بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتنا في الله تعالى بالغيب أهل الحديث والأثر الأمجاد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
فهذه المقالة عبارة عن نسخة قديمة من صفحات موقع جامع الحديث وهذا كان قبل حذف الرابط ، وقد قمت بتحويلها لملف وورد ، فهي عناصر يظهر أنه جاري استكمالها لكن أردت نقلها للفائدة ، ولما هو معلوم لديكم من أهمية مسألة تعيين الرواة ومدى تأثيرها في الحديث صحة وضعفا ، وبخاصة عند الجمع والتفريق وعدم نسبة الراوي أو تشابه مع اسم راو آخر من أهل طبقته مع الشراكة في الرواية عن نفس الشيخ ، وغير ذلك من الإشكالات الواردة على الباحث عند تعيين الرواة وجزاكم الله خيرا .
العنوان : ملحوظات حول تعيين الرواة لأيمن علي أبو يماني
بعض القواعد والنماذج في تعيين الرواة
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
بسم الله الرحمن الرحيم
القواعد والمبادئ والضوابط
القاعدة الأولى
القاعدة الثانية
القاعدة الثالثة
القاعدة الرابعة
القاعدة الخامسة
القاعدة السادسة
القاعدة السابعة
خاتمة
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
بسم الله الرحمن الرحيم
منهجُ تعيين الرواة في برنامج جامع الحديث النبوي
تمهيد(1/1)
لقد كان بناءُ منهجٍ علميٍ قويٍ لتعيين الرواة في موسوعة جامع الحديث النبوي أمراً على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية ، ذلك أنَّ تمييز الرواة - ذلك الفن الدقيق - كان ولا يزال يمثّل جانباً من أهم جوانب علم الحديث الشريف ، كيف لا وإنما يتوقف تمييز الصحيح من السقيم من الروايات أول ما يتوقف على التمييز الصحيح والتحديد الدقيق للرواة ، ولطالما زلَّت أقدام البعض قديماً وحديثاً من علماء لهم شأْنُهم ووَزْنُهم العلمي في مواطن دقيقة من هذا الفن ، الذي يحتاج إلى جميع الأدوات الممكنة من حيث سعة الحفظ والاستحضار والاستيعاب ، والضبط والإتقان ، وسائر الملكات النقدية الدقيقة التي تجعل المحدِّث يدرك الصواب ويوجِّه الخطأ حتى ولو كان ذلك خلافاً لظاهر النص بين يديه .
ولعل من الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل (16)
قال : (سمعت أبي يقول وقيل له : إن عبد الجبار بن العلاء روى عن مروان الفزاري عن ابن أبي ذئب فقال أبي قد نظرت في حديث مروان بالشام الكثير فما رأيت عن ابن أبي ذئب أصلاً ، فقال له أبو يحيى الزعفراني : أنكَرَ عَلَيَّ أبو زرعة كما أنكرتَ ، فحملت إليه كتابي وأريته فجعل يتعجب .
قال أبو محمد : اتفقا في الإنكار على عبد الجبار بن العلاء روايته عن مروان عن ابن أبي ذئب من غير تواطؤ لمعرفتهما بهذا الشأن ) .
ومن الأمثلة الواضحة كذلك على أهمية تمييز الرواة كَعِلْمٍ له قواعده وأدواته ومَلَكَاته ، ما ذكره الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري من قصته مع شيخه الأخرم حينما سأله ـ على سبيل الاختبار ـ عن أحد الرواة في أحد الأسانيد ، وكيف أن أبا عبد الله الحاكم قد جافاه النوم في ليلته هذه ، يقلِّب الأمر حتى وفقه الله إلى التعيين الصحيح للراوي ، وأن شيخه عجب من قدرته على التوصل إلى التعيين الصحيح من غير أن يطالع بعض الكتب المحددة التي كان يصعب عليه أن يصل إلى الصواب بدون الرجوع إليها .(1/2)
والكلام عن معرفة وتمييز وتحديد وتعيين الرواة يستلزم بالضرورة التطرق إلى الكلام عن الجمع والتفريق بين الرواة ، فلا ريب أن فن الجمع والتفريق بين الرواة منبثق عن فن تمييز الرواة، ومتفرع منه، ومترتب عليه ، ولهذا نجد أن عدداً من العلماء الكبار من المتقدمين والمتأخرين قد وقعت لهم مآخذ في هذا الشأن ، كما وقعت كذلك من بعضهم في تمييز بعض الرواة في بعض الأسانيد.
ولعِظَم هذا الأمر ، وكذلك للضرر المترتب على الخطأ في هذا الباب ، ألَّف جماعة من العلماء عدة مؤلفات تزيل اللبس، والإشكال عن اختلاط الرواة على أهل العلم، والاختصاص فضلاً عن غيرهم .
فمنها : كتاب "مشتبه أسامي المحدثين " للهروي ، ومنها : "المتفق والمفترق" للخطيب البغدادي، ومنها : "موضح أوهام الجمع والتفريق" للخطيب كذلك ، وغيرها مؤلفات عديدة في هذا الشأن ، وكذلك مؤلفات أخرى تتناول تمييز الرواة بأشكال مختلفة كبيان الرواة المبهمين سواء في المتن أو الإسناد ، أو الرواة الذين تشتبه أسماؤهم أو أنسابهم إما خطًّا ورسماً وإما لفظاً ، وغير ذلك من الموضوعات العديدة المذكورة في كتب علوم مصطلح الحديث ، والتي الغرض منها معرفة الرواة ، والقدرة على التمييز بينهم بشتى الطرق .
قال الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه "موضح أوهام الجمع والتفريق" :
(قد أوردنا في هذا الكتاب ذكر جماعة كثيرة من الرواة انتهت إلينا تسمية كل واحد منهم وكنيته والأمور التي يُعزى إليها كنسبته على وجوه مختلفة في روايات مفترقة ذُكر في بعضها حقيقة اسمه ونسبه واقتُصر في البعض على شهرة كنيته أو لقبه وغُيِّرَ في موضعٍ اسمه واسم أبيه ومُوِّه ذلك بنوع من أنواع التمويه ومعلوم أن بعض من انتهت إليه تلك الروايات فوقوع الخطأ في جمعها وتفريقها غير مأمون عليه ولما كان الأمر على ما ذكرته بعثني ذلك أن بينته وشرحته ونسأل الله التوفيق لسلوك قصد السبيل ...)(1/3)
ثم نقل الخطيب عن الدارقطني بعض ما أخذه على الإمام البخاري في كتاب "التاريخ الكبير" الذي ترجم فيه لعدد كبير من الرواة ، ثم قال الخطيب :
( في كتاب "التاريخ" الذي صنفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري نظائر كثيرة لما ذكره أبو الحسن الدارقطني عنه من جعله الاثنين واحداً والواحد اثنين وأكثر ، ونحن ذاكرون منها بمشيئة الله تعالى ما وضح قاصده وقرب منا على تصديق دعوانا في ذلك شاهده ومُتْبِعُوه بما يشاكله من أوهام الأئمة سوى البخاري في هذا النوع ونذكر فيه ما اختلف العلماء فيه وأيهم أقرب إلى الصواب فيما يدعيه ...)
ثم ساق الخطيب ما يعتذر به أن يلحقه سوء ظن بأن يرى البعض أنه سعى للطعن على الإمام البخاري أو غيره من الأئمة .
ثم ساق الخطيب التراجم في كتابه بحسب ما وقع لمشاهير الأئمة من الوهم والخطأ في ذلك ، وترتيبهم في كتابه على النحو التالي :
1 ـ أوهام البخاري في التاريخ الكبير
2 ـ أوهام يحيى بن معين
3 ـ أوهام أحمد بن حنبل
4 ـ أوهام علي ابن المديني
5 ـ أوهام محمد بن يحيى الذهلي
6 ـ أوهام يعقوب بن سفيان النسوي
7 ـ أوهام مسلم بن الحجاج
8 ـ أوهام إبراهيم بن إسحاق البغدادي
9 ـ أوهام أبي داود السجستاني سليمان بن الأشعث
10 ـ أوهام أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي
11 ـ أوهام أبي الحسن الدارقطني
12 ـ أوهام أبي بكر الشيرازي
ثم قال الخطيب في خاتمة كتابه:
( انقضى ذكر الأوهام المتحققة ، وهذا ذكر جماعة من السلف اختلف العلماء فيهم ولم يتعين لنا قول المصيب منهم ، فحكينا المحفوظ في ذلك عنهم ) .
ولا شك أن إيرادنا لهذه المقتطفات الموجزة من كتاب "الموضح" إنما هي للدلالة على أهمية التعامل بحرص شديد مع الرواة ، وأن هذا الفن لهو من أكثر مواطن الزلل لكل من أقدم عليه بقدم غير راسخة في علم الحديث وعلى الأخص فيما يتعلق بجانب الرواة فيه .(1/4)
وقبل أن نتطرق إلى ذكر القواعد والضوابط التي اعتمدنا عليها في تحقيق ومراجعة تعيين الرواة علميَّا ، نرى أنه من الجدير بالذكر الإشارة بإيجاز إلى الاستراتيجية التي حددتها الشركة كإطار عام للتعامل مع الرواة في الموسوعة .
ونظراً لضخامة عدد مواضع الرواة الذين ينبغي تعيينهم وتمييزهم تمييزاً صحيحاً ، والذي يزيد على (ثلاثة ملايين) موضعِ راوٍ ، في خضم أكثر من ( خمسمائة ألف ) إسنادٍ ، فقد قامت الشركة بتحديد مراحل العمل في الرواة ، وأهداف كل مرحلة بما يخدم ويتناسق في الوقت ذاته مع أطر العمل الأخرى في الموسوعة مثل : التخريج ، والتبويب الموضوعي ، وتراجم الرواة ، وغير ذلك.
من هذا المنطلق فقد كان من الطبيعي أن تبدأ الشركة أعمالها في الرواة بتعيين رواة أسانيد الكتب الأمهات الأصول ، المخدومة علمياً من قِبَلِ كثير من العلماء قديماً ، وكذا من قبل بعض الجهات والمراكز العلمية حديثاً.
وهذه الكتب الأصول هي الكتب الستة ومسند أحمد.
وذلك وصولاً إلى بناء كيان مبدئي قوي للرواة المعينين تعيينا صحيحاً بما يزيد على السبعين ألف إسنادٍ ، وبما يزيد على التسعة آلاف راوٍ.
هذا البناء أصبح ـ بعد اكتماله ـ يمثل نواة مركزية قوية صحيحة للوصول إلى الهدف الأكبر ـ فيما يتعلق بالرواة ـ وهو :
( بناء قاعدة البيانات الشاملة للرواة ، التي يتم فيها تعيين الرواة تعيينا صحيحاً في الأسانيد ، بما يسمح بحصر جميع مروياته في الموسوعة، مع ربط كل راوٍ بترجمته في كتب الرجال والتراجم) .(1/5)
ولكي يمكن إنجاز هذا المشروع الضخم الذي يحتاج إلى إمكانات كبيرة ، وعدداً من الباحثين المؤهلين ، فضلاً عن الخدمات العلمية والبرمجية ، فقد كان من الضروري اللجوء إلى التعيين الآلي للأسانيد ، والذي أصبح بالفعل ممكناً بعد تحقيق وإنشاء قاعدة بيانات كافية من الرواة المعينين ، وصالحة للاعتماد عليها في حصر الأنماط المختلفة من سلاسل الرواة ، وغير ذلك من الخدمات الأخرى سواء تلك التي تختص بالرواة اختصاصاً مباشراً ، أو تلك الخدمات المرتبطة بتمييز الرواة مثل التخريج الآلي للأسانيد ، وذلك بالاعتماد على أدوات متقدمة للبحث الصرفي ، وغير ذلك من الخدمات والإمكانات المساعدة .
ولا شك أن الأعمال الآلية في المشروع إنما هي خطوة أساسية للإسراع بإنجاز المشروع ، ولكن أيضاً كان من الضروري أن تأخذ أعمال المراجعة والتحقيق العلمي دورها ووقتها الطبيعي ، وهو بلا شك وقت غير قليل بالنظر إلى هذا الكمِّ الهائل من الأسانيد والرواة الذين تشتمل عليهم الموسوعة .
وعوداً على بدءٍ ، فإننا نشير بإذن الله في الأسطر التالية إلى بعض الملامح التي اكتنفت أعمال المراجعة العلمية لتعيين الرواة وتحقيق الصواب فيها بالنظر إلى أقوال أهل العلم في ذلك وتعقبات بعضهم على بعض ، وترجيح الراجح منها ، وكذلك تحرير ما لم نقف على نص من الأئمة فيه ، بالاعتماد على جملة من القواعد العلمية والضوابط والمبادئ التي تحكم العمل في تعيين الرواة ، وتمثل المنهج الذي اتبعناه في هذا الشأن .(1/6)
وجدير بالذكر أن هذه القواعد والضوابط إنما هي مستخلصة ومستقاة من صنيع الأئمة وأقوالهم وتصرفاتهم في تآليفهم ، فهي استقراء لمسالكهم في هذا الشأن ، ومن ثم فقد كان من الأهمية بمكان حصر هذه الأقوال والتصرفات ، وتعقبات بعض الأئمة على بعض ، لاستخلاص هذه القواعد أولاً ، ولترسيخ المفاهيم والمحاذير المتعلقة بالرواة ثانياً ، وكذلك لاستخراج النصوص والعبارات والإشارات من كلام هؤلاء الأئمة بما يستفاد منه في الاستدلال على ما لم يصرحوا به ، والقياس على كل ذلك من الأشباه والنظائر ، بما ينير السبيل في المواضع المشكلة ، والتي ربما لا يوجد فيها لأحدٍ من الأئمة نصٌّ يزيل الإشكال أو يدُلّ على الصواب .
وإذن فهذه المرحلة ـ مرحلة الاستقراء والاستخراج لهذه النصوص والإشارات ـ كانت أمراً في غاية الأهمية كما هو ظاهر ، وتوقيتها الطبيعي أن تأتي قبل الشروع في أعمال المراجعة العلمية التي ستستند إلى نتائجها ، وما تخرج به من ثنايا كلام الأئمة من مبادئ وقواعد وضوابط وإشارات يمكن القياس على نظائرها ، والاستفادة من كل ذلك في معالجة مواضع محددة ، بالإضافة إلى مواضع مماثلة أو مشابهة لم يُنَصّ عليها ، فضلا عن تَشَرُّب كل ذلك لتكوين أو تقوية ملكة التعامل مع الرواة وهي جزء مما يسميه العلماء غريزة الحديث .(1/7)
والأمثلة التي سنسوقها ـ بإذن الله ـ ستكون في هذا الإطار ، وبالفعل كانت هناك أخطاء في تعيين الرواة في هذه المواضع أو بعضها ، قبل إجراء وتطبيق القواعد العلمية ، ونصوص الأئمة عليها ، وقد آثرنا أن نَسْرُد هذه المقالة في هذا الموضع لئلا نكرر القول عند كل موضع وبيان المقصود منه ، فالأمثلة متنوعة ، وينبغي على الباحث أن يستشف منها وجه الاستفادة في ضوء ما ذكرناه في هذا الموضع ، كما أن صياغة هذه التعليقات العلمية بالشكل المرجو من حيث سهولة التناول والأسلوب الأدبي المناسب كان في بعض المواضع أمراً من الصعوبة بمكان ، لأن القصد الأساسي هو إيصال المعلومة والتدليل عليها ، ولم يكن القصد إخراج هذه المادة العلمية بما يتناسب مع كتاب مطبوع مثلاً ، و لهذا نرجو ـ فقط حالياً لحين إعادة الصياغة بإذن الله ـ أن تكون المادة العلمية وأوجه الاستدلال بالدرجة المرجوة من الوضوح ، لأن هذا هو المقصود بالضرورة في هذا المقام ، والله المستعان وبه التوفيق .
وكتب أيمن علي توفيق اليماني
محقق مسند الروياني
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القواعد والمبادئ والضوابط
* القاعدة الأولى: ـ عدم التسرع بالتعيين وفق المتبادر للذهن أو الشائع عند الإطلاق قبل التأكد من عدم وجود مانع من تخريج مخالف، أو نص معتبر لإمام، أو استقراء صحيح
* القاعدة الثانية : ـ عدم التسرع بالاعتماد على تعيين أحد الأئمة لبعض رواة الإسناد قبل التأكد من عدم وجود مخالف معتبر ، أو عدم وجود أي معلومة تؤكد أن التعيين الصحيح للراوي خلاف ما ذكره الإمام
* القاعدة الثالثة : ـ مراعاة أن بعض المصادر والمراجع الحديثية لها أسانيد خاصة قد تتشابه مع غيرها في ظاهر الأمر لكنها تختلف في الحقيقة ، ويكون إهمال بعض الرواة في الأسانيد راجع بالضرورة إلى تمييزه من خلال قرينة أو قرائن أخرى قد تتضح للبعض وتخفى على البعض الآخر(1/8)
* القاعدة الرابعة : ـ تطبيق المبادئ والضوابط العامة لتعيين وتمييز الرواة في حالة قصور التخريج عن خدمة الإسناد
* القاعدة الخامسة : ـ مراعاة تحرير الجمع والتفريق باعتباره ضابطاً من ضوابط التعيين الصحيح للراوي ، حتى وإن لم يترتب على ذلك أثر واضح في الجرح والتعديل أو الحكم على الأسانيد
* القاعدة السادسة : ـ عدم الاعتماد على ذكر المزي للشيوخ والتلاميذ إلا في حدود الكتب الستة
* القاعدة السابعة : ـ مراعاة اختلاف روايات أو نسخ بعض المراجع ، وأثر ذلك في تعيين الرواة ، وكيفية الترجيح بين اختيارات الأئمة ، وكذلك التعامل مع التحريفات والتصحيفات الواردة في الأسانيد
* خاتمة
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القاعدة الأولى: ـ عدم التسرع بالتعيين وفق المتبادر للذهن أو الشائع عند الإطلاق قبل التأكد من عدم وجود مانع من تخريج مخالف، أو نص معتبر لإمام، أو استقراء صحيح
مثال (1) :
وقع في صحيح البخاري الحديث التالي :
(2728) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ ، حَدَّثَنَا [ أَبُو الأَحْوَصِ ]، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ [ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ] ، فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ " ، قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ : " لاَ تُبَشِّرْهُمْ ، فَيَتَّكِلُوا "(1/9)
وهذا الحديث أخرجه النسائي في السنن كما يلي :
(4757) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا [ عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ ] ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَإِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : " دَعْهُمْ لَا يَتَّكِلُوا "
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/59) :
( وأبو الأحوص شيخ يحيى بن آدم فيه كنت أظن أنه سلام بالتشديد وهو ابن سليم
وعلى ذلك يدل كلام المزي
لكن أخرج هذا الحديث النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي عن يحيى بن آدم شيخ شيخ البخاري فيه فقال عن عمار بن رزيق عن أبي إسحاق
والبخاري أخرجه ليحيى بن آدم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق
وكنية عمار بن رزيق أبو الأحوص
فهو هو ولم أر من نبه على ذلك
وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق
وأبو الأحوص هذا هو سلام بن سليم
فإن أبا بكر وهناداً أدركاه ولم يدركا عماراً ، والله أعلم ) انتهى كلام الحافظ .
نقول ـ وبالله التوفيق ـ :(1/10)
هذا الموضع مع غيره من مواضع أخرى ستأتي فيما بعد ـ بإذن الله ـ لا يملك الباحث فيها إلا إجراء القواعد العلمية ، وإعمال الحِسِّ الحديثي إلى أقصى درجة ، ثم هو بعد ذلك يرجو أن يدخل في قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } والله تعالى أعلم .
وفي الحقيقة فإن المزي ـ رحمه الله ـ لم يشر أو يرمز إلى وجود رواية لـ (عمار بن رزيق) في صحيح البخاري ، وبالتالي فليس له عند البخاري ـ إذا ثبتت الرواية ـ إلا هذا الحديث المختلف في تحديده فيه .
كما أن تخريج الحديث لم ينتج عنه إلا وجود الحديث من طريق يحيى بن آدم إلا عند البخاري والنسائي فقط، وأن أكثر الطرق وبمعنى أصح باقي الطرق فكلها عن (أبي الأحوص سلام بن سليم).(1/11)
ومن هذا المنطلق فإن كلام الحافظ ابن حجر وإن كان متجهاً بسبب تخريج الحديث من طريق (المخرمي) عن (يحيى بن آدم) والذي صرح فيه باسم (عمار بن رزيق) ، أيضاً وعلى الرغم من أن القواعد تفرض اعتبار العلة التي ذكرها الحافظ وجزم على أساسها بتحديد (أبي الأحوص) على أنه (سلام بن سليم) ، باعتبار أن التخريج مهما اتسع سيظل قاصراً عن إدراك ما كان في ثنايا كثير من المراجع التي لا سبيل إلى الوصول إليها الآن ، بحيث يصعب مثلاً تخطئة راوٍ ثقة مثل : (محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي) شيخ النسائي في هذا الحديث ، أو ادعاء أن بعض رواة نسخ وروايات النسائي تدخل بالتعيين للراوي ، حيث لم يُذْكر في الإسناد إلا باسم (عمار بن رزيق) غير مقرونٍ بكنية (أبي الأحوص) ، إذْ لو كانت الكنية موجودة مع الاسم لكان ذلك الظن جديرا بالاعتبار ، ويزيد من الشكوك حول صحة التعيين في هذا الموضع ، ولكن على الرغم مما تقدم فإن العهد بالحافظ المزي رحمه الله ـ على ما قد يقع له من مؤاخذات قليلة إلى حدِّ الندرة ـ فإنه قليلاً ما يفصح بالكلام عن الجهد الهائل الذي يبذله لتحقيق المعلومة الصحيحة ، نظراً لطبيعة الكتابين الأساسيين اللذين يمثلان مشروع عمره ، وأعني بهما ـ "تحفة الأشراف" و "تهذيب الكمال"ـ حيث لا مجال فيهما إلى الاستطراد أو الكلام الإنشائي بخلاف الحال في الشروح الكبيرة مثل شرح "فتح الباري" للحافظ ابن حجر.
فإذا أخذنا هذا الأمر في الاعتبار ، لم نُقْدِم على تخطئة الحافظ المزي إلا بأقوى دليل .(1/12)
وفي الحقيقة رغم صعوبة الأمر كما هو ظاهر إلا أن إعمال النظر مرة بعد أخرى في مثل هذه المواطن والتأني في تخطئة حافظ كبير ـ مثل الحافظ المزي ـ لم يستطع أن يفصح عن جهده الكبير في تآليفه ، فترك إدراك ذلك للعلماء المتقنين ، عملا بالقول المأثور : "لا يعرف قدر ذوي الفضل إلا أولو الفضل" ، فذلك التأني وعدم التسوُّر على الأئمة جدير بأن يستجلب توفيق الله عز وجل .
فها هو تخريج الحديث وتعليقات بعض الأئمة القليلة عقبه تُلْمِحُ إلى إمكان الجمع بين الأمرين ، فيكون (يحيى بن آدم) يروي الحديث عن كل من : (عمار بن رزيق) ، و (أبي الأحوص سلام بن سليم) كلاهما عن (أبي إسحاق) ، ولا يكون ثَمَّ مبرر لتخطئة (محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي) شيخ النسائي فيه .
فنجد الحافظ ابن منده يخرج في كتاب الإيمان ويقول عقب الحديث :
( رَوَاهُ جَمَاعَةٌ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، "وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّ الْحِمَارَ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ". وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ ، عَنْ شُعْبَةَ. " وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهُوَ وَهْمٌ ") .
فيشير ابن منده بذلك إلى أن الزيادة في الحديث بلفظ : (يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ) إنما هي محفوظة لـ (أبي الأحوص سلام بن سليم) فقط ، وحيث أن لفظ الحديث عند البخاري من طريق (أبي الأحوص) يشتمل على هذه الزيادة دون حديث النسائي ، فإن ذلك يفيد في تحديد (أبي الأحوص) عند البخاري .
وقريباً من كلام ابن منده في قوة الدلالة على تعيين (أبي الأحوص) المذكور في سند البخاري ، ما ذكره البيهقي في "السنن الكبرى" عقب إخراجه الحديث من طريق (أبي الأحوص سلام بن سليم) حيث قال :
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ).
وقال البيهقي كذلك عقب إخراجه الحديث من نفس المخرج في "الأربعون الصغرى" :(1/13)
(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ) .
فتبين بذلك أن (أبا الأحوص) المذكور في سند البخاري إنما هو (سلام بن سليم) ، وليس (عمار بن رزيق) ، والله تعالى أعلم .
السنن الكبرى للبيهقي
(18189) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ .
الأربعون الصغرى للبيهقي(1/14)
(6) أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّارُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ ، ثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، أنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ ؟ " قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا " قَالَ : " فَمَا حَقُّهُمْ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ " قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا يُعَذِّبُهُمْ " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ .
كتاب الإيمان لابن منده :(1/15)
(105) أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ، وَأَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَا : ثَنَا مُسَدَّدٌ ، ح وَأَنْبَأَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَامِرٍ ، ح وَأَنْبَأَ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : ثَنَا [ أَبُو الْأَحْوَصِ ] ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، قَالَ : قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ، فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ! هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ " ، قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذَّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا " ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ ، قَالَ : " لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ". [ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، " وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّ الْحِمَارَ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ". وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ ، عَنْ شُعْبَةَ. " وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهُوَ وَهْمٌ ] ". وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاق .َ
مثال (2) :
وقع الحديث التالي في السنن الصغرى للنسائي :(1/16)
(4423) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ [ الْمَقْبُرِيِّ ] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ " .
ووقع في السنن الكبرى للنسائي بلفظ :
(4907) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ [ الشَّعْبِيِّ ] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ ، مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ " .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/296) :
[ قوله (يأتى على الناس زمان) ، في رواية أحمد عن (يزيد) عن (ابن أبي ذئب) بسنده : (ليأتين على الناس زمان) ، وللنسائي من وجه آخر :
(يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حل أو حرام)
وهذا ما أورده النسائي من طريق (محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي عن أبي هريرة)
ووهم المزي في الأطراف ، فظن أن (محمد بن عبد الرحمن) هو (ابن أبي ذئب)
فترجم به للنسائي مع طريق البخاري هذه عن (ابن أبي ذئب)
وليس كما ظن ، فإني لم أقف عليه في جميع النسخ التي وقفت عليها من النسائي إلا عن (الشعبي) لا عن (سعيد) .
و (محمد بن عبد الرحمن) المذكور عنه أظنه (ابن أبي ليلى) لا (ابن أبي ذئب) ، لأني لا أعرف (لابن أبي ذئب) رواية عن (الشعبي) ] انتهى كلام الحافظ .
نقول ـ وبالله التوفيق ـ :(1/17)
قد وقع الإسناد (عن المقبري) على الصواب في السنن الصغرى للنسائي ، وهكذا ساق المزي الإسناد في التحفة ، وهو يعتمد فيها أساساً على السنن الكبرى للنسائي ، فتبين بذلك أن النسخ التي اعتمد عليها الحافظ من السنن الكبرى قد وقع فيها تحريف ، والله أعلم بما إذا كان قد رجع إلى السنن الصغرى أم لا ، والظاهر أنه لم يرجع إليها فقد قال في النكت الظراف معقبا على المزي : [ قلت : الذي في رواية ابن الأحمر وابن سيار عن النسائي بهذا السند إلى (محمد بن عبد الرحمن) : (عن الشعبي عن أبي هريرة) لا ذكر للمقبري فيه ] انتهى .
وقد عقب محقق التحفة الشيخ عبد الصمد على كلام الحافظ ابن حجر قائلاً : [ كذا قال ، وهذا وهم منه ، إنما فيهما ذكر (المقبري) لا (الشعبي) ] أ هـ .
نقول وبالله التوفيق : وتصديقاً لما ذكره الشيخ المحقق ـ رحمه الله ـ فلم يشر الحافظ المزي إلى أي اختلاف في روايات النسائي ، ولو كان ثَمَّ اختلاف لذكره المزي ـ رحمه الله ـ فإنه كان شديد الاعتناء بالروايات صحيح النسخ ، لا سيما سنن النسائي الكبرى .
ومهما يكن فقد أخرج الحديث غير واحد من الأئمة من طريق (أبي داود الحفري عن سفيان) فقالوا: (عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري)، والله تعالى أعلم .
معجم الشيوخ للصيداوي
(216) حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الْإِمَامُ بِبَغْدَادَ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذئْبٍ ، عَنِ [ الْمَقْبُرِيِّ ] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ ، مِنْ حِلِّهِ أَوْ حَرَامِهِ " .
حلية الأولياء لأبي نعيم(1/18)
(10018) حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ, حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِيرَوَيْهِ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ, عَنْ [ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ] , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ فِيهِ بِمَا أَصَابَ مِنَ الْمَالِ , أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ " تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ, عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، رَوَاهُ عَنْهُ النَّاسُ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَحَدِيثُ ، سُفْيَانَ عَنْهُ تَفَرَّدَ بِهِ الْحَفَرِيُّ .
مثال (3) :
وقع الإسناد التالي في : مسند أبي حنيفة :
(... ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ هَاشِمٍ ، ثنا أَبِي ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، [ عَنْ جَدِّهِ ] ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصدَائِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِرِزْقِهِ " هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَفَارِيدِ يُونُسَ عَنِ الثَّوْرِيِّ ، لَا أَعْرِفُ لَهُ رَاوِيًا غَيْرَهُ ) .
الإشكال في تعيين المقصود في قوله : (عن جده) .
حيث أن الحافظ الذهبي لما ذكر هذا الحديث في ميزان الاعتدال (7/318) في ترجمة
(يونس بن عطاء) قال :
( لا أعرف لجد الثوري ذكراً إلا في هذا الخبر ، قال ابن حبان : "يونس بن عطاء" يروي(1/19)
العجائب لا يجوز الاحتجاج به ) أ هـ .
وتعقبه الحافظ ابن حجر في اللسان (6/333) قائلاً :
[ الضمير في قوله : (عن جده) لـ (يونس) لا (الثوري) ، فإن (يونس) المذكور هو (ابن
عطاء بن عثمان بن ربيعة بن زياد بن الحارث الصدائي) ] أ هـ .
مثال (4) :
وقع في السنن الكبرى للبيهقي الحديث التالي :
(15964) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أنبأ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ ثنا أَبُو دَاوُدَ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا الْمُعْتَمِرُ قَالَ : سَمِعْتُ شَبِيبَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ يُحَدِّثُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً
نقول ـ وبالله التوفيق ـ :
قد يبادر البعض بتعيين (عمرة) التي في هذا الإسناد على أنها (عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ربيبة أم المؤمنين عائشة) لأنها هي المتبادر تحديدها إذا روت عن عائشة نظراً لإكثارها عنها جداً كما في مراجع الحديث المختلفة ، ولكن شيئاً من التأني ووضع أكثر من احتمال وحيد في التعامل مع الرواة ، بالإضافة إلى اطلاع على إشارة لإمام هنا أوهناك كل ذلك جدير بأن يقلل كثيراً من الزلل ، ويقرِّب كثيراً من التوفيق بإذن الله .
فمثلاً من هذه الإشارات ما نجده حينما نطالع أبسط وأهم كتاب في تكوين الانطباع الأولي عمن يتشارك في الاسم والطبقة وغير ذلك من الرواة وأعني به كتاب "تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر ، حيث يقول وقد سرد ترجمتين متتاليتين :
ـ عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة ويقال بعدها ( ع ) .
ـ عمرة عمة مقاتل بن حيان [ روت عن عائشة أيضا ] ولا يعرف حالها من الرابعة [ ووهم من خلطها بالتي قبلها ] ( د ) .(1/20)
في الحقيقة قول الحافظ : ( ووهم من خلطها بالتي قبلها ) لا يقصد به الخلط في الجمع والتفريق بين الراويتين ، ولكن يقصد ـ كما هو الواقع ـ أن البعض ربما يظن أن (عمرة عن عائشة) في مثل إسناد البيهقي المتقدم أنها (عمرة بنت عبد الرحمن ربيبة أم المؤمنين عائشة) على حين أن الصواب أنها : (عمرة عمة مقاتل بن حيان) لا تعرف سوى بهذا الاسم والوصف ، ويروي عنها ابن أخيها (مقاتل بن حيان) ، كما جاء في طرق الحديث عند الإمام أحمد وأصحاب السنن .
وإذن فكلام الحافظ هذا ونحوه إذا كان حاضراً في الذهن أو تم الوقوف عليه قبل الشروع في تعيين هذا الإسناد فإنه سيلفت النظر إلى احتمال آخر غير المتبادر لدى البعض ، وبالتأمل في مثل هذا الموضع وغيره من المواضع الشائكة يمكن تنمية حاسة الحذر والبحث بأوسع مما وراء ظاهر النص، فلربما كان الأمر على خلاف ظاهر الإسناد ، كما وقع فيما تقدم من أمثلة وكذلك فيما سيأتي .
مسند أحمد
(24384) حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّيْمِيِّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : " كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً فِي سِقَاءٍ
سنن أبي داود
(3279) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ : سَمِعْتُ شَبِيبَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ يُحَدِّثُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ " تَنْبِذُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً
مثال (5) :
وقع في صحيح مسلم الحديث التالي :(1/21)
(3963) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ : " أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ، أَوِ الْمُقْسِمِ ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ - أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ - بِالذَّهَبِ ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ " ،
حَدَّثَنَا [ أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ ] ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، إِلَّا قَوْلَهُ : وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ، أَوِ الْمُقْسِمِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ فِي الْحَدِيثِ ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ وَإِنْشَادِ الضَّالِّ .
ووقع في مسند الروياني الحديث بالإسناد التالي :
(394) نَا [ أَبُو الرَّبِيعِ ] نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ سَوَاءً *
نقول ـ وبالله التوفيق ـ :(1/22)
(أَبُو الرَّبِيعِ) الذي في رواية مسلم هو (أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ) كما صرح به ، وهو (سليمان بن داود العتكي ، أبو الربيع الزهراني البصري) .
وأما (أَبُو الرَّبِيعِ) الذي عند الروياني فهو : (أَبُو الرَّبِيع السمتيِ) وهو (خالد بن يوسف بن خالد السمتي البصري) ، لأن الروياني لم يثبت أنه روى عن (أبي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيّ) بل روى عنه بواسطة كما في موضع وحيد من مسنده، وأما سائر رواياته عن (أبي الربيع) فهو السمتي، وتارة يصرح به ، وتارة أخرى لا يصرح به لضعفه .
والإشكال حقاً أن (أبا الربيع السمتي) يشترك في بعض الشيوخ مع (أبي الربيع العتكي) منهم : (أبو عوانة اليشكري الوضاح) و (سفيان بن عيينة) وغيرهما .
غير أن الاطلاع على مثل الاستقراء السابق بالنسبة لرواية الروياني عنهما يحل الإشكال لا سيما وأن للروياني نسخة يرويها عن ( أَبي الرَّبِيع السمتي عن أبي عوانة ) ، كما ذكر في تحقيق مسند الروياني ، والله تعالى أعلم .
يتضح من المثال السابق أهمية مراعاة أن بعض الكتب والمراجع الحديثية لها أسانيد خاصة قد تتشابه مع غيرها في ظاهر الأمر لكنها تختلف في الحقيقة ، ويكون إهمال بعض الرواة في الأسانيد راجع بالضرورة إلى تمييزه من خلال قرينة أو قرائن أخرى قد تتضح للبعض وتخفى على البعض الآخر .
وسيأتي بإذن الله في القاعدة الثالثة مزيد من البيان والتوضيح لهذه الجزئية .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القاعدة الثانية : ـ عدم التسرع بالاعتماد على تعيين أحد الأئمة لبعض رواة الإسناد قبل التأكد من عدم وجود مخالف معتبر ، أو عدم وجود أي معلومة تؤكد أن التعيين الصحيح للراوي خلاف ما ذكره الإمام
وقد يكون هذا التعيين إما بصريح اللفظ أو من خلال الدلالة الواضحة لتصرف هذا الإمام كما في التصنيف على المسانيد والمعاجم .
فأما مثال الأسلوب الأول :(1/23)
فهو ما تقدم بعضه من مخالفة الحافظ ابن حجر للمزي والذهبي ، فيما ذكرناه في القاعدة الأولى ، وكذلك ما سيأتي في السطور التالية ، وكذلك فيما يلي من القواعد .
والآن سنذكر بإذن الله مثالاً على الوهم في الرواية من قبل بعض رواة الإسناد وما قد يترتب على ذلك من التعيين الخطأ من قبل بعض الأئمة لهذا الراوي المتوهم فيه .
قال ابن حبان في صحيحه :
(5147) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي جَمِيلَةَ يُحَدِّثُ عَنْ [ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ] أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : اذْهَبْ فَكُنْ قَاضِيًا قَالَ أَوَتُعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ... (وذكر الحديث ) .
قَالَ أَبُو حَاتِمِ [ ابن حبان ] : ( ابْنُ وَهْبٍ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْقُرَشِيُّ مِنَ الْمَدِينَةِ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ ) .
وقال الطبراني في المعجم الكبير :
(13141) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ ثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ يُحَدِّثُ عَنْ [ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ] أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : اذْهَبْ فَكُنْ قَاضِيًا قَالَ أَوَ تُعْفِينِي , يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ... (وذكر الحديث ) .
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ [ الطبراني ] : ( عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ هَذَا هُوَ عِنْدِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ وَاللَّهُ أعْلَمُ ) .
وأخرجه الطبراني كذلك في المعجم الأوسط بنفس الإسناد فقال :(1/24)
(2833) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ : نا أُمَيَّةُ قَالَ : نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي جَمِيلَةَ يُحَدِّثُ عَنْ [ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ] أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : اذْهَبْ فَكُنْ قَاضِيًا ... (وذكر الحديث ) .
[ قَالَ الطبراني ] : ( لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ مُعْتَمِرٌ ) .
نقول وبالله التوفيق :
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير :
حديث أن ابن عمر امتنع من القضاء لما استقضاه عثمان
الترمذي وأبو يعلى وابن حبان من حديث عبد الملك بن أبي جميلة عن [ عبد الله بن موهب ] أن عثمان قال لابن عمر اذهب فاقض قال أو تعفيني يا أمير المؤمنين ...
هذا لفظ ابن حبان ووقع في روايته [ عبد الله بن وهب ] وزعم أنه ( عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود القرشي ) ، ووهم في ذلك وإنما هو ( عبد الله بن موهب ) ، وقد شهد الترمذي وأبو حاتم في العلل تبعا للبخاري أنه غير متصل . انتهى كلام الحافظ .
وقد سبق الحافظ ابن حجر جماعة من العلماء في التنبيه على هذا الخطأ في الرواية عند ابن حبان ، ومن ثَمَّ الخطأ في التعيين الذي ذكره ، ومن هؤلاء المقدسي في "الأحاديث المختارة" حيث ذكر هذا الحديث تحت ترجمة [ عبد الله بن موهب الفلسطيني عن عثمان ] ، وكذلك نبَّه الهيثمي في "مجمع الزوائد" على خطأ رواية ابن حبان .
وقد أدى تنبيه الحافظ ابن حجر ـ ومن سبقه من العلماء ـ والتنويه بهذا الخطأ في التعيين عند ابن حبان ، إلى الانتباه إلى وقوع نفس الخطأ عند الطبراني في تعيينه للراوي كما تقدم .(1/25)
وفي الواقع فإن الرواية التي وقعت فيها التسمية باسم ( عبدالله بن وهب ) عند ابن حبان والطبراني في معجميه الكبير والأوسط ، إنما هي من رواية : ( أمية بن بسطام) عن (معتمر بن سليمان عن عبد الملك بن أبي جميلة ) ، فالوهم من (أمية بن بسطام ) ، وقد خالفه (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ) ، فرواه عن (المعتمر بن سليمان) عن فقال : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ) فذكر الراوي على الصواب .
أخرجه الترمذي في السنن :
(1306) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ يُحَدِّثُ عَنْ [ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ ] أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ ... (الحديث) .
وبغض النظر عن الخطأ السابق في التعيين ، فالقضية هي النظر إلى الأئمة كيف كانوا يقومون بتمييز الرواة إذا لم تسعفهم القرائن الأقوى ، وفي الحقيقة ، لقد قصرت الطرق بابن حبان والطبراني عن اكتشاف الوهم الذي وقع فيه (أمية بن بسطام) وهو ما يقوم به التخريج ، ولهذا لم يتبين لهما الوهم .(1/26)
وفي الواقع فإن قصور التخريج أو أي خلل فيه يؤدي إلى الخطأ في التعيين إذا توقف التعيين عليه (أي على التخريج) ، لا سيما إذا كان التخريج مخالفاً لاستقراء عام أو قرينة عامة يضطر الباحث إلى الركون إليها والاعتماد عليها في تعيين وتمييز الرواة، لا سيما مع قلة الأدوات المتاحة للتعيين الدقيق ، فحتى مع الاضطرار غالباً إلى الاعتماد على الشيوخ والتلاميذ من واقع تهذيب الكمال ، فإن المزي ـ رحمه الله ـ ربما يذكر من الشيوخ أو التلاميذ في بعض تراجم الرواة الذين لهم تعلق بآخرين ما لا يذكره في تراجم هؤلاء وذلك بالنسبة لأسانيد غير الكتب الستة ، فمثلاً تراه يذكر في شيوخ (محمد بن إبراهيم بن أبي عدي البصري) : (أشعث بن عبد الملك الحمرانى) ، ولا يذكر (أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني) ، بينما يذكر في تلاميذ (الحداني) : (محمد بن أبي عدي) .
وهذا يؤدي ـ لضمان عدم المجازفة في التعيين ـ إلى الاضطرار إلى عمل مسح لتراجم المشتبه فيهم ممن يشترك في الاسم والشيخ مثلا ، فعلى سبيل المثال ـ وكما سيأتي قريباً ـ فإن جماعة ممن اسمهم (أشعث) يروون عن (الحسن) ، وللأسف فإن ضيق الوقت أحياناً قد لا يسمح للباحث بالاستطراد في هذا الاتجاه ، والله المستعان .
مثال آخر للخطأ في التعيين نتيجة قصور التخريج من قبل الإمام :
أخرج الطبراني في الأوسط :(1/27)
(4307) حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ : نا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : نا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْبَجَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ إِلَّا وهُمَا زَانِيَتَانِ ، وَلَا يُبَاشِرُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِلَّا وهُمَا زَانِيَانِ " .
[ قال الطبراني ] : ( لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ ، وَأَبُو يَحْيَى الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ ) .
نقول وبالله التوفيق :
هكذا جزم الطبراني بأن ( أبا يحيى ) في الإسناد المذكور هو ( معبد بن سيرين ) ، ولكن الحديث قد ورد من طريق ( الطيالسي ) كذلك ، وقال فيه : (عن أَبِي يَحْيَى الْمُعَرْقَبِ) وهو مصدع ، هكذا أخرجه الآجري في (ذم اللواط) قال :
(16) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ, قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ النَّضْرِ الْأَصْبَهَانِيُّ, قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ, عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ الْبَجَلِيِّ, عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ, عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ, عَنْ [ أَبِي يَحْيَى الْمُعَرْقَبِ ] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ, قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... وذكر الحديث.
وأما مثال الأسلوب الثاني للتعيين الخطأ
من خلال دلالة واضحة لتصرف بعض الأئمة في تصانيفهم
فهو يتضح مما ذُكر في مقدمة تحقيق مسند الروياني كما يلي :(1/28)
1 ـ أورد (الروياني) حديثين في مسند ( أبي أمامة الباهلي صدي بن عجلان ) ، بينما هما من مسند (أبي أمامة الحارثي إياس بن ثعلبة) .
2 ـ كما أورد (الروياني) حديثاً في مسند (أبي برزة الأسلمي) فقال :
( عن ليث عن أبي برزة الأسلمي عن أبيه أن قوماً ) بينما الصواب : (عن ليث عن أبي بردة الأشعري عن أبيه) وهو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، فهذا الحديث من مسنده .
3 ـ كما أورد (الروياني) ثلاثة أحاديث ذكرها جميعاً تحت ترجمة (كيسان مولى النبي ص) وهي في الحقيقة ثلاثة أحاديث مختلفة يرويها ثلاثة من الصحابة (بغض النظر عن ثبوت الصحبة لبعضهم أم لا ) ، وكل منهم يسمى (كيسان) .
الأول : هو كيسان مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي يروي حديث : (لا تحل الصدقة لآل محمد) .
والثاني : هو كيسان أبو عبد الرحمن وهو كيسان بن جرير أبو عبد الرحمن الأموي المدني ، وهو الذي يروي حديث : (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر عند بئر العليا)
والثالث : هو كيسان أبو نافع الدمشقي ، وهو الذي يروي حديث : تحريم الخمر) .
وقد فرق العلماء بين هؤلاء الثلاثة ولم أر من جمع بينهم ، والله أعلم .
4 ـ كما أورد (الروياني) حديث ( حميد بن هلال عن ثلاثة رهط منهم أبو الدهماء وأبو قتادة قالوا : كنا نمر بهشام بن عامر ثم نمر بعمران بن حصين ...) الحديث .
ذكره الروياني في مسند (عمران بن حصين) ، وحقه أن يوضع في مسند (هشام بن عامر) كما صنع الإمام أحمد وغيره ، والله تعالى أعلم .
فهذه الأمثلة السابقة كلها تمثل أنماطاً من التعيين الخطأ للرواة بغض النظر عن أن منشأ التعيين الخطأ قد يكون أحيانا وهماً في الرواية ، ولكن إذا أردت صورة أوضح لأوهام المصنفين في الرواية فإليك ما وقع في المعجم الأوسط للطبراني مقارنة بروايته لنفس الحديث في المعجم الكبير .
قال الطبراني في الأوسط :(1/29)
(3225) حَدَّثَنَا بَكْرٌ قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ : نا [ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ] قَالَ : نا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعِيدٍ التُّجِيبِيُّ ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ إِلَّا الْوَلِيدُ .
بينما قال الطبراني في الكبير :
(13638) حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ ، قَالَ : ثنا [ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ] ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعِيدٍ التُّجِيبِيُّ ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ".
إن طرق الحديث كلها ليس فيها (الوليد بن مسلم) وإنما فيها (بقية بن الوليد) ، كما أن إسناد الطبراني للحديث في الأوسط هو نفسه الذي في الكبير ، مما يدل على أن الوهم من عند الحافظ الطبراني رحمه الله
ملحوظة: لا يعتبر مثل هذا الخلاف بين (الوليد بن مسلم) وقوله (بقية بن الوليد) تصحيفاً، وإنما هو وهم عند نقل الحافظ من نسخة إلى نسخة فيما يظهر مما يسمى عند العلماء بالتحويل والله تعالى أعلم.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&(1/30)
القاعدة الثالثة : ـ مراعاة أن بعض المصادر والمراجع الحديثية لها أسانيد خاصة قد تتشابه مع غيرها في ظاهر الأمر لكنها تختلف في الحقيقة ، ويكون إهمال بعض الرواة في الأسانيد راجع بالضرورة إلى تمييزه من خلال قرينة أو قرائن أخرى قد تتضح للبعض وتخفى على البعض الآخر
سبق أن أشرنا في القاعدة الأولى لهذا الأمر عند ذكر (أبي الربيع) عند مسلم والروياني ، واستكمالاً لإبراز هذه الجزئية نذكر ـ بإذن الله ـ الأمثلة التالية :
مثال (1) :
انظر إلى الإسنادين التاليين :
تفسير مجاهد
(158) أنبأ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ : ثنا آدَمُ ، قَالَ : نا وَرْقَاءُ ، عَنِ [ عَطَاءٍ ] ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ : " وَجَدَ عِنْدَهَا عِنَبًا فِي مِكْتَلٍ فِي غَيْرِ حِينِهِ . فَهُنَاكَ دَعَا رَبَّهُ ، أَيْ عِنْدَ ذَلِكَ دَعَا رَبَّهُ , فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي رَزَقَ مَرْيَمَ هَذَا فِي غَيْرِ حِينِهِ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَدًا مِنِ امْرَأَتِي الْعَاقِرِ "
تفسير ابن أبي حاتم
(1344) حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، ثنا يَحْيَى ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا [ عَطَاءٌ ] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : رَءُوفٌ " قَالَ يَرْأَفُ بِكُمْ "
من هو عطاء في الإسنادين ؟
إن الناظر في ترجمة ( سعيد بن جبير ) يجد أنه يروي عنه ممن اسمه (عطاء) كل من :
1 ـ عطاء بن دينار
2 ـ عطاء بن السائب ( خ د ت س ق )
والأشهر منهما هو ( عطاء بن السائب ) وقد أخرج له عن (سعيد بن جبير) الستة ما عدا مسلم كما يتضح من رموز المزي ، ربما يسلك البعض ـ للاعتبار السابق ـ مسلك تعيين ( عطاء ) على أنه ( عطاء بن السائب ) ، وربما على أنه ( عطاء بن دينار ) في مواضع يكون الأمر فيها بخلاف ذلك ، فما هو الحل لهذا الإشكال ؟(1/31)
في الحقيقة مما يزيد الإشكال أن كلاهما يروي التفسير عن (سعيد بن جبير)، لكن يلاحظ ما يلي :
ـ أن (عطاء بن السائب) هو الأكثر رواية عن (سعيد بن جبير) للأحاديث المرفوعة في غير التفسير.
ـ أن الإسناد إلى كل من (عطاء بن السائب) و (عطاء بن دينار) يختلف فيه أحدهما عن الآخر .
فكما ترى في الإسناد الأول : يروي عن (عطاء) : ( ورقاء ) وهو ( ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي ).
بينما في الإسناد الثاني : يروي عن (عطاء) : ( عبد الله ) وهو ( عبد الله بن لهيعة المصري)
وهذا هو الفارق الأساسي بينهما :
ـ فإذا جاء في التفسير : (عَطَاءٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) من طريق المصريين لاسيما (ابن لهيعة) فعطاء هو : (عطاء بن دينار الهذلي المصري) .
تفسير ابن أبي حاتم :
(104) حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَوْلُهُ : وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ قَالَ : مُصَدِّقِينَ " .
ـ أما إذا جاء في التفسير : (عَطَاءٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) من طريق (وَرْقَاء) أو من غير طريق المصريين عموماً ، فعطاء هو : (عطاء بن السائب بن مالك الثقفي أبو السائب الكوفي ) .
تفسير مجاهد :
(82) أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : نا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ : نا آدَمُ ، قَالَ : نا وَرْقَاءُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، فِي قَوْلِهِ : " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " ، قَالَ : " تَرْكُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
ـ وأما في غير التفسير فالأصل أن (عَطَاءٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) هو : (عطاء بن السائب بن مالك الثقفي أبو السائب الكوفي ) .
ما لم تكن الرواية من طريق ابن لهيعة والمصريين كذلك .(1/32)
ـ والأصل كذلك أن عطاء بن أبي رباح ليست له رواية بمعنى الرواية عن سعيد بن جبير ، إلا شيء نادر قليل من باب الأقران ، والأصل أنها حكايات ، أو مسائل يشتركان في الفتوى فيها ، وتعيين (عطاء) بأنه (ابن أبي رباح) في مثل هذه المواطن تكون له قرائن واضحة لاسيما هيئة النص والتلاميذ ، والله أعلم .
ولكل مرجع من مراجع التفسير أسانيده الخاصة لـ (عطاء عن سعيد بن جبير) ، فمثلاً ابن أبي حاتم يسلك طريق المصريين ، على حين أن الطبري وغيره كما في تفسير مجاهد يسلك طريق (ورقاء) والكوفيين ، والله تعالى أعلم .
والأمثلة كثيرة على خصوصية بعض الكتب والمراجع الحديثية بأسانيد خاصة أو رواة محددين ، ولعل طريقة الرموز التي يتبعها الحافظ المزي ومن جاء بعده للكتب الستة في التهذيب هي أبسط وأسهل صور التعبير عن اختصاص بعض المراجع بالرواية لبعض الرواة دون البعض ، والأمر لا يحتاج إلى إغراق في التفصيل .
لهذا سنذكر ههنا مثالاً آخر للتدليل على سائر الصور الأخرى .
مثال (2)
ـ محمد بن منصور المكي الجواز
ـ ومحمد بن منصور الطوسي
كلاهما يروي عن سفيان بن عيينة ، وقد روى النسائي عنهما ، بينما روى أبو داود عن (الطوسي) فقط ، وذلك وفقا لرموز المزي ، ولما ذكرهما المزي في تلاميذ (سفيان بن عيينة) نجد أنه قد رمز لـ (محمد بن منصور المكي الجواز ) برمز النسائي (س) فقط ، ورمز لـ (محمد بن منصور الطوسي) برمز أبي داود (د) فقط ، وهذا يعني التالي :
ـ إذا وقع في إسناد للنسائي : (محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة)
فـ (محمد بن منصور) هذا هو (محمد بن منصور المكي الجواز) لأنه هو الذي يروي عنه النسائي عن (ابن عيينة) ، ويروي النسائي عن (الطوسي) عن غير (ابن عيينة) .
ـ وأما إذا وقع في إسناد لأبي داود : (محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة)
فـ (محمد بن منصور) هذا هو (محمد بن منصور الطوسي) لأنه هو الذي يروي عنه أبو داود دون الآخر .(1/33)
وهذا فقط كمثال لما ذكرناه عن اختصاص بعض المراجع ، مع مراعاة أن البيهقي مثلا يروي من طريق أبي داود ، وأن ابن عبد البر مثلا يروي من طريق النسائي ، وهكذا .
فإما إذا كان الأمر خارج الستة وما ينقل عنها ، فيحتاج الأمر إلى استقصاء سواء عن طريق التراجم أو عن طريق استحضار واستقراء الأسانيد من خلال التخريج ، لتمييز مَنْ مِنَ الرواة (أو التلاميذ) يختص بأحدهما دون الآخر .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القاعدة الرابعة : ـ تطبيق المبادئ والضوابط العامة لتعيين وتمييز الرواة في حالة قصور التخريج عن خدمة الإسناد
ونعني بالضوابط والمبادئ العامة : كل معلومة عامة أو ضابط عام أو استقراء عام يمكن الاستفادة منه في تعيين الرواة في جميع الأحوال بوجه عام ، وبوجه خاص في المواضع والأحوال التي يفتقر فيها الباحث إلى دليل صريح على التعيين الصحيح ، كالتخريج المستوعب الذي يصرح في بعض الطرق بما يميز الراوي ، أو نص صحيح معتبر لإمام لم يوجد من يخالفه من الأئمة ، أو ما يخالفه من استقراء صحيح ، وغير ذلك من الأمور والأدلة الصريحة التي تعين الباحث على التمييز الصحيح للراوي ، فإذا افتقر الباحث إليها ، فلابد أن يفزع إلى هذه الضوابط والمبادئ العامة ، وإلا سيظل الأمر معلقاً وبلا تعيين لكثير من الرواة في كثير من المواضع .
وسنذكر بإذن الله في السطور التالية بعضاً من هذه الضوابط والاستقراءات والمبادئ العامة ، على رجاء استكمالها بشكل أتم فيما بعد إن شاء الله ، مع المزيد من الأمثلة ، على أن هناك خدمة البحوث والدراسات الحديثية التي ستلحق بالموسوعة في إصداراتها وتحديثاتها المقبلة بإذن الله ، والتي ستشتمل ـ بإذن الله ـ على الكثير من النماذج العملية والقواعد والبحوث العلمية التي تتطرق لمشكلات الأسانيد ، وغير ذلك من أمور المتن والإسناد .
نقول وبالله التوفيق :
من هذه الضوابط والاستقراءات :(1/34)
1 ـ ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/85) :
( وإذا أطلق اسم شيخه حمل على من هو أشهر بصحبته وروايته عنه أكثر ، وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا ) انتهى كلامه .
ولتمام الفائدة نذكر السياق الذي قال فيه الحافظ ابن حجر هذه العبارة :
قال الحافظ :
( قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عاصم الأحول
قال الكرماني : ذكر الكلاباذي أن أبا نعيم سمع من سفيان الثوري ومن سفيان بن عيينة
وأن كلا منها روى عن عاصم الأحول فيحتمل أن يكون أحدهما
قلت : ليس الاحتمالان فيهما هنا على السواء
فإن أبا نعيم مشهور بالرواية عن الثوري معروف بملازمته
وروايته عن ابن عيينة قليلة
وإذا أطلق اسم شيخه حمل على من هو أشهر بصحبته وروايته عنه أكثر
ولهذا جزم المزي في الأطراف أن سفيان هذا هو الثوري
وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا
وللخطيب فيه تصنيف سماه المكمل لبيان المهمل
وقد روى هذا الحديث بعينه سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول
أخرجه أحمد عنه وكذا هو عند مسلم رواية ابن عيينة
وأخرجه أحمد أيضا من وجه آخر عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول
لكن خصوص رواية أبي نعيم فيه إنما هي عن الثوري ) انتهى كلام الحافظ .
وتطبيقا لهذه القاعدة التي ذكرها الحافظ على بعض الرواة الذين يشكل تعيينهم في كثير من الأسانيد لإهمالهم في أكثر المواضع ، مع اشتراكهم في الاسم وبعض الشيوخ والتلاميذ ، نذكر فيما يلي كيفية الاستفادة من القاعدة المذكورة في مثل هذه المواضع ، على أننا ينبغي أن لا نجزم في التعيين بأحد الوجوه كجزمنا في حالة وجود قرينة ، فالعبارة ينبغي أن تكون معبرة بشكل أو بآخر عن استعمالنا لقاعدة المقصود عند الإطلاق ، والله المستعان .
(1) أشعث عن
الحسن و ابن سيرين
الاستقراء :
(أشعث) البصريين عند الإطلاق هو : ( أشعث بن عبد الملك الحمراني ) ، هذا الاستقراء مستشف من كلام وصنيع بعض الأئمة في ذلك .(1/35)
كما يستشف من كلامهم أيضاً في المقابل أن (أشعث) الكوفيين عند الإطلاق هو : (أشعث بن سوار الكوفي) على ما سيأتي بيانه بإذن الله .
و المعنى :
أنه إذا كان الراوي عن (أشعث) هكذا مهملاً أحد البصريين لا سيما المشاهير منهم ، فإن (أشعث) هذا يكون هو (أشعث بن عبد الملك الحمراني) لا سيما إذا كان شيخ (أشعث) هذا أحد البصريين كذلك مثل (الحسن) و (ابن سيرين) ، بغض النظر عن أن (أشعث بن عبد الله الحداني) يشترك معه فيهما وفي غيرهما من الشيوخ وكذلك في بعض التلاميذ .
كما أنه إذا كان الراوي عن (أشعث) هكذا مهملاً أحد الكوفيين لا سيما المشاهير ،
فإن (أشعث) هذا يكون هو (أشعث بن سوار الكوفي) لا سيما إذا كان شيخ (أشعث) هذا أحد الكوفيين كذلك مثل (الشعبي) ، بغض النظر عن أن (أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي) يشترك معه فيه وفي غيره من الشيوخ وكذلك في بعض التلاميذ .
تنبيه مهم :
لا تكون هذه القاعدة صحيحة إلا إذا : لم يدل على خلاف ذلك تخريج النص أو أي دلالة أخرى صحيحة ، والله أعلم .
ولاحظ معنا ما يلي :
أولاً : (الحسن البصري) :
قبل إعمال الاستقراء السابق فالأمر كما يلي :
إذا وقع في إسناد ما : (أشعث عن الحسن) ، فينظر :
إن كان الحسن هو البصري ، فالأشعث يكون أحد خمسة :
1 ـ أشعث بن عبد الملك الحمراني البصري
2 ـ أشعث بن عبد الله الحداني البصري
3 ـ أشعث بن سوار الكوفي
4 ـ أشعث بن إسحاق القمي
5 ـ أشعث بن براز الهجيمى البصرى
وأما إذا كان أشعث هو ابن أبي الشعثاء ، فالحسن يكون هو ابن سعد ، مولى الحسن بن على ، والعكس صحيح .
كما أننا لا ينبغي أن ننسى أيضاً احتمالات السقط والتحريف ، فهناك :
( أبو الأشعث ) يروي عن الحسن البصري .
ويروي عنه : حرمى بن حفص القسملى .
و ( أبو الأشعث ) هذا هو : (عبيد بن مهران الوزان ، أبو الأشعث البصري) .
ثانياً : (محمد بن سيرين) :
قبل إعمال الاستقراء السابق فالأمر كما يلي :(1/36)
إذا وقع في إسناد ما : (أشعث عن ابن سيرين) أو : (أشعث عن محمد) :
فأشعث هذا يكون أحد ثلاثة :
1 ـ أشعث بن عبد الملك الحمراني البصري
2 ـ أشعث بن عبد الله الحداني البصري
3 ـ أشعث بن سوار الكوفي
ولا شك أن الأمر سيكون مربكاً للغاية إذا وجدت أن التخريج يَقْصُر بك عن تمييز أيهم المراد وفي الحقيقة فليس ذلك عيباً في التخريج أو تقصيراً من الرواة أو الأئمة في البيان .
فالقضية الأساسية : أنه لابد أن تكون هناك قرينة بشكل ما للتعيين إما في ذات الإسناد أو من خارجه كدلالة التخريج ، أو قواعد عامة يركن إليها الأئمة الذين أهملوا تمييز الراوي اعتماداً عليها وعلى كون ذلك معروفاً لدى أهل الشأن ، وهو ما ينبغي إعماله في كل حال لا سيما الرواة المشتركين في الشيوخ والتلاميذ كهذه الحال ، والله تعالى أعلم .
ونعود فنذكر بقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ :
( إذا أطلق اسم شيخه حمل على من هو أشهر بصحبته وروايته عنه أكثر ، وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا ) .
ونقول وبالله التوفيق :
هذه القاعدة يمكن إجراؤها أيضاً لتمييز من اسمه (عطاء) عن (ابن عباس) .
فابن عباس يروي عنه ممن اسمه (عطاء) كل من :
1 ـ عطاء بن أبي رباح
2 ـ عطاء بن أبي مسلم الخراسانى
3 ـ عطاء بن يسار
4 ـ عطاء أبو الحسن السوائي
والإشكال يقع في أكثر صوره :
ـ إذا روى ابن جريج عن (عطاء) عن ابن عباس .
ـ أو إذا روى الأوزاعي عن (عطاء) عن ابن عباس .
فابن جريج يروي عن :
1 ـ عطاء بن أبي رباح
2 ـ عطاء بن أبي مسلم الخراسانى
3 ـ عطاء بن السائب
والأوزاعي يروي عن :
1 ـ عطاء بن أبي رباح
2 ـ عطاء بن أبي مسلم الخراسانى
3 ـ عطاء بن صهيب أبو النجاشى
والمتبادر عموما أن (عطاء) هو (ابن أبي رباح) وذلك لأنه الأشهر .
وابن جريج وكذلك الأوزاعي لم يرويا عن : (عطاء بن يسار) ولا عن (عطاء أبي الحسن السوائي) .(1/37)
ويخرج كذلك من شيوخ ابن جريج والأوزاعي كل من : (عطاء بن السائب) و (عطاء بن صهيب أبي النجاشى) لأنهما لم يرويا عن ابن عباس .
وإذن فيبقى الأمر منحصراًً بين :
(عطاء بن أبي رباح) و (عطاء بن أبي مسلم الخراسانى)
فإذا وقع في الإسناد (عطاء) هكذا مهمل ، وصرح بالتحديث عن ابن عباس ، يخرج (عطاء بن أبي مسلم الخراسانى) لأنه لم يسمع من ابن عباس كما صرح المزي وغيره .
وأما إذا لم يصرح بالتحديث فههنا نكتة لطيفة وهي أن ابن جريج مدلس بينما الأوزاعي ليس كذلك ، ومن أنواع التدليس إبهام الشيوخ على نحو لا يتبين إلا للنقاد وأهل الفهم ، وهنا ربما يبهم ابن جريج (عطاء) الخراساني عن (ابن عباس) فيتوهم البعض أنه (ابن أبي رباح) ، وإذن فالتخريج ضروري في مثل هذه المواطن .
وأما الأوزاعي فلا يُبهم في مثل هذه المواطن لأنه يعلم أن (عطاء) الخراساني لم يسمع من ابن (ابن عباس) فالأغلب أن يفصح في بعض طرق الحديث عن (عطاء) المقصود ، والله أعلم .
ولابد من التذكير أن الكلام السابق متعلق برواية من اسمه (عطاء) عن (ابن عباس) .
وأما رواية الأقوال والآثار الفقهية عن (ابن جريج عن عطاء) أو (الأوزاعي عن عطاء) فالأصل والاستقراء يدلان على أنه (عطاء بن أبي رباح) ما لم يدل التخريج على خلاف ذلك .
ونكرر : إن النقطة المهمة ههنا : هي أن الأصل في تعيين الأسانيد أنه توجد قرينة للتعيين بشكل ما سواء في داخل الإسناد أو من خارج الإسناد كاستقراء عام أو انطباع يستفاد من صنيع الأئمة وغير ذلك ، وأبسط هذه القرائن شهرة الراوي في كل طبقة ، فإذا عجز التخريج عن البيان والتمييز ، وإذا انتفت القرائن الأقوى ، يبقى المفزع إلى هذه القرينة الأخيرة وهي شهرة الراوي في هذه الطبقة بحيث يصبح هو المتبادر عند الإطلاق أو الإهمال ، والله أعلم .(1/38)
وكما ذكر ابن حجر هذه القاعدة العامة ، فقد كان المزي في تهذيب الكمال والذهبي في السير أكثر تحديداً بالنسبة لتمييز رواية الحمادين ، والسفيانين .
أولاً : ( تمييز رواية الحمادين )
فقد اشترك الحمادان في الرواية عن كثير من المشايخ ، وروى عنهما جميعا جماعة من المحدثين ؛ فربما روى الرجل منهم عن حماد لم ينسبه، فلا يعرف أي الحمادين هو إلا بقرينة ؛ فإن عري السند من القرائن - وذلك قليل - لم نقطع بأنه ابن زيد ولا أنه ابن سلمة ، بل نتردد أو نقدره ابن سلمة ، ونقول : هذا الحديث على شرط مسلم ؛ إذ مسلم قد احتج بهما جميعا .
فمن شيوخهما معا :
أنس بن سيرين .
وأيوب .
والأزرق بن قيس .
وإسحاق بن سويد .
وبرد بن سنان .
وبشر بن حرب .
وبهز بن حكيم .
وثابت .
والجعد أبو عثمان .
وحميد الطويل .
وخالد الحذاء .
وداود بن أبي هند .
والجريري .
وشعيب بن الحبحاب .
وعاصم بن أبي النجود .
وابن عون .
وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس .
وعبيد الله بن عمر .
وعطاء بن السائب .
وعلي بن زيد .
وعمرو بن دينار .
ومحمد بن زياد .
ومحمد بن واسع .
ومطر الوراق .
وأبو جمرة الضبعي .
وهشام بن عروة .
وهشام بن حسان .
ويحيى بن سعيد الأنصاري .
ويحيى بن عتيق .
ويونس بن عبيد .
وحدث عن الحمادين :
عبد الرحمن بن مهدي .
ووكيع .
وعفان .
وحجاج بن منهال .
وسليمان بن حرب .
وشيبان .
والقعنبي .
وعبد الله بن معاوية الجمحي .
وعبد الأعلى بن حماد .
وأبو النعمان ، عارم .
وموسى بن إسماعيل ، لكن ماله عن حماد بن زيد سوى حديث واحد .
ومؤمل بن إسماعيل .
وهدبة .
ويحيى بن حسان .
ويونس بن محمد المؤدب .
وغيرهم .
والحفاظ المختصون بالإكثار وبالرواية عن حماد بن سلمة :
بهز بن أسد .
وحبان بن هلال .
والحسن الأشيب .
وعمر بن عاصم .
والمختصون بحماد بن زيد الذين ما لحقوا ابن سلمة فهم أكثر وأوضح مثل :
علي بن المديني .
وأحمد بن عبدة .
وأحمد بن المقدام .
وبشر بن معاذ العقدي .(1/39)
وخالد بن خداش .
وخلف بن هشام .
وزكريا بن عدي .
وسعيد بن منصور .
وأبي الربيع الزهراني .
والقواريري .
وعمرو بن عون .
وقتيبة بن سعيد .
ومحمد بن أبي بكر المقدمي .
ولوين .
ومحمد بن عيسى بن الطباع .
ومحمد بن عبيد بن حساب .
ومسدد .
ويحيى بن حبيب .
ويحيى بن يحيى التميمي .
وعدة من أقرانهم .
فإذا رأيت الرجل من هؤلاء الطبقة قد روى عن حماد ، وأبهمه ، علمت أنه ابن زيد ، وأن هذا لم يدرك حماد بن سلمة .
وكذا إذا روى رجل ممن لقيهما؛ فقال : حدثنا حماد . وسكت نُظِر في شيخ حماد من هو ؟ فإن رأيته من شيوخهما على الاشتراك، ترددت ، وإن رأيته من شيوخ أحدهما على الاختصاص والتفرد، عرفته بشيوخه المختصين به .
ثم عادة عفان أن لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه ، وربما روى عن حماد بن سلمة فلا ينسبه .
وكذلك يفعل حجاج بن منهال ، وهدبة بن خالد .
فأما سليمان بن حرب ؛ فعلى العكس من ذلك ، وكذلك عارم يفعل ؛ فإذا قالا : حدثنا حماد فهو ابن زيد .
ومتى قال موسى التبوذكي : حدثنا حماد ، فهو ابن سلمة فهو راويته . والله أعلم .
ثانياً ( تمييز رواية السفيانين )
ويقع مثل هذا الاشتراك سواء في السفيانين ؛ فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء ، وأصحاب ابن عيينة صغار ، لم يدركوا الثوري ، وذلك أبين .
فمتى رأيت القديم قد روى ، فقال : حدثنا سفيان ، وأبهم ، فهو : الثوري .
وهم : كوكيع ، وابن مهدي ، والفريابي ، وأبي نعيم .
فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بيَّنه .
فأما الذي لم يدرك الثوري ، وأدرك ابن عيينة ، فلا يحتاج أن ينسب ، لعدم الإلباس .
فعليك بمعرفة طبقات الناس .(1/40)
ولا شك أن الأمر يحتاج ـ مع ما ذكر من القواعد السابقة وكذلك الآتية ـ إلى استقصاء وحصر لكل معلومة تعين وتساعد على التمييز ، وفض الإشكال ، سواء عن طريق التراجم ، وحصر الشيوخ والتلاميذ المشتركين ، وما انفرد به كل راوٍ عنهم دون غيره ممن يشتبه به ، وكذلك عن طريق استحضار واستقراء الأسانيد من خلال التخريج ، وغير ذلك من أدوات ووسائل المساعدة .
وكنموذج لهذا الحصر ، يمكن للباحث أن يستخرج من تهذيب الكمال بعض القوائم لما اشترك فيه السفيانان مثلاً من الشيوخ والتلاميذ وما انفرد به كل واحد منهما دون الآخر .
وهكذا يمكن التعامل مع الرواة المشكلين كخطوة مبدئية ، ويضيف إليها كل معلومة يمكن أن تتعلق بتمييز أحد هؤلاء الرواة بأي شكل كان ، وبالله التوفيق .
وإتماماً للفائدة المتعلقة بهذا الموضوع نذكر نبذة من كتاب الحاكم "معرفة علوم الحديث" ، وكذلك طرفاً من كتاب " مشتبه أسامي المحدثين " للهروي .
قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" :
الجنس السادس من هذا النوع :
قوم من رواة الآثار يروي عنهم راو واحد فيشتبه على الناس كناهم وأساميهم
مثال ذلك :
ـ أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
ـ أبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني
ـ وأبو إسحاق إسماعيل بن رجاء الزبيدي
ـ وأبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري
قد رووا كلهم عن عبد الله بن أبي أوفى
وقد روى عنهم الثوري وشعبة
وينبغي لصاحب الحديث أن يعرف الغالب على روايات كل منهم فيميز حديث هذا من ذلك والسبيل إلى معرفته :
أن الثوري والشعبة
إذا رويا عن أبي إسحاق السبيعي لا يزيدان على أبي إسحاق فقط
والغالب على رواية أبي إسحاق عن الصحابة البراء بن عازب وزيد بن أرقم
فإذا روى عن التابعين فإنه يروى عن جماعة يروى عنهم هؤلاء
وإذا رويا عن أبي إسحاق الشيباني
فإنهما يذكران الشيباني في أكثر الروايات وربما لم يسميا(1/41)
والعلامة الصحيحة فيما يرويان عن أبي إسحاق عن الشعبي فهو أبو إسحاق الشيباني دون غيره
وأما الهجري : فإن شعبة أكثرهما عنه رواية
وأكثر رواية الهجري عن أبي الأحوص الجشمي
إلا أن السبيعي أيضا كثير الروايات عن أبي الأحوص فلا يقع التمييز في مثل هذا الموضع إلا بالحفظ والدراية فإن الفرق بين حديث هذا وذاك عن أبي الأحوص يطول شرحه
وأما الزبيدي :
فإنهما في أكثر الروايات يسميانه ولا يكنيانه إنما يقولان
إسماعيل بن رجاء
وأكثر روايته عن أبيه وإبراهيم النخعي
انتهى كلام الحاكم
وأما الهروي فقد قال في مقدمة كتابه :
وبعد فإن بعض إخواني بأصبهان سلمه الله سألني أن أجمع لهم فصولا في معرفة أسامي مشايخ من نقلة الحديث ورواة الأخبار من جاءهم الذين يروي عنهم راو واحد مشتبه إلى الناس كناهم وأساميهم مثل :
( الزهري ) :
يروى عن : عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس .
و يروي عن : عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس .
فيظن الراوي أنهما واحد وهما اثنان وبيان الفرق بينهما .
ومثل :
( الثوري وشعبة ) :
رويا جميعا عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى .
ورويا جميعا عن أبي إسحاق آخر عن ابن أبي أوفى .
ورويا أيضا عن أبي إسحاق ثالث عن ابن أبي أوفى .
ومثل هذا كثير فأجبته ملتمسا رجاء البركة فيما سألني والله نسأل التوفيق ونذكر مع هذا بعون الله وتوفيقه ما يشمل على هذا النوع إن شاء الله وجعلته على حروف المعجم ليكون أسهل على الناظر .
[وقد استفتح الهروي حرف الهمزة بمن اسمه (أنس) فقال ] :
( أنس بن مالك )
خمسة
1 ـ أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2 ـ أنس بن مالك الكعبي القشيري يعد من الصحابة .
حديثه قال النبي صلى الله عليه وسلم وضع الله عن المسافر الصوم ونصف الصلاة .
يروى عنه : أبو قلابة وغيره .
3 ـ أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي التيمي .
روى عنه : ابنه وهو أبو مالك بن أنس الإمام .(1/42)
حدث عنه : ابنه مالك والزهري .
4 ـ أنس بن مالك الصيرفي .
يروي عن : أبي روبة عن أنس بن مالك الأنصاري .
حدث عنه : خلاد بن يحيى .
5 ـ أنس بن مالك الكوفي .
يحدث عن : عبدالرحمن بن الأسود .
يروي عنه : أبو داود الطيالسي .
[ ثم اختتم الهروي كتابه بالكنى ، وذكر من كنيته ( أبو حمزة ) فقال ] :
شعبة عن
أبي جمرة وأبي حمزة
سبعة .
1 ـ أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي .
عن ابن عباس : حديث وفد عبدالقيس ،
وحديث بارك لأمتي في بكورها .
2 ـ وأبو حمزة القصاب واسمه عمران بن أبي عطاء الواسطي .
3 ـ وأبو حمزة القصاب واسمه ميمون الأعور الكوفي .
4 ـ وأبو حمزة الأعور واسمه مسلم بن كيسان الملائي الكوفي .
5 ـ وأبو حمزة جاره واسمه عبدالرحمن بن أبي عبدالله وقيل ابن كيسان بصري .
6 ـ أبو حمزة أنس بن سيرين البصري الخزرجي .
7 ـ أبو حمزة البصري .
ولا يوقف على اسم هؤلاء
وقد روى عنهم شعبة
وكلهم قد روى عن : ابن عباس رضي الله عنهما .
والفرق بينهم .
أن شعبة إذا قال عن أبي حمزة مطلقا عن ابن عباس فهو :
أبو جمرة نصر بن عمران .
والباقي يذكر فيه اسمه ونسبه .
قال : الأول وحده بالجيم والراء والباقون بالحاء والزاء .
انتهى كلام الهروي
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القاعدة الخامسة : ـ مراعاة تحرير الجمع والتفريق باعتباره ضابطاً من ضوابط التعيين الصحيح للراوي ، حتى وإن لم يترتب على ذلك أثر واضح في الجرح والتعديل أو الحكم على الأسانيد
وفي البداية أحب أن أنقل عن المزي أحد المواضع تبين منهجه في الجمع والتفريق بين الرواة .
قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (11/150) :
سفيان بن زياد بن آدم العقيلي أبو سعيد ويقال أبو سهل البصري ثم البلدي المؤدب وهو ابن أخي بشر بن آدم العقيلي روى عن بدل بن المحبر ...
ويقاربه في طبقته :(1/43)
سفيان بن زياد البغدادي الرصافي ثم المخرمي يروي عن إبراهيم بن عيينة ... ويروى عنه .. وعباس بن محمد الدوري
ذكره الخطيب في التاريخ وقال كان ثقة وذكره في المتفق والمفترق أيضا وهو أقدم من البصري قليلا
ولم يخرجوا عنه شيئا وإنما ذكرناه للفرق بينه وبين البصري ، فإن صاحب النُّبْل جعلهما واحدا فقال :
( سفيان بن زياد بن آدم أبو سعيد البغدادي المخرمي الرصافي المؤدب ويقال البصري روى عنه ق ) .
وقد وهم في ذلك فإنهما اثنان بلا شك .
وممن فرق بينهما أبو بكر الخطيب ذكرهما في المتفق والمفترق ، وذكر البغدادي في التاريخ أيضا دون (البصري) ، وما تردد في نسبه كما فعل صاحب النُّبْل ، ومن نظر من أهل الصنعة فيمن رويا عنه ومن روى عنهما عرف أنهما اثنان وعرف أن البغدادي والبصري هما اثنان .
ووهم أيضا في المتفق والمفترق حيث فرق بين البصري والبلدي وهما واحد .
أما الفرق بين البغدادي والبصري فقد تقدم بيانه بما فيه كفاية .
وأما الجمع بين البصري والبلدي وأنهما واحد ، فسنذكره بدلائله من أقوال الأئمة ورواياتهم :
قال الخطيب في المتفق والمفترق :
[ سفيان بن زياد خمسة ، منهم :
سفيان بن زياد مولى داود بن فراهج حدث عن الزبير بن العوام الكوفي ]
نحواً مما هو مذكور في كتابنا هذا ، ثم ذكر (الرصافي) وهو (البغدادي) نحواً مما تقدم ذكرنا له ، ثم قال :
[ وسفيان بن زياد البصري حدث عن عبدالرحمن بن القطامي روى عنه محمد بن يونس العصفري البصري ،
وسفيان بن زياد بن آدم البلدي حدث عن عون بن عمارة وعباد بن صهيب البصريين روى عنه أحمد بن عيسى الخواص وأبو عبد الله الحكيمي البغدادي ]
وقد حصل له في هذه التراجم إغفال ، ووهم :
أما الإغفال فإنه قد بقي عليه :
( سفيان بن زياد الغساني ، حدث عن أنس بن مالك وعن الأوزاعي ، روى عنه خالد بن حميد المهري الإسكندراني ، قال أبو حاتم لا أدري من هو .(1/44)
و سفيان بن زياد المروذي من كبار أصحاب عبد الله بن المبارك قال أبو عبيد الآجري سئل أبو داود عن سفيان بن زياد فقال من أصحاب بن المبارك أثبت أصحاب ابن المبارك وبعده سليمان وبعده علي بن الحسن بن شقيق .
و سفيان بن زياد البصري المعروف بالرأس ، روى عن حماد بن زياد وسفيان بن عيينة ، روى عنه عمرو بن علي وأبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يعظم شأنه ويقول : كان أحد الحفاظ تقدم موته ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال : من الحفاظ كتب عن حماد بن زيد وأهل البصرة عاجله الموت فلم يُنْتفع به مات قبل المائتين بدهر وكان صديقا لقتيبة جداً .
و سفيان بن زياد الرؤاسي روى عن سفيان بن عيينة روى عنه أبو بكر ابن أبي الدنيا وهو متأخر عن الذي قبله ، فإن ابن أبي الدنيا لم يدرك ذاك .
و سفيان بن زياد كنيته أبو محمد روى عن فياض بن محمد الرقي روى عنه عثمان بن خرزاد الأنطاكي ) .
وأما الوهم : فتفريقه بين البصري والبلدي وهما واحد كما يأتي بيانه :
قال أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات :
( سفيان بن زياد العقيلي بصري يروي عن أبي عاصم وعيسى بن شعيب حدثنا عنه أحمد بن يحيى بن زهير ، مستقيم الحديث ) .
وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى :
( أبو سعيد سفيان بن زياد المؤدب البصري روى عن عيسى بن شعيب ومحمد بن راشد المنقري روى عنه محمد بن إسحاق بن خزيمة كناه أحمد بن محمد بن عبد الله بن عمر الواسطي ) .
فقد اتفق أبو حاتم ابن حبان وأبو أحمد الحاكم على أن البصري يروي عن عيسى بن شعيب ، وقد نسبه أبو بكر بن خزيمة في روايته عنه عن عيسى بن شعيب فقال : حدثنا (سفيان بن زياد بن آدم) ، فدل ذلك على أن (سفيان بن زياد بن آدم) هو (أبو سعيد البصري) .
وقال أبو عبد الله الحكيمي في روايته عنه : حدثنا ( سفيان بن زياد بن آدم البلدي ) فدل ذلك على أنهما واحد .(1/45)
وقال ابن ماجة في روايته عنه : حدثنا أبو سعيد سفيان بن زياد المؤدب قال : حدثنا محمد بن راشد .
وقال أبو الحسن القافلاني في روايته : حدثنا سفيان بن زياد أبو سعيد المؤدب قال : حدثنا عيسى بن شعيب النحوي .
فدل ذلك على أن الجميع لرجل واحد .
وإنما بسطنا القول في ذلك بعض البسط ليكون كالأنموذج لما سواه ، وليعلم أنا لا نقول قولا مخالفاً لما كان في الأصل إلا بحجة ، وإن لم نذكرها في بعض المواضع طلبا للاختصار وبالله التوفيق .
انتهى كلام الحافظ المزي رحمه الله .
ونقول وبالله التوفيق :
لقد آثرنا سرد هذا النص ، لكونه يمثل درساً عملياً في فن الجمع والتفريق بين الرواة ، وكذلك للاستفادة من هذا الموضع من حيث تعقب المزي على الخطيب وهو ـ أي : الخطيب ـ المتخصص في هذا الفن ، بما يعني قوة ملكات وأدوات المزي في هذا الفن ، ومع ذلك فكما يتعقب الإمام إماماً آخر ، قد يكون هو نفسه عرضة للتعقب في مواضع يسيرة بغير تعسف ، ولا يتأتى هذا إلا بالإنصاف ، والنظر في الأدلة ، وإعمال النظر مرات عديدة ، وقبل كل ذلك وبعده يأتي توفيق الله عز وجل لهذا الباحث أو ذاك في تحرير مسألة دقيقة أو غامضة ، يوفق فيها للإمساك بأطراف ـ إن لم يكن أهداب ـ الأدلة ، التي قد تبدو للبعض واضحة أو ملموسة ، وقد تغمض على البعض الآخر أو تخفى عليه .
فمن هذه المواضع التراجم التالية :
المثال الأول في الجمع والتفريق :
خالد بن ثابت الربعي
والفصل والتمييز بين :
خالد بن باب الربعي البصري
وبين :
خالد الأحدب - الأثبج - ابن أخي صفوان بن محرز
خالد بن عبد الله بن خالد الأحدب
ملحوظة مبدئية :
الاسم الكامل لـ (خالد بن باب)
وفق ما في كتب التراجم وأهمها هنا : ابن ماكولا وطبقات خليفة
هو :
( خالد بن باب البصري الربعي ويقال الربيعي مولى بني ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم)(1/46)
نسبة (الربيعي) وقعت فقط عند خليفة في الطبقات ، وهي جائزة إن شاء الله لأنها نسبة إلى (ربيعة) بالولاء ، حسبما ذكر خليفة في طبقاته ، والله أعلم .
عناصر من واقع العمل :
أولا :
وقعت عدة أسانيد بلفظ : عوف عن خالد الربعي .
ثانيا :
وقع الإسنادان التاليان في الزهد لابن المبارك :
(384) حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ : خَالِدُ بْنُ ثَابِتٍ الرَّبَعِيُّ قَالَ : وَجَدْتُ فَاتِحَةَ الزَّبُورِ ... إِنَّ رَأْسَ الْحِكْمَةِ خَشْيَةُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ .
(513) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ شَابٌّ قَدْ قَرَأَ الْكِتَابَ ...
ووقع كذلك في شرح أصول الاعتقاد :
(253) ... مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبْعِيِّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ شَابٌّ قَدْ قَرَأَ
يلاحظ مما سبق أن محمد بن جعفر غندر هو الذي يسميه في الأسانيد التي يرويها في الزهد وعند اللالكائي : (خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبْعِيِّ) ، ولكن وجدت في العلل ومعرفة الرجال (1/563) حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن (خالد بن باب) يعني خالدا الربعي قال أبي وقال روح عن عوف عن خالد الربعي .
ولما ذهبنا نتحرى الاسم الكامل وبعض المعلومات عن (خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّبَعِيِّ) - قبل وقوفنا على تسمية (خالد بن باب) - هذا وجدنا شيئاً قليلاً جداً :
ـ ففي مصنف ابن أبي شيبة (7/74) : [حدثنا أبو أسامة عن أبي الأشهب قال حدثني خالد بن ثابت الربعي](1/47)
ـ وفي فتح الباري (6/466) : [ وروى الثوري في تفسيره .. كان لقمان عبدا حبشيا نجارا ، وفي مصنف بن أبي شيبة عن خالد بن ثابت الربعي أحد التابعين مثله ]
ـ وفي كشف الخفاء (1/507) : [ وعند أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت (الربعي) قال وجدت .. ]
فها هي مصادر أخرى وأسانيد أخرى من غير طريق غندر قد وقع فيها الاسم بلفظ : (خالد بن ثابت) في حين تقع رواية لغندر على المعروف كما سيأتي .
وفي الحقيقة فإن بعض هذه المصادر التي وقعت فيها التسمية بلفظ : (خالد بن ثابت) وإن كانت قد لا ترقى أصولها - فضلا عن طبعاتها - في الضبط والإتقان إلى ما يطمئن به القلب من صحة هذه التسمية ، أو أنها أحد وجوه التسمية للراوي ، إلا أن الخلاف أو الاختلاف قد يكون جديراً بالاعتبار بدرجة ما .
وتلخيص الأمر كما يلي :
1 ـ من واقع الأسانيد فإن معظمها وقع فيها : (خالد الربعي) لا يسمى أبوه .
2 ـ وما وقع مسمى في أسانيد قليلة سبق ذكرها فقد وقع فيها: (خالد بن ثابت الربعي) .
3 ـ وأما من واقع كتب التراجم ونحوها فقد وقع فيها التسمية باسم (خالد بن باب الربعي) - سواء في اسم الترجمة أو في سياق أسانيد - قولا واحدا لا اختلاف فيه - إلا من خلط هذا الراوي بغيره - كما سيأتي ، وفي كل الأحوال فلم يقل أحد من الأئمة (خالد بن ثابت) أو يشر إلى اسم (ثابت) ، والله أعلم .
وسنشير أولا إلى بعض أقوال ابن أبي حاتم التي يجمع فيها بين الراويين على أن يتم تفصيل ذلك في موضع لاحق من هذه المقالة إن شاء الله عند العبارة : (تفصيل الكلام في الجمع والتفريق) .
والآن إلى نصوص ابن أبي حاتم حيث يقول في الجرح والتعديل (3/322) :
[ خالد بن باب الربعي الأحدب ابن أخي صفوان بن محرز بصري ]
روى عن :
شهر بن حوشب ، وصفوان بن محرز
روى عنه :
أبو الأشهب، وعوف، وأبو نضرة ، وسلم بن زرير ، وحميد بن مهران الخياط ، وهشام بن حسان ، وجسر بن فرقد .
سمعت أبي يقول ذلك(1/48)
ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال خالد الربعي
قال أبو محمد ترك أبو زرعة حديث خالد بن باب الربعي ولم يقرأ علينا حديثه
ملحوظة مهمة :
سبب الإشكال الأساسي الذي يقوم عليه هذا البحث هو :
زيادة ابن أبي حاتم لعبارة :
[ الأحدب ابن أخي صفوان بن محرز ]
وأما قوله : [ بصري ] فهي نسبة صحيحة أثبتها ابن ماكولا وهي متوافقة مع شيوخ الراوي وتلاميذه.
وبالطبع سبب الإشكال أيضا هو ما ترتب على تأثر المتأخرين من المترجمين مثل الحافظ المزي ومن بعده بقول - أو بالأصح بصنيع - ابن أبي حاتم ، فهو في اعتقادي لم يقصد الجمع بين الراويين كما سيتضح ، وإنما الذي أراه أنه خلط بين الاسمين وتبع ذلك ذكر بعض الشيوخ والتلاميذ من ترجمة (الأحدب) فجعلها في ترجمة (الربعي) ، فكانت المحصلة الخلط بين الترجمتين ، وإلا فكما سيأتي نراه يفرد ترجمة (الأحدب) على الصواب ، والله أعلم ، وكما سيأتي في التعليق اللاحق أعتقد أن ابن أبي حاتم أضاف هذه الزيادات بأخرة ، ولست أحب أن أعتبر قوله في ذيل الترجمة : (سمعت أبي يقول ذلك) منعكساً على هذه الزيادات ، وإن كان الحافظ أبو حاتم الرازي قد يجوز عليه - كما جاز على البخاري وفق ما نص عليه بعض الأئمة مثل الخطيب وغيره فيما تقدم - مثل هذا اللبس بما في الكتاب من نظائر قليلة لمثل هذا الأمر ، وإن كنت أرى أنها بابن أبي حاتم أولى ، والله أعلم .
ثم يقول ابن أبي حاتم في الموضع (3/339) من الجرح والتعديل :
[ خالد بن عبد الله بن خالد الأحدب وهو ابن عبد الله بن محرز بن أخي صفوان بن محرز المازني ]
روى عن :
الحسن البصري ، وصفوان بن محرز وزرارة بن أوفى وربيع بن لوط
روى عنه :
سليمان التيمي وعوف وعاصم وأبو بشر وإبراهيم بن طهمان .
سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي
وسمعت أبي يقول : روى يزيد الرشك عن خالد الأثبج
فلا أدري هما واحد أو اثنان ؟(1/49)
واستطرادا فيما يتعلق بصنيع ابن أبي حاتم في الجمع بين الترجمتين ، فإنه إذا جاز لنا التعبير عن شيء بخصوص كتاب الجرح والتعديل بمناسبة هذا الموضع فإننا نعتقد - والله أعلم - أنه ينبغي الاحتياط أحيانا - لا سيما عند وجود ما يستدعي ذلك - من حيث نسبة الإقرار (لأبي حاتم الرازي) بسياقة الترجمة على النحو الذي يسوقه ابنه (ابن أبي حاتم) ، فضلا عن بعض الألفاظ التي تحتمل أن يكون قائلها هو أبو حاتم أو ابنه على السواء .
ومن البدهي أن ابن أبي حاتم لن يصرح في كل موضع يتصرف فيه بأنه قد فعل ، وإذا أشار فلن يصرح بالمواضع التي تصرف فيها ، فضلا عن ثقته في أنه لن يحيل كلام أبيه عن مقاصده .
وبمعنى أوضح فمن خلال الترجمة الأولى قد صرح ابن أبي حاتم بأنه قد تصرف في الترجمة ككل (بما فيها اسم الراوي) وليس في سرد الشيوخ والتلاميذ فقط بقوله : (سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي) ، ثم تأتي عبارة : (فلا أدري هما واحد أو اثنان) بعد قوله : (وسمعت أبي يقول روى يزيد الرشك عن خالد الأثبج) فتحير هذه العبارة من يتوقف عندها شيئا ما ، فيحتمل أن تكون عبارة : (فلا أدري هما واحد أو اثنان) إنما هي من قول ابن أبي حاتم نفسه وليست من كلام أبيه ، فكأنه يريد أن يقول :
[ وذكر أبي مرة أن يزيد الرشك يروي عن خالد الأثبج ] ثم يعلق ابن أبي حاتم معتذرا عن أنه لم أو لن يفرد ترجمة لـ (خالد الأثبج) فيقول : (فلا أدري هما واحد أو اثنان) ، وبالطبع يحتمل أن يكون هذا من كلام أبي حاتم نفسه ، وأن يكون توارد إلى ذهنه هذا الراوي - أي (خالد الأثبج) - عند الكلام على ترجمة خالد الأحدب .
وعلى كل حال فالظاهر أنهما وقفا على قول البخاري في ترجمة نفس الراوي من التاريخ الكبير (3/160) : يقول : [ خالد بن عبد الله بن محرز الأحدب الأثبج المازني البصري بن أخي صفوان بن محرز ، روى عنه أبو بشر وعاصم ويزيد الرشك والتيمي ] .(1/50)
والمعروف أن ابن أبي حاتم قد اعتمد على نسخة من التاريخ الكبير في القراءة على أبيه تخالف في بعض المواضع ما استقر عليه البخاري أخيرا على ما حرره العلامة المعلمي رحمه الله ، ورغم ذلك فذكر البخاري لرواية (يزيد الرشك) ونسبة (الأثبج) تجعل الاحتمال أن قائل عبارة : (فلا أدري هما واحد أو اثنان) هو أبو حاتم نفسه ، والله أعلم.
وربما يجرنا الاستطراد فنشير من طرف خفي إلى أنه ربما في بعض الأحوال قد يستسيغ ابن أبي حاتم لنفسه أن يفسر قول أبيه سواء في مراده من بعض ألفاظ الجرح والتعديل أو غير ذلك من الكلام على الراوي ، ربما بعبارة خفية لا توضح أنه يفسر كلام أبيه ، بل تفهم على أنه يحكيه ، والفارق بينهما واضح ، ولن يكون الابن مهما كان كالأب في العلم والفهم واستعمال العبارات التي تخالج النفس والعقل قبل أن تطرأ على اللسان لتحكي تصوره هو - بل ما يستحضره ساعة الكلام على الراوي من أمره - وهذا ما لا يتشارك فيه اثنان أبدا، وكيف لا وهذا الكتاب - أعني الجرح والتعديل ـ بالإضافة إلى كتاب العلل عامران بالنماذج التي تبين اختلاف وجهات النظر أو بعض الألفاظ على نحو ما بين الرازيين أبي حاتم وأبي زرعة وهما القرينان في كل شيء ، رحمهما الله .
وإذن فلن يكون تصرف الابن أو كلامه - مهما تشرب منهج أبيه - كتصريح أبيه أو عبارته ، والله أعلم .
وهذا يعيد إلى الذهن كيف أن ابن أبي حاتم كان يقرأ التراجم على أبيه فيلقي عليه ما يستحضره .
ولا شك أن ابن أبي حاتم قد أعاد صياغة الكتاب غير مرة ، لا سيما بعد وفاة أبيه ، وقد تصرف في بعض التراجم وصياغة اسم الراوي - الذي كان البخاري يكاد يختزله في كتابه اختزالا - وزاد ابن أبي حاتم ضمنه أقوال ابن معين وأحمد وغيرهما ، وبعض ذلك في ظني إنما كان بعد وفاة أبيه ، والله أعلم .(1/51)
وبمناسبة اختزال البخاري في غير قليل من الأحوال لاسم الراوي ، فإن هذا هو المدخل الذي قد يدخل على بعض تراجم كتاب الجرح والتعديل في إدخال شيء من اسم الراوي أو نسبته أو غير ذلك مما لم يذكره البخاري، على حين أنه في الحقيقة يخص راوياً آخر، فيحدث الالتباس بالجمع والتفريق ، ويطرأ التساؤل: هل هذا من صنيع أبي حاتم ، أو من صنيع ابنه ، على نحو ما أثير في السطور السابقة ، والله تعالى أعلم.
مثال على نسبة التصرفات في تراجم الكتاب لابن أبي حاتم
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/425) :
ثابت بن يزيد الأنصاري ذكره الباوردي ... قلت : وثابت بن يزيد هذا هو ابن وديعة ، ووهم من جعله اثنين ، فقد روى الطيالسي هذا الحديث فقال : ثابت بن وديعة ...
وأعجب من ذلك أن ابن أبي حاتم تحرف عليه اسم وديعة فصار وداعة وغاير بينه وبين ثابت بن يزيد بن وديعة وقال ما نصه :
ثابت بن يزيد بن وداعة كوفي له صحبة روى عن البراء وزيد بن وهب وعامر بن سعد
وكان قال قبل ذلك :
ثابت بن يزيد بن وديعة فذكر نحو ذلك
وقال قبل ذلك :
ثابت بن زيد له صحبة وروى عنه عامر بن سعد
فصير الواحد ثلاثة .
انتهى كلام الحافظ ابن حجر .
المثال الثاني في الجمع والتفريق :
الجمع والتفريق
بين:
عبد الله بن بحير
وبين
أبي وائل القاص الصنعاني
وبين
عبد الله بن بحير بن ريسان الصنعاني(1/52)
في البداية نحب أن نوضح أن مشكلة الجمع والتفريق في هذا الموضع شائكة جداً ، وأن الخيار الذي اخترناه في هذا الموضع قد لا نستطيع أن نسوق له من الحجج والشواهد القوية ما يجعله مقبولاً لكل أحد ، ولكننا نزعم أنها كافية بالنسبة لنا ـ مع ما عايشناه من النصوص الحديثية والروايات ـ وأقوال الأئمة المتقدمين وصنيعهم مثل البخاري وأبي حاتم ، ومن بعدهم ابن حبان ، ومن المتأخرين (ابن ماكولا) ، وأما سائر الأئمة المتأخرين فقد أجمعوا أمرهم على خيار واحد رغم تناقض بعضهم في تصرفه - ولا نقول في أقواله - في بعض مصنفاته ، ورغم أننا نعتبر أن الجمع مقدم على التفريق ما لم تكن مبررات التفريق قوية ، فإننا نرجو أن تكون المبررات التي نسوقها للتفريق في هذا الموضع تكون مقنعة ولسنا نزعم أنها قوية بالدرجة المرجوة ، لقلة مرويات الراوي أو الرواة موضع هذا البحث .
كما أن صياغة هذا البحث على وجه الخصوص بالشكل المطلوب من حيث سهولة السرد والتناول كانت من الصعوبة بمكان ، ونرجو فقط أن تكون المادة العلمية وأوجه الاستدلال بالدرجة المناسبة من حيث الوضوح ، لأن هذا هو الأهم في هذا المقام .
وإليك أقوال بعض من فرقوا صراحة ، ويلي ذلك التفاصيل :
أول من صرح بالتفريق وفق ما وقع لنا ، هو ابن حبان حيث قال في المجروحين (2/24):
[ (أبو وائل القاص اسمه عبد الله بن بحير الصنعاني) وليس هو (عبد الله بن بحير بن ريسان) ذاك ثقة ، وهذا يروي عن عروة بن محمد بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني العجائب التي كأنها معمولة لا يجوز الاحتجاج به ]
وقال ابن ماكولا في الإكمال (1/201) :
[ وعبدالله بن عيسى بن بحير روى عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ ،
وذكر الخطيب في كتاب التلخيص عبدالله بن بحير بن ريسان الحميري حدث عن محمد بن أبي محمد روى حديثه سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد
ورواه غيره عن عبدالرزاق عن عبدالله بن بحير لم يذكر بينهما معمرا(1/53)
هذا منتهى كلامه وأنا أحسبه عبدالله بن عيسى بن بحير نسب إلى جده والله أعلم بالصواب]
انتهى كلام ابن ماكولا .
ملحوظة مهمة :
قد روى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان قال أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إن أرضا عندنا يقال لها أرض أبين .
فكيف يروي عبد الرزاق عن رجل (هو عبد الله بن بحير بن ريسان) يروي شيخه معمر عن ابنه (يحيى) ؟
وكيف يروي عبد الرزاق عن رجل (هو عبد الله بن بحير بن ريسان) يروي هو نفسه ـ أي عبد الرزاق ـ عن شيخه معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال جاء بحير بن ريسان إلى ابن عباس .
الإنصاف ـ فيما نظن ـ يقتضي التفرقة بين (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي هذا هو اسمه فعلا ، وبين (عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان) الذي قد ينسب إلى جده كما قال ابن ماكولا ، والله أعلم .
وقد روى عبد الرزاق كما في التاريخ الكبير (5/123) : قال أخبرنا [عبد الله] بن عيسى بن بحير هو بن ريسان ، وقال في الموضع (5/163) : [عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان سمع بن طاوس روى عنه عبد الرزاق].
وفي الثقات لابن حبان (7/401) : محمد بن أبي محمد يروى عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حجوا قبل أن لا تحجوا روى عبد الرزاق عن عبد الله بن بحير بن ريسان الصنعاني عنه وهذا خبر باطل وأبو محمد لا يدرى من هو .
وفي الثقات أيضا (8/331) :
عبد الله بن بحير بن ريسان من أهل اليمن يروى عن ابن طاوس روى عنه عبد الرزاق
وههنا سؤال مهم : (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي يروي معمر عن ابنه (يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان) هل كانت له رواية ؟ وأين هي ؟(1/54)
إننا نزعم أنه إذا صح أن (عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان) هو (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي يرد في الأسانيد القليلة والتي هي من رواية عبد الرزاق عنه [وهو ما أعتقده أنا أنهما واحد وأنهما - أي الصورتان - هما المقصودتان برواية عبد الرزاق ، ليس يروي عن غيرهما ـ إلا ما قد يكون يرويه عن عبد الله بن بحير عن عبد الرحمن بن يزيد فيكون عبد الرزاق متفقا مع إبراهيم بن خالد الصنعاني في شيخه المذكور والذي ليس هو بابن ريسان كما سيأتي ـ] ، نقول : إذا صح ذلك فإن الشك يتطرق إلى كون هناك راويا - ولا نقول شخصا - باسم [عبد الله بن بحير بن ريسان] ، فهو كشخص فإنه قد ثبت بمعرفة ابنه والتحقق من تسلسل اسم الابن ، وحينئذ تكون الأقوال المتعلقة بـ [عبد الله بن بحير بن ريسان] من المفترض أنها من نصيب [عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان] سواء عرفه من تكلم عنه أو لم يعرفه ، نقصد سواء علم أن اسمه الحقيقي [عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان] ، أو لم يعرف ذلك وانصب كلامه على الاسم الذي يعرفه وهو الوارد في أسانيد عبد الرزاق في بعض الوجوه، فمثال هذا : ابن حبان ، فهو لم يذكر في الثقات [عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان]، وذكر [عبد الله بن بحير بن ريسان]، ونص على رواية عبد الرزاق عنه
تأمل الأسانيد التالية :
أخبار مكة للفاكهي
(774) حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ : أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا "
الضعفاء الكبير للعقيلي(1/55)
(980) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا "
الضعفاء الكبير للعقيلي
(1863) حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرِ بْنِ رَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا "
سنن الدارقطني
(2444) ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ بَحِيرٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا "
السنن الكبرى للبيهقي
(8178) أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أنبأ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ بَحِيرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا "
وقال ابن ماكولا أيضا في موضع آخر:(1/56)
[وعبدالله بن بحير الصنعاني أبو وائل القاص ] عن هانىء مولى عثمان وعبدالرحمن بن يزيد القاص ، روى عنه هشام بن يوسف وإبراهيم بن خالد
فاقتصر ابن ماكولا في ذكر شيوخ الراوي الذي يسمى (عبدالله بن بحير الصنعاني) ويسمى أيضا (أبو وائل القاص) على كل من :
هانىء مولى عثمان ، وعبدالرحمن بن يزيد القاص
واقتصر أيضا في ذكر تلاميذه على كل من :
هشام بن يوسف ، وإبراهيم بن خالد الصنعانيان
ووفق ما وقع لنا من الأسانيد وصيغ إيراد أسماء الرواة فيها ، فهذا الكلام بالإضافة إلى كلام ابن حبان صحيح في بعضه وملتبس في بعضه الآخر ، حسبما سنورد الأمثلة والنصوص بإذن الله .
وبعيداً عمن حزم أمره من الأئمة المتأخرين مثل المزي وغيره الذين جعلوا هؤلاء الرواة واحدا فقط ، فإننا لو أخذنا صنيع بعض الأئمة المتقدمين وغيرهم على ظاهره لقلنا إن بعضهم ـ وفق أقواله أو صنيعه ـ يجعل هؤلاء الرواة اثنين ، وبعضهم يجعلهم ثلاثة بل أربعة ، هذا إذا كان في قصده وذهنه الجمع والتفريق ، ويحتمل أن بعضهم كان يتعامل مع كل صورة وفق الإسناد الذي وقع له ، ربما بمعزل عن الأخرى ، وحينئذ قد لا ينتبه البعض إلى ما بين هذه الصور أو بعضها من جمع أو تفريق ، على نحو ما أخذه الدارقطني والخطيب على البخاري في تاريخه أنه يقع له أحيانا ، وإن كنا لا نقصد البخاري في هذا الموضع ، فلقد كان تفصيله للرواة على النحو الأصوب ، والله أعلم .
وهذه الصور الأربعة الأساسية هي :
1 ـ أبو وائل القاص الصنعاني المرادي .
2 ـ عبد الله بن بحير القاص .
3 ـ عبد الله بن بحير بن ريسان .
4 ـ عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان الجندي.
أما (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي يروي معمر عن ابنه (يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان) والتساؤل هل كانت له رواية ؟ وأين هي ؟ فقد تقدم الكلام عن ذلك قريبا .(1/57)
وعلى كل حال فإننا في مبدأ النظر في هذه الترجمة كنا نظن أن هذه الصور الأربعة تمثل راويين فقط ، الصورتان الأوليان تمثلان راوياً ، والصورتان الأخريان تمثلان راوياً آخر ، ولكن تبين بعد إمعان النظر في الأسانيد والمتون المختلفة لهذه الترجمة أن الأمر أكثر تفصيلاً من ذلك ، كما سيتضح فيما يلي ، والله المستعان .
والأمر الجدير بالملاحظة ههنا أن الطرق التي وقفنا عليها عن إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص وهي جميعها لحديث واحد عن عروة بن محمد ليس فيها التسمية باسم [ عبد الله بن بحير ]
وأما الطرق التي وقفنا عليها عن إبراهيم بن خالد الصنعاني عن عبد الله بن بحير وهي جميعها لحديث واحد عن عبد الرحمن بن يزيد ليس فيها التسمية باسم [ أبي وائل القاص ]
وفي نفس الوقت فإن هشام بن يوسف الصنعاني روى عن عبد الله بن بحير ووصفه أحيانا بالقاص ولكنه لم يكنه بأبي وائل في أي موضع مما استطعنا حصره .
وبالنظر إلى أن ما ترجم به البخاري في التاريخ والكنى يشير إلى أنهما عنده اثنان كذلك ، نجد ذلك يدفع إلى الظن بقوة بأنهما راويان منفصلان ، فتصبح حينئذ احتمالات افتراق وتعدد الرواة وفق الصور الأربعة المذكورة آنفاً :
الصورتان الأوليان راويان اثنان ، والصورتان الأخريان راو واحد
ولكن روى ابن كثير في التفسير (1/406) من طريق الإمام أحمد :
حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أبو وائل الصنعاني قال كنا جلوسا عند عروة بن محمد .. فذكر الحديث ، وقال :
وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص المرادي الصنعاني ، قال أبو داود : [ أراه عبد الله بن بحير ] .
نقول : من المهم الانتباه ههنا إلى أن أبا داود لم يقل في هذا الموضع : (أراه عبد الله بن بحير بن ريسان) ، إذْ سيتضح فيما يأتي الفارق بين (عبد الله بن بحير) وبين (عبد الله بن بحير بن ريسان) .(1/58)
وعلى كل حال فاشتراك الراويين في نسبة القاص بالإضافة إلى النسب الأخرى لعلها هي التي جعلت أبا داود يجمع بينهما ، ولكن يلاحظ أن شيخهما أو أحدهما (عبد الرحمن بن يزيد) قاصّ هو الآخر ، وفي هذه الطبقة عدة شيوخ وتلاميذ من أهل اليمن يكثر فيهم الاشتغال بالقصص والانتساب بنسبة القاص ، والله أعلم .
وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب :
قال أبو أحمد الحاكم في الكنى في فصل من عرف بكنيته ولا يوقف على اسمه : ( أبو وائل القاص المرادي ) قاص أهل صنعاء سمع عروة بن محمد وعنه إبراهيم بن خالد المؤذن .
وعزاه للبخاري
قال الذهبي في التهذيب وقرأته بخطه لم يفرق بينهما أحد قبل ابن حبان وهما واحد .
انتهى كلام الحافظ .
نقول : سيأتي ما يبين أن صنيع البخاري وغيره يدل على التفريق إن شاء الله ، وههنا نقطة مهمة جداً ، وهي أن الإمام ـ لا سيما من المتقدمين ـ قد لا يصرح بقول فصل في مسألة ، لأن المشكلة المتعلقة بهذه المسألة لم تطرح عليه أصلاً أو لم تكن مطروحة في عصره أو قبل عصره ، ولهذا فإن صنيع هؤلاء الأئمة قد يصلح أحياناً - في ضوء الكلام المتقدم آنفاً - أن يقوم مقام التصريح في مثل هذه الأحوال ، والله تعالى أعلم .
وقال مسلم في الكنى والأسماء (1/866) :
[ أبو وائل قاص أهل صنعاء ] عن عروة بن محمد روى عنه إبراهيم بن خالد
وقال البخاري في الكنى (1/79) :
[ أبو وائل القاص المرادي اليامي الصنعاني ] سمع عروة بن محمد روى عنه إبراهيم بن خالد الصنعاني
وقال البخاري في التاريخ الكبير (5/49) :
[ عبد الله بن بحير اليماني ] عن هانئ مولى عثمان سمع منه هشام بن يوسف
وقال البخاري في التاريخ أيضا :
( هانئ مولى عثمان بن عفان القرشي وهو البربري ) سمع عثمان .. قال لي إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن بحير عن هانئ مولى عثمان بن عفان ...
نقول : والظاهر من ذلك أنه يفرق بين هاتين الصيغتين وأنهما عنده راويان .(1/59)
وفي الجرح والتعديل (9/452) :
( أبو وائل القاص المرادي الصنعاني اليماني ) سمع هانئا مولى عثمان وعروة بن محمد بن عطية روى عنه هشام بن يوسف وإبراهيم بن خالد الصنعاني سمعت أبي يقول ذلك .
نا عبد الرحمن قال ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال أبو وائل المرادي الصنعاني ثقة ) .
نقول : والظاهر من ذلك أن الرازي يجمع هشام بن يوسف وإبراهيم بن خالد الصنعاني على شيخ واحد .
والملاحظ هنا : أن هشام بن يوسف لم يذكر شيخه بكنيته - أو بتعبير أدق : لم يكنه - وذلك في إطار المرويات التي وقعت لنا - وإنما يقول كما سبق عند البخاري : ( عبد الله بن بحير ) .
على حين أن إبراهيم بن خالد الصنعاني هو الذي يروي عنه ويكنيه، أو بتعبير أدق يروي عن صاحب الكنية ، وربما قال في إسناد آخر - حديث آخر - عن شيخ آخر : [عبد الله بن بحير] كما سيأتي .
فقد روى إبراهيم بن خالد حديثا قال فيه : حدثنا (عبد الله بن بحير) عن عبد الرحمن بن يزيد ..
وقال الذهبي في المقتنى في سرد الكنى (2/134) :
[أبو وائل القاص بصنعاء] عنه إبراهيم بن خالد مؤذن صنعاء
وقال الذهبي أيضا في المغني في الضعفاء ج: 1 ص: 333
[عبد الله بن بحير الصنعاني القاص] شيخ عَبْد الرَّزَّاقِ وثقه ابن معين
وقال ابن حبان لا يحتج به وليس هو ابن بحير بن ريسان فان بحير بن ريسان غزا المغرب زمن معاوية وسكن مصر .. وقال ابن ماكولا في شيخ عَبْد الرَّزَّاقِ : [ أنا أحسبه عبد الله بن عيسى بن بحير نسب إلى جده ] ..
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/65) :
[عبد الله بن بحير د ت ق الصنعاني القاص ]
[ شيخ لـ عَبْد الرَّزَّاقِ وثقه ابن معين وقال ابن حبان يروي العجائب التي كأنها معمولة لايحتج به وهو أبو وائل وما هو بعبد الله بن بحير بن ريسان ذاك ثقة ... وأبو وائل هذا روى عن عروة بن محمد بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني وغيرها .(1/60)
ـ أحمد بن حنبل : حدثنا ابراهيم بن خالد الصنعاني حدثنا أبو وائل القاص عن عروة بن محمد السعدي عن أبيه عن جده مرفوعا الغضب من الشيطان ...
ـ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حدثنا عبد الله بن بحير حدثنا عبد الرحمن بن يزيد سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرة أن ينظر الى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ اذا الشمس كورت .. (مسند أحمد 4802)
وقال هشام بن يوسف : عبد الله بن بحير القاص يروي عن هانئ مولى عثمان بن عفان كان يتقن ماسمع .
وقال ابن ماكولا أنا أحسبه عبد الله بن عيسى بن بحير نسب إلى جده ] .
انتهى كلام الذهبي
ملحوظة مهمة :
قد روى إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الصنعاني عن عبدالله بن بحير عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
وقد روى عبد الرزاق عن عبدالله بن بحير القاص عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ نفس الحديث .
وقد روى هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ عبد الله بن بحير القاص عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عن عُثْمَانُ حديث القَبْرٍ .
أمثلة أسانيد:
مسند أحمد (ح 4808)
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عبدالله بن بحير عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ وَكَانَ أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ وَهْبٍ يَعْنِي ابْنَ مُنَبِّهٍ - قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيَقْرَأْ : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
مسند أحمد (ح 4802)(1/61)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ الْقَاصُّ أَنَّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَحْسَبُهُ قَالَ : " وَسُورَةَ هُودٍ
مسند أحمد (ح 449)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنِي عبد الله بن بحير الْقَاصُّ عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى .. فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ .
تنبيه عام :
جميع المواضع التي في كتب التراجم المتأخرة والتي فيها التسمية بـ (عبد الله بن بحير بن ريسان) ويكون مقصوداً بها أبو وائل القاص فإنما هي من تصرف هؤلاء الأئمة بلا استثناء ، ما عدا ما قد يكون ذكر في ترجمة (محمد بن أبي محمد) فإنه هكذا سماه بعض الرواة عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ في رواية ، وسماه بعضهم عنه في رواية أخرى باسم (عبد الله بن عيسى الجندي) ، وحسبما سبق في كلام ابن ماكولا - وسيأتي بتفصيل - فقد قال: [ وأنا أحسبه (عبدالله بن عيسى بن بحير) نسب إلى جده ].
تلميحات ثم تفاصيل
الاسم الأول (قبل التحرير) الذي يرد في الأسانيد هو :
ـ عبد الله بن بحير
ـ عبد الله بن بحير القاص
ـ أبو وائل القاص
ـ أبو وائل صنعاني مرادي
ـ الصنعاني / المرادي(1/62)
وفي بعض كتب الأئمة المتقدمين مثل البخاري في التاريخ ومسلم في الكنى وغيرهما ينسب :
ـ الصنعاني / المرادي / قاص أهل صنعاء / اليماني
الاسم الثاني (قبل التحرير) الذي يرد في الأسانيد هو :
ـ عبد الله بن بحير بن ريسان
وفي بعض كتب الأئمة المتقدمين مثل البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم عن أبيه في الجرح وغيرهما يرد بخلاف الصورة السابقة هكذا :
ـ عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان
ـ عبد الله بن عيسى الجندي
ـ الصنعاني / الحميري
ـ من أهل اليمن
وبالطبع فإن الأئمة المتأخرين مثل المزي والذهبي وابن حجر وغيرهم ـ وبناء على الجمع بين هذا الراوي وبين (أبي وائل القاص) فإنهم قد نسبوه بنفس النسب الواردة في (أبي وائل القاص) والذي قيل إن اسمه أيضا (عبد الله بن بحير) وهي :
( القاص / الصنعاني / المرادي / اليماني )
فالقضية الآن هي :
هل الراوي الذي يروي عنه إبراهيم بن خالد الصنعاني ويسميه : (أبو وائل القاص)
هو الراوي الذي يروي عنه هشام بن يوسف الصنعاني ويسميه : (عبد الله بن بحير القاص)
هو الراوي الذي يروي عنه عبد الرزاق الصنعاني ويسميه : (عبد الله بن بحير بن ريسان)
هو الراوي الذي يروي عنه عبد الرزاق الصنعاني ويسميه : (عبد الله بن عيسى) نفس الحديث
هو الراوي الذي يروي عبد الرزاق عن معمر عنه ويسميه : (عبد الله بن بحير) نفس الحديث
هو الراوي الذي يروي عنه عبد الرزاق الصنعاني ويسميه : (عبد الله بن بحير) في حديث آخر ، وربما سماه في بعض الطرق (عبد الله بن بحير الصنعاني القاص) ؟ .
وتفاصيل أخرى سنوردها فيما يأتي إن شاء الله ...
وعلى كل حال فقد ذكر المزي الشيوخ والتلاميذ للراوي (حسبما جعله واحدا) على النسق التالي :
الشيوخ :
روى عن
1 ـ عبد الرحمن بن يزيد القاص ت
2 ـ وعروة بن محمد السعدي د
3 ـ وهانئ مولى عثمان د ت ق(1/63)
ملحوظة : هناك شيخ رابع وفق ما ذكره البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم وغيرهما في ترجمة مستقلة وكذلك في ترجمة :
(عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان الجندي) وهو :
4 ـ [ محمد بن أبي محمد ]
التلاميذ :
روى عنه :
إبراهيم بن خالد د
ورباح بن زيد
وعبد الرزاق بن همام ت
ومحمد بن الحسن بن أتش
وهشام بن يوسف د ت ق الصنعانيون
وبعد استعراض الشيوخ والتلاميذ ، فلكي تتضح الصورة تماما يجب استعراض سياق الأسانيد بالنسبة لكل صورة من الصور وشيخ من الشيوخ لبيان الاتفاق أو الافتراق بالنسبة للراوي كما يلي :
أولاً : الراوي الذي يروي عن : (عروة بن محمد السعدي)
هو الراوي الذي يروي عنه إبراهيم بن خالد الصنعاني ويسميه : (أبو وائل القاص)
انظر في الموسوعة المواضع التي تبين ذلك .
وقد روى إبراهيم بن خالد الصنعاني حديثا قال فيه : حدثنا (عبد الله بن بحير) عن عبد الرحمن بن يزيد وكان من أهل صنعاء وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه فذكر عنه حديثا .
وروى ابن كثير في التفسير (1/406) من طريق الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أبو وائل الصنعاني قال كنا جلوسا عند عروة بن محمد .. فذكر الحديث ، وقال : وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص المرادي الصنعاني ، قال أبو داود أراه [ عبد الله بن بحير ] .
قلت : من المهم الانتباه ـ كما سبق ـ إلى أن أبا داود لم يقل في هذا الموضع : (أراه عبد الله بن بحير بن ريسان) .
وقد سبقت الإشارة إلى أن طرق الحديث عن إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص هي جميعها لحديث واحد عن عروة بن محمد ، وليس فيها التسمية باسم [ عبد الله بن بحير ] .
وأن طرق الحديث عن إبراهيم بن خالد الصنعاني عن عبد الله بن بحير هي جميعها لحديث واحد كذلك عن عبد الرحمن بن يزيد ، وليس فيها كذلك التسمية باسم [ أبي وائل القاص ] .(1/64)
وذكرنا أن ذلك يجعل الظن بأنهما راويان منفصلان قويا .
انظر في الموسوعة المواضع التي تبين ذلك .
ثانياً : الراوي الذي يروي عن : (عبد الرحمن بن يزيد القاص)
هو الراوي الذي يروي عنه عبد الرزاق الصنعاني ويسميه : (عبد الله بن بحير)
انظر في الموسوعة المواضع التي تبين ذلك .
وقد روى إبراهيم بن خالد الصنعاني أيضا حديثا قال فيه :
حدثنا (عبد الله بن بحير) عن عبد الرحمن بن يزيد .. (تهذيب الكمال ج: 18 ص: 16)
ثالثاً : الراوي الذي يروي عن : ( هانئ مولى عثمان )
هو الراوي الذي يروي عنه هشام بن يوسف الصنعاني ويسميه : ( عبد الله بن بحير القاص )
انظر في الموسوعة المواضع التي تبين ذلك .
ملحوظة : ذهب أبو داود في السنن (3221) إلى أن (عبد الله بن بحير) في هذا الإسناد هو (ابن بحير بن ريسان) فقال :
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ثنا هشام عن عبد الله بن بحير عن هاني مولى عثمان عن عثمان بن عفان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل .
قال أبو داود : بحير بن ريسان
نقول وبالله التوفيق : قد قال أبو داود هذا رغم أن هشام بن يوسف لم يصرح في أي موضع بتسمية شيخه باسم (عبد الله بن بحير بن ريسان) ، بل إما (عبد الله بن بحير) أو (عبد الله بن بحير القاص) .
رابعاً : الراوي الذي يروي عن : ( محمد بن أبي محمد عن أبيه عن أبي هريرة )
هو الراوي الذي يروي عبد الرزاق الصنعاني عن معمر عنه ويسميه : ( عبدالله بن بحير بن ريسان الحميري ) إن صح نقل الخطيب البغدادي ، وهو لم يصرح بوضوح أن معمراً كان يسميه هكذا.
هو الراوي الذي يروي عنه عبد الرزاق الصنعاني ويسميه : ( عبد الله بن بحير بن ريسان )
وهو أيضا الراوي الذي يروي عنه عبد الرزاق الصنعاني نفس الحديث وحديثا آخر بنفس الإسناد ، و يسميه : ( عبد الله بن عيسى الجندي ) .
انظر في الموسوعة المواضع التي تبين ذلك .(1/65)
وفي النهاية فالمفترض أن هذا الراوي هو : عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان الجندي
وذلك وفق ما جاء في النقول التالية :
التاريخ الكبير ج: 1 ص: 225
محمد بن أبي محمد عن أبيه عن أبي هريرة اخسؤوا فيها قال يطبق عليهم فلا يسمع فيها الا مثل طنين الطست قاله لي محمد بن الصلت عن عَبْد الرَّزَّاقِ عن عبد الله بن عيسى الجندي
وقال علي حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حدثنا عبد الله بن بحير بن ريسان عن محمد بن أبي محمد عن أبيه عن أبي هريرة حجوا قبل أن لا تحجوا
التاريخ الكبير ج: 5 ص: 163
عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان سمع ابن طاوس روى عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ منقطع وقال الحكم بن أبان زعم عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن بحير أنه بلغه
الجرح والتعديل ج: 5 ص: 126
عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان الجندي روى عن طاوس ومحمد بن أبي محمد عن أبي هريرة روى عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ سمعت أبي يقول ذلك
الثقات ج: 7 ص: 401
محمد بن أبي محمد يروى عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حجوا قبل أن لا تحجوا روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن عبد الله بن بحير بن ريسان الصنعاني عنه وهذا خبر باطل وأبو محمد لا يدرى من هو
وقال ابن ماكولا في الإكمال (1/201) :
وعبدالله بن عيسى بن بحير روى عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ ،
وذكر الخطيب في كتاب التلخيص عبدالله بن بحير بن ريسان الحميري حدث عن محمد بن أبي محمد روى حديثه سلمة بن شبيب عن عَبْد الرَّزَّاقِ بن همام عن معمر بن راشد ورواه غيره عن عبدالرزاق عن عبدالله بن بحير لم يذكر بينهما معمرا هذا منتهى كلامه وأنا أحسبه عبدالله بن عيسى بن بحير نسب إلى جده والله أعلم بالصواب
الثقات ج: 8 ص: 331
عبد الله بن بحير بن ريسان من أهل اليمن يروى عن أبي طاوس روى عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ
ضعفاء العقيلي ج: 4 ص: 135(1/66)
محمد بن أبي محمد مجهول بالنقل ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به حدثناه أحمد بن إبراهيم حدثنا على بن عبد الله حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنا عبد الله بن بحير بن ريسان عن محمد بن أبي محمد عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجوا قبل أن لا تحجوا قالوا وما شأن الحج يا رسول الله قال تقعد أعرابها على أذناب شعارها فلا يصل إلى الحج أحد
المجروحين ج: 2 ص: 24
[ أبو وائل القاص اسمه عبد الله بن بحير الصنعاني وليس هو عبد الله بن بحير بن ريسان ذاك ثقة
وهذا يروي عن عروة بن محمد بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني العجائب التي كأنها معمولة لا يجوز الاحتجاج به
روى عن عروة بن محمد بن عطية عن أبيه عن جده وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ
أخبرناه السامي قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني قال حدثنا أبو وائل القاص
وهو الذي روى عن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني قال سمعت بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت
أخبرناه الحسن بن سفيان قال حدثنا عبيد الله بن فضالة وأحمد بن سفيان قالا حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال أخبرنا عبد الله بن بحير قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني سمع بن عمر ]
الخلاصة
1 ـ أبو وائل القاص الصنعاني المرادي ( راو مستقل عن الذي بعده) .
2 ـ عبد الله بن بحير القاص ( راو مستقل عن الذي قبله أو بعده) .
3 ـ عبد الله بن بحير بن ريسان (مستقل عن اللذَيْنِ قبله وهذا الاسم نسب إلى جده وهو الذي بعده).
4 ـ عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان الجندي (مستقل عن الراويين (1_2) وهو الصورة التامة لاسم الراوي الذي قبله) .(1/67)
وقد جمعهم المتأخرون مثل الإمام المزي رحمه الله ، ومن بعده ، والله تعالى أعلم .
و راجع النصوص والأسانيد المشار إليها بالاستعلام عنها في الموسوعة
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القاعدة السادسة : ـ عدم الاعتماد على ذكر المزي للشيوخ والتلاميذ إلا في حدود الكتب الستة
وأما في غير الكتب الستة فأغلب الظن أن تقل درجة الاعتماد على ذكر المزي للشيوخ والتلاميذ إلى ما يقارب النصف ، وكلما بعد موضوع الكتاب عن أبواب الكتب الستة ، أو بعد مصنفه عن الأخذ عن مشايخ الستة أو من طريقهم ، كلما كانت الدرجة أقل ، والله أعلم .
والنسبة الأقل بوجه عام هي من نصيب كتب التفسير ومصنفات الآثار الفقهية كمصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق ، وما يجري مجراهما ، وكذلك المصنفات في الزهد والرقائق ، وغير ذلك من الأبواب والموضوعات .(1/68)
وفي الحقيقة فإن أغلب أسانيد الكتب الستة شيء ، وأسانيد سائر الأئمة الآخرين شيء آخر إلى حدٍّ كبير ، انظر على سبيل المثال الرواة الذين يذكرهم المزي في الشيوخ والتلاميذ ولا يرمز لهم بشيء من رموز الستة ، وانظر إلى الرواة المتشابهين في الأسماء من رمز له بشيء من رموز الستة ، ومن لم يرمز له ، وإذا أردت أن تتخيل كم من الرواة يمكن استدراكهم على المزي الذي لم يشترط على نفسه الاستيعاب كما سبق ، فانظر إلى ترجمة شعبة من تاريخ الإسلام ، وقارن بين الرواة الذين ذكرهم الذهبي رحمه الله عن شعبة في الفصل الذي عقده تحت عنوان : (فصل في الرواة عن شعبة ) والذي نقله بدوره عن ابن منده ، قارن بين ذلك وبين الرواة الذين ذكرهم المزي في تلاميذ شعبة رغم كثرتهم عنده كذلك ، ستجد الفارق في العدد كبيراً ، وقارن كذلك بين تراجم بعض المشاهير من التابعين وأتباعهم مثل الشعبي وإبراهيم النخعي وشريك وغيرهم من الفقهاء ، وبين الرواة الذين يروون عنهم في كتاب مثل أخبار القضاة لمحمد بن خلف المعروف بوكيع ، ستجد الفارق كبيراً كذلك ، وليس شيء من ذلك يعيب أي شيء في صنيع المزي ، بل الرجل له فضل كبير في إيراد من ليسوا على شرط كتابه ، مع التحرير للأسانيد التي استخرجهم منها ، والدليل على ذلك أنه أعرض عن كثير من الأسانيد غير المتصلة ، فمثلاً لن تجد الثوري في تلاميذ النخعي للإرسال الواضح في روايته عنه ، كما سبق بيانه ، وما يضطر إلى إيراده من هذا القبيل ينص على عدم الاتصال ونحو ذلك من العبارات .
وإنما استطردنا في هذه النقطة للتأكيد على أهمية كتاب المزي ، فلا غنى عنه للباحثين ، ولكننا فقط بصدد التنبيه على ضرورة عدم الاعتماد الكبير عليه ، في غير أسانيد الستة ، وإلا فماذا كان يصنع العلماء قبل هذا الكتاب ؟
وفي الواقع يمكننا أن نلمس ذلك في كثير من الأمثلة المذكورة في القواعد السابقة ، وفيما سيلي من الكلام بإذن الله تعالى .(1/69)
ولعل من الأمثلة التي يمكنني اختيارها للكلام عن مسألة مدى اعتماد الباحث على الشيوخ والتلاميذ المذكورين كتاب تهذيب الكمال هي السلسلة التي يرويها الطبري في تفسيره وهي سلسلة :
( محمد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى )
وقد تكررت هذه السلسلة أكثر من ألفي مرة في هذا الكتاب .
وقصة هذا السلسلة ـ وفقاً للمحاذير التي يمكن أن يقع فيها بعض الباحثين ـ كما يلي :
أولاً : ( محمد بن عمرو ) :
من الممكن أن يتم ـ وعلى صور متعددة ـ تعيين (محمد بن عمرو) هذا في تفسير الطبري على الخطأ إما في جميع المواضع إذا كان الذي يقوم بتعيين جميع هذه المواضع أو هذه السلسلة باحثاً وحيداً ، أو في مواضع عديدة ، نظراً لإمكانية التفاوت بين إمكانات الباحثين ، بالإضافة إلى طبيعة المنهج الذي يتبعه كل منهم .
وإذا وقع الخطأ في التعيين السابق ، فإنما يكون ذلك بسبب الاعتماد على ما يذكره المزي في الشيوخ أو التلاميذ فقط دون النظر للاعتبارات الأخرى على ما سنذكره فيما يلي بمشيئة الله عز وجل
فأما الصورة التي على الصواب فالأصل أنها إذا تم تعيينها بمعزل عن بقية الكتاب أن يقع التعيين على الصواب في نحو عشرين موضعاً فقط ، من جملة مواضع تزيد على الألفي موضع .
وذلك أن ( محمد بن عمرو ) هذا وقع اسمه في هذه المواضع العشرين مميزا هكذا : (محمد بن عمرو الباهلي) .
وجاء في موضع وحيد هكذا : (محمد بن عمرو بن العباس الباهلي) .
وفي باقي المواضع ( أي الألفي موضع الأخرى) وقع فيها : (محمد بن عمرو) غير منسوب أو مميز بأكثر من هذا [ أي : (محمد بن عمرو) فقط ] .
والتعيين الصحيح لهذا الراوي في الألفي موضع هو أنه :
( محمد بن عمرو بن العباس أبو بكر الباهلى البصري )(1/70)
قدم بغداد وحدث بها عن عبد الوهاب الثقفى وسفيان بن عيينة وأبى ضمرة أنس بن عياض ومحمد بن جعفر غندر ومحمد بن أبي عدي وغيرهم روى عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد البغوي ويحيى بن محمد بن صاعد وجماعة آخرهم القاضي المحاملي) .
كذا ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد (3/127)
وبالطبع فإن هذا التعيين للراوي له حيثياته وهي كما يلي :
رغم أن (أبا عاصم النبيل) يروي عنه (محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد العتكى مولاهم ، أبو جعفر البصرى) إلا أن الطبري لم يصرح ولو مرة واحدة في هذا الكم الهائل من الأسانيد التي أوردها في هذه السلسلة بأي نسبة أو أي شيء من متعلقات اسم (محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة) هذا ، بينما نجده يذكر في صدر الكتاب وفي مواضع متتابعة تقريبا اسم (محمد بن عمرو بن العباس الباهلى) هكذا صرح به مرة واحدة على الأقل ، وفي عشر مواضع أخرى ذكره باسم (محمد بن عمرو الباهلى) فاختصر اسم جده .
ومن المعلوم أن المنهج المعتمد في تعيين الرواة يقوم أساسا على استكشاف مسلك الإمام ومنهجه في إيراد أسماء شيوخه على وجه التحديد ، لأنه هو الذي يصرح بأسمائهم ويصوغها وفقما يريد ، بخلاف باقي الأسماء في الإسناد ، حيث أن الأصل أن يوردها كما سمعها وتلقاها ، وإن لم يخل الأمر من التصرف في ذلك أيضا في بعض الأحيان .
وإذا كان شيخ المصنف أحد رواة سلسلة متكررة أو إسناد دائر كما يقال ، أو يروي بإسناده نسخة كتاب لأحد المتقدمين ، فإن هذا أدعى لتغليب وجه واحد في تعيين هذا الراوي في هذه السلسلة، حتى ولو كان للإمام المصنف شيخ آخر أو أكثر يشتركون معه في نفس الاسم الأول حيث يجيء الراوي مهملا، أو يشتركون معه في نفس الاسم الأول واسم أبيه، حيث يجيء الراوي منسوبا لأبيه.(1/71)
وهذا المنهج أقوى من مجرد إيراد أحد الأئمة أصحاب كتب التراجم مثل الحافظ المزي مثلاً لراوٍ واحد في تلاميذ شيخ شيخ المصنف وهو في هذا المثال : (أبو عاصم النبيل) حيث أورد المزي في تلاميذه:
( محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد العتكى) ، ولم يورد (محمد بن عمرو بن العباس الباهلى) ، وذلك له أسبابه ، وأهمها :
أن المزي لم يشترط على نفسه استيعاب الشيوخ والتلاميذ لكل راو في كل ترجمة ، ولا شك أن هذا فوق الطاقة ، ولكنه التزم بأن يورد الشيوخ والتلاميذ لكل راو من رواة الكتب الستة - فيما عدا بعض المبهمات مثل : رجل ، شيخ ، امرأة ونحو ذلك - وذلك لأن عمله في "تهذيب الكمال" مرتبط جداً ومتلازم مع عمله في تصنيفه الآخر كتاب "تحفة الأشراف" ، وكلاهما يخدم الآخر ، وهو بحاجة ضرورية لتعيين جميع رواة الكتب الستة لكي يستطيع إيراد سلاسل الأسانيد في التحفة على الصواب
ومن هنا أمكن قيامه بتمييز الشيوخ والتلاميذ لكل راوٍ ما دامت أسانيدهم في الكتب الستة ، وأما ما عدا الكتب الستة فلا يعدو أن يكون خدمة زائدة أو كنوع من الاستخراج من المراجع الأخرى ، لكي لا يتوهم من ينظر في أي ترجمة من كتابه تهذيب الكمال أنه لا يروي عن فلان - ممن اسمه (محمد بن عمرو) مثلاً - إلا فلان ، فكان عمله هذا تداركاً لما يمكن أن يَزِلَّ فيه من يتعرض لتعيين بعض الرواة في أي مرجع خارج الستة ، فجزاه الله خيراً .
وفي الحقيقة فإن هذه المراجع التي اهتم الحافظ المزي بإيراد (بعض) وأكرر : (بعض) الرواة من أسانيدها في الشيوخ والتلاميذ زائدين على رواة الستة ، فهي : مسند أحمد ، مسند أبي يعلى ، معاجم الطبراني الثلاثة ، مسند البزار ، وكذلك بعض رواة وقعوا في بعض المسانيد المشهورة مثل : مسند الروياني والشاشي .
فتلاحظ إذن أنه لم يتعرض لرواة كتب التفسير رغم تكرار كثير من أسانيدها مثل الحالة التي هي موضع هذا النقاش .(1/72)
ولهذا فإنه يكون من المجازفة الاعتماد على كتاب المزي في تعيين إسناد أي حديث من خارج الستة ، إلا أن تكون حاضرة في الذهن كل الضوابط والمعايير التي تجعل من كتاب المزي مادة جيدة تعطي انطباعاً أولياً عن اتجاهات تعيين الراوي ، والاستئناس به في ذلك ، ثم استحضار وتطبيق المنهج المعتمد في تعيين الرواة ، وإجراء القواعد التي ينبغي حصرها مسبقاً ـ وهو ما نحاول القيام بجزءٍ منه في هذه المقالة ـ ثم اللجوء لتخريج الحديث كضابط من أهم الضوابط في تعيين الرواة تعيينا صحيحاً .
وهذا ـ كما تقدم بدءاً من القاعدة الأولى ـ مسلك للعلماء يظهر بكل وضوح في كتاب مثل "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر ، وبالنظر في أساليبه في تعيين الرواة المشكلين ، نرى أنه لا يستغني عن التخريج بحال سواء لروايات كتاب البخاري ، أو لطرق الحديث نفسه في سائر المراجع ، والله تعالى أعلم .
وإذن فهذا هو ما يتعلق بالجانب الاستقرائي بالنسبة لتعيين شيخ الطبري (محمد بن عمرو) وأما باستخدام التخريج فإليك المثال التالي كنموذج على صحة تعيين (محمد بن عمرو) عند الطبري على أنه (محمد بن عمرو بن العباس الباهلي) رغم قلة مثل هذه النماذج لأن التعامل هنا مع طبقة شبه متأخرة من الرواة ، والله تعالى أعلم .
قال الطبري في تفسيره (3399) :
حَدَّثَنَا [ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ] قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَتَزَوَّدُوا قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْآفَاقِ يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجِّ يَتَوَصَّلُونَ بِالنَّاسِ بِغَيْرِ زَادٍ فَأُمِرُوا أَنْ يَتَزَوَّدُوا
وهذا النص أخرجه الخلال في كتاب "الحث على التجارة والصناعة " فقال :
(102) أخبرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ :(1/73)
ثنا [ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَبَّاسِ الْبَاهِلِيُّ ] ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَتَزَوَّدُوا قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْآفَاقِ يَخْرُجُونَ فِي الْحَجِّ يَتَوَصَّلُونَ بِالنَّاسِ بِغَيْرِ زَادٍ فَأُمِرُوا أَنْ يَتَزَوَّدُوا
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
القاعدة السابعة : مراعاة اختلاف روايات أو نسخ بعض المراجع ، وأثر ذلك في تعيين الرواة ، وكيفية الترجيح بين اختيارات الأئمة ، وكذلك التعامل مع التحريفات والتصحيفات الواردة في الأسانيد .
من العجيب أن كثرة العناية بشيء ما قد تؤدي في بعض الأحيان فيما أظن إلى نتيجة مشابهة لما يترتب على إهماله نوعا ما .
تحضرني هذه الفكرة بشكل مزعج كلما تعرضت لشيء من اختلافات الروايات في صحيح البخاري ، إذ للأسف الشديد تجد اختلافات كثيرة ، وليس للإمام البخاري رحمه الله فيها أي مدخل ، فها هي بعض كتبه الأخرى ، وفيها أيضا روايات متعددة ولكنها أقل ، وبالتالي قلت الاختلافات والإشكالات ، وما نشأت تلك الاختلافات في روايات الصحيح إلا للحرص من رواته وتلاميذهم على هذا الكتاب العظيم ، الذي لقي عناية ليس لها نظير بعد عناية المسلمين بالقرآن الكريم ولقد كان الإمام البخاري وصحيحه جديرين بهذا الفضل والتشريف .
إلا أن الواقع الآن يقول بأن صحيح البخاري يكاد يكون قد خلا عن الخدمة التامة الشافية لمتن الصحيح ، والتحرير العلمي الدقيق لإحدى الروايات المتقنة التي يمكن أن يقال عنها مثلا : ( إن هذا أقرب ما يكون إلى الصحيح الذي ألفه وجمعه الإمام البخاري ) .
انظر إلى الطبعات المتداولة بين أيدي طلبة العلم ، بل والدارسين المتخصصين ، أين هي الطبعة التي تبدأ بإسناد واضح لنسخة صحيحة كاملة لرواية واحدة صحيحة محققة من روايات صحيح البخاري ؟(1/74)
للأسف فإن كثيرا من هذه الطبعات إنما بنيت على نسخ قام بعض العلماء منذ قرون بتجميعها من روايات متعددة ، واختلف الأمر على مدار السنين ، فما يجعل في الحاشية من إحدى الروايات يوضع في المتن ويجعل ما سواه في الحاشية في نسخة أخرى ، وهكذا يحيط الغموض ببعض الأمور العلمية الدقيقة .
ومن المهم جدا التنويه بأن هذا الكلام ليس فيه أي طعن ولا تضعيف لتوثيق هذه النسخ أو الطبعات من الصحيح ، بل المقصود فقط إبراز الحاجة إلى إخراج نسخة صحيحة لرواية واحدة تقل فيها الاختلافات إلى أكبر درجة ، ولا شك أن المقصود بذلك أو ما ينطبق عليه هذا الوصف هو رواية أبي ذر الهروي عن مشايخه الثلاثة المستملي والحموي والكشميهني ثلاثتهم عن الفربري عن البخاري .
هذه الرواية رواية أبي ذر التي شرع الحافظ ابن حجر في الاعتماد عليها في شرح فتح الباري ، ثم ما لبث أن اضطر للاعتماد على إحدى النسخ التي جمعها العلماء في عصره أو قريب من عصره من شتى روايات البخاري ، لكي يكون شرحه مستوعبا للاختلافات ، على أن ينبه من حين إلى آخر إلى فروق روايات أبي ذر الهروي عن مشايخه الثلاثة وبين سائر الروايات ، أقول هذه الرواية لها نسخ في غاية الجودة والإتقان من طريق أبي علي الصدفي منها نسخة الحافظ ( ابن سعادة الأندلسي ) والفرع عنها نسخة الحافظ ( ميارة ) ، ومنها نسخة لأبي مكتوم عيسى ابن الحافظ أبي ذر عن أبيه وهو إسناد الحافظ ابن حجر لرواية أبي ذر .
إن الاقتصار على رواية واحدة صحيحة تامة لصحيح البخاري ( وهو ما ينطبق على رواية أبي ذر ) لهو أمر يحتاجه طلبة العلم بشدة ، لا سيما إذا اقترن ذلك بالتعليقات العلمية التي تصوغ ما تفرق في بطون كتب الشروح وغيرها من الكتب التي تعرضت لسرد الاختلاف في أسانيد وألفاظ ومتون الصحيح .(1/75)
إن الاستطراد السابق قد يكون له ما يبرره إذا نظرنا إلى مقتطفات سريعة من هذه الاختلافات ، ولك أن تدرك وتلمس بنفسك مدى أثرها في تعيين الرواة .
أولا : بعض أوهام وتصحيفات
لرواة صحيح البخاري في أسانيد الكتاب
قال أبو علي الجياني في كتاب " تقييد المهمل " :
هذا كتاب يتضمن التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين ، وذلك فيما يخص الأسانيد وأسماء الرواة ، والحمل فيها على نقلة الكتابين عن البخاري ومسلم ، واعلم أنه قد يندر للإمامين مواضع يسيرة من هذه الأوهام أو لمن فوقهما من الرواة لم تقع في جملة ما استدركه الدار قطني عليهما ونبه على بعض هذه المواضع أبو مسعود الدمشقي وغيره من أئمتنا .
فذكر الجياني ، ومن بعده الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " عددا من الأمثلة نذكر منها ما يلي :
1 قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن عبد المجيد . . .
قال الجياني : هكذا روى هذا الإسناد إبراهيم بن معقل النسفي ، عن البخاري .
وسقط من كتاب الفربري : سليمان بن بلال من هذا الإسناد ، وكذلك لم يكن في كتاب ابن السكن ، ولا عند أبي أحمد ، وكذلك قال أبو ذر عن مشائخه .
قال الحافظ ابن حجر : هو ثابت عندنا في النسخة المعتمدة من رواية أبي ذر عن شيوخه عن الفربري ، وكذا في سائر النسخ التي اتصلت لنا عن الفربري ، فكأنها سقطت من نسخة أبي زيد ، فظن سقوطها من أصل شيخه .
2 قال البخاري : حدثنا مسدد ، نا يحيى ، عن عبد ربه بن سعيد . . .
قال الجياني : هكذا روي عن أبي زيد المروزي ، وكذلك في نسخة أبي ذر عن شيوخه ، لم يذكر خلافا بينهم ، وكان في نسخة أبي محمد الأصيلي : يحيى عن عبد الله بن سعيد ، ثم غير أبو محمد : ( عبد الله ) في كتابه ورده : ( عبد ربه ) كما روى أبو زيد ، وهذا كله وهم .
ورواه ابن السكن ، عن الفربري ، عن البخاري : نا مسدد ، نا يحيى ، عن عبد الله بن سعيد ، وهذا هو الصواب .(1/76)
3 قال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، عن شقيق . . .
قال أبو علي الجياني : وقع هذا الإسناد عن أبي زيد : حدثنا مسدد ، نا عبيد الله بن موسى ، زاد في الإسناد : مسددا ، وذلك وهم وإنما رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى ، وكذلك روته الجماعة عن الفربري .
قال الحافظ ابن حجر : وعليه اقتصر أصحاب الأطراف .
4 قال البخاري : حدثنا مسدد ، نا معتمر قال : سمعت أبي . . .
قال الجياني : سقط ذكر مسدد في هذا الإسناد من نسخة أبي زيد المروزي ، قاله أبو الحسن القابسي ، وعبدوس بن محمد ، وذلك وهم لا يتصل السند إلا به .
5 قال البخاري : حدثنا عبد الأعلى ، نا يزيد بن زريع ، نا سعيد . . .
قال الجياني : وفي نسخة أبي محمد الأصيلي ، عن أبي أحمد : ( يزيد بن زريع حدثنا شعبة ) جعل ( شعبة ) بدل ( سعيد بن أبي عروبة ) .
وقال الأصيلي : في عرضتنا بمكة على أبي زيد : ( سعيد ) يعني ابن أبي عروبة وكذلك رواه أبو علي بن السكن وغيره من رواة الفربري وهو الصواب .
6 قال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : نا يزيد ، قال : عمرو . . .
قال الجياني : هكذا في رواية أبي زيد وأبي أحمد : قتيبة عن يزيد ، غير منسوب .
قال أبو مسعود الدمشقي : وكذلك كان في كتاب الفربري وحماد وبن شاكر غير منسوب ونسبه ابن السكن فقال : عن ( يزيد ) يعني ( ابن زريع ) .
7 قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، وإسحاق بن نصر ، قالا : حدثنا يحيى بن آدم . . .
قال الجياني : سقط من أول هذا الإسناد في نسخة أبي زيد : عبد الله بن محمد وإسحاق بن نصر وابتدأ الإسناد بقوله : نا يحيى بن آدم ، وذلك وهم .
وقال الحافظ ابن حجر : ولم يدرك البخاري يحيى بن آدم .
8 قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، نا عفان بن مسلم ، قال : نا وهيب . . .
قال الجياني : وقع في نسخة الأصيلي عن أبي أحمد في هذا الإسناد تخليط ووهم .(1/77)
إنما الحديث : عن وهيب ، عن أبي حيان عن أبي زرعة ، على ما رواه ابن السكن وأبو زيد وسائر رواة الفربري . . .
9 قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل ، نا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج . . .
قال الجياني : روايتنا عن أبي علي بن السكن في هذا الإسناد عن الفربري عن البخاري : حدثنا سنيد ، قال نا حجاج بالإسناد المذكور والمتن ، فجعل سنيد بن داود بدل صدقة بن الفضل ، وانفرد بذكر سنيد .
10 قال البخاري : حدثنا أحمد بن أبي داود أبو جعفر المنادي ، حدثنا روح . . .
قال الحافظ قوله : ( حدثني أحمد بن أبي داود . . . ) كذا وقع عند الفربري عن البخاري ، والذي وقع عند النسفي : ( حدثني أبو جعفر المنادى ) حسب ، فكأن تسميته من قبل الفربري ، فعلى هذا لم يصب من وهم البخاري فيه ، وكذا من قال : إنه كان يرى أن محمد أو أحمد شيء واحد وقد ذكر ذلك الخطيب عن اللالكائي احتمالا ، قال : وأثبته على البخاري ، قال : وقيل كان لأبي جعفر أخ اسمه أحمد ، قال : وهو باطل ، والمشهور أن اسم أبي جعفر هذا : محمد .
11 قال البخاري : حدثنا أبو النعمان ، حدثنا حماد . عن أنس . . . وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان . . .
قال الحافظ : وقوله ( زادني محمد البيكندي عن أبي النعمان ) كذا ثبت لأبي ذر ، وسقط لغيره ( البيكندي ) وتصرف الزركشي فيه غافلا عن زيادة أبي ذر فقال القائل : ( وزادني ) هو الفربري ، ومحمد هو البخاري ، وليس كما ظن رحمه الله ، وإنما هو كما قدمته .
12 قال البخاري : ( حدثنا سليمان بن حرب عن شعبة ) .
قال الحافظ : كذا للأكثر ، ووقع للكشميهني ، عن سعيد - بمهملة وآخره دال - وهو غلط فاحش ، فليس في شيوخ سليمان بن حرب أحد اسمه سعيد ، حدثه عن الحكم .
13 حديث ( عبد الله بن عمرو ) في قتل المعاهد .(1/78)
قال الحافظ : اتفقت النسخ على أن الحديث من مسند ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) إلا ما رواه الأصيلي عن الجرجاني عن الفربري فقال : ( عبد الله بن عمر ) .
14 وقع في صحيح البخاري : ( عن محمد بن سيرين ، عن ابن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ) .
فذكر أبو علي الجياني أنه سقط من نسخة الأصيلي هنا ( ابن أبي بكرة ) ، وثبت لسائر الرواة عن الفربري .
قال الحافظ ابن حجر : وكذا ثبت في رواية النسفي عن البخاري .
قال الجياني : ووقع في رواية القابسي هنا : عن أيوب ، عن محمد بن أبي بكرة ، وهو وهم فاحش .
15 ( حديث أيوب عن محمد عن أبي هريرة ) .
قال الحافظ : كذا للأكثر ، ووقع لأبي ذر بدله ( عن مجاهد ) وهو خطأ .
وقد تقدم في ( أحاديث الأنبياء ) عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد ، على الصواب لكنه ساقه هناك موقوفا ، واختلف هنا الرواة ، فوقع في رواية كريمة والنسفي موقوفا أيضا ، ولغيرهما مرفوعا وأغرب المزي فعزا رواية حماد هذه هنا إلى رواية ابن رميح عن الفربري ، وغفل عن ثبوتها في رواية أبي ذر والأصيلي ، وغيرهما من الرواة ، من طريق الفربري ، حتى في رواية أبي الوقت وهي ثابتة في رواية النسفي فما أدرى ما وجه تخصيص ذلك برواية ابن رميح .
ثانيا : اختلاف الروايات في تعيين أسماء شيوخ البخاري
أو الوهم في أسمائهم عند بعض رواة الصحيح
من الأمثلة على ذلك :
1 قال البخاري : حدثنا محمد حدثنا أبو الأحوص . . .
قال الحافظ ابن حجر :
قال ابن المبرد : هكذا قال البخاري ، حدثنا محمد ، غير منسوب ، وقال ابن السكن وغيره : حدثنا ابن سلام ، وفي نسخة أبي ذر عن أبي محمد الحموي : حدثنا محمد بن سالم .
قال الباجي : سألت أبا ذر عنه فقال : هو فيما أراه : ( محمد بن سلام ) ، وسها فيه أبو محمد الحموي ، فلا أعلم في طبقة شيوخ البخاري ( محمد بن سالم ) .
2 قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار . . .(1/79)
قال الحافظ ابن حجر : كذا في الروايات التي اتصلت لنا من طريق الفربري ، وقال المزي في الأطراف : أخرجه البخاري عن ( محمد ) غير منسوب ، وهو محمد بن بشار كذا نسبه أبو مسعود .
قال الحافظ : ولم أره غير منسوب إلا في رواية النسفي عن البخاري ، وكأنه وقع كذلك في أطراف خلف ومنها نقل المزي ، ولم أنبه على هذا في المقدمة اعتمادا على ما اتصل لنا من الروايات إلى الفربري .
3 قال البخاري : حدثنا محمد بن عبيد ، عن عيسى بن يونس . . .
قال الجياني : وقع في نسخة أبي محمد الأصيلي - بخطه - : حدثنا محمد بن عبيد بن حاتم . . . فزاد في نسب محمد : ( ابن حاتم ) وكتب عليه : ( بغدادي ) ولم نر ذلك لغيره ، وإنما هو : محمد بن عبيد بن ميمون ، شيخ كوفي ، وكذا نسبه البخاري .
4 قال البخاري : حدثنا محمد ، حدثنا سفيان . . .
قال الجياني : لم ينسب أحد من رواة الجامع محمدا هذا فيما قيدناه عنهم .
5 قال البخاري : حدثنا أحمد ، حدثنا عبد الله بن وهب . . .
قال الحافظ : قوله ( حدثنا أحمد ) كذا للأكثر غير منسوب ، ونسبه أبو علي بن شبويه عن الفربري : أحمد بن صالح .
6 قال البخاري : حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا ابن عيينة . . .
قال الجياني : هكذا روينا في الجامع في إسناد هذا الحديث : ( حدثنا عبد الله بن عثمان : حدثنا سفيان ، عن أبي علي بن السكن ، وأبي ذر عن شيوخه ، وكذا في نسخة النسفي ، وكذا أخرجه أبو مسعود الدمشقي في كتابه عن البخاري ، ووقع في نسخة أبي زيد : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان .
7 قال البخاري : حدثنا عبد الله عن يحيى بن معين . . .(1/80)
قال الجياني : هكذا وقع عبد الله غير منسوب عن يحيى بن معين ، عند أبي محمد ، عن أبي أحمد ، وكذلك النسفي عن البخاري ، ونسبه أبو الحسن - يعني القابسي - عن أبي زيد فقال : حدثني عبد الله بن حماد ، وكذلك نسبه أبو نصر ، ونسبه أبو علي بن السكن فقال : حدثني عبد الله بن محمد ، ولم يصنع شيئا .
8 قال البخاري : حدثنا إسحاق ، أخبرنا بشر بن شعيب . . .
قال الجياني : لم ينسبه أبو نصر في كتابه ، ونسبه أبو علي بن السكن ، في باب مرض النبي ( إسحاق بن منصور ) ، وأهمله في الاستئذان .
9 قال البخاري : حدثني إسحاق بن إبراهيم ، قال حدثنا الحسين بن محمد المروزي .
قال الجياني : ذكر أبو عبد الله الحاكم : إن إسحاق بن إبراهيم هنا هو ابن نصر ، وخالفه الناس فقالوا : هو إسحاق بن إبراهيم البغوي ، هكذا قال أبو نصر في كتابه ، وكذلك نسبه أبو محمد الأصيلي في نسخته وأبو علي بن السكن .
10 قال البخاري : حدثنا عبد الله ، حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة . . .
قال الجياني : هكذا في إسناد هذا الحديث : حدثنا عبد الله ، غير منسوب عند أبي زيد ، وأبي أحمد ، ونسبه أبو علي بن السكن فقال : حدثنا عبد الله بن يوسف .
وذكره أبو مسعود الدمشقي عن البخاري : عبد الله غير منسوب ، ثم قال : وهذا الحديث رواه الناس عن عبد الله بن صالح ، وروى أيضا عن عبد الله بن رجاء فالله أعلم أيهم هو .
11 قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد . . .
قال الجياني : هكذا أتى في الموضعين في أكثر الروايات ( إسماعيل ) غير منسوب ، ونسبه أبو محمد الأصيلي في نسخته في ( كتاب العلم ) إسماعيل بن عبد الله .
ونسب ابن السكن الذي في ( كتاب العلم ) إسماعيل بن أبان الوراق .
وروى أبو علي بن السكن في نسخته عن الفربري عن البخاري : عن إسماعيل بن عبد الله ابن زرارة .
12 قال البخاري : حدثنا إسحاق أخبرنا النضر . . .(1/81)
قال الجياني : نسبه أبو علي بن السكن في بعض هذه المواضع : إسحاق بن إبراهيم ، وفي نسخة أبي محمد الأصيلي : قال البخاري : حدثنا إسحاق بن منصور .
13 قال البخاري : حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الصمد . . .
قال الجياني : نسب أبو محمد الأصيلي ثلاثة مواضع من هذه : إسحاق بن منصور ، وأهمل سائرها ولم أجده منسوبا لابن السكن ، ولا لغيره من رواة الكتاب في شيء من هذه المواضع .
وقد نسبه البخاري في باب مقدم النبي فقال : حدثنا إسحاق بن منصور .
14 قال البخاري : حدثنا قتيبة ، قال : حدثنا يزيد ، حدثنا عمرو بن ميمون . . .
قال الحافظ : قال أبو مسعود الدمشقي : كذا هو غير منسوب ( يعني يزيد ) في رواية الفربري وحماد بن شاكر ويقال : إنه ابن هارون ، وليس بابن زريع ، وجميعا قد رويا - يعني عن عمرو بن ميمون - ووقع في رواية ابن السكن - أحد الرواة عن الفربري - : حدثنا يزيد يعني ابن زريع ، وكذا أشار إليه الكلاباذي ، ورجح القطب الحليمي في شرحه أنه ابن هارون ، قال : لأنه وجد من روايته ، ولم يوجد من رواية ابن زريع .
قال الحافظ : ولا يلزم من عدم الوجدان ، عدم الوقوع ، كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه ، فدل على وجدانه والمثبت مقدم على النافي .
15 قال البخاري : حدثني يحيى ، حدثنا وكيع . . .
قوله : ( حدثني يحيى ) قال الحافظ : نسبه ابن السكن فقال : ( يحيى بن موسى ) ونسبه المستملي فقال : ( يحيى بن جعفر ) ولا يخرج عن واحد منهما ، والأشبه ما قال المستملي .
16 قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار . . .
قال الحافظ : ووقع هنا في رواية أبي ذر عن المستملي خاصة عن الفربري : ( حدثنا علي بن خشرم ، حدثنا سفيان ) الحديث .
17 قال البخاري : حدثنا محمد . . .
قال الحافظ : هو ابن معمر نسبه ابن السكن عن الفربري ، وقيل هو الذهلي .
18 قال البخاري : حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، حدثنا مالك . . .(1/82)
قال الحافظ : وفي رواية ابن شبويه عن الفربري : ( حدثنا محمد بن إسحاق الفروي ) وهو مقلوب ، وحكى عياض عن رواية القابسي مثله قال : وهو وهم .
19 وقال الحافظ في تهذيب التهذيب ( 6 / 186 )
( عبد الرحمن بن عبد الله بن جبر عن أنس وعنه شعبة كذا ثبت من كثير من روايات البخاري في المناقب والصواب عبد الله بن عبد الله كما ثبت في رواية أبي ذر )
وفي مقدمة فتح الباري المعروفة باسم " هدى الساري " قد ذكر الحافظ ابن حجر مواضع عديدة من ذلك ، واجتهد كثيرا في حل كثير من الإشكالات ، بعد أن تشرب وانتفع بكثير من جهد من سبقه من العلماء في تآليفهم ، واستطاع بما وهبه الله من الذكاء والتوفيق أن يبرز أفضل ما في هذه الاختلافات وأرجحها ، وأن يدل عليها .
ولا شك أن الأمر يحتاج إلى مساحة أكبر لتفصيل الكلام عن هذه النماذج ، وكيفية الترجيح بين اختيارات الأئمة ، وكيف أن العلماء كانوا ( يمشون التعيين ) إذا صح التعبير بناء على الروايات ( روايتين غالبا ) حيثما يستوي فيها الراويان المشكوك في تعيينهما ما دام الأمر بين يدور بين الثقات من الرواة ، وما دام ليس في الوسع التحقق والجزم أو الترجيح بين الروايات بشكل قوي .
وإذا تطرقنا إلى الجانب المقابل للعناية الشديدة سنجد أن بعض المراجع تكاد تكون غير مخدومة جيدا أو أن المراجع التي خدمتها غير متاحة ، ومع ذلك فإن استقرار ما تقدم ذكره من القواعد والضوابط في ذهن الباحث حقيق بأن يجعله بعون الله عز وجل يوفق إلى الصواب ، أو يكون أقرب ما يكون إليه ، والله تعالى أعلم .
وسنذكر بإذن الله مثالا لموضع في مسند أحمد ، وهو من المراجع التي لم تلق العناية الكافية رغم كل ما بذل حتى الآن ، والله أعلم .
( حيوة بن شريح )
من المفترض أن لا يقع الخلط بين ( حيوة بن شريح بن صفوان بن مالك التجيبي ، أبو زرعة المصري )(1/83)
وبين ( حيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي ، أبو العباس بن أبي حيوة الحمصي ) إلا في أضيق نطاق إذا كان عمل الباحث يدويا وحيث يفتر ذهنه عن التركيز والمقارنة المستمرة بين شيوخهما وتلاميذهما ، وذلك نظرا للتفاوت الواضح ما بين طبقتيهما ، حيث الأول من الطبقة السابعة ، والثاني من الطبقة العاشرة ، ولذلك فإنهما لم يشتركا في شيء من الشيوخ أو التلاميذ حسب ما سرده المزي في ترجمتيهما من التهذيب .
ووفقا لصنيع المزي والأسانيد التي وقفنا عليها فإن ( عبد الله بن يزيد أبا عبد الرحمن المقرىء ) شيخ الإمام أحمد وطبقته لا يروي عمن يسمى ( حيوة ) إلا عن ( حيوة بن شريح المصري ) فقط .
وبناء على هذا فربما ينتاب الباحث شيئا من التحير إذا وقف على الإسناد التالي في مسند أحمد حيث وقع فيه :
( 22973 ) حدثنا المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، حدثنا أبو رهم السمعي ، أن أبا أيوب حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من جاء يعبد الله لا يشرك به شيئا ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويصوم رمضان ، ويجتنب الكبائر ، فإن له الجنة " ، وسألوه : ما الكبائر ؟ قال : " الإشراك بالله ، وقتل النفس المسلمة ، وفرار يوم الزحف " .
هذا الموضع يعني أن ( أبا عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء ) يروي كذلك عن ( حيوة بن شريح الحمصي ) .
وبالضرورة فهذا الإسناد مشكل لعدة أسباب :
الأول : أن هذا الحديث كما سيأتي ليس حديث ( حيوة بن شريح المصري ) ، وإنما حديث ( حيوة بن شريح الحمصي ) فهو الذي يروي عن ( بقية ) ، وهو الذي روى أبو زرعة الدمشقي وغيره عنه وليس عن ( المصري ) هذا الحديث عن ( بقية ) كما أن ( حيوة بن شريح المصري ) لا يعلم له رواية عن ( بقية بن الوليد ) ، والله أعلم .(1/84)
الثاني : تفاوت ما بين طبقة ( حيوة المصري ) و ( حيوة الحمصي ) ، فالأول من السابعة ، والثاني من العاشرة ، وليس ملحوظا في شيوخ المقرئ أنه يروي عن هذه الطبقة المتأخرة ، حيث أن وفاة ( حيوة بن شريح الحمصي ) سنة ( 224ه ) ووفاة ( المقرئ ) سنة ( 213ه ) أي قبله بأكثر من عشر سنين ، كما أن وفاة ( بقية ) سنة ( 197ه ) ، بينما وفاة ( حيوة بن شريح المصري ) شيخ ( المقرئ ) فعلا والذي أكثر عنه جدا ، كانت سنة ( 158ه ) .
الثالث : أن هذا الحديث يرويه ابن راهويه عن بقية مباشرة ، في حين أن المقرئ شيخ لابن راهويه ، فكان من الأولى أن يروي الإمام أحمد هذا الحديث عن ابن راهويه أو غيره ممن رووه عن بقية ، وهم كثر ، بدلا من أن ينزل فيه درجتين بغير داع ، بل هذا ما حدث بالفعل ، إذ وجدت في نهاية هذا البحث أن الإمام أحمد يروي الحديث في موضع آخر عن ( زكريا بن عدي ) عن ( بقية ) مباشرة .
الرابع : أن الإمام أحمد يروي عن ( حيوة بن شريح الحمصي ) مباشرة بلا واسطة ، بل ويروي بهذه السلسلة : ( حيوة بن شريح الحمصي عن بقية عن بحير بن سعد ) في مواضع كثيرة من المسند .
حل الإشكال :
بما أن الإشكال السابق ليس له نظائر في المسند فيما أظن والله أعلم ، فينحصر تصور حل الإشكال في ثلاثة احتمالات هي :
الاحتمال الأول : يحتمل أن يكون الصواب والله أعلم : ( حدثنا المقرئ ( و ) حدثنا حيوة بن شريح ) بزيادة واو العطف بينهما ، فيكون كلاهما يرويه عن بقية كما رواه ابن راهويه وغيره عن بقية ، وبعد أن وقفت على رواية الإمام أحمد لهذا الحديث في نهاية هذا البحث عن ( زكريا بن عدي عن بقية ) أجد أن هذا الاحتمال هو أقرب الاحتمالات وأيسرها ، بغض النظر عن تداول بعض العلماء لهذا الإسناد من مسند أحمد بدون التنبيه عليه ، كما سيأتي عقب الاحتمال الثالث ، والله تعالى أعلم .(1/85)
الاحتمال الثاني : وهو أبعد من سابقه أن يكون الحديث من زيادات عبد الله بن أحمد ، كما يحتمل أيضا أن تكون كلمة ( المقرئ ) محرفة عن نسبة أخرى غيرها ، مثل : ( العوهي ) وهي نسبة ( أبي حميد الحمصي أحمد بن محمد بن المغيرة بن سيار ) الذي روى عنه كما في الموضع ( 16422 ) من المسند :
( قال عبد الله بن أحمد حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن محمد بن المغيرة بن سيار ، قال : حدثنا حيوة ، قال : حدثنا بقية ، عن صفوان بن عمرو . . . ) فذكر حديثا ، والله أعلم .
الاحتمال الثالث : أن تكون كلمة المقرئ مقحمة ، ويحتاج تحرير ذلك إلى الوقوف على نسخ جيدة من المسند بالإضافة إلى صنيع الأئمة الذين لهم اهتمام خاص بالمسند وأصحاب النسخ المتقنة منه ، مثل الحافظ ابن كثير والمزي والمقدسي وغيرهم .
وقد وجدنا الحديث في ( أطراف المسند لابن حجر ) وكذلك في ( جامع المسانيد لابن كثير ) مثلما في المسند : ( حدثنا المقرئ حدثنا حيوة بن شريح ) إلا أن الحافظ ابن حجر لم تكن لديه نسخ جيدة من المسند كما يتضح من كثرة الأغلاط في الأسانيد في أطراف المسند ، وأما بالنسبة لجامع المسانيد لابن كثير ، ففي الحقيقة أخشى أنه لا يوثق بالطبعة التي اعتمدنا عليها في أنها لم تنقل عن مطبوعة المسند على حساب ما في مخطوط الجامع ، فضلا عن غير ذلك من الاحتمالات .(1/86)
وإذا استبعدنا احتمال أن تكون الكلمة مقحمة ، أو وجود تحريف في النص أو سقوط حرف العطف ، فالظاهر والله أعلم أن الحافظين ابن كثير وابن حجر لم ينتبها إلى أن ( حيوة بن شريح ) في هذا الإسناد إنما هو ( الحمصي ) وليس هو ( المصري ) ، ولا شك أنهما لهما العذر في ذلك ، لأن هذا الإسناد أعني ( المقرئ عن حيوة بن شريح ) متكرر جدا في المسند ، ولكن الوقوف على هذا الموضع على وجه الخصوص جدير بإثارة الانتباه ، إذا كان حاضرا في الذهن أن ( حيوة بن شريح ) في هذا الإسناد إنما هو ( الحمصي ) ، بدلالة الرواية عن ( بقية ) ، وسيتضح فارق الطبقة ، مما يدفع إلى تحرير هذا الموضع ، والله أعلم .
الحديث يرويه عن ( حيوة بن شريح الحمصي ) كذلك كل من :
الطبراني في الكبير
( 3791 ) حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، ثنا حيوة بن شريح ح ، وحدثنا موسى بن عيسى بن المنذر الحمصي ، ثنا أبي ، قالا : ثنا بقية بن الوليد ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، ثنا أبو رهم السماعي ، أن أبا أيوب ، حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أحد لا يشرك بالله شيئا ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويصوم رمضان ، ويجتنب الكبائر ، إلا وجبت له الجنة " ، وسألوه ما الكبائر ؟ فقال : " الإشراك بالله ، وقتل النفس المسلمة ، وفرار يوم الزحف "
الطبراني في مسند الشاميين
( 1113 ) حدثنا موسى بن هارون ، ثنا إسحاق بن راهويه ، أبنا بقية بن الوليد ح وحدثنا أبو زرعة الدمشقي ، ثنا حيوة بن شريح ، ثنا بقية ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي رهم السمعي ، عن أبي أيوب الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات يعبد الله لا يشرك به شيئا , ويقيم الصلاة , ويؤتي الزكاة , ويصوم شهر رمضان , ويجتنب الكبائر أدخله الله عز وجل الجنة " , وسئل : ما الكبائر ؟ قال : " الإشراك بالله , وقتل النفس التي حرم الله , والفرار يوم الزحف " .(1/87)
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
خاتمة
كانت هذه المقالة أو ذلك العرض من المفترض أن تكون نصا موجزا أو شبه موجز ، إلا أننا كانت لدينا الرغبة في التمثيل بنماذج من العمل في الموسوعة ، والذي يمثل بشكل أو بآخر المنهج المتبع في المراجعة العلمية للرواة ، وكان لدينا كذلك الحرص بقدر ما نستطيع على نشر الوعي بما يتعلق بعلم الرواة لا سيما الجانب العملي ، إذ قل من يتعرض لتلك الجوانب إلا في المراكز العلمية المتخصصة في هذا المجال ، وقليل ما هي ، والله المستعان .
وقد أشرنا في هذا العرض إلى جملة من القواعد والضوابط التي شكلت منهج الموسوعة في تعيين الرواة ، وظهر من خلال ما تقدم : كيف أن الأمر في تمييز الرواة لا يزال من الصعوبة بمكان ، فليس بالتخريج وحده يتم تعيين الرواة ، ولا بالاعتماد على ما تذكره بعض المراجع من الشيوخ والتلاميذ في تراجم الرواة ، بل ولا حتى على نص بعض الأئمة بشأن تعيين أحد الرواة في بعض المواطن ، وتبين كذلك أن الأمر أعم وأشمل من ذلك بكثير وأعقد من ذلك إلى حد كبير .
وإننا لنرجو أن تكون هذه المرحلة من الموسوعة خطوة كبيرة في سبيل تذليل هذا الشأن وتيسير هذا العلم على طلاب الحديث النبوي الشريف وعموم المسلمين ، والله المستعان وبه التوفيق ، وهو يهدي إلى سواء السبيل .(1/88)