... بسم الله الرحمن الرحيم
بحث بعنوان
الإمام ابن خزيمة ومنهجه في مختلف الحديث في صحيحه
مقدم إلى مادة مختلف الحديث
بإشراف أ.د. أمين القضاة
الطالب
هاني يوسف محمود الجليس
تخصص الدكتوراه في الحديث الشريف
كلية الشريعة _ جامعة اليرموك
2007-2008
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد:ويشمل:
أولا: المقدمة.
ثانيا:مشكلة البحث
ثالثا: أهمية البحث
رابعا: الدراسات السابقة
خامسا: عملي في البحث ومنهجي في الدراسة.
المقدمة:
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات وبرحمته تدفع البلايا والمهمات وبجوده وكرمه تطيب الحياة ويطيب الممات.
والصلاة والسلام على المبعوث لاقالة العثرات وتسهيل الصعوبات خير رسول أرسله في هذه الحياة.
أما بعد:
... فإن التعارض الحقيقي بين الأدلة الشرعية الثابتة لا وجود له . وكيف يكون والله تعالى يقول:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. (1)
... أما التعارض أو الاختلاف الذي نجده أحيانا أو نسمع أناسا يقولون به والواقع بين الأدلة الشرعية وغيرها فإنما هو تعارض ظاهري يظهر للغافل أو للجاهل أو لغير المتعمق أو للمشكك ثم سرعان ما يزول ويندحر خاصة إذا وجد من يمعن النظر والعقل ويستخدم الفطرة السوية في مثل هذه الحوادث أمثال العلماء الاجلاء مثل الغمام الشافعي وابن خزيمة وابن حجر والنووي وغيرهم من العلماء الافذاذ الذين شمروا عن سواعد الجد وسارعوا لخدمة سنة النبي عليه السلام بكل ما أوتوا من ذكاء وهمة وفطنة . وجاء نتيجة هذه العوارض ما سماه العلماء بعلم مختلف الحديث.
وسأحاول في بحثي هذا الوقوف على منهج واحد من العلماء الذين تكلموا فيه بل وأبدعوا فيه وهو الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى فجاء بحثي هذا الموسوم بـ
"الإمام ابن خزيمة ومنهجه في مختلف الحديث من خلال صحيحه المسمى صحيح ابن خزيمة"
مشكلة الدراسة:
__________
(1) النساء 82(1/1)
لعل ابن خزيمة هو أحد العلماء الذين جلوا هذا العلم وتصدوا لهذه الظاهرة وكان همه وشغله الشاغل في مؤلفاته التصدي لدفع التعارض وإزالة اللبس عن حديث رسول الله جل وعلا.
فالناظر في كتاب الصحيح لابن خزيمة يرى أن مختلف الحديث ظاهرة عامة في الكتاب.والذي ساعده ف ذلك بروزه بالفقه إلى جانب الإمامة في الحديث . بل وقد نص العلماء أنه من أحسن الناس كلاما في علم مختلف الحديث . يقول السيوطي:وكان ابن خزيمة من أحسن الناس كلاما فيه (1) . يقصد علم مختلف الحديث.
واثناء دراستي لهذه المادة وجدت عبارة تنسب إلى ابن خزيمة حركت فكري وشدت ميولي إلى الكتابة في هذا الموضوع . والكلمة هي:"لا أعرف أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادين. فمن كان عنده فلأت به حتى أؤلف بينهما" (2)
وتأتي مشكلة الدراسة في الكشف عن منهج الامام ابن خزيمة في هذا الكتاب استجابة لقول من قال انه من أحسن الناس كلاما فيه .
لنرى هذا الحسن ونجليه أمام الباحثين وطلبة العلم .فأحببت أن أقف على منهجه الفريد .
والمشكلة الأبرز:أننا إذ نقرأ في الكتب المؤلفة في هذا الفن نجد تباينا شديدا في ما يعد مختلف حديث وما لا يعد من المختلف .وفيما يعد مشكلا وما لا يعد وهل بينهما اختلافا في التسمية أم اتفاقا . فجاءت هذه الدراسة لابحث في هذه النقطة أيضا لعلي أضيف إلى دفة أحد الطرفين شيئا يكون موضحا مبنيا على واقع عملي.
أهمية الدراسة:
جاءت أهمية هذه الدراسة من أهمية دراسة مختلف الحديث بالإضافة إلى الأهمية المتعلقة بمنهج ابن خزيمة وطريقته وكتابه على النحو الآتي:
__________
(1) تدريب الراوي شرح تقريب النواوي – جلال الدين السيوطي 2\176
(2) الكفاية للخطيب البغدادي 473 . وعلوم الحديث لابن الصلاح 258 والتدريب 2\176 وفتح المغيث للسخاوي 3\75(1/2)
1. دفع الشبهات التي يروج لها أعداء الدين من القديم وحتى الآن وجهدهم في التفتيش على المشكل والمختلف لتخريب عقول الناس وجعلهم ينفرون من هذا الدين . خاصة مع بروز تطورات كبيرة في شتى المجالات .
2. كشف الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الاختلاف بين الاحاديث وغيرها من الادلة
3. الاطلاع على منهج ابن خزيمة الفريد في دفع التعارض وازالة سوء الفهم
4. الاستفادة من منهج ابن خزيمة في ازالة التعارض وسحبه على غير ما ذكره من مختلفات لدفع هذا الاختلاف
5. الوقوف على معنى المختلف والمشكل وبيان العلاقة بينهما من خلال المقارنة بين من تحدث عنها ومن كتب فيها ومن طبقها
6. التعرف على المسائل التي وضحها ابن خزيمة في صحيحه
7. محاولة المقارنة بين منهج ابن خزيمة وغيره في عرض المسائل المشتركة بينهم وكيفية التعامل معها من خلال هذا العلم.
إلى غير ذلك مما يستفاد من هذا البحث.
رابعا:الدراسات السابقة
لم أجد- فيما اطلعت عليه من فهارس المكتبات العامة والخاصة وفهارس قواعد المعلومات في دول متعددة بل وفي شبكة المعلومات العنكبوتية في مختلف محركات البحث-و لم أقف على كتاب او مؤلف قد تناول هذا الموضوع بالصورة التي اعرضها وبالكيفية المحددة للدراسة . وكل ما حصلت عليه من كتب تخدم صحييح ابن خزيمة هما مؤلفين اثنين:
1-الإمام ابن خزيمة ومنهجه في كتاب الصحيح –الدكتور عبد العزيز شاكر حمدان الفياض الكبيسي –مدرس الحديث وعلومه بجامعة الامارات العربية المتحدة.دار ابن حزم ط1 1422-2001م . وهذا الكتاب تكلم عن المنهج بشكل عام في مختلف النواحي ولم يفرد فقط للمنهج في مختلف الحديث ولكن جاء كلامه عن المختلف بشكل مقتضب ولم يتجاوز مجرد الاشارة الى تعريف المختلف وبيان مقصوده ثم عرض طريقة ابن خزيمة بشكل سريع في التعامل مع المختلف مع بعض الامثلة . اثناء حديثه عن منهجه في الحديث بشكل عام.(1/3)
2- مقولات ابن خزيمة في صحيحة رسالة ماجستير في الجامعة الاردنية لاحد الطلاب الفلسطينين . إسماعيل بن حمد بن سعيد بإشراف الدكتور محمد عويضة. وهي تتكلم عن ما قاله ابن خزيمة بعد الاحاديث من قواعد وتعليقات وتوجيهات وغير ذلك.
هذا ما يتصل بصحيح ابن خزيمة من دراسات
ولكن ما يتعلق بعلم المختلف فقد جاءت كتب كثيرة تتكلم عن المختلف كعلم ووضع ضوابط له ومنها ما يتناوله تطبيقا ومنها ما يشرح ومنها ما يبين المناهج على النحو الآتي:
1- اختلاف الحديث الشافعي
2- مشكل الآثار الطحاوي
3- مشكل الحديث ابن فورك
4- كشف المشكل ابن الجوزي
5- تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة
6- تأويل الأحاديث الموهمة للتشبيه الشيوطي
7- تأويل مختلف الحديث دراسة وتحقيق احمد عطية طافش الشقيرات
8- مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين مع دراسة تطبيقية على مرويات حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
9- مختلف الحديث عند الإمام النووي من خلال شرحه على صحيح مسلم جمعا ودراسة مقارنة منصور عبد الرحمن العقيل
10- منهج التوثيق والترجيح بين مختلف الحديث وأثره في الفقه الإسلامي عبد المجيد الوسنة
11- مختلف الحديث بين المحدثين والأصوليين الفقاء اسامة الخياط
12- أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين د.سليمان الدبيجي
13- منهج الشافعي في ظاهرة مختلف الحديث عبد اللطيف السيد علي سالم
14- مختلف الحديث عند الإمام الطحاوي في ضوء كتابه شرح معاني الآثار وديع عبد المعطي ابداح
15- الموازنة بين منهج الإمامين الشافعي وابن قتيبة من خلال كتابيهما –اختلاف الحديث وتأويل اختلاف الحديث- اسماعيل جافان
16- ظهور علم اختلاف الحديث اسماعيل جافان
17- اختلاف الحديث وعناية المحدثين به عبد المجيد مصطفى أبو شحادة
18- ابن حزم ومنهجه في مختلف الحديث من خلال كتاب حجة الوداع
19- بحث بعنوان علم مختلف الحديث أصوله وقواعده د. شرف القضاة(1/4)
20- مشكل الحديث بين ابم قتيبة والطحاوي دراسة نقدية محمد عودة ربابعة
21- مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها عبد الله بن علي النجدي
22- مختلف الحديث عند الامام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري
23- منهج ابن حبان في مشكل الحديث في صحيحه ابراهيم احمد العسعس.
هذا ما وصل الى سمعي ورأت عيني من مؤلفات في هذا الفن.
عملي في البحث ومنهجي في الدراسة:
... حاولت في هذا البحث أن أتقصى الموضوع من جميع أطرافه مما دعاني إلى مطالعة كتاب ابن خزيمة قراءة وتعليقا أكثر من مرة وكنت احاول استخدام نظام البطاقات في تجميع الأفكار بعضها إلى بعض وهذا مما أخذ مني الوقت الكبير .
وحاولت أيضا الى الوصول الى نتائج مهمة في بعض القضايا ولعل القاريء لهذا البحث يدرك ذلك.
اكتفيت أثناء الشرح والبيان أن أقتصر على مثال أحيانا ومثالين أحيانا أخرى حتى لا يطول البحث وإلا فإن الأمثلة أوسع وأكثر مما ذكرت
حاولت التعليق على الأحاديث التي ذكرتها أمثلة مع نوع من التخريج ولم أتوسع في ذلك بل اكتفيت بنقل ما يثبت الصحة خاصة أن النسخ المطبوعة من الكتاب محققة ومخرجة الأحاديث.
قمت بإعداد جداول ختامية ذكرت فيها المجموعات المنتمية لبعض القضايا من أبرزها المسائل التي عرض الخلاف فيها ابن خزيمة في صحيحه.
لا ادعي أنني أتممت الأمر ولكن هذا جهد المقل . ولعلي أتفادى كثيرا من النقص والخلل أثناء كتابة الموضوع كرسالة حيث وقع اختياري على هذا الموضوع لفائدته ولعدم الكتابة فيه من قبل.
قسمت موضوعي إلى ما يلي:
التمهيد
أبواب خمسة وهي:
الباب الأول: بين يدي العنوان وفيه
المطلب الأول:تعريف مختلف الحديث
المطلب الثاني:تعريف بابن خزيمة وكتابه
الباب الثاني: ما عده ابن خزيمة مختلفا ومالم يعده من المختلف
المطلب الأول :ما عده ابن خزيمة مختلفا:
المطلب الثاني : ما لم يعده ابن خزيمة من المختلف:
الباب الثالث :طريقة عرض ابن خزيمة لظاهرة مختلف الحديث(1/5)
الباب الرابع:أسباب وقوع الاختلاف كما رآها ابن خزيمة.
الباب الخامس:منهج ابن حبان في دفع التعارض
ينقسم الكلام في هذا الباب إلى مطلبين اثنين :
المطلب الأول: قواعد ذكرها ابن خزيمة للتعامل مع ظاهرة الاختلاف
المطلب الثاني: المسالك التي اتبعها ابن خزيمة في دفع التعارض والاختلاف.
المطلب الثاني:مسالك دفع التعارض وحل الاختلاف التي سار عليها ابن خزيمة في صحيحة .
المسلك الاول: رد الحديث الضعيف والذي لا يصح
المسلك الثاني: الجمع بين الادلة
المسلك الثالث: النسخ
المسلك الرابع: الترجيح
الباب الأول:
بين يدي العنوان .
وفيه
المطلب الأول: تعريف مختلف الحديث:
سأحاول في هذا المطلب ذكر التعريفات التي ذكرها العلماء لهذا العلم مع مقارنتها بعلم مشكل الحديث لأقف على التعريف الذي أراه مناسبا :
التعريفات لهذا العلم: (1)
1- الباعث الحثيث: والتعارض بين الحديثين: قد يكون بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه، كالناسخ والمنسوخ، فيصار إلى الناسخ ويترك المنسوخ. وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيع بنوع من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحد منهما، أو يفتي بهذا في وقت، كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة.
وقد كان الإمام أبو بكر بن خزيمة يقول: ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه؛ ومن وجد شيئاً من ذلك فليأتي لأؤلف له بينهما. (2)
2- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث :
وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما، (3)
__________
(1) فكرة ذكر التعريفات اخذتها من بحث الاستاذ الدكتور شرف القضاة علم الحديث اصوله وقواعده واستفدت منه في ذكر بعض التعريفات.
(2) الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ابن كثير 1\23
(3) التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث ابن شرف النووي 1\20(1/6)
يقول الحافظ : (( فإن أمكن الجمع ، فهو النوع المسمى ( مختلف الحديث ) ...)) (1) فقصر الحافظ ( مختلف الحديث) في : ( الحديث المقبول الذي عارضه مثله معارضةً ظاهريةً وأمكن الجمع ) وهذه هي العبارة: ((الحديث المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم.
وإن عورض [ الحديث المقبول ] بمثله [ أي بحديث مقبول ] فإن أمكن الجمع [ بينهما ] فهو النوع المسمى مختلف الحديث.
3- أما ابن الصلاح قبله ، فذكر في نوع ( معرفة مختلف الحديث ) : ما أمكن فيه الجمع ، وما لم يمكن مما قيل فيه بالنسخ أو بالترجيح ؛ وهذا كله في ( مختلف الحديث ) (2) ابن الصلاح جعله قسمين: احدهما ان يمكن الجمع بين الحديثين فيتعين حينئذ المصير الى ذلك والقول بهما معا والثاني ان يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بينهما..
4- يقول الشريف العوني: وهذا أيضاً هو صريح مقال وفعال الإمام الشافعي في كتابه ( اختلاف الحديث )
وقال :أما استاذي الدكتور أسامة بن عبد الله الخياط في كتابه ( مختلف الحديث ) ، فتوسط بين الحافظ وغيره ، حيث مال إلى أن ( مختلف الحديث ) شامل لما أمكن فيه الجمع أو الترجيح ، دون النسخ
على أني أعلن أن ( مختلف الحديث ) ليس من مصطلحات أقسام الحديث ، التي كان يعبر بها عن حال المروي كـ( الصحيح ) و( الضعيف ) ونحوهما . وإنما ( مختلف الحديث ) اسم لمصنفات في شرح أحاديث شملتها صفة واحدة، هي : وقوع اختلاف أو تناقض بينهما وبين غيرها من كتاب أو سنة أو عقل صحيح ، لتزيل إشكال ذلك الاختلاف وحرج ذاك التناقض. (3)
5- يقول السيوطي: وهو أن يأتي حديثان مُتضادَّان في المَعْنَى ظاهرًا, فيُوفِّق بينهما, أو يُرَجِّح أحدهما] فيعمل به دون الآخر. (4)
__________
(1) نزهة النظر 103
(2) علوم الحديث لابن الصلاح ( 284- 286)
(3) المنهج المقترح لفهم المصطلح الشريف حاتم العوني 1\178
(4) تَدْريبُ الرَّاوِي في شَرْح تَقْريب النَّواوي السيوطي جلال الدين 2-92(1/7)
6- في المهل الروي: وهو أن يوجد حديثان متضادان في المعنى في الظاهر فيجمع أو يرجح أحدهما (1)
7- وفي توجيه النظر: وينقسم المقبول أيضا إلى مأخوذ به وغير مأخوذ به وذلك لأنه لا يخلو من أن يسلم من معارضة حديث آخر يضاده أولا
فإن سلم من ذلك قيل له المحكم وحكمه الأخذ بلا توقف وأمثلته كثيرة منها لا يقبل الله صلاة بغير طهور وحديث إنما الأعمال بالنيات
وإن لم يسلم من معارضة حديث آخر يضاده فلا يخلو من أن يكون معارضه مقبولا أولا فإن كان غر مقبول فالحكم للمقبول إذ لا حكم للضعيف مع القوي وإن كان مقبولا فلا يخلو من أن يمكن بينهما بغير تعسف أولا فإن أمكن الجمع بينهما بغير تعسف أخذ بهما معا لظهور أن لا تضاد بينهما عند إمعان النظر ونما هو بالنظر لما يبدو في أول وهلة ويقال لهذا النوع مختلف الحديث. (2)
8- يقول الامير الصنعاني في توضيح الافكار: مختلف الحديث أي اختلاف مدلوله ظاهرا (3)
9- اما الشافعي فقال:ولا ينسب الحديثان الى الاختلاف ما كان لهما وجهان يمضيان معا انماالمختلف ما لم يمضي الا بسقوط غيره مثل ان يكون الحديثان في الشيء الواحد هذا يحله وهذا يحرمه . (4)
10- امل الحاكم النيسابوري: هذا النوع من هذه العلوم معرفة سنن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعارضها مثلها فيحتج اصحاب المذاهب بأحدها وهما في الصحة والسقم سيان. (5)
11- الامام النووي: هو ان ياتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما او يرجح احدهما. (6)
__________
(1) المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي محمد بن جماعة 1-60
(2) توجيه النظر إلى أصول الأثر - طاهر الجزائري الدمشقي ] 1\518
(3) توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني 2\428
(4) الرسالة للشافعي 342
(5) معرفة علوم الحديث الحاكم النيسابوري
(6) النووي تقريب علوم الحديث وبهامشه تدريب الراوي 2\196(1/8)
وبعد هذا العرض ولا اريد الاطالة لان المقصود سيتضح من خلال منهج ابن خزيمة اذ اني ارجح ما رجحه الدكتور شرف القضاة من تعريف وهو. الحديث الذي يخالف دليلا شرعيا او عقليا او حسيا .
وجاء الترجيح من خلال صنيع ابن خزيمة والله تعالى اعلم
المطلب الثاني: التعريف بابن خزيمة :
1-اسمه:
أبو بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة النيسابوري مولى مجشر بن مزاحم السلمي الشافعي. (1)
2-كنيته:
يكنى بأبي بكر ولكن ليس لديه ولد بهذا الاسم. (2)
وله كنية أخرى اشتهر بها وهي ابن خزيمة وتعد ملحقة بالكنى وهي أشهر ما عرف به كما قرر ذلك الذهبي (3) في السير والسيوطي (4) في الطبقات. (5)
3-لقبه:
كان ابن خزيمة يلقب ب(إمام الأئمة) قال الخليلي في الإرشاد:اتفق في وقته أهل الشرق أنه إمام الأئمة . (6) وذكر ذلك أكثر الذين ترجموا للامام ابن خزيمة . وقد لقب بذلك لكثرة من روى عنه من الحفاظ الكبار في حياته. (7)
4-نسبته:
تعددت نسبة ابن خزيمة باعتبارات متعددة فقيل له السلمي والنيسابوري والشافعي.
أما السُّلَمي:فهي نسبة إلى قبيلة سُليم بالولاء. (8)
أما النيسابوري: نسبة إلى نيسابور المدينة التي ولد فيها وهي مدينة عظيمة في خراسان.
أما الشافعي :فنسبة إلى مذهب الشافعي في الفقه.
5-مولده:
ولد بنيسابور سنة ثلاث وعشرين ومئتين للهجرة الموافق 838م (9)
6-ثناء الأئمة عليه:
__________
(1) مقدمة صحيح ابن خزيمة تحقيق د محمد مصطفى الأعظمي ص11
(2) الامام ابن خزيمة ومنهجه في كتابه الصحيح .د عبد العزيز الكبيسي دار ابن حزم ط1 2001م 1\76
(3) سير اعلام النبلاء 14\365
(4) الطبقات 313
(5) انظر المزيد في الامام ابن خزيمة ومنهجه 1\76
(6) الارشاد 3\831
(7) الامام ابن خزيمة ومنهجه... 2\239
(8) المرجع السابق 1\77
(9) الأعلام 6\235(1/9)
قال ابن حبان:ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنة ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن بين عينيه إلا محمد بن اسحاق فقط. (1)
قال الدارقطني: كان ابن خزيمة ثبتا مقطوع النظير. (2)
وقال ابن ابي حاتم وقد سئل عن ابن خزيمة:وَيْحَكُمْ, هو يُسأل عنا ولا نُسأل عنه وهو إمام يقتدى به. (3)
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: لم أر مثل محمد بن اسحاق .
وقال ابو زكريا العنبري سمعت ابن خزيمة يقول : ليس لأحد مع رسول الله قول إذا صح الخبر عنه .
وقال ابو علي الحافظ :كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القاريء السورة.
وقال ابن حبان :لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الاسناد والمتن.
وقال الدارقطني:كان اماما معدوم النظير . (4)
7-وفاته:
توفي ابن خزيمة ليلة السبت الثاني من ذي القعدة سنة احدى عشرة وثلاثمائة هجرية الموافق 924
وصلى عليه ولده أبو النصر ودفن في حجرة بيته ثم صيرت تلك الحجرة مقبرة .
قال السبكي:من أراد الاحاطة بترجمته فعليه بها في تاريخ نيسابور للحاكم أبي عبد الله ولكنها فقدت وهي غير موجودة الان .
وكان يوم وفاته مشهودا وكانت الجنازة شاهدة على صاحبها.
8-مؤلفاته.
جاءت كتب ابن خزيمة وافرة متنوعة وقد أشار هو بنفسه إليها في بعض المؤلفات ومن أشهرها:
كتاب التوحيد وكتاب الصحيح هذا .
وقد ذكر مجموعة كتب منها : كتاب الأشربة والأهوال والإيمان والنذر والبر والصلة .... وقد عدها الامام الحاكم فزادت عن المئة والأربعين كتابا.
المطلب الثالث:
التعريف بصحيح ابن خزيمة
1- اسم الكتاب:
سمى الإمام ابن خزيمة كتابه بـ"مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "
__________
(1) طبقات الشافعية 3\118
(2) المرجع السابق 3\118
(3) تذكرة الحفاظ 729
(4) هذه الاقوال الاخيرة انظرها في العبر في خبر من عبر للذهبي سنة 312 1\115(1/10)
وقد ذكر ذلك الخليلي في الارشاد:قال:وآخر من روى عنه بنيسابور سبطه محمد بن الفضل وروى عنه مختصر المختصر وغيره. (1)
وقال الذهبي:وقد سمعنا مختصر المختصر عاليا. (2)
ولكن هذا الكتاب اشتهر في وقت متأخر باسم صحيح ابن خزيمة.
وهذا الاسم اطلقه عليه عدد من العلماء كما نجد ذلك في فتح الباري وفي التلخيص الحبير وفي نصب الراية للامام ابن حجر العسقلاني. (3)
2-مم اختصره:
ولعل الاسم يشير الى ان لهذا الكتاب اصلا كبيرا اختصره ثم اختصره ثم عاد فاختصره مرة أخرى.
ولكن هل هذا فعلا موجود ام لا ولعل العلماء يشيرون الى الكتاب الكبير الاصل ولا يشيرون الى الحلقة الوسطى. (4)
3-منزلة الكتاب العلمية:
يقول احمد شاكر:صحيح ابن خزيمة والمسند الصحيح على التقاسيم والانواع والمستدرك ..هذه الكتب الثلاثة اهم الكتب التي ألفت في الصحيح المجرد بعد الصحيحين. (5)
وقال ابن الصلاح:مبينا الكتب التي يستفيد منها طالب الحديث الزيادة في الصحيح على ما في الصحيحين :ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة... (6)
الباب الثاني: ما عده ابن خزيمة مختلفا ومالم يعده من المختلف
المطلب الأول :
ما عده ابن خزيمة مختلفا:
أولا- حديث يخالف حديثا:
يذكر ابن خزيمة كثيرا من مسائل اختلاف الحديث وذلك بذكره الأحاديث المتعارضة ليجري عليها قواعده التي سأذكر في حل الخلاف ومن الأمثلة على ذلك :
1- باب الأمر بأن يقال ما يقوله المؤذن إذا سمعه ينادي بالصلاة بلفظ عام مراده خاص. (7) وذكر الأحاديث المتعارضة وهي:
__________
(1) ارشاد الفحول للخليلي 2\832
(2) سير اعلام النبلاء 14\382
(3) فتح الباري 1\411 والتلخيص 1\37 ونصب الراية 1\21
(4) الامام ابن خزيمة ومنهجه 1\268
(5) مقدمة صحيح ابن حبان تحقيق احمد شاكر ص11
(6) مقدمة ابن الصلاح 16
(7) صحيح ابن خزيمة باب رقم 57 ج1\215 حديث رقم 411(1/11)
أ أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد نا مالك نا الزهري ح و حدثنا عمرو بن علي نا عثمان بن عمر نا يونس بن يزيد الآبلي عن الزهري ح و حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس و يونس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا سمعتم المنادي فقولوا مثل ما يقول. (1)
ب أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أبو هاشم زياد بن أيوب ثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن أبي المليح عن عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان عن عمته أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان عندها في يومها فسمع المؤذن يؤذن قال كما يقول المؤذن حتى يفرغ (2) .
ت أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا بندار نا عبد الرحمن بن مهدي و بهز بن أسد عن شعبة عن أبي بشر عن أبي المليح عن عبد الله بن عتبة عن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت المؤذن. (3)
__________
(1) رواه البخاري رقم 611 ومسلم 383 وانظر السلسلة الصحيحة 1328
(2) قال الألباني : إسناده ضعيف عبد الله بن عتبة لا يكاد يعرف كما في الميزان قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 5/310 :أخرج ابن خزيمة حديثه فى " صحيحه " ، فهو ثقة عنده . و أخرج أبو يعلى فى مسنده " من طريق يحيى بن سليم ، عن محمد بن سعد المؤذن ، عن عبد الله بن عتبة ، عن أم حبيبة حديثا غير هذا . اهـ . ومرتبته عند ابن حجر مقبول
(3) قال الأعظمي : إسناده ضعيف لما سبق . في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة . انظر صحيح ابن خزيمة بتحقيق الاعظمي(1/12)
ث -أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا ابن علية عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة قال دخلنا مع معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال : الله أكبر الله أكبر فقال معاوية : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية : وأنا أشهد ثم قال : أشهد أن محمد رسول الله فقال معاوية : وأنا أشهد ثم قال : حي على الصلاة فقال معاوية : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح فقال معاوية : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه و سلم يقول . (1)
ج- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الجبار بن العلاء نا حرملة بن عبد العزيز حدثني أبي عن محمد بن يوسف مولى عثمان بن عفان قال أذن المؤذن فقال : الله أكبر الله أكبر فقال معاوية بن أبي سفيان : الله أكبر الله أكبر فقال : أشهد أن لا إله إلا الله قال معاوية : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال معاوية : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال معاوية : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول . (2)
__________
(1) رواه البخاري(برقم 612و613و914) ومسلم (577) وانظر الصحيحة 2075
(2) قال الأعظمي : إسناده ضعيف والحديث صحيح بما قبله وما بعده .(1/13)
ح- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر بندار نا يحيى بن سعيد نا محمد بن عمرو حدثني أبي عن جدي قال كنت عند معاوية بن أبي سفيان فقال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال معاوية : الله أكبر الله أكبر فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية : أشهد أن محمدا رسول الله فقال : حي على الصلاة فقال معاوية : لا حول ولا قوة إلا بالله فقال حي على الفلاح فقال معاوية : لا حول ولا قوة إلا بالله فقال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فقال معاوية : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم قال : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول. (1)
... وقد ذكر ابن خزيمة بعد الثلاثة الأولى الأحاديث التي تعارضها فذكر الأحاديث الثلاثة الثانية وقال بينهما:
(باب ذكر الأخبار المفسرة للفظتين اللتين ذكرتهما في خبر أبي سعيد و أم حبيبة والدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أمر في خبر أبي سعيد أن يقال كما يقول المؤذن حتى يفرغ وكذاك كان يقول المؤذن حتى يسكت خلا قوله حي على الصلاة حي على الفلاح).
ثم عقب على هذه الأحاديث بقوله:
(قال أبو بكر : معنى خبر أم حبيبة قال كما يقول المؤذن حتى يفرغ أي إلا قوله : حي على الصلاة حي على الفلاح وكذلك معنى خبر أبي سعيد : فقولوا كما يقول أي خلا قوله حي على الصلاة حي على الفلاح وخبر عمر بن الخطاب و معاوية مفسرين لهذين الخبرين
وقد بين في خبر عمر و معاوية أن من سمع هذا المنادي ينادي بالصلاة إنما يقول مثل ما يقول خلا قوله حي على الصلاة حي على الفلاح ويقول : - إذا قال المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح - لا حول ولا قوة إلا بالله المصلي والمؤذن لا يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله في أذانه فهذا القول مع سامع المؤذن ليس هو مما يقوله المؤذن).
ثانيا- حديث يخالف آية:
__________
(1) رواه ابن حبان برقم(1682و1685و1686) وغيره(1/14)
... يقع التعارض الظاهري بين آية قرآنية وبين حديث نبوي وقد عمد ابن خزيمة إلى حل مثل هذا التعارض من خلال الطرق التي ساتكلم عنها فيما سيأتي. ومن الأمثلة على الحديث المتعارض مع آية أو العكس:
1. باب ذكر الدليل على أن القبلة إنما هي الكعبة لا جميع المسجد الحرام وأن الله عز و جل إنما أراده بقوله { فول وجهك شطر المسجد الحرام } (1) لأن الكعبة في المسجد الحرام و إنما أمر النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمين أن يصلوا إلى الكعبة إذ اسم المسجد يقع على كل موضع يسجد فيه . (2)
ثم ذكر فيه عدة أحاديث وهي:
أ أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن يحيى نا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول أخبرني أسامة بن زيد . أن النبي صلى الله عليه و سلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال : هذه القبلة. (3)
ب و في خبر البراء بن عازب ثم صرفنا نحو الكعبة
و قال إسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء : ثم وجه إلى الكعبة وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر ناه سلم بن جنادة حدثنا وكيع عن إسرائيل. (4)
ت وفي خبر ثابت عن أنس : ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة وهكذا قال عثمان بن سعد الكاتب عن أنس إذ صرف إلى الكعبة (5)
__________
(1) البقرة 144
(2) صحيح ابن خزيمة باب رقم 69 ج1\198
(3) رواه البخاري ولم يذكر اسامة بن زيد هذا رقم 398 ومسلم 1330
(4) رواه البخاري 399 ومسلم 525 وابن حبان 1713
(5) عثمان بن سعد الكاتب قال ابن حجر ضعيف وقال الذهبي لينه غير واحد وضعفه الالباني في الارواء 3/306 و قال الترمذى : تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه .و قال النسائى : ليس بثقة .(1/15)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر ناه عبد الله بن إسحاق الجوهري أخبرنا أبو عاصم نا عثمان بن سعد حدثنا أنس بن مالك قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم نحو بيت المقدس أشهرا فبينما هو ذات يوم يصلي الظهر صلى ركعتين إذ صرف إلى الكعبة فقال السفهاء :
{ ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } (1)
ث أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الله بن إسحاق الجوهري حدثنا أبو عاصم حدثنا مالك بن أنس حدثني عبد الله ابن دينار عن ابن عمر أن أهل قباء كانوا يصلون قبل بيت المقدس فأتاهم آت فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل عليه القرآن وتوجه إلى الكعبة فاستقبلوها فاستداروا كما هم
وفي خبر عكرمة عن ابن عباس لما وجه النبي صلى الله عليه و سلم إلى الكعبة (2)
ج وفي خبر مجاهد عن ابن عباس ثم صرف إلى الكعبة
وفي خبر ثمامة بن عبد الله عن أنس : جاء منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن القبلة قد حولت إلى الكعبة
(قد خرجت هذه الأخبار كلها في كتاب الصلاة الكبير ) (3)
وعقب قائلا:(قال أبو بكر : فدلت هذه الأخبار كلها على أن القبلة إنما هي الكعبة)
ح وفي خبر أبي حازم عن سهل بن سعد : انطلق رجل إلى أهل قباء فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أن يصلى إلى الكعبة (4)
خ وفي خبر عمارة بن أوس قال : فأشهد على إمامنا أنه توجه هو والرجال والنساء نحو الكعبة .
د وفي خبر عكرمة عن ابن عباس : لما وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الكعبة.
__________
(1) البقرة 142
(2) البخاري 403 ومسلم 526
(3) يكثر ابن خزيمة في العزو الى كتبه الأخرى في مسائل الخلاف والناظر في الكتاب يرى ذلك مبسوطا في الكتاب
(4) الحديث ضعفه البخاري في الكبير وابن حبان في الثقات والهيثمي 4/12 وابن حجر في الاصابة 4/577(1/16)
ثالثا- حديث يخالف أقوال أهل العلم أو المفسرين. (1)
ومما عده ابن خزيمة من قبيل المختلف أيضا وعمل على إزالة التعارض فيما بينه، مخالفة الحديث لرأي من أراء أهل العلم أو لتفسير من التفاسير . ومن ذلك:
(باب ذكر الدليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب) (2)
وذكر فيه حديث :
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن إسحاق الصنعاني أخبرنا خالد بن خداش نا عمرو بن هارون عن ابن جريج عن بن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه . (3)
ثم قال:
(باب ذكر خبر غلط في الاحتجاج به من لم يتبحر بالعلم فتوهم النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة في فاتحة الكتاب ولا في غيرها من السور.)
وهذا الشاهد في هذه النقطة .
وذكر فيه حديث:
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا بندار نا محمد بن جعفر نا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومع أبي بكر و عمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. (4)
ثم قال:
(باب ذكر الدليل على أن أنسا إنما أراد بقوله لم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أي لم اسمع أحدا منهم يقرأ جهرا بسم الله الرحمن الرحيم وانهم كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة لا كما توهم من لم يشتغل بطلب العلم من مظانه و طلب الرئاسة قبل تعلم العلم.)
ثم ذكر عددا من الاحاديث وهي:
__________
(1) انظر على هذه النقطة الابواب التالية: 378 و399 و421و424 في الجزء الثالث من النسخة التي اعتمدتها في الدراسة
(2) صحيح ابن خزيمة باب 99
(3) عمر بن هارون قال ابن حجر عنه متروك وقال الذهبي عنه واه وفي تلخيص المستدرك أجمعوا على تركه
(4) مسلم رقم 399(1/17)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا سلم بن جنادة القرشي نا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر و عثمان فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم (1)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أبو سعيد الأشج نا بن إدريس قال سمعت سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان (2)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن إسحاق الصنعاني نا أبو الجواب حدثنا عمار بن رزيق عن الأعمش عن شعبة عن ثابت عن أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم ومع أبي بكر و عمر فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم (3)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أحمد بن أبي شريح الرازي حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا عمران القصير عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة و أبو بكر و عمر
__________
(1) قال الألباني : إسناده صحيح وما أعل به من الضطراب فليس بشيئ إذ يمكن التوفيق بين وجوه الختلاف لكن لا مجال لبيان ذلك هنا
(2) قال الأعظمي : إسناده صحيح
(3) قال الحافظ ابن حجر 816 سويد ليس من شرط ابن خزيمة لانه ضيف جدا وقد ضعفه ابن عدي 3/427 وقال الحافظ 669 جزم ابو حاتم بان الاعمش اخطأ فيه وانما هو عن شعبة عن قتادة عن انس وقال البزار لا نعلم روى الاعمش عن شعبة هذا الحديث ولا نعلمه حدث به عن الاعمش الا عمار بن زريق انظر تعليق صالح اللحام على صحيح ابن خزيمة حاشية 1 ص 223(1/18)
قال أبو بكر : هذا الخبر يصرح بخلاف ما توهم من لم يتبحر العلم وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله : كان النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وبقوله لم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنهم لم يكونوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم جهرا ولا خفيا وهذا الخبر يصرح أنه أراد أنهم كانوا يسرون به ولا يجهرون به عند أنس .
أبو الجواب هو الأحوص بن جواب. (1)
وبعد ذلك خرج بان الجهر والاسرار من باب المباح فقال:
باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة به جميعا مباح ليس واحد منهما محظورا وهذا من اختلاف المباح.
ولعل هذه النقطة تتجلى في الباب الآخر الذي عنون له ابن خزيمة بقوله:
باب القراءة في الظهر والعصر في الأوليين منهما بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ضد قول من زعم أن المصلي ظهرا أو عصرا مخير بين أن يقرأ في الأخريين منهما بفاتحة الكتاب وبين أن يسبح في الأخريين منهما وخلاف قول من زعم أنه يسبح في الأخريين ولا يقرأ في الأخريين منهما وهذا القول خلاف سنة النبي صلى الله عليه و سلم الذي ولاه الله بيان ما أنزل عليه من الفرقان وأمره عز و جل بتعليم أمته صلاتهم . ليراجع في مكانه. (2)
وهكذا نرى كيف استطاع ابن خزيمة ان يزيل التعارض وان يدفع حجة القائلين بخلاف ما توصل اليه في هذه المسألة . والمفيد القاعدة الاخيرة التي ذكرها وان هذا من باب الخلاف.وسيأتي التنبيه عليها في مكانها. (3)
رابعا- حديث يخالف اللغة:
__________
(1) قال الأعظمي : إسناده ضعيف
(2) صحيح ابن خزيمة باب 104، 1\224 وانظر باب السجود عند قراءة السجدة في الصلاة المكتوبة ضد قول بعض اهل الجهل ممن لا يفهم العلم ... باب 136
(3) الضمائر هنا عائدة على احاديث الجهر والاخفات في البسملة(1/19)
ومما عده ابن خزيمة من مختلف الحديث وعمل على ازالة التعارض بينه وبين عدد من الأحاديث . التعارض بين حديث واللغة . أي المعنى المتبادر للغة العربية ولعل في المثال توضيح لذلك:
1- باب ذكر حج الصبيان قبل البلوغ على غير الوجوب و الدليل على أن قول النبي صلى الله عليه و سلم : رفع القلم عن ثلاث أراد القلم مما يكون إثما و وزرا على البالغ إذا ارتكبه لا أن القلم مرفوع عن كتبة الحسنات للصبي إذا عملها. (1)
وذكر فيه الحديث الدال على أن المقصود برفع القلم لا الكتابة المطلقة وإنما كتابة السيئات إذ يأخذ الصبي عن حجه الأجر والدليل على ذلك (2) :
قال ابن خزيمة : ثنا عبد الجبار بن العلاء ثنا سفيان قال سمعته عن إبراهيم بن عقبة قال سمعت كريبا يخبر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم صدر من مكة فلما كان بالروحاء استقبله ركب فسلم عليهم فقال : من القوم ؟ قال : المسلمون فمن أنتم ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم ففزعت إمرأة منهم فرفعت صبيا لها من مخفٍّ فأخذت بعضله فقالت : يا رسول الله هل لهذا حج ؟ قال : و لك أجره .
قال إبراهيم فحدثت بهذا الحديث ابن المنكدر فحج بأهله أجمعين .
و حدثنا علي بن خشرم أخبرنا سفيان و لم يقل : ففزعت و قال : فقالت : ألهذا حج ؟ قال : و لك أجر و قال في كلها : عن. (3)
ثم ذكر بعده ما يؤيده فذكر بابا اخرا وهو :
__________
(1) باب رقم 416 ج3-1283 صحيح ابن خزيمة
(2) وانظر ايضا تطبيقا على هذه النقطة الابواب (15و16و17و18 ) من الجزء الثالث صحيح ابن خزيمة النسخة التي اعتمدتها في الدراسة
(3) رواه مسلم 1336 وابن حبان 144 و3797 . ورواه النسائي وابو داود وغيرهم(1/20)
باب الصبي يحج قبل البلوغ ثم يبلغ: وذكر فيه حديث : ثنا بندار ثنا محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا حج الصبي فهي له حجة حتى يعقل فإذا عقل فعليه حجة أخرى و إذا حج الأعرابي فهي له حجة فإذا هاجر فعليه حجة أخرى.
أخبرني بندار و أبو موسى قالا ثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس بمثله موقوفا
قال أبو بكر : هذا علمي هو الصحيح (1) بلا شك .
خامسا- حديث يتعارض مع أقوال بعض الطوائف (2) :
ومما عمل على ازالة التعارض بينه وبين الأحاديث أقوال وأعمال واعتقادات لبعض الطوائف التي كانت في ذلك الزمن . فعمل جادا لدفع هذا التعارض ومن هذا:
1- باب استحباب التزود للسفر اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم و مخالفة لبعض متصوفة أهل زماننا .
ثم ذكر الحديث الدال على ذلك : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد قال قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ يعني إلى بيت أبي بكر ـ فاستأذن فأذن له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنه قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال النبي صلى الله عليه و سلم : نعم قالت عائشة : فجهزتها أحث الجهاز فصنعت لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب فبذلك كانت تسمى ذات النطاق. (3)
__________
(1) الحديث روي مرفوعا : رواه الحاكم 1\481 من طريق يزيد وغيره مرفوعا وقال المرعشلي في السنن 5\179 قال البيهقي تفرد برفعه محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة ورواه غيره عن شعبة موقوفا . انظر حاشية التحقيق ابن خزيمة 3\1284
(2) الطوائف التي أكثر من الاعتراض عليها هم المتصوفة ولعل السبب في ذلك كثرة التصوف في ذلك الزمن الذي عاشه
(3) رواه البخاري 5470(1/21)
2- : الدليل على أن الوصال منهي عنه إذ ذلك يشق على المرء خلاف ما يتأوله بعض المتصوفة ممن يفطر على اللقمة أو الجرعة من الماء فيعذب نفسه ليالي و أياما
وذكر فيه: حدثنا علي بن المنذر حدثنا ابن فضيل حدثنا عمارة ابن القعقاع عن ابن أبي نعيم قال : سمعت أبا هريرة يذكر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إياكم و الوصال قالها ثلاثا قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال : لستم في ذلك مثلي إني أبيت يطعمني و يسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون. (1)
3- باب إباحة الوضوء من أواني الزجاج ضد قول بعض المتصوفة الذي يتوهم أن اتخاذ أواني الزجاج من الإسراف إذ الخزف أصلب وأبقى من الزجاج
وذكر فيه: أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد - يعني ابن زيد - عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا بوضوء فجيء بقدح فيه ماء - أحسبه قال قدح زجاج - فوضع أصابعه فيه فجعل القوم يتوضئون الأول فالأول فحزرتهم ما بين السبعين إلى الثمانين فجعلت أنظر إلى الماء كأنه ينبع من بين أصابعه (2)
قال أبو بكر : روى هذا الخبر غير واحد عن حماد بن زيد فقالوا : رحراح مكان الزجاج بلا شك
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن يحيى نا أبو النعمان نا حماد بهذا الحديث.
وقال في حديث سليمان بن حارث : أتي بقدح زجاج وقال في حديث أبي النعمان بإناء زجاج
قال أبو بكر : والرحراح إنما يكون الواسع من أواني الزجاج لا العميق منه.
4- باب الرخصة في استعانة المتوضئ بمن يصب عليه الماء ليطهر خلاف مذهب من يتوهم من المتصوفة أن هذا من الكبر
__________
(1) الحديث شواهده كثيرة انظر مسلم 1103 و1823 و1860
(2) رواه البخاري 197 و مسلم 2279(1/22)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب أخبره عن عباد بن زيد عن عروة بن المغيرة بن شعبة أنه سمع أباه يقول سكبت على رسول الله صلى الله عليه و سلم حين توضأ في غزوة تبوك فمسح على الخفين (1)
سادسا- حديث يخالف العقل والمعقول:
ومما عده ابن خزيمة من المختلف وعمل على دفع التعارض منه . مخالفة الحديث للعق والمعقول . ومن امثلة ذلك :
1-باب أمر النفساء بالإغتسال و الإستغفار إذا أرادت الإحرام و إن كان الإغتسال لا يطهر غير النفساء و غير الحيض إذ النفساء و الحيض لا يطهرن بالإغتسال ما لم يطهرن بانقطاع دم النفاس و الحيض و البيان أن ليس في السنة إلا اتباعها إذ لو كان من جهة العقل و الرأي لم يكن لاغتسال النفساء و الحيض قبل يطهرن معنى من جهة العقل و الرأي و لكن لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم النفساء و الحيض بالغسل وجب قبول أمره و ترك الرأي و القياس.
وذكر فيه : ثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد ثنا جعفر ـ و هو ابن محمد ـ حدثني أبي قال أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه و سلم قال : ولدت أسماء بنت عيسى محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي و استثفري ثم أهلي. (2)
قال أبو بكر في قوله : و استثفري دلالة على أن دم النفاس كان غير منقطع.
وهكذا تبين لنا ما أدخله ابن خزيمة في المختلف وعمل على دفع التعارض من خلاله ومن ذلك يتبين أن مفهوم المختلف عنده أوسع من مخالفة حديث لحديث بل مخالفة لآية ولعقل وللغة وغيرها مما ذكرت في هذا المطلب. وبعد هذا العرض لا بد من الكلام عما لم يعده من المختلف وجهل القائلين به في المطلب الذي يليه وهو:
المطلب الثاني
ما لم يعده ابن خزيمة من المختلف:
__________
(1) ابن حبان 2224 والنسائي 79 وابو داود 149
(2) مسلم 1218 وابن حبان 3939(1/23)
ابن خزيمة نظر في الاختلاف والتعارض فوجد أن هناك أمورا يظن البعض أن بينها تعارض واختلاف ولكن قعد لها وجعلها خارجة من هذه الدائرة وعلى المحدث والفقيه أن يدرك حقيقتها لذلك وجدناه عد أمورا لا تدخل في مختلف الحديث فنبه إليها وبينها في صحيحه وهي:
"ما كان على سبيل اختلاف المباح لا من اختلاف الذي بعضه مباح وبعضه محظور".
هذه العبارة كررها ابن خزيمة في صحيحه بكثره ولعله تأسى بالإمام الشافعي في ذلك (1) حيث وجدنا أثناء دراستنا لهذه المادة مع أستاذنا الدكتور أمين القضاة أن الشافعي أخرج هذا النوع من المختلف أثناء مدارسة كتاب اختلاف الحديث. (2)
ولعلي أعرض بعض هذه الأمثلة :
1- في عدد مرات الوضوع ذكر ابن خزيمة عدة أبواب . فذكر أولا : باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثا ثلاثا . ثم ذكر: باب إباحة الوضوء مرتين مرتين . ثم قال: باب إباحة الوضوء مرة مرة والدليل على أن غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة مؤد لفرض الوضوء إذ غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة واقع عليه اسم غاسل و الله عز و جل أمر بغسل أعضاء الوضوء بلا ذكر توقيت وفي وضوء النبي صلى الله عليه و سلم مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وغسل بعض الأعضاء الوضوء شفعا وبعضه وترا دلالة على أن هذا كله مباح و أن كل من فعل في الوضوء ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم في بعض الأوقات مؤد لفرض الوضوء لان هذا من اختلاف المباح لا من اختلاف الذي بعضه مباح وبعضه محظور.
__________
(1) انظر اختلاف الحديث للشافعي المقدمة ص65 تحقيق عامر احمد حيدر مؤسسة الكتب الثقافية ط2 1993
(2) متطلب اختياري (مختلف الحديث) الفصل الثاني 2007-2008 في جامعة اليرموك الأردنية كلية الدراسات العليا تخصص حديث نبوي دكتوراة شريعة .(1/24)
2- باب الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة وهذا من جنس اختلاف المباح أن يؤذن المؤذن فيرجع في الأذان ويثني الإقامة ومباح أن يثني الأذان ويفرد الإقامة إذ صح كلا الأمرين من النبي صلى الله عليه و سلم فأما تثنية الأذان والإقامة فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم الأمر بهما.
3- باب إباحة الدعاء بعد التكبير وقبل القراءة بغير ما ذكرنا في خبر علي بن أبي طالب والدليل على أن هذا الاختلاف في الافتتاح من جهة اختلاف المباح جائز للمصلي أن يفتتح بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم إنه افتتح الصلاة به بعد التكبير من حمد وثناء على الله عز و جل ودعاء مما هو في القرآن ومما ليس في القرآن من الدعاء .
4- باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة به جميعا مباح ليس واحد منهما محظورا وهذا من اختلاف المباح.
5- إباحة القراءة في الأخريين من الظهر والعصر بأكثر من فاتحة الكتاب وهذا من اختلاف المباح لا من اختلاف الذي يكون أحدهما محظورا والأخر مباحا فجائز أن يقرأ في الأخريين في كل ركعة بفاتحة فيقتصر من القراءة عليها ومباح أن يزاد في الأخريين على فاتحة الكتاب
6-وفي باب القراءة في صلاة المغرب . بعد أن ذكر الأحاديث قال: قال أبو بكر : هذا الاختلاف في القراءة من جهة المباح جائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها التي يزاد على فاتحة الكتاب فيها بما أحب وشيئا من سور القرآن ليس بمحظور عليه أن يقرأ بما شاء من سور القرآن غير أنه إذا كان إماما فالاختيار له أن يخفف في القراءة ولا يطول بالناس في القراءة فيفتنهم كما قال المصطفى صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل : أتريد أن تكون فتانا وكما أمر النبي صلى الله عليه و سلم الأئمة أن يخففوا الصلاة فقال : من أم منكم الناس فليخفف وسأخرج هذه الأخبار أو بعضها في كتاب الإمامة فإن ذلك الكتاب موضع هذه الأخبار. (1)
__________
(1) ابن خزيمة 1\262 الاحاديث 512 -518(1/25)
7- في باب تفريج أصابع اليدين عند وضعهما على الركبتين في الركوع. قال : باب ذكر البيان أن التطبيق غير جائز بعد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بوضع اليدين على الركبتين وأن التطبيق منهي عنه لا أن هذا من فعل المباح فيجوز التطبيق ووضع اليدين على الركبتين جميعا كما ذكرنا أخبار النبي صلى الله عليه و سلم في القراءة في الصلوات واختلافهم في السور التي كان يقرأ فيها صلى الله عليه و سلم في الصلاة وكاختلافهم في عدد غسل النبي صلى الله عليه و سلم أعضاء الوضوء وكل ذلك مباح فأما التطبيق في الركوع فمنسوخ منهي عنه والسنة وضع اليدين على الركبتين. (1)
والأمثلة على ذلك كثيرة ولعلي في ختام البحث هذا اجعل ملحقا خاصا لهذه الأمثلة وغيرها ان شاء الله تعالى .
الباب الثالث
طريقة عرض ابن خزيمة لظاهرة مختلف الحديث
جاءت طريقة ابن خزيمة في عرضه لهذه الظاهرة فريدة من نوعها . إذ جعل تراجم الأبواب هي الطريقة الوحيدة لذلك ولم يفرد هذه القضية بشيء خاص . بل جعلها من خلال التراجم التي طولها لهذه الغاية إذ ذكر في الترجمة أمورا كثيرة كلها تصب في مصلحة هذا العلم علم مختلف الحديث وللتوضيح أكثر نقف على الحالات التي طول ابن خزيمة فيها تراجمه على النحو الآتي:
1- التطويل باسم الباب لبيان ماهية الاختلاف والتعارض :ومن أمثلة ذلك :
باب ذكر الخبر المفسر لهذه اللفظة التي حبستها مجملة و الدليل على أن للمحرمة تغطية وجهها من غير انتقاب و لا إمساس الثوب إذ الخمار الذي تستر به وجهها بل تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها أو تستر وجهها بيدها أو بكمها أو ببعض ثيابها مجافية يدها عن وجهها قال أبو بكر : في زجر النبي صلى الله عليه و سلم المحرمة عن الانتقاب دلالة على أن ليس للمحرمة تغطية وجهها بإمساس الثوب وجهها .
2- التطويل في الترجمة ليفهم الراجح من المرجوح:
__________
(1) هذا المثال عكسي بحيث لا يتوهم انه من فعل المباح قياسيا على بقية المواضع .(1/26)
باب فضل العمرة في رمضان و الدليل على أنها تعدل بحجة مع الدليل على أن الشيء قد يشبه بالشيء و يجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا في جميعه إذ العمرة لو عدلت حجة في جميع أحكامها لقضي العمرة من الحج و لكان المعتمر في رمضان إذا كان عليه حجة الإسلام تسقط عمرته في رمضان حجة الإسلام عنه فكان الناذر حجا لو اعتمر في رمضان كانت عمرته في رمضان قضاء لما أوجب على نفسه من نذر الحج.
3- التطويل في الترجمة لبيان الجمع بين المختلفات :
باب ذكر بعض العلل التي لها سعى النبي صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة و هذا من الجنس الذي أعلمت قبل أن استنان السنة قد تكون في الإبتداء لعلة فتزول العلة و تبقى السنة إلى آخر الأبد إذ النبي صلى الله عليه و سلم إنما سعى بالبيت و بين الصفا و المروة ليرى المشركون قوته فبقيت هذه السنة إلى آخر الأبد
4-التطويل في الترجمة لبيان الناسخ والمنسوخ :
باب ذكر طيب المحرم و لبسه في الإحرام ما لا يجوز لبسه جاهلا بأن ذلك غير جائز في الإحرام و إسقاط الكفارة عن فاعله ضد مذهب من زعم أن الكفارة واجبة عليه و إن كان جاهلا بأن التطيب و لبس ما لبس من الثياب غير جائز له بذكر خبر لفظه في الطيب غلط في الاحتجاج بها بعض من كره الطيب عند الإحرام قبل أن يحرم المرء ممن لم يميز بين المقدم و بين المؤخر من سنن النبي صلى الله عليه و سلم و لا يفرق بين المجمل من الأخبار و بين المفسر منها
5- التطويل في الترجمة لبيان المجمل والمفسر منها:(1/27)
باب ذكر طيب المحرم و لبسه في الإحرام ما لا يجوز لبسه جاهلا بأن ذلك غير جائز في الإحرام و إسقاط الكفارة عن فاعله ضد مذهب من زعم أن الكفارة واجبة عليه و إن كان جاهلا بأن التطيب و لبس ما لبس من الثياب غير جائز له بذكر خبر لفظه في الطيب غلط في الاحتجاج بها بعض من كره الطيب عند الإحرام قبل أن يحرم المرء ممن لم يميز بين المقدم و بين المؤخر من سنن النبي صلى الله عليه و سلم و لا يفرق بين المجمل من الأخبار و بين المفسر منها.
6-التطويل في الترجمة للجمع بين الأحاديث المختلفة باختصار:
باب كراهة رفع اليدين عند رؤية البيت بذكر خبر مجمل غير مفسر قد توهم بعض من لا يميز بين الخبر المجمل و المفسر أنه خلاف خبر عمر بن الخطاب أنه رفع يديه حين رأى البيت و يحسب أنه خلاف خبر مقسم عن ابن عباس و نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم ترفع الأيدي في سبع مواطن في الخبر : و عند استقبال البيت .
7- التطويل في الترجمة للجمع بين الحديث المختلف مع أقوال العلماء:
باب إباحة الطواف و الصلاة بمكة بعد الفجر و بعد العصر و الدليل على صحة مذهب المطلبي أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد بزجره عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس و بعد العصر حتى تغرب الشمس بعض الصلاة لا جميعها
8- التطويل في الترجمة لبيان علة حديث وتوقف الترجيح في المسألة على ثبوت صحة الخبر :
باب النزول عن المنبر للسجود إذا قرأ الخاطب السجدة على المنبر إن صح الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد لأن بعض أصحاب ابن وهب أدخل بين أبي هلال و عياض بن عبد الله في هذا الخبر إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث ولست أرى الرواية عن ابن أبي فروة هذا.
9- التطويل في الترجمة لبيان موضع الاختلاف بين الحديث المختلف واللغة:(1/28)
باب التغليظ في تعطر المرأة عند الخروج ليوجد ريحها و تسمية فاعلها زانية و الدليل على أن اسم الزاني قد يقع من يفعل فعلا لا يوجد ذلك الفعل جلدا و لا رجما مع الدليل على أن التشبيه الذي يوجب ذلك الفعل إنما يكون إذا اشتبهت العلتان لا لاجتماع الاسم إذ المتعطرة التي تخرج ليوجد ريحها قد سماها النبي صلى الله عليه و سلم زانية و هذا الفعل لا يوجب جلدا و لا رجما و لو كان التشبيه بكون الاسم على الاسم لكانت الزانية بالتعطر يجب عليها ما يجب على الزانية بالفرج و لكن لما كانت العلة الموجبة للحد في الزنا الوطء بالفرج لم يجز أن يحكم لمن يقع عليه اسم زان و زانية بغير جماع بالفرج في الفرج بجلد و لا رجم .
الباب الرابع
أسباب وقوع الاختلاف كما رآها ابن خزيمة.
جاءت أسباب الاختلاف كما رآها ابن خزيمة متماشية مع الأسباب التي رآها من سبقه من العلماء أمثال الإمام الشافعي وأمثال ابن حبان لذلك أردت أن أعرضها من غير تفصيل إذ أنها تتداخل مع الباب الذي يلي هذا الباب في مسالك حل الخلاف . لذلك لن أطيل عليها في التمثيل ومن أراد مزيد الأمثلة يراجعها في ذلك الباب.
1- الاختلاف باعتبار العموم والخصوص
2- الاختلاف باعتبار سوء الفهم الراجع الى اعتبار اللغة
3- الاختلاف باعتبار المجمل والمفسر
4- الاختلاف باعتيار الناسخ والمنسوخ
5- الاختلاف بسبب الانتصار للمذهب
6- الاختلاف بسبب الاعتقاد
7- الاختلاف بسبب الخبر المتقصى والخبر الناقص
8- الاختلاف بسبب عدم معرفة سبب الورود
9- الاختلاف بسبب رواية الناقل للخبر ورواية المشاهد له
10- الاختلاف بسبب علة الفعل لا بخصوصية المناسبة
11- الاختلاف بسبب الأفضلية
12- الاختلاف باعتبار قوة الدليل
13- الاختلاف بسبب عبارات مقدرة في النص لا يفهم الا من خلالها.
14- الاختلاف بسب قلة التبحر في العلم
15- الاختلاف بعدم الاستقراء التام لاطراف الحديث(1/29)
16- الاختلاف بسبب رواية كل من الرواة على ما اطلع عليه
17- الاختلاف بسبب سوء فهم السبب والعلة في الأمر
وغير ذلك مما يفهم إن شاء الله من خلال مسالك دفع التعارض عنده رحمه الله تعالى . (1)
الباب الخامس:
منهج ابن خزيمة في دفع التعارض
ينقسم الكلام في هذا الباب إلى مطلبين اثنين :
المطلب الأول: قواعد ذكرها ابن خزيمة للتعامل مع ظاهرة الاختلاف
المطلب الثاني: المسالك التي اتبعها ابن خزيمة في دفع التعارض والاختلاف.
المطلب الأول:
قواعد ذكرها ابن خزيمة للتعامل مع ظاهرة الاختلاف.
أثناء مطالعتي لصحيح ابن خزيمة وأثناء إعدادي للبطاقات لفت انتباهي شيء امتاز به ابن خزيمة في التعامل مع هذه الظاهرة وهو انه رحمه الله يذكر قواعد مهمة يمكن القاريء أن يجعلها قواعد ينطلق منها ليقيس عليها ما شابهها ليدفع أي تعارض قد يتوهم أنه موجود بين هذه الأدلة وقد وجد هذه القواعد واقعة تحت أقسام رئيسة وهي.
أولا- قواعد للتعامل في المختلفات بسبب اللغة وقد ذكر تحتها ما يلي:
1- يوقع الاسم على الشيء في الابتداء على ما يؤول إليه الأمر في المتعقب:
ومثاله: حدثنا أبو يونس الواسطي ثنا خالد - يعني ابن عبد الله - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بتغطية الوضوء وإيكاء السقاء وإكفاء الإناء
*قال أبو بكر : قد أوقع النبي صلى الله عليه و سلم اسم الوضوء على الماء الذي يتوضأ به وهذا من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن العرب يوقع الاسم على الشيء في الابتداء على ما يؤول إليه الأمر في المتعقب إذ الماء قبل أن يتوضأ به إنما وقع عليه اسم الوضوء لأنه يؤول إلى أن يتوضأ به. (2)
2- العرب تقول إذا فعلت كذا تريد إذا أردت فعل ذلك الشيء:
__________
(1) تتضح هذه الأمور عند ذكر الملاحق الخاصة بذلك في نهاية البحث ان شاء الله
(2) حديث رقم 128 من صحيح ابن خزيمة(1/30)
ومثاله: أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يوسف بن موسى نا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة قال حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم ذكر الحديث
وقال أبو بكر : هذه اللفظة إذا أتيت مضجعك من الجنس الذي نقول إن العرب تقول إذا فعلت كذا تريد إذا أردت فعل ذلك الشيء كقوله جل وعلا : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } ومعناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة. (1)
3- ايقاع الاسم الواحد على الشيئين المختلفين:
ومثاله: باب ذكر الدليل على أن الشطر في هذا الموضع القبل لا النصف وهذا من الجنس الذي نقول إن العرب قد يوقع الاسم الواحد على الشيئين المختلفين قد يوقع اسم الشطر على النصف وعلى القبل أي الجهة . (2) ومن امثلته ايضا: قال أبو بكر : هذه اللفظة كلما نمت وقمت من الجنس الذي أعلمت أن العرب يوقع اسم النائم على المضطجع ويوقعه على النائم الزائل العقل والنبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد بقوله في هذا الخبر : اقرأ بهما إذا نمت أي إذا اضطجعت إذ النائم الزائل العقل محال أن يخاطب فيقال له إذا نمت - وزال عقله - فاقرأ بالمعوذتين وكذاك خبر ابن بريدة عن عمران بن حصين صلاة النائم على نصف صلاة القاعد وإنما أراد بالنائم في هذا الموضع المضطجع لا النائم الزائل العقل إذ النائم الزائل العقل غير مخاطب بالصلاة لا يمكنه الصلاة لزوال العقل . (3)
4- ايقاع اسم الفاعل على من أراد الفعل قبل أن يفعله:
ومثاله: قال أبو بكر : فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم مالك بن الحويرث والشببة الذين كانوا معه أن يصلوا كما رأوا النبي صلى الله عليه و سلم يصلي
__________
(1) حديث رقم 226 من صحيح ابن خزيمة
(2) حديث رقم 437 من صحيح ابن خزيمة
(3) حديث رقم 534 من صحيح ابن خزيمة(1/31)
وقد أعلم مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا كبر في الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع ففي هذا ما دل على أن النبي صلى الله عليه و سلم قد أمر برفع اليدين إذا أراد المصلي الركوع وإذا رفع رأسه من الركوع
وكل لفظة رويت في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا ركع فهو من الجنس الذي أعلمت أن العرب قد توقع اسم الفاعل على من أراد الفعل قبل أن يفعله كقول الله : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية فإنما أمر الله عز و جل بغسل أعضاء الوضوء إذا أراد أن يقوم المرؤ إلى الصلاة لا بعد القيام إليها فمعنى قوله : إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم القيام إليها فكذلك معنى قوله : يرفع يديه إذا ركع أي إذا أراد الركوع كخبر علي بن أبي طالب و ابن عمر اللذين ذكراه وإذا أراد أن يركع. (1)
5- الكل قد يقع على البعض على معنى التبعيض:
ومثاله: باب الزجر عن اتخاذ القبور مساجد والدليل فاعل ذلك من شرار الناس وفي هذه اللفظة دلالة على أن قوله صلى الله عليه و سلم : أين ما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد وقوله : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا لفظة عامة مرادها خاص على ما ذكرت وهذا من الجنس الذي قد كنت أعلمت في بعض كتبنا أن الكل قد يقع على البعض على معنى التبعيض إذ النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد بقوله : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا جميع الأرضين إنما أراد بعضها لا جميعها إذ لو أراد جميعها كانت الصلاة في المقابر جائزة وجاز اتخاذ القبور مساجد وكانت الصلاة في الحمام وخلف القبور وفي معاطن الابل كلها جائزة وفي زجر النبي صلى الله عليه و سلم عن الصلاة في هذه المواضع دلالة على صحة ما قلت .
6- اسم الشيء قد يقع على بعض أجزائه:
__________
(1) حديث رقم 486 من صحيح ابن خزيمة وانظر مثاله ايضا باب الإقامة لصلاة الخوف وقد كنت بينت في كتاب معاني القرآن(1/32)
ومثاله: باب ذكر صفة الجهر بالقراءة في صلاة الليل واستحباب ترك رفع الصوت الشديد بها والمخافتة بها وابتغاء جهر بين الجهر الشديد وبين المخافتة قال الله عز و جل { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } وهذه الآية من الجنس الذي كنت أعلمت أن اسم الشيء قد يقع على بعض أجزائه إذ الله جل وعلا قد أوقع اسم الصلاة على القراءة فيها والقراءة في الصلاة جزء من أجزائها لا كلها وإنما أعلمت هذا ليعلم أن اسم الإيمان قد يقع على بعض شعبه . ومثله ايضا: - أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يعقوب بن إبراهيم الدورقي و أحمد بن منيع قالا : حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد عن ابن عباس في قوله عز و جل : { و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت بها }
قال : نزلت و رسول الله صلى الله عليه و سلم مختف بمكة فكان إذا صلى بأصحابه جهر بالقرآن و قال الدورقي : رفع صوته بالقرآن و قالا : فكان المشركون إذا سمعوا سبوا القرآن و من أنزله و من أنزله و من جاء به فقال الله لنبيه صلى الله عليه و سلم :
{ و لا تجهر بصلاتك } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن { و لا تخافت بها } عن أصحابك فلا يسمعون { و ابتغ بين ذلك سبيلا } قال الدورقي : عن أصحابك فلا تسمعهم
قال أبو بكر : هذا الخبر من الجنس الذي أعلمت في كتاب الإيمان أن الاسم قد يقع على على بعض أجزاء الشيء ذي الأجزاء و الشعب قد اوقع الله عز و جل اسم الصلاة على القراءة فيها فقط { و لا تجهر بصلاتك } أراد القراءة فيها و ليس الصلاة كلها القراءة فيها فقط. (1)
7- الفعل المضارع يأتي بمعنى الفعل الماضي:
__________
(1) حديث 1587 من صحيح ابن خزيمة(1/33)
ومثاله: وقوله : غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر من الجنس الذي أقول : إنه جائز في اللغة أن يقال : يكون في معنى كان لأن الله إنما قال لنبيه صلى الله عليه و سلم : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وقيل للنبي صلى الله عليه و سلم : قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فلم يرد النبي صلى الله عليه و سلم على القائل ولم يقل أيضا وعدني أن يغفر لأنه قد غفر. (1)
8- اطلاق العدد لا يراد منه التوقف عليه بحد ذاته بل يقبل الزيادة :
ومثاله: أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد و محمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن قتادة و عقبة بن وساج عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده بخمس وعشرين
قال أبو بكر : حدثناه أبو قدامة نا يحيى بن سعيد عن شعبة نحوه
قال أبو بكر : وهذه اللفظة من الجنس الذي أعلمت في كتاب الإيمان أن العرب قد تذكر العدد للشيء ذي الأجزاء والشعب من غير أن تريد نفيا لما زاد على ذلك العدد ولم يرد النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : خمسا وعشرين أنها لا تفضل بأكثر من هذا العدد والدليل على صحة ما تأولت.
9- نفي الاسم على الشيء هو نفي كمال لا إلغاء للاسم بأكمله:
ومثاله: باب الزجر عن صلاة المأموم خلف الصف وحده و البيان أن صلاته خلف الصف وحده غير جائزة يجب عليه استقبالها و إن قوله : لا صلاة له من الجنس الذي نقول : إن العرب تنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال. .ومثال آخر: انا أبو طاهر نا أبو بكر نا أحمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا ابن أبي مريم و ثنا نافع بن يزيد حدثني يحيى بن أبي سليمان عن يزيد بن أبي العتاب و ابن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا جئتم و نحن سجود فاسجدوا و لا تعدوها شيئا و من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة
__________
(1) حديث 1184 من صحيح ابن خزيمة .(1/34)
قال أبو بكر : في القلب من هذا الإسناد فإني كنت لا أعرف يحيى بن أبي سليمان بعدالة و لا جرح
قال أبو بكر : نظرت فإذا أبو سعيد مولى بني هاشم قد روى عن يحيى بن أبي سليمان هذا أخبارا ذوات عدد
قال أبو بكر : و هذا اللفظة : فلا تعدوها شيئا من الجنس الذي بينت في مواضع من كتبنا أن العرب تنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام و النبي صلى الله عليه و سلم ـ إن صح عنه الخبر ـ أراد بقوله : فلا تعدوها شيئا أي : لا تعدوها سجدة تجزئ من فرض الصلاة لم يرد لا تعدوها شيئا لا فرضا و لا تطوعا (1) .
10- وقوع اللفة على بعض معانيها دون البعض الاخر:
ومثاله:- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن شوكر بن رافع البغدادي نا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن أبي إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن عمران بن أبي يحيى عن عبد الله بن كعب ابن مالك عن أبي أيوب الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول : من اغتسل يوم الجمعة و مس من طيب إن كان عنده و لبس من أحسن ثيابه ثم خرج إلى المسجد فيركع إن بدا له و لم يؤذ أحد ثم أنصت إذا خرج أمامه حتى يصلي كان كفارة لما بينهما و بين الجمعة الآخرى
__________
(1) حديث 1622 من صحيح ابن خزيمة(1/35)
قال أبو بكر : هذا من الجنس الذي أقول : إن الإنصات عند العرب قد يكون الأنصات عن مكالمة بعضهم بعضا دون قراءة القرآن و دون ذكر الله و الدعاء كخبر أبي هريرة : كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت { و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا } فإنما زجروا في الآية عن مكالمة بعضهم بعضا و أمروا بالإنصات عند قراءة القرآن : الإنصات عن كلام الناس لا عن قراءة القرآن و التسبيح و التكبير و الذكر و الدعاء إذ العلم محيط أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد بقوله : ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلي أن ينصت شاهد الجمعة فلا يكبر مفتتحا لصلاة الجمعة و لا يكبر للركوع و لا يسبح في الركوع و لا يقول ربنا لك الحمد بعد رفع الرأس من الركوع و لا يكبر عند الإهواء إلى السجود و لا يسبح في السجود و لا يتشهد في القعود و هذا لا يتوهمه من يعرف أحكام الله و دينه فالعلم محيط أن معنى الإنصات في هذا الخبر : عن مكالمة الناس لا عما أمر المصلي من التكبير و القرءة و التسبيح و الذكر الذي أمر به في الصلاة فهكذا معنى خبر النبي صلى الله عليه و سلم ـ إن ثبت ـ و إذا قرأ فأنصتوا أي أنصتوا عن الكلام الناس و قد بينت معنى الإنصات و على كم معنى ينصرف هذا اللفظ في المسألة التي أمليتها في القراءة خلف الإمام.
11- ان الكلمة عربية في لفظها لكن مفهومها لا كما هو عند العرب:
ومثاله باب ذكر البيان أن الله عز و جل أراد بقوله { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } بيان بياض النهار من الليل فوقع اسما لخيط على بياض النهار و على سواد الليل و هذا من الجنس الذي كنت أعلم أن العرب لم تكن تعرفها في معناها و أن الله عز و جل إنما أنزل الكتاب بلغتهم لا بمعانيهم فالخيط لغتهم و إيقاع هذا الاسم على بياض النهار و سواد الليل لم يكن من معانيهم التي يفهمونها حتى أعلمهم صلى الله عليه و سلم.
12- وقوع الاسم الواحد على المباح وعلى المحظور:(1/36)
ومثاله:حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا بشر ـ يعني ابن الفضل ـ حدثنا ابن عون عن إبرهيم عن الأسود قال . انطلقت أنا و مسروق إلى أم المؤمنين نسألها عن المباشرة فاستحيينا قال : قلت : جئنا نسأل حاجة فاستحيينا فقالت : ما هي ؟ سلا عما بدا لكما قال قلنا : كان النبي صلى الله عليه و سلم يباشر و هو صائم ؟ قالت : قد كان يفعل و لكنه كان أملك لإربه منكم(1/37)
قال أبو بكر : إنما خاطب الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه و سلم و أمته بلغة العرب أوسع اللغات كلها التي لا يحيط بعلم جميعها أحد غير نبي و العرب في لغاتها توقع اسم الواحد على شيئين و على أشياء ذوات عدد و قد يسمى الشيء الواحد بأسماء و قد يزجر الله عن الشيء و يبيح شيئا آخر غير الشيء المزجور عنه و وقع اسم الواحد على الشيئين جميعا على المباح و على المحظور و كذلك قد يبيح الشيء المزجور عنه و وقع اسم الواحد عليهما جميعا فيكون اسم الواحد واقعا على الشيئين المختلفين أحدهما مباح و الآخر محظور و اسمهما واحد فلم يفهم هذا من سفه لسان العرب و حمل المعنى في ذلك على شيء واحد يوهم أن الأمرين متضادان إذ أبيح فعل مسمى باسم و حظر فعل تسمى بذلك الاسم سواء فمن كان هذا مبلغه من العلم لم يحل له تعاطي الفقه و لا الفتيا و وجب عليه التعلم أو السكت إلى أن يدرك من العلم مايجور معه الفتيا وتعاطى العلم و من فهم هذه الصناعة علم أن ما أبيح غير ما حظر و إن كان اسم الواحد قد يقع على المباح و على المحظور جميعا فمن الجنس الذي ذكرت أن الله عز و جل دل في كتابه أن مباشرة النساء في نهار الصوم غير جائز بقوله تبارك و تعالى : { فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } فأباح الله عز و جل مباشرة النساء و الأكل و الشرب بالليل ثم أمرنا بإتمام الصيام إلى الليل على أن المباشرة المباحة بالليل المقرونة إلى الأكل و الشرب هي الجماع المفطر للصائم و أباح الله بفعل النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم المباشرة التي هي دون الجماع في الصيام إذ كان يباشر و هو صائم و المباشر التي ذكر الله في كتابه أنها تفطر الصائم هي غير المباشرة التي كان النبي صلى الله عليه و سلم يباشرها في صيامه(1/38)
و المباشرة اسم واحد واقع على فعلين إحداهما مباحة في نهار الصوم و الأخرى محظورة في نهار الصوم مفطرة للصائم
و من هذا الجنس قوله عز و جل { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } فأمر ربنا جل و علا بالسعي إلى الجمعة و النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم قال : إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها و أنتم تسعون إيتوها تمشون و عليكم السكينة فاسم السعي يقع على الهرولة و شدة المشي و المضي إلى الموضع فالسعي الذي أمر به أن يسعى إلى الجمعة هو المضي إليها و السعي الذي زجر النبي صلى الله عليه و سلم عنه إتيان الصلاة هو الهرولة و سرعة المشي فاسم السعي واقع على فعلين أحدهما مأمور و الآخر منهي عنه و سأبين إن شاء الله تعالى هذا الجنس في كتاب معاني القرآن إن وفق الله لذلك .
13- اطلاق العرب الكلمة تدل على الاسم ومتعلقه وتطلق لفظة المتعلق لتدل على ما تعلق به :
ومثاله: حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر . أن عمر كان عليه نذر اعتكاف في الجاهلية ليلة فسأل النبي صلى الله عليه و سلم فأمره أن يعتكف و كان النبي صلى الله عليه و سلم قد وهب له جارية من سبى حنين فبينما هو معتكف في المسجد إذ دخل الناس يكبرون فقال : ما هذا ؟ قالوا : رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسل سبي حنين قال : فأرسلوا تلك الجارية
و قال بعض الرواة : في خبر نافع عن ابن عمر عن عمر قال : إني نذرت أن أعتكف يوما فإن ثبتت هذه اللفظة فهذا من الجنس الذي أعلمت أن العرب قد تقول يوما بليلته و تقول ليلة تريد بيومها و قد ثبتت الحجة في كتاب الله عز و جل في هذا.
14- إن الوقت إذا قرب فجائز أن يقال قد كان الوقت و دخل إذا قرب:(1/39)
ومثاله: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن عمارة و هو ابن القعقاع ـ عن أبي ذرعة عن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم ؟ قال : أن تصدق و أنت صحيح شحيح تخشى الفقر و تأمل البقاء و لا حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا و لفلان كذا إلا و قد كان لفلان
قال أبو بكر : هذه اللفظة إلا و قد كان لفلان من الجنس الذي يقول إن الوقت إذا قرب فجائز أن يقال قد كان الوقت و دخل إذا قرب و قد كان لفلان و إن لم يدخل لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد بقوله ألا و قد كان لفلان أي قد قرب نزول المنية بالمرء إذا بلغت الحلقوم فيصير المال لغيره لا أن المال يصير لغيره قبل قبض النفس و من هذا الجنس قول الصديق : و إنما هو اليوم هو الوارث.
15- اطلاق اللفظ على الشيء لا ليدل عليه كاملا بجميع أقسامه بل هو من فضائله وأحد شعبه:(1/40)
ومثاله: باب إيجاب الجنة بسقي الماء من لا يجد إلا غبا و الدليل على أن قوله : من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة من الجنس الذي قد بينته في كتاب الإيمان أن هذا العلم من فضائل القول و الأعمال لا أنه جميع الإيمان إذ العلم محيط أن الاستقاء على بعيره الماء و سقيه من لا يجد الماء إلا غبا ليس بجميع الإيمان .ويشبهه كذلك: باب الزجر عن اتخاذ القبور مساجد والدليل فاعل ذلك من شرار الناس وفي هذه اللفظة دلالة على أن قوله صلى الله عليه و سلم : أين ما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد وقوله : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا لفظة عامة مرادها خاص على ما ذكرت وهذا من الجنس الذي قد كنت أعلمت في بعض كتبنا أن الكل قد يقع على البعض على معنى التبعيض إذ النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد بقوله : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا جميع الأرضين إنما أراد بعضها لا جميعها إذ لو أراد جميعها كانت الصلاة في المقابر جائزة وجاز اتخاذ القبور مساجد وكانت الصلاة في الحمام وخلف القبور وفي معاطن الابل كلها جائزة وفي زجر النبي صلى الله عليه و سلم عن الصلاة في هذه المواضع دلالة على صحة ما قلت
16- اضافة الفعل إلى الآمر به كإضافتها إلى الفاعل:
ومثاله: حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر و أمر ببدنه أن تشعر من شقها الأيمن و قلدها نعلين و سدت عنها الدم فلما استوت به البيداء أهل
ثنا بندار أيضا ثنا محمد ـ يعني ابن جعفر ـ ثنا شعبة بهذا الإسناد بمثله و قال صلى الظهر بذي الحليفة و أشعر بدنته و لم يقل : و سلت عنها الدم(1/41)
قال أبو بكر : هذه اللفظة التي في خبر محمد بن جعفر و أشعر إبدنته من الجنس الذي بينته في غير موضع من كتبنا أن العرب تضيف الفعل إلى الآمر كإضافتها إلى الفاعل فقوله : و أشعر بدنته يريد أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بإشعارها لأن في خبر يحيى القطان و أمر ببدنه أن تشعر دلالة على أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بإشعارها لا أنه تولى ذلك بنفسه و قد يحتمل أن يكون أشعر بعض بدنه بيده و أمر غيره بإشعار بقيتها فمن قال في الخبر أمر ببدنه أن تشعر أراد بعضها و من قال أشعر بدنته أراد بعضها لا كلها فالأخبار متصادقة لا متكاذبة على ما يتوهم أهل الجهل.
17- قولهم أفضل الشيء لا على اطلاق التفضيل بل المراد من أفضل الشيء:
ومثاله: ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن الزبرقان ثنا موسى بن عقبة حدثني المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن يزيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتاني جبريل فقال لي : أشعر بالتلبية فإنها شعار الحج
قال أبو بكر : هذه اللفظة : فإنها شعار الحج من الجنس الذي كنت أعلمت أن العرب قد تقول : إن أفضل العمل كذا و إنما تريد : من أفضل و خير العمل كذا و إنما تريد من خير العمل و النبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد بقوله : فإنهما شعار الحج أي من شعار الحج .
18- اطلاق الاسم المعرف بالألف واللام لا يفيد استغراق جميع أجزائه بل يقع على بعض الشيء:
ومثاله: ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس قال : الحجر من البيت لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت من ورائه و قال الله : { و ليطوفوا بالبيت العتيق }(1/42)
قال أبو بكر : هذه اللفظة : الحجر في البيت من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن الإسم باسم المعرفة بالألف و اللام قد يقع على بعض الشيء و النبي صلى الله عليه و سلم أمر عائشة أن يصلي في الحجر و قال : الحجر من البيت أراد بعض الحجر لا كله و ابن عباس رحمه الله لم يرد بقوله : الحجر من البيت جميع الحجر و إنما أراد بعضه على ما خبرت عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن بعض الحجر من البيت لا جميعه.
19- العرب تدخل في كلامه لفظة تفيد معنى حذف هذه اللفظة لا اثباتها:
ومثاله:باب الصلاة بعد الفراغ من الطواف عند المقام و الدليل على أن الله عز و جل قد يأمر بالأمر أمر ندب و إرشاد و فضيلة لا أن كل أمره أمر فرض و إيجاب إذ الله عز و جل أمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى و تلا النبي صلى الله عليه و سلم هذه الآية عند فراغه من الطواف لما عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين و ليس بفرض على الطائف و لا على أحد من المصلين الصلاة خلف المقام إذ الصلاة بعد الفراغ من الطواف جائزة خلف المقام و في غيره من المسجد مستقبل الكعبة و أحسب هذه اللفظة من مقام إبراهيم من الجنس الذي كنت أعلمت أن العرب قد تدخل من في بعض كلامها في الموضع الذي يكون معناها معنى حذف من كقوله تعالى { يغفر لكم من ذنوبكم } و العلم محيط أن نوحا لم يدع قومه إلى الإيمان بالله ليغفر لهم بعض ذنوبهم التي ارتكبوها في الكفر دون أن يكفر جميع ذنوبهم قال الله عز و جل لنبيه عليه السلام { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } فأعلم ربنا أن الكافر إذا آمن غفر ذنوبه السالفة كلها لا بعضها دون بعض .
20- أن يطلقوا الكلام على المقدم وهو مؤخر وبالعكس:(1/43)
ومثاله: ثنا عبد الله بن سعيد الأشج ثنا أبو خالد ـ يعني سليمان بن حسان ـ عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة و يقف عند الأولى و عند الثانية فيطيل القيام و يتضرع ثم يرمي الثالثة و لا يقف عندها
قال أبو بكر : هذه اللفظة : حين صلى الظهر ظاهرها خلاف خبر ابن عمر الذي ذكرناه قبل أن النبي صلى الله عليه و سلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى و أحسب أن معنى هذه اللفظة لا تضاد خبر ابن عمر لعل عائشة أرادت أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر بعد رجوعه إلى منى فإذا حمل خبر عائشة على هذا المعنى لم يكن مخالف لخبر ابن عمر و خبر ابن عمر أثبت إسنادا من هذا الخبر و خبر عائشة ما تأولت من الجنس الذي نقول إن الكلام مقدم و مؤخر كقوله { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا } و مثل هذا القرآن كثير قد بينت بعضه في الكتاب معاني القرآن و سأبين باقيه إن شاء الله و هذا كقوله { و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } فمعنى قول عائشة على هذا التأويل : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه ثم رجع حين صلى الظهر فقدم : حين صلى الظهر قبل قوله ثم رجع كما قدم الله عز و جل خلقناكم قبل قوله ثم صورناكم و المعنى صورناكم ثم خلقناكم .
ثانيا- قواعد للتعامل في المختلفات راجعة إلى قواعد أصولية:
وجدت أيضا هنا أن ابن خزيمة رحمه الله تعالى يلفت النظر لمن أراد أن يدفع التعارض وأن يزيل الالتباس عن بعض المختلفات إلى بعض القواعد الأصولية التي لا بد منها وهي مفيدة جدا ومن ذلك :
1- أن الله يوجب الحكم في كتابه بشرط و يوجبه على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم بغير ذلك الشرط.(1/44)
ومثاله: باب ذكر وجوب الوضوء من المذي و هو من الجنس الذي قد أعلمت أن الله يوجب الحكم في كتابه بشرط و يوجبه على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم بغير ذلك الشرط إذ الله عز و جل لم يذكر في آية الوضوء المذي و النبي صلى الله عليه و سلم قد أوجب الوضوء من المذي و اتفق علماء الأمصار قديما و حديثا على إيجاب الوضوء من المذي.
2- اطلاق لفظ زجر يريد نفي إيجاب:
ومثاله: أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا علي بن حجر السعدي و بشر بن معاذ العقدي قالا حدثنا عبيدة بن حميد قال علي قال : حدثني وقال بشر قال : حدثنا الركين بن الربيع بن عميلة عن حصين بن قبيصة عن علي بن أبي طالب قال . كنت رجلا مذاء فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم - أو ذكر له - فقال لي : لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة فإذا أنضحت الماء فاغتسل
قال أبو بكر قوله : لا تفعل من الجنس الذي أقول لفظ زجر يريد نفي إيجاب ذلك الفعل.
3- ألفاظ العام التي يراد بها الخاص:
ومثاله: باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها والدليل على أن قولها أن الصلاة أول ما افترضت ركعتان أرادت بعض الصلاة دون جميعها أرادت الصلوات الأربعة دون المغرب وكذلك أرادت ـ ثم زيد في صلاة الحضر ـ ثلاث صلوات خلا الفجر والمغرب والدليل على أن قول ابن عباس فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا إنما أراد خلا الفجر والمغرب وكذلك أرادوا في السفر ركعتين خلا المغرب وهذا من الجنس الذي نقول في كتبنا من ألفاظ العام التي يراد بها الخاص
4- ذكر بعض موجبات الحكم لوجود العلة لا للاقتصار عليهما:(1/45)
ومثاله: أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري حدثني أبي نا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال . قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا يزال العبد في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة تقول الملائكة : اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم ينصرف أو يحدث قالوا : ما يحدث ؟ قال : يفسو أو يضرط
قال أبو بكر : هذه اللفطة : يفسو أو يضرط من الجنس الذي يقول أن ذكرهما لعلة لأنهما وكل واحد منهما على الانفراد ينقض طهر المتوضئ وكل ما نقض ظهر المتوضئ من الأحداث كلها فحكمه حكم هذين الحدثين وهذا من الجنس الذي أجبت بعض أصحابنا أنه من الخبر المعلل الذي يجوز أن يشبه به ما هو مثله في الحكم ولو كان التشبيه والتمثيل لا يجوز على أخبار النبي صلى الله عليه و سلم على ما توهم بعض من خالفنا لكان البائل في كوز أو قارورة والمتغوط في طشت أو أجانة إذا جلس في المسجد ينتظر الصلاة كان له أجر المصلي والمحدث إذا خرجت منه ريح لم يكن له أجر المصلي وإن جلس في المسجد بعد خروج الريح منه ينتظر الصلاة ومن فهم العلم وعقله لم يعاند ولم يكابر غفلة علم أن قوله : يفسو أو يضرط إنما أراد أن الفسا والضراط ينقضان طهر المتوضئ وإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجعل لمنتظر الصلاة بعد هذين الحديثين فضيلة المصلي لأنه غير متوضئ فكل منتظر الصلاة جالس في المسجد غير طاهر طهارة تجزيه الصلاة معها فحكمه حكم من خرجت منه ريح نقضت عليه الطهارة.
5- ان القرآن مفسر بالسنة النبوية:(1/46)
ومثاله: باب ذكر الدليل على أن الله عز و جل ولى نبيه المصطفى صلى الله عليه و سلم تبيان عدد الصلاة في السفر لا أنه عز ذكره بين عددها في الكتاب يوحي مثله مسطور بين الدفتين وهذا من الجنس الذي أجمل الله فرضه في الكتاب وولى نبيه عن الله بقول وفعل قال الله : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } .ومثله كذلك: باب إسقاط فرض الصلاة عن الحائض أيام حيضها والدليل على أن الله عز و جل إنما فرض الصلاة في قوله { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } و في قوله { أقيموا الصلاة } على بعض المؤمنين لا على جميعهم إذ لو كان فرض الصلاة على جميع المؤمنين كان فرض الصلاة على جميع المؤمنين كان فرض الصلاة على الحائض كما هو على غيرها وهذا من الجنس الذي اجمل الله فرضه وولى نبيه صلى الله عليه و سلم بيانه عنه فاعلم أن فرض الصلاة زائل عن المرأة أيام حيضها .
6- الإشارة المفهومة من الناطق قد تقوم مقام المنطق:
ومثاله: أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عمران بن موسى القزاز بخبر غريب غريب نا عبد الوارث نا عبد العزيز - وهو ابن صهيب - عن أنس بن مالك قال لم يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يصلى بالناس فرفع النبي صلى الله عليه و سلم الحجاب فما رأينا منظرا أعجب إلينا منه حيث وضح لنا وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأوما رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي بكر أن تقدم وأرخى نبي الله صلى الله عليه و سلم الحجاب فلم نوصل إليه حتى مات صلى الله عليه و سلم(1/47)
قال أبو بكر : هذا الخبر من الجنس الذي كنت أعلمت أن الإشارة المفهومة من الناطق قد تقوم مقام المنطق إذا النبي صلى الله عليه و سلم أفهم الصديق بالإشارة إليه أنه أمره بالإمامة فاكتفى بالإشارة إليه عند النطق بأمره بالإقامة . وانظر ايضا: ثنا أبو بشر الواسطي ثنا خالد بن عبد الله عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس : يا فضل إذهب إلى أمك فأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بشراب من عندها فقال : إسقني فقال : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه فقال : إسقني فشرب منه ثم أتى زمزم و هم يسقون و يعملون أيديهم فيه فقال : إعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال : لولا أن تغلبوا لنزعت حتى أضع الحبل على هذه ـ يعني عاتقه و أشار إلى عاتقه
قال أبو بكر : هذا من الجنس الذي تقول إن الإشارة تقوم مقام النطق.
7- أن الله عز و جل قد يوجب الفرض بشريطة و قد يجب ذلك الفرض بغير تلك الشريطة:
ومثاله: باب ذكر فرض الجمعة و البيان أن الله عز و جل فرضها على من قبلنا من الأمم و اختلفوا فيها فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه و سلم خير أمة أخرجت للناس لها قال الله عز و جل : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } و هذا من الجنس الذي نقول إن الله عز و جل قد يوجب الفرض بشريطة و قد يجب ذلك الفرض بغير تلك الشريطة لأن الله إنما أمر في هذه الآية بالسعي إلى الجمعة و قد لا يقدر الحر المسلم على المشي على القدم و هو قادر على الركوب و إتيان الجمعة راكبا و هو مالك لما يركب من الدواب و الفرض لا يزول عنه إذا قدر على إتيان الجمعة راكبا و إن كان عاجزا عن إتيانها ماشيا.
8- الأخبار المعللة الذي يجوز القياس عليها:(1/48)
ومثاله: باب الدليل على أن فرض الجمعة على البالغين دون الأطفال و هذا من الجنس الذي نقول : إنه من الأخبار المعللة الذي يجوز القياس عليه قد بينته في عقب الخبر ثم ذكر الدليل وبعدها قال: إن الأمر إذا كان لعلة فالتمثيل و التشبيه به جائز متى كانت العلة قائمة فالأمر واجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما علم أن على المحتلم رواح الجمعة لأن الاحتلام بلوغ فمتى كان البلوغ و إن لم يكن احتلام و كان البلوغ بغير احتلام ففرض الجمعة واجب على كل بالغ و إن كان بلوغه بغير احتلام و لو كان على غير أصلنا و كان على أصل من خالفنا في التشبيه و التمثيل و زعم أن الأمر لا يكون لعلة و لا يكون إلا تعبدا لكان من بلغ عشرين سنة و ثلاثين سنة و هو حر عاقل فسمع الأذان للجمعة في المصر أو هو على باب المسجد لم يجب عليه رواح الجمعة إن لم يكن احتلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم أعلم أن رواح الجمعة على المحتلم ! و قد يعيش كثير من الناس السنين الكثيرة فلا يحتلم أبدا و هذا كقوله عز و جل : { و إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فإنما أمر الله عز و جل بالاستئذان من قد بلغ الحلم إذ الحلم بلوغ و لو لم يجز الحكم بالتشبيه و النظير كان من بلغ ثلاثين سنة و لم يحتلم لم يجب عليه الاستئذان و هذا كخبر النبي صلى الله عليه و سلم : رفع القلم عن ثلاثة قال في الخبر : و عن الصبي حت يحتلم و من لم يحتلم و بلغ من السن ما يكون إدراكا من غير احتلام فالقلم عنه غير مرفوع إذ النبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد بقوله : حتى يحتلم أن الاحتلام بلوغ فمتى كان البلوغ و إن كان بغير احتلام فاحكم عليه و القلم جار عليه كما يكون بعد الاحتلام.
9- يحمل المجمل على المفسر:(1/49)
ومثاله: باب أمر النساء بالغسل لشهود الجمعة و هذه اللفظة أيضا من الجنس الذي ذكرت أنه مفسر للفظة المجملة التي في خبر أبي سعيد و بيان أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالغسل من أتى الجمعة دون من حبس عنها.
10- أن الله جل و علا و رسوله المصطفى قد يبيحان الشيء لعلة من غير حظر ذلك الشيء و إن كانت تلك العلة معدومة :
ومثال ذلك: باب الرخصة في التخلف عن الجمعة في المطر و إن لم يكن المطر مؤذيا و هذا من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتابنا في كتاب معاني القرآن و في الكتب المصنفة من المسند أن الله جل و علا و رسوله المصطفى قد يبيحان الشيء لعلة من غير حظر ذلك الشيء و إن كانت تلك العلة معدومة من ذلك قوله جل و علا في المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا غير الأول { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } فأباح الله جل و علا المطلقة ثلاثا بعد طلاق الثاني و هي قد تحل له بموت الثاني و إن لم يطلقها و قد تحل له إذا انفسخ النكاح بينهما إما بلعان بينها و بين الزوج الثاني أو بارتداد أحدهما ثم تنقضي عدتها قبل أن يرجع المرتد منهما إلى الإسلام و غير ذلك مما ينفسخ النكاح بين الزوجين و من هذا الجنس قوله تبارك و تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الآية و القصر أيضا مباح و إن لم يخافوا من فتنة الكفار.
11- أن استنان السنة قد تكون في الإبتداء لعلة فتزول العلة و تبقى السنة إلى آخر الأبد:
ومثال ذلك: باب ذكر بعض العلل التي لها سعى النبي صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة و هذا من الجنس الذي أعلمت قبل أن استنان السنة قد تكون في الإبتداء لعلة فتزول العلة و تبقى السنة إلى آخر الأبد إذ النبي صلى الله عليه و سلم إنما سعى بالبيت و بين الصفا و المروة ليرى المشركون قوته فبقيت هذه السنة إلى آخر الأبد .
12- الحكم بالنظير و الشبيه واجب:(1/50)
ومثال ذلك: قال أبو بكر : هذه اللفظة و منى كلها منحر من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبي أن الحكم بالنظر و الشبيه واجب لأن في قوله صلى الله عليه و سلم : منى كلها منحر دلالة على أنه أباح الذبح أيضا إن شاء الذابح من منى ولو كان على خلاف مذهبنا في الحكم بالنظير و الشبيه و كان على ما زعم بعض أصحابنا ممن خالف المطلبي في هذه المسألة و زعم أن الدليل الذي لا يحتمل غيره أنه إذا خص في إباحة شيء بعينه كان الدليل الذي لا يحتمل غير من زعم أن ما كان غير الشيء بعينه محظور كان في قوله صلى الله عليه و سلم : منى كلها منحر دلالة على أن كلها ليس بمذبح و اتفاق الجميع من العلماء على أن جميع منى مذبح كما خبر النبي صلى الله عليه و سلم إنها منحر دال على صحة مذهبنا و بطلان مذهب مخالفتنا إذ محال أن يتفق الجميع من العلماء على خلاف دليل قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يجوز غيره.
13- أن الحكم في بعض الأوقات لا في كلها:
ومثاله:قال ابن خزيمة: ثنا بندار ثنا محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا حج الصبي فهي له حجة حتى يعقل فإذا عقل فعليه حجة أخرى و إذا حج الأعرابي فهي له حجة فإذا هاجر فعليه حجة أخرى
أخبرني بندار و أبو موسى قالا ثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس بمثله موقوفا .
قال أبو بكر : هذا علمي هو الصحيح بلا شك
قال أبو بكر : هذه اللفظة و إذا حج الأعرابي من الجنس التي كنت أقول إنه في بعض الأوقات دون جميع الأوقات و هذه اللفظة إن صحت عن النبي صلى الله عليه و سلم فإنما كان هذا الحكم قبل فتح النبي صلى الله عليه و سلم مكة فلما فتحها و خبر صلى الله عليه و سلم أنه لا هجرة بعد الفتح استوى الأعرابي و المهاجر في الحج فجاز عن الأعرابي إذا حج كما يجوز عن المهاجر لسقوط الهجرة و بطلانها بعد فتح مكة.(1/51)
14- الأمر قد يكون أمر ندب وإرشاد وفضيلة لا للوجوب:
ومثاله: باب الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة . ومثاله ايضا: باب ذكر الدليل على أن الأمر بالوضوء للجنب عند إرادة الأكل أمر ندب و إرشاد وفضيلة و إباحة و باب ذكر الدليل على أن الأمر بالوضوء عند إرادة الجماع أمر ندب وإرشاد إذ المتوضئ بعد الجماع يكون أنشط للعودة إلى الجماع لا أن الوضوء بين الجماعين واجب ولا أن الجماع قبل الوضوء وبعد الجماع الأول محظور.و باب الأمر بالركعتين قبل الفجر أمر ندب واستحباب لا أمر فرض وإيجاب .
ثالثا- قواعد للتعامل في المختلفات راجعة إلى كيفية الرواية:
ومن هذه القواعد التي نبه اليها ابن خزيمة رحمه الله تعالى قواعد مهمة في الترجيح بين المختلفات راجعة الى كيفية الرواية . ومن ذلك :
1-المخبر والشاهد الذي يجب قبول شهادته وخبره من يخبر بكون الشيء ويشهد على رؤية الشيء وسماعه لا من ينفي كون الشيء وينكره:
ومن أمثلة ذلك : - أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا الربيع بن سليمان المرادي نا شعيب - يعني ابن الليث - نا الليث عن بكر بن عبد الله عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه قال . صليت مع أبي هريرة فوق هذا المسجد فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد فيها وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد فيها
قد خرجت طرق هذا الخبر - في كتاب الصلاة كتاب الكبير - من قال عن أبي هريرة رأيت النبي صلى الله عليه و سلم أو سجدت مع النبي صلى الله عليه و سلم في { إذا السماء انشقت }
قال أبو بكر و أبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم بعد الهجرة بسنين قال في خبر عراك بن مالك عن أبي هريرة : قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه و سلم بخيبر قد استخلف على المدينة سباع بن عرفطة(1/52)
وقال قيس بن أبي حازم سمعت أبا هريرة يقول : صحبت النبي ثلاث سنوات وقد أعلم أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم سجد في { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك الذي خلق }
وقد أعلمت في غير موضع من كتبنا أن المخبر والشاهد الذي يجب قبول شهادته وخبره من يخبر بكون الشيء ويشهد على رؤية الشيء وسماعه لا من ينفي كون الشيء وينكره ومن قال : لم يفعل فلان كذا ليس بمخبر ولا شاهد وإنما الشاهد من يشهد ويقول رأيت فلانا يفعل كذا وسمعته يقول كذا وهذا لا يخفي على من يفهم العلم والفقه وقد بينت هذه المسألة في غير موضع من كتبنا
وتوهم بعض من لم يتبحر العلم أن خبر الحارث بن عبيد عن مطر عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة حجة من زعم أن لا سجود في المفصل وهذا من الجنس الذي أعلمت أن الشاهد من يشهد برؤية الشيء أو سماعه لا من ينكره ويدفعه و أبو هريرة قد أعلم أنه قد رأى النبي صلى الله عليه و سلم قد سجد في إذا السماء انشقت واقرأ بسم ربك الذي خلق بعد تحوله إلى المدينة إذ كانت صحبته إياه إنما كان بعد تحول النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة لا قبل K قال الأعظمي : تعليقا على قول ابن خزيمة " وأبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم بعد الهجرة بسنين " - قال : اسلم أبو هريرة قبل الهجرة إلى المدينة بسنوات لكنه هاجر بزمن خيبر انظر ترجمة الطفيل ابن عمرو الدوسي في الاستيعاب والإصابة. ومن أمثلة ذلك ايضا: - ثنا يعقوب الدورقي ثنا معتمر عن خالد عن عبد الله - وهو ابن شقيق - عن عائشة قالت . ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى قط إلا أن يقدم من سفر فيصلي ركعتين(1/53)
قال أبو بكر : خبر ابن عمر من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن المخبر والشاهد الذي يجب قبول خبره وشهادته من يخبر برؤية الشيء وسماعه وكونه لا من ينفي الشيء وإنما يقول العلماء لم يفعل فلان كذا ولم يكن كذا على المسامحة والمساهلة في الكلام وإنما يريدون أن فلانا لم يفعل كذا علمي وإن كذا لم يكن علمي و ابن عمر إنما أراد أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة أي لم أره صلى ولم يخبرني ثقة أنه كان يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة
وهكذا خبر عائشة رواه كهمس بن الحسن و الجريري جميعا عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه
حدثناه الدورقي ثنا عثمان بن عمر نا كهمس ح وثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن كهمس ح وثنا بندار ثنا سالم بن نوح نا الجريري ح و ثنا يعقوب الدورقي ثنا ابن علية عن الجريري
قال أبو بكر : فهذه اللفظة التي في خبر كهمس و الجريري من الجنس الذي أعلمت أنها تكلمت بها على المسامحة والمساهلة وإنما معناها ما قالوا في خبر خالد الحذاء : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و الدليل على صحة ما تأولت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد صلى صلاة الضحى في غير اليوم الذي كان يقدم فيه من الغيبة سأذكر هذه الأخبار في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله فالخبر الذي يجب قبوله ويحكم به هو خبر من أعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى لا خبر من قال : أنه لم يصل.
2. لا يحتج بالانكار على الاثبات(والقول ما رأيته يفعل ليس دليلا على نفي الفعل)
وهي تتشابه مع الاولى الى حد كبير: - ثنا يعقوب الدورقي ثنا معتمر عن خالد عن عبد الله - وهو ابن شقيق - عن عائشة قالت . ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى قط إلا أن يقدم من سفر فيصلي ركعتين(1/54)
قال أبو بكر : خبر ابن عمر من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن المخبر والشاهد الذي يجب قبول خبره وشهادته من يخبر برؤية الشيء وسماعه وكونه لا من ينفي الشيء وإنما يقول العلماء لم يفعل فلان كذا ولم يكن كذا على المسامحة والمساهلة في الكلام وإنما يريدون أن فلانا لم يفعل كذا علمي وإن كذا لم يكن علمي و ابن عمر إنما أراد أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة أي لم أره صلى ولم يخبرني ثقة أنه كان يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة
وهكذا خبر عائشة رواه كهمس بن الحسن و الجريري جميعا عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه
حدثناه الدورقي ثنا عثمان بن عمر نا كهمس ح وثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن كهمس ح وثنا بندار ثنا سالم بن نوح نا الجريري ح و ثنا يعقوب الدورقي ثنا ابن علية عن الجريري
قال أبو بكر : فهذه اللفظة التي في خبر كهمس و الجريري من الجنس الذي أعلمت أنها تكلمت بها على المسامحة والمساهلة وإنما معناها ما قالوا في خبر خالد الحذاء : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و الدليل على صحة ما تأولت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد صلى صلاة الضحى في غير اليوم الذي كان يقدم فيه من الغيبة سأذكر هذه الأخبار في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله فالخبر الذي يجب قبوله ويحكم به هو خبر من أعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى لا خبر من قال : أنه لم يصل.
3. العالم أو الراوي قد يحدث بالشيء ثم ينساه وهناك من يحفظه ويرويه:(1/55)
ومثاله باب ذكر إنساء النبي صلى الله عليه و سلم وقت تلك الساعة بعد علمه إياها و الدليل على أن العالم قد يخبر بالشيء ثم ينساه و يحفظه عنه بعض من سمعه منه لأن أبا موسى الأشعري و عمرو بن عوف المزني قد أخبرا عن النبي صلى الله عليه و سلم تلك الساعة و النبي صلى الله عليه و سلم قد أعلم أنه قد أنسيها و هذا من الجنس الذي كنت بينت في كتاب النكاح ـ أن العالم قد يحدث بالشيء ثم ينساه ـ عند ذكرى طعن من طعن في خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم لحكاية ابن علية عن ابن جريج قال : فذكرت ذلك لابن شهاب فلم يعرفه و خبر عمرو ابن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالتكبير هو من هذا الجنس أيضا قال أبو معبد بعد ما سئل عنه : لا أعرفه و قد حدث به.
4. قول الراوي "وارجو أن يكون كذا وكذا" لا يعتبر من باب الشك:
ومثاله: حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله ـ يعني ابن عبد الرحمن بن معمر أبي طوالة أن أبا يونس مولى عائشة أخبره عن عائشة . أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم يستفتيه و هي تسمع من وراء الباب فقال : يا رسول الله تدركني الصلاة و أنا جنب أفأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و أنا تدركني الصلاة و أنا جنب فأصوم فقال : لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر فقال : و الله ـ يعني ـ إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله و أعلمكم بما أتقي(1/56)
قال أبو بكر : هذا الرجاء من الجنس الذي أقول : إنه جائز أن يقول المرء فيما لا يشك فيه و لا يمتري : و أنا أرجو أن يكون كذا و كذا إذ لا شك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان مستيقنا غير شاك و لا مرتاب أن كان أخشى القوم لله و أعلمهم بما يتقي و هذا من الجنس الذي روي عن علقمة بن قيس أنه قيل له : أمؤمن أنت ؟ قال : أرجو و لا شك و لا ارتياب أنه كان من المؤمنين الذين كان يجري عليهم أحكام المؤمنين من المناكحات و المبايعات و شرائع الإسلام وقد بينت هذه المسألة في كتاب الإيمان فاسمع الدليل الواضح أن النبي صلى الله عليه و سلم أراد بقوله : إني لأرجو ما أعلمت أنه قد أقسم بالله أنه أشدهم خشية.
المطلب الثاني:
مسالك دفع التعارض وحل الاختلاف التي سار عليها ابن خزيمة في صحيحة .
... جاءت طرقه رحمه الله تعالى في دفع التعارض على مسالك متعددة وهي:
المسلك الاول: رد الحديث الضعيف والذي لا يصح
المسلك الثاني: الجمع بين الادلة
المسلك الثالث: النسخ
المسلك الرابع: الترجيح
المسلك الرابع: رد ان يكون هذا من الاختلاف .
وسأتكلم عن كل مسلك من هذه المسالك مع التوضيح والبان وضرب الامثلة التي تكفي لبيان المقصود مع الاشارة والاحالة على مواضع الامثلة الاخرى المنتمية للمسلك .
المسلك الاول:
رد الحديث الضعيف والذي لا يصح .
عمد ابن خزيمة في بعض المسائل التي طرحها والتي يبدو من ظاهرها التعارض الى حل الخلاف ودفع هذا التعارض بالوقوف على ضعف المعارض ورده وقد اوقف العمل فيه على ثبوت صحته .ويعلله لعدة امور منها:
اولا: ثبوت السماع:
باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أباح أن لا يقتصر عن حاجة إذا ركب الدواب من غير أن يجاوز السائر المنازل إذا كانت الأرض مخصبة و الأمر بإمكان الركاب عن الرعي في الخصب إن صح الخبر فإن في القلب من سماع الحسن من جابر.
ثانيا: وجود التصحيف:(1/57)
- ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن فطر بن خليفة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و كفوا مواشيكم و أهليكم من عند غروب الشمس إلى أن تذهب ـ قال لنا يوسف ـ فحوة العشاء
قال أبو بكر و هذا ـ علمي ـ تصحيف إنما هو فحوة العشاء اشتد الظلام هكذا قال غير يوسف في هذا الخبر : فجوة
ثالثا: ان الراوي ليس على شرطه في الكتاب:
قال أبو بكر عبد الله بن عامر ليس من شرطنا في هذا الكتاب و إنما خرجت هذا الخبر عن سليمان بن بلال و عن سهيل بن أبي صالح فكتب هذا إلى جنبه
رابعا: تعليقه على الراوي بقوله: فإن في القلب منه شيء:
باب إيجاب إبدال الهدى الواجب إذا ضلت إن صح الخبر و لا أخال فإن في القلب من عبد الله بن عامر الأسلمي
ثنا الربيع سليمان و صالح بن أيوب قالا ثنا بشر بن بكر نا الأوزاعي ثنا عبد الله بن عامر حدثني نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أهدى تطوعا ثم ضلت فإن شاء أبدلها و إن شاء ترك و إن كانت في نذر فليبدل
خامسا: كون الخبر غير مسند:
باب ذكر ميقات أهل العراق إن ثبت الخبر مسندا
ثنا محمد بن معمر القيسي ثنا محمد ـ يعني ابن بكر ـ أخبرنا ابن جريح أخبرني أبو الزبير . أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل قال : أحسبه يريد النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مهل أهل المدينة ذو الحليفة و الطريق الآخر الجحفة و مهل أهل العراق من ذات عرق و مهل أهل نجد من قرن و مهل أهل اليمن من يلملم
قال أبو بكر : قد روي في ذات عرق أنه ميقات أهل العراق أخبار غير ابن جريح لا يثبت عند أهل الحديث شيء منها قد خرجتها كلها في كتاب الكبير
سادسا: علة الوقف:(1/58)
باب الرخصة في إدهان المحرم بدهن غير مطيب إن جاز الإحتجاج بفرقد السبخي وصحت هذه اللفظة من روايته أن النبي صلى الله عليه و سلم أدهن و هو محرم لأن أصحاب حماد بن سلمة قد اختلفوا عنه في هذه اللفظة أنا خائف أن يكون فرقد السبخي واهم في رفعه هذا الخبر. ثنا الحسن بن محمد ثنا عفان بن مسلم و يحيى بن عباد قالا ثنا حماد بن سلمة أخبرنا فرقد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر . أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أدهن بزيت غير مقتت و هو محرم
قال أبو بكر أنا خائف أن يكون فرقد السبخي واهما في رفعه هذا الخبر فإن الثوري روى عن منصور عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عمر يدهن بالزيت حين يريد أن يحرم.
سابعا: فيه راوي متهم من جهة حفظه:
- ثنا عبد العزيز بن أحمد بن سويد أبو عميرة البلوي مؤذن مسجد الرملة ثنا أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري عن مسافع الحجبي عن عبد الله بن عمرو قال . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الركن و المقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما و لولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق و المغرب
قال أبو بكر : هذا الخبر لم يسنده أحد أعلمه من حديث الزهري غير أيوب بن سويد إن كان حفظ عنه
و قد رواه عن مسافع بن شيبة مرفوعا غير الزهري رواه رجاء أبو يحيى. (1)
ثامنا: وهم الراوي في لفظة من الحديث:
باب الرخصة في الشرب في الطواف إن ثبت الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد و أنا خائف أن يكون عبد السلام أو من دونه و هم في هذه اللفظة أعنى قوله : في الطواف. ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل بن درهم أخبرنا عبد السلام بن حرب عن شعبة عن عاصم عن الشعبي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم شرب ماء في الطواف.
__________
(1) قال الألباني : إسناده حسن لغيره فإن أيوب بن سويد سيء الحفظ وقد تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عند البيهقي وهو ثقة عن رواية ابنه أحمد عنه وهذا منه فإسناده صحيح(1/59)
تاسعا: علة عدم صحة اثبات الصحبة : باب ذكر علة لما تنكسف الشمس إذا انكسفت ؟ إن صح الخبر فإني لا أخال أبا قلابة سمع من النعمان بن بشير و لا أقف ألقبيصة البجلى صحبه أم لا
عاشرا: ادخال راوي بين راويين:
باب النزول عن المنبر للسجود إذا قرأ الخاطب السجدة على المنبر إن صح الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد لأن بعض أصحاب ابن وهب أدخل بين أبي هلال و عياض بن عبد الله في هذا الخبر إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث ولست أرى الرواية عن ابن أبي فروة هذا
ويدخل في هذا الباب رد القول الذي ليس لديه دليل او دليله عقلي وكأن دليله غير صحيح ومن ذلك:
باب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء والدليل على ضد قول من زعم من التابعين أن صلاة النهار عجماء يريد أنه لا يجهر بالقراءة في شيء من صلوات النهار قال أبو بكر : في خبر معمر عن جهر بالقراءة
وذكر فيه الدليل الذي يدل على صحة قول انها صلاة جهرية ولم يذكر لهؤلاء دليلا إما لعدم وجوده أصلا أو لضعفه إن وجد ولعل الأصح أنه دليل عقلي من غير دليل صريح .والدليل هو:
أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن بشار ثنا عثمان بن عمر ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج يستسقي فاستقبل القبلة وولى الناس ظهره وقلب رداءه وصلى ركعتين قرأ فيهما وجهر فيهما بالقراءة .
المسلك الثاني:
الجمع بين الادلة
هذا مسلك مهم جدا في التعامل مع مثل هذه الاحاديث ولعل الحظ الاوفر كان في صحيح ابن خزيمة من هذا القبيل ولذلك وجدنا تبحر ابن خزيمة في هذا المسلك وبراعته في تطبيقه على هذه الأحاديث ولعلي أبين ذلك من خلال تقسيم الجمع إلى اقسام أساسية يتفرع عنها فروع عديدة للتعامل معها وهي:
القسم الأول: الجمع بين المختلفات بحمل المجمل على المفسر
القسم الثاني: الجمع بين المختلفات بحمل المختصر على المتقصى(1/60)
القسم الثالث:الجمع بين المختلفات بحمل العام على الخاص
القسم الرابع: الجمع بين المختلفات ببيان المقصود منها بالرجوع إلى اللغة العربية
القسم الخامس:الجمع بين المختلفات بقول من شهد الحادثة وسمعها
القسم السادس: الجمع بين المختلفات ببيان خفاء الشيء على بعض الرواة
القسم الاول: الجمع بين المختلفات بحمل المجمل على المفسر:
... ياتي الخبر مجملا ثم ياتي خبر آخر فيظن المطلع عليهما أن بينهما اختلافا ولكن عند امعان النظر يتبين ان الخبرين لا اختلاف بينهما اذ يمكن الجمع بينهما لان الآخر جاء مفسرا للفظة المجملة ومبينا لها . وهذا مما كثر استخدامه ند ابن خزيمة حيث نبه عليه وبين خطأ وسوء فهم من توهم ذلك وان الحق أن يحمل المجمل على المفسر . ومن ذلك :
1- مسألة ايجاب الوضوء لكل صلاة من خبر مجمل :
أخبرنا أبو طاهر أخبرنا أبو بكر ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر و ثنا الحسين بن محمد الزارع ثنا يزيد بن زريع وحدثنا يحيى بن حكيم ثنا أبو داود قالوا جميعا : حدثنا شعبة - وهذا لفظ حديث بندار - عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال مرض ابن عامر فجعلوا يثنون عليه و ابن عمر ساكت فقال : أما إني لست بأغشهم ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول.(1/61)
ثم ذكر الجملة المفسرة للفظة (لا يقبل الله صلاة بغير وضوء) فقال: باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها و الدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما نفى قبول الصلاة لغير المتوضئ المحدث الذي قد أحدث حدثا يوجب الوضوء لا كل قائم إلى الصلاة و أن كان غير محدث حدثا يوجب الوضوء. ثم ساق الدليل على ذلك والمفسر للإجمال: أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم و عمي إسماعيل بن خزيمة قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.
ثم ذكر وجها آخر للاختلاف وهو بين آية وحديث والسبب هو المجمل والمفسر أيضا فذكر: باب ذكر الدليل على أن الله عز و جل إنما أوجب الوضوء على بعض القائمين إلى الصلاة لا على كل قائم إلى الصلاة في قوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية إذ الله جل و علا ولى نبيه صلى الله عليه و سلم بيان ما أنزل عليه خاصا و عاما فبين النبي صلى الله عليه و سلم بسنته أن الله إنما أمر بالوضوء بعض القائمين إلى الصلاة لا كلهم كما بين عليه السلام أن الله عز و جل أراد بقوله : { خذ من أموالهم صدقة } بعض الأموال لا كلها و كما بين بقسمة سهم ذي القربى بين بني هاشم و بني عبد المطلب أن الله أراد بقوله : { ذي القربى } بعض قرابة النبي صلى الله عليه و سلم دون جميعهم و كما بين أن الله أراد بقوله : { والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما } بعض السراق دون جميعهم إذ سارق درهم فما دونه يقع عليه اسم سارق فبين النبي صلى الله عليه و سلم صبقوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } الآية قال الله عز و جل لنبيه صلى الله عليه و سلم : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }.(1/62)
ثم ذكر ما يفسر هذه الآية وانها خبر مجمل: فقال: أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان وحدثنا أبو موسى ثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر : يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله قال : إني عمدا فعلته يا عمر.
فهذا الحديث جاء مفسرا للاية ولا يجوز ان نقول ان بين هذه الاية والحديث اختلافا بل اننا اعملنا الدليلين ولم نهمل احدهما خاصة ان احدهما مجملا والاخر مفسرا فيحمل المجمل على المفسر.
2- مسألة استقبال القبلة بالبول:
عرض فيها ابن خزيمة الحديث المجمل وهو: أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا عبد الجبار بن علاء ثنا سفيان ثنا الزهري وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان عن الزهري عن عطاء الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا
قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله
هذا لفظ حديث عبد الجبار.(1/63)
وبعد ذلك قال: باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في الرخصة في البول مستقبل القبلة بعد نهي النبي صلى الله عليه و سلم عنه مجملا غير مفسر قد يحسب من لم يتبحر العلم أن البول مستقبل القبلة جائز لكل بائل و في أي موضع كان و يتوهم من لا يفهم العلم و لا يميز بين المفسر و المجمل أن فعل النبي صلى الله عليه و سلم في هذا ناسخ لنهيه عن البول مستقبل القبلة. يريد من ذلك بيان الحديث الذي يخالف الاول وهو: أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشار ثنا وهب - يعني ابن جرير بن حازم - حدثني أبي قال : سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها.
وبعد ذكر هذه الاحاديث التي تبدو مختلفة أفرد لها بابا يذكر فيه الجمع بينهما على وجه حمل المجمل على المفسر فقال:
باب ذكر الخبر المفسر للخبرين اللذين ذكرتهما في البابين المتقدمين و الدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما نهى عن استقبال القبلة و استدبارها عند الغائط و البول في الصحارى و المواضع اللواتي لا سترة فيها وأن الرخصة في ذلك في الكنف والمواضع التي فيها بين المتغوط و البائل و بين القبلة حائط أو سترة . وليؤيد ما ذهب إليه من هذا الجمع ذكر الدليل المفسر وهو:(1/64)
أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشار و يحيى بن حكيم قالا : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله وحدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله وحدثنا محمد بن معاوية البغدادي ثنا هشيم عن يحيى بن سعيد وحدثنا محمد بن الوليد قال : حدثنا عبد الوهاب يعني - الثقفي - قال : سمعت يحيى بن سعيد وحدثنا محمد بن عبد الله المخزومي ثنا أبو هشام يعني المخزومي ثنا وهيب عن عبيد الله و يحيى بن سعيد و إسماعيل بن أمية وحدثنا أحمد ابن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي ثنا بن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب أخبرني ابن عجلان قال بندار في حديثه : قال حدثني وقال يحيى بن حكيم : قال حدثنا وقال محمد بن الوليد : قال سمعت وقال الآخرون : عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال . دخلت على حفصة ابنة عمر فصعدت على ظهر البيت فأشرفت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو على خلائه مستدبر القبلة متوجه نحو الشام
هذا لفظ حديث عبد الأعلى وفي خبر أبي هشام مستقبل القبلة.
وذكر حديثا آخرا: أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ثنا محمد بن يحيى ثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عن مروان الأصغر قال رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها قلت : أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ قال : بلى إنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس.
القسم الثاني: الجمع بين المختلفات بحمل المختصر على المتقصى.(1/65)
يقصد بالخبر المختصر هو الخبر الذي يذكر طرفا من المسألة او الموضوع الذي وقع فيه الاختلاف فيهم ان هذا اللفظ هو المقصود على اجماله ولكن يكون المقصود على تفصيل ويأتي الخبر المتقصى الذي يحدد اطراف المسالة ويبينها ويفسر اجمالها ( وهذا قد يدخل في المجمل والمفسر) وقد يطلق ابن خزيمة عليه اسم المجمل والمفسر وقد يسميه المختصر والمتقصى وقد يجمع بين التسميتين وعلى كل حال فهي وسيلة من وسائل الجمع المتبعة في هذا الصحيح ومن امثلتها:
1- مسألة الشاك في الصلاة هل يكفيه سجدتا السهو أم ماذا.
قال ابن خزيمة: باب ذكر المصلي يشك في صلاته و الأمر بأن يسجد سجدتي السهو بذكر خبر مختصر غير متقصى قد يحسب كثير ممن لا يميز بين المفسر والمجمل ولا يفهم المختصر و المتقصى من الأخبار أن الشاك في صلاته جائز به أن يتصرف من صلاته على الشك بعد أن يسجد سجدتي السهو
ثم ذكر الخبر: أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي و علي بن خشرم قال سعيد : ثنا وقال علي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري ح وثنا عمرو بن علي نا أبو عاصم أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن شهاب ح وثنا بندار أخبرنا عثمان بن عمر نا ابن أبي ذئب عن الزهري وحدثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك نا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة . عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيلبس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى فمن وجد من ذلك شيئا فليسجد سجدتين وهو جالس
وهكذا معنى خبر يحيى بن أبي كثير و محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ثلاثا أو أربعا فليسجد سجدتين وهو جالس(1/66)
ثم قال: باب ذكر الخبر المتقصى في المصلي شك في صلاته و الأمر بالبناء على الأقل مما يشك فيه المصلي والدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أمر الشاك صلاته بسجدتي السهو بعدما يبني على الأقل فيتمم صلاته على يقين إذا لم يكن له تحري
وذكر الخبر المتقصى: أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن العلاء بن كريب و عبد الله بن سعيد الأشج قالا : ثنا أبو خالد عن عجلان بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين فإن استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان.
2- مسألة امره عليه السلام بالوتر قبل النوم وامره بان يجعل الوتر في اخر الليل .
جاء التفصيل من ابن خزيمة لفك الاختلاف الناتج عن تعارض الاحاديث في هذه المسالة وكان الجمع بينها على صورة المختصر والمتقصى والتي سماها ايضا مجملا ومفسرا . واليك عرض المسألة عنده كما أوردها:
باب الأمر بالوتر من آخر الليل بذكر خبر مختصر غير متقصى ومجمل غير مفسر
نا بندار نا يحيى نا عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر ح وثنا الدورقي و الحسن الزعفراني بن محمد قالا : ثنا محمد بن عبيد ثنا عبيد الله ح وثنا يحيى بن حكيم ثنا حماد بن مسعدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا
باب ذكر الوصية بالوتر قبل النوم بلفظ مجمل غير مفسر قد يسبق ـ علمي ـ إلى وهم من لا يميز بين الخبر المختصر والخبر المتقصى ولا يستدل بالمفسر من الأخبار على المجمل منها إن أمر النبي صلى الله عليه و سلم بأن يجعل آخر صلاة الليل وترا يضاد أمره ووصيته بالوتر قبل النوم(1/67)
نا علي بن حجر السعدي ثنا إسماعيل - يعني ابن جعفر - نا محمد - وهو ابن أبي حرملة - عن عطاء بن يسار عن أبي ذر قال أوصاني حبيبي بثلاث لا أدعهن إن شاء الله أبدا أوصاني بصلاة الضحى وبالوتر قبل النوم وبصوم ثلاثة أيام من كل شهر
قال أبو بكر : إخبار أبي هريرة أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم بثلاث خرجتها في غير هذا الموضع
باب ذكر الخبر المفسر للفظتين المجملتين اللتين ذكرتهما في البابين المقدمين والدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالوتر قبل النوم آخذا بالوثيقة والحزم تخوفا أن لا يستيقظ المرؤ آخر الليل فيوتر آخره وأنه إنما أمر بالوتر آخر الليل من قوي على قيام آخر الليل مع الدليل على أن الوتر من آخر الليل لمن قوي على القيام آخر الليل
نا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزاز بخبر غريب غريب انا يحيى بن إسحاق السيلحيني ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : متى توتر ؟ قال : أوتر قبل أن أنام فقال لعمر متى توتر ؟ قال : أنام ثم أوتر قال : فقال لأبي بكر : أخذت بالحزم أو بالوثيقة وقال لعمر : أخذت بالقوة
قال أبو بكر : هذا عند أصحابنا عن حماد مرسل ليس فيه أبو قتادة
ثنا محمد بن يحيى و أحمد بن سعيد الدارمي قالا : ثنا محمد بن عباد - هو المكي - نا يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : متى توتر ؟ قال : أوتر ثم أنام قال : بالحزم أخذت وسأل عمر فقال : متى توتر ؟ فقال : أنام ثم أقوم من الليل فأوتر قال : فعلي فعلت
وقال محمد بن يحيى في قصة عمر قال : فعل القوي(1/68)
حدثنا علي بن خشرم أخبرنا عيسى - يعني ابن يونس - ح وثنا علي أيضا أخبرنا عبد الله - يعني ابن إدريس - ح وثا يوسف بن موسى ثنا جرير جميعا عن الأعمش ح وثنا أبو موسى ثنا معاوية ح وثنا يعقوب بن الدوقي نا محمد بن عبيد قالا : ثنا الأعمش ح وثنا أبو موسى نا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن سليمان - وهو الأعمش - عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من خاف منكم ألا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أوله وليرقد ومن طمع منكم أن يستيقظ في آخر الليل فليوتر من آخره فإن صلاة آخر الليل محضورة فذلك أفضل
هذا حديث عيسى وفي حديث جرير و أبي عوانة قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم.
هكذا استطاع رحمه الله تعالى أن يوفق وان يجمع بين هذه الاحاديث بحمل بعضها على بعض وهذا دليل على اهمية هذا المسلك .
القسم الثالث:الجمع بين المختلفات بحمل العام على الخاص:
ومن هذا المسلك الجمع بين المختلفات بحمل العام على الخاص .وقد لاحظت التداخل بين هذه الطريقة وطريقة المجمل والمفسر حيث يجمع بين هذه المسميات في طرحه للمسألة وطريقة حله لها وهذا في الغالب . ومن الأمثلة على هذه الطريقة :
1- مسألة أفضل وقت الصلاة :
حيث ذكر فيه قوله:
باب اختيار الصلاة في أول وقتها يذكر خبر لفظه لفظ عام مراده خاص :
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا بندار بن بشار ثنا عثمان بن عمر نا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال . سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة في أول وقتها(1/69)
ثم قال: باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد بقوله : الصلاة في أول وقتها بعض الصلاة دون جميعها وبعض الأوقات دون جميع الأوقات إذ قد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم بتبريد الظهر في شدة الحر وقد أعلم أن لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخر صلاة العشاء الآخرة إلى شطر الليل :
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا بندار بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن المهاجر أبي الحسن أنه سمع زيد بن وهب يحدثه عن أبي ذر قال . أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أبرد أبرد - أو قال : انتظر انتظر - فقال : إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة
قال أبو ذر : حتى رأينا فيء التلول
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الجبار بن العلاء عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي و أحمد بن عبدة الضبي قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد - وهو ابن المسيب - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا بندار بن بشار ثنا عبد الوهاب - يعني الثقفي - نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر . عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا الصلاة في شدة الحر
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي نا عبد الله - يعني ابن داود الخريبي - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها . أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أبردوا الظهر في الحر .
وهكذا بين ان لفظ أول الوقت عام . واما تأخير العشاء وتأخير الظهيرة في شدة الحر فهذا لفظ خاص فيحمل العام على الخاص.
القسم الرابع: الجمع بين المختلفات ببيان المقصود منها بالرجوع إلى اللغة العربية:(1/70)
وهذه النقطة هي من أهم الطرق التي نبه إليها ابن خزيمة فجاءت متغايرة الطرق ولعل السبب في ذلك أن أغلب الاختلاف الناتج بين الأحاديث النبوية وغيرها هو بسبب سوء الفهم العائد إلى اللغة العربية وقد أشرت في المطلب السابق القواعد التي نبه إليها ابن خزيمة في التعامل مع المختلفات والعائدة الى اللغة العربية فلتراجع هناك . (1) وهنا اكتفي بعرض بعض الأمثلة منبها على الواقع فيها من الاختلاف :
1- المسألة الأولى:فضل صلاة الجماعة والاحاديث التي تذكر أنها أفضل بخمس وعشرين ومرة بسبع وعشرين :
قال فيها قاعدة : العرب قد تذكر العدد للشيء ذي الأجزاء والشعب من غير أن تريد نفيا لما زاد على ذلك العدد.
باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد
أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد و محمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن قتادة و عقبة بن وساج عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود . عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده بخمس وعشرين
قال أبو بكر : حدثناه أبو قدامة نا يحيى بن سعيد عن شعبة نحوه
قال أبو بكر : وهذه اللفظة من الجنس الذي أعلمت في كتاب الإيمان أن العرب قد تذكر العدد للشيء ذي الأجزاء والشعب من غير أن تريد نفيا لما زاد على ذلك العدد ولم يرد النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : خمسا وعشرين أنها لا تفضل بأكثر من هذا العدد والدليل على صحة ما تأولت
أن محمد بن بشار و يحيى بن حكيم حدثانا حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة.
__________
(1) الباب الخامس: منهج ابن حبان في دفع التعارض المطلب الأول: قواعد ذكرها ابن خزيمة للتعامل مع ظاهرة الاختلاف.أولا- قواعد للتعامل في المختلفات بسبب اللغة : ص من هذا البحث(1/71)
وهكذا جمع ابن خزيمة بين هذه الاحاديث بأن ذكر العدد لا يعتبر نفيا لما زاد عنه .
2- المسألة الثانية: التطيب للاحرام وفعل عائشة ذلك للنبي عليه السلام وكون التطيب من محظورات الإحرام.
ذكر فيه قاعدة : العرب تقول إذا فعلت كذا تريد إذا أردت فعله.
باب التطيب عند الإحرام ضد قول من كره ذلك و خالف سنة النبي صلى الله عليه و سلم
ثنا علي بن خشرم أخبرنا ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال رأيت عائشة تقول بيديها . طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم لحرمه حين أحرم و لحله قبل أن يطوف بالبيت
و حدثناه عبد الجبار ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه سمع عائشة تقول و بسطت يديها . إني طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم و لحلبه قبل أن يطوف بالبيت
قال أبو بكر : هذه اللفظة حين أحرم من الجنس الذي نقول أن العرب تقول إذا فعلت كذا تريد إذا أردت فعله و عائشة إنما أرادت أنها تطيبت النبي صلى الله عليه و سلم حين أراد الإحرام لا بعد الإحرام و الدليل على صحة ما ذكرت خبر منصور بن زاذان الذي ذكرت في الباب الذي يلي هذا مع الأخبار التي خرجتها في الكتاب الكبير
ثنا يعقوب الدورقي و أحمد بن منيع و محمد بن هشام قالوا ثنا هشيم أخبرنا منصور ـ و هو ابن زادان ـ عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم قال . قالت عائشة طيبت النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يحرم و يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك .
القسم الخامس:الجمع بين المختلفات بقول من شهد الحادثة وسمعها.
1- ومن ذلك مسألة صلاة الضحى:
باب صلاة الضحى عند القدوم من السفر
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف نا سالم بن نوح العطار أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة (1)
__________
(1) قال الألباني : إسناده صحيح الصواف هذا هو اسحق بن ابراهيم بن محمد الباهلي البصري من شيوخ البخاري(1/72)
ثنا يعقوب الدورقي ثنا معتمر عن خالد عن عبد الله - وهو ابن شقيق - عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى قط إلا أن يقدم من سفر فيصلي ركعتين
قال أبو بكر : خبر ابن عمر من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن المخبر والشاهد الذي يجب قبول خبره وشهادته من يخبر برؤية الشيء وسماعه وكونه لا من ينفي الشيء وإنما يقول العلماء لم يفعل فلان كذا ولم يكن كذا على المسامحة والمساهلة في الكلام وإنما يريدون أن فلانا لم يفعل كذا علمي وإن كذا لم يكن علمي و ابن عمر إنما أراد أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة أي لم أره صلى ولم يخبرني ثقة أنه كان يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة
وهكذا خبر عائشة رواه كهمس بن الحسن و الجريري جميعا عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه
حدثناه الدورقي ثنا عثمان بن عمر نا كهمس ح وثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن كهمس ح وثنا بندار ثنا سالم بن نوح نا الجريري ح و ثنا يعقوب الدورقي ثنا ابن علية عن الجريري
قال أبو بكر : فهذه اللفظة التي في خبر كهمس و الجريري من الجنس الذي أعلمت أنها تكلمت بها على المسامحة والمساهلة وإنما معناها ما قالوا في خبر خالد الحذاء : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و الدليل على صحة ما تأولت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد صلى صلاة الضحى في غير اليوم الذي كان يقدم فيه من الغيبة سأذكر هذه الأخبار في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله فالخبر الذي يجب قبوله ويحكم به هو خبر من أعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى لا خبر من قال : أنه لم يص
2- مسألة صلاة النبي في البيت(الكعبة):(1/73)
باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه و سلم قد صلى في البيت و هذا من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتبنا أن الخبر الذي يجب قبوله هو خبر من يخبر برؤية الشيء و سماعه و كونه لا من ينفي الشيء و يدفعه و الفضل بن عباس في قوله : و لم يصل ناف لصلاة النبي صلى الله عليه و سلم فيها لا مثبت خبرا و من أخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى فيها مثبت فعلا مخبر برؤية فعل من النبي صلى الله عليه و سلم فالواجب من طريق العلم و الوقف قبول خبر من أعلم أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم صلى فيها دون من نفي أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم صلى فيها و هذه مسألة صويلة قد بينتها في غير موضع من كتبنا أن أهل العلم لم يختلفوا في جملة هذا القول
أخبرنا يحيى بن حبيب الحارثي ثنا حماد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن بلال . أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى في جوف الكعبة
و ثنا أحمد بن عبدة أخبرنا حماد عن عمرو بن دينار أن ابن عمر حدث عن بلال :
أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في جوف الكعبة
القسم السادس: الجمع بين المختلفات ببيان خفاء الشيء على بعض الرواة
عبر ابن خزيمة عن ذلك بقوله: ان بعض الصحابة قد يحفظ عنه ما يغرب عن بعضهم :
ومن الأمثلة :
1- مسألة الزيادة في التلبية (1) :
باب ذكر البيان أن الزيادة في التلبية على ما حفظ ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم جائز و الدليل على أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قد يحفظ عنه ما يغرب عن بعضهم لأن أبا هريرة قد حفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم في تلبيته ما لم يحك عنه غيره
__________
(1) لم أجد الا هذا المثال في صحيح ابن خزيمة ولعله يتداخل مع القضية السابقة من يخبر برؤية الشيء ...(1/74)
ثنا عبد الله بن سعد الأشج ثنا وكيع ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة و ثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن بن الأعرج عن أبي هريرة
ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أن عبد الله بن الفضل أخبره عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال . كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم : لبيك إله الحق
باب إباحة الزيادة في التلبية : ذا المعارج و نحوه ضد قول من كره هذه الزيادة و ذكر أنهم لم يقولوه مع النبي صلى الله عليه و سلم مع الدليل على أن من تقدمت صحبته للنبي صلى الله عليه و سلم و كان أعلم قد كان يخفي عليه الشيء من علم الخاصة فعلمه من هو دونه في السن و العلم لأن سعد بن أبي وقاص مع مكانه من الإسلام و العلم مع تقدم صحبته خبر أنهم لم يقولوا : ذا المعارج مع النبي صلى الله عليه و سلم و جابر بن عبد الله دونه في السن و العلم و المكان مع النبي صلى الله عليه و سلم قد أعلم أنهم كانوا يزيدون : ذا المعارج و نحوه و النبي صلى الله عليه و سلم يسمع لا يقول شيئا فقد خفي على سعد بن أبي وقاص مع موضعه من الإسلام و العلم ما علمه جابر بن عبد الله
ثنا عبد الجبار بن العلاء و أحمد بن منيع قالا ثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب عن أبيه . عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أتاني جبريل فقال : مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية و قال أحمد بن منيع بالإهلال و التلبية(1/75)
حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد ثنا جعفر حدثني أبي قال . أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه و سلم فقال : فخرج حتى إذا استوت به راحلته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك قال : و أما الناس يزيدون ذا المعارج و نحوه و النبي صلى الله عليه و سلم يسمع لا يقول شيئا.
المسلك الثالث:
النسخ
يقصد من هذا أن ابن خزيمة كان يقدم الحديث الناسخ على الحديث المنسوخ ان ثبتت معرفة المتقدم من المتأخر . وجاءت أمثلة لا بأس بها على هذا المسلك .
1- مسألة تطبيق اليدين في الركوع:
باب ذكر نسخ التطبيق في الركوع والبيان على أن وضع اليدين على الركبتين ناسخ للتطبيق إذ التطبيق كان مقدما ووضع اليدين على الركبتين مؤخرا بعده فالمقدم منسوخ والمؤخر ناسخ
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن أبان نا عبد الله بن يزيد الأزدي : - قال أبو بكر : هو ابن إدريس بن يزيد الأزدي نسبة إلى جده - قال نا عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود بن علقمة عن عبد الله قال . علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة قال : فكبر ولما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا - يعني الإمساك بالركب –
باب ذكر البيان أن التطبيق غير جائز بعد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بوضع اليدين على الركبتين وأن التطبيق منهي عنه لا أن هذا من فعل المباح فيجوز التطبيق ووضع اليدين على الركبتين جميعا كما ذكرنا أخبار النبي صلى الله عليه و سلم في القراءة في الصلوات واختلافهم في السور التي كان يقرأ فيها صلى الله عليه و سلم في الصلاة وكاختلافهم في عدد غسل النبي صلى الله عليه و سلم أعضاء الوضوء وكل ذلك مباح فأما التطبيق في الركوع فمنسوخ منهي عنه والسنة وضع اليدين على الركبتين(1/76)
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا سلم بن جنادة نا وكيع عن ابن أبي خالد - وهو إسماعيل - ح وحدثنا يوسف بن موسى نا وكيع و أبو أسامة قالا حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الزبير بن عدي عن مصعب بن سعد قال . كنت إذا ركعت وضعت يدي بين ركبتي فرآني أبي سعد فنهاني وقال : إنا كنا نفعله ثم نهينا ثم أمرنا أن نرفعهما إلى الركب
2- مسألة وضع اليدين قبل الركبتين عند السجود:
باب ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود منسوخ وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ إذا كان الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين مقدما والأمر بوضع الركبتين قبل اليدين مؤخرا فالمقدم منسوخ والمؤخر ناسخ
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل حدثني أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد قال . كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (1)
المسلك الثالث:
الترجيح.
جاء الكلام في هذا المسلك مقسما إلى عدة اقسام"
القسم الاول: الترجيح بحال الراوي
القسم الثاني: الترجيح بكيفية الرواية
القسم الثالث:الترجيح باتفاق العلماء
القسم الرابع: الترجيح بالبرهان العقلي
القسم الخامس: الترجيح بمرجح خارجي
القسم الأول:الترجيح بحال الراوي. ويشمل:
أولا: الرتجيح بكثرة الرواة:
مسألة صلاة الوتر على الراحلة أو على الأرض ذكر الخلاف ووجهها وذكر ان هذا من المباحات ثم علق ذلك بقوله بأن هذا بسبب كثرة الأسانيد:
حدثنا يعقوب الدورقي نا محمد بن مصعب نا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر ابن عبد الله قال . كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في السفر حيث توجهت به راحلته فإذا أراد المكتوبة أو الوتر أناخ فصلى بالأرض
__________
(1) قال الألباني : إسناده ضعيف جدا اسماعيل بن يحيى بن سلمة متروك كما في التقريب وابنه ابراهيم ضعيف(1/77)
قال أبو بكر : توهم بعض الناس أن هذا الخبر دال على خلاف خبر ابن عمر واحتج بهذا الخبر أن الوتر غير جائز على الراحلة وهذا غلط وإغفال من قائله وليس هذا الخبر عندنا ولا عند من يميز بين الأخبار يضاد خبر ابن عمر بل الخبران جميعا متفقان مستعملان وكل واحد منهما أخبر بما رأى النبي صلى الله عليه و سلم يفعله ويجب على من علم الخبرين جميعا إجازة كلا الخبرين قد رأى بن عمر النبي صلى الله عليه و سلم يوتر على راحلته فأدى ما رأى ورأى جابر النبي صلى الله عليه و سلم أناخ راحلته فأوتر بالأرض فأدى ما رأى النبي صلى الله عليه و سلم فجائز أن يوتر المرء على راحلته كما فعل صلى الله عليه و سلم وجائز أن ينيخ راحلته فينزل فيوتر على الأرض إذ النبي صلى الله عليه و سلم قد فعل الفعلين جميعا ولم يزجر عن أحدهما بعد فعله وهذا من اختلاف المباح ولو لم يوتر النبي صلى الله عليه و سلم على الأرض وقد أوتر على الراحلة كان غير جائز للمسافر الراكب أن ينزل فيوتر على الأرض ولكن لما فعل النبي صلى الله عليه و سلم الفعلين جميعا كان الموتر بالخيار في السفر إن أحب أوتر على راحلته وإن شاء نزل فأوتر على الأرض وليس شيء من سنته صلى الله عليه و سلم مهجورا إذا أمكن استعماله وإنما يترك بعض خبره ببعض إذا لم يمكن استعمالها جميعا وكان أحدهما يدفع الآخر في جميع جهاته فيجب حينئذ طلب الناسخ من الخبرين والمنسوخ منهما ويستعمل الناسخ دون المنسوخ ولو جاز لأحد أن يدفع خبر ابن عمر بخبر جابر كان أجوز لآخر أن يدفع خبر جابر بخبر ابن عمر لأن أخبار ابن عمر في وتر النبي صلى الله عليه و سلم على الراحلة أكثر أسانيد وأثبت وأصح من خبر جابر ولكن غير جائز لعالم أن يدفع أحد هذين الخبرين بالآخر بل يستعملان جميعا على ما بينا وقد خرجت طرق خبر بن عمر في كتاب الكبير
ثانيا: الترجيح بكون الراوي أحفظ وأضبط للحديث:(1/78)
1- مسألة زكاة الزبيب . بين ناف اازكاة وان بلغ خمسة أوسق وبين موجب الزكاة اذا بلغت خمسة أوسق:
حدثنا بشر بن آدم حدثنا منصور بن زيد الموصلي حدثنا محمد بن مسلم يعني الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله . أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليس على الرجل المسلم زكاة في كرمه و لا زرعه إذا كان من خمسة أوسق K قال : إسناده ضعيف لسوء حفظ الطائفي.
حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرازق حدثنا ابن جريح أخبرني عمرو بن دينار قال سمعته عن جابر بن عبد الله عن غير واحد عن جابر بن عبد الله قال . ليس فيما دون خمسة أوسق من الحب صدقة و ليس فيما دون خمسة أوسق من الحلو صدقة
قال أبو بكر : يعني بالحلو التمر و هذا هو الصحيح لا رواية محمد بن مسلم الطائفي و ابن جريح أحفظ من عدد مثل محمد بن مسلم.
ثالثا: الترجيح بكون الراوي متأخر الإسلام:
لأن تأخره يعني تأخر روايته وهي ما انتهى إليه الحال:
1- مسألة مسح النبي على الخفين بعد نزول المائدة:
باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه و سلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة ضد قول من زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما مسح على الخفين قبل نزول المائدة
أخبرنا أبو طاهر ثنا أبو بكر نا محمد بن العلاء بن كريب نا أبو أسامة وحدثنا سلم بن جنادة نا وكيع كلاهما عن الأعمش وحدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا أبو معاوية نا الأعمش وحدثنا الصنعاني حدثنا خالد بن الحارث نا شعبة عن سليمان - وهو الأعمش - عن إبراهيم عن همام قال . رأيت جريرا بال ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل عن ذلك فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع مثل هذا
هذا حديث الصنعاني ولم يقل الآخرون رأيت جريرا
وفي حديث أبي أسامة قال إبراهيم : وكان أصحابنا يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة
وفي حديث وكيع : كان يعجبهم حديث جرير إسلامه كان بعد نزول المائدة(1/79)
القسم الثاني: الترجيح بكيفية الرواية
وفيه عدة أمور:
أولا: الترجيح بسبب ورود الرواية:أو سبب النزول
من ذلك باب الأمر بالتزين عند إرادة الطواف بالبيت بلبس الثياب و الدليل على أن لبس الثياب زينة للملابسين و لسترة العورة و إن لم تكن الثياب مزينة بصبغ و لا كانت ثيابا فأخرة إذ الله عز و جل قال في محكم تنزيله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } و لم يرد بهذا الأمر لبس الثياب المزينة بالصبغ و الموشى و لا لبس الثياب الفاخرة و لكن أراد لبس الثياب التي توارى العورة كانت فاخرة أو دنيئة إذ الآية إنما نزلت زجرا عما كان أهل الجاهلية يفعلونه من الطواف بالبيت عراة غير ساتري عوراتهم بالثياب
ثانيا: الترجح للمثبت على النافي:
مسألة رفع الصوت في صلاة الكسوف. ذكر الأحاديث ورجح المثبت لا النافي فقال:
قال أبو بكر : هذه اللفظة التي في هذا الخبر لا يسمع له صوت من الجنس الذي يجب قبوله خبر من يخبر بكون الشيء لا من ينفي و عائشة قد خبرت أن النبي صلى الله عليه و سلم جهر بالقراءة فخبر عائشة يجب قبوله لأنها حفظت جهر القراءة وإن لم يحفظها غيرها وجائز أن يكون سمرة كان في صف بعيد من النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة فقول : لا يسمع له صوت أي لم أسمع صوتا على ما بينته قبل أن العرب تقول : لم يكن كذا لما لم يعلم كونه.
القسم الثالث:الترجيح باتفاق العلماء
ومن أمثلة ذلك ترجيحة إسقاط الجمعة عن النساء باتفاق العلماء على ذلك:(1/80)
باب ذكر إسقاط فرض الجمعة عن النساء و الدليل على أن الله عز و جل خاطب بالأمر بالسعي إلى الجمعة عند النداء بها في قوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } الرجال دون النساء إن ثبت هذا الخبر من جهة النقل و إن لم يثبت فاتفاق العلماء على إسقاط فرض الجمعة عن النساء كاف من نقل خبر الخاص فيه. وذكر فيه حديث: أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن أبان نا وكيع حدثني إسحاق بن عثمان الكلابي حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري حدثتني جدتي . أن النبي الله لما جمع نساء الأنصار في بيت فأتانا عمر فقام على الباب فسلم فرددنا عليه السلام فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إليكن فقلنا مرحبا برسول الله و رسوله قال : أتبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا و لا تسرقن و لا تزنين ؟ قالت فلنا : نعم فمددنا أيدينا من داخل البيت و مد يده من خارج قالت : و أمرنا أن نخرج الحيض و العواتق في العيدين و نهينا عن اتباع الجناز و لا جمعة علينا قال : قلت لها : ما المعروف الذي نهيتن عنه ؟ قالت : النياحة (1)
القسم الرابع: الترجيح بالبرهان العقلي
ومن أمثلة ذلك: باب الدليل على أن الكبش الذي قضى به جزاء للضبع هو المسن منه لا ما دون المسن مع الدليل على الله عز و جل أراد بقوله : فجزاء مثل ما قتل من النعم أقرب الأشياء شبها بالبدن من النعم لا مثله في القيمة كما قاله بعض العراقيين إذ العلم محيط أن قيمة الضبع تختلف في الأزمان و البلدان و كذلك و قيمة الكبش قد تزيد و تنقص في بعض الأزمان و البلدان و لو كان المثل في القيمة لم يجعل صلى الله عليه و سلم جزاء الضبع كبشا في كل وقت و زمان و في كل بلد.
القسم الخامس: الترجيح بمرجح خارجي : ومن المرجحات الخارجية:
أولا:كلمة مقدرة في السياق :
__________
(1) قال الألباني : إسماعيل بن عبد الرحمن لم يذكروا له راويا غير إسحق بن عثمان فهو مجهول(1/81)
باب ذكر الدليل على أن في قوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة } اختصار كلام معناه : فحلقتم ففدية من صيام أو صدقة أو نسك كقوله جل و علا : { اضرب بعصاك البحر فانفلق } أراد : فيهن جميعا فضرب فاختصر الكلام و حذف فضرب و العلم محيط أن أنفجار الحجر ابنجاسه و انفلاق البحر إنما كان عن ضربات موسى صلى الله عليه و سلم و لا شك و لا ارتياب أن موسى أطاع الله فيما أمر به من ضرب الحجر و البحر فكان انفلاق البحر و انفجار الحجر و انبجاسه بعد ضربه مسارعة منه إلى طاعة خالقه .
ثانيا:وجود عاضد وشاهد من درجة الضعيف:
مسألة البكاء عند تقبيل الحجر الأسو:
باب البكاء عند تقبيل الحجر الأسود و في القلب من محمد بن عون هذا و وضع اليدين على الحجر و مسح الوجه بهما و لكن خبر محمد بن علي ثابت
حدثنا سلمة بن شيب نا يعلى بن عبيد حدثنا محمد بن عون عن نافع عن ابن عمر قال . استقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا فالتفت فإذا هو بعمر يبكي فقال : يا عمر ها هنا تسكب العبرات (1)
حدثنا محمد بن يحيى حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي جعفر ـ و هو محمد بن علي ـ عن جابر بن عبد الله قال . فدخلنا مكة حين ارتفاع الضحى فأتى يعني النبي صلى الله عليه و سلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلم و فاضت عيناه بالبكاء فذكر الحديث و قال : و رمل ثلاثا و مشى أربعا حتى فرغ فلما فرغ قبل الحجر و وضع يديه عليه ثم مسح بهما وجهه. (2)
والحمد لله رب العالمين
وكتبه هاني يوسف الجليس
__________
(1) قال الأعظمي : إسناده منكر فيه محمد بن عون متروك انظر ضعيف الترغيب قال ضغيف جدا 730 وانظر الارواء 111
(2) قال الأعظمي : إسناده ضعيف لعنعنة ابن اسحق انظر ضعيف الترغيب 731 قال منكر(1/82)
نتائج البحث وأهم التوصيات والخاتمة
1. ابن خزيمة من أحسن من تكلم في مختلف الحديث
2. ابن خزيمة التزم بكلمته:لا أعرف أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادين .فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما.
3. رجحت تعريف المختلف بأنه حديث يخالف دليلا شرعيا أو عقليا أو حسيا
4. صنيع ابن خزيمة في المختلف يرجح هذا التعريف ولم يفرق بينه وبين المشكل
5. ادخل ابن خزيمة في المختلف حديثا يخالف حديثا ويخالف آية ويخالف لغة وعقلا و..
6. سار ابن خزيمة على قاعدة الشافعي في ما كان على سبيل اختلاف المباح من أنه لا يعد مختلفا
7. امتاز ابن خزيمة بطريقة عرضه للمختلف من خلال تراجمه
8. أسباب الاختلاف كثيرة ومتنوعة بينها ابن خزيمة في صحيحه
9. ذكر ابن خزيمة قواعد جليلة للتعامل مع ظاهرة الاختلاف
10. من القواعد التي ذكرها قواعد في اللغة العربية وقواعد في الأصول وقواعد راجعة إلى كيفية الرواية
11. سلك ابن خزيمة طريقة المحدثين في رفع التعارض فبدأ برد الضعيف ثم بالجمع ثم بالنسخ ثم بالترجيح
12. لم أقف على مثال يتوقف فيه ابن خزيمة
هذا ولا أدعي أني أديت للموضوع حقه . ولكن الله أسأل أن ينفع بهذا البحث وأن يرزقني وأستاذي الدكتور أمين القضاة أجر هذا الجهد . اللهم آمين
الفهرست
التمهيد ... 1
المقدمة ... 2
مشكلة الدراسة ... 3
أهمية الدراسة ... 4
الدراسات السابقة ... 5
المؤلفات في مختلف الحديث ... 5
عملي في هذا البحث ... 7
تقسيم البحث ... 8
الباب الأول: بين يدي العنوان ... 10
المطلب الأول:تعريف مختلف الحديث ... 10
المطلب الثاني:التعريف بابن خزيمة ... 13
المطلب الثالث:التعريف بصحيح ابن خزيمة ... 16
الباب الثاني:ما عده ابن خزيمة مختلفا ومالم يعده من المختلف ... 18
المطلب الأول:ما عده ابن خزيمة مختلفا ... 18
حديث يخالف حديثا ... 18
حديث يخالف آية ... 21
حديث يخالف أقوال أهل علم أو المفسرين ... 23
رابعا:حديث يخالف اللغة ... 26
حديث يتعارض مع أقوال بعض الطوائف ... 28(1/83)
حديث يخالف العقل والمعقول ... 30
المطلب الثاني: مالم يعده ابن خزيمة من المختلف ... 31
الباب الثالث: طريقة عرض ابن خزيمة لظاهرة مختلف الحديث ... 34
الباب الرابع: اسبا وقوع الاختلاف كما رآها ابن خزيمة ... 37
الباب الخامس: منهج ابن خزيمة في دفع التعارض ... 39
المطلب الأول: قواعد ذكرها ابن خزيمة للتعامل مع ظاهرة الاختلاف ... 40
قواعد للتعامل في المختلفات بسبب اللغة ... 40
قواعد للتعامل في المختلفات راجعة إلى قواعد أصولية ... 51
قواعد للتعامل في المختلفات راجعة إلى كيفية الرواية ... 58
المطلب الثاني:مسالك دفع التعارض وحل الخلاف التي سار عليها ابن خزيمة في صحيحه ... 63
المسلك الاول: رد الحديث الضعيف والذي لا يصح ... 64
المسلك الثاني:الجمع بين الادلة ... 68
المسلك الثالث: النسخ ... 84
المسلك الثالث: الترجيح ... 86
الخاتمة ... 93
الملاحق ... 94
المراجع
الفهرست(1/84)