إجازة الأخ في الصميم وتراجم مشايخه
أو
(البيان والتبيين للأسانيد المسلسلة بالسلفيين)
شرط الأسانيد المذكورة :
وشرطي هنا أن أسوق الأسانيد عمن تحققنا بسلفيته من كلامه أو من ترجمته أو من عموم نصوص أهل العلم في جماعة هو منهم لم يرد خاص يخرجه عنهم، فأبدأ بذكر طائفة من الأسانيد ثم أعقبها بمخطط توضيحي لأشهر ما ذكرته أجتهد في أن يكون واضحاً وإن اضطرني ذلك إلى أن لا أستوعب كل من ذكرتهم في الأسانيد قبله، وبعده إن شاء الله أنقل ما يتعلق بمذاهب الرواة فأستوعب من عليهم مدار أكثر الأسانيد، وكذا كل مشهور قد يخفى على الكثيرين حقيقة مذهبه في هذا الباب، وأولي عناية بذكر أقوال أعلام السلفية الذين كانوا للأمة كالنجوم في قرون الظلام والأعصار المتأخرة، والنقل يكون على الترتيب التالي:
1- فأعلى ذلك نقل نص من كلام الراوي على علو الله تعالى على خلقه وكونه في سمائه على مذهب السلف الكرام، أو الإحالة على موضع في كتبه إن كان كلامه فيه طويلاً.
2- ثم نقل نص من كلام الراوي في صفات الله تعالى -من غير تقيد بصفة العلو- على ما يجلي منهجه السلفي فيها، أو الإحالة على موضع في كتبه إن كان كلامه فيها طويلاً.
3- ثم نقل نص من كلام الراوي في متابعته وتأييده ونصرته لمقالات أئمة السنة ممن كانوا غصة في حلوق المبتدعة، ولا أحتج في ذلك بالمدح المطلق للإمام وإنما أذكر منه ما فيه نص على الإشادة باعتقاده واتباعه للسنة وإذاعته لها.
4- ثم نص من إمام عالم سلفي في تزكية مذهبه ومعتقده.
5- ثم نص من إمام عالم سلفي في تزكية جماعة يدخل فيهم هذا الراوي واستحسان مذهبهم، بشرط عدم وجود ما يخالف ذلك ويضاده من كلام الراوي أو نصوص العلماء.(1/1)
ومما ينبغي التنبه له أنني أعرضت عن كلام الرواة بعضهم في بعض عند ثبوت صريح الاعتقاد الصحيح عنهم، لأن الكلام في الأعيان الذين لم يصح دليل على وجوب الموالاة والمعاداة فيهم ليس مما يخل بالاعتقاد ولا يدل على انتفائه بعد ثبوته، وإنما يكون صواباً وخطأً بقدر ما يظهر صاحبه من دليل وبعرضه على سواه من الأدلة. وتقوت أهل الأهواء في شبهاتهم للنيل من الأئمة لا يخرج غالباً عن هذا الضرب من الكلام، فيضللون قارئهم عن مذهب الإمام -والذي يقضي عليهم بالضلال- وينقلون من كلامه في إمام آخر ما يريدون به التوصل إلى الطعن في اعتقادهما ! ولسنا بحمد لله ممن تمر عليه مثل هذه الحيل والأباطيل فإن منهجنا أهل السنة من الوضوح والإحكام بما تعجز عن زعزعة شيء من بنيانه جموع الكفر لو احتشدت فكيف بحشرات الضلالة وسخافات الأهواء ؟
إذا علمت هذا تبين لك أن لا تأثير لما يقتطعه القرامطة وغيرهم ويشوهونه من كلام أهل العلم في بعضهم، لعدم تأثيره على ما نحن بصدد نقله من الاعتقادات الصحيحة في علو الله عز وجل وصفاته أولاً، ولتحريفاتهم وكتمانهم اليهودي وانعدام صدقهم وأمانتهم في النقل ثانياً.
ولنشرع فيما ذكرنا بعون الله وتوفيقه.
الإجازة :
أجازني محدّث الشام الآن العلامة أبومحمود عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله غير مرة، وهو يروي بالإجازة عن جمع، منهم الشيخ محمد المنّوني (ح)
وأجازني عالياً الشيخ المتفنن محمد بن عبد الهادي المنّوني المكناسي المغربي السلفي رحمه الله، وهو يروي عن جماعة، منهم الشيخ المؤرخ الرحلة عبد الحفيظ الفهري الفاسي (ح)
وأجازنا الشيخ العلامة أبوأويس محمد الأمين بوخبزة التطواني السلفي حفظه الله في كتابه إلينا من المغرب، وهو يروي عن جمع، منهم الشيخ الألباني لعدد من كتبه مناولة مقرونة بالإذن في روايتها، والشيخ عبد الحفيظ الفهري عامة (ح)(1/2)
يروي الشيخ الفهري بالإجازة عن جمع، منهم عبد الله بن إدريس السنوسي الأثري و جمال الدين القاسمي ، و عبد الرزاق البيطار ، و شمس الحق العظيم أبادي
وأجازنا أعلى صالح أحمد الأركاني رحمه الله -مع براءتي من عهدته فيما لا يصح له- عن العلامة محمد بهجة البيطار -استجازه الأركاني من مكة 1393-
كلاهما (الفهري والبيطار): عن علامة الشام جمال الدين القاسمي، عن خير الدين نعمان الألوسي (ح)
وأنا حمدي عبد المجيد السلفي، عن بديع الدين شاه السندي ، وأخيه محب الله شاه (ح)
وأنبأنا عبد الوهاب الزيد، عن أبي تراب الظاهري، وبديع الدين السندي، وحماد الأنصاري، وإسماعيل الأنصاري، ومحمد بن عبد الله الصومالي، ويحيى عثمان اللكنوي المدرس، وعبد العزيز بن عبد الله الزهراني، ومحمد عبد الله آدُّ الشنقيطي،
كلهم (بديع الدين ومحب الله وأبو تراب والأنصاريان والصومالي واللكنوي والزهراني والشنقيطي): عن والد أبي تراب عبد الحق الهاشمي، عن أحمد بن عبد الله البغدادي، عن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام ونعمان الألوسي (ح)
وأجازني -أعلى- المدرس بالمسجد الحرام الشيخ يحيى السلفي وغيره، عن عبد الحق به.
وبالأسانيد إلى الألوسي، عن أبيه أبي الثناء الألوسي ، وأحمد بن إبراهيم بن عيسى تدبجا (ح)
يروي خير الدين نعمان الألوسي أيضاً عن صديق حسن خان ، و حسين السبعي الأنصاري ، و أمين الواعظ السلفي تلميذ أبي الثناء والمجاز منه.
وروى أبوالثناء الألوسي عن جمع منهم علي بن محمد سعيد السويدي الأثري إجازة عن أبيه محمد سعيد الأثري ، وهو ابن عبد الله السويدي صاحب المناظرة الشهيرة مع الرافضة، وأجاز محمد سعيد جماعة، منهم محمد حياة السندي .
وأنبأنا الزيد عن عبد الله بن حمود التويجري، وزهير الشاويش، ورضاء الله بن محمد المباركفوري، ثلاثتهم عن محمد تقي الدين الهلالي، عن عبد الرحمن المباركفوري (ح)(1/3)
وأنبأنا -أعلى منه بدرجة- حمدي السلفي، عن عبيد الله الرحماني، عن المباركفوري (ح)
وأنبأنا -أعلى بدرحتين- عبد الرؤوف الرحماني ومحمد أكبر الفاروقي عن أحمد الله القرشي -زاد الأول: وعبد الرحمن المباركفوري-
كلاهما (القرشي والمباركفوري): عن حسين محسن الأنصاري و نذير حسين (ح)
وأنبأنا الشيخ العالم السلفي عبد الغني الدقر عن عبد الله العقيل -تدبجا-، عن علي بن ناصر أبو وادي، عن نذير حسين (ح)
وبالإسناد عن عبد الحق الهاشمي، عن جماعة من العلماء، عن نذير حسين (ح)
وبالإسناد إلى شمس الحق العظيم آبادي، عن نذير حسين (ح)
وأنبأنا عبد الوهاب الزيد، عن عبد المنان بن عبد الحق النورفوري الباكستاني مكاتبة، عن أبي الخير إسماعيل بن إبراهيم السلفي الوزير آبادي، ومحمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، كلاهما عن أبي بكر بن محمد عارف خوقير الحنبلي السلفي المكي ، والثاني وحده عن أبيه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ، ونذير حسين (ح)
روى خوقير عن جمع، منهم: نذير حسين، وحسين محسن الأنصاري، ومحمد بن عبد العزيز الهاشمي الجعفري، وأحمد بن إبراهيم بن عيسى.
وأنبأنا الزيد عن سليمان اللهيبي، ومحمد الصومالي وجماعة، كلهم عن سليمان بن حمدان، عن عبد الله بن عبد العزيز العنقري، عن سعد بن عتيق (ح)
وأنبأنا عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ المعمر عبد العزيز بن مرشد الحنبلي، عن سعد بن عتيق إجازة، عن نذير حسين، وابنه حسين، وحسين محسن الأنصاري، وأحمد بن إبراهيم بن عيسى، وصّديق حسن خان، ومحمد بشير، وسلامة الله الهندي (ح)
روى أحمد بن إبراهيم بن عيسى، عن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، وابنه عبد اللطيف، وحسين السبعي، وغيرهم.(1/4)
وبالأسانيد المتقدمة إلى أحمد عبد الله البغدادي، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن، وأحمد بن إبراهيم بن عيسى، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن حسن، عن جمع منهم: محمد بن محمود الجزائري الحنفي الأثري، و عبد الرحمن بن حسن الجبرتي ، وجده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (ح)
مجموعة من الأثبات تجعل رواية عبد الرحمن بن حسن عن جده عامة، وشكك في أخذه عنه بعض المعاصرين معتمدين على ظاهر إجازة واحدة معروفة لعبد الرحمن بن حسن، ومع ثبوت روايته عنه يعتذر عنهم بأن عدم العلم بالشيء ليس علماً بالعدم، والله أعلم بالصواب.
وروى عبد اللطيف بن عبد الرحمن عامة عن جده لأمه، وعم أبيه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الراوي عن أبيه، وروى عبد اللطيف عامة أيضاً عن أبيه، وأحمد بن رشيد الحنبلي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن محمود الجزائري الأثري.
وبالأسانيد المتقدمة إلى حسين محسن الأنصاري عن محمد بن ناصر الحازمي (ح)
وبالأسانيد السلفية المتقدمة إلى نذير حسين السلفي،
كلاهما (الحازمي ونذير حسين): عن محمد إسحاق الدهلوي ، عن عبد العزيز الدهلوي ، عن أبيه الشاه ولي الله (ح)
وبالإسناد إلى شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عن حياة السندي (ح)
وإلى الحازمي عن عبد الرحمن الأهدل، عن إبراهيم وقاسم وعبد الله، ثلاثتهم عن أبيهم محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ح)
وإلى الحازمي عن الشوكاني ، عن عبد القادر الكوكباني ، عن محمد حياة السندي، ومحمد بن إسماعيل الأمير،
ثلاثتهم (ولي الله والسندي والأمير): عن أبي طاهر الكوراني (ح)
وبالإسناد إلى الجبرتي عن جمع منهم صفي الدين البخاري الأثري ، عن السفاريني ، عن عبد القادر بن عمر التغلبي ،
كلاهما (التغلبي وأبو طاهر) : عن أبي الثاني إبراهيم الكوراني المدني (ح)
وبه إلى محمد بن عبد الوهاب، عن عبد الله بن إبراهيم بن سيف الفرضي ، عن أبي المواهب محمد الحنبلي إجازة (ح)(1/5)
وإلى السفاريني عن مصطفى اللبدي، ومحمد بن عبد الجليل المواهبي، والشيخ عواد بن عبيد الكوري، وعبد القادر التغلبي الحنبليين، كلهم عن أبي المواهب الحنبلي،
كلاهما (أبو المواهب وإبراهيم الكوراني) : عن أبي الأول مميز عبد الباقي البعلي (ح)
وإلى أبي المواهب الحنبلي عن محمد بن بدر الدين البلباني الصالحي (ح)
وإلى التغلبي عالياً عن عبد الباقي البعلي والبلباني (ح)
وبالأسانيد المذكورة إلى عبد الباقي عن مرعي الكرمي، عن محمد بن أحمد المرداوي، عن موسى الحجاوي، عن الشويكي، عن ناصر الدين ابن زريق، عن الحافظ ابن ناصر الدين (ح)
وبالإسناد إلى الشويكي، عن العسكري، عن العلاء المرداوي، عن ابن عروة الحنبلي (ح)
وبه إلى العسكري، عن النظام عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح (ح)
وبالأسانيد إلى البلباني، عن أحمد الوفائي المفلحي، عن البرهان إبراهيم بن محمد ابن مفلح، وموسى الحجاوي، عن والد الأول النجم بن مفلح، عن أبيه برهان الدين، عن جد الأخير شرف الدين عبد الله بن محمد بن مفلح،
الأربعة (الشرف ابن مفلح والنظام ابن مفلح وابن ناصر الدين وابن عروة) : عن أبي بكر ابن المحب الصامت، والأول وحده عن أبيه صاحب الفروع (ح)
وبه إلى عبد الباقي، عن عبد الرحمن البهوتي الحنبلي الأثري، عن تقي الدين بن النجار الفتوحي، عن أبيه أحمد، عن بدر الدين محمد السعدي الحنبلي، عن عز الدين أبي البركات الكناني (ح)
وبالأسانيد إلى أحمد بن علي المفلحي، عن ابن طولون، عن محمد بن أحمد بن علي بن أبي عمر،
كلاهما (العز الكناني ومحمد ابن أبي عمر): عن عائشة بنت عبد الهادي، عن الحفاظ المزي والذهبي والبرزالي وابن القيم (ح)
وبه إلى العز الكناني، عن محب الدين بن نصر الله البغدادي الحنبلي، عن ابن رجب، عن ابن القيم،
الأئمة الستة (ابن مفلح وابن المحب وابن القيم والمزي والذهبي والبرزالي) عن شيخ الإسلام ابن تيمية (ح)(1/6)
وبالإسناد إلى الشرف ابن مفلح عن ست العرب حفيدة ابن البخاري (ح)
وبه إلى الشويكي، عن يوسف بن حسن بن عبد الهادي، عن جده أحمد بن حسن بن عبد الهادي -آخر من سمع من الصلاح ابن أبي عمر-، عن الصلاح بن أبي عمر -آخر من سمع من ابن البخاري- (ح)
وبالإسناد إلى العز الكناني، عن الجمال عبد الله بن علي الكناني، عن أبي الحسن علي العرضي،
الأربعة (ابن تيمية وابن أبي عمر والعرضي وست العرب) : عن جد الأخيرة الفخر ابن البخاري.
وبالأسانيد إلى الشرف ابن مفلح، عن أبي العباس المرداوي،
وبه إلى النجم ابن مفلح، عن ست الفقهاء بنت زريق، عن فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن زينب بنت الكمال،
الثلاثة (زينب والمرداوي وابن تيمية) : عن أحمد بن عبد الدائم.
وبالإسناد إلى ابن المحب، عن التقي سليمان بن حمزة.
روى شيخ الإسلام ابن تيمية بالسماع والإجازة عن جمع كبير، منهم: أحمد بن عبد الدائم المقدسي، والفخر علي ابن البخاري، وشيخ الإسلام الشمس بن أبي عمر المقدسي، وهؤلاء عن جمع غفير، منهم شيخ الإسلام الموفق ابن قدامة.
قلت: وأسانيد الحنابلة متشعبة جداً.. ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وبالوصول إلى هذه الطبقة من أئمة السنة كابن تيمية والذهبي والمزي والتي فوقها كابن البخاري وابن عبد الدائم والتي فوقها كالموفق ابن قدامة تصبح الأسانيد السلفية بحراً لجياً لا يسع أحداً أن من أهل البدع أو القرامطة أن يذكر مثل ذلك التحدي الوقح والذي كسرناه بحمد الله تعالى وسحقناه سحقاً في الطبقات المتأخرة، فكيف بالطبقات العليا ؟ وأقتصر على سند واحد من بين ألوف الأسانيد لأكمل به ما بدأته.(1/7)
فبالأسانيد السلفية المتقدمة إلى الفخر ابن البخاري، أخبرنا حنبل الرصافي، أخبرنا هبة الله ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثني عبد الله بن أحمد -هو الإمام السلفي الكبير الذي لا يروي أحد في الدنيا أشعري ولا غير أشعري المسند إلا من طريقه- حدثني أبي -هو إمام السنة وقامع البدعة الصديق الثاني أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني- قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثني الحجاج بن أبي عثمان، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الال: بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم! فقلت: وا ثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى ايه وسلم - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه- والله ما كهرني ولا شتمني ولا ضربني قال: [ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن] -أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ف رسول الله إنا قوم حديث عهد بالجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا قوماً يأتون الكهان قال: [فلا تأتوهم] قلت: إن منا قوماً يتطيرون! قال: [ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم] قلت: إن منا قوماً يخطون قال: [ كان نبي يخط فمن وافق خطه قال: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي في قبل أحد والجوانية فاطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله أفلا أعتقهاها] فأتيته بها فقال لها: [ أين الله ؟] فقالت: في السماء، قال: [من أنا ؟] قالت: أنت رسول الله، قال: [أعتقها فإنها مؤمنة] - وقال مرة- [هي مؤمنة فأعتقها"(1/8)
عنوان أقاويل الرواة في إثبات علو الله تعالى وسائر الصفات
وأبدأ الآن بنقل ما سبق الوعد به من نصوص تعرف بها سلفية الرواة المذكورين في الأسانيد المقيدة أعلاه، وفق ما ذكرته من شروط، وذلك في شيوخ الشيوخ فمن فوقهم، والله الموفق.
1- الشيخ العلامة السلفي عبد الحفيظ الفهري الفاسي
قال محمود شكري الألوسي في مراسلاته مع القاسمي (ص115) : وقد وردني كتاب في هذه الأيام مؤرخ في 18 ذي القعدة من فاس، بإمضاء عبد الحفيظ بن الشيخ أبي الجمال محمد الطاهر الفهري نسباً، الفاسي داراً ولقباً، السلفي عقيدة، الأثري مذهباً. هذه صورة ما كتبه، وقد ذكر في كتابه أنه من المثنين على شيخ الإسلام، ومن القادحين في الغلاة..
وأنقل فيما يلي كلاماً مهماً للشيخ عبد الحفيظ رحمه الله تعالى من كتابه [الآيات البينات] في تحقيق أصالة مذهب السلف في المغرب، قال رحمه الله :
ذكرنا في مبحث سير مذهب السلف في العقائد في المغرب عند الكلام على حديث الأولية أن الموحدين كانوا حملوا الناس بالسيف على مذهب المؤولة ! وأن الناس بعد ذهاب دولتهم رجعلوا لمذهب السلف مع تمسكهم بالموهب الثاني، وأن العلماء صاروا يحكون القولين وأن الحال استمر على ذلك إلى هذا القرن -وأحال إلى موضعه- وفاتنا أن نبين هناك أن الإمام أبا عبد الله محمد بن أحمد المسناوي الدلائي ثم الفاسي من علماء القرن الحادي عشر والثاني عشر قام بنصرة مذهب السلف وألف كتابه [جهد المقل القاصر في نصرة الشيخ عبد القادر] لطعن الناس في عقيدته الحنبلية وتتبع ما قيل فيه وفي شيخ الإسلام ابن تيمية ونصرهما بما يعلم بالوقوف على تأليفه المذكور.(1/9)
ولما جلس على عرش مملكة المغرب السلطان المعظم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي قام في أوائل القرن الثالث عشر بنصرة هذا المذهب وصرح في أول كتابه [الفتوحات الكبرى] بكونه مالكي المذهب حنبلي العقيدة وافتتح كتابه بعقيدة [الرسالة] لكونها على مذهب السلف، وعقد في آخره باباً بين فيه وجه كونه حنبلي العقيدة ونصره ولم يزل معلناً بذلك في مؤلفاته ورسائله ومجالسه العلمية، وقد نقل عنه أبو القاسم الزياني أنه كان يطعن في الرحالة ابن بطوطة ويلمزه في عقيدته ويكذبه فيما ذكر في رحلته من أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يقرر يوماً حديث النزول فنزل عن كرسيه وقال: كنزولي هذا ! ويبرئ ابن تيمية من عقيدة التجسيم التي تفيدها هذه القضية، ويقرر أن ابن بطوطة كان يعتقد ذلك فأراد أن يظهره بنسبته إلى ابن تيمية !(1/10)
ولما أفضت الخلافة إلى ولده أبي الربيع سليمان نهج منهجه في ذلك واتصلت المكاتبة بينه وبين الأمير سعود ناصر المذهب الوهابي الحنبلي حين افتتح الحجاز وطهره مما كان فيه من البدع وأرسل وفداً مؤلفاً من أولاده وبعض علماء حضرته ووجه له قصيدة من إنشاء شاعر حضرته العلامة المحدث الصوفي الأديب أبي الفيض حمدون بن الحاج مجيباً له عن كتابه ومادحاً له ولمذهبه السني السلفي، ولم يقتصر على ذلك بل تعداه إلى إنكار ما أدخله أرباب الزوايا في التصوف من البدع ! -مع أنه كان ناصري الطريقة- وأمر بقطع المواسم التي هي كعبة المبتدعة والفاسقين وكتب رسالته المشهورة وأمر سائر خطباء إبالته بالخطبة بها على سائر المنابر إرشاداً للناس لاتباع السنن ومجانبة البدع، ولولا مقاومة مشايخ الزوايا من أهل عصره له وبثهم الفتنة في كافة المغرب وتعضيد من خرج عليه من قرابته وغيرهم واشتغاله بمقاتلتهم وإنكساره أمامهم . . . لولا كل ذلك لعمت دعته الإصلاحية كافة المغرب ! ولكن بوجودهم ذهبت مساعيه أدراج الرياح فذهبت فكرة الإصلاح ونصرة مذهب السلف بموته.
قلت : وعقيدة الشيخ عبد القادر في علو الله تعالى ستأتي في نقل كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي إن شاء الله تعالى، وطريقة الفهري واضحة لا لبس فيها وسلفيته في العقيدة تظهر بجلاء في تراجمه للأعلام فتنبه لها فيما سننقله فيهم عنه.
2- الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي السلفي
قال الفهري في البلدانيات (ص47 رقم 37) : من أشهر علماء المغرب، كان على مذهب الأثريين، تلقاه في الحجاز عن علماء الهند كنذير حسين وعبد الرحمن الأيوبي(1/11)
وقال في رياض الجنة (2/81-82) : العالم العلامة المحدث الأثري السلفي الرحالة المعمر . . . كان رحمه الله عالماً مشاركاً محدثاً ملازماً لتلاوة القرآن الكريم حسن النطق به دؤوباً على نشر الحديث وتدريسه، سلفي العقيدة أثري المذهب عاملاً بظاهر الكتاب والسنة نابذاً لما سواهما من الآراء والفروع المستنبطة، منفراً عن التقليد، متظاهراً بمذهبه قائماً بنصرته، داعياً إلى الله مجاهراً بذلك لا يهاب فيه ذا سلطة، شديداً على خصمائه من العلماء الجامدين وعلى المبتدعة والمتصوفة والكاذبين، مقرعاً لهم مسفهاً أحلامهم، مبطلاً آراءهم مبالغاً في تقريعهم، لم يرجع عن ذلك منذ اعتقده، ولا حل من عزمه كثرة معاداتهم له، وتلك عادة من ذاق حلاوة العمل بظاهر الكتاب والسنة.(1/12)
وقال (2/95) : قرأت عليه بلفظي كتاب [الأربعين] لأبي زكريا النواوي، وبعد ختمها قرأت كتاب [الرد على الجهمية] لشيخ أهل السنة ومقتداهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وكتاب [الأدب المفرد] للبخاري إلا يسيراً من آخره، وكذلك [العلو] للذهبي وهو كتاب حفيل عجيب . . . وكان يقول لي: [أنت عندي بمنزلة الولد]، وبسبب هذا الاتصال أمكن لي أن أحقق كل ما نسب إليه من الاعتزال والبدع والأهواء، فوجدته مبايناً للمعتزلة في كل شيء، وبريئاً من كل ما نسب إليه، بل عقيدته سالمة، على أن ما خالف فيه الفقهاء من الرجوع للكتاب والسنة ونبذ التأويل في آيات الصفات شيء لم يبتكره ولا اختص به من دون سائر الناس، بل ذلك هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ومن بعدهم من الهداة المهتدين، وأما اتهامه بإنكار الولايات والكرامات فمعاذ الله أن يصدر منه ذلك ! وإنما هو من مفترياتهم إلا أنه ينكر على المدعين الذين جعلوا التصوغ حبالاً وشباكاً يصطادون به أموال الناس، ويدعون المقامات العالية كذباً وزوراً ! ويبشرون من أخذ عنهم بفضائل تغنيهم عن تحمل أعباء العبادات والعزائم الشرعية.
قلت: والسنوسي نعته عبد السلام بن سودة في إتحاف المطالع بـ [العالم الحافظ الحجة المشارك المطلع السلفي الاعتقاد]، وترجمه ترجمة حافلة في كتابه سل النصال (وفيات 1350)، وذكر إنكاره على القبورية والمبتدعة.
3- العلامة السلفي جمال الدين القاسمي
قال في تفسيره [محاسن التأويل] (2702-2705) :(1/13)
وقوله تعالى: "ثم استوى على العرش" اعلم أن الاستواء ورد على معان اشترك لفظه فيها: فجاء بمعنى الاستقرار ، ومنه "استوت على الجودي"، وبمعنى القصد ومنه "ثم استوى إلى السماء" وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه، قال الفراء: [تقول العرب: استوى إليّ يخاصمني، أي أقبل عليّ]، ويأتي بمعنى الاستيلاء، قال الشاعر: [قد استوى بشر على العراق]، وقال آخر: [فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر]، ويأتي بمعنى العلو ومنه آية "فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك" ومنه هذه الآية.
قال البخاري في آخر [صحيحه] في كتاب الرد على الجهمية، في باب قوله تعالى "وكان عرشه على الماء": [قال مجاهد: استوى: علا على العرش] انتهى .
وفي كتاب [العلو] للحافظ الذهبي: [قال إسحاق بن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: "الرحمن على العرش استوى" أي ارتفع، ونقل ابن جرير عن الربيع بن أنس أنه بمعنى ارتفع، وقال: إنه في كل مواضعه بمعنى علا وارتفع].
وأقول: لا حاجة إلى الاستنكار من ذلك، فإن الاستواء غير مجهول وإن كان الكيف مجهولاً.
روى الإمام أحمد بن حنبل في كتابه [الرد على الجهمية] عن شريح بن النعمان، عن عبدالله بن نافع، قال: قال مالك بن أنس: الله في السماء ، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء .
وروى البيهقي عن ابن وهب، قال: كنت عند مالك، فدخل رجل، فقال: يا أبا عبدالله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة، وفي رواية: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.(1/14)
قال الحافظ الذهبي في كتاب [العلو] –بعد ما ساق هذا– ما نصه: [ وهو قول أهل السنة قاطبة، أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ]
ثم قال الذهبي: [قال الإمام العلم أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري صاحب التصانيف الشهيرة، في كتابه مختلف الحديث: نحن نقول في قوله تعالى "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم": أنه معهم، يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجهته إلى بلد شاسع: احذر التقصير فإني معك، يريد أنه لا يخفى علي تقصيرك، وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إن الله سبحانه بكل مكان، على الحلول فيه، مع قوله "الرحمن على العرش استوى" ومع قوله "إليه يصعد الكلم الطيب"، كيف يصعد إليه شيء هو معه ؟ وكيف تعرج الملائكة والروح إليه وهي معه ؟ قال: ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم وما ركبت عليه ذواتهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله عز وجل هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميها وعربيها يقول: إن الله في السماء، ما تُركت على فطرها] انتهى.
ثم قال الذهبي أيضاً: [عن يزيد بن هارون شيخ الإسلام، أنه قيل: من الجهمية ؟ قال: من زعم أن "الرحمن على العرش استوى" على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي](1/15)
قال الذهبي: [والعامة، مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب، مع يقينهم بأن المستوي "ليس كمثله شيء" هذا هو الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوهوا به ولما أهملوه! ولو تأول أحد منهم الاستواء لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الاستواء ما يوجب نقصاً أو قياساً للشاهد على الغائب وللمخلوق على الخالق فهذا نادر، فمن نطق بذلك زجر وعلم، وما أظن أن أحداً من العامة يقر في نفسه ذلك والله أعلم] انتهى.
قلت: والكلام طويل جداً في عدة صفحات، أكتفي بما نقلته لدلالته الواضحة على المراد فانظر إلى قوله رحمه الله عن تفسير الاستواء بالعلو: [ومن هذه الآية]، وانظر إلى قوله عن تفسير الاستواء في كل مواضعه بمعنى علا وارتفع: [لا حاجة إلى الاستنكار من ذلك، فإن الاستواء غير مجهول وإن كان الكيف مجهولاً]
4- الشيخ عبد الرزاق البيطار الأثري
قال الفهري في البلدانيات (ص10 رقم 4) : الشيخ عبد الرزاق بن بهاء الدين حسن البيطار عالم محدث أثري مؤرخ، من أشهر علماء دمشق
وذكر في رياض الجنة (2/69) أنه كان ميالاً لأهل الحديث وعقيدة السلف، ولقد قال في كتاب وجهه إليّ: [ثم إنني فهمت من خطابكم وفحوى كتابكم أنكم تميلون لمذهب السلف وأهل الحديث، فلله ما أحسن هذا المذهب وأحكمه، وأفخره وأفخمه، مذهب القرآن والسنة، ومنهج من كان له على المخلوقات أعظم منّة، ثم أنشد الأبيات الشهيرة:
دين النبي محمد أخبار . . . نعم المطية للفتى آثار
لا ترغبنّ عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى أثر الهدى . . . والشمس بازغة لها أنوار]
وقد عده الطنطاوي من وهابية دمشق المعروفين، فانظر ترجمة حفيده محمد بهجة البيطار الآتية.(1/16)
وللشيخ البيطار أخبار سلفية في [مراسلات القاسمي مع الألوسي] (ص105 وبعدها)، ومن ذلك قول البيطار (ص104-105) :
إن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية ومذهب السلف، يذُبُّ عن الدين، ويقمع المارقين كالمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية، فما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأئمة الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة، لأن ابن تيمية وأصحابه لم يسئ القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم.
ثم قال البيطار (ص105) : وقد طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في تاريخه من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة، ليس فيها ما يُنكر
5- الشيخ العلامة محمد بهجة البيطار
عد الطنطاوي في رسالته عن محمد بن عبد الوهاب (ص6-7) العلماء الآتين من الوهابيين المعروفين في دمشق:
الشيخ طاهر الجزائري، والشيخ عبد الرزاق البيطار، وحفيده محمد بهجة البيطار، والشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ عبد القادر بدران، والشيخ أحمد النويلاتي، والشيخ عبد الله العلمي، والشيخ عبد القادر المغربي، والشيخ سعيد الباني، وكان كل من يتصل بهم يعد من الوهابيين!!
ومما ألفه الشيخ بهجة البيطار رسالة في الرد على الاسكندراني حول افترائه على الوهابية، وله تصنيف حافل عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعقد فيه فصلاً عن الأسماء والصفات (ص96) فما بعد وختم الفصل بقوله (ص128) :(1/17)
أقول: "وخاتمة القول في هذا الباب أن كلام الله ورسوله، وكلام أئمة السنة والعلم، هو أوضح بيانا وأرسخ إيمانا، وأوفى ميزانا، يتآخى فيه العقل والنقل، والطبع والشرع، والفطرة والدين، وأنه هو الأسلم والأعلم والأحكم، وأن نفاة الأفعال والصفات يشبهونه سبحانه بالجمادات، "سبحان ربك رب العزة عما يصفون".
وقال البيطار (ص130) : أقول: "أما صفة العلو فقد دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أن الله تقدست ذاته هو فوق سماواته، التي هي مقر ملائكته ومهبط وحيه، وأنه مستو على عرشه، وبائن من خلقه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم..." وله تفصيل جميل بين المعطلة والمشبهة والمأولة والمثبتة (ص176) وله كلام كثير في أثناء كتابه حول الموضوع.
والشيخ رحمه الله ممن حصل منهم الاتفاق على ما في رسالة [إصلاح الإخوان على يد السلطان] وفيها: [أن الشيخ ثناء الله قد رجع عما كتبه في تفسيره من تأويل الاستواء وما في معنى ذلك من آيات الصفات الذي تبع فيه المتكلمين، واتبع ما قاله السلف في هذا الباب، وأقر بأنه هو الحق بلا ريب، والتزم أن يكتب ذلك في تفسيره]، وقد كتب الشيخ ثناء الله الأمرتسري تحته أن الملك رضي والمخلصون -يعني العلماء- أرضاهم الله بمسودة الرجوع.
وسلفية الشيخ البيطار وشيخه القاسمي والألوسيين وعلماء الهند أشهر من أن تذكر، ولكنا ابتلينا بكذاب لا يستحي أن ينسب بعضهم بل ومن هو أشهر منهم للتجهم ومخالفة السنة !
6- الشيخ أبومحمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي(1/18)
في رسالته [هذه عقيدتي وترجمتي] المطبوعة ضمن المجموعة لثالثة من رسائله (ص125-143) ذكر جملة من الأقوال الجلية في عقيدته، ومنها ما قال (ص127) : "فإن عقيدتي هي عقيدة السلف الصالح من أهل السنة من الفقهاء والمحدّثين، وهي عقيدة العمل بالكتاب والسنة، وحملها على ظواهرهما من دون تأويل أو تحريف فيهما، فمذهبي هو مذهب أصحاب الحديث اعتقاداً وعملاً، والحمد لله تعالى على أن جعلني محباً للسنة المطهرة، وهجرت التقليد مع تعظيم الأئمة الأربعة وغيرهم، وترك الاعتراض عليهم في اجتهادهم، مع تقديم السنة على الرأي المجرد.
وأنا أول من أظهرت في قريتي وما حولها اعتقاد السلف الصالح من إجراء النصوص الواردة في الصفات على ظاهرها، كالاستواء، والنزول إلى السماء، وإثبات اليد والعين والقدم وغيرها، من غير تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تأويل، وباهلت أهل الشرك والنذور للقبور في الهند فأظهر الله الحق وأهلك خصمائي فيه، واتبع السنة مئات منهم بسبب حين ناظرت الشيعة والقاديانية وأهل الزيغ والباطل، فانتشر هناك مذهب أهل الحديث بحمد الله."
وقال رحمه الله (ص128-129): "وأنا شديد التحري في مسألة الصفات، فأثبت ما جاء في الكتاب والسنة من الصفات المقدسة، كالاستواء واليدين والعين والأصابع والقدم والضحك والكلام وغيرها، وأجريها على ظاهرها وعلى ما دلت عليه ألفاظها من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، فعلمها حاصل لنا بدلالة الكلمات التي خاطبنا الله بها، وإنما أفوّض في الكيفية فقط، لأنها هي المجهولة، وأما ما أنبأ عنه اللفظ اللغوي فهو معلوم لا تفويض فيه.
وأنا أنكر على المؤولة إنكاراً شديداً، لأن التأويل في الصفات يُفضي إلى الخطأ والضلال، وأسلم الناس عقيدة أبعدهم عن التأويل في آيات الصفات وأحاديثه، فالمراد منها بدلالتها اللفظية الظاهرة معلوم واجب الإيمان به.
وأثبت رؤية المؤمنين يوم القيامة لربهم.(1/19)
وأثبت العلو لله تعالى، وهو في السماء، لا أنها تقلّه أو تظله، وليس معنى معيّته أنه مختلط بالخلق حلولاً، وإنما هو بالرعاية والعلم، وأثبت لله عز وجل ما وصف به نفسه من الصفات، وأنفي مماثلته بشيء من المخلوقات، من غير إلحاد في أسمائه ولا آياته، إثباتاً بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل، ومعرفة معاني الصفات هي علم الراسخين، وهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه، والبدعة في السؤال عن الكيفية، وفي التأويل الذي لا أدين به، فكما أن ذاته غير مكيّفة، فكذلك صفاته التي انفرد بها لا يضاهيها مخلوق، وإثباتها إيمان، ونفي ما أثبته كفر"
وله كلام غير هذا في رسالته، ثم ذكر (ص133) أنه هاجر للتدريس في المسجد الحرام، وقال: "وكان ذلك بواسطة رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى وأسكنه جنته، ورئيس الهيئات الآمرة بالرياض الشيخ عمر بن حسن، وأكرمني هؤلاء الأفاضل الأماجد الكرام نفع الله المسلمين بهم، وهم المفتي رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم، ورئيس الهيئات الآمرة بالحجاز الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والأخ الكريم الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز، فكل هؤلاء من إخواني السلفيين قرابتي في الدين، وفئتي في السنة المطهرة، رزقهم الله تعالى من الحسنات في الدنيا والآخرة، آمين"
وقال (ص134) : "ومما أنعم الله عليّ أنه جعلني من أمة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، ومما أنعم عليّ أن جعلني من أصحاب الحديث السلفيين عقيدة وعملاً".(1/20)
ومن أهم ما قاله (ص137) : "وأما مشايخي فكثيرون، أذكر منهم ههنا أشهر شيوخي الذين استفدت منهم العلوم، وأقدّمهم على غيرهم لاعتقادهم مذهب السلف، وصحة عقائدهم في التوحيد والإيمان ومسائل الصفات الإلهية، وهجرهم التقليد، واتباعهم الكتاب والسنة المطهرة، وقد أجازوني بأسانيدهم المذكورة في ثبتي، فمنهم شيخنا أبوالقاسم عيسى بن أحمد الراعي.." ثم ذكر شيخه أبا الفضل إمام الدين بن محمد بن ماجة القنبري الغزاني السلماني، ثم ذكر (ص138) أبا الفضل محمد بن عبد الله الرياسي، أبوعبد الرب محمد بن أبي محمد الغيطي، وأبواليسار محمد بن عبد الله الغيطي، ثم قال : "ومنهم شيخنا أحمد بن عبد الله بن سالم البغدادي المدني، قرأت عليه صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد، وأطرافاً من الكتب الأخرى في الحديث، وله مشايخ كثيرون، وهو من تلامذة السيد عبد الرحمن بن عباس بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الله بن حميد المكي، وكتب لي الإجازة بخطه."
ثم أكمل عبد الحق ذكر مشايخه السلفيين، فذكر أبا إسماعيل إبراهيم بن عبد الله اللاهوري، وأبا محمد بن محمود الطنافسي، وعبد التواب القدير أبادي، وأبا عبد الله عثمان الحسين العظيم أبادي، وأبا الحسن محمد بن الحسين الدهلوي، وأبا الوفاء الأمرتسري، وأبا سعيد حسين بن عبد الرحيم البتالوي، وذكر (ص139) حسين بن حيدر الهاشمي، وأبا إدريس عبد التواب بن عبد الوهاب الإسكندر أبادي، وأبا محمد هبة الله بن محمود الملاني، وخليل بن محمد بن حسين بن محسن الأنصاري، وسعيد بن محمد المكي، وعمر بن أبي بكر الحضرمي المكي، هبة الله أبا محمد المهدوي، ونذير حسين بالإجازة العامة لأهل عصره.
قلت: وهذه فوائد جليلة في عقائد الشيوخ، فإنه التزم ألا يذكر إلا من كان سلفي الاعتقاد، ويؤكد كلامه وحال شيوخه مذهب أهل الحديث في الهند، وأنهم سلفيون.(1/21)
وأنبه على أمر، وهو أن أحد الكذابين المعروفين بارتجاله للكذب ذكر أن عبد الحق كان يتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم! ويرده قول عبد الحق (ص131-132) : "وأقول بأن الدعاء بجاه فلان وحق فلان عدوان، فأي علاقة بين الداعي وبين حق فلان أو حرمته ؟ وكذلك الاستشفاع بالأشخاص، وإنما يتوسل في الدعاء بما جنسه العمل."
7- الشيخ بديع الدين شاه السندي
سلفي من تلامذة عبد الحق الهاشمي، وقال في إجازته للشيخ حمدي السلفي في منجد المستجيز (ص10) : الخامس: الشيخ الإمام المجدد المحدث الفقيه المجاهد في سبيل الله، وإمام الدعوة إلى العقيدة السلفية محمد بن عبد الوهاب.
وقال (ص54-55) : وأوصيه أن يلزم الطريقة المستقيمة التي سلكها أسلافنا الصالحون، الصحابة والتابعون، وجميع أهل الحديث المتمسكون، وقد بيّنها الإمام الكبير والأستاذ الشهير قدوة الأمة، وأسوة أهل السنة، أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني لما طلب منه الإمام الحافظ أبوالحسن مسدد بن مسرهد أن يبيّن ويسرد عقائد أهل السنّة، وكما بيّنها الإمام المفسر المحدث أبوغسان إسماعيل الصابوني في عقيدته، وغيرهما من أساطين القوم، وأن يجتنب عقائد أهل الرأي المحدثة من أهل التعطيل والتشبيه والتأويل
8- العلامة أبو الخير نعمان الألوسي
صاحب شقائق النعمان، وجلاء العينين في محاكمة الأحمدين، وهذا طافح بالنقول الموافقة لشيخ الإسلام في الاعتقاد، بل كله في ذلك، ولا سيما في الصفات، فمن ذلك نقله لرسالة السنة للإمام أحمد (ص190)، ونقله لرجوع الأشعري إلى عقيدة أحمد (ص213 و218 و403) وكلامه في العلو (ص348 وبعده إلى 418)، وقرظ الجلاء جماعة ذكرهم محمود شكري في غاية الأماني (2/51) وبعده(1/22)
قال في [جلاء العينين] رداً على ابن حجر الهيتمي في رميه الإمامين ابن تيمية وابن القيم بالتجسيم وسوء الاعتقاد (ص 568-570) ما نصه: أجاب العلامة الشيخ علي القاري في شرحه عن ذلك، وسيتضح لك على وجه التفصيل ما هنالك، فنقول:
قال القاري ما نصه: [قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية إنه ذكر شيئاً بديعاً، وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى ربه واضعاً يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة، قال العراقي: لم نجد لذلك أصلاً. قال ابن حجر: بل هذا من قبيح رأيهما وضلالهما، إذ هو مبني على ما ذهبا إليه وأطالا في الاستدلال له، والحط على أهل السنة في نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسمية لله سبحانه، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان، ويقضي عليه بالزور والبهتان، قبحهما الله تعالى وقبح من يقول بقولهما. والإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرؤون من هذه الوصمة القبيحة، كيف وهي كفر عند كثيرين ! أقول: قد صانهما الله تعالى من هذه السمة الشنيعة، والنسبة الفظيعة، ومن طالع شرح منازل السائرين تبين له أنهما كانا من أكابر أهل السنة والجماعة، ومن أولياء هذه الأمة، وهما بريئان مما رماهما أعداؤهما من التشبيه والتمثيل، غير أنهما ذهبا في باب الصفات إلى مذهب السلف الذي عليه الأئمة الكرام، فإذا انتفى عنهما التجسيم فالمعنى البديع الذي ذكره الشيخ في الحديث له وجه ظاهر، وتوجيه باهر، سواء رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام، أو تجلى الله سبحانه وتعالى عليه بالتجلي الصوري المعروف عند أرباب الحال.] اهـ باختصار.(1/23)
وقال المناوي في [شرحه] أيضاً بعد سوقه لكلام ابن حجر ما نصه: [فقول ابن حجر غير مستقيم، أما أولاً فلأنهما قالا: إن الرؤية المذكورة كانت في المنام، وهذه كتبهما حاضرة، وأما ثانياً فلأنا نؤمن بأن له يداً لا كيد المخلوق، فلا مانع من وضعها وضعاً لا يشبه وضع الخلوق، بل وضع يليق بجلاله، وعجبت من الشيخ ابن حجر كيف أنكر هذا مع وجود خبر الترمذي: أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت: لا أدري ! فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثندوتي –أي ثديي– وتجلى لي علم كل شيء] اهـ ، المراد منه .(1/24)
وتعقبه أيضاً الشيخ إبراهيم الكوراني في [إفاضة العلام] بقوله: [أما إثبات الجهة والجسمية المنسوب إليهما فقد تبين حاله، وأنهما لم يثبتا الجسمية أصلاً، بل صرحا بنفيها في غير ما موضع من تصانيفهما، ولم يثبتا الجهة على وجه يستلزم محذوراً، وإنما أقرا قوله تعالى: "استوى على العرش" على ظاهره الذي يليق بجلال ذات الله تعالى، لا الظاهر الذي هو من نعوت المخلوقين حتى يستلزم الجسمية، وأما قول العراقي لم نجد له أصلاً، ففيه أن ما ذكره ابن القيم ليس فيه أن ما عزاه لشيخه إبداء مناسبة منه بديعة لإرخاء العذبة فهمها مما هو منقول، وهو الحديث الذي أخرجه جماعة منهم أحمد والترمذي وغيرهما وصححوه : أن الله تجلى لي في أحسن صورة ، وفي رواية: أتاني الليلة ربي في أحسن صورة –إلى أن قال– فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي .. الحديث. وإذا كان هذا فهمه منه، واستنباطاً لا نقلاً، لم يرد عليه قول العراقي: ولم نجد له أصلاً ! فالمناسبة التي أبداها ابن تيمية مناسبة صحيحة غير مستلزمة للتجسيم، ولا مبنية عليه أصلاً كما ظنه ابن حجر، بل على صحة التجلي في المظهر مع التنزيه بليس كمثله شيء، وقد دل كلام ابن تيمية -عليه الرحمة- عموماً وخصوصاً على أن الحق سبحانه وتعالى يتجلى لما يشاء على أي وجه يشاء، مع التنزيه بليس كمثله شيء في كل حال، حتى في حال تجليه في المظهر، وهذا هو الغاية في الإيمان والعلم أيضاً] اهـ باختصار
9- العلامة أبو الثناء محمود الألوسي السلفي(1/25)
قال نجله أحمد في ترجمته المسماة [أرج الند والعود]: كان عالماً باختلاف المذاهب، مطلعاً على الملل والنحل والغرائب، سلفي الاعتقاد، شافعي المذهب كآبائه الأمجاد، إلا أنه في كثير من المسائل يقتدي بالإمام الأعظم، ثم في آخر عمره مال إلى الاجتهاد . . . ومن مؤلفاته ما هو أعظمها قدراً وأجلها فخراً: تفسيره المسمى بروح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، أيد فيه مذهب السلف الأماثل
قال في تفسيره [روح المعاني] (7/ص114-116) ما نصه:
"وهو القاهر فوق عباده"
قيل: هو استعارة تمثيلية وتصوير لقهره سبحانه وتعالى وعلوه عز شأنه بالغلبة والقدرة، وجوّز أن تكون الاستعارة في الظرف بأن شبه الغلبة بمكان محسوس.
وقيل: إنه كناية عن القهر والعلو بالغلبة والقدرة.
وقيل: إن [فوق] زائدة، وصحح زيادتها وإن كانت اسماً كونها بمعنى على وهو كما ترى، والداعي إلى التزام ذلك كله أن ظاهر الآية يقتضي القول بالجهة، والله تعالى منزه عنها، لأنها محدثة بإحداث العالم وإخراجه من العدم إلى الوجود، ويلزم أيضا من كونه سبحانه وتعالى في جهة مفاسد لا تخفى.(1/26)
وأنت تعلم أن مذهب السلف إثبات الفوقية لله تعالى كما نص عليه الإمام الطحاوي وغيره، واستدلوا لذلك بنحو ألف دليل، وقد روى الإمام أحمد في حديث الأوعال عن العباس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: [والعرش فوق ذلك، والله تعالى فوق ذلك كله]، وروى أبو داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استشفع بالله تعالى عليه: [ويحك أتدرى ما الله تعالى ؟ إن الله تعالى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، وقال بأصابعه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب]. وأخرج الأموي في [مغازيه] من حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة : [لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات]، وروى ابن ماجة يرفعه قال: [بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا إليه رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه]، وصح أن عبدالله بن رواحة أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياته التي عرض بها عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته، وهي:
شهدت بأن وعد الله حق . . . وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف . . . وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد . . . ملائكة الإله مسومينا
فأقره عليه الصلاة والسلام على ما قال وضحك منه، وكذا أنشد حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله:
شهدت بإذن الله أن محمداً . . . رسول الذي فوق السماوات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما . . . له عمل من ربه متقبل
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم . . . رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم . . . يقوم بذات الله فيهم ويعدل(1/27)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [وأنا أشهد]، وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى حكاية عن إبليس: "ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم" أنه قال: [لم يستطع أن يقول: ومن فوقهم لأنه قد علم أن الله تعالى سبحانه من فوقهم]، والآيات والأخبار التي فيها التصريح بما يدل على الفوقية كقوله تعالى: "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم"، و "إليه يصعد الكلم الطيب"، و "بل رفعه الله إليه"، و "تعرج الملائكة والروح إليه"، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: [وأنت الظاهر فليس فوقك شيء] كثيرة جداً.
وكذا كلام السلف في ذلك، فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عمن قال: لا أعرف ربي سبحانه في السماء أم في الأرض ؟ فقال: قد كفر، لأن الله تعالى يقول: "الرحمن على العرش استوى"، وعرشه فوق سبع سماوات، فقال: قلت: فإن قال: إنه على العرش، و لكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض ؟ فقال رضي الله تعالى عنه: هو كافر، لأنه أنكر آية في السماء، ومن أنكر آية في السماء كفر، وزاد غيره لأن الله تعالى في أعلى عليين، وهو يدعى من أعلى لا من أسفل" اهـ .(1/28)
وأيد القول بالفوقية أيضاً بأن الله تعلى لما خلق الخلق لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى عن ذلك، فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، فتعين أنه خلقهم خارجاً عن ذاته، ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم لكان متصفاً بضد ذلك، لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية السفول، وهو مذموم على الإطلاق، والقول بأنا لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها مدفوع بأنه سبحانه لو لم يكن قابلاً للعلو والفوقية لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها، فمتى سلم بأنه جل شأنه ذات قائم بنفسه غير مخالط للعالم، وأنه موجود في الخارج ليس وجوده ذهنياً فقط، بل وجوده خارج الأذهان قطعاً، وقد علم كل العقلاء بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك فهو إما داخل العالم وإما خارج عنه، وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى البديهيات، فلا يستدل بدليل على ذلك إلا كان العلم بالمباينة أظهر منه وأوضح، وإذا كان صفة الفوقية صفة كمال لا نقص فيها ولا يوجب القول بها مخالفة كتاب ولا سنة ولا إجماع، كان نفيها عين الباطل، لاسيما والطباع مفطورة على قصد جهة العلو عند التضرع إلى الله تعالى.(1/29)
وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله تعالى ولا عرش، وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: [يا الله] إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا ؟ قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل -وأظنه قال: وبكى- وقال: حيرني الهمداني ! وبعضهم تكلف الجواب عن هذا بأن هذا التوجه إلى فوق إنما هو لكون السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ثم هو أيضاً منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه سبحانه ليس في جهة الأرض، ولا يخفى أنه هذا باطل، أما أولاً فلأن السماء قبلة للدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله تعالى به من سلطان، والذي صح أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فقد صرحوا بأنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال: إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين، وأما ثانياً: فلأن القبلة ما يستقبله الداعي بوجهه، كما تستقبل الكعبة في الصلاة، وما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه مثلاً لا يسمى قبلة أصلاً، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، ولم يثبت ذلك في شرع أصلاً، وأما النقض بوضع الجبهة فما أفسده من نقض، فإن واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل، لا أن يميل إليه إذ هو تحته، بل هذا لا يخطر في قلب ساجد، نعم سمع عن بشر المريسي أنه يقول: سبحان ربي الأسفل! تعالى الله سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون علواً كبيراً.(1/30)
وتأول بعضهم كل نص فيه نسبة الفوقية إليه تعالى بأن فوق فيه بمعنى خير وأفضل، كما يقال: الأمير فوق الوزير، والدينار فوق الدرهم، وأنت تعلم أن هذا مما تنفر منه العقول السليمة، وتشمئز منه القلوب الصحيحة، فإن قول القائل ابتداء: الله تعالى خير من عباده أو خير من عرشه، من جنس قوله: الثلج بارد، والنار حارة، والشمس أضوأ من السراج، والسماء أعلى من سقف الدار، ونحو ذلك، وليس في ذلك أيضاً تمجيد ولا تعظيم لله تعالى، بل هو من أرذل الكلام، فكيف يليق حمل الكلام المجيد عليه، وهو الذي لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، على أن في ذلك تنقيصاً لله تعالى شأنه، ففي المثل السائر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره . . . إذا قيل إن السيف خير من العصا(1/31)
نعم، إذا كان المقام يقتضي ذلك بأن كان احتجاجاً على مبطل كما في قول يوسف الصديق عليه السلام: "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" وقوله تعالى: "آلله خير أما يشركون"، "والله خير وأبقى"، فهو أمر لا اعتراض عليه، ولا توجه سهام الطعن إليه، والفوقية بمعنى الفوقية في الفضل مما يثبتها السلف لله تعالى أيضاً، وهي متحققة في ضمن الفوقية المطلقة، وكذا يثبتون فوقية القهر والغلبة كما يثبتون فوقية الذات، ويؤمنون بجميع ذلك على الوجه اللائق بجلال ذاته وكمال صفاته سبحانه وتعالى، منزهين له سبحانه عما يلزم ذلك مما يستحيل عليه جل شأنه، ولا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ولا يعدلون عن الألفاظ الشرعية نفياً ولا إثباتاً لئلا يثبتوا معنى فاسداً أو ينفوا معنى صحيحاً، فهم يثبتون الفوقية كما أثبتها الله تعالى لنفسه، وأما لفظ الجهة فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقاً، والله تعالى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات تعالى عن ذلك، وإن أريد بالجهة أمر عدمي وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله تعالى وحده، فإذا قيل: إنه تعالى في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح عندهم، ومعنى ذلك أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات، و نفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلو يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه سبحانه كان قبل الجهات، وأنه من قال: إنه تعالى في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، وأنه جل شأنه كان مستغنياً عن الجهة ثم صار فيها، وهذه الألفاظ ونحوها تنزل على أنه عز اسمه ليس في شيء من المخلوقات، سواء سمي جهة أم لم يسم، وهو كلام حق، ولكن الجهة ليست أمراً وجودياً، بل هي أمر اعتباري، ولا محذور في ذلك، وبالجملة يجب تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، وتفويض علم ما جاء من المتشابهات إليه عز(1/32)
شأنه، والإيمان بها على الوجه الذي جاءت عليه، والتأويل القريب إلى الذهن ...
فالتفويض حيث أطلقه أبو الثناء هو إثبات المعنى وتفويض الكيف، قال ابنه النعمان الألوسي في [جلاء العينين] (ص17):
فصل في تبرئة الشيخ مما نسب إليه، وثناء المحققين المتأخرين عليه :
ومنهم شيخنا ومولانا الوالد عليه الرحمة والرضوان الوالد عليه الرحمة والرضوان، فإنه قال في [رسالته الاعتقادية] ما نصه: [ولقد اطلعت على رسالة للشيخ ابن تيمية، وهي معتبرة عند الحنابلة، وطالعتها كلها فلم أر فيها شيئاً مما ينبز ويرمى به في العقائد، سوى ما ذكرناه من تشديده في رد التأويل، وتمسكه بالظواهر، مع التفويض والمبالغة في التنزيه مبالغة يقطع معها بأنه لا يعتقد تجسيماً ولا تشبيهاً، بل يصرح بذلك تصريحاً لا خفاء فيه، والعجب ممن يترك صريح لفظه بنفي التشبيه والتجسيم، ويأخذ بلازم قوله الذي لا يقول به، ولا يسلم لزومه، وعلى كل حال فهو كما قال كثير من المشايخ في الشيخ محيي الدين] اهـ .
وقال أيضاً في رحلته [نزهة الألباب] عندما سأله في القسطنطينية المحمية شيخ الإسلام عن أمر المتشابه ما نصه:
[ثم انجر الكلام إلى ابن تيمية، فقال: إنه قائل بالجسمية، فقلت: حاشاه ! ومذهبه في المجسم أنه مطلقاً غير مسلم، فقال: إنه يقول العرش قديم نوعاً، فقلت: لم نجد لنسبته إليه غير الدواني نقلاً يليق أن يمنح سمعاً، فقال: له مخالفة للأئمة الأربعة في بعض المسائل الفقهية، فقلت: شبهته في تلك المخالفة بحسب الظاهر قوية، وله في بعض ذلك سلف، كما يعرفه من تتبع المذاهب ووقف، وقد مدحه غير واحد من العلماء الأعلام، وقد سمعت من شيخي أنه رأى كتاباً في ترجمة من لقبه بشيخ الإسلام، فقال: وقد ذمه العلامة السبكي، فقلت: كم من جليل غدا من ذم عصريه يبكي ! فآه من أكثر المعاصرين، فهم بأيدي ظلمهم لحبات القلوب عاصرين]. اهـ
ثم ذكر ما قاله العلماء في المتشابه فإن أردته فارجع إليه.(1/33)
10- العلامة المحدث عبد الرحمن المباركفوي
قال تلميذه الشيخ عبد السميع المباركفوري في ترجمة له ملحقة بمقدمة [تحفة الأحوذي] (2/213) : إن مذهبه في الاعتقاد التمسك بكتاب الله عز وجل واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم ما روي عن التابعين لهم من علماء المسلمين، وهو الإيمان والتصديق بما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسوله مع ترك البحث والتسليم لذلك، من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تفسير ولا تأويل، وأن جميع صفات الله عز وجل مثل الاستواء على العرش وكونه في عماء وكونه سميعاً بصيراً متكلماً وغير ذلك من الصفات المتشابهة تمر على ظاهرها كما جاءت.
قلت : ومثاله ما قاله المباركفوري في التحفة عند شرح حديث [وإن أتاني مشياً أتيته هرولة] بعد أن ذكر تأويل بعض العلماء له :
قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل، قال الترمذي في باب فضل الصدقة بعد رواية حديث أبي هريرة إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه . . . : [وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف، هكذا روي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف] وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
11- العلامة المحدث أبو الطيب شمس الحق العظيم أبادي
قال في شرحه المختصر على سنن أبي داود المسمى بـ [عون المعبود] عند حديث الجارية ما نصه:
[(1/34)
في السماء] : فيه إثبات أن الله تبارك وتعالى في السماء. قال الذهبي في كتاب [العلو] بإسناده إلى أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال: [سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض! فقال: قد كفر! لأن الله تعالى يقول: "الرحمن على العرش استوى"، وعرشه فوق سماواته! فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض! قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر!] انتهى، ويقول الأوزاعي: [كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله عز وجل فوق عرشه, ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته] أخرجه البيهقي في كتاب [الأسماء والصفات]، وقال عبد الله أحمد بن حنبل في [الرد على الجهمية]: [حدثني أبي، حدثنا شريح بن النعمان، عن عبد الله بن نافع، قال مالك بن أنس: الله في السماء وعلمه في كل مكان, لا يخلو منه شيء]، وروى يحيى بن يحيى التميمي وجعفر بن عبد الله وطائفة قالوا: [جاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله، "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكاً وجد من شيء كموجدته من مقالته ! وعلاه الرحضاء -يعني العرق- وأطرق القوم, فسري عن مالك وقال: الكيف غير معقول, والاستواء منه غير مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة، وإني أخاف أن تكون ضالاً, وأمر به فأخرج] انتهى.
وقال في موضع آخر: [أين الله إلى قوله أعتقها فإنها مؤمنة]: قال الخطابي في [المعالم]: قوله [أعتقها فإنها مؤمنة] ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قولها حين سألها: [أين الله؟] قالت: في السماء، وسألها: [من أنا؟] فقالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا سؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله . . .
وقال عند حديث الأوعال ما نصه:
[(1/35)
بين أسفله]: أي العرش، [ثم الله تعالى فوق ذلك]: أي فوق العرش، وهذا الحديث يدل على أن الله تعالى فوق العرش, وهذا هو الحق وعليه يدل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية, وهو مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الله عليهم أجمعين, قالوا: إن الله تعالى استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل, والاستواء معلوم والكيف مجهول.
والجهمية قد أنكروا العرش وأن يكون الله فوقه وقالوا إنه في كل مكان ! ولهم مقالات قبيحة باطلة وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة, فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي وكتاب أفعال العباد للبخاري, وكتاب العلو للذهبي والقصيدة النونية لابن القيم وجيوش الإسلامية لابن القيم رحمهم الله تعالى.
وقال عند حديث الأطيط :
وقال الخطابي: [هذا الكلام إذا أجري على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله تعالى وعن صفاته منفية, فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله جل جلاله سبحانه وإنما قصد به إفهام السائل من حيث أدركه فهمه إذ كان أعرابيا جلفاً لا علم له لمعاني ما دق من الكلام وما لطف منه عن درك الأفهام، وفي الكلام حذف وإضمار, فمعنى قوله أتدري ما الله فمعناه أتدري ما عظمته وجلاله، وقوله إنه ليئط به معناه أنه ليعجز عن جلاله وعظمته حتى يئط به, إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه ولعجزه عن احتماله، فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله وارتفاع عرشه ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن وجلالة القدر وفخامة الذكر لا يجعل شفيعاً إلى من هو دونه في القدر وأسفل منه في الدرجة, وتعالى الله أن يكون مشبهاً بشيء أو مكيفاً بصورة خلق أو مدركاً بحس ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] انتهى.(1/36)
قلت: كلام الإمام الخطابي فيه تأويل بعيد خلاف للظاهر لا حاجة إليه، وإنما الصحيح المعتمد في أحاديث الصفات إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل كما عليه السلف الصالحون والله أعلم.
وقال عند حديث النزول الإلهي:
والحاصل أن هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها. وقد أطال الكلام في هذه المسألة وأشباهها من أحاديث الصفات حفاظ الإسلام كابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم فعليك مطالعة كتبهم والله أعلم
وقال عند شرحه في الرد على الجهمية: تقدم الكلام في مثل هذه الأحاديث هو إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تشبيه، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح هذا الحديث كتاب سماه بـ [شرح حديث النزول] وهو كتاب مملوء من تحقيقات عجيبة، فعلى طالب الحق مطالعته فإنه عديم النظير في بابه والله أعلم
ولأبي الطيب رحمه الله نصوص طيبة في كتابه [غاية المقصود] أنقل منها جملة في مفرد الأسانيد إن شاء الله تعالى.
12- الشيخ علي بن محمد سعيد السويدي السلفي
قال محمد بهجة الأثري في [أعلام العراق] (ص26): [العالم المحدث الحافظ الجليل الشيخ علي السويدي]
وقال محمد سعيد الراوي في [تاريخ الأسر العلمية في بغداد] (ص165): [كان يتهم بكونه وهابي العقيدة!]
وقال محمود شكري الألوسي في [المسك الأذفر] (ص140) : [له من المؤلفات العقد الثمين في العقائد السلفية وهو كاسمه حيث حوى الفوائد الجليلة]
قال الألوسي في [جلاء العينين] ناصراً شيخ الإسلام ابن تيمية (ص16) :
فصل في تبرئة الشيخ مما نسب إليه، وثناء المحققين المتأخرين عليه(1/37)
ومنهم أمير المؤمنين في الحديث، علامة العراق الشيخ علي أفندي السويدي البغدادي الشافعي، فإنه قد كتب على عبارة السبكي في التشنيع على الشيخ ابن تيمية ما نصه: [هذه الدعوى من السبكي تحتاج إلى بينة، مع أن نصوص المتقدمين وأحوالهم تخالفه، وعلى تقدير الجواز فكيف يقال بحقه: إنه عدل عن الصراط المستقيم ؟ فكيف يعدل عن الصراط المستقيم من يقصر التوجه على الرب المتعال ؟! فلا وجه لرد السبكي عليه بمثل هذا الكلام، مع اقتفاء ابن تيمية طريق خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام]. انتهى ملخصاً، وقد نقله عنه ولده العلامة الشيخ محمد الأمين في شرح كتابه [العقد الثمين] وأقره.
قلت: نقل من كتابه هذا الكثير الطيب النعمان الألوسي في [جلاء العينين]، وغص بهذا الكتاب الكتاني في [فهرس الفهارس] (2/1009) فحاول التشكيك في الكتاب وفي ثبات مؤلفه عليه بمجرد التجويز والاشتهاء ! مع أن الشيخ محمد أمين بن علي السويدي قد شرح كتاب أبيه !
وكل من ترجمه من أهل بلده العراقيين من معاصريه فمن بعدهم لم يطعن أحد منهم بهذا! وهؤلاء أتباعه الألوسيون ينقلون منه ومن شرحه لابنه وعليهما يعتمدون، فأين الرجوع!
13- الشيخ محمد سعيد بن عبد الله السويدي السلفي
قال الألوسي في [المسك الأذفر] (ص138) : كان رحمه الله تعالى مشاراً إليه بالبنان، ممتازاً من بين أقرانه بالفضل والعرفان، خادماً للشريعة الغراء، حامل لواء الغضب في الزوراء، سلفي العقيدة ، حافظاً لأحاديث الرسول -صلى الله عليه سلم- السديدة.
14- العلامة صديق حسن خان القنوجي
العالم السلفي الشهير، صاحب [قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر] وفي أولها: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه المقدسة في كتابه العزيز وبما وصفه به رسوله محمد من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل(1/38)
ثم قال (1/ص36- فما بعدها) : وقوله "إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" وفي سورة يونس مثله، وفي سورة الرعد: "الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش"، وفي سورة طه: "الرحمن على العرش استوى"، وفي سورة الفرقان: "ثم استوى على العرش"، وفي سورة السجدة: "الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش"، وفي سورة الحديد: "هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير".
فهذه سبعة مواطن أخبر فيها بأنه سبحانه استوى على العرش، وفي هذه المسألة أدلة من السنة والآثار الصحيحة الكثيرة يطول بذكرها الكتاب! فمن أنكر كونه سبحانه في جهة العلو بعد هذه الآيات والأخبار فقد خالف الكتاب والسنة !
وقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن الله خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض، بين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه
وهوعلى العرش فوق السماء السابعة دونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم به
ومن قال: إن الله ليس في جهة! قيل له: ما تريد بذلك؟ فإن أراد أنه ليس فوق السموات رب يعبد ولا على العرش إله ومحمد لم يعرج به إلى الله والأيدي لا ترفع إلى الله تعالى في الدعاء ولا تتوجه القلوب إليه! فهذا فرعوني معطل جاحد لرب العالمين!(1/39)
ولأهل الجحود والتعطيل في هذا الباب شبهات يعارضون بها كتاب الله وسنة رسوله وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها وما فطر الله عليه عباده وما دلت عليه الدلائل العقلية فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن الله فوق مخلوقاته عالٍ عليها قد فطر الله على ذلك العجائز والأعراب والصبيان في الكتاب كما فطرهم على الإقرار بالخالق تعالى.
قال ابن قتيبة: [ما زالت الأمم عربها وعجمها، في جاهليتها وإسلامها، معترفة بأن الله في السماء]. وقد جمع طائفة من العلماء في هذا الباب مصنفات، منها: كتاب [العلو] للذهبي، وكتاب [النزول] لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب [الاستواء] لابن القيم، و[النونية] له، وعقيدة ابن قدامة، ورسالة الشيخ محمد بن ناصر الحازمي، ورسالة محمد فاخر الإله أبادي ثم المكي، ورسالة [إجراء الصفات على ظاهرها] للشوكاني، و[الانتقاد الرجيح] للعبد الفقير، و[الاحتواء] له عفا الله عنه، إلى غير ذلك.
وليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من السلف، لا من الصحابة ولا من التابعين، ولا عن أئمة الدين حرف واحد يخالف ذلك، ولم يقل أحد منهم: إن الله ليس في السماء! أو إنه ليس على العرش! أو إنه في كل مكان، وإنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل، وإنه لا تجوز إليه الإشارة الحسية إليه لالأصابع! أو نحو هذا.(1/40)
ومن ظن أن الصفات لا يعقل معناها، ولا يُدرى ما أراد الله ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها، وأن لها تأويلاً وتوجيهاً لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة "ألم"، و"كهيعص" وظن أن هذه طريقة السلف، ولم يكونوا يعرفون حقيقة قوله: "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة"، وقوله: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ"، وقوله: "الرحمن على العرش استوى"، ونحو ذلك، فهذا الظانّ من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علماً وأفقههم فهماً، وأحسنهم عملاً، وأتبعهم سنناً، ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم ذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ جسيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها.
وأكتفي بعد هذا بالإحالة إلى كتابه [الانتقاد الرجيح] الذي شرح فيه كتاب ولي الله الدهلوي [الاعتقاد الصحيح] عند قول الشاه: [وهو على العرش]، فقد أطنب الشارح وأطيب في الشرح، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن القيم وغيرهم من الأئمة الكثير الكثير، ونقل تفسير الاستواء كما يعتقده أهل السنة من قول مجموعة من علماء الهند وغيرهم.
ولصديق حسن خان عدة آثار سلفية سوى [قطف الثمر] و[الانتقاد الرجيح]، منها: تفسير كبير سلفي اسمه [فتح البيان]، و[الدين الخالص] وكلها مطبوعة.
15- محمد أمين الواعظ الحنفي السلفي
قال الألوسي في المسك الأذفر (ص183) : [كان سلفي العقيدة لا يميل إلى تأويل، له إنكار تام على من خالف الشرع الشريف]
وقال محمد بهجة الأثري في أعلام العراق (ص62): [العالم السلفي السيد أمين الواعظ]
16- العلامة المؤرخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتي(1/41)
مناصر للدعوة الوهابية كما يتضح من عدة مواضع في تاريخه [عجائب الآثار]، وفي حوادث صفر 1218 (2/588-591) وفي طبعة أخرى (2/401-404) قال: "ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه، فمنهم من يجعله خارجياً وكافراً وهم المكيون ومن تابعهم وصدّق أقوالهم، ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه، وأرسل إلى شيخ الركب المغربي كتاباً ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته، وصورته.." وساق عقيدة الوهابية في بضع صفحات، ثم قال عقبها مباشرة :
أقول: إن كان كذلك؛ فهذا ما ندين الله به نحن أيضاً، وهو خلاصة لباب التوحيد، وما علينا من المارقين والمتعصبين، وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه [إغاثة اللهفان]، والحافظ المقريزي في [تجريد التوحيد]، والإمام اليوسي في [شرح الكبرى]، و[شرح الحكم] لابن عباد، وكتاب [جمع الفضائل وقمع الرذائل]، وكتاب [مصايد الشيطان]، وغير ذلك
وفي حوادث شوال 1230 (3/493 وفي طبعة 4/361) أثنى ثناء عاطراً جداً على بعض لقي من علماء الوهابية في مصر، وكتابه يطفح بالدفاع عن الدعوة ضد أكاذيب المفترين عليها فانظر على سبيل المثال حوادث شهر ذي الحجة 1223، وغير ذلك كثير.
وممن أشار لتأييد الجبرتي لدعوة الشيخ العلامة عبد الرزاق البيطار فقد أورد صاحب كتاب مراسلات القاسمي والألوسي (ص105) رسالة للبيطار ذكر ضمنها ثناء الجبرتي على الوهابيين.(1/42)
ومما يذكر في بيان حسن اعتقاد الجبرتي في باب الصفات ما ذكره في وفيات ربيع أول 1188 حيث ترجم للعلامة السفاريني الحنبلي المعروف ترجمة حافلة، وذكر في مصنفاته جملة من كتب الاعتقاد السني السلفي فقال: [شرح الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الأثرية] و[لوائح الأنوار السنية في شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية]، وكان المترجَم شيخاً ذا شيبة منورة، مهيباً جميل الشكل ناصراً للسنة قامعاً للبدعة، قوالاً بالحق مقبلاً على شأنه مداوماً على قيام الليل في المسجد، ملازماً على نشر علوم الحديث محباً في أهله ..
17- أبو بكر محمد عارف خوقير السلفي
أحد العلماء الموقعين على [نداء عام من علماء البلد الحرام] والذي وجهه علماء مكة المكرمة إلى مسلمي العالم وجاء فيه:(1/43)
" لذا لا نلقي عليكم إلا ما ندين الله به ونعتقده حقاً صراحاً لا مراء فيه، لنبرأ إلى الله بأداء ما علمنا، غير مرهين ولا مدفوعين بغرض شخصي وإنما الحق أحق أن يتبع . . . له الأسماء الحسنى والصفات العليا كما أثبتها لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل، وأن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته على عرشه علا في خلقه وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، قال تعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" وقال تعالى: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير" وقال تعالى: "الرحمن على العرش استوى" قال فيها مالك: [الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة]، وقال صلى الله عليه وسلم للجارية: [أين الله؟] قالت: في السماء، قال: [من أنا؟]، قالت: أنت رسول الله، قال: [أعتقها فإنها مؤمنة]. ونعوذ بالله أن نظن أن السماء تقله أو تظله، فهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وقد "وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم".
قلت: ولأبي بكر خوقير كتاب في الاعتقاد اسمه [ما لا بد منه في أمور الدين] قرظه مقراً وممتدحاً ما فيه عدد من علماء الأزهر !
18- العلامة محمد بن ناصر الحازمي الأثري(1/44)
قال صديق حسن خان في [قطف الثمر] ما نصه: فكل ما في الكتاب والسنة من الأدلة الدالة على قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه علي في دنوه وقريب في علوه والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً وذكرنا بعضها في الانتقاد الرجيح وفي الصحاح والسنن جميعاً وقد أشار النبي في أعظم مجامعه في حجة الوداع وفي آخر عمره إلى السماء يقول بأصبعه [اللهم اشهد] وفي الصحيحين قصة المعراج وهي متواترة وفيه أعظم دلالة على علوه تعالى فوق سبع سموات وسؤال السائل كيف استوى؟ وكيف نزل؟ بدعة، قال ابن قتيبة: [ما زالت الأمم عربهم وعجمهم في جاهليتها وإسلامها معترفة بأن الله في السماء]
وقد جمع طائفة من العلماء في هذا الباب مصنفات منها كتاب العلو للذهبي وكتاب النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب الاستواء لابن القيم والنونية له وعقيدة ابن قدامة. ورسالة الشيخ محمد بن ناصر الحازمي ورسالة الشيخ محمد فاخر الإله آبادي ثم المكي ورسالة إجراء الصفات على ظاهرها للشوكاني والانتقاد الرجيح للعبد الفقير والاحتواء له عفا الله عنه إلى غير ذلك
وقال القنوجي أيضاً: وقد جمع الشيخ محمد بن ناصر الحازمي في رسالته ما ورد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم في مسألة علو الرب على خلقه وكونه على العرش فوق: أئمة الحديث وعلماء الشافعية والحنفية الأربعة والأشاعرة والمالكية والمفسرين وغيرهم ليس ذكرها ههنا بالتمام من مرادنا فنؤمن بذلك ونثبت الصفة من غير تحديد ولا تشبيه وإن نأت عنها أسماع بعض الجاهلين المقصرين واستوحشت منها نفوس المتكلمين المعطلين(1/45)
وقال في [أبجد العلوم] بعد أن ذكر اختلاف ما بلغه عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: للشيخ المحدث العلامة محمد بن ناصر الحازمي رسالة في المشاجرة مع أهل مكة المشرفة في المسائل التي اختلف فيها الوهابية وغيرهم أنصف في هذه الرسالة غاية الإنصاف وأتى بما يقضي منه العجب العجاب وله رحمه الله تعالى رسالة أخرى في إثبات الصفات قال في مطاويها قد بينا فيما تقدم عقيدة شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب وإن عقيدته وعقيدة أتباعه هي عقيدة السلف الماضين من الصحابة والتابعين وسائر أئمة الدين انتهى وقال فيها في موضع آخر: [إن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن محمد بن عبد الوهاب وأتباعه -يعني في آيات الصفات وإجرائها على الظاهر- هو الاعتقاد والحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة] الى آخر ما ذكره
قلت: وكتابه الصفات على طريقة السلف مطبوع، وهو رائق جداً، وقد اعتمد في غالبه على رسالة ابن معمّر، ونقل منها الكثير بالحرف.
19- العلامة المحدث حسين محسن السبعي الأنصاري
أحد المقرظين لـ [الأربعين في أن ثناء الله ليس على مذهب المحدّثين] لعبد الحق الغزنوي والتي ذكر فيها (ص17) مخالفة ثناء الله لمذهب المحدثين في مسألة العلو على العرش، فبعد أن أورد أدلة على العلو قال: وقال الحافظ ابن أبي شيبة في كتاب العرش له: وقد تواترت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه، فهو فوق العرش] وعلى رد الغزنوي تقاريظ طائفة كبيرة من محدثي الهند الكبار -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- ومنهم العلامة حسين الأنصاري والذي قال في تقريظه -كما في (ص39)- : فقد اطلعت على الأغلاط الواقعة في تفسير ثناء الله فألفيتها تقشعر منها الجُلود وينصدع لما فيها الجَلود، وقد سلك فيها غير ما سلكه المحققون من المفسرين، وحذا حذو المحرفين والمنتحلين . . .
20- المحدث الكبير محمد حياة السندي(1/46)
نقل القنوجي ملخصاً لترجمته في أبجد العلوم (3/ص183) فقال: مظهر السنة النبوية على رؤوس الأشهاد، مبكتاً لأهل البدعة في الحاضر والباد، ولقد قام بهذا الواجب أتم قيام، وذب عن سنة جده بين الأنام، وأدخلها إلى آذان الفقهاء المقلدين، وقبلها من له الفهم المكين والذهن الثمين، وله اليد الطولى في كل فن، والتحقيق الفائق من بين أبناء الزمن
قلت: له [تحفة الأنام في العمل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام] ورسالة في إبطال الضرائح، وليس بين يدي الآن نص للعلامة السندي في الصفات ولعلي أستدركه بإذن الله في الأسانيد المفردة، وسأكتفي بما سأورده عن اعتقاد أهل الحديث في الهند إن شاء الله، لكني أنقل هنا عن أحد أكبر تلامذته الذين تخرجوا به وأخذوا عنه الاعتقاد ما يقر في النفس صفاء عقيدة هذه المدرسة الحديثية، وهو محمد فاخر الإله آبادي المذكور في كلام القنوجي قريباً صاحب الرسالة في الصفات وتعرف بـ [النجاتية]، قال -كما في [الانتقاد الرجيح] (ص90-ابن حزم)- :(1/47)
" وهو فوق العرش وفوق السماوات، والعرش وما حواه في يده كخردلة في يد أحدنا، وعلمه محيط بالكائنات السفلية والعلوية، فما كان وما يكون محاط له، كما قال: "الرحمن على العرش استوى"، "وأحاط بكل شيء علماً"، وهذا الاستواء في سبع مواضع من القرآن الكريم، والأصل أن يعتقد ما ورد به القرآن ولا يأوله، ولا يصرفه عن وجهه -ثم قال بعد سرد الأدلة من القرآن:- وأدلة علو العلي الأعلى في القرآن تزيد على ذلك، وهو نص أو ظاهر في أن الله تعالى فوق الخلق فوق العرش، بائن من المخلوقات بالمعنى الذي يليق بجنابه الأقدس، وتأويله إخراج النص أو الظاهر عن معناه، وذلك لا يجوز قطعاً إلا عند معارضة المثل ووجدانه، ودونه خرط القتاد، وقوله: "ليس كمثله شيء" لا ينافي ذلك، لأن المراد إما مماثلة بجميع الوجوه كما يقوله أهل السنة، أو في أخص الأوصاف كما يقوله المعتزلة، وكلاهما مفقودان في هذا المقام، وهذا حكم الأحاديث الشريفة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام أن يؤمن بما ورد فيها، ويعلم أن الصرف وتأويل العقول الضعيفة حلقة خارج الباب -ثم سرد الأحاديث وقال في آخرها:- وفي الباب أحاديث كثيرة عسيرة الاستقصاء في هذه المقدمة في غاية الكثرة، والآيات والأحاديث تغني عن إيرادها " انتهى
21- العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
نقل الأهدل في [النفس اليماني] (ص256-258) قصيدة رائعة في الإجازة للأمير الصنعاني -وهي في ديوانه- جعل بضعة أبيات منها نصيحة في الاعتقاد وتحذيراً من تأويل الصفات وتعطيلها، قال فيها:
فقد ضل بالتأويل قوم جهالة * ويَعرف ذا النقادُ من غير تنبيه
فعطّل أقوامٌ وجسّم فرقةٌ * وفاز امرؤٌ ما حامَ حولَ مبانيه
أتى كلُّ ما فيه من الأمر تاركا * ومجتنباً إتيانه لنواهيه
وقد صيّر [الكشّاف] جُلّ كلامه * تعالى مجازا فاحذروا من دواهيه(1/48)
قلت: وللصنعاني كتاب [تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد] وهو متفق تماماً مع كتاب التوحيد لشيخ لمحمد بن عبد الوهاب، وقد مدحه بقصيدة طنانة، أيد فيها اعتقاده المشهور، ولم يثبت عنه أنه نقض قصيدته وتغيّر موقفه منه -وسأفرد لذلك موضوعاً بمشيئة الله أبين فيه أدلة ذلك القاطعة لكل قول مخالف- وعلى التنزل والقول بصحة النقض يلزم المخالف أن يذعن صاغراً لما نسب للصنعاني فيها من قول:
ولا تحسبوا أني رجعت عن الذي * تضمّنه نظمي القديم إلى نجد
بلى كل ما فيه هو الحق إنما * تجاريك من سفك الدما ليس من قصد
وتكفير أهل الأرض لست أقوله * كما قلته لا عن دليل به تهدي
إذن، على فرض صحة هذا التراجع جدلاً، فالذي يستفاد منه تقييده بما افتري على الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تكفير أهل الأرض !! ويستفاد منه مزيد تأكيد من الصنعاني على تمسكه باعتقاد أهل السنة في سائر مسائله، وأنه هو الحق، والحمد لله تعالى.
هذا، وقد نص جمع على أن الصنعاني رحمه الله كان سلفي المذهب، منهم علي بن سليمان آل يوسف في [أربح البضاعة] (ص86) ونقل صديق حسن خان عن الأمير في رسالته عن الفرقة الناجية ما يبرؤه من الأشعرية، فلتنظر المطبوعة، ومثل ذلك قول الصنعاني في [رفع الأستار] (ص140) : " قلت: وقد سقنا أدلته النظرية والأثرية، ولم نترك منها إلا ما كان مكرراً، وتكلمنا على تفصيلها بما هدانا الله إليه وله الحمد، من غير عصبية مذهبية، ولا متابعة أشعرية، ولا معتزلية، بل بما أشهدتنا أنوار الأدلة "
وقال الصنعاني في كتابه [الأنفاس الرحمانية] (ق27/أ من مقدمة محقق الإنصاف ص35) : وإنما قدمت هذا لئلا يظن الناظر أني ذهبت إلى قول فريق من الفريقين: المعتزلة والأشعرية، فإن الكل قد ابتدعوا في هذا الفن الذي خاضوا فيه
وقال مجيباً رسالة شيخه محمد حياة السندي السلفي والذي تمثل بالبيت المشهور:
وخير الأمور السالفات على الهدى + وشر الأمور المحدثات البدائع(1/49)
بقوله -كما في [الديوان] (ص233) :
لقد خُلطت بالابتداع العقائدُ * ترى كل ذي علم عليها يدافع
يدافع عما أسس الناس قبله * ويبني على ما أسسوا ويشايع
لقد فاض بحر الابتداع وأصبحت * قلوب ذوي التقليد منه المصانع
خليليَّ ما لي لا أرى غير منصف * أقام على باب الهداية مانع
نعم إن أرباب المذاهب أصبحوا * وكلٌّ على ما يرتضيه يدافع
يرد الذي لا يرتضيه برأيه * ويحسب أن الحق للرأي تابع
إذا آية صكت مسامع قلبه * وجاءت بما لا يرتضي من يتابع
يقوم على ساقٍ لتأويل لفظها * وصرف معانيها إلى ما يشايع
وكم من حديث نحوه قد توجهت * وجوه من التأويل شوهٌ شنائع
22- العلامة محمد بن علي الشوكاني
له كتاب التحف ومما قال في أواخره ملخِّصاً جوابه (ص60-61 دار ابن الجوزي) : والحق هو ما عرّفناك من مذهب السلف الصالح: فالاستواء على العرش، والكون في تلك الجهة، صرَّح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث، بل هذا مما يجده كل فرد من أفراد الناس في نفسه، ويحسه في فطرته وتجذبه إليه طبيعته، كما تراه في كل من استغاث بالله سبحانه وتعالى والتجأ إليه، ووجّه أدعيته إلى جنابه الرفيع وعِزّه المنيع، فإنه يشير عند ذلك بكفه، أو يرمي إلى السماء بطرفه، ويستوي في ذلك عند عروض أسباب الدعاء وحدوث بواعث الاستغاثة، ووجود مقتضيات الإزعاج، وظهور دواعي الالتجاء: عالمُ الناس وجاهلُهم، والماشي على طريقة السلف، والمقتدي بأهل التأويل القائلين بأن الاستواء هو الاستيلاء ..
وفي تفسيره [فتح القدير] الكثير من العبارات السلفية الصريحة في إثبات علو الباري على خلقه، نذكرها في إفراد الإسانيد إن شاء الله تعالى.
23، 24- المحدثان محمد إسحاق الدهلوي وأبوه عبد العزيز(1/50)
قال صديق حسن خان في [الحطة في ذكر الصحاح الستة] (ص256-259) : ثم جاء الله سبحانه وتعالى من بعدهم بالشيخ الأجل والمحدث ناطق هذه الدورة وحكيمها وفائق تلك الطبقة وزعيمها الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي المتوفى سنة ست وسبعين ومائة وألف، وكذا بأولاده الأمجاد؛ وأولاد أولاده أولي الإرشاد، المشمرين لنشر هذا العلم عن ساق الجد والاجتهاد، فعاد بهم علم الحديث غضاً طرياً بعدما كان شيئاً فرياً، وقد نفع الله بهم وبعلومهم كثيراً من عباده المؤمنين، ونفى بسعيهم المشكور من فتن الإشراك والبدع ومحدثات الأمور في الدين ما ليس بخاف على أحد من العالمين، فهؤلاء الكرام قد رجحوا علم السنة على غيرها من العلوم . . . ولكن أعداء الله تعصبوا في شأنه وشأن أتباعه وأقرانه حتى نسبوا طريقته هذه إلى الشيخ محمد النجدي، ولقبوهم بالوهابية
25- الشاه ولي الله الدهلوي
قال رحمه الله في رسالته في مناقب ابن تيمية والدفاع عنه (ص642-جامع سيرة شيخ الإسلام) : الحق في هذا المقام أن الله تعالى أثبت لنفسه جهة الفوق وأن الأحاديث متظاهرة على ذلك وقد نقل الترمذي ذلك عن الإمام مالك ونظرائه
وقال (ص643) : وهذا الذي حققناه هو مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، أقرأني أبوطاهر المدني رضي الله عنه بخط أبيه، أن الشيخ أبا الحسن قال في كتابه: [إني على مذهب أحمد في مسألة الصفات، وإن الله فوق العرش
ورسالة ولي الله الدهلوي هذه طبعت قديماً، وضمنها صديق حسن خان ضمن شرحه على [الاعتقاد الصحيح] لولي الله الدهلوي (ص61-64 ط. ابن حزم)، ثم أعاد نشرها الشيخ الفوجياني السلفي في المكتبة السلفية بلاهور، ثم أعيد نشرها ضمن كتاب [الإمام المجدد المحدث الشاه ولي الله الدهلوي حياته ودعوته] لمحمد بشير السيالكوتي (ص54-59)، ثم ضمن [الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية]، ونقل منها النعمان الألوسي في [جلاء العينين] (ص45-46) وغيره كثير.(1/51)
وقد أبان عن تأثره بشيخ الإسلام ابن تيمية في مواطن، منها أنه كتاب ولي الله [البلاغ المبين] تكاد تكون ترجمة بالفارسية لـ [اقتضاء الصراط المستقيم]، ونوه فيها باسمه ومنزلته العلمية فيه مراراً وتكراراً. انظر [كتاب الإمام المجدد المحدث الشاه ولي الله الدهلوي حياته ودعوته] لمحمد بشير السيالكوتي (ص59). وعقد السيالكوتي (ص72-84) فصلا لبيان دعوة التوحيد السلفية عند الشاه ولي الله، ضم الكلام على التوحيد والأسماء والصفات وبيان الشرك، وهو في ذلك واضح السلفية.
وقد أطلت في النقل عن الشاه ولي الله ما يبين سلفيته في الرد على القرامطة.
26- العلامة المحدث نذير حسين الأثري
قال عبد الحفيظ الفهري في [البلدانيات] (ص47 رقم37) : السيد المعمر أبوسالم عبد الله بن إدريس بن محمد بن أحمد السنوسي الفاسي نزيل طنجة، من أشهر علماء المغرب، كان على مذهب الأثريين، تلقاه في الحجاز عن علماء الهند كنذير حسين وعبد الرحمن الأيوبي
وقال (ص27 رقم 19) : الشيخ نذير حسين بن جواد علي الرضوي العظيم آبادي الدهلوي من أشهر العلماء الأثريين بالهند، ورسائله تدل على تبحره في علم الحديث
وقال سعد بن حمد بن عتيق -كما في [إتحاف العدول الثقات] للتويجري (ص5) : وممن حضرت عليهم وسمعت منهم وأخذت عنهم من العلماء الأعلام المحدثين الكرام الشيخ الفاضل النحرير والعالم الشهير حامل لواء أهل الحديث بلا نزاع السيد نذير حسين الدهلوي
وقال العظيم أبادي عن نذير حسين [غاية المقصود شرح سنن أبي داود] (1/54) : وإني صاحبته ولازمته قريبا من ثلاث سنين، واستفضت منه فيوضا كثيرة، ووجدته إماماً في التفسير والحديث والفقه، عاملاً بما فيها، حسن العقيدة، ملازماً لتدريس القرآن والحديث ليلاً ونهاراً..(1/52)
وقال العظيم أبادي(1/57) : قال بعض أفاضل العصر وأماثل الدهر -في الحاشية: هو المولوي وحيد الزمان- في ترجمته للعقيدة الصابونية: [إن من علامات أهل السنة أن يحب أهل الحديث وناصريهم، كالأئمة الستة، والأئمة الأربعة، وغيرهم من متقدميهم ومتأخريهم -وعد أسماء بعضهم، وقال في آخره-: ومنهم شيخ الهند حضرة سيدي مولانا نذير حسين الدهلوي]، وفوالله نعم ما قال هذا الفاضل الصالح، وإني أقول: إن حبه من علامات أهل السنة، وإنه لا يبغضه إلا مبتدع معاند للحق
فصل في بيان سلفية محدثي الهند و إثباتهم لعلو الله تعالى على عرشه
قد تقدم في هذه الردود أن أهل الحديث في الهند كانوا سلفية في اعتقادهم ومنهجهم، وقد أحلت على عدد من الكتب التي أوسعت هذا الموضوع بحثاً، ذكرت منها:
- جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة بالهند للفريوائي.
- عناية علماء المسلمين بموضوع التوحيد لبديع الدين شاه السندي.
- علماء أهل الحديث في الهند وموقفهم من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لأبي المكرم بن عبد الجليل.
- التحفة النجدية لثناء الله الأمرتسري.
- التحفة الوهابية للشيخ محمد بن إسماعيل الغزنوي.
- تحفة نجد للشيخ محمد داود الغزنوي.
- حركة الانطلاق الفكري وجهود الشاه ولي الله في التجديد للشيخ محمد إسماعيل السلفي، تعريب مقتدى الأزهري.
- الانتهاء في مسألة الاستواء لوحيد الزمان اللكنوي
- صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للسهسواني.
- محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه للشيخ مسعود عالم الندوي (رغم أنه ليس من مدرسة نذير حسين!)
- ويلحق بالمادة كتاب تقوية الإيمان وكتاب رد الإشراك للإمام المجاهد إسماعيل الشهيد، وهو ابن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي، وأحد أخص تلامذة عمه عبد العزيز، ومن شيوخ نذير حسين..(1/53)
- وراجع للاستزادة مقدمة الشيخ الفوجياني لإتحاف النبيه لولي الله الدهلوي، ومقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري (1/49 طبعة المكتبة السلفية بالمدينة)، ومقدمة غاية المقصود للعظيم أبادي (وفيها ترجمة موسعة لنذير حسين 1/51-67 وفيها ثناء كثير على عقيدته)
وليأخذ القارئ فكرة مصغرة عن هذه الحقيقة أذكر حادثة معروفة في الهند قد شاء الله تعالى لحكم لعل منها إظهار تمسك علماء تلك البلاد بمذهب السلف وإنكارهم على من شذ منهم، وملخصها أن المحدث العلامة ثناء الله الأمرتسري صنف تفسيراً للقرآن العظيم، خالف في مواضع منه مذهب السلف في آيات الصفات من الإثبات بلا تكييف أو تمثيل أو تعطيل وجنح إلى ضرب من التأويل في الاستواء وغيره، فقام عليه أهل الحديث إنكاراً لهذه المحدثة عندهم، وانظر "الأربعين في أن ثناء الله ليس على مذهب المحدّثين" لعبد الحق الغزنوي حيث ذكر (ص17) مخالفة ثناء الله لمذهب المحدثين في مسألة العلو على العرش، وبعد أن ذكر أدلة على العلو قال: [وقال الحافظ ابن أبي شيبة في كتاب العرش له: وقد تواترت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه، فهو فوق العرش]، ورد الغزنوي (ص25-26) على تأويل الأمرتسري للعرش ! أيضاً.(1/54)
وقرظ رده موافقاً له كل من العلماء : 1- عبد الرحيم الغزنوي، و2- عبد الجبار الغزنوي ومما قال: إن ثناء الله [قد خالف في كثير من المواضع من تفسيره التفسير النبوي وتفاسير خير القرون، وترك تفاسير أهل السنة والجماعة واختار تفسير الجهمية والمعتزلة وغيرهما من الفرق الضالة]، و3- عبد الغفور الغزنوي قائلاً: [وما أجاب المجيب فهو كله صحيح وموافق لمذهب أهل السنة والجماعة]، و4- عبد الأول الغزنوي قائلاً: [لا شك أن ثناء الله يفسر القرآن برأيه مخالفاً للأحاديث الصحيحة والآثار السلفية وأقوال الأئمة المرضية متبعاً لأقوال الملاحدة المضلة، ويصرف الآيات القرآنية عن ظواهرها]، وكذلك وافقه باللفظ الصريح كل من وقع عليه بعدهم، على أن أقوال الأمرتسري مخالفة لأهل الحديث، وهم 5- عبد الصمد الأمرتسري، و6- غلام علي بن الحافظ محمود الأمرتسري، و7- محمد جمال الأمرتسري، و8- محمد معصوم العلوي الهزاروي، و9- محمد علي مير واعظ، و10- أبوتراب محمد عبد الحق الأمرتسري، و11- عبد العزيز الدينانكري، و12- غلام أحمد اللاهوري، و13- عبد المنان الوزيرأبادي، و14- محمد علاء الدين، و15- أصغر علي روحي، و15- محمد بن محمد حسن الخانفوري، و16- عبد الأحد بن محمد حسن الخانفوري، و17- القاضي محمد زمان، و18- هدايت الله، و19- غلام رسول صيدفوري، و20- كل حسن هزاروي، و21- محمد رباني الراجري، و22- عبد الرحيم ساكن فندي، و23- محمد كيج مكراني، و24- عبد الله شاه بن نادر شاه، و25- الحافظ عبد الهادي روالبندي، و26- غلام محمد فشاوري، و27- فضل الدين، محمد ظريف الهزاروي، و28- نادردين مهتمم، و29- ناصح، و30 -القاضي محسن الدين، و31- حافظ محمد رمضان بشاوري، و32- محمد صديق بشاوري، و33- محمد خانفوري، و34- محمد حسين الهزاروي، و35- محمد يونس، و36- محمد عبد الرحيم، و37- أحمد كل، و38- حسين بن محمد الأنصاري السعدي الخزرجي نزيل بهوبال ومما قال: [فقد اطلعت على(1/55)
الأغلاط الواقعة في تفسير ثناء الله فألفيتها تقشعر منها الجلود وينصدع لما فيها الجلود، قد سلك فيها غير ما سلكه المحققون من المفسرين، وحذا حذو المحرّفين والمنتحلين.. إلخ]، ووقع عليه بعده: 39- أحمد علي الميرتهي، و40- محمد عبد الحكيم، و41- رحيم بخش، و42- عبد الله خان ميرتهي، و43- قدرت شاه ولايتي، محمد نعيم الدين، و44- أبوسعيد محمد حسين، محمد بن إبراهيم البيكفوري، و45- أبوالفيض أحمد واعظ أحمد فور، و46- محمد عبد العزيز، و47- محمود الملتاني، و48- محمد عبد الحق الملتاني، و49- عبد التواب الملتاني، و50- عبد الغفار الملتاني، و51- ملا عبد الحق الملتاني، و52- الحافظ محمد يار الحويلوي، و53- الراقم عبد الله، و54- برخوردار الملتاني، و55- عبد السلام الملتاني، و56- محمد شمس الحق، و57- عبد العظيم من مضافات جمون، و58- محمد بشير صاحب، و59- أبوتراب عبد الوهاب الدهلوي، و60- محمد منفعت علي، و61- محمد عبد الغني، و62- عبد الرحمن البجاني الدهلوي، و63- أحمد الدهلوي، و64- عبد السلام الدهلوي، و65- سيد محمد أبوالحسن المدراسي، و66- فقير الله المدراسي، و67- محمد صادق المدراسي، و68- محمد إبراهيم السيالكوتي ومما قال: [ولست موافقاً للمولوي ثناء الله في هذا التفسير لا طور بيانه ولا في استشهاد آياته ولا في حل المشكلات ولا في تأويل الصفات، بل اعلم أنه خبطٌ مُحْدَث]، ثم وقع بعده 69- عبد الواحد بن عبد الله الغزنوي، 70- ورشيد أحمد كنكوهي، و71- محمد مرتضى أحسن الديوبندي، و72- محمود حسن الديويندي، و73- عزيز الرحمن مفتي ديوبند، و74- محمد عبد الله الطونكي، و75- أبوعبيد مير أحمد الله، و76- محمد سعيد البنارسي، وهو آخر المقرظين.(1/56)
علماً بأن ثناء الله رجع عن هذه الأخطاء فيما بعد، واصطلح مع الغزنوية وبقية أهل الحديث، ولا سيما في مسألة العرش، فاستفدنا من تلك القضية معرفة مذاهب وأقوال نحو ثمانين من العلماء هناك في المسألة، وأن مسألة العلو هي من معتقدات أهل الحديث في القارة الهندية، ومخالفها منبوذ عندهم.
وتجد في رسالة [إصلاح الإخوان على يد السلطان] تفصيل النزاع في تأويل الاستواء الذي جرى بين ثناء الله الأمرتسري والشيخ عبد الواحد الغزنوي، ثم المحضر الذي تم عند الملك عبد العزيز آل سعود بوجود القاضي عبد الله بن بليهد، والسيد رشيد رضا، والشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، والشيخ بهجة البيطار، والشيخ أبوزيد المصري وغيرهم.
وكلمة الفصل في النزاع كتبها الشيخ عبد الله بن بليهد بخط يده، وفيها أنه بحضرة جماعة من العلماء [قد حصل الاتفاق بعد النظر فيما قالوه على أن الشيخ ثناء الله قد رجع عما كان كتبه في تفسيره من تأويل الاستواء وما في معنى ذلك من آيات الصفات الذي تبع فيه المتكلمين، واتبع ما قاله السلف في هذا الباب، وأقر بأنه هو الحق بلا ريب، والتزم أن يكتب ذلك في تفسيره..] انتهى المراد منه.
وكتب الأمرتسري تحته أن الملك رضي والمخلصون -أي العلماء- أرضاهم الله بمسودة الرجوع.
والمجلس حصل في 1344 وطبعه الأمرتسري نفسه سنة 1347 ونص المصالحة موجود في تفسيره [تفسير القرآن بكلام الرحمن] كما في الكتاب المذكور.
27- العلامة أبو طاهر الكوراني المدني
ذكر عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي في [العجالة النافعة] (ص68) أن أباه [أكثر ما استفاد من الشيخ أبي طاهر المدني قدس سره، الذي كان فريد عصره ووحيد دهره في هذا الباب، رحمة الله عليه وعلى أسلافه ومشايخه](1/57)
وقال الشاه ولي الله الدهلوي في [رسالة في مناقب ابن تيمية والدفاع عنه (ص643) : وهذا الذي حققناه هو مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، أقرأني أبوطاهر المدني رضي الله عنه بخط أبيه، أن الشيخ أبا الحسن قال في كتابه: [إني على مذهب أحمد في مسألة الصفات، وإن الله فوق العرش]
قلت: وولي الله الدهلوي تأثر كثيرا في هذا الباب بشيخ شيوخه وعمدته في الرواية إبراهيم الكوراني، وتلقى ذلك من ابنه أبي طاهر، الذي [كان أخص شيوخه في الحرمين الشريفين، وأكثرهم تأثيراً في تكوين شخصيته العلمية وتربيته الفكرية] كما قال السيالكوتي في كتابه [الإمام المجدد المحدث ولي الله الدهلوي: حياته ودعوته] (ص29)
28- العلامة المحقق إبراهيم الكوراني
قال العلامة الألوسي في [جلاء العينين] عند رده على ابن حجر الهيتمي اتهامه للإمامين ابن تيمية وابن القيم بالتجسيم: وتعقبه أيضاً الشيخ إبراهيم الكوراني في [إفاضة العلام] بقوله: [أما إثبات الجهة والجسمية المنسوب إليهما فقد تبين حاله، وأنهما لم يثبتا الجسمية أصلاً، بل صرحا بنفيها في غير ما موضع من تصانيفهما، ولم يثبتا الجهة على وجه يستلزم محذوراً، وإنما أقرا قوله تعالى: "استوى على العرش" على ظاهره الذي يليق بجلال ذات الله تعالى، لا الظاهر الذي هو من نعوت المخلوقين حتى يستلزم الجسمية، وأما قول العراقي لم نجد له أصلاً، ففيه أن ما ذكره ابن القيم ليس فيه أن ما عزاه لشيخه إبداء مناسبة منه بديعة لإرخاء العذبة فهمها مما هو منقول، وهو الحديث الذي أخرجه جماعة منهم أحمد والترمذي وغيرهما وصححوه : أن الله تجلى لي في أحسن صورة ، وفي رواية: أتاني الليلة ربي في أحسن صورة –إلى أن قال– فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي .. الحديث .(1/58)
وإذا كان هذا فهمه منه، واستنباطاً لا نقلاً، لم يرد عليه قول العراقي: ولم نجد له أصلاً ! فالمناسبة التي أبداها ابن تيمية مناسبة صحيحة غير مستلزمة للتجسيم، ولا مبنية عليه أصلاً كما ظنه ابن حجر، بل على صحة التجلي في المظهر مع التنزيه بليس كمثله شيء، وقد دل كلام ابن تيمية -عليه الرحمة- عموماً وخصوصاً على أن الحق سبحانه وتعالى يتجلى لما يشاء على أي وجه يشاء، مع التنزيه بليس كمثله شيء في كل حال، حتى في حال تجليه في المظهر، وهذا هو الغاية في الإيمان والعلم أيضاً]. اهـ باختصار
وقال الآلوسي (ص404) : ونقل الشيخ إبراهيم في كتابه [إمداد ذوي الاستعداد] عن الحافظ ابن حجر العسقلاني أنه قال في فتح الباري شرح صحيح البخاري ما نصه:
[وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.
ومن طريق ربيعة بن عبدالرحمن أنه سئل: كيف استوى على العرش ؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله تعالى إرساله، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي، قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته سبحانه.
ومن وجه آخر عن الأوزاعي أنه قال في الجواب: هو كما وصف نفسه.
وأخرج البيهقي من طريق يحيى، قال: كنا عند مالك بن أنس رحمه الله تعالى، فجاء رجل فقال: يا أبا عبدالله، "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى ؟ قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.(1/59)
وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على أن الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب سبحانه من غير تشبيه ولا تعطيل]
قال الحافظ ابن حجر عليه الرحمة : والآثار عن السلف الصالح كثيرة ، وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل.
وقال(ص407) : وقال الشيخ الكوراني في [شرح القشاشية] ما نصه: [مذهب السلف كما هو الأسهل والأسلم، كذلك هو الأتقن والأحكم، إذ لا خلل فيه ولا خطر أصلاً، وأما صاحب التأويل فبمجرد النظر الفكري فهو على خطر، لأنه ليس على يقين في أنه أصاب، لبقاء الاحتمال عنده إن كان حاذقاً منصفاً، فالأولى بالناصح نفسه أن لا يسلك طريق التأويل بمجرد النظر العقلي، فإن الأمور وراء طور العقل وفوق حده الذي حد الله تعالى له. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري: أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الإمام الشافعي، عن يونس بن عبدالأعلى، قال: سمعت الإمام الشافعي يقول: لله تعالى أسماء وصفات، لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فيثبت هذه الصفات وينفي عنه التشبيه، كما نفي سبحانه عن نفسه، فقال: "ليس كمثله شيء" اهـ ولكن لما وقع الخوض في التأويل كما ترى، واتسع الخرق على الراقع، ولم ينجع النصح باتباع طريق السلف إلا فيمن شاء الله تعالى، وقليل ما هم]. انتهى(1/60)
وقال أبو الثناء الألوسي في [روح المعاني] عند قوله تعالى "أأمنتم من في السماء" الآية ما نصه: ونقل نصوص الأئمة في إجراء ذلك على الظاهر مع التنزيه من غير تأويل يفضي إلى مزيد بسط وتطويل، وقد ألفت فيه كتب معتبرة مطولة ومختصرة، وفي [تنبيه العقول] لشيخ مشايخنا إبراهيم الكوراني أن إجماع القرون الثلاثة على إجراء المتشابهات على مواردها مع التنزيه بليس كمثله شيء دليل على أن الشارع صلوات الله تعالى وسلامه عليه أراد بها ظواهرها، والجزم بصدقه صلى الله تعالى عليه وسلم دليل على عدم المعارض العقلي الدال على نقيض ما دل عليه الدليل النقلي في نفس الأمر، وإن توهمه العاقل في طور النظر والفكر فمعرفة الله تعالى بهذا النحو من الصفات طور وراء ذلك. انتهى
وقال إبراهيم الكوراني نفسه في [مسلسلاته] (ق60/ب) : الذي يوضح كون الشيخ الأشعري على منهاج الفرقة الناجية -الذي هو الاتباع الكامل- كلامه في كتابه [الإبانة] الذي هو آخر مصنفاته فيما ذكر الحافظ ابن تيمية والمعوّل عليه في المعتقد، وفيما ذكره الحافظ ابن عساكر، وقد ساق منه الحافظ ابن عساكر في التبيين نحو خمس ورقات فلننقل منه ما يدل على كمال اتباعه الكتاب والسنة وإيمانه بالمتشابهات على ظاهرها مع التنزيه، فليس كمثله شيء، وهو الاعتقاد الجامع لنفي التشبيه والتعطيل، الذي هو اعتقاد أهل السنة والجماعة المعبّر عنهم في الحديث بالسواد الأعظم..
قلت: فهذا كلام العلامة إبراهيم الكوراني في خمسة من تصانيفه: [1- إفاضة العلام] و[2- تنبيه العقول] و[3- إمداد ذوي الاستعداد] و[4- شرح القشاشية] و[5- المسلسلات] اتفق قوله فيها كلها على أمر واحد هو إجراء الصفات على ظاهرها مع تنزيه الله تعالى عن المثيل، مع إثبات العلو للعلي العظيم. وقد تأثر إبراهيم الكوراني بشيخه عبد الباقي الأثري، وهو الذي التمس منه تأليف كتابه [رياض الجنة] كما في [مشيخة أبي المواهب الحنبلي] (ص38)(1/61)
وقد قال النعمان الألوسي في ترجمة الكوراني في جلاء العينين (ص41): [وكان سلفي العقيدة، ذاباً عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا يذبّ عما وقع في كلمات الصوفية مما ظاهره الحلول أو الاتحاد أو العينية]، قلت: والكوراني محسن الظن بابن عربي الحاتمي، لكنه يتأول كلامه فانظر (113-124) وهو ينكر على غلاة المتصوفة كما في (ص115)، ومن هنا يتبين الفرق بين موقفه من كلام شيخ الإسلام ومن كلام هؤلاء الاتحادية! فنصرته لشيخ الإسلام مبنية على نصرته لاعتقاده السني الذي ملأ بشرحه كتبه، بينما موقفه من هؤلاء المتصوفة مبني على رفض ما يظهر من كلامهم والاعتذار عنهم بأنهم لم يقصدوه ولم يريدوه أصلاً !
29- أبو المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي
كان معروفاً كأبيه بلقب الأثري، وممن حلاه بذلك السفاريني في إجازته لكدك زاده (ق4/أ) فقال: [المقرئ الأثري]، وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -فيما نقله حسين بن غنام مرتين في حديثين مختلفين في روضة الأفكار (1/31 و32 طبعة الهند)-: [عن شيخ الإسلام ومفتي الشام أبي المواهب الحنبلي]
30- محمد بن بدر الدين البلباني
له رسالة في الاعتقاد اسمها [مختصر المبتدئين في أصول الدين] اختصر فيها عقيدة النجم ابن حمدان الحنبلي المتوفى سنة 695 ومما قال أولها (ص66 مكتبة العمرين) : وبعد: فلما رأيت عقيدة الإمام العالم العامل الزاهد الورع المحقق المدقق المتقن [أبي عبد الله أحمد] بن حمدان -رضي الله عنه وأرضاه وجعل بحبوحة الجنان مسكنه ومثواه- قد تُلُقيت بالقبول والتعظيم، وحظيت بالاحترام والتكريم، وكيف لا وهي من أنفع العقائد، وأجل الفوائد، وأعذب الموارد، وأجمع الشوارد، إلا أن فيها تطويلاً يمل منه غالب أهل هذا الزمان، وتعجز عن إدراكه أفهام أكثر أهل ذا الأوان، وتقصر عن حفظه همم أهل التّوان، فأحببت اختصارها إلى نحو ثلثها.(1/62)
ففي هذا الكلام فائدة اشتهار تلك العقيدة في زمنه بالقبول، ومما قاله ابن حمدان في عقيدته: [نقول بحديث النزول مما سنده صحيح ولفظه صريح]، نقله الشطي في شرحه على [العقيدة السفارينية] (ص141 مع شرح ابن مانع)
قال البلباني (ص74-77) : أسماء الله تعالى وصفاته قديمة توقيفية، فلا يجوز أن نسميه أو نصفه إلا بما ورد في الكتاب والسنة، أو عن جميع علماء الأمة، فنكفّ عمّا كفّوا عنه من التأويلات، ونقف حيث وقفوا، ولا نتعدى الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فكل ما صح نقله عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو جميع علماء أمته وجب قبوله والأخذ به وإمراره كما جاء وإن لم يعقل معناه. فيحرم تأويل ما يتعلق به تعالى وتفسيره، كآية الاستواء، وحديث النزول، وغير ذلك إلا بصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصحابة. وهذا مذهب السلف قاطبة، وهو أسلم المذهبين وأولاهما، لموافقته لسلف الأمة وخيار الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين.
فلا نقول في التنزيه كقول المعطلة، ولا نميل في الإثبات إلى إلحاد الممثلة، بل نثبت ولا نحرف، ونصف ولا نكيّف.
فالإيمان على مقتضى ذلك واجب من غير ردّ ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تجسيم، ولا تأويل على مقتضى اللغة.
وأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان: هذا اعتقادي في السر والإعلان، ولا يسعني خلافه إلى أن ألقى الملك الديان، المنزه عن مشابهة شيء من الأكوان، فالذي أدين الله به وأرجو أن ألقاه عليه الوقوف عن تأويلات الصفات وأحاديثها وما شابهها، إلا أن يكون واردا في الكتاب والسنة، أو تجتمع عليه علماء الأمة، اتباعاً لإجماع السلف الصالح واقتداء بهم.(1/63)
وإني ولله الحمد من حين نشأت على هذا الاعتقاد، وقد زادني محبة له وتمسكاً به؛ وأكّده عندي؛ أني رأيت في المنام إمامنا الإمام أحمد رضي الله عنه، فأخبرته باعتقادي؛ فأقرني عليه، وشافهني بأن التأويل بغير ورود إجماع غير جائز، بل أفهمني أن ما نقله عنه أصحابه من امتناع التأويل هو مذهبه لا غير، حتى سألته عن الاستدلال بكلام الأخطل وغيره مما استدل به أهل التأويل، فغضب من ذلك غضباً بليغاً وأعرض عني وتغيّر لونه، ثم قال: لا يجوز ذلك ولا يصح، وأشار إليّ بالاعراض عن جميع ذلك، وأفهمني أنه لا يجوز قياس أسماء الله وصفاته ولا تخريجها على شيء من ذلك أصلاً، مع أنني كررت مراراً ذلك عليه وهو لا يجاوبني إلا بمثل ذلك، وهذا وشبهه هو الذي كان عليه في حياته كما نقل عنه أصحابه، وكانت هذه الرؤيا في أواخر ذي القعدة سنة 1049 وهي رؤيا حق.
ثم قال البلباني (ص77-78) : والحاصل أن الصحابة والتابعين وتابعيهم اكتفوا بالإيمان بجميع ما ورد في لكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته، مع إمراره كما جاء من غير تشبيه ولا تعطيل، ولا تعرض لتفسيره أو تأويله بلا ورود.
ولو كان تفسير ذلك أو تأويله واجباً لبيّنه صلى الله عليه وسلم، ولما تركه الصحابة رضي الله عنهم، إذ لم ينقل عنهم ما يدل على ذلك، مع أنهم أعلم الأمة وأعرفها بذلك وغيره بالإجماع.
وسكتوا عنه مع أنهم هداة الأمة وأئمتها، فلو كان تمام إيمانها ورشاد الدين موقوفاً على شيء من ذلك لبيّنوه ولم يسعهم كتمه.
وإذا كان كذلك فليسعنا ما وسعهم، فنسكت عما سكتوا، ولنكف عما كفّوا، لأنه أهون وأسلم، وأصون وألزم، والله أدرى وأعلم، وأعز وأكرم.(1/64)
إذا علمت هذا فاعلم أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه لا شبيه له في ذاته، لا شبيه له في صفاته، فصفاته معلوم وجودها، ولا يعلم حقائقها إلا هو سبحانه، ونحن نضرب عن كيفيتها، فمذهب أهل السنة حق بين باطلين، وهدى بين ضلالتين، وهو إثبات الأسماء والصفات مع نفي التشبيه والأدوات.
ولمحقق الكتاب كلام جميل في شرح كلام المؤلف ببعضه، والتوفيق مما قد يتوهمه البعض تناقضاً ومخالفة.
ففي كلامه إبطال للتأويل وتنزيه واضح، ولا يقال تعطيل، لقوله بأنه لا يقول بتعطيل المعطلة، بل يثبت ولا يحرف، وصرح أن الكلام في الصفات فرع من الكلام في الذات، وصرح أنه متبع لمذهب السلف، وهو معلوم، فيجب أخذ كلامه في الصفات كاملاً بلا اقتطاع ما قد يناسب المعطلة والجهمية.
هذا والبلباني في عقيدته مع كونها مختصرة مجردة عن الأدلة والنقول غالباً، إلا أنه نقل في الاعتقاد عن ابن تيمية (ص99) ونعته بشيخ الإسلام.
وفي رسالة ابن بلبان بعض المصطلحات المتأثرة بالأشعرية الغالبة في زمنه، إلا أن مجمل كلامه يرد لمفصله مما نقلت، وكان شيخه عبد الباقي الحنبلي أصرح وأقل مداراة لزمانه، وشيخه مرعي الكرمي كان أصرح منهما.
31- العلامة عبد الباقي البعلي الحنبلي
كان مشهوراً بلقب الأثري، وله كتاب قيم اسمه [العين والأثر في عقائد أهل الأثر] طبع بدار المأمون للتراث، وحقق أيضاً كرسالة جامعية في جامعة الإمام محمد بن سعود، قال فيه رحمه الله (ص35-36 من المطبوع) : يحرم تأويل ما يتعلق به تعالى وتفسيره، كآية الاستواء وحديث النزول وغير ذلك من آيات الصفات إلا بصادر من النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصحابة وهذا مذهب السلف قاطبة، فلا نقول في التنزيه كقول المعطلة، بل نثبت ولا نحرّف، ونصف ولا نكيّف، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فمذهبنا حق بين باطلين وهدى بين ضلالتين، وهو: إثبات الأسماء والصفات، مع نفي التشبيه والأدوات(1/65)
وقال رحمه الله (ص59-63) : المقصد الثاني: في مسائل وقع فيها الخلاف بين الحنابلة والأشاعرة
منها: أننا نؤمن بأن الله مستو على عرشه بائن من خلقه من غير تأويل، فعن أم سلمة رضي الله عنها . . .
ومنها نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبت الحنابلة ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله تعالى.
وكذلك ما أنزل الله عز وجل في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله تعالى: "وجاء ربك والملك صفاً صفاً" الآية، وفي قوله: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام" الآية، ونؤمن بذلك بلا كيف، فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه . . . وسيأتي في التتمة الخامسة ذكر كلام الإمام الأشعري وأنه موافق للإمام أحمد في الاعتقاد وأنه يجري المتشابهات على ما قاله الله من غير تصرف ولا تأويل، كما هو عليه مذهب السلف، وعليه فلا خلاف ولا نزاع والحمد لله
فصل: في اعتقاد الحنابلة جملة لمذهب السلف(1/66)
قال الإمام عبد الباقي البعلي الحنبلي في العين والأثر (ص59) : وللكلام على المقصد الثاني تقدمة، وهي أن طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة وحنابلة وماتريدية، بدليل عطف علماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية؛ وجميع كتب الحنابلة، والعطف يقتضي المغايرة! وكيف يصح إدخال الحنابلة في الأشاعرة ؟ مع أنه قد ذكر ابن السبكي في طبقات الشافعية أن الشيخ أبا الحسن الأشعري ولد سنة ستين ومائتين بعد وفاة الإمام أحمد بعشرين سنة، فكيف يصح نسبة الإمام أحمد إلى اعتقادهم !؟ مع أنهم منذ زمن الإمام أحمد إلى زماننا هذا لم يزالوا على اعتقاد إمامهم الذي هو معتقد السلف - كبقية الأئمة الأربعة- من حيث تسليم آيات الصفات وعدم تأويلها، ألا ترى إلى جواب مالك لما سئل عن الاستواء؟
قلت: كلمة الإمام عبد الباقي الذهبية أن الحنابلة ما زالوا على اعتقاد إمامهم مذ كانوا حتى وقته؛ بل وبعده أيضاً.
فأما قبله فهذا نموذج من علماء الحنابلة وهو مرعي بن يوسف الكرمي، له كتاب [أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات] سار فيه على مذهب السلف جملة، وله [الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية]، و[الكواكب الدرية في مناقب ابن تيمية]
وقبله: أحمد بن أسعد التنوخي، له كتاب [العقيدة] نظم في نحو سبعمائة بيت على طريقة السلف كما قال النجم الغزي، وقبل ذلك أتباع مدرسة ابن تيمية، فهم كثرة كاثرة.(1/67)
ويناسب هنا إيراد كلام العلامة حمد بن ناصر بن معمر الحنبلي ضمن الدرر السنية، فبعد أن أسهب جداً في نقل أقوال العلماء في مسألة الصفات -وغالبه من اجتماع الجيوش الإسلامية، قال (12/156): وقد أضربنا عن كلام الحنابلة صفحاً، فلم ننقل منه إلا اليسير، لأنه قد اشتهر عنهم إثبات الصفات ونفي التكييفات، فمذهبهم بين الناس مشهور، وفي كتبهم مسطور، وكلامهم في هذا الباب أشهر من أن يُذكر، وأكثر من أن يسطّر، ولهذا كان أهل البدع يسمّونهم الحشوية، لأنهم قد أبطلوا التأويل، واتبعوا ظاهر التنزيل، وخالفوا أهل البدع والتأويل
وقال بعده الإمام محمد بن ناصر الحازمي الأثري بعد أن نقل جملة كبيرة من أقوال الأئمة في إثبات العلو لله تعالى في كتاب الصفات (ص124) : وفيما نقلناه من كلام الأئمة خير كثير، ولو تتبعنا كلام العلماء في هذا الباب لحصل منه مجلد كبير، وقد أضربنا عن كلام الحنابلة صفحاً فلم ننقل عنهم إلا اليسير، لأنه قد اشتهر عنهم إثبات الصفات ونفي التكييفات.. فذكر مثله.
وممن نص على ذلك من متقدمي الحنابلة ابن أبي يعلى في مسائل أصول الديانات من [كتاب الروايتين والوجهين] فقال (ص46) : مسألة: لا يختلف أصحابنا أن الله تعالى مستوٍ على عرشه، كما أخبر في كتابه، فقال تعالى: "ثم استوى على العرش"، وقال: "الرحمن على العرش استوى"، وغير ذلك
وقال ابن أبي يعلى (ص52) : مسألة: لا يختلف أصحابنا أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم(1/68)
أعود فأقول : أما ثبات الحنابلة على عقيدة الإمام أحمد بعد عبد الباقي البعلي أيضاً فيؤيده آثارهم الاعتقادية، فهذا محمد السفاريني الحنبلي له [الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية]، ثم شرحها في [لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية]، وله [لواقح الأفكار السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية]، وكلها في عقيدة أهل الأثر، وشرح [مختصر الدرة المضية] العلامة حسن بن عمر الشطي.
وكذلك عبد الله بن صوفان القدّومي الحنبلي قال عنه الكتاني: [الحنبلي الأثري مذهباً .. أعلم من لقيناه من الحنابلة، وأشدهم تمسكاً بتعاليم السلف]، وله مصنّف اسمه: [المنهج الأحمد في درء المثالب التي تنمى لمذهب الإمام أحمد]، وله رسالة في الاعتقاد بعنوان [طوالع الأنوار البهيّة]
وكذلك عبد القادر بدران الدومي الأثري، ومن المعاصرين المؤرخ الداعية إحسان نجيب نمر النابلسي وقد نُص في ترجمته أنه كان سلفي النزعة وهابياً ! [المستدرك على تتمة الأعلام(3/125).]
وغيرهم كثير من حنابلة الشاميين، حتى من لم يؤلف منهم في الاعتقاد خاصة يستبان موقفه منها صراحة، كما صنع عبد الحي ابن العماد العكري في تراجم مجددي آثار السلف في [شذرات الذهب]، كابن تيمية ومدرسته، وكما تجد اعتماد الفقهاء الحنابلة على ابن تيمية ومدرسته وإذا ذكر كثيراً ما يوصف بشيخ الإسلام، ومعلوم أن حبه وتقديره محنة، ولا سيما في تلك الحقبة حيث تسلط الجهلة من مخالفي مذهبه على آثاره، ولم يدخروا وسعاً في إتلاف كتبه ومحاربة أفكاره، بل نجد المحدث البرهان الناجي لقب بذلك لتحوله عن المذهب الحنبلي !!(1/69)
وأما حديثاً فقد ذكر الشيخ العلامة محمد بن سليمان الأشقر في ترجمة عبد الغني بن ياسين اللبدي النابلسي: [وهو كأغلب العلماء الحنابلة: يتبع في العقائد عقيدة السلف التي عمل علماء السلف لتثبيتها، وجاهد الإمام أحمد لتأسيسها وتقعيدها، ثم تابع أصحابه بعده تشييد أركانها، وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم]، (مقدمة تحقيق حاشية اللبدي على نيل المآرب، وذكر أيضاً أنه له [عقيدة] مخطوطة
قلت: وقصبة الحنابلة اليوم في الشام مدينة (دوما) غالب حنابلتها سلفيون.
هذا عن الشاميين خاصة، ومثلهم في الجملة حنابلة أطراف العراق المتأخرين، مثل الزبير والكويت.
فها هو علامة الزبير عبد الله بن عبد الرحمن الحمود صاحب الفتاوى الزبيرية والملقب بمفتي الديار الزبيرية، وإمام جامعها وخطيبه، قد نص تلميذه الشيخ إبراهيم بن محمد المبيض الزبيري أن شيخه [كان سليم العقيدة، يرى بيع ما وُقف على قبرٍ محاربة منه للشرك والبدع]، (مقدمة الفتاوى الزبيرية ص38)، وقال أيضاً إنه كان يُقرأ عليه [مختلف كتب العقيدة والتوحيد، ككتاب الدرة المضيئة للسفاريني، التي شرحها أحد أساتذة مدرسة الدويحس -مدرسة شهيرة بالزبير، درس بها الحمود- ألا وهو الشيخ محمد بن علي بن سلوم رحمه الله، وهي مطبوعة] (نفسه ص39)
أما الكويت فعلامتها عبد الله بن خلف الدحيان وتلاميذه ومدرستهم من بعدهم كلهم سلفيون معروفون، وانظر للاسترواح مقدمة الشيخ محمد بن ناصر العجمي على روضة الأفراح (مثلا: في ص80 كتب محمد بن عبد الله بن محمد الفارس الكويتي بعد اسمه بخطه: ..والسلفي اعتقاداً والحنبلي مذهباً)(1/70)
وأما النجديون فلا حاجة للكتابة حول انتهاجهم لمذهب السلف أصحاب الحديث، ولكن ممن ألف رسالة أو عقيدة قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب هناك عبد العزيز بن عبد الرحمن الرزيني له نظم العقيدة الواسطية، قال عنها ابن بسام: [وهو نظم حسن عذب نهج فيه نهج السلف الصالح في الصفات وأفعال العباد] (علماء نجد 3/407)
وقبله ألف عثمان بن أحمد بن قائد النجدي رسائله: [نجاة الخلف في اعتقاد السلف]، [والتوحيد]، و[مختصر النونية لابن القيم]
بل حتى من كان يعارض دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض المسائل من أهل نجد -وممن يفرح أهل البدع بذكر أسمائهم للنيل من الشيخ- كانوا في باب الصفات على اعتقاد الإمام أحمد والسلف ومرجعهم في ذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.
ولذلك تجد الحنابلة يقومون على من يشذ عن مذهب إمامهم ويقوّمون اعوجاج من ينحرف عنه، فأخذوا على أبي يعلى وابن حامد ما نزعا إليه من الغلو في الإثبات بغير وارد عن السلف، كما وبخوا ابن عقيل وصدقة بن الحسين وابن الجوزي لخروجهم إلى ضرب من التجهم والاعتزال، وأخبارهم في ذلك معروفة مشهورة.(1/71)