التَّذْكَارُ بِشَرَفِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَفَظَةِ الآثَارِ
محمد أحمد شحاته الألفى
الحمد لله ذي المن والإحسان ، والعفو والغفران ، الذي أنشأ الخلق لعبوديته ، ورفع من شاء وخفض بعدله وحكمته ، واصطفى منهم طائفة أصفياء ، وجعلهم بررةً أتقياء ، يصرف عنهم البلايا والأسواء ، ويخصهم بالخيرات ووافر العطاء ، ويهديهم بإذنه إلى الصراط المستقيم ، ويزكيهم ويعلموهم الحكمة والدين القويم ، فهم القائمون بإظهار دينه فى بريته ، والمتمسكون بسنن نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خليقته .
فله الحمد على ما قضَّاه وقدَّره ، وأمضاه ويسَّره . وأشهد أن لا إله إلا هو ، الذي زجر عن اتخاذ الأولياء دون الكتاب العظيم ، واتباع الخلق دون رسوله الكريم ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه ، وصفيُّه وخليلُه ، الذى بلغ عنه رسالتَه ، وأدَّى أمانتَه ، ونصح أمَّتَه ، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم تسليما . وبعد ..
فصل : أصحاب الحديث أولى الناس بالاتباع
وبيان صفاتهم ومكانتهم وفضلهم على الأمَّة
أصحاب الحديث هم أحقُّ الناس وأولاهم برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولهم من شرف الانتساب إليه ما ليس لغيرِهِمْ ، وقد قال جَلَّ ذِكْرُهُ (( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ))(71: سورة الإسراء) ، فهذا أكبر شرفٍ لَهُمْ ، إذ كان رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ فى الحياة إِمَامَهُمْ .(1/1)
قال الإمام أبو حاتم بنُ حِبَّان (911) : أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِي ثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ عن أبيه عن ابْنِ مَسْعُودٍ قال قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً )) .
قال أبو حاتم : (( في هذا الخبر دليل على أن أولى النَّاس برسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة هم أصحاب الحديث ، إذ ليس من هذه الأمَّة قوم أكثر صلاةً عليه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم )) .
فليَهْنِ أهل الحديث هذه البشرى ، فقد أتمَّ الله نعمته عليهم بهذه المنقبة الكبرى ، لكثرة ذكرهم نبيَّهم فى طروسهم ، ودوام صلاتهم عليه فى مجالسهم ودروسهم ، ولا يعرف لأحد من أهل القبلة من الصلاة عليه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر مما يعرف لهم .
وأهل الحديث هم المبيضة وجوههم فى الدنيا وعند فصل القضاء ، إذا اسوَّدتْ وجوهُ أهل البدع والأهواء .(1/2)
قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا شُعْبَةُ ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ ، فَقُلْنَا : مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلا لِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : أَجَلْ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا ، فَحَفِظَهُ ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلاثُ خِصَالٍ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا : إِخْلاصُ الْعَمَلِ للهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) .
وقال : حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ثنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى ، فَقَالَ : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي ، فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ : إِخْلاصُ الْعَمَلِ ، وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِيِّ الأَمْرِ ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ )) .(1/3)
وقال أبو عيسى الترمذى : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي ، فَوَعَاهَا ، وَحَفِظَهَا ، وَبَلَّغَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إِخْلاصُ الْعَمَلِ للهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) .
وقوله (( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً )) يحتمل معناه وجهين :
( أحدهما ) أن يكون بمعنى ألبسه اللهُ النضرة ، وهي الحسن والرونق وخلوص اللون ، فتقديره حينئذٍ : جمَّله اللهُ وزيَّنه وأبهاه .
( الوجه الثاني ) أن يكون بمعنى : أوصله الله الى نضرة الجنة ، وهي نعمتها ونضارتها . قال الله عَزَّ وَجَلَّ (( فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ))(11: سورة الإنسان) ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ (( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ))(24: سورة المطففين) . قال الفرَّاء : بَرِيقُه ونَداهِ ، والنَّضْرة نَعِيمُ الوجه . وقال الزجَّاج في قوله عَزَّ وَجَلَّ (( وُجُوهٌ يَوْمِئذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) ، قال : نَضَرَتْ بنعيم الْجَنَّةِ ، والنَّظَرِ إِلَى ربِّها عَزَّ وَجَلَّ .
وفى (( لسان العرب ))(5/213) : قال شَمِر : الرُّواة يَرْوُون هذا الحديث بالتخفيف والتشديد ، وفسَّره أَبو عبيدة ، فقال : جعله الله ناضِراً ، قال : وروي عن الأَصمعي فيه التشديد : (( نَضَّرَ اللهُ وَجْهَهُ )) ; وأَنشد :
نَضَّرَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها بِسِجِسْتانَ طَلْحَة َ الطَّلَحَاتِ(1/4)
وأَنشد شمر في لغة من رواه بالتخفيف قول جرير :
والوَجْه لا حَسَناً ولا مَنْضُورا
ومَنْضُور لا يكون إِلا من نَضَرهِ بالتخفيف ، قال : وسمعت ابن الأَعرابي يقول : نَضَره اللهُ فنَضُرَ يَنَضُرُ ، ونَضِرَ يَنْضَر . وقال ابن الأَعرابي : نَضَر وجهه ، ونَضِر وجهه ، ونَضُر ، وأَنْضَر ، وأَنْضَره اللهُ بالتخفيفِ ، ونَضَرَه بالتخفيف أَيضاً . قال أَبو داود عن النَّضْر : نَضَّر اللهُ امرأً ، وأَنْضَر اللهُ امرأً ، ونَضَر اللهُ امرأً )) اهـ .
وأهل الحديث هم أهل السُّنَّة على التحقيق ، لا حياة لهم إلا بها ، فهى الحياة لأرواحهم وأفئدتهم ، والنور لبصائرهم وأبصارهم ، فعباداتهم وعاداتهم ، وحركاتهم وسكناتهم ، وقيامهم وقعودهم ، وأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، تدور كلها مع السُّنَّة حيث دارت ، فلهم فى اتباعها النصيب الأوفَى من قَوْلِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ))(257: سورة البقرة) ، وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ))(122: سورة الأنعام) ، وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))(16: سورة المائدة) .(1/5)
قال العلامة ابن القيم : (( فصاحب السنة حي القلب مستنيره ، وصاحب البدعة ميت القلب مظلمه . وقد ذكر الله سبحانه هذين الأصلين في كتابه في غير موضعٍ ، وجعلهما صفة أهل الايمان ، وجعل ضدهما صفة من خرج عن الإيمان . فإن القلب الحي المستنير ، هو الذي عقل عن الله ، وفهم عنه ، وأذعن وانقاد لتوحيده ، ومتابعة ما بعث به رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . والقلب الميت المظلم الذي لم يعقل عن الله ، ولا انقاد لما بعث به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ولهذا يصف الله سبحانه هذا الضرب من الناس ، بأنهم أموات غير أحياء ، وبأنهم في الظلمات لا يخرجون منها ، ولهذا كانت الظلمة مستولية عليهم في جميع جهاتهم ، فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة الباطل ، والباطل في صورة الحق ، وأعمالهم مظلمة ، وأقوالهم مظلمة ، وأحوالهم كلها مظلمة ، وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة ، وإذا قسمت الأنوار دون الجسر للعبور عليه بقوا في الظلمات ، ومدخلهم في النار مظلم ، وهذه الظلمة هي التي خلق فيها الخلق أولا . فمن أراد الله سبحانه وتعالى به السعادة أخرجه منها إلى النور ، ومن أراد به الشقاوة تركه فيها ، كما روى الإمام أحمد وابن حبان في (( صحيحه )) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ النُّورِ اهْتَدَى ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ، فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ )) .(1/6)
وَكَانَ النَّبىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : (( اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً ، وَفِي بَصَرِي نُوراً ، وَفِي سَمْعِي نُوراً ، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً ، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً ، وَمِنْ فَوْقِي نُوراً ، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً ، وَمِنْ أَمَامِي نُوراً ، وَمِنْ خَلْفِي نُوراً ، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً )) . فطلب النور لذاته ، ولأبعاضه ، ولحواسه الظاهرة والباطنة ، ولجهاته الست . وقال أبي بن كعب رضي الله عنه : المؤمن مدخله من نورٍ ، ومخرجه من نورٍ ، وقوله نورٌ ، وعمله نورٌ .
وهذا النور بحسب قوته وضعفه يظهر لصاحبه يوم القيامة ، فيسعى بين يديه ويمينه ، فمن الناس من يكون نوره كالشمس ، وآخر كالنجم ، وآخر كالنخلة السحوق ، وآخر دون ذلك ، حتى أن منهم من يعطى نورا على رأس إبهام قدمه ، يضيء مرةً ، ويطفأ أخرى ، كما كان نور إيمانه ومتابعته في الدنيا كذلك ، فهو هذا بعينه ، يظهر هناك للحس والعيان .
وقال سبحانه وتعالى (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ))(52: سورة الشورى) . فسمَّى وحيه وأمره روحاً ، لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح ، وسمَّاه نوراً ، لما يحصل به من الهدى واستنارة القلوب ، والفرقان بين الحق والباطل .
ولهذا ترى صاحب إتباع الأمر والسُّنَّة ، قد كُسىَ من الروح والنُّور ، وما يتبعهما من الحلاوة ، والمهابة ، والجلالة ، والقبول ما قد حرمه غيره ، كما قال الحسن رحمه الله : إنَّ الْمُؤمنَ مَنْ رُزِقَ حلاوةً ومَهَابةً .(1/7)
وقال الله تعالى (( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ))(257: سورة البقرة) . فأولياء الكفار يعيدونهم إلى ما خلقوا فيه من ظلمة طبائعهم ، وجهلهم ، وأهوائهم ، وكلما أشرق لهم نور النبوة والوحي ، وكادوا أن يدخلوا فيه منعهم أولياؤهم منه ، وصدوهم ، فذلك إخراجهم إياهم من النور إلى الظلمات . وقال تعالى (( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ))(122: سورة الأنعام) ، فأحياه سبحانه وتعالى بروحه ، الذي هو وحيه ، وهو روح الإيمان والعلم ، وجعل له نوراً يمشي به بين أهل الظلمة ، كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الليلة الظلماء ، فهو يرى أهل الظلمة في ظلامتهم ، وهم لا يرونه كالبصير الذي يمشي بين العميان )) اهـ .
ولأصحاب الحديث من الأنوار والمهابة والجلال ما لغيرهم من المؤمنين ، إلا أنهم يزيدون عليهم بمقدار ما لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم من مزيد الطاعة ، ووافر المحبة ، وعظيم التعزير والتوقير ، فهم فى أنوار الهداية والمحبة والعلم يتقلبون ، (( نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ))(8: سورة التحريم) .
قال العلامة ابن القيم : (( والخارجون عن طاعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ومتابعتهم ، يتقلبون في عشر ظلمات : ظلمة الطبع ، وظلمة الجهل ، وظلمة الهوى ، وظلمة القول ، وظلمة العمل ، وظلمة المدخل ، وظلمة المخرج ، وظلمة القبر ، وظلمة القيامة ، وظلمة دار القرار . فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاثة .(1/8)
وأتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يتقلبون في عشرة أنوار ، ولهذه الأمَّة من النور ما ليس لأمَّةٍ غيرها ، ولنبيِّها صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النور ما ليس لنَّبيٍّ غيره ، فإن لكل نبيٍّ منهم نورين ، ولنبيِّنا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت كل شعرةٍ من رأسه وجسده نور تام ، كذلك صفته ، وصفة أمَّته في الكتب المتقدمة ، وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))(28: سورة الحديد) .
وفي قوله (( تَمْشُونَ بِهِ )) إعلام بأن تصرفهم ، وتقلبهم الذي ينفعهم ، إنما هو النور ، وأن مشيهم بغير النور غير مُجْدٍ عليهم ، ولا نافعٍ لهم ، بل ضرره أكثر من نفعه ، وفيه أن أهل النور هم أهل المشي في الناس ، ومن سواهم أهل الزمانة والانقطاع ، فلا مشي لقلوبهم ، ولا لأحوالهم ، ولا لأقوالهم ، ولا لأقدامهم إلى الطاعات ، وكذلك لا تمشي على الصراط ، إذا مشت بأهل الأنوارِ أقدامُهم .
وفي قوله ( تمشون به ) نكتة بديعة ، وهي أنهم يمشون على الصراط بأنوارهم كما يمشون بها بين الناس في الدنيا ، ومن لا نور له ، فإنه لا يستطيع أن ينقل قدماً عن قدمٍ على الصراط ، فلا يستطيع المشي أحوجَ ما يكون إليه .(1/9)
والله سبحانه وتعالى سمَّى نفسه نُوراً ، وجعل كتابه نُوراً ، ورسوله نُوراً ، ودينه نُوراً ، واحتجب عن خلقه بالنور ، وجعل دار أوليائه نوراً يتلألأ ، قال الله تعالى (( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))(35: سورة النور) .
وقد فُسِّر قولُهُ تَعَالَى ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) بكونه مُنَوِّر السموات والأرض ، وهادي أهل السموات والأرض ، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض . وهذا إنما هو فعله ، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به ، ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى ، والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين :
( الأول ) إضافة صفة إلى موصوفها .
( الثانى ) إضافة مفعول إلى فاعله .(1/10)
فالأول كقوله عز وجل ( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا )(69: سورة الزمر) ، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء ، ومنه قول النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعاء المشهور ( أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُضِلَنِي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ) ، وفي الأثر الآخر ( أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ) ، فأخبر أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله ، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره . وفي (( معجم الطبراني )) و (( السنة )) له وكتاب عثمان الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (( لَيْسَ عِنْدَ رَبِّكُمْ لَيْلٌ وَلا نَهَارٌ ، نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ )) .
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسَّرها بأنه هادي أهل السموات والأرض ، وأما من فسرها بأنه مُنَوِّر السموات والأرض فلا تنافي بينه ، وبين قول ابن مسعود . والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها )) اهـ .
وأصحاب الحديث هم الطائفة المنصورة على الدوام ، ورؤوس الفرقة الناجية من جملة الأنام ، لنصرتهم لله ولرسوله ، ومجانبتهم للهوى والرأى فى كثيره أو قليله ، فهم فى أصول الدين وفروعه بالسنة عاملون ، (( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ))(56: سورة المائدة) .
قال أبو عيسى الترمذى : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ )) .(1/11)
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ : وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ )) ، فَقَالَ عَلِيٌّ : هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ )) .
وقال الإمام الحافظ الجهبذ أبو بكرٍ الخطيب فى (( شرف أصحاب الحديث )) له : (( فقد جعل ربُّ العالمين الطائفةَ المنصورةَ حُرَّاسَ الدين ، وصرف عنهم كيد الكائدين ، لتمسُّكِهم بالشرع المتين ، واقتفائهم آثار الصحابة التابعين ، فشأنهم حفظ الآثار ، وقطع المفاوز والقفار ، وركوب البرارى والبحار ، فى اقتباس ما شرع الرسول المصطفى ، لا يعرجون عنه إلى رأىٍ ولا هوى ، قبلوا شريعته قولاً وفعلا ، وحرسوا سنته حفظاً ونقلا ، حتَّى ثبَّتوا بذلك أصلها ، وكانوا احقَّ بها وأهلها ، فكم من ملحدٍ يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها ، والله تعالى يذبُّ بأهل الحديث عنها ، فهم الحفاظ لأركانها ، والقوَّامون بأمرها وشأنها ، إذا صدف عن الدفاع عنها ، فهم دونها يناضلون ، (( أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))(22: سورة المجادلة) .(1/12)
ولله درُّه ، فقد أتى على جُمُل أوصافهم ، وأبانَ جميلَ مآثرهم ، حيث قال : (( وقد جعل اللهُ أهل الحديث أركان الشريعة ، وهدم بهم كلَّ بدعةٍ شنيعة ، فهم أمناء اللهِ فى خليقته ، والواسطة بين النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمَّته ، والمجتهدون فى حفظ ملَّته ، أنوارهم زاهرة ، وفضائلهم سائرة ، وآياتهم باهرة ، ومذاهبهم ظاهرة ، وحججهم قاهرة . وكلُّ فرقةٍ تتحيز إلى هوىٍ ترجع إليه ، وتستحسن رأياً تعكف عليه ، سوى أصحاب الحديث ، فإنَّ الكتاب عُدَّتُهم ، والسَّنة حُجَّتُهم ، والرسول فئتهم ، وإليه نسبتُهم ، لا يعرجون على الأهواء ، ولا يلتفتون إلى الآراء ، يُقْبلُ منهم ما رووه عن الرسول ، فهم المأمونون عليه العدول . حفظة الدين وخزنته ، وأوعية العلم وحملته ، إذا اُختلف فى حديثٍ كان إليهم الرجوع ، فما حكموا به فهو المقبول المسموع ، منهم كلُّ عالمٍ فقيه ، وإمامٍ رفيعٍ نبيه ، وزاهدٍ فى قبيلة ، ومخصوصٍ بفضيلة ، وقارئٍ متقن ، وخطيبٍ محسن ، وهم الجمهور العظيم ، وسبيلهم السبيل المستقيم ، وكل مبتدعٍ باعتقادهم يتظاهر ، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر ، من كادهم قصمه الله ، ومن عاندهم خذله الله ، لا يضرهم من خذلهم ، ولا يفلح من اعتزلهم ، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير ، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير ، وإنَّ اللهَ على نصرهم لقدير )) .
وأصحاب الحديث هم فِرْسَانُ هذا الدين ، الذابُّون عن حياضِه كيدَ الطاعنين ، فبهم رفع اللهُ منارَ الحق وأوضحَهُ ، وخفضَ الكذبَ والزورَ وفضحَهُ ، وعصم شريعةَ الإسلام من التزييف والبهتان ، وجعل السنَّة المطهرة مصونةً من التبديل والتحريف ، والزيادة والنقصان ، بما حفظه فى صدور أهل الحفظ منهم والإتقان ، وبما عظَّم من شأن الكذب على رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المبعوث بواضحات الصدق والبرهان .(1/13)
فكمْ وَضَعَ الزنادقةُ والوضَّاعون والأفَّاكون ، وضعافُ الحفظ من الزهَّاد والعبَّاد والمغفلون ، بقصدٍ وتعمدٍ ، أو بغفلةٍ وسوء حفظٍ ، كمْ وضعوا من أحاديث فى الترغيب والتحذير ، والنذارة والتبشير ، وفضائل الأقوال والأعمال ، ومناقب الصحب والآل ، فكشف الله على أيدى الجهابذة من حفَّاظ الآثار ونقَّاد الأخبار زيغَهم ، وفضح كيدَهم ، إذ بيَّنوا أحوال رواتِها ، وحللوا دقائق أسانيدِها ، وميزوا صحيحَها وسقيمَها ، فكشفوا عوار الباطل والموضوع ، وأوضحوا علل المنكر والمصنوع . ولهذا لما سئل السيد الجليل والإمام القدوة النحرير عبد الله بن المبارك المروزى : ما هذه الأحاديث الموضوعة ؟ ، أجاب قائلاً : تَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ .
ولله درُّ العلامة محمد على آدم الأثيوبى ، حيث يقول فِى منظومته (( تذكرة الطالبين ببيان الوضع وأصناف الوضاعين )) :
لمَّا حَمَى اللهُ الكِتَابَ الْمُنْزَلا عَنْ أَنْ يُزَادَ فِيهِ أَوْ يُبَدَّلا
أَخَذَ أقْوَامٌ يَزِيدُونَ عَلَى أَخْبَارِ مَنْ أَرْسَلَهُ لِيَفْصِلا
فَأنْشَأَ اللهُ حُمَاةَ الدِّينِ مُمَيِِّزينَ الْغَثَّ مِنْ سَمِينِ
قَدْ أَيَّدَ اللهُ بِهِمْ أَعْصَارَا وَنَوَّرُوا الْبِلادَ وَالأَمْصَارَا
وَحَرَسُوا الأَرْضَ كَأَمْلاكِ السَّمَا أَكْرِمَ بِفِرْسَانٍ يَجُولُون الْحِمَى
وَقَالَ سُفْيَانُ الملائِكَةُ قَدْ حَرَسَتْ السَّمَاءَ عَنْ طَاغٍ مَرَدْ
وَحَرَسَ الأَرْضَ رُوَاةُ الخَبَرِ عَنْ كُلِّ مَنْ لِكَيْدِ شَْرعٍ يَفْتَرِى
وَابنُ زُرَيْعٍ قَالَ قَوْلاً يُعْتَبَرْ لِكُلِّ دِينٍ جَاءَ فِرسَانٌ غُرَرْ
فِرْسَانُ هَذَا الدِّينِ أَصْحَابُ السَّنَدْ فَاسْلُكْ سَبِيلَهُمْ فَإِنَّهُ الرَّشَدْ
وَابْنُ الْمُبَارِكِ الْجَلِيلُ إِذْ سُئِلْ عَمَّا لَهُ الوَضَّاعُ كَيْدَاً يَفْتَعِلْ
قَالَ : تَعِيشُ دَهْرَهَا الجَهَابِذَةْ حَامِيَةً تِلَكَ الغُثَاءَ نَابِذَةْ
*********
***(1/14)
فصل : الحثُّ على التمسُّكِ بالكتابِ والسُّنَّةِ
وتركِ النَّظَرِ فى المحدثات والمبتدعات
لقد علم الموفَّقُون بفضل الله وحكمته ، المتمسكون بكتاب الله وسُنتَّه ، المجانبون سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد ربِّ العالمين ، الذين قالوا (( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ))(53: سورة آل عمران) ، أن طاعة الله والرسول هما مِفتاحُ دار السعادة فى الدنيا ، والنعيم المقيم فى الآخرة ، فاتخذوا القرآنَ إماماً ومنهاجا ، وآياته فُرقاناً وسِراجا ، ونصبوا الحقَّ بين أعينهم عيانا ، وسننَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دليلاً وبرهانا ، فلقوا الحكمة ، ووقوا شر الهوى والبدعة ، لامتثالهم أمر الله في التمسُّك بالكتابِ المبينِ ، واتباع رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصادقِ الأمينِ ، (( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))(13: سورة النساء) ، (( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ))(69: سورة النساء) ، (( وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))(71: سورة الأحزاب) ، (( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ))(52: سورة النور) .(1/15)
قال الإمام مسلم : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ ، احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ ، وَعَلا صَوْتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ : (( صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ )) ، وَيَقُولُ : (( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ )) ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ، وَيَقُولُ : (( أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ )) .
وقال الإمام أحمد (4/126) : حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْروٍ السُّلَمِيِّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ لَهَا الأَعْيُنُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، قُلْنَا أَوْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَأَوْصِنَا ، قَالَ : (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلافاً كَثِيراً ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ )) .(1/16)
وقال : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْروٍ السُّلَمِيُّ وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ قَالا : أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ (( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ )) ، فَسَلَّمْنَا ، وَقُلْنَا : أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ ، وَعَائِدِينَ ، وَمُقْتَبِسِينَ ، فَقَالَ عِرْبَاضٌ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ .... فذكر نحوه .(1/17)
وقال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ ، قَالَ : (( قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا ، لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ )) .(1/18)
وقال الإمام البخارى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ ، أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا ، وَسَقَوْا ، وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ ، لا تُمْسِكُ مَاءً ، وَلا تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) .
*********
***
فصل : تهافت عقائد المبتدعة
فى مواجهة عقائد أهل الحديث(1/19)
إنَّ من أكمل النعم وأتمها على أهل الإيمان والاتباع ، وهم الْمُتَمسِّكون بكتاب الله وسنَّة رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أن رزقهم الله قلوباً بها يفقهون وبصائرَ بها يستبصرون ، وإدراكاتٍ بها يعقلون ، فهم على بصيرةٍ بما ينفعهم فى دنياهم وآخراهم ، وبيِّنةٍ من سلامة معتقدهم ، ويقينٍ بأن دينَ الله حقٌ ، ووعدَه صدقٌ ، ولقائَه آتٍ لا ريب فيه ، قد خالط الإيمانُ بشاشةَ قلوبهم ، وامتزجت محبة اللهِ ورسولِه بدمائهم ، وجرتْ فى عروقهم ، فأثمرت نوراً يشع من بين أيديهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلم ، فهم يمشون به فى الناس ، كما قال جلَّ ذِكْرُه (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ))(28: سورة الحديد) ، وكما قال (( نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))(35: سورة النور) ، قد تجلت لهم حقائق العلم والهدى ، وجانبوا ظلمات الجهل والهوى ، واتفقت لديهم شواهد النقل والعقل ، والفطرة والوحي ، أنَّ الذي جاء به الرسول هو الحق ، وأنَّ قولَه كلَّه صدق ، فلا تعارض بينها البتة ، بل تصادقت وتوافقت ، فانشرحت لذلك قلوبهم ، وسكنت به أفئدتهم ، وسعدوا بطاعتهم لربهم ، وتعزيرهم وتوقيرهم ومحبتهم لنبيِّهم ، فهم كما قال تباركت أسماؤه (( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ))(4: سورة الفتح) ، وقال جلَّ ذِكْرُه (( أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))(22: سورة الزمر) .(1/20)
فهم ذوو قلوبٍ أشدُّ بياضاَ من الثلج ، وأجلى وأصفى من الصفا ، لا يضرُّها فتنة ، ولا يردُّها عن الإيمان محنة ، فصفاء قلوبهم من صفاءِ عقائدهم ، وكثرةِ ذكرِهم وشكرِهم وإنابتِهم ، فمثالهم بين الأنام ، كما صحَّ عن حذيفة بن اليمان قال قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُوداً عُوداً ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا ، فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) .
وكيف لا تصفو قلوبهم ! ، وهم أطوع الخلق لأوامر الله ومراضيه ، وأبعدهم عن مساخطه ونواهيه ، قد غَضُّوا أبصارَ همَّتهم عن الشهوات ، وأغلقوا آذان أفئدتهم عن الشبهات ، فقد (( رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ ))(59: سورة التوبة) .
وإنما صفتْ قلوبهم ، لاشتمالها على النورين : نور الفطرة السليمة والإدراك الصحيح ، ونور الوحي والرسالة ، فهى (( نُورٌ عَلَى نُورٍ )) ، قد تمازج النوران واختلطا ، فازدادت القلوبُ اطمئناناً ويقينا ، واتفقت عندها شواهد الشرع والعقل ، والفطرة والوحي ، فأيقنت بالحق وأذعنت له ، وانقادت لأوامره وعملت بها ، فرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .(1/21)
ولئن كان هذا حالُ أهل الإيمان والاتباع ، فعلى النقيض التام ، حال أهل الخصومات والابتداع ، الذين تلاطمت في قلوبهم أمواج الشبهات الباطلة ، واضطرمت نيران الفتن المردية ، وأفسدت عقولَهم الخيالاتُ الفاسدة ؛ من الظنون الجهليات ، التي يسميها أهلها القواطع العقليات ، وهى عند التحقيق كما قال تعالى (( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ . أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ))(40: سورة النور) .(1/22)
فهم في غمرتهم ساهون ، يحسبون أنهم على شئ ٍوهم عما ينفعهم عمون ، وفي ظلمات آرائهم يعمهون ، وفي ضلالاتهم يتهوكون ، وفي ريبهم يترددون مغترون بظاهر السراب ، محرومون مما بعث اللهُ تعالى به رسولَه من الحكمة وفصل الخطاب ، إنْ عندهم إلا نخالة الأفكار وزبالة الأذهان ، قد فرحوا بها واطمأنوا إليها ، وقدموها على السنة والقرآن ، إنْ في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ، وإعراض مقرون بأسبابه ودواعيه ، أثمره اتباعُهم لأهوائِهم ، وطاعتُهم لشياطينهم ، قد اتخذوهم أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ، فَحَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ، وغمرتهم ظلمات الجهالة ، فهم يجادلون في آيات الله بغير سلطان ، ولا دليلٍ واضحٍ ولا برهان ، كما قال تعالى عنهم (( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ))(56: سورة غافر) وقال تعالى (( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ))(35: سورة غافر) ، وقال تعالى (( وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ ))(35: سورة الشورى) .(1/23)
فهم كما قال أبو القاسم هبة الله اللالكائى الطبرى فى (( أصول الاعتقاد )) (ص12) : (( قوم لم يتدينوا بمعرفة آية من كتاب الله في تلاوة أو دراية ، ولم يتفكروا في معنى آية ، ففسروها أو تأولوها على معنى اتباع من سلف من صالح علماء الأمة ، إلا على ما أحدثوا من آرائهم الحديثة ، ولا اغْبَرَّتْ أقدامُهم في طلب سنَّة ، أو عرفوا من شرائع الإسلام مسئلة . أفَيُعَدُ رأيُ هؤلاء حكمةً وعلما ، وحججاً وبراهين ، ويُعَدُ كتابُ الله وسنَّة رسوله حشواً وتقليدا ، وحملتها جِهالاً وبُلها ، أفليس ذلك ظلما وعدوانا ، وتحكما وطغيانا . ثم تكفير المسلمين بقول هؤلاء ، إذ لا حجَّة عندهم بتكفير الأمة إلا مخالفتهم قولهم ، أن يتبين لهم خطأهم في كتاب أو سنَّة ، وإنما وجه خطأهم عندهم إعراضهم عما نصبوا من آرائهم ، لنصرة جدلهم ، وترك اتباعهم لمقالتهم ، واستحسانهم لمذاهبهم ، فهو كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ (( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ . ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ))(9: سورة الحج) .(1/24)
ثم ما قذفوا به المسلمين من التقليد والحشو ، ولو كشف لهم عن حقيقة مذاهبهم ، كانت أصولهم المظلمة ، وآراءهم المحدثة ، وأقاويلهم المنكرة ، كانت بالتقليد أليق ، وبما انتحلوها من الحشو أخلق ، إذ لا إسناد له في تمذهبه إلى شرع سابق ، ولا استناد لما يزعمه إلى قول سلف الأمة باتفاق مخالف أو موافق . إذ فخره على مخالفيه بحذقه ، واستخراج مذاهبه من الدقائق بعقله وفكره ، وأنه لم يسبقه إلى بدعته إلا منافق مارق ، أو معاند للشريعة مشاقق ، فليس بحقيق مَنْ هذه أصولُه أن يعيب على من تقلَّد كتاب الله وسنَّة رسوله واقتدى بهما ، وأذعن لهما ، واستسلم لأحكامهما ، ولم يعترض عليهما بظنٍ أو تخرص ، واستحالة أن يُطعن عليه ، لأن بإجماع المسلمين أنه على طريق الحق أقوم ، وإلى سبل الرشاد أهدى وأعلم ، وبنور الاتباع أسعد ، ومن ظلمة الابتداع وتكلف الاختراع أبعد وأسلم ، من الذي لا يمكنه التمسُّك بكتاب الله إلا متأولا ، ولا الاعتصام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منكراً أو متعجبا ، ولا الانتساب إلى الصحابة والتابعين والسلف الصالحين إلا متمسخرا مستهزيا . لا شيء عنده إلا مضغ الباطل ، والكذب على الله ورسوله والصالحين من عباده ، وإنما دينه الضجاج والنفاق ، والصياح واللقلاق ، قد نبذ قناع الحيا وراءه ، وادَّرَعَ سربال السفه فاجتابه ، وكشف بالخلاعة رأسه ، وتحمل أوزاره وأوزار من أضله بغير علم إلا ساء ما يزرون ، فهو كما قال الله تعالى (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ))(13: سورة العنكبوت) .(1/25)
فهو في كيد الإسلام وصد أهله عن سبيله ، ونبز أهل الحق بالألقاب ، ورمى أولي الفضل من أهل السنة بقلة بصيرته ، والتشنيع عند الجهال بالباطل ، والتعدي على القُوَّام بحقوق الله والذابين عن سنته ودينه ، فهم كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِحَرْبِ أوليائه أَطْفَأَهَا اللهُ (( وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ))(64: سورة المائدة) اهـ .
وقال : (( ثم إنه من حين حدثت هذه الآراء المختلفة في الإسلام ، وظهرت هذه البدع من قديم الأيام ، وفشت في خاصة الناس والعوام ، واُشربت قلوبهم حبَّها ، حتى خاصموا فيها بزعمهم تديناً ، أو تحرجا من الآثام ،لم تر دعوتهم انتشرت في عشرة من منابر الإسلام متوالية ، ولا أمكن أن تكون كلمتهم بين المسلمين عالية ، أو مقالتهم في الإسلام ظاهرة ، بل كانت داحضة وضيعة مهجورة ، وكلمة أهل السنة ظاهرة ، ومذاهبهم كالشمس نيرة ، ونُصُب الحق زاهرة ، وأعلامها بالنصر مشهورة ، وأعداؤها بالقمع مقهورة ، يُنطق بمفاخرها على أعواد المنابر ، وتدوَّن مناقبها في الكتب والدفاتر ، وتُستفتح بها الخطب وتُختم ، ويفصل بها بين الحق والباطل ويُحكم ، وتعقد عليها المجالس وتبرم ، وتظهر على الكراسي وتدرس وتعلَّم . ومقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر ، أو بشيطان معاند فاجر ، يضل الناس خفيا ببدعته ، أو يقهر ذاك بسيفه وسوطه ، أو يستميل قلبه بماله ، ليضله عن سبيل الله ، حمية لبدعته وذبَّاً عن ضلالته ، ليرد المسلمين على أعقابهم ، ويفتنهم عن أديانهم ، بعد أن استجابوا لله وللرسول طوعا وكرها ، ودخلوا في دينهما رغبة أو قهرا ، حتى كملت الدعوة ، واستقرت الشريعة )) اهـ .
*********
***
إنباء الرواة بصحة حديث
(( إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاة ))(1/26)
الحمد لله الهادى من استهداه طلباً لمرضاته . الواقى من اتقاه رَغَبَاً فى جناته . والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير رسله ودعاته . وبعد .
فقد ذكرنا آنفاً ، أنَّ أصحاب الحديث هم أحقُّ الناس وأولاهم برَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولهم من شرف الانتساب إليه ما ليس لغيرِهِمْ ، وقد قال جَلَّ ذِكْرُهُ (( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ))(71: سورة الإسراء) ، فهذا أكبر شرفٍ لَهُمْ ، إذ كان رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحياة إِمَامَهُمْ .
ومما يؤثر عن إمام الأئمة أبى عبد الله الشافعى قوله : (( لَوْلا أَهْلُ الْمَحَابِرِ ، لَخَطَبَتْ الزَّنادِقَةُ عَلَى الْمَنَابِرِ )) ، وقوله : (( أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي كُلِّ زَمَانٍ كَالصَّحَابَةِ فِي زَمَانِهِمْ )) ، وقال : (( إِذَا رَأَيْتُ صَاحِبَ حَدِيثٍ ، فَكَأَنِيَ رَأَيْتُ وَاحِدَاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) . وكان أحمد بن سريج يقول : (( أَهْلُ الْحَدِيثِ أَعْظَمُ دَرَجَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، لاعْتِنَائِهِمْ بِضَبْطِ الأَصُولِ )) .
قال الإمام أبو حاتم بنُ حِبَّان (911) : أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِي ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ عن أبيه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قال قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً )) .(1/27)
قال أبو حاتم : (( في هذا الخبر دليل على أن أولى النَّاس برَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القيامة هم أصحاب الحديث ، إذ ليس من هذه الأمَّة قوم أكثر صلاةً عليه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (6/325/31787) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(5/177) ، والبزار (4/278/1446) ، وأبو يعلى (8/427/5011) ، والهيثم بن كليب الشاشى (( المسند ))(414،413) ، وابن عدى (( الكامل ))(6/342) ، والطبرانى (( الكبير )) (10/17/9800) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان ))(4/223) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/213/1564) ، والخطيب (( الفصل للوصل المدرج ))(2/772) و (( شرف أصحاب الحديث ))( ص35) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (15/482) من طرقٍ عن خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ ثنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ عن أبيه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ به .
ورواه عن خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ القطوانى : أبو بكر بن أبى شيبة ، وأبو زكريا يحيى بن معين ، وشعيب بن الليث بن سعد ، وعباس بن محمد الدورى ، وعمرو بن معمر العمرى ، ومحمد بن معاذ بن يوسف المروزى .
وخالفه محمد بن خالد بن عثمة عن موسى بن يعقوب فجعله (( عن عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ )) ، فنقص من إسناده (( أباه شَدَّادَ بْنَ الهَادِ )) .(1/28)
قال أبو عيسى الترمذى (484) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً )) .
قَالَ أَبُو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ )) .
وأخرجه كذلك البخارى (( التاريخ الكبير ))(5/177/559) ، والبزار (5/190/1789) كلاهما عن محمد بن المثنى العنزى ، وأبو يعلى (9/13/5080) عن محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري ، كلاهما عن مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ بمثل حديث بُنْدَارٍ .
قلت : والحديث محتمل من كلا طريقيه ، فإنَّ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي تابعى مخضرم (( ولد في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وأمه سلمى بنت عميس ، فهو أخو أولاد حمزة بن عبد المطلب لأمهم ، وابن خالة أولاد جعفر ، وكذا محمد بن أبي بكر ، وبعض ولد علي أمهم أسماء بنت عميس . وروى عن : أبويه ، وخالاته ميمونة أم المؤمنين وأم الفضل زوج العباس وأسماء بنت عميس ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وطلحة ، والعباس بن عبد المطلب وغيرهم . روى عنه جماعة من كبار التابعين : كربعى بن حراش ، ومن أوساطهم : كطاوس ، ومن صغار التابعين : كسعد بن إبراهيم ، وأبي إسحاق الشيباني ، والحكم بن عتيبة وغيرهم . قال الميموني : سئل أحمد : أسمع عبد الله بن شداد من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ ، قال : لا . وقال العجلي : من كبار التابعين وثقاتهم . ووثقه الجماعة ، وحديثه في (( الصحيحين )) قاله الحافظ ابن حجر فى (( الإصابة ))(5/13) .(1/29)
ورجال إسناديه موثقون . وموسى بن يعقوب الزمعى صالح الحديث لا بأس به ، وإنما أنكروا عليه روايته عن مشايخ مجاهيل . قال أبو أحمد بن عدى (6/342) : (( لا بأس به ، وبرواياته )) .
قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(8/168/745) : (( قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول : موسى بن يعقوب الزمعي ثقة )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) (7/458/10919) . وذكره ابن شاهين فى (( تاريخ معرفة الثقات ))(1/221) فقال : (( موسى بن يعقوب الزمعى ثقة )) .
وأما عبد الله بن كيسان ، فهو مولى طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى . ذكره ابن حبان فى (( الثقات )) (7/49/8954) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/590) : (( وثق )) .
وقال الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/319/3559) : (( مقبول من الخامسة )) . ولا يغيبنَّ عنك أنَّ الحافظ وصف بهذا القول أربعةً ممن احتج بهم مسلم فى (( صحيحه )) ، وهاك بيانهم وبيان أحاديثهم :
[ الأول ] عمر بن عبد الرحمن بن محيصن القرشى ، أبو حفص المكى
قال مسلم فى (( كتاب البر والصلة )) : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبْي شَيْبَةَ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ (( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ )) ، بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا )) . قَالَ مُسْلِمٌ : هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ .(1/30)
[ الثانى ] يحيى بن يزيد الهنائى ، أبو نصر البصرى
قال مسلم فى (( كتاب صلاة المسافرين وقصرها )) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخ ـ شُعْبَةُ الشَّاكُّ ـ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ .
[ الثالث ] يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمى
قال مسلم فى (( كتاب البيوع )) : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْحُقُولِ . فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ : الْمُزَابَنَةُ الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْحُقُولُ كِرَاءُ الأَرْضِ .
[ الرابع ] أبو عصام البصرى ، قيل : اسمه ثمامة
قال مسلم فى (( كتاب الأشربة )) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ح و حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا ، وَيَقُولُ : (( إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ )) .
قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا .(1/31)
وحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ، وَقَالَ فِي الإِنَاءِ .
فهؤلاء أربعة من رواة الصحيح ، ممن نعتهم الحافظ بقوله (( مقبول من الخامسة )) ، أفليس يُحمل قوله ذا على توثيقه إيَّاهم ، مع علمه بأن مسلماً أخرج أحاديثهم محتجاً بها فى (( صحيحه )) ؟! .
ومن نوافل الإفادة ، أن أذكِّرك بستةٍ من رواة (( السنن الأربعة )) ؛ ممن وصفهم الحافظ بقوله (( مقبول من الخامسة )) ، وصحَّح الأئمة أحاديثهم ، وأطلق الحافظ الذهبى القول بتوثيقهم فى مقابلة قول الحافظ بن حجر عنهم (( مقبول )) ، فهاكهم :
[ الأول ] عبد الله بن على بن حسين بن على بن أبى طالب الهاشمى .
أخرج حديثه الترمذى (3546) قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالا حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ )) .(1/32)
وأخرجه أحمد (1/201) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(5/148) ، والنسائى (( الكبرى )) (6/19/9884،9883) ، والبزار (4/185/1342) ، وإسماعيل بن إسحاق (( فضل الصلاة على النبى ))(32) ، وأبو يعلى (12/147/6776) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(1/311/432) ، والدولابى (( الذرية الطاهرة ))(153) ، وابن حبان (909) ، والطبرانى (( الكبير ))(3/127/2885) ، والحاكم (1/743) ، والبيهقى(( شعب الإيمان ))(2/214/1569،1568) ، والضياء (( المختارة ))(2/46/424) جميعا من طريق سليمان بن بلال عن عمارة عن عبد الله بن على بن حسين به .
قلت : وقد صحَّحه كذلك ابن حبان والحاكم والمقدسى ، على أنه فى إسناده عبد الله بن على بن حسين الهاشمى ، قال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/314/3484) : (( مقبول )) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/576/2866) : (( ثقة )) .
[ الثانى ] مروان بن رؤبة التغلبى .
أخرج حديثه أبو داود (3310) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلِبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَلا لا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَلا الْحِمَارُ الأَهْلِيُّ ، وَلا اللُّقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ )) .
وأخرجه كذلك ابن نصر المروزى (( السنة ))(404) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (4/242) ، وابن حبان (12) ، والطبرانى (20/283/669) ، والدارقطنى (4/287/59) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/332) من طرق عن الزبيدى عن مروان بن رؤبة عن عبد الرحمن ابن أبى عوف عن المقدام به .(1/33)
قلت : فقد صحًّحه ابن حبان ، وذكر مروان بن رؤبة فى (( ثقاته ))(5/425) ، وقال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/526/6568) : (( مقبول )) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف )) (2/253) : (( ثقة )) .
[ الثالث ] المغيرة بن سعد بن الأخرم الطائى .
أخرج حديثه الترمذى (2328) : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا )) .
قالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )) .
وأخرجه الحميدى (122) ، وابن أبى شيبة (7/84/34379) ، وأحمد (( الزهد )) (ص37) و (( المسند ))(1/443،426،377) ، والبخارى (( التاريخ ))(4/54/1935) ، وحماد بن إسحاق (( تركة النبى ))( ص72) ، وابن أبى الدنيا (( إصلاح المال ))(24) ، والحارث بن أبى أسامة (1088) ، وابن أبى عاصم (( الزهد ))( 202) ، وأبو يعلى (9/126/5200) ، والهيثم بن كليب (818،817) ، وابن حبان (710) ، والحاكم (4/358) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(7/304/10391) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(1/18) ، والرافعى (( التدوين فى أخبار قزوين ))(1/109) من طرق عن الأعمش عن شمر بن عطية عن المغيرة بن سعد عن أبيه عن ابن مسعود به .
ولم يتفرد الأعمش عن شمر ، بل تابعه : أبو إسحاق السبيعى ، وقيس بن الربيع ، ولكنه عن الأعمش أوسع وأشيع وأشهر .
قلت : وقد صححه الحاكم وابن حبان ، وذكر المغيرة بن سعد فى (( ثقاته ))(7/463) . وقال ابن حجر (( التقريب ))(1/543/6836) : (( مقبول )) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/285/5588) : (( ثقة )) .
[ الرابع ] توبة أبو صدقة مولى أنس .(1/34)
أخرج حديثه أحمد (3/169) قال : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ أَبِي صَدَقَةَ مَوْلَى أَنَسٍ ـ وَأَثْنَى عَلَيْهِ شُعْبَةُ خَيْرًا ـ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ، وَالْعَصْرَ بَيْنَ صَلَاتَيْكُمْ هَاتَيْنِ ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ ، وَالصُّبْحَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إِلَى أَنْ يَنْفَسِحَ الْبَصَرُ .
وأخرجه الطيالسى (2136) , والنسائى (( الكبرى ))(1/479/1532) و(( المجتبى )) (1/273) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/191) ، والضياء (( المختارة ))(6/167/2172،2171) من طرق عن شعبة عن أبى صدقة عن أنس بنحوه .
قلت : وهذا حديث صحيح غاية ، وأبو صدقة مولى أنس وثَّقه شعبة ، وناهيك به ، وقال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/131) : (( مقبول )) . وقال الحافظ الذهبى (( الميزان ))(2/79/1351) : (( قال الأزدي : لا يحتج به . قلت : ثقة ، روى عنه شعبة )) .
[ الخامس ] أبو عون الأنصارى الأعور الشامى .
أخرج حديثه النسائى (( الكبرى ))(2/284/3446) و(( المجتبى ))(7/81) قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ ثَوْرٍـ يعنى ابن يزيد ـ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا ، أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا )) .(1/35)
وأخرجه أحمد (4/99) ، والحاكم (4/391) وقال : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) . وفيه أبو عون الأعور الشامى ، قال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/662/8287) : (( مقبول )) . وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/448/6767) : (( ثقة )) .
[ السادس ] أبو المختار الأسدى الكوفى .
أخرج حديثه أبو داود (3237) قال : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا )) .
وأخرجه ابن أبى شيبة (5/111/24226) ، وأحمد (3/382،354) ، وعبد بن حميد (528) ، والبزار (8/284/3352) ، وبحشل (( تاريخ واسط ))(ص44) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/286) و (( شعب الإيمان ))(5/121/6036) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (34/265) من طرق عن شعبة عن أبى المختار عن ابن أبى أوفى به .
وأبو المختار الأسدى الكوفى ، قال عنه ابن حجر فى (( التقريب ))(1/671/8347) : (( مقبول )) . وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/458/6819) : (( ثقة )) .
فهؤلاء ستة أنفسٍ من الثقات من رواة (( السنن الأربعة )) ، إذا انضموا إلى الثقات الأربعة السالف ذكرهم ، ممن خرَّج لهم مسلم فى (( صحيحه )) ؛ صاروا عشرةً ، أطلق الحافظ الذهبى القول بتوثيقهم ، فى مقابلة قول الحافظ ابن حجر عنهم جميعاً (( مقبول من الخامسة )) .
فإذا بانت الحجة لما قصدناه ، فاعلم أن الحافظان الذهبى وابن حجر قد وثَّقا عبد الله بن كيسان الزهرى ، الذى ضعَّف به الشيخ الألبانى حديث ابن مسعود بحمل كلام الحافظ ابن حجر على غير مراده !! .(1/36)
ولا يغيبنَّ عنك قول الحافظ فى (( الفتح ))(11/167) : (( حديث ابن مسعود رفعه (( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة )) ، حسَّنه الترمذي ، وصحَّحه ابن حبان ، وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ (( صلاة أمَّتي تُعرض عليَّ في كلِّ يوم جمعة ، فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربَهم منِّي مَنزلةً )) ، ولا بأس بسنده )) اهـ .
أخرجه البيهقى (( الكبرى ))(3/249) و(( شعب الإيمان ))(3/110/3032) من طريق إبراهيم بن الحجاج ثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول الشامي عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكثروا عليَّ من الصلاة في كلِّ يومِ جمعة ، فإن صلاة أمَّتي تُعرض عليَّ في كلِّ يوم جمعة ، فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربَهم مني منزلةً )) .
قلت : وهذا الإسناد منقطع ، فإن مكحولاً لم يلق أبا أمامة الباهلى ولا رأه ! .
والخلاصة ، فإن حديث ابن مسعود أجود إسناداً وأحسن سياقةً .
*********
***(1/37)