الحمد لله والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على سنته…
فهذه أسئلة عن بعض الأحاديث أجاب عنها /
الشيخ/سليمان بن عبد الله العلوان…حفظه الله
مصدري فيها موقع الشيخ على الانترنت/ al-alwan.org
كانت مبثوثة في الموقع فجمعت شتاتها من قسم الجلسات العلمية والفتاوى.
وأعتذر إليك أخي القارئ إن حصل إغفال لبعض الأحاديث سهواً فهذا جهد بشري ،الأصل فيه السهو و النقص.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
16/11/1423هـ
السؤال الأول : هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟
الجواب : نعم فيه بعض الأحاديث الضعيفة مثل:-
1- الحديث الثاني عشر ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) . رواه الترمذي وغيره من طريق قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة( عن النبي (. وهذا لا يصح قرة بن عبد الرحمن سيء الحفظ وقد رواه مالك وغيره عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن النبي- صلى الله عليه وسلم - مرسلاً .
وصحح إرساله أحمد بن حنبل ، والبخاري ، والدار قطني وغيرهم .
2- وفيه الحديث التاسع والعشرون حديث معاذ بن جبل قلتُ:( يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار ... ) الحديث رواه الترمذي من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن معاذ .
ورواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن شهر بن حوشب عن معاذ .
وهذا أصح من الأول وشهر بن حوشب ضعيف الحديث .
3- ومن ذلك الحديث الثلاثون حديث أبي ثعلبة الخشني ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ..) الحديث فيه انقطاع ، بيد أن له شاهداً حسناً رواه الحاكم من حديث أبي الدرداء .(1/1)
4- ومن ذلك الحديث الحادي والثلاثون حديث سهل بن سعد الساعدي قال: ( جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ... ) الحديث ، ولا يصح بوجه من الوجوه وإن كان معناه صحيحاً .
5- ومن ذلك الحديث الثاني والثلاثون حديث (لا ضرر ولا ضرار) لا يصح إلا مرسلاً قاله: ابن عبد البر وغيره ، وقد عدّه أبو داود من الأحاديث التي يدور الفقه عليها .
6- ومن ذلك الحديث التاسع والثلاثون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . أنكره الإمام أحمد ، ومعنى الحديث صحيح فيه ما يدل عليه من الكتاب والسنة .
7- ومن ذلك الحديث الحادي والأربعون حديث ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) مداره على نعيم بن حماد الخزاعي ولا يصح حديثه ضعفه أبو داود ، والنسائي ، وجماعة .
8- ومن ذلك الحديث الثاني والأربعون حديث أنس قال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك ... ) فيه لين ، وقد تفرد به الترمذي من هذا الوجه وقال: حسن غريب ، وقد صح آخره من حديث أبي ذر رواه مسلم في صحيحه .
السؤال الثاني : ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم )
الجواب : هذا الخبر منكر سنداً ومتناً ، قال عنه الإمام مالك: هذا كذب ذكره عنه أبو داود في سننه .
وقال الأوزاعي: مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده). متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو دليل على صوم يوم السبت والأحاديث في ذلك كثيرة والله أعلم .
السؤال الثالث: ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) .
الجواب : هذا الحديث موضوع رواه أبو نعيم في الحلية وغيره وفي إسناده يحي بن هاشم السمسار .(1/2)
قال عنه الإمام النسائي : متروك الحديث .
وقال يحيى بن معين : كذاب .
وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرقه .
والدعاء عند ختم القرآن له حالتان :
الأولى : في الصلاة فهذا بدعة فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله أو سنه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ودون ذلك ابتداع في الدين قال - صلى الله عليه وسلم - ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . متفق عليه من حديث عائشة .
وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام ، وشيخ الإسلام في الاقتضاء قاعدة عظيمة المنفعة في التفريق بين البدعة وغيرها ، وهي: أن ما وجد سببه وقام مقتضاه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيدين والاستسقاء ونحو ذلك .
ودعاء الختمة في الصلاة من ذلك فقد كان الصحابة - رضي الله عنه - يقومون في رمضان ليلاً طويلاً ويتكئون على العصي من طول القيام فهم في هذه الحالة يختمون القرآن أكثر من مرة ولم ينقل عن أحد منهم دعاء بعد الختمة .
وقد قال الإمام مالك رحمه الله : ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس . ذكر ذلك عنه ابن الحاج في المدخل .
الحالة الثانية : الدعاء عقيب الختمة في غير الصلاة وهذا منقول عن أنس بن مالك بسند صحيح .
ومأثور عن جماعة من أهل العلم ولا أعلم في المرفوع شيئاً ثابتاً والله أعلم .
السؤال الرابع: ورد في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم ، فقامت امرأة من وسط الناس سفعاء الخدين ... الحديث .
نريد صحة الزيادة ( سفعاء الخدين ) حيث يحتج بها القائلون بكشف المرأة وجهها عند الأجانب ؟
الجواب : هذه الرواية جاءت في صحيح الإمام مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله .(1/3)
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وليس فيه هذه الزيادة .
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان .
قال الإمام أحمد رحمه الله : عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف ابنَ جريج في إسناد أحاديث وابن جريج أثبت منه عندنا .
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها دعوى غير صحيحة فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث .
بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم .
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ والله أعلم .
السؤال الخامس: ما صحة حديث ( الصدقة تطفئُ غضب الرب ..) ؟
الجواب : هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله بن عيسى الخزّاز ،عن يونس بن عُبيد ،عن الحسن البصري ، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء )) .
وهذا الإسناد منكر .
عبد الله الخزاز منكر الحديث قاله أبو زرعة .
وقال النسائي: ليس بثقة .
وقال ابن عدي : هو مضطرب الحديث وليس ممن يحتج به.
وقال العقيلي : لا يتابع على أكثر حديثه .
وجاء هذا الخبر بلفظ .( إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء ). رواه القضاعي في مسنده من طريق يزيد الرقاشي ، عن أنس ، ولا يصح .
السؤال السادس: ما تقولون في حديث ابن عمر قال:كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟
الجواب : هذا الحديث معلول وقد رواه أحمد ، و الترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق حفص بن غياث ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع، عن ابن عمر .
وظاهر هذا الإسناد الصحة ، وقد صححه أبو عيسى الترمذي ، وابن حبان وآخرون .(1/4)
وفي ذلك نظر ولا يصح الاعتماد على ظاهر الإسناد وقد قال أبو عيسى الترمذي في كتابه العلل: سألت محمداً عن هذا فقال: هذا حديث فيه نظر .
وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله : لم يحدث بهذا الحديث أحد إلا حفص وما أراه إلا وهم فيه وأراه سمع حديث عمران بن حُدير فغلط بهذا .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الشرب قائماً .
فقيل: محرم ويجوز لعذر يمنع من القعود وهذا اختيار الإمام ابن القيم لحديث أنس في صحيح الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر عن الشرب قائماً .
وفي رواية : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشرب الرجل قائماً .
ورواه من حديث أبي سعيد الخدري .
وقيل: هذا النهي منسوخ لحديث ابن عباس قال : سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زمزم فشرب وهو قائم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وفي صحيح البخاري من طريق عبد الملك بن ميسرة ،عن النزال قال : أتى عليّ - رضي الله عنه - على باب الرحبة فشرب قائماً فقال : إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل كما رأيتموني فعلت ) . وقيل: تحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهذا قول الطبري ، والخطابي ، والحافظ ابن حجر .
وقيل: بجواز الأمرين دون كراهة والشرب قاعداً أفضل لأنه الأكثر في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الصحيح . والله أعلم .
السؤال السابع: ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ).
الجواب : هذا الحديث لا يثبت ، فقد رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال:( الحمد لله ... الخ .
وإسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه ، وجاء نحوه من حديث أبي ذرمرفوعاً وموقوفاً وفيه اختلاف ولا يصح.(1/5)
وفي الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت:كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال : (غفرانك) . رواه الترمذي ، والبخاري في الأدب المفرد من طريق مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل ، عن يوسف بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن عائشة وإسناده حسن .
ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة ، وابن ماجه من طريق يحيى بن أبي بكير .
وأبو داود من طريق هاشم بن القاسم كلاهما عن إسرائيل بلفظ كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك .
السؤال الثامن: ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟
الجواب : هذا الحديث رواه أحمد في مسنده ، وابن ماجه من طريق عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
وفيه ضعف فإن عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث قال الإمام أحمد : أحاديثه مناكير .
وقال أبو داود : منكر الحديث .
وقال ابن عدي : أحاديثه عليها الضعف بيّن .
وقال العقيلي في الضعفاء حين ذكر له هذا الخبر: لا يتابع عليه .
وروى الفاكهي في أخبار مكة عن معاوية - رضي الله عنه - قال:( زمزم شفاء هي لما شرب له) وقد حسنه الحافظ ابن حجر في جزء جمعه حول هذا الحديث .
وفي إسناده عند الفاكهي محمد بن إسحاق الصيني شيخ الفاكهي وهو كذاب قاله ابن أبي حاتم .
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في زمزم ( إنها مباركة إنها طعام طُعم ) .
وروى عبد الرزاق في المصنف عن الثوري، عن ابن خُثَيم أو عن العلاء شك أبو بكر ، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس قال: كنا نسميها شُباعة يعني زمزم وكنا نجدها نِعم العون على العيال .
ورواه ابن أبي شيبة ، والأزرقي ، والفاكهي في أخبار مكة .
وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه قال : زمزم طعام طعم وشفاء سقم .(1/6)
وروى عبد الرزاق عن معمر، عن ابن خُثَيم أن مجاهداً كان يقول : هي لما شربت له يقول تنفع لما شربت له .
السؤال التاسع : ما القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟
الجواب : هذا الحديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك، و أبو أمامة، وابن عمر، وعائشة وغيرهم، ولا يصح من ذلك شيء .
فحديث أنس رواه الترمذي في جامعه من طريق عبد العزيز بن مسلم حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. أي: ضعيف .
وأبو ظلال ليس بشيء قاله يحيى بن معين، وضعفه أبو دواد والنسائي وابن عدي وغيرهم .
وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في المعجم الكبير من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن علي ،عن يحي بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً .
وعثمان بن عبد الرحمن الحراني متكلم فيه بسبب روايته عن الضعفاء والمجاهيل .
وموسى بن علي ليس بمعروف .
والقاسم مختلف فيه وقد ضعفه جماعة بسبب الرواة عنه قال أبو حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء .
وتكلم فيه الإمام أحمد وضعفه الغلابي و العقيلي وابن حبان وقال: يروي عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - المعضلات ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبة حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها .
وحديث ابن عمر ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين من طريق الأحوص بن حكيم ،عن خالد بن معدان، عن ابن عمر مرفوعاً. والأحوص ضعيف قاله أحمد بن حنبل ،وابن المديني ،ويحيى بن معين .
وحديث عائشة رواه أبو يعلى في مسنده، وفيه جهالة ونكارة .(1/7)
ولا أعلم حديثاً صحيحاً في الباب ولا ثبت عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا عن الأئمة المتبوعين من الأئمة الأربعة أن من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين حضي بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
ومثل هذا تتوافر الهمم والدواعي على نقله فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يجلسون في المصلى حتى ترتفع الشمس ثم يقومون رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي خيثمة ،عن سماك بن حرب ،عن جابر بن سمرة .
وحين لا يذكرون الصلاة ولا الأجر المترتب على ذلك وهو من الأهمية بمكان ... فيه دليل على أنه لا أصل للأحاديث الواردة في الباب .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق منصور، عن مجاهد أن عائشة كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة الضحى . وهذا إسناده صحيح وليس فيه ذكر للصلاة بعد الجلوس وكأن الأمر غير معروف في ذاك الجيل العظيم .
وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الوليد بن مسلم قال: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه .
والمنقول عن السلف في مثل هذا كثير مما هو دال ومؤكد على أن هذه الصلاة المذكورة بعد الشمس والأجر المترتب على ذلك ليس له أصل .
وهذا لا ينفي أن الصلاة بعد ارتفاع الشمس مشهودة محضورة والخبر في مسلم من حديث عمرو بن عبسة فهذا شيء وما نحن فيه شيء آخر والله أعلم .
السؤال العاشر: ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟
الجواب :هذا الحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد جاء من غير وجه وعن أكثر من صحابي .
وقد تكلم فيه بعض المتأخرين وأثار حوله بعض الإشكالات وليس هذا بشيء .(1/8)
فالحديث محفوظ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه وغيرهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعبن فرقة ) .
وهذا سند صحيح وقد صححه الترمذي ،وابن حبان، والحاكم وغيرهم .
وصح من حديث معاوية وفيه ( وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين . ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة ). رواه أبو داود في سننه .
وفي الباب عن عوف بن مالك رواه ابن ماجه .
وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه الترمذي بسند ضعيف .
وأنس بن مالك رواه ابن ماجه ، وابن أبي عاصم في السنة .
وأبي أمامة رواه محمد بن نصر في السنة ، وابن أبي عاصم .
فهذه الأحاديث الثابتة تقتضي حتمية افتراق الأمة وأنه واقع لا محالة ولا ينجو من هذه الثلاث والسبعين فرقة غير واحدة وهي الجماعة فلا تزال منصورة ظاهرة حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .
السؤال الحادي عشر: ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء ؟
الجواب : هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك .
ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا مرسل ضعيف .
ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء .
وقد أحل الله لعباده لحم البقر وامتن به عليهم فمن المحال أن يمتن الله على عباده بما هو داء وضرر عليهم قال تعالى { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن نسائه بالبقر .(1/9)
ولو كان لحمها داء لما جاز التقرب به لله فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل وليس لتصحيحه وجه معتبر وقد أجاد ابن الجوزي في قوله :[فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره ] .
السؤال الثاني عشر: هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟
الجواب : قتل الوزغ مشروع بأدلة كثيرة وذلك بآلة ونحوها وليس في شيء من الروايات تخصيص اليد أو الندب إلى قتله باليد المباشرة ولا أظن ذلك صحيحاً ولا وارداً فمثل هذا بعيد عن هدي الإسلام ومعالي الأخلاق .
وفي الصحيحين وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب أن أم شريك أخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بقتل الأوزاغ وفي رواية البخاري قال: ( كان ينفخ على إبراهيم - عليه السلام -).
وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقاً .
وقتل الوزغ في أول ضربة أكثر أجراً وثواباً من قتله في المرة الثانية جاء هذا في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله ،عن سهيل بن أبي صالح ،عن أبيه ،عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من قتل وزَغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية ) .
السؤال الثالث عشر: هل ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء؟(1/10)
الجواب : جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بدا حاجب الشمس .. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة .
ويحتمل عدم مشروعية تقصد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم .
السؤال الرابع عشر: ما تقولون في حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟
الجواب : هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن السني في عمل اليوم والليلة ،والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة ،والمنذري، وابن عبد الهادي، وابن كثير .
وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يوافق على ذلك .
والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني .
وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي -رحمه الله- قال: محمد بن حمير ليس بالقوي .
وخالفه ابن معين فقال: ثقة ، وقال الإمام أحمد: ما علمت إلا خيراً ، وقال النسائي: ليس به بأس.(1/11)
والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور:-
الأول : أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله ، وأورده في المختارة وصححه.
الثاني : أن الحديث ليس من أصول الأحكام .
الثالث : أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه، وتفرد محمد بن حمير من هذا ، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة بن شعبة، وأبي مسعود وعلي بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم .
السؤال الخامس عشر: ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟
الجواب : لا بأس بالنوم بعد صلاة العصر ولا حرج في ذلك فإنه لم يثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة نهي عن ذلك والأصل الإباحة .
ولا حرام إلا ما حرّمه الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ومن حكم على أمر ما بالتحريم أو الإيجاب بدون دليل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله .
والحديث المشهور ( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومنّ إلا نفسه ) ليس له سند ثابت .
وقد رواه أبو يعلى وغيره من حديث عائشة، وروي من حديث عبد الله بن عمرو وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .
وقد قيل لليث بن سعد : تنام بعد العصر وقد روى ابن لهيعة ،عن عمرو بن شعيب، عن أبيه ،عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكر الخبر .
فقال الليث : لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة .
السؤال السادس عشر: ما صحة حديث ( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ) ؟
الجواب : هذا الحديث رواه أبو داود في سننه من طريق سليمان بن معاذ التميمي، عن ابن المنكدر ، عن جابر - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قاله .
وهذا إسناد ضعيف . فيه سليمان بن قرم بن معاذ تكلم فيه الأئمة ، فقال ابن معين : ضعيف .
وقال أبو زرعة : ليس بذاك .
وقال النسائي : ليس بالقوي .(1/12)
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجراً ) .
وهذا لا يصح أيضاً وقد ضعفه ابن منده في كتابه "الرد على الجهمية" وقال : وذلك أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل بوجه الله واستعاذ بوجه الله وأمر من يُسْأل بوجه الله أن يُعطي .. من وجوه مشهورة بأسانيد جياد ورواها الأئمة عن عمار بن ياسر وزيد بن ثابت وأبي أسامة وعبد الله بن جعفر وغيرهم .
وهذا هو الصواب والأصل جواز السؤال بوجه الله الجنة وغيرها ولا يصح الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح والله أعلم .
السؤال السابع عشر: ماصحة حديث (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ).
الجواب : هذا الحديث رواه أحمد ،وأبو داود، والنسائي في الكبرى ، والترمذي وغيرهم من طريق حكيم الأثرم ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قاله .
وهذا إسناد لا يصح ولم يثبت لأبي تميمة سماع من أبي هريرة .
والخبر ضعفه البخاري ، والترمذي وغيرهما .
وقد ثبت بالكتاب والسنة تحريم وطء الحائض .
وثبت عن جماعة من الصحابة تحريم إتيان المرأة في دبرها .
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - : وهل يفعل ذلك إلا كافر ! رواه الإمام أحمد بسند صحيح .
وسئل ابن عباس عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟ فقال : ذلك الكفر . رواه النسائي في الكبرى من طريق معمر ، عن عبد الله بن طاووس ، عن أبيه قال: سئل ابن عباس وهذا سند صحيح .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : أوَ يعمل هذا مسلم ! رواه النسائي في السنن الكبرى .
وقد جاء في الباب أحاديث مرفوعة عن جمع من الصحابة .
وأهل العلم مختلفون في صحتها وقد جزم ابن حبان وجماعة بصحة كثير منها وعليه العمل عند أكثر أهل العلم .(1/13)
وأما سؤال الكهان والعرافين فهو محرم بالإتفاق وهو مراتب منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو دون ذلك وقد جاء في صحيح مسلم من طريق يحي بن سعيد ،عن عبيد الله، عن نافع عن صفية، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ).
وروى الحاكم في مستدركه بسند صحيح من طريق عوف ،عن خلاس ومحمد، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ).
السؤال الثامن عشر: ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) ؟
الجواب : ذكرت غير مرة في الدروس والإجابات أن هذا الحديث ضعيف وأنه لا يصح في فضل سورة يس حديث وقد شاعت في بلادنا وأكثر البلاد الأخرى فضائل هذه السورة الكريمة حتى فاقت شهرتها شهرة الأحاديث الصحيحة المتفق على ثبوتها وتلقيها بالقبول .
وقد جاء حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) عن جماعة من الصحابة :
... 1 – أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، رواه الترمذي واستغربه .
... 2_ وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، رواه ابن مردويه .
... 3- وأبيّ بن كعب - رضي الله عنه -، رواه القضاعي في الشهاب ، وذكره ابن لجوزي في الموضوعات
... 4- وأبو هريرة - رضي الله عنه - ، رواه البزار وغيره .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء وقد أبان عن نكارتها غير واحد من الحفاظ .
السؤال التاسع عشر: روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال:( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) ما درجته ؟ ومن رواه ؟
الجواب :هذا الأثر صحيح رواه عبد الرزاق ،عن الثوري ،عن هشام بن عروة ،عن أبيه عن سليمان بن يسار ،عن المسور بن مخرمة قال: دخلت أنا وابن عباس على عمر حين طعن فقلنا الصلاة فقال : إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة فصلى وجرحه يثعب دماً.(1/14)
... ورواه من طريق معمر ،عن الزهري ،عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول : لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة .
... ورواه المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريق عبد الرزاق .
... ورواه مالك في الموطأ من طريق هشام ،عن أبيه ،عن المسور بن مخرمة بدون ذكر سليمان بن يسار وقد رجح الدار قطني في العلل رواية الجماعة عن هشام وحكم على رواية مالك عن هشام بالوهم .
السؤال العشرين : ما صحة حديث ( الدعاء مخ العبادة )؟
الجواب : هذا الحديث رواه أبو عيسى الترمذي من طريق الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبان بن صالح ، عن أنس بن مالك- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( الدعاء مخ العبادة) .
قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .
وابن لهيعة ضعيف الحديث مطلقاً قاله البخاري، ويحى بن معين، وأبو حاتم وغيرهم وهذا المشهور عن أئمة السلف وأكابر المحدثين فلا يفرقون بين رواية العبادلة عن ابن لهيعة وبين رواية غيرهم وإن كانت رواية العبادلة عنه أعدل وأقوى من غيرها غير أن هذا لا يعني تصحيح مروياتهم فابن لهيعة سيئ الحفظ في رواية العبادلة عنه وفي رواية غيرهم والكل ضعيف وأقوى هذا الضعيف ما رواه القدامى عنه والله أعلم .
وقال الترمذي رحمه الله في أوائل جامعه في الحديث عن استقبال القبلة بغائط وبول: وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره .
وقد صح الخبر بلفظ (الدعاء هو العبادة) رواه أحمد في مسنده و أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم من طريق ذرّ ،عن يُسيع الكندي ،عن النعمان بن بشير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } قال ( الدعاء هو العبادة ) وقرأ { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } إلى قوله { داخرين } .
قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح .(1/15)
السؤال الحادي والعشرين: ما تقولون في حديث ( لا يقطع الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم ... ) ؟
الجواب :هذا الحديث لا يصح وليس بشيء فقد تفرد به مجالد بن سعيد، عن أبي الودّاك عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو داود في سننه ومجالد بن سعيد تكلم فيه الأئمة .
قال الإمام أحمد : ليس بشيء .
وقال ابن معين : ضعيف واهي الحديث .
وقال ابن حبان : كان رديء الحفظ يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الدارقطني : ليس بقوي .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله فيما يقطع الصلاة فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء .
بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها حين ذُكر عندها ما يقطع الصلاة ، الكلب والحمار والمرأة فقالت : شبهتمونا بالحمر والكلاب !! والله لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنسل من عند رجليه .
وفي البخاري ومسلم من طريق مالك ،عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس قال: أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي بمنى إلى غير جدار فمررتُ بين يدي بعض الصف وأرسلتُ الأتان ترتع فدخلتُ في الصف فلم يُنكر ذلك عليّ ) .
وروى مالك بلاغاً عن علي بن أبي طالب قال : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي . ورواه عبد الرزاق من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي والحارث ضعيف.
وروى بسند صحيح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر
كان يقول : (لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي) .(1/16)
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين قالوا : لايقطع الصلاة شيء وبه يقول سفيان والشافعي .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقطع الصلاة الحمارُ والمرأة والكلب الأسود .
لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود.) رواه مسلم في صحيحه من طريق حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر .
وفي صحيح مسلم من طريق عبيد الله بن الأصم ،عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( يقطعُ الصلاة المرأة والحمار والكلب .. ) وهذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وعنه قال : الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء .
وقال إسحاق : لا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود .
والمتوجه في هذه المسألة هو قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود .
ويجاب عن حديث عائشة المتفق عليه بأنه يفرق بين المار واللابث وقد كانت عائشة قارة ولم تكن مارة وقد أشار إلى هذا الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه .
ويجاب عن حديث ابن عباس بأن الإمام سترة لمن خلفه والقول بأن المقصود بالقطع في حديثي أبي ذر وأبي هريرة هو الخشوع لا حقيقة الصلاة فيه نظر .
وهو من صرف الألفاظ عن حقائقها بدون حجة وقد جاء حديث أبي ذر بلفظ( تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود). رواه ابن خزيمة في صحيحه وهذا صريح في بيان معنى القطع بيد أن في صحته نظراً والمحفوظ بغير هذا اللفظ والعلم عند الله .
السؤال الثاني والعشرين: ما درجة حديث ( لا يُقتل مسلم بكافر ) ؟(1/17)
الجواب :هذا الحديث صحيح وقد جاء في صحيح البخاري من طريق وكيع عن سفيان عن مطرف ،عن الشعبي ،عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب ؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهمٌ أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة ، قال: قلت فما في هذه الصحيفة قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر .
... ومعنى قوله ( العقل ) أي الدية والمراد بيان أحكامها ومقاديرها ومعنى قوله
( وفكاك الأسير ) أي حكمه والترغيب في تخليصه ونحو ذلك .
وقوله ( ولا يقتل مسلم بكافر ) هذا الذي عليه أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي و أحمد سواء كان الكافر معاهداً أو مستأمناً أو غير ذلك .
... وذهب أبو حنيفة إلى أنه يقتل المسلم بالكافر إذا قتله بغير استحقاق ولا يقتل بالمستأمن . وفيه نظر ، والصحيح أنه لا يقتل المسلم بالكافر قصاصاً وحديث علي- رضي الله عنه - صريح في هذا وليس في الأدلة الصحيحة ما يخالفه ، وليس معنى هذا جواز قتل المعاهد والذمي بغير حق فقد جاء في البخاري من طريق عبد الواحد حدثنا الحسن بن عمرو حدثنا مجاهد ،عن عبد الله بن عمرو ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) .
السؤال الثالث والعشرين: ما تقولون في حديث(أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)
الجواب :هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في كتابه الأدب المفرد من طريق محمد بن إسحاق ،عن داود بن الحصين ،عن عكرمة ،عن ابن عباس ،عن النبي- صلى الله عليه وسلم -.
ورواه البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً بصحته .
وفي أحاديث محمد بن إسحاق تفصيل ليس هذا موضعه وقد أشرت إليه في شرحي على جامع أبي عيسى الترمذي رحمه الله .
وأما داود بن الحصين فإنه صدوق في غير روايته عن عكرمة .
فقد قال الإمام علي بن المديني رحمه الله : داود بن الحصين عن عكرمة منكر .(1/18)
وقال أبو داود : أحاديث داود عن عكرمة مناكير . وأحاديثه عن شيوخه مستقيمة .
وقد جاء نحو هذا الخبر من طريق أخرى .
فقد روى الإمام أحمد في مسنده من طريق عبد الرحمن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: قال لي عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إني أرسلت بحنيفية سمحة ).
وجاء نحوه من حديث أبي أمامة رواه الإمام أحمد في مسنده بسند ضعيف .
السؤال الرابع والعشرين :ما صحة حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله وقال:( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)؟
الجواب : هذا الحديث رواه الترمذي من طريق الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس
وهذا معلول بثلاث علل:-
الأولى : الانقطاع فإن الحكم لم يسمع هذا الخبر من مقسم .
الثانية : الشذوذ فقد جاء الخبر في الصحيحين من طريق سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما دون قوله (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ) .
الثالثة : الاضطراب وقد أشار إلى هذه العلة الإمام البخاري في التاريخ الأوسط .
ولا حرج على الضعفاء الذين يدفعون من المزدلفة إلى منى في الرمي قبل طلوع الشمس وقبل طلوع الفجر وهذا قول عطاء ، وطاووس ، والشافعي ، وابن خزيمة وجماعة من فقهاء الحنابلة 0
وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع 0
فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ، ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه البخاري ومسلم 0(1/19)
وروى البخاري ومسلم من طريق عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي ، فصلت ساعة ، ثم قالت: يابني هل غاب القمر ؟ قلتُ: لا . فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر ؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا ، فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها: يا هنتاه ، ما أرانا إلا قد غلسنا قالت: يا بني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظُعُن 0
السؤال الخامس والعشرين: ما تقولون في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء ) ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده من طريق الحجاج عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه أبو داود من طريق الحجاج عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -(إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء ) .
وهذا معلول بعلتين:-
الأولى : الاضطراب .
الثانية : الحجاج بن أرطاة قال عنه يعقوب بن شيبة: واهي الحديث . في حديثه اضطراب كثير ، وهو صدوق وكان أحد الفقهاء 0
وقال أبو داود رحمه الله في سننه: ( هذا حديث ضعيف الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه ) ، وقال أبو حاتم رحمه الله-: الحجاج لم يسمع من الزهري 0
السؤال السادس والعشرين:سمعت في الإذاعة حديثاً منسوباً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) فما درجة هذا الحديث ؟
الجواب : هذا الحديث منكر ولا يصح في الباب شيء وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات [ 1 / 248 ] وقال:( تفرد به عمر بن راشد وهو وَهْم صوابه عمر بن عبد الله )(1/20)
والخبر رواه الترمذي في جامعه ( 2888 ) وابن عدي في الكامل ( 5 / 1720 ) من طريق زيد بن الحباب ،عن عمر بن أبي خثعم ،عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال الترمذي -رحمه الله- (هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وعمر بن أبي خثعم يضعف ، قال محمد : هو منكر الحديث ).
وقال أبو زرعة : (واهي الحديث حدّث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمس مئة حديث لأفسدتها )
وروى الترمذي ( 2889 ) وأبو يعلى في مسنده ( 6224 ) من طريق هشام أبي المقدام عن الحسن البصري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: قال - صلى الله عليه وسلم - ( من قرأ حم الدّخان في ليلة الجمعة غفر له ) .
وهذا الإسناد معلول بعلتين :
الأولى : هشام بن زياد أبو المقدام . ليس بشيء قاله النسائي وغيره .
وقال ابن حبان في كتابه المجروحين ( 3 / 88 ) هشام بن زياد كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الأثبات حتى يسبق إلى قلب المستمع أنه كان المتعمد لها . لا يجوز الاحتجاج به .
الثانية : الانقطاع فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد قال الإمام أبو زرعة -رحمه الله- . لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره فقيل : فمنْ قال حدّثنا ؟ قال: يخطىء .
وقال الترمذي -رحمه الله- عقيب هذا الحديث :لم يسمع الحسن من أبي هريرة هكذا قال أيّوب ويونس بن عُبيد وعليّ بن زيد .
والخبر أورده ابن الجوزي في الموضوعات ( 1 / 247 ) وقال: هذا الحديث من جميع طرقه باطل لا أصل له .
السؤال السابع والعشرين : ما صحة هذه الأحاديث المشهورة على الألسنة :
( حب الوطن من الإيمان ) ،( يخلق الله من الشبه أربعين) ،(من أنقذ امرأة من غرق فهي أخته)
الجواب :قد كثرت في زماننا الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة والحكايات المختلقة . وقد اعتاد الكثير تناقل هذه الأخبار دون تثبت من صحتها ولا بحث عن حقيقتها .(1/21)
وهذا محرم شرعاً ، وقبيح عقلاً .
وهذه الأحاديث الثلاثة مكذوبة مختلقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلا تحل روايتها ولا التحديث بها بدون بيان بطلانها .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 3509 ) عن علي بن عياش،حدثنا حريز،حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال: سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن من أعظم الفِرَى أن يدّعي الرجلُ إلى غير أبيه أو يُرِي عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل ) .
وروى البخاري ( 110 ) ، ومسلم في مقدمة صحيحه ( 3 ) من طريق أبي حَصين عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ).
وكلُّ مَنْ حدث بالأحاديث الباطلة والحكايات الموضوعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين صحيحها من سقيمها وحقها من با طلها فقد باءَ بالإثم وتعرض للوعيد .
وقد ذكر السيوطي في كتابه " تحذير الخواص من أكاذيب القصاص" ص ( 167 ) [ أن من أقدم على رواية الأحاديث الباطلة يستحق الضرب بالسياط ويهدّد بما هو أكثر من ذلك ويزجر ويهجر ولا يسلم عليه ويغتاب في الله ويُستعدى عليه عند الحاكم ويحكم عليه بالمنع من رواية ذلك ويشهد عليه ] .
وذلك للذب عن سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ونفي الأخبار الكاذبة عنها ولحماية الأفراد والمجتمعات من هذه الأساطير والأكذوبات . نسأل الله السلامة والعافية .
السؤال الثامن والعشرين:ما تقولون في حديث ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )؟
الجواب : هذا الحديث رواه أحمد في مسنده ( 1 / 259 )، والبزار (616 – كشف الأستار) من طريق زائدة بن أبي الرُّقاد، عن زياد النُميري، عن أنس بن مالك(قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -إذا دخل رجب قال:( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) .(1/22)
وفي إسناده زائدة بن أبي الرُّقاد لا يصح حديثه ،قال عنه الإمام البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي في كتاب الضعفاء :منكر الحديث .
وقال أبو داود لا أعرف خبره .
وقال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير لا يحتج به ولا يكتب إلا للاعتبار .
وذكر الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ( 234 ) هذا الحديث وقال فيه: ضعيف .
وانظر تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ( ص 18 ) للحافظ ابن حجر العسقلاني . فقد أشار إلى ضعفه لتفرد زائدة .
ولا يصح تخصيص رجب بشيء من العبادات لا دعاء ولا صيام ولا صدقة ولا عمرة على الصحيح فإن عمر النبي (كانت في ذي القعدة لحديث أنس في الصحيحين .
وقد زعم بعض الناس أن النبي (ولد في أول ليلة من رجب وهذا ليس بشيء .
وقالت طائفة بأن الإسراء بالنبي (كان في السابع والعشرين من شهر رجب .
ولا يصح في ذلك شيء والله أعلم .
السؤال التاسع والعشرين : حديث ( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ) هل يثبت ؟
الجواب : هذا الكلام ليس بحديث عن رسول الله (ولا هو بمعروف عن الصحابة
وقد عُزي إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب .
ترى هذا في زاد المعاد ( 4 / 104 )، والمقاصد الحسنة ( 1035 )، وجامع العلوم والحكم ( 2 / 334 ) .
... وأسنى المطالب ( 1590 )، وذكر أبو حامد الغزالي في الإحياء عن النبي (قال: ( البطنة أصل الداء والحمية أصل الدواء وعوّدوا كل جسد ما اعتاد ) .
... وهذا لا أصل له عن رسول الله (.
... وقد روي عن عائشة مرفوعاً ( الأزْم دواء والمعدة بيت الداء وعودوا بدناًَ ما اعتاد ... ) . ولا يصح .
والأطباء متفقون على أن الحمية من أنفع الأدوية قبل الداء فتمنع حصوله وبعد الداء فتخففه وتمنع انتشاره .
... قال وهب بن منبه رحمه الله [ أجمعت الأطباء أن رأس الطب الحمية ، وأجمعت الحكماء أن رأس الحكمة الصمت ] .رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت رقم( 619 ).(1/23)
... وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ( 4 / 103 ) [ الدواء كله شيئان : حمية وحفظ صحة . فإذا وقع التخليط احتيج إلى الاستفراغ الموافق ، وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة .
... والحمية حميتان : حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده ، فيقف على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية حمية المرضى فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه عن التزايد ، وأخذت القوى في دفعه .. ] والله أعلم .
السؤال الثلاثين : هل ثبت أن النبي (قال :( الغناء ينبت النفاق بالقلب كما يُنبتُ الماءُ البقل ) ؟
هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 4 / 279 ) من طريق محمد بن صالح الأشج، أنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روّاد، حدثنا إبراهيم من طهمان، عن أبي الزبير ،عن جابر بن عبد الله (عن النبي (بنحوه .
وهذا إسناده منكر تفرد به عبد الله بن عبد العزيز وأحاديثه منكرة قاله أبو حاتم وغيره .
وقال ابن الجنيد: لا يُساوي شيئاً يحدّث بأحاديث كذب .
ورواه ابن عدي في الكامل ( 1590 ) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري، عن أبيه سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة( عن النبي ( به .
وهذا إسناده ضعيف جداً . وقد اتفق الحفاظ على تضعيف عبد الرحمن بن عبد الله العُمري .
قال الإمام أحمد رحمه الله : ليس بشيء .
وقال النسائي: متروك الحديث .
ورواه أبو داود في سننه ( 4927 ) من طريق سلاّم بن مسكين، عن شيخ شهد أبا وائل في وليمة فجعلوا يلعبون . يتلعبون يغنون فحلَّ أبو وائل حُبْوته وقال: سمعت عبد الله يقول . سمعت رسول الله (. يقول: ( إن الغناء ينبت النفاق في القلب ) .
وهذا إسناده ضعيف مداره على الشيخ المجهول ولا يحتج به .
وقد ورد موقوفاً على عبد الله بن مسعود (رواه البيهقي في السنن الكبرى ( 10 / 223 ) من طريق غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن حماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود فذكره .(1/24)
ورواته ثقات ولا يضر الانقطاع بين إبراهيم وعبد الله فقد صح عن الأعمش أنه قال: [قلت لإبراهيم أسند لي عن ابن مسعود ؟
فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل، عن عبد الله فهو الذي سمعت ،وإذا قلت : قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله ] رواه أبو زرعة في تاريخ دمشق وابن سعد في الطبقات .
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ( 1 / 248 ) [هو صحيح عن ابن مسعود من قوله ] .
وهذا الأثر ليس هو الدليل الوحيد على تحريم الأغاني والموسيقى .
فهناك أدلة كثيرة من المرفوع والموقوف تفيد تحريم الغناء المقرون بالمعازف والمزامير وقد اتفق أكثر أهل العلم على ذلك .
وبالغ القاضي عياض فزعم الإجماع على كفر مستحله وفيه نظر. بيد أن فتاوى الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة على التحريم وقد عدّه غير واحد من أهل العلم كبيرة من الكبائر .
وقال الإمام مالك رحمه الله [إنما يفعله عندنا الفساق ..] .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في الإغاثة ( 1 / 228 ) [ولا ينبغي لمن شمَّ رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك . فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور ... ] .
وفي هذه الأزمنة امتد أمر الغناء وأدخلت عليه محسنات كثيرة فغمر المجالس والمحافل وازداد عشاقه فصار تجارة الفساق وأصبح ظاهرة في كثير من البلاد يشترك فيه الرجال والنساء فيقفون أمام الملأ في المسارح والأندية الرياضية والصالات المغلقة يغنون بالفحش والخنا ويدعون للفسوق والانحراف والرذيلة والخلاعة وأمثال ذلك من العظائم المعلوم قبحها بالفطر السليمة والعقول الصحيحة وقد قال النبي ( ( ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف . ولينزلنَّ أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم – يعني الفقير- لحاجة فيقولون ارجع إلينا غداً فيبيتُهُمُ الله ويضع العلمَ ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) .(1/25)
ذكره البخاري في صحيحه ( 5590 ) عن هشام بن عمّار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبد الرحمن بن عَنْم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي ( يقول .
ورواه ابن حبان في صحيحه ( 6754 ) عن الحسين بن عبد الله القطان قال حدثنا هشام بن عمار فذكره دون آخره .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق ( 5 / 22 ) [ وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن له وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد ، وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات وأما الاختلاف في كنية الصحابي فالصحابة كلهم عدول ... ] .
وقال الحافظ ابن رجب في نزهة الأسماع ص ( 45 ) [فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار .. ] .
وفي الباب غير ذلك .
والمعازف هي آلات اللهو من عود وغيره والله أعلم
السؤال الحادي والثلاثون: قرأت في أحد كتب الشيخ الألباني رحمه الله أنه صحح حديث عائشة ( كان رسول الله (ينام وهو جنب ولا يمس ماء ) .
وقد سمعت من بعض العلماء أن هذا الحديث لا يصح فأحببت أن أرفع هذا السؤال لفضيلتكم لمعرفة الصحيح من ذلك ؟
الجواب: هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ( 1397 )، وأحمد في مسنده (6 / 43)، وأبو داود ( 228)، والترمذي ( 118 )، وابن ماجه ( 581 ) وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود عن عائشة قالت:( كان رسول الله ( ينام وهو جنب ولا يمس ماء ) .
وهو معلول أخطأ فيه أبو إسحاق واضطرب فيه ولم يأت به على وجهه الصحيح وقد رواه غير واحد عن الأسود عن عائشة بلفظ آخر فقد خرّج مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ( كان رسول الله (إذا كان جنباً أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءَه للصلاة ) وهذا هو المحفوظ .(1/26)
وقد ذكر أبو داود في سننه ( 228 ) عن يزيد بن هارون أنه قال: هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق . وقال الإمام أحمد ( ليس صحيحاً ) وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه ( وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ) .
وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الحديث حكى اتفاقهم غير واحد .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفتح ( 1 / 362 ) [ وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق منهم إسماعيل بن أبي خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الأثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني .
وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ : لا يحل أن يُروى هذا الحديث – يعني أنه خطأ مقطوع به فلا تحل روايته دون بيان علته .
وأما الفقهاء المتأخرون : فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته .
وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث . ووافقهم طائفة من المحدثين كالطحاوي والحاكم والبيهقي ...] .
وتبعهم على ذلك بعض أهل عصرنا وجزموا بصحة الخبر معتمدين على ظاهر إسناده وثقة رواته وهذه غفلة عن دقائق علم العلل ومخالفة لصنيع أئمة هذا الشأن الذين أطبقوا على خطأ أبي إسحاق واضطرابه في ذلك وتفرده عن الثقات والله أعلم .
السؤال الثاني والثلاثون :
ما صحة هذه الأحاديث والتي تتكلم عن بعض الأحداث :(1/27)
1- عن النبي (قال:( إذا كان صيحة في رمضان فإنها تكون معمعة في شوال وتميز القبائل في ذي القعدة وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم يقولها ثلاثا هيهات هيهات يقتل الناس فيها هرجا هرجا قال قلنا وما الصيحة يا رسول الله؟ قال: هذه تكون في نصف من رمضان يوم جمعة ضحى وذلك إذا وافق شهر رمضان ليلة الجمعة تكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العوائق من خدورهن في ليلة جمعة سنة كثيرة الزلازل والبرد فإذا وافق رمضان في تلك السنة ليلة جمعة فإذا صليتم الفجر يوم جمعة في النصف من رمضان فادخلوا بيوتكم وسددوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجدا وقولوا سبحان القدوس سبحان القدوس ربنا القدوس فإنه من فعل ذلك نجا ومن ترك هلك) .
2- قال رسول الله (:(يكون في رمضان صوت قالوا يا رسول الله في أوله أوفي وسطه أو في آخره؟ قال: لا بل في النصف من رمضان إذا كانت ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا ويصم سبعون ألفا قالوا يا رسول الله فمن السالم من أمتك؟ قال: من لزم بيته وتعوذ بالسجود وجهر بالتكبير لله ثم يتبعه صوت آخر فالصوت الأول صوت جبريل والثاني صوت الشيطان فالصوت في رمضان والمعمعة في شوال ويميز القبائل في ذي القعدة ويغار على الحاج في ذي الحجة والمحرم وما المحرم أوله بلاء على أمتي وآخره فرج لأمتي الراحلة بقتبها ينجو عليها المؤمن خير له من دسكرة تغل مائة ألف) رواه الطبراني وفيه عبدالوهاب بن الضحاك وهو متروك وعن أبي هريرة (قال: قال رسول الله (في شهر رمضان الصوت وفي ذي القعدة تميز القبائل وفي ذي الحجة يسلب الحاج . ؟
الجواب :
هذه الأحاديث المذكورة ضعيفة وفي بعضها نكارة ولا يصح الاعتماد عليها في تقرير مثل هذه الحوادث .
وقد جاء في الحديث الأول الذي رواه الشاشي نعيم بن حماد الخزاعي وهو ضعيف الحديث ضعفه النسائي وغيره .(1/28)
وجاء فيه عبد الله بن لهيعة وهو سيء الحفظ ولا يحتج به سواء روى عنه العبادلة أم لا غير أن رواية العبادلة أعدل من غيرها وهذا لا يعني صحتها ، وفيه غير ذلك من العلل .
وجاء في الحديث الثاني الذي رواه الطبراني عبد الوهاب الضحاك ليس بشىء .
وله شاهد من حديث أبي هريرة( وفيه شهر بن حوشب ضعيف الحديث وفيه مجهول لا يحتج به .
وأرى أنه لا يجوز شرعاً نشر هذه الأحاديث وذلك لأمرين :
الأول : أنها غير صحيحة عن النبي (وقد كان أئمة السلف ينهون عن التحديث بالأحاديث المنكرة والباطلة ويوجبون التعزير على من فعل ذلك .
الثاني : أنها ترويع للمسلمين وقد قال النبي (: (لا يحل لمسلم أن يُرّوع مسلماً) . رواه أبو داود في سننه وسنده صحيح .
السؤال الثالث الثلاثون:
ما صحة الحديث الوارد ( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك) ؟
الجواب : هذا الحديث لا يصح ولا يثبت له إسناد وقد رواه أحمد في مسنده ( 6 / 272 ) من طريق محمد بن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي (قال: ( فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفاً ) .
ورواه ابن خزيمة في صحيحه ( 137 ) غير أنه قال إن صحّ الخبر وقال: [ أنا استثنيت صحة هذا الخبر لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم وإنما دلسه عنه] .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قال أبي: إذا قال ابن إسحاق وذكر فلان فلم يسمعه .
وقال الإمام يحيى بن معين : لا يصح هذا الحديث وهو باطل .
وقال البيهقي رحمه الله في السنن ( 1 / 38 ) [وهذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري وقد رواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري وليس بالقوي . ورُوي من وجه آخر عن عروة عن عائشة ومن وجه آخر عن عمرة عن عائشة فكلاهما ضعيف ] .
وقد جاء للحديث شواهد من حديث ابن عباس رواه أبو نعيم .
ومن حديث جابر رواه أبو نعيم أيضاً .(1/29)
ومن حديث ابن عمر رواه أبو نعيم .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء ولا ترتقي إلى درجة الحسن لغيره .
فإن هذا الثواب الكبير لا يمكن قبوله بمثل هذه الأسانيد الضعيفة .
ولعل هذا من أسرار حكم الأئمة على هذا الخبر بالضعف تارة وبالبطلان تارة أخرى والله أعلم
السؤال الرابع والثلاثين: ما تقولون في الأحاديث الواردة في الدعاء عند رؤية الهلال ؟
الجواب : الأحاديث في هذا الباب ضعيفة ولا يصح منها شيء مسند وقد ثبت موقوفاً على ابن عباس وصح عن قتادة مرسلاً .
... وقد قال أبو داود : ليس عن النبي (في هذا الباب حديث مسند صحيح .
... وقال العقيلي : وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كأن هذا عندي من أصلحها إسناداً كلها لينة الأسانيد .
... ويعني بقوله [ كأن هذا عندي من أصلحها إسناداً ] حديث طلحة بن عبيد الله أن النبي (كان إذا رأى الهلال قال :( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله ).
... وهذا الخبر ضعيف رواه أحمد في مسنده ( 1 \ 162 ) ، والترمذي ( 3451 ) ، والحاكم ( 4 \ 317 ) وغيرهم من طريق سليمان بن سفيان المدني عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده .
... وهذا الخبر من منكرات سليمان بن سفيان وقد قال العقيلي: لا يتابع عليه .
... وقال ابن معين : ليس بشيء .
... وقال أبو حاتم الرازي : ضعيف الحديث يروي عن الثقات أحاديث مناكير .
... وفي الباب عن ابن عمر رواه ابن حبان ولا يصح .
... ورافع بن خديج رواه الطبراني في الكبير وسنده ضعيف .
... وأنس بن مالك رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث متروك .
... وقد روى عبد الرزاق في المصنف ( 4 \ 169 ) عن معمر، عن قتادة أن النبي (كان إذا رأى الهلال كبّر ثلاثاً ثم قال : هلال خير ورشد ثلاثاً ثم قال : آمنت بالذي خلقك ثلاثاً ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وكذا وجاء بشهر كذا وكذا ). وهذا مرسل صحيح .(1/30)
... وروى ابن أبي شيبة في المصنف ( 9738 ) بسند قوي من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس أنه كره أن ينتصب للهلال ولكن يعرض ويقول : الله أكبر والحمد لله الذي ذهب هلال كذا وكذا وجاء بهلال كذا وكذا .
... وقد استحب كثير من أهل العلم الذكر عند رؤية الهلال ولم يوقتوا في ذلك شيئاً فأيّ دعاء أتى به جاز .
... ويحتمل أن يكون لقول ابن عباس حكم المرفوع فمثله لا يقال بالرأي وحينئذٍ يقتصر عليه دون غيره والله أعلم .
السؤال الخامس والثلاثين: نسمع من العامة أحاديث ولا نعرف صحتها فرأينا الكتابة لجنابكم لتوافونا بدرجتها ، وهي :-
يس لما قرأت له .
تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها .
إنّ الله لا ينظر إلى الصف الأعوج .
جنبوا مساجدكم صبيانكم .
الجواب: هذه الأخبار ماعدا الأخير ليس لها أصل والجزم بنسبتها إلى رسول الله ( قول بلا علم وأهل العلم متفقون على تحريم رواية الأحاديث المنكرة والباطلة ومتفقون على تحريم القول على الله وعلى رسوله (بلا علم مثلُ أن يروي عن الله ورسوله ( أحاديث منكرة ويجزم بصحتها وهو لا يعلم وقد روى البخاري في صحيحه ( 3509 ) عن علي بن عياش حدثنا حَريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله ( ( إن من أعظم الفِرى أن يدَّعي الرجل إلى غير أبيه أو يُري عينه مالم تر أو يقول على رسول الله مالم يقل ) .
وحديث ( جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم ... ) رواه ابن ماجه في سننه
( 750 ) من طريق الحارث بن نبهان حدثنا عتبة بن يقظان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن النبي ( به ، وهذا الحديث منكر .
الحارث بن نبهان متروك الحديث قاله: أبو حاتم، والنسائي .
وقال البخاري: منكر الحديث .
وقد روى له الترمذي ( 1775 ) حديث أبي هريرة( قال:( نهى رسول الله (أن ينتعل الرجل وهو قائم ) . وقال: لا يصح عند أهل الحديث والحارث بن نبهان ليس عندهم بالحافظ .(1/31)
ورُوي الحديث من طريق أبي نُعيم النخعي ثنا العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي الدرداء وعن واثلة وعن أبي أمامة (عن النبي (أنه قال:( جنبوا مساجدكم …) رواه البيهقي في السنن ( 10 / 103 ) وقال:[ العلاء بن كثير هذا شامي منكر الحديث .. ]
وقال الإمام العقيلي في الضعفاء [ 3 / 347 ] حدثني آدم بن موسى قال سمعت البخاري قال : العلاء بن كثير عن مكحول منكر الحديث .
وأسند العقيلي حديثه هذا وقال عَقِبه [ الرواية فيها لين ] .
ورواه ابن عدي في الكامل ( 4 / 1435 ) من طريق عبد الله بن مُحَرَّر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة (قال: قال رسول الله (جنبوا مساجدكم .... الحديث وفيه نكارة .
عبد الله بن محرر متروك الحديث قاله النسائي وغيره وقال ابن عدي رواياته غير محفوظة .
وتفرده عن أقرانه بالرواية عن يزيد غير محتمل فالحديث منكر ولا يصح في الباب شيء .
وقد رخص النبي (للصبيان بدخول المساجد وفعل ذلك بنفسه حين صلى بالمسلمين وهو حامل أُمامة بنت زينب . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة ... غير أنه يُتقى أذاهم للمصلين وكثرة اللغط والعبث الباعث على التشويش على الراكعين الساجدين والله أعلم .
السؤال السادس والثلاثين:
قرأت في أحد الكتب حديث حذيفة ( ( لعن رسول الله (من جلس وسط الحلقة ) . فتعاظمت هذا الوعيد في مثل هذا العمل اليسير فقلت أكتب لفضيلتكم تبينون درجته فإن صح عندكم فما معناه ؟
الجواب: هذا الحديث رواه أبو داود في سننه ( 4826 ) حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة حدثني أبو مجلز عن حذيفة( أن رسول الله ( (لعن من جلس وسط الحلقة ).
ورواه أحمد ( 5 / 384 )، والترمذي ( 2753 )، والحاكم ( 4 / 281 )، من طريق شعبة ،عن قتادة نحوه .
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الحاكم ، وفيه نظر .
فالحديث رواته ثقات غير أنَّ أبا مجلز لا حق بن حميد لم يسمع من حذيفة قاله يحيى بن معين.(1/32)
وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا حجاج بن محمد قال قال شعبة لم يدرك أبو مجلز حذيفة ( العلل رقم 788 ) .
فأصبح الحديث ضعيفاً وهو ليس على ظاهره اتفاقاً .
وقد تأوله قوم على الرجل السفيه الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون ضحكة بين الناس .
وتأوله آخرون على من يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث انتهى به المجلس فلعن للأذى .
وتأولته طائفة ثالثة بتأويل آخر .
ولا يصح من هذه التأويلات شيء وقد علمتَ أن الحديث معلول فلا يؤخذ منه حكم
السؤال السابع والثلاثين : ما درجة حديث ( لا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة )؟
الجواب: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن وهب بن جرير ( 1 / 294 )، وأبو داود ( 2611 )، والترمذي ( 1555 )، وابن خزيمة ( 2538 )، وابن حبان(4717 ) وغيرهم من طرق عن وهب بن جرير ،عن أبيه ،عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: قال رسول الله ( ( خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعة مئة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة )
ورواه أحمد ( 1 / 299 ) عن يونس ثنا حبان بن علي حدثنا عقيل بن خالد عن الزهري بذلك .
وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشيخين ، والضياء المقدسي وابن القطان ، وغيرهم .... وفيه نظر .
قال الإمام أبو عيسى الترمذي -رحمه الله-: [لا يسنده كبير أحد غيرُ جرير بن حازم وإنما رُوي هذا الحديث عن الزهري عن النبي مرسلا .. ]
وقال أبو داود في سننه [ الصحيح أنه مرسل ] .
وقد رواه في المراسيل ( 313 ) عن سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة عن عقيل عن الزهري عن النبي ( .
ورواه ( 314 ) عن مخلد بن خالد حدثنا عثمان يعني ابن عمر أخبرنا يونس عن عقيل عن الزهري عن النبي (بمعناه .
قال أبو داود:[ قد أُسند هذا ولا يصح أسنده جرير بن حازم وهو خطأ ].(1/33)
وأخطأ فيه حبان بن علي فرواه عن عقيل موصولاً والصحيح عن عقيل مرسلا رواه حيوة ويونس والليث ابن سعد .
ورواه عبد الرزاق في المصنف ( 9699 ) عن معمر عن الزهري مرسلاً .
قال الإمام أبو حاتم في العلل ( 1 / 347 ) [ المرسل أشبه لا يحتمل هذا الكلام أن يكون كلام النبي ( .. ] .
وقد جزم بعض المتأخرين بخطأ هذا القول وصوّب رفعه وقال: [ جرير بن حازم ثقة محتج به في الصحيحين وقد وصله والوصل زيادة واجب قبولها من ثقة .. ] .
وهذا ليس بشيء فجرير لا يمكن مقارنته أو مساواته بمن أرسله فهم أجل وأحفظ وأضبط منه .
وقد ذكر الإمام ابن حبان جرير بن حازم وقال:[ كان يخطئ لأنه أكثر ما كان يحدث من حفظه ] .
وقال زكريا الساجي: [ صدوق حدّث بأحاديث وَهِمَ فيها ... ] .
وقد وثقه أكثر الحفاظ وانتقدوا عليه أحاديث يرويها عن قتادة وتفردات يخالف فيها غيره والله أعلم .
وقوله ( والوصل زيادة واجب قبولها من الثقة ) .
وهذا قول الخطيب وتبعه على ذلك كثير من الفقهاء والأصوليين وجماعة من المتأخرين
وفيه نظر كثير .
فأئمة هذا الشأن العارفون بعلل الأحاديث المتخصصون بذلك أمثال ابن مهدي والقطان وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود و النسائي و الترمذي لا يقولون بذلك .
ولا يحكمون على هذه المسألة بحكم مستقل . بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل حديث بما يترجح عندهم .
وتأمل في صنيعهم والمنقول عنهم ترى وضوح هذا المنهج .
قال الحافظ ابن حجر في النكت ( 2 / 687 ) [والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد بل يرجحون بالقرائن كما قدّمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال .. ] .
ونحو هذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي ( 2 / 630- 643 ) .(1/34)
وقال الحافظ العلائي في نظم الفرائد ص ( 376 ) [وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطبقة وكذلك من بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازي ومسلم والنسائي والترمذي وأمثالهم ثم الدارقطني و الخليلي كل هؤلاء يقتضي تصرفهم من الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث وهذا هو الحق الصواب...]
وكلام الأئمة في مثل هذا كثير ، وحاصل كلامهم أن وصل الثقة وزيادته تقبل في موضع وترد في موضع آخر على حسب القرائن المحتفة بذلك .
فإذا تفرد الثقة بوصل حديث أو زيادة لفظة فيه وخالف غيره فيحكم للثقة الضابط ، وإذا اختلف ثقاة حفاظ متقاربون في ذلك قدم الأكثر .
فإذا كان لأحدهم اختصاص بمرويات شيخه قدم على غيره .
ومن القرائن المرجحة اتفاق الحفاظ الناقدين على تصحيح وصل أو ترجيح إرسال .
مثال ذلك روى أحمد في مسنده ( 2 / 8- ) وأبو داود ( 3179 ) و الترمذي ( 1007 ) والنسائي ( 4 / 56 ) وغيرهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال:( رأيت النبي ( وأبا بكر يمشون أمام الجنازة ) ورفعه خطأ والصواب أنه مرسل قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله [حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو حديث ابن عيينة .
وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغيرهم من الحفاظ عن الزهري أن النبي كان يمشي أمام الجنازة .
وأهل الحديث كلهم يَرَوْن أن الحديث المرسل في ذلك أصح .
وسمعت يحيى بن موسى يقول : سمعت عبد الرزاق يقول : قال ابن المبارك : حديث الزهري في هذا مرسل ، أصح من حديث ابن عيينة .. ] .
وقال الإمام النسائي: والصواب مرسل .(1/35)
فأنت ترى اتفاق المحدثين على تصحيح إرساله وقد خالف في ذلك بعض أهل العلم فصحح رفعه وهذا غلط .
ولا أرى لتصحيحه وجهاً معتبراً فأوثق الناس في الزهري ماعدا ابن عيينة يروونه مرسلاًَ واتفاق أكابر الحفاظ على تصحيح إرساله قرينة مرجحة لذلك والله أعلم .
السؤال الثامن والثلاثين : سمعتُ في الإذاعة حديث ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) فبحثت عنه فلم أجده ، أين مصدره ؟
الجواب : لا أعلم هذا حديثاً ولا أظن له أصلاً وقد كره أهل العلم تعلم رطانة الأعاجم والمخاطبة بها بدون حاجة وروي عن عمر (أنه قال: ( لا تعلموا رطانة الأعاجم ) رواه عبد الرزاق في المصنف ( 1609 ) والبيهقي في السنن ( 9 / 234 ) .
وقد بُلي المسلمون في هذا العصر بالرطانة الأعجمية وأصبح تعلمُ بعض اللغات الأجنبية ضرورة ملحة في كثير من المهن والأعمال وهذا جائز لأهل الحاجات والمصالح ولا سيما مصالح المسلمين العامة .
وقد أمر النبي (زيد بن ثابت ( أن يتعلم اللغة السُّرْيانية رواه أحمد ( 5 / 182 ) من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت وَ رواه الترمذي ( 2715 ) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال: أمرني رسول الله ( أن أتعلَّم له كلمات من كتاب يهود قال: ( إني والله ما آمن يهود على كتاب ) قال : فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له قال : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم ) . ورواه أحمد و أبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وخالفه غيره فتكلم في ابن أبي الزناد فقد ضعفه يحي بن معين وأحمد وجماعة ووثقه مالك وغيره ولا بأس به إذا لم يتفرد بالحديث وقد اعتبر بحديثه غير واحد والخبر محفوظ وقد علقه البخاري في صحيحه ( 95 / 7 ) جازماً بصحته .
وهو دليل على جواز تعلم اللغة الأجنبية للمصلحة والحاجة وهذا لا ينازع فيه أهل العلم .(1/36)
وأما تعلم هذه اللغة لغير حاجة وجعلها فرضاً في مناهج التعليم في أكثر المستويات فهذا دليل على الإعجاب بالغرب والتأثر بهم وهو مذموم شرعاً وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الأجنبية للغة القرآن ولغة الإسلام .
ومثل هذا لابدّ أن وراءَه أيد أثيمة ومؤامرات مدروسة لعزل المسلمين عن فهم القرآن وفقه السنة فإن فهم القرآن والسنة واجب ولا يمكن ذلك إلا بفهم اللغة العربية .
فإذا اعتاد الناس في بيوتهم وبلادهم التخاطب باللغة الأجنبية صارت اللغة العربية مهجورة لدى الكثير وعزّ عليهم فهم القرآن والإسلام وحينها ترقَّب الفساد والميل إلى علوم الغربيين واعتناق سبيل المجرمين وهذا ما صنعته بلاد الاستعمار في الدول العربية فالله المستعان .
السؤال التاسع والثلاثين : ما صحة حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) ؟
الجواب : هذا الخبر رواه ابن ماجه في سننه (1341) والحاكم في مستدركه (4/441) والخطيب في تاريخه (5/361) كلهم من طريق يونس بن عبد الأعلى المصري ، ثنا محمد ابن إدريس الشافعي ، حدثني محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ( أن رسول الله (قال: ( لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارًا ولا الناس إلا شحاً ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيسى بن مريم ) 0
... وهذا خبر منكر ، فيه محمد بن خالد الجندي ، قال عنه الحاكم مجهول ، وقال عنه حافظ المغرب ابن عبد البر بأنه متروك ، وحُكي عن ابن معين توثيقه ، ولم يثبت ، وقد أنكر الخبر النسائي ، والحاكم ، والبيهقي ، والذهبي ، والقرطبي ، والصغاني ، وأبو الفتح الأزدي وقال: وإنما يحفظ عن الحسن مرسلاً ، رواه جرير بن حازم عنه0
وقال القرطبي والأخبار الصحاح قد تواترت على أن المهدي من عترة رسول الله (، فلا يجوز حمله على عيسى ، والحديث الذي ورد في أنه ( لا مهدي إلا عيسى )غير صحيح 0(1/37)
قال البيهقي في كتاب البعث والنشور: محمد بن خالد مجهول ، واختلفوا عليه في إسناده ، فرواه صامت بن معاذ قال: ثنا يحيى بن الموطأ ، ثنا محمد بن خالد ، فذكره .
قال صامت ، عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء فدخلت على محدث لهم فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن مرسلاً . فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد الجندي وهو مجهول عن أبان بن أبي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي ، وهو منقطع ، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسناداً 0
ويرى الذهبي أن يونس بن عبد الأعلى لم يسمع هذا الخبر من الشافعي ، قال في "ميزان الاعتدال" (3/535) في جزء عتيق بمرة عندي : من حديث يونس بن عبد الأعلى قال حدثت عن الشافعي ، فهو على هذا منقطع ، على أن جماعة رووه عن يونس قال حدثنا الشافعي ، والصحيح أنه لم يسمعه منه ، وأبان بن صالح صدوق ، وما علمت به بأساً ، لكن قيل إنه لم يسمع من الحسن ذكره ابن الصلاح في أماليه 0
وقال الآبري : محمد بن خالد غير معروف عند أهل الصناعة من أهل النقل ، وقد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (في المهدي وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، ويملأ الأرض عدلاً ، وأن عيسى - عليه السلام - يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى خلفه ، في طول من قصته وأمره 0
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في الفتن والملاحم [ وهذا الحديث مشهور .... وهو فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى بن مريم ، إما قبل نزوله كما هو الأظهر وإما بعده ، وعند التأمل لا ينافيها ، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى بن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهدياً أيضاً ] 0
وهذا تعليق لا بأس به ، حين يثبت الخبر ، وهذا بعيد ، فقد كانت شهرته بالضعف ولم تكن بالصحة 0(1/38)
فالخبر منكر ، ولا تصح نسبته إلى النبي (، وعلامات الضعف ظاهرة عليه 0
وأمر المهدي وخروجه ، صحت به الآثار ، وتواترت به الأخبار ، ولقي اهتماماً فائقاً ، وعناية بالغة ، من ذوي التحقيق والعرفان ، فتداوله العلماء جيلاً بعد جيل ، وقرناً بعد قرن بالتصنيف والتأليف ، والرد على من أنكره أو كذّب به ، وقد ذكره طائفة من أهل السنة ضمن عقائدهم التي يجب الإيمان بها ، ويضلل المخالف فيها ، وعمدتهم في ذلك أصول كبيرة ، وحجج قوية ، وأدلة صحيحة ، فمن ذلك قوله ( ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي - زاد في بعض رواياته - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) أخرجه أبو داود في سننه (4282) والترمذي في جامعه (2231) وابن حبان في صحيحه (15/236) وغيرهم من طريق عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود (0
وقد صححه الترمذي وابن حبان وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وغيرهم من أهل الحديث 0
كما صحح أحاديث المهدي ، غير هؤلاء منهم ، العقيلي ، والبيهقي ، والذهبي وجمع من المحدثين 0
وقال الشوكاني في رسالته "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح"
[ والأحاديث المتواترة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح ، والحسن ، والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ] 0
السؤال الأربعين:
قرأت في بعض كتب المناسك حديثاً غريباً ، وعجيباً ، وله صحة من الواقع ، أحببت أن أتوجه إلى فضيلتكم بالسؤال عن صحته ، وأين يوجد في الكتب الحديثية ، ولفظ هذا الحديث (يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي للنزهة ، وأوساطهم للتجارة وقراؤهم للرياء والسمعة ، وفقراؤهم للمسألة ) ؟
الجواب :(1/39)
هذا الحديث منكر ، لم يروه أحد من أصحاب الكتب المشهورة ، ولا يوجد في دواوين أهل الإسلام المعروفة ، وقد رواه الخطيب في تاريخ بغداد (10/296) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/565) عن عبد الله بن أحمد المعروف بابن حمدية ، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن السرخسي حدثني إسماعيل بن جميع قال : حدثنا مغيث ابن أحمد بن فرقد السبخي ، حدثني سليمان بن أبي عبد الرحمن ، عن مخلد بن عبد الرحمن الأندلسي ، عن محمد بن عطاء الدلهي ، عن جعفر ـ يعني ـ بن سليمان ، قال : حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك( قال : قال رسول الله ( ( يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي للنزهة ، وأوساطهم للتجارة ، وقراؤهم للرياء والسمعة وفقراؤهم للمسألة ) 0
وهذا خبر منكر ، مسلسل بالضعفاء والمجاهيل 0
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله (، وأكثر رواته مجاهيل لا يعرفون 0
وقال الذهبي باطل ، وسنده ظلمات إلى جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس0
السؤال الحادي والأربعين :ما درجة الحديث الوارد في الأذان بأذن المولود ، فقد ورد على مسامعنا أن فضيلتكم يضعفه ؟
وما السنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه ؟
الجواب:
الحديث الوارد في الآذان في أُذن المولود لا يثبت .
رواه أبو داود في سننه ( 5105 ) والترمذي ( 1514 ) من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال :( رأيت رسول الله ( أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة ) .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفيه نظر فقد تفرد به عاصم عن عبيد الله وأكثر أهل العلم على تضعيفه .
قال ابن عيينه ( كان الأشياخ يتقون حديث عاصم بن عبيد الله ) .
وقال علي بن المديني :سمعت عبد الرحمن بن مهدي ينكر حديث عاصم بن عبيد الله أشد الإنكار .
وقال أبو حاتم ( منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه ) .(1/40)
وقال النسائي ( لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله فإنه روى عنه حديثاً ) .
وتصحيحُ الترمذي للحديث اجتهادُُُ ُ لم يوافقه عليه كبير أحد ، فأئمة هذا الشأن وأهل العلم المعنيّون بمعرفة الرواة والأسانيد يطعنون في عاصم ولا يصححون له .
وقد ورد الحديث عن ابن عباس
رواه البيهقي في الشعب ] 6 / 390 [من طريق الحسن بن عمرو بن سيف عن القاسم بن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي( ( أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ) .
وهذا الإسناد أشد ضعفاً من سابقه ، فالحسن بن عمرو كذبه البخاري وقال الحاكم أبو أحمد متروك الحديث .
ولا يصح في الباب شيء فيصبح الأذان في أذن المولود غير مستحب .
والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة وأخبار ثابتة .
وقد طلب السائل بيان السنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه .
وأصح شيء في ذلك العقيقة وحلق الرأس صح هذا عن سمرة( أن النبي( قال: ( كُلّ غُلام مرتهنُُ ُ بعقيقته تُذبح عنه يومَ سابعه ويُحْلَقُ رأسُه ويُسمَّى ) . رواه أحمد وأهل السنن من طريق قتادة عن الحسن البصري عن سمرة وسنده صحيح .
وقد سمع الحسن هذا الخبر من سمرة .
قال البخاري في صحيحه: ( كتاب العقيقة ) باب( إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة ) حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا قريش بن أنس عن حبيب الشهيد قال:( أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن : ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته فقال : من سمرة بن جندب )
وأكثرُ أهل العلم على أنه يُعَقُ عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة .
وقد ذكر يوسف بن ماهَك أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله ( أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ) رواه الترمذي ( 1513 ) وقال: حديث حسن صحيح .(1/41)
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن العقيقة تذبح في اليوم السابع فإن لم يتهيأ ففي اليوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ ففي اليوم الحادي والعشرين .
وقد ورد في ذلك أثر عن عائشة رضي الله عنها رواه الحاكم في مستدركه ( 4 \ 238 ) وفي صحته نظر .
وقد قال الإمام الباجي في المنتقى ( 3 \101 ) روى ابن حبيب عن ابن وهب عن مالك ( من ترك أن يَعُقَّ عن ابنه في سابعه فإنه يَعُقُ عنه في السابع الثاني فإن ترك ذلك ففي الثالث فإن جاوز ذلك فقد فات وقتُ العقيقة ) .
وروى ابن حبيب عن مالك . [لا يُجاوز بالعقيقة اليوم السابع] وهذا أصح من الأول فإن العقيقة مقيدة باليوم السابع فلا يصح تقديمها عليه ولا تأخيرها أشبه ما تكون براتبة الصلاة فإن فاتت لعذر شُرع قضاؤها وإذا تركت تفريطاً حتى فات وقتهاسقط حكمها والقول في تقديم العقيقة عن اليوم السابع كالقول في تأخيرها وكذلك لو مات الصبي قبل اليوم السابع لم تكن له عقيقة . والله أعلم .
السؤال الثاني والأربعين : ما الذكر الصحيح الوارد بعد الأذان ؟
الجواب:
السنةُ لمن سمع المؤذنَ يُنادي للصلاة أن يقول مثلَ ما يقول إلا في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله . فإذا فرغ من متابعته سُنّ له أن يصلي على النبي( فقد روى مسلم في صحيحه ( 348 ) من طريق كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جُبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص( أنه سمع النبي ( يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى اللهُ عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) .(1/42)
وقد روى البخاري في صحيحه صفة الدعاء بعد النداء، قال حدثنا على بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله( أن رسول الله ( قال: ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماًَ محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة ) .
ورواه علي بن المديني وأحمد في مسنده ( 3 / 354 ) ومحمد بن سهل البغدادي وإبراهيم بن يعقوب وجماعة عن علي بن عياش بنحو رواية البخاري ورواه محمد بن عوف عن علي بن عياش وزاد في آخره ( إنك لا تخلف الميعاد ) خرجه البيهقي في السنن ( 1 / 410 ] . وهذه الزيادة: شاذة .
فقد اتفق الحفاظ علي بن المديني وأحمد والبخاري وجماعة على روايته عن علي بن عياش دون هذه الزيادة .
وتفرد محمد بن عوف عن علي غير مقبول .
وأين تقع روايته من رواية هؤلاء الحفاظ .
وتصحيح بعض المتأخرين للحديث بزيادته مرفوض ودعوى أنها زيادة من ثقة وزيادة الثقة مقبولة ليس بصحيح فأئمة الحديث المعنيون بعلل الأخبار المتخصصون بذلك لا يقبلون زيادة الثقة مطلقاًَ ولا يحكمون على هذه المسألة بحكم كلي يعم كل الأحاديث بل يحكمون بالقرائن ويحكمون على كل زيادة بما تستحق .
وحين يتفق علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم على رواية الحديث عن علي بن عياش بدون الزيادة لا ريب أنهم يقدّمون على محمد بن عوف وأمثاله والله أعلم .
السؤال الثالث والأربعين:
أنا أقرأ في كتب الفقهاء فأرى كثيراً منهم يستحب أن يُقال في لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها . ويذكرون في ذلك حديثاً وهو معروف لدى فضيلتكم فما صحته ؟
الجواب:
أخي السائل اعلم أن الاستحباب حكم شرعي ، والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة فلا يمكن اثبات حكم بدون دليل محفوظ .(1/43)
وقد اعتاد الفقهاء التساهل في ذلك فيثبتون الاستحباب بحديث ضعيف والكراهية بمثل ذلك وأشد .
وقد تفاقم الأمر في العصور المتأخرة فترى الأحاديث الضعيفة والمنكرة والأخبار الواهية في كتب العقائد والتفاسير وأحكام الحلال والحرام . وأعظمُ من ذلك الجزم بنسبة ذلك إلى رسول الله ( وهذا خطر عظيم وذنب كبير .
وقولكم [ ويذكرون في ذلك حديثاً ] هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود ( 528 ) من طريق محمد بن ثابت العبدي حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة ( أو عن بعض أصحاب النبي ( أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي ( ( أقامها الله وأدامها ) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر (في الأذان .
وفي هذا الحديث ثلاثُ علل:-
أولاها : محمد بن ثابت العبدي قال عنه النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ليس بشيء .
الثانية : الإبهام فلم يسم العبدي شيخه في الإسناد
الثالثة : شهر بن حوشب مختلف فيه وقد قال ابن عون (( إن شهراً نزكوه)) . أي: طعنوا فيه وقال النسائي ليس بالقوي .
وقال الترمذي عن البخاري . شهر حسن الحديث وقال الإمام أحمد . لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب .
وقال الدار قطني . يخرّج من حديثه ما روى عنه عبد الحميد بن بهرام .
والناظر في أحاديث شهر لا يشك أنه سيء الحفظ يضطرب في الأحاديث والله أعلم .
والحديث ضعفه النووي في المجموع ( 3 / 122 ) وابن حجر في التلخيص ( 1 / 211 )
بيد أن النووي رحمه الله قال ( لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء .. ) .
وهذا غير صحيح وليس في المسألة اتفاق . فظاهر كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنّ أحاديث الفضائل لا تُروى إلا عمّن تُروى عنه أحاديث الأحكام .
وهذا ظاهر كلام ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين ورجحه الإمام بن حزم رحمه الله .(1/44)
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى ( 1 / 250 ) [ ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليس صحيحة ولا حسنة لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوّزوا أن يُروى في فضائل الأعمال مالم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ورُوي حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ولكن إذا عُلم تحريمه ورُوي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه ، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أن كذب ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله .
وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الإئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة . ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه ....] .
والمنقول عن أهل العلم من الخلاف في هذه المسألة أكثر من ذلك .
ودعوى النووي رحمه الله من الاتفاق على العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل غير صحيحة والخلاف محفوظ .
والمنقول عن الصحابة والتابعين عدم التفريق فالكل شرع من الله فلا تصح المغايرة بدون دليل ولا أعلم عن أحد من الصحابة ( أنه تساهل في المرويات بالفضائل أو الترهيب دون ماعداها .(1/45)
وقد روى البخاري ( 2062 ) ومسلم ( 14 / 130 – شرح النووي ) من طريق عبيد بن عمير (( أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب (فلم يؤذن له ، وكأنه كان مشغولاً فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ؟ ائذنواله . قيل قد رجع فدعاه ، فقال : كنا نؤمر بذلك فقال : تأتيني على ذلك بالبينة . فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم ، فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري .
فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر : أخفي عليَّ هذا من أمر رسول الله أم ألهاني الصفق بالأسواق ( يعني الخروج للتجارة ) .
وقد كان قصد عمر ( بطلب البينة التثبت لئلا يتسارع الناس إلى رواية الأحاديث عن رسول الله ( بدون ضبط ولا تحري وفي بعض رواياته في صحيح مسلم ( إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثَبت ) .
السؤال الرابع والثلاثين:
ما صحة حديث ( من توضأ على طُهر كتب الله له به عشر حسنات ) ؟
الجواب:
هذا الحديث لا يثبت رواه أبو داود ( 62 ) وابن ماجه ( 512 ) وعبد بن حميد ( 859 ) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن أبي غُطيف الهذلي عن عبد الله بن عمر عن النبي ( .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله ( 59 ) وهو إسناد ضعيف ) وروى العقيلي في الضعفاء ( 2 / 332 ) من طريق علي بن المديني قال سمعتُ يحيى قال حدثتُ هشام بن عروة بحديث عن الإفريقي عن ابن عمر في الوضوء فقال هذا حديث مشرقي وضعف يحيى بن سعيد .. الإفريقي .
وقال الترمذي في جامعه ( 199 ) والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث ... ) .
وقال الإمام أحمد . ليس بشيء
وعنه قال . منكر الحديث .
وقال علي بن المديني:( كان أصحابنا يضعفونه وأنكر أصحابنا عليه أحاديث تفرد بها لا تُعرف ) ولم يرد هذا الحديث فيما أعلم من غير رواية الإفريقي ولا يحتج بشيء من حديثه .
وتحقيق القول في تجديد الوضوء أنه لا يندب على الإطلاق ولا يشرع تكراره بدون سبب.
ويستحب اتفاقاً عند كل صلاة .(1/46)
وقد روى البخاري في صحيحه ( 214 ) من طريق سفيان قال حدثني عمرو بن عامر عن أنس( قال : كان النبي( يتوضأ عند كل صلاة. قلتُ: كيف كنتم تصنعون ؟ قال : يجزئُ أحدنا الوضوء ما لم يُحدث .
وقد ترجم له البخاري بقوله ( باب الوضوء من غير حدث ) والمراد تجديد الوضوء وقد كان الوضوء لكل صلاة واجباً ثم نسخ وبقي الاستحباب والله أعلم .(1/47)