بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أحمدُ اللهَ على تصحيحِ الأعمالِ وتحسينِ النيّاتِ بالفكرِ والاحتيالِ، وموصلِ الضعيفَ المنقطعَ إلى غايةِ الآمالِ، ورافعِ مَنْ وقفَ على بابِه وانفصلَ مرسلُه بالاتّصالِ، وأدرجَه في حرزِ أوليائِه وأيّدَه وسلِم من الإعضالِ، وأخرجَه عمّن شذَّ منَ الاضطرابِ والانفصالِ، ورفعَ له الأعلامَ وسَلْسَلَه بجزيلِ الألْطافِ وعافاه من الإعلالِ، وحماه أنْ يكونَ موضوعاً أو مردوداً أو مُفْسَداً وكمّل الأحوالَ.
نحمدُه علَى أنْ خصَّنا بجزيلِ الإفضالِ، وعافانا من منكراتِ الأحوالِ.
والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنامِ، مصباحِ الظلامِ، ومَنْ شهَّر الدينَ بعدما كان غريباً، وشدَّه وقوَّاه بعد أنْ كان واهياً ضئيلاً، صلى الله عليه وعلى آله بكرةً وأصيلاً.
وبعدُ؛ فلمَّا صنَّفتُ المُقنِعَ، ورُويَ على أصلي بزياداتِ ابنِ الصلاح، وحصلَ به المَقنَعُ، ورُوي على أصلِه بزياداتٍ - لنحو قَدْرِه - لا توجدُ في غيره، وتقييداتٍ وفروعٍ مهمّةٍ وتنبيهاتٍ، لَخَّصتُ منه نبذةً لطيفةً في أوراقٍ، وهي منيعةٌ، وَصَلْتُها من الأنواعِ على ثمانين، فكثُرَ حافظُها، وحفَّ به طالبُها، وحُفظتْ ورُجِّزتْ(1)، وسألني - غيرَ مرّة - مَنْ يَعِزُّ عليَّ، أنْ أضعَ عليها شرحاً، فأحجمتُ؛ لكثرةِ الدروسِ، وإقبالي على تبييضِ الطروسِ، فلمّا ألحَّ في السؤالِ استخرتُ اللهَ تعالى في إجابتِه، وسألتُه الإعانةَ على دِراكِ غايتِه، والمزيدِ في فضلِه وإنعامِه، وإبرازِه في بدرِ تمامِه.
فأقولُ:
__________
(1) ممّن نظم "التذكرة": شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عماد بن يوسف الأقفهسي، توفي سنة (808 هـ)، انظر: الضوء اللامع (2/47-49)(1/1)
قولي: (أقسامُه صحيحٌ وحسنٌ وضعيفٌ) أولى ممّا فعلَه الحُفّاظُ أجمعين؛ فإنّهم جعلوا الكُلَّ أنواعاً، وأمّا أنا فجعلتُ هذه أقساماً، وجعلتُ ما عداه أنواعاً، وفاءً بالقاعدة العَقْلِيَّة(1).
ثم قلتُ: (فالصحيحُ ما سَلِمَ مِنَ الطَّعْنِ في إسنادِه ومَتْنِه)، وما أَلْطَفَه مِنْ رَسْمٍ! وأَقربَه وأحلاه وأَعذبَه! وهو أَعْذَبُ من رَسْمِ ابنِ الصلاحِ(2): (ما اتّصلَ سندُه) إلى آخره، وعبارةِ الخَطّابي(3): أنّه عند أهلِ الحديث: (ما اتَّصَلَ سندُه، وعدلت نقلتُه)، وأهملَ ضبطَ الراوي والسلامةَ من الشذوذ والعلّة، وقد نقلهما عن المحدِّثين صاحبُ الاقتراح(4) وقال إنّ فيها نظراً، وبعضُ متأخِّري المعتزلة(5) شرطَ العددَ في الرواية كالشهادة، وحكاه الحازمي في شروط الأئمة الستّة(6).
__________
(1) وهي قاعدة العلاقة بين الجزئيات وكلياتها، جاء في "التعريفات" (ص 256): (( واعلم أنّ الجزئيات المندرجة تحت الكلي إما أن يكون تباينها بالذاتيات، أو بالعرضيات، أو بهما، والأول يسمى أنواعا، والثاني أصنافا، والثالث أقساما )). ومظان ذلك كتب المنطق.
(2) المقدمة (ص 82).
(3) معالم السنن (1/11).
(4) هو الإمام ابن دقيق العيد، انظر: "الاقتراح في بيان أصول الاصطلاح" (ص 186-187)، ونصُّ كلامه: (( وزاد أصحابُ الحديث: أن لا يكون شاذًّا ولا معلَّلاً، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء )). ونقل كلامَه هذا الحافظُ العراقي وأجاب عليه بقوله: (( وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون في الصحيح هذين الشرطين لا يُفسد الحدَّ عند من يشترطهما ))، انظر: "التقييد والإيضاح" (ص 20).
(5) هو: إبراهيم بن إسماعيل بن عُليّة، توفي سنة (218 هـ)، قال الذهبي: جهميّ هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن. ميزان الاعتدال (1/20)، والنكت على ابن الصلاح (1/241-242).
(6) شروط الأئمة الخمسة (ص 156-157).(1/2)
وقولي: (ومنه المتّفَق عليه، وهو ما أودعه الشيخان في صحيحيهما) أردتُ به اتّفاقاً خاصًّا، لكنّ اتّفاق الأئمة لازمٌ له، وهو ظنّيٌّ لا قطعي على الصواب(1)، وإن حكاه ابنُ الصبّاغ في العدّة(2) عن قوم من المحدِّثين.
وقولي: (والحسن ما كان في إسناده دون الأول في الحفظ والإتقان) هو رسْمٌ بديع، لا يرِد عليه شيء مما أُورِِد على الخطّابي والترمذي وابنِ الصلاح، فإنّ الكلَّ نقضناه في كتابنا المقنع(3).
وقولي: (ويعمُّه والذي قبله اسمُ الخبر القويّ)، هذا ممّا زدتُه على الحفّاظ، وهو من النفائس.
وقولي: (والضعيف ما ليس واحداً منهما) رسمٌ بديع، فإنّه إذا عُرف رسْمُ الصحيح ورسْمُ الحسن، فما عداه ضعيف، فإن أردتَ بسْطَ أقسامه:
فما فُقِد منه شرطٌ من شروط القَبول قسمٌ، وشروطُ القَبول هي شروطُ الصحّة والحُسْن، وهي ستّةٌ: الاتصالُ، والعدالةُ، والسلامةُ، ومجيءُ الحديث من وجه آخر، حيث كان شيخٌ للإسناد مستوراً لم تُعرَف أهليتُه، وليس منها كثيرُ الغلط، والسلامةُ من الشذوذ والعلّة القادحة.
فما فُقد من الاتّصال قسمٌ، وتحته قسمان: المنقطع، والمرسل الذي لم يعتضد.
__________
(1) بل الذي عليه الجمهور: أنّ الحديث المتلقّى بالقبول من الأمة – ومنه طبعاً: المتفق عليه – يفيد العلم اليقيني، وهو القطع. وهو ظاهر كلام ابن الصلاح في المقدمة (ص 100-101) وفي جزء له – كما نقل ذلك الزركشي في النكت (1/276-277) -، ونقل الزركشي (1/280-286) قولَ الجمهور بذلك. ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلامٌ جيد في ذلك انظره في مجموع الفتاوى (13/350-352)، وانظر: القطع والظن عند الأصوليين (1/185-192).
(2) ابن الصباغ هو: شيخ الشافعية أبو نصر عبدالسيد بن محمد بن عبدالواحد البغدادي، توفي سنة 477ه، من مصنفاته: الشامل في الفقه، والعدّة في أصول الفقه. السير (18/464-465)، والأعلام (4/10).
(3) المقنع (1/83-86)(1/3)
وما فُقِد منه شرطٌ آخر مع الشرط المتقدِّم قسمٌ آخر، وتحته اثنا عشر قسماً؛ لأنّ فَقْد العدالة يشمل معه: الضعيف، والمجهول، وهذه أقسامُه: مُرسَل في إسناده ضعيف، منقطع فيه ضعيف، مُعضَل كذلك، مُرسَل فيه مستور لم ينجبِر بمجيئه من وجه آخر، منقطع فيه مستور لم يجىء من وجه آخر، مُرسَل شاذّ، منقطع شاذّ، مُرسَل منقطع، مُعضل.
ويُضَمُّ إلى فَقْد الشرطين المتقدِّمين فَقْدُ شرط ثالث، فهو قسمٌ ثالث من أصل الأقسام، ويدخل تحته عشرةُ أقسام: مُرسَل شاذّ فيه مُغَفَّل كثير الخطأ، منقطع شاذّ فيه مُغَفَّل كذلك، مُرسَل معلَّل فيه ضعف، منقطع معلَّل فيه ضعف، مُرسَل معلَّل فيه مجهول، منقطع معلَّل فيه مجهول، مُرسَل معلول فيه كذلك، معلّل منقطع، معلَّل فيه مُغَفَّل كذلك، مُرسَل معلَّل فيه مستور لم ينجبر، منقطع معلَّل فيه مستور كذلك.(1/4)
وهكذا فافعل إلى آخر الشروط، فخُذْ ما فُقِد منه الشرطُ الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدّم، وهما السلامة من الشذوذ والعلّة، وهي هذه: مُرسَل شاذّ معلَّل، منقطع شاذّ كذلك، مُرسَل شاذّ معلَّل فيه مُغَفَّل كثير الخطأ، منقطع شاذّ معلَّل فيه مُغَفَّل كذلك، وعُدْ فابدأ بما فُقِد منه منه شرطٌ واحد غيرُ ما بدأت به أولاً وهو ثقة الرواة وتحته قسمان: ما في إسناده ضعيف، وما فيه مجهول، وزِدْ على فَقْد العدالة الراوي فَقْدَ شرطٍ آخر غير ما بدأت به، وتحته قسمان: ما فيه ضَعف وعلّة، ما فيه مجهول وعلّة، وتحمَّل العملَ الثاني الذي بدأت فيه بفقد الشرط المبنيّ به كما كمَّلتَ للأول، فضُمَّ إلى فَقدِ هذين الشرطين فقدَ شرط ثالث، ثم عُدْ ما بدأ بما فُقد منه شرطٌ آخر غير المبدوء به والمثنّى به وهو سلامة الراوي من الغفلة، ثم زِدْ عليه وجهَ الشذوذ والعلّة أو هما معاً، ثم عُدْ فابدأْ بما فيه الشرط الخامس وهو السلامةُ من الشذوذ، ثم زِدْ عليه وجودَ العلّة معه، ثم اختم بفقد الشرط السادس، ويدخل تحت ذلك أيضاً عشرةُ أقسام: شاذّ معلَّل فيه عدل مغَفَّل كثير الخطأ، ما فيه مغفَّل كثير الخطأ، شاذّ فيه مغفَّل كذلك، شاذّ معلَّل فيه مغفَّل كذلك، شاذّ معلَّل فيه مغفَّل كذلك، ما إسنادُه مستور لم تُعرَف أهليتُه ولم يُروَ من وجه آخر، معلَّل مستور كذلك، الشاذّ المعلَّل.
فهذه اثنان وأربعون قسماً للضَّعيف، باعتبار الانفراد والاجتماع، وقد أهملنا من الأقسام التي تضمّ انقسامه إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدّةَ أقسام، وهي: اجتماع الشذوذ، ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده، لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح؛ لأنّ الشذوذ تفرُّدُ الثقة، ولا يمكن وصف ما فيه ضعف أو مجهول أو مستور بأنّه شاذّ.
ص وقولي: (وأنواعُه زائدةٌ على الثمانين)، قد قدّمتُ حِسْبَتَه وبَداعتَه.(1/5)
وقولي: (المُسنَد وهو ما اتّصل سندُه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)، هو ما نقله الحافظ الخطيبُ البغدادي عن أهل الحديث(1)، وهو أرجحُ الأقوال الثلاثة، وعبارتُه فيه: ما اتّصل سندُه من أوله إلى منتهاه. وثانيها(2): أنّه المرفوعُ وإن لم يتّصل. ثالثُها(3): أنّه المتَّصل وإن لم يُرفَع. قال الخطيب: وأكثر ما يُستعمَل ذلك ممّا جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة وغيرِهم. وكذا قال ابن الصبّاغ في العدّة: المُسنَد ما اتّصل إسنادُه. فعلى هذا يدخل فيه المرفوعُ والموقوفُ، ومقتضى كلام الخطيب السالف أنّه يدخل فيه المقطوعُ، كالتابعي فمَن بعده، وكلامُ غيره يأباه.
ص ثم قلتُ: (وهو: ما اتّصل إسنادُه مرفوعاً كان أو موقوفاً) أي على الصحابي، وأمّا قول التابعي - إذا اتّصل الإسنادُ إليه - فلا يسمى متّصلاً، أي في حالة الإطلاق، أما مع التقييد فلا، كقولنا: هذا متّصل إلى بلد، ونحوه(4).
قال ابن الصلاح(5): ومُطلَق المتّصِل يقع على المرفوع والموقوف.
ص وقولي: (ويسمّى موصولاً أيضاً)، أي له اسمان: المتّصل، والموصول(6). قلت: وضدّه المفصول.
ص قلتُ: (والمرفوع – وهو: ما أُضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصّةً - متّصلاً كان أو غيرَه) أي منقطعاً، ومرسلاً، ومُعضَلاً، قولاً وفعلاً. وخصّه الخطيب(7)بالصحابي ليُخرِج مرسَلَ التابعي.
__________
(1) الكفاية (ص 21). وانظر: المقدمة (ص 119-120)، والنكت (1/505 فما بعدها).
(2) وهو قول الحافظ ابن عبدالبرّ – كما في المقدمة (ص 120) -، وانظر: التمهيد (1/21).
(3) وهو قول الخطيب البغدادي كما في كفايته (ص 21).
(4) انظر: التبصرة والتذكرة (1/121-122).
(5) المقدمة (ص 121).
(6) وزاد الحافظ ابن حجر اسماً ثالثاً فقال في النكت (1/510): (( ويقال له: المؤتصل
– بالفكّ والهمز -، وهي عبارة الشافعي في "الأم" في مواضع )).
(7) في الكفاية (ص 21).(1/6)
قال ابن الصلاح(1): ومن جعل من أهل الحديث المرفوعَ في مقابلة المرسَل فقد عنى بالمرفوع المتّصلَ.
فرع: ما جاء عن صحابي موقوفاً عليه - ومثلُه لا يُقال من قبيل الرأي -، نحو قول ابن مسعود: (( من أتى عرّافاً أو كاهناً فقد كفر بما أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ))(2)، حكمُه حكمُ المرفوع كما قال الإمام فخر الدين في محصوله، حيث قال(3): إذا قال الصحابي قولاً ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع، تحسينا للظنّ. ووافقه عمر بن عبدا (4)، حيث ذكر حديثَ سهلٍ في صلاة الخوف وقال: هو موقوف على سهلٍ، ومثلُه لا يقال من جهة الرأي.
ص ثم قلتُ: (والموقوف، وهو المرويّ عن الصحابة، قولاً، أو فعلاً، أو نحوه، متّصلاً كان أو منقطعاً)، وقال الفوراني(5) من الخراسانيين الفقهاء: الأثرُ ما روي عن الصحابة.
ص ثم قلتُ: (ويُستعمل في غيرهم مقيَّداً، فيقال: وقفه فلانٌ على عطاء مثلاً، ونحوه)، هذا تبعتُ [فيه] ابنَ الصلاح(6)، وظاهرُه أنّه لا يتقيّد بالتابعي، فيصحّ إذاً قولُك: موقوفٌ على الشافعي مثلاً.
__________
(1) المقدمة (ص 122).
(2) أخرجه – من قول ابن مسعود – : الحاكم في المعرفة (ص 22)، والبزار في مسنده (5/256/رقم: 1873)، والطبراني في الأوسط (2/122-123/رقم: 1453)، والدارقطني في العلل (5/328) وتكلّم عليه، وأبو نعيم في الحلية (5/104).
(3) المحصول (4/449).
(4) الكلمة غير واضحة في الأصل، وهو:
(5) هو: أبو القاسم عبدالرحمن بن محمد بن فوران المروزي، كبير الشافعية، توفي سنة 461هـ. ترجمته في السير (18/264-265).
(6) المقدمة (ص 123).(1/7)
ص ثم قلتُ: (والمقطوع، وهو الموقوف على التابعي، قولاً له أو فعلاً)، وجعل البرديجيُّ(1) المنقطعَ قولَ التابعي، وحكاه الخطيبُ(2) عن بعضهم، وهو بعيد.
فرع: ما رواه أهلُ البصرة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال: (( الملائكةُ تصلّي على أحدكم ما دام في مصلاّه )) ، ذكره الخطيبُ في كفايته(3) من طريق حمّاد بن زيد عن أيوب عن محمد. قال موسى بن هارون الحمّال: إذا قال حمّاد بن زيد والبصريون: قال قال، فهو مرفوع. قال الخطيب: قلتُ للبَرْقاني: أحسَبُ أنّ موسى عنى بهذا القول أحاديثَ ابن سيرين خاصّةً، فقال: كذا يجب. قال الخطيب: ويحقِّقُ قولَ موسى ما قال محمد بن سيرين: كلّ شيء حدَّثتُ عن أبي هريرة فهو مرفوع.
وهذا الحديث ذكره النسائي(4)، من طريق ابن عُلَيّة عن أيوب عن ابن عَوْن عن ابن سيرين.
ومثله في (المناقب) من البخاري(5)، من حديث حمّاد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال قال: (( أسلَمُ وغفَارُ وشيءٌ من مُزَيْنة )) الحديث، وهو من حديث ابن عُلَيَّة عن أيوب تصريح(6).
__________
(1) هو: أبو بكر أحمد بن هارون بن رَوْح البرديجي البرذعي، نزيل بغداد، إمام حافظ حجّة، توفي سنة 301ه . ترجمته في السير (14/122-123). وقول البرديجي هذا في جزء لطيف له تكلّ فيه على المرسل والمنقطع، قاله الحافظ في النكت (2/573).
(2) في الكفاية (ص 21).
(3) الكفاية ( ص 418)، والكلام الآتي له، وفيه تصرّف.
(4) في السنن الكبرى (11882)، وهو عند مسلم (649) من طريق سفيان عن أيوب.
(5) في (باب قصّة زمزم وجهل العرب) (3523).
(6) هو من هذه الطريق عند مسلم (2521)(1/8)
ص ثم قلتُ: (المنقطع، وهو ما لم يتّصل إسنادُه على أي وجه كان)، وهذا هو المشهور(1).
ص ثم قلتُ: (والمرسل، وهو قول التابعي – وإن لم يكن كبيرا – قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، هذا هو المشهور(2)، ومنهم من خصَّه بالتابعي الكبير(3)، ومنهم من قال: ما سقط منه راوٍ(4).
وادّعى ابنُ القطّان(5) أنّ الإرسالَ روايتُه عمّن لم يسمع منه.
ص ثم قلتُ: (ومنه ما خفي إرسالُه)(6)، مثاله: حديث عائشة في بدء الوحي(7)، وهذا مما زدتُه.
__________
(1) وقال ابن الصلاح (ص 146): (( وهذا المذهب أقرب )). وهو أحد أقوال ثلاثة في المنقطع، انظرها في المقدمة (ص 144-146)، قال السخاوي في التوضيح الأسر (ص 38): (( ولكنّ التعريف المعتمد المغاير لغيره مما لم يتّصل: ما سقط منه قبل الوصول إلى الصحابي واحدٌ، بل لو سقط منه أكثرُ من واحد مع عدمِ التوالي )).
(2) انظر: المقدمة (ص 132)، والنكت (2/543).
(3) قال الحافظ في النكت: (( ولم أر تقييدَه بالكبير صريحاً عن أحد، لكن نقله ابن عبدالبرّ عن قوم ))، وانظر: التمهيد (1/19).
(4) قال الحافظ في النكت: (( وهذا مذهب أكثر الأصوليين )).
(5) لعلّه في كتابه في أصول الفقه كما في البحر المحيط (4/403-404).
وابن القطّان هو: هو: أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي. قال الخطيب: (( له مصنّفات في أصول الفقه وفروعه )). توفي سنة 359ه . تاريخ بغداد (4/365)، والسير (16/159).
(6) لم يعرِّفه هنا واكتفى بالمثال فقط، وقد عرّفه السخاوي في التوضيح (ص 39) بقوله: (( وهو أن يروي الراوي عن من أدركه ولم يلقه أو لقيه ولم يسمع منه، ممّا يُعلم بإخباره أو بتحقيق الحافظ )).
(7) هو عند البخاري (رقم: 2 ، 3) ومسلم (رقم: 2333). وانظر: فتح الباري (1/26).(1/9)
ص ثم قلتُ: (والمُعضَل، وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر) من أيّ موضعٍ كان، وهذا يدخل في إطلاقه تواصلُ الانقطاع وتفاصلُه، وتبعتُ فيه ابنَ الصلاح(1)، والذي رأيتُه في كلامهم: التواصلُ(2).
ص ثم قلتُ: (ويسمى منقطعاً أيضا)؛ فكلُّ مُعضَل منقطِعٌ، ولا عكس، وهو ظاهر.
ثم قلتُ: (والمُعلَّق، وهو ما حُذف من مبتدأ إسناده واحدٌ فأكثر)، مأخوذ من تعليق الجدار.
__________
(1) المقدمة (ص 147).
(2) أي: التوالي. انظر: نزهة النظر (ص 112)، وفتح المغيث (1/185).(1/10)
ثم قلتُ: (والمُعَنعَن، وهو ما أُتيَ فيه بصيغة عن، كفلان عن فلان، وهو متّصل إن لم يُدَلَّس وأمكن اللقاء)، أي: ولا يُشتَرَط ما سوى ذلك على الأصحّ(1). ومثّل ابنُ الصلاح(2) عن يعقوب بن شيبة بقوله(3): عن عمّار، في ردّ المصلّي السلامَ(4)، وبقوله: أنّ عمّاراً أمّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلّي، قال: فجعله مرسَلاً من حيث كونُه قال: أنّ عمّارً، ولم يقل: عن عمّار، وفيما ذكره ذهولٌ، فإنّه لم يجعلْه مرسلاً إلاّ من حيث كونُه لم يُسنِدْ حكايةَ القصّة إلى عمّار. وكذا عن أحمد: أنّ (أنّ) و(عن) ليسا سواءً، وهذا ذكره الخطيبُ في كفايته(5)، لكنّ عروة في إحداهما لم يدرك القصّةَ فكانت مرسلةً بهذا الاعتبار.
__________
(1) الاكتفاء بإمكان اللقاء هو مذهب الإمام مسلم؛ ومذهب الإمام البخاري وعلي بن المديني وجمهور المحدّثين هو ثبوت اللقاء ولو مرّة. انظر: المعرفة (ص 34)، المقدّمة (ص 152)، الموقظة (ص 44-45)، السنن الأبين (ص 52-55)، النكت (2/596)، والنخبة مع النزهة (ص 171).
(2) المقدّمة (ص 154).
(3) يعني في مسنده، وقد رواه من طريق ابن الحنفيّة عن أبي الزبير عن جابر.
(4) هو حديث عمّار قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلّي، فسلّمتُ عليه فردَّ عليَّ السلامَ. أخرجه: أحمد (30/251/رقم: 18318)، والنسائي (رقم: )
(5) الكفاية (ص 408)، أسند فيه إلى سليمان بن الأشعث – أبو داود السجستاني – قال: وسمعتُ أحمد وقيل له: إنّ رجلاً قال: عروة عن عائشة قالت عائشة يا رسول الله، وعروة عن عائشة سواءٌ، قال: كيف هذا سواءٌ!؟ ليس هذا بسواء.(1/11)
ص ثم قلتُ: (والتدليس، وهو مكروه(1)؛ لأنّه يوهم اللقيَّ والمعاصرةَ، بقوله: قال فلان، وهو في الشيوخ(2) أخفّ).
وحدَّ ابنُ القطّان(3) التدليسَ بأن يروي عمّن قد سمع منه ما لم يسمعْ منه من غير أن يذكر أنّه سمع منه، قال: بخلاف الإرسال فإنّه روايتُه عمّن لم يسمع منه(4).
والدار[قطني] سبقه إلى ذلك في جزء له في معرفة من تُرك حديثُه أو تُقُبِّل.
أمّا إذا روى عمّن لم يدركْه، بلفظٍ موهِمٍ، فإنّ ذلك ليس بتدليسٍ على الصحيح المشتهر، وحكى ابنُ عبدالبرّ في تمهيده عن قومٍ أنّه تدليس(5).
فجعلوا التدليس أن يحدِّث الرجلُ عن الرجل بما لم يسمعه منه، بلفظٍ لا يقتضي تصريحاً بالسماع، وإلاّ لكان كذباً، قال ابنُ عبدالبرّ(6): وعلى هذا، فما سلم من التدليس أحدٌ، لا مالك ولا غيرُه.
__________
(1) المقصود بالكراهة هو تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمّن لقيه ما لم يسمعه منه موهِماً أنّه سمعه منه، أو عمّن عاصره ولم يلقه موهماً أنّه لقيه وسمعه منه. انظر: المقدّمة (ص 165)، والنكت (2/614-616).
(2) تدليس الشيوخ هو: أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، فيسمّيه أو يكنّيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يُعرَف به، كي لا يُعرَف. انظر: المقدّمة (ص 167).
(3) انظر: بيان الوهم والإيهام ().
(4) قال الخطيب في الكفاية (ص 357): (( ... إلاّ أنّ التدليس الذي ذكرناه متضمّنٌ للإرسال لا محالة .... وذمّوا من دلّسه )).
(5) التمهيد (1/28). وانظر للفرق بين التدليس والإرسال: المقدّمة (ص 171)، الكفاية (ص 357-358)، والنكت (2/615).(1/12)
وحكى ابنُ عبدالبرّ(1) عن أئمّة الحديث قَبولَ تدليس ابن عيينة؛ لأنّه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، وهذا ما رجّحه ابنُ حبّان وقال(2): هذا شيء ليس في الدنيا إلاّ لسفيان بن عيينة، فإنّه لا يدلِّس إلاّ عن ثقة متقِن، ولا يكادُ يوجدُ لابن عيينة خبرٌ دلّس فيه إلاّ وقد بيّن سماعَه من ثقة مثل نفسه، ثم مثل ذلك عن كبار الصحابة فإنّهم لا يرسلون إلاّ عن صحابي آخر.
وصرّح بذلك أيضا: أبو الفتح الأزدي(3)، والبزّار(4)، وأنّ من كانت هذه صفتُه وجب قَبولُ حديثه.
وكذا قال أبو بكر الصيرفي(5) في دلائله: كلّ من ظهر تدليسُه عن غير الثقات لم يُقبَل خبرُه حتى يقول حدّثني أو سمعتُ.
ص ثم قلتُ: (والشاذّ ما روى الثقةُ مخالفاً لرواية الناس)، وهو قولُ الشافعي وجَمعٍ(6)، فلذا اخترتُه.
ص(7) وقولي: (والمنكر، وهو ما انفرد به واحدٌ غيرُ متقِن ولا مشهورٌ بالحفظ) هو المختار في حدّه(8)، وهو أولى من حدّ البرديجي(9).
__________
(1) المصدر نفسه (1/131).
(6) انظر: المعرفة (ص 119)، علوم الحديث (ص 173 فما بعدها)، والمقنع (1/165 فما بعدها).
(7) في الأصل: (وقولي: ص).
(8) انظر: شرح قصيدة غرامي صحيح لابن عبدالهادي (ص 37)، الموقظة (ص 42)، ونزهة النظر (ص 99).
(9) نقل كلامَ البرديجي المصنّفُ في المقنع (1/179): (( هو الفرد الذي لا يُعرَف متنُه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من غيره ))، قال المصنّف: فأطلق ذلك ولم يفصّل. وأصل ذلك في المقدّمة (ص 180).(1/13)
ص وقولي: (والمفرد، وهو ما تفرّد به عن جميع الرواة(1)، أو جهةٍ خاصّةٍ(2)، كقولهم: تفرّد به أهلُ مكّة، ونحوه)، منه(3): حديثُ أبي سعيد: أمرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسّر(4). تفرّد به أهلُ البصرة كما قال الحاكم(5).
ص ثم قلتُ: (والغريبُ، وهو ما تفرّد به واحدٌ، عن الزهري وشبهه ممّن يُجمَع حديثُه، فإذا انفرد اثنان أو ثلاثةٌ سُمِّيَ عزيزاً، فإن رواه جماعةٌ سُمِّيَ مشهوراً)، وهذا قولُ ابن منده ثم ابن طاهر، ولا ينافي ذلك الصحّةَ ولا الضعفَ، فقد يكون مشهوراً وغريباً ضعيفاً أيضاً، وكذا عزيزاً.
__________
(1) وهو التفرّد المطلق.
(2) وهو التفرّد النسبي.
(3) أي من النوع الثاني وهو النسبي.
(4) أخرجه أبو داود (رقم: 818)، وأحمد (17/ رقم: 10998)، والبيهقي (2/60)، من طرق عن همّام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد.
(5) علوم الحديث (ص ).(1/14)
ومثَّلَ ابنُ الصلاح(1) المشهورَ الصحيحَ بحديث (( إنّما الأعمال بالنيات ))، وتبع فيه الحاكمَ(2)، لكنّ شهرتَه خاصّةٌ؛ فإنّها إنّما تثبتُ له من حديث يحيى بن سعيد فقط، وأول الإسناد فردٌ كما نبّه عليه هو في (النوع الحادي بعد الثلاثين)(3)؛ وقد مثَّلَ له الحاكمُ(4) بحديث: (( إنّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعاً ))(5)، وحديثِ رفع اليدين في الصلاة(6)، وحديثِ: (( من أتى الجمعةَ فلْيغتسلْ ))(7)، وغير ذلك؛ ومثَّلَ ابنُ الصلاح(8) المشهورَ الذي ليس بصحيح بحديث: (( طلبُ العلم فريضةٌ على كلّ مسلم ))(9)، وتبع الحاكمَ(10) في ذلك؛ وقد صحّح بعضُ الأئمّة بعضَ طرقه؛ ومثّله الحاكمُ بحديث: (( الأذنان من الرأس ))(11) وبغيره.
ومثال الغريب الصحيح: أفراد الصحيح، كحديث أبي هريرة مرفوعاً: (( السفر قطعةٌ من العذاب ))(12).
والغريب الذي ليس بصحيح كثير.
وقسّم الحاكمُ(13) الغريبَ إلى ثلاثة أنواع: غرائبُ الصحيح، وغرائبُ الشيوخ، وغرائبُ المتون؛ وقسّمه ابنُ طاهر(14) خمسةَ أنواع؛ وادّعى ابنُ الصلاح(15) أنّه [لا] يوجدُ ما هو غريبٌ متناً وليس غريباً إسناداً، [و] (16) لا يعتدّ ذكرُه.
__________
(1) المقدّمة (ص 389).
(2) المعرفة (ص 92).
(3) المقدّمة (ص ).
(4) المعرفة (ص 92).
(5) البخاري (رقم: 100)، ومسلم (رقم: 2673).
(7) أخرجه الترمذي (رقم: 492)، وابن ماجه (رقم: 1088)، وأحمد ( / رقم: 5005)، وهو بنحو هذا اللفظ عند مسلم (رقم: 844).
(8) المقدّمة (ص 389).
(10) المعرفة (ص 92).
(11) روي عن عدد من الصحابة، وقد فصّل طرقه الشيخ الألباني في الصحيحة (رقم: 36).
(12) البخاري (أرقام: 1804 ، 3001 ، 5429) ، ومسلم (رقم: 1927).
(13) المعرفة (ص 94-95).
(15) المقدّمة (ص 396).
(16) ما بين المعقوفين في الموضعين ساقط من الأصل، وانظر المقدّمة (ص 396).(1/15)
واعلم أنّ الغريبَ خمسةُ أقسام(1): سنداً ومتناً، متناً لا سنداً، وعكسه، غريبُ بعض السند فقط، غريبُ بعض المتن فقط.
مثال الثالث(2): حديثُ أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (( إنّما الأعمال بالنيّة ))(3)؛ قال الخليلي(4): أخطأ فيه عبدُ المجيد، وهو غيرُ محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه. فهذا ممّا أخطأ فيه الثقةُ، فإسنادُه كلُّه غريبٌ، ومتنه صحيح.
ومثال الرابع(5): روايةُ الطبراني في أكبر معاجمه(6) عن الدراوردي وعبّاد بن منصور فرّقهما كلاهما عن هشام عن أبيه عن عائشة بحديث أمّ زرع، والمحفوظُ حديثُ عيسى بن يونس عن هشام عن أخيه عبدالله بن عروة عن عائشة، أخرجه خ م(7) ، وأخرجه م أيضاً من حديث سعيد بن سلمة عن هشام، فهذا غرابةٌ تخصّ موضعاً من السند؛ والحديثُ صحيحٌ.
وغرابةُ بعض المتن أيضاً لديهما رفعا الحديث، وإنّما المرفوعُ منه قولُه عليه الصلاة والسلام: (( كنتُ لكِ كأبي زرع لأمّ زرع )).
ص ثم قلتُ: (والمعلَّل، وهو ما اطُّلِع فيه على علّة قادحة في صحّته، مع السلامة عنها ظاهراً)، ويُستعانُ على إدراكها بتفرُّد الراوي، ومخالفة غيره له، مع قرائنَ تنضمُّ إلى ذلك، كما أوضحتُه في الأصل(8).
__________
(1) وهو تقسيم ابن طاهر المقدسي في مقدّمة أطراف الغرائب (1/53)، وقد أخذه عنه ابنُ سيّد الناس في مقدّمة النفح الشذيّ (1/307-308).
(2) يعني: غريب السند دون المتن.
(3) أخرجه من حديث أبي سعيد: الخطّابي في معالم السنن ()
(5) يعني: غريب بعض السند.
(6) المعجم الكبير (23/ رقم: 269 و 274).
(7) البخاري (رقم: 5189)، ومسلم (رقم: 2448).
(8) المقنع (1/212 فما بعدها)، وفي الموقظة (ص 52-53) بعض قرائن الترجيح، فانظرها.(1/16)
ومن أمثلة ذلك: حديثُ موسى بن عقبة عن سُهَيْل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً في كفّارة المجلس، أخرجه ت(1) وحسّنه، وابنُ حِبّان(2)، والحاكم(3)، وأعلّه في علومه(4) بأنّ هذا حديثٌ مّن تأمَّلَه لم يشكَّ أنّه من شرط الصحيح، وله علّة فاحشة، ثم روى أنّ مسلماً جاء به إلى البخاري فسأله عن علّته فقال البخاري: هذا حديثٌ مليحٌ، ولا أعلمُ في الدنيا في هذا الباب غيرَ هذا الحديث الواحد؛ إلاّ أنّه معلول، ثنا به موسى بن إسماعيل: ثنا وهب: ثنا سُهَيْل، عن عَوْن بن عبدالله قولَه، قال البخاري: هذا أولى، فإنّه لا يُذكرُ لموسى بن عقبة سماعاً من سُهَيْل(5).
__________
(1) جامع الترمذي (رقم: 3433).
(2) الإحسان (2/ رقم: 564).
(3) المستدرك (1/536).
(4) المعرفة (ص 113).
(5) وقد وهّمَ الحافظُ ابنُ حجر الحاكمَ في نقله لهذه القصّة، وبيّن أنّ عبارة الإمام البخاري رحمه الله التي أوردها الحاكمُ غيرُ صحيحة، وأيّد ذلك بإيراد العبارات الصحيحة للبخاري في هذه القصّة، ثم أورد رحمه الله أحاديث الباب مع تخريجها؛ وقال في آخر تحريره: (( وفي الجملة: اللفظة المنكَرة في الحكاية عن البخاري هي أنّه قال: لا أعلم في الباب غيرَ هذا الحديث، وهي من الحاكم في حال كتابته في علوم الحديث كما قدّمناه ... وقد بيّنّا أنّ الصواب أنّ البخاري إنّما قال: لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث، وهو كلام مستقيم، والله أعلم ))، انظر: النكت (2/716-745).(1/17)
وقال الخليلي في الإرشاد(1): العليلُ على أقسام كثيرة: صحيحٌ متّفَقٌ عليه، وصحيحٌ معلول، وصحيحٌ مُختَلَفٌ فيه. ثم مثَّلَ الصحيحَ المعلَّلَ بحديث مالك عن ابن عجلان عن أبي هريرة مرفوعاً: (( للمملوك طعامُه وشرابُه ))(2)، رواه أصحابُ مالك كلّهم: بلغنا عن أبي هريرة، وكان مالكٌ يُرسِل أحاديثَ لا يبيِّن إسنادَها، وإذا استقضى عليه من يتجاسرُ أن يسأله، ربّما أجابه إلى الإسناد(3).
ص ثم قلتُ: (والمُضطرِب، وهو ما يُروى على أوجُهٍ مختلفة متساوية)، أي: فإن رُجِّحت بمُرجِّح فلا اضطراب، والحكمُ للراجحة؛ وقد يقع الاضطرابُ في السند، كما مثَّلتُه في المُقنِع(4)؛ وقد يقع في المتن، كحديث فاطمة بنت قيس قالت: سألتُ – أو سُئل – رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الزكاة فقال: (( إنّ في المال لحقّاً سوى الزكاة ))، أخرجه هكذا الترمذي(5)، وأخرجه ابن ماجه(6) كذلك بلفظ: (( ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة ))، وقولُ البيهقي(7) (لا يُحفَظ لهذا الثاني إسنادٌ) ليس بجيّد؛ فقد أخرجه ابنُ ماجه كما ترى، وإن كان مدارُه على (شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة)(8).
__________
(1) الإرشاد في معرفة علوم الحديث ()
(4) المقنع (1/221)، وقد مثّله بحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصلّي إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخطّ خطّا. وهو الذي مثّله به ابن الصلاح (ص 205)، وذكر بعضَ أوجه الاختلاف في سنده، وزاد عليها العراقي في التقييد (ص 105-106) أوجهاً أخرى، وذكر زبدتَها الحافظ ابنُ حجر في النكت (2/772) فقال: ولكن ...
(5) الجامع (رقم: 660).
(6) السنن (رقم: 1789).
(7) في السنن الكبرى (4/84).
(8) فصّل المصنِّف الكلام على الحديث في البدر المنير ()(1/18)
ص ثم قلتُ: (والمُدرَج، وهو زيادةٌ تقع في المتن ونحوه)؛ قد مثَّلْنا في المُقنِع(1) حديثَ ابن مسعود في آخر التشهّد: (( فإذا قلتَ هذا، فإن شئتَ أن تقومَ فقمْ، وإن شئتَ أن تقعدَ فاقعُدْ ))(2).
وأطلقتُ ذلك ليدخلَ المُدرَج في أوله ووسطه وآخره، وإن قيّد ابنُ الصلاح(3) ذلك بعقِب الحديث، وقد صرّح بما قبله الخطيبُ الحافظُ [في](4) المدرج(5)، وكفى به.
__________
(1) المقنع (1/227-228).
(2) أخرجه أبو داود (رقم: 970)، وأحمد (7/ رقم: 4006)، والدارمي ()، وابن حبّان (الإحسان: 5/ رقم: 1961)، من طريق زهير بن معاوية عن الحسن بن الحرّ عن القاسم بن مُخَيْمِرة عن علقمة عن ابن مسعود أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده فعلّمه التشهّد في الصلاة قال: (( قلْ: التحيّات لله والصلوات والطيّبات ... )) الحديث، وفي آخره الجملة المدرجة.
وقد فصل تلك الجملة وجعلها من كلام ابن مسعود: شبّابة بن سوّار، فرواه عن زهير به؛ أخرجه الدارقطني في السنن () والعلل (5/127)، وقال: وقوله – يعني قول شبّابة – أشبه بالصواب.
كما رواه عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسن بن الحرّ مفصولاً عند ابن حبّان (الإحسان: 5/ رقم: 1962) والدارقطني ().
(3) المقدّمة (ص 208).
(4) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(5) الفصل للوصل المدرج في النقل ()(1/19)
ومن أمثلة المُدرَج فيه: حديثُ: (( من مسَّ ذكرَه أو أنثييه فلْيتوضّأ ))(1)، قال الدارقطني(2): كذا رواه عبدُالمجيد عن هشام، ووهم في ذكر الأنثيين والرُّفْغ وأدرجه، والمحفوظُ أنّه من قول عروة غيرُ مرفوع؛ قلتُ: لم يتفرّد به عبدُالمجيد، بل تابعه: ابنُ جريج كما أخرجه الدارقطني(3) بدون الرُّفْع، وأيوبُ كما أخرجه الطبراني في أكبر معاجمه(4).
قال الشيخ تقيّ الدين في اقتراحه(5): وممّا يُضعِّفُ الإدراجَ في أثناء لفظ الشارع، لا سيّما إن كان مقدَّماً على اللفظ المرويّ أو معطوفاً عليه بواو العطف، كما لو قال: ( من مسّ أنثييه أو ذَكرَه فلْيتوضَّأْ )، فهذا يضعِّفُ الإدراجَ لما فيه من اتّصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو لفظُ الشارع.
ص ثم قلتُ: (والموضوعُ، وهو المُختَلَقُ المصنوعُ)، أي: واضعُه اختلقه وصنعه.
ثم قلتُ: (وقد يُلقَّب بالمردودِ، والمتروكِ، والباطلِ، والمفسَدِ)، هذا ممّا زدتُه على الحفّاظ، والمفسَد بفتح السين، قال ابنُ فارس(6): والباطل لغة الشيطان.
__________
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (1/ رقم: 536) والعلل (5/ ق 201)، من طريق عبدالحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسرة بنت صفوان به. وأسهب الدارقطني في العلل في ذكر طرقه وبيّن إدراجَه. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/ رقم: 511).
(2) في السنن (1/ 269-270).
(3) في السنن (1/ 539)، من طريق ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسرة بنت صفوان. ومن هذا الطريق أخرجه الطبراني في الكبير (24/ رقم: 513).
(4) المعجم الكبير (24/ رقم: 510). وانظر: النكت (2/ 831) ففيه ذكر من تابع عبدَالحميد على الإدراج، وهما في العلل للدارقطني.
(5) الاقتراح ().
(6) معجم مقاييس اللغة ().(1/20)
ومن الموضوع: (( حبُّ الدنيا رأسُ كلّ خطيئة ))(1)، وهو من كلام ابن دينار أو عيسى - صلى الله عليه وسلم -(2) ، وهو من مراسيل الحسن كما أخرجه البيهقي في شعبه(3)، ومراسيلُ الحسن شبه الريح(4).
ثم قلتُ: (والمقلوبُ، وهو إسنادُ الحديث إلى غير راويه)، أي: كما إذا كان مشهوراً عن سالم، فيُجعلُ عن نافع، والبخاري فارسُه(5).
ومن أمثلته: حديث سُهَيْل عن أبي هريرة مرفوعاً: (( إذا لقيتُم المشركين في طريق، فلا تبدءوهم بالسلام ))، أخرجه م(6) ، قلَبَه حمّادُ بنُ عمرو(7) المتروك فجعله عن الأعمش(8).
__________
(3) الجامع لشعب الإيمان ().
(5) قصّة امتحان البخاري بقلب متون وأسانيد أحاديث عليه مشهورة، وقد ساقها مفصّلةً ابنُ حجر في النكت (2/867-869).
(6) صحيح مسلم (رقم: 2167).
(7) في الأصل: (عمرو بن حماد)، وهو خطأ، وكأنّه انقلب على الناسخ، أو المؤلّف!! وهو حمّاد بن عمرو النصيبي، قال الجوزجاني: كان يكذب، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وفي رواية: لم يكن بثقة، وفي رواية: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث حمّاد بن عمرو. انظر: الميزان (1/ رقم: 2262)، واللسان (2/ رقم: 2968).
(8) أخرجه من طريقه العقيلي في الضعفاء ()، من طريق عمرو بن خالد الحرّاني حدّثنا حمّاد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فذكره. قال الحافظ ابن حجر في النكت (2/865): فجعل حمّادُ بنُ عمرو الأعمشَ موضعَ سُهَيْل ليُغرِب به.(1/21)
ومن أقسامه(1): ما انقلب على راويه من غير قَصْد، كحديث أنس مرفوعاً: (( إذا أُقيمت [الصلاة](2)، فلا تقوموا حتى تروني ))(3)، انقلب على جرير بن أبي حازم(4).
ص ثم قلتُ: (والعالي، وهو فضيلةٌ مرغوبٌ فيها)، بيانُه قولُ الإمام أحمد: طلبُ الإسناد العالي سنّةٌ عمّن سلف(5)، وقولُ محمد بن أسلم الطوسي: قربُ الإسناد قربةٌ إلى الله(6)، قال الحاكم(7): وفي طلب العالي سنّةٌ صحيحة، فذكر حديثَ أنس في مجيء الأعرابي وقوله: يا محمد أتانا رسولُك فزعم كذا، الحديث(8)، ولو كان طلبُ العلوّ في الإسناد غيرَ مستحبّ لأنكر عليه سؤالَه عمّا أخبره رسولُه عنه، ولأمره بالاقتصار على ما حكاه الشارعُ عنه.
__________
(1) قال ابن حجر في النكت (2/864): فأقسامُه ثلاثة، وهي كلّها في الإسناد، وقد يقع نظيرُها في المتن، وقد يقع فيهما جميعاً.
(2) ما بين المعقوفين سقط من الأصل.
(3) أخرجه الطيالسي في مسنده (3/ رقم: 2140)، وأحمد في العلل (1/ رقم: 1542)، والترمذي في العلل (1/277)، من طريق جرير بن حازم عن ثابت عن أنس.
(4) والصحيح في إسناده: جرير بن حازم عن حجّاج الصوّاف عن يحيى بن أبي كثير عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعا. انظر: علل الترمذي ().
(5) أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/ رقم: 117).
(6) أخرجه الخطيب كذلك (1/ رقم: 118).
(7) المعرفة (ص 5).
(8) وهو عند مسلم (رقم: 12).(1/22)
ص ثم قلتُ: (ويحصل بالقرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أحد الأئمّة في الحديث، وبتقدّم وفاة الراوي، وبالسماع(1))، فهذه طرقٌ أربعٌ(2) لبيان القُرْب.
وأعلى ما في الأوّل(3) اليومَ تسعةٌ بيننا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لكنْ بإسنادٍ ضعيف، وقد يقع صحيحاً بالإجازة(4).
ومن مظانّ العلوّ: الغيلانيّات، وجزء الأنصاري، وجزء الغطريف.
ومن أمثلة الثاني(5): هُشَيمٌ، وابنُ جُرَيْج، وغيرُهما، ووقع بيننا وبين هُشَيم ثلاثةٌ بالسماع المتّصل الصحيح.
__________
(1) يعني: بتقدّم السماع، كما قال السخاوي في التوضيح (ص 64).
(2) عند المصنّف في المقنع (2/422) طريقٌ خامسٌ لم يذكره هنا، وهو: العلوّ بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعروفة المعتمدة، وجعله السخاوي في توضيحه (ص 62) متفرِّعاً عن الطريق الثاني المذكور هنا في التذكرة وهو القرب من أحد الأئمّة في الحديث، وانظر: فتح المغيث (3/344).
(3) أي: القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(4) قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغُمْر بأنباء العُمْر () في ترجمة ابن الملقّن:
(5) أي: القرب من أحد الأئمّة في الحديث.(1/23)
ومثال الثالث(1): من سمع سنن د(2) من الزكيّ(3) أعلى ممّن سمعه على النجيب(4)؛ ومن سمعه على النجيب أعلى ممّن سمعه من ابن خطيب المِزّة(5) والتقيّ ابن البخاري(6)، والكلُّ رووه عن ابن طبرزد(7)؛ لأنّ وفاةَ الزكيّ متقدِّمة على وفاة النجيب، ووفاةَ النجيب متقدِّمة على مَن بعده.
ومثال الرابع(8): كما إذا سمع اثنان من شخص، أحدهما في صغره، والآخر في كبره.
__________
(1) أي: العلوّ بتقدّم وفاة الراوي.
(2) الرمز لأبي داود السجستاني.
(3) أي: زكيّ الدين المنذري، توفّي سنة (656 هـ).
(4) هو: نجيب الدين أبو الفرج عبداللطيف بن عبدالمنعم بن الصَّيْقَل الحرّاني (ت 656 هـ). ترجمته في تاريخ الإسلام (وفيّات 671-680هـ/ ).
(5) هو: أبو الفضل عبدالرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي الدمشقي المعروف بابن خطيب المِزّة (ت 687 هـ). ترجمته في تاريخ الإسلام (وفيّات 681-690هـ/ ).
(6) هكذا في الأصل، والصواب: (الفخر ابن البخاري)، ولم أقف على من لقّبه بالتقيّ؛ وهو: فخر الدين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدالواحد السعدي المقدسي الحنبلي المعروف بابن البخاري (ت 690 هـ). ترجمته في تاريخ الإسلام (681-690هـ/ ).
(7) هو: أبو حفص عمر بن محمد بن مُعَمَّر البغدادي المؤدِّب المعروف بابن طبرزد (ت 607 هـ).
(8) أي: العلوّ بقِدم السماع.(1/24)
ص ثم قلتُ: (والنازلُ، وهو ضدُّ العالي)، أي: وهو أقسامٌ تُعرَف من ضدّها، فبضدّها تبيّنُ الأشياء(1).
ص ثم قلتُ: (والمُصَحَّف، وتارةً يقع في المتن، وتارةً في الإسناد، وفيه تصانيف)، صنّف فيه الدارقطني(2)، والخطّابي(3)، والعسكري(4).
ومن أمثلة المتن: تصحيفُ (ستّاً من شوال) بالشين المعجمة(5).
ومن أمثلة الثاني: عتبة النُّدَّر، بالنون والدال المهملة، وبالباء الموحَّدة والذال المعجمة(6).
ثم قلتُ: (والمختلِف، وهو أن يأتي حديثان متعارضان في المعنى ظاهراً، فيُوَفَّقُ بينهما، أو يُرَجَّحُ أحدُهما)، والشافعي أبو عذره هذا القول بالفرضية، وتابع ابن قتيبة قياساً، والطبري، والطحاوي في مشكله.
__________
(1) قال الحاكم في المعرفة: (( لعلّ قائلاً يقول: النزول ضد العلوّ فمن عرف العلوَّ فقد عرف ضدَّه؛ فليس كذلك، فإنّ للنزول مراتب لا يعرفُها إلاّ أهلُ الصَّنعة ... )). وعلّق المصنّف في المقنع (2/ 425-426) على كلام الحاكم فقال: (( فهذا ليس نفياً لكون النزول ضدَّ العلوّ على الوجه الذي ذكرتُه، بل نفياً لكونه يُعرَف بمعرفة العلوّ، وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلوّ، فإنّه قصّر في بيانه وتفصيله، ونحن قد بيّنّاه بياناً شافياً )).
(2) سمّاه الذهبي في السير (14/386): "كتاب المصحِّفين"، ونقل منه.
(3) وكتابه "إصلاح غلط المحدِّثين" مطبوع متداوَل.
(4) الحسن بن عبدالله بن سعيد (ت 382 هـ). وكتابه "تصحيفات المحدِّثين" مطبوع أيضاً.
(5) أي: فتصير (شيئاً من شوّال). وكان صحّفها أبو بكر الصولي، أسنده الدارقطني ومن طريقه الخطيب في الجامع (1/ رقم: 635).
(6) والصحيح الثاني، أي: (عتبة النُّذَّر)، وقد صحّفه إلى الأول الإمام ابن جرير، ذكر ذلك الدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/182).(1/25)
مثال الأول(1): حديث (( فِرَّ من المجذوم فِرارَك من الأسد ))(2)، مع قوله (( لا عدوى ولا طيرة ))(3)؛ فالأوّل سببٌ له عادةً، والثاني الإعداءُ طبعاً(4)؛ ويُنكَر على ابن شاهين إدخالَه في ناسخه(5).
والمرجِّحات في الثاني(6) كثيرةٌ، نحو خمسين وجهاً وأكثر، وقد سردها الحازمي(7)، فذكر خمسين وجهاً واحداً بعد واحدٍ، ثم قال: وثَمَّ وجوهٌ كثيرة أضربنا عن ذكرها؛ كي لا يطول هذا المختصَر؛ وخالفه بعضُ الأصوليّين في بعض ما ذكر من وجوه الترجيحات، فرجّح مقابِلَه، أو نفى الترجيح؛ وقد زاد الأصوليّون – منهم: الفخر الرازي، والآمدي، ومن تبعهما – وجوهاً أخرى للترجيح، إذا ضُمّت إليها تُقارب المائة أو تنيف(8).
ثم قلتُ: (والمُسَلْسَل، وهو ما تتابع رجالُ إسناده على صفةٍ، أو حالةٍ، وقلَّ فيه الصحيح).
__________
(1) أي: الحديثان المتعارضان في الظاهر المُوَفَّق بينهما.
(2) علّقه البخاري (رقم: 5707)، عن عفّان عن سليم بن حيّان عن سعيد بن ميناء عن أبي هريرة. وأخرجه أحمد (15/ رقم: 9722)، والبيهقي (7/218)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/139). وهو في السلسلة الصحيحة (رقم: 783).
(3) البخاري (رقم: 5757)، ومسلم (رقم: 2224).
(4) قال المصنّف في المقنع (2/481-482) موضحاً هذا الجمع: (( وجه الجمع بينهما: أنّ هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكنّ الله - عز وجل - جعل مخالطةَ المريض بها للصحيح سبباً لإعدائه مرضَه، ثم قد يتخلّف ذلك عن سببه، كما في سائر الأسباب، فالحديث الأوّل نفى الإعداءَ بالطبع، ولهذا قال: فمن أعدى الأول؟! والثاني أعلَم أنّ الله جعل ذلك سبباَ لذلك، وحذّر من الضرر الذي يغلبُ وجودُه عند وجوده بفعل الله تعالى )).
(5) ناسخ الحديث ومنسوخه ().
(6) أي: الترجيح بين الحديثين المتعارضين.
(7) في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ().
(8) انظر: المحصول ()، الإحكام في أصول الأحكام ()، ...(1/26)
مثالُ الحالة: حديثُ معاذٍ حيث قال له الشارعُ: (( إنّي أحبُّك ))(1)، وحديثُ التشبيكِ(2)، وقراءةِ سورة الصفّ(3)، ونحوه مسلسلُ الفقهاء: حديثُ ابن عمر في خيار المجلس(4)، وكذا: سمعتُ وشهدتُ، ومسلسلُ العيد(5)، وقصّ الأظفار(6)، وإجابة الدعاء في الملتزم(7)، وغير ذلك من أنواعه.
ومنه ما انقطعت سلسلتُه، وقد اتّصل ولم يصحّ.
__________
(1) أخرجه أحمد (36/ رقم: 22119)، وأبو داود (رقم: 1522)، والنسائي في السنن الكبرى (6/ رقم: 9937)، وابن حبّان (الإحسان: 5/ رقم: 2020)، والحاكم (1/273)، عن معاذ بن جبل أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده يوماً ثم قال، فذكره؛ والتسلسل فيه بالأخذ باليد.
(2) هو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: شبّك بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (( خلق الله آدم يوم الجمعة، والأرض يوم السبت ... )) الحديث. أخرجه مسلسلاً بلفظ التشبيك: ابنُ عساكر في تاريخ دمشق (48/90-91). وهو عند مسلم (رقم: 2789) بلفظ: أخذ بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره، وليس فيه تسلسل.
(3) هو المسلسل بقراءة كلّ راوٍ من روّاته لسورة الصفّ على من روى له. أخرجه مسلسلاً: الترمذي (رقم: 3309)، وأحمد (39/ رقم: 23789)، والحاكم (2/69)، وابن حبّان (الإحسان: 10/ رقم: 4594)، والذهبي في السير (2/424)، والسخاوي في الجواهر المكلّلة في الأحاديث المسلسلة (). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح البخاري (8/509): وإسنادُه صحيح، قلّ أن يقع في المسلسلات مثلُه، مع مزيد علوّه.
(4) هو حديث: (( البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا )). أخرجه البخاري (رقم: 2109)، ومسلم (رقم: 1531).
(5) أي: المسلسل بالتحمّل في يوم العيد. وهو حديث(1/27)
ثم قلتُ: (والاعتبار، وهو أن يروي حمّادُ بنُ سلمة – مثلاً – حديثاً لا يُتابَع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة(1)؛ فالمتابعةُ أن يروي عن أيوبَ غيرُ حمّاد، وهي المتابعةُ التامّة؛ والشاهدُ أن يُروى حديثٌ آخر بمعناه)، هذه أمورٌ اعتنى بها المتأخِّرون وبعضُ المتقدِّمين.
مثالُ الموافقة: حديث خ(2) عن الأنصاري عن حُمَيْد عن أنس مرفوعاً: (( كتابُ الله القصاصُ ))، هو في جزء الأنصاري(3)، يقع موافقةً للبخاري في شيخه مع علوّ درجةٍ.
والبدلُ موافقةٌ في شيخ شيخ ت(4) مثلاً.
ولهم أيضاً: مساواةُ(5) شيوخِنا، ومصافحةٌ لنا، ومصافحةٌ مطلقاً، وبسطُه يطول، والباقي موضَحُ الأصل بأمثلته(6).
ثم قلتُ: (وزيادةُ الثقات، والجمهورُ على قبولها)، هو كما ذكرتُها، وله مُثُلٌ وأعمالٌ موضحَةٌ في الأصل(7).
ثم قلتُ: (والمزيدُ في متَّصِل الأسانيد)، قد أورده الخطيبُ بمؤلَّف(8) في كثيرٍ منه نظر.
ومن أمثلته: حديثُ عمر بن عبدالعزيز عن عقبة بن عامر مرفوعاً: (( رحم الله حارسَ الحرس ))، أخرجه ابن ماجه(9)؛ وعمرُ لم يلقَ عقبةَ.
__________
(1) هذا كلام الحافظ ابن حبّان في مقدّمة صحيحه (الإحسان: 1/155).
(2) الصحيح (رقم: 4499).
(3) لم أجدْه في جزء محمد بن عبدالله الأنصاري الذي رواه عنه إبراهيم بن عبدالله الكجّي.
(4) الرمز للإمام الترمذي.
(5) انقلب في الأصل إلى (مواساة).
(6) انظر: المقدّمة (ص 384-386)، والمقنع (2/423-424)، وفتح المغيث (3/348-353).
(7) المقنع (1/191 فما بعدها). وانظر: التقييد والإيضاح (ص 92-94)، الباعث الحثيث (1/190-194)، والنكت (2/686-702).
(8) سمّاه: "تمييز المزيد في متّصِل الأسانيد".
(9) السنن (رقم: 2769). وأخرجه الحاكم (2/86)، والعقيلي في الضعفاء () وزاد في سنده فقال: عن عمر بن عبدالعزيز عن أبيه عن عقبة، ثمّ رجّح عدمَ الزيادة وقال: ولم يسمعْ عمرُ من عقبة. وانظر: السلسلة الضعيفة (رقم: 3641).(1/28)
ثم قلتُ: (وصفةُ الراوي، وهو: العدلُ الضابطُ)، أي: لما يرويه، بأن يكون: مسلما، عاقلاً، بالغاً، سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقِّظاً غيرَ مغفَّل، حافظاً إن حدّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدَّث منه، عالماً بما يحيلُ المعنى إن روى به؛ ومحَلُّ إيضاح هذه الجملة في الأصل، تركناه خشيةَ الطول(1).
ثم قلتُ: (ويدخل فيه معرفةُ الجرح والتعديل)، أي ليُحتَجَّ به إن كان عدلاً، ويُطرحَ إن كان ضدَّه.
ويُقبل التعديلُ بلا بيان سببٍ، بخلاف الجرح على الأصحّ(2)، ثانيها: عكسُه(3)، ثالثُها: لا بدّ من بيان سببهما(4)، رابعُها: [لا يجب](5) فيهما.
ثم قلتُ: (وبيانُ سنِّ السماع)؛ وهو: التمييزُ؛ ويحصل في خمسٍ غالباً، دليلُه: قصّةُ محمود بنِ الربيع حيث قال: عقلتُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مجَّةً مجَّها في وجهي - وأنا ابنُ خمس سنين – من دلوٍ(6)، وفي رواية أخرى: أنّه كان ابنَ أربع(7).
ثم قلتُ: (وكيفيّةُ السماع)، أي على الشيخ، (والتحمُّلُ) عنه.
__________
(1) انظر: المقنع (1/244-287).
(2) انظر: الكفاية (ص 107-110)، المقدّمة (ص 220-221)، والبحر المحيط (4/294).
(3) أي: يُشتَرَط تفسير التعديل دون الجرح. انظر: المقنع (1/249)، فتح المغيث (2/25)، والبحر المحيط (4/294).
(4) وهو قول الماوردي. انظر: المقنع (1/249-250)، فتح المغيث (2/26)، والبحر المحيط (4/294).
(5) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وانظر: المقنع (1/250). والقول الرابع المذكور هنا هو قول القاضي أبي بكر الباقلاّني والجمهور. انظر: المقنع (1/250)، فتح المغيث (2/26)، والبحر المحيط (4/294).
(6) أخرجه البخاري (رقم: 77 ، ومواضع أخرى).
(7) قال الحافظ في الفتح (2/208): ولم أقفْ على هذا صريحاً في شيء من الروايات بعد التتبّع التامّ.(1/29)
ثم قلتُ: (وكتابةُ الحديثِ، وهو جائزٌ إجماعاً)، أي وإن كان فيه خلافٌ درَسَ(1)، (وتُصرَفُ الهمّةُ إلى ضَبْطه)، أي: فإنّه المقصودُ اسماً ولغةً وإعراباً وتصحيحاً.
ثم قلتُ: (وأقسامُ طرقِ الروايةِ، وهي ثمانية: السماعُ من لفظ الشيخ) أي: وهو أرفعُها، (والقراءةُ عليه)، أي: وهو العَرْض، وهي المرتبةُ الثانية عند الجمهور(2).
ثم قلتُ: (والإجازةُ بأنواعها)، أي: من إجازةِ معيَّنٍ، أو لمعيَّنٍ في غير معيَّنٍ، أو لغير معيَّنٍ بوصف العموم، كأجزتُ المسلمين، أو لمجهولٍ، أو لمعدومٍ، على خلاف فيها(3)، وإجازةُ ما لم يسمعْه المُجازُ وأجازه المُجازُ(4).
ثم قلتُ: (والمناوَلةُ)، أي: سواءً كانت مقرونةً بالإجازة، أو مجرَّدةً(5)؛ (والمكاتبَةُ)، أي: مجرَّدَةً عن الإجازة، ومقرونةً بها؛ (والإعلامُ والوصيّةُ) بالمرويّ؛ (والوِجادةُ)، أي: كوجدتُ بخطّ فلان كذا، إذا وثق به(6).
ثم قلتُ: (وصفةُ الروايةِ وأدائِها)، أي: فإذا قابل سماعَه وضبط روايتَه.
ثم قلتُ: (ويدخلُ فيه: الروايةُ بالمعنى)، قلتُ: والأصحُّ جوازُها، بشرط المساواةِ في الجلاءِ والخفاءِ(7).
ثم قلتُ: (واختصارُ الحديث)، أي: والأصحُّ جوازُه من العارف؛ إذا كان ما تركه غيرَ متعلِّقٍ بما رواه، بحيث لا يحيلُ البيان ولا يحيلُ الدلالةَ تركُه، سواءً جوَّزْنا الروايةَ بالمعنى أم لا، رواه قبلُ تامًّا أم لا؛ وتقطيعُ المصنِّفين الحديثَ وتفريقُه في الأبواب: إلى الجواز أقربُ، ومن المنع أبعدُ.
__________
(1) انظر: المقنع (1/337-343).
(2) المصدر نفسه (1/297-313).
(3) انظر: المقنع (1/320-321)، وفتح المغيث (2/255-259)، وللخطيب البغدادي: "الإجازة للمجهول والمعدوم"، وهو مطبوع.
(4) انظر: المقنع (1/322-325)، وفتح المغيث (2/267-277).
(5) انظر: المقنع (1/325-330).
(6) المصدر نفسه (1/ 330-336).
(7) نقل المصنّف الخلافَ في جوازها في المقنع (1/372-374).(1/30)
ثم قلتُ: (وآدابُ المحدِّث)، أي: ومنها: أن لا يحدِّث بحضرة من هو أولى منه، ويُمسِكُ عنه إذا خشي اختلاطَه لهرمٍ ونحوه، وغيرُ ذلك(1).
ثم قلتُ: (وطالبِ الحديث)، أي: وآدابُ طالبِ الحديث، وأهمُّها: تحسينُ الإخلاص فيه، وتعظيمُ شيخه، والرفقُ به، فإذا فرغ من مهمّاته دخل وأقبل على التخريجِ والتأليفِ والتصنيفِ إذا تأهَّل له.
__________
(1) انظر: المقنع (2/393-407)، وللخطيب البغدادي: "الجامع بين أخلاق الراوي وآداب السامع"، مطبوع مفيد.(1/31)
ثم قلتُ: (ومعرفةُ غريبه ولغتِه)، قلتُ: [أفرده](1) بالتأليف خلقٌ، أولُهم النضرُ بن شُمَيْل، وأبو عُبَيْدَة، وأبو عُبَيْد(2)، وابنُ قتيبة(3)، والسرَقُسْطي(4)، والفارسي(5)، والزمخشري(6)، والهروي(7)، وابنُ الجوزي(8)، وأبو موسى المديني(9)، وابنُ الأثير(10)، والكاشْغَري(11)، وخلقٌ.
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(2) وكتابه "غريب الحديث" مطبوع قديماً وحديثاً.
(3) وكتابه "غريب الحديث" مطبوع قديماً.
(4) هو: قاسم بن ثابت بن حَزْم السرقسطي الأندلسي أبو محمد العَوْفي (ت 302 هـ). ألّف "الدلائل في غريب الحديث" مستدركاً على ابن قتيبة وأبي عبيد، ومات دون إكماله فأكمله أبوه ثابت (ت 314 هـ)، وكتابه "الدلائل" طبع جزء منه.
(5) هو: عبدالغافر بن إسماعيل بن عبدالغافر الفارسي الأندلسي (ت 529 هـ). ألّف "مجمع الغرائب"؛ وقد نسبه المصنِّف في المقنع (2/445) - تبعاً للزركشي – للكاشْغَري، وفرّق بينهما كاتب جلبي في كشف الظنون ().
(6) وكتابه "الفائق في غريب الحديث" مطبوع متداوَل.
(7) هو: أبو عُبَيْد أحمد بن محمد بن محمد الهروي الشافعي (ت 401 هـ). ألّف "الغريبين" أي: غريب القرآن والحديث، وهو مطبوع قديماً وحديثاً.
(8) ألّف "غريب الحديث" مختصراً كتاب الهروي ومقتصراً على غريب الحديث فقط، وكتابه هذا مطبوع.
(9) ألّف "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث"، استدرك فيه على كتاب الهروي، وقد طبع جزء منه.
(10) هو: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الجزري ثم الموصلي (ت 606 هـ). ألّف "النهاية في غريب الحديث"، جمع فيه بين كتابي الهروي وأبي موسى المديني، واستدرك عليهما الكثير، وهو مطبوع متداول.
(11) هو: محمد بن محمد بن علي الكاشْغَري الحنفي (ت 705 هـ). ألّف "مجمع الغرائب ومنبع العجائب"، جمع فيه بين ..............(1/32)
ثم قلتُ: (وتفسيرُ معانيه، واستنباطُ أحكامِه، وعزْوِه إلى الصحابةِ والتابعين وأتباعِهم، وِفاقاً وخلافاً).
ثم قلتُ: (ومحلُّ ذلك كتبُ الشروح)(1)، كشرح البخاري للخطّابي(2)، وابنِ بَطّال(3)، وابنِ التين(4)؛ ومن المتأخِّرين: كتابُ شيخِنا قطبِ الدين عبدِالكريم(5)، ولخّصَه مُغْلَطايْ(6) بحذف مُهِمّاتٍ؛ وأحسنُهم: شرحي(7)، في ثمانية عشر مجلّداً(8).
وشرح مسلم للمازَري(9)
__________
(1) هكذا في الأصل جعل هذه العبارة من التذكرة، ولم ترد منها في شيء من طبعاتها.
(2) وكتابه "أعلام الحديث" مطبوع في أربعة مجلّدات.
(3) هو: علي بن خلف بن بطّال البكري القرطبي (ت 449 هـ). وكتابه "شرح البخاري" مطبوع في عشرة مجلّدات.
(4) هو: أبو محمد عبدالواحد بن التين الصفاقسي (ت 611 هـ). واسم كتابه: "المُخبِر الفصيح في شرح البخاري الصحيح".
(5) ابن عبدالنور بن منير قطب الدين الحلبي (ت 735 هـ). قال الحافظ ابن حجر: وشرع في شرح البخاري، وهو مطوَّل أيضاً، بيّض أوائلَه إلى قريب النصف. الدرر الكامنة (2/398-399).
(6) ابن قليج بن عبدالله المصري الحنفي (ت 762 هـ). واسم شرحه: "".
(7) سمّاه "التوضيح لشرح الجامع الصحيح".
(8) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( قلتُ: كتبه والدي في أربعة أسفار، وشرحه شيخُنا الحافظُ ابنُ حجر شرحاً عظيماً، وكذلك الكِرْماني، والبَرْماوي، والزركشي، وسيّدي الوالد رحمه الله تعالى )). قلتُ: وهو يشير في أول كلامه إلى النسخة التي كتبها والدُه إبراهيم بن محمد سبط بن العجمي من كتاب "التوضيح"، وهي محفوظة في أربعة مجلّدات في المكتبة الأحمديّة بحلب (برقم: ) وقد آلت مخطوطاتها إلى مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق؛ وشرح والده المشار إليه في آخر كلامه اسمه: "التلقيح لفهم قارىء الصحيح"، انظر: الضوء اللامع (1/141).
(9) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( وكذلك شرحه الكرماني )).
وشرحُ المازري اسمه: "المُعلِم بفوائد كتاب مسلم".(1/33)
، والقاضي عِياض(1)، والنووي.
وشرحُ سنن أبي داود للخطّابي(2)، والمُنذِري(3).
وشرحُ الترمذي لابن العربي(4)، وقطعةً منه شيخُنا الحافظُ فتحُ الدين اليَعْمُري(5).
وتقييداتي على كتاب ابن ماجه(6).
__________
(1) وشرحُه "إكمال المُعلِم بفوائد مسلم" طُبِع مؤخَّراً.
(2) واسمُ شرحه: "معالم السنن"، وهو مطبوع متداول. وقد كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( وشرحه العلاّمةُ ابنُ رَسْلان المقدسي، وهو متأخِّر ))؛ وابنُ رسلان هو: شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن حسين بن حسن الرملي (ت 844 هـ)؛ ولشرحه على سنن أبي داود نسخٌ مذكورة في الفهرس الشامل (الحديث وعلومه- )، وقد بقيت قطعةٌ من نسخته التي بخطّ يده في المكتبة المحموديّة بالمدينة النبويّة (برقم 530).
(3) المعروف أنّ للمنذري اختصاراً لسنن أبي داود لا شرحاً عليه، ولم أقفْ على من نسب إليه الشرح؛ وعلى مختصره للسنن حاشية للإمام ابن قيّم الجوزيّة، وكلاهما مطبوعان.
(4) واسمُ شرحه على جامع الترمذي: "عارضة الأحوذي في شرح الترمذي"، وهو مطبوع متداول.
(5) هو المعروف بابن سيّد الناس، واسمُ شرحه على جامع الترمذي: "نفح الشذيّ في شرح جامع الترمذي"، وصل فيه إلى أثناء كتاب الصلاة، وهو مطبوع في مجلّد.
وقد كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( وكذلك شرحه شيخُ والدي العراقي )). قلت: وشرحُ الحافظ العراقي كمّل به شرح ابن سيّد الناس، ولم يكملْه، وهو محقّق في رسائل جامعيّة، يسّر الله نشرَه.
(6) سمّاه المصنّف: "ما تمسّ إليه الحاجة من شرح ابن ماجه"، توجد منه الأجزاء (من 25 إلى 28) بخطّ المصنّف بالمكتبة المحموديّة بالمدينة النبويّة (رقم: 659).
وقد كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( علّق والدي رحمه الله تعالى على ابن ماجه تعليقاً؛ وقد شرحه الدميري وسمّاه الديباجة )). قلتُ: تعليق سبط ابن العجمي على سنن ابن ماجه ...(1/34)
وكتبُ الأحكام، ككتاب عبدالحقّ(1)، والضياء(2)، والمحبّ الطبري(3).
وكتبُ الخلافيّات، ككتب ابن المنذر(4)، وغير ذلك.
ثم قلت: (ويحتاج في ذلك إلى معرفة الأحكام الخمسة) إلى غير ذلك، وهذا محلُّه أصولُ الفقه، وأدخلتُه هنا للاحتياج إليه، وقد أوضحناه فيها فلا نُطوِّل به.
ثم قلتُ: (ومعرفةُ ناسخ الحديث ومنسوخه)، قلتُ: أبو عُذْرَته(5) الشافعيُّ، وصنّف فيه: الأثرمُ(6)، وابنُ قتيبة(7)، وابنُ شاهين(8)، والحازميُّ(9)، وابنُ الجوزي(10)، وغيرُهم.
ثم قلتُ: (ومعرفةُ الصحابة)، أي: كلُّ مسلمٍ وجدَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته.
__________
(1) الإشبيلي المعروف بابن الخرّاط؛ وله ثلاثة كتب في الأحكام: صغرى، ووسطى، وكبرى؛ وهي مطبوعة.
(2) أي: الضياء المقدسي؛ وكتابه "الأحكام الكبرى" طبع مؤخَّراً في ستّة مجلّدات.
(3) اسمُ كتابه في الأحكام: "غاية الإحكام لأحاديث الأحكام"، وقد طُبع مؤخّراً طبعةً ناقصةً.
(4) وكتابه الكبير في الخلاف "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" طُبع الموجود منه في خمسة مجلّدات.
(5) هذه عبارةٌ .........
(6) وقد طُبع جزء من كتابه "ناسخ الحديث ومنسوخه".
(8) وقد طُبع كتابه "ناسخ الحديث ومنسوخه".
(9) وقد طُبع كتابه "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار".
(10) له كتب ثلاثة في الناسخ والمنسوخ: أكبرها: "ناسخ الحديث ومنسوخه"، حُقِّق في رسالة جامعيّة؛ و"إعلام العالم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخه"؛ و"إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار الناسخ والمنسوخ من الحديث"، وهو أصغرها، وقد طُبع عدّة مرّات.(1/35)
فمَن رآه بعد موته فليس بصحابي، ولو قبل الدفن، كما لو وُلد بعد موته على المشهور(1)، كرسول قيصر، وقد أخرجه أحمد في المسند(2)؛ وكعبد الله بن صيّاد إذا لم يكن هو الدجّال(3)، وقد عدَّه في الصحابة أبو بكر بنُ فَتْحون في ذيله على الاستيعاب( (4)، وحكى أنّ الطبريَّ وغيرَه ترجم به هكذا.
ومن رآه قبل النبوَّة ومات قبلها على دين الحَنَفيّة، كزيد بن عمرو بن نُفَيْل، وبه صرَّح ابنُ مَنْدَه(5)، وقال عليه الصلاة والسلام في حقّه: (( إنّه يُبعَث أمّةً وحده ))(6).
__________
(1) انظر: فتح الباري (7/7)، والإصابة (1/5)، والبحر المحيط (4/305).
(2) المسند (24/ رقم: 15655)، وتاريخ دمشق (21/58-59).
(3) الصوابُ أنّ عبدالله بن صيّاد ليس صحابيا، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (): (( لأنّه إن كان الدجّالَ فليس بصحابيٍّ لأنّه يموتُ كافراً، وإن كان غيرَه فهو حالَ لُقِيِّه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مسلماً ))، وذكر هذا أيضاً في الفتح (13/337-341) واستظهر أنّ ابن صيّاد ليس هو الدجّالَ الأكبر، وإنّما هو أحدُ الدجّالين الكذّابين الذين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّهم يخرجون قبل الساعة.
(4) واستند في ذلك إلى أنّ ابن صيّاد مات مسلماً.
(5) انظر: الإصابة (3/31-32).
(6) أخرجه الحاكم (3/216-217)، والنسائي في السنن الكبرى (5/ رقم: 8188)، وأبو يعلى (1/ رقم: )، والطبراني في المعجم الكبير (5/ رقم: 4663)، والبغوي في معجم الصحابة (2/ رقم: 818)، من حديث أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة.(1/36)
ولو رآه وعاش إلى زمن البعثة وأسلم ومات فالظاهرُ صحبتُه، وقد تُرجِم لإبراهيمَ وعبدِالله(1)، دون القاسم(2).
والظاهر أنّه يُعتبَرُ في الرؤية التمييزُ(3).
__________
(1) ترجم الحافظ ابن حجر لإبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإصابة (1/95) في القسم الثاني من حرف الألف؛ وترجم لعبدالله (3/298) في القاسم الثاني من حرف الطاء.
(2) هو أوّل مولود للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأمّه أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها، ويُلقّب بالطاهر والطيّب، ترجم له الحافظ (5/270-271) في القاسم الثاني من حرف الكاف، وذكر الخلاف في موته هل كان قبل البعثة أم بعدها واستظهر موتَه بعد البعثة.
(3) الذين لم يبلغوا سنَّ التمييز ممّن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أوردهم الحافظ ابن حجر في القسم الثاني من الصحابة، لكن ذكر أنّ حديثَهم من قبيل مراسيل الصحابة، وانظر: فتح المغيث (4/79)، والتقييد والإيضاح (ص 252-254).(1/37)
ولا شكّ أنّ من ارتدَّ بعد الصُّحْبة خرج عنها، كابن خَطَل(1)، وربيعةَ بنِ أُمَيَّة(2)، ومِقْيَس بنِ صُبابة(3)، ونحوهم؛ ولو تخلَّلَت الردّةُ بين الإسلامَيْن، كالأَشْعَث بن قَيْس(4)، ففي بقاء الصُّحْبة وَقْفَةٌ(5)، فإن رجع في حياته عليه الصلاة كعبدالله بن أبي سَرْح(6) فلا تَبْطُل.
__________
(1) عبدالله بن خَطَل، من بني تَيْم بن غالب، كان قد أسلم، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - عاملاً على الزكاة، ثم ارتدّ مشركاً، وكانت له قينتان تغنّيان بهجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمَه ودمَ قينتيه، فقُتل وهو متعلِّقٌ بأستار الكعبة. انظر: البداية والنهاية (6/559).
(2) أخو صفوان بن أميّة، أسلم يوم الفتح وشهد حجّة الوداع، ثم ارتدّ في خلافة عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - . الإصابة (2/223-224).
(3) هو أحد أربعة نفر أهدر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دمَهم يوم الفتح وقال: (( اقتلوهم وإن وجدتّموهم متعلِّقين بأستار الكعبة )).
(4) ابنِ معدي كَرِب الكِنْدي، أسلم سنة عشر من الهجرة، ثم ارتدّ فيمن ارتدّ من الكنديّين، ثم أسلم ثانيةً في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - . الإصابة (1/50-51).
(5) الصحيح المعتمَد من أقوال أهل العلم أنّ الصحبة باقيةٌ وإن تخلّت الردّة الإسلامَيْن. انظر: التقييد والإيضاح (ص 252)، وفتح المغيث (4/83-84)، والإصابة (1/5).
(6) عبدالله بن سعد بن أبي السرح، وهو أخو عثمان بن عفّان من الرضاعة، أسلم وكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أزلّه الشيطان فارتدّ ولحق بالكفّار، فأهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمَه يومَ الفتح، فاستجار له عثمان فأجاره النبي - صلى الله عليه وسلم - . الإصابة (4/76-78).(1/38)
وقد صنّف في الصحابة: ابنُ عبدالبرّ(1)، وابنُ حبّان(2)؛ وذيّل أبو موسى(3) على ابن مَنْدَه(4)؛ وذيَّل على الاستيعاب: ابنُ فَتْحون، والعَسْكري؛ وصنّف فيه أيضاً: البغوي(5)، وابنُ قانِع(6)، والطبري في معاجمهم(7)، والذهبي مجلَّداً(8) وفي إعواز(9).
ثم قلتُ: (وأتباعِهم)، أي: ومعرفةُ أتباعِهم، وحدُّه: كلّ مسلمٍ رآه الصحابيُّ، وقال النووي في تقريبه(10) إنّه الأظهر، ويؤيِّدُه قولُه عليه الصلاة والسلام: (( طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني )) الحديث(11)، فاكتفى بمجرَّد الرؤية.
__________
(1) وكتابُه "الاستيعاب" مطبوع متداول.
(2) ولكتابه "معرفة الصحابة" نسخة بمكتبة عارف حكمت بالمدينة النبويّة (رقم: 198 مجاميع).
(3) هو: أبو موسى المديني.
(4) لابن منده (الحافظ محمد بن إسحاق) كتاب "معرفة الصحابة"، يوجد جزءٌ منه بالمكتبة الظاهريّة.
(5) وكتابه "معجم الصحابة" مطبوع في خمس مجلّدات.
(6) وكتابه "معجم الصحابة" مطبوع متداول.
(7) في الأصل: (في جامعهم).
(8) وهو كتاب: "تجريد الصحابة"، وهو مطبوع متداول.
(9) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( وآخرُهم شيخُنا الحافظُ ابنُ حجر ))، وهو إشارةٌ إلى الكتاب الحافل "الإصابة في تمييز الصحابة".
(10) التقريب والإرشاد ()، وانظر: التقييد والإيضاح (ص 274)، نزهة النظر (ص 152)، وفتح المغيث (4/147).
(11) أخرجه الحاكم (4/86) ، والطبراني في المعجم الكبير ومن طريقه الضياء في المختارة ( )، من حديث عبدالله بن بُسْر - رضي الله عنه - ، وفي إسناده مقال، لكن حسّنه الشيخ الألباني وأورده في الصحيحة (رقم: 1254).(1/39)
وعدَّ الخطيبُ(1) منصورَ بنَ المعتمر منهم، ولم يسمعْ أحداً من الصحابة، وقولُ الخطيب: (له من الصحابة ابنُ أبي أَوْفى) يريدُ في الرؤية [لا](2) السماع والصُّحْبة، ولم أر من عدَّه فيهم؛ لا جرم قال النووي(3) إنّه ليس بتابعيّ وإنّما هو من أتباعهم.
والأعمشُ سليمانُ بنُ مِهْران عدَّه مسلمٌ وابنُ حبّان منهم(4)، وكذا عبدُالغني(5)؛ قال ابنُ حبّان: (أخرجناه في هذه الطبقة لأنّ له لُقِيًّا وحفظاً، رأى أنس بنَ مالك، وإن لم يصحَّ له سماعُ المسنَد عنه)، قال ابنُ المديني: (لم يسمع منه، وإنّما رآه رؤيةً بمكّة يصلّي)؛ وليس له روايةٌ في الكتب عن أحدٍ من الصحابة، إلاّ عن ابنِ أبي أَوْفى، في سنن ابن ماجه(6) فقط)، وقال أبو حاتم الرازي(7): (لم يسمع منه)(8) ، وقال الترمذي(9): (إنّه لم يسمعْ من أحدٍ من الصحابة).
__________
(1) في جزئه حديث الستّة من التابعين وذكر طرقه واختلاف وجوهه (ص 32).
(2) في الأصل: (والسماع)، والمثبَت هو الصواب، وقد نقل السخاوي في فتح المغيث (4/147) عبارةَ ابن الملقّن نفسَها، فلعلّه استفادها منه.
(3) في شرح مسلم (1/53).
(4) الطبقات لمسلم ()، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبّان ().
(5) ابن سعيد الأزدي، وذلك في جزئه من روى من التابعين عن عمرو بن شعيب كما في التقييد والإيضاح (ص 257).
(6) سنن ابن ماجه (رقم: 173)، في حديث (( الخوارج كلاب النار )).
(7) الجرح والتعديل (4/146).
(8) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( سمع الأعمشُ من جماعةٍ بالكوفة ماتوا قبل عبدالله، فما المانع أن يكون سمع منه )).
(9) في جامعه (رقم 14).(1/40)
وعدَّ فيهم أيضاً عبدُالغني: يحيى بن أبي كثير، وموسى بن أبي عائشة، وجرير بن حازم، لكون الأول لقي أنساً(1)، الثالث رآه(2)، الثاني لقي عمرو بنَ حُرَيْث(3).
وابنُ حبّان شرط في الرواية شرطاً لم أر من وافقه عليه: أن يكون رآه في سنِّ مَن يحفظُه عنه(4)؛ ليُخرجَ الصغيرَ الذي لم يحفظ عنه، فإنّه لا عبرة به؛ كخَلَفِ بنِ خليفة؛ وإن عدَّه في أتباع التابعين، وإن كان رأى عمرو بنَ حُرَيْث؛ لكونه كان صغيراً.
وعدّهم الحاكمُ(5) خمسَ عشرةَ طبقةً، ومسلم في طبقاته وكذا ابنُ سعد ربما بلغ بهم أربعاً.
ثم قلتُ: (ومن روى من الأكابر عن الأصاغر، كرواية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تميمٍ الداري والصدّيقِ وغيرِهما، ويُلقَّبُ أيضاً برواية الفاضل عن المفضول)؛ وحديثُ تميمٍ أخرجه م(6) ، وهو حديثُ الجسّاسة؛ وروايتُه عن الصدّيق في الأذان(7) وروايةُ الصدّيق عنه؛ ومثل ذلك روايتُه عن عمر وسعدِ بن عُبادة(8) وهما عنه.
__________
(1) انظر: جامع التحصيل في أحكام المراسيل (ص 299).
(2) في التقييد والإيضاح (ص 275): وقد روي عن جرير أنّه قال: مات أنسٌ ولي خمس سنين.
(3) وفي التاريخ الكبير للبخاري (7/289) والثقات لابن حبّان (5/404) أنّه رآه.
(4) انظر: مشاهير علماء الأمصار ().
(5) في المعرفة (ص 41-42).
(6) صحيح مسلم (رقم: 2942).
(7) قصّة الأذان ليس فيها رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه - ، وإنّما الذي فيها روايتُه - صلى الله عليه وسلم - عن عبدالله بن زيد بن عبد ربّه، أخرجه أبو داود () ...
(8) أمّا روايتُه - صلى الله عليه وسلم - عن عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - فهي قولُه - صلى الله عليه وسلم - : (( حدّثني عمر أنّه ما سابق أبا بكر إلى خير قطّ إلاّ سبقه ))، أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (5/77)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/65)، وفي إسناده مبارك بن فضالة، وهو مدلّس.(1/41)
وفائدتُه تنزيلُ الناس منازلَهم؛ وقد روى أبو داود(1) من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أنزلوا الناسَ منازلَهم )).
ثم قلتُ: (وروايةُ الشيخ عن التلميذ، كرواية الزهري ويحيى بن سعيد وربيعة وغيرهم عن مالك)، هو ممّا يُستفاد بجلالة الآخِذ والمأخوذ عنه.
ثم قلتُ: (وروايةُ النظير عن النظير، كالثوري وأبي حنيفة عن مالك حديثَ: الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها(2)).
قلتُ: فإنْ روى بعضُهم عن بعض فهو كالمُدَبَّج، كما ذكرتُه بعدُ حيث قلتُ: (ومعرفةُ المُدَبَّج، وهو روايةُ الأقران بعضِهم عن بعض، فإن روى أحدُهما عن الآخر ولم يرو الآخرُ عنه فغير مُدَبَّج).
وللدارقطني [فيه](3) كتابٌ حافلٌ.
مثالُه في الصحابة: روايةُ(4) أبي هريرة عن عائشة وعكسُه، وفي التابعين: الزهريُّ عن أبي الزبير وعكسُه، وأتباعِهم: مالكٌ عن الأوزاعيّ وعكسُه، وأتباعِ أتباعهم: أحمدُ عن ابن المدينيّ وعكسُه.
__________
(1) السنن (رقم: 4842)، وهو من طريق ميمون بن أبي شبيب عن عائشة، قال أبو داود عقبه: ميمونٌ لم يدرك عائشة ))، والحديث في السلسلة الصحيحة (رقم: 1894).
(2) الحديث عند مسلم (رقم: 1421)، لقتيبة عن مالك.
ورواية الثوري وأبي حنيفة كلاهما عن مالك أخرجها قاضي المرستان محمد بن عبدالباقي الأنصاي كما في جامع مسانيد أبي حنيفة للخوارزمي (2/119-120)؛ ورواية أبي حنيفة وحده عن مالك أخرجها الحسين بن خسرو في مسنده كما في المصدر المذكور (2/119).
(3) الزيادة بين المعقوفين يقتضيها السياق، وهي ساقطةٌ من الأصل.
(4) في الأصل: (رواة).(1/42)
وقد يجتمع جماعةٌ من الأقران في حديثٍ واحدٍ، وهو حديثٌ أخرجه أحمد(1) عن أبي خَيْثَمَة زُهَيْر بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني عن عبيدالله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة قالت: (( كُنَّ أزواجُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذْنَ من شعورهنّ حتى يكون كالوَفْرَة ))؛ فأحمدُ وأقروايه(2) أقران.
ثم قلتُ: (ومعرفةُ روايةِ الآباء عن الأبناء، كرواية العبّاس عن ابنه الفضل، وعكسِه، [وكذا](3) روايةُ الأمّ عن ولدها).
أما الأوّل، فأفرده بالتصنيف الخطيبُ.
وروايةُ العبّاس هذه عن ابنه هو حديثُ: جمَع عليه الصلاة والسلام بالمزدلفة(4)؛ وروي أيضاً عن ابنه عبدالله، ذكره ابنُ الجوزي في تلقيحه(5).
وروى وائلُ بنُ داود عن ابنه بَكْر عدّةَ أحاديث، منها حديثُه عن الزهري عن أنس بن مالك: أنّه عليه الصلاة والسلام أوْلم على صفيّة بسَوِيق وتمر(6)، رواه عنه.
وروى سليمان التَّيْمي عن ابنه مُعْتَمِر حديثين(7).
ووقع ذلك لخلقٍ، فلا نُطَوِّل تعدادَهم(8).
__________
(1) لم أجدْه في المسند، وأخرجه من طريق الإمام أحمد الذهبيُّ في السير (18/571). وأخرجه مسلم (رقم: 320) عن عبيدالله بن معاذ.
(2) الكلمة غير واضحة في الأصل، ولعلّها كذلك في الأصل الذي نقل منه الناسخُ، ولذلك كتب على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( لعله: فأحمد والأربعةُ فوقه خمستُهم أقران. قاله الخطيب ))، وانظر: الكفاية ().
(3) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وقد استدركتُه من متن التذكرة.
(4) أخرجه الخطيب البغدادي في كتابه رواية الآباء عن الأبناء كما في مقدّمة ابن الصلاح (ص 477).
(5) تلقيح فهوم أهل الأثر ().
(6) أخرجه أبو داود (رقم: 3477)، والترمذي (رقم: 1095 ، 1096)، وابن ماجه (رقم: 1909)، وابن حبّان (الإحسان: 9/ رقم: 4061 ، 4064)، من طريق سفيان بن عيينة عن وائل بن بكر.
(8) انظر: المقنع (2/535-539).(1/43)
وأما الثاني(1)، فكرواية أمّ رُومان عن ابنتها عائشة، قال ابنُ الجوزي في تلقيحه(2): روتْ عنها حديثين(3)؛ قال: وروى الصدّيقُ عن ابنته عائشة حديثين(4)؛ وذكر ابنُ الصلاح(5) حديثاً عنه عنها، وقال: إنّه غَلَط، بينها أبو بكر بن أبي عَتِيق، وكذا أخرجه خ(6).
وأما الثالث(7)، فصنَّف فيه أبو نصر الوائلي(8).
وروايةُ الرجل عن أبيه عن جدّه من المعالي؛ ومنها: ما أخرجه ابنُ حبّان في صحيحه(9) من حديث عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن محمد بن عبدالله بن عمرو عن أبيه مرفوعاً: (( ألا أُحدِّثُكم بأحَبِّكم إليَّ وأقربِكم منّي مجلساً )) الحديث، وهو غريب؛ وقد ترجم لمحمدٍ هذا ابنُ يونس في تاريخه، وابنُ حبّان في ثقاته(10)؛ قال ابنُ يونس: روى عن أبيه، روى عنه حَطِيمُ بنُ الحارث الفِهْمي في أخبار سعيد بن عُفَيْر وابنُه شعيب بن محمد.
ثم قلتُ: (ومعرفةُ الإخوة والأخوات، كعمر وزيد ابنَيْ الخطّاب).
قلتُ: وقد أفرد[ه](11) بالتأليف: علي بن المديني، و د ، م ، س(12) ، وأبو العبّاس السرّاج.
__________
(1) يعني: رواية الأمّ عن ولدها، وحقُّه أن يؤخَّر.
(2) تلقيح فهوم أهل الأثر ().
(5) المقدّمة (ص 478).
(6) الصحيح (رقم: 5687)، وهو حديث ...
(7) يعني: رواية الأبناء عن الآباء، وحقُّه أن يقدَّم.
(8) السجزي، عبيدالله بن سعيد بن حاتم، الإمام الحافظ شيخ السنّة، توفّي سنة (444 هـ).
(9) الإحسان (2/ رقم: 485).
(10) الثقات (5/353).
(11) الضمير بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(12) الرموز لأبي داود ومسلم والنسائي، وقد كتبها الناسخ أسفلَ النصّ.(1/44)
ومن ذلك: بنو راشدٍ السلميّ الأربعةُ(1) - وقد وُلدوا في بطن واحد، وكانوا علماءَ -: محمدٌ وعمرُ وإسماعيلُ، ولم يسمِّ البخاريُّ والدارقطنيُّ الرابعَ(2).
ومثلُ ما مثّلتُ: عبدُالله وعتبةُ بنُ مسعود صحابياً(3).
ومثالُ السبعة في التابعين: بنو عبدالله بن عمر بن الخطّاب: سالمٌ وعبدُالله وحمزةُ وعبيدُالله وزيدٌ وواقدٌ وعبدُالرحمن.
ومن الغرائب: أخوان بينهما في العُمْر ثمانون سنة: موسى بن عَبِيدة الرَّبَذي، وبينه وبين أخيه عبدِالله ذلك.
ثم قلتُ: (ومن اشترك عنه في الرواية اثنان تباعد[ا](4) ما بين وفاتيْهما، كالسرّاج، فإنّ خ روى عنه، وكذا الخفّاف، وبين وفاتيْهما مائة وسبع وثلاثون أو أكثر).
قلتُ: صنّفَ فيه الخطيبُ "السابق واللاحق"(5).
وآخرُ من روى عن السرّاجِ الخفّافُ، ومات سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة، وتوفي خ سنة ستٍّ وخمسين ومائتين.
ومن أمثلته: الفخرُ بنُ البخاري شيخُ شيوخنا، قد سمع منه الزكيّ عبدُ العظيم ومات سنة ستٍّ وخمسين وستمائة، وأدركنا نحن أصحابَه إلى ما بعد السبعين والسبعمائة.
ثم قلتُ: (ومن لم يرو عنه إلاّ واحدٌ، من الصحابة فمن بعدهم، كمحمد بن صفوان، لم يرو عنه غيرُ الشَّعْبي).
قلتُ: أفرده بالتأليف مسلمٌ، وسمّاه المنفردات والوحدان(6)، ولم يروه ابنُ الصلاح(7).
ثم قلتُ: (ومن عُرف بأسماءَ أو نُعوتٍ متعدِّدة، كمحمد بن السائب الكلبي المفسِّر).
__________
(1) وقع في الأصل بعد كلمة (السلمي) بياضٌ ثم كلمة (إسماعيل) ثم كلمة (الأربعة)، وقد تصرَّفتُ في ذلك ليستقيم الكلام..
(2) انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1/80)، والضعفاء والمتروكين للدارقطني (2/208).
(3) المقنع (2/524).
(4) ألف الإثنين ما بين المعقوفين ساقط من الأصل وكذا من أصل التذكرة، ووجودُه لازم لصحّة الكلام، والله أعلم.
(5) وهو مطبوع متداول.
(6) وهو مطبوع.
(7) قال في المقدّمة (ص 492): ولمسلمٍ فيه كتابٌ لم أرَه.(1/45)
قلتُ: وقد أفرده بالتأليف عبدُ الغني(1)، ثم الخطيبُ في موضِح أوهام الجَمْع والتفريق(2).
وما يُدلَّس به الكلبي بكنيته بأبي هشام، كما رواه الخطيب في حديث عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: لما أُنزل (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً) الحديث، قال ابنُ أبي حاتم عن أبيه: هو الكلبي.
ثم قلتُ: (ومعرفةُ الأسماء والكنى والألقاب).
قلتُ: وصنَّفَ في الأسماء المفردة: البَرْديجي(3)، واعترض عليه أبو عبدالله بن بُكَيْر وغيرُه؛ وفي الأسماء مطلقاً: جي(4) ، خ ، ، وابنُ أبي حاتم، والكَلْبي، وخلقٌ كما ستعلمه؛ والألقاب للشيرازي(5)، والفَلَكي(6)، وابن الدبّاغ(7)، وابن الجَوْزي(8)؛ وصنّفَ في الأسماء والكنى: ابنُ المديني، والحاكمُ أبو أحمد(9)، وابنُ منده(10)، وخلقٌ منهم ابنُ عبدالبرّ في عدّة مؤلّفات(11).
ثم قلتُ: (ومعرفةُ مفرداتِ ذلك)، يعودُ إلى الأقسام الثلاثة.
__________
(1) وسمَاه: "إيضاح الإشكال"، واختصره السيوطي في جزءٍ سمّاه "كشف التلبيس عن قلب أهل التدليس"، عندي منه صورةٌ عن نسخة نادرة، وقد أتممتُ نسخَه ومقابلتَه، يسّر الله إتمامَ تحقيقه ونشره.
(2) وهو مطبوع متداول.
(3) وكتابُه "طبقات الأسماء المفردة من الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث" مطبوع متداول، ومعه اعتراضات ابن بُكَيْر المذكورة.
(4) الرمز للبَرْديجي.
(5) أبو بكر أحمد بن عبدالرحمن (ت 441 هـ).
(6) أبو الفضل علي بن الحسين بن أحمد (ت 427 هـ).
(7) أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل القرطبي (ت 393 هـ).
(8) وكتابه "كشف النقاب عن الأسماء والألقاب" مطبوع.
(9) وكتابه "الكنى والأسماء" طُبع القدر الموجود منه في خمس مجلّدات.
(10) محمد بن إسحاق (ت 395 هـ)، له كتاب "فتح الباب في الكنى والألقاب"، طُبع القسم الموجود منه في مجلّد.
(11) جمعها في كتابه "الاستغنا في معرفة الكنى"، وهو مطبوع متداول.(1/46)
ثم قلتُ: (ومن اشتهر بالاسم دون الكنية، وعكسُه).
قلتُ: ولابن عبدالبرّ في الثاني تأليفٌ(1)؛ مثاله: أبو إدريس الخَوْلاني، واسمُه عائذُ الله؛ وأبو إسحاق المَسْمَعي، اسمه عمرو؛ ومثال الأول كثير.
فائدة: روى الحاكمُ(2) من حديث أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن شدّاد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعاً: (( من صلّى خلف الإمام فإنّ قراءتَه له قراءةٌ ))، قال الحاكم: عبدُالله هو الوليدُ كما بينتُه عن ابن المثنّى.
قال الحاكم: ومن تهاون في معرفة الأسامي أورثه مثل هذا الوهَم.
ووقع عكسُه، وهو رواية النسائي(3) عن أبي أسامة حمّاد بن السائب، في حديث ابن عبّاس: (( ذكاةُ كلّ مسكٍ دباغُه ))؛ وإنّما هو: عن حمّاد بن السائب(4)، وأبو أسامة إنّما اسمُه حمّادُ بن أسامة، وحمّادُ بن السائب هو الكلبي الواثقي السالف، وكنيتُه أبو أسامة؛ قال عبدالغني(5): كذا وهِم فيه النسائي في كتابه وهماً قبيحاً.
ثم قلتُ: (ومَن وافق اسمُه اسمَ أبيه)، قلتُ: منهم: شيخُنا فتحُ الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن سيّد الناس الحافظ، ومحمد بن أبي الحرَم(6) القلانسي المُسنِد.
ثم قلتُ: (والمؤتلِف والمختلِف).
__________
(1) هو كتابُه "أسماء المعروفين بالكنية من التابعين ومن بعدهم"، وهو مضمَّنٌ في كتابه "الاستغنا".
(3) في الكنى، كما بيّنه عبدالغني الأزدي في إيضاح الإشكال ()، وانظر: الموضح لأوهام الجمع والتفريق (2/358).
(4) أي: (عن أبي أسامة عن حمّاد بن السائب)، وهكذا أخرجه الحاكم في المستدرك (4/138) من طريق نُعَيْم بن حمّاد عن أبي أسامة.
(5) في إيضاح الإشكال ().
(6) هو: محمد بن محمد ...(1/47)
قلتُ: وأوّلُ من صنَّف فيه: عبدُالغني(1)، ثم الدارقطني(2)، وأكملُه الإكمال لابن ماكولا(3)، وذيَّل عليه: ابنُ نقطة(4)، ثم الحافظُ كمال الدين ابنُ الصابوني(5)، وابنُ سَلِيم المعروفُ بابن العماديّة(6)، ثم مُغْلَطاي(7)، ولخَّصتُ ذلك في مجلّدٍ بزيادةٍ؛ وللذهبي فيه مؤلَّف اعتمد فيه على الخطّ(8).
__________
(1) الأزدي؛ وكتابُه "المؤتلف والمختلف" مطبوع متداول.
(2) وكتابه "المؤتلف والمختلف" مطبوع أيضاً.
(3) وهو مطبوع أيضاً.
(4) وكتابه "تكملة الإكمال" مطبوع أيضاً.
(5) وكتابه "تكملة إكمال الإكمال" مطبوع قديماً.
(6) وكتابه "ذيل تكملة الإكمال" مطبوع كذلك.
(7) واسم كتابه: "الإيصال لكتاب ابن سليم وابن نقطة والإكمال"، توجد منه نسخة بخطّ المؤلف في الخزانة العامّة بالرباط (برقم: ).
(8) سمّاه "المشتبَه"، وهو مطبوع متداول. وقد كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( وشيخُنا الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي نبَّه على الأوهام الواقعة فيه ))، وهو يشير إلى كتاب "الإعلام بما في مشتبه الذهبي من الأوهام"، وهو مطبوع متداول، وللحافظ ابن ناصر الدين شرحٌ على "مشتبه الذهبي" سمّاه: "توضيح المشتبه"، وهو مطبوع كذلك.(1/48)
ومن أَطْرَف ما وقع فيه ابنُ الصلاح: لمّا ذكر الحَرِيري والجُرَيري قال(1): الحريري شيخُ خ م بالحاء المفتوحة؛ وهذا غلِط فيه، تبعه فيه النووي(2)، وصوابُه أنّه شيخُ م وحده، وهو وهَمٌ تسلسلوا فيه؛ فإنّه تبع المشارق(3)، والمشارقُ تبع الجَيّاني(4)، وسبقهم الحاكمُ فذكره في المتّفق عليه(5)، وأغربَ الكلاباذي فذكره في كتابه(6)؛ وسببُ هذا الوهَم أنّ خ أخرج ليحيى بن بِشْر البلخي، فظنّاه الحريري وجعلوه واحداً، وإنّما هما اثنان كما بيَّنَهما ابنُ أبي حاتم في جرحه وتعديله(7) والخطيبُ في متّفقه ومفترقه(8) وتلاهما المزّي(9).
ولا يرد الجَريري – بفتح الجيم -، لأنّه لم يقعْ منسوباً – وإن ذكره الجَيّاني(10) -، وهو: يحيى بنُ أيّوب، من ولَد جرير بن عبدالله البَجَلي، وقال: ذكره خ مستشهداً به في أوّل كتاب الأدب(11)، وكذا ذكره صاحبُ المشارق(12)، قال: وفي خ يحيى بن أيّوب الجَريري بفتح الجيم في أوّل كتاب الأدب.
وأهمل (الجُذامي والحِزامي)، وقد ذكره في المشارق(13)، وهو: فَرْوَة بنُ عبدالله، فهذه العلّةُ في تركه لأنّه لا يَلْتَبِس به.
__________
(1) المقدّمة (ص 549-550)، وعبارتُه فيها: (( وفيها الحريري بالحاء المهملة يحيى بن بشر شيخ البخاري ومسلم )).
(2) في الإرشاد ().
(3) مشارق الأنوار في صحاح الآثار ().
(4) تقييد المهمَل وتمييز المشكِل ().
(5) هو كتابٌ جمع فيه الحاكمُ أبو أحمد من اتّفق الشيخان على إخراج حديثه، كذا في التقييد والإيضاح (ص 353).
(6) رجال صحيح البخاري ().
(7) الجرح والتعديل (9/131).
(8) في الأصل: (مفترقه ومفترقه). انظر: المتّفق والمفترق ().
(9) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ().
(10) في تقييد المهمل ().
(11) في (باب من أحقّ الناس بحسن الصحبة) (رقم: 5971).
(12) مشارق الأنوار ().
(13) مشارق الأنوار ().(1/49)
وفي كتاب ابن الصلاح(1): سعدٌ الجاري – يعني: مولى عمر -: سألتُ ابنَ عمر عن الحَيَّتان يقتل بعضُهما بعضاً، رواه مالك في الموطأ(2) عن زيد بن أَسْلَم عنه؛ وهو منسوبٌ إلى الجار مُرْفَأ السفن بساحل المدينة(3)، وقال القاضي(4): يُنسَب إلى جَدِّه، وقال الذهبي في مشتبه النسبة(5): الجارُ موضعٌ بالمدينة، والمُرْفَأ بضمّ الميم وسكون الراء وفتح الفاء مهموز مقصور، وقال في الصحاح(6): أَرْفَأْتُ السفينةَ قرَّبتُها من الشطّ، قال: وذلك الموضعُ مُرْفًأٌ.
وذكر الجَيّاني معه(7): الخارِفي، بخاءٍ معجمة وفاءٍ مكانَ الياء، منهم عبدالله بن مرّة الخارفي، وقد لا يلتبس.
__________
(1) المقدّمة (ص 550).
(2) الموطّأ ().
(3) انظر:
(4) مشارق الأنوار ().
(5) المشتبه ().
(6) الصحاح ().
(7) تقييد المهمل ()، والمقدّمة ().(1/50)
وذكر فيه(1) أنّ جميع ما في الصحيحين والموطّأ (الهَمْداني) بإسكان الميم وإهمال الدال، نسبةً إلى قبيلة هَمْدان، قال: وليس فيها (الهمَذاني) بالدال المنقوط؛ قال صاحبُ المشارق(2): ولكن فيها مَن هو من مدينة هَمَذان ببلاد الجبَل، إلاّ أنّه غيرُ منسوبٍ في شيءٍ من هذه الكتب؛ قال: إلاّ أنّ في خ(3) : مسلمُ بنُ سالم الهمذاني، وضبطه الأصيلي بسكون الميم بخطّ يده، وهو الصحيح؛ قال: ووجدتُه في بعض النسخ للنسفي بالفتح ودال معجمة، وهو وهَمٌ، وإنّما نسبتُه زهري(4)، ويُعرَف بالجُهَني لأنّه كان [نازلاً فيهم](5)؛ وقع في خ في كتاب الأنبياء، في ذكر إبراهيم، في حديث كعب بن عجرة: (( ألا أهدي لك هديّة ))، وفيه: أبو فَرْوَة مُسْلم بنُ سالم الهمداني؛ قال الجيّاني(6): وأراه وهَماً، قال أحمد(7): أبو فَرْوَة الهمداني اسمه عُرْوة، وأبو فَرْوَة النَّهْدي اسمه مُسْلم، قال: وكان ابن مهدي لا يَفْصِلُ بين هذين، وهذا اللفظ في الجملة وقع في خ على الوهم، وليس بهمْداني على الوجهين معاً، وقد ذكر ابن أبي خيثمة(8) حديثَ خ هذا فقال فيه: أبو فَرْوَة الجُهَني؛ وهذا هو الصواب.
__________
(1) المقدّمة ().
(2) مشارق الأنوار ().
(3) في كتاب الأنبياء (رقم: 3370)، وسيشير إليه المصنّف.
(4) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( كذا في المطالع، وفي كلام العراقي: نَهْدي )). وانظر: مطالع الأنوار على صحاح الآثار ()، و
(5) الجملة بين المعقوفين كتبها الناسخ على الحاشية وكتب فوقها كلمة (سبط) إشارةً – والله أعلم – إلى أنّها زيادةٌ منه، والسياق يقتضيها.
(6) في تقييد المهمل ().
(7) في العلل ومعرفة الرجال (2/48) بتصحيفٍ عمّا هنا.
(8) في الأصل: (أبو خيثمة)، والتصويب من تقييد المهمل، وانظر: تاريخ ابن أبي خيثمة ().(1/51)
وأوردتُ على كتاب ابن الصلاح ما نصُّه(1): قلتُ: قال أبو علي الجيّاني(2): أبو أحمد المرّارُ بنُ حمُّويه الهمَذاني – بفتح الميم وذال معجمة – يُقال: إنّ خ حدّث عنه عن أبي غسّان في كتاب الشروط(3)؛ قلتُ: ونُسَخُ خ ليس فيها ذكرُ نسبةٍ، وفي معظم الروايات: أنا أبو أحمد، من غير زيادةٍ، وفي أبي ذرّ زيادةُ مَرّار بن حَمُّويه، وصرّح بأنّه هو موسى بن هارون الحمّال، وقيل إنّه غيرُ المرّار(4).
قال ابن ماكولا(5): والهَمْداني في المتقدِّمين بالسكون أكثر، وبالفتح في المتأخِّرين أكثر.
قال ابن الصلاح(6): وهو كما قال.
وقال الذهبي في مشتبه النسبة(7): الصحابةُ والتابعون وتابعوهم هم من القبيلة، وأكثرُ المتأخِّرين من البلد، ولا يمكن استيعابُ هؤلاء ولا هؤلاء.
وبخطّه أنّ شيرويه – يعني: ابنَ شهردار الديلمي – أَدْخَل في تاريخ همذان له خَلْقاً من القبيلة وهَماً، وأصحابُ السِّلَفي جعفرُ بنُ علي وعليُّ بنُ عبدالصمد السخاويُّ وعبدُالحكيم [بنُ](8) حاتم وعبدُالمعطي بن فَتُّوح الهمْدانيّون – بالإسكان – خرجوا عن القاعدة، وكذا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعيد بن عُقْدة متأخِّر(9)، وأبو الفضل محمد بن محمد بن عَطّاف بعد الخمسمائة(10)، وكذا أبو إسحاق بن أبي الدمّ قاضي حماة(11)، ومنصورُ بن سليم الحافظ المعروف بابن العماديّة، وخلق.
__________
(1) المقنع (2/612).
(2) تقييد المهمل ().
(3) في (باب إذا اشترط في المزارعة: إذا شئتُ أخرجتُك) (رقم: 2730).
(4) رجّح الحافظ في الفتح (5/386) أنّه مرّار بن حمَويه.
(5) الإكمال ().
(6) المقدّمة (ص 551).
(7) المشتبه ().
(8) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وفيه: (عبدالحكم) تصحيف.
(9) توفي سنة (332 هـ)، ترجمته في السير (15/340-355).
(10) توفي سنة (534 هـ) كما في السير (20/54).
(11) هو إبراهيم بن عبدالله بن عبدالمنعم، توفي سنة (642 هـ)، ترجمته في السير (23/125-126).(1/52)
ثم قلتُ: (والمفترِق والمتّفِق)(1)، وهو ما اتّفق لفظُه وخطُّه وافترقت مسمّياتُه، وأفرده الخطيبُ بالتأليف(2)، وفيه إِعْواز.
ومن أمثلته(3): محمد بن جعفر بن محمد، ثلاثةٌ متعاصِرون ماتوا في سنةٍ واحدة وكلٌّ منهم في عشر المائة، وهم: الأنباري البُندار، والنيسابوري، والبغدادي، ماتوا في سنة ستين وثلثمائة.
ومنها: أبو عمرو الحَوْضي، اثنان ذكرهما الخطيب(4).
ثم قلتُ: (وما تركّبَ منهما)، أي من النوعين الَّذَيْن قبله، وهو: أن يتَّفق الاسمان في اللفظ والخطّ ويفترقا في الشخص، كموسى بن عَليّ وابن عُلَيّ بالضمّ؛ ويأْتَلِف اسما أبويهما خطًّا ويختلفا لفظاً، أو على العكس بأن يَأْتَلِف الاسمان خطاًّ ويختلفا لفظاً ويتّفق اسما أبويهما لفظاً؛ أو نحو ذلك بأن يتّفق الاسمان أو الكنيتان لفظاً وتختلف نسبتُهما نطقاً، أو تتّفق النسبةُ لفظاً ويختلف الاسمان أو الكنيتان لفظاً، وما أشبه ذلك.
وللخطيب فيه كتابٌ حسنٌ يسمّى تلخيص المتشابه(5).
ومن أمثلته: سُرَيْجُ بنُ النعمان، وشُرَيْحُ بنُ النعمان، الأول شيخ خ ، والثاني الصائديّ الكوفي تابعي روى له 4(6) حديثاً واحداً هو في الأضحية(7).
__________
(1) كذا بالأصل، وفي أصل التذكرة بخطّ الناسخ وكذا في المقنع: المتّفق والمفترق.
(2) وكتابه "المتّفق والمفترق" مطبوع.
(3) المتّفق والمفترق ().
(4) المصدر نفسه ().
(5) وهو مطبوع، وللخطيب عليه ذيلٌ يسمّى "تالي تلخيص المتشابه في الرسم"، مطبوع كذلك.
(6) أي: أصحاب السنن.
(7) وهو حديثُه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، الحديث، أخرجه أبو داود (رقم: 2804)، والنسائي (رقم: 4377)، والترمذي (رقم: 1498)، وابن ماجه (رقم: 3142).(1/53)
ومنها: أبو الرِّجال الأنصاري محمد بن عبدالرحمن، مدنيٌّ روى عن أمّه عَمْرة، وأبو الرَّحّال – مهملة مشدّدة – بصريٌّ اسمه محمد بن خالد، وعكسُه(1) له عند ت حديثٌ واحد عن أنس(2)، وهو واهٍ(3).
ومنها: ابن عُفَيْر سعيدُ بنُ كثير شيخُ خ، روى م عن رجل عنه، وابنُ غُفَيْر – بمعجمة – والدُ الحسن.
ثم قلتُ: (والمتشابه)، أي في الاسم والنَّسَب في التقديم والتأخير بالابن والأب، وأفرده الخطيبُ بالتأليف(4)، كما نقلتُ عن خ ترجمةَ مسلم بنِ الوليد بعكسه(5).
ثم قلتُ: (والمنسوبُ إلى غير أبيه، كبلال بن حمامة)، قلتُ: والدُه رَبَاح .
وأفرده شيخُنا علاءُ الدين(6) بالتأليف.
وتَيْمِيَة(7) الذي يُنسَب إليها المجدُ(8) وسببُه، قال: إنّ جدّته من وادي التَّيْم(9).
__________
(1) يعني: خالد بن محمد.
(2) هو حديث: (( ما أكرمَ شابٌّ شيخاً لسنِّه إلاّ قيّض الله له من يُكرمُه عند سنِّه ))؛ أخرجه الترمذي (رقم: 2022).
(3) انظر: السلسلة الضعيفة (رقم: 304)..
(4) سمّاه ابن الصلاح في المقدّمة (ص 565): "رافع الارتياب في المقلوب من الأنساب والألقاب".
(5) المقنع (2/625)؛ وقد وقع هذا للبخاري في التاريخ الكبير (8/153) حيث ترجمه في (الوليد بن مسلم)، وهو من الأخطاء التي عدّها عليه أبو حاتم الرازي كما في بيان خطأ البخاري في تاريخه (رقم: 608).
(6) هو: علاء الدين مُغْلَطاي بن قلِّيج، له كتابٌ سمّاه العراقي في فتح المغيث (3/225): "من عُرف بأمّه" وقال: (( هو عندي بخطّه في ثلاث وستّين ورقة ))، وذكره السخاوي في فتح المغيث (4/293) وقال: (( وعليه فيه مؤاخذات )).
(7) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه الكلمة: (( اسمها: خود )).
(8) هو: مجد الدين عبدالسلام بن ...
(9) انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (ص 248 ، 249 ، 347 ، وغيرها من المواضع).(1/54)
ومنه: أحمرُ بن جَزْء، هو: ابنُ سواء بن جَزْء؛ وابنُ مِسْكين(1)، أحدُ شيوخ س.
ثم قلتُ: (والنسبةُ [التي يسبقُ](2) إلى الفَهْم منها شيءٌ وهي بخلافه، كأبي مسعود البدْري فإنّه نزلها ولم يشهدْها)، أي في قولِ الأكثرين، وهو قولُ الزهريّ وابنِ إسحاق والواقديّ ويحيى بنِ معين وإبراهيمَ الحربيّ(3)، وبه جزم السمعانيُّ(4).
وأمّا البخاريُّ فعدَّه فيمن شهِدها، ورواه في صحيحه(5).
وقال شعبةُ عن الحَكَم قال: أبو مسعود بدْري.
وقال محمدُ بنُ سعد(6): شهد أُحُداً وما بعدها ولم يشهدْ بدراً، قال: وليس بين أصحابنا في ذلك اختلاف.
وقال ابن عبدالبرّ(7): لا يصحُّ شهودُه لها.
وذكر إبراهيمُ الحربيّ أنّه يُشبه أنّه نزلها.
ثم قلتُ: (والمبهمات)، قلتُ: وقد أفرده بالتأليف: عبدُ الغني بن سعيد(8)، والخطيبُ(9)، وابنُ بَشْكُوَال(10).
مثالُه:
__________
(1) هو: الحارث بن مسكين؛ والظاهر أنّ في النصّ هنا سقطاً، فإنّ المقصود: بنو الحارث بن مسكين، وقد جاءت العبارة بنحوها في فتح المغيث للعراقي (3/ 226-227) قال: (( .... )).
(2) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وهو في أصل التذكرة.
(3) انظر: تهذيب التهذيب (3/126)، والإصابة (4/252).
(4) الأنساب (البدري) (1/295).
(5) في كتاب المغازي (رقم: 4007)، وانظر: الفتح (7/379). قلتُ: وجزم مسلمٌ في الكنى والأسماء (2/778) أنّه شهدها.
(6) الطبقات (6/16).
(7) الاستيعاب ().
(8) وكتابه "الغوامض والمبهمات" مطبوع.
(9) وكتابه "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" مطبوع، واختصره الإمام النووي اختصاراً حسناً سمّاه "الإشارات إلى المبهمات"، له نسخ خطّية مذكورة في الفهرس الشامل (الحديث وعلومه: 1/ )، ووقفتُ أثناء البحث في مجاميع المدرسة العُمَريّة الملحة بالمكتبة الظاهريّة على اختصار قديم لكتاب الخطيب ...
(10) وكتابه "غوامض الأسماء المبهمة" مطبوع.(1/55)
السائلةُ عن غُسْل المحيض، هي أسماءُ بنتُ يزيد بن السَّكَن(1)، ويجوز تعدّدُ الواقعة.
وحديثُ الرُّقْيَة(2)، وهو أبو سعيد كما قال الخطيبُ(3)، لكن فيه مقامُ رجلٍ(4).
وحديثُ الأربعة(5) : أتانا ابنُ مِرْبَع ونحن بعَرَفة، الحديث، وهو: يزيد أو زيد أو عبدالله(6).
وحديثُ النسائي(7) من رواية علي بن يحيى بن خلاّد عن عمّ له ذُكر في حديث المسيء صلاته، وهو: رفاعة بن رافع الزُّرَقيّ، كما صرّح به أبو داود(8).
وحديثُ زياد بن عِلاقة عن عمّه مرفوعاً: (( اللهم إنّي أعوذ بك من منكرات ... )) الحديث(9)، هو: قطبةُ بن مالك كما جاء في مسلم من حديثٍ آخر(10).
__________
(1) جاء التصريح باسمها في رواية ...، وفي رواية لمسلم (رقم: 332) أنّها: أسماءُ بنتُ شَكَل.
(2) هو حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - حين مرّوا بحيّ من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم، وأنّ سيّد الحيّ أصيب بلدغة عقرب فطلبوا من يرقيه. أخرجه البخاري (رقم: ) ومسلم (رقم: 2202).
(3) الأسماء المبهمة ().
(4) في رواية عند البخاري (رقم: 5007) ومسلم (رقم: 2202) أنّ أبا سعيد - رضي الله عنه - قال: فقام معها – أي الجارية – رجلٌ ما كنّا نأبه برقيته فرقاه فبرىء.
(5) أبو داود (رقم: 1919)، والنسائي (رقم: 3017)، والترمذي (رقم: 883)، وابن ماجه (رقم: 3011).
(6) في التقييد والإيضاح (ص 378-379) تفصيل مهمّ لذلك.
(7) السنن (رقم: 1314 ، 1315).
(8) السنن (رقم: 858).
(9) أخرجه الترمذي (رقم: 3591)، وتتمّته: (( ... من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء )).
(10) هو حديث قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر (والنخل باسقات لها طلع نضيد)، أخرجه مسلم (رقم: 457)، فقال مَرّة: عن زياد بن علاقة عن عمّه، وقال مَرّة: عن زياد بن علاقة عن قطبة بن مالك. وأخرجه الترمذي (رقم: 306) فقال: عن عمّه قطبة بن مالك، وهذه الرواية أولى من رواية مسلم في معرفة المُبهَم.(1/56)
وحديثُ النسائي(1) من طريق حُصَيْن بن مِحصَن عن عمّته أنّها أتت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بحاجةٍ، الحديث، هي أسماء(2).
وحديثُ جابر في قتل أبيه يومَ أُحُد: فجعلتْ عمّتي تبكي(3)، هي فاطمةُ بنتُ عمرو بنِ حرام، سمّاها أبو داود الطيالسي في مسنده(4)، وسماها الواقدي(5) هِنداً.
وغيرُ ذلك ممّا لا يُحصى، وبحثنا عن كثير منها فلم نجده إلى الآن، ويُعرَف بوروده مسمًّى في بعض طرقه بالتنصيص، لكن يجوز التعدّدُ، فليس صريحاً فيه.
ثم قلتُ: (والتواريخ والوفيّات)، وهو من أجلّ علومه، فيَضْبِط المولدَ والوفاةَ وتاريخَ السماع والقدوم؛ ليظهرَ اختبارُ الزَّيْف، ويُدفع الرجس عن هذا البيت.
وقد أفرد الوفيّات: ابنُ زَبْر(6)، وابنُ قانع(7).
__________
(1) في السنن الكبرى (5/ رقم: 8963).
(2) قال المزّي في تهذيب الكمال (13/113): (( ذكر ذلك أبو عليّ بن السكن وأبو نصر بن ماكولا )).
(3) أخرجه ...
(4) وهكذا ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة (8/164)، لكن في مسند الطيالسي (رقم: 1817) جاءت مبهمةً كذلك، وإنّما سمّاها الإمام أحمد في مسنده (22/رقم: 14187) وكذا مسلم (رقم: 2471): فاطمة بنت عمرو، والبخاري (رقم: 1244) اكتفى بذكر اسمها دون اسم أبيها.
(5) المغازي ().
(6) في الأصل في هذا الموضع والذي يليه: (ابن رزين)، وهو تصحيف. وهو: عبدالله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان بن زَبْر، قال السخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ (ص 332): (( ابتدأ كتابَه من سنة الهجرة وانتهى إلى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة )).
(7) قال السخاوي في فتح المغيث (4/314): (( وآخر وفيّاته عند سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة )).(1/57)
وقد ذيّل على ابن زَبْر ذيلاً بعد ذيلٍ: الحافظُ أبو محمد عبدُالعزيز بنُ أحمد الكتّاني(1)، ثم ابنُ الأكفاني(2)، ثن ابنُ المُفَضَّل(3)، ثم المُنذِريّ(4)، ثم الشريفُ الحسينيّ(5)، ثم ابنُ أَيْبَك(6) إلى الطاعون.
وعملتُ من أوّل دولة التُّرْك إلى زمننا هذا عَشْرِ التسعين مجلّداً، وضممتُ إليها وفيّات الأعيان.
__________
(1) توفي سنة (466 هـ).
(2) هبة الله بن أحمد الدمشقي (ت 524 هـ). وعن وفيّاته قال السخاوي في فتح المغيث (4/315): (( فعمل نحو عشرين سنة )).
(3) علي بن المفضَّل المقدسي (ت 611 هـ). له كتاب "وفيّات النقلة" قال عنه السخاوي في فتح المغيث (4/315): (( كبير كثير الإتقان والفائدة )).
(4) وكتابه "التكملة لوفيّات النقلة" مطبوع، وهو ذيل على كتاب ابن المفضَّل ابتدأه من سنة 582 هـ، وذكر محقّقُه أنّ الجزء الأوّل من نسخته الخطّيّة مفقود حيث ابتدأت من شوّال سنة 582 هـ.
(5) أحمد بن محمد بن عبدالرحمن (ت 695 هـ)، وكتابه "صلة التكملة لوفيّات النقلة" موجود بخطّه في مكتبة البلديّة بجامعة الإسكندريّة (برقم: )، وصل فيه إلى سنة 635 هـ.
(6) في الأصل: (انزل)، وكأنّ الناسخ صوّر الكلمة كما هي في الأصل الذي نقل منه. وابنُ أيبك هو: أحمد بن أَيْبَك الدمياطي (ت 749 هـ)، وقد ذيّل في وفيّاته على ذيل الحسيني ووصل إلى ذكر الطاعون الواقع سنة 749 هـ.(1/58)
وقد ذكرنا في الأصل(1) عيوناً من ذلك، ونقتصرُ هنا على مقدار سنّه عليه أفضل الصلاة والسلام، والصحيحُ فيها: ثلاثٌ وستّون سنة، كصاحبيه أبي بكر وعمر، وجزم جماعةٌ(2) بأنّه يومُ الإثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، واستشكله السُّهَيْلي(3) بأنّ الوقفة كانت في حجّة الوداع يومَ الجمعة اتّفاقاً، فلا يمكن أن يكون ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة يومَ الإثنين، لا على تقدير كمال الشهور الثلاثة ولا نقصانها ولا كمال بعضها ونقص البعض؛ لأنّ ذا الحجّة أوله الخميس، [فإنْ نقص الثلاثةُ كان الثاني عشر من ](4) ربيع الأول يومَ الخميس، وإن كَمُل الثلاثةُ فالأحد، وإن نقص البعضُ وكَمُل البعضُ كان إمّا الجمعةَ وإمّا السبتَ؛ وقد أُجيب عنه(5) بفرض الثلاثة كوامل، ويكون قولهم: لثِنْتَيْ عشرة ليلةً خلتْ منه، أي: أيامها كاملة، فتكون(6) وفاتُه بعد استكمال ذلك والدخول في الثالث عشر وظاهر؛ ووقع لابن حبّان وابن عبدالبرّ(7) أنّه مرض يومَ الأربعاء للَيْلَتَيْن بقيَتا من صفر؛ والذي رواه الواقديُّ عن أبي مَعْشَر عن محمد بن قَيْس: قد اشتكى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر، إلى أن قال: اشتكى ثلاثة عشر(8) يوماً وتوفّي لِلَيْلَتيْن خلتا من ربيع الأول.
ثم قلتُ: (ومعرفةُ الثقات والضعفاء ومن اختُلِف فيه، فيُرَجَّح بالميزان)، هذه ثلاثة أقسام:
__________
(1) المقنع (2/646-656).
(2) منهم: ابن إسحاق، وابن سعد، وسعيد بن عُفَيْر، وابن حبّان، وابن عبدالبرّ، وابن الصلاح، والنووي، والذهبي. انظر: فتح المغيث (4/319).
(3) الروض الأنف (4/270).
(4) الجملة بين المعقوفين ساقطة من الأصل، وقد أضفناها ليستقيم الكلام.
(5) انظر: فتح المغيث (4/320)، والتقييد والإيضاح (ص 383).
(6) في الأصل: (فيكون).
(8) في الأصل: (عشرة).(1/59)
أولها: معرفةُ الثقات، وقد أفردها بالتأليف: ابنُ حبّان، وابنُ شاهين(1)، وغيرهما.
ثانيها: معرفةُ الضعفاء، وأفرده بالتأليف: البخاريُّ، والنسائيُّ، والعقيليُّ، والساجيُّ، وابنُ حبّان، والدارقطنيُّ، وابنُ عديّ(2)، وتبعه الذهبيُّ في الميزان(3)- وفيه إِعْواز(4) وإنْ كان أحسنَ التصانيف -، وأبو العرب، وغيرُهم.
وجمع بين الثقات والضعفاء: البخاريُّ وابنُ أبي خَيْثَمة في تاريخيهما(5)، وابنُ سعد في طبقاته(6)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم(7)، والتمييز للنسائي، وغيرهم.
__________
(1) وكتاباهما مطبوعان متداولان.
(2) وكتبهم في الضعفاء كلّها مطبوعة؛ غير كتاب الساجي.
(3) أي: "ميزان الاعتدال في نقد الرجال"، وهو مطبوع متداول.
(4) كتب الناسخ على الحاشية بحذاء هذه العبارة: (( ولوالدي عليه مؤلَّف، وكذلك لشيخنا الحافظ ابن حجر )). أمّا كتاب والده سبط بن العجمي فهو: "نثل الهميان في معيار الميزان"، وهو موجودٌ بخطّه في ...، وأما كتاب الحافظ ابن حجر فهو: "لسان الميزان"، وهو مطبوع متداول.
(5) "تاريخ البخاري الكبير" مطبوع متداول، و"التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة طُبع قسمٌ منه، والباقي محقَّق في رسائل جامعيّة، ولا يزال ناقصاً.
(6) "الطبقات الكبرى"، وهو مطبوع متداول.
(7) وهو مطبوع متداول.(1/60)
والمقام خطِر لأجل الغرض، لكنّه احتيج إليه بذلاً للنصيحة في الدين، قال الله - عز وجل - : (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا)، وقال عليه الصلاة والسلام في الجرح: (( بئس أخو العشيرة ))(1)، في التعديل: (( إنّ عبدالله رجلٌ صالح ))(2)، إلى غير ذلك فيهما، والتي تدخل فيها الآفة من ذلك الهوى والغرض وهو شرّها، وهو في التواريخ كثير، فاختلاف العقائد وبين المتصوِّفة وأهل العلم الظاهر، وأكثر ذلك في المتأخِّرين، لاشتغالهم بعلوم الأوائل، وفيها ما هو باطل، كالطبيعي، وكثيرٍ من اللاَّهي، وأحكامِ النجوم، والأخذِ بالتوهّم مع عدم الورع، وأفرد ابنُ عبدالبر ّفي العلم بالكلام الأمران المتعارضين بعضهم في بعض، ورأى أنّ أهل العلم لا يُقبل جرحُهم إلا ببيانٍ واضحٍ، وأشرتُ إلى ذلك؛ يتولّى فيرجِّح بالميزان أي بالقسط لا بهذه الأمور.
ثم قلتُ: (ومن اختلط في آخر عمره من الثقات وخَرِف منهم، ومن روى قبل ذلك [عنهم](3))، وهو فنٌّ مهمٌّ أفرده بعضُ شيوخنا بالتأليف(4)، وقد أوضحتُه في الأصل(5) بمثله فلا نطوِّل به.
ثم قلتُ: (ومن احترقت كتبُه أو ذهبت، فرجع إلى حفظه فساء، ومن حدّث ونسي، ثم روى عمّن روى عنه)، قد أوضحتُه في الأصل(6).
ثم قلتُ: (ومعرفة طبقات الرواة والعلماء والموالي والقبائل والبلاد والصناعة والحلي).
__________
(3) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وقد استدركتُه من أصل المتن.
(4) لعلّه يشير إلى شيخه الحافظ خليل بن كَيْكَلْدي العلائي (ت 761 هـ)، وكتابه "المختلطون" مطبوع.
(5) المقنع (2/663-667).
(6) المقنع (2/).(1/61)
أما معرفة طبقات الرواة والعلماء فإنّه مهمّ، فقد يكون اسمان في اللفظ فيُظَنُّ أنّ أحدهما الآخر، فيُمَيِّز ذلك بمعرفة طبقتهما إن كانا(1) من طبقتين، فإن كانا من واحدة فربما أشكل الأمرُ؛ وربّما عُرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة، فربّما كان أحدُ المتّفقين في الاسم لا يروي عمّن روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما فالإشكال أشدّ، وإنّما يميّزُ ذلك أهلُ الحفظ والمعرفة.
ويُعرَف كون الراويين(2) أو الرواة من طبقة واحدة(3): بتقاربهم في السنّ، وفي الشيوخ الآخذين عنهم ؛ إما بكون شيوخ هذا هم شيوخَ هذا، أو تقاربِ شيوخِ هذا [و](4) شيوخِ هذا في الأخذ، كما تقدّمت الإشارةُ إلى نحو ذلك في رواية الأقران.
وقد صنّف في الطبقات جماعةٌ، فمنهم من اختصر كخليفة بن خيّاط و م(5) ، ومنهم من طوّل كابن سعد، وله ثلاثة تصانيف فيها، وكتابه الكبير أولها.
وأما الموالي فمعرفته من المهمّات، وقد ألّف فيه الكِنْدي(6).
وأما القبائل فمعرفتها من المهمّات أيضاً.
وأما معرفةُ البلاد فهو ما يفتقر إليه الحفّاظُ، ومن مظانّه: طبقات ابن سعد.
وأما معرفة الصناعة والحلي فممّا زدتُّه.
قال مؤلِّفُه غفر الله لنا وله: ولْيكن هذا آخرُ كلامنا، وبالله التوفيق عليها.
أبو ذر(7): الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
(1) في الأصل: (كان).
(2) في الأصل: (الروايتين).
(3) في الأصل: (واحد).
(4) زيادةٌ لازمةٌ لاستقامة الكلام.
(5) وكتاباهما في الطبقات مطبوعان.
(6) محمد بن يوسف بن يعقوب (ت 355 هـ)، وكتابُه في الموالي من المصريّين خاصّة كما ذكر السخاوي في فتح المغيث (4/402).
(7) هي كنيةُ الناسخ وشهرتُه، وقد تقدّمت ترجمتُه في مقدّمة التحقيق.(1/62)