أقسام علم الحديث أو تصنيف المكتبة الحديثية
حقيقة علم الحديث
أو تصنيف المكتبة الحديثية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا فصل استللته من مقدمات بعض كتبي؛ ومقصود الفصل التعريف الكافي بعلم الحديث وأقسامه وبالمكتبة الحديثية وصنوفها، وبوظائف طالب هذا العلم الشريف وواجباته؛ فأقول، وبالله وحده التوفيق:
إن وظيفة علم الحديث تنقسم في الجملة إلى قسمين:
القسم الأول: حفظ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما يحتمل أن يكون له حكم الرفع أو يحتج به من آثار السلف، وكذلك حفظ ما ذكره العلماء من أصول وفروع في نقد تلك الأخبار ورواتها، ثم نشر ما يحتاجه العلماء والطلاب والناس من ذلك كله؛ وهذا وظيفة قسم الرواية من علم الحديث.
القسم الثاني: نقد تلك المرويات ورواتها، وتحقيق الأحكام الأصلية والفرعية في هذا الفن، وهذا وظيفة قسم الدراية من علم الحديث.
وعلى طالب علم الحديث الذي يروم أن يكون من أهله أن يتمكن من أربعة أبواب منه؛ وذلك هو القدر الأدنى الذي لا بد منه:
الأول: مصطلحات المحدثين.
والثاني: قواعدهم.
والثالث: أنواع كتب الحديث ومحتوياتها ومراتبها وطرائقها وتواريخها وتراجم أصحابها.
والرابع: مناهج المحدثين ومسالكهم وشرائطهم وخصائصهم ولا سيما النقاد منهم.
أما المصطلحات فإنما تطلب معرفة معانيها لأنها دخلت في لغة القوم واستعملت في مؤلفاتهم، فكما لا يمكن لأحد من الناس فهم مقاصد المحدثين بدون معرفة لغتهم الكبرى - أعني العربية - فكذلك يتعذر على العربي فهم كثير من مراداتهم ما لم يكن عالماً بلغتهم الصغرى أعني مصطلحاتهم.
وأما القواعد فعليها ابتناء العلم إذ هي أصله وأساسه وميزانه ومقياسه.(1/1)
وأما كتب الحديث فهي مادة هذا العلم ولا يكون الدارس داخلاً في جملة طلبة علم الحديث إلا بعد معرفة أهمها وأنفعها وأتقنها وأجمعها وأصوبها وكيفية تصنيفها وسبل الانتفاع بها ووسائل تيسير الرجوع إليها وأنواع العلائق بينها ومقادير تفاوتها في مراتبها وموضوعاتها وشرائطها ومعرفة مظان الخلل فيها والاستدراك عليها.
ويدخل في المكتبة الحديثية كل كتاب مقصوده علم الحديث صِرفاً، وكل كتاب الجانب الحديثي فيه أغلب من الجوانب الأخرى؛ وليس معنى هذا أنه لا يستقيم إدخال الكتب الأخرى التي يغلب عليها غير علم الحديث ولكن فيه من مسائل علم الحديث ما يحتاجه بعض أهل الحديث.
هذا من جهة محتوى المكتبة الحديثية.
أما من جهة تقسيمها فأنسب تقسيم لها أن يكون بحسب موضوعاتها؛ وموضوعاتها – كما هو معلوم – هي موضوعات علم الحديث، وتلك الموضوعات يمكن أن تصنف وترتب على ترتيب خطوات نقد الحديث، وهذه الخطوات هي:
الأولى: جمع روايات الحديث بأسانيدها وطرقها.
والأصل في هذا العمل كتب الرواية، ولا يستغنى فيه عن كتب التخريج والفهرسة وغيرها من الكتب التي هي مظان الطرق أو تعين على الوقوف عليها في أصولها.
الثاني: تصحيح ما وقع في تلك الروايات في النسخ المطبوعة أو المخطوطة من التصحيف والتحريف والسقط والزيادة والقلب الواقع في الأسماء والأسانيد والمتون.
والأصل في هذا العمل مقارنة الأصول والروايات ببعضها والرجوع إلى المظان المعينة على ذلك التصحيح؛ ومن أنفعها في هذا الباب كتب التصحيف والتحريف وما يتعلق بذلك، ككتب ضبط أسماء الرواة، وتصحيح الكتب. ومن المراجع الفرعية للضبط والتصحيح تعليقات المحققين على الأصول، هذا إن كان التحقيق تحقيقاً بحق، وإما إن خالف الاسم المسمى كما هو حال أغلب التحقيقات فما أقل الخير فيه.(1/2)
وفي الحقيقة فإن جنس التصحيح هذا ليس مطلوباً في كتب الرواية وحدها بل في كل كتاب من كتب الحديث التي تأتي الإشارة إلى أصنافها فما من كتاب إلا وهو عرضة للتحريف والخطأ من ناسخ أو مالك أو محقق أو ناشر.
الثالث: معرفة ما لكل راو من اسم وكنية ولقب، احترازاً من توهم الراويين واحداً أو الواحد اثنين، وتعيين المقصود بكل راو، فالأسماء تتشابه ولا سيما عند الإهمال أي عند ذكر الراوي باسمه أو كنيته فقط دون أن ينسب إلى ما يتم به تعيينه كالأب والجد وغير ذلك.
والأصل في هذا العمل كتب الأسماء والأنساب والكنى والألقاب والمؤتلف والمختلف؛ وينتفع في ذلك أيضاً من تدبر الطرق والروايات بعد جمعها.
الرابع: معرفة ما قيل في كل راو من جرح وتعديل أو ما يتعلق بذلك كالصحبة والجهالة؛ ثم تلخيص ذلك والحكم على الراوي بما يقتضيه النظر في تلك الأقوال أو النظر فيها وفي مروياته.
والأصل في هذه المعرفة كتب الجرح والتعديل.
الخامس: دراسة ما يتعلق بالأسانيد من حيث الاتصال والانقطاع.
والأصل في هذه الدراسة كتب الاتصال والانقطاع، كالمراسيل لابن أبي حاتم وجامع التحصيل للعلائي وتحفة التحصيل في رواة المراسيل لأبي زرعة العراقي وطبقات المدلسين لابن حجر وغيرها؛ وفي كتب العلل والتواريخ والجرح والتعديل كثير من بيان الانقطاع بين الرواة مطلقاً أو مقيداً بروايات معينة.
السادس: النظر في القدر المشترك بين الروايات والطرق، وفيما خرج عن ذلك القدر مما يقع في الطرق من اختلافات وزيادات في الأسانيد والمتون؛ ثم الحكم على ذلك القدر المشترك وعلى كل زيادة أو نقص في السند أو المتن بحسب ما تقتضيه صفات تلك الطرق من الأحكام.
وهذا موضع اجتهاد الباحث وميدان تطبيق ما عنده من المعرفة بهذا الفن وتفاصيله، وحسن اختياره وترجيحه بين أحكام من تقدمه؛ ولكن ما أصعب التمكن من ذلك وما أبعده عمن قلت ممارسته وقصرت مدارسته.(1/3)
ومن ثمرات هذا كله ظهرت كتب النوع التالي من موضوعات علم الحديث، وهو:
السابع: التخريج ونقد الأحاديث، وهذا النوع قديم جداً في تأسيسه وأصوله ثم في فروعه؛ وأما ظهور مؤلفاته المتخصصة المتوسعة المكتوبة على نحو طريقة كتب التخريج المعروفة في هذه الأعصر فقد كان ذلك على أيدي المتأخرين؛ وإن من أقدم من ألف في هذا الباب الرافعي ثم ابن الصلاح ثم النووي ثم اشتهر فن التخريج بعد ذلك؛ واليوم يعد هذا الفن من أبرز العلوم الشرعية التي يعنى بها كثير من الباحثين.
وكان عند المتقدمين نوع من الكتب يشبه كتب التخريج في الوقت الحاضر؛ وهي أنواع منها هذه الأنواع الثلاثة:
الأول: كتب العلل، كالعلل لابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني.
الثاني: الكتب التي تتكلم على الأحاديث نقداً وشرحاً كما فعل ابن عبد البر في كتابه (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد).
الثالث: كتب المستخرجات التي توسع أصحابها في إيراد طرق أحاديثها؛ وسيأتي شرح معنى المستخرجات.
إن كثرة الكتب في الأبواب المتقدمة وطول مطالعتها أحوج أهل هذا العلم وطلابه وغيرهم إلى النوعين التاليين من أنواع موضوعات علم الحديث؛ وهما:
الثامن: تقريب الرجوع إلى هذه الكتب على اختلاف أنواعها فقام العلماء والباحثون بعمل الفهارس ونحوها ككتب الأطراف(1).
التاسع: تسهيل الوقوف على مجموعة من كتب فن من الفنون – أو على أهم مقاصدها - في كتاب واحد.
وذلك بتصنيف الجوامع في كل فن كالكتب التي تجمع بين الصحيحين أو الكتب الخمسة أو الستة أو كتب الزوائد سواء كانت جامعة كمجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي أو الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، أو خاصة كمصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري.
__________
(1) والأصل في هذا العمل كتب الفهارس، ولكن كثيراً من الفهارس المختصة بكتاب واحد ألحقت بأصولها فطبعت بذيولها.(1/4)
ومما يدخل في كتب هذا النوع التاسع أو يشبهه ما ظهر قديماً من الاختصار لتقريب العلم على الطالب المبتدئ وعلى غير المتخصص كالعابد والمتفقه والداعية وغيرهم؛ فظهرت كتب المتون المختصرة كعمدة الأحكام للمقدسي ومنتقى الأخبار لابن تيمية الجد، ورياض الصالحين للنووي وبلوغ المرام لابن حجر واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي؛ فهذه الكتب ونحوها إما أن تعد ضمن كتب النوع التاسع المتقدمة، أو تكون نوعاً عاشراً مستقلاً؛ وهي المختصة بجمع واختصار المتون الحديثية وترتيبها وتقريبها للدارسين والعاملين.
وبعد كل هذا فلا بد لهذا العلم كغيره من العلوم أن يكون له إضافة إلى ما تقدم جناحان أو ركنان:
الركن الأول: قواعده ومصطلحاته، ولبيان القواعد والمصطلحات ألفت كتب المصطلح؛ ويلتحق بها ما صنفوه في آداب المحدث والطالب.
ويدخل في هذا الصنف من الكتب دراسات مناهج المحدثين.
الركن الثاني: أن يكون له تأريخه وفيه ألفت كتب مناقب المحدثين وفضائل الحديث وأهله وطبقات المحدثين وسيرهم، وجملة مما في تلك الكتب داخل في كتب الجرح والتعديل أو ملتحق بها. ويلتحق بهذا النوع من الكتب ما ألف في الدفاع عن الحديث وأهله ضد أعدائه من الكفار وأهل البدع.
فهذان نوعان من الكتب: كتب الفضائل والآداب، وكتب السير والمناقب والفضائل؛ وهما لنوعين من أنواع علم الحديث، وهما العاشر والحادي عشر.
العاشر: تفصيل فضائل الحديث وآداب أهله.
الحادي عشر: سير ومناقب المحدثين(1).
وبهذا تتبين أقسام مكتبة الحديث باعتبار موضوعاتها الجزئية التي يتألف من مجموعها علم الحديث.
__________
(1) فهذه كما رأيت أحد عشر نوعاً من كتب الحديث؛ وبقي عند إرادة الاستيعاب نوعان آخران؛ أولهما الكتب التي يجتمع في الواحد منها أكثر من موضوع واحد مما تقدم؛ وثانيها: الكتب التي يجتمع في أحدها مع الموضوع الحديثي غيره.(1/5)
وثم اعتبار آخر في تقسيم المكتبة الحديثية وهو اعتبار له شأن أيضاً؛ وذلك أن تلك المكتبة تنقسم بحسب موضوعاتها الكبرى إلى أربعة أقسام رئيسة؛ وهي: كتب الرواية، وكتب الرجال، وكتب التخريج، وكتب المصطلح.
ولكني آثرت تقديم ذلك التقسيم التفصيلي المتقدم فإن الوقوف عليه ييسر الاطلاع على مراحل نقد الحديث بصورة لعلها تكون واضحة وجلية وغير خالية من الفائدة.
وعند التدبر يظهر أن كل قسم من تلك الأقسام الجزئية يرجع إلى واحد أو أكثر من هذه الأقسام الأربعة أو يتعلق به(1).
والآن أذكر بعض التفصيل في تقسيم المكتبة الحديثية مرتبة بحسب الأقسام الأربعة.
كتب الرواية أما كتب الرواية فهي الكتب التي تذكر الأحاديث بأسانيدها مثل الكتب الستة والمستخرجات عليها والمسانيد والأجزاء الحديثية المسندة ومعاجم الشيوخ والمسلسلات وأنواعٍ كثيرة أخرى(2).
ويدخل في كتب الرواية كتب المتون التي حذفت أسانيدها وقد جمع المتأخرون كتباً حديثية كثيرة في جميع أبواب العلم، مشتملة على المتون دون الأسانيد مع الإبقاء على صحابي الحديث وحده في الغالب؛ ويأتي مزيد من التفصيل في الكلام عليها في ترجمتها من هذا الكتاب.
__________
(1) وأما شرح الأحاديث واستنباط أحكامها واستخراج فوائدها وإزالة الإشكال عنها والجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها، فليس في الحقيقة من وظيفة المحدث وإنما بعض ذلك من وظيفة اللغوي وبعضه من وظيفة الفقيه؛ ولكن كثيراً من المحدثين كانوا فقهاء أو متمكنين من لغة العرب فشاركوا في تلك الوظائف، وربما يرى راء أن من حق كتب الغريب والشروح ومشكل الحديث ومختلف الحديث وفقه الحديث أن تدخل في مكتبة الحديث، وأرى أن لا بأس بذلك ولكنه لا يخلو من بعض التجوز، ولا سيما في حق كتب فقه الأحاديث.
(2) والفقهاء وغيرهم يطلقون اسم كتب الرواية على جميع كتب الحديث بما فيها كتب النقد الحديثي؛ وكذلك يطلقون علم الرواية على علم الحديث كله.(1/6)
ثم الظاهر أن مما يلتحق بكتب الرواية كتب ضبط الألفاظ والأسماء وكتب التصحيف والتحريف؛ فإن هذه الكتب ونحوها إنما غايتها الاعتناء بما روي والحفاظ عليه من التغيير والخطأ(1) ، وما في هذه الكتب وتلك(2)من علم هو الذي أسماه بعض المتأخرين (علم الحديث روايةً) وأطلقوا على ما سوى ذلك من علم الحديث (علم الحديث درايةً).
وأفضل وأهم كتب الرواية الكتب الستة وهي صحيحا البخاري ومسلم والسنن الثلاث سنن أبي داود والترمذي والنسائي، فهذه هي الكتب الخمسة؛ وسادسها سنن ابن ماجه. ويأتي الكلام على خصائص هذه الكتب وشروط أصحابها فيها في كتاب (التخريج).
أنواع كتب الرواية
تنقسم كتب الرواية أقساماً كثيرة، باعتبارات متعددة.
فيمكن تقسيمها من حيث مراتب القوة والضعف في الجملة، مثل الصحاح والسنن والواهيات والموضوعات.
ويمكن تقسيمها من حيث طبقات مؤلفيها وصفات أسانيدها من حيث العلو والنزول؛ كأن نقسمها إلى ما ألف في المئة الثانية للهجرة، وما ألف في المئة الثالثة، وما ألف في المئة الرابعة، وهلم جراً.
ويمكن تقسيمها من حيث مواضيعها إلى مرويات في العقيدة والسنة، ومرويات في التفسير ومرويات في الفقه العملي، ومرويات في الأذكار والأدعية، ومرويات في التزكية والرقاق، ومرويات في الأدب وغير ذلك.
ويمكن تقسيمها بحسب ترتيبها إلى قسمين: كتب موضوعات علمية ومسانيد.
ومعلوم أن التقسيم أمر اصطلاحي مراده تقريب العلم إلى المتعلم بتجزئته، وتسهيلُه على المتحفظ بضبط أنواعه؛ فيمكن للناظر في كتب الرواية أن يخطر بباله أنواع أخرى من التقسيم كثيرة جداً، سواء كانت صالحة للتطبيق أوْ لا.
__________
(1) ولا يمنع من هذا أن بعض هذه الكتب تلتحق – من حيثية أخرى – بكتب الرجال أيضاً.
(2) أي كتب المرويات وكتب ضبطها وتصحيحها. ...(1/7)
وأود أن أبين في هذا الموضع جملة من ألقاب المصنفات الحديثية، فأقول: الصحاح هي الكتب التي يشترط فيها أصحابها الصحة في أحاديثها، والحقيقة أنه لم يسلم أمام أقلام الناقدين إلا صحيحا البخاري ومسلم، فقد وفيا بشرطهما ولاق بكتابيهما تسمية (الصحيحين). وأما سائر الصحاح المعروفة فمسماها دون اسمها ومن ذلك صحاح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم على الصحيحين؛ ويأتي تفصيل هذه المسائل في موضع آخر.
السنن وهي الكتب التي جمعها أصحابها من الأحاديث المرفوعة مرتبة ترتيباً قريباً من ترتيب الصحيحين أو الكتب الفقهية المشهورة مثل مختصر المزني عن الشافعي وهذا المختصر هو الأصل في ترتيب كتب الفقه.
ويدخل أصحاب السنن فيها في كثير من الأحيان آثاراً موقوفة أو مقطوعة كثيرة أو قليلة. وهم لا يشترطون في كتبهم الصحة بل أغلبهم يشترط القوة في الجملة لأن هذه الكتب مصنفة على الأبواب الفقهية فالأصل فيها أنها إنما ألفت للإحتجاج بما فيها بخلاف الكتب المصنفة على أسماء الصحابة أو الشيوخ فالأصل فيها أنها إنما ألفت لجمع مروياتهم، وإن كان فريق من جامعيها كالإمام أحمد يجتنب الأحاديث التي يعلم أنها موضوعة عمداً.
الفرق بين الجامع والسنن الكتاب الجامع نوع من أنواع كتب السنن، فهو أخص منه؛ السنن كسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه يذكر فيها أحاديث الأحكام العملية وأبواب من العقائد وما يتعلق بها أي انها تضم أبواب السنة في الأحكام العملية والسنة في الأحكام الاعتقادية؛ وأما الجامع كجامع الترمذي، وهو المعروف أيضاً بسنن الترمذي، فيذكر فيه إضافة إلى ذلك الفضائل والتفسير وصفة الجنة وصفة النار وغير ذلك.
المصنفات وهي كالسنن ولكنها تمتاز بالسعة والشمول وكثرة ما فيها من الآثار غير المرفوعة واشتهر منها كتابان جليلان حافلان هما مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 - 211 هـ) ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة الكوفي (159 – 235 هـ).(1/8)
طبع الكتاب الأول لأول مرة في سنة (1392هـ) بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي في أحد عشر مجلداً، وبلغ عدد مروياته حسب ترقيم المحقق (21033)، ولكنه يحتوي على أحاديث مكررة كثيرة(1) ؛ ثم إن المجلد الحادي عشر منه وبعض العاشر إنما هما كتاب (الجامع) لمعمر من رواية عبد الرزاق عنه.
وقد استخرج بعض الطلبة زوائد مصنف عبد الزاق على الكتب الستة فبلغ عدد الزوائد: أربعة عشر ألف حديث؛ ولكن القدر المرفوع من هذه الزوائد بحسب استقراء باحث آخر يقارب خمسها فقط والباقي آثار غير مرفوعة.
وأما مصنّف أبي بكر بن أبي شيبة فكتاب جليل حافل ماتع أثنى عليه العلماء، فوصفه ابن كثير بقوله: (المصنّف الذي لم يُصنّف أحد مثله قط، لا قبله ولا بعده)(2) . ومن قبل قد قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: (ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام: أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء: علي بن المديني، وأحسنهم وضعاً لكتاب: أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث من سقيمه: يحيى بن معين)(3).
وقال الرامهرمزي: (وتفرد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب وجودة الترتيب وحسن التأليف)(4).
__________
(1) بل إن كتاب (أهل الكتاب) في المجلد السادس برواية النجار، تكرر في المجلد العاشر برواية الحذاقي، مع زيادة ونقص.
(2) البداية والنهاية (10/315). ...
(3) تاريخ بغداد (10/69) وسير أعلام النبلاء (11/127).
(4) المحدّث الفاصل (ص 614). ...(1/9)
وكل من هذين المصنفين مرتب على الأبواب العلمية أي على الموضوعات، ويحتوي على مادة طيبة، ومنها كثير من فتاوى الصحابة والتابعين وتابعيهم، وآثارهم في الزهد والعبادة والأدب(1).
وثم كتاب ثالث شبيه بهذين الكتابين من حيث طريقة التصنيف والمحتوى في الجملة؛ وهو (السنن) لسعيد بن منصور (ت227هـ) وشبهه بالأول أكثر.
ونجد كثيراً من المصنفين يسندون مروياتهم من طريق هذه الكتب الثلاثة؛ فضلاً عن كثرة العزو إليها؛ قال الدكتور سعد آل حميد في مقدمة تحقيق سنن سعيد بن منصور: (وهذا يعود لندرة محتواها وعلو أسانيدها وغير ذلك من الاعتبارات).
المسانيد
المسنَد: هو الكتاب الذي يجمع فيه مصنفه ما أسنده الصحابة أي رووه، بشروط يختارها هو، فهو اسم مفعول، وترتب فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة.
وتقال هذه اللفظة أيضاً للكتاب الذي ألحقت فيه أسانيد أحاديثه بعد أن لم تكن مذكورة فيه، كمسند الشهاب ومسند الفردوس فإنهما في الأصل متون بلا أسانيد، ثم أُسندا من قِبل غير مؤلفيهما.
ويشبه هذا السبب سبب تسمية مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم: مسند أبي عوانة، فكأنه لوحظ في ذلك أنه أخذ أحاديث مسلم متوناً من غير أسانيد ثم أسندها من غير طريق مسلم، في الغالب.
هذا وقد يحصل التجوز فيسمى الكتاب المؤلف على طريقة السنن: مسنداً، كما وقع لكتاب الدارمي فإن إسمه الأقدم هو (مسند الدارمي) رغم أنه يشبه في ترتيب أبوابه كتب السنن ورغم كثرة ما فيه من آثار غير مرفوعة(2).
__________
(1) طبع الكتاب في الهند في خمسة عشر جزءاً على عدة مراحل، ولكن يوجد فيه نقص ظاهر، ثم طبع في لبنان طبعة أخرى، ولكن كلا الطبعتين لا تخلوان من سقط وتحريف. وقد بدأ بعض الباحثين أخيراً في تحقيقه ومراجعته على أصوله الخطية وتخريج نصوصه، ونشر منه المجلد الأول فقط.. ونرجو أن يتيسر نشر بقية أجزائه إن شاء الله تعالى.
(2) والمسند يراعى فيه شرط الرفع. ...(1/10)
وأفضل المسانيد التي وصلتنا مسند الإمام أحمد، وقد طبع محققاً طبعتين: الأولى من قبل العالم البارع أحمد محمد شاكر قام فيها بتحقيق الكتاب وتخريجه وترقيم أحاديثه وشرحها ووضع فهارس علمية في نهاية كل جزء على حدة، ولكنه توفي قبل إتمام عمله، فأخرج ستة عشر جزءاً فقط، وهي تمثل ثلث الكتاب تقريباً. وهو عمل أصيل جليل كصاحبه.
ثم قامت لجنة بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط بإعادة تحقيقه وتخريجه ومراجعته على بعض الأصول الخطية، وطُبع في خمسين مجلداً.
المعاجيم المعجم يطلق على صنفين من كتب الحديث:
الصنف الأول: المسند الذي يرتب ذكر الصحابة فيه على حروف المعجم، فهذه معاجيم الرواية أو معاجيم الصحابة.
وأكبر وأشهر المعاجيم المعروفة (المعجم الكبير) للطبراني طبع سنة 1398 هـ في العراق، في عشرين مجلداً، وبقي منه خمسة مجلدات لم تطبع، هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والحادي والعشرون.
رتبه الطبراني على مسانيد الصحابة، وبدأه بأحاديث العشرة المبشرين بالجنة، ثم رتب بقية الصحابة على حسب حروف المعجم، وكان يترجم للصحابي ترجمة مختصرة، ثم يذكر بعض أحاديثه، أو جميعها إذا كان من المقلين، ومن لم يكن له رواية ذكره وترجم له باختصار، أو ذكره فقط، ليوقف على عدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أصحابه رضي الله عنهم(1).
قال الذهبي في وصف الكتاب: (وهو معجم أسماء الصحابة وما رووه، لكن ليس فيه مسند أبي هريرة، ولا استوعب حديث الصحابة المكثرين، في ثمانية مجلدات)(2).
وقال السيوطي: (لم يسق فيه من مسند المكثرين إلا ابن عباس وابن عمر، فأما أبو هريرة، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة، فلا، ولا حديث جماعة من المتوسطين؛ لأنّه أفرد لكلّ مسنداً فاستغنى عن إعادته)(3).
__________
(1) انظر مقدمة الطبراني (1/51). ...
(2) سير أعلام النبلاء (16/122).
(3) طبقات الحفاظ (ص 372). ...(1/11)
وقدر الكتاني عدد أحاديثه بـ: ستين ألفاً، بينما يرى حاجي خليفة أنها خمس وعشرون ألفاً فقط(1)؛ والذي وجد في المطبوع بترقيم محققه حمدي السلفي: عشرون ألفاً فقط، وبتخمين ما تشتمل عليه الأجزاء المفقودة يتبيّن أن تقدير حاجي خليفة أقرب للصواب(2).
الصنف الثاني: الكتاب الذي يترجم فيه المحدث شيوخه مرتبين على حروف المعجم، ويذكر ما رواه – أو بعض ما رواه - عن كل واحد في ترجمته، وهذه معاجيم الرواة أو معاجيم الشيوخ؛ وهي قسم من المشيخات، فهي مشيخات مرتبة على حروف المعجم.
وتوسع المتأخرون فأطلقوا المعجم على الكتاب الذي يخصه الشيخ بشيوخه وأقرانه أو من أخذ عنه أو يفرده أحد المحدثين بشيوخ حافظ أو تلاميذه، كمعجم شيوخ الصدفي لعياض ومعجم تلاميذ الصدفي لابن الأبار.
والمقصود هنا معاجيم الرواية لا معاجيم الرواة؛ وأما هذه فسيأتي الكلام عليها.
المشيخات ألف كثير من المحدثين كتباً ذكروا فيها أسماء شيوخهم وبعض مروياتهم عنهم، وهذا النوع من الكتب داخل في جملة كتب الرواية وهو نوع من أنواع المشيخات؛ ويأتي كلام أكثر تفصيلاً على المشيخات في بعض الفصول التالية.
المستخرجات المستخرج هو الكتاب الذي موضوعه أن يأتي مصنفه إلى كتاب البخاري مثلاً فيحاول أن يخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري فيجتمع اسناد المصنف مع إسناد البخاري في شيخ البخاري أو من فوقه.
ويأتي إن شاء الله مزيد من الكلام على شروط المستخرجات وصفاتها في كتاب التخريج.
__________
(1) انظر: الرسالة المستطرفة (ص 101)، وكشف الظنون (2/1737). ...
(2) والكتاني رحمه الله كثير الوهم والشذوذ فيما يقوله في (الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة).(1/12)
المستدركات بعض المعاصرين جعل هذه الكلمة من مصطلحات المحدثين وراح يعرّفها ويقارن بينها وبين كلمة المستخرج ويذكر مسائل أخرى، وهذا صنيع قد يكون فيه نظر، فإن هذه الكلمة إنما هي اسم لكتاب أبي عبد الله الحاكم الذي كان من شرطه فيه أن يذكر أحاديث صحيحة لم يذكراها ولا ذكرها واحد منهما وهي – بحسب ما يرى الحاكم - على شرط الشيخين أو أحدهما أو صحيحة وليست على شرط واحد منهما. ويأتي تفصيل الكلام على هذا الكتاب في كتاب التخريج.
الأجزاء الجزء الحديثي هو الكتيب - أو الوريقات أو الورقة - الذي يجمع فيه مؤلفه أحاديث تكون في الغالب متحدة في موضوعها أو راويها أو بعض صفاتها المتنية أو السندية؛ ثم توسع المحدثون في العصور المتأخرة فأطلقوا هذا اللقب على كل كتاب حديثي صغير؛ والأجزاء الحديثية أكثر من أن تحصى(1).ومنها كتب الأربعين التي أولع المتأخرون بجمعها استناداً إلى حديث وارد في فضل حفظ أربعين حديثاً على الأمة، مع أنه حديث غير صحيح!.
__________
(1) والجزء عند القدماء يرادف الرسالة عند المعاصرين؛ ومصطلح (الرسالة) كان في أول أمره استعمالاً غير صحيح ولكنه صار شائعاً معروفاً، ومع ذلك فالأحسن استعمال كلمة (جزء) بدلاً من (رسالة)، وانظر التنبيه الذي كتبه الشيخ أحمد محمد شاكر في مقدمة تحقيقه لرسالة الشافعي.(1/13)
الأربعينات وهي أجزاء حديثية جمع فيها أصحابها أربعين حديثاً، وشروطهم فيها مختلفة متفاوتة متعلقة بلفظ المتن أو معناه أو ببعض صفات السند؛ وقد بلغت كتب الأربعينات فيما أحسب أكثر من مئتي كتاب؛ ومن المشهور أن مستندها لا يصح، وهو حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً) قال فيه المناوي في (فيض القدير) (1/41): قالوا: وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومن ثَم اتفقوا على ضعف حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً) مع كثرة طرقه، لقوة ضعفه، وقصورها عن الجبر؛ بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد. انتهى.
وفي (خلاصة البدر المنير) (2/145) : (حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثاً كتب فقيهاً يروى من نحو عشرين طريقاً وكلها ضعيفة، قال الدارقطني: كل طرقه ضعاف لا يثبت منها شيء؛ وقال البيهقي: أسانيده ضعيفة).
كتب المسلسلات هي الكتب التي تجمع الأحاديث المسلسلة بأسانيدها؛ والحديث المسلسل هو الحديث الذي يتكرر في سنده معنى واحد أو لفظ واحد سواء كان ذلك في صيغ الأداء أو أسماء الرواة أو أنسابهم أو أوصافهم أو كيفيات تحملهم الحديث أو أدائهم له أو أحوالهم – أو أفعالهم - حال التحمل أو الأداء؛ فمنه المسلسل بالسماع أو بالعنعنة أو بالمدنيين أو بالفقهاء أو بالمحمدين أو بالمصافحة أو بالتبسم ونحو ذلك .
ذكر الخطيب في الكفاية (ص284) بعض صيغ الأداء وذكر سمعت، ثم قال: (وربما اتصل ذلك بحميع رجال الإسناد في حديث واحد فيسميه أصحاب الحديث المسلسل، مثاله أني سمعت أبا الحسن علي بن عبد العزيز الطاهري يقول سمعت أبا بكر أحمد بن جعفر بن سلم الختلي يقول سمعت الفضل بن الحباب الجمحي يقول سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول سمعت محمد بن زياد يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الولد للفراش وللعاهر الحجر).(1/14)
الفوائد الحديث الذي يغرب به المحدث على أقرانه أو على من يلقاهم من المحدثين أو على أهل بلده أو على أهل عصره يسمى فائدة، وقد جمع كثير من الحفاظ فوائدهم في كتب أو أجزاء سميت بهذا الاسم مثل فوائد أبي بكر الشافعي وفوائد تمام الرازي.
قال المعلمي في تعليقه على (الفوائد المجموعة) (ص482): (وإخراجه هذا الخبر في فوائده معناه أنه كان يرى أنه لا يوجد عند غيره، فإن هذا معنى الفوائد في اصطلاحهم).
الغرائب وهي كتب في الرواية وشرطها قريب من شرط الفوائد، ولكنه أوسع منه، فكتب الغرائب تعنى أصلاً بما أغرب - أي تفرد - فيه راو عن إمام حافظ مكثر شهير كمالك أو شعبة سواء كان المغرب هو الراوي عن ذلك الحافظ أو راو آخر دونه في السند؛ وكثير من هذه الغرائب لا تلبث أن تشتهر بعد حين بخلاف الفوائد فهي غرائب في بلد أو عصر جامعها كما تقدم.
ثم إن أكثر محتويات الغرائب لا تصح، ومن أشهر الغرائب غرائب مالك للدارقطني.
العوالي وهي كتب يشترط فيها المؤلف العلو المطلق أي قلة الوسائط – أي رجال السند - بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، أو العلو النسبي أي قلة الوسائط بينه وبين أحد أئمة الحديث، مثل عوالي أبي نعيم الأصبهاني عن أبي نعيم الفضل بن دكين؛ وعوالي أبي نعيم الأصبهاني عن سعيد بن منصور. ومنها كتب يشترط فيها أصحابها تساوي أسانيدها مع العلو كالسباعيات والثمانيات والتساعيات والعشاريات ونحوها مما جمعه المتأخرون لأنفسهم بأسانيدهم.
كتب المتون وهي كتب الحديث التي جمعها المتأخرون على غرار كتب الرواية المسندة التي جمعها المتقدمون إلا أنهم جردوا أحاديثها عن الأسانيد، وقد صارت هذه االمدرسة شائعة وغالبة على مدرسة الإسناد في القرن السادس الهجري ولا زالت هذه تقوى وتلك تضعف إلى هذا اليوم الذي تكاد فيه مدرسة الاسناد يحكم عليها بالعدم.(1/15)
ومن أشهر هذا النوع من الكتب التجريد للصحاح الستة، لرزين بن معاوية السّرقسطي (ت 535هـ)(1) والترغيب والترهيب للمنذري ورياض الصالحين والأذكار والأربعون ثلاثتها للنووي ومنتقى الأخبار لابن تيمية الجد وجامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي السعادات ابن الأثير الجزري (ت 606 هـ)(2)
__________
(1) يُعدّ هذا الكتاب من أوائل المحاولات لجمع الأصول الستة، وهي: (الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي)، وقد أدخل رزين بن معاوية بعض الزيادات من مروياته التي قال عنها الذهبي: (أدخل كتابه زيادات واهية لو تنزه عنها لأجاد)؛ وقال الإشبيلي في وصف هذا الكتاب: (كتاب تجريد صحاح أصول الدين مما اشتمل عليه الصحاح الستة الدواوين بحذف الأسانيد، وتقييد المسائل، مع استقصاء مضمون الحديث)؛ وهو مرتب على حسب الأبواب الفقهية على غرار صحيح البخاري. ...
(2) اعتمد ابن الأثير في كتابه هذا على كتاب رزين بن معاوية الآنف الذكر؛ حيث قام بتهذيبه وشرح غريبه، وإعادة ترتيبه؛ إذ إنه لم يعتمد على ترتيب رزين، بل رتب الكتب الفقهية على الأحرف الهجائية، فبدأه بالكتب التي تبدأ بحرف الألف وهي عشرة كتب، ثم الكتب التي تبدأ بحرف الباء.. وهكذا، حتى ختمه بكتاب اللواحق وضع فيه الأحاديث التي لم تدخل تحت باب معين.
واعتنى ابن الأثير بمراجعة عمل رزين على الأصول الستة وهي الخمسة والموطأ، وأكمل النقص الذي وقع فيه رزين، ومهّد لكتابه بمقدمة ضافية وهامة.
بلغ عدد أحاديث جامع الأصول حسب ترقيم المحقق (9523) حديثاً. وهو كما وصفه مؤلفه: (بحرٌ زاخرة أمواجه، وبرّ وعرة فجاجه، ولا يكاد الخاطر يجمع أشتاته، ولا يقوم الذكر بحفظ أفراده، فإنها كثيرة العدد، متشابهة الطرق، مختلفة الروايات).
وقد طبع الكتاب لأول مرة بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ثم حققه وخرّج أحاديثه عبد القادر الأرنؤوط؛ ثم أعاد طبعه بشير عيون، وذكر أنه استدرك في طبعته أشياء كانت محذوفة في الطبعتين السابقتين. ...(1/16)
وجامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سَنَن، للحافظ ابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)(1) ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (ت 807هـ)(2) ؛
__________
(1) وهو كتاب مرتب على مسانيد الصحابة، جمع فيه ابن كثير أحاديث كل صحابي على حدة؛ ورتبه على حروف المعجم في أسماء صحابته؛ فيذكر كل صحابي له رواية، ثم يورد في ترجمته جميع ما وقع له في الأصول الستة، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني، وما تيسر من غيرها.
وهذا الكتاب الجليل جمع فيه مؤلفه مادة علمية كبيرة، إذ احتوى على أكثر من مئة ألف حديث، فيها الصحيح والحسن والضعيف، وأحياناً الموضوع.
ولكن توفي الحافظ ابن كثير رحمه الله قبل إكماله؛ وطبع أخيراً ما وجد منه – وهو معظم مخطوطته – بتحقيق د. عبد المعطي قلعجي، في تسعة وثلاثين مجلداً. ...
(2) ألف الحافظ الهيثمي كتباً في زوائد: مسند أحمد، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة، كل واحد منها في تصنيف مستقل، ما عدا المعجمين الأوسط والصغير فجعل زوائدهما في مصنف واحد أسماه (مجمع البحرين في زوائد المعجمين).
ثم عرض الهيثمي كتبه تلك على شيخه الحافظ العراقي، فأشار عليه أن يجمع هذه الكتب في مصنف واحد مجرّدة الأسانيد، فعمل الهيثمي بهذه المشورة وجمعها في مؤلف واحد سماه: (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)، وقد رتبه الهيثمي على الأبواب الفقهية، فبدأ بكتاب الإيمان، ثم العلم، ثم الطهارة، ثم الصلاة... وهكذا حتى ختمه بكتاب: صفة الجنة؛ وهو مطبوع في عشرة أجزاء.
بذل الهيثمي في جمع هذا الكتاب وترتيبه جهداً كبيراً متميزاً، وكان يهتم ببيان درجة الحديث من حيث القوة والضعف، ويتكلم في رجال الحديث جرحاً وتعديلاً بعبارات موجزة، ولكن مالت كثير من أحكامه النقدية إلى التساهل. ...(1/17)
وعمدة الأحكام لابن دقيق العيد؛ وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني؛ والجامع الصغير وزيادته(1) والجامع الكبير(2)
__________
(1) الجامع الصغير وزيادته، للحافظ السيوطي (ت 911هـ) جمع فيه السيوطي الأحاديث النبوية القولية مرتبة على حروف المعجم، معتمداً على مصادر كثيرة، وقد بلغ عدد الأحاديث التي جمعها: (10031) حديثاً، ثم أضاف السيوطي إلى هذا الكتاب زيادة أخرى من الأحاديث فاتت عليه، بلغ عددها (4440) حديثاً.
وقد جمع بين الكتاب وزيادته يوسف النبهاني في مؤلف واحد سمّاه: (الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الكبير) رتبه على حروف المعجم تبعاً للسيوطي، وبلغ عدد أحاديثه (14471) حديثاً.
وعمل السيوطي هذا عمل عظيم وجهد جبار مبتكر يسهل عملية البحث عن الحديث المطلوب، وكان يرمز إلى درجة كل حديث من حيث الصحة أو الضعف، ولكن تميزت كثيرٌ من آرائه بالضعف والتساهل، وتعرضت تلك الرموز إلى التحريف والتبدل؛ ولهذا قام الشيخ الألباني رحمه الله بتتبع أحاديثه وبيان درجتها، وقسمه إلى كتابين: صحيح الجامع الصغير وزيادته، وضعيف الجامع الصغير وزيادته، وهما مطبوعان منتشران. ...
(2) جمع الجوامع، للحافظ السيوطي: جمع فيه السيوطي ثمانين كتاباً من كتب السنة، وقسمه قسمين:
الأول: يتضمن الأحاديث القولية، وقد رتبها على حروف المعجم كالجامع الصغير.
الثاني: ويتضمن الأحاديث الفعلية وما شابهها، وقد رتبها على مسانيد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وهذا الجهد جهد كبير متميز، ويُعد من أكبر الموسوعات الحديثية المصنفة، إلا أنه محشو بالأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة، وقد نشر الكتاب مصوراً من مخطوطة دار الكتب المصرية، تحت إشراف الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلا أن الاستفادة منه بهذه الصورة متعسرة وتستهلك جهداً ووقتاً، وتتطلب معرفة بقراءة المخطوطات ومصطلحاتها. ثم نشرت أجزاء يسيرة من الكتاب بدون تحقيق أو دراسة. ...(1/18)
والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (ت 911هـ)؛ وكنز العمال للمتقي الهندي(1) ؛ واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي.
تنبيه: مما يفعله بعض الذين يقحمون أنفسهم في تخريج الأحاديث أن يقول في الحديث مثلاً: رواه الترمذي في سننه وأبو داود في سننه والنووي في رياض الصالحين. وما ذلك من كثير من هؤلاء بعجيب، (وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب)(2).
__________
(1) كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي بن الحسام المتقي الهندي (975هـ).
جمع فيه المتقي الهندي: الجامع الصغير وزيادته، مضافاً إليه ما بقي من قسم الأقوال، وقسم الأفعال من كتاب جمع الجوامع، ورتبه جميعه على الأبواب الفقهية على غرار جامع الأصول لابن الأثير، والكتاب محشو بالأحاديث الضعيفة والموضوعة تبعاً لكتابي السيوطي. ولكبر حجم الكتاب فإن ترتيب الأحاديث القولية والفعلية على الأبواب لا يخلو من تداخل وخلط ونقص، ولهذا فإن الباحث قد يجد صعوبة أحياناً لكي يصل إلى مطلوبه.
وقد عمل بعض الباحثين فهرساً لأطراف الأحاديث على نسق حروف المعجم، لتيسير البحث فيه. ...
(2) هذه كلمة ابن حجر رحمه الله قالها في فتح الباري 3/584. ...(1/19)
كتب الضبط والتصحيح الكتب التي تعنى بالضبط كثيرة ومتنوعة ولكن أكثرها غير مختصة بهذا الموضوع وإنما تقوم بشيء من الضبط مع وظائفها الأخرى الأساسية؛ فإنك تجد كثيراً من الضبط في كتب التراجم والجرح والتعديل كتهذيب التهذيب وفروعه، وكذلك في كتب اللغة مثل لسان العرب وتاج العروس وغيرهما، وفي كتب الشروح بل هذا الجانب فيها واضح جداً. وفي كتب التاريخ كوفيات الأعيان لابن خلكان؛ لكن ثم كتب مختصة بالضبط مثل (صيانة صحيح مسلم عن السقط والإسقاط وحمايته من الوهم والأغلاط) لإمام أبي عمرو بن الصلاح. ومثل مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض، وهو في تقييد وضبط ما وقع - أو يحتمل أن يقع - فيه لبس أو إشكال أو اختلاف، أو نحو ذلك من الأسماء والألفاظ الواردة في الموطأ والصحيحين، وهو مبوب على الحروف على ترتيب أهل المغرب؛ وهو كتاب جم المنافع غزير الفوائد.
ومثل (المغني في ضبط رجال الصحيحين).
وللضبط طرق كثيرة أذكرها في موضعها من هذا الكتاب.
كتب الرجال وأما كتب الرجال فهي الكتب التي تُعنى بتعيين الرواة بتحرير أسمائهم وكناهم وأنسابهم ونحوها ودفع ما قد يقع من الاشتباه في ذلك وبيان أحوالهم في الرواية من حيث القوة والضعف وكذلك أحوال رواياتهم من حيث الاتصال والانقطاع بينهم وبين من فوقهم أو دونهم في الأسانيد؛ ويأتي التفصيل في موضعه.
كتب التخريج هي الكتب التي تعنى بالكلام على الأحاديث ببيان من روى الحديث من أصحاب الكتب أو بعضهم، مع بيان مرتبة ذلك الحديث من حيث القوة والضعف، في أحيان كثيرة أو قليلة.(1/20)
كتب المصطلح وأما كتب المصطلح فأصل موضوعها ذكر قواعد المحدثين وشرحها وتقريرها وذكر اصطلاحاتهم وإيضاحها وتحريرها، ولكن يقع في أكثرها - كغيرها من كتب الأصول والقواعد في العلوم الأخرى - من التقصير بإغفال طرف من هذه المقاصد أو التطويل بما هو خارج عنها ما يقع(1) ؛ فالموضوع الرئيس لعلم الحديث هو تمييز مقبول الأحاديث من مردودها، ولكنك ترى في كتب المصطلح مسائل أخرى غير داخلة في صلب هذا المقصد والأمر في ذلك يسير، قال طاهر الجزائري في (توجيه النظر) (1/80): (وأما ما يقال من أن في هذا الفن مسائل لا تتعلق بالقبول والرد كآداب الشيخ والطالب ونحو ذلك فالخطب فيه سهل فإن أكثر الفنون قد يتعرض فيها لمباحث غير مقصودة بالذات غير أن لها تعلقاً بالمقصود فتكون كالتتمة وهو أمر لا ينكر)(2).
الموسوعات الحديثية بقي نوع آخر من كتب الحديث وهو الموسوعات(3) الحديثية، والمراد بالموسوعة الكتاب الذي يكون شاملاً لجميع أو أهم مسائل ذلك الفن أو ذلك الباب بحيث يغني أو يكاد يغني عن الرجوع إلى مصادره ومراجعه(4) ؛ وذلك كله بزعم واضعي تلك الموسوعات؛ فإنه لا استغناء عن كتب السلف، ولا يصح توحيدها والتلفيق بينها، ولكن يصح بل يحسن طبعها متسلسلة مجتمعة في كتاب واحد، وذلك من أجل تيسير مطالعتها على طلابها.
هذا وقد ظهرت موسوعات حديثية كثيرة، ولكنها كلها ناقصة غير كاملة؛ وهي أقسام:
القسم الأول: الموسوعات الحديثية القديمة المسندة:
__________
(1) وانظر (حقيقة علم الحديث). ...
(2) ولي كتاب فيه إحصاء لأكثر كتب المصطلح، وبيان لا بأس به لمضمون كثير منها وإشارة إلى منزلته بين كتب الفن. ...
(3) هذه الكلمة أظنها لا تصح من جهة اللغة. ...
(4) مثل الموسوعة الفقهية التي طبعت في الكويت.(1/21)
وأعني بها المصنفات الواسعة جداً التي يروي فيها المصنف الأحاديث بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم كمسند أحمد وبقي بن مخلد ومعجم الطبراني الكبير والسنن الكبرى للبيهقي، أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى غيره صحابة وتابعين وغيرهم كمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة، و؛ ومن موسوعات الآثار غير المرفوعة حلية الأولياء لأبي نعيم وشعب الإيمان للبيهقي؛ ومن موسوعات التفسير تفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم.
القسم الثاني: الموسوعات التجميعية المسندة:
وهي المصنفات الحديثية التي جمعها بعض علماء الحديث بعد القرن الخامس الهجري، معتمدين في ذلك على مصنفات المحدثين المتقدمين، أي أنهم يجمعون بغير أسانيد خاصة بهم.
ومن هذه الموسوعات: جامع المسانيد، للإمام ابن الجوزي (ت: 597هـ): وهو كتاب غير مطبوع، ولكن قال الذهبي: (أودع فيه أكثر متون المسند، ورتب وهذب، ولكن ما استوعب)(1).
وقال في موضع آخر: (جامع المسانيد في سبع مجلدات، وما استوعب ولا كاد)(2).
وقال الكتاني: (جمع فيه الصحيحين، والترمذي، ومسند أحمد، رتبه أيضاً على المسانيد في سبع مجلدات)(3).
ومنها إتحاف الخِيَرَة المهَرة بزوائد المسانيد العشرة، للحافظ البوصيري (ت: 840هـ): جمع الحافظ البوصيري زوائد عشرة مسانيد على الكتب الستة، وهي: مسند الطيالسي، ومسدّد، والحميدي، وإسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة، والعدني، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة، وأحمد بن منيع، ومسند أبي يعلى الكبير. ورتب أحاديثها على كتب الأحكام.
وكان البوصيري يعتني بالحكم على الأحاديث، وبتقويم الرجال جرحاً وتعديلاً، وقدّم لكتابه بتراجم لأصحاب المسانيد التي اعتمد عليها في كتابه.
ويوجد للكتاب نسختان:
الأولى: مسندة، أتمها سنة 823 هـ.
__________
(1) سير أعلام النبلاء (13/525) و (321/368). ...
(2) سير أعلام النبلاء (13/525) و (321/368). ...
(3) الرسالة المستطرفة (ص 176). ...(1/22)
والثانية: مجرّدة من الأسانيد، أتمها سنة 832 هـ.
وتوجد النسخة المسندة مخطوطة في دار الكتب المصرية، وقد حُقق بعضها في رسائل علمية في الجامعة الإسلامية، وتقوم الجامعة بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف على طبعه، وقد تيسر بحمد الله ـ تعالى ـ طبع بعض أجزائه.
ومنها المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ) : جمع فيه ابن حجر زوائد ثمانية مسانيد، وهي: مسند الطيالسي، ومسدّد، والحميدي، وابن أبي شيبة، والعدني، وعبد بن حميد، وأحمد بن منيع، والحارث بن أبي أسامة.
كما أنّه تتبع ما فات الهيثمي في مجمع الزوائد من مسند أبي يعلى الكبير، لكون الهيثمي اقتصر على المسند الصغير، ووقع لابن حجر قدر النصف من مسند إسحاق بن راهويه، فتتبع ما فيه من الزوائد فصار مجموع ما تتبعه من ذلك: عشرة دواوين. ووقف ابن حجر على قطع من عدة مسانيد مثل: مسند الحسن بن سفيان، ومسند الرّوياني.. وغيرهما، ولم يُكتب منها شيء؛ لأنه كان ينوي أن يرجع إليها ويتتبع زوائدها بعد أن يُنهي تبييض كتابه. ورتب ابن حجر كتابه على كتب الأحكام قريباً من ترتيب إتحاف الخيرة ومجمع الزوائد، ويوجد لهذا الكتاب نسختان هما:
الأولى: مجرّدة من الأسانيد، نشرها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
الثانية: مسندة، طبعها أخيراً غنيم بن عباس وياسر بن إبراهيم، كما جرى تحقيقها في عدة رسائل علمية في جامعة الإمام محمد بن سعود، ثم جمعها ونسقها الدكتور سعد الشثري، وبدأ بطباعتها في سنة 1419هـ، ونشر منه حتى الآن عشر مجلدات، ويتوقع أن يطبع ـ بإذن الله ـ في ثمانية عشر مجلداً، خصّص المجلد الأول منها لمقدمة تفصيلية.
ويختلف كتاب المطالب العالية عن إتحاف الخيرة المهرة بأمور، منها:
الأول: أن البوصيري تتبع الزوائد على الكتب الستة فقط، بينما ابن حجر تتبع الزوائد على الكتب الستة ومسند أحمد، ولهذا فإن كتاب البوصيري أغزر مادة وأكبر حجماً.(1/23)
الثاني: أن البوصيري كان يعتني ببيان درجة الحديث وحال الرواة، بينما ابن حجر لم يحكم إلا على عدد قليل جداً من الأحاديث.
وتظهر أهمية المطالب العالية وإتحاف الخيرة أنهما حفظا لنا عدداً من كتب الحديث المسندة التي فقدت، مثل مسند العدني وأحمد بن منيع والحارث بن أبي أسامة.
وبالجملة: فإن كتاب المطالب العالية كتاب حافل جامع، غزير الفائدة، وإذا ضُمّ إلى الكتب الستة تحصل من ذلك موسوعة حديثية ضخمة وافية لا يفوتها من المرويات المرفوعة، إلا القليل.
المشيخات ومعاجم الشيوخ والبرامج والفهارس والأثبات المشيخة جمع شيخ؛ ثم أطلقوها على الكراريس التي يجمع فيها الانسان أسماء شيوخه(1) وتراجمهم ومروياته عنهم، ونحو ذلك؛ ثم صاروا يطلقون على المشيخة بعد ذلك اسم (المعجم)، أي معجم الشيوخ مع أن معاجيم الشيوخ قسم من المشيخات؛ فهي المشيخات المرتبة أسماء المترجمين فيها بحسب حروف المعجم؛ وإنما حصل ذلك التجوز لأن أكثر المشيخات صارت تكتب على طريقة المعاجم أي مرتبة ترتيباً معجمياً، وهو من باب تسمية الكل بأهم وأكثر أنواعه؛ كما يطلق بعضهم على كل كتب الرجال اسم (كتب الجرح والتعديل) لأن كتب الجرح والتعديل أهم وأكثر كتب الرجال.
وأهل الأندلس كانوا يسمون الكتاب من هذا النوع (البرنامج)، أما في القرون الأخيرة فأهل المشرق يسمونه (الثبَت)، وأهل المغرب يسمونه (الفهرسة).
وتختلف المشيخات في ترتيب محتوياتها كما تختلف في تفاصيل شروطها، وأهم أنواع ترتيبها: ترتيب أسماء الشيوخ على حسب الحروف وهي معاجيم الشيوخ كما تقدم، أو على حسب تاريخ وفيات الشيوخ، وهو ضرب من كتب الوفيات ، أو على حسب البلدان التي دخلها صاحب المشيخة؛ أو على حسب تاريخ التحمل من الشيخ.
__________
(1) اقتصر بعض أصحاب المشيخات على نوع واحد من شيوخه، كأن يذكر شيوخه في الإجازة فقط، أو شيوخه من بلد واحد دون بقية البلدان.(1/24)
ثم إن الترتيب قد يقع فيه بعض الاستثناءات كأن يقدم من اسمه محمد على غيره في الكتب المرتبة على حروف المعجم، أو أن يقدم أجل الشيوخ على البقية في الكتب المرتبة حسب الوفيات، أو في الكتب المرتبة على تاريخ السماع أو القراءة أو الاجازة.
والمشيخة إما أن يخرجها صاحب المشيخة لنفسه، أو يخرجها له شخص آخر، بطلب أو بإذن منه أي من صاحب المشيخة؛ ويكون في الغالب من المعاصرين له، أو من تلامذته. فيقوم بانتقائها من سماعات الشيخ ومقروءاته ومجازاته فيجمعها في مكان واحد(1).
وأما الفهارس فهي جمع فهرس والأصح فهرست بإسكان السين، والتاء فيه أصلية، فلا يصح الوقف فيها على الهاء؛ ومعناها في اللغة: جملة العدد للكتب، لفظة فارسية. واستعمل الناس منها فهرس الكتب يفهرسها فهرسة مثل دحرج.
وأما الفهرس في الاصطلاح فهو الكتاب الذي يجمع فيه الشيخ شيوخه وأسانيده وما يتعلق بذلك.
البرنامج(2). وأما البرنامج فهو الورقة الجامعة للحساب، أو: زمام يرسم فيه متاع التجار وسلفهم، وهو معرب (نامه)، وأصلها فارسية.
وقال الهوريني: يرادف الفهرسة البرنامج، معرب، واستعمله ابن خلدون في المقدمة.
الثبَت قال السخاوي في (شرح الألفية) (ص157): (ثبت بسكون الموحدة: الثابت القلب واللسان والكتاب ]و]الحجة(3). وأما بالفتح فما يثبت فيه المحدث مسموعه مع أسماء المشاركين له فيه، لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره).
وذكر هذا المعنى الشيخ زكريا الانصاري في شرحه على الألفية (2/3) والمنلا علي القاري في شرحه على شرح النخبة.
__________
(1) وانظر مقدمة الدكتور ناجي معروف وابن أخيه بشار عواد معروف في مقدمة تحقيقهما مشيخة النعال البغدادي (ص16-22). ...
(2) وهو كما في القاموس وشرحه: بفتح الموحدة والميم، صرح به عياض في المشارق، وقيل بكسر الميم، وقيل بكسرهما كما في بعض شروح الموطأ.
(3) زيادة الواو من فهرس الفهارس. ...(1/25)
كتب الأطراف من أنواع كتب الحديث كتب الأطراف، وهي بعض ما عمله علماء الحديث في سبيل الفهرسة؛ والمراد بالأطراف بدايات الأحاديث وأوائلها(1).
وكتب الأطراف هي كتب يذكر فيها مصنفوها أحاديث بعض كتب الرواية مختصرة مرتبة على المسانيد.
فيجمع أحدهم أحاديث الصحيحين أو السنن الأربعة أو الكتب الخمسة أو الكتب الستة، أو غيرها من الكتب، ثم يفرد روايات كل صحابي وحده، ويرتب أسماء الصحابة على حروف المعجم، ويذكر أحاديثهم حديثاً حديثاً باختصار، ويبين موضع كل حديث في الكتاب الذي هو فيه، كأن يكون في البخاري في أبواب الصلاة، أو في مسلم في أبواب الطهارة، وهكذا؛ ويشير إلى اسناده باختصار أيضاً؛ وإذا تكرر الحديث بأسانيد متعددة أشار إليها كلها وبين مواضعها.
__________
(1) قال الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الصمد بن يزيد مردويه صاحب الفضيل بن عياض: (قال أبو يعلى الموصلي: قال ابن معين لمردويه: كيف سمعت كلام فضيل؟ قال: أطراف، قال: كنت تقول له: قلت كذا، قلت كذا، قال: أي ضعفه يحيى). ومعنى ذلك أنه كان يقرأ كلام فضيل عليه ولكن لا يتم عباراته وإنما يقتصر فيما يقرأه عليه من عباراته على أول العبارة الذي تتعين به العبارة المقصودة. ...(1/26)
ومن كتب الأطراف كتاب (أطراف الصحيحين) لخلف بن حمدون الواسطي (ت 401) و(أطراف الغرائب والأفراد) لابن طاهر المقدسي (ت 507) رتب فيه كتاب (الأفراد) للدارقطني على حروف المعجم، وكتاب (الأطراف) لابن عساكر الدمشقي (ت 571)، و(ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث) لعبد الغني النابلسي (ت 1143)، وقد جعله أطرافاً للكتب الستة وموطأ مالك، و(تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف) للمزي، طرّف فيه الكتب الستة، وهو أشهر وأنفع كتب هذا الباب، وطريقته فيه: أنه إن كان الصحابي من المكثرين رتب حديثه على الحروف أيضاً في الرواة عنه، وكذا يفعل في التابعي، حيث يكون من المكثرين عن ذلك الصحابي وهكذا. وطرّف أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي – بفتح المهملة وقاف – الكتب الخمسة وابن حجر الكتب العشرة.
وفي هذا العصر يقوم مقام كتب الأطراف كتب فهارس الأحاديث وهي كثيرة جداً؛ ويندر أن يوجد كتاب من كتب الأحاديث المطبوعة إلا وله فهرس ملحق به أو مفصول عنه.
كتب غريب الحديث المراد بـ(غريب الحديث) ما وقع في الأحاديث من كلمات يخفى معناها على كثير من الناس بسبب غرابتها بينهم وقلة تداولها عندهم.
وهذا الفن هو في الحقيقة فرع من فروع العربية لا من فروع علم الحديث، ولكنه مما لا يستغني عنه محدث ولا فقيه ولا مفسر.(1/27)
أما المفسر والفقيه فحاجتهما إليه ظاهرة لا خفاء بها، وأما المحدث فإن كان راوياً بالمعنى أو قائماً بطبع شيء من كتب الحديث وتحقيقها فلا بد له من معرفة هذا الفن، وأما إن كان ناقداً فلا بد له منه أيضاً لأنه يعينه على معرفة ما يقع في الأحاديث من الشذوذ والنكارة وسائر أنواع الاختلاف في المتن، وبدونه لا يتمكن من الجمع بين متون الروايات إذا اختلفت(1).
وقد ألف العلماء في هذا الفن عشرات من الكتب، وجملة منها انتشرت واشتهرت، فلا أرى الإطالة بذكرها أو ذكر أهمها ولا سيما أن ذلك خارج عن موضوع الكتاب.
ثم إن من أهم مقاصد كتب شروح الحديث - على كثرة مقاصدها - هو شرح الكلمات الغريبة الواردة في الأحاديث المشروحة.
__________
(1) وأما قولهم (الشرح فرع الثبوت) فمعناه: لا يشرح الحديث غير الثابت فلا حاجة إلى شرح الأحاديث الموضوعة والباطلة، وأما الأحاديث الضعيفة أو التي هي قيد الدرس والنقد فقد تقوم الحاجة إلى شرحها ليتبين من ذلك حالها من حيث النكارة والشذوذ وعدمهما. ...(1/28)
كتب مختلف الحديث(1) وكتب مشكل الحديث هذا اسم للفن أو الكتب التي تعنى بدفع ما قد يظهر من اختلاف وتناقض بين الأحاديث، وقد سوى بعضهم بين مختلف الحديث ومشكله، ولعل الأقرب أن الأول أخص من الثاني من جهة نوع الجهتين اللتين يقع بينهما الاختلاف، وأعم منه من جهة قدر الاشكال الموجود فيه، فيطلق اسم مختلف الحديث على اختلاف الأحاديث فيما بينها سواء كان ذلك الاختلاف شديداً أو غير شديد، ولكن لا يدخل في هذا الفن أحاديث الأحكام التي يجمع بينها الفهقاء بتقييد أو تخصيص أحد الحديثين بالآخر؛ ولا يطلق مشكل الحديث إلا على ما كان الاشكال فيه كبيراً لا يوفق إلى حله إلا أفراد من العلماء، سواء كان ذلك الاشكال ناشئاً عن مخالفة الحديث لآية أو لحديث آخر صحيح أو لتاريخ ثابت أو لقاعدة مقررة أو لعقل صريح(2) ، أو عن مخالفة بعض الحديث لبعض آخر منه؛ ولكن بعض المصنفين في هذين البابين توسعوا فأدخلوا ما ناسب المعنيين المذكورين أو قاربهما.
تنبيه: ظاهر عبارة ابن حجر في النخبة أنه يقصر (مختلف الحديث) في الحديث المقبول الذي عارضه مثله معاضة ظاهرية وأمكن الجمع؛ فقد قال: "ثم المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عورض بمثله فإن امكن الجمع فمختلف الحديث، أو لا وثبت التأخر فهو الناسخ والآخر المنسوخ، والا فالترجيح ثم التوقف". انتهى.
__________
(1) هذه أسماء أنواع الأحاديث المتعارضة. ...
(2) أوسع الكتب التي صنفت في شرح مشكل الحديث كتاب الحافظ الطحاوي (مشكل الآثار)، وقد طبع بتحقيق شعيب الأرناؤوط، وأما طبعته القديمة ذوات المجلدات الأربعة ففيها نقص كبير. ...(1/29)
وأما ابن الصلاح فذكر في نوع (معرفة مختلف الحديث): ما أمكن فيه الجمع، وما لم يمكن مما قيل فيه بالنسخ أو بالترجيح؛ وهذا موافق لصريح مقال وصنيع كل من الامام الشافعي في كتابه (اختلاف الحديث)، وابن قتيبة في كتابه (تأويل مختلف الحديث)(1).
وقال شعيب الأرنؤوط في مقدمته لكتاب (مشكل الآثار) للطحاوي (ص3م) عقب شيء نقله عنه: (وبيِّنٌ من كلامه هذا أن الأحاديث الصحيحة التي تتضمن معاني مشكلة أو تحتوي على أحكام فيما يبدو للمجتهد متعارضة هي الغرض الرئيس الذي ألف من أجله كتابه هذا، وصنيعه هذا قريب مما أُطلقَ عليه (علم اختلاف الحديث) وهو علم يبحث فيه عن التوفيق بين الأحاديث المتناقضة ظاهراً إما بتخصيص العام تارة أو بتقييد المطلق أو بالحمل على تعدد الحادثة أو بغير ذلك من وجوه التأويل والترجيح والتوفيق، إلا أن شرح المشكل أعم من هذا ومن الناسخ والمنسوخ، لأن الإشكال – وهو الالتباس والخفاء – قد يكون ناشئاً من ورود حديث يناقض حديثاً آخر من حيث الظاهر أو من حيث الحقيقة ونفس الأمر، وقد ينشأ الاشكال من مخالفة الحديث للقرآن أو اللغة أو العقل أو الحس.
والمؤلف [يعني الطحاوي] يرفع هذا الاشكال إما بالتوفيق بين الحديثين المتعارضين أو ببيان نسخ في أحدهما أو بشرح المعنى بما يتفق مع القرآن أو اللغة أو العقل، أو بتضعيف الحديث الموجب للإشكال وردِّه أو بغير ذلك).
كتب شروح الأحاديث كتب شروح الأحاديث مقاصدها متعددة وغير منضبطة، فهي تشمل في أحيان كثيرة مسائل من أكثر أصول وفروع علم الحديث أي ما تقدم ذكره من أنواع كتب الحديث، مضافاً إليها مسائل كثيرة من العلوم الأخرى كالعربية والفقه وأصوله والعقيدة والتفسير والتزكية وغيرها.
__________
(1) وتوسط بعض المعاصرين بين الحافظ وغيره، فمال إلى أن مختلف الحديث شامل لما أمكن فيه الجمع أو الترجيح دون النسخ. ...(1/30)
ومن أفضل هذه الكتب أعلام السنن للخطابي ومعالم السنن له أيضاً وهو شيخ الشراح وكتابه الأول شرح لصحيح البخاري والثاني شرح لسنن أبي داود؛ والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر، وشرح القاضي عياض على صحيح مسلم، وشرح ابن القيم على مختصر سنن أبي داود للمنذري، وشرح ابن رجب على صحيح البخاري ولكنه ناقص، وشرحه على سنن الترمذي وهو من أجل كتب المتأخرين ولكنه فقد، وما أعظم المصيبة بفقده، وبقي شرح ابن رجب على علل الترمذي الملحق بآخر سننه؛ وشرح ابن حجر على صحيح البخاري وهو كتاب حافل كثير النفع وهو في غاية الشهرة.
********************************
تنبيه: استفدت في بعض فصول بحثي هذا من بحث للشيخ (أحمد بن عبد الرحمن الصويان) رئيس تحرير مجلة البيان؛ وهو بعنوان (الموسوعات الحديثية: نظرات في جهود العلماء في تدوين السنة النبوية)؛ فشكَرَ الله له.
ثم إن بعض ما تقدم يُعْوزه التقويم والتكميل الذي عسى أن يقوم به بعض الأفاضل من أعضاء الملتقى من أجل الوصول إلى مرتبة أعلى في سلم التدقيق والتحقيق؛ والله الموفق والمستعان.(1/31)