لم يذكر عبد الله بن رواها له فربما كانت لا تصح عنه ، قال الذهبي رحمه الله تعقيباً على كلامه :
قلت : لم يذكر عبد الله من حدثه بهذا عن المحاربي فهو إن صح أن المحاربي حدث به قوي الإسناد على نكارته ) اهـ ) .
ثم قال الشيخ ناصر معلقاً في الحاشية :
( لا يقوى لمن ذكره الإمام أحمد وابن معين وغيرهما عن هذا الحديث ، وإنما الشاهد من كلام الذهبي هو تشكيكه في صحة الراوية عن المحاربي لجهالة الناقل ) .
قلت : استنكار الإمام أحمد كان للمتن لا للسند ، فلا يعارض به كلام الذهبي .
الملاحظة الرابعة والعشرون :
وقال حفظه الله ص 115 متحدثاً عن حميد :
( قد ذكره المتقدمون بالتدليس عن أنس خاصة )(1/14)
قلت : قد ذكر الشيخ في الصفحة التي تليها ذكره بالتدليس مطلقاً عن البخاري وابن حبان ، أما كون البخاري قد ذكر هذا في أحاديث حميد عن أنس ، وأن ابن حبان قال بعد قوله : ( وكان يدلس ) قال : ( سمع من أنس بن مالك ثمانية عشر حديثاً وسمع الباقي من ثابت فدلس عنه ) ، فهذا لا يتم الاستدلال القاطع به ، فإنه محتمل ، فإن ثلاثة أرباع حديثه إنما هي عن أنس ، فكان الظاهر والمشهور من تدليسه ما كان عن أنس .
ثم إن إعلال البخاري أحاديثه عن أنس بأنه كان يدلس ، يفهم منه أن تدليسه قاعدة طبقها البخاري على حديثه عن أنس ، فهذا دال على عموم تدليسه .
على أن أحداً من المتقدمين لم ينف تدليسه عن غير أنس .
الملاحظة الخامسة والعشرون :
وقال رعاه الله ص 122 :
( فقد كان الثوري يصحح تفسيره، وأشار إلى صحته يحيى بن معين ) .
قلت : وفي صحيح البخاري الكثير من عنعنته عن مجاهد ، ومن ذلك أحاديث في التفسير .
وقد صحح الترمذي كذلك أحاديث في التفسير من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد .
الملاحظة السادسة والعشرون :
وقال وفقه الله ص 123 :
( قال عنه ابن خزيمة : مدلس )
قلت : لو نقل الشيخ كلام ابن خزيمة كاملاً لكان أجدى لمقصوده ، قال ابن خزيمة : (كان في القلب من هذا الإسناد شيء فإن حبيب بن أبي ثابت مدلس ولم أقف هل سمع حبيب هذا الخبر من محمد بن علي أم لا ثم نظرت فإذا أبو عوانة رواه عن حصين عن حبيب بن أبي ثابت قال حدثني محمد بن علي ) انتهى كلام ابن خزيمة .
وفي عبارة ابن خزيمة ( كان في القلب منه شيء ) ما يفهم منه أن عنعنة حبيب يحتاط فيها فقط ، وليس ردها هو القاعدة .
الملاحظة السابعة والعشرون :
وقال حفظه الله ص 124 :
(وقال البيهقي : ( كان مدلس ) .
هذا مجموع ما وقفت عليه من وصف المتقدمين له بالتدليس ، وقد ترجم له غير واحد من الأئمة ولم يذكروه بتدليس مطلقاً ، وإنما يذكرون عدم سماعه لمثل عروة بن الزبير ) .(1/15)
قلت : إن كان يقصد أن كل من ترجم له لم يذكره بتدليس مطلق ، سيرد عليه ما نقله عن ابن حبان .
هذا والبيهقي في الموضع الذي نقل عنه الشيخ قد أعل حديثاً من روايته عن طاووس ، مع أن أحداً لم يطعن في لقائه بطاووس ، بل حديثه عنه مخرج في صحيح مسلم ، وقد صحح الترمذي حديثه عن طاووس ، ولا سيما أنه سمع من شيخ طاووس وهو ابن عباس كما أثبته له علي بن المديني .
الملاحظة الثامنة والعشرون :
وقال عفا الله عنه ص124 :
( وإنما يذكرون عدم سماعه لمثل عروة بن الزبير ، وأن له أحاديث عن عطاء لا يتابع عليها )
قلت : ما دخل تفرده عن عطاء بمسائل الاتصال في السند ؟ نعم ، قد يفهم من ذكرهم عدم سماعه ممن فوقه أن المقصود بالتدليس الإرسال الخفي ، أما تفرده عن عطاء فما شأنه ؟
الملاحظة التاسعة والعشرون :
وقال غفر الله له ص 125 :
(أن من وصفه بالتدليس لم يذكر أنه مكثر ، بل في قول ابن حبان ( على تدليس فيه ) إشارة إلى قلته ) .
قلت : قد لا تفهم هذه الإشارة ، إن علمنا أنه قالها بعد قوله : ( وكان من خيار الكوفيين ومتقنيهم على تدليس فيه ) .
الملاحظة الثلاثون :
وقال وفقه الله ص 125 :
( أن قوله ( يعني وأسقطته من الوسط ) هو من تفسير الحافظ لكلام حبيب ، وهو قد يحتمل هذا التفسير ، وقد يحتمل غيره بأنه يرويه مثلاً ولا يرجع إلى الأعمش ليتأكد منه ) .
قلت : نعم هذا الاحتمال وارد ، ولكنه يضعف إن أخذنا بما قاله أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ فيما ذكره عنه مغلطاي في إكماله 3/359 :
( لا تقوم بحديثه حجة لمذهبه ، وكان مذهبه أنه قال : إذا حدثني رجل عنك بحديث ، ثم حدثت به عنك كنت صادقاً ) .
فهذه العبارة تفيد إسقاط الواسطة ، لأنه تعرض فيها للصدق ، ولا مدخل للصدق في التأكد من صاحب الخبر ، وهو الاحتمال الذي ذكره الشيخ ناصر .
وهذا يكون إن ثبتت هذه العبارة عن حبيب .
الملاحظة الحادية والثلاثون :
وقال وفقه الله ص 129 :
((1/16)
الذي يتضح من أقوال الأئمة المتقدمين هو أن العنعنة ليست من قول المدلس أو الراوي بل هي ممن دونه ) .
قلت : هذا تعميم لا يريده الكاتب ، وإنما يقصد الغالب ، لما ذكره في صفحة 137 .
الملاحظة الثانية والثلاثون :
وقال عفا الله عنه ص136 :
( فذكر العنعنة بين الراوي المدلس وشيخه لا يدل على أن المدلس هو الذي ذكرها ، فلا يبني حكم على مجرد وجود هذه العنعنة هنا ) .
قلت : من يرد عنعنة المدلس لا يدها لأنها عنعنة منه ، بل لأنه لا يعرف الصيغة التي ذكرها المدلس ، وهو يشترط في حديث المدلس أن يذكر السماع ، وهذا الشرط جهل وجوده هنا ، فلا يحتج بالحديث .
الملاحظة الثالثة والثلاثون :
وقال حفظه الله ص 155 حاشية رقم 1 :
( والعجيب أن بعضهم يقول ـ بعد الحكم بضعف السند للعنعنة ـ ( ولكنه توبع ) ، فهم يعلمون أن هذا الحديث مستقيم محفوظ عن شيخه ، ولم يثبت أنه قد دلسه وأسقط الواسطة ، ومع ذلك يحكمون بضعفه ) .
قلت : إن كان ينكر عليهم تضعيف الرواية المعنعنة التي قووها بمتابع فليس إنكاره بمتجه ، لأن الضعيف الذي توبع ينطبق عليه أنه كان ضعيفاً لولا المتابعة ، والمتابعة قد بينت أنه محفوظ مستقيم ، فما قاله الكاتب في عنعنة المدلس يلزم به في الراوي الضعيف .
أما إن كان يقصد تضعيفهم للحديث كله - ولا أظنه يقصد ذلك ولا أظنهم يفعلونه - فلا وجه للإنكار ، لأن المدلس قد يكون معروفاً بالتدليس عن المتروكين ، فلا تنفعه متابعة الضعيف الذي ينجبر ضعفه .
وكون الحديث مستقيم المتن لا يلزم منه أن الراوي سمعه من شيخه ، كما أن مرسل التابعي الذي أسند من طريق أخرى مستقيم محفوظ ، مع أننا نعلم قطعاً أنه لم يسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم .
الملاحظة الرابعة والثلاثون :
وقال عفا الله عنه ص 161 :
((1/17)
ومن الممكن لمن أدعى الإجماع أن يقلب عليه ، فيقال إن الإجماع قائم على قبول رواية المدلس الثقة إذا لم يأت تصريحه بالسماع ولم يأت ما يعله من طريق آخر ؛ لأن الإجماع منعقد على قبول أحاديث الصحيحين وفيهما من جنس هذه الأحاديث ) .
قلت : لو كان استنباط هذا الإجماع صحيحاً ؛ لزم الشيخ أن يحكم بالإجماع على توثيق الضعفاء الذين أخرجا لهم في الصحيح ، وقبول أحاديثهم في غير الصحيح .
وللزم الشيخ أن يحكم بالإجماع على شرط مسلم في عدم اشتراط معرفة السماع .
الملاحظة الخامسة والثلاثون :
وقال حفظه الله ص 161 :
( أن هناك من انتقد أحاديث الصحيحين كالدار قطني وأبي الفضل والهرري وغيرهما ولم يذكروا أحاديث المدلسين المعنعنة لمجرد العنعنة ، بل تركوا أكثرها ، وأعلوا بعضاً منها بسبب ورودها من طريق آخر تبين فيها التدليس ) .
قلت : الدارقطني والهروي لا يعلون أحاديث الصحيحين بكل العلل ، فلا تجدهم يضعفون حديثاً لراوٍ ضعيف فيه ، ولا لانقطاع بين راويين ، بل جل عملهما منصب على اختلاف الرواة في الرواية ، من إرسال بعض ووصل بعض ، و رفع بعض ووقف بعض ، وغير ذلك ، ومن هذا إدخال واسطة بين راويين أو حذفها .
الملاحظة السادسة والثلاثون :
وقال وفقه الله ص 165 :
قال أبو داود :
( سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس يحتج فيما لم يقل فيه سمعت ؟ قال : لا أدري .
فقلت : الأعمش متى تصاد له الألفاظ .
قال : يطيق هذا ، أي أنك تحتج به ) اهـ .
قلت : هذا إن دل على شيء فيدل على أن المسألة يتوقف فيها مثل أحمد ، وهذا يدل على أنها محل للأخذ والرد ، وهذا في عموم المدلسين أما كلامه عن الأعمش فهو خاص به ، فهو ممن تقبل عنعنته لقلة تدليسه عند أحمد ، فلا يصح قول الشيخ بعدها : (ثم انظر إلى قوله ( يضيق هذا ) يعني عند اشتراط التحديث للاحتجاج برواية الأعمش ، فإنه صريح في المسألة ) إنما كلام أحمد في المسألة أنه لا يدري .
الملاحظة السابعة والثلاثون :(1/18)
وقال حفظه الله ص 168 :
( وقوله الخليلي : ( وابن جريج يدلس في أحاديث ولا يخفى ذلك على الحفاظ ) .
فكل هذه النصوص تدلى على أن تمييز ما سمع مما لم يسمع ممكن ولا يكون ذلك إلا للحفاظ لأنهم ينظرون إلى الطرق والأسانيد الأخرى ولا يكتفون بالنظر إلى إسناد واحد ) .
قلت : قد وجهت قول الخليلي فيما سبق ، إضافة إلى أن كلام الخليلي خاص في ابن جريح ، وتعميمه يحتاج إلى أدلة أو قرائن تذكر .
الملاحظة الثامنة والثلاثون :
وقال وفقه الله ص 169 :
(وقال ابن عبد البر : ( وقتادة إذا لم يقل سمعت وخولف في نقله فلا تقوم به حجة لأنه يدلس كثيراً عمن لم يسمع منه وربما كان بينهما غير ثقة ) .
قلت : هذا في المرسل الخفي ، ولعل الشيخ يقيس عليه التدليس بمعناه عند المتأخرين من باب أولى .
الملاحظة التاسعة والثلاثون :
وقال حفظه الله ص 171 حاشية رقم 1 :
( وهذا القول للشافعي رحمه الله تعالى لا يوافقه عليه أئمة الحديث كما سبق ونقلت عن الإمام أحمد وابن المديني وابن معين والفسوي وغيرهم ، والشافعي رحمه الله تعالى من فقهاء الملة وعلماء الإسلام ولكنه لم يكن في معرفته للحديث كاولئك الحفاظ ) .
قلت : ما كان أغنى الشيخ حفظه الله عن هذه المقارنة التي قد توهم التنقص من قدر الشافعي ، ولا أدري ما يضر الشافعي إن كان أحمد وغيره أعلم منه بالحديث ، أهذا مما يطرح قوله ؟ هل يطرح قول زيد بن ثابت في الفرائض قول علي ؟ أم هل يطرح قول علي في القضاء قول زيد ؟
الشافعي رحمه الله هو أول من أصل علوم الحديث كتابةً في كتابه الرسالة ، وقوله قول من أقوال السلف المتقدمين ، حتى ولو كان أحمد وابن المديني أعلم منه في الحديث ، فكما لا يطرح قول أحمد في الفقه لأن غيره أفقه من لا يطرح قول الشافعي في الحديث لأن غيره أعلم منه بالحديث .
الملاحظة الأربعون :
وقال غفر الله له ص 173 :
((1/19)
أن العنعنة قد تكون تخففاً من الراوي المدلس وإن كان سمعه كما قال الوليد بن مسلم ـ وسبق ـ ( كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول : ثنا يحيى قال : ثنا فلان : قال : ثنا فلان حتى ينتهي ، قال الوليد : فربما حدثتا كما حدثني ، وربما قلت عن عن تخففنا من الأخبار ) .
وقد تكون من تصرف الرواة عن المدلس .
وقد يكون صرح فيه بالتحديث ، كما سبق تفصيله في الفصل الثالث وأن العنعنة تكون في الغالب ممن دون المدلس .
وقد تكون من المدلس نفسه مع عدم سماعه .
فاحتمالات الاتصال مع هذا أكثر من احتمالات الانقطاع ) .
قلت : هذه أسباب إسقاط صيغة التحديث واستبدالها بالعنعنة ، وليس فيها ما يدل أن ذلك قليل عند من أسقطها حتى يقبل حديثه .
الملاحظة الحادية والأربعون :
وقال عفا الله عنه ص 174 :
( أن الحديث إذا كان مدلساً عن ضعيف فلا بد أن يتبين الضعف فيه ، لأن أحاديث الضعفاء تختلف عن أحاديث الثقات ، فلا بد أن يتبين في الإسناد أو المتن من النكارة ما يتضح فيه أن الحديث مدلس ) .
قلت : كلا ، من أخطأ في تسعين حديثاً ، وأصاب في عشرة لا شك أنه متروك الحديث ، لا يقبل من حديثه إلا ما توبع فيه ممن يقبل حديثه استقلالاً ، مع أن الأحاديث العشرة قد أصاب فيها ، فهي سليمة المتون .
أما أن كل حديث فيه راوٍ ضعيف يجب أن يتبين الضعف فيه ؛ فهذه دعوى تنقض الحاجة إلى معرفة أحوال الرجال ، فيكفي في الحديث سلامة متنه وسنده من النكارة ، ولا حاجة لمعرفة حال من روى ذلك المتن والسند .(1/20)