يقول: قرأت كلاماً لأئمة الحديث في أبي حنيفة، ومجمل كلامهم أنه ضعيف في الحديث، وفي باب العقيدة هو من مرجئة الفقهاء، وفي الفقه له اجتهادات تخالف الحديث الصحيح، حتى قال بعضهم: خالف قول أبي حنيفة تصب السنة، فهل بعد هذا يكون إماماً؟(20/33)
هو موصوف بأنه الإمام الأعظم، أما رأيه في مسألة الإيمان فهو قول مرجوح، ومردود، وكلام الأئمة عليه معروف، ويبقى أنه إمام مجتهد، إن أصاب له أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وأما كونه في ضعفه شيء فلا شك أن في حفظه شيء في حكمه شيء، وبذلك رمي بسوء الحفظ، ويبقى أنه في باب النظر، والاستنباط إمام، لو قيل: إنه لا نظير له في هذا الشأن ما بعُد، يبقى أنه إمام، وقد يكون الإمام في باب من أبواب الدين إمامته ظاهرة، وفي أبواب أخرى تنزل مرتبته، تقل مرتبته، الناس في هذه البلاد، وفي كثير من بلدان المسلمين يقرءون على قراءة عاصم، وعاصم في كلام في حفظه، حتى أنه طعن من قبل بعض الطوائف، كالرافضة، وقالوا: كيف يقرئ على قراءة شخص رُمَي بسوء الحفظ، وضعف في الحديث؟ نقول: هو في القراءة إمام، والقرآن يسهل يضبطه، وقد يسر ضبطه، يعني لو اتجه شخص إلى القرآن، ما يخلط معه غيره، اتجهت همته إلى القرآن، ضبطه، وأتقنه، وإن كان في بقية العلوم التي لم يلقها بالاً فيه ما فيه، فأبو حنيفة في الفقه إمام، في الاستنباط، في قوة الاستنباط، في قوة النظر إمام، لكن يبقى أن حفظه فيه ما فيه، ومثل هذا كررناه قريباً، أن الإنسان قد يفتح له باب، ويغلق عليه أبواب، فهو إمام فيما فتح به عليه، وفي غيره يبقى أنه مثل سائر الناس، وعاصم إمام في القراءة، ولا ينكر أن يكون إماماً ضابطاً متقناً، بل هذا هو الواقع، وقدوة في هذا الشأن، يعني لو أن الإنسان ضعيف الحفظ، ثم بعد ذلك يوجد، يوجد الآن في الأئمة، أئمة المساجد من يقرأ القرآن كاملاً كالفاتحة ما يخطئ ولا خطأ، يوجد، لكن لو تقول له: سمع لي عمدة الأحكام، أخطأ في أولها، ولو درسها سنين؛ لأنه ما وضع نفسه لهذا الأمر، إنما وضع اهتمامه للقرآن، وقل العكس مثلاً، يعني قد يحفظ الإنسان علوم الدنيا كلها، ويكون في أبواب أخرى ضعيف، فالإنسان حسب ما يتجه، حسب ما يتجه، وحسب ما يفتح الله له من الأبواب، فإذا فتح له باب صار إماماً فيه، وإن كان غير إمام في غيره، تجد مثلاً من يتجه إلى الطب، يحفظ من كتب الطب الشيء الكثير باللغات، ويتقنها، ويضبطها، لكن لو تقول له: احفظ المفصل ما استطاع، أو تقول له: احفظ الأربعين النووية(20/34)
ما استطاع، لماذا؟ لأنه فتح له في هذا الباب، واتجه إليه، وأعطاه همته فأنتج، ونجح فيه، لكن في غيره مما لم يهتم به مثل اهتمامه بهذا ما يفلح فيه إلا حسب اجتهاده.
صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في التفسير.
فيها انقطاع، فيها انقطاع لكن أهل العلم احتملوا مثل هذا الانقطاع، وخرجوها في كتبهم.
ما الحكم في استخدام الكلونيا للتطيب، وفي محتواها كحول؟
على حسب الخلاف في الخمر؛ هل هو طاهر أو نجس؟ فالذي يقول بنجاسته، وهم الأكثر يقول: الكحول في حكمه، نجسة لا يجوز التطيب بها، والذي يقول إنها طاهرة، فالحكم واحد، والمتجه يعني قول الجمهور، وإن كان دليله لا ينهض على ما استدل به عليه.
يقول: نتمنى أن تكون دروس على مدار السنة شرح كتاب بأكمله.(20/35)
الكتابة ما هي بواضحة، ليعرف الكاتب أن لنا جدولاً فيه سبعة دروس في الأسبوع على مدار العام، إلا في الإجازات نتفرغ للدورات، في سبعة دروس، ويتخلل الأسابيع محاضرات، ولقاءات في مناطق متعددة، لكن كأن السائل يريد أن نبدأ بكتاب كتاب، يريد أن تكون هذه السبعة الدروس في كتاب واحد؛ لينتهي خلال سنة، أو سنتين، ثم يشرع في كتاب ثاني، هذه لا شك أنها طريقة مجدية ونافعة، ومجربة عند كثير من المشايخ، وقطعوا شوطاً كبيراً، يعني خلال عشرين سنة أنجزوا عشرة كتب، عشرين كتاباً من الكتب الطويلة، بينما طريقة التشتيت، والتفتيت التي موجودة الآن في جداول عامة المشايخ قد يمكث في كتاب خمسة عشر سنة ما انتهى، تفسير القرطبي الآن لنا أربعة عشر سنة ما انتهى، وكتب كثيرة بهذه الطريقة، لكن كيف نصنع بكتب التي أنجزنا النصف، والتي أنجزنا الثلثين، والتي أنجزنا الثلث، وما أشبه ذلك؟ هل نقول خلاص توقف هذه الكتب، ونشرع في التدريس من جديد كتاباً كتاباً؟ هل هذا مناسب، ويوقف الكتب التي أمضينا فيها ما أمضينا من العمر، وتابَعَنا فيها من تابع من الطلاب؟ حتى أنه يوجد بعض الطلاب الذين يحضرون القرطبي منذ أربعة عشر عاماً إلى الآن، ماذا يصنع بهؤلاء لو وقف التفسير، وقلنا: نشرع من أول يوم في الدراسة بتفسير خاص، وخلال سنتين درس يومي في التفسير، وخلال سنتين ينتهي القرآن؟ ثم بعد ذلك نبدأ بالبخاري، وخلال سنتين ينتهي البخاري، هذه طريقة ما في شك أنها مشجعة، والطالب المغترب الذي جاء إلى الرياض للدراسة في أربع سنوات يكفيه أن يحمل كتابين كاملين، ولو ما درس غير هذين الكتابين، بدلاً من أن يقرأ، أو يحضر دروس نتف من هذا الكتاب، ونتف من هذا الكتاب، ومن أول هذا الكتاب، ومن أثناء هذا الكتاب، ومن آخر هذا الكتاب.(20/36)
أنا أقول: الموازنة لا بد منها، لكن ما عذرنا أمام الإخوان الذين يحضرون من سنين متطاولة، هل يرضون أننا نكنسل الجدول، ونلغيه ونبدأ من جديد؟ يعني بدأنا بمثل هذه الطريقة بداءة جزية، ولا أفلحنا، بدأنا بالموطأ، ألغينا البخاري، وقلنا: نبدأ بالموطأ؛ لأنه يعني ينتهي بسرعة، والآن نبي نكمل ثلاث سنوات ما انتهى الموطأ، يعني أخذنا الثلثين فقط، فالمسألة تحتاج إلى إعادة نظر، والاقتراح الذي يذكره الأخ إن كان مراده أننا نلغي الجدول إلغاءً تاماً، ونبدأ بالكتب كتاباً كتاباً، ولا ندخل معه غيره، لكن قد ينتهي بعض الطلاب، وهو ما سمع متن في فن آخر، والإلحاح كثير على الإكثار من الكتب، يعني واحد يطلب كتاب التوحيد، وواحد يطلب السفارينية، وواحد يطلب كتاب في أصول الفقه، وثاني يطلب في كتاب في كذا في النحو، طلبات كثيرة، وكون الطالب يسمع من سائر العلوم، ولو كانت كتب غير كاملة هذا له وجه، والله المستعان، والوفاء برغبات الناس كلهم أمر متعذر.
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يعني ضاق الوقت على مسألة العنعنة، وإلا كان ودنا نأخذ بعض المسائل المتعلقة بها، لكن مادام ضاق الوقت، والمسألة فيها كتب، ونحيل الإخوان على كتاب "السَّنَن الأبْيَن، والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن" في كلام طيب جداً في هذه المسألة.(20/37)
شرح ألفية الحافظ العراقي (21)
متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
في هذا اليوم المبارك نرجو بركته من الله -جل وعلا- نفتتح هذه الدورة الثالثة الصيفية بداً بالقسم الثالث من ألفية الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-، ومعلوم أن هذا القسم والذي يليه الرابع والخامس إنما هي من تتمات علوم الحديث، فمن آداب الرواية والتحمل والأداء هو نصيب هذا العام -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد ذلك الذي يليه في كتابة الحديث وضبطه وإتقانه وشكله والعناية به .. إلى آخر الألفية -إن شاء الله تعالى-، ومن تتمات هذا العلم ما يتعلق بآداب الطالب، طالب العلم ولصلته بهذا العلم اقترح بعض الإخوان أن تقرأ ميمية الشيخ الحافظ الحكمي؛ لأنها كلها في الوصايا والآداب العلمية، ومنها ما يخص طالب الحديث، طالب العلم عموماً ثم طالب الكتاب، ثم طالب السنة، وطالب العلم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الآداب، لا سيما وأننا قد نجد بين صفوف طلاب العلم من هو غير متقيد بهذه الآداب، وبهذه الوصايا، فلصلتها بعلوم الحديث ومن أنواع علوم الحديث كما تعلمون آداب المحدث وآداب طالب الحديث، وأكثرها موجود في هذه القصيدة الميمية، وهي قصيدة جيدة ماتعة جامعة في هذا الباب، نرجو أن ينفع الله بها، كثيراً ما نذكرها في دروسنا ونقتبس منها، فيكثر الطلب عليها من بعض طلاب العلم، فتلبية لهذه الرغبة من قبلهم أدرجنها في جدول هذه السنة، والله المستعان.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، واغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟
وَقَبَلُوا مِنْ مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ ... فِي كُفْرِهِ كَذَا صَبِيٌّ حُمِّلاَ(21/1)
ثُمَّ رَوَى بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَمَنَعْ ... قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ (كَالسَّبْطَيْنِ) مَعْ
إِحْضَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلصِّبْيَانِ ثُمّْ ... قَبُوْلُهُمْ مَا حَدَّثُوا بَعْدَ الْحُلُمْ
وَطَلَبُ الْحَدِيْثِ فِي الْعِشْرِيْنِ ... عِنْدَ (الزُّبَيْرِيِّ) أَحَبُّ حِيْنِ
وَهْوَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَهْلُ الْكُوْفَهْ) ... وَالْعَشْرُ فِي (الْبَصْرَةِ) كَالْمَألُوْفَهْ
وَفِي الثَّلاَثِيْنَ (لأَهْلِ الشَّأْمِ) ... وَيَنْبَغِي تَقْيِيْدُهُ بِالْفَهْمِ
فَكَتْبُهُ بالضَّبْطِ، والسَّمَاعُ ... حَيْثُ يَصِحُّ، وَبِهِ نِزَاعُ
فَالْخَمْسُ لِلْجُمْهُورِ ثُمَّ الحُجَّهْ ... قِصَّةُ (مَحْمُوْدٍ) وَعَقْلُ الْمَجَّهْ
وَهْوَ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَقِيْلَ أَرْبَعَهْ ... وَلَيْسَ فِيْهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ
بَلِ الصَّوَابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا ... مُمَيِّزَاً وَرَدُّهُ الْجَوَابَا
وَقِيْلَ: (لابْنِ حَنْبَلٍ) فَرَجُلُ ... قال: لِخَمْسَ عَشْرَةَ التَّحَمُّلُ
يَجُوْزُ لاَ فِي دُوْنِهَا، فَغَلَّطَهْ ... قال: إذا عَقَلَهُ وَضَبَطَهْ
وَقِيْلَ: مَنْ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَقَرْ ... فَرَّقَ سَامِعٌ، وَمَنْ لاَ فَحَضَرْ
قال: بِهِ الَحْمَّالُ وابْنُ الْمُقْرِيْ ... سَمَّعَ لاِبْنِ أَرْبَعٍ ذِي ذُكْرِ
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟ " (أو) هنا بمعنى الواو؛ لأن الترجمة معناها متى يصح تحمل الحديث؟ يعني متى يصح تحمل الحديث في السن بحيث لا يصحح قبله؟ ومتى يستحب تحمل الحديث؟ يعني ما السن الذي يصح فيه تحمل الحديث؟ وما السن الذي يستحب فيه تحمل الحديث؟
أولاً: التحمل: هو أخذ الأحاديث عن الشيوخ؛ لأن رواية الحديث لها طرفان طرف تحمل وطرف أداء، فالتحمل هو أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ الأحاديث للطلاب، التحمل أخذ الأحاديث عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ هذه الأحاديث للطلاب، وللطرف الواحد -الشخص الواحد- يجتمع فيه الطرفان، الشخص الواحد يجتمع فيه الطرفان، فيتحمل الأحاديث عن شيوخه ثم يؤديه إلى الآخذين عنه من الطلاب، الذي هو التبليغ وهو الأداء، تبليغ العلم، فيأخذه عن شيوخه ويؤديه إلى طلابه.(21/2)
متى يصح؟ الصحة هنا يقابلها عدم الصحة التي هي البطلان، بطلان التحمل، هل هناك سن يصح فيه التحمل بحيث إذا سمع الشخص الحديث قبل هذا السن يكون تحمله باطلاً ليس بصحيح؟ هل يوجد سن حد فاصل بين الصحة والبطلان في هذا الباب في تحمل الحديث؟ هذا له سن محددة عند أهل العلم، وكذلك الاستحباب، استحباب الطلب، يعني الصحة في الغالب أنها تكون بواسطة ولي الأمر، يحضر صبيه لدرس الحديث فيسمع من الشيوخ بواسطة ولي الأمر، يعني يحضر، وأما بالنسبة للاستحباب فهذا إذا حضر بنفسه، متى يصح التحمل؟ الأصل أن يبحث هنا السن؛ لأن هناك سن عند أهل العلم مطلوب للتحمل، فلا يصح قبله، وهناك سن يستحب فيه تحمل الحديث، وهناك سن يستحب فيه الجلوس للتحديث، وهناك سن يكف فيه المحدث عن التحديث ويمنع، هذه كلها يبحثها أهل العلم في هذا الباب، فالتحمل بواسطة الولي -لي أمر الصبي الذي يحب أن يسمع ولده الحديث- له وقت، مع أنهم يختلفون فيه اختلافاً كبيراً، واستحباب التحمل كون الشخص يأتي ليتحمل الحديث بعد التأهل هذا أيضاً له وقت، والشيخ ومتى يجلس للتحديث له وقت عند أهل العلم، والكف عن التحديث أيضاً له زمن ينتهي عنده التحديث.
بدأ الناظم -رحمه الله تعالى- في رواية الكافر، في تحمل الكافر، سبق في باب من تقبل روايته ومن ترد أن العدالة شرط لصحة الرواية وقبولها، العدالة، الضبط، شرط لصحة الرواية وقبولها، فلا تصح رواية الكافر ولا الفاسق ولا من دون الحلم الذي هو البلوغ، ويقول هنا:
وقبلوا من مسلم تحملا ... . . . . . . . . .(21/3)
الاشتراط هناك إنما هو للأداء، الاشتراط إنما هو للأداء، فالراوي إذا أدى لمن يأخذ عنه لا بد أن تطبق عليه جميع الشروط، لا بد أن تطبق عليه جميع الشروط، التي تقدمت في حال الأداء كالشهادة، لكن في حال التحمل لا تطبق عليه الشروط، لا تطبق عليه الشروط، كما أنه في العصور المتأخرة عن عصور الرواية بعد عصور الرواية أعرضوا عن اكتمال الشروط، لماذا؟ لأن الرواية في عصر الرواية عليها مدار التصحيح والتضعيف، أما بعد أن دونت السنن في الكتب صارت الرواية مجرد إبقاء السلسلة التي هي خصيصة هذه الأمة، صلة طالب العلم بنبيه -عليه الصلاة والسلام- التي لا توجد في غيرها من الأمم، من مات من الأنبياء السابقين انقطعت صلة أتباعه به، والأسانيد لا توجد إلا في هذه الأمة، لما كانت الفائدة من وجود الأسانيد هي المحافظة على هذه الخصيصة فقط دون أن يكون لها أثر في ثبوت الخبر أو نفيه تساهلوا وأعرضوا عن اكتمال الشروط، ولذا تجد في أسانيد العلماء المتأخرين بينهم وبين الأئمة المصنفين بعض الضعفاء، بل فيهم من هو شديد الضعف، فإذا كان في طريقي بيني وبين الإمام البخاري راوٍ ضعيف أو مجهول أو مبتدع هل يؤثر هذا على حديث في صحيح البخاري؟ نعم يؤثر فيه؟ يعني أنا بيني مثلاً وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- عشرين نفس، وبين البخاري وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أربعة في حديث: الأعمال بالنيات مع البخاري خمسة وخمسة عشر الخمسة هؤلاء عليهم المعول في التصحيح والتضعيف، لكن الخمسة عشر اللي من دونهم عليهم معول؟ يعني لو بيني وبين البخاري ضعفاء، هل يتأثر حديث: الأعمال بالنيات بوجود هؤلاء الضعفاء؟ لا يتأثر، في أعلى درجات الصحيح سواء روي من طريق ضعفاء أو وضاعين أو ثقات أو غيرهم، لكن خلاص ضبط ودون في الكتب، إذاً ما الفائدة من أن يحرص طلاب العلم على الأسانيد، إنما هي مجرد إبقاء خصيصة هذه الأمة واتصالها بنبيها -عليه الصلاة والسلام-، التي لا توجد لغيرها من الأمم، ولذلك أعرضوا عن اكتمال الشروط بعد عصور الرواية، في حال الأداء، في حال التحمل الذي هو الطرف الأول من طرفي الرواية لا يطبقون الشروط، ولذلك قال الناظم -رحمه الله تعالى-:(21/4)
وقبلوا من مسلم تحملا ... في كفره. . . . . . . . .
في حال التحمل كافر، لكن في حال الأداء لا بد أن تطبق عليه الشروط، في حال التحمل ولو كان كافر، "وقبلوا من مسلم" القبول لا يكون إلا من مسلم، تنطبق عليه الشروط "تحملا ... في كفره" في يعني في حال كفره، وحديث جبير بن مطعم حينما جاء في فداء أسرى بدر وهو كافر، لما جاء في فداء أسرى بدر وهو كافر، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور حفظ هذه السنة، وأداها بعد إسلامه، فقبلت منه، وخرجت في الصحيح في البخاري وغيره.
طيب الراوي كافر كيف تقبل روايته؟ نقول: نعم في حال التحمل يتحمل، لكن الشروط التي بين أهل العلم في قبول الرواية إنما هي في حال الأداء؛ لأنه إنما يحاسب إذا أراد أن يؤدي مثل الشهادة، إذا أراد أن يؤدي.
لو أن شخصاً اقترض من شخص مالاً، ولم يحضره إلا صبي في العاشرة من عمره، وطلبت شهادة هذا الصبي في الحال تقبل وإلا ما تقبل؟ لا تقبل، لكن لو طلبت بعد خمس سنوات أو ست سنوات تقبل، لماذا؟ لأنه في أول الأمر في حال الكفر أو في حال الصبا لا يتورع عن الكذب، لكن في حال الأداء بعد إسلامه وبعد بلوغه الحلم الذي هو من شروط قبول الرواية تطبق عليه، هو يتدين بدين يردعه عن الكذب، لكن إذا كان لا يتدين بدين كدين الفساق الذين لا يردعهم عن الكذب تقبل وإلا ما تقبل؟ ما تقبل؛ لعلة أخرى وهي الفسق.(21/5)
جبير بن مطعم روى الحديث تحمل الحديث حال كفره، يقول: إنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه، وفي بعض الروايات: كاد قلبه أن يطير، وهو كافر، فهل يحصل هذا من كثير من المسلمين؟ بل من طلاب العلم في العصر الذي نعيشه هل يحصل مثل هذا؟ هذا التأثر يحصل من كثير من طلاب العلم؟! لا ما يحصل، والله إننا نسمع سورة الطور ما تحرك ساكناً؛ لأن القلوب تغيرت، القلوب ران عليها ما ران من شهوات وشبهات، أيضاً جبير بن مطعم رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف مع الناس بعرفة قبل الهجرة؛ لأنه أضل بعيراً له فطلبه فمر بعرفة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفاً مع الناس بعرفة، فتعجب كيف يقف بعرفة خارج الحرم وهو من الحمس وهو من الحمس مس النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف بعرفة مع الناس، والحمس لا يخرجون من الحرم وهو منهم، وهذه حجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة، قبل أن يفرض الحج، على ملة إبراهيم الحنيفية، كانوا يحجون، العرب كانوا يحجون، والله المستعان، أدها بعد إسلامه فقبلت عنه.
"وقبلوا من مسلم" لا بد أن يكون مسلم، القبول لا يكون إلا من مسلم، تكتمل فيه الشروط السابقة "من مسلم تحملا" الألف هذه للإطلاق؛ لأنه في المقدمة إذا جاءت الألف ألف التثنية لمن؟ نعم للبخاري ومسلم، وهذه ألف الإطلاق "تحملا ... في كفره كذا صبي" حَملا وإلا حُمّلا؟ نعم؟ الفرق ما في فرق من حيث المعنى، يعني حملا بنفسه أو حُمّلا روي الخبر؛ لأنه صبي اللائق به أن يكون حُمّلا، والوزن يقتضيه، والوزن يقتضيه، حُمّلا هذا الوزن يقتضيه، وإلا لو كانت حملا ما يختلف فيها الوزن ما فيها إشكال؛ لأن الصبي في الغالب أنه لا يتحمل بنفسه إنما يحمل الحديث، يُروى الحديث، يؤتى به لسماع الحديث، يعني نظير من حج به أبوه يصح أن قال: حج فلان، ومن حمل الحديث يصح أن يقال: حمل الحديث، ما في إشكال من حيث المعنى، لكن الوزن يقتضى "كذا صبي حملا" صبي تحمل الحديث أو حمل الحديث حال صباه، ثم روى بعد البلوغ، والبلوغ يكون باكتمال خمسة عشرة، أو بالإنزال، أو الإنبات، وتزيد المرأة الحيض.(21/6)
ثم روى بعد البلوغ، يعني بعد التكليف، أما قبل التكليف ما يقبل، لماذا؟ لأنه لا يؤمن أن يكذب؛ لأنه لم يجرِ عليه قلم التكليف، ولا يؤاخذ بالكذب، إذاً ما الذي يردعه عن الكذب، ثم روى بعد البلوغ "ومنع قوم هنا" منع تحمل الصبي قبل بلوغه قوم "ومنع قوم هنا" يعني في حال الصبا، قالوا: لا يصح تحمل الصبي، لماذا؟ لأنه مظنة عدم الضبط؛ لأنه مظنة عدم الضبط، يعني ما يقولون: لأنه مظنة كذب، لماذا؟ لأنه في حال التحمل لا تطبق عليه الشروط، تطبيق الشروط إنما يكون في حال الأداء، طيب الصبي هنا منع قوم هنا؛ لأن الصغير قالوا: مظنة عدم الضبط، "ورُد" رده ظاهر؛ لأن الصبي المميز هو مظنة الضبط، وهو مظنة الحفظ؛ لأن التعلم في الصغر أقوى منه في الكبر وأثبت، ولذا يحرص أهل العلم أن يعلموا الصغار، ويكون الحفظ في هذا السن -يعني الصغر- أكثر من الفهم، بخلاف التعلم في حال الكبر يركز أهل العلم على فهم طلاب العلم أكثر من حفظهم، والعلم في الصغر كالنقش في الحجر.(21/7)
قال: "ورد كالسبطين" الحسن والحسين من أوضح الأمثلة، ابن عباس مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يناهز البلوغ لم يبلغ، ابن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة، ومات النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمره عشر سنوات، مقتضى الرد أن نرد رواية هؤلاء، الحسن والحسين وابن الزبير وابن عباس ونظرائهم من جلة الصحابة، قد يقول قائل: هؤلاء صحابة فيستثنون، فيرد غيرهم غير الصحابة، هل للصحبة أثر في القبول والرد في هذا الباب، الأثر أثر الوصف بالصحبة إنما هو في مسألة العدالة والضبط، في مسألة العدالة لا شك أن الصحابة كلهم عدول، كلهم ثقات، أما بالنسبة للأمور الجبلية فإذا رُد الصغير من غير الصحابة الذي مرد قبول روايته الضبط، فالصحابة مثلهم، يعني هذا أمر جلبي، ما يرجع إلى العدالة، هل للصحبة أثر في الحفظ مثلاً؟ هل للصحبة أثر في الحفظ؟ أما في العدالة ظاهر، الصحابة بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم عدول، لكن بالنسبة للحفظ والضبط والإتقان هل نقول: إن فلان قبل إسلامه لا يضبط وبعد إسلامه يضبط؟ نعم؟ ممكن؟ لا هذا ليس مرده إلى الصحبة، ولذا الرد بهؤلاء الصحابة وقبول روايتهم بالإجماع من أوضح ما يرد به على من رد تحمل الصغير.
ورد كالسبطين مع ... إحضار أهل العلم للصبيان.
ابن عباس يعني رغم قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ابن عمه، ويشهد المشاهد، ويحضر المناسبات، ويبيت عند النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً، صغير السن، حتى قال الغزالي: إنه لم يرو عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة إلا أربعة أحاديث، والبقية كلها يرويها بواسطة، لكن هذا الكلام مقبول وإلا مردود؟ مردود، فالحافظ جمع مما صرح فيه ابن عباس بقوله: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو رأيت، أكثر من أربعين مما صح وحسن.(21/8)
"ورد كالسبطين" الحسن والحسين أبني فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن البنت يقال له: سبط، وابن الابن يقال له: حفيد "ورد كالسبطين مع ... إحضار للصبيان" لكن ماذا عن أسباط بني إسرائيل هل هم أولاد بنات أو أولاد بنين؟ أولاد بنات وإلا أولاد بنين؟ أهل العلم يقولون: السبط ابن البنت، عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته، السبط ابن البنت، وأسباط بني إسرائيل أولاد بنات أو أولاد بنين؟ أولاد بنين، "مع ... إحضار أهل العلم للصبيان" فيمن تأخر في العصور المتأخرة بعد عصور الرواية ابن الديان، هذا طبيب يهودي طبيب يهودي حضر عند الحافظ المزي، وحضر عند غيره، فترددوا في إثبات اسمه في الطباق، ترددوا في إثبات اسمه في الطباق، الطباق كتابة الأسماء -أسماء الرواة- في آخر الكتاب، يقال: سُمع هذا الكتاب فلان وفلان وفلان يذكرون كل الحاضرين على الشيخ فلان، ثم يقول: صحيح ذلك، ويكتب اسمه، ترددوا قالوا: نكتب ها اليهودي وإلا ما نكتبه؟ فسألوا شيخ الإسلام ابن تيمية قال: اكتبوا اسمه, اكتبوه؛ لأنه ما يضر، حال تحمل، لكن إذا روى نأتي بالميزان، فكتبوا اسمه، فصار سبباً لهدايته فأسلم وصار يروي الأحاديث بسماعه لها.(21/9)
"مع ... إحضار أهل العلم للصبيان" أهل العلم يحضرون الصبيان، الصبيان الصغار يحضرونهم على ما سيأتي في تحديد السن الذي يحضر لسماع الحديث، ويفرقون على ما سيأتي أن الحد عند الجمهور الخمس؛ لأن ما قبلها -ما قبل الخمس- أو التمييز على الخلاف في ذلك يعني إحضاره مشغلة، يشغل غيره، يعني مثلما يصنعه الآن بعض الآباء، يحضرون من له سنة أو سنتين للصلاة، فيشغلون المصلين، ويقطعون الصفوف، والصف اليوم فيه طفلان، لا تزيد أعمارهم على ستنين، وما صفوا مع الناس، اضطجع وفي الصف، طفلين، مثل هذا لا ينبغي إحضاره؛ لأن مثل هذا يشغل المصلين ولا يستفيد، والأصل أن يكون الصبي مع أمه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يسمع بكاء الصبي فيخفف الصلاة مراعاة لأمه، ليست وظيفة الأب إحضار الصبيان، اللهم إلا إذا كان ليست له أم، وفي مقام التشريع، مثل فعله -عليه الصلاة والسلام- في إحضاره أمامة ليبين أن مثل هذا العمل جائز، لكن يكون ديدن، وهذا مستند لمن أراد أن يحضر من يحضر من يشغل المصلين، وفي يوم من الأيام جاء شخص بطفل عمره سنتان، فلما كبرنا انطلق الصبي إلى المصاحف فصار يعبث بها، والناس لا يستطيعون في صلاة، وأبوه لا يحرك ساكناً، لكن لما قرب من المروحة قطع صلاته وذهب إليه، كتاب الله لا يحرك ساكناً عنده، ولم خشي عليه أن تؤذيه أو تجرحه أو تسبب في أذاه قطع الصلاة، الدين رأس المال، فعلى طالب العلم أن ينتبه لمثل هذا وينبه غيره، والله المستعان.
"مع ...
إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
الشدة مع السكون لها لازم وإلا ما لها لازم؟
إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
نعم يحضرونهم إذا كانوا يستفيدون من الحضور، أما الذي لا يستفيد من الحضور لا يحضر، وفي صلاة جمعة في المسجد الحرام شخص جاء بطفل معه أشغله وأشغل الناس عن سماع الخطبة بالبكاء والصراخ، ثم في النهاية الأب ما صلى جلس، والناس يصلون، من أجل انشغاله بهذا الولد، ما صلى الجمعة لو جالس في شقته كان أفضل، ما الذي يعفيه من صلاة الجمعة بسبب هذا الطفل الذي له أم وعنده سكن، لكن صارت المسألة تقليد، والله المستعان.(21/10)
. . . ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم
القبول لا يكون إلا بعد البلوغ، بعد الحلم، بعد أن يوجد أو يجري قلم التكليف سواء كان بالإسلام أو ببلوغ الحلم الذي يردع هذا الصبي من أن يكذب، لو أن المؤلف قدم السن الذي يصح فيه التحمل كان أولى؛ لأنه قدم السن الذي يستحب فيه الطلب، فقال:
وطلب الحديث في العشرين ... عند الزبيري أحبُ حين
طلب الحديث بنفسه، يطلب الحديث بنفسه بعد أن يكتمل نموه في العشرين، وبعد أن يشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن، ومعرفة الأحكام، ويكون له نصيب من التعبد يعينه على تحمل الحديث؛ لأن تحمل الحديث ليس بالأمر السهل، وليس بالهين، أمر شاق وصعب، الأحاديث كثيرة ومتشعبة، وأيضاً يحتاج إلى فهمها من أجل العمل بها، قالوا:
وطلب الحديث في العشرينِ ... . . . . . . . . .
والأصل:
ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق
العشرين ملحقة بجمع المذكر السالم فالنون الأصل فيها أن تكون مفتوحة.
ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق
ابن مالك في شرح كافيته يقول: الكسر لغة، ويستدل على ذلك بقول الشاعر:
وماذا تبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعينِ
يقول: لغة، وابن عقيل يقول: ليست لغة، وإنما شذوذ، على كل حال هي جاءت هنا مكسورة من أجل الوزن،
"عند الزبيري" أبو عبد الله الزبير بن عبد الله الزبيري، يقول: "أحب حين" أحب وقت عشرين، عشرين مكتمل العقل، ينضج في العشرين فيتهيأ للحفظ، هذا عند الزبيري.
وهو الذي عليه أهل الكوفة ... والعشر في البصرة كالمألوفة
أهل الكوفة يمكنون أولادهم ويتركون أولادهم يروون الأحاديث في العشرين، وأهل البصرة في العشر.
وفي الثلاثين لأهل الشأم ... وينبغي تقييده بالفهمِ(21/11)
الآن الخلاف في العشر لأهل البصرة والعشرين لأهل الكوفة، والثلاثين لأهل الشام، وهذا طلب الحديث بنفسه بعد أن يتهيأ، التحديد هذا لا شك أنه اجتهاد، اجتهاد منهم ليس فيه نص، وما دامت المسألة اجتهادية فللإنسان أن يختار من هذه الأقوال ما يناسبه، وإذا عرفنا أن الحفظ في عهد الصغر والصبا أقوى منه في عهد الكبر والكهولة فينبغي أن يبادر بالحفظ، والقول بأن الحفظ يتأثر بتقدم السن هذا هو الذي عليه عموم من كتب في مراحل النمو من أهل العلم وغيرهم، جلهم يتفقون على أن الحفظ يتأثر، والواقع يشهد بذلك، الماوردي في أدب الدنيا والدين يقول: الحفظ ما يتأثر، الحفظ ملكة ثابتة لا تتأثر، هي موجودة عند الصغير وعند الكبير، بل قد يوجد من الكبار من يحفظ أكثر من الصغار، التأثير إنما هو للمؤثرات الخارجية وإلا فالغريزة لا تتغير، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ نقول: الواقع يرده؟ لكن قد يوجد في بعض المراحل من الفهم ما يعين على الحفظ؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ كلاماً لا يفهمه، لا يستطيع أن يحفظ ما لا يفهم، فإذا كبر وفهم سهل عليه الحفظ من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أن الصغير ملكته في الحفظ أقوى؛ لأن الملكة تتأثر بالمؤثرات، وتتأثر بالإهمال، وتتأثر قوةً بالمتابعة؛ لأن الحفظ ملكة، كالملكة تزيد وتنقص، إذا أهمل الإنسان الحافظة نقصت، وإذا شحذها وتابع الحفظ عليها لا شك أنها تزيد، وهذا يشهد به كل واحد يزاول الحفظ، فإذا كان الأمر كذلك فنأتي إلى حفظ الأحاديث ورواية الأحاديث مع حفظ القرآن والعلوم الأخرى.(21/12)
ابن خلدون ذكر في مقدمته الشهيرة أن طريقة المغاربة تختلف عن طريقة المشارقة، فالمغاربة عندهم الاهتمام بالقرآن قبل كل شيء، لا يخلط معه أي علم من العلوم حتى إذا ضمنه وأتقنه وضبطه درس العلوم الأخرى، المشارقة لا، المشارقة يختلفون يتدرجون في السن، المميز يبدأ بحفظ قصار المفصل، وصغار المتون يحفظ، فيقرأ مثلاً قصار المفصل ويحفظها، ويحفظ الأصول الثلاثة مثلاً، ويحفظ القواعد الأربع، يحفظ الأربعين، يحفظ تحفة الأطفال، يحفظ في الفنون كلها متون صغيرة تناسبه، مع حفظ قصار المفصل، ثم يكمل المفصل ويترقى إلى ما هو أكبر من الكتب المذكورة، وهكذا إلى أن يكون إكماله لحفظ القرآن مع إكماله للمتون العلمية المعدة والمرتبة لطبقات المتعلمين، طريقة المغاربة لا شك أن فيها عناية بالقرآن، وأيضاً فيها ضمان لحفظ القرآن؛ لأنه لا يمكن أن يبدأ بأي علم من العلوم حتى يحفظ القرآن، وكان هذا شرط لدخول الأزهر، يعني المرحلة الابتدائية في الأزهر يشترط لدخولها حفظ القرآن، لما حدثنا بعض الشيوخ الشيخ عبد الرزاق العفيفي -رحمه الله- قال: إن شرح الكفراوي في السنة الأولى الابتدائية في الأزهر، والقطر في الثانية، وابن عقيل في السنة الثالثة والرابعة ابتدائي، قلت له: ما الجامعة التي قبل هذا الابتدائي؟ قال: ما في جامعات ولا دراسات في حفظ القرآن، يحفظ القرآن ويجئ تأهل خلاص، إذا حفظ القرآن سهلت عليه جميع العلوم، وإذا اشترطنا هذا الشرط ضمنا حفظ القرآن، فلا يوجد بيننا ما يوجد الآن من كبار الشيوخ تجده ما حفظ القرآن، فإذا اشترطنا هذا الشرط ضمنا حفظ القرآن، وهذه فائدة عظمى لو لم يخرج المسلم إلا بهذه الفائدة، بينما يوجد وإن كان نادراً في أهل الحديث من يوجد في ترجمته أنه إمام بحر محيط في الحديث حافظ من الحفاظ الكبار قالوا: إنه لا يحفظ القرآن، وذكروا من ذلك ابن أبي شيبة، على كل حال طريقة المغاربة أقول: تضمن حفظ القرآن، لكن طريقة المشارقة تضمن العلوم الأخرى؛ لأنه قد تكون حافظته ضعيفة، فيأخذ في حفظ القرآن سنين طويلة، ثم إذا انتهى أو قد لا ينتهي قد لا يتيسر له حفظ القرآن، ثم ينقطع عن العلم، فالتدريج مطلوب مع جعل الأولية والعناية العظمى(21/13)
بالقرآن، فلا تهمل هذه الطريقة ولا تلك الطريقة، يعني يجعل للقرآن نصيب وافر بحيث يحفظ في أقرب مدة ولا تهمل العلوم الأخرى؛ لأنه قد يوجد إنسان يزال ويعاني حفظ القرآن سنين ولا يتيسر له، فهل نقول: إن مثل هذا لا يحفظ متون، لا سيما وأن أهل العلم لا يشترطون للمجتهد أن يكون حافظ للقرآن كاملاً، إنما يشترطون له حفظ آيات الأحكام، وإن كان هذا لا يقلل من أهمية حفظ القرآن، فأهل الحفظ هم أهل القرآن، وابن القيم -رحمه الله تعالى- بعد أن أبان عن أهمية حفظ القرآن من قبل طالب العلم قال: لأن المقصود بأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية بالقرآن، قراءة، تلاوة، تدبراً، استنباطاً، تفقهاً، علماً وعملاً، هؤلاء هم أهل القرآن قال: وإن لم يحفظوا؛ لأنه يوجد من يحفظ القرآن وينام عنه، ويوجد من لا يحفظ القرآن ويكون ديدنه، فهذا له نصيب وذاك له نصيب، على كل حال حفظ القرآن لا أحد يشك فيه ولا أحد يماري في أهميته لا سيما لطالب العلم، فمثل ما قلنا: إن المسألة اجتهاد، أهل الكوفة للعشرين وأهل البصرة للعشر، وأهل الشام للثلاثين، وهذا اجتهاد، وكل ينظر في مصلحته ومصلحة طلابه، ومن ولاه الله عليهم من أولاد وغيرهم، إلى وقت قريب والحفظ لا شك أنه ضعيف عند الناس، ضعيف جداً، حفظ القرآن يوجد في البلد الواحد والاثنين والثلاثة، وتجد البلد فيه مائة مسجد تسعون منهم يقرآن في المصحف في التراويح، وعشرة أو أقل يقرؤون حفظ، وأما الآن -ولله الحمد- فكثر الحفاظ ثم بعد ذلك كثر حفاظ السنة -ولله الحمد والمنة-، يعني بعد أن كان الناس على يأس تام من الحفظ، يعني غايتهم وصول بلوغ المرام فإذا حفظوه انتهوا، يعني مع الزاد، ومن جمع -كما يقول أهل العلم- بين الزاد والبلوغ فقد استحق الفتيا والقضاء، والآن -ولله الحمد- يتطاولون على حفظ زوائد البيهقي، اللهم لك الحمد، وهذه سنة تحسب لمن سنها -إن شاء الله تعالى-، يرجى أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها.
يقول:
. . . . . . . . . ... وينبغي تقييده بالفهمِ(21/14)
وينبغي تقييده بالفهم، إذا كان يفهم تتجه همته إلى السماع والرواية "فكتبه بالضبط" وينبغي تقييده بالفهم فكتبه بالضبط، يعني الرواية والتحمل بالفهم، والكتابة تكون إذا ضبط، صار أهلاً لضبطه على ما سيأتي في كتابة الحديث وضبطه؛ لأن الحفظ شيء والكتابة شيء أخر، وحفظ الصدر في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم، وكذلك حفظ الكتاب، ومن المتشددين على ما تقدم من لم يعتبر الرواية من الكتاب، ومنهم في الطرف الآخر من جعل الرواية من الكتاب أولى من الرواية من الحفظ؛ لأن الحفظ خوان، وهذا كله تقدم، فإذا تأهل وصار يفهم ما يسمع يكثر من الرواية، وإذا صار يضبط ما يكتب يكثر من الكتابة.
فكتبه بالضبط والسماع ... . . . . . . . . .
سماع الحديث وصحة السماع وصحة التحمل
. . . . . . . . . ... حيث يصح وبه نزاع
السماع من صحته، يعني مجرد السماع من صحته، والسن الذي يصح فيه السماع مختلف فيه حيث يصح وبه نزاع، والرواية والتحمل وطلب الحديث مقيد بالفهم، والكتْب مقيد بالضبط، السماع حيث يصح ولو لم يفهم، فالصبي الذي له خمس أو ست أو سبع سنين يستطيع أن يحفظ، لكنه لا يفهم، هذا يقول:
. . . . . . . . . ... حيث يصح وبه نزاع
فالخمس للجمهور ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة
فالخمس السنوات للجمهور، جمهور أهل الحديث يقولون: يصح السماع إذا بلغ الصبي خمس سنين، وقبل الخمس لا يصح السماع، وكانوا يكتبون لمن حضر إذا كان قد بلغ الخمس سمع، وإذا لم يبلغ الخمس قالوا: حضر أو أحضر، ولا يعتدون بسماعه قبل الخمس سنين، يقول: "فالخمس للجمهور" جمهور المحدثين قيدوا صحة العمل بالخمس السنين، طيب دليلهم؟
. . . . . . . . . ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة(21/15)
محمود بن الربيع قصته في صحيح البخاري وغيره أنه عقل مجة مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلو، شرب النبي -عليه الصلاة والسلام- ماءً ثم مجه في وجه محمود، في وجه محمود بن الربيع، وهذا إما من باب التبريك؛ لأن هذا الماء خالطه ريق النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من باب المداعبة، لكن هل يحسن الآن بإنسان أن يمج في وجه غيره؟ مهما كان صبي وإلا كبير وإلا .. ؟ هذا تتفاوت فيه العادات والأعراف، بعض البلدان يظنون هذا شيء مقلق ومقرف وقبيح وشنيع، وبعضهم يظنه ويعتبره عادياً، وكنت أقرأ في المسجد الحرام بين يدي المصحف فجاءت عجوز تزيد على الثمانين ومعها ماء، وكان بجواري ولد لها نائم كبير يمكن في الخمسين ومعه أولاده مجموعة نائمين يبدو أنهم على أثر سفر فجاءت بماء فشربت منه فبخت عليهم، مجت عليهم ووصلني أنا والمصحف، هذا عادي عندهم، لكن إحنا ما هو بعادي عندنا، قد يستدل من يرى هذا أمراً عادياً بكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ التمرة التي أخذها الحسن من تمر الصدقة ووضعها في فيه وقال له: ((كخ)) فاستخرجها وردها على التمر، يعني عند بعض الناس هذا ما ينبغي هذا، لكن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يمكن أحد يستدرك، على كل حال الأعراف تتفاوت في هذا، كما أنهم يتفاوتون في الأصوات التي تخرج من البدن من أعلاه أو من أسفله، بعضهم يتعاظم هذا، وبعضهم يتعاظم هذا، ما هو موجود في أعراف الناس؟ موجود يعني، على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- مج من فمه ماءً في وجه محمود بن الربيع، وفي الصحيح عمره خمس سنين، وعقل المجة ورواها بعد ذلك، وحملت عنه، وخرجت في الصحيح، فاعتبروا ها الخمس الذي عقل فيها المجة حد فاصل؛ لأنها جاءت في الصحيح، جاء في بعض الروايات: أربع سنين، كما قاله ابن عبد البر وغيره،
لكن لعله أربع وكسر، فمن قال: خمس جبر الكسر، ومن قال: أربع حذف الكسر.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وعقل المجة
وهو ابن خمسة وقيل: أربعه ... . . . . . . . . .(21/16)
ابن خمسة من الأعوام، ولو كان المراد من السنين لقال: وهو ابن خمس، يعني من السنين، وإذا حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث، ((من صام رمضان وأتبعه ستاً)) يعني المقصود أيام، ليس المقصود الليالي المقصود أيام، وقال: ست، والأصل أن يكون ستة أيام، فلما حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث.
وهو ابن خمسة وقيل: أربعه ... . . . . . . . . .
الذي في الصحيح، في البخاري خمسة، والأربعة في غيره، ووجه الخلاف بأنها أربع وكسر، فمن قال: خمسة جبر الكسر، ومن قال: أربع حذف الكسر.
. . . . . . . . . وقيل: أربعه ... وليس فيه سنة متبعه
الجمهور يحددون بالخمس، استناداً إلى قصة محمود بن الربيع، لكن هل كل الناس يميز لخمس، حتى لو جئنا إلى محمود بن الربيع هل يلزم من عقله هذه المجة أن يكون ميز، هل يلزم أن يعقل الإنسان شيء له أثر كبير في نفسه أن يحفظ مثله ما لا أثر له في نفسه، يعني لو سمع حديث بطوله نقول: إنه يضبط الحديث مثلما ضبط المجة؟ ما يلزم، لا يلزم، يعني مما يذكر من باب الطرف، وأيضاً التندر، طه حسين المعروف المصري الذي تغير بعد البعثة، وصار آلة للأعداء والمستعمرين، المقصود أنه يقول: إنه ولد في أول النهار الباكر، بدليل أنه لما خرج رأسه هب عليه ريح باردة، وين هذا؟! في لحظة الولادة يعرف متى ولد؟ هذا الكلام لا حظ له من العقل فضلاً من النظر، هذا الكلام ليس بصحيح، لكن يذكر في مثل هذا من باب الاستطراف.
. . . . . . . . . ... وليس فيه سنة متبعه
لا خمس، ولا أربع، ولا سبع، ولا .. ،
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا
مميزاً فالمرد إلى التمييز، وضابط التمييز أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب المطابق، يفهم الخطاب ضابط التمييز أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب المطابق، يعني لو أن صبياً قيل له: من هذا؟ قال: أمي، هو فهم السؤال، لكن رد جواب غير مطابق، الإشارة لأبيه مثلاً، أو العكس، هذا فهم الخطاب لكن رد جواب غير مطابق، قد يغتفر إذا كان السؤال عن شيء غير مألوف عنده، قد يرد الجواب لكن غير مطابق.
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(21/17)
إيه، يعني التمييز هم قصدهم أن يكون مميزاً، هم ردوا ذلك إلى التمييز بين الأقوال وبين الأفعال، المثال القول، لكن التمييز يجمع القول والفعل، إذا قلنا: مرده إلى التمييز، سواء مثلنا بفعل أو مثلنا بقول، هذا كله تمييز، لكن أنت قد تقول: إنه قد يميز في الأفعال ولا يميز في الأقوال، أو العكس، هم جعلوا مرد ذلك إلى الخمس، بناء على عقل محمود المجة، وتواطؤا على هذا، وتوارثوه، وجعلوه حداً فاصلاً، فيكتبون لمن بلغ الخمس سمع، والذي لم يبلغ الخمس يقال له: حضر أو أحضر، فقال:
. . . . . . . . . ... وليس فيه سنة متبعه
هذا القول الصحيح.
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا(21/18)
أي شيء يدل على أن هذا الطفل يميز تكون روايته صحيحة وتحمله صحيح، يفهم الخطاب، يُسأل فيجيب بجواب مطابق، هناك أيضاً علامات للتمييز كثيرة، منهم من يقول: يعد من واحد إلى العشرين، تجدون بعض الأطفال قبل دخول المدرسة يعرف بعض الحروف في سن مبكر، وبعضهم ينتهي من المرحة الابتدائية وهو ما أتقن بعض الأرقام ولا الحسابات ولا .. ، مما يتقنه من دونه بكثير، فلا شك أن التمييز متفاوت، ولذا يقول ابن الصلاح: إن الطفل إذا فهم الخطاب ورد الجواب صح تحمله ولو لم يبلغ الخمس، وإذا كان لا يفهم الخطاب ولا يرد الجواب فإن تحمله لا يصح ولو بلغ الخمسين؛ لأن التمييز هو الحد الفاصل بين من يصح تحمله ومن لا يصح، الشرع جعل التمييز بالنسبة لجميع الأطفال للسبع، فجاء الأمر بالصلاة لسبع، هذا تمييز يشترطون لصحتها الإسلام والعقل والتمييز، فالتمييز إذا بلغ سبع سنين، طيب ألا يمكن أن يميز قبل السبع؟ ألا يمكن أن يصل إلى الثمان وهو غير مميز؟ نعم، لكن هذا تشريع عام، يحتاج إلى ضابط يضبط الناس كلهم، ويبقى النادر ما له حكم، يعني لو ميز أبو أربع سنين نقول: يأمر بالصلاة؟ لا يأمر بالصلاة، لو لم يميز إلا لعشر سنين نقول: لا يؤمر قبل؟ يؤمر قبل، لماذا؟ لئلا يترك الأمر لأولياء الأمور وفيهم المتشدد، وفيهم المتساهل، لو الناس كلهم على التوسط تُرك الأمر لهم، لكن ما يُترك لأناس فيهم ناس متفاوتون، ناس شديد الخطو والتساهل، وناس شديد في التشدد على نفسه، وعلى من تحت يده، فتجد الواحد لو ترك الأمر يحضر من له سنتان أو ثلاث يقول: مميز، فيحضره ويؤذي به الناس، والآخر ولده يبلغ العشر وهو يلعب عند باب المسجد يقول: والله ما ميزوا، والمرد التمييز والله أنا أعرف الناس به ما ميز، فجاء السن الذي يضبط الناس كلهم، كونه يميز قبل أو يميز بعد هذه نوادر، لكن يندر جداً أن يبلغ السبع وما ميز، القبول في المدارس الآن لست، هل نقول: الأولى أن يكون لسبع مثل الصلاة؟ كان القبول لسبع، ثم قالوا: ست، غالب الناس يميز لست، وكان التعليم على مستوى أعظم مما هو عليه الآن وأشد، فلا يتحمله من عمره ست سنين، لكن لما كان الآن خليط ومزيج من جدٍ يسير جداً، وهزل كثير جداً قالوا:(21/19)
هاتوا أبو ست، ولو يجئ أبو خمس مشى كل هذا من باب الإسراع في كون الإنسان يتعلم، ويتحمل المسؤولية فيما بعد، وليت النظر يعاد في مسألة السبع، ويشد في الأمر، يزاد في الجد قليلاً، لكن المسألة اجتهادية يعني؛ لأنه يكثر من يميز في الست، لكن لو اعتمدنا هذا الأصل الشرعي، وجعلناه سبع سنوات، وجعلنا التعليم أكثر جدية مما هو عليه الآن، كان أولى.
بل الصواب فهمه الخطابا ... مميزاً ورده الجوابا
وقيل: لابن حنبل فرجلُ ... . . . . . . . . .
عبد الله بن الإمام أحمد سأل أباه أحمد بن حنبل، قال له رجل: إن رجلاً وهو الإمام يحيى بن معين قال: التحمل لخمسة عشرة، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ابن عمر ورد البراء يوم بدرٍ لصغيرهما، والعمر أربعة عشر، رد ابن عمر وعمره أربعة عشر، رد البراء وعمره أربعة عشر يوم بدر، فدل على أن الخمس عشرة هي موضع القبول.
. . . . . . . . . ... قال: لخمس عشرة التحملُ
يجوز لا في دونها. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني لا يجوز في الأربعة عشر التحمل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ابن عمر ورد البراء؛ لأن عمرهما دون الخمس عشرة "فغلطه" قال الإمام أحمد: هذا غلط، وقال: بئس القول هذا، بل إذا عقله وضبطه، يعني يصح تحمله إذا علقه وضبطه، كيف يعمل بوكيع وابن عيينة؟ كيف نصنع بالسبطين وابن الزبير وابن عباس؟ يعني في الرد السابق، الحرب التي من أجلها رد ابن عمر والبراء تحتاج إلى قوة، تحتاج إلى اشتداد، يعني البدن لا بد أن يكون مكتمل، ودون التكليف لا يكتمل البدن دون الخمسة عشرة، وأيضاً الحرب فيها إزهاق للنفس، ويشترط فيها نية التقرب لله -جل وعلا-؛ لتثبت الشهادة، وهذا إنما يكمل له المكلف، الحديث يحتاج إلى مثل ما يحتاج إليه الحرب؟ لا يحتاج من قوة البدن مثلما تحتاج إليه الحرب، إنما يحتاج إلى فهم وتمييز.
. . . . . . . . . ... قال: لخمس عشرة التحملُ
يجوز لا في دونها فغلطه ... قال: إذا عقله وضبطه
يعني يصح تحمله.
وقيل: من بين الحمار والبقر ... فرق سامع ومن لا فحضر
قال به الحمال. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(21/20)
قالوا: موسى بن هارون الحمال يقول: التفريق بين المميز وغير المميز تعرض له حمار وبقرة، تقول: ما هذا؟ يقول: حمار، ما هذا؟ يقول: بقرة، ولو عكس؟ غير مميز، لو قال: لا أدري غير مميز، وإذا كان في مجتمع وهو في الجامعة، يقول لأبيه في الجامعة تعدى المراحل كلها الآن، يقول لأبيه: ما لون الحمار؟ المسألة مسلة الأمثلة تكون من البيئة، يعني لو فلاح تقول له: وين الحمار؟ وين البقرة؟ صحيح .... ، لكن هات طفل ما دخل المدرسة وخله يميز لك بين أنواع السيارات مثلاً، يميزون، يعرفون أنواع السيارات؛ لأنها مشغلة الوقت، هي حديث المجالس، يميز لك بين الجوالات الآن، هي حديث المجالس، يميز لك .. ، من الأمثلة الموجودة الآن.
وقيل: من بين الحمار والبقر ... فرق سامع. . . . . . . . .(21/21)
يعني يثبت اسمه في السماع "ومن لا" الذي لا يفرق يقال: حضر، يعني أو أحضر، لا يثبت سماعه "قال به الحمال" موسى بن هارون "وابن المقري" أبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم "سمّع" يعني أفتى بإثبات السماع "لابن أربع ذي ذُكر" سمع لابن أربع ذي ذكر، بضم الذال أي صاحب حفظ وفهم، والعلماء يذكرون في هذا الباب قصص وحكايات منها ما يثبت ومنها ما لا يثبت، فذكروا عن بعضهم أنه أحضر إلى المأمون وعمره أربع سنين، حفظ القران، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع يبكي، ويشككوا في مثل هذه القصص، وقالوا: إن ابن عيينة روى الحديث وهو صغير، وجاءوا بأطفال يحفظون، ويوجد الآن أمثلة، يوجد ابن خمس سنين وست سنين يحفظ القرآن، نعم نودر لكنه يوجد، وبعض القائمين على بعض وسائل الإعلام يذكر أنه قابل أطفال في تركيا لا ينطقون ولا بحرف من العربية، الواحد منهم أفضل من المعجم المفهرس، تأتي بأي لفظه ويأتي لك بما قبلها وما بعدها، وموضعها بالصفحة والسطر، وهل هي في أول السطر أو في آخره؟ أطفال ما بلغوا العاشرة، نعم هم موجودين في كل مكان، أنا جئ لي بطفل وظننته ولد فتبين أنه بنت بالمسجد الحرام، لا يزيد على أي حال عن ثلاث سنوات، فقال أبوه -من المشرق-: اقرأ سورة الرحمن فقرأها كاملة، لكن إخراج الحروف إخراج طفل، يناسب السن، لكن الآيات سردها على ترتيبها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وواحد من المشايخ المصريين رأينا عنده ولدين واحد عمره عشر، والثاني إحدى عشر حفظا الصحيحين بالأسانيد، ويقول: إنهما يحفظان من سنن أبي داود والترمذي كل يوم خمسين خمسين بأسانيدها، هؤلاء نوادر، وذكروا قصص كثيرة في هذا المجال، في كتب علوم الحديث، ويوجد في بيوت المسلمين الآن غرائب حتى يتكلمون بكلام تعجب كيف يمكن ما سمعوه قبل ذلك، والله المستعان.(21/22)
على كل حال مرد هذا هو الضبط والفهم والعقل، فمن آنس من ولده أنه بلغ هذه المنزلة عليه أن يبادر به، ويكثر عليه من الحفظ ولو لم يفهم، والفهم يأتي فيما بعد، وبعض الناس لما رُبط الحفظ بالفهم حرم بسبب ذلك صغير يقول له: لا تجعله يحفظ القرآن حتى يفهم، يعني تفهمه الكلمات الغريبة، وتفهمه ما يحتاج إليه لفهم القرآن، ومع ذلك طال عليه الأمر، وصعب عليه الفهم، وكان يحفظ ثم عجز عن الحفظ، فوصيتي لإخواننا من طلاب العلم، ومن أولياء الأمور أن يهتموا بالحفظ في أول الأمر، ويستمرون عليه، يستمرون على الحفظ لا ينقطع الحفظ إلى آخر العمر، ما يقال: والله انتهيت، لا، ما له نهاية، ليس له أمد، يستمر يحفظ، ومع ذلك الفهم بالتدريج، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل: يقول: من مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لم يبلغ سن التمييز؟
مات النبي -عليه الصلاة والسلام- والراوي لم يبلغ سن التمييز، أو لم يميز، المقصود أنه لم يميز، أما إذا لم يبلغ سن التمييز الذي هو السبع عند أهل العلم، أو الخمس عند أهل الحديث، وقد ميز قبل ذلك هذا يختلف، يعني كونه ميز ولم يبلغ السن هذا شيء، وكونه لم يميز بالفعل هذا شيء آخر، ولعل قصد السائل أنه لم يميز، ثم روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فهل هو متصل أو منقطع؟ هذا مرسله صحابي، حقيقته أنه مرسل صحابي، يعني رواه عن صحابي أخر، واحتمال أن يكون رواه عن تابعي، لكن الصحابي إذا روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يسمعه منه، إما لصغر سنه، أو لغيبته، أو لتأخر إسلامه، فإنه يسمى مرسل الصحابي، وتقدم الكلام فيه.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ(21/23)
في درس الأمس في باب متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟ ذكرنا أن السن الذي يبحث عند أهل العلم هو سن صحة التحمل، وسن استحباب التحمل، وفيهما الخلاف المعروف الذي ذكرناه في درس الأمس، والسن الثالث وقد ذكرناه في بداية الدرس، وهو متى يستحب أن يجلس للتحديث؟ والرابع متى يكف عن التحديث؟ أما الثالث: وهو متى يستحب أن يجلس التحديث؟ فليس في هذا سن محدد، إنما يجلس إذا تأهل لذلك، واحتيج لما عنده، يجلس إذا تأهل لذلك، وليحذر كل الحذر أن يجلس قبل التأهل، ويتصدى لتعليم ما لا يعرفه، وما لا يتقنه، وقد يقول قائل: إننا رأينا وسمعنا وجلسنا وحضرنا عند أناس جلسوا للتعليم في سن مبكرة، فهل معنى هذا أنهم بلغوا سن التأهل للتعليم؟ أو أن الحاجة داعية إلى جلوسهم؟ هذه مسالة حقيقة يعني في تحديدها من قبل الشخص نفسه صعوبة، كيف يدعي لنفسه أنه تأهل للتعليم، أما مسألة الحاجة فقد يرى أن غيره ممن هو أكفأ منه تأخر عن التعليم فيتصدى له، وهو مثاب ومأجور على هذا، لكن كيف يعرف الإنسان من نفسه أنه تأهل؟ ويشهد لنفسه بذلك أنه تأهل؟ لا بد من شهادة أهل العلم له بذلك، واستفاضة أمره، وأنه إذا جلس في مجالس أهل العلم لاموه لماذا لا تُعلم؟ وإذا انتقل إلى مجلس آخر كذلك، ولو لم يدرك هذا من نفسه؛ لأنه قد يعرف غيره عنه ما لا يعرفه عن نفسه من خلال المناقشة ومن خلال المحاورة، والإشكال في مثل هذه المسالة أن الناس على طرفي نقيض، منهم من يموت وهو من كبار أهل العلم ويرى أنه ليس بأهل للتعليم، وهذا موجود، يعني في الواقع موجود، ومنهم من يتصدى للتعليم قبل التأهل، ولو أن أهل العلم الذين حملوه وتأهلوا لنشره قاموا بما أوجب الله عليهم ما صار لمثل هذا مكان ولا مجال، ولا جُلس إليه، وكثير من أهل العلم حينما يناقشون لماذا لا تجلسون للطلاب؟ وقد يكونون في بلد ليس فيه أحد يعلم الناس، وناقشنا كثير من القضاة وأهل العلم في بلدان ما فيها دروس، كثير منهم يتعذر بأنه يقول: ما يوجد طلاب، جلسنا للطلاب أول ما تعينا في هذا البلد، وجلس عندنا عشرة طلاب، ثم بعد ذلك جاء رمضان وانقطع الدرس، واستأنفنا بعد العيد ما حضر إلا نصفهم، ثم جاء الحج وانقطع الدرس ولما رجعنا ما حضر(21/24)
إلا اثنين أو واحد، نقول: هذا ليس بعذر، ما دام يوجد واحد الحمد لله يحمل عنك هذا العلم، ويعينك على الزيادة في التحصيل؛ لأن التعليم من أعظم وسائل التحصيل تحصيل العلم، وأدركنا من شيوخنا من لا يحضر عنده إلا واحد، واحد فقط، ثم بعد ذلك انتهت مرحلة المجاهدة ومغالبة النفس إلى أن أقبل أعيان الناس أقبلوا إليه، وصاروا يعدون بالمئات، أحياناً يزيدون عن الألف، فالمسألة مسألة امتحان، فيبتلى الإنسان ويختبر هل يصبر ويعطي من نفسه أو لا؟ والعلة التي تعلل بها بعض الناس أن الطلاب واحد أو اثنين ما يسوون الجلوس هذا الكلام ليس بصحيح، يعني المفترض أن تستأجر من يقرأ عليك بالأجرة، فإذا يسر الله لك من يحمل عنك العلم بالمجان، وتتعاون أنت وإياه على تحصيل العلم، أنت أحق منه بالتحصيل، فاستفد وأفد، فإذا تأهل الإنسان ودعت الحاجة إلى جلوسه للتعليم يجلس ولا يتأخر.
أما متى يكف عن التحديث؟ فيكف إذا خشي الاختلاط، إذا بدأت عليه أمارات التغير والاختلاط فيجب عليه أن يكف، يكف عن التعليم، يكف عن الفتوى، يكف عن القضاء؛ لأنه إذا بدأت عليه علامة الاختلاط لا شك أنه يختلط عنده الحق بالباطل، فهذا السن الذي يمكن أن يبحث عند أهل العلم في هذه المواضع، في صحة التحمل، وعرفنا هذا بالأمس، ومتى يستحب الطالب كذلك، ومتى يجلس للتحديث يحدث الناس، مالك جلس للتحديث وهو صغير، ذلكم لأنه تأهل -رحمه الله-، والحاجة دعت إلى أن يجلس، وذلك مع وجود شيوخه وجلس وصار له من الحظوة عند الناس وعند طلاب العلم وشيوخه موجودون في المسجد نفسه، في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجلس إليهم أحد، كل هذا لأن الله -جل وعلا- علم منه صدق النية، وبذل من نفسه، والذي يبذل يعان، والمسالة لا شك أن فيها مشقة، والخلاف ما تهواه النفس، لكن مع ذلك على الإنسان أن يبذل ويسعى في تصحيح النية، ثم بعد ذلك يوفق.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ، وأوَّلُهَا: سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ(21/25)
أَعْلَى وُجُوْهِ الأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ ... وَهْيَ ثَمِانٍ: لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ
كتَاباً أو حِفْظَاً وَقُلْ: (حَدَّثَنَا) ... (سَمِعْتُ) أَوْ (أَخْبَرَنَا) (أَنْبَأَنَا)
وَقَدَّمَ (الْخَطِيْبُ) أَنْ يَقُوْلاَ: ... (سَمِعْتُ) إِذْ لاَ يَقْبَلُ التَّأْوِيْلاَ
وَبَعْدَهَا (حَدَّثَنَا) (حَدَّثَنِي) ... وَبَعْدَ ذَا (أَخْبَرَنَا) (أَخْبَرَنِي)
وَهْوَ كَثْيِرٌ وَ (يَزِيْدُ) اسْتَعْمَلَهْ ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ
مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ وَبَعْدَهُ تَلاَ: ... (أَنْبَأَنَا) (نَبَّأَنَا) وَقَلَّلاَ
وَقَوْلُهُ: (قَالَ لَناَ) وَنَحْوُهَا ... كَقُوْلِهِ: (حَدَّثَنَا) لَكِنَّهَا
الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ
وَهْيَ عَلى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيْ ... لاَ سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوْهُ فِي الْمُضِيْ
أنْ لاَ يَقُوْلَ ذَا بِغَيْرِ مَا سَمِعْ ... مِنْهُ (كَحَجَّاجٍ) وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ
عُمُوْمُهُ عِنْدَ الْخَطيْبِ وَقُصِرْ ... ذَاكَ عَلى الَّذِي بِذَا الوَصْفِ اشْتُهِرْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:(21/26)
فلما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- متى يصح تحمل الحديث؟ يعني الوقت الذي يتحمل فيه الحديث، ذكر -رحمه الله تعالى- الطرق، وأقسام التحمل، كيفيات الطرق التي يتحمل بها الحديث؛ لأن للتحديث طرفان تحمل وأداء، وذكرنا هذا في درس الأمس، تحمل أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء تبليغ الأحاديث للطلاب، قال -رحمه الله تعالى-: أقسام التحمل، وأولها سماع لفظ الشيخ، أول الأقسام وأقواها وأعلاها سماع لفظ الشيخ، وهو الأصل في الرواية، الأصل أن الشيخ يحدث والطالب يستمع ويحفظ أو يكتب، الشيخ يحدث إما من حفظه أو من كتابه، والطالب يستمع، إما يحفظ بمجرد الاستماع أو يكتب ثم يحفظ، هذا هو الأول وهو الأصل في الرواية، وهذا الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتكلم بالأحاديث، ينطق بها، والصحابة يتلقون عنه، وهذه طريقة معروفة في التحديث والتعليم، وهي أشهر هذه الطرق، وأولاها وأعلاها، وأما الطرق الأخرى فيأتي الكلام عنها في مواضعها.
قال -رحمه الله تعالى-:
أعلى وجوه الأخذ عند المعظم ... وهي ثمان. . . . . . . . .
"وهي ثمانٍ" هذه جملة اعتراضية، أعلى وجوه الأخذ عند المعظمِ لفظ شيخ فاعلمِ، أما "وهي ثمان" فهي معترضة بين جزئي الجملة، أعلى وجوه الأخذ لفظ الشيخ، يعني سماع لفظ الشيخ، وجوه الأخذ وأقسام التحمل أعلاها عند المعظم يعني عند جمهور، بل عند جماهير أهل العلم السماع من لفظ الشيخ "فاعلمِ" يعني فادرِ هذا الأمر "وهي ثمان" يعني مبتدأ وخبر، ثمانٍ هي مبتدأ، وثمانٍ خبر، لماذا جرت ونونت؟ أصلها ثماني بالياء منقوص، والمنقوص في حال الرفع تبقى ياؤه وإلا تحذف؟ في حال الرفع والجر تحذف الياء، ويبقى ما يدل عليها وهو الكسر، وينون في مثل هذا لأنه لا يوجد ما يمنعها من الصرف، وهي ثمانٍ كما تقول: هذا قاضٍ، ومررت بقاضٍ.
أعلى وجوه الأخذ عند المعظمِ ... وهي ثمانٍ لفظ شيخ فاعلمِ(21/27)
عند المعظم عند جماهير أهل العلم، عند عامة أهل العلم أن السماع من لفظ الشيخ أعلى وجوه التحمل "كتاباً أو حفظاً" يعني سواء كان الشيخ يقرأ من كتابه، أو من حفظه؛ لأن الحفظ المشترط لصحة الرواية المعبر عنه بالضبط ينقسم إلى ضبط صدر وضبط كتاب، ولا شك أن الناس يتفاوتون في الحفظ، من تسعفه الحافظة ويستغني بها عن الكتاب هذا الأصل وهو الأفضل، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف لا بد من أن يعتمد على كتابه لئلا يعتمد على حفظه الضعيف فيكثر خطؤه، ويكثر وهمه، فالذي لا تسعفه حافظته في حفظ ما يسمع لا بد أن يكتب، ومنع بعض أهل التشديد من ضبط الكتاب، والرواية من الكتاب، لكنه قول لا يلتفت إليه، بل إن بعض أهل العلم رجح ضبط الكتاب على ضبط الحفظ؛ لأن الحفظ خوان.
وعلى كل حال من نعم الله -جل وعلا- على عباده وجود هذه الكتابة، الله -جل وعلا- كما تقدم في درس الأمس -درس الميمية- علم بالقلم، فالقلم منة من الله -جل وعلا- من أجل ضبط العلم، فلولا القلم لما أدرك من لا تسعفه حافظته من العلم شيئاً، فإذا عاناه بالكتابة وضبط كتابه وحفظه، ولم يخرجه من يده إلا إلى ثقة ثم روى عنه هذا من أقوى وجوه الأداء، وأما القول بأنه لا يعول إلا على الحفظ فإنه قول وصف بالتشديد، ولم يلتفت إليه أهل العلم، ثم بعد ذلك أجمعوا على الرواية من الكتاب، نعم الحفظ إذا كان يسعف فلا يعدل عنه، ولا ينبغي لطالب علم تسعفه حافظته أن يعتمد على الكتاب ويقول: أضبط، لا، يعتمد على حفظه هذا هو الأصل، ولا شك أن العلم ما حواه الصدر، الذي تجده متى طلبته، أما ما في الكتاب لو أعرت الكتاب ما استفدت، أو لو تلف الكتاب مثلاً ضاع علمك، لكن وجود الكتب من نعم الله -جل وعلا- لا سيما على أولئك الذين لا تسعفهم الحافظة، وليس بعيب أن يحدث الشيخ من كتابه أبداً، فكبار الأئمة الحفاظ الكبار يحدثون من كتبهم؛ لأن ضبط الكتاب أحفظ وأضبط "كتاباً أو حفظاً" سيان، وقل إذا تحملت الحديث بطريق السماع من لفظ الشيخ "قل: حدثنا" يعني كيف تؤدي صيغة الأداء إذا تحملت بطريق السماع؟
. . . . . . . . . قل: حدثنا ... سمعت أو أخبرنا أنبأنا(21/28)
حدثنا، صحيح حدثك الشيخ، سواء كان بمفردك أو معك أحد، لكن إذا كان معك أحد تقول: حدثنا، تقول: سمعنا، وإذا كنت بمفردك تقول: حدثني، وتقول: سمعت، كما تقول: أخبرنا، وتقول: أنبأنا ونبأنا، كلها تدل على أنك سمعت من لفظ الشيخ، هذا الأصل في أن هذه العبارات كلها تؤدي المطلوب، صيغ تؤدي المطلوب، تقول: حدثنا، صحيح حدثك، وأيضاً سمعت من لفظه، وأيضاً هو أخبرك؛ لأن الإخبار والتحديث {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] كما أن الإنباء والإخبار والتحديث معانيها واحد {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [(1 - 2) سورة النبأ] يعني الخبر العظيم {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] المقصود أنها ألفاظ معانيها واحدة، وإن كان بينها فروق دقيقة، لكنها تؤدي الغرض بأي صيغة من هذه الصيغ المذكورة، هذا من حيث اللغة، أما بالنسبة للاصطلاح فكثير من أهل العلم من يفرق بين هذه الصيغ، منهم الإمام البخاري -رحمه الله- لا يفرق بين أخبرنا وحدثنا، ومنهم من يفرق، فيجعل حدثنا لمن تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ، وأخبرنا لمن تحمل بطريق العرض، الطريق الثاني من طرق التحمل، على ما سيأتي، وهذا مجرد اصطلاح، وإلا فالإخبار بمعنى التحديث، وإن كان هناك فرق دقيق بينهما بأن التحديث أخص من الإخبار؛ لأن من قال لعبيده: من حدثني بكذا فهو حر، ومن قال لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر، من حدثه لا بد أن يكون مشافهة، ومن أخبره إما أن يكون مشافهة أو يكون بكتابة، أو بإشارة مفهمه؛ لأن الخبر يحصل بهذه، هذه فروق دقيقة، لكنها من حيث المؤدى يصح أن يؤدى بها، أو يؤدي بها من سمع من لفظ الشيخ كلها إلا أن الاصطلاح غاير ومايز بين هذه عند بعض العلماء دون بعض، وعرفنا أن إمام الصنعة الإمام البخاري لا يفرق بين التحديث والإخبار، لا يفرق، وسواء قال: حدثنا أو أخبرنا لا فرق، نعم، بينما الإمام مسلم يفرق بينهما بدقة، وتجده يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قال فلان: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا، ومن أهل العلم من لا يحدث إلا بصيغة الإخبار، على ما سيأتي بيانه -إن شاء الله(21/29)
تعالى-.
وقدم الخطيب أن يقولا ... سمعت إذ لا يقبل التأويلا
يقول: سمعت هذا الذي يبين بدقة أنه سمع من لفظ الشيخ، نعم هو اخبره، الشيخ أخبره وحدثه، لكن سمعت أدق؛ لأنها لا تقتضي ما يقتضيه حدثني أو أخبرني، يقول: سمعت، السماع غير الاستماع، فيسمع ولو لم يقصد بالإسماع، ولم يقصد بالتحديث، لكن حدثني أو أخبرني يدل على أن الشيخ قصده بالتحديث أو بالإخبار
ولذا يقولون: الإفراد أقوى من الجمع؛ لأنه إذا أفرد يكون مقصود بالتحديث، ومقصود بالإخبار بخلاف ما لو قال: حدثنا يكون مع غيره مع مجموعة من الناس حدثهم، ولو لم يقصد بعينه، وكذلك لو قال: أخبرنا، وعلى هذا الطالب الذي يروي عن الشيخ بطريق السماع، ثم يروي عنه بعد مدة طويلة، ينسى هل كان معه وقت التحديث أحد أو ليس معه أحد هل الأولى أن يقول: حدثنا أو يقول: حدثني؟ هل الأولى أن يقول: حدثنا؟ هو روى عن الشيخ بطريق السماع، يجزم بأنه سمع من لفظ الشيخ، فهل يقول: حدثنا أو يقول: حدثني؟ منهم من يقول: يقول: حدثني لأن وجوده متيقن، وما زاد عليه مشكوك فيه، يعني ما يدري هل معه أحد أو لا، نعم؟ ومنهم من يقول بالعكس يقول: حدثنا لأن قصد الشيخ له بالتحديث مشكوك فيه، احتمال يكون معه غيره، فلا يكون مقصوداً بالتحديث، والمسألة سهلة يعني، الخطب يسير يعني؛ لأنه إذا ضبط ما سمعه من الشيخ، وأداه على أي وجه كفى.
وقدم الخطيب أن يقولا ... . . . . . . . . .
وهذه ألف إطلاق وليست ألف تثنية.
. . . . . . . . . ... سمعت إذ لا يقبل التأويلا
سمعت ما تقبل تأويل، بينما لو قال: حدثنا تقبل التأويل، كيف تقبل التأويل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(21/30)
نعم هم ذكروا عن الحسن أنه قال: حدثنا أبو هريرة ولم يكن موجوداً وقت التحديث، وإنما حدث أهل المدينة أو أهل البصرة وهو فيها، لكن الغالب أهل المدينة على ما قيل، حدث أهل المدينة وهو موجود، هذا لا شك أنه تدليس شديد؛ لأنهم يذكرون أن المدرس إذا قال: حدثني، وإن كانت منزلة الحسن البصري تنبو وترتفع عن مثل هذا الاتهام أنه يكون حينئذٍ ولم يسمع منه، يكون كذاب إذا قال: حدثنا، نعم؟ إذا قال: حدثنا وهو ما حدث كذاب، ولذلك كيف نعرف أن هذا الراوي مدلس إلا بهذا، أن يأتي بصيغة موهمة ويسقط من حدثه، لكن إذا أتى بصيغة صريحة وهذا تقدم في بحث التدليس، يعني أسقط من حدثه وجاء بصيغة صريحة هذا كذب، لكن منزلة الحسن البصري -رحمه الله- تنبو عن ذلك، وجاء ما يدل على مراده، المقصود "وبعدها" وبعد سمعت "حدثنا حدثني" حدثنا بالجمع إذا كان معه غيره، وحدثني إذا كان بمفرده، وعرفنا ما بين حدثنا وحدثني من أيهما أقوى، حدثني أقوى؛ لأنها تدل على أنه مقصود، وأما حدثنا فلا يلزم من ذلك أن يكون مقصوداً بالتحديث.
. . . . . . . . . ... وبعد ذا أخبرنا أخبرني
لأن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، أضيق الدوائر سمعت، هذه لا تقبل تأويل، كما قال الخطيب يليها حدثنا؛ لأنها لا تكون إلا بالمشافهة، حدثنا لا تكون إلا بالمشافهة، وإن استعملها الحسن فيما استعمالها فيه، لكنها لا تكون إلا بالمشافهة بخلاف أخبرنا وأخبرني فإنها دائرتها أوسع؛ لأن الإخبار يكون بغير المشافهة، يكون بالكتابة، يكون بالإشارة المفهمة، على ما ذكرنا.
وهو كثير ويزيد استعمله ... . . . . . . . . .
يزيد بن هارون استعمله، استعمل أخبرنا وأخبرني.
. . . . . . . . . ... وغير واحد لما قد حمله
حماد بن سلمة وابن المبارك وهشيم وعبد الرزاق كلهم يستعملون أخبرنا وأخبرني.
. . . . . . . . . ... وغير واحد لما قد حمله
من لفظ شيخه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(21/31)
يقولون: أخبرنا، وإسحاق بن راهويه لا يكاد يستعمل إلا الإخبار، سواء روى بطريق السماع أو بطريق العرض لا يكاد يقول إلا أخبرنا، وبه يفسر إذا كان مهملاً، يعني إسحاق قال: أخبرنا فلان، الذي يغلب على الظن أنه ابن راهويه "لما قد حمله ... من لفظ شيخه" يعني تحمله بطريق السماع "وبعده تلا" يعني بعد سمعت ثم حدثنا وحدثني، ثم أخبرنا وأخبرني.
. . . . . . . . . وبعده تلا ... أنبأنا نبأنا وقُللا
يعني هذا قليل، قليل استعمال أنبأنا ونبأنا، لا سيما في عصور الرواية المتأخرة في القرن الثالث، وما بعده؛ لأنه كثر استعمالها في الإجازة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وقُللا
وقوله: قال لنا ونحوها ... كقوله حدثنا لكنها
قال لنا يعني لو أن الشيخ حدث والطالب تلقى بطريق السماع، ثم بعد ذلك لما أراد الطالب الأداء قال: قال لنا فلان، أو قال فلان، هذه محمولة على السماع على ما تقدم في التعليق.
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي
عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ
هذه محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم في العنعنة، فإذا قال: قال لنا أو قال فلان، قال هشام بن عمار هذا متصل على قول ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل العلم؛ لما قال هشام بن عمار قالوا: هذا متصل؛ لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري، لقيه وحدث عنه بأحاديث خمسة أو ستة، قال: حدثنا هشام بن عمار، ولم يوصف البخاري بالتدليس على ما مضى في التعليق.
وقوله: قال لنا ونحوها ... كقوله حدثنا. . . . . . . . .
مثلها لا تقل عنها، يعني بالمجاررة قال لنا، لكنها
الغالب استعمالها مذاكره ... . . . . . . . . .
يعني في حال المذاكرة تستعمل قال لنا في حال المذاكرة، وصرح بهذا جمع من أهل العلم، وقالوا: إن البخاري إذا روى الحديث بصيغة قال لنا فإنه في الغالب إنما يريد ما رواه بطريق المذاكرة، يعني المذاكرة بين الشيوخ، يعني إذا قيل: ما تحفظ في باب كذا؟ قال: فيه حديث فلان أو فيه كذا أو في كذا للمذاكرة بينهم، لا على طريق التحديث والرواية ...(21/32)
شرح ألفية الحافظ العراقي (22)
القراءة على الشيخ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
يعني إذا قيل: ما تحفظ في باب كذا؟ قال: في حديث فلان أو فيه كذا أو فيه كذا للمذاكرة بينهم، لا على طريق التحديث والرواية، والرواية بطريق المذاكرة، والتحمل بطريق المذاكرة أقل من التحمل بطريق الرواية المقصودة.
نعود إلى مسألة السماع من لفظ الشيخ، السماع من لفظ الشيخ له مراتب، أعلاها الإملاء، كون الشيخ يملي إملاءً يحرر ما يريد سواء كان ما يزوره في حفظه أو في كتابه، ثم يمليه وهذا أعلى ما في هذا النوع السماع من لفظ الشيخ، لماذا؟ لما يترتب عليه ويلزم منه من تحرز الشيخ والطالب، كل منهما مهتم لما هو بصدده، إذا كان الشيخ معه كتاب، ويقول: اكبتوا، ويملي حرفاً حرفاً، هذا لا شك أنه أكثر تحرزاً من كون الشيخ يلقي إلقاءً والطلاب يستمعون، في حال الإملاء لا شك أن الشيخ متحرز ومتحفظ ألا يخطئ في إملائه والطالب أيضاً متحفظ ومتيقظ لئلا يخطئ في سماعه، هذا أعلى ما في هذا النوع السماع من لفظ الشيخ، ثم يليها مسألة قصد التحديث على طريق الإلقاء لا على طريق الإملاء، ثم بعد ذلك مسألة المذاكرة، المذاكرة بين الشيوخ ما في هذا الباب ما في حديث فلان، ما في كذا ثم يسرد الحديث، ويتلقاه من يسمع ويرويه بصيغة: قال لنا، الغالب استعمالها مذاكرة، والحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرد من قال: إن البخاري لا يقول: قال، أو قال لنا إلا في حال المذاكرة، ويثبت أمثلة من الصحيح نفسه في أحاديث فيها قال، أو قال لنا، ويرويها بصيغة التحديث، بصيغة التحديث في نفس الصحيح أو في غيره من كتبه -من كتب البخاري-، أو العكس قد يكون الحديث قال لنا في التاريخ الكبير، ورواه في الصحيح بحدثنا، فليست خاصة بحال المذاكرة.
الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ(22/1)
بدون لنا، بدون جار ومجرور، قال: بدون مجاررة، بلا مجاررة، المجاررة إذا قال: قال لنا، وأخص منها إذا قال: قال لي، مثل حدثنا وحدثني، إذا قال: قال لي، أو قال لنا فهذه كما يقول الناظم -رحمه الله تعالى- الغالب استعمالها مذاكرة، ودونها دون لفظ قال لي، أو قال لنا قال بلا مجاررة، يعني بدون جار ومجرور، ولا شك أن هذا صيغة موهمة، لا يلزم منها الاتصال، لا يلزم منها بمجردها الإتصال كـ (عن) إلا بالشروط المعتبرة عند أهل العلم؛ لأن لو قال واحد من الحاضرين قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلزم من هذا الاتصال؟ لا يلزم، لو قال: قال الإمام أحمد يلزم منه اتصال؟ لا يلزم منه اتصال، لو قال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية يلزم؟ ما يلزم منه اتصال، ولا يعد كاذباً؛ لأن الصيغة محتملة، وهي محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين في العنعنة عند أهل العلم.
. . . . . . . . . ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ
فعندنا أعلاها سمعت وهذه لا تحتمل، ثم حدثني وحدثنا، ثم أخبرني وأخبرنا، ثم أنبانا ونبأنا، ثم قال لنا، وأخرها قال.
ولو روى بلفظ العنعنة عن فلان عن فلان هذه صيغة العنعنة، أو أن فلاناً المأنن أو المؤنأن، كلها محمولة على الاتصال إذا توافر الشرطان المعروفان عند أهل العلم، أن يثبت اللقاء بين الراوي ومن روى عنه على مذهب الإمام البخاري، أو تثبت المعاصرة مع إمكان اللقاء على ما قرره الإمام مسلم في صدر صحيحه، وأن لا يوصف الراوي بتدليس، أما إذا كان هناك مفاوز بين الراوي ومن روى عنه، بينهم طبقات من الرواة، أو عصور أو دهور فإن هذا تصح الرواية إلا أنها منقطة، إلا أنه لا يوصف بكذب إذا قال: قال رسول الله؛ لأنها صيغة لا يلزم منها الاتصال، ولذا يقول فيما تقدم:
وصححوا وصل معنعن سلم ... من دلسة راويه واللقاء علم
يعني اللقاء ثبت كما هو مذهب الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وتقدم الكلام فيه، ولذا قال:
وهي على السماع إن يدرَ اللقي ... . . . . . . . . .(22/2)
وهي على السماع أي محمولة على السماع إن يدرى اللقي، يعني إن يعلم اللقي، وهذا كما هو معلوم مذهب الإمام البخاري، ويكتفي الإمام مسلم بالمعاصرة مع إمكان اللقي، ونقل على ذلك الإجماع في صدر صحيحه وشنع على من اشترط اللقاء، ووصفه بالابتداع، وذكرنا هذا بالتفصيل في شرح مقدمة صحيح مسلم، وفي ما تقدم من بحث العنعنة؛ لأن الحافظ العراقي بحثها هناك في العنعنة، فالعنعنة يحملها الإمام البخاري على الإتصال بالشرطين ثبوت اللقاء وألا يوصف أو أن يبرأ الراوي من وصمة التدليس والإمام مسلم يكتفي بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، وهذا سبق تفصيله، ووصف من اشترط اللقاء بأنه مبتدع، وأن القول مخترع، وشدد النكير، رأى أن من اشترط يريد إبطال السنن، وهو مبتدع في هذا، وهو مستفيض عند أهل العلم أنه هو قول الإمام البخاري، ولذا يستروح بعض المعاصرين أن الإمام البخاري لا يشترط اللقاء؛ لأنه ليس من المعقول أن يقول الإمام البخاري بهذا القول ومسلم يصف هذا القول بأنه مخترع، والقائل به مبتدع، لا يمكن، يعني هل يخفى عليه أن الإمام البخاري يشترط هذا؟ لو كان يشترطه يخفى على مسلم؟ ما يمكن يخفى؛ لأنه تلميذه، خريجه، ولذا يستروح وألف في هذا كتب الإجماع على الاكتفاء بالمعاصرة، وذكروا هذا قول الإمام البخاري وغيره من الأئمة، ونقلوا عليه الإجماع، كل هذا من تشديد الإمام مسلم على من يقول باشتراط اللقاء، وهو مستفيض عن الإمام البخاري، ولم ينكره أحد من أهل العلم، الإمام البخاري وعلي بن المديني يشترطون اللقاء، لكن من تشديد النكير من قبل الإمام مسلم على من يقول بهذا القول، وأنه قول مخترع مبتدع، قول لا يمكن أن يقول به الإمام البخاري ويخفى على مسلم، نقول: يقول به الإمام البخاري ويعلم مسلم أن البخاري يقول هذا الكلام، ولا يقصده بالرد، لا يقصد البخاري بالرد، ولا يشنع على البخاري، ولا على علي بن المديني، يشنع على مبتدع يريد أن يستغل احتياط البخاري في رد السنن، يريد هذا المبتدع أن يستغل احتياط البخاري وشدة تحري الإمام البخاري في رد السنة، ونظير ذلك أننا إذا رددنا على المعتزلة على أبي الحسين البصري أو على الجبائي، أو على غيرهما من أئمة المعتزلة إذا(22/3)
رددنا عليهم اشتراط العدد في الرواية فإننا لا نرد على عمر بن الخطاب حينما رد على أبي موسى حديث الاستئذان، هل نقول: إن عمر يشترط هذا القول؟ لا، لكنه يتحرى ويحتاط للرواية، كما أن البخاري يحتاط للرواية، ولا يريد بذلك رد السنن، إنما يريد التثبت للسنة، فإذا رددنا على المعتزلة فإننا لا يعني أننا نرد على عمر بن الخطاب، وإذا رددنا على مبتدع يريد أن يرد السنة مستغلاً احتياط البخاري أو احتياط عمر فإننا لا نرد على البخاري ولا نرد على عمر، إنما نريد الرد على من يستغل هذا الاحتياط في رد السنة، ويبقى أن المحتاط محتاط، يعني جلة على العين والرأس هؤلاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا قبله في مواضع كثيرة، الأصل قبوله عند عمر وغير عمر، يعني حفظ عنه أكثر من قصة في هذا الباب، صاحبه عمر يتناوب مع صاحبه جار له يتناوبون الدخول إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لتحمل الحديث، هذا في البخاري، فإذا سمع صاحبه من النبي -عليه الصلاة والسلام- حديثاً بلغه إلى عمر، هل يطلب ثاني معه؟ ما يطلب ثاني، لكن لما كانت المسألة عملية استأذن ثلاثاً فانصرف، قال: ما الذي دعاك تنصرف؟ قال: الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: أحضر شاهد يشهد لك؛ لأن مسألة الاستئذان مسألة ينبغي أن تكون مستفيضة بين الناس كلهم، لا يقتصر بمعرفتها واحد، فإذا احتاط الإنسان، الإنسان أحياناً الأصل القبول يقبل عمر وغير عمر يقبلون خبر الواحد، يعني لما كان عمر القصة في الصحيح كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب الدخول على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيبلغني بما سمع، وأبلغه بما سمعت، هذا الأصل، لكن لما صنع أبو موسى هذا الصنيع وعتب عليه، لماذا رجع؟ قال: "إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاثاً فإن أذن له وإلا فلينصرف" قال: لا بد أن تحضر لي من يشهد لك، وهذا كل أمر يشك فيه يتثبت فيه، وإلا فالأصل السلامة، ما يقال: إن عمر يرد خبر الواحد أبداً.
وهي على السماع إن يدرَ اللقي ... لا سيما من عرفوه في المضي
أن لا يقول ذا بغير ما سمع ... . . . . . . . . .(22/4)
يعني إذا كانت من عادة الشخص ومن ديدنه أن لا يروي إلا بهذه الصيغة ولو تحمل بطريق السماع.
وهي على السماع إن يدرَ اللقي ... لا سيما من عرفوه في المضي
يعني في طريقته وجادته المتبعة في زمنه كله "لا يقول ذا لغير ما سمع" أما إذا كان يقول: قال في غير المسموع، يعني لا يقول: قال فلان وهو ما لقيه ولا عاصره، هذه ما تحمل على اللقاء أبداً، يعني مثلما نقول في العصور المتأخرة: قال رسول الله، أو قال عمر، أو قال الإمام أحمد، أو قال الشافعي، أو قال أبو حنيفة، فقولنا لا يدل على اتصالها ولا على السماع،
. . . . . . . . . ... لا سيما من عرفوه في المضي
يعني ذكروا ذلك عنه.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ذكروا عنه ذلك، ذكروا عنه، أو عرف بذلك.
أن لا يقول ذا بغير ما سمع ... . . . . . . . . .
أما من يقول ذلك لما سمع، يعني أنت تقول: قال الشيخ فلان وأنت سمعت منه، ألا تقول: قال فلان وأنت سمعت منه؟ وقال الشيخ فلان وأنت قرأت من كتبه، وتقول: قال شيخ الإسلام وأنت سمعته من شيخ بوسائط ومفاوز، وتقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبينك وبينه أكثر من عشرين نفساً، هذا لا يحمل على السماع حينئذٍ.
أن لا يقول ذا بغير ما سمع ... منه كحجاج. . . . . . . . .
وهو ابن محمد الأعور "ولكن يمتنع ... عمومه عند الخطيب" يعني هذا ما يعمم على الناس كلهم، يعني كل من روى بصيغة (قال) تحمل على الاتصال "وقصر ... ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر"
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولكن يمتنع
عمومه عند الخطيب وقصر ... ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر
اشتهر بهذا الوصف مثل الحجاج بن محمد الأعور، يروي بطريق السماع، يتحمل بطريق السماع، ويؤدي بصيغة (قال) وهو معروف عنه هذا، واشتهر عنه ذلك، عرّفه أهل العلم، وعرفوه بهذا، نعم.
الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ
ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا ... مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا
مِنْ حِفْظٍ أو كِتَابٍ أو سَمِعْتَا ... والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا
أولاَ وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ ... بِنَفْسِهِ أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ(22/5)
قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ ... يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ
وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا وَرَدُّوا ... نَقْلَ الخِلاَفِ وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا
وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلاَ ... أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلاَ
عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ ... (كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ)
مَعَ (البُخَارِي) هُمَا سِيَّانِ ... وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)
قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ ... وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: الثاني: يعني من طرق وأقسام التحمل: القراءة على الشيخ، الأول الشيخ يتكلم ويحدث والطالب يسمع ويحفظ، الثاني: العكس الطالب هو الذي يقرأ والشيخ يستمع، يعرض الطالب ما عنده على شيخه، فيقول: حدثك فلان عن فلان عن فلان والشيخ يستمع، وهل يشترط أن يقول: نعم؟ قال بعضهم: نعم، لا بد أن يقول: نم؛ لأنه يسأل حدثك فلان عن فلان عن فلان، فلا بد أن يقول الشيخ: نعم، والجمهور على أنه لا يشترط ولا يلزم، إذا سكت معناه أنه حدثه، وهذه هي التي تسمى عند جمع من أهل العلم العرض، العرض على الشيخ، يعني القراءة على الشيخ، تعرض ما عندك على الشيخ، وإن كان بعضهم يتجاوز في هذا اللفظ ويطلقه على عرض المناولة، وسيأتي الكلام فيها، لكن العرض إذا أطلق المراد به ما يعرضه الطالب على شيخه، والرواية بالعرض رواية معتبرة عند أهل العلم، وجد فيها خلاف قديم ثم انقرض، وثبت الإجماع على صحة الرواية بها، والأصل فيها حديث ضمام بن ثعلبة، وهو في الصحيح، ضمام سمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبار ما سمعها منه، لكنه بلغه أشياء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم جاء إليه يعرض عليه هذه الأشياء، فتحملها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بطريق العرض، ولذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا ... مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً. . . . . . . . .
يعني القراءة على الشيخ الطالب يقرأ والشيخ يستمع، يعرض ما عنده على شيخه سواء قرأ من كتاب أو من حفظه.(22/6)
ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا ... مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا
سوا بالقصر، وهي لغة في سواء، يعني سواء قرأتها
مِنْ حِفْظٍ أو كِتَابٍ أو سَمِعْتَا ... والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا
يعني سواء قرأت على الشيخ من حفظك، أو من كتابك، أو سمعت من يقرأ على الشيخ، فسواء قرأت بنفسك من حفظك، أو من كتابك، أو سمعت من يقرأ على الشيخ، هذا كله عرض.
. . . . . . . . . أو سَمِعْتَا ... والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا
الشيخ حافظ لما عرضت، يعني أنت تقرأ والشيخ يستمع وهو حافظ لحديثه، فإذا أخطأت رد عليك "والشيخ حافظ لما عرضتا ... أو لا" أو لا يحفظ، ... المسألة افترضت على وجوه من قبل الطالب سواء كان يحفظ أو من كتابه كذلك الشيخ، سواء كان يحفظ أو من كتابه؛ لأن الضبط قد يكون بضبط الصدر، وقد يكون بضبط الكتاب على ما تقدم.
"والشيخ حافظ لما عرضتا ... أو لا" أو لا يحفظ "ولكن أصله يمسكه" الكتاب ما عنده ضبط صدر، عنده ضبط كتاب، هل يتصور أن الشيخ لا ضبط صدر ولا ضبط كتاب؟ يعني يمكن أن تأتي لشيخ لا يضبط ضبط صدر، ويقول: والله الكتاب ضاع، تبي تروي عنه أحاديث، كيف تروي؟ هذا خلاص انتهت أحاديثه هذا لا يروى عنه، فإما أن يكون يحفظ ما يحدث به أو يعرض عليه، أو يكون مدون في كتابه مضبوط ومتقن، ويمسكه بيده "ولكن أصله يمسكه بنفسه" هذا الأصل "أو ثقة ممسكه" يعني قد يكون بيد شخص ثقة يجلس بجانبه، ويتولى الرد هذا الثقة من الكتاب، الشيخ لا يمكن يتولى الرد؛ لأنه لا يحفظ، فإذا رد هذا الثقة الممسك والشيخ حاضر وأقره على الرد صحت الرواية عن الشيخ؛ لأنه قد يقول قائل: ويش الفائدة من وجود الشيخ؟ فصار لا يحفظ ولا يمسك الكتاب ويش الفائدة من وجوده؟ نقرأ على هذا الطالب ويكفي! نقول: لا الطالب لا يروي هذا الكتاب بحيث تروي عنه، ولو رواه فيرويه حينئذٍ عن صاحبه عن صاحب الكتاب، وتكون بقراءتك على هذا الطالب الممسك بالكتاب نزول، تكون روايتك نزول؛ لأن الأصل صاحب الكتاب، فأنت تروي عنه لا عن هذا الطالب الذي يمسك بالكتاب.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ(22/7)
قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ ... يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ
يعني إذا كان الشيخ لا يحفظ، والكتاب ما هو بموجود، وأنت تريد الرواية عن الشيخ بطريق العرض، بطريق السماع ممكن؟ لا، ما يمكن، لماذا؟ لأنه لا يحفظ والكتاب غير موجود، ما بقي إلا العرض، كيف تعرض وأنت لا تحفظ والشيخ لا يحفظ؟ عندك طالب بمثابة نسخة من الكتاب، يحفظ الكتاب بحروفه، ولذا يتندر بالحفاظ من حرم الحفظ، ويقول: ما الفائدة من الحفظ؟ الحفظ زيادة نسخة، فهذا الطالب الحافظ بمثابة نسخة، "كذا إن ثقة" لا بد أن يكون ثقة.
. . . . . . . . . مِمَّنْ سَمِعْ ... يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ
يعني سواء الشيخ يحفظ، أو يمسك بكتابه، أو يمسكه ثقة يكون بجواره، والثقة هذا يتابع القراءة، والشيخ يقر الرد، أو يكون هناك من يحفظ الكتاب بحروفه، يكون بجانب الشيخ بمثابة النسخة، طيب لو أن الشيخ سجل الكتاب على شريط، وصار الطلاب يعرضون محفوضهم أو ما يريدون روايته عن الشيخ على هذا الشريط، يكفي أن يعرضوا على الشريط أو لا بد من وجود الشيخ؟ لا بد من وجود الشيخ وإلا فأنت تروي هذا الكتاب عن الشيخ بواسطة، وأما حكم القراءة على الشيخ والتحمل بها فيأتي غداً -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل حديث العجن في الصلاة صحيح؟
ليس بصحيح.
وكيف ترفع جهالة الحال؟
جهالة الحال ترفع بالتعديل.
حكم صيام يوم السبت منفرداً في غير الفرض؟ وما حكم الحديث الوارد في النهي عن صيامه؟
يكرهه أهل العلم.
هل حديث تحريك السبابة في التشهد في الصلاة شاذ؟
التحريك محفوظ، لكنه عند لفظ الشهادة والدعاء.
هذا يقول: أقترح أن يطلب من الطلاب حفظ الأبيات، وتسميعها عند بداية كل درس؛ ليكون أدعى إلى الفهم والعمل؟
لا شك أن هذا مهم بالنسبة للتحصيل، لكن الإشكال في كيفية التنفيذ، وآلية التنفيذ، أكثر من واحد يطلب ترجمة للشيخ حافظ -رحمه الله تعالى-، وهذه تحضر فيما بعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل عن درجة الحديث؟ هل تختلف باختلاف الصيغة صيغة التحديث؟ يعني هل تختلف إذا قال الراوي: سمعت فلاناً، أو قال: حدثني فلان، أو أنبأنا فلان، أو عن فلان، أو أن فلاناً؟(22/8)
لا شك أن هذه الصيغ متفاوتة كما مر بنا وسيمر أيضاً، هذه الصيغ متفاوتة، فأقواها سمعت، ثم حدثني، ثم أخبرني، ثم أنبأنا، ثم عن، وأن، وقال، وقال لي، هي متفاوتة، لكن كلها بالنسبة لمن برأ من وصمة التدليس كلها تدل على الاتصال، لا شك أنهم يرجحون، يعني من المرجحات التي ذكرت، مرجحات كثيرة جداً، التي ذكروها حيث أوصلها الحازمي إلى خمسين، وأناف بها الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح على المائة، منها الترجيح بصيغ الأداء، فإذا قال المحدث: سمعت فلاناً لا يحتمل أن بينه وبينه واسطة، ومثله لو قال: حدثني أو أخبرني بخلاف العنعنة، أو مثل قال فإنها معروف أنها دون التصريح بالسماع والتحديث من حيث إفادة الاتصال وعدمه، ومع ذلك هي محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، أعني العنعنة وفي حكمها السند المؤنن ومثلها قال؛ لأن حكمها حكم السند المعنن، فالتصريح بالتحديث أو بالسماع هذا لا يحتمل، وما عداه فهو محتمل، إلا أنه محمول على الاتصال عند الجمهور، ومنهم من يقول: هي منقطعة باستمرار، الأصل فيها الانقطاع، وهذا قول البرديجي وجمع من أهل العلم، ومنهم من يفرق بين (عن) و (أن) فيرى أن (عن) محمولة على الاتصال، وأن فلاناً قال منقطعة، ونسبه ابن الصلاح إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة وهذا كله تقدم.
. . . . . . . . . ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجل
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
ونسب ابن الصلاح للإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أن السند المأنن محكوم بانقطاعه بخلاف السند المعنعن، وأورد لذلك مثالاً من حديث عمار بن ياسر، ففي بعض رواياته عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، وفي بعض رواياته عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- فحكم على السند الأول الوارد بـ (عن) بالاتصال، وحكم على السند الثاني الوارد بـ (أن) بالانقطاع وقال: إن السبب في ذلك مرده إلى اختلاف الصيغة، يقول الحافظ العراقي:(22/9)
"كذا له -يعني ابن الصلاح- ولم يصوب صوبه" يعني ما أدرك السبب الذي حكم به الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة بالاتصال والانقطاع من أجل اختلاف الصيغة، لا، حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر هنا متصل؛ لأن محمد بن الحنفية يروي القصة عن صاحبها، ولما قال: عن محمد بن الحنفية أن عمار بن ياسر مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم بانقطاعها؛ لأن ابن الحنفية وهو تابعي يحكي قصة لم يشهدها.
هذا يقول: بوب إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد فقال: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، ثم أورد حديثاً ضعفه أهل العلم، وبنى هذا الباب عليه، فيكف يتعامل طالب العلم مع هذا؟ هل يحذفه بحجة أن ما بني على ضعيف فهو ضعيف؟ أم كيف يوجه ذلك؟ وهل مثل هذا الحكم يثبت بحديث ضعيف؟
لا يثبت الحكم بحديث ضعيف، والشيخ محمد أورد بعض الأحاديث التي أختلف فيها، يعني تجد مثل هذا الحديث يصححه مثل الحاكم وابن حبان، وكثير من أهل العلم يضعفه، ومثله الحديث الثاني حديث الذباب الذي أورده في السؤال الثاني، على كل حال الإمام -رحمة الله عليه- حينما يورد في الباب خبراً ضعيفاً لا يعول عليه ولا يعتمد عليه اعتماداً كلياً، وإنما يورد جملة أدلة منها هذا الحديث الضعيف، فحينما تورد الأدلة، يورد آية مثلاً، ثم حديثاً صحيحاً، ثم حديثاً ضعيفاً، ثم أثر، وما أشبه ذلك، فالاستدلال بالمجموع، بمجموع ما في هذا الباب.
يقول: في الحديث الذي قرب ذباباً إلى الصنم ظاهره أنه مكره، وإمام الدعوة في مسائل كتاب التوحيد حكم عليه بالكفر، فهل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يرى الإكراه مانعاً من الكفر؟
منهم من يفرق بين الإكراه على القول والإكراه على الفعل، وهذا إكراه بالفعل، وكأن الشيخ فهم وغير الشيخ أيضاً فهم من هذا الحديث أنه لما اقتنع منه بالذباب رضي بذلك وطابت به نفسه، ففي ذلك حُكم عليه بالكفر.(22/10)
يقول: يلاحظ أن كثيراً من الأولاد يبدأ بالتأثر تأثيراً سلبياً حينما يدخل المدارس، ومعلوم لدى الجميع أن جو المدرسة لم يُعد بالجو المناسب للتربية، خصوصاً وأن أصدقاء السوء أصبح عدداً كثيراً، فما الواجب على الآباء تجاه ذلك؟ هل يمنعون أولادهم من المدارس؟ وهل هناك مدارس ينصح بها؟
لا شك أن الاجتماع مؤثر، فالاجتماع بالأخيار يؤثر خيراً، والاجتماع بالأشرار يؤثر شراً، فأولاد الأخيار في الغالب يؤثرون خيراً على غيرهم، وأولاد الأشرار يؤثرون شراً على أولاد غيرهم، وهذا موجود، وبيوت المسلمين كما تعلمون فيها المحافظ، وفيها المتساهل، فأولاد المتساهلين يشاهدون ما يشاهدون في بيوتهم مما يؤثر على أخلاقهم، وبذلك يخبرون زملاءهم ويؤثرون عليهم بها، فلا شك أن تأثيرهم سلبي، لكن ينبغي أن يكون تأثير أولاد الأخيار على غيرهم أكثر من تأثير غيرهم عليهم؛ لتنمية روح الدعوة فيهم، وتربيتهم على ذلك، بحيث يؤثرون ولا يتأثرون، فهذا إن أمكن هو الأصل، والترك ليس بعلاج؛ لعدم وجود البديل النظيف من كل وجه، وإذا استسصحبنا مثل هذا وقلنا: يسحب الولد من المدرسة ولا يدرس نظراً لوجود هذا التأثير أيضاً نقول: هو في طريقه إلى الصلاة قد يلتقي بأولاد الجيران، وفيهم من أهله موصوفون بالتساهل، وفي بيوتهم القنوات التي فيها ما فيها، إذاً نقول: لا يذهب إلى المسجد لئلا يتأثر، وإذا أراد أن يذهب إلى التحفيظ إلى الحلقة في المسجد قلنا: لا يذهب لئلا يتأثر بقرناء السوء، على كل حال الترك ليس بعلاج، لكن على الأب بأن يجتهد في نصح ولده وتوجيه، وأيضاً يحرص على صيانته وحياطته ومناعته من قرائن السوء، ويحرص أن يقرنه بأولاد الأخيار.
يقول: أنا ما حفظت المتون التي تنصحون بها، ولكني انتهيت من كتاب في العقيدة لأحد الشيوخ من مصر، وهو كتاب شامل لكل أبواب العقيدة، ثم انتقلت إلى فتح المجيد شرح كتاب التوحيد؟(22/11)
على كل حال الإنسان ما ييئس ما دام ما حفظ يراجع ويحفظ، إن كانت الحافظة تساعده وتعينه على الحفظ ولو تقدمت به السن يحرص على الحفظ وإن عجز عن الحفظ وأيس منه فإنه يعاني العلم بالمثابرة والمراجعة والكتابة يكتبه مراراً، ويراجع عليه الكتب، ويعلق عليه من كتب العلم المختلفة.
يقول: هل يدخل بيع المزادات العلنية في النهي الوارد في حديث: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض))؟
لا يدخل؛ لأن النهي حينما يركن إلى المشتري، فإذا ركن صاحب السلعة إلى شخص بعينه وأجابه إلى طلبه فإنه حينئذٍ لا يجوز له البيع على بيعه، ولا يجوز الشراء على شرائه، لا يجوز البيع على بيعه بأن يقول: أنا اشتريها منك بأكثر من هذا، أو يقول: أنا أبيعك سعلة مثلها بأرخص من هذا الثمن، لا يجوز بحال إذا ركن أحدهما إلى الآخر، لكن قبل ذلك فيمن يزيد لا بأس ولا مانع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- باع أعبداً فيمن يزيد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم البنت أشد، البنت أمرها أشد من الولد، فإذا خشي عليها من التأثر فتسحب من المدرسة، تفصل من المدرسة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- لما ذكر القراءة على الشيخ التي يسميها المعظم: العرض، وإن كانت تلتبس هذه التسمية عرض القراءة بعرض المناولة على ما سيأتي، لكن العرض عند عامة أهل العلم المراد به عرض القراءة على الشيخ، وقلنا فيما تقدم شرحاً لكلام الناظم سواء قرأ القارئ من كتاب أو من حفظ، وسواء كان المقروء عليه يعني الشيخ يحفظ حديثه، أو مدون له بكتاب يمسكه بنفسه، أو يمسكه ثقة، إلى غير ذلك، ثم بين حكم القراءة على الشيخ، أما بالنسبة للسماع من لفظ الشيخ فهذا هو الأصل، ولم يجرِ فيه أي خلاف في صحة الرواية بالسماع من لفظ الشيخ، وهذا هو الأصل في الرواية، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحدث والصحابة يتلقون عنه ويتحملون عنه الحديث.
بالنسبة للعرض -القراءة على الشيخ- قال -رحمه الله-:
وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا وَرَدُّوا ... . . . . . . . . .(22/12)
نقل الخلاف، كيف يكون أجمعوا وردوا نقل الخلاف؟ ما دام نقل الخلاف هل يحكم بإجماع؟ نعم؟ يعني كأنهم لم يعتدوا بهذا الخلاف، ورأوا أن هذا الخلاف لا حض له من النظر، وحينئذٍ ينعقد الإجماع مع هذا الخلاف الذي لا قيمة له، مثل هذا سهل، وأجمعوا أخذاً بها وردوا نقل الخلاف، لكن حينما يقول فيما تقدم:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... . . . . . . . . .
أجمع جمهور لفظ متنافر؛ لأن الجمهور يعني قول الأكثر، فيدل على أن هناك من خالف، أما هنا:
وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني أجمعوا على الأخذ بها، والرواية بها، وصحة الرواية بها، يعني بالقراءة على الشيخ، يعني إذا قرأ الطالب على الشيخ: حدثك فلان عن فلان عن فلان، أو أخبرك فلان عن فلان عن فلان، فقال الشيخ: نعم، هذه الرواية صحيحة بالإجماع، وأما الخلاف المنقول فيها فهو مردود، وردوا نقل الخلاف، يعني المحكي عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، ووكيع، ومحمد بن سلام الجمحي، وغيرهم، هؤلاء خالفوا ثم أنقرض هذا القول، وثبت الإجماع على صحة الرواية بها.
"وبه ما اعتدوا" لعملهم بخلافه، يعني كأنه غير موجود، وعرفنا أن دليل صحة الرواية بالعرض حديث ضمام بن ثعلبة، المخرج في الصحيح، حديث ضمام بن ثعلبة، ضمام سمع وهو عند قومه قبل أن يقدم على النبي -عليه الصلاة والسلام- من أخبار النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومما يدعو إليه -صلى الله عليه وسلم- فجاء يتثبت، فعرض ما بلغه على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: نعم، فذهب يروي ما عرضه على النبي -عليه الصلاة والسلام- يروي قومه هذه الأحكام، وخرجت في الصحيح فدل على أن الرواية بالعرض معتبرة عند أهل العلم.
وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا وَرَدُّوا ... نَقْلَ الخِلاَفِ وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا
وَالْخُلْفُ فِيْهَا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(22/13)
هنا ذكر الخلاف مرة ثانية، لكنه ليس الخلاف في صحة التحمل بها، لا، خلاف من جهة أخرى، في قوتها وضعها، هل تساوي الأولا، يعني هل هي في درجة السماع من لفظ الشيخ أو دونه أو فوقه؟ والخلف فيها -يعني الاختلاف- هل تساوي الأولا، يعني القراءة على الشيخ، العرض على الشيخ هل يساوي الاستماع والأخذ من لفظ الشيخ؟ والسماع من لفظ الشيخ؟
وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلاَ ... أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلاَ
عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ ... (كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ)
مَعَ (البُخَارِي) هُمَا سِيَّانِ ... . . . . . . . . .(22/14)
هما سيان، يعني الخلاف على ثلاثة أقوال، هل هي مساوية للسماع من لفظ الشيخ، أو أقل من السماع من لفظ الشيخ دونه أو فوقه؟ ثلاثة أقوال، رابعها التوقف، فنقل هذا القول الأول عن مالك وصحبه، ومعظم العلماء من أهل الكوفة كالثوري وأهل الحجاز كابن عيينة، أهل الحرم، يعني هم أهل الحجاز أهل الحرم، مع البخاري هما سيان، هذا القول الأول، مالك وصحبه ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام إمام الصنعة الحافظ الحجة الناقد أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري، قال: هما سيان، سواء سمعت من لفظ الشيخ أو قرأت عن الشيخ لا فرق من حيث الصحة والقوة، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يستنكر على من يطلب منه أن يقرأ عليه، يستنكر وينكر عليه أشد النكير، إذا جاء أحد يريد الرواية عن الإمام مالك وطلب منه أن يقرأ منه الموطأ قال: لا اقرأ أنت، فإذا قال له: السماع أفضل أو أقوى، اشتد نكيره عليه، وقال: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟! يعني جرت العادة أن القارئ يقرأ على الناس أو يقرأ عليه في القرآن؟ يقرأ عليه، القراءة عرض، قراءة القرآن، فهذا الذي أراد من الإمام مالك أن يقرأ عليه شيء من الموطأ أو شيء من مروياته ينكر عليه الإمام ملك، ويقول: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟! وابن أبي أويس يقول: صحبت مالكاً سبعة عشر سنة فما رأيته قرأ على أحد، الناس يقرؤون عليه، مما يجعل بعض أهل العلم ينقل عن الإمام مالك قولاً ثانياً مفاده أن العرض أقوى من السماع من لفظ الشيخ.
هؤلاء عن مالك وصحبه ومعظم العلماء من أهل الكوفة والحجاز والبخاري هما سيان، يعني بمنزلة واحدة، يعني سواء قرأ الشيخ على الطالب، أو قرأ الطالب على الشيخ.
. . . . . . . . . ... وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)
بن ثابت المكنى بأبي حنفية.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . مَعَ (النُّعْمَانِ)
قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(22/15)
يعني على السماع، رجحا الطريق الثاني القراءة على الشيخ على السماع، قد رجحا العرض يعني على السماع، ما الحجة؟ عرفنا أن من رجح السماع على العرض هذا معه الأصل، السماع هو الأصل في الرواية، لكن من رجح العكس من رجح العرض ما حجته؟ حجته أنه في حال السماع من لفظ الشيخ لو أخطأ الشيخ لم يتهيأ للطالب أن يرد عليه، إما لجهله، أو لهيبة الشيخ، لكن في حال العرض والقراءة على الشيخ لو أخطأ الطالب هل يتردد الشيخ في الرد عليه؟ لا يتردد الشيخ في الرد عليه، لكن ينبغي أن نعرف أن مثل هذا الجزم بأن الشيخ لا يتردد إنما هو بالنسبة لحديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- في عصر الرواية، أما في العصور المتأخرة تجدون الطلاب فيهم المتمكن، وفيهم المتوسط، وفيهم من هو أقل من ذلك، وفيهم من يضبط العربية، وفيهم من يخل بها، ومنهم من يقل خطأه فيتهيأ الرد عليه، ومنهم من يكثر خطأه فلا يعتبر ذلك إقراراً من الشيخ، ولا يعني أن الشيخ يخفى عليه هذا الأمر، لا لكن لو أخذ الشيخ يتتبع كل شيء يلحن فيه الطالب أو يخطأ فيه يرد عليه لا سيما بعض الطلاب المكثرين من اللحن صار الدرس كله تلقين، وبعض الطلاب -وهذا أمر يقر به- يعني بعض الطلاب من المنزلة والرفعة عند الشيخ ما يجعل الشيخ يتهيب الرد عليه، مع أن الطالب يحرص أن يرد عليه الشيخ، لكن مع ذلك يتردد الشيخ أحياناً في الرد عليه، وهذا يحصل مع بعض الطلاب الكبار، يعني يرد عليه مرة مرتين، لكن أكثر من ذلك يعني أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، لما يأتي شخص من الطلاب يقرأ على شيخ مساوي له في القدر وفي السن، وما أشبه ذلك، يعني يصعب عليه أن يتصدى للرد عن كل شيء يتجاوز، وسمعنا من شيوخنا الموجودين الكبار يمشي بعض الأمور إذا كانت منزلة الطالب فوق أن يرد عليه جميع ما يلحن فيه أو ما يخطئ فيه.
. . . . . . . . . ... وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)
قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وعرفنا الحجة في هذا؛ أنه لو أخطأ الشيخ لم يتهيأ للطالب أن يرد عليه، إما لهيبة الشيخ، أو لجهل الطالب، بينما في حال القراءة على الشيخ لو أخطأ الطالب لم يتردد في الرد عليه، نعم؟(22/16)
طالب:. . . . . . . . .
حديث البراء في الذكر ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لما أعرض؟ لكنه سمع قبل ذلك، هو سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم عرض عليه، هذا الحكم للأقوى، فيقال: رواه بطريق السماع، بينما ضمام بن ثعلبة ما سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام-، سمع من غيره، فعرض عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فبينهما فرق "وعكسه" وهو القول الثالث، وهو ترجيح السماع على العرض أصح وأشهر "وعكسه أصح وجل" يعني معظم أهل المشرق، أهل الشرق، علماء المشرق، وخرسان وغيرهم، وجل أهل الشرق نحوه جنح.
قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ ... وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ
يعني مال إلى ترجيح الطريق الأول من طرق التحمل، طيب من روى بطريق السماع تقدم أنه يقول: سمعت بدون تردد لمطابقته للواقع، ويقول: حدثني كذلك وقد حدثه الشيخ، ويقول: أخبرني كذلك وقد أخبره الشيخ، ويقول: أنبأنا ونبأنا، ويقول: عن فلان، وقال لنا فلان، هذا كله مطابق للواقع، لكن ماذا عما لو قرأ على الشيخ هل يقول: سمعتُ؟ هل سمع من الشيخ؟ ما سمع، هل يقول: حدثني؟ يعني حدثه الشيخ؟ ما حدثه، هل يقول: أخبرني؟ ما أخبره، إذاً ماذا يقول؟ يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"وجودوا" يعني أهل الحديث رأوا أن الأجود والأسلم في حال الأداء "وجودوا فيه أن يقول: قرأت، إذا كان قد قرأ بنفسه، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أجود ما يقال في هذا إذا كان الراوي هو القارئ على الشيخ أن يقول: قرأت عليه،
وإذا كان القارئ غيره يقول: قُرئ عليه وأنا أسمع.
وجودوا فيه قرأت أو قري ... مع وأنا أسمع ثم عبّرِ
وأنا أسمع وكل هذا لمطابقة هذا اللفظ للواقع، هذا أجود وأسلم ما يقال أن يقول: قرأت أو قرئ عليه وأنا أسمع؛ لأن هذا هو المطابق للواقع.
"ثم عبّرِ" أيها المحدث.
بما مضى في أولٍ مقيدا ... . . . . . . . . .
الذي مضى في أول سمعت وحدثني وأخبرني هناك بالإطلاق، تقول من غير تقييد، وهنا تقوله مقيداً.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم عبّرِ
بما مضى في أول مقيدا ... قراءة عليه. . . . . . . . .(22/17)
يعني مقيداً ذلك بما مضى في القسم الأول، مقيداً ذلك بقولك: قراءة عليه، فلك أن تقول: حدثنا أو حدثني، أو أخبرنا أو أخبرني قراءة عليه، أو بقراءتي عليه إذا كنت أنت القارئ، أو قراءة عليه وأنا أسمع إذا كان القارئ غيرك.
. . . . . . . . . ... قراءة عليه حتى منشدا
فالذي يقرأ على الشيخ يقول: حدثنا وأخبرنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه، ومثله لو كان ذلك في الشعر،
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . حتى منشدا
منشداً نظماً لغيرك تقرأه عليه تقول: أنشدنا فلان قراءة عليه، يعني إذا سمعت النشيد من صاحبه، سمعت الشعر من قائله تقول: أنشدنا من غير تقييد، أما إذا سمعت النشيد بقراءة غيرك، أو قرأته على منشده تقول: أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه لا سمعت، يعني ما يمكن أن تقول: سمعت قراءة عليه، فاستثنيت سمعت، إي إلا سمعت فلا تجوز،
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . لكن بعضهم قد حللا
يعني بعض العلماء كالسفيانين ومالك قد حللا ذلك، أجازا أن يقال: سمعت في حال القراءة على الشيخ، أو ما يسمى بالعرض على الشيخ، أجازا أن يقال: سمعت، فإن كان القصد سمعت بقراءة غيرك سمعت قراءة غيرك على هذا الشيخ فيمكن، أما سمعت من لفظ الشيخ فلا يمكن، ويمكن حمله على ما قال بعضهم على ما إذا قال: سمعت على فلان، يعني ما هو بسمعت من فلان، سمعت من فلان لا يليق إلا بالطريق الأول من طرق السماع، أما سمعت على فلان فيصح أن يقال في الطريق الثاني من طرق التحمل، وحينئذٍ يكون الخلاف لفظي، قال:
ومطلق التحديث والإخبارِ ... منعه أحمد ذو المقدارِ
مطلق التحديث تقول: حدثنا وأخبرنا، وأنت لم تسمع من لفظه، وإنما بقراءتك أو بقراءة غيرك على الشيخ بالإطلاق بالنسبة لمن أخذ الحديث والرواية عرضاً، مطلق التحديث والإخبار يعني دون تقييد بقولك: بقراءة أو قراءة عليه وأنا أسمع، هذا منعه الإمام أحمد بن حنبل ذو المقدار الجليل "و -كذا- النسئي" المراد به أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، صاحب السنن "والتميمي يحيى" بن يحيى "و -عبد الله- بن المبارك الحميد سعيا".
ومطلق التحديث والإخبارِ ... منعه أحمد ذو المقدارِ(22/18)
والنسئي والتميمي يحيى ... وابن المبارك الحميد سعيا
هؤلاء منعوا الإطلاق، فمن تحمل بطريق العرض والقراءة على الشيخ لا يجوز أن يقول: أخبرنا ولا حدثنا كما أنه لا يجوز أن يقول: سمعت.
وذهب الزهري والقطانُ ... ومالك وبعده سفيانُ
ومعظم الكوفة والحجازِ ... مع البخاري إلى الجوازِ
وذهب الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد القطان والثوري وأبو حنيفة في أحد قوليه، "وملك وبعده سفيانُ" ابن عيينة، وذهب الزهري ومن معه يحيى بن سعيد القطان والثوري أبو حنيفة ومالك في أحد قوليه وبعده سفيان بن عيينة حينما قال:
وذهب الزهري والقطانُ ... ومالك وبعده سفيانُ(22/19)
هذا يعين أن يكون المراد به ابن عيينة؛ لأنه قال: بعده بعد ملك؛ لأن الثوري قبله، وابن عيينة قبله، وإن كان قول الثوري مثل قول ابن عيينة، لكن لما قال: بعده تحدد المراد بسفيان، وإلا فهو مهمل يحتمل أن يكون سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة، لكن لما قال: بعده عرفنا أنه سفيان بن عيينة؛ لأنه بعد مالك بخلاف الثوري فإنه قبله "ومعظم الكوفة والحجاز" معظم أهل الكوفة وأهل الحجاز مع الإمام البخاري إلى الجواز قالوا: يجوز أن يقول: حدثنا وأخبرنا من غير تفريق للطريق المروي به، سواء كان بطريق السماع أو بطريق العرض، وذلك لعدم الفرق بين الطريقين في صحة الأخذ بهما، فمنهم من يمنع مطلقاً الرواية بصيغة التحديث أو الإخبار، ومنهم من يجوز مطلقاً، ومنهم من يفرق بين الصيغتين، فيجوز أخبرنا ولا يجوز حدثنا، فيجعل أخبرنا خاصة بما تحمل بطريق العرض، بطريق القراءة على الشيخ، ويجعل حدثنا وسمعت لما تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ، عندنا في المسألة ثلاثة أقوال في كيفية صيغة الأداء لمن روى بطريق العرض، عرفنا أن الأجود والأحوط أن يقول: قرأت أو قرئ وأنا أسمع، ويجوز أن يأتي بالألفاظ السابقة بالتقييد، لكن بالإطلاق يجوز أن يقول: حدثنا وأخبرنا؟ خلاف، منهم من يمنع مطلقاً، ومنهم من يجوز مطلقاً ويسوي بين الصيغتين التحديث والإخبار، يعني منهم من يمنع الصيغتين، فلا يجوز إلا بالتقييد، ومنهم من يمنع الصيغتين إلا في طريق السماع، ومنهم من يجوز الصيغتين لعدم الفرق بين حدثنا وأخبرنا، ما في فرق، وهذا في مقابل ما استقر عليه الاصطلاح من التفريق بين حدثنا وأخبرنا، وهو القول الثالث فيجوزن أخبرنا لمن روى بطرق العرض، وحدثنا لمن روى بطريق السماع.
وابن جريج وكذا الأوزاعي ... مع ابن وهب والإمام الشافعي
ومسلم وجل أهل الشرقِ ... قد جوّزوا أخبرنا للفرقِ(22/20)
جوزوا أخبرنا لمن روى بطريق العرض، ولم يجوزا حدثنا إلا لمن روى بطريق السماع للفرق بينهما، وهذا مجرد اصطلاح، وإلا فمن حيث اللغة لا فرق بينهما، إنما هو اصطلاح جروا عليه، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، وكذا الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وابن معين مع ابن وهب عبد الله بن وهب المصري، والإمام الشافعي ومسلم صاحب الصحيح، الإمام البخاري لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، ومسلم يفرق صاحب الصحيح،
. . . . . . . . . وجل أهل الشرقِ ... قد جوزا أخبرنا للفرقِ
فيجوزون إطلاق أخبرنا دون تقييد، ولا يجوزون حدثنا للفرق بينهما، إذاً ما الفرق بينهما؟ قلنا: إنه من حيث الأصل في اللغة لا فرق، من حدثك فقد أخبرك إلا أنه هناك فرق من حيث العموم والخصوص، فالإخبار أعم وأوسع من التحديث؛ لأن الإخبار يحصل بالمشافهة، الإخبار يحصل بالمكاتبة، الإخبار يحصل بالإشارة المفهمة، والتحديث لا يحصل إلا بالمشافهة، وقلنا بالأمس: إن من قال لعبيده: من حدثني بكذا فهو حر أنه لا يعتق إلا إذا شافهه بما أراد، وإذا قال: من أخبرني بكذا فهو حر أنه يعتق إذا شافهه، ويعتق إذا كتب له، ويعتق إذا أشار له بإشارة مفهمة، فهناك فرق من حيث العموم والخصوص، التحديث أخص، لكن من حيث الإجمال فيما يفيده التحديث والإخبار لا شك أنه من حيث التفريق بينهما من حيث اللغة فيه عسر، في صعوبة إلا أنه مجرد اصطلاح؛ ليخصوا كل طريق من طرق التحمل بصيغة مناسبة، فجعلوا التحديث خاص بالسماع من لفظ الشيخ، وجعلوا الإخبار خاص بمن قرأ على الشيخ أو قرئ الشيخ وهو يسمع.
وابن جريج وكذا الأوزاعي ... مع ابن وهب والإمام الشافعي
ومسلم وجل أهل الشرقِ ... قد جوّزوا أخبرنا للفرقِ
يعني جوزوا إطلاق أخبرنا دون إطلاق حدثنا؛ للفرق بينهما، الذي ذكرناه.
"وقد عزاه" يعني الفرق بينهما "وقد عزاه" الضمير يعود إلى الفرق المذكور في أخر البيت السابق "وقد عزاه محمد بن الحسن التميمي الجوهري صاحب: الإنصاف فيما بين الأئمة في حدثنا وأنبأنا من الاختلاف، كتاب اسمه: الإنصاف فيما بين حدثنا وأنبأنا يعني ما بين صيغ الأداء من الاختلاف.
وقد عزاه صاحب الإنصافِ ... للنسئي. . . . . . . . .(22/21)
وهو عصريه، يعني معاصر للإمام النسائي.
. . . . . . . . . ... للنسئي من غير ما خلافِ
يعني عنه، والخلاف عنه قد تقدم؛ لأنه ذكر في البيت رقم ثلاثمائة وثمانية وثمانين أنه ممن يرى القول الأول، وهو المنع مطلقاً، عزاه صاحب الإنصاف للإمام النسائي من غير ما خلاف عنه، وفيه الخلاف المذكور عنه، وقد تقدم، عزاه للنسئي "والأكثرين" يعني عزاه التميمي للأكثرين أيضاً،
. . . . . . . . . وهو الذي اشتهر ... مصطلحاً لأهله أهل الأثر(22/22)
يعني اشتهر وشاع بين علماء أهل الحديث اشتهر التفريق اصطلاحاً بين التحديث والإخبار، فخصوا التحديث بالسماع، والإخبار بالعرض، والأكثرين فيما عزاه لهم التميمي صاحب الإنصاف، وهو الذي اشتهر وشاع مصطلحاً مصطلحاً لأهله أهل الأثر، ففرقوا بين اللفظين، هذا اصطلاح، وأهل العلم يطلقون عبارة لا مشاحة في الاصطلاح، فهل يشاحح من رأى الفرق؟ أو يشاحح من سوى بينهما؟ أو يشاحح من منع بالإطلاق؟ أو من جوز بالإطلاق؟ هذا لا مشاحة في الاصطلاح، هنا كل واحد يصطلح لنفسه ما شاء، وهل هذه العبارة على إطلاقها كل من اصطلح شيئاً يقال: لا مشاحة في الاصطلاح؟ هم يطلقونها يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هناك من الاصطلاحات ما لا مشاحاة فيه، ومن الاصطلاحات ما يشاحح فيه إذا اقتضى مخالفة حكم تقرر في علم من أي علم من العلوم، يعني لو في الفرائض مثلاً قال شخص: أنا اسمي العم خال، العم أخا الأب أسميه خالاً، وأخ الأم اسميه عماً وهذا اصطلاح، وأنا أبين في المقدمة، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح لماذا؟ لأن الحكم يختلف، إرث العلم يختلف إرث الخال، لكن لو قال: والله أنا أسمي والد الزوجة والد زوجتي أسميه عم، أو أسميه خال، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ ما يشحح، ما يترتب عليه حكم شرعي، نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، يعني لو قال: أنا باصطلاح لنفسي أن ما كان على جهة يمين الكعبة جنوب بدل ما هو بشمال، نقول: الشام جنوب الكعبة، واليمن شمال الكعبة، ومصر شرق الكعبة، هذا يؤلف في الجغرافيا، ونجد وما والاها يقول: غرب الكعبة، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح؛ لأن هذا يترتب عليه أحكام شرعية، ((ولكن شرقوا أو غربوا)) ما نصنع بهذه الأحاديث؟ نعم؟ لكن لو رسم الخارطة وبدلاً من أن الجغرافيين يضعون الشمال في الخارطة فوق، قال: اعكس الخارطة أجعل الجنوب فوق، يشاحح وإلا ما يشاحح؟ ما يشاحح؛ لأن ما يترتب عليه شيء، كل شيء في مكانه، ما في مشاحة؛ لأنه لا يغير من الواقع شيئاً، لو قال: أنا الجهات الست أنا با أتصرف لا مشاحة في الاصطلاح، اجعل السماء تحت، والأرض فوق، ويش المانع؟! نقول: لا، تشاحح في هذا الاصطلاح، فليست هذه الكلمة على إطلاقها، هم يطلقون لا مشاحة في الاصطلاح، لكنه لا(22/23)
بد من المشاحة إذا ترتب على هذا الاصطلاح الذي يخالف فيه تغير في حكم تقرر في أي علم من العلوم، يعني يخالف أهل العلم قاطبة فيه هذا لا، لكن في الأمور المحتملة لا بأس.
وقد عزاه صاحب الإنصافِ ... للنسئي من غير ما خلافِ
والأكثرين وهو الذي اشتهر ... مصطلحاً لأهله أهل الأثر
ابن وهب وهو ممن يقول بالتفريق يقول أهل العلم: إنه من أول من أحدث التفريق على ضوء هذا الاصطلاح في مصر، هو أول من أحدث هذا التفريق بين اللفظين تبعاً للاصطلاح بمصر، يعني الإمام البخاري تبعاً لقوله، وأنه لا فرق بين اللفظين تجدون أحياناً يقول: حدثنا، وأحياناً يقول: أخبرنا، ما في فرق عندهم، واللفظان بمعنى واحد، ولا يفرق هل روي الحديث بطريق السماع أو بطريق العرض؟ ما في إشكال عنده، لكن مسلم يفرق بدقة، فكثيراً ما يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قال فلان: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، يفرق بين هذه الأمور، مما جعل بعض طلاب العلم أو بعض أهل العلم أهل الصنعة يعتنون بمسلم أكثر من عنايتهم بالبخاري، لماذا؟ لأنه يفرق هذه التفريقات الدقيقة، ويفرق بين ألفاظ الشيوخ، فتجد الإمام مسلم يذكر الفرق ولو كان حرفاً واحداً، والبخاري لا يهتم بمثل هذا، إنما يعنيه نظافة الأسانيد، وسلامة الألفاظ، بينما الإمام مسلم يفرق بين ألفاظ الشيوخ، ويقول: زاد فلان، ونقص فلان، ولو حرف واحد، فيجعل مدار ومحور البحث على صحيح مسلم، ثم يأخذ عليه زوائد البخاري، مع أن أهل العلم قاطبة إلا من ندر على ما تقدم يفضلون صحيح البخاري على مسلم، وهو أصح منه في قول جماهير أهل العلم، فالذي ينبغي أن يكون المحور محور البحث صحيح البخاري، وتنقل زوائد مسلم، ويستفاد من زوائد مسلم على البخاري، إذا كان مسلم بهذه الدقة في التفريق بين صيغ الأداء، والتفريق بين ألفاظ الشيوخ فلماذا لا يقدم على البخاري؟ يعني هل لمن قدم صحيح مسلم من هذه الحيثية هل له وجه أو ليس له وجه؟ يعني يقول القائل:
تشاجر قوم في البخاري ومسلمُ ... لدي وقالوا: أي ذين تقدمُ؟
فقلت: لقد فاق البخاري صحة ... كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ(22/24)
يعني إذا استنصحك شخصك يقول: هل أعتني بصحيح مسلم أو بصحيح البخاري؟ هو بيعتني بالجميع، لكن ما الذي يقدم؟ فيجعل المركز مركز البحث، ومحور البحث أحدهما، كان بعض الإخوان الذين يعتنون بالحفظ يقدمون مسلم، فيأخذون صحيح مسلم من غير تكرار، ويحذفون أسانيد متون مسلم، ثم يأخذون زوائد البخاري، لكن الذي ينبغي هو العكس، لا شك أن تدريب الطالب على صحيح البخاري، تمرينه على صحيح البخاري أولى؛ ليتخرج الطالب جامعاً بين الفقه والحديث، وكون الإمام مسلم يُعنى بهذه الدقائق لا يعني أنه حتى في الألفاظ أدق من البخاري، لا يعني هذا؛ لأن الجميع يستوون ويجتمعون ويتفقون على جواز الرواية بالمعنى، وما دام الرواية بالمعنى جائزة فما معنى أنني أعتني بلفظ شيخي دون من فوقه، وهذا صنيع مسلم، هو يعتني بصيغ الأداء حسب ما روّاه شيوخه، لكن ماذا عمن فوقه؟ يعتني بالألفاظ الدقيقة حسب ما روّاه شيوخه، لكن ماذا عن أربع طبقات قبل شيوخه؟ الرواية بالمعنى جائزة عند البخاري وعند مسلم، إذاً ما سوينا شيء، يصير هناك فرق؟ ما يصير في فرق إلا في ألفاظ الشيوخ شيوخ مسلم فقط، البخاري لا يدقق في ألفاظ الشيوخ، مسلم يدقق في ألفاظ الشيوخ، لكن ماذا عن لفظ شيخ الشيخ؟ هل يعتني به مسلم؟ ما سمعه من أجل أن يعتني به، هو سمع هذا اللفظ من شيخه فقط، وسمعه من شيخ آخر، وصار بينهما فرق بيّن هذا الفرق، وماذا عن شيخ الشيخ، والشيخ الذي قبله، والشيخ الذي قبله؟ ويتفق مع البخاري في جواز الرواية بالمعنى، وحينئذٍ يكون المنهج واحد ما في اختلاف، كون مسلم يعنى بالبيان في طبقة واحدة، طبقة شيوخه فماذا عن بقية السند؟ مع قول جماهير أهل العلم أن صحيح البخاري أنظف في الأسانيد والمتون، والأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة في صحيح مسلم، وفي صحيح البخاري من دقائق العلوم من فقه الإمام البخاري الذي هو فقه أهل الحديث، ومن الآثار الموقوفة، ومن أقوال الصحابة والتابعين من الدرر الغوالي والنفائس العوالي ما لا يوجد نظيره في مسلم.(22/25)
فعلى طالب العلم أن يعنى بالبخاري بطريقة بيناها وشرحناها مراراً، ولا مانع من أن نشير إليها إشارة، يعني يأتي إلى صحيح البخاري فيبدأ بالحديث الأول، يبدأ بحديث: الأعمال بالنيات، ويجمع أطرافه من الصحيح نفسه، فيجد البخاري خرج الحديث في سبعة مواضع، ينظر في الموضع الأول وبما ترجم الإمام البخاري عليه في الموضع الأول، ثم ينتقل إلى الثاني وينظر في الفرق بين متن هذا الحديث في هذا الموضع والموضع الثاني، والفرق بين الإسناد في الموضع الأول والثاني؛ لأن البخاري لا يكرر حديث في موضعين بإسناده ومتنه إلا في نحو عشرين موضعاً فقط، كرر الحديث بإسناده ومتنه في نحو عشرين موضعاً من أكثر من سبعة آلاف موضع، هذه نادرة وقليلة، ومع ذلك كرره لما اشتمل عليه من حكم شرعي ترجم به البخاري غير ما ترجم به في الموضع الأول والثاني أو الثالث والرابع، فينظر في الموضع الأول فإذا ضبطه وأتقنه وربط بين الحديث والترجمة، ورأى فقه البخاري في الموضع الثاني، ينظر إليه في الموضع الثاني كذلك، ويقرن بين الترجمة والحديث، ويقرن بين ألفاظ المتن هنا وهناك، والاختلاف بين الإسنادين وبين الترجمتين ثم ينتقل إلى الموضع الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع وهكذا، ثم ينظر من وافق البخاري من الأئمة فيجد مسلماً وافقه على رواية الحديث، فينظر في مسلم مثلما نظر إلى البخاري، ويدون هذا في موضع واحد عنده في كتاب يؤلفه لنفسه، يجمع فيه الكتب الستة، ثم بعد ذلك ينظر في أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وهكذا، في الحديث الأول يجد الكتب السبعة كلها اتفقت على رواية هذا الحديث، ثم بعد ذلك ينظر في الحديث الثاني من صحيح البخاري على هذه الطريقة إلى أن ينتهي من الكتب، وفي الأخير إذا انتهى من صحيح البخاري يكون قد درس من صحيح مسلم مقدار النصف، يكون الباقي زوائد على البخاري، يعتني بها، ويقرنها بالسنن الأربعة، بما يتفق فيه مسلم مع السنن الأربعة، ثم بعد ذلك إذا انتهى من مسلم يكون قد درس أكثر أحاديث سنن أبي داود، فيعنى بالزوائد ويقارنها بالكتب البقية من السنن، ثم ينتقل إلى الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، وكفيل لطالب العلم الذي يعتمد هذه الطريقة ويصبر(22/26)
عليها تحتاج إلى صبر ومعاناة، قد يأخذ الطالب في هذه الطريقة يمكن خمس سنوات، لكن ليس بكثير أن ينفق على الكتب الستة فيفهمها رواية ودراية وفقهاً واستنباطاً وفهماً؛ لأن الروايات يوضح بعضها بعضاً، يأتي فيها من الجمل المجملة في البخاري تجدها مبينة في سنن النسائي مثلاً، فما ينتهي من الكتب الستة بهذه الطريقة إلا وقد وعى ما فيها، وعقله وفهمه وفهم فقه السلف، فقه أهل الحديث مع عنايته بفقه الأئمة، فقه علم فقهاء الأمصار يعتني به، لكن هذا لا شك أنه لو عمل هذه الطريقة ولو استمر فيها خمس سنوات فإنها ليست بكثير على الكتب الستة أن ينفق فيها خمس سنوات، ويكون عمله بيده أفضل من عمل غيره له؛ لأن بعض الناس يقول: ليش أعمل وجمع الأصول موجود؟ وقد جمع الكتب الخمسة أو الستة الخمسة مع الموطأ، لماذا أتعب وأنا بإمكاني أقرأ جامع الأصول بشهرين؟ نقول: لا يا أخي كونك تعاني، كونك تتعب على هذا العلم هو الذي يرسخه في ذهنك ويكون البداءة بصحيح البخاري، والذي جرنا إلى الكلام في هذه المسألة هو أن بعض طلاب العلم وبعض من ينتسب إلى هذا العلم يوصي بصحيح مسلم ثم يقول: زوائد البخاري تأخذ منه على مسلم، وأنا أقول: العكس، يعتني بصحيح البخاري وتأخذ زوائد مسلم، ثم زوائد أبي داود على الصحيحين، ثم زوائد الترمذي على الثلاثة، ثم زوائد النسائي على الأربعة وهكذا.
يقول:
وبعض من قال بذا أعادا ... . . . . . . . . .
يعني من فرق بين الصيغتين فجعل حدثنا للسماع من لفظ الشيخ، وأخبرنا للقراءة على الشيخ، وبعض من قال بذا أي بهذا التفريق، وهو أبو حاتم محمد بن يعقوب الهروي.
وبعض من قال بذا أعادا ... قراءة الصحيح. . . . . . . . .
صحيح البخاري "حتى عادا".
في كل متن قائلاً: أخبركا ... إذ كان قال أولاً: حدثكا(22/27)
محمد بن يعقوب الهروي قرأ صحيح البخاري على شيخه قائلاً فيه حدثك فلان، أو حدثك الفربري عن البخاري قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا .. إلى آخره إلى أن انتهى من صحيح البخاري بهذه الطريقة حدثك الفربري عن البخاري قال: حدثنا فلان .. إلى آخر الإسناد، حدثك الفربري قال: حدثنا .. إلى آخره، إلى أن انتهى من الكتاب وهو بهذه الطريقة، ظناً منه أن شيخه قد سمع البخاري من لفظ الفربري، ولذلك قال: حدثك والتحديث مناسب للسماع، فلما علم أنه أخذ الصحيح عن الفربري بطريق العرض، بطريق القراءة عليه أعاد الصحيح من أوله إلى أخره، مغيراً حدثك بأخبرك، هذه مبالغة في التفريق بين اللفظين.
وبعض من قال بذا أعادا ... قراءة الصحيح حتى عادا
في كل متن قائلاً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
حال "أخبرك" الفربري "إذ كان قال" يعني لظنه أنه سمعه أو تلقاه عنه بطريق السماع
. . . . . . . . . ... إذ كان قال أولاً: حدثك
الفربري ثم تبين له أنه تلقاه عنه في طريق العرض، فأعاد البخاري من أوله إلى آخره، وفي كل حديث يقول: أخبرك الفربري "قلت" الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . وذا رأي الذين اشترطوا ... إعادة الإسناد وهو شططُ
الذين اشترطوا في الرواية إعادة الإسناد في كل حديث، اشترطوا إعادة الإسناد في كل حديث، يعني الآن وأنت تقرأ على شيخ من الشيوخ تقرأ عليه إسناده تقول: حدثك فلان إذا كان رواه بطريق السماع، أو تقول: أخبرك فلان عن فلان عن فلان عن فلان إلى أن يصل إلى البخاري قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان .. إلى آخره، ثم في الحديث الثاني ما يعيد الإسناد مرة ثانية، بعضهم اشترط إعادة الإسناد في كل حديث، يعني لو يفترض أن شخص من المعاصرين بينه وبين البخاري خمسة عشر راوٍ أو أكثر، هل يشترط في كل حديث تقرأه على هذا الشيخ من أحاديث صحيح البخاري لترويه عنه بطريق العرض أن تقرأ إسناد هذا الشيخ المتأخر المعاصر من أوله إلى البخاري أو تقرأه مرة واحدة والباقي مثله؟ بعضهم اشترط أن يقرأ الإسناد من أوله إلى آخره، وهذا كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وهو شططُ" مجاوز للحد، إفراط، ولا قيمة له، يعني هذا التكرار لا قيمة له.(22/28)
قلت: وذا رأي الذين اشترطوا ... إعادة الإسناد. . . . . . . . .
يعني في كل حديث من الكتاب أو النسخة مع اتحاد السند، السند متحد، ما يختلف، مع اتحاد السند وإلا لكان يكفيه أن يقول: أخبركم الفربري بجميع صحيح البخاري وينتهي الإشكال، من غير إعادة قراءة جميع الكتاب، ولا تكرير الصيغة في كل حديث، أخبرك فلان، أخبرك الفربري عن البخاري "وهو" يعني الاشتراط اشتراط الإعادة في كل حديث شطط تشديد، وعنت مجاوز للحد، يعني قراءة الإسناد وفيه أكثر من عشرين راوٍ بين المعاصر أو ما يقرب من عشرين راوٍ بين المعاصر وبين البخاري قراءة البخاري كله أسهل من قراءة هذه الأسانيد، تكرار هذه الأسانيد سبعة آلاف مرة، لا شك أن هذا شطط، بدلاً من أن تعنى بهذا وتكرر سبعة آلاف مرة، تقرأ الكتب الستة كلها، لكن إذا قرأت على شيخ مسند بطريق العرض تقرأ إسناده مرة واحدة فتقول: أخبرك إن كان رواه بطريق العرض، أو أنبأك إن كان بطريق الإجازة، أو أجازك، أو تروي عنه إجازة عن فلان عن فلان عن فلان .. إلى آخر الإسناد مرة واحدة تكفي.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه تقول: هل يمكن إعادة تلخيص الأقوال الثلاثة في كيفية صيغ الأداء لمن تحمل بالعرض؟
أولاً: كما ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- الأجود والأسلم أن يأتي بصيغة تبين المراد، توضح الحال بدقة، قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع، قرأت على فلان، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أما إطلاق حدثنا وأخبرنا فمن أهل العلم من يجوز ذلك بناء على أنها طريقة مجمع على صحة التحمل بها، فلا فرق بينها وبين السماع من لفظ الشيخ، إلا أنهم يتوقفون في إطلاق سمعت، ومنهم من يقول: لا يطلق حدثنا وأخبرنا إلا مقيداً، حديثنا قراءة، أخبرنا قراءة عليه، أو فيما قرئ عليه وأنا أسمع، ومنهم من يفرق بين التحديث والإخبار، فيجعل التحديث خاص بما تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ، والإخبار بما تحمل بطريق العرض والقراءة على الشيخ، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح، وسيأتي في درس اليوم ودرس الغد -إن شاء الله تعالى- بيان مزيد وتفصيل لصيغ الأداء -إن شاء الله تعالى-.(22/29)
وهذا أيضاً يقول: كثيراً ما نقرأ في تراجم السلف والخلف حرصهم على مذاكرة العلم والحفظ في جوف الليل، والسهر من أجله، فكيف يرى أن هذا فعل حسن يمدح عليه، وهو في الظاهر يخالف قول الله تعالى:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [(10 - 11) سورة النبأ] لأن نتيجة سهر الليل النوم في النهار المعد للمعاش؟(22/30)
لا شك أن مجاراة السنة الإلهية في كون الليل لباس، ومقتضاه النوم والراحة فيه للاستعداد لاستقبال النهار الذي هو وقت المعاش، هذا هو الأولى، لكن خلافه ثبت بالسنة ما يدل عليه، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب السمر في العلم، والسمر هو السهر، وتتابع خيار الأمة على ذلك، وإن كان التوجيه إلى أن أفضل القيام قيام داود -عليه السلام-، ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس، وحينئذٍ لا يحتاج إلى نوم بالنهار إلا قيلولة، إلا القيلولة، لكن لو حصل أن الإنسان سهر بالليل وتعب بالنهار ونام، سهر بالليل على خير، إما في قيام، أو في تعلم أو تعليم، أو تأليف كل هذا جادة مسلوكة عند أهل العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سهر للعبادة، لا سيما في الأوقات الفاضلة، فإذا دخلت العشر شد مئزره، وأسهر ليله، وفي بعض الروايات: "طوى فراشه" فدل على أن مخالفة السنة الإلهية لمصلحة راجحة عمل شرعي لا إشكال فيه، فإذا كان الإنسان يستفيد من ليله أكثر من فائدته من نهاره والوقت هو الوقت، لكن إذا رجحت فائدة الليل بالنسبة للعلم والتعليم والعبادة فلا شك أن استغلال الليل أفضل؛ لأن المسالة مسألة تحقيق مصلحة، تحقيق فضل جاءت به الشريعة، فكل ما يعين على تحقيق هذا الهدف فهو شرعي، كل ما يعين على تحقيق هذا الهدف شرعي، فلا يقال: إن السهر من أجل طلب العلم أو السهر للعبادة أو السهر للتأليف لا إشكال فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سهر من أجل العبادة، وأحيا الليل، والعلم أفضل من نوافل العبادة، فإذا سهر الإنسان من أجله كان مأجوراً مشكوراً، وأما إذا سهر بالقيل والقال، وأضاع الليل بدون فائدة، وتربت على ذلك ضياع الأوقات بالليل والنهار، هذا الذي يلام عليه، ويذم عليه، أما إذا خالف هذه السنة الإلهية من أجل تحقيق مصلحة راجحة فلا إشكال في مثل هذا، ليس فيه أدنى إشكال، نعم لو سهر بالليل، وترتب على سهره النوم بالنهار، الذي يعوق دون تحصيل معاشه الذي أمر بطلبه تحقيقاً للهدف الذي من أجله خلق، وهو العبودية لله -جل وعلا-، ولا تقوم هذه العبودية إلا بامتثال: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] فإذا ترتب على ذلك(22/31)
نسيان هذا النصيب الذي أمر به، وضياع نفسه وكونه يعيش عالة يتكفف الناس، وكذلك من ولي أمرهم من النساء والذرية يكون حينئذٍ في حيز الذم.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
تفريعات
وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ رِضَا ... وَالشَّيْخُ لاَ يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا
فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُوْلِ يُبْطِلُهْ ... وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثْيِنَ يَقْبَلْهْ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ ... مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ السَّمَاعُ رَدّْ
وَاخْتَلَفُوا إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ ... يُقِرَّ لَفْظاً فَرآهُ الْمُعْظَمْ
وَهْوَ الصَّحِيْحُ كَافِياً وَقَدْ مَنَعْ ... بَعْضُ أولي الظَّاهِرِ مِنْهُ وَقَطَعْ
بِهِ (أبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي) ... ثُمَّ (أبُو إِسْحَاقٍ الشِّيْرَازِيْ)
كَذَا (أبُو نَصْرٍ) وَقال: يُعْمَلُ ... بِهِ وَألْفَاظُ الأَدَاءِ الأَوَّلُ
وَالْحَاْكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا ... عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوْخِ فِي الأَدَا
حَدَّثَنِي فِي الْلَفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا ... وَاجْمَعْ ضَمِيْرَهُ إذا تَعَدَّدَا
وَالْعَرْضِ إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ أَخْبَرَنَا ... أو قَارِئاً (أَخْبَرَنِي) وَاسْتَحْسَنَا
وَنَحْوُهُ عَنْ (ابْنِ وَهْبٍ) رُوِيَا ... وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رَضِيَا
وَالشَّكُ فِي الأَخْذِ أكَانَ وَحْدَهْ ... أو مَعْ سِوَاهُ؟ فَاعِتَبارُ الْوَحْدَهْ
مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رأى الْقَطَّانُ ... اَلْجَمْعَ فِيْمَا أوْ هَمَ الإِْنْسَانُ
فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ ... اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ
وَقَالَ (أَحْمَدُ): اتَّبِعْ لَفْظَاً وَرَدْ ... لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلاَ تَعَدْ
وَمَنَعَ الإبْدَالَ فِيْمَا صُنِّفَا ... الشَّيْخُ لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا
بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيْهِ مَا جَرَى ... فِي النَّقْلِ باِلْمَعْنَى، وَمَعْ ذَا فَيَرَى(22/32)
بِأَنَّ ذَا فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ ... بِالْلَفْظِ لاَ مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُبِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الناظم -رحمه الله تعالى- لما تكلم على القسم الأول والثاني من أقسام طرق التحمل الثمانية… .. الأول منها الأول والثاني ذكر تفريعات ثمانية تتعلق بالقسمين، يعني يشترك فيها القسمان، فلم يجعلها بعد الأول لتعلقها بالثاني كتعلقها بالأول، فالفرع الأول أشار إليه بقوله:
"واختلفوا" يعني أهل العلم "إن أمسك الأصل رضا" يعني مرضي رضاً مصدر، بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول؟ بمعنى اسم المفعول، المرضي أصله مرضوين، نعم، اسم مفعول، يعني من ارتضاه أهل التحقيق،
واختلفوا إن أمسك الأصل رضا ... والشيخ لا يحفظ ما قد عرضا
هذا الرضا، أو ما قد عرضا عليه، يجوز هذا وهذا "واختلفوا إن أمسك الأصل رضا" بالضبط والثقة والإتقان "والشيخ -حينئذٍ- لا يحفظ ما قد عرضا" يعني الطالب، عليه الذي يقرأ عليه، ويعرض عليه حديثه، ولا هو ممسك أصله بيده، هل يصح السماع أو لا يصح؟ لأن الشيخ لا يخلو كما تقدم في حال العرض لا يخلو إما أن يكون حافظاً ضابطاً متقنناً لحديثه في صدره، هذا لا يحتاج إلى أصل؛ لأنه يحفظ حديثه، لكن إذا كان لا يحفظ حديثه، بل ضبط حديثه ضبط كتاب ودونه وأتقنه وحافظ عليه فلم يخرجه من يده إلا إلى ثقة يؤمن منه التحريف والتغيير، ومع ذلك لا يمسك الأصل بيده، وإنما يكل ذلك إلى طالب رضا ثقة، لا يغفل عن متابعة القراءة، فهو مرضي وموثوق، والناس يتفاوتون في هذا تفاوتاً كبيراً على ما سيأتي في الفروع اللاحقة لا سيما الخامس.
ما الحكم إذا كان الشيخ لا يحفظ حديثه ولا يمسك هو بأصله وإنما وكل الإمساك إمساك الأصل إلى ثقة بجانبه؟ اختلف في ذلك أهل العلم
فبعض نظار الأصول يبطله ... . . . . . . . . .(22/33)
يبطل هذا السماع، يبطل هذا الطريق؛ لأن وجود الشيخ حينئذٍ كعدمه، يعني يكفي الطالب إذا كان الطالب ثقة ومرضي وبيده أصل الشيخ فوجود الشيخ مثل عدمه؛ لأن الذي يرد على القارئ هو الطالب لا الشيخ "فبعض نظار الأصول" كإمام الحرمين الجويني والمازري، بل نقله الحاكم عن مالك وأبي حنفية؛ لما عرف من مذهبهما من التشديد في عدم الرواية من الكتاب، وأنهما لا يعتدان إلا بما حفظه الشيخ، ولا يعتدان بضبط الكتاب، هذا مذكور عن مالك وأبي حنفية، طيب، "فبعض نظار الأصول يبطله" ذكورا منهم إمام الحرمين الجويني والمازري، قال:
. . . . . . . . . ... وأكثر المحدثين يقبله
بل هو الذي عليه عملهم كافة، الذي عليه عمل كافة الشيوخ من أهل الحديث، قد يقول قائل -وقد قيل-: إذا كان القول والخلاف في مثل هذه المسائل المتعلقة بعلم الحديث الخلاف فيها بين أهل الحديث والنظار وأهل الأصول الذين عنايتهم بالكلام، وما يتعلق به أكثر من عنايتهم بالنص، كيف ننصب خلاف بين أهل الحديث أهل الشأن وبين غيرهم ممن صرح بقوله: "إن بضاعته في الحديث مزجاة"؟ ...(22/34)
شرح ألفية الحافظ العراقي (23)
تفريعات على القراءة على الشيخ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
كيف ننصب خلافاً بين أهل الحديث أهل الشأن وبين غيرهم ممن صرح بقوله: إن بضاعته في الحديث مزجاة؟ وعنايته بعلم الكلام وما يتبعه، وتأثير علم الكلام في مؤلفاته ظاهر، بل في عقيدته، كيف ننصب الخلاف بين هؤلاء النظار وبين علماء الحديث؟ ونقل أقوال الأصوليين وهم نظار، وهم في الجملة في الأصل أهل كلام، كثير في كتب المصطلح، ولذا ينادي بعض طلاب العلم أهل الغيرة على العقيدة والسنة ينادي بتنظيف كتب علوم الحديث من المسائل الأصولية المتأثرة بعلم الكلام، وأن هؤلاء لا يستحقون أن يذكروا في كتب الحديث الذي معوله على أهله الأئمة، أئمة هذا الشأن، والحافظ العراقي وهو من أهل الحديث أثري.
يقول راجي ربه المقتدرِ ... عبد الرحيم بن حسين الأثري
هو من أهل الأثر، أهل الحديث، كيف ينصب الخلاف بين النظار وبين أهل الحديث؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .(23/1)
هي ما هي بمسألة ثبوت خبر أو عدمه، المسألة خلاف بين إمام الحرمين وبين أئمة هذا الشأن مثلاً أو المازري متأثر بعلم الكلام، كلاهما متأثر، وكثيراً ما تذكر أقوال الغزالي، وبضاعته في الحديث مزجاة، واعتماده على الموضوعات والضعيفة كثير، فكيف يقبل قوله في أصول هذا العلم؟! يعني إذا قبلنا قوله في أصول الفقه فكيف نقبل قوله في أصول الحديث؟! يعني دعوة قائمة، ولها بريق، ولها حظ من النظر في الظاهر، لماذا؟ لأننا إذا قللنا من قيمة من يشتغل بعلم الحديث من المتأخرين ممن فرغ نفسه لعلم الحديث وجعلناهم عالة على المتقدمين من الأئمة، وهم أهل حديث، يعني كثير من طلاب العلم في دعواهم الجديدة يقللون من شأن ابن حجر، وغيره ممن جاء من المتأخرين ممن قعدوا وضبطوا قواعد هذا الفن، وكلامهم صحيح في الجملة؛ لأن ابن حجر وغير ابن حجر ممن جاء متأخراً عن عصور الرواية عالة على الأئمة، فإذا كان مثل هؤلاء يتكلم فيهم مع اهتمامهم، بل هم حفاظ، حفاظ الحديث في العصور المتأخرة، يقلل من شأنهم، فما بالك بعلماء الكلام الذين لهم حكم عند أئمة هذا الشأن؟! يحكمون عليهم بأحكام شديدة، الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في الأسواق، ثم بعد ذلك نأتي إلى كتب علوم الحديث ونذكر أقوالهم ونجعلها في مقابل أقوال أئمة هذا الشأن، الدعوة هذه مقبولة وإلا مردودة؟ أولاً: مبحث السنة قطب وأصل من أصول علم أصول الفقه، وهذا معروف، قد يقول قائل: لماذا يقحمون علوم الحديث في كتبهم أصول الفقه، الأصول التي تستمد منها الأحكام، وتبنى عليها الأحكام هي الكتاب والسنة، فإذا لم يبحثوا السنة فكيف يبحثون؟ لأنه لو قبلت هذه الدعوة وقلنا: ألغوا ما يتعلق بالسنة من كتب الأصول، واتركوا هذا لعلماء الحديث، جاءنا أهل القرآن قالوا: ألغوا ما يتعلق بالكتاب، ويش يبقى لأصول الفقه؟ ما يبقى إلا القياس وما في معناه، والأصول المختلف فيها، ولا شك أن المعول في الاستنباط على الكتاب والسنة، وعلماء الأصول الذين قعدوا قواعد هذا الفن فن الأصول لا شك أن معولهم على الكتاب والسنة، واستنباطهم على الكتاب والسنة، فلا بد أن يدرسوا ما يتعلق بالكتاب والسنة، قد(23/2)
يقول قائل: إنه ما دام هذا شأنهم يذكرونه في كتبهم الأصولية، لكن من له عناية بالحديث أن يدخل أقوالهم مع أن أقوال أئمة هذا الشأن تغني عن أقوالهم، ولسنا بحاجة إلى أقوالهم، نقول: علوم الحديث ما معوله على النقل المحض، وهذا لا مدخل فيه لا للجويني ولا للرازي ولا للغزالي ولا لغيرهم منها ولا للآمدي، نعم، يعني ما معوله على النقل المحض هؤلاء لا قيمة لأقوالهم فيه؛ لأنهم بضاعتهم مزجاة، وعليهم ملاحظات في العمل والاعتقاد، وفي كثير من الأمور، يعني الآمدي في ترجمته أمور، وإن كان بعضها لا يثبت، مما قيل عنه: إنه لا يعتني بالصلاة مثلاً، وأن الطلاب وضعوا على رجله حبر، وجاءوا بعد أيام ووجدوه كما هو، فدل على أنه لم يتوضأ، لكن هذه الدعوى نفاها كثير ممن ترجم له، المقصود أنه إذا كانت المسألة نقلية محضة فلا علاقة لهؤلاء بها، وإذا كانت المسألة مما يدخلها الرأي والنظر فتذكر أقوالهم؛ لأنهم من أهل النظر، ومن مسائل هذا الفن ما يدخله النظر، وإلا لقلنا: جميع من يأتي بعد المتقدمين لا علاقة له بهذا الفن، لكن كم أتى من المتأخرين وحرر بعض المسائل في هذا الفن، وما زالوا يتتابعون على هذا إلى وقتنا هذا، فدل على أن بعض المسائل لها نصيب وحظ من النظر، يعني المسألة التي ذكرناها بالأمس يعزو ابن الصلاة إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أنهما يفرقان بين السند المعنعن والمأنن، يفرقان بين السند المعنعن والمأنن، فيحملان المعنعن على الاتصال والمؤنن على الانقطاع، هل ابن الصلاح اعتمد في ذلك على نقل عنهم من لفظهم أو استنباط؟ استنباط من أحكامهم، وأكثر المسائل التي تدرس إنما هي استنباط من أحكام الأئمة، وذكرنا المثال بالأمس قصة عمار، يعني حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، والرواية الأخرى عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالوا: عن عمار هذه متصلة، وأن عماراً هذه منقطعة، والسبب اختلاف الصيغة، هذا فهم ابن الصلاح، ولذا قال الحافظ العراقي فيما تقدم:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه(23/3)
هذه مبناها على نظر وإلا على نقل؟ هذه مبناها على نظر، تحتاج إلى نظر، لماذا حكم الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة على الطريق الأول بأنه متصل، وعلى الثاني منقطع؟ حكما على الطريق الأول بالاتصال لأن محمد بن الحنفية تابعي لم يشهد القصة، لكنه يرويها عن صاحبها، وحكم على الطريق الثاني لأن محمد بن الحنفية تابعي لم يشهد القصة فحكى القصة، ما رواها عن صاحبها، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ هل هذا معوله على النقل وإلا على النظر؟ كل من له نظر وإدراك يمكن يذكر قوله في هذا، ما زال المجال مفسوح لإعادة النظر في بعض القواعد من خلال أحكام الأئمة والنظر فيها، ولذا قال:
فبعض نظار الأصول يبطله ... وأكثر المحدثين يقبله(23/4)
لأنه يدخلها النظر، يعني حينما أبطله نظار الأصول قالوا: ما الفائدة من شيخ لا يحفظ حديثه ولا يمسك بأصله؟ والذي يرد على القارئ الطالب ذا الممسك بالكتاب، يقولون: الشيخ هذا يروح يرتاح في البيت، ما له داعي يجلس، هذه مسألة من حيث النظر مقبولة، لكن أيضاً كونك تروي عن شيخ حاضر، حاضر أقل الأحوال يسمع الحديث ويقر القارئ على قراءته، كون اتصال الإسناد بوجود هذا الشيخ الذي يسمع ما يُقرأ من حديثه ويقر القارئ على هذه القراءة أولى من أن يُحكم بالانقطاع في حالة ما إذا غاب الشيخ وأمسك غيره بهذا الأصل، وعلى كل حال وجود الشيخ مؤثر على أي حال وجوده مؤثر، نعم من الشيوخ من وجوده مثل عدمه، عوام لا يفهمون شيئاً إلا أنه احتيج إلى ما عندهم من الرواية لأنها طالت أعمارهم، وعمروا حتى صارت أسانيدهم عالية، الرواية عنهم تسقط راوٍ ممن جاء بعدهم، فيستفاد العلو من الرواية عنهم، وفي القرن السابع والسادس من هذا النوع من لا يقرأ ولا يكتب، وأصله موجود ومحفوظ ومقابل على الأصل، وقد يكون أعمى، مع كونه أمياً قد يكون أعمى، ووصل الحال ببعضهم إلى أنه وصل إلى مرحلة من الشيخوخة والهرم إلى أنه لا يستطيع أن ينطق بنعم أو لا، فأحياناً يهز أصبعه إشارة إلى لا، وأحياناً يقول برأسه كذا يعني نعم، مثل هذا ما الذي تفيده الرواية عنه؟ لا تفيد إلا مجرد إبقاء سلسلة الإسناد التي هي خصيصة هذه الأمة، وإلا فوجوده مثل عدمه، والعلو الذي يأتي من طريقه لا قيمة له، فتساهلوا في العصور المتأخرة، أما في عصور الرواية ما يوجد مثل هذا الكلام، في عصور الرواية لما كان المعول على الأسانيد ما يمكن أن يمشي مثل هذا الكلام على الأئمة، بل مجرد ما يحس أهل العلم بتغير فلان خلاص يتوقفون عن الرواية عنه.
. . . . . . . . . ... وأكثر المحدثين يقبله
واختاره الشيخ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
والمراد بالشيخ
كـ (قال) أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
أي ابن الصلاح، والخلاف الذي ذكره عن نظار الأصول ضعفه الحافظ السِلَفي، وبعضهم لم يعتد به،
واختاره الشيخ فإن لم يعتمد ... . . . . . . . . .
هذا الطالب الممسك بأن كان غير رِضا أو غير مرضي.(23/5)
. . . فإن لم يعتمد ... ممسكه فذلك السماع رد
أي مردود ولا يعتد به، إذا كان الممسك غير رضا، والشيخ لا يحفظ حديثه، فقد يسقط حديث، يسقط جملة من حديث، يحصل تصحيف، وهذا الطالب غير رضا، طيب غير رضا ليش يجئ يمسك كتاب علم ويستمع وينصب نفسه لهذا الأمر؟ قد يكون أجيراً لإمساك الأصل، فإذا كان غير رضا فإنه لا يؤمن أن يسكت عن الرد على القارئ إذا أخطأ؛ لأن همه هذا الأجر، ويريد أن يمشي الأمور بسرعة.
"فإن لم يعتمد ... ممسكه" فلم يكن ثقة "فذلك السماع رد" يعني مردود لا يعتد به، والفرع الثاني ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أي معروف، معروف حتى عن مالك، هو منقول عن مالك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ينصب الخلاف بين كل من له مدخل في هذا الفن، يعني في مسائل النقل المحض ما لهم علاقة، فيما يدخله النظر يقبل قوله، يقبل قوله فيما يدخله النظر، يعني ما تسمع من شيوخ معاصرين حرروا بعض المسائل ودرسوها وأبدعوا فيها؛ لأن للنظر مدخل فيها هل نلغي هذه الأمور؟ ما نلغي، لا سيما في المسائل التي تقدم فيها الخلاف، الباب مفتوح، أما في المسائل المتفق عليها، المجمع عليها ما في إشكال، لا مدخل لأحد.
التفريع الثاني أشار إليه أو ذكره بقوله:
واختلفوا إن سكت الشيخ ولم ... يقر لفظاً فرآه المعظم
وهو الصحيح كافياً وقد منع ... بعض أولي الظاهر منه وقطع(23/6)
إلى آخره، العرض، القراءة على الشيخ يقول القارئ: حدثك فلان عن فلان عن فلان عن فلان؟ حدثك؟ يسأله إذا كان المقروء عليه الشيخ تحمل بطريق السماع، أو يقول: أخبرك فلان إذا كان تحمل الشيخ بطريق العرض، مقتضى ذلك ما دام يسأله مقتضاه أن يقول: نعم، حدثك فلان؟ يقول: نعم، لكن إن سكت؟ هل ننسب لساكت قول؟ أو نقول: إنه ما دام من الأئمة ونصب نفسه وجاء لمجلس التحديث، ويش اللي جابه للمجلس؟ الناس يقرؤون وسكت! يقال: ما ينسب لساكت قول؟! كما ذُكر عن الإمام مالك، قرئ عليه فقال له بعض من حضر: لماذا لا تقول: نعم؟ قال: ما الذي جاء بي إلى هذا المكان إلا لتقرؤوا عليّ؟ فهذه المسألة أيضاً خلافية بين أهل العلم، والخلاف فيها ضعيف، "واختلفوا إن سكت الشيخ" يعني العلماء من المحدثين وغيرهم اختلفوا إن سكت الشيخ المتيقظ العارف بعد قول الطالب القارئ: أخبرك فلان؟ اختلفوا إن سكت الشيخ ولم يقر لفظاً، يعني ما قال: نعم، أو أومأ بإشارة مفهمه برأسه: أي نعم، ما نطق صراحة، ولا أشار إشارة مفهمه تقوم مقام نعم.
"ولم ... يقر لفظاً فرآه المعظم" من المحدثين والفقهاء "وهو الصحيح" فرآه المعظم كافياً، وهو الصحيح، يكفي في صحة السماع؛ لأنه لا يصح من إمام ذي دين متصدٍ لإقراء السنة أن يُقر على خطأ في مثل هذا، ويقال: حدثك؟ ويسكت، لا يمكن أن يتصور مثل هذا "وهو الصحيح كافياً" في صحة السماع "وقد منع ... بعض أولي الظاهر منه" منع منه بعض أولي الظاهر أي الاكتفاء بسكوت الشيخ في الرواية فاشترط النطق بـ (نعم).
. . . . . . . . . وقد منع ... بعض أولي الظاهر منه وقطع
به أبو الفتح. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(23/7)
قطع بالمنع مطلقاً أبو الفتح "سليم الرازي" الشافعي، من أئمة الشافعية "ثم -بعده الشيخ- أبو إسحاقٍ" بالصرف للضرورة "الشيرازي" هذان وافقا بعض الظاهرية في المنع، وهو لائق بمذهب هؤلاء الذين لا يعملون إلا بالمنطوق، وأما ما يفهم من الأحوال والقرائن ما يعملون بها؛ لأن مذهبهم مذهب الظاهر، لا بد أن ينطق يقول: نعم، لكن ماذا عن البعض الآخر من أولي الظاهر؟ وافقوا المعظم في تجويز الرواية بالعرض من غير تصريح بـ (نعم) "وقطع ... به أبو الفتح" يعني بالمنع مطلقاً "سُليم الرازي" ثم بعده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
وكذا أبو نصر ابن الصباغ، وقال: إنه يعمل به، أي بالمروي، يعمل به، كيف يعمل به؟ يعمل بالمروي، والتفريق بين العمل والرواية قول معروف عند أهل العلم، كما سيأتي في الإجازة والمناولة أنها يُعمل بها ولا يروى بها، فكان هذا من هذا النوع، الآن المعظم من أهل الحديث ومن الفقهاء يرون الرواية على هذه الصورة، ويعارضهم بعض أولي الظاهر، وجمع من أهل العلم لا يعتدون بقول أهل الظاهر، ونص النووي في شرحه على صحيح مسلم، في الجزء الرابع عشر صفحة (29) بأنه لا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وخالفه آخرون وقالوا: إن أهل الظاهر لهم عناية بالنصوص عناية فائقة تفوق كثير من المتفقه، تفوق عناية كثير من المتفقه، فلماذا لا يعتد بقولهم؟ ولكل وجه؛ لأن بعض المسائل معولها على نص، فهؤلاء لا شك أن أهل الظاهر من أهل العناية بالنص فيقبل قولهم، وأما إذا كان مستند المسألة على اجتهاد أو قياس فإن أهل الظاهر لا مدخل لهم في مثل هذا، وكذا أبو نصر وابن الصباغ، ولكنه قال: إنه يعمل به أي بالمروي وإن لم تصح الرواية به؛ لأن التفريق بين المروي والرواية، العمل بالمروي ونقله كرواية متصلة منك إلى المحدث من يروي هذا فيه فرق، أنت الآن تعمل بحديث تجده في الكتب، إذا صح، وجدت حديث في صحيح البخاري تعمل به، لكن ترويه؟ ما ترويه إلا إذا كان لك به إسناد، وتقدم قول ابن خير.
قلت: ولابن خير امتناعُ ... نقل سوى مرويه إجماعُ(23/8)
نقل الإجماع على أنك لا تروي إذا لم تكن لك به رواية، ولا تنقل من الكتب، بل زاد على ذلك قال: ولا تعمل إلا إذا كانت لك به رواية، لكن هذا لا شك أنه تضييق، والإجماع على خلافه قائم، نقله ابن برهان وغيره، وألفاظ الأداء لمن سمع أو قرأ كذلك، وأراد رواية ما قرأ أو سمع الأول يعني الأول يعني قرأ على الشيخ لفظ الأداء المناسب له هو الأول، الذي ذكره بقوله -في درس الأمس-:
وجودوا فيه قرأت أو قُرِي ... . . . . . . . . .
وإذا كان الرواية بطريق السماع سمعت، والألفاظ التي تقدم الكلام فيها، والتفريع الثالث في التفريق بين الصيغ بالإفراد والجمع، يعني متى يقول: حدثنا؟ ومتى يقول: حدثني؟ ومتى يقول: أخبرنا؟ ومتى يقول: أخبرني؟ ومتى يقول: سمعنا؟ ومتى يقول: سمعت؟ أنبأنا أنبأني؟ الصيغ تختلف بين الإفراد والجمع، ذكره بقوله:
والحاكم اختار الذي قد عهدا ... عليه أكثر الشيوخ في الأدا
حدثني في اللفظ حيث انفرادا ... واجمعْ ضميره إذا تعددا
الحاكم اختار الأمر الذي قد عهد عليه أكثر الشيوخ، يعني من شيوخه، وأئمة عصره في صيغ الأداء وهي أن يقول: حدثني فلان بالإفراد في اللفظ حيث انفردا بأن لم يكن معه وقت السماع غيره، واجمعْ أيها الطالب في حال الأداء في الصيغة أجمع ضميره فقل: حدثنا إذا تعددا بأن كان معك وقت السماع غيرك، فمن سمع وحده يقول: سمعت، ويقول: حدثني بالإفراد، ومن سمع ومعه غيره يقول: حدثنا فلان، هذا إذا كان على ذكرٍ من الواقع يعرف أنه لم يحضر عند الشيخ إلا هو يقول: حدثني، وفي الصورة الثانية: حدثنا إذا كان يعرف أنه قد حضر معه عند الشيخ جماعة، فيقول: حدثنا.
حدثني في اللفظ حيث انفرادا ... واجمعْ ضميره إذا تعددا
والعرض يعني الأول في طريق السماع في الطريق الأول، في القسم الأول.
والعرض إن تسمع فقل: أخبرنا ... أو قارئاً أخبرني. . . . . . . . .(23/9)
يعني في طريق العرض إن تسمع بقراءة غيرك فقل: أخبرنا بالجمع، يعني إذا كان التحمل بطريق العرض، والحضور مجموعة تقول: أخبرنا بالجمع، أو إن تكن قارئاً وليس معك أحداً تقرأ على الشيخ، تعرض على الشيخ، فقل: أخبرني بالإفراد "واستحسنا" يقول ابن الصلاح في هذا يعني ما نقله الحاكم عن الشيوخ عن شيوخه وأئمة عصره من التفريق بين صيغ الأداء في حال العرض والسماع من جهة، والإفراد والجمع من جهة أخرى استحسنه ابن الصلاح، وقال: إنه حسن رائق.
ونحوه عن ابن وهب رويا ... . . . . . . . . .
ونحوه عن عبد الله بن وهب، والذي ذكرنا أنه أول من أوجد هذا التفريق بين صيغ الأداء بمصر، ونحوه عن عبد الله بن وهب رويا.
. . . . . . . . . عن ابن وهب رويا ... وليس بالواجب لكن رضيا
ليس ما تقدم من التفصيل بالواجب، بمعنى أنه يأثم إذا قال: حدثنا وهو بمفرده، أو قال: حدثني ومعه جماعة، أو قال: أخبرني في حال السماع، أو قال: حدثني في حال العرض، هذا مجرد استحسان؛ لكنه ليس بالواجب،
. . . . . . . . . ... وليس بالواجب لكن رضيا
التفصيل الذي تقدم ليس بالواجب عندهم، لكنه رضيَ استحب عند كافة أهل العلم لأنه هو الذين يبين الواقع، هذا إذا كان الراوي على ذكرٍ من الواقع ما نسي، لكن إن نسي مع طول العهد، نسي وشك، هل كان بمفرده أو كان معه أحد؟ وهل كانت روايته عن هذا الشيخ بطريق السماع أو بطريق العرض؟ ماذا يصنع؟
والشك في الأخذ أكان وحده ... أو مع سواه؟ فاعتبار الوحده(23/10)
إذا وقع الشك في حال الأخذ والتحمل من لفظ الشيخ أكان وحده؟ ومقتضاه أن يقول: حدثني، أو مع سواه، أو كان مع سواه فيأتي بالجمع فالمعتبر الوحدة، فيأتي به مفرداً الضمير، لماذا؟ لأن وجوده مجزوم به، ووجود من عداه مشكوك فيه، فيأتي بالمتيقن ويطرح المشكوك فيه، فاعتبار الوحدة محتمل، لماذا؟ لأن وجوده مجزوم به، ووجود من عداه مشكوك فيه، فيأتي بالمتيقن ويطرح الشك "لكن رأى القطانُ -الإمام يحيى بن سعيد- الجمع فيما أوهم الإنسانُ" قلنا: وجه الإفراد أنه يجزم بوجوده ويشك في وجود غيره، فيأتي بالمجزوم به ويطرح الشك "لكن رأى القطان" ُ يحيى بن سعيد "الجمع" يعني فيقول: حدثنا أو أخبرنا "فيما" أي في حالة ما إذا "أوهم" أي وهم وشك "الإنسان"، في شيخه يعني في لفظ شيخه، ما الذي قال: حدثنا أو حدثني رأي القطان الجمع، لماذا؟ وجه الإفراد عرفناه، لكن وجه الجمع نعم؟ الجمع أقل وإلا أعلى؟ الجمع يدل على أن الشيخ حدثك أو قرأت عليه أو قرئ عليه وأنت حاضر، والشيخ كلامه موجه إلى المجموع، وإذا قلت: حدثني أو أخبرني بلفظك هذا جزمت بأنك أنت المقصود بالتحديث على وجه الخصوص، وهذه أقوى، إذا قلت: حدثني أو أخبرني لا شك أن هذه الصيغة أقوى من أن تقول: حدثنا أو أخبرنا، يعني لما تجلس أنت والشيخ بمفردكما ولا يوجد ثالث لا شك أن هذه عناية من الشيخ فائقة تجعلك تهتم وتحضر القلب؛ لأنك بمرأى من الشيخ بخلاف ما لو كان معك فئام من الناس بإمكانك أن تتغافل في حال السماع، وكونك تفرد الضمير لتقول للناس أنني بمفردي بين يدي الشيخ، وأنا محل عناية من الشيخ، والشيخ قصدني بالتحديث، بخلاف ما لو قلت: حدثنا أو أخبرنا فإنك تخبر أنك من ضمن مجموعة تسمع والشيخ يحدث، وهذا الوجه ظاهر، يعني وجود الإنسان بمفرده عند الشيخ يكون حضور قلبه مثلما إذا كان مع فئام من الناس؟ لا، يختلف، ونحن ننظر الطلاب في الجموع نجد منهم من يلتفت، ومنهم من ينعس، ومنهم ينسخ على ما سيأتي، ومنهم من هو محضر القلب، ومنهم من هو سارح، فليس تحديث الجمع مثل تحديث المفرد.
. . . . . . . . . لكن رأى القطانُ ... الجمع فيما أوهم الإنسانُ
في شيخه ما قال والحدة قد ... اختار في ذا البيهقي واعتمد(23/11)
لما حكى قول القطان البيهقي حكى قول القطان وأنه يختار الجمع، البيهقي اختار الوحدة، والوحدة قد، الوحدة مفعول مقدم، قد اختار في هذا الفرع البيهقي، بعد حكاية قول القطان، واعتمد ما اختاره الحاكم، وما حكاه عن شيوخه وأئمة عصره، يعني وافق الحاكم على هذا وإلا فالبيهقي قبل وإلا بعد؟ يعني بينهما عشرين سنة، لا وين؟ كثير، الحاكم أربعمائة وخمسة، والبيهقي خمسة وثمانين، يعني بينهما ثمانين سنة، الحاكم قبل، المقصود أنه يوافق الحاكم على هذا، وقد اطلع على قول القطان، وكأنه ما رأى العلة التي أبداها وجيهة لترجيح قوله، ولا شك أنه علة قوية ومتينة أيضاً، علة قوية ومتينة.
الفرع أو التفريع الرابع: في التقيد بلفظ الشيخ، "وقال أحمد" الإمام أحمد بن حنبل: "اتبع لفظاً ورد" اتبع أيها المحدث لفظاً ورد "للشيخ في أدائه ولا تعد" يعني لا تتعد لفظ الشيخ "وقال أحمد: اتبع لفظ ورد ... للشيخ في أدائه" لك، وفي تحديثه إياك ولا تعد، وكان الإمام أحمد يعتني بالفروق بين ألفاظ الشيوخ، ويفرق بين حدثنا وأخبرنا، والأمثلة في مسنده كثيرة، وإن كانت الأمثلة في صحيح مسلم أكثر وأظهر، وهذه طريقة الإمام مسلم التفريق بدقة بين صيغ الأداء، وهي موجودة أيضاً عند الإمام أحمد.
ومنع الإبدال فيما صنفا ... الشيخ لكن حيث راوٍ عرفا
بأنه سوى ففيه ما جرى ... في النقل بالمعنى ومع ذا فيرى
بأن ذا فيما روى ذو الطلب ... بالفظ لا ما وضعوا في الكتب(23/12)
الآن الإمام أحمد يقول: تقيد واتبع لفظ الشيخ، قال لك الشيخ: حدثنا، قل: حدثنا، قال لك: الشيخ أخبرنا، قل: أخبرنا، وهذه طريقة مسلم، وأشرنا إليها فيما سبق، "ومنع الإبدال فيما صنفا" يعني وكذا، أو ولذا منع الإبدال فيما صنفا، الإبدال إبدال حدثنا بأخبرنا، فيما صنفا يعني في الكتب المصنفة المدونة، يعني تأتي لنسخ كتاب من كتب السنة، وتقول: البخاري ما يرى التفريق بين حدثنا وأخبرنا، فأي لفظ يكفي، إن كان المؤلف كتب أخبرنا قل: حدثنا ويش المانع؟ ما في فرق {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] التحديث والإخبار ما بينهما فرق، وبينا ما بينهما من فرق دقيق في درس الأمس، لكن يقول لك: إمام الصنعة البخاري ما يرى فرق، فلماذا نثقل الكتاب قال: الأولاني حدثنا، وقال فلان: أخبرنا؛ لنفرق بين صيغتين لا أثر للتفريق، الكتب المصنفة لا يجوز التعرض لها بالتغيير البتة، حتى على القول بجواز الرواية بالمعنى وهو الذي عليه الجمهور، وذكره ابن الصلاح وغيره، لكن ابن الصلاح اشترط ألا يكون هذا التغيير بالمعنى في المصنفات؛ لأن الأصل الرواية باللفظ، والرواية باللفظ في المصنفات ممكنة وإلا متعذرة؟ أما بالرواية اللفظية تنقل حديث عن فلان وإلا عن فلان إذا كنت متأهل تجوز روايتك بهذا المعنى، وإذا كان هذا الشخص ممن لا يرى الفرق بين التحديث والإخبار انقل عنه حيثما شئت، لكن إذا كان في كتاب مصنف، البخاري تقول: البخاري ما يرى فرق بين التحديث والإخبار، ثم تأتي إلى صحيحه وتغير في هذه الصيغ باعتبار أنه لا يرى، وتقول: الأمر فيه سعة؟! لا الأمر فيه ضيق؛ لأن هذا تحريف في الكتب وتصرف، وهو خلاف الأمانة، بل تبقى الكتب كما هي، وبعض الناس يسبق قلمه فيكتب لفظ بدل لفظ، فيقول: ما دام المعنى واحد ليش أغير؟ أو يزوغ نظره من كلمة إلى كلمة من حدثنا إلى أخبرنا فيكتبها، ويقول: ليش اطمس وأسود الكتاب والمعنى واحد؟ لا اطمس وسود الكتاب، لا يجوز التصرف في كتب الناس.(23/13)
"ومنع الإبدال فيما صنفا" إبدال حدثنا بأخبرنا أو العكس، وكذلك رواية المتون بالمعنى في المصنفات لا تجوز بحال "ومنع الإبدال فيما صنفا ... الشيخ" يعني ابن الصلاح، قالوا: لاحتمال أن يكون الراوي ممن يرى التفريق بينهما، فكأنه قَوّله ما لم يقل، وأيضاً التبديل والرواية بالمعنى إنما جوزت لتعذر اللفظ في كثير من الأحيان، ولو اشترط اللفظ لتعطلت رواية كثير من الأحاديث؛ لأن من يأتي بالألفاظ كم سمع ندرة من الناس، لكن من يتذكر المعنى ويسوق المعنى بشرطه المعروف عند أهل العلم على ما سيأتي في الرواية في المعنى، لا شك أن هذا يوجد في الناس بكثيرة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . لكن حيث راوٍ عرفا
بأنه سوى ففيه ما جرى ... في النقل بالمعنى ومع ذا فيرى
لكن حيث راوٍ عرفا بأنه سوى بينهما، يعني بين التحديث والإخبار ولا يرى فرق، تنقل عن البخاري أنه قال: حدثنا فلان من قوله، وأنت تعرف أن البخاري ما يفرق بين حدثنا، لا تتعد إلى شيخ الشيخ، لو تجد في صحيح البخاري حدثنا الحميدي من قوله، حدثنا الحميدي بكذا، فتقول: قال البخاري: أخبرنا الحميدي بكذا،
"لكن حيث راوٍ عرفا ... بأنه سوى" يعني بينهما "ففيه ما جرى ... في النقل بالمعنى" فإن كان مشافهة وهذا لا يرى التفريق انقل، ما في إشكال؛ لأن المعنى واحد عند هذا الإمام، لكن حيث يوجد في مصنفه يأتي ما اشترطه ابن الصلاح أن الرواية بالمعنى جائزة ما لم تكن في مصنف؛ لأن الرواية باللفظ غير متعذرة.(23/14)
"لكن حيث راوٍ عرفا" بالبناء للمفعول "بأنه سوى" بينهما "ففيه ما جرى" يعني يجري في مثل هذا خاصة ما جرى من الخلاف في النقل بالمعنى، يعني ابن سيرين لا يرى الرواية بالمعنى مطلقاً، والجمهور يرون الرواية بالمعنى ففيه هذا الخلاف "في النقل بالمعنى ومع ذا" أي إجراء هذا الخلاف فيرى ابن الصلاح بأن ذا أي الخلاف "فيما روى ذو الطلبِ" يعني مما تحمله باللفظ، بالمشافهة، ينقل من كلام الشيخ "لا ما وضعوا في الكتبِ" "بأن ذا فيما روى" بأن ذا يعني هذا الخلاف "فيما روى ذو الطلبِ" بما تحمله باللفظ يعني مشافهة من شيخه "لا ما وضعوا" لا يجري الخلاف فيما وضعوا، يعني أصحاب التصانيف في مصنفاتهم في كتبهم؛ لأن ابن الصلاح استثنى المصنفات، فإنه لا يجري فيها الخلاف في الرواية بالمعنى، والله أعلم0
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، يا ذا الجلال والإكرام، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ ... مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاعِ
(الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيْ) ... وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيْ)
لاَ تَرْوِ تَحْدِيْثَاً وَإِخْبَارَاً قُلِ ... حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ
وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلاَهُمَا كَتَبْ ... وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ
بِأَنَّ خَيْرَاً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلاَ ... فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ أولاَ بَطَلاَ
كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِي حَيْثُ عَدْ ... إِمْلاَءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدَّاً وَسَرَدْ
وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلاَمِ أو إذا ... هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا
إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ ... فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ
وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ ... إِسْمَاعِهِ جَبْرَاً لِنَقْصٍ إنْ يَقَعْ(23/15)
قَالَ: ابْنُ عَتَّابٍ وَلاَ غِنَى عَنْ ... إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ
وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا ... أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى
لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ ... فِي الْحَرْفِ تَسْتَفْهِمُهُ فَلاَ يَسَعْ
إِلاَّ بَأَنْ يَرْوِيْ تِلْكَ الشَّارِدَهْ ... عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ)
وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا ... إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا
مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ وَسُفْيَانُ اكْتَفَى ... بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى
كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى: ... اسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ حَتَّى
رَوُوْا عَنِ (الأَعْمَشِ): كُنَّا نَقْعُدُ ... (لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ
البَعْضُ لاَ يَسْمَعْهُ فَيسأَلُ ... البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ
وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ وَقَوَْلُهُمْ: ... يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ فَهُمْ
عَنَوا إذا أَوَّلَ شَيءٍ سُئِلاَ ... عَرَفَهُ وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلاَ
وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ ... عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ أو ذِي خُبْرِ
صَحَّ وَعَنْ شُعْبَةَ لاَ تَرْوِ لَنَا ... إنَّ بِلاَلاً وَحَدِيْثُ أُمِّنَا
وَلاَ يَضُرُّ سَامِعَاً أنْ يَمْنَعَهْ ... الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِي مَا قَدْ سَمِعَهْ
كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ ... مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي في التفريعات التالية للقسمين الأول والثاني من أقسام التحمل السماع والعرض، وهي ثمانية تفريعات، ومضى منها أربعة، وبقي أربعة، فالخامس ذكره الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بقوله:
واختلفوا في صحة السماعِ ... من ناسخٍ فقال بامتناعِ
(الإسفراييني) مع (الحربي) ... و (ابن عدي) وعن (الصبغي)
لا تروِ تحديثاً وإخباراً قل ... . . . . . . . . .(23/16)
إلى آخره، اختلفوا في صحة السماعِ، يعني اختلف أهل العلم في صحة السماع من ناسخٍ ينسخ حين القراءة شيخاً كان أو طالباً، في حال العرض على الشيخ، حال القراءة على الشيخ إذا كان الشيخ معه كتاب آخر ينسخه يكتبه، أو ينظر فيه، ويقرأ فيه، أو ينشغل بالكلام مع شخص أخر، يستوي في ذلك الطالب والشيخ، يعني في حالتي التحمل والأداء، أو ينعس أو يكون القارئ أكثر من واحد مما يشغل القلب عن الاستماع بالنسبة للشيخ، وعن السماع بالنسبة للطالب، إذا وجد مثل هذا وهذا يوجد بكثرة في التعليم النظامي المرتب من قبل المسئولين، وذلكم لما دخل النيات من دخل، فلما كان هم الطالب هو التخرج والشهادة لا يهتم بالعلم، فتجد الشيخ على جلالته يتكلم بأنفس العلوم وأهمها، ويأتي للطلاب بخلاصة قراءاته وتجاربه، فتجد كثير من الطلاب منشغل بأمر آخر، وقد ينشغل طالب بما لا ينفعه في دنيه ولا دنياه، قد ينشغل بجريدة، أو يقرأ في كتاب لا علاقة له بالموضوع، أو يشغل نفسه ويشغل غيره بكلام أو ينام، هذا كثير في التعليم النظامي، لكنه في التعليم في المشايخ وعند طلاب العلم الراغبين في العلم، الذين لا يرجون من وراء الدروس شهادات ولا وظائف، هذا يوجد، ولكنه نادر قليل، ووجد من أهل العلم من يفعل ذلك، ينشغل حال التسميع، ومع ذلكم قلبه حاضر، وهذا كثير في القراء، الطلاب يعرضون عليه، وقد يعرض عليه أكثر من واحد من الطلاب، في آن واحد، قد يعرض عشرة من الطلاب، كما عرف عن علم الدين السخاوي، يقرأ عليه من قبل عشرة وكلهم بصوت واحد وكلهم من سور متفرقة ويرد عليهم جميعاً، الدارقطني -رحمه الله- تأتي الإشارة إليه، يصلي ويستمع ويرد إما بالإشارة أو بالعبارة من القرآن التي لا تبطل الصلاة، وينسخ ومع ذلك يحفظ ما يسمع، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس يقرأ في المصحف والمصحف بين يديه، وإذا حصل أدنى اضطراب ولو تحرك الباب بسبب ريح أو غيره نسي في أي سورة يقرأ، هذا والمصحف بين يديه فكيف إذا كان يقرأ حفظاً؟! وكثير من الناس يعاني معاناة شديدة إذا صلى بجوار شخص يرفع صوته بالقراءة، ولو في آية واحدة، أو في كلمة لو جهر بكلمة انتهى الذي جنبه ما يدري من أين يقرأ؟ وهذا(23/17)
موجود، وهذه هبات من الله -جل وعلا-، فمن رزق الرسوخ في الحفظ والانتباه واليقظة التامة هذا يشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة، ويستغل هذه النعمة فيما ينفعه، وأما من حرم، أو كان نصيبه أقل، فليجتهد وليحرص أن يعوض بوسائل أخرى.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"واختلفوا" يعني العلماء في صحة السماع "من ناسخٍ" يعني ينسخ حين القراءة في كتاب آخر، لا أقول: ينسخ نفس الكلام، الذي ينسخ نفس الكلام هذا يتابع ذا، لكن الذي ينسخ في كتاب آخر، ونحن نشرح في ألفية العراقي، وشخص معه الموطأ، وآخر معه ابن ماجه، وينسخون ويعلقون ويشتغلون، أو كتب أخرى، هل سماعه للعلم صحيح؟ ويثبت سماعه مع الطلاب في الطباق؟ أو يقال: هذا ليس معنا؟ وإن كان حاضراً بجسده لكن قلبه غائب، و {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب] هذه المسألة خلافية "فقال بامتناعِ" ذلك مطلقاً الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إذ سئل عنهما معاً، يعني سئل عن الشيخ والطالب، ما الحكم إذا اشتغل الشيخ بالكتابة والطالب يقرأ؟ وما الحكم إذا اشتغل الطالب بالكتابة والشيخ يحدث أو يقرأ عليه؟ فقال بامتناعِ الإسفراييني مع أبي إسحاق إبراهيم الحربي، وأبي أحمد بن عدي في آخرين؛ لأن الاشتغال بالنسخ مخل بالسماع،
ونحو ذلك ما جاء عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصبغي الشافعي، الصبغي قال: "لا تروِ" الذين أفتوا بالامتناع:
الإسفراييي مع الحربي ... وابن عدي. . . . . . . . .
والصبغي قال:
لا تروِ تحديثاً وإخباراً قلِ: ... حضرت. . . . . . . . .
"قلِ: حضرت" لا تقل: حدثنا، ولا أخبرنا، إذا كنت منشغلاً بأمر أخر قل: حضرت، نعم حضرت، يعني مثل ما يقال في حق الصبي غير المميز، الصبي غير المميز حينما يكتب اسمه في الطباق ما يقال: سمع، وإنما يقال: حضر، أو أحضر، وأنت مثل الصبي لأن المانع موجود، المانع من صحة السماع موجود في حق الصبي غير المميز، وفي حق المنشغل عن الدرس بغيره "وعن الصبغي"
لا تروي تحديثاً وإخباراً قلِ: ... . . . . . . . . .(23/18)
لا تروِ أيها المحدث ما سمعته على شيخك حال نسخه، أو أنت تنسخك "قلِ" يعني لا تقل: حدثنا، ولا أخبرنا، ولكن قل: حضرت، كالصغير الذي لا يميز للجامع بينهما، أنت لا تميز لنشغالك عن الدرس كما أن الصبي غير المميز لا يفهم ما يسمع، لكن الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي الحنظلي، وعبد الله بن المبارك المروزي كلاهما قد كتب في حال تحمله، يعني وجد هذا من الإمام أبي حاتم الرازي، وعبد الله بن المبارك، كتبوا حال التحمل "كلاهما كتب" يعني قد كتب في حال تحمله، وكذا جوز موسى بن هارون "الحمَّال والشيخ" ابن الصلاح "ذهب" إلى القول "بأن خيراً منه" يعني من إطلاق: حدثنا، وأخبرنا، من إطلاق الجواز، أو المنع التفصيل، يعني قال بامتناع من؟ الإسفراييني، والحربي، وابن عدي، والصبغي قال: لا تقل: حدثنا، ولا أخبرنا، ولكن قل: حضرت، والرازي محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، أبو حاتم،
وابن المبارك كلاهما كتب ... . . . . . . . . .
يعني فعل هذا الأمر، فهل يقال لهؤلاء الأئمة: حضر، ولا يقال: سمع؟ وهم أئمة هذا الشأن "وجوَّز الحمَّال" جوز ذلك موسى بن هارون الحمال، أن يحضر الدرس، ويكتب، وينشغل بغيره، ويقال: سمع "والشيخ" ابن الصلاح "ذهب" إلى القول "بأن خيراً منه" خير من القول بإطلاق المنع، وخير من إطلاق القول بالجواز التفصيل "والشيخ ذهب"
بأن خيراً منه أن يفصلا ... فحيث فهم صح أو لا بطلا(23/19)
فحيث صحب الكتابة، وهذا الانشغال، وهذا النعاس فهم للمقروء، يعني إذا كان هذا الذي ينشغل بغير الدرس يفهم؛ فسماعه صحيح؛ لأن العبرة على الفهم "فحيث فهم صح" يعني صح السماع "أو لا" يعني حيث لا يوجد الفهم "بطلا" السماع، يبطل السماع، يعني لو أن شخصاً حاضر الذهن، ومنبته للشيخ، ثم بعد ذلك سمع الدرس من أوله إلى آخره، فلم يحفظ منه شيئاً، ما حفظ منه شيئاً، وليس عنده كتاب يقرأ منه، يعني ما كتب ما سمع من الشيخ، ولا حفظه، هذا وجوده مثل عدمه، لكن من نعس، أو غفل، أو نسخ، وفهمه حاضر يحفظ ما يسمع، فإن هذا يصح سماعه، الأول سماعه غير صحيح لماذا؟ لعدم وجود الحفظ، والضبط الذي هو أحد ركني الثقة، ما وجد، ولو حضر قلبه، لكن ما حفظ شيئاً، الحافظة ما تمسك شيئاً، هذا ما يصح سماعه، لأنه ليس بضابط، بالمقابل الذي ينسخ، أو يغفل، أو يتكلم مع زميله، أو ينعس، ويضبط ما يسمع، وهذا موجود، هذا يصح سماعه، وهذا التفصيل الذي ذهب إليه ابن الصلاح "والشيخ وذهب بأن خيراً منه" يعني التجويز المطلق، أو المنع المطلق "أن يفصلا فحيث فهم" يعني وجد الفهم، ولو صحب ذلك انشغال بكتابة، أو نعاس، أو ما أشبه ذلك، فحيث فهم للمقروء "صح" السماع، يصح السماع حينئذٍ "أولا" يصحبها ذلك الفهم "بطلا" يعني يبطل السماع.
كما جرى للدار قطني حيث عد ... . . . . . . . . .(23/20)
الدارقطني حضر مجلس الإملاء عند الشيخ إسماعيل الصفار، الدارقطني ينسخ معه كتاب آخر، وينسخ كتابه، والشيخ إسماعيل الصفار يحدث، فلما مضى وقت، قال شخص مجاور للدار قطني: أنت ما غير ضيقت علينا؛ معك كتاب ثاني انتقل إلى ما كان آخر، ما يصح سماعك بهذه الطريقة، فكيف تتعب نفسك .. ؟! قال: فهمي يختلف عن فهمك، وحفظي يختلف عن حفظك، كم قرأ الشيخ من حديث؟ يسأل الشيخ الدارقطني، قال: والله ما أدري، قال الدارقطني: قرأ ثمانية عشر حديثاً، فسردها بمتونها، وأسانيدها على ترتيبها، وهو ينسخ، أقول هبات من الله -جل وعلا-، ونعم لكن هنئياً لمن استغلها فيما ينفع، وأما الذي لا يستغلها فيما ينفع فكم من هذا النوع، من نوع الدارقطني موجود في أسواق المسلمين في بيعهم، وشرائهم، عباقرة، ومع ذلك مع استفادوا، استغلوا هذا الذكاء، استغلوا هذا الفهم، استغلوا هذا الحفظ فيما لا ينفع، وقد يستغل فيما يضر، وقد يستغل فيما يضر، وأنا أعرف أناساً زاملولنا، أناساً عرفناهم من قرب، تجدهم أحفظ الناس لما لا ينفع، والنكت، والطرائف، وإلا حفظ هفوات، وسقطات بعض الناس، إذا زل فلان بكلمة، أو بجملة، أو بشيء حفظت عليه، ما تنسى أبد الآبدين من قبل بعض الناس، وإذا فتح كتاب من كتب العلم ما استفاد، والله المستعان، فهذه المواهب، وهذه النعم سواءٌ منها ما يتعلق بالحفظ، أو ما يتعلق بالفهم، هذه نعم إذا لم تستغل فيما لا ينفع؛ فهي وابل على صاحبها، وابل على صاحبها، ومن أحفظ الناس المعري، أبو العلاء المعري، وهو معروف من الزنادقة المعروفين، حتى قال ابن الجوزي في "المنتظم": زنادقة الإسلام ثلاثة: المعري، وابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، حافظة، شيء لا يخطر على البال، يعني نقش، كأنه يقرأ من كتاب، وهو أعمى، وضبط لما يمر به، ولو كان منذ أزمان متطاولة، وذكر الصفدي في "نكت الهميان" عنه أنه في سفر في أرض فيها شجر، فضربته شجرة، وهو على البعير، أعمى هو ما يرى، ضربته شجرة، وبعد عشرين سنة مر بالمكان على نفس موضع الشجرة، فطأطأ رأسه، فقيل له لماذا؟ قال: في شجرة ضربتني قبل عشرين سنة، قالوا: ما في شجر، قال: أحفروا إن ما وجدتم الأصول، والعروق، فأنا أنا لا أفهم، وبالفعل(23/21)
لما حفروا وجدوا بنفس المكان، وتجد بعض المبصرين يسقط في الحفرة مراراً، ويعثر في بعض الأمور من طلوع، ونزول، وحصى، وما أشبه ذلك، وأيضاً يعود له مرة ثانية، وثالثة.
ويحدثنا واحد من الشيوخ المبصرين يقول: صحبت فلاناً، هذا –أيضاً- شيخ درسنا، وهو كفيف لا يصبر، يقول: صحبته خمس سنين نتردد على المهد العلمي طلاباً، وفي طريقنا صخرة، فما قلت له في يوم من الأيام: ارفع رجلك، مجرد ما يصل الصخرة يرفع رجله، وأنا وقعت فيها مراراً، فمسألة الحفظ، والفهم، والرسوخ في هذا الباب لا شك أنها موهبة، ونعمة من نعم الله -جل علا-، فعلا من وهبها أن يستغلها، ولا يضع الفرصة، لا يدع الفرصة تفوت.
كما جرى للدار قطني حيث عد ... . . . . . . . . .
يعني حين حضر مجلس الإملاء عند الشيخ إسماعيل الصفَّار "عد إملاء إسماعيل عداً" ثمانية عشر حديثاً، وسردها على الولاء، قالوا: ومثل النسخ الصلاة، ينشغل بصلاته، ويقبل عليها بقلبه، وقالبه، ويخشع فيها، وإذا أخطأ عنده أحد رد عليه، إن كان يقرأ في القرآن في الأمر سهل، لكن الدارقطني يصلي، وشخص يقرأ في الحديث، قطن ابن بشير، فقال الدارقطني: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [(1) سورة القلم].
لأنه قطن بن نسير، بالنون ما هو بالباء، نعم قد يكون الإنسان يصلي، ويستمع لمن حوله، ويفهم ما يقولون، وقد يحفظ ما يقولون لماذا؟ لأنه منشغل عن صلاته، هذا موجود، لكن العبرة بمن يتقن صلاته، ويقبل على صلاته، ويخشع فيها، ويتأمل فيها، ويرد على من بجواره، والدارقطني من هذا النوع.
وذاك يجري في الكلام أو إذا ... هينم حتى خفي البعض كذا(23/22)
وذاك التفصيل المذكور من تعليق الأمر بالفهم، التفصيل المذكور، فإن وجد الفهم صح السماع، لم يوجد الفهم لم يصح السماع "وذاك يجري في الكلام" من السامع، أو المسمع وقت السماع، إذا كان القارئ يهينم، أو كان الشيخ في حال التسميع يهينم، وأنتم تعرفون معنى هذا، إما أن يكون سببه السرعة في الكلام، أو جبل في كلامه على أكل بعض الحروف، تسمعون بعض الناس يأكل بعض الحروف، وبعض الشيوخ الكبار كلامه لا يفهمه إلا أهل بيئته، لا لأن اللهجة تختلف، يتكلم بالعربية الفصحى، ومع ذلك من سرعته في الكلام، أو لكونه يأكل بعض الحروف؛ تجد بعض الطلاب يفوته كثير من هذا النوع، والكلمة إذا خفي منها حرف ضاعت عند بعض الناس، وبعض الناس لو ضاع بعض الحروف أدركه من الحروف الأخرى، وهذا –أيضاً- من الضرب الذي ذكرناه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ {ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب]، قالوا: أكثر من قال من المفسرين: أن الإيمان، والكفر لا يجتمعان في القلب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(23/23)
هو لولا أنه وجد من هذا النوع من يفهم الاثنين، وهم يتكلمون؛ لقلنا أن هذا مقصود بالدرجة الأولى؛ لأن هذا عمل قلبين ما هو بعمل قلب واحد، لكنه وجد، يعني وجد من بعض الشيوخ من يحفظ الأصوات حفظاً غريباً جداً، ويعرف الناس بأصواتهم، ولو مرت السنون، وأعجب من ذلك من يفرق بين الناس بأنفاسهم! يقول كل شخص له نفس خاص، دعنا من صاحب نفس متميز، إما ببخر، وإلا شبهه، ذا غير ذا، هذا كل يعرفه لكن العبرة بالأنفاس المتقاربة، يعني شخص كفيف تسلم عليه بعد عشر سنين بدون كلام بمد اليد فقط، فيقول: أهلاً بفلان، كفيف! طيب ما يدريك؟ قال: كل شخص له نفس، ناس ما ميزوا بالبصر يميزون بالنفس -والله المستعان- "وذاك يجري" يعني التفصيل المذكور "يجري في الكلام" من السامعين، أو المسمع وقت السماع، يعني سواءٌ كان الشيخ الذي يحدث جُبل على السرعة في الكلام، وعدم إبانة الحروف، أو القارئ كذلك، القارئ على الشيخ، وتسمعون ممن يتصدى لتعليم الناس، أو إفتائهم، أو الكلام في هذه الوسائل، والأشرطة –أيضاً-، ومن يفتون، ومن يكتبون، الكتابة أمرها سهل، يعني التحرير يمكن، لكن بعض من يتكلم، تجدون بينه من البيان والوضوح مثل ما بين المشرق والمغرب، وتجد علم هذا انتشر بسبب بيانه، وعلم هذا لم ينتشر، ولم يكتب له قبول؛ لعدم بيانه، وإن كان أعلم من الثاني!
وذاك يجري في الكلام أو إذا ... هينم. . . . . . . . .(23/24)
"هينم" يعني أخف صوته، أو أسرع في الكلام "حتى خفي البعض" حتى خفي بعض "البعض" يعني من كلامه، أو بعض الحروف "وكذا إن بعُد السامع" لأن عدم السماع إما أن يكون لضعف في صوت المتكلم، أو لضعف في سمع الطرف الثاني المستمع، أو لبعده، أو لهينمته، وسرعة المتكلم "وكذا إن بعد السامع" يعني عن القارئ، أو كان سمعه ثقيلاً، أو عرض له نعاس خفيف "ثم يحتمل" يعني يغتفر "يُحتمل" لأن الضبط بـ"يُحتمل" يعني يمكن حمله، وقبوله، واغتفاره، يعني يتجاوز عنه، أما إذا كان له أكثر من وجه، وأكثر من احتمال؛ يقال: "يَحتمل"، والناس ينطقون: يَحتمل يُحتمل بكثرة يعني، يعني إذا كان الكلام له أكثر من وجه، يعني يَحتمل كذا، ويَحتمل كذا، ويَحتمل كذا، كثير من الناس ينطقها يُحتمل كذا، ويُحتمل .. ، هذا ما هو بصحيح، أما يُحتمل يغتفر، ثم يُحتمل يعني يُغتفر "في الظاهر" يعني من صنيع أهل العلم، في المسموع، يحتمل يغتفر "الكلمتان أو أقل" يُحتمل "الكلمتان، أو أقل" يعني الكلمة الواحدة إذا فاتت؛ لأنه إذا طال المجلس؛ فلا يتصور أن الإنسان، أو عموم الطلاب مثل الآلات التي لا تفوت شيئاً، لا بد أن يفوت شيء، كلمة، كلمتان، ثم بعد ذلك هاتان الكلمتان إما يستدل عليهما بالسياق، أو بالتثبت من الجليس المجاور؛ ماذا قال الشيخ؟ ومع ذلك يصححون السماع في مثل هذا على خلاف بينهم.
. . . . . . . . . ثم يحتمل ... في الظاهر الكلمتان أو أقل
"وينبغي" ينبغي هذه يفهم منها الوجوب، أو الاستحباب؟ الاستحباب "وينبغي" يعني استحباباً "للشيخ" المسمع:
. . . . . . . . . أن يجيز مع ... إسماعه جبراً لنقص إن يقع(23/25)
يعني الشيخ يقرأ من كتابه، أو يقرأ عليه، ثم بعد ذلك ليس جميع الطلاب يتبينون كل ما قيل بالحرف، يبي يفوت هذا كلمة، وهذا كلمة، وهذا كلمة، وذاك كلمة، ومدري كذا كلمة، وهكذا، منهم من أجاز هذا، وقال هذا: أمر لا بد منه، لا بد أن يقع، وإلا فصار هناك حرج عظيم، ومنهم من يقول: لا يصح إلا أن يروي ما سمع، وما زاد على ذلك مما استثبته من غيره لا ينسبه إلى الشيخ، وإنما ينسبه إلى الواسطة: ثبتني فلان بكذا، أو ذكَّرني فلان بكذا، وقالوا: ينبغي يستحب للشيخ إذا انتهى من الدرس، درس السماع، أو الاستماع، درس السماع من لفظ الشيخ، أو العرض عليه، أن يجيز الحاضرين بما لم يسمعوه، بما فاتهم، لتكون الرواية للدرس كاملة ما سمع بالسماع، وما فات بالإجازة "وينبغي للشيخ أن يجيز" يعني للسامعين رواية الكتاب، أو الجزء، أو الأحاديث "أن يجيز مع إسماعه جبراً لنقص" مع إسماعه لهم جبراً للنقص الذي يصحب السماع "إن وقع" إن وقع بسبب ما ذكر من الغفلة، أما التغافل، أو الغفلة التي جبل عليها الإنسان.
قال ابن عتَّاب: ولا غنى عن ... إجازة مع السماع تُقرَن
أو "تقترن" كما في بعض النسخ، يعني بل قال ابن عتاب، مفتي قرطبة، أبو عبد الله الأندلسي ابن عتاب، قال: والذي أقول: إنه لا غنى لطالب العلم عن إجازة بذاك كتاب، أو الجزء، أو الأحاديث، لا غنى له عن الإجازة مع السماع، ويكون هذا من باب الاحتياط، أو نظراً إلى غالب الناس الذين لابد أن يفوت عليهم ما يفوت، لا غنى لطالب العلم عن الإجازة؛ لأنه لا يفترض في طالب العلم مهما كان من التثبت، والضبط إلا الأفذاذ القلائل النوادر أمثال الدارقطني، وأما كثير من طلاب العلم لابد أن يفوتهم شيء من المسموع "مع السماع" يعني له تقرن به، أو تقترن به كما في بعض النسخ؛ لجواز السهو، والغفلة، أو الاشتباه على الطالب، أو الشيخ، أو هما معاً، المقصود أن مثل هذا أمر لابد منه، فيكمل هذا بالإجازة.
وسئل ابن حنبل إن حرفا ... أدغمه فقال: أرجوا يعفى(23/26)
سئل الإمام أحمد بن حنبل من ابنه صالح، سأله حيث قال له: إن أدمج الشيخ، أو القارئ حرفاً، يعني شيئاً يسيراً من الكلام، أن أدمج القارئ، أو الشيخ في حال السماع، أدمج حرفاً، يعني ما نحتاج إلى تمثيل نسمع من الشيوخ، ويتفاوتون في هذا، منهم من فواته يسير، ومنهم من يدمج الشيء الكثير، يعني ما تسمعون التفاوت في نطقهم بـ "صلى الله عليه وسلم" نعم؟ ما هو ببعضهم يأكل نصف الحروف من عجلته؟ هذا موجود نسمعه يومياً، والله المستعان.
"وسئل ابن حنبل" الإمام احمد محمد بن حنبل من ابنه صالح حيث قال له: إن أدمج الشيخ، أو القارئ "حرفاً" يعني شيئاً يسيراً "أدغمه" إذا أدغمه فلم يفهمه السامع مع معرفته، فقال: أرجوا أن يعفى عن ذلك، مع أن هذا الإدماج من الشيخ، وهذه الطريقة للأداء من بعض الشيوخ التي تخفى فيها بعض الحروف، أو بعض الكلمات، يمكن أن يفهم عنه جميع ما يقول مع الدربة، إذا لازمت هذا الشيخ عرفت كل ما يقول، كأنه أفصح الناس، وإذا جلست عنده لأول مرة ما فهمت ولا نصف ما يقول، بل ولا ربع ما يقول بعضهم؛ لأنه يصير عنده سرعة، ويصير عنده شيء في أنفه يغطي بعض الحروف، ثم بعد ذلك يخرج الكلام كـ "لا شيء" عند السامع أول ما يجلس، أو يأتي من بيئة أخرى ما أخذ على مثل هذا الأداء، لكن إذا تعود على هذا الصوت، وأخذ عليه خلاص، صار من أوضح الأصوات.
لكن أبو نعيم الفضل منع ... . . . . . . . . .
أبو نعيم الفضل بن دكين منع من سلوكه "في الحرف" أي في اليسير، يعني حتى في اليسير، قال: يستفهمه من بعض الحاضرين من أصحابه، في الحرف اليسير الكلمة، أو بعض الكلمة يستفهمه من بعض الحاضرين من أصحابه "فلا يسع" من وقع له مثله،
إلا بأن يروي تلك الشاردة ... عن مفهم ونحوه عن زائدة(23/27)
الإمام أحمد -رحمه الله- تسمَّح في الشيء اليسير، وقال: يستفهمه من جاره، ولا يشير إلى أنه استفهم، لكن الفضل ابن دكين، أبو نعيم الحافظ الثقة الضابط المتثبت "منع" قال: حرف واحد ما تسمعه من الشيخ لا يجوز أن ترويه عنه، ولو استثبت من زميلك أللي عن يمنيك، ويسارك، وثالث، ورابع، وعاشر كلهم قالوا: قال الشيخ كذا، لا تنسب للشيخ، انسبه لهؤلاء الذين بلغوك عن الشيخ، إلا إذا ذهبت بنفسك، وقلت: إن الطلاب قالوا كذا، فقال الشيخ: نعم، اروي عن الشيخ الآن.
لكن أبو نعيم الفضل منع ... في الحرف يستفهمه فلا يسع
يعني يستفهمه من بعض أصحابه، فلا يسع من وقع له مثله،
إلا أن يروي بتلك الشاردة ... . . . . . . . . .
يعني تلك الكلمة التي تنبع عن سمعه لا يرويها عن الشيخ:
إلا أن يروي بتلك الشاردة ... عن مفهم. . . . . . . . .
الذي تثبَّت منه "عن مفهم" يعني أفهمه إياها "ونحوه" مروي "عن زائدة" زائدة بن قدامه، وحكي عن أبي حنفية مثله، وأبو حنيفة من أهل التشديد في هذا الباب، من أهل التشديد في هذا الباب، حتى أنه منع الرواية من الكتاب أصلاً.
وخلف بن سالم قد قال: نا ... إذا فاته حدث من حدثنا
وأيضاً الحافظ المتقن خلف بن سالم المخرمي "قد قال: نا" نا فلان، نا سفيان، إيش نا سفيان؟ هل هذه التي يكتبها العلماء، يختصرون عليها في الأسانيد، يعني رمز لحدثنا؟ لا هو ما يقصد هذا، لكنه كلمة حدث ما سمعها، ما سمع إلا نا، فهو ما يذكر إلا نا، ولا يدري هي من حدثنا، أو من أخبرنا، المقصود أنها "نا" ما سمع من الشيخ إلا "نا" فاقتصر عليها،
وخلف بن سالم قد قال: نا ... . . . . . . . . .
يعني مقتصراً على النون والألف،
. . . . . . . . . ... إذا فاته حدث من حدثنا(23/28)
يعني لما قال سفيان: حدثنا، ما سمع حدث إنما سمع "نا"، فصار ما يذكر إلا نا، يعني هل يسوغ إذا قال: حدثنا سفيان، وخفيت عليه السين أن يقول حدثنا: فيان مثلاً، مثل ما صنع خلف بن سالم؛ لأنه ما سمع السين، أو افترض أن هذا الشيخ في لسانه شيء، السين عنده شين، يقول: حدثنا شفيان، أقول: مثل هذا التشديد لاشك أنه إفراط في مثل هذا؛ لأنه لما لم يتبين كلمة حدث قال: نا، هذه مسألة تمشي باعتبار أنه يقال: نا عن حدثنا في الرمز، يعني كأن السامع ما يستغرب شيئاً إذا قال: نا سيفان، كأنه قال: حدثنا سفيان، لكن افترض أنه ما سمع السين من سفيان، هل يقول: خلف بن سالم حدثنا فيان؟ يقول مثل هذا؟ أو كان الشيخ بعد ممن يقلب بعض الحروف، إما يجعل الثاء سين، وإلا الذال زاي، وإلا شيء، يروي كما سمع، وإلا يتصرف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما يثبتها خلفاً لما أللي ما أثبت صيغة الأداء، ما هو متصرف في اسم راوٍ، لن يتصرف في اسم راوٍ، فضلاً عن متن الحديث، إذاً صيغة الأداء أمرها سهل، أسهل بكثير من تغيير اسم راوٍ، ما ندري ماذا يحصل له لو سمع نصف الاسم؟ لو سمع نصف الاسم ماذا يصنع؟ هل يصنع كما صنع بـ "نا"؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا ألغى الاسم صار فيه سقط، السند فيه سقط، يضعف بسببه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مثل هذا خير من هذه الحرفية، وهذا الإفراط، أن يتثبت، فإذا تثبت من جاره الثقة يعتمد عليه، كما يعتمد على المستملي.
من قول سفيان وسفيان اكتفى ... بلفظ مستمل عن المملي اقتفى(23/29)
من قول شيخه سفيان بن عيينة، وسفيان شيخه "اكتفى بلفظ مستمل" يعني بسماع لفظ مستمل "عن المملي اقتفى" عن لفظ المملي إذ المستملي اقتفى إي تبع لفظ المملي، وهو الذي عليه العمل بين أكبار المحدثين، يعني حينما يكثر الجمع، أو يعرض للشيخ ما يعرض له مما يؤثر على صوته من مرض، ونحوه يتخذ مستملي، المستملي هو الذي يسمع صوت الشيخ، ويبلغه إلى الطلاب، يعني أحياناً تكثر الجموع تكون بالألوف، وليس عندهم آلات تريحهم، وتكبر الصوت، وتبلغه القاصي والداني، يتخذون مستملين، يتخذون مستملين، فيُعجل في الصف الثالث واحد، وفي الصف السادس واحد، وفي الصف العاشر واحد، كل واحد يسمع كلام واحد ويبلغ، ولابد أن المستملي له شروط يأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى- أن يكون ثقة، وأن يكون يقظاً، وفاهماً، يكون فاهماً يقضاً، يعرف يتصرف، ويعرف ينقل الكلام بحروفه، ما يكون مغفل، شيخ من المشايخ اتخذ مستملي، فقال الشيخ: حدثنا عدة يعني مجموعة من الشيوخ، فلما قال: حدثنا عدة، وسكت الشيخ، قال: عدة ابن من؟ هذا مثل أللي بحث عن ترجمة ابن لبون، وابن مخاض مثله، فلما يجد لهما ترجمة في الكتب، لكن لا بد أن يكون المستملي متيقظاً؛ لأن الشيخ يسمع قد يسمع المستملي الأول لكن ما يسمع المستملي الثاني، وإذا تسنى له أن يرد على المستملي القريب؛ لا يتسنى له أن يرد على المستملي البعيد، وهذه الطريقة في الاستملاء موجودة حتى على مستوى المجالس العادية، يعني قبل السنترالات، وقبل الهواتف، وقبل مكبرات الصوت تجد مثلاً أمير البلد، وهو جالس في قصره إذا أراد شيئاً رفع صوته، ويسمعه شخص، ثم بعد ذالك هذا الشخص يرفع صوته ويسمعه الثاني، وهكذا، وعلى طريقة الاستملاء عند أهل العلم، وكما الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل]، يستعمل هذا فيما يرضي الله، وهذا في أمور عادية مباحة، وقد يستعمل في محرم، وما أشبه ذلك، والله المستعان.(23/30)
"وسفيان اكتفى بلفظ مستمل" يعني بسماع لفظ مستملٍ عن لفظ المملي، إذ المستملي "اقتفى" أي تبع لفظ المملي، وهو الذي جرى عليه العمل بين أكابر المحدثين، يعني يكتفون بلفظ المستملي، ويروون عن الشيخ مباشرة لماذا؟ لأنه لو غلط المستملي رد عليه الشيخ، ولو غلط المستملي الثاني رد عليه المستملي الأول؛ لأن المسألة مفترضة في ثقات، في ثقات لا يسكتون عن الغلط.
كذاك حماد بن زيد أفتى: ... استفهم الذي يليك حتى
كذالك أبو إسماعيل حماد بن زيد أفتى من استفهمه في حال إملائه فقال: كيف قلت؟ فقال: استفهم الذي يليك،
. . . . . . . . . ... استفهم الذي يليك حتى
أنهم:
رووا عن الأعمش كنا نقعد ... . . . . . . . . .
الأعمش الحافظ الحجة قال:
. . . . . . . . . كنا نقعد ... للنخعي فربما قد يبعد
النخعي إبراهيم ين يزيد "فربما قد يبعد البعض" ممن يحضر "البعض لا يسمعه" البعض من الحضور يبعد بحيث لا يسمع الشيخ "فيسأل" يعني ذلك البعيد "البعضَ" القريب من الشيخ "عنه" أي عما قال الشيخ،
البعض لا يسمعه فيسأل ... البعض عنه ثم كل ينقل
ثم كل من سمع من الشيخ، أو من سمع من رفيقه، وجاره ينقل كل ذلك عن الشيخ بلا واسطة.
قال رحمه الله:
وكل ذا تساهل وقولهم: ... يكفي من الحديث شمه فهم
"وكل ذا" أي رواية الراوي ما لم يسمعه من الشيخ إلا من المستملي، أو من رفيقه تساهل، وإلا فالائق بأهل التحري ألا ينسب إلى الشيخ إلا ما سمعه من لفظه، أو قُرأ عليه، وهو يسمع.
وكل ذا تساهل وقولهم: ... . . . . . . . . .(23/31)
شاع عند كثير من أهل الحديث، كابن منده مقالة: "يكفي من الحديث شمُّه" يكفي من الحديث شمه، يعني يكفي من سماعه الشمُّ، ما يحتاج أن تسمع الحديث كاملاً، وهذا لكل الناس؟ أو للماهر في الصناعة الذي حفظ من الأحاديث القدر الكبير جداً، الذي يكفيه أن يذكر له طرف الحديث، ويترك؟ بعض الناس يكفيه شم الحديث، يكفيه شم المسائل العلمية –أيضاً- يسمك طرف المسألة اتركه بس، فإذا مسك طرف الحديث خلاص يكفي هذا، يكفيه الشم، لماذا؟ لأن عنده رصيد كافٍ لمثل هذا، أما الشخص الذي يلقن كلمة كلمة، فإذا لقن الأولى ضاعت الثانية، وإذا لقن الثانية ضاعت الأولى، هذا ما يكفيه، ولا إيش؟ ما يكفيه، ولا أكله أكل لمَّا، لا يكفيه شمَّا، وهذا يذكرنا باعتراض للعيني على ابن حجر في مسألة في العربية، وقال: إن هذا الكلام لا يقوله من شمَّ أدنى رائحة لعلم العربية، صاحب "المحاكمات المبتكرات اللآلئ والدرر" لما ذكر الحافظ، وذكر كلام العيني، ووازن بينهما، ونقل ما يؤيد كلام الحافظ من كلام الأئمة، قال: فتبين بهذا أن الحافظ أكل العربية أكلاً لما، ولم يكتفي بشمها شمَّا، فنعم الناس يتفاوتون بعض الناس ما يكفيه، ولا تلقين، كلمة كلمة، وعسى، ولا تكثر عليه، تملي عليه جملتين متواليتين، بل يملى عليه كلمة كلمة، وعسى يضبط، وبعض الناس أبداً تعطيه طرف البيت، ويكمل طرف الحديث، ويكمل، وهكذا، طرف المسالة، ويتصورها، وهذا ينتفع بمثل هذا في حال المذاكرة مع الشيوخ، أو مع الأقران:
وكل ذا تساهل وقولهم: ... يكفي من الحديث شمه فهم
يعني القائلون من ذلك إنما:
عنوا إذا أول شيء سئلا ... . . . . . . . . .
عنوا به إذا أول شيء أي طرف الحديث سئل عنه المحدث عرفه، ولذلك كثير من الأحاديث لا يؤتى بلفظها، لا يؤتى بها بلفظها، إنما قال: سمع الحسن من سمرة حديث العقيقة، ما يحتاج أن تأتي بالحديث كاملاً، علقمة سمع من عمر حديث الأعمال بالنيات، ويكفي، فإذا أردت أن تسرد الكلام بالتفصيل تأتي بالحديث كاملاً، ويكفيك من هذا شمه، يكفيك ما يدل على المقصود:
عنوا إذا أول شيء سئلا ... . . . . . . . . .
يعني عنه محدث طرف الحديث:
. . . . . . . . . ... عرفه وما عنوا تسهلا(23/32)
عرفه، اكتفى بطرفه عن ذكر باقيه "وما عنوا به تسهلاً" في التحمل، ولا في الأداء، والمسألة السادسة، أو الفرع السادس، أو السابع على اعتبار مسألة الإجازة مع الفوت إن اعتبرناها مسألة مستقلة صار الفرع السابع، وإلا فهو السادس:
وإن يحدث من وراء ستر ... عرفته بصوت أو ذي خبر
"صح" يعني المحدث الذي يحدث من وراء حجاب، يحدث مثلاً من خلال المذياع مثلاً، أو شريط، أو في مكان آخر، ويسمع صوته، ولا يرى شخصه يصح، إذا أمن من اللبس، يعني من تقليد الصوت، من تقليد الصوت إذا جزمنا بأن هذا هو صوت فلان، والكلام يليق به؛ لأنه أحياناً الصوت لا يميز من بعض المهرة في التقليد تسمع الكلام كأنه صوت المقلَّد من كل وجه، لكنه في الغالب أن المقلِّد هذا أنه يأتي بكلام لا يليق بالمقلَّد، لأنه ما جاء بهذا التقليد لنفع الناس، أبداً ما يمكن أن يقلد شخص لينتفع الناس بكلام المقلَّد، سمعنا من يقلد العلماء، سمعنا من يقلد بعض المسؤولين، ويتقنون هذا التقليد لكنه لاشك أن مثل هذا الامتهان علامة خذلان لماذا؟ لأنه لا يريد به نفع الناس؛ لأنه يأتي بكلام يقلد فيه –مثلاً- الشيخ بن باز؛ هل هذا المقلد يأتي بالكلام ليمشيه على الناس باعتبار انه من كلام ابن باز فيما ينفع الناس؟ أو يأتي بهذا من طريق التنكيت، والطرفة، وأحياناً السخرية -نسأل الله السلامة والعافية-، هذه مهنة المقلدين من الممثلين، وغيرهم هذه مهنة المقلدين، ولذا يفتي أهل العلم بتحريم هذا التقليد، ومنعه منعاً كلياً؛ لأن أكثر من يأتي به إنما يأتي به للاستهزاء، أو لإضحاك الناس، لا يأتي به بفائدة، فإذا كان الصوت هو صوت فلان الذي يليق به بما أن الكلام الذي يخرج يليق بفلان، يعني هذه قرينة على أنه بالفعل فلان، ولذا قال:
وإن يحدث من وراء ستر ... . . . . . . . . .(23/33)
إما وراء جدار، أو إزار، أو ما أشبه ذلك، من "عرفته بصوت" إما بصوت ثبت لك أنه صوته لعلمك بصوته، يعني مر عليك مراراً، نعم "أو" إخبار "ذي خبرٍ" يعني معرفة به ممن تثق بعدالته، وضبطه، بأن يقول لك: هذا الصوت فلان بحيث لا تردد في خبره "صح" السماع على المعتمد بخلاف الشهادة، الشهادة لا تصح من وراء ستر، ولا من وراء حجاب، إنما تكون مكافحة، مشافهة.(23/34)
"وعن شعبة" ابن الحجاج، وهو من أهل التشديد، وعن شعبة بن حجاج قال: "لا تروِ عمن حدثك ممن لم تر وجهه"، لا تحدث، أو لا تروِ عمن حدثك ممن لم تر وجهه، فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول: حدثنا، وأخبرنا، تصور في صورته يعني المقصود أنه تقمص شخصيته، والمراد بهذا الصوت، المراد بهذا الصوت، وإن كان الشيطان قد يتشكل بصورة إنسان، وشيخ الإسلام -رحمه لله- يقول: جاءني من ينسب إليَّ أقوال، يقول: أنا سمعتك بنفسي، ورأيتك تقول كذا، يعني في مسائل القبور، والاستعانة بأهلها، قال: أبداً أنا ما قلت هذا، هذا شيطان تلبس بصورتي؛ لأنه لا يعقل أن شيخ الإسلام الذي يرد على المبتدعة، وعلى القبوريين أن يقول مثل هذا الكلام، فالشيطان لا شك أنه من الفتن التي تفتن بعض الناس، ولذا عباد القبور الذين أشربت قلوبهم حبها، وصرفوا لأهلها، ومن فيها ما هو من حق الرب -جل وعلا- يفتنون في هذا الباب، قد يسأل صاحب القبر، ويجاب من داخل القبر، شيطان، وهذا زيادة في الفتنة -نسأل الله السلامة والعافية-، يقول: "لا تروِ عمن حدثك ممن لم تر وجهه؛ فلعله شيطان، وقد تصور في صورته، يقول: حدثنا، وأخبرنا" ومعروف أنه أطلق الصورة، وأراد الصوت، لكن الحق، والمعتمد عند أهل العلم، والراجح أنه يعتمد، تعتمد، وتصح الرواية من وراء ستر "ولنا" يعني الحجة لنا، الحجة لنا في اعتماد الصوت حديث ابن عمر، رفعه: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا، واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))، بلال يؤذن بليل، فكلوا، واشربوا، يعني اعتمدوا على أذان ابن أم مكتوم، وهو لا يرى شخصه، ترى شخص المؤذن، ألا تعتمد قوله، ألا تصوم، تفطر بأذانه، وتمسك بأذانه، وتصلي بأذانه، وأنت لا ترى شخصه، هذا من أقوى الحجج على أن الرواية من وراء حجاب صحيحة: ((إن بلالاً يؤذن بليل))، "وحديث أمنا" عائشة أم المؤمنين حينما تحدث من يروي عنها من الصحابة، أو من التابعين، إنما تحدثهم من رواء حجاب، فإذا كانت أمور الدنيا إذا سألوا عنها: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] من رواء حجاب، وكذلك التحديث، لا يجوز تحديث المرأة للرجال، أو الرجل للنساء بدون حجاب، بدون(23/35)
حجاب، وعائشة تحدث من يطلب منها التحديث، أو يسألها عن الحديث، وهي في بيتها من وراء حجاب، وهذا من أقوى الأدلة على اعتماد التحديث من وراء حجاب، وهذا يدل على أن الاختلاط لم يوجد لا في أول الزمان، ولا في آخره، وكل عمل يؤدي إلى محظور فهو محظور، وتجد بعض المفتونين يقول: إن الناس يطوفون جميعاً رجال ونساء، ويصلين مع الجماعة من دون حجاب، ومن دون ساتر، وحتى أن من أغرب الأدلة استدلالاً من استدل على جواز الاختلاط بآية المباهلة: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ} [(61) سورة آل عمران]، يعني إحنا نجتمع في مكان واحد ونباهل، يعني الشيطان يلقنهم بعض الحجج، ولا شك أن هذا من إتباع المتشابه الذي هو صنيع أهل الزيغ، فأين هم عن النصوص المحكمة؟ أين هم عن مقاصد الشريعة التي جاءت بقطع دابر كل ما يوصل إلى الفساد؟ وحديث أمنا أم المؤمنين عائشة التي تحدث من رواء حجاب، وكذلك سائر النساء من الصحابيات، وغيرهن ممن جاء بعدهن ممن له عناية بالرواية، فقبلت هذه الرواية مع غيبة الشخص، مع سماع الصوت، وغيبت الشخص مع أمن التقليد، والتزوير، كما أنه يعتمد على الكتابة مع أمن تزوير الكتابة، كما سيأتي بالثامن الوجادة "ولا يضر سامعاً" هذا الفرع الثامن يقول:
ولا يضر سامعاً أن يمنعه ... الشيخ أن يروي ما قد سمعه
وكذالك التخصيص أو رجعت ... ما لم يقل أخطأت أو شككت
الفرع الثامن: لا يضر سامعاً أن يمنعه، لا يضر السامع من الشيخ أن يقول له الشيخ: لا ترو عني، يعني سمع لفظاً، أو عرضاً، روى عن الشيخ حضر مجلس التحديث، وقال الشيخ: لا أنت يا فلان لا توري عني.(23/36)
شرح ألفية الحافظ العراقي (24)
الثالث: الإجازة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
يعني سمع لفظاً أو عرضاً، روى عن الشيخ حضر مجلس التحديث وقال الشيخ: لا أنت يا فلان لا تروِ عني لا أجيز ولا أبيح لك أن تروي عني، يمتنع وإلا ما يمتنع؟ ما يمتنع؛ لأنه لا يملك
ولا يضر سامعاً أن يمنعه ... الشيخُ. . . . . . . . .
المسمع بعد الفراغ من السماع أو قبله لا يضره يروي عنه "أن يروي عنه ما قد سمعه" أن يروي ما قد سمعه، يروي عنه ما قد سمعه منه، حيث لا يذكر علة للمنع، بأن يقول: لا لعلة بينة، ولا لريبة في المسموع، يقول: لا ترويه عني، أو ما أذنت لك في روايته عني، أو نحو ذلك، أو أنت يا فلان من بين الطلاب لا تروي عني، الشيخ لا يملك، العلم ليس بملك لهذا الشيخ، العلم مشاع فلا يملك منعه، قد يكون الشيخ ممن يأخذ الأجرة على التحديث، وهذا تقدم، يأخذ الأجرة على التحديث، فيأتي من يأتي يعني الطلاب يدفعون أجرة لهذا الشيخ ويحدثون، فيأتي شخص ما دفع أجرة يبي يجلس، الشيخ متكلم متكلم ولا يضره، فيخرجه من المجلس، فيجلس خارج المنزل ويسمع ويقيد، فبعض من امتهن هذه المهنة التي هي أخذ الأجرة على التحديث يأمر بدق الهاون، الهاون معروف وإلا ما هو بمعروف؟ نعم؟ إحنا نسميه النجر الذي يدق به القهوة وغيرها مما يراد طحنه، على شان إيش؟ من أجل اللي برع ما يسمع، يشوش عليه؛ لأنه ما دفع شيء، إذا لم يدفع أجرة، قصة النسائي -رحمه الله تعالى- مع الحارث بن مسكين، الحارث بن مسكين إمام في الرواية، في الثقة، في الضبط والعدالة، والنسائي شخص معروف أنه يهتم بمظهره يلبس الجديد من كل شيء، ومن رآه طمع فيه، إذا كان يأخذ أجرة عادية على الناس زاد عليه، والنسائي لا يريد أن يدفع أجره؛ لأن هذه عبادة ما يدفع عليها أجرة في الأصل، العلم من العبادات المحضة، الأصل فيها أنه لا يأخذ عليها أجرة، فمنعه الحارث بن مسكين من السماع، فصار يجلس وراء سارية ويستمع، فلما روى عن الحارث بن مسكين ماذا يقول؟ هل يقول: حدثنا الحارث بن مسكين وقد منعه؟ هل يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين؟ لا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(24/1)
لا ما يقول: سمعت، بدون صيغة، يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، وهذا نهاية في الورع والدقة، لا يقول: حدثنا، ولا أخبرنا، ولا شيء، يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، بدون صيغة، لكن الذين طبعوا سنن النسائي يثبتون أخبرنا على الجادة؛ لأن قبله أخبرنا، والذي بعده أخبرنا، لكن المعروف في الأداء عن الحارث بن مسكين أنه يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، ومع ذلك لا يضره منعه من قبل الحارث بن مسكين، فالنسائي -رحمه الله- لورعه لم يثبت صيغة، ولإمامة الحارث بن مسكين وثقته وضبطه لم يهدر ولم يترك ما سمعه منه.
ولا يضر سامعاً أن يمنعه ... الشيخ أن يروي ما قد سمعه
يعني منه، و "كذلك التخصيص" لا يضر التخصيص يعني يقول: خلاص لا يروي عني إلا فلان، لماذا؟ لأنه دفع الأجرة، والبقية ما دفعوا، فكل من دفع أجرة قال: اروِ عني، ما يملك، و "كذلك التخصيص" يعني لا يضر من الشيخ لواحد أو لمجموعة بالسماع، "أو رجعت" يعني أو قول الشيخ: رجعت، ترى ما حدثتكم، ترى ما صار شيء، كل الأحاديث التي سمعتموها مني لا تروونها، رجعت عنها، "ما لم يقل أخطأت أو شككت" نعم المؤثر في هذا أن يقول: أخطأت في الرواية، إذا قال: أخطأت ما يروى عنه؛ لأنه يخلو إما أن يكون صادقاً في قوله أو كاذباً، فإن كان صادقاً فلا تجوز رواية الخطأ، وإن كان كاذباً سقطت رويته خلاص، سقطت عدالته؛ لأنه كذب، "ما لم يقل" يعني مع ذلك مع المنع: أخطأت فيما حدثت به، أو شككت في سماعه، أو نحو ذلك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ
ثُمَّ الإِجَازَةُ تَلىِ السَّمَاعَا ... وَنُوِّعَتْ لِتِسْعَةٍ أَنْوَاعَا
ارْفَعُهَا بِحَيْثُ لاَ مُنَاولَهْ ... تَعْيِيْنُهُ الْمُجَازَ وَالْمُجْازَ لَهْ(24/2)
وَبَعْضُهُمْ حَكَى اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ... جَوَازِ ذَا، وَذَهَبَ (الْبَاجِيْ) إِلَى
نَفْي الْخِلاَفِ مُطْلَقَاً، وَهْوَ غَلَطْ ... قال: وَالاخْتِلاَفُ فِي الْعَمَلِ قَطْ
وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بأَِنْ للشَّافِعِي ... قَوْلاَنِ فِيْهَا ثُمَّ بَعْضُ تَابِعي
مَذْهَبِهِ (الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَنَعَا ... وَصَاحِبُ (الْحَاوي) بِهِ قَدْ قَطَعَا
قَالاَ كَشُعْبَةٍ وَلَو جَازَتْ إِذَنْ ... لَبَطْلَتْ رِحْلَةُ طُلاَّبِ السُّنَنْ
وَعَنْ (أبي الشَّيْخِ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ) ... إِبْطَالُهَا كَذَاكَ (لِلسِّجْزِيِّ)
لَكِنْ عَلى جَوَازِهَا اسْتَقَرَّا ... عَمَلُهُمْ، وَالأَكْثَرُوْنَ طُرَّا
قَالُوا بِهِ، كَذَا وُجُوْبُ الْعَمَلِ ... بِهَا، وَقِيْلَ: لاَ كَحُكْمِ الْمُرْسَلِ
وَالثَّانِ: أَنْ يُعَيِّنَ الْمُجَازَ لَهْ ... دُوْنَ الْمُجَازِ، وَهْوَ أَيْضَاً قَبِلَهْ
جُمْهُوْرُهُمْ رِوَايَةً وَعَمَلاَ ... وَالْخُلْفُ أَقْوَى فِيْهِ مِمَّا قَدْ خَلاَ
وَالثَّالِثُ: التَّعْمِيْمُ فِي الْمُجَازِ ... لَهُ، وَقَدْ مَالَ إِلى الْجَوَازِ
مُطْلَقَاً (الْخَطِيْبُ) (وَابْنُ مَنْدَهْ) ... ثُمَّ (أبو الْعَلاَءِ) أَيْضَاً بَعْدَهْ
وَجَازَ لِلْمَوْجُوْدِ عِنْدَ (الطَّبَرِيْ) ... وَالشَّيْخُ لِلإِْبْطَالِ مَالَ فَاحْذَرِ
وَمَا يَعُمُّ مَعَ وَصْفِ حَصْرِ ... كَالْعُلَمَا يَوْمَئِذٍ بِالثَّغْرِ
فَإِنَّهُ إِلى الْجَوَازِ أَقْرَبُ ... قُلْتُ (عِيَاضٌ) قالَ: لَسْتُ أَحْسِبُ
فِي ذَا اخْتِلاَفَاً بَيْنَهُمْ مِمَّنْ يَرَى ... إِجَازَةً لِكَوْنِهِ مُنْحَصِرَا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الثالث: أي القسم الثالث من أنواع التحمل بعد السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه، الذي يسمونه العرض الإجازة.(24/3)
الإجازة: مصدر أجاز يجيز إجازة، وأصلها إجوازة كإعانة وإقامة، يقولون: تحركت الواو، وتوهم افتتاح ما قبلها فقلبت ألفاً، فاجتمع ألفان، فحذفت إحداهما، إما الأصلية أو المنقلبة عن الواو، على خلاف بين الأخفش وسيبويه، قولهم تحركت الواو وتوهم انفتاح ما قبلها، كل هذا تمرير للقواعد، تمرير للقاعدة، ومنهم من يقول كالخضري في حاشيته على ابن عقيل يقول: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها باعتبار الحال، يعني بعد القلب، وهذا لا يجري على قاعدتهم، المقصود أن هذا أصلها إجوازة كإقامة وإعانة وإمامة، وغيرها ما جاء على هذا الوزن، وأصل اللفظ يرد للعبور والانتقال، تقول: عبرت أو جزت النهر إذا عبرته وانتقلت من ضفة إلى أخرى، وأيضاً يرد اللفظ للإباحة الذي هو الجواز، قسيم المنع، وقسيم الحظر، وبعضهم يقول: إن الإجازة مأخوذة من المجاز، ويقول: إن حقيقة الرواية إنما هي في السماع والعرض، ومجازها بالإجازة والمناولة، وما يلي ذلك؛ لأن الإجازة لا يدل عليها لا مستند شرعي ولا لغة، لا يطلق على من أذن له أن يحدث عن شخص أن الشخص الأول حدثه، يعني في اللغة، ولا في الشرع، إذا قال: إذا وجدت فرصة مناسبة لئن تتحدث باسمي أو تحدث عني بكلام طيب فحدث، الشرع يؤيد هذا وإلا ما يؤيده؟ ما يؤيد هذا، يعني لو أنت قلت، أو قيل لك في أي عقد تحضره وتصدق المتعاقدين فأنت وكيل عني اشهد وأثبت شهادتي، أذنت له أن يشهد عنك، يجوز وإلا ما يجوز؟ ما يجوز أبداً، ما يجوز، ولو قلت له: شوف أدنى مناسبة أو فرصة للحديث، إذا رأيت مجتمع من الناس، الناس مجتمعين في مناسبة فتحدث بكلام طيب تعظ به الناس باسمي، قل: إن فلان يقول كذا، يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، ولذا حجة من منع الرواية بالإجازة أن من قال لغيره: حدث عني بما لم تسمعه مني كأنه قال له: أجزت لك أن تكذب عليّ، والأصل في الرواية على ما تقدم، إما أن يسمع من لفظ الشيخ، أو يقرأ على الشيخ فيقر، هذه الأنواع الأخيرة بدءً بالإجازة احتيج إليها، كثر الناس، وكثرت الأحاديث، فصار من الشاق جداً، ومن الذي لا يطاق أن يجلس كل شيخ لكل طالب في كل كتاب، مستحيل هذا، يعني إذا قدرنا أن كتب السنة يعني في ألف مجلد، والراوي(24/4)
المسند الشيخ الذي عنده، الذي روى هذه الكتب بالسماع أو بالعرض عن شيوخه يستحيل أن يجلس لكل من جاءه أن يقرأ عليه جميع هذه الكتب، فتسمحوا بقول الشيخ: أذنت لك يا فلان أن تروي عني مروياتي هذه الكتب، هذه هي الإجازة، الإذن بالرواية الإجمالي، الإذن بالرواية المفيد للإخبار الإجمالي عرفاً، الإذن بالرواية المفيد للإخبار الإجمالي عرفاً، فهو يروي عنك إجمالاً، ثم يحدث عنك تفصيلاً، أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري، ثم يقول: حدثنا شيخنا قال: قال البخاري إلى إسناده حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان ... إلى آخره، هو ما تلقى عنك حديث: الأعمال بالنيات لا بالسماع منك، ما سمعه من لفظك، ولا قرأه عليك، وإنما تسمح الناس في مثل هذا الإذن، وصارت الكتب والأحاديث تروى به نظراً للمشقة العظيمة التي تلحق المسندين مع كثرة الطلاب وكثرة الكتب، وصارت الإجازة بالنسبة للطلاب الحديث بعد أن كان طالب العلم يلزمه أن يرحل من أجل حديث واحد يسمعه، يرحل من المدينة إلى بغداد، يرحل من المدينة إلى مصر، يرحل من المدينة إلى اليمن؛ ليسمع حديث يوجد عند فلان من الرواة، صار يكتب إليه ويجيز وينتهي الإشكال بجميع ما يرويه، وتيسر الأمر للطلاب، يعني نظير تيسر الطلب الآن من خلال الآلات، يعني الرجل في بيته ومتخفف من جميع التكاليف التي تلزمه لو خرج، وجالس في بيته ويسمع الدروس، هذه من نعم الله، ومع ذلك يسمع تفصيلاً، ما هو بمثل الإجازة بعد أقوى من الإجازة، يسمع تفصيلاً، ولا يحتاج إلى أن يرحل، يعني الطالب في أقصى المشرق يسمع في الوقت الذي يسمع فيه من في أقصى المغرب، واحتيج للإجازة؛ لأن المسافات بعيدة، والأحاديث كثيرة، والشيوخ كثير فشق عليهم، وشفع لهذا التسامح الأثر المرتب على الرواية، يعني الإجازة ما كانت معروفة في عصور الرواية، حينما كانت الرواية بالفعل يترتب عليها التصحيح والتضعيف، لكن لما كان الأثر المرتب على اتصال الأسانيد هو مجرد إبقاء السلسلة التي هي خصيصة هذه الأمة تسامحوا، سهل اروِ عني صحيح البخاري؛ لأن صحيح البخاري مدون ومضبوط ومتقن، وأنا أروي صحيح البخاري برواية أبي ذر، وبرواية فلان أو علان، وأنت ترويه عن طريقي بهذه الرواية، فما(24/5)
صار للرواية ذاك الأثر البالغ الذي يترتب عليه الثبوت من عدمه، فتسامحوا في كيفية الرواية، وتجاوزوا عن كثير من الشروط التي يشترطونها في الرواة؛ لأنه الآن صار أثرها يعني مالها أثر حقيقي عملي، يقول بعض من أبطل الإجازة: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة، هذه يحتج بها من يرى أن الإجازة غير صحيحة، ولكن هذا الاستدلال، أو هذه العلة التي من أجلها تبطل الإجازة علل لا تثمل ولا تثبت أمام التمحيص؛ لأن الرحلة ليست مقصودة لذاتها؛ لأنه يلزم عليه أنه لو رحل من المشرق أو المغرب وروى عن الشيخ بالإجازة صحت روايته؛ لأنه ما بطلت الرحلة، والإجازة لا تتأثر سواء حضر إلى الشيخ أو لم يحضر.
يقول -رحمه الله تعالى-:
طالب:. . . . . . . . .
عرفنا أنها ترد للعبور والانتقال، ترد أيضاً للإباحة التي هي قسيم المنع، وقال بعضهم: إنها من المجاز، كونها للعبور أو الانتقال العبارة عبرت أو المروي عبر من الشيخ إلى تلميذه بهذا الإذن الإجمالي، وأيضاً الإباحة كأنه يبيح له أن يروي عنه، ويجيز له أن يروي عنه، وكذلك قولهم: إنها مأخوذة من المجاز، هذا عند من يثبت المجاز، يقول: إن حقيقة الرواية إنما هي بما يسمع من لفظ الشيخ، أو يقرأ عليه، وما عدا ذلك مجاز، لماذا؟ لأنه لفظ استعمل في غير ما وضع له، وهذه حقيقة المجاز عند من يقول به.
قال -رحمه الله-:
ثم الإجازة تلي السماعا ... . . . . . . . . .
الذي هو القسم الأول أو الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل بالفعل الإجازة تلي السماع وعلى هذا تكون فوق العرض؟ نعم؟ إذا قلنا: "ثم الإجازة تلي السماعا" تلي القسم الأول، إذاً القسم الثاني وليست الثالث، هاه؟
إذا قلنا: إنها تلي السماع يعني من لفظ الشيخ، قلنا: إنها أقوى من العرض، وهي القسم الثاني وليس الثالث، حتى الناظم يفسر هذا الكلام بأن الإجازة تلي السماع عرضاً، يعني الذي يسمع من لفظ القارئ على الشيخ، السماع يشمل السماع المرتبة الأولى، ويشمل السماع الثاني؛ لأن السماع القسم الأول والثاني كلاهما سماع، الأول من لفظ الشيخ، والثاني من لفظ القارئ على الشيخ، فهو مجمل يتناول القسمين، ولذا صارت الإجازة هي القسم الثالث.(24/6)
ثم الإجازة تلي السماعا ... . . . . . . . . .
وابن منده يرى أنها أعلى منه، أعلى من السماع، ومنهم من يقول: هما سواء، ما دام أذن له أن يروي فكأنه سمع، وهذين القولين ليسا بشيء؛ لأن الخلاف في أصل جواز الإجازة، في أصل جواز الرواية بالإجازة، والقسم الأول والثاني تصح الرواية بهما بالإجماع، ولهما من الدلائل اللغوية والشرعية مما لا يجعل في النفس أدنى ريب أو شك في صحة الرواية بهما، أما الإجازة فالخلاف فيها قوي، والرواية بها والاستدلال للرواية بها لا شك أن فيه غموض، يعني شيء حادث طارئ، لا يوجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا في عصر صحابته الكرام، ولا في عصر التابعين، إنما وجد متأخر.
ثم الإجازة تلي السماعا ... ونوعت لتسعة أنواعا
نوعت يعني قد نوعت الإجازة لتسعة أنواعاً، يعني تسعة أنواع، وهي متفاوتة في القوة والضعف؛ لأن منها ما يعين فيه المجاز له، والمجاز به، كأن يقول: أجزت لمحمد بن عبد الله بن فلان الفلاني عيّن المجاز له برواية صحيح البخاري عني، عين المجاز والمجاز به، هذه أرفع الأنواع، الثاني: يعين المجاز ولا يعين المجاز به، الثالث: يعين المجاز به ولا يعين المجاز ... إلى آخر الأقسام التي سوف يذكرها الناظم -رحمه الله تعالى- واحداً تلو الآخر.
فأرفعها اللي هو النوع الأول.
أرفعها بحيث لا مناوله ... . . . . . . . . .
أرفع هذه الأنواع التسعة حيث لا مناولة؛ لأن الكلام في القسم الثالث في الإجازة المجردة عن المناولة؛ لأن عندنا إجازة مجردة، أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري، وهناك مناولة مقرونة بالإجازة، هذا صحيح البخاري خذه فاروه عني، لا شك أن هذا أعلى.
الثالث: المناولة المجردة عن الإجازة، وهذه باطلة على ما سيأتي.
وإن خلت عن إذن المناوله ... قيل: تصح والأصح باطله
يعني إذا ناوله كتاب يرويه عنه بمجرد المناولة؟ لا، وسيأتي الكلام في هذا، المقصود أن الكلام في الإجازة المجردة عن المناولة، الباب كله في الإجازة المجردة عن المناولة، فأرفعها مما تجرد بحيث لا مناولة معها
. . . . . . . . . ... تعينه المجاز والمجاز له(24/7)
الأول تعينه تعيين المجيز المجاز به الكتاب، والمجاز له وهو الطالب، هذا أرفع أنواع الإجازة.
وبعضهم حكى اتفاقه على ... جواز ذا. . . . . . . . .
بعضهم فيما ذكره القاضي عياض حكى اتفاقهم، يعني اتفاق العلماء على جواز ذا، يعني هذا النوع، لكن ذهب القاضي أبو الوليد سلميان بن خلف الباجي إلى نفي الخلاف مطلقاً، يعني عن صحة الإجازة التي من هذا النوع، مطلقاً يعني من هذا النوع وغيره "وذهب الباجي إلى ... نفي الخلاف مطلقاً" يعني عن صحة الإجازة، فقال: صحيحة مطلقاً هذا النوع وغيره "وهو غلط" يعني كما ستراه من الخلاف في الأنواع الأخرى
. . . . . . . . . وهو غلط ... قال: والاختلاف في العمل قط
يعني قال الباجي: والاختلاف، يقول الباجي: لا خلاف في جواز الرواية بها، يعني الإجازة، لكن الاختلاف في العمل قط، الخلاف إنما هو في العمل، يعني الرواية تجوز، لكن العمل لا يجوزن مثل إيش؟ المرسل تجوز رواية، لكن لا يجوز العمل به، المرسل، المنقطع، المعلق، تجوز روايتها، لكن لا يجوز العمل بها، ولذلك قال: قال -يعني الباجي-: لا خلاف في جواز الرواية بها، والاختلاف إنما هو في العمل قط، يعني فقط، وفي الدرس -درس الميمية- مر علينا قط مراداً بها فقط.
. . . . . . . . . ... وبالعتيق تمسك قط واعتصمِ
يعني فقط دون غيره، وهنا يقول: "والاختلاف في العمل" يعني بها، الاختلاف إنما هو في العمل بها "قط" أي فقط.
ورده الشيخ بأن للشافعي ... قولان فيها ثم بعض تابعي
ورده أي قول الباجي بنفي الخلاف الشيخ ابن الصلاح، بـ (أن) هذه مخففة من الثقيلة "بأن للشافعي ... قولان فيها" مخففة، إذا خففت أن وإن قل العمل.
وخففت إن فقل العملُ ... . . . . . . . . .
يعني يكون إهمالها أقوى من إعمالها، ولذا قال: "قولان" لم يقل: قولين، وهي اسم (إن) الأصل أنه اسم إن، لكنها لما خففت قل العمل، {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [(63) سورة طه].
وخففت (إن) فقل العملُ ... . . . . . . . . .(24/8)
"ورده الشيخ" يعني رد قول الباجي الشيخ ابن الصلاح "بـ (أن) " وهذه مثلما قلنا: مخففة من الثقيلة، ولذلك رفع اسمها ولم ينصب "بـ (أن) للشافعي" وكذلك لمالك قولان فيها، أي في جوازها ومنعها، فقول الشافعي يجيز الإجازة، وقول يمنع الإجازة، والربيع فاته قدر يسير من الأم للشافعي، فاته بالسماع فأراد أن يتحمله بالإجازة فرفض الإمام الشافعي، قال: اجلس واقرأ، هذا يدل على أنه لا يرى الإجازة، وروي عنه بل ثبت عنه أنه أجاز مما يجعل المنع إنما هو لتكون الرواية مطردة، تكون رواية الكتاب كلها بالعرض.
"قولان فيها" أي في جوازها ومنعها "ثم بعض تابعي" يعني ثم رده بعض تابعي مذهبه، يعني مذهب الشافعي،
مذهبه القاضي الحسين منعا ... . . . . . . . . .
بعض تابعي مذهب الشافعي منع الرواية بها جزماً، وهو القاضي الحسين بن محمد المروزي، أحد أعيان المذهب، وأحد الوجوه، أصحاب الوجوه المعتبرة في المذهب، منع الرواية بها جزماً.
. . . . . . . . . ... وصاحب الحاوي به قد قطعا
الماوردي أبو الحسن الماوردي أيضاً إمام من أئمتهم "صاحب الحاوي" الكبير "فيه" يعني في الحاوي "به" بعدم الجواز "قد قطعا" مع عزوه المنع لمذهب الشافعي، عزا لمذهب الشافعي المنع أيضاً "وقالا" يعني القاضي حسين والماوردي "كشعبةٍ" يعني كقول شعبة بالصرف للضرورة وإلا فالأصل أنه ممنوع من الصرف، "كشعبة ولو جازت إذن" يعني ولو جازت الإجازة إذن بالنون؛ لأن بعضهم يكتبها بالألف والتنوين إذاً.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
حرف مثل إيش؟ يعني النون فيه ليست منقلبة عن تنوين، إنما هي أصلية عند المبرد، ومن يقول بقوله، ويقول: "وددت أن أكوي يد من كتبها بالألف" مع أن غيره يجيز هذا، يتوسع فيه؛ لأن التنوين نون ساكنة ينطق بها ولا تكتب.
"ولو جازت" يعني الإجازة "إذن" بالنون.
. . . . . . . . . ... لبطلت رحلة طلاب السنن
الرحلة: هي الانتقال من البلد إلى غيره من البلدان التي يكثر فيها أهل العلم، أهل الرواية، أهل الإسناد، وما زالت -ولله الحمد- الرحلات تتتابع لطلب العلم، وإن لم تكن للرواية لكنها لطلب العلم، وهو في الجملة محمود.
. . . . . . . . . ... لبطلت رحلة طلاب السنن(24/9)
لأجلها، يعني لأجل السنن من بلد إلى بلد لاستغنائهم بالإجازة عنها، يعني الآن ما يحتاج ولا من يرحل بالكتاب، يعني إذا طلبت الإجازة من المشرق إلى المغرب أو العكس، هذا الاستدعاء للإجازة يحتاج إلى من يرحل به إلى المشرق، الآن اكتب الطلب وبالفاكس يمشي ويرجع عليك نفس الشيء بلحظة، تيسرت الأمور ولله الحمد.
. . . . . . . . . ... لبطلت رحلة طلاب السنن
وقلت: إن هذه العلة لا تكفي لرد الإجازة؛ لأن الرحلة ليست مقصودة لذاتها، الرحلة ليست مقصودة لذاتها، الآلات أبطلت الرحلة عند كثير من طلاب العلم، الآلات يطلب العلم وهو في بيته، ويحصل ما يحصله من يطلب الدرس، وقد يجاب على سؤاله قبل سؤال من يحضر الدرس.
وعن أبي الشيخ مع الحربي ... إبطالها كذاك للسجزي
وجاء عن أبي الشيخ عبد الله بن محمد الأصبهاني مع أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي، وصالح بن محمد المعروف بجزرة، إمام من أئمة الحديث، جاء عنهم إبطالها، وحكاه الآمدي وابن الحاجب عن أبي حنيفة وأبي يوسف "كذلك للسجزي" أبي نصر عبد الله بن سعيد الوائلي السجستاني، يقال: السجستاني وسجزي "لكن على جوازها" على جواز الإجازة.
لكن على جوازها استقرا ... عملهم. . . . . . . . .
أي عمل أهل الحديث قاطبة، وصار إجماعاً، يعني بعد عصور الرواية استقر الأمر على جواز الإجازة.
لكن على جوازها استقرا ... عملهم والأكثرون طرا(24/10)
"قالوا به" أو بها، والأكثرون طراً عملهم يعني عمل أهل الحديث قاطبة، ونقل فيها الإجماع، "والأكثرون" من العلماء "طراً" يعني جميعاً "قالوا به" أي بالجواز، قالوا به، الأكثرون طراً كيف ينقل الإجماع وهو يقول: والأكثرون طراً قالوا به أي الجواز؟ يعني قبل انعقاد الإجماع، يعني قول الجمهور قبل انعقاد الإجماع، ثم انقرض الخلاف، قالوا به أو بها، يعني بالجواز بالرواية بها، وقال السلفي وهي ضرورية، السلفي يقول: ضرورية، السلفي إمام مسند محدث مكثر جاب البلدان والأقطار من أجل الرواية، ولو جلس في كل بلد ليأخذ عن أهله بالسماع أو بالعرض ما رجع إلى أهله، لكنه جاب الأقطار والبلدان والتقى بالشيوخ وأهل الإسناد وأخذ مروياتهم بالإجازة، ورجع إلى بلده، وعد من المسندين الكبار، ولذا يقول: هي ضرورية، لماذا؟ لأنها لو لم تكن ضرورية وألزم بأن يسمع أو يعرض، ما رجع إلى أهله، يعني الرحلة من بلد إلى بلد تحتاج إلى أشهر، جابر بن عبد الله سافر إلى عبد الله بن أُنيس شهر كامل من أجل حديث واحد، والسلفي جاب الأقطار وحمل مئات الألوف من الأحاديث بطريق الإجازة، ولو سمعها أو عرضها لاحتاج إلى أضعاف عمره فضلاً عن كونه يرجع إلى بلده أو لا يرجع، ولذا قال: هي ضرورية.
. . . . . . . . . كذا وجوب العملِ ... بها وقيل: لا كحكم المرسلِ
كذا لما استقر الأمر على جواز الرواية بها، كذا استقر كما هو المعتمد وجوب العمل والاحتجاج بالمروي بها، قد يقول قائل: إن المعول في الاحتجاج والعمل هو ما دون في الكتب بالأسانيد المتصلة بالسماع والعرض، فلسنا بحاجة إلى أن نعول على الإجازة ونعتمد عليها.
. . . . . . . . . كذا وجوب العملِ ... بها وقيل: لا كحكم المرسلِ(24/11)
يعني لو افترضنا أن عالم من أهل الحديث ومن أهل الفقه ليست عنده إجازات، وليست عنده روايات بالكتب، كتب السنة المدونة كالصحيحين والسنن والمعاجم والمسانيد والمصنفات والمستخرجات والموطأت ما عنده روايات ماذا نقول عنه؟ نقول: هذا ليس بمحدث وله عناية كبيرة بمعرفة الحديث رواية ودراية؟ لكن ما عنده أسانيد، يقول: أنا ما أؤمن بأهمية الأسانيد، ثم ماذا إذا قلت: حدثني فلان عن فلان في عشرين نفساً إلى البخاري ثم قلت: قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي، ويش يستفيد الحديث؟ يقول: ما له قيمة، ولذلك لو قيل لي: أجزتك قلت: ما أريد، هذا يبقى محدث وفقيه وإلا يقال: ما له قيمة هذا، ما عنده أسانيد؟ محدث؛ لأن اتصال الأسانيد في العصور المتأخرة ليس له أثر عملي، العمل على صحة نسبة الكتب إلى مؤلفيها، فإذا ثبتت نسبة الكتاب إلى مؤلفه انتهى الإشكال، تدرس الإسناد من هذا المؤلف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وماعدا ذلك .. ، لكن لو كان لك رواية بصحيح البخاري ثم جاء من يدرس .. ، رواية في سنن أبي داود دعنا من صحيح البخاري؛ لأنه ما يحتاج إلى دراسة، بينك وبين أبي داود مثلاً ثمانية عشر أو تسعة عشر نفساً، ثم جاء واحد يحتاج إلى أن يستدل بحديث من سنن أبي داود عن طرقك، وذكر إسنادك كاملاً، ثم قال أبو داود .. ، وذكر الحديث هل يترجم لك؟ وينظر في قوتك وضعفك؟ يحتاج يترجم لشيخك لينظر .. ؟ يترجم لثمانية عشر شخصاً لينظر هل فيهم المقبول وفيهم المردود؟ لا، أبداً ما يحتاج إلى هذا، ما يحتاج إلى هذا إطلاقاً، وقل مثل هذا في الكتب الأصلية التي تروي الحديث بالوسائط، يعني البغوي مسند، يروي الحديث أحياناً بأسانيده المستقلة، وأحياناً بواسطة الكتب يروي عن اثنين أو ثلاثة، ثم يقول: حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميدي قال: حدثنا فلان، في شرح السنة، ونحن نحقق شرح السنة نصحح ونضعف نحتاج إلى أن ندرس من بين البغوي إلى البخاري والحديث في صحيحه؟ ما نحتاج، نحتاج إلى أن ندرس البغوي ثم شيخه، ثم شيخ شيخه، ثم اللؤلؤي، ثم أبي داود، ثم سند أبي داود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما نحتاج، فالكتب المسندة الأصلية التي تروي بواسطة الكتب، بواسطة الأئمة(24/12)
المصنفين كالبيهقي مثلاً يروي أحاديث عن طريق أصحاب الكتب، وقد يروي أحاديث بسنده المستقل؛ لأنه إمام مسند، ما رواه على جهة الاستقلال، هذا يدرس، يدرس شيخه، يدرس شيخ شيخه إلى أخر السند، لكن ما رواه في أثناء الطريق إمام مصنف نرجع إلى الأصل وندرس إسناد أبي داود أو إسناد الترمذي، أو إسناد ابن ماجه، أو إسناد الكتب المصنفة المتداولة، بعد أنه نتأكد أن هذا الحديث موجود في الأصل، فنرجع إلى دراسة هذا الحديث في الأصل؛ لأن المؤلف قد يعتمد على رواية ليست هي المتداولة بين أيدينا، فلا نجد الحديث في سنن أبي داود؛ لأننا اعتمدنا رواية اللؤلؤي، وهو اعتمد رواية ابن داسه مثلاً، أو رواية ابن العبد، أو أورد الحديث من طريق البخاري، فبحثنا عنه ما وجدناه في صحيح البخاري؛ لأنه اعتمد رواية حماد بن شاكر، ونحن اعتمدنا على رواية أبي ذر، ومع ذلك إذا رواه عن طريق حماد بن شاكر عرفنا أنه في رواية حماد بن شاكر هل نبحث عن هذه الرواية لنتأكد؟ أو نثق بهذا الإمام البيهقي ونقول: خلاص خرجه الإمام البخاري وهو موجود في رواية حماد مما زاده عن رواية ... ؟ مع أن رواية حماد الغالب فيها النقص ليس فيها الزيادة، يعني نثق بهذا الإمام، ولا نحتاج إلى أن ندرس الواسطة، يعني شدد كما تقدم في أوائل الألفية حينما تكلم الناظم عن نقل الحديث من الكتب المتعمدة، قال:
قلت: ولابن خير امتناعُ ... نقل سوى مرويه إجماعُ
يعني كلام ابن خير في فهرسته –الإشبيلي- يجعل طالب العلم يحرص على الإجازة، لماذا؟ لأنه قال: يمتنع أن ينقل حتى من الكتب المؤلفة تنقل حديثاً وأنت ليست لك به رواية، أو تعمل بحديث ليست لك به رواية، فيجعل الذي لا رواية له متصلة بالأئمة بالكتب يجعله لا يجوز له أن يتطاول على هذه الكتب، ولا يروي منها، ولا ينقل، ولا يعمل، حتى تكون له به رواية، لكن هذا الإجماع الذي نقله منقوض بإجماع آخر، ابن برهان نقل الإجماع على أنه يجوز لمن أراد الرواية أو النقل أو العمل أن ينقل من صحيح البخاري، ويعمل بما في صحيح البخاري ولو لم تكن له به رواية، وهذا محل إجماع.
. . . . . . . . . كذا وجوب العملِ ... بها. . . . . . . . .(24/13)
يعني والأكثرون طراً، أو الإجماع إن ثبت عدم المخالف فيما بعد، عدم المخالف، إن لم يوجد مخالف فيما بعد، هذا في الرواية والعمل "وقيل" وهو قول أهل الظاهر كابن حزم وغيره: لا يجوز العمل به، تجوز الرواية بها لكن لا يجوز العمل بها كحكم الحديث المرسل؛ لأن فيها انقطاع، يعني ما دامت هذه الرواية بالإجازة غير معتبرة، يعني تروي بواسطة الإجازة الخبر، لكن لا تعمل به؛ لأن الشيخ الذي تحدث عنه بالإجازة ما حدثك، لا أسمعك ولا سمع منك، فحكمها حكم المرسل، لكن الخطيب البغدادي الحافظ رد هذا الكلام، يقول: كيف يكون من تعرف عينه وعدالته بمنزلة من لا نعرفه؟! في السند المرسل ويشمل أنواع الانقطاع فيه راوٍ لا نعرف عينه، فيه سقط ما نعرفه، لكن في الإجازة أنت تعرف الذي أجازك، ومن أجازه ومن أجازه إلى أخره كلهم معروفون، ففرق بينها وبين المرسل.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا ممن يقول به، لكن على القول بعدم الجواز به؛ لأنه إذا صحت الرواية بالأصل المقيس عليه كقول الحنفية والمالكية من باب أولى أن تصح الرواية بالفرع، مع أنه ذكر عن مالك وأبي حنفية أنهم لا يرون الرواية بالإجازة "والثانِ" يعني النوع الثاني، وحذفت الياء.
والثانِ أن يعين المجاز له ... دون المجاز وهو أيضاً قبله
جمهورهم. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(24/14)
إذا عين المجاز له دون المجاز به هذا النوع أيضاً قبله الجمهور من العلماء، الثاني: من أنواع الإجازة المجردة من المناولة أن يعين المجيز المجاز له –الطالب- دون الكتاب المجاز به "وهو" أي هذا النوع "أيضاً قبله ... جمهورهم" أي جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء سلفاً وخلفاً "رواية وعملاً" رواية به من غير تعيين للمجاز به، وعملاً بالمروي به بشرطه، هو الآن مجهول لكن بشرط أن يؤول إلى العلم، شريطة أن يؤول إلى العلم، لكن لو استمرت الجهالة، أجزتك أن تروي عني بعض مروياتي، هذا يؤول إلى العلم؟ هذا لا يمكن أن يؤول إلى العلم، لكن لو قال له: أجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، الآن ما عين، ومروياته منها ما تقدم عن الإجازة، ومنها ما تأخر، يعني بعض ما أجيز به ما حصل إلى الآن، فهو يروي عنه جميع مروياته إلى وفاته، حتى ما تتجدد منها، هنا ما عين المجاز به، لكنه يؤول إلى العلم، لو قال: اشتريت منك هذه السلعة بما في ذمة فلان لي، قال: كم اللي في ذمة فلان؟ قال: والله بالدفتر، ما بعد جمعنا، المجموع إلى الآن ما بعد طلع، لكن هذا يؤول إلى العلم، يجمع ويعرف، فليس الثمن مجهولاً، لكن لو قال: اشتريت هذه السلعة ببعض ما في ذمة فلان لي، هذا الثمن مجهول، والبيع باطل؛ لأنه اختل شرطه.
ثم قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وهو أيضاً قبله
جمهورهم رواية وعملاً ... والخلف أقوى فيه مما قد خلا
ولكن الخلف الذي هو الخلاف أقوى في هذا النوع من الذي قبله، ولكن الخلف في جواز الرواية والعمل أقوى في هذا النوع مما قد خلا، أي من النوع الذي قبله، بحيث لم يحكَ فيه الإجماع، هذا النوع ما حكي فيه الإجماع بخلاف النوع الأول "والثالث" أي النوع الثالث من أنواع الإجازة،
. . . . . . . . . التعميم في المجازِ ... له وقد مال إلى الجوازِ
مطلقاً الخطيب وابن منده ... ثم أبو العلاء أيضاً بعده
النوع الثالث من أنواع الإجازة التعميم في المجاز له، وتحت هذا صورتان.(24/15)
الصور الأولى: أن يعين المجاز به، والصورة الثانية: ألا يعين المجاز به، الصورة الأولى أن يقول: أجزت لمن قال: لا إله إلا الله، أو لجميع المسلمين، أو لأهل الإقليم الفلاني، أجزت لهم أن يرووا عني، يعين المجاز به صحيح البخاري هذه الصورة الأول، أو لا يعين، فيقول: مروياتي.
"والثالث التعميم في المجاز ... له" سواء عين المجاز به أو أطلق، كأن يقول: أجزت للمسلمين أن يرووا عني مروياتي أو صحيح البخاري على وجه الخصوص.
"له وقد مال" يعني ذهب "إلى الجواز ... مطلقاً الخطيب" البغدادي أبو بكر الحافظ "مطلقاً" سواء الموجود حين الإجازة أو بعدها قبل وفاة المجيز أطلق، قال: أجزت لأهل الإقليم الفلاني أن يرووا عني مروياتي، أو كتاب بعينه، وأهل الإقليم الفلاني منهم الموجود، ومنهم من سيوجدن موجود وقت الإجازة، ومنهم من سيوجد بعد ذلك، وعلى كل حال الإجازة في أصلها ضعف، وتزداد ضعفاً بهذا التوسع، أجزت لمن قال: لا إله إلا الله، أجزت للمسلمين، أجزت لأهل الإقليم الفلاني، كلما انحصر اللفظ صارت أقرب إلى الجواز،
وكلما شاع اللفظ صارت أقرب إلى المنع، الحافظ ابن عبد البر يشترط في الإجازة أن يكون المجاز -الطالب طالب الإجازة- أن يكون ماهراً بالصناعة، ما هراً بالصناعة، يعني من أهل الحديث، يستحق أن يروي، ويثق به الشيخ، أن يأذن له بالرواية، ولو ليُسمعه، أو يسمع منه؛ لأنه محل ثقة من الشيخ أنه يعرف إذا قرأ أتقن، وإذا سمع حفظ، أما الإجازة تقول: أجزت لفلان، وولد فلان، وولد ولد فلان ممن هو أهل للرواية ومنهم ليس بأهل، أو أجزت لأهل الإقليم الفلاني، وفيهم الأبله، وفيهم المغفل، وفيهم الصغير، فيهم الكبير، فيهم من لا يستحق أن يتحمل هذا العلم، لاشك أنها أن ضعفها ظاهر.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وقد مال إلى الجواز
مطلقاً الخطيب وابن منده ... . . . . . . . . .
مال إليه –أيضاً- الحافظ أبو عبد الله ابن منده، ومنده تقال بالهاء في الوقف، والدرج، تقال بالهاء في الوقف والدرج، مثل ابن ماجه، مثل ابن داسه، يعني ألفاظ أعجمية لا تخضع لقوانين العربية أنها إذا وقف عليها لها حكم، وإذا أدرجت لها حكم(24/16)
ولعلنا نتذكر السؤال الذي ورد في درس المغرب للتنبيه على الأخوة الذين يحصل لهم شيء من النعاس في الدرس، ومعلوم أن روايتهم تكون ضعيفة، حتى قال بعض أهل العلم: إن الإجازة على وجهها خير من السماع الرديء، الإجازة على وجهها خير من السماع من الرديء، ولا شك أن النعاس يسري، ويؤثر على غيره، وإن كان لا يحصل منه حركة، ولا أذى، ولا تشويش، لكنه يسري، وبعضهم يتحايل بعض السراق يتحايل، فيدخل المحل، ويجلس، ثم يتثاءب أمام صاحب المحل، ثم بعد ذلك ينعس حتى يؤثر عليه، فينعس، ثم يسرق ما يشاء، على كل حال السماع الردي الإجازة خير منه، والانتساب كما معروف في الدراسة النظامية خير من الحضور الذي لا تترب عليه أي آثار.
مطلقاً الخطيب وابن منده ... ثم أبو العلاء أيضاً بعده
الحافظ الثقة أبو العلاء الهمداني "أيضا بعده" أي بعد ابن منده،
وجاز للموجود عند الطبري ... والشيخ للإبطال مال فاحذر
وكذا جاز التعميم في الإجازة للموجود حين صدروها خاصة عند أبي الطبيب الطاهر الطبري فيما نقله الخطيب "والشيخ للإبطال" يعني وكذا الشيخ ابن الصلاح للإبطال –أيضاً- مال.
وقال الإجازة بأصلها ضعيفة، وتزداد بهذا التوسع ضعفاً، هذا التوسع، وهذا الاسترسال يزيدها ضعفاً كثيراً لا ينبغي احتماله، وعلى هذا "فاحذرِ" بدون ياء، كسرة، فاحذرِ عندك ياء؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه موجود ياء، فاحذر بالكسر؛ لأنه ها؟
طالب:. . . . . . . . .(24/17)
أي ثانية؟ والثاني لا، لا الثاني بحذف الياء، معروف أنه بحذف الياء، لا هو الصحيح أنه بدون ياء، لكن هذه الطبعة المحققة المراجعة هذه فيها ياء، ومعلوم أن الفوات لا بد منه، يعني ما أحد يزعم أن عمله كامل، يعني ومراجعتي للكتاب قبل طبعة مراجعة خفيفة، معروف أن الإنسان قد يثق بالمحقق، ثم بعد ذلك لا يدقق عليه تدقيقاً تاماً، ويفوته بعض الشيء، ولوجود بعض الملاحظات على هذه الألفية، وبعض الكتب التي وضع عليها اسمي صرت أمتنع من التقديم، لأنه يكلف، لو أردت أن تراجع الكتاب حرفاً حرفاً، حققه أنت، نعم، والله يجيبوا لك يقول: راجع كتابي، وقدم له صرت أرفض رفضاً تاماً؛ لأني وقفت على أشياء ما أدري كيف فاتت؟ يعني قراءتي لها سرد، سرد واختبار بعد ما هو بقراءة تامة، لكن الأخوان يقولون يكفينا المقدمة التي كتبتها؛ لأن فيها منهجية لطلب علوم الحديث، لأن فعل الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، يبنى على ما يجزم به مضارعه، والمضارع إنما يجزم بحذف حرف العلة.
وما يعم مع وصف حصر ... كالعلما يومئذ بالثغر(24/18)
"وما يعم" يعني قد صرح ابن الصلاح بقوله: ما يعم مع وصف حاصل، يعني يخفف هذا العموم، "أجزت لجميع المسلمين" هذا لا يمكن الإحاطة به، من قال: لا إله إلا الله، هذا عموم العموم، نعم، لكن لو قال: أهل الثغر، أو أهل البلد الفلاني، أو أهل القرية الفلانية، وكل ما صغر يكون الحصر فيه أقرب، أدق، ويكون الرواية بها أقوى؛ لأنها كلما توسعت ضعفت، كلما توسعت ضعفت، يعني مثال ذلك أن تأتي بحبر، نعم معك حبر في فنجان مثلاً، أو بياله تسكبه على هذا الكأس يصير اللون غامق، يكون اللون للحبر، وإذا زدت قليلاً خف اللون، وإذا سكبته في البحر مثلاً؛ انتهى خلاص ذاب، وهذا مثل الإجازة، الآن الإجازة الأصل أن الرواية بين الشيخ والطالب كفاحاً، مواجهة، هذا الأصل، ثم إذا توسع فيها يأتي الاستدعاء، وفيه عشرة أشخاص يطلبون الإجازة بكتاب كذا، هؤلاء محصورون، مائة شخص، أكثر، والرواية أضعف لماذا؟ لأن الشيخ كل ما يقل العدد يعرف أعيانهم، ويتصفحهم، ويحيط بهم، ويعرف الأهل من غير الأهل، لكن إذا زادوا ما يستطيع أن يتصفحهم، ولا يعرفهم، حتى ولا يستطيع أن يقرأ أسمائهم، ولا قراءة، فضلاً عن كونه لا أسماء مكتوبة، ولا استدعاء، من تلقاء نفسك أجزت من قال: لا إله إلا الله، فلا شك أن بهذا التوسع تزداد ضعفاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يكتب لأنه حضر، وهو مميز، هذا ما يضر، وقت التحمُّل لا يُشترط شروط، الشرط في وقت الأداء، إذا أراد أن يؤدي طبق عليه الشروط، هذا أشرنا إليه سابقاً.
وما يعم مع وصف حصر ... كالعلما يومئذ بالثغر
بالقصر، الموجودين يوم الإجازة "يومئذ" يعني يوم الإجازة "بالثغر" بالثغر الثغور التي هي الحدود، الحدود التي تجب حياطتها، وصيانتها من استغلال الأعداء لغفلة أهلها، ولذا جاء الحث، وعظيم الأجر على المرابطة في الثغور، فإنه في هذه الصورة يعني الحصر إلى الجواز،
فإنه إلى الجواز أقرب ... قلت: عياض قال: لست أحسب
في ذا اختلافاً بينهم ممن يرى ... إجازةً لكونه منحصرا
يعني إذا قال: أجزت أهل الرياض، أو قال: أجزت أهل الخرج، أيهما أقوى؟
طالب:. . . . . . . . .(24/19)
نعم؛ لأنه كلما زاد الحصر كان الرواية أقوى؛ لأنها الأصل فيها الحصر، بين شيخٍ، وتلميذه، فإذا زاد العدد كل ما له تضعف، مثل ما نظرنا بالحبر "فإنه" يعني في هذا الصورة "إلى الجواز أقرب"، قلت: وعياض سبق ابن الصلاح في كلامه هذا، وقال: "لست أحسب" يعني أظن في جواز "ذا اختلافاً" بينهم أي العلماء "ممن يرى إجازة" أي يعتمد الإجازة الخاصة رواية، وعملاً "لكونه منحصراً" لكونه منحصراً، يعني مع قلة المجازين يتجه القول بجوازها، وعلى كل حال كلام ابن عبد البر لاشك أنه قوي، ومتين، ودقيق، أنه لا يجاز إلا الماهرة بالصناعة، لا يجاز إلا الماهر بالصناعة؛ لأن الأصل في الرواية السماع، أو العرض، والأصل أنه لا يروي عنك إلا إذا سمع منك، أو سمعت منه، لكن لصعوبة هذا الأمر، صعوبة الرواية، وحصر الرواية بالطريقين فيه صعوبة، فيه كلفة، تكليف بما لا يطاق، فأقل الأحوال أن تثق بهذا الشخص أنه إذا سمع منك أتقن، وإذا قرأ عليك أجاد، وهذا هو الماهر بالصناعة، وابن عبد البر شرطه هذا قوي، وبهذا تحفظ الإجازة، وتحفظ الرواية عن غير أهلها "كالعلما يومئذٍ" كالعلماء بالقصر الموجودين يوم الإجازة "يومئذ بالثغر" يعني خصص بوصفين، وكلما زادت القيود انحصر العدد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هم ما يرون اشتراط العلم، علم المجاز، لا ما ذكره إلا ابن عبد البر ما دام أجيز، وصاروا يجيزون لأناس لا يحسنون شيئاً عنده هذا الصحيح كتب اسمه عليه في الطباق، وصار يرويه الناس، وأحياناً يأخذ أجره، ويتكسب من ورائه، هذا الذي صار في آخر الزمان، هو في عموم يبقى العموم، يعني كونه يجيز أهل الخرج، نقول: أولى من أجيز أهل الرياض، لكن يبقى نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ما عين، ما يحتاج، ما هو بتعيين، ما قال: أجزت فلان وفلان، وفلان وفلان، لا أجزت أهل الثغر، أجزت أهل الخرج ما في تعيين.
هذا يقول: يرد في ذكر بعض الأحاديث أنه جيد، أو لا بأس به، هل ذلك أن مرتبته مرتبة الحسن لغيره، أو الضعيف، ومن من المحدثين يذكر هذه الدرجة؟(24/20)
أما جيد، فقد أطلقها الترمذي في بعض الأحاديث، قال: حديث جيد حسن، فرأوا أن كلمة جيد بمعنى الصحيح، ابن حجر -رحمه الله- قال: الجهبذ لا ينزل عن كلمة صحيح إلى جيد إلا لنكته، هناك سبب ينزله من درجة الصحيح، "لا بأس به" يمكن أن يقال في الحسن: لا بأس به.
يقول: هذا امرأة تقول: قد من الله علي بطلب العلم، وتحصيل قدر مبارك منه، ولدي جهود في دورة الدروس العلمية، والمحاضرات، ونفع الله بها، وكتب الله لها القبول، وأحرص فيما بيني وبين الله على الإكثار من العبادات، ومع ذلك أجد في قلبي من القسوة مالا يشكى إلا إلى الله، وأتحسر، وأنا أمام الناس يصلح حالهم على يدي، وأنا في حرمان من صلاح حالي مع الله، فأرجوا منكم التوجيه.
على كل حال ما المسؤول بأحسن حال من السائل.
يقول هذا –أيضاً-، أو طالبة تقول:
وجاز للموجود عند الطبري ... . . . . . . . . .
هل صورة المسألة: "يجيز الشيخ أحداً أمامه خاصة يكون في المجلس، فيرى الطبري جواز الإجازة لمن كان موجوداً"؟ هل هذه صورة المسألة؟
لا، الوجود هنا معناه أنه حي في ذلك الوقت، يعني في مقابل المعدوم، لأنه سيأتي من توسع في الأجايز، وأجازها للمعدوم تبعاً للموجود، أو استقلالاً.
يقول: هل يجوز جمع الشفع، والوتر في صلاة واحدة؟
يعني في سلام واحد، ثلاث ركعات في سلام واحد، لا بأس إ-ن شاء الله-، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
والرابع: الجهل بمن أجيز له ... أو ما أجيز كأجزت أزفله
بعض سماعاتي كذا إن سمى ... كتاباً أو شخصاً وقد تسمى
به سواه ثم لما يتضح ... مراده من ذاك فهو لا يصح
أما المسمون مع البيان ... فلا يضر الجهل بالأعيان
وتنبغي الصحة إن جملهم ... من غير عد وتصفح لهم
والخامس: التعليق في الإجازة ... بمن يشاؤها الذي أجازه
أو غيره معيناً والأولى ... أكثر جهلاً وأجاز الكلا
معاً أبو يعلى الإمام الحنبلي ... مع ابن عمروس وقالا: ينجلي
الجهل إذ يشاؤها والظاهر ... بطلانها أفتى بذاك طاهر(24/21)
قلت: وجدت ابن أبي خيثمة ... أجاز كالثانية المبهمة
وإن يقل: من شاء يروي قربا ... ونحوه الأزدي مجيزاً كتبا
أما: أجزت لفلان إن يرد ... فالأظهر الأقوى الجواز فاعتمد
والسادس: الإذن لمعدوم تبع ... كقوله: أجزت لفلان مع
أولاده ونسله وعقبه ... حيث أتوا أو خصص المعدوم به
وهو أوهى وأجاز الأولا ... ابن أبي داود وهو مثلا
بالوقف، لكن أبا الطيب رد ... كليهما وهو الصحيح المعتمد
كذا أبو نصر وجاز مطلقاً ... عند الخطيب وبه قد سبقا
من ابن عمروس مع الفراء ... وقد رأى الحكم على استواء
في الوقف في صحته من تبعا ... أبا حنيفة ومالكا معا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والرابع" أي النوع الرابع من أنواع الإجازة.
تقدم ذكر الثلاثة، الأول: تعيين المجاز له، والمجاز به، والثاني: أن يعين المجاز له دون تعيين للمجاز به، والثالث التعميم في الإجازة، الإجازة العامة، والنوع الرابع من أنواع الإجازة: الجهل بمن أجيز له، يقول:
والرابع الجهل بمن أجيز له ... أو ما أجيز كأجزت أزفلة
بعض سماعاتي كذا إن سما ... كتاباً أو شخصاً وقد تسمى
به سواه ثم لما يتضح ... مراده من ذاك فهو لا يصح
"الجهل بمن أجيز له" هذا هو النوع الرابع من أنواع الإجازة، بمن أجيز له من الناس، يعني من الطلاب يجهل من أجيز له، أو بما أجيز به من المروي، أو بما أجيز به من المروي، كأن يقول: أجزت بعض الناس،(24/22)
أجزت بعض الناس، أو بما أجيز به من المروي، أو بما أجيز به من المروي يكون مجهولاً، كأن يجيز بعض مسموعاته هذا مجهول، المجاز به مجهول، إذا قال: أجزت بعض الناس، معروف بعض الناس؟ ليس بمعروف، ولا يؤول إلى العلم، وكذالك إذا قال: أجزت ببعض مسموعاتي، أجزت فلاناً ببعض مسموعاتي، يعني لو عين المجاز، أو المجاز به، وجهل أحدهما دخل في هذا، إذا قال: أجزت بعض الناس صحيح البخاري، هذا جهل بالمجاز له، لكنه تعيين بالمجاز به، والعكس: أجزت فلاناً –معين- بعض مسموعاتي، أو بعض مروياتي، هذا تعيين للمجاز له، وجهل بالمجاز به، وقد يكون الجهل بالأمرين معاً، أجزت بعض الناس بعض مروياتي.
يقول: الوجه الرابع "الجهل بمن أجيز له، أو ما أجيز" يعني من المروي "كأجزت أزفلة" الأزفلة الجماعة من الناس، غير محددين "بعض سماعاتي" و "كذا إن سمى" يعني وكذا من هذا النوع إن سمى المجيز:
. . . . . . . . . ... كتاباً أو شخصاً وقد تسمى(24/23)
"به سواه" ولا يمكن تحديده، إذا قال: أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري، ويوجد بهذا الاسم مجموعة من الناس، ولا يعرف المراد منهم هذه جهالة بالمجاز له، وكذا لو قال: أجزت كتاب السنن، أجزت فلاناً كتاب السنن، ما يدرى هل هو سنن أبي داوود، أو سنن الترمذي أو سنن النسائي، أو البيهقي، أو ابن ماجه، أو الدارقطني، ما ندري، لكن إذا وجد ما يدل على ذلك بحيث يؤول إلى العلم لا بأس كمن يطلب اسمه محمد ابن زيد بن ثابت الأنصاري ... إلى آخره، محدد، ويطلب الإجازة، يكتب استدعاء من فلان بن فلان محمد ابن عبد الله بن زيد بن عمرو الأنصاري، معروف هذا، ولا له شريك في الاسم، الخماسي يطلب من الشيخ إجازته بكتاب السنن لأبي داوود، ثم بعد ذلك يكتب الشيخ: أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري أن يروي عني كتاب السنن، هذا السؤال يدل على المراد، محدد، طالب الإجازة محدد، والكتاب المطلوب إجازته محدد، وما يأتي في الجواب، ما يأتي في الجواب معاد فيه السؤال حكماً، يعني إذا سئل كأنه أعاد السؤال، فأجاب بالإجمال؛ لأنه لا يحتاج أن يعيد، ولذلكم تجدون في الفتاوى، وغيرها يسأل فلان عن فلان، فقال: الحكم كذا، يعني حكم ما سألت عنه كذا، وبعضهم يعيد السؤال، يعيد السؤال، لكن لا داعي لإعادة السؤال، وهو معروف في عرض، وطرح السائل لا داعي لعرض السؤال؛ لأنه في الحكم موجود.(24/24)
النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن التطهر في البحر، بماء البحر، أنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا؛ أفنتوضأ بماء البحر؟ قال: الجواب: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته))، يعني نمسك الجواب ما مر علينا السؤال إطلاقاً، الجواب فقط يفيدنا شيئاً؟ ما يفيدنا شيئاً، لكن السؤال معاد في الجواب، ولذا إذا جاء الاستدعاء من شخص مميز معروف؛ لأن بعض الناس يشاركه في الثلاثي عشرة أشاخص، لكن في الرباعي يشاركه خمسة، في الخماسي ما شاركه أحد يتميز يتعين يتحدد، فذكر في الاستدعاء الاسم خماسياً، بحيث لا يشاركه فيه أحد، وذكر في السؤال الكتاب مضاف إلى صاحبه السنن للبيهقي مثلاً، أو السنن لأبي داوود، ثم بعد ذلك يقول المجيز: أجزت فلان بن فلان بن فلان بالاسم الذي يشارك فيه العشرة نعم؟ كتاب السنن بهذا اللفظ الذي يشارك فيه مجموعة من الكتب، هذا متحدد، يعني من خلال الاستدعاء الذي هو طلب الإجازة تحدد المراد و "كذا إن سمى" من هذا النوع إن سمى المجيز:
. . . . . . . . . ... كتاباً أو شخصاً وقد تسمى
كتاباً كالسنن، أو شخصاً كمحمد بن عبد الله الدمشقي.
في الكتب كثيراً ما يقولون: وفي الصحيح، وفي الصحيح حديث أبي هريرة كذا، فيه أكثر من كتاب يقال له الصحيح، هل المراد الصحيح للبخاري، الصحيح لمسلم، الصحيح لابن خزيمة، الصحيح لابن حبان، الحاكم بعضهم يطلق عليه الصحيح، صحيح ابن السكن، صحيح أبي عوانة، صحيح من؟ إذا جرت عادة المؤلف أنه لا يطلق الصحيح إلا على البخاري انتهى الإشكال؟ أو على الصحيحين انتهى الإشكال؟ وإلا فإننا لا نجزم الكتاب المعين، والذي يغلب على الظن أنه يريد في الحديث الصحيح، ولا يريد كتاباً بعينه إلا إذا اضطرد من عادته، وجادته أنه يريد كتاباً بعينه "وقد تسمى به سواه" أي بالكتاب، أو بالشخص "سواه" سوى من ذكر "ثم لما يتضح" يعني لم يتضح المراد خلاص حاولنا نفهم، حاولنا ما في فائدة، مازال الإبهام قائماً، ولم نستطع أن نتوصل إلى المراد.(24/25)
"ثم لما يتضح مراده" أي مراد المجيز من ذاك كله بقرينة من القرائن "من ذاك فهو" يعني هذا النوع "لا يصح" لا يصح لماذا؟ للجهل في هذه الصورة، أو في هذه الصور كلها الثلاث، للجهل في هذه الصور كلها عند السامع.
أما المسمون مع البيان ... . . . . . . . . .
"المسمون" الجماعة المسمون، المعينون في استدعاء، أو غيره "مع البيان" لأنسابهم، وشهرهم، وما يتميزون به، بحيث لا يشتبهون بغيرهم:
أما المسمون مع البيان ... فلا يضر الجهل بالأعيان(24/26)
لا يضر الجهل من المجيز بالأعيان، وعدم معرفته بهم، والإجازة حينئذ صحيحة يعني إذا وجد استدعاء، وفيه مائة شخص، المجيز يعرف عشرة منهم، وتسعون ما يدري منهم، تسعون منهم لا يعرفهم، كما لو كانوا عنده بين يديه مائة شخص، وقال: أذنت لكم أن ترووا عني صحيح البخاري، ما يلزم أن يكون عارفاً بالجميع، أو ولا عارف ولا واحد منهم، ما يلزم؛ لأنهم محددون، معينون بأعيانهم، ما فيه أدنى أشكال، ومعرفة الشيخ لهم لا تلزم، كالرواية بالسماع، أو بالعرض، يعني قد يأتي شخص ليعرض على الشيخ كتاباً من الكتب، ويقرأ الكتاب، وينتهي من الكتاب، وما يعرف اسمه، كما هو الحال في شأن الدروس الآن، يمكن يحضر طلاب من عشر سنين ما يعرف إيش أسماؤهم؟ الشيخ ما يعرفش أسماءهم، الشيخ يعرف أحد، اثنين، هذا مجرب بالدارسة بالجامعة أنا أعرفهم، إما متميز جداً، أو ضعيف جداً، أما المتوسطون هؤلاء في الغالب لا يعرفون؛ لأن المتميز ما في شك أنه ينبأ عن نفسه، ويكثر السؤال، وإذا خرج المدرس تبعه، وسأله يحتاج إلى أن توجد هناك رابطة بينهما، الضعيف جداً من كثر ما يؤنب، وانتبه يا فلان، ومن كثر ما يردد: عيد السؤال مرتين، ثلاثاً حتى يفهم يعرف، يعني اسمه ينطبع في القلب، وإلا كل هؤلاء المائة طالب في القاعة تردد أسماؤهم كل يوم في التحضير، ولا يعرفون؛ لأن الحفظ غير مقصود لهذه الأمور، غير مقصود لهذه الأمور، نعم بعض الناس عنده حذق، وعنده دقة، وحافظ قوية تسعف، ودقة نظر بحيث يميز بينهم، وبعض الناس -الله المستعان- يعني لو يتردد عليه باليوم عشرة مرات ما عرفه، وكل له اهتمامه، كل يحفظ ما يهتم به، يعني أدركنا من شيوخنا من يفرق بالنفس، ومن يفرق بالصوت الضعيف، ولو انقطع مدد متطاولة، ومن يفرق بصوت الأقارب، يعرف صوت الأب، صوت العم، صوت الخال، يعرف أن هذا فلان، وعرفنا من شيوخنا –أيضاً-، ومن الحفاظ الضابطين المتقنين من إذا سلم عليه: من؟ كل من سلم عليه قال: من؟ ولو هو أقرب الناس إليه؛ لأن جهده، واهتمامه منصرف إلى غير هذا الأمر.(24/27)
حتى قالوا في الشيخ سليمان بن عبد الله بن الأمام المجدد، قالوا: إنه يعرف رجال الحديث أكثر من معرفته برجال الدرعية، أهل بلده كم عدد رجال الدرعية؟ نفر يسير، وكلهم من أقاربه، ومن أصهاره، ومن جماعته، ومع ذلك يعرف رجال الحديث أكثر منهم ليش؟ لماذا؟ لأن اهتمامه منصب إلى رجال الحديث.
أما المسمون مع البيان ... فلا يضر الجهل بالأعيان
يعني من الطرائف أني التقيت بشخص ظننت أن المدة أربعين عاماً ما رآني، كفيف هو، ولا يسمع لا راديو، ولا مسجل، ولا شيء؛ لأنه احتمال يصير سامعاً التجريد، وإلا غيره، ما يسمع من الأخوان الباقين على خلقتهم، فوجدته في المناسبة سلمت عليه من دون .. ، يعني بصوت عادي، قال واحد: هل تصدق أنه يعرفك؟ قلت: لا، مستحيل، لي أربعين سنة ما شفته، يوم سأله قال: هذا فلان، يوم قلت: أربعين، قال: لا، خمسة وأربعين، وأنا بدون مبالغة لو طلع من المحل الذي فيه المناسبة، ودخل مع باب ثانٍ، سلمت عليه من جديد نسيته، وهو كفيف، وأنا مبصر، فهذه وهائب، لكن كل إنسان له اهتمام، له اهتمام، يعني إنسان يضبط كذا، وإنسان ما يضبط كذا؛ لأنه مهتم بكذا، فتجد بعض طلاب العلم لو قيل له: احفظ بيت ما استطاع، احفظ آية شقت عليه، لكن أرقام سيارات الحارة كلها محفوظة، وحروفها، لكن هذا الحافظة ينبغي أن توجه للأهم، والأنفع، وما يجدي، قد يقال مثلاً: حفظ الأرقام زين ينفع؛ لو سرقت سيارة، أو شيء من هذا، أو يعني ينفع لكن مع ذلك ما هو بمثل نفع قال الله، وقال رسوله، هذا بالنسبة له فضول إذا كان طالب علم.
يقول:
وتنبغي الصحة إن جملهم ... . . . . . . . . .
أي جمعهم بالإجازة،
. . . . . . . . . ... من غير عد وتصفح لهم(24/28)
"من غير عد" يعني أعطي كشف في مائة شخص يطلبون الإجازة، فقال: أجزت لهؤلاء الذين طلبوا الإجازة، والمذكورين أسماؤهم، وعددهم كذا، من غير أن يقرأ الأسماء، ويتصفح هذه الأسماء، وقد يطلب منه مقارنته على الواقع؛ لأن التحضير في المدارس، وفي الجامعات، يعني تطبيق الاسم على الواقع مهم في الأيام الأولى؛ لماذا؟ لأنه قد يأتي بالرقم، أو بالاسم، ثم يقول: حاضر، وهو ما هو بهو، فالتصفح، والعد، والانتباه لهذه الأمور مطلوب؛ لأنه يترتب عليها أمور، أمور نظامية الدافع إليها المصلحة، فهذه مهم يعني الاعتناء بها، أما الإجازة -الله المستعان- هو أجاز لمن طلب، ولو لم يعرف أسماءهم، ولا تصفح أعيانهم، وإذا كان مثل هذا يجوز في السماع، لا يتصفح الأسماء، ولا الأعيان، ولا الأشخاص، الشيخ يحدث، والمسجد مملوء من الطلاب كلهم يروون عنه، هل يقول قائل: إن الرواية ما تصح؛ لأنه ما عرف الأسماء، ولا تصفح الأشخاص، ما هو بصحيح؟ الرواية صحيحة.
"والخامس" يعني النوع الخامس من أنواع الإجازة:
والخامس: التعليق في الإجازة ... . . . . . . . . .
ويش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
الجهل؟ الجهل يعني الجهل المجاز له، والمجاز به، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
فهو لا يصح، لا يصح؛ لأنه البعض "أجزت بعض الناس" كيف يتم؟ من يروي، ومن لا يروي؟ هل يستطيع أحد أن يروي بهذه الإجازة بأنه بعض الناس، أو يقول: لا تجوز لي؛ لأني من بعض الناس الذين لم يقصدوا، لا، لا هذه ما فيها إشكال أنها ما تجوز، ولا تصح الرواية بها.
والخامس: التعليق في الإجازة ... بمن يشاؤها الذي أجازه
"والخامس" يعني النوع الخامس من أنواع الإجازة في الإجازة "التعليق في الإجازة" ابن الصلاح لم يفرد هذا النوع عن الذي قبله، لم يفرد هذا النوع عن الذي قبله، وإفراده حسن؛ لأنه يختلف عنه "بمن يشاؤها"
. . . . . . . . . ... بمن يشاؤها الذي أجازه(24/29)
التعليق في الإجازة أما أن يكون بمن يشاؤها، يشاء الإجازة التي أجازه الشيخ، يعني أنها معلقة بمشيئة شخص مبهم لنفسه "أجزت من شاء"، يعني من أراد أن يروي عني بالإجازة؛ فليروي، كأن يقول: من شاء أن أجيز له، ومن شاء أن يروي عني بالإجازة؛ فله ذلك، هذا تعليق بإجازة مبهم، أو بمشيئة بمهم، إجازة معلقة بمشيئة مبهم "أو غيره" أو يشاءها غيره أي غير المجاز حال كونه معيناً "أجزت لمن شاء زيد من الناس" "والأولى" يعني وغيره معيناً، فهي معلقة بمشيئة مسمى، بمشيئة مسمىً لغيره، يعني إذا شاء زيد أجزت، أو أجزت لمن يشاء زيد، فالذي علقت الإجازة بمشيئته معين بخلاف الصورة الأولى.
قال ابن الصلاح: والأولى أكثر جهلاً، والأولى أي التعليق بمشيئة المجاز له المبهم، أكثر جهلاً، وانتشاراً من الثانية، وانتشاراً من الثانية فإنها معلقة بمشيئة من لا يحصون، ومن لا يحصرون، الأولى، والثانية معلقة بمشيئة شخص، أو أشخاص محصورين "وأجاز الكل" أي الصورتين المعلقة بالمشيئة، مشيئة المبهم، أو مشية المعين "وأجاز الكل"
معاً أبو يعلى الإمام الحنبلي
الجهل إذ يشاؤها والظاهر
مع ابن عمروس وقالا: ينجلي
بطلانها. . . . . . . . .
وأجاز الكل معاً القاضي أبو يعلى محمد بن حسين ابن الفراء الحنبلي، والد مؤلف الطبقات، ذاك ابن أبي يعلى "مع ابن عمروس" محمد بن عبد الله المالكي "وقالا" معللين الجواز "ينجلي الجهل" فيها إن يشاؤها المجاز له، إن يشاؤها، إذا شاءها انجلت، فهي مرتبطة بالمشيئة، فإذا شاءها عملنا أنها تحددت، يعني ما تحددت في وقت الإجازة، يعني نظير ذلك إذا قلت: بلغ سلامي فلان، فقال: إن شاء الله، فهو بالخيار، إن شاء بلغ، وإن لم يشأ لم يبلغ؛ لماذا؟ لأنه إن بلغ؛ فقد شاء الله، وإن لم يبلغ؛ فإن الله لم يشأ، وهكذا.(24/30)
إذا قال: أجزت من شاء فلان؛ فإنه إذا أجاز، أو شاء أن يجاز فلان تعين، وإذا لم يشأ لم يتعين، لكن بالنسبة لمشيئة الخالق لا يمكن الإطلاع عليها؛ لأن مشيئة الرب -جل وعلا- غالبة، ومشيئة العبد تابعة، لكن في مثل التصرفات العادية، إن شئت، هذا مخل، مخل بالعقود، هذا مخل بالعقود؛ فكيف بمثل هذا الذي فيه نقل رواية عن فلان، وهي مرتبطة بمشيئة فلان؟ طيب لو قال: إن شاء فلان، أو متى شاء فلان، فليرو عني فلان، ومتى لم يشأ لم يرو، تصير روايته معلقة بفلان، يوم يروي، ويوم ما يروي، إذا قال له: أنا شئت أن تروي؛ يروي! لا، لا هذا كله تلاعب، مثل هذه الأمور أصل الإجازة فيها ضعف، والاستدلال لجوازها فيه غموض، فكيف إذا توسعوا فيها مثل هذا التوسع؟ تزاد ضعفاً بلا شك.
. . . . . . . . . ... مع ابن عمروس وقالا: ينجلي
الجهل إن يشاؤها والظاهر ... بطلانها. . . . . . . . .
بطلانها، هذا هو الصحيح، والظاهر وعدم صحتها، وقد أفتى بذلك القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري،
. . . . . . . . . والظاهر ... بطلانها أفتى بذاك طاهر
أفتى بذاك طاهر بن عبد الله الطبري المعروف، القاضي أبو الطيب.
"قلت" هذا الحافظ العراقي:
قلت: وجدت ابن أبي خيثمة ... أجاز كالثانية المبهمة
أجاز كالصورة المبهمة، والثاني، النوع الثاني: أن يعين المجاز له دون المجاز به،
قلت: وجدت ابن أبي خيثمة ... أجاز كالثانية المبهمة
قلت: ولكن قد وجدت الحافظ أبا بكرٍ أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب صاحب التاريخ، وصاحب يحي بن معين، مشهور عند أهل العلم، أجاز بكيفية، كالثانية المبهمة في المجاز فقط "كالثانية المبهمة" الثانية أي ثانية؟ المبهمة في المجاز فقط، يعني أجزت فلان بن فلان بن فلان، أو أجزت بعض الناس كتاب كذا، الآن الثانية، أن يعين المجاز له دون المجاز به، يعين المجاز له دون المجاز به، والعكس؛ لأنه يقول:
قلت: وجدت ابن أبي خيثمة ... أجاز كالثانية المبهمة
لأنه قال: أجزت رواية تاريخي بقراءة فلان علي من أحب فلان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني المجاز هو بنفسه المقصود أن التعليق بمشيئة .. ، شوف الآن:
والخامس: التعليق في الإجازة ... بما يشاؤه الذي أجازه(24/31)
يقول: إن شئت فاروِ عني، أو إن شئت أجزت فلاناً، أو أجزت فلاناً إن شئت، فيعلق الرواية بمشيئته، أو بمشيئة غيره، لكنها بمشيئة معين، لكن الصورة الأولى بمشيئة مبهم؛ لأنه قال بن أبي خيثمة: أجزت لفلان أن يروي عني تاريخي، له تاريخ كبير كبير، وكله علم، يعني لو وجد .. ، ووجد منه قطع صغيرة، ما هو بكامل، لكان فيه نفع عظيم، تاريخ بن أبي خيثمة، ما هو على سرد الحوادث، وإلا شيء، لا، تاريخ علم الحديث، يعني الرجال، وغيرهم، مع أن فيه قضايا، وفيه حوادث، وفيه عبر، وفيه أشياء، لكنه نفعه لأهل الحديث أكثر من غيرهم، يقول: أجزت لفلان بن فلان بن فلان أن يروي عني تاريخي برواية فلان بن فلان إن أحب فلان، إن أحب مثل إذا شاء فلان.
وإن يقل: من شاء يروي قربا ... ونحوه الأزدي مجيزاً كتبا
ما تقدم في التعليق إنما هو لنفس الإجازة، لكن إن يقل: من شاء الرواية عني، التعليق للمجاز، التعليق هنا للمجاز "وإن يقل: من يشاء يوري" يعني من شاء الرواية عني يروي، فقد أجزته "قربا" القول بالصحة؛ لماذا؟ لأن في الصور الأولى وسائط، وسائط مشيئة للرواية لفلان، نعم في وساطة، لكن هنا مشيئة لرواية نفسه "وإن يقل: من شاء يروي" يعني يروي عني "قربا" يعني فقد أجزته قرب القول بصحته.
قال ابن الصلاح،
. . . . . . . . . ... ونحوه الأزدي مجيزاً كتبا
هذا كلام ابن الصلاح "ونحوه" أي نحو ما تقدم، أبو الفتح الأزدي "مجيزاً" حال كونه مجيزاً "كتبا" بخطه، وقال: أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي عني، أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي عني، ومعلوم أن أبو الفتح متكلم فيه عند أهل العلم، وأما كلامه في الرجال، فغير مرضي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أجزت لجميع من أحب من يروي عني، لفظ مطلق، ما في موجود، ولا غيره، عاده بيجي عاده المعدوم، بيجي السادس.
أما: أجزت لفلان أن يرد ... فالأظهر الأقوى الجواز فاعتمد
لأنه قال: أجزت من شاء أن يروي عني، من غير تحديد، من شاء أن يروي عني، من أحب أن يروي عني، كما في كلام الأزدي، أما أسهل من هذا أن يقول: أجزت لفلان أن يُرد، أما لو قال: أجزت لك، أو أجزت لفلان إن يرد، أو يحب الرواية عني:(24/32)
. . . ... فالأظهر الأقوى الجواز فاعتمد
الأظهر الأقوى في هذه الصورة الجواز؛ لانتفاء الجهالة "فاعتمد" ذلك، وإن حكا ابن الأثير المنع فيها عن قوم، المنع فيها عن قوم، ابن الأثير في مقدمة "جامع الأصول" حكا المنع؛ لأن فيها تردد، فيها تردد من قبل المجاز؛ هل يقبل، أو لا يقبل؟ ولا شك أن هذا يضعف الإجازة، ومثل ما استصحبنا –سابقاً- أن الإجازة أصلها فيها ضعف.
"والسادس" يعني النوع السادس من أنواع الإجازة:
. . . . . . . . . الإذن لمعدوم تبع ... كقوله: أجزت لفلان مع
أولاده ونسله وعقبه ... حيث أتوا. . . . . . . . .
النوع السادس من أنواع الإجازة: الإذن يعني الإجازة، الإذن بالراوية لمعدوم وهو على قسمين: تبع يتبع الموجود: أجزت لفلان بن فلان الفلاني، وولده ما تناسلوا، يعني إلى قيام الساعة، المعدوم تبع لأيش؟ للموجود، أو تكون لمعدوم استقلالاً: أجزت لمن يولد لفلان:
والسادس: الأذن لمعدوم تبع ... . . . . . . . . .
تبع لموجودٍ عطف عليه، تبع الأصل إيش؟ أن يقول: تبعاً، نعم تبعاً لغة ربيعة يكتفون بالفتح عن التنوين، يعني ممكن أن قلت: سمعت أنس بن مالك، وغيرهم يقول: لابد أن تقول سمعت أنساً بن مالك، أما لغة ربيعة، اللغة الربعية على ما قالوا: الاكتفاء بالفتح عن التنوين، وعلى لغتهم يجري الاستعمال الآن، يعني صعب أن تقول في كل حديث: سمعت أنساً بن مالك، فتقول: سمعت أنس بن مالك، على طول، وأما التسكين فهو من أجل الوزن:
. . . . . . . . . تبع ... كقوله: أجزت لفلان مع
أولاده ونسله وعقبه ... . . . . . . . . .
أجزت الكتاب الفلاني لفلان بن فلان بن فلان مع:
أولاده ونسله وعقبه ... حيث أتوا. . . . . . . . .
في حياة المجيز، أو بعده؛ لأنه إذا أجاز فلان، ونسله، وعقبه، يعني ما تناسلوا إلى مالا نهاية "حيث أتوا" يعني متى ما ولدوا أجزتهم "أو خصص المعدوم به" يعني أجاز المعدوم على سبيل الاستقلال، أي بالإذن له من غير عطف له على موجود، من غير عطف له على موجود، كأن يقول: أجزت لمن يولد لفلان، من غير فلان "وهو أوهى" يعني القسم الثاني إجازة المعدوم استقلالاً أوهى، وأضعف من الأول.(24/33)
شرح ألفية الحافظ العراقي (25)
الثالث: الإجازة (لفظ الإجازة وشرطها)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وهو أوهى، يعني القسم الثاني إجازة المعدوم استقلالاً أوهى وأضعف من الأول؛ لأنهم يقولون: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وأيضاً في الوصايا والأوقاف إذا قيل: غلة الوقف لفلان ولولده ما تناسلوا، أقوى من أن يقال: الغلة وقف لمن يولد لفلان لمعدوم على جهة الاستقلال "وهو أوهى" القسم الثاني وأضعف من الذي قبله "وأجاز الأولا" يعني عطف المعدوم على الموجود "ابن أبي داود" الحافظ أبو بكر عبد الله بن الإمام الحافظ أبي داود السجستاني، فقال: أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة، يعني إلى ما لا نهاية "وهو مثلا ... بالوقف" مثل بالوقف على المعدوم حيث صح فيما كان معطوفاً على موجود، ولا شك أنه يغتفر في التبع ما لا يغتفر في الاستقلال، يعني بعض العبادات تصحح تبعاً، ولو كانت على جهة الاستقلال، ما صححت صارت باطلة، لو صلى شخص صلاة المغرب بأربعة تشهدات، وهو منفرد، لا يتبع إماماً متعمداً لذلك، نقول: صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ باطلة، لو كان مع إمام قلنا: الصلاة صحيحة، كيف يكون مع إمام؟ يأتي والإمام قد رفع رأسه من الركعة الثانية فيدرك التشهد مع الإمام الأول، ويدرك التشهد الثاني ثم يأتي بركعة، ثم يتشهد، ثم يأتي بركعة، ثم يتشهد، فتكون أربعة تشهدات فصلاته صحيحة "وهو مثلا ... بالوقف" على المعدوم حيث صح فيما كان معطوفاً على موجود و "لكن أبا الطيب رد" يعني ولكن القاضي أبا الطيب طاهر الطبري "رد ... كليهما" أي القسمين مطلقاً، وكذلك الماوردي "وهو الصحيح المعتمد" يعني كالإجازة السابقة، المعلقة بالمشيئة "وهو الصحيح المعتمد".(25/1)
"كذا أبو نصر" يعني ردها أبو نصر بن الصباغ، وبين بطلانها "وجاز مطلقاً" يعني ولكن أجاز مطلقاً، ولكن جاز مطلقاً الإذن للمعدوم، سواء كان تبعاً لموجود أو استقلالاً "وجاز مطلقاً ... عند الخطيب" الإمام الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي، طيب مطلقاً يعني جاء من نسل هذا المجاز بعد مائة سنة من وفاة المجيز، تجوز الإجازة وإلا ما تجوز؟ عنده تجوز، لماذا؟ يقول: بعد الزمان ليس بأشد من بعد الأوطان، يعني إذا كان من بالمشرق يجيز من بالأندلس أو العكس مع بعد الأوطان، والمسألة مبناها على الاتصال وهذا ما فيه اتصال بأي وجه من الوجوه؛ فلئن يكون جوازه في بعد الأزمان متصور مثل بعد الأوطان، قياساً على بعد الديار كذلك بعد الزمان.
. . . . . . . . . وجاز مطلقاً ... عند الخطيب وبه قد سبقا
وبه قد سبقا، أي الخطيب سبق بالجواز مطلقاً، سبق بالقول بالجواز مطلقاً "من ابن عمروس" يعني من جماعة منهم ابن عمروس المالكي "مع الفراءِ" مع أبي يعلى الفراء الحنبلي، والدامغاني الحنفي، وأبي الطيب الطبري، وهؤلاء هم رؤوس مذاهبهم، ابن عمروس إمام من أئمة المالكية، وأبو يعلى إمام من أئمة الحنابلة، والدامغاني من أئمة الحنفية، وأبي الطيب الطبري من أئمة الشافعية، هؤلاء أئمة مذاهبهم، وقد سبقوا الخطيب إلى القول بالجواز.
من ابن عمروس مع الفراءِ ... وقد رأى الحكم على استواءِ
في الوقف. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
نعم؟(25/2)
مباشرة عن المجيز، هو مجاز، داخل بالإجازة رأساً، هو يقول: ما دام التصريح وجد والإجازة هي مجرد أمر اعتباري لا قيمة له في الحقيقة والواقع، فما الفرق أن يأذن لشخص موجود أو شخص معدوم؟ يعني في فرق حقيقي بين أن يأذن لزيد من الناس، وبين أن يأذن لمن يأتي بعد مائة سنة، يعني لو اشترط شرط، قال: أجزت كل ماهر بالصناعة، سواء أدرك حياتي، أو كان في آخر الزمان، يعني من الناحية العملية في فرق؟ لأن الإذن .. ، الأصل الأذن الإجمالي، هذا لا وجود له في الحقيقة اللغوية ولا الشرعية في الرواية، إنما هي حقيقة عرفية حادثة، اضطر إليها الناس، وتساهلوا فيها لمجرد إبقاء سلسلة الإسناد، وإلا كون الإنسان موجود أو غير موجود، لا سمع ولا سُمع منه، ويش الفائدة؟ وليس معنى هذا أني أرى التوسع إلى هذا الحد، يعني الإجازة أنا لا أهتم بها كثيراً حتى ولو كانت من معين، اللهم إلا أنه من باب التشبه بالقوم، فإذا تيسرت من غير تعب ولا ضياع وقت من شخص يشرف الإنسان بالانتساب إليه فجيد وإلا لا يتبعها همته بحيث تضيع عليه الأوقات، وقد يتنازل عن شرطه فيروي عمن ليسوا بأهل للرواية، كما هو حاصل الآن، يذهبون إلى مصر والشام والمغرب والهند، فيأتون بإجازات من مبتدعة، هذا ليس بعلم، العلم دين، والانتساب إليه كشرف النسب، فأنت تنتسب إلى عالم يروي الحديث بإسناده، وقد يكون من أشد الناس مخالفة للحديث، لا سيما إذا كان متلبساً ببدعة، وقد يكون متمذهباً متعصباً يخالف ما في هذه الكتب التي يرويها هذا الإجازة والانتساب إليه ليس بشيء، لكن إذا وجد من أهل العلم وأهل التحقيق من يشرف طالب العلم بالانتساب إليه، وما حصل بذلك تعب ولا عناء، ولا إضاعة أوقات، هذا جيد نتشبه بالقوم، أما التوسع إلى هذا الحد إجازات عامة، أجزت لمن قال: لا إله إلا الله، ثم يفرح بها من يسمع، يصير يروي بها عن .. ، رووا بها في القرن العاشر، رووا بكثرة في الإجازة العامة، لكن هي ليست بشيء، يعني يكفيك أن تقول: قال الإمام البخاري في صحيحه، ولو ما لك به إجازة ولا سند، ما دام النسخة مضبوطة ومحررة ومتقنة يكفي، ومثلما قلت يعني الإجازة التشبه بأهل الفضل طيب، لكن يبقى أن التوسع غير مرضي.(25/3)
من ابن عمروس مع الفراء ... وقد رأى الحكم على استواءِ
في الوقف في صحته من تبعا ... أبا حنيفة ومالكاً معا(25/4)
"وقد رأى الحكم على استواءِ ... في الوقف على صحته" أي قد رأى صحة الوقف القسمين، يعني على المعدوم تبعاً واستقلالاً معظم من تبع أبا حنفية ومالك "من تبعا ... أبا حنفية ومالكاً معا" فيلزمهم القول به في الإجازة، ومن باب أولى لأن أمرها أوسع من الوقف؛ لأنه لا يترتب عليها حقوق، فالتساهل فيها أوسع من التساهل بالرواية، يعني إذا أجازوا الوقف تبعاً واستقلالاً فلئن يجوزوا الإجازة تبعاً للمعدوم تبعاً واستقلالاً من باب أولى؛ لأن الوقف فيه حقوق، فهو أضيق من الرواية، فإذا أجازوا الوقف أجازوا الرواية، وأنا أقول العكس؛ لأن الوقف من مالكه، ومالك المال يتصرف فيه فيما لا محظور فيه، لكن هل يتصور بالرواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ هذا أمر لا يملكه هو، فحينما يقولون: إجازة هذه النوع من الإجازة أولى من إجازة الوقف على المعدوم تبعاً واستقلالاً، أقول: العكس، هم بنوا على أن الوقف حقوق مالية، فالمعاملة فيها مبنية على الضيق بخلاف الرواية، أنا أقول: العكس لماذا؟ لأن هذا الحق الذي صرفه لهذا المعدوم هو مالكه، الذي له أن يتصرف فيه في حدود ما أباح الله -جل وعلا-، أما بالنسبة للرواية هذه لا يملكها، وأكرر وأقول: إن اشتراط ابن عبد البر في الإجازة أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة فيه قوة عندي، وأنه لا يجاز كل أحد، ولو كان معلوماً موجوداً حاضراً، فإنه لا يجاز كل أحد، ما كل أحد يقلد هذا العلم، لكن الماهر بالصناعة الذي إن روى عنك ما أخطأ، وإن نسب إليك توثق ودقق، أما بالنسبة لغيره .. ، غير الماهر بالصناعة قد يخطئ في اسم شيخه، قد يخطئ في ضبطه، قد يخطئ في اسم شيخ شيخه، أو بعض رجال الإسناد، وقد يخطئ في المتن، فكيف مثل هذا يروي بالسند المتصل من طريقك؟ أنت الذي مكنته من الرواية، فمثل هذا ما هو من الضروري أن يروي بالسند، خله يأخذ من الكتب مباشرة ولا يضيره، أما الماهر بالصناعة الذي إذا أجيز وأذن له بالرواية أذناً إجمالياً هو بهذا الإذن الإجمالي لا يختلف عنه فيما لو قرأ عليك، أو سمع منك، هو ضابط متقن، يعني سواء قلت له: اذهب فاقرأ الكتاب في البيت واروه عني، أو تقول: احضر واقرأه علي وأقرأه عليك، ما في فرق؛ لذلك بعض(25/5)
الطلاب يوثق به، ويقال إذا أراد أن يقرأ كتاباً والشيخ يعرف مستواه يقول: هذا الكتاب ما يصعب عليك، ما يحتاج أن تقرأه على شيخ، اقرأه بنفسك، وهذا كان قريب جداً من هذا النوع، قريب جداً من الإجازة؛ لأن بعض الناس ما تثق تقول: والله اقرأ وارو عني،. . . . . . . . . غير متقن ولا ضابط، لكن الضابط المتقن الذي إذا قرأ أجاد، سواء قرأ بنفسه بمفرده، أو قرأ على الشيخ، أو سمع من الشيخ لا فرق، مثل هذا يقال له: والله اعتمد على نفسك، ومثل هذا الإذن بالتدريس لبعض الطلاب، يعني الشيخ إذا أنس من الطالب أهلية فإنه يقول: خلاص روح درّس، أذن له بالتدريس، لكن هل يأذن لكل واحد بهذا اللفظ أو لا يأذن إلا للماهر؟ ما يمكن أن يأذن إلا لماهر، أما كل واحد من الطلاب: أذنت لكم أن تدرسوا، مو بصحيح، قد يبوء بإثم بعضهم إذا لم يكن أهلاً لذلك.
يقول: هل هناك فرق بين الألفاظ التالية: حديث إسناده جيد، وحديث إسناده قوي، وحديث إسناده لا بأس به؟
قلنا: إن جيد قد تطلق ويراد بها الصحيح، إلا أن عدوله عن لفظ الصحيح إنما هو لنكتة كما قال الحافظ ابن حجر، إسناده قوي، قوي قد لا يصل إلى الصحيح، قد يكون حسناً وقد يكون صحيحاً، فالقوة نسبية، وقد لا يصل إلى درجة الحسن، لكنه يصلح للاعتبار، إسناده لا بأس به، يعني في الدرجة المتوسطة ليس بصحيح ولا ضعيف.
الراوي المجهول الحال إذا روى عنه جماعة من الرواة ليسوا ممن يشترطون الرواية عن ثقة، ويبلغ عددهم خمسة هل هذا كافٍ لرفع جهالة حال الراوي؟
لا، هذا يكفي في رفع جهالة العين، أما جهالة الحال فلا بد من التنصيص على ثقته.
هل يلزم طالب العلم أن يدرس الكتب كتب السنة أو الستة دارسة تفصيلية تشمل الأسانيد، علماً بأنه لا يريد الاختصاص بالحديث؟
لا يلزمه، إذا كان لا يريد العناية بهذا الشأن، ولا يريد أن يكون من أهله يقتصر على المختصرات؛ لأنها هي التي تناسب مستواه.
يقول -هذا تبع الميمية-: تعلمنا أنه لا يصلح قول: وثقه ابن معين أو ابن حجر أو الذهبي ... أنه لا يصح قول: وثقه ابن معين؟(25/6)
كيف لا يصح وثقه ابن معين؟! أو ابن حجر أو الذهبي، هذا إذا كان قصده أننا نقتصر على هذا، ونبني التصحيح على مجرد قولنا، نقتصر على قولنا: وثقه ابن معين ثم بعد ذلك نصحح الخبر، مع أنه قد يوجد من الأئمة من يضعفه هذا متجه، لا يكفي أن نقول: وثقه ابن معين، يقول: فكيف نصحح العبارة أنكتفي بقوله: ثقة؟! إذا كان بالفعل ثقة، يعني ما خالف أحد في توثيقه، أو الراجح توثيقه لا بأس.
يقول: إذا واجهنا عند التخريج راوٍ مجهول لم نجده، لم يخرج في التهذيبين، ووجدناه في مصدر أصلي، وبتعليق لا يعرف إلا أنه ربما يكون فلان، فهل نخرجه على ما ترجح؟ أم كيف نتصرف في هذه الحالة؟
في هذه الحال التوقف، في هذه حال تتوقف عن الحكم على الخبر.
يقول: هذا سؤال خطير جداً، عندنا إشكال في قضية الزواج بنية الطلاق؛ لما حصل بسببه من مفاسد، يقول هذا من اليمن، وقد سمعنا أنه جائز؟(25/7)
الزواج بنية الطلاق هو جائز عند جمهور أهل العلم، يعني هذا الحكم الأصلي، لكن بعض الممارسات التي تخل بهذا العقد يحكم عليها بمفردها، ولا يلغى العقد بكامله، بمعنى الحكم الشرعي ثابت عند عامة أهل العلم جائز، لكن كون بعض الناس يستعمل مثل هذا العقد على وجه لا يصح لا يعني أن الحكم الشرعي يلغى، حتى في النكاح الصحيح لو أن شخصاً تزوج امرأة بجميع الشروط والأركان، ثم أوجد ممارسات خاطئة في هذا النكاح الصحيح، هل نقول: إن النكاح ليس بصحيح؟ أو نقول: كل نكاح على هذه الصفة ليس بصحيح؟ لا، لو أن شخصاً تزوج امرأة بالشروط كاملة، نعم وزواج صحيح ثابت ما فيه أدنى إشكال، لكنه بدلاً من أن يطأ في القبل صار يطأ في الدبر، نقول: كل نكاح باطل من أجل هذه الممارسات؟ لا، ممارسات الأشخاص تقدر بقدها، ويحكم على القضايا الجزية بأحكامها الخاصة، أما الحكم العام لا يغير، لا يمكن تغييره، عامة أهل العلم على جوازه، يعني مسألة التورق أقرب نظير للزواج بنية الطلاق، مسألة التورق عامة أهل العلم على جوازها، يعني حرمها ابن عباس، حرمها عمر بن عبد العزيز، شيخ الإسلام ابن تيمية يقولون: ما تجوز، الأئمة الأربعة كلهم على جوازها، ويش معنى مسالة التورق؟ أنت بحاجة إلى دراهم بحاجة إلى مبلغ من المال تريد تشتري سيارة، تريد تتزوج، تشتري بيت، ما عندك شيء، بحثت عمن يقرض ما في، ما في قرض، كيف تصنع؟ كيف ينحل الإشكال عندك؟ يقول عامة أهل العلم بمسألة التورق، مسألة التورق تأتي إلى شخص يملك سلعة، تشتري بيت، هذا والله عنده عشر سيارات تقول: بعني هذه السيارات أقساط شهرية، كل شهر أعطيك عشرة ألآف، عن كل سيارة ألف، وبدلاً من أن تكون قيمة هذه السيارات ستمائة ألف تصير مبلغها مليون مثلاً، أو تسعمائة ألف، ثم أنت تقبض هذه السيارات، الشخص الطرف الأول يملكها ملكاً تاماً مستقراً، ثم يبيعها عليك بالزيادة المناسبة للأجل، ثم أنت تقبضها قبضاً شرعياً معتبراً، وتبيعها إلى طرف ثالث، هذه مسألة التورق تجوز عند عامة أهل العلم، ما فيها إشكال، لكن لو بعت هذه السيارات العشر على صاحبها الأول صارت مسألة العينة حرام، يجيزها الشافعية لكنها حرام عند عامة أهل العلم، هذا لا(25/8)
يريد السيارات يريد مبلغ من المال، الذي يحرمها مثل عمر بن عبد العزيز وقبله ابن عباس يقول: دراهم بدراهم بينهما حريرة، السلعة ما هي بمقصودة، إنما هي مجرد تحايل على الربا، طيب عامة أهل العلم، الأئمة الأربعة وأتباعهم كيف أجازوها؟ أجازوها لأن هذا اشترى سلعة {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] ولم يشترط الشرع أن تستعمل هذه السيارة أو لا تستعملها، المقصود أنك اشتريت سلعة ما اشتريت دارهم، فهذه جائزة عند عامة أهل العلم، لكن استعمال كثير من الناس، ممارسات كثير من الناس في مسألة التورق يجعلنا نحكم على هذه الممارسات بالتحريم، لكن يبقى الحكم الأصلي الجواز، يعني كون المالك الأصلي ما يملك السعلة، يقول: روح اشتري سلعة وبعدين أنا أسدد عنك هذا الربا، صار باع له دراهم ما باع له سلعة، كون الشخص يعيدها إلى صاحبها فتكون مسألة العينة هذا لا يصحح العقد هذا باطل، كون الشخص أيضاً يتعاقد مع الشخص قبل ملكها، أو يأخذ عليه عربون يلزمه به هذا كله لا يجوز، هذا كله من بيع ما لا يملك، أما إذا تكاملت شروطها ولو كانت في الظاهر حيلة، هذا بيع، بيع سيارة، لكن بعض الممارسات، كثير من الممارسات في مسألة التورق الآن يدخلها الدخن، ويحكم على هذه التعاملات بالمنع، لكن لا يقضي على أصل المسألة، يعني كونه وقع قضايا يأتي يتزوج بنية الطلاق، ثم يقال له: ما اسمك؟ يقول: والله اسمي أبو عبد الله النجدي، يكتب في العقد، ما في عقد، يعني ما في عقد رسمي، في إيجاب وقبول وهذا كافٍ شرعاً، الإيجاب والقبول من الولي، بعد استشارة المرأة والمهر والشهود، ما في أدنى إشكال، العقد صحيح، ما يلزم أن يدون في أوراق، لكن إذا قيل له: ما اسمك؟ قال: أبو عبد الله النجدي، طيب ويش الفائدة؟ على شان ما يعرف، هذا زواج السر الذي جاء منعه، والتحذير منه، لكن شخص أعطاهم بطاقته، وقال: هذا اسمي، وعرفهم بنفسه، وقال: اسألوا عني فلان وفلان، وما عنده أدنى إشكال في الزواج، وزُّوج على الإيجاب القبول، وهو يعرف أنه بعد شهر شهرين يطلق، والمرأة ووليها لا تعرف شيئاً لا من قريب ولا من بعيد، لا ذكر لفظي ولا ذكر عرفي، يعني ما(25/9)
تعارف الناس أن مثل هذا الشخص القادم من هذه الجهة، أو بهذه الواسطة من السمسار فلان أو كذا أنه يتزوج زواج مؤقت، لكن إذا عرف الطرف الأخر فهو متعة، هذا من حيث أصل المسألة.
يقول: لما حصلت بسببه مفاسد، وقد سمعنا أنه جائز، فلذلك أرجو قراءة ما حصل وإفتائنا، الإشكال أن منهم من كتب في تحريم الزواج بنية الطلاق بسبب تأثير مسائل واقعية، اطلع على بعض المسائل فقال: حرام، هذا ما يكفي، يا أخي الزواج الصحيح الصريح قد يعتريه ما يبطله.
يقول: فلذلك أرجو قراءة ما حصل وإفتائنا في الحكم جزاءكم الله خيراً، حصل وأن تزوج شباب خليجيون في بعض الدول الإسلامية عن طريق هذا النوع من الزواج، تزوجوا بفتيات في عمر الزهور، ثم بعد انقضاء المدة رموهن دون راعي، بل البعض رمى زوجته في فنادق، وأخذوا كل ما كانوا أعطوهن من النفقات، بل الأدهى من ذلك والأمر أنه حصل من البعض أن رموهن في العراء، والآن في مثل تلك البلدان ينظرون خاصة للملتزمين الخليجيين نظرة شؤم بعد حصول هذه الاعتداءات، وقد نتج عن مثل هذا الزواج فيما نراه في بلادنا مثل هذه المفاسد، يؤدي إلى العنوسة أنه وسيلة للطلاق، والطلاق أبغض الحلال، وفيه ظلم للمرأة المسكينة التي تواجه مصيرها بعده، ويؤدي إلى كره الملتزمين والنظرة إليهم ببشاعة من قبل الآباء، يزيد من مشكلة العنوسة العالمية، يؤدي إلى فرقة، سبب للنزاع، سبب للشحناء والبغضاء، وقد يكون خطره أشد من زواج المتعة؛ لأنه خيانة وغدر ونية خبيثة للزوجة وأهليها، أما المتعة فهو برضاهم فالمفاسد في حقه أكثر من زواج المتعة المحرمة، يقول: مثل هذه المفاسد والمشاكل حقيقية وشاهدنها في بلادنا، وأنا الآن في قرارة نفسي لو يأتي شاب خليجي يريد الزواج ممكن أنال منه، وأواجهه بشدة؛ لذلك أرجو أن تبينوا للشباب السعودي أن يتقوا الله في بنات الناس، حفظك الله ... إلى آخره.(25/10)
أقول: أعرف مثل هذه المشاكل وأكثر في زواج صحيح، ما فيه أدنى نية للطلاق، زواج شخص من ابنة عمه، وفعل فيها أشد من هذا، نقول: النكاح الصحيح باطل لأنه وجد فيه مثل هذه الأمور؟! المشاكل في بيوت المسلمين كثيرة، ضرب الرجال للنساء كضرب الحمر موجود، هل هذه تصرفات تحرم أو تبطل النكاح الصحيح؟ أبداً، المسألة مفترضة بحدودها وقيودها، إيجاب وقبول، هذا أخفى في نفسه أنه ليس له حاجة بهذه المرأة بعد أن يرجع إلى بلده، طيب لو أعجبته وصارت عنده أحب إليه من أم أولاده، ما الذي يمنعه من الاستمرار بها، لو أن زواجه الأول الذي لا ينوي فيه الطلاق، وكل إنسان يجد في هذا نفسه، سواء صرح به أو لم يصرح، وهذا وإن لم يذكر فهو شرط معروف ومتداول بين الناس كلهم، إن أعجبته وإلا طلقها، وإلا إيش معنى مشروعية الطلاق؟ حتى في النكاح المستمر قد يطلقها بنفس ليلته أو من الغد، هل يعني هذا أنه ظلمها أو أساء إليها؟ لا، إلا إذا كان ما هناك سبب، أو أراد الإضرار بها، هذا شيء، لكن كون النتائج تخرج على غير المراد، أو غير المقصود، سواء كان من قبل الزوج أو الزوجة، يزوج هذا الشخص على أساس أنه طالب علم، والعلماء وطلاب العلم ترى ليسوا بمعصومين، يحصل منهم قريب ما يحصل من غيرهم، لكن هم إلى التقوى أقرب، فإذا وجد هذا من طلاب العلم يوجد من غيرهم أكثر، لكن طالب العلم عليه أن يراعي أمور، عليه أن يراعي حق الله -جل وعلا- في هذا العمل الذي هو سنة من سنن المرسلين، وعليه أن يراعي حق الزوجة، وعليه أن يراعي حق الأصهار، وعليه أن يراعي حق المجتمع؛ لأنه قدوة، فإذا ضل بسببه أحد وواقع في مثل ما وقع به أحد واقتدى به عليه وزره؛ لأنه اقتدى به وهو غير أهل لأن يقتدى به، المقصود أنه مثل هذه الأمور، وما يحتف بهذا النكاح لا شك أنه يحرم لذاته، لا لأن العقد أصله محرم، لا، يذكر عن شخص وهو مع الأسف من طلاب العلم، ذهب إلى بلد من البلدان فوجد أسرة في مزرعة، عندهم يقول: خمس بنات، أخذ الأول في السنة الأولى، ثم لما أراد السفر طلقها، ذهب إليهم في السنة الثانية أخذ الثانية، في السنة الثالثة أخذ الثالثة، هؤلاء عرفوا أنه سوف يطلق بعد شهر، هذه هي المتعة، هذا هو نكاح(25/11)
المتعة.
على كل حال إذا كان الطرف الثاني لا يعلم، وما في مواطأة بينهما، لا لفظية ولا عرفية، هذا ما في أدنى إشكال -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا عرف التحديد، إذا عرف، إذا عرفت المدة سواء كانت بالتصريح، أو ما يقوم مقامه من عادة مستقرة، فهذا متعة، هذا هو نكاح المتعة المجمع على تحريمه، لكن المسألة مفترضة في شخص يعرف أنه ما هو مستمر في هذا البلد، ويقول: أفضل لي من أن أعرض نفسي لشبه أحصن نفسي، والمرأة تستفيد، وأهلها يستفيدون، والحمد لله، ولا في شيء، الطلاق أمره شرعي إذا وجد المبرر، المقصود أنه إذا لم يعرف الطرف الآخر شيئاً فلا إشكال فيه، وكون هذه الممارسات تحصل من بعض الناس لا تلغي الحكم الشرعي الأصلي، يحكم على كل قضية بعينها، فمثل هذا الذي رفض أن يعطي اسمه، رفض يقول: والله ما أقدر أعطيكم اسمي، على كل حال فيه حل، يعني كما أن مسالة التورق هي المخرج من الربا هذا هو المخرج من الزنا، هذا بشروطه، ومراعاة أحكامه وحدوده مخرج من الزنا، كما أن مسألة التورق مخرج من الربا؛ لأنه ما عنده حل، ما في إلا هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ما دام أهل العلم ما قيدوه بشيء ولا حددوا فلا نضيق واسعاً، لا سيما إذا كان الإنسان قصده إعفاف نفسه، ومع ذلك لا يستطيع أن يأتي بهذه المرأة إلى بلده، ويفتح باب على نفسه، ولا يتحمل مشاكل وبيت، وما أشبه ذلك، هذا هو أدرى بظروفه، لكن مثلما تقرر، بالشروط التي ذكرناه، أن الطرف الثاني لا يعرف من قريب ولا من بعيد، لا يعرف أن هذا الشخص لا بلفظه ولا من عادته المستقرة، لكن لا يعني أن أناس جاءوا بهذه النية يكون هذا مثلهم، ما يلزم، ما يلزم أن يكون مثلهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(25/12)
ما في إشكال إذا كان في نفسه ما عليه شيء؛ لأن الضرر يحصل بالطلاق، كم نسب الطلاق في النكاح الصحيح؟ أكثر من ستين بالمائة الآن، في بعض المجتمعات سبعين، وفي بعضها خمسين، يعني نسب مهولة، في النكاح الصحيح الذي ينوون استمراره، يعني المشاكل حاصلة حاصلة، يعني المجتمعات الإسلامية دخلت عليها مشاكل كانت في غنية عنها، سببه انفتاح الدنيا، والتوسع في الدنيا، والتساهل في أمر الأعراض؛ لأن الإنسان يأخذ زوجة، ثم إذا رآها إذا مستواها ... لأنه يشاهد كل لحظة أجمل منها بكثير، وبنات الجيران، وحريم الجيران، نساء الجيران، ونساء أقاربه، يعني المجتمعات المنفتحة يحز في نفسه أن زوجته أقل بكثير من زوجة زميله، فيحتاج إلى أن يؤذيها ويحتقرها ولا يحترمها، ثم بعد ذلك جاءت هذه القنوات، يعني هل تعلمون أن شخصاً بال على زوجته في الفراش لما رأى امرأة في القناة؟! يعني أمور أمور، وإن كانت هذه من خيار الناس صوامة قوامة، يعني المجتمعات غزيت، يعني كون هذا يقع فيه مشاكل الزواج الصريح الآن الصحيح اللي ما فيه أدنى خلاف فيه مشاكل يا أخي، فإذا كان العمل على هذا عند الأئمة فننظر فيما اشترطوا، فإذا طبقت هذه الشروط ما علينا من الباقي.
يقول: من المعلوم أنه من السنة تناول سبع تمرات في الصباح، ولكن عندما يأكل الإنسان تسع تمرات أو إحدى عشر تمرة، وما أشبه ذلك، فهل الزيادة عل السبع تذهب فضيلة السنة، أم أن الأمر واسع؛ لأن بعض الناس لا يكفيهم سبع تمرات، ولا يسد جوعهم فيضطر لتناول أكثر، ولكنه يخشى أن يكون قد فاته أجر السنة، فما قولكم؟
يأكل السبع، ثم يتناول غيرها، من مأكول أخر، أو يشرب ماء، ثم بعد ذلك يأكل ما شاء، المقصود أن السبع الأولى تفرد قبل غيرها، فإذا أتم السبع، والمنصوص عليه أنه من تمر العجوة، من تمر العالية، هذا المنصوص عليه، ولا شك أن فرد من أفراد عموم التمر، وهذا لا يقتضي تخصيص، لكن إذا وجدت عجوة من تمر العالية يستمسك بها، إذا لم توجد يقوم مقامها أي تمر، لكن يأكل سبع ثم بعد ذلك يفصل، إما بأكل، أو بشرب، أو بأي عمل آخر، ثم إذا عاد يأكل ما شاء، نعم؟ المقصود أنها تكون ها السبع مستقلة، يتصبح بها مستقلة، ما يسمى فاصل عرفاً.(25/13)
ألا يدخل في حديث: ((اقرأ وارق)) من يكثر من التلاوة المصحف، ويختم كثيراً ولو من دون حفظ؟
يرجى له ذلك -إن شاء الله تعالى-، وأجور الحروف ثابتة له.
يقول: لدي مشكلة تؤرقني كثيراً، وأرجو المعذرة على طرحها؛ لأني مضطر لأنها مسألة في الطهارة، ومخلصها أنه عندما أنتهي من قضاء حاجتي من الغائط -أكرمكم الله والسامعين- أقوم بالاستنجاء الكامل والزائد عن الحد في كثير من الأحيان، ولكن المشكلة أنه مع حرصي الشديد، والمبالغة في الاستنجاء إلا أني أجد في ملابسي الداخلية مما يباشر موضع الخارج أثراً، قد يكون كثيراً وقليلاً بحيث يكون النجاسة واضحة، أو لون أصفر، أو إفرازات لها لون واضح، وله رائحة كريهة، فأصبحت أقوم بغسل هذا الأثر عند كل صلاة، وقد تعبت كثيراً خاصة في فصل الشتاء، بل أحياناً أجد هذا الأثر عدة مرات بعد غسله، ولو لم يكن هناك قضاء للحاجة، وهو أثر حقيقي وواضح، وليس وسواساً، فما توجيهكم؟ وهل أنا ملزم شرعاً بأن أقوم بالنظر إلى الملابس الداخلية عند كل صلاة؟
هذا الأثر الذي تجده سببه مبالغتك في الطهارة؛ لأنه يقول: عندما أنتهي من قضاء حاجتي أقوم بالاستنجاء الكامل والزائد عن الحد، هذا هو الذي أوقعك في المشكلة، لو كنت تقتصر على السنة ما وقعت في مثل هذا، لكن إن كان له أثر بالفعل ويشق عليك غسله باستمرار وتنظيفه فعليك أن تتحفظ ولا يضرك ما بقي، لا يلوث ثيابك، تتحفظ ولا تلتفت إلى ما عداه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وتتوضأ إليه باعتبار أنه حدث دائم، شبه بالحدث الدائم.
يقول: هل النساء الأفضل لهن الصلاة في جماعة إذا كن مجتمعات، أو لا تشرع لهن الجماعة؟ هل يلزم المرأة أن تظهر الجبهة كاملة في الصلاة؟ وما هو الحد الذي يجب تغطيته من أسفل الذقن في الصلاة؟
الجماعة مباحة بالنسبة للمرأة، يعني الصلاة على حد سواء، سواء صلت في جماعة أو منفردة، لكن صلاتها في بيتها خير لها.
هل يلزم المرأة أن تظهر الجبهة كاملة؟(25/14)
نعم عليها أن تظهر من وجهها ما تغسله في الوضوء بحيث لا يكون هناك حائل متصل بين مواضع السجود، لا سيما الوجه واليدين لا يكون هناك حائل متصل، أما المنفصل فلا بأس به، فعلى هذا تكشف من وجهها ما يجب غسله في الوضوء.
هل بالإمكان بيان الكتب التي يبدأ بها طالب العلم باختصار؟ وكيف يتخلص الإنسان من النسيان؟
أما كيف يتخلص الإنسان من النسيان فبالمراجعة، وإدامة النظر، والمذاكرة مع الزملاء، وأما بالنسبة للكتب التي يبدأ بها طالب العلم باختصار فهذه بينت في أشرط موجودة في الأسواق: كيف يبني طالب العلم مكتبته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وَالسَّاِبعُ: الإِذْنُ لِغَيْرِ أَهْلِ ... لِلأَخْذِ عَنْهُ كَافِرٍ أو طِفْلِ
غَيْرِ مُمَيِزٍ وَذَا الأَخِيْرُ ... رَأَى (أبو الطَّيِّبِ) وَالْجُمْهُوْرُ
وَلَمْ أَجِدْ فِي كَافِرٍ نَقْلاً، بَلَى ... بِحَضْرَةِ (الْمِزِّيِّ) تَتْرَا فُعِلا
وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَمْلِ أَيْضَاً نَقْلاَ ... وَهْوَ مِنَ الْمَعْدُوْمِ أولَى فِعْلاَ
وَ (لِلْخَطِيْبِ) لَمْ أَجِدْ مَنْ فَعَلَهْ ... قُلْتُ: رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَدْ سَأَلَهْ
مَعْ أبويْهِ فَأَجَازَ، وَلَعَلْ ... مَا اصَّفَّحَ الأَسماءَ فِيْهَا إِذْ فَعَلْ
وَيَنْبَغِي الْبِنَا عَلى مَا ذَكَرُوْا ... هَلْ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؟ وَهَذَا أَظْهَرُ
وَالثَّامِنُ: الإِذْنُ بِمَا سَيَحْمِلُهْ ... الشَّيْخُ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّا نُبْطِلُهْ
وبعضُ عَصْرِيِّ عِيَاضٍ بَذَلَهْ ... وَ (ابْنُ مُغِيْثٍ) لَمْ يُجِبْ مَنْ سَأَلَهْ
وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ مَا صَحَّ لَهْ ... أو سَيَصِحُّ، فَصَحِيْحٌ عَمِلَهْ
(الدَّارَ قُطْنِيُّ) وَسِواهُ أو حَذَفْ ... يَصِحُّ جَازَ الكُلُّ حَيْثُمَا عَرَفْ
وَالتَّاسِعُ: الإِذْنُ بِمَا أُجِيْزَا ... لِشَيْخِهِ، فَقِيْلَ: لَنْ يَجُوْزَا
وَرُدَّ، وَالصَّحِيْحُ: الاعْتِمَادُ ... عَلَيْهِ قَدْ جَوَّزَهُ النُّقَّاْدُ(25/15)
أبو نُعَيْمٍ، وَكَذَا ابْنُ عُقْدَهْ ... وَالدَّار َقُطْنِيُّ وَنَصْرٌ بَعْدَهْ
وَالَى ثَلاَثَاً بإِجَازَةٍ وَقَدْ ... رَأَيْتُ مَنْ وَالَى بِخَمْسٍ يُعْتَمَدْ
وَيَنْبَغِي تَأَمُّلُ الإجازه ... فحيثُ شَيْخُ شَيْخِهِ أَجَاْزَهْ
بَلِفْظِ مَا صَحَّ لَدَيْهِ لَمْ يُخَطْ ... مَا صَحَّ عِنْدَ شَيْخِهِ مِنْهُ فَقَطْ
لَفْظُ الإِجَازَةِ وَشَرْطُهَا
أَجَزْتُهُ (ابْنُ فَارِسٍ) قَدْ نَقَلَهْ ... وَإِنَّمَا الْمَعْرُوْفُ قَدْ أَجَزْتُ لَهْ
وَإِنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الإِجَازَهْ ... مِنْ عَالِمٍ بِهِ، وَمَنْ أَجَازَهْ
طَالِبَ عِلْمٍ (وَالْوَلِيْدُ) ذَا ذَكَرْ ... عَنْ (مَالِكٍ) شَرْطاً وَعَنْ (أبي عُمَرْ)
أَنَّ الصَّحِيْحَ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ ... إِلاَّ لِمَاهِرٍ وَمَا لاَ يُشْكِلُ
وَالْلَفْظُ إِنْ تُجِزْ بِكَتْبٍ أَحْسَنُ ... أو دُوْنَ لَفْظٍ فَانْوِ وَهْوَ أَدْوَنُ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وَالسَّاِبعُ الإِذْنُ لِغَيْرِ أَهْلِ ... لِلأَخْذِ عَنْهُ كَافِرٍ أو طِفْل
النوع السابع من أنواع الإجازة الإجازة لغير أهل وقت الإجازة، يعني وقت التحمل بالإجازة حال كون المجاز غير أهل، يعني مثل التحمل بالسماع والعرض، يتحمل الكافر، يتحمل الفاسق، يتحمل الصغير، وهذا تقدم متى يصح السماع؟ ومتى يصح التحمل؟ وذكروا الخمس، والخلاف قد تقدم ذكره، والشرط إنما هو حال الأداء، لا وقت التحمل، يعني تطبيق الشروط التي ذكرها أهل العلم في الراوي إنما هو حال الأداء، لا في حال التحمل، ولذا حديث جبير بن مطعم تحمله حال كفره، وتلقاه الأئمة، وخرجوه في كتبهم في الصحيح، في البخاري وغيره، وحال التحمل هو كافر، وأما بالنسبة لحال الأداء فلا يقبل إلا مع توافر الشروط، وإذا صح هذا في السماع، وفي العرض الذي هو القراءة على الشيخ فلئن يصح في الإجازة التي مبناها على التيسير والتساهل من باب أولى.(25/16)
يقول: والسابع، النوع السابع من أنواع الإجازة، الإجازة لغير أهل حين الإجازة، يعني وقت التحمل للأخذ عنه بطريق الإجازة، بالطريق الثالث من طرق التحمل "كافر أو طفل" كافر أو فاسق أو مبتدع، أو أي شرط يختل به حاله، مما لا يقبل معه حال الأداء، أو طفل غير مميز، هناك اشترط التمييز، اشترطوا التمييز، لماذا؟ لأن مبنى السماع والعرض على الفهم لما يقال ولما يسمع ليضبطه، أما هنا لمجرد إثبات اسمه في الطباق؛ ليروي فيما بعد؛ لأن الكتب والأسانيد والأجايز كلها مدونة، فلا تحتاج إلى تمييز وقت الإجازة، هذا يقول: غير مميز تمييزاً يصح أن يكون معه أن يعد معه سامعاً، يعني هناك في السماع والعرض اشترطوا أن يكون المتحمل الآخذ مميزاً، وهنا لا يشترط التمييز لأنه سوف يدون أسمه ضمن السامعين، ثم يؤدي بهذه الإجازة؛ لأنه إذا اختلف في الإجازة للعموم، واختلف في الإجازة للمعدوم تبعاً أو استقلالاً، فقبول الموجود وإن كان غير مميز أو مجنون من باب أولى، ثم إذا ميز أو عقل المجنون يروي بهذه الإجازة، فإذا كان بعض العلماء أجازوا بالإجازة العامة، ودخلوا في قول المجيز: أجزت من قال: لا إله إلا الله فلئن يدخلوا في مثل هذه الإجازة التي نص عليهم فيها من باب أولى.
غير مميز وذا الأخيرُ ... . . . . . . . . .
الإجازة للطفل.
. . . . . . . . . ... رأى أبو الطيب والجمهورُ
أي رآه صحيحاً مطلقاً القاضي أبو الطيب الطبري، وكذا رآه الجمهور، فيما حكاه عنهم أبو طاهر السلفي، وقبله الخطيب البغدادي، والقول الثاني هو القول بالبطلان كقول الإمام الشافعي، قال:
ولم أجد في كافر نقلاً بلى ... . . . . . . . . .
يعني لم أجد في الإجازة للكافر نقلاً مع تصريحهم بصحة سماعه "بلى" يعني نعم، هناك في حال السماع ما اختلفوا في سماع الكفار وصحته، وهنا في حال الإجازة اختلفوا فيها، لماذا؟ لأنه في حال السماع لا ينتظر موافقة أحد، يسمع ويضبط ويحفظ ثم بعد ذلك إن أدى حال كفره رد عليه، وإن أدى بعد أن أسلم قبل منه، إذا توفرت فيه الشروط، هنا الاختيار ما له، الاختيار للمجيز هل يجيز الكافر وإلا ما يجيزه؟ الاختيار للمجيز، ثم قال:(25/17)
"ولم أجد" في الإجازة "نقلاً" مع تصريحهم بصحة سماعه "بلى" نعم، بحضرة الحافظ أبي الحجاج المزي،
. . . . . . . . . ... بحضرة المزي تترا فعلا
الحافظ أبي الحجاج المزي صاحب تهذيب الكمال، وصاحب تحفة الأشراف من الحفاظ المعدودين من أئمة الإسلام في هذا الشأن في القرن الثامن بحضرة الحافظ أبي الحجاج المزي، تترى أي متتابعاً، يعني مراراً ليست مرة واحدة، فعلا، وأجازه الحافظ المزي كإجازة الصوري لابن الديان اليهودي، المتطبب، ابن الديان يهودي طبيب حضر عند الصوري، وأجيز، وممن أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، كان هذا بحضرة الحافظ المزي أجازوه من باب التأليف، وأن التحمل لا يشترط له الكمال، إنما اشتراط الكمال للأداء، إضافة إلى أنه في العصور المتأخرة ما صار للرواية القيمة التي كان لها قبل ذلك في وقت الرواية، إنما هي لمجرد إبقاء سلسلة الإسناد، فيجاز اليهودي، يجاز الصبي المميز وغير المميز، وأجازوا على العموم، وأجازوا للمعدوم، المقصود أنهم أجازوا لهذا اليهودي، طبيب يهودي، وأقرب ما يكون مثل هذا إلى التأليف؛ لأنه لو منع من الإجازة لنفر من الإسلام والمسلمين، لكنه حضر وأجيز عل الله -جل وعلا- أن يهديه، وبالفعل هداه الله فأسلم، وصار يروي بهذه الإجازة.
ولم أجد في الحمل أيضاً نقلا ... وهو من المعدوم أولى فعلا
وكذا لم أجد في الإجازة، أو في إجازة الحمل، سواء نفخ فيه الروح أو لم تنفح فيه الروح، عطف على أبويه أو أبيه أو لا، يعني استقلالاً؛ لأنه تقدم في المعدوم أنه يعطف على أبويه، أجزت لك ولولدك ما تناسلوا، ولحبل الحبلة مما لا يوجد فهو معدوم، أجازه بعض العلماء عطفاً، ومنهم من أجازه استقلالاً، أجزت لما يولد لفلان، أو ما سيولد لفلان، وإذا كان هذا في المعدوم الذي لم يحمل به فلئن يجاز المحمول به –الحمل- من باب أولى.
ولم أجد في الحمل أيضاً نقلا ... وهو من المعدوم أولى فعلا
وهو أي جواز الإجازة للحمل من جواز إجازة المعدوم أولى، فعلاً يعني بلا شك؛ لأن هذا موجود، وتترتب عليه أحكام، وذاك معدوم لم يخلق بعد، لم يحصل السبب في إيجاده بعد، فلا شك أنه أولى من المعدوم ...
وللخطيب لم أجد من فعله ... . . . . . . . . .(25/18)
ولم أجد، قال: "وللخطيب لم أجد من فعله" قال: وللخطيب مما يتأيد به عدم النقل في الحمل، لم أجد من شيوخي من فعله، يعني إجازة الحمل، لم أجد من فعله "قلت: " قد "رأيت بعضهم قد سُئله" قلت: قد رأيت بعضهم، وهو الحافظ العلائي، صلاح الدين "قد سُئله" أي الإذن للحمل، الإجازة للحمل "مع أبويه" يعني تبعاً، حيث سُئل الإجازة لهما، ولحملهما، "مع أبويه فأجاز" ولم يستثن الحمل؛ لأن الاستدعاء فيه الأبوان، والحمل، فأجاز، ما قال: أجيز الأبوين دون الحمل "مع أبويه فأجاز" ولم يستثن الحمل "ولعل" ولكن يمكن، لعل أن يقال يعني التماس ولعل، لكن يمكن أن يقال: لعل الحافظ العلائي "ما اصَّفَّح" ما اصفح يعني تصفح، ونظر في الاستدعاء المقدم إليه، فلم يقف على الحمل، كأنه نظر، قيل له: هذه طلب إجازة من فلان، وزوجته، ما نظر، وإذا بالإجازة فيها مكتوب: وللحمل، وما دقق النظر فقال: أجزت، لعله ما اصفح، يعني ما تصفح، والإجازة مع عدم التصفح سبق لنا أنها صحيحة؛ لأنه إذا صح في السماع، والعرض أن الشيخ لا يلزمه أن ينظر في وجوه جميع الطلاب الذين يسمعون، أو يسمع عليه حال سماع الكتاب عليه، ما يلزم أنه –والله- يقول: فلان من هذا، ويتصفحهم، ويتأكد من أسمائهم، وأهليتهم، ما يلزم، إذا سمعوا كل يؤدي، وعند الأداء ينظر المتأهل، وغير المتأهل "فأجاز ولعل ما اصفح" تصفح نظر الأسماء:
. . . . . . . . . ... ما اصفح الأسماء فيها إذ فعل
الأسماء التي فيها -في الاستجازة- طلب الإجازة في الاستدعاء، ما تصفح الأسماء "إذ فعل" أي حيث أجاز دون تصفح، وعلى كل حال، وعلى أي حال:
وينبغي البناء على ما ذكروا ... هل يعلم الحمل؟ وهذا أظهر(25/19)
يعني مسألة الإجازة الحمل مبنية على أنه هو اللي يُعلم، أو لا يُعلم؟ إيش معنى يُعلم، وإلا ما يُعلم؟ يعني هل تُعلم حقيقته؟ لا، هل يعامل معاملة المعلوم، أو يعامل معاملة المجهول؟ هذا هو المقصود، وإلا فعلم الحمل خاص بالله -جل وعلا-، ويعلم ما في الأرحام في خمس لا يعلمها إلا الله، وينبغي -على كل حال- ينبغي البناء في القصر، أي بناء صحة الإجازة له، بناء صحة الإجازة له "على ما ذكروا" أي الفقهاء من أنه هل يعلم الحمل، أم لا؟ فإن قلنا: لا يعلم، كان كالمعدوم، وإن قلنا يعلم كان كالموجود، ومعنى علم الحمل يعني معاملة الحمل معاملة المعلوم، أو معاملة المعدوم، والفقهاء يقولون: إنه من هذه الحيثية يُعلم، يعني أنه يعامل معاملة الموجود، معاملة الموجود، ولا شك أنه موجود، بدليل أنه يزيد من قيمة أمِّه، الجارية الحامل، والدابة الحامل لا شك أن قيمتها أكثر من قيمتها بدونه، فهو يعامل معاملة الموجود المعلوم، لا معاملة المعدوم، وهذا النماء يسمونه النماء المتصل، لكن إذا ولدته صار نماءً منفصلاً، وأما بالنسبة لما في الأرحام هذا يُعلم سهل العلم به واضح، ولذلك وضع عليه العلامات من عدم الحيض، وضع عليه ما وجد في العِدَد التي يعلم بها براءة الرحم، وأما بالنسبة لعلم العلم به، وكيفيته، وذكر أم أنثى؟ كامل أم ناقص؟ هذا علمه إلى الله -جل وعلا-، والأطباء بآلاتهم لما تقدم الطب زعموا أنهم يعلمون ما في الأرحام من الأيام الأولى، وهذا ليس بصحيح، أكثره ظنون، وتخبطات، لكن إذا عرفه الملك حينما يتم الطور الثالث، وبعث إليه الملك، وأمر بكتب أربع كلمات، هذا بالإمكان أن يعلم؛ لأنه خرج عن دائرة الغيب، خرج عن دائرة الغيب.
وينبغي البناء على ما ذكروا ... . . . . . . . . .
يعني الفقهاء من أنه:
. . . . . . . . . ... هل يعلم الحمل؟ وهذا أظهر
يعني البناء على كونه يعلم، أو لا يعلم، فمن قال يعلم، قال: تصح الإجازة له، يعني أنه يعامل معاملة الموجود، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه يعامل معاملة موجود، والذين يقولون: لا يعلم، هؤلاء يعاملونه معاملة معدوم.
"والثامن" يعني النوع الثامن من أنواع الإجازة:(25/20)
. . . الإذن بما سيحمله ... الشيخ والصحيح أنا نبطله
الشيخ حينما يجيز يجيز مروياته، يجيز مروياته، لكن إذا أجاز أحاديث لم يروها بعد، يقول: إذا حملتها، إذا رويتها أجزت لك أن ترويها "والثامن" النوع الثامن أنواع الإجازة: الإذن في الإجازة بمعدوم.
الأول: الإذن بالإجازة للمعدوم، إجازة المعدوم، تبعاً، أو استقلالاً، وهنا الإجازة بالمعدوم، يعني بالمروي المعدوم الذي لا يرويه الشيخ إلى الآن، يعني أجزت لك أن تروي مروياتي، وما سأرويه، يعني ما سأرويه بعد "الإذن بما سيحمله" الإذن بما سيحمله الشيخ المجيز من المروي مما لم يتحمله بعد، لم يتحمله إلى الآن، يأتي المستجيز فيطلب من الشيخ المسنِد مروياته، يقول: والله أنا ما عندي إلا الكتب الستة أجيزك إياها، قال: أجزني –أيضاً- بالستة، والمسند، والموطأ، وبقية الكتب، ويحدد له كتب قال: إن رويتها فيما بعد لما أجي مرة ثانية، أصير انتهيت من المشوار الثاني، هذا معنى "ما سيحمله" يعني فيما بعد، يعني إن رويته فيما بعد فأنت ترويه عني كمروياتي "الإذن بما سيحمله الشيخ" يعني المجيز من المروي مما لم يتحمله، والصحيح بل الصواب "والصحيح أنا نبطله" يعني هذا النوع باطل، بل الصواب كما قال النووي، وسبقه عياض: أنا نبطله.
ولم يفصلوا بين المعطوف، وغيره، لم يفصلوا بين المعطوف، وغيره، الذين أبطلوه لم يفصلوا بين أن يقول المجيز: أجزتك ما أرويه، يعني مروياتي الموجودة الآن حال الإجازة، وما سأرويه، ما أرويه الآن، أجيزك مروياتي، وما سأرويه؛ لأن الشيخ يعني احتمال أن يزيد في مروياته فيما بعد، ولا على جهة الاستقلال حيث يقول: أجزتك بما سأرويه، لا تبعاً، ولا استقلالاً، ولم يستفصلوا، يقول:
وبعض عصري عياض بذله ... . . . . . . . . .
يعني قد بذله، أي أعطى من سأله ما يرويه، وما سيرويه،
. . . . . . . . . ... وابن مغيث لم يجب من سأله(25/21)
"ابن مغيث" اسمه يونس بن مغيث القرطبي "لم يجب من سأله" سأله شخص، فقال: أجزني بما ترويه، وما سترويه فلم يجبه، فغضب السائل، غضب، فكان الجواب كيف يعطي الشيخ ما لم يأخذ؟! كيف يعطي ما لم يأخذ؟! يعني هذا مثل بيع ما لا يملك، بيع ما لا يملك، يعني كأن تأتي إلى شخص ليست له رواية أصلاً، ثم تقول: أجزني، أجيزك إيش؟ ما عند الشيخ إجازات أبداً، ولا روايات، فكيف يجيزه، فالذي لا يوجد في مرويات الشيخ حكمه حكم هذا، حكم الشيخ الذي ليست له رواية، كيف يجيزك، ويعطيك ما لم يأخذ، وما لم يملك بعد؟! يعني نظير لو جئت إلى تاجر من التجار، فقلت له: بعني السلعة الفلانية، فقال: ما عندي، قال: أمرها سهل تذهب إلى السوق، وتشتري، وأنت أيها الشيخ تذهب إلى الشيوخ، ويقدرونك، ويجيزونك، أنا لو رحت لهم طردوني، يعني الشباب يقولون هذا الكلام، فالشيخ يقول: لا أستطيع أن أجيزك بما لم أتحمله، وليست لي به رواية، التاجر –أيضاً- إذا كان من أهل التحري يقول: كيف أبيعك سلعة، وأنا لم أملكها بعد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لحكيم ابن حزام: ((لا تبع ما ليس عندك))، يقول: يا أخي أنت عندك دراهم، والسلع موجودة، بعني الآن، وأنت تصرف إذا ذهبت وجدت، هذا لا يجوز بحال؛ لأن هذا بيع ما لا يملك، وهذه إجازة ما لا يملك، والتنظير مطابق، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(25/22)
البيع ظاهر، كونه لا يجوز أن يبيع عليه ما لا يملك، وإن كان وجوده في السوق وجود كثرة، يعني مضمون، يقولون: مضمون أنه موجود في الأسواق، لكن مع ذلك لا يجوز أن يبيع ما لا يملك، وهذا –أيضاً- يجيز ما لا يملك، يعني أصل الإجازة، أصل الإجازة فيها ضعف، يعني لو جاء شخص قال: أريد أن أُسمع عليك صحيح البخاري، قال: ويش تستفيد؟ هو لا يريد أن يستفيد علم من قراءته لصحيح البخاري، وإنما يريد أن يستفيد اتصال الرواية، يقول: أنا والله ما عندي رواية في صحيح البخاري، أنا لا أروي لصحيح البخاري بالرواية، قال: لا، أنت احتمال إذا طلبت من أي شيخ إجازة أعطاك، لكن أنا ما يعطوني إجازة، فأرويك إذا أعطيت إجازة، هذا الكلام ما هو بصحيح، الإجازة على ما تقدم فيها ضعف، وفي الاستدلال لصحتها غموض إذا كانت من أهل لمعلومٍ أهل بمعلوم مروي، هذه كلها إذا اجتبرت هذه الأمور في أصلها ضعف، وفيها خلاف قوي، وإن كان العمل استقر عليها، فكيف إذا توسعنا مثل هذا التوسع، إجازة عامة لمن قال: لا إله إلا الله، وإجازة لمعدوم، وإجازة لحمل، وإجازة ما لم يتحمله المجيز، هذه كلها زيادة في ضعفها.
وبعض عصري عياض بذله ... . . . . . . . . .
يعني قد بذله لمن، أي أعطى من سأله، لكن يونس بن مغيث القرطبي لم يجب من سأله، فغضب السائل، فقيل له: كيف يعطي ما لم يرو.
وإن يقل: أجزته ما صح له ... أو سيصح فصحيح عمِله(25/23)
إما أن يقول الشيخ: "أجزته ما صح له" الشيخ يجيز ما صح له من مروياته حال الإجازة، أو سيصح بعدها، فذاك صحيح عمله "فصحيح عمِله الدارقطني" عمله الدارقطني، أو قد عمله الإمام الحافظ الدارقطني، إذا كان الشيخ كثير المرويات، كثير المرويات، والشيخ ما عنده فهرست، ما دون الكتب التي يرويها بفهرست ثبت، نعم، ما دونها، فقال: نعم أنا عندي مرويات كثيرة منها الكتب الستة، ومسند فلان، وفلان وفلان، ومصنف فلان، وموطأ كذا، وما أدري إيش؟ هذه أنا أذكر أنها لي بها رواية أجزتك إياها، وما سيصح يعني، إيش معنى سيصح؟ يعني أتذكره، كل كتاب أتذكره أن لي به رواية وقت الإجازة فأنت مجاز به، يعني ما صح الآن وقت الإجازة، وما سيصح أني قد حملته فيما بعد، أنت مجاز به، والفرق بين الصورتين أن هذا موجود، لكنه عازب عن ذهن، أو عن ذكر المجيز، وذاك معدوم يعرف المجيز أنه ليس من روايته، وأما هذا يعرف أنه من روايته لا على التفصيل، لا على الإجمال.(25/24)
"فصحيح" يعني فذاك صحيح، وقد عمله الإمام الحافظ "الدارقطني وسواه" من الأئمة الحفاظ سواءٌ جمع بين اللفظين، أو اقتصر على قوله: صح، وحذف قوله: يصح، يعني بعدها، يعني ما صح، أجزتك ما صح، يكفي، سواءٌ كان ما هو معلوم، أو ما يؤول فيما بعد إلى العلم، يستوي ذلك ما كان معلوم وقت الإجازة، أو ما سيؤول إلى العلم أنه من مروياته قبل هذه الإجازة "جاز الكل حيثما عرف" جاز الكل حيثما عرف الطالب حالة الأداء أنه مما تحمله شيخه قبل صدور الإجازة "جاز الكل حيثما عرف" يعني كلما عرفه الطالب أنه من مرويات الشيخ يرويه بهذه الإجازة، ولو لم يحصل المعرفة بها دفعة واحدة، يعني كأن يكون الشيخ مثلاً سُرقت كتبه، عنده مروياته كثيرة جداً لا يحيط بها، فسرقت، كلها مدونة في كتب، وعليها السماعات، سرقت هذه الكتب، قال: أجزتك بما صح عندك من مروياتي، الآن أنا أذكر مائة كتاب، لكن غيره ما أذكر، فصار هذا المجاز يروي ما يذكره الشيخ، هذا ما فيه إشكال، ثم زار البلد الفلاني، فوجد من مرويات الشيخ التي عليها سماعه مما لا يذكره الشيخ وقت الإجازة، هذا صح عنده أنه من مروياته، يروي، وإلا ما يروي؟ يروي، ثم بعد مدة وجد زار واحد من أهل العلم، ووجد عنده مجموعة من الكتب عليها سماع ذلك الشيخ، فأضافها إلى مرويات الشيخ، فيصح أن يرويه عنه، وهكذا، وهذا متصور، هذا متصور لا سيما في المكثرين، في المكثرين الذين يجازون بالجملة، بالكثرة.
"والتاسع" يعني النوع التاسع من أنواع الإجازة:
. . . . . . . . . الإذن بما أجيزا ... لشيخه فقيل: لن يجوزا
"والتاسع" النوع التاسع من أنواع الإجازة: "الإذن" يعني الإجازة الإذن بالرواية، "بما أجيز لشيخه" المجيز خاصة، كأن يقول: أجزت لك مجازاتي، أو أجزت لك رواية ما أجيز لي، يعني إجازة على إجازة، إجازة على إجازة.(25/25)
الإجازة في أصلها ضعف، ثم إذا تركبت الإجازة على إجازة أخرى زاد الضعف، ثم إذا كان الطالب يروي بإجازة عن شيخه الذي يروي عن شيخه بإجازة، عن شيخه الذي يروي عن شيخه بإجازة كلما لا تزداد ضعف إذا كثرت الأجايز، لكن الإجازة معتمدة على سماع للشيخ من شيخه فيها قوة، والسماع معتمد على عرض فيه قوة، لكن إجازة على إجازة على إجازة على إجازة هذا فيه ضعف.
قال:
والتاسع الإذن بما أجيزا ... لشيخه فقيل: لن يجوزا
يعني هذا النوع اختلف فيه، فقيل: كما قال ابن الأنماطي: إنه لن يجوز، يعني مطلقاً، وصنف فيه جزءاً، والسبب في ذلك أن الرواية بالإجازة ضعيفة، والاستدلال لصحتها غموض، عامة أهل العلم تتابعوا على الرواية بها، والسبب المشقة التي لحقت أهل العلم بعد عصور الرواية، أيضاً ضعف أثر الرواية، واتصال الإسناد جعلهم يتسمحون، لكن في أصلها ضعف، وفي الاستدلال لصحتها غموض كما تقدم، فإذا تركتب إجازة على إجازة نعم، ازداد الضعف، ازداد الضعف، لكن لو تصورنا أن إنساناً دخل كلية شرعية، التنظير غير مطابق من كل وجه، لكن فيه مطابقة.(25/26)
دخل مدرس التفسير، والطلاب جاءوا، يعني مثل ما يحصل الآن، يأتي بعض الطلاب إلى الكليات الشرعية وهم متأهلون، لا سيما المتميز منهم من طلاب المعاهد العلمية متأهل، فقد يكون الذي درسه التفسير في المعهد أفضل ممن سيدرسه في الكلية، يوجد هذا صح، وإلا لا؟ نعم هذا لمسناه، أو درسه الفقه أفضل من الذي، أو أدق من الذي درسه في الكلية، وهكذا؛ لأنه لا يعني أنه هذا يدرس في الجامعة في الكلية، وهذا يدرس في المعهد أن هذا أجود من هذا، ما يلزم، ما يلزم هذا، المقصود أنه دخل مدرس التفسير، فإذا فيه أقل من الذي درسه قبل، ثم جاء مدرس في الحديث، فإذا به بارع، ثم جاء مدرس الفقه، وإذا به متوسط، ثم جاء مدرس العربية، فإذا به إمام، وهكذا يأتي، ويأتي، هذه يشيل بعضهم بعض، لكن إذا كانوا كلهم ضعاف؛ فكيف النظرة إلى هذا المرفق، هذا المحضن الشرعي لطلاب العلم؟ لا شك أنهم يتضاعفون، ويتساهلون بهذا العلم، هكذا إذا كانت طريقة التحمل كلها ضعيفة من شيخ إلى شيخ إلى شيخ، كلهم ضعاف، وطريقتهم ضعيفة، هذه –أيضاً- لا يتشرف طالب العلم بحمل الإسناد الذي هذا وضعه، لكن إذا كان هذا الضعيف روى بإجازة، والذي بعده روى بأقوى طرق التحمل بسماع، والثاني روى بعرض، يعني بعضها يجبر بعضاً.
"فقيل: لن يجوزا وردً" يعني لكن قد رد هذا القول، حتى قال ابن الصلاح: إنه قول من لا يعتد به من المتأخرين، لا يعتد به من المتأخرين "ورد والصحيح" الذي عليه العمل:
. . . . . . . . . والصحيح الاعتماد ... عليه قد جوزه النقاد(25/27)
عليه أي على الإجازة بما أجيز الشيخ، بل بما أجيز شيخه، فيجتمع ثلاث أجايز على نسق، وقد يجتمع أكثر من ذلك على ما سيأتي "قد جوزه النقاد" منهم "أبو نعيم" الحافظ الأصبهاني، فقال: الإجازة على الإجازة قوية جائزة، يعني الفرق بين المثال الذي ذكرته، المثال الذي ذكرته، والأقرب للتنظير أن يأخذ العلم عن شيخ ضعيف، وشيخه ضعيف، وشيخه ضعيف الثالث، والرابع ضعيف، والخامس ضعيف، لكن لو أخذ عن شيخ في فهمه قصور، يعني ما هو ببارع في بابه، لكن حافظته جيده ينقل عن شيخه الذي عنده قوة، وتميز في التحصيل، هذه نعم فيها ضعف، ثم قوة، ضعف ثم قوة، وهكذا يجبر بعضها بعضاً، عندنا أبو نعيم الحافظ يقول: الإجازة على الإجازة قوية، ما دام صححنا الإجازة، صححنا الرواية بالإجازة، فلماذا لا نصحح الإجازة الثانية، صححنا الأولى؛ صححنا الثانية، صححنا الثانية، نصحح الثالثة، فالتفريق بين الأولى، والثانية، هذا تفريق بغير مبرر، فإذا أجيزت الإجازة جاز، ولو استمر الإسناد كله إجازات، فقال: الإجازة على الإجازة جائزة.
"وكذا ابن عُقْدة" أبو العباس أحمد بن محمد بن عقدة، لكنه أجازها في المعطوف خاصة، أجازها في المعطوف خاصة، إيش معنى المعطوف؟ أجازها على المعطوف على المسموع، أجازها في المعطوف على المسموع، يقول: أجزتك مسموعاتي، أجزتك مروياتي، ومجازاتي، لا يجيزه بالإجازات فقط، وإنما يجيزه بمسموعاته، ومجازاته "والدارقطني" الإمام الحافظ أبو الحسن، الإمام الدارقطني –أيضاً- جوزه، والدارقطني والفقيه الزاهد "نصر" المقدسي "بعده" أي بعد الدارقطني، بل أبو الفضل ابن طاهر نقل الاتفاق على صحة الرواية بالإجازة على الإجازة، نقل الاتفاق على صحة الرواية بالإجازة على الإجازة، قال:
. . . . . . . . . ... والدارقطني ونصر بعده(25/28)
نصر المقدسي "والى ثلاثاً" لم يقتصر على إجازتين "والى ثلاثاً" يعني تابع ثلاث إجازات بعضها عن بعض، يقول: أنبأنا فلان، قال: أنبأنا فلان، قال: أنبأنا فلان، إجازات، وبعد أن استعملت "عن" في الزمن المتأخر في الإجازة يقول: عن فلان، عن فلان، عن فلان، وكلها إجازات، أو أجازني فلان، قال: أجازني فلان، أجازني فلان، إلى آخره، والى ثلاثاً من الأجايز، والى ثلاثاً ببعضهم عن بعض "بإجازة" قال المصنف الحافظ العراقي الناظم في شرحه: وقد رأيت غير واحد من الأئمة، والمحدثين زادوا على ذلك:
. . . . . . . . . وقد ... رأيت من والى بخمس يعتمد
يعني من الأئمة، والى بخمس أجائز، وهو الحافظ قطب الدين الحلبي، إذا أجيزت الإجازة فلا مانع أن تستمر، ولا يكفي خمس، ولا عشر، يعني الأسانيد التي يروى بها في هذه الدهور، في هذه العصور قد يكون فيها أكثر من خمس عشرة إجازة، خمس عشرة إجازة، يعني إذا وجد خمسة عشر راوٍ بيننا، وبين البخاري، فكلهم يروون بإجازة بعضهم عن بعض، نعم من يروي عن البخاري مثل الفربلي، ومثل الرواة المعتمدين القدامى، يروون بالعرض على الشيخ، لكن بعدهم صعب العرض على الشيوخ، كثرة الجموع، فاكتفي بالإجازات.
. . . . . . . . . وقد ... رأيت من والى بخمس يعتمد
عرفنا أنه القطب الحلبي.
وينبغي تأمل الإجازة ... . . . . . . . . .
"وينبغي" حيث تقررت الصحة "تأمل" كيفية "الإجازة" الصادرة من شيخ شيخه لشيخه، ينظر:
وينبغي تأمل الإجازة ... فحيث شيخ شيخه أجازه
"أجازه" أي أجاز شيخه بلفظ "أجزته" ما صح لديه، يعني:
بلفظ ما صح لديه لم يخط ... . . . . . . . . .
يعني لم يتخط، لم يخط يعني لم يتخط، ولم يتعد، إذا قال الشيخ المجيز: أجزته ما صح لديه، فإنه حينئذٍ لا يتعدى المجاز، وينظر في إجازة شيخ شيخه لشيخه؛ لأنه قد يظنه أجازه بعموم مروياته، ويوجد هناك قيد، يوجد هناك قيد لا بد أن يتفطن له، وعلى هذا من أجيز عليه أن يضبط إجازة شيخه، شيخ شيخه لشيخه؛ لأنه قد يكون فيها استثناء، أو فيها شرط لا ينطبق عليه.
بلفظ ما صح لديه لم يخط ... . . . . . . . . .
يعني لم يتعد، لم يتعد الراوي:
. . . . . . . . . ... ما صح عند شيخه منه فقط(25/29)
"ما صح" أي الذي صح شيخه منه من مروي المجيز فقط؛ لأنه قد يكون هناك قيد يخرج بعض الكتب، وهناك قيد يخرج بعض الرواة، فيتأكد من إجازة شيخه؛ لأنه إذا كان هناك قيد، إذا كان شيخ الشيخ أجاز، وذكر في إجازته شرط يخرج هذا الراوي عنه، فإنه لا تصح الرواية عنه بواسطة هذا الشيخ الذي وجد القيد الذي يخرجه، أو بعض المرويات قد يكون فيه استثناء لبعض الكتب، والحافظ ابن حجر أجاز رواية ذم الكلام للهروي، واستثنى بعض الأبواب، استثنى بعض الأبواب، التي له عليها فيها ملاحظة، له عليها فيها ملاحظة، فالذي يظن أن الحافظ أجاز أن يروى عنه ذم الكلام، ولم يعرف هذه الأبواب لا بد أن يقع في رواية ما لم يروَّ.(25/30)
قد يكون الكتاب فيه فوت من الشيخ العاشر مثلاً، فيقول الشيخ العاشر: سمعت الكتاب على الشيخ فلان، إلا أحاديث من كتاب المناسك، وأحاديث من كتاب الحدود مثلاً، ثم هذا الشيخ يجيز رواية الكتاب لمن يطلب الإجازة، وبين في إجازته هذا الفوت، ثم الشيخ يجيز رواية هذا الكتاب، ثم الشيخ يجيز الذي لا يعرف الإجازة الأولى، وأن فيها فوت، يظن أن الكتاب كامل، مجاز به كاملاً، فيرويه، وفيه هذا الخرم، فلا بد من أن يتأمل الإجازة، وهذا ظاهر، يعني تأمل الإجازة؛ لأن بعض الشيوخ ثبته مجلد، خمسمائة صفحة، نعم هذا موجود، الفهارس، والأثبات كبيرة جداً، لا سيما عند المتأخرين الذين لهم عناية بالروايات، فتجده –أحياناً- إذا ذكر كتاب من الكتب، قال: فاتني منه شيء يسير من قراءته على الشيخ، أو من سماعه، يعني يتخلف الطالب، يعني في وقت الدرس قد يتخلف، يمرض، فيفوته أحاديث قرئت على الشيخ، وهو غير حاضر، فينبه على هذا أنه فاتني منه أحاديث من باب كذا، وأحاديث من باب كذا، والروايات معروفة يعني، طريقة الرواية عند أهل العلم معروفة، يعني رواية الجلودي مثلاً في صحيح مسلم، فيها فوت يسير، ورواية فلان في صحيح البخاري فيها فوت، وأحاديث يسيرة، المقصود أن مثل هذا لا بد من تصفحه، يعني الإنسان إذا أجيز، إذا أجازه الشيخ المسند من أهل عصره، والإجازات كما تشوفون بعضها في خمسمائة صفحة، تحوي بالتفصيل مرويات الشيخ، فيبين في هذه الأمور، وهذا الطالب أخذ الثبت، ورماه، عنده حفظه، حفظه عنده، وقال: خلاص أنا أروي عن الشيخ كل مروياته، وقد نص الشيخ أن مروياته على سبيل الإجمال، يعدد الكتب، ثم يفصلها، يقرأ هذا الإجمال، ولا يقرأ التفصيل، فلا بد من تصفح هذه الأثبات، وهذه الفهارس لينظر هل فيها فوت لا تصح روايته؟ أو ليس فيها فوت؟ ولذا قال:
وينبغي تأمل الإجازة ... . . . . . . . . .(25/31)
ثم بعد هذا، بعد أن أنهى الكلام على الإجازة، وأنواع الإجازة التسعة، ذكر لفظ الإجازة بكيفية اللفظ، كيف يقول المجيز؟ وشرطه، لفظ الإجازة، وشرطها في المجيز، والمجاز، واشتراط النية لمن كتب، يعني كتب إجازة لفلان، قالوا: الكتابة تحتاج إلى نية، نية الأجازة، وإن كانت صريحة في المطلوب إلا أنها، أما بالنسبة للفظ فهذا ما يحتاج إلى نية، إذا قال: أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري، هذا لا يحتاج إلى نية، لكن إذا كتب: أجزت فلاناً، قال: أنا –والله- ما قصدت؛ لأن بعض الناس كثير الكتابة، أنتم ترون إذا دخلتم بيت شخص، أو حتى من معكم في البيت تجد الناس يتفاوتون، هؤلاء الذين سكنوا البيت يتفاوتون، واحد يكتب على كل شيء، يأخذ كرتون المناديل، ويكتب، ويأخذ ما يأخذ يكتب، تجد كل أي ورقة تقع في يده يكتب عليها، لو يوقع توقيع، أو يكتب أشياء، ثم بعد ذلك يكتب يجرب القلم مثلاً، أجزت فلاناً، أو بعت على فلان، أو فعلت فلان، أو كذا، المهم من كثر ما يكتب تجده مثلاً يجرب القلم بأي لفظ قد يلزمه، لكن لا بد من النية في هذا، وشخص لا يقرأ، ولا يكتب، فقال لشخص اكتب اسمي رباعي، فكتب له اسمه، فصار يقلده، يكتبه على كل شيء، يكتب اسمه، فتقدم لعمل جهة من الجهات، يعني في أول الأمر ما كان هناك شهادات تذكر، الشهادات فيها شح، فالجهة قالوا: تعرف تكتب؟ قال: إي نعم، قالوا: إيش تكتب؟ قال: أكتب اللي تبون، قالوا: اكتب اسمك؟ فكتب اسمه رباعي من كثر ما يردده، فاقتنعوا به، فأقول: إن بعض الناس يكتب كل شيء، وإذا كان بعد عامل في محل، وإلا شيء، وعنده أوراق، وعنده أقلام، وقدامه أشياء مكتوبة؛ تجده يقلدها بكثرة، فبعض الناس مجبول على مثل هذا، فإذا كتب من غير نية هذا لا تصح الإجازة، لا تصح الإجازة، فلا بد من النية، وسيأتي الحديث عنها، على كل حال الترجمة معقودة للفظ الإجازة كيف يقول؟ وماذا يشترط لها؟(25/32)
وكان الأنسب في لفظ الإجازة أن يقدم عليه، يعني في أول الباب، نعم في أول باب الإجازة؛ لأن لفظ الإجازة هو من تعريفها، وما يتعلق بالتعريف، يعني الإجازة مثلاً، ثم الإجازة للسماع هذا حكمها، أما تعريفها ما جاء به الناظم، ما جاء به الناظم، إنما جاء بتعريف كل الأنواع التسعة، واكتفى عن التعريف الإجمالي للإجازة، فالأصل أن يأتي بتعريفها لغة، واصطلاحاً، وكيف يلفظ بها؟ كيف يتلفظ بها؟ فاللفظ ينبغي الأنسب أن يورد قبل أنواعها.
"أجزته ابن فارس"
"أجزته" ابن فارس قد نقله ... وإنما المعروف "قد أجزت له"
يعني لفظها "أجزته" أي الطالب مسموعاتي، أو مروياتي متعدياً بنفسه، يعني ما يحتاج إلى أن يعدى بالحرف، ولذا قال: أجزته، هكذا قال ابن فارس، ابن فارس، أبو الحسين ابن فارس اللغوي المشهور، صاحب المقاييس، صاحب المجمل، المقصود أنه من مشاهير أئمة اللغة، قد نقله أي تعدية لفظ الإجازة بنفسه دون حرف، ما يحتاج أن يقول: أجزت له، يكفي أن يقول: أجزته، كتاب سماه "مآخذ العلم" هذا الكتاب فيه الكلام على الإجازة، وأنها يجوز أن يقول: أجزته أخذاً من جواز الماء، جواز الماء الذي هو عبوره من مكان، وانتقاله إلى آخر؛ لأنه سبق في تعريفها لغة أنها مأخوذة من العبور، والجواز، فإذا جاز الماء القنطرة، وتعدى من مكان إلى مكان صح تعديته بدون حرف، أخذاً من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية، والزرع، تقول: استجزت فلان فأجازني إذا سقاك ماءاً لأرضك، أو ماشيتك، بدون حرف.(25/33)
قال ابن الصلاح: وإنما المعروف لغة، واصطلاحاً "قد أجزت له رواية مروياتي" متعدياً بالحرف، متعدياً بالحرف، أجزت لفلان، ولذا المجاز يقال: المجاز له، كما أن المجاز به يقال: مجاز به، وإذا حصل الإجمال في المتعلق لا بد من بيانه، فإذا قلت: مجاز، هذا مجاز، فلا يدرى من المجاز، هل هو المجاز له طالب الإجازة، أو المجاز به؟ فإذا حصل مثل هذا الإجمال لا بد من بيان المتعلق الذي يحدد، يعني إذا قيل: مجاز، إيش معنى مجاز؟ هل هو مجاز له، يعني شخص طلب الإجازة فأجيز، أو هو كتاب مجاز به؟ فمادام هذا التردد موجود؛ فلا بد من ذكر المتعلق الذي يعين المراد هذا بالنسبة للفظ، وأما شرط صحتها؛ لأنه قال: لفظ الإجازة وشرطها، وأما شرط صحتها، فقال ابن الصلاح: إنما تستحسن الإجازة من عالم به، ومن أجازه، وإنما تستحسن الإجازة من عالم به، يعني المجاز، ومن أجازه أي والحال أن المجاز له طالب علم، يعني من أهله، والوليد ذا ذكر، الوليد بن بكر الغمري، صاحب كتاب "الوجازة في صحة العمل بالإجازة" أي نقل في كتابه الوجازة عن إمامه مالك بن أنس شرطاً فيها.
الآن هذا المؤلف يقول: وشرطها، والوليد بن بكر الغمري ذكر في كتابه "الوجازه في صحة القول والعمل بالإجازة" عن مالك أنه يُشترط أن يكون المجاز طالب علم، ومن أجازه طالب علم أي من أهل العلم، والمؤلف يقول:
وإنما تستحسن الإجازة ... من عالم به ومن أجازه
طالب علم. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(25/34)
الفرق بين الاستحسان، وبين الاشتراط، نعم يعني مثل ما يعبر عن بعض الأشياء يقال: شرط كمال، ما فيه تنافر بين المضاف، والمضاف إليه، شرط كمال ما في تنافر، ما الذي يقتضيه شرط، وما الذي يقتضيه الكمال؟ متفقان، وإلا متنافران؟ في تعريف حد الشرط، وتعريف الكمال، يعني عندنا، عندنا ضرورات، وحاجيات، وتحسينات، كماليات، ضرورات، حاجيات، تحسينات، كماليات، كيف أقول بأن هذا التحسين وهذا الكمال في مقام الضرورة الشرط، الذي لا يصح العمل إلا به، يعني ما في تنافر بين اللفظين؟ ويش مقتضى الشرط؟ الشرط أن العمل لا يصح بدونه، ومقتضى الكمال أن العمل يصح بدونه، بل قد لا يأثم من لا يأتي بهذا الكمال، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ نعم.
المقصود أنهم حينما يقولون هذا العمل في هذا الفعل، هذا العمل في هذا الفعل شرط، إيش مقتضى الشرط؟ أنه لا يصح إلا به.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نأتي إلى شروط الصلاة مثلاً، الإسلام تصح بدونه، نعم، طيب، التمييز شرط صحة، البلوغ شرط وجوب، التكليف شرط وجوب، الآن الشرط في الأصل -يعني دعنا من التفريعات- في الأصل الشرط، الشرط في حق الصغير التمييز بحيث لا يصح منه إلا .. ، بغض النظر عن العامل نفسه النظر إلى العمل، احنا ما ننظر إلى عامل، ننظر إلى عمل، العامل تتفاوت الشروط بحسبه إن كان صغيراً اشترطنا التمييز، إن كان مكلفاً اشترطنا التكليف لوجوب العمل، لكن الأصل في جملة الشرط يعني عندنا أركان، وعندنا شروط، وعندنا واجبات، وعندنا سنن، لجميع الأعمال، فهل نقارن الشرط بالسنة باعتبار العمل، لا باعتبار العامل، باعتبار العمل لا نستطيع أن نقارن، اشتراط ما يُشترط للعمل بما يستحب له، نعم، هل نقول إن الوضوء بالنسبة للصلاة، وهو شرط فيها مثل ما يستحب لها؟ نعم، مثل رفع اليدين مثلاً، هذا يستحسن، وهذا يشترط، إذن بين الكلمتين تنافرن، وإلا ما استطعنا أن نميز بين الشرط، والواجب، والركن، والمستحب، الشيخ يقول:
وإنما تستحسن الإجازة ... . . . . . . . . .
كيف؟ وابن الصلاح يقول: شرط صحتها.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(25/35)
الكلام في شرطها، هو يقول شرطها، وابن الصلاح يقول: أما شرط صحتها الذي يرتبط بالترجمة، فقال ابن الصلاح: إنما تستحسن الإجازة، يعني ما معكم الشرح؟ ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه يقول هذا الكلام على شرطها "إنما تستحسن الإجازة" لا شك أن هذا فيه شيء من التنافر:
وإنما تستحسن الإجازة ... من عالم به. . . . . . . . .
أي بالمجاز "ومن أجازه طالب علم" يعني من أهل العلم "والوليد" يعني ابن بكر الغمري "ذا ذكر" يعني هذا، ذكر أي نقل في كتابه الوجازة "عن مالك" إمامه، مالك بن أنس "شرطاً" فيها، يعني إن كان عالماً، هذا شرط، عالم، طيب العلم يتفاوت، هل المراد بالعلم بالمجاز به إجمالاً، أو تفصيلاً، يعني المجاز طالب علم، والمجيز عالم، وكلاهما يشترك في صفة العلم بالمجاز به إجمالاً؛ لأن الإجازة إذن بالرواية يفيد، يفيد الإذن، يفيد الرواية إجمالاً، ما هو يفيد تفصيلاً، هل نقول: إن المجيز لا بد أن يكون على معرفة بصحيح البخاري حينما أجازه تفصيلاً، والمجاز يشترط أن يكون على معرفة بما في صحيح البخاري؟ لا، لا يلزم، إنما المقصود العلم، والمعرفة الإجمالية بحيث لا يلتبس بغيره، وعن الحافظ أبي عمر بن عبد البر، يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وعن أبي عمر
أن الصحيح أنها لا تقبل ... إلا لماهر. . . . . . . . .
"وعن أبي عمر" يعني ابن عبد البر "أن الصحيح أنها" يعني الإجازة "لا تقبل إلا لماهر" بالصناعة حاذق فيها، إلا لماهر بالصناعة يعني حاذق فيها "وما لا يشكل" يعني وحاذق –أيضاً- فيما لا يشكل، يعني عارف فيما لا يشكل إسناده، يعني، نعم، وما لا يشكل.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
عندك مفتوحة:
. . . . . . . . . ... إلا لماهر وما لا يشكل(25/36)
إسناده، أو لا يُشكَلُ، الأصل أنها لو كانت يُشكِل ما نحتاج إلى "لا"، أن يكون عارفاً بما يُشكِل، نعم يعني إذا قلنا يُشكِل بكسر الكاف ما نحتاج إلى لا، إلا إذا قلنا: إن الإجازة مع هذا الشرط، أنه لا بد أن يكون عارفاً أقل الأحوال بغير المشكلات، أما أن يكون جاهلاً بكل شيء المشكل، وما لا يشكل؛ هذا لا يصلح أن يجاز، يعني نشترط أدنى مراتب العلم، أقل الأحوال الذي ما فيه إشكال "وما لا يُشكِل" وهذا وجه الكسر، وأما على ضبطها بفتح الكاف "يُشكَل" فالحروف إذا كانت مغفلة عن الشكل نعم يستطيع أن يميز هاذ المجاز بين عَبِيدَة، وعُبَيدة يستطيع أن يميز، وإذا لم نضبط "ابن لَهِيعَة" نطقها بالفتح، يعني اعرف ما لا يشكل، وهذا مقتضى كونه ماهراً بالصناعة، أن يعرف الحروف، وإن لم تُشكَل، أما إذا قلنا: "وما لا يُشكِل" اشترطنا أدنى قدر للمعرفة، أنه أقل الأحوال الأمور غير المشكلة، وأما الأمور المشكلة فلو اشترطناها لتعذر الرواية بالإجازة، فهذا صحيح، وهذا صحيح "واللفظ" يعني بالإجازة "إن تجز" أيها المحدث "بكتب" يعني بأن تجمع بين اللفظ، والكتابة "أحسن" وأولى "أو دون" يعني بكتب "دون لفظ" يعني مجرد كتابة "فانو" الإجازة "وهو" أي هذا الصنيع "أدون" أي من الإجازة الملفوظ بها في المرتبة، يعني إن كتبها، ولم ينوها؛ فالظاهر عدم الصحة، فالظاهر عدم الصحة.
المقصود في قول المؤلف:
واللفظ أن تجز بكتب أحسن ... أو دون لفظ فانو وهو. . . . . . . . .
دون الأول، يعني تكتب فقط دون لفظ، هذا دون الأول، ومنهم من يقول: إن الظاهر عدم صحتها إذا لم تكن هناك نية.(25/37)
شرح ألفية الحافظ العراقي (27)
(تابع كيف يقول من روى بالمناولة والإجازة؟ - المكاتبة - إعلام الشيخ - الوصية بالكتاب - الوجادة)
الشيخ/عبد الكريم الخضير
"والصحيح عند القوم" الصحيح المختار عند جمهور القوم، وهو مذهب علماء المشرق، واختاره أهل التحري والورع، المنع من إطلاق حدثنا، وأخبرنا، ونحوهما؛ لأنه يلتبس على السامع إذا قال الراوي بالإجازة: أخبرنا أو قال الراوي بالمناولة: حدثنا، أنه تلقى الخبر بطريق السماع، أو طريق العرض المجمع عليهما، بينما روى بطريق فيه خلاف.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والصحيح عند القوم
تقييده بما يبين الواقعا ... . . . . . . . . .
"تقييده" أي المذكور منها، المذكور من حدثنا وأخبرنا، إجازة، أو مناولة، فلا يروي بالإطلاق إنما يروي مقيداً "بما يبين الواقع" أي يوضح الواقع من كيفية التحمل، هل تحمل بالسماع فيقول: سمعت، أو حدثنا، تحمل بالعرض بالقراءة على الشيخ، فيقول: أخبرنا، تحمل بالمناولة، فيقول: ناولني، أو أجازني بالإجازة، أو أخبرني إجازة، أو مناولة، المقصود أنه يقيد بما يبين الواقع "إجازة" كأن يقول: أخبرنا إجازة، أو حدثنا فلان إجازة، أو تناولاً، أو مناولة:
. . . . . . . . . ... إجازة تناولاً هما معا
أو يقول: حدثنا، أو أخبرنا فلان مناولة، وإجازة، أو هما معاً، إجازة، ومناولة.
أذن لي أطلق لي أجازني ... سوغ لي أباح لي ناولني
هذه صريحة فيما يتحمل بطريق المناولة، أو الإجازة، أو حدثنا، أو أخبرنا فيما أذن لي، أو فيما أطلق لي، روايته عنه، أو فيما أجازني، أو حدثننا فيما سوغ لي، أو أخبرني فيما أباح لي، أو فيما ناولني، هذه تبين المراد، وترفع اللبس والإيهام أنه روى بطريق السماع، أو العرض على الشيخ، وتحدد المراد من طرق التحمل التي تحمل بها وهو المناولة، أو الإجازة.
وإن أباح الشيخ للمجاز ... إطلاقه لم يكف في الجواز
أباح الشيخ المجيز للمجاز له إطلاقه التحديث والإخبار، قل: حدثني، يقول الشيخ: أذنت لك أن تروي عني مروياتي، وتقول: حدثني أو أخبرني:
وإن أباح للشيخ للمجاز ... إطلاقه. . . . . . . . .(26/1)
يعني التحديث أو الإخبار "لم يكف في الجواز" لماذا؟ الشيخ لا يملك، الشيخ لا يملك هذا، لا يملك أن يبيح له، أو يجيزه أن يخبر عنه بالتحديث:
وإن أباح الشيخ للمجاز ... إطلاقه لم يكف في الجواز
لأنه لا يملك ذلك، كما لو أجازه فيما لا رواية له به، قال: اروِ عني، اروِ عني أي كتاب شئته، لو لم يكن لي به رواية ارو عني، لا يملك أن يجيزه بما لا يقع تحت مروية "وبعضهم" يعني بعض أهل الحديث:
وبعضهم أتى بلفظ موهم ... "شافهني" "كتب لي" فما سلم
متى يقول: شافهني؟ أو يقول: أخبرني فلان مشافهة، أو أخبرني فلان فيما كتب لي.
يقول: أخبرني فلان مشافهة، أو شافهني فلان، يقوله: إذا شافهه بالإجازة، أجازه شفهي، مشافهة، فهو يتجوز ويقول: شافهني، أو اخبرني فلان مشافهة، هذا أدخل في الإيهام، والإلباس؛ لأن الصيغة صريحة في أنه تلقى الخبر عنه بالمشافهة، يعني بالسماع من لفظه، ما الذي يدري السامع أن مراده بشافهني شافهه بالإذن، فقال: أجزت لك أن تروي عني، أو قال: كتب لي، كتب له إجازة محررة، ثم يقول: كتب لي، كأنه كتب له بالحديث، والمكاتبة على ما سيأتي طريق معتبر، وجدت بين الصحابة للتابعين، ومن التابعين لمن بعدهم، فقوله: كتب لي، ومراده: كتب لي بالإجازة تدليس، تدليس في الصيغة.
. . . . . . . . . ... "شافهني" "كتب لي" فما سلم
من استعمال مطلقاً، ما سلم من الإبهام، وطرف من التدليس، وطرف من التدليس.
وقد أتى بـ"خبر" الأوزاعي ... فيها ولم يخلُ من النزاع
أتى في الإجازة بخبرنا، الأوزاعي يستعمل حدثنا، وأخبرنا في السماع والعرض، لكنه يستعمل "خبَّر" أبو عمرو الأوزاعي، عبد الرحمن بن عمرو؟ الإمام المعروف صاحب المذهب المتبوع، لكنه انقرض، يقول: خبرنا، ليفرق بين صيغة الأداء فيما تحمل بالعرض "أخبرنا"، وبين ما تحمل بالإجازة أو المناولة، فيقول: "خبرنا"، ولا فرق بين خبر، وأخبر، ولو قيل: إن خبر أبلغ من أخبر لأن التضعيف لا شك أنه يدل على كثرة التكرار بخلاف أخبر، بينما يحصل، ولو بمرة واحدة، لكن خبر لا يحصل إلا إذا تكرر، قال:
وقد أتى بـ"خبر" الأوزاعي ... فيها. . . . . . . . .(26/2)
أي في الإجازة خاصة "ولم يخلُ" أيضا "من النزاع" من جهة أن معنى خبر وأخبر في اللغة والاصطلاح واحد، ولو قيل: إن خبر أبلغ من أخبر، يعني لو عكس؛ لكان أولى مع أن العكس –أيضاً- لا يجوز، لا يجوز أن أقول: أخبر بإطلاق إلا أن عند أهل التساهل في التحمل، لكن خبر فيها التشديد، التشديد يدل على التكرار، تكرار هذا الإخبار.
ولفظ "أنَّ" اختاره الخطابي ... وهو مع الإسناد ذو اقتراب
ولفظ "أنّ" يعني في طريق الأداء، اختاره أبو سلميان حمد بن محمد الخطابي البستي، فقال: أخبرنا فلان: أنَّ فلاناً أخبره، فاستعمل السند المؤنن في الإجازة، استعمل المؤنن في الإجازة، نعم كثر استعمال المعنعن في الإجازة -على ما سيأتي- كثر استعمال المعنعن في الإجازة، والخطابي يستعمل المؤنن: أخبرنا فلان أن فلاناً أخبره، أو حدثه، وهو اختيار أبي حاتم الرازي فيما نسب إليه مع سماع الإسناد خاصة لشيخه من شيخه "ذو اقتراب" فإن في هذه الصيغة إشعاراً بوجود أصل الإخبار، وإن أجمل الخبر المذكور تفصيلاً، لكن هذا الكلام غير ظاهر، فـ"أن" مثل "عن"، فالذي يستعمل عن في الإجازة له أن يستعمل أنَّ:
. . . . . . . . . ... وحكم "أنَّ حكم "عن" فالجل
سووا وللقطع نحا البريجي ... حتى يبين الوصف في التخريج
حكمها حكم "عن"، لكن الاستعمال "عن" في الإجازة كثر في الأزمان المتأخرة حتى عد ذلك اصطلاحاً:
وكثر استعمال "عن" في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
هذا تقدم شرحه.
وبعضهم يختار في الإجازة ... أنبأنا كصاحب الوجازة
بعضهم يختار في الإجازة لفظ أنبأنا كصحاب الإجازة، الوليد بن بكر الغمري، الشيخ الحاكم صاحب الوجازة "أنبأنا" وكثر استعمال من جاء من بعد عصور الرواية في القرن الرابع والخامس يستعملون أنبأنا في الإجازة بكثرة "كصاحب الوجازة".
واختاره الحاكم فيما شافهه ... بالإذن بعد عرضه مشافهة
"اختاره الحاكم" أي "أنبأنا" الحكام أبو عبد الله "فيما شافهه" شيخه "بالإذن" في روايته "بعد عرضه" له عرض المناولة "مشافهة" قال الحاكم: وعليه عهدت أكثر مشايخي، وأئمة عصري، يستعملون أنبأنا فيما شافهه بالإذن في روايته بعد عرضه عليه، يعني في عرض المناولة.
يقول بعد ذلك:(26/3)
واستحسنوا للبيهقي مصطلحا ... أنب أنا إجازة فصرحا
يعني إذا قال: أنب أنا، وأطلق، وجد هذا الاستعمال فيما نسبه الحاكم لمشايخه، وأئمة عصره، أما بالنسبة للبيهقي، فهو يستعملها بكثرة لكنه يقيد:
واستحسنوا للبيهقي مصطلحا ... . . . . . . . . .
وهو أنبأنا إجازة، فلا شك أنه أدق، وأوضح في المراد، وأدل على المقصود، وأبين للحال "إجازة فصرحا" بالإجازة ولم يطلق الإنباء؛ لأن إطلاقها بعيد من الوضع اللغوي؛ لأن أنبأنا مثل اخبرنا، ومثل حدثنا: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة]، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر]، والنبأ هو الخبر: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [(1)، (2) سورة النبأ]، يعني الخبر العظيم، والأنباء هي الأخبار.
وبعض من تأخر استعمل "عن" ... إجازة وهي قريبة لمن
سماعه من شيخه فيه يشك ... وحرف "عن" بينهما فمشترك
بعض من تأخر من المحدثين استعمل "عن"، استعمل كثيراً لفظ "عن" فيما سمعه من شيخه الراوي عنه بالإجازة، فيقول: قرأت على فلان عن فلان، وهذا كأنه تذكير بما تقدم بيانه في المعنعن، في قول الناظم:
وكثر استعمال "عن" في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
..
وبعض من تأخر استعمل "عن" ... إجازة. . . . . . . . .
فيقول: قرأت على فلان عن فلان "وهي" أي عن "قريبة لمن"
سماعه من شيخه فيه يشك ... . . . . . . . . .
يشك مع تحقق إجازته منه، يعني شك في سماعه من شيخه مع أنه أذن له في روايته عنه، وكذا إذا كان في السماع نوع خلل، فجبر هذا الخلل بالإجازة كما تقدم، أنه إذا تطرق الخلل إلى السماع من غفلة من السامع، أو المسمع، أو خفاء بعض الكلمات، أو بعض الحروف، فإن هذا يجبر بالإجازة، وإذا كان طريق التحمل مثل هذا، سماع، أو عرض مع شيء من الخلل، وجبر بالإجازة، يعني استعمال "عن" فيه قريبة.
قال:
. . . . . . . . . ... وحرف "عن" بينهما فمشترك(26/4)
يعني بين السماع والإجازة مشترك "فمشترك" الفاء هذه "فمشترك" دخلت على الخبر نعم، وتدخل على الخبر من غير احتياج؟ يعني ليست تفصيلية، ولا تفريعية، ولا في جواب شرط، ولا في نعم، تدخل بدون داعي؟ زيد فقائم؟ الأصل زيد قائم؟ نعم؟ لا، لا خلِّ انكسار البيت نقول أدخله للضرورة شيء آخر، لكن في السعة، إذا قلت: زيد فقائم، إذا قلت: أما زيد فقائم، لا بأس تقتضيها أما، لكن: زيد فقائم، لا داعي لها، الكلام اسم، وفعل، وحرف، فالاسم تفريع، وهو الفصيحة على ما يقولون، واقعة في شرط مقدر، إذا عرف هذا؛ فالاسم، لكن هنا فمشترك أدخلت الفاء على رأي الأخفش لا على رأي الكسائي كما قال الناظم، الناظم يقول: أدخلت على رأي الكسائي، الذي يرى دخلوها من غير حاجة، يعني يسوغ إدخالها على خبر لم يتقدمه ما يقتضيها، هذا على رأي الأخفش، والناظم يقول: على رأي الكسائي، الناظم في شرحه يقول على رأي الكسائي يجوز إدخالها، والسخاوي، وبعده صاحب فتح الباقي زكريا الأنصاري، قالوا: هذا على رأي الأخفش لا على رأي الكسائي، والأخفش إذا أُطلق المراد به الأوسط، سعيد بن مسعدة المجاشعي، هذا إذا أطلق، وإلا فالأخافش بضعة عشر، الآن الناظم يقول: الكسائي، صاحب الكلام، صاحب البيت أدرى بما فيه، وأنتم تقولون: الأخفش يمكن يستدرك عليه بمثل هذا؟ نعم؟ يمكن أن يستدرك عليه، وهو الناظم؟ نعم؟ يمكن أن يستدرك عليه لماذا؟ لأن هذه مسألة علمية لا علاقة لها بنظمه، يشترك فيها الناظم، وغيره، صح وإلا لا؟ لكن إذا قال: "وابن شهاب عنه به" كما تقدم في أصح الأسانيد، في أصح الأسانيد قال الناظم: "وابن شهاب عنه به" إيش معنى هذا؟ الناظم يقول: به أي بالإسناد، أو بالحديث، هنا: "وابن شهاب عنه به"، يقول الناظم بالحديث، والسخاوي يقول: لا بالإسناد، الضمير الذي أورده الناظم هل يقصد به الحديث؟ هو يقول الحديث، والسخ اوي يقول: لا المقصود الإسناد، يعني كما قيل: يا فلان، لو يقال مثلاً: ما اسمك، ويقول: أنا أسمي فلان ابن فلان الفلاني، ولما تكلم واحد قال: لا الفلاني، هو انتسب إلى نسب صحيح، وأنت عرفته بما اشتهر به، فترد عليه، يعني كونك ترد على الإنسان بما أعرف الناس به يصوغ، وإلا ما يصوغ؟(26/5)
ما يصوغ، هنا الناظم يقول: "وابن شهاب عنه" يعني عن زين العابدين "به" أي بالحديث كما يقول الناظم، والسخاوي يقول: لا بالإسناد، الضمير الذي يورده الناظم، أو الناثر من أعرف الناس به نفسه، ومع ذلك أن الذي يظهر أن الصواب مع السخاوي؛ لأن الكلام كله في أصح الأسانيد ما هو في أصح الأحاديث، وعندنا هنا حينما قال: إن المراد الكسائي، الناظم يقول المراد الكسائي، والسخاوي، وزكريا الأنصاري يقولان: الأخفش، لا الكسائي، كما قال الناظم من الراجح منهما؟ الراجح منهما الذي بعد التحقق، والتحقيق يتبين أنه قوله، تحتاج إلى محاكمة هذه، وليس قبول قول الناظم بأولى من قبول قولهما، ولا العكس، حتى تراجع كتب الكسائي، وكتب الأخفش، أو يراجع من نقل الخلاف في المسألة، يعني مثل ما تقدم في الإجازة، قالوا: الإجازة أصلها إجْوَازة، أو إجَوَازة، تحركت الواو، وفتح ما قبلها، أو توهم انفتاح ما قبلها، أو تحركت الواو بحسب الحال، وتحرك ما قلبها بحسب المآل، يعني بعد فتحها بعد القلب صارت إجازة انفتحت الجيم، فصارت إجازة، فيها أكثر من ألف، فحذفت الألف التي هي عين الكلمة عند سيبويه، أو الكسائي، أو حذفت الألف الزائدة عند أحدهما، فلو قال واحد: الأولى عند الكسائي، والثانية عند سيبويه، وبعضهم قال: لا الثاني، العكس، هذا ما الذي يرجح، الذي يرجح مراجعة كلام القائلين في كتبهما، أو من نقل عنهما ممن يعتد بقوله من تلاميذهما، أو قرب منهم، فمثل هذه الأمور الترجيح فيها يرجع إلى الرجوع إلى المصادر التي تعنى بأقوال هؤلاء "وفي البخاري" يعني في صحيح البخاري "قال لي" قال لي فلان،
وفي البخاري قال لي: فجعله ... حيْرِيِّهُم للعرض والمناولة(26/6)
أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري الحيري "للعرض" أي لما أخذ بطريق العرض "والمناولة" وانفرد بذلك أبو جعفر بن حمدان، وخالفه غيره، يعني هذه الصيغة في صحيح البخاري لا تختص بحال العرض، ولا المناولة، ولا في حال المذاكرة، كما تقدمت الإشارة إليه، وتبناه بعض الشراح، أن البخاري لا يقول: قال لي، إلا في حال المذاكرة، وأبو جعفر بن حمدان يقول في العرض، والمناولة، الحافظ ابن حجر يقول: الذي استقرأه، يعني تبين له بطريق الاستقراء، أن البخاري لا يقول: قال، ولا قال لي، لا يستعمل هذه الصيغة إلا في حالتين: إحداهما: أن يكون موقوفاً ظاهراً، وإن كان له حكم الرفع، أن يكون الخبر موقوفاً ظاهراً، وإن كن له حكم الرفع، أو يكون في إسناده من ليس على شرطه، وإلا فقد أورد أشياء بهذه الصيغة هي مروية عنده في موضع آخر بصيغة التحديث، يعني بدلاً من أن يقول: قال لي، قال: حدثنا، لكنه يتفنن، وينوع العبارات، أما إذا لم يخرجه بصيغة التحديث بموضع آخر، فلا بد أن يكون هناك نكتة، إما أن يكون ظاهره الخبر لفظه موقوف، وإن كان له حكم الرفع، أو يكون في إسناده من ليس على شرطه، من ينزل على شرطه قليلاً، هذا فيمن استقرأه الحافظ ابن حجر، وهو من أهل الاستقراء التام، لاسيما في صحيح البخاري، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
الخامس: المكاتبة
ثم الكتابة بخط الشيخ أو ... بإذنه عنه لغائب ولو
لحاضر فإن أجاز معها ... أشبه ما ناول أو جردها
صح على الصحيح والمشهور ... قال به أيوب مع منصور
والليث والسمعان قد أجازه ... وعده أقوى من الإجازة
وبعضهم صحة ذاك منعا ... وصاحب الحاوي به قد قطعا
ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... خط الذي كاتبه وأبطله
قوم للاشتباه لكن ردا ... لندرة اللبس وحيث أدى
فالليث مع منصور استجازا ... "أخبرنا" "حدثنا" جوازا(26/7)
وصححوا التقييد بالكتابة ... وهو الذي يليق بالنزاهة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(26/8)
أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في القسم الخامس من أقسام التحمل: الأول: السماع من لفظ الشيخ، والثاني: القراءة على الشيخ، والثالث: الإجازة، والرابعة: المناولة، والقسم الخامس: المكاتبة من أقسام التحمل، والمكاتبة مثل ما ذكرنا في المناولة، الأصل فيها المفاعلة من طرفين، فيكتب الطالب للشيخ بأن يكتب له شيئاً من حديثه إما معيناً يكتب له حديث كذا، أو ما شاء من حديثه، ثم يكتب له الشيخ رداً لما طلب، فهذه مفاعلة من الطرفين، وقد يكتب الشيخ ابتداءً من غير طلب للطالب فتسمى كتابة، ولذلك العنوان المكاتبة، ثم قال المؤلف: "ثم الكتابة" المكاتبة بين الطرفين، والكتابة من طرف واحد على أنه قد تأتي المفاعلة من طرف واحد، مثل ما ذكرنا في المناولة، المكاتبة يعني من الشيخ إلى الطالب، ويدخل في هذه الترجمة الصفة التي يؤدي بها، أو الصيغة التي يؤدي بها "ثم الكتابة" يقول الناظم: "ثم الكتابة" يعني من الشيخ بشيء من مرويه، ثم يرسله إلى الطالب مع ثقة مؤتمن بعد تحريره بنفسه، أو بثقة، أو بثقة معتمد، وشده شد الكتاب، وشد الكتاب يعني إغلاقه وإحكامه، فإما أن يتولى الكتابة بنفسه، أو يأمر ثقة يكتب من إملائه، ثم بعد ذلك يوثق الكتاب، ويشده، ويخدمه لألا يتطرق إليه الخلل والتزوير، وإذا كان الشيخ لا يكتب، فلا بد أن يكون الكاتب ثقة؛ لأن بعض الكتاب طُعن فيه، فعندك من الكتاب الذين وصفوا بذلك ورَّاد كاتب المغيرة، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وغيرهما من الكتاب، فمنهم من هو ثقة يعتمد عليه، ومنهم من لا يعتمد عليه فيجرح الخبر به، وإن كان الشيخ ثقةً، لاسيما إذا كان يعتمد عليه، فإن كان الشيخ أكمه، أعمى؛ فالمعول على الكاتب، وإن كان الشيخ مبصراً، وكاتباً –أيضاً- ولو أمر غيره بالكتابة، فقد يقرأه بعد كتابته، ولذا تجدون الشيوخ الذين يملون كتبهم، ورسائلهم، أو فتاويهم، وتعليقاتهم يطلبون من الكاتب إما أن يقرأها بنفسه، الشيخ يأخذ الكتاب، ويقرأ بنفسه إن كان مبصراً، قارئاً، أو يطلب منه إعادة ما كتب، اقرأ ما كتبت، ثم يقرأه، قد يطلب منه الإعادة ثانية، على كل حال لابد أن يكون الكاتب ثقة، ومع ذلك يُشَد الكتاب، ويختم لألا يتطرق إليه(26/9)
تزوير، أو خلل، وينبغي أن يبدأ الكاتب بنفسه، فيقول من فلان إلى فلان، كما كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يفعل، فيبدأ بالبسملة، ثم يبدأ بنفسه، ولا يقول قائل: إنه بالنسبة لكتاب سليمان إلى بلقيس: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل]، بدأ قبل البسملة، لا، هذا الخطاب تخبر قومها بأن هذا الكتاب من سليمان، وأنه مفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا يعني هذا أن سليمان بدأ باسمه قبل البسملة، يبسمل، ثم يقول من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، هذه هي السنة، وأطلق بعضهم الكراهة إن بدأ باسم المكتوب إليه، أطلق بعضهم الكراهة، إن بدأ باسم المكتوب إليه؛ لأن هذا مخالف للسنة، مخالف لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويستوي في ذلك الكتابة إلى الصغير والكبير، ومنهم من أطلق الجواز، فيقول: يجوز أن تبدأ باسم المكتوب إليه، ومنهم من قال: إذا كان المكتوب إليه أكبر من الكاتب يبدأ باسم المكتوب إليه؛ لحديث: ((كبِّر كبّر))، والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يبدأ بالمكتوب إليه مطلقاً؛ تواضعاً، لا يبدأ باسم نفسه، لكن مع ذلك إذا خلت المسألة من النظرة إلى النفس، والإعجاب بها، فالأصل أن يبدأ باسمه كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(26/10)
على أي حال كتبت؛ المقصود أنها تكتب قبل الكلام، ويستفتح بها الكلام، ما كانوا يفردون البسملة بسطر؛ لشح الورق، ويعتبرون هذا نوع من التبذير، تترك البسملة تفرد بسطر كامل! يكتب متواصل، ما فيه، تمتلئ الورقة بحيث لا يبقى مكان لنقطة، كل هذا لأنهم الورق عندهم شحيح وقليل، وأيضاً الأسفار عندهم كثيرة، فإذا فرقوا الكتابات، والأقلام عندهم عريضة، والحبر –أيضاً-، فإذا احتاجوا إلى تفريغ، ونظموا، ورتبوا كما يفعل الآن؛ لا شك أن الكتاب الذي يكتب في مجلد، يحتاج إلى يكتب في مجلدين، ثم بعد ذلك إذا حملوه على الدابة .. ، هذا كتاب واحد، ثم كتاب ثاني كذلك، وبعضهم أحمال معه، ووسائل المواصلات عندهم متعبة ومكلفة، فهم يحتاطون لهذا كله، ولذا سيأتي في كتابة الحديث، وضبطه أن بعضهم يكتب، ثم يندم، يجعل الحرف رفيعاً صغيراً جداً، ثم يحتاج إليه في وقت الحاجة يخونه، ما يستطيع يقرؤه، إذا كبرت سنه ما يستطيع، ما عندهم نظارات، ليست عندهم نظارات تكبر لهم الحروف الدقيقة، ولذا كثير من الكبار نهو عن ترقيق الحروف؛ لأنه يخون صاحبه أحوج ما يكون إليه، إذا ضعفت الذاكرة، واحتاج إلى الكتاب، فإذا به لا يستطيع قراءته "ثم الكتابة" يعني من الشيخ بشيء من مرويه، تكون "بخط الشيخ" نفسه، هذا الأصل أن تكون بخط الشيخ نفسه "أو بإذنه" في الكتابة، بإذنه، أو بأمره "عنه" أو بإذنه في الكتابة "لغائب عنه" لراوٍ غائب عنه "ولو" كانت "لحاضر" يعني في البلد دون المجلس، يعني في المجلس يكتب له؟ يحتاج أن يكتب له في المجلس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(26/11)
لا، يعني الأصل في الكتابة أن تكون للغائب، الأصل في الكتابة أن تكون للغائب، وإذا أراد أن يكتب إلى شخص حاضر عنده في المجلس؛ حدثه به، ما يحتاج يكتب، شافهه به، الكتابة محتاج إليها حينما يكون المكتوب إليه غائباً عن البلد، أو لحاضر في البلد لكنه يعني ليس في المجلس مما يتيسر تحديثه بالخبر، الآن مع سهولة الإتصال تجد الاثنان يتحدثان في الجوال، وهما في مجلس واحد بل في سيارة واحدة، هذا من الترف بلا شك، هذا من الترف تجده في المجلس، والثاني قدامه قد يكون هناك مناجاة بشيء معين، فيكون بواسطة الجوال، هذا قد يتجاوز عنه؛ لأن هذا مبني على إضاعة شيء من المال، المناجاة ما فيها إضاعة مال، لكن مثل هذا فيه شيء من إضاعة المال، قد يكون واحد في السيارة في مقدمتها، وآخر في مؤخرتها، وبإمكانه أن يقول: يا فلان أعطني كذا من مؤخرة السيارة، وتجدهم يتحدثان في الهاتف، يعني وجد الترف إلى هذا الحد -والله المستعان-، والمكاتبة كالمناولة على نوعين إما أن تقترن بالإجازة أو تخلوا عن الإجازة، إما أن تقترن بالإجازة يكتب له هذا حديثي عن فلان بن فلان بن فلان، ثم يذكر الحديث، وأذنت لك بالرواية عني، هذه مقترنة بالإجازة، ولذا قال: "فإن أجاز معها" خطاً، أو إذناً، يعني مشافهة "أشبه ما ناول" يعني أشبه في القوة والصحة ما ناول، وهذا هو النوع الأول من أنواع المكاتبة، أو جردها، يعني جردها عن الإجازة.
صح على الصحيح والمشهور ... . . . . . . . . .
يعني عند أهل الحديث:
. . . . . . . . . ... قال به أيوب مع منصور
يعني المكاتبة المجردة عن الإجازة صحيح، بينما تقدم، وإن خلت عن إذن المناولة قيل تصح، والأصح باطلة يعني مجرد يعطيه الكتاب هكذا، وأما في الكتابة يقصده، ويكتب من أجله، بالمناولة الكتاب ما كتب من أجله، في المناولة، لكن في المكاتبة الكتاب كتب من أجله، ولذا صححوه "على الصحيح والمشهور" يعني عند أهل الحديث فقال به أيوب، وقال أيوب بتصحيحها، أيوب بن أبي تميم السختياني مع منصور ابن المعتمر، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- سوى بين المناولة، والمكاتبة في صدر صحيحه، في أوائل الصحيح في كتاب العلم، يقول:(26/12)
. . . ... قال به أيوب مع منصور
"والليث" بن سعد، وخلق، وأبو المضفر السمعان بحذف الياء:
والليث والسمعان قد أجازه ... . . . . . . . . .
أي الكتابة المجردة عن الإجازة،
. . . . . . . . . ... وعده أقوى من الإجازة
عد الكتابة المجردة عن الإجازة أقوى من الإجازة المجردة عن المناولة، عد ذلك أقوى جماعة من الأصوليين، والفقهاء "وبعضهم" كأبي الحسن ابن القطان، يعني بعض العلماء كأبي الحسن بن القطان "صحة ذاك منعا" يعني صحة الكتاب المجردة منع، كالمناولة المجردة، يقول: ما في فرق بين أن يكتب له، ولا يجيزه، وبين أن يناوله الكتاب، جمع من أهل العلم منهم أبو الحسن ابن القطان، وهو إمام في هذا الشأن، وهو صاحب بيان الوهم والإيهام.
. . . . . . . . . ... وصاحب الحاوي به قد قطعا
الماوردي صاحب "الحاوي الكبير"؛ لأن عند الشافعية حاوي صغير، متن معتمد عندهم يحفظونه، لكن هذا صاحب الحاوي الكبير "به" يعني في الحاوي أي "بالمنع قد قطعا" لكن هذا القول غلط، كما قال عياض، وغيره، المكاتبة المكتوب له مقصود، وما كتب له إلا من أجل أن يروي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه، بلا أجازة.
طالب:. . . . . . . . .
ما تستطيع؛ لأنه لما كتب الكتاب في المناولة ما قصد روايته، كتبه لنفسه، ثم جاء طالب، وأعطاه إياه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه تمليك، طيب أنا عندي نسخة زائدة من البخاري، وجاء واحد من الطلاب، وأعطيته إياها، نسخة زائدة من البخاري، وأنا أروي للبخاري على هذه الرواية، هل هذا إذن بالرواية، لا، لكن لما أكتب له من مروياتي، معناه قاصده بالرواية.
ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... . . . . . . . . .(26/13)
يعني يكتفي في الرواية بالمكاتبة "أن يعرف المكتوب له" بنفسه أو بإخبار ثقة معتمد، نعم يعني يكتفى في معرفة المكتوب له أن هذا خط فلان، خط الكاتب الذي كاتبه، وإن لم تقم بنية على ذلك، وإن كان بعضهم شدد، وقال: لا يروى بالكتابة إلا إذا قامت البينة بأن هذا خط فلان، يعني مثل كتابة القاضي إلى القاضي في مسألة: ويش يسمونها القضاة؟ الاستخلاف، نعم، مسألة الاستخلاف، لا بد أن تقوم البينة على أن هذا خط فلان، والآن التوثيقات الرسمية كافية، يعني إذا وجد الختم، ووجد الإلصاق، وأيضاً الشمع، والختم على الظرف، هذه كافية، وأيضاً الوسائل الرسمية في توصيل هذا الخطاب، أو ثقة صاحب الخطاب إذا أعطيه مناولة،
ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... . . . . . . . . .
يعني بنفسه أو بإخبار ثقة معتمد "خط الذي كاتبه" خط الكاتب الذي كاتبه، وإن لم تقم بينة على ذلك "وأبطله"
قوم للاشتباه لكن ردا ... . . . . . . . . .(26/14)
يعني اشتباه الخطوط، والتقليد، والتزوير، أبطله قوم فلم يجوزوا الاعتماد على الخط، واشترطوا البينة بالرؤية برؤية الكاتب، ألا يكفي في مثل هذا الاستفاضة .. ، تشهد البينة على الاستفاضة أنه هذا خط فلان؛ لأنه معروف بالطريقة المتبعة الخطوط، وإن وجد شيء من التزوير، والتقليد، لكن في الأصل أن كل إنسان له خطه الخاص، يعرف خط فلان، لاسيما إذا كان من المعروفين المشهورين، يعني كثير من طلاب العلم الذين لهم عناية بالمخطوطات يفرقون بين خط شيخ الإسلام، وخط ابن القيم، وخط السخاوي من خط ابن حجر، يفرقون تفريقاً دقيقاً، بحيث لا يلتبس عليهم الأمر، فالمسألة مسألة خبرة، فإذا شهد الخبراء بأن هذا خط فلان، والكلام المكتوب بهذا الخط موافق لأصول من نسب أليه الخط، ما يأتيني شخص بكلام أعرف من طريقة شيخ الإسلام أنه لا يقر هذا الكلام، يقول هذا كلام شيخ الإسلام، وهذا خطه، ولو كان خطه قريباً منه، ولو قاله خبير؛ لأنه لا يكفي، ولذا التثبت في الكتب أمر في غاية الأهمية في نسبتها إلى أصحابها؛ لأنه قد يوجد كتاب منسوب إلى شخص، ويتداوله الناس على هذا الأساس، وعند التمحيص، والتحقيق يتبين أنه ليس له. "أخبار النساء" لابن القيم مطبوع بهذا الاسم، والصحيح أنه ليس له، "الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن" مطبوعة باسم القيم، وليس له؛ لأن في إقرار أنواع علوم البلاغة، ومنها المجاز، وغيره، وابن القيم يشدد في إبطال المجاز، على كل حال الكتب لا بد لها من أسانيد، ولابد أن يكون المحتوى مناسباً وموافق لأصول من نسبة إليه، والحافظ الذهبي -رحمه الله- له عناية في هذا الشأن، في إثبات الكتب، ونفيها، فعنده نفى -رحمه الله- كثير من الكتب التي نسبت إلى الأئمة باعتبار أنها لم تثبت بالأسانيد إليهم، لم تثبت بالأسانيد إليهم، لكن في مثل هذا ألا يكفي الاستفاضة؟ الإمام أحمد –مثلاً- له كتاب اسمه "الرد على الجهمية"، وما في الكتاب لا ينافي ما عرف عن الإمام أحمد، مثلاً الحافظ الذهبي يقول: ما ثبت عندنا بالأسانيد منا إلى الإمام أحمد، وشيخ الإسلام في منهاج السنة نقل عنه في مائة موطن من هذا الكتاب، ونسبه إلى الإمام أحمد، فهل نقول: إنه لا بد من السند الذي يثبت(26/15)
به الكتاب، أو يكفي أن يستفيض عند أهل العلم، وينقلون منه، ويكون ما في الكتاب من محتوى ومضمون موافقاً لأصول من نسب إليه، ويكفي في ذلك الاستفاضة، كأنساب الناس، أنساب الناس تثبت بالاستفاضة، يكتفى فيها بالاستفاضة، وهذه مسألة يعني كتب تداولها أهل العلم، ونقلوا عنها، ولم ينكرها أحد، ثم بعد ذلك جاء الحافظ الذهبي -رحمه الله-، وشكك في نسبتها. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ينسبون إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم، مستفيض عندهم أن هذا الكتاب للإمام أحمد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما وجد أسانيد، ما ثبت عنده كتاب بالأسانيد، قد يكون في طريقه إلى المؤلف، وضاع مثلاً، أو ضعيف جداً، أو متهم، هل يكفي هذا في القدح بجملة الكتاب المنسوب إلى الإمام المستفيض عنه، وجميع ما في الكتاب ليس فيه ما ينكر، تنكر نسبته إلى الإمام استفاضة في مثل هذا، لاسيما إذا لم يوجد مخالفة، أما إذا وجدت مخالفة؛ فالآن دقق، إذا وجدت مخالفة دقق "وأبطله قوم الاشتباه" يعني في الخطوط، تقليد الخطوط معروف من القدم،
وفي كتب الأدب أن شخصاً وجد في ليلة شاتية على ضفة نهر يكتب، فقيل له: ما الذي دعاك إلى أن تكتب في هذا الجو البارد، وتبرز إلى ضفة النهر؟ يعني بالإمكان أن تأوي إلى مكان فيه شيء من الدفء، لا تعرض نفسك للهلاك، فإذا به يزور كتاباً على مرتعش على ما قالوا، من أجل أن يرتعد من البرد، ويزور على كتاب على شخص مرتعش، فالتزوير قديم، والتزوير في الأصوات –أيضاً- قديم، يعني مثل ما تقدم في السماع من رواء حجاب، ذكرنا مسألة التقليد في الأصوات "لكن رد" حيث قال ابن الصلاح: أنه غير مرضي "لندرة اللبس" لأن الظاهر، والغالب أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره، ثم بعد ذلك كيف يؤدي من تحمل بطريق المكاتبة؟ "وحيث أدى" يعني المكاتب ما تحمله، وحيث أدى المكاتب ما تحمله من ذلك، يعني بأي صيغة، بأي صيغة:
فالليث مع منصور استجازا ... . . . . . . . . .
الليث بن سعد مع منصور بن المعتمر "استجازا إطلاق أخبرنا"، و"حدثنا جوازاً" استجاز أخبرنا، وحدثنا جوازاً، ولكن الجمهور قد منعوا الإطلاق.
وصححوا الإطلاق بالكتابة ... . . . . . . . . .(26/16)
فيقول من يروي بها: حدثنا كتابة، أو مكاتبة، وهو كما قال ابن الصلاح تبعاً للخطيب: الذي يليق بمذاهب أهل النزاهة، والتحري، والتثبت، والورع، والتباعد عن إيهام التلبيس.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استدل بصحة الرواية بالمكاتبة، والكتابة بإيش؟ في صحيحه بنسخ عثمان -رضي الله عنه- المصاحف، وبعثها إلى الأمصار، وبعثها إلى الأمصار، فتلقوها، وقرؤوها، يعني هل القراءة، يعني سند المصحف ثبت بالمكاتبة؟ أو أن ثبوته قطعي بالتواتر؟ نعم ثبوت الموجود في المصاحف التي بعثها عثمان قطعي، نعم، لكن يعني ثبت .. ، والاتفاق على الحرف الواحد الموجود في المصاحف العثمانية –أيضاً- قطعي بإجماع الصحابة، لكن اعتماد من وصلت إليهم هذه المصاحف دليل على اعتماد الكتابة، المناولة، المناولة تلك مناولة:
وصححوا التقييد بالكتابة ... وهو الذي يليق بالنزاهة
يعني بأهل التحري، والتباعد عن التلبيس، والورع نعم، القسم السادس.
السادس: إعلام الشيخ
وهل لمن أعلمه الشيخ بما ... يرويه أن يرويه؟ فجزما
بمنعه الطوسي وذا المختار ... وعدة كابن جريج صاروا
إلى الجواز وابن بكر نصره ... وصاحب الشامل جزماً ذكره
بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع كما إذا قد سمعه
ورد كاسترعاء من يُحمِّل ... لكن إذا صح عليه العمل
يقول -رحمه الله تعالى-: "السادس: إعلام الشيخ" يعني القسم السادس من أقسام التحمل: "إعلام الشيخ" إعلام الشيخ الطالبَ لفظاً بشيء من مرويه بغير إذن له في روايته، بأن يقول الشيخ: هذه الكتب مروياتي، هذا البخاري، وهذا مسلم، ويفرج الطالب على المكتبة، ويخبره بأنها من مروياته، هل يكفي في مثل هذا الإعلام أن يروي الطالب عن الشيخ بمجرد هذا الإعلام من غير إذن له في الرواية؟ يقول:
وهل لمن أعلمه الشيخ بما ... يرويه أن يرويه؟ فجزما
"وهل لمن أعلمه الشيخ بما يرويه" حديثاً فأكثر، كتاباً فأكثر، عن شيخ فأكثر، مجرداً عن التلفظ بالإجازة، هل له ذلك، أو لا؟ "فجزما بمنعه الطوسي"، "فجزما"
بمنعه الطوسي وذا المختار ... . . . . . . . . .(26/17)
الطوسي أبو حامد، يقول الحافظ العراقي، وتبعه السخاوي الشرَّاح: لعل المراد بالطوسي هنا الغزالي؛ لأن كنيته أبو حامد؛ لأنه في ابن الصلاح: منعه أبو حامد الطوسي، والغزالي كنيته أبو حامد، ونسبته إلى طوس، والكلام موجود في المستصفى، ولذا قالوا: الظاهر أن المراد أبو حامد الغزَّالي، وإن كان في الشافعية ممن وقف عليهم السخاوي غير أبي حامد الغزَّالي فيهم اثنان، كلهم أبو حامد الطوسي، وإذا كان الكلام موجوداً في المستصفى فالذي يغلب على الظن أنه هو المراد.
بمنعه الطوسي وذا المختار ... . . . . . . . . .
يعني المنع من الرواية بمجرد الإعلام هو المختار.
. . . . . . . . . ... وعدة كابن جريج صاروا
عدة من أهل العلم كابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، وعبيد الله بن عمر العمري، والزهري، وابن حبيب المالكي، والرازي، وحكاه عياض عن كثير،
. . . . . . . . . ... وعدة كابن جريج صاروا
إلى الجواز. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يقول: ما في فائدة من إعلام الشيخ للطالب أن هذه المرويات يرويها عن شيوخه، إلا أنه يريد أن يرويها عنه، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ ما يلزم، ما يلزم أبداً، هو مجرد إخبار أنه يروي هذه الكتب، عن شيوخه نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو كلها أحاديث، كلها كتب حديث، هي كلها أحاديث.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكنه سمع، سمع هذه الأحاديث، أما مجرد أن يقال: هذه الأحاديث مروياتي، ولا يؤذن له بروايتها.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو عاد لو أذن، وقلنا بكلامك أبطلنا الإجازة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الإذن له شأن، الإذن يفيد الإخبار الإجمالي، إخبار إجمالي، وهذه تحتاج إلى إذن أنه بمجرد إخبار من غير إذن .. ، الآن الإذن الإجمالي فيه خلاف، فكيف بإخبار بدون إذن.
. . . . . . . . . وذا المختار ... وعدة كابن جريج صاروا
إلى الجواز وابن بكر نصره ... . . . . . . . . .
"ابن بكر" الوليد بن بكر الغمري، صاحب "الوجازة في صحة القول بالإجازة"، "نصره" نصر هذا القول، وهو الجواز،
. . . . . . . . . ... وصاحب الشامل جزماً ذكره(26/18)
بل وأبو نصر ابن الصباغ صاحب "الشامل" "جزماً ذكره" يعني جازماً به، جازماً به.
بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع كما إذا قد سمعه
"بل زاد بعضهم" وهو الرامهرمزي، حيث صرح "بأن لو منعه" من روايته عنه بعد إعلامه به، منعه قال: هذه مروياتي، فلا تروها عني، بعضهم يقول: يروها عنه، كما لو سمع منه الحديث، وقال: لا تروه عني.
بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع. . . . . . . . .
بذلك عن روايته كما أنه لا يمتنع "إذا قد سمعه" لا لعلة تقدح في المروي على ما تقدم؛ لأنه لو أبدى عذراً في المنع لزم قبوله، ولم تحل الرواية عنه "ورد" يعني ولكن قد رد القول بالجواز "كاسترعاء من يحمله" كاسترعاء الشاهد من يحمله الشهادة بحيث لا يكفي إعلامه بذلك، يعني لو أن شخصاً شهد، أو أخبر آخر بأن عنده شهادة لفلان، أو أخبره بعقد حصل بين فلان، وفلان، الثاني المخبر يشهد، وإلا ما يشهد؟ نعم؟ هو إن حكى الواقع، إن حكى الواقع فقط، لكن مثل هذا لا يحكم به، مثل هذا مجرد الإخبار عن الواقع لا يحكم به؛ لأنه ليس بأداء للشهادة "لكن إذا صح":
ورد كاسترعاء من يحمِّل ... لكن إذا صح عليه العمل
لكن إذا عليه العمل دون الرواية، الكلام في الرواية، هل يروي، أو لا يروي؟ الصحيح لا يروي، لكن بالنسبة للعمل؟ عنده يروي صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، يعني ما نعمل بأحاديثه في البخاري، ومسلم؛ لأنه لم يقل لنا: ارو عني؟ لا، هو لا يملك العمل، وكل هذا فرع عما تقدم في رواية الحديث من الكتب المعتمدة في قول الناظم:
قلت: ولابن خير امتناع ... نقل سوى مرويه إجماع
النقل لا يجوز إلا بسند "إجماع"، وكذلك العمل فيما ذكره ابن خير في فهرسته، لكن يقول هنا:
. . . . . . . . . ... لكن إذا صح عليه العمل
إذا صح عند أحد، صح الخبر، عند أحد من المتقدمين، أو المتأخرين "عليه العمل" يعني يعمل به، يعمل بما تضمنه ما أخبر به مما صح منه، أظن مسألة العمل ظاهرة، وأنها لا تحتاج إلى أن يكون لك بالحديث رواية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(26/19)
الرواية غير العمل، وإن كان ابن خير يقرن بين الرواية، والعمل، والاستدلال، والاحتجاج، يقول: ما تأخذ من أي كتاب أي حديث إلا إذا كان لك به رواية، إذا كنت لا تروي البخاري ما يجوز تنقل، ولا تحتج، ولا تستدل، ولا تروي، وأهل العلم يفرقون، يقولون: لا تروي، لكن العمل لازم، مادام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من العمل؛ لأن في هذا القول تضييع للسنة، نعم.
السابع: الوصية بالكتاب
وبعضهم أجاز للموصى له ... بالجزء من راو قضى أجله
يرويه أو لسفر أراده ... ورد ما لم يرد الوجادة(26/20)
القسم السابع من أقسام التحمل: "الوصية بالكتاب" من راويه عند موته، أو سفره بالكتاب، أو نحوه، يعني بالأحاديث المكتوبة إذا أوصى بكتبه لفلان، يحتضر فلان، وعنده كتب حديث يرويها بأسانيده، فقال: أعطوها فلاناً، أو أراد أن يسافر، فقال: كتبي أعطوها فلاناً؛ لئلا يعرضها للتلف في السفر، مجرد الوصية، هل يروي الموصى له هذه الكتب عن الموصي، أو لا يروي؟ أقول: هل يروي الموصى له هذه الكتب عن الموصي بمجرد الوصية، أو لا يروي؟ هنا الكتب انتقلت إليه بقصد من صاحبها، يعني كما لو انتقلت إليه بهبة، أو بيع، أو إرث، أو ما أشبه ذلك، نعم، كالمناولة بلا إذن، إن ناوله الكتب أعطاه إياها على جهة التمليك لكن بلا إذن "وبعضهم" كمحمد بن سيرين "أجاز للموصى له" مع أنه من أهل التشديد في الرواية، ولا يرى الرواية بالمعنى "وبعضهم" يعني كمحمد بن سيرين "أجاز للموصى له" المعين واحداً فأكثر "بالجزء" من أصول الموصي "من راو قضى أجله" يعني مات، نعم قضى نحبه، وأجله وأوصى عند وفاته بكتبه لفلان، أو قال: وزعوا كتبي على طلاب المدرسة الفلانية، فوزعت فكل من وقع بيده كتاباً؛ له أن يروي، أو لا يروي؟ هذه الصورة أضعف من الأولى، أضعف لماذا؟ لأنه إذا كان واحداً فهو معين، ومقصود، أما إذا كان عدة، وقال: وزعوا كتبي على طلبة العلم هذه ما فيها شيء، ما أحد يختلف فيها، لا يختلف في مثل هذه الصورة أحد، "يرويه" بأن يرويه كما فعل أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي حين أوصى بكتبه إلى تلميذه أيوب السختياني إن كان حياً، وإلا فلتحرق "أو لسفر أراده" أو حين توجه لسفر أراده، إلحاقاً للسفر بالموت "ورُدَّ" يعني لكن رد القول بالجواز حسب ما جنح إليه الخطيب، وغيره، حتى قيل: إنه زلة عالم، يعني التجويز بالرواية بالوصية زلة عالم، ولا شك أن البطلان في هذه الحالة هو المتجه، وهو المتعين؛ لأن الوصية ليست بتحديث لا إجمالي، ولا تفصيلي، ليست بتحديث، ولا إخبار، لا إجمالي كما في الإجازة، والمناولة، والكتابة، ولا تفصيلي كالسماع، والعرض،
. . . . . . . . . ... ورد ما لم يرد الوجادة(26/21)
الوجادة الآتية في القسم الثامن كأن يروي هذه الكتب الموصى بها عن صاحبها بالوجادة، فإذا قال: وجدت .. ، مثلاً أيوب السختياني: وجدت بخط أبي قلابة كذا، الموصى له يروي الأحاديث الموجودة في هذه الكتب على طريق الوجادة بأن يقول: وجدت بخط فلان كذا، كما هو في القسم الثامن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
بس أنه لما أراد أن يكتب مقصود، الوصية مثل؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن يوصي له بالانتفاع من هذه الكتب، يعني كما لو ناوله، أعطاه كتاباً، أهدى له كتاباً، ثم إذا أهدى له قلنا: ويش الفرق بينه، وبين أن يبيع عليه كتاباً، ثم لو قلنا ما في فرق بين أن يبيع، قلنا: لو ورث الكتاب عنه، يروي، وإلا ما يروي؟ ما يروي، يقول لك كل الناس يروون.
طالب:. . . . . . . . .
المكاتبة مقصودة، الشخص المكتوب له مقصود بهذه المكاتبة حين الكتابة مقصود، والكاتب يكتب حدثنا فلان، وفلان، وهو يكتب لفلان، قريبة من السماع، نعم؟
الثامن: الوجادة
ثم الوجادة وتلك مصدر ... وجدته مولداً ليظهر
تغاير المعنى وذاك إن تجد ... بخط من عاصرت أو قبل عهد
ما لم يحدثك به ولم يجز ... فقل: بخطه وجدت واحترز
إن لم تثق بالخط قل: وجدت ... عنه أو اذكر قيل أو ظننت
وكله منقطع والأول ... قد شيب وصلاً ما وقد تسهلوا
فيه "بعن" قال: وهذا دلسه ... تقبح إن أوهم أن نفسه
حدثه به وبعض أدى ... حدثنا أخبرنا وردا
وقيل: في العمل إن المعظما ... لم يره وبالوجوب جزما
بعض المحققين وهو الأصوب ... ولابن إدريس الجواز نسبوا
وإن يكن بغير خطه فقل: ... قال ونحوها وإن لم يحصل
بالنسخة الوثوق قل: بلغني ... والجزم يرجى حله للفطن
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في القسم الثامن من أقسام التحمل: "الوجادة" الوجادة أن يجد بخط شيخه الذي عاصره، أو من قبله بخط لا يشك فيه أنه خط فلان، فهل يروي مع المعاصرة، أو يروي مع بعد العهد، والتقادم شريطة أن لا يشك بأن هذا خط فلان، يروي كما لو سمع منه، أو كما لو قرأ عليه، أو كما لو أجازه، أو لا بد أن يقول: وجدت بخط فلان.(26/22)
عبد الله بن الإمام أحمد في مواضع كثيرة من المسند يقول: وجدت بخط أبي، فالتبيين في مثل هذا هو الأصل.
يقول -رحمه الله-: "ثم" يلي، ثم يعني يلي ما تقدم "الوِجادة" الوجادة بكسر الواو "وتلك" أي لفظ الوجادة "مصدر وجدته مولداً" يعني غير مسموع من العرب، الوجادة لا تُعرف في لغة العرب في معناها الاصطلاحي، وإنما اللفظ "وجادة" مولد، فغير مسموع من العرب كما قاله المعافى بن زكريا النهرواني في كتابه "الجليس الصالح" كتاب مطبوع في ثلاثة، أو أربعة مجلدات، مطبوع، وفيه فوائد،
. . . . . . . . . ... وجدته مولداً ليظهر
تغاير المعنى. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
تغاير المعنى للتمييز بين المعاني المختلفة.
الفعل "وَجَدَ" وجد وِجَادة فيما يوجد من الصحف المكتوبة، ووَجْداً، وجِدةً، ووجُوداً، وغير ذلك من المصادر، جعلوا الوجادة من أجل أن يتغاير المعنى، فجعلوا كل لفظ من ألفاظ هذه المصادر لمعنىً من المعاني، وجَد وجْداً، وجد جِدةً، وجَد موجِدة، وجَد وِجادة، فتكون فيما نحن بصدده، وِجادة، والوَجْد، والوُجُود، والمَوجِدة، فرقوا بين المصادر ليكون لكل لفظ معنىً خاص به، يعني مثل ما فرقوا بين مصادر الفعل "رأى" رأى رأياً، رأى رؤية، رأى رؤيا، الفعل واحد، والمصادر مختلفة، للتمييز بين المعاني مختلفة "وذاك" أي: قسم الوجادة اصطلاحاً نوعان: حديث، وغيره، غير الحديث "وذاك إن تجد" يعني الأول:
. . . . . . . . . إن تجد ... بخط من عاصرت أو قبل عُهد(26/23)
"بخط من عاصرت" يعني بعض من عاصرت سواءً لقيته، أم لا "أو قبل" ممن لم تعاصره "عُهد" وجوده فيما مضى في تصنيف له، أو لغيره، المقصود أنك تعرف أن هذا خط المؤلف، أو خط تلميذ المؤلف، أو خط ممن قابل نسخته على نسخة المؤلف، يعني نسخ معتمدة، أما الاعتماد على النسخ غير المعتمدة هذا لا -كما قرر أهل العلم- أنها لا يعول عليها في الرواية، لا يعول عليها في الرواية حتى تقابل أصلك بأصول متعددة، شرط عندهم، وقال يحيى أصلٍ فقط، يعني النووي قال: يكفي مقابلته على أصل واحد فقط، يعني إذا وجدت نسخة من كتاب مخطوط، وأردت أن تحقق هذا المخطوط تقابل هذا الذي وجدته بأصل من الأصول يكفي واحد، لكن كونك تحقق الكتاب على نسخة واحدة لا تجد ما تقابل عليها من الأصول لا يكفي، اللهم إلا إذا كانت هذه النسخة مرت على أهل العلم، وتداولوها، وقابلوها، وقرؤوها، وعلقوا عليها هذه ما تحتاج إلى مقابلة على أصول، هذا لا تحتاج إلى مقابلة على أصول، وأهل العلم معروف أن لهم عناية بالتصحيح على ما سيأتي في كتابة الحديث، ومقابلة النسخة على الأصل الواحد مراراً، وعلى الأصول المتعددة، ويجعلون في كل مقطع، أو في نهاية كل مجلس دائرة، ثم يضعون في هذه الدائرة -على ما سيأتي- في المقابلة الأولى نقطة، ويستدل بهذا على أنها قوبلت مرة، ثم إذا قوبل مرة ثانية وضعوا نقطة، قوبلت مرة ثانية، وهكذا، والآثار آثار لمسات مقابلة أهل العلم توجد على أطراف الصفحات في نسخة كذا، في نسخة كذا، وتزداد قيمة الكتب بهذه المقابلات، وبعناية أهل العلم، أما أن يوجد كتاب لا يدرى ما أصله، وهل قوبل، أو لم يقابل؟ وأهل العلم يقولون: إذا نسخ الكتاب فلم يقابل، ثم نسخ فلم يقابل خرج أعجمياً، أنتم ترون حتى في الطباعة الآن، حتى في الطباعة بعض الكتب لا يمكن أن تُقرأ، وهي مطبوعة بحرف جميل، وعلى ورق صقيل، ومع ذلك قد تمر الأسطر ما يفهم معناها لسوء الطباعة، يعني لو ضربنا مثالاً بعارضة الأحوذي، طبعة الصاوي، والتازي، الطبعة الأولى، هذا الكتاب كأنه أعجمي، لا يستقيم، ولا نصف صفحة منه، مشحون بالأخطاء، وهذه المطبعة، ومن نشر الكتاب ليست لهم أدنى عناية بالعلم الشرعي، ولا الكتب، وإلا كان ما يخرج(26/24)
بهذه الطريقة، والشيخ أحمد شاكر في مقدمة تحقيقه لكتاب الترمذي قال: إنهم طلبوا نسخته من المتن ليطبعوا عليها، ليطبعوا عليها، الذين طبعوا عارضة الأحوذي، يقول: لما ظهر المجلد الأول من العارضة، وقرأته فإذا بهم قد أدخلوا تعليقاتي في أصل الترمذي، وقالوا: خرجه أبو داود، وخرجه فلان، وفلان، من تخريجاتهم، نعم، ومن تعليقاتي: اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، أدخلوها، مثل هؤلاء يعتمد على طباعتهم؟ لا يعتمد على طباعاتهم، ولذا على طالب العلم أن يعنى بالمطابع التي تهتم، وبالمحققين الذين لهم عناية، وخبرة بالتحقيق.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو قبل عُهد
ما لم يحدثك به ولم يجز ... . . . . . . . . .
يعني ليست لك رواية بهذا الكتاب الذي وجدته لا بتحديث، ولا إجازة، ولم يجز لك روايته،
. . . . . . . . . ... فقل بخطه وجدت واحترز
يعني قل: حسبما استمر عليه العمل قديماً، وحديثاً، وجدت، أو قرأت بخط فلان، أو في تصنيف لفلان إن كنت تجزم به، أو نسب لفلان، كثيراً ما يقال: في الكتاب المنسوب لفلان، هذا إذا لم تتأكد من نسبته، وإذا تأكدت من نسبته، وعرفت أن نسبته إلى مؤلفه صحيحة لا تتردد، تقول: قال فلان،
. . . . . . . . . ... فقل بخطه وجدت واحترز
كما كان يكتب أهل العلم: وجدت بخط فلان، وذكرنا من الأمثلة قول عبد الله بن الإمام أحمد.
"واحترز"
إن لم تثق بالخط قل وجدت ... عنه. . . . . . . . .(26/25)
إن لم تثق بذلك الخط بالطريقة المشروحة في المكاتبة، بالطريقة المشروحة في المكاتبة، إن تثق بعلمك، وبطريقتك التي لا تشك في أن هذا خطه، أو بإخبار ثقة أن هذا خطه، "قل: وجدت عنه" أي: عن فلان، أو بلغني عنه "أو اذكر" يعني وجدت إن لم تثق بالخط بالطريقة المشروحة سابقاً، فقل: وجدت عنه، أي: عن فلان، أو بلغني عنه، يعني لا تجزم أن فلان أنك وجدت بخطه، أو اذكر وجدت بخطه، يعني إن جزمت بأن هذا خطه، أو قامت البينة على أنه خطه "أو اذكر قيل" بالشك بالتمريض "قيل أو ظننت" أو وجدت بخط قيل إنه خط فلان من غير جزم بصيغة التمريض، أو ظننت، يعني بناءً على غلبة الظن، وإن نزلت المرتبة مرتبة الثقة بالخط عن مرتبة الظن، فقل: وجدت بخط أشك أنه خط فلان، أشك أنه خط فلان:
وكله منقطع والأول ... . . . . . . . . .
كل المروي بها بطريق الوجادة منقطع، أو معلق، وهو أولى؛ لأن الانقطاع في مبادئ السند الذي بينك، وبين المؤلف:
وكله منقطع والأول ... قد شيب وصلاً ما. . . . . . . . .
الأول إذا وثق بخطه، إذا وثق بأنه خطه "قد شيب وصلاً ما" أي: بوصل حيث قيل فيه: وجدت بخط فلان لما فيه من الارتباط في الجملة، لما فيه من الارتباط بين الواجد، وصاحب الخط في الجملة، وزيادة قوة للخبر، فهي الأصل فيها الانقطاع لكن فيها شوب اتصال، شوب اتصال لا سيما من المعاصر، أما من وجد بينهما تباين في الزمن، كأن يجد الإنسان بخط شيخ الإسلام الذي لا يشك فيه، هذا ما فيه اتصال، الانقطاع ظاهر، لكن إذا كان لا يشك به فلا شك أن .. ، وإن لم تصح الرواية المتصلة إلا أن العمل به لازم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان بخطه الذي لا يشك فيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(26/26)
موجود إيه، يعني عبد الله بن الإمام عرف الناس بخطه، يعني الوثائق، الوثائق الوصايا، والأوقاف، والعقود موجبة، وإلا غير موجبة؟ موجبة هذه مثلها، يعني إذا وجد وثيقة بخط فلان أنه أوقف كذا، ثم شهد على هذا الخط أنه خط فلان، ثم أُنكر، أو ادعى أحد أولاده أنه ليس بخطه، ولذا يقول أهل العلم: أنه إذا وجد الوارث بخط أبيه الذي لا يشك فيه أن له ديناً على فلان، قالوا: له أن يحلف على هذا الدين، له أن يحلف على هذا الدين.
وكله منقطع والأول ... قد شيب وصلاً ما وقد تسهلوا
أي جماعة من المحدثين بنقله بصيغة "عن" يعني عن فلان "فيه بعن" أي في إيراد ما يجدونه بخط الشخص، فأتوا بلفظ عن فلان، أو نحوها مثل "قال" مكان "وجدت" قال فلان، يعني أنت تنقل من كتاب لشيخ الإسلام تقول: قال شيخ الإسلام تجزم به، تجزم بالقول إذا كنت تجزم بصحة الكتابة إليه، لكن قال ابن الصلاح: "وهذا دلسة" لأن اللفظ "قال"، والعنعنة إذا ثبتت من معاصر لمن عاصره، وسلم من وصمة التدليس، أو لقيه على الخلاف بين الإمامين في السند المعنعن يحكم لها بالاتصال، فكأنه سمع منه، يحكم لها بالاتصال، ابن الصلاح يقول:
. . . . . . . . . وهذا دلسة ... تقبُح إن أوهم أن نفسه
يعني تقبح إن أوهم الواجد بأن كان معاصراً له "أن نفسه" أي الشخص الذي وجد المروي بخطه "حدثه به" يعني إذا قال: عن فلان، وأوهم الناس، أو أوهم القارئ، أو أوهم السامع أنه حدثه به، وحقيقة الحال أنه وجده بخطه لا شك أن هذه دلسة، حدثه به، أو له منه إجازة بخلاف ما إذا لم يوهِم، بأن لم يكن معاصراً له، هذا ما فيه، الانقطاع ظاهر، ولا يخفى على طالب العلم، ولو كان مبتدئاً، بالرجوع إلى التواريخ، والتراجم يعرف أنه ما حدَّثه، ولا أجازه به "وبعض أدى" أي: بعض جازف، و "أدى"
. . . . . . . . . ... حدثنا أخبرنا ورُدَّا
يعني وجد بخط شخص لا يشك فيه، ثم جازم، فقال في صيغة الأداء: حدثنا، وأخبرنا، وهذا حكاه القاضي عيا ض عن بعضهم "ورُدَّا" ذلك على قائله،
وقيل: في العمل إن المعظما ... لم يره وبالوجوب جزما(26/27)
"وقيل" يعني لكونه غير متصل "في العمل" بما تضمنه "أن المعظما" يعني من المحدثين، والفقهاء لم يرووه "لم يره" قياساً على المرسل، ونحوهما مما لم يتصل، ولكن "بالوجوب" في العمل حيث ساغ "جزما" أي: قطع "بعض المحققين" من أصحاب الشافعي، يعني إذا جزمنا بأن هذا الكتاب بخط فلان، وفلان ثقة, ومن يروي عنهم ثقات، العمل بهذا لا زم، مجزوم به، كما نجد في الكتب المدونة "وبالوجوب جزما" يعني في العمل لا اتصال الرواية "بعض المحققين" يعني من أصحاب الشافعي "وهو الأصوب" يعني القطع بالوجوب هو الأصوب، القطع بوجوب العمل هو الأصوب الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة، وإلا لأدى إلى تضييع بعض السنن "ولابن إدريس" الإمام محمد بن إدريس الشافعي:
بعض المحققين وهو الأصوب ... ولابن إدريس الجواز نسبوا
أي: جماعة من الفقهاء نسبوا ذلك، فاجتمع في العمل ثلاثة أقوال: المنع:
وقيل: في العمل أن المعظما ... لم يره. . . . . . . . .
المنع، والوجوب "وبالوجوب جزما بعض المحققين"، "ولابن إدريس الجواز" المنع، والجواز، والجوب.
النوع الثاني من أنواع الوجادة:
وإن يكن بغير خطه فقل: ... قال ونحوها وإن لم يحصل
"وإن يكن بغير خطه" يعني إن يكن ما تجده من مصنف لبعض العلماء ممن عاصرته، أو لم تعاصره "يكن بغير خطه" إما بخط غيره، أو مطبوع مثلاً، وجدت المغني مطبوع، ماذا تقول إذا أردت النقل؟ وإن يكن بغير خطه فقل: قال، تقول: قال ابن قدامة، نعم قال فلان: كذا، ونحوها من ألفاظ الجزم "وإن لم يحصل"
بالنسخة الوثوق قل: بلغني ... والجزم يرجى حله للفطن
يعني إذا كننت لا تثق بهذه النسخة، إما لأن ثبوتها عن صاحبها فيه كلام، أو صحة هذه النسخة، ودقة الناسخ، والمقابلة فيه شيء، أو أن هذه المطبعة عرفت بأنها لا تهتم، يعني مثل من طبع كتاب الإمام البخاري "جزء القراءة خلف الصلاة"، العنوان "جزء القراءة خلف الصلاة"، هل هذه المطبعة يوثق بما تطبع؟ إذا كان العنوان خطأ؛ فماذا عن المحتوى؟ في جزء القراءة خلف الصلاة؟! "خلف الإمام" كتاب الإمام البخاري، لكن مثل هذه المطبعة يعتمد عليه؟ ما يعول عليها "وإن لم يحصل"
بالنسخة الوثوق قل: بلغني ... . . . . . . . . .(26/28)
عن فلان أنه ذكر كذا، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني كذا،
. . . . . . . . . ... والجزم يرجى حله للفطن
يعني لكن الجزم في المحكي لما يكون في هذا القبيل يرجى حله للفطن، العالم الذي لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط، وما أحيل عن جهته، يعني بعض الناس تعطيه نسخة مغلوطة، نسخة مغلوطة، وقد يكون فيها إسقاط، ثم بعد ذلك يأخذ النسخة، ويقرأها، ويستظهر هذه الأخطاء، ولو ما عنده أصل، الفطن يستطيع، الفطن يستطيع.
في فتح الباري –مثلاً- الكلام على حديث، قال ابن حجر: "فينبغي الاضطراب" لما تكلم على الحديث بأسانيده، وطرقه التي حكم عليها بالاضطراب، ثم تكلم الحافظ، وكأنه رجح أحد الطرق على غيرها "فينبغي الاضطراب" فعلق المعلق قال: فينبغي أن لا اضطراب، وصوابها فينتفي الاضطراب؛ لأنه ما في لا، ينبغي هذه ينتفي، وانتهى الإشكال.
فالفطن يدرك مثل هذه الأمور، ويصحح، وبعضهم عنده من الدقة من دقة التصور، وسبك الكلام بحيث لو كان السقط أكثر من كلمة، أو جملة يسبكها، فإذا اطلع على نسخة صحيحة، وجدت موافقة، وجدت موافقة، وفي نسخة، الطبعة الأولى من تفسير القرطبي، قرأت في المجلد الأول، وعلقت عليه بكلام نصف سطر؛ لأن الكلام ركيك علقت، لما وقفت على الطبعة الثانية من الكتاب، وطبعة دار الكتب مطبوعة قبل ولادتي، لكن ما وقفت عليها إلا بعد، فإذا عليها نفس التعليق بالحروف، يعني لو كانت عندي النسخة الثانية عرفت أنني نقلتها منه، فكما قال الأول: قد يقع الحافر على الحافر، قد يقع الحافر على الحافر، فإذا كان الإنسان عنده خبرة، ودربة في ألفاظ أهل العلم، وأساليبهم، وله خبرة –أيضاً- في النظر في الكتب، وتصحيحها يعني لا شك أنه قد لا يخفى عليه مثل هذا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.(26/29)
شرح ألفية الحافظ العراقي (28)
(كتابة الحديث وضبطه)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيستأنف درس الألفية على غير موعده المعتاد، كان المعتاد أن يكون في الدورات الصيفية، لكنه قدم استعجالاً لإنهاء الكتاب؛ لأهميته، وحاجة طلاب العلم إليه، علماً بأن المادة متعلقة بهذا الفن، علوم الحديث، انتهت يعني تقريباً، ولم يبق إلا مُلح هذا العلم، ومكملاته، أما أصوله التي يبنى عليها، والقواعد التي يعتمد عليها في هذا العلم فالغالب أنه انتهى، يعني ما بقي إلا كما يعبر عنه أهل العلم بالملح المكملة، وإلا فأصول الرواية انتهت، يعني ما يحصل به التصحيح والتضعيف فرغنا منه، وبقي الآن ما يتعلق بالتدوين، والضبط، وغيره مما يشرح -إن شاء الله- في هذه الفترة، ولعلنا نحتاج إلى فترة أخرى مماثلة لنستطيع بذلك إكمال الكتاب.
سم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله- تعالى: كتابة الحديث وضبطِه.
وضبطُه.
أحسن الله إليك.
كتابة الحديث وضبطُه:
واختلف الصحاب.(27/1)
يعني هذا بالنسبة للعطف على المتضايفين يورث مثل هذا، العطف على المتضايفين يورث مثل هذا الخطأ الذي وقع فيه الشيخ؛ لأن الواو كما تعلمون عاطفة، والمعطوف هل هو تابع للمضاف فيرفع، أو تابع للمضاف إليه فيجر؟ وليست هناك قاعدة مطردة في مثل هذا، وإنما المعنى والسياق هو الذي يحدد، ومثله جميع التوابع، فإذا قلت: مررت بغلام زيد الفاضل، هذا إشكال، الفاضل نعت للمضاف وإلا المضاف إليه؟ لأيهما؟ فلا يستطيع أحد أن يجزم، لا سيما وأنه موافق للجزأين في الإعراب، فزيد مجرور بالحرف، لكن السياق هو الذي يحدد، فإذا كان الحديث عن زيد فالوصف له، وإن كان الحديث والسياق لغلامه فالتابع له، وهنا كتابة الحديث إذا قلنا وضبطِه، العطف على نية تكرار العامل، يعني لا بد أن يكون المعنى كتابة الحديث وكتابة ضبطه، وإذا قلنا: كتابة الحديث وضبطُه فالمقصود كتابة الحديث وضبط الحديث، نعم.
واختلف الصحاب والأتباع ... في كتبة الحديث والإجماع
على الجواز بعدَهم بالجزم ... لقوله: اكتبوا وكتب السهمي
وينبغي إعجام ما يستعجم ... وشكل ما يشكل لا ما يفهم
وقيل: كله لذي ابتداء ... وأكدوا ملتبس الأسماء
وليك في الأصل وفي الهامش مع ... تقطعيه الحروف فهو أنفع
ويكره الخط الدقيق إلا ... لضيق رق أو لرحَّال فلا
وشره التعليق والمشق كما ... شر القراءة إذا ما هذرما
وينقط المهمل لا الحا أسفلا ... أو كتب ذاك الحرف تحت مثلا
أو فوقه قلامة أقوال ... والبعض نقط السين صفاً قالوا
وبعضهم يخط فوق المهمل ... وبعضهم كالهمز تحت يجعل
وإن أتى برمز راو ميزا ... مراده واختير أن لا يرمزا
وتنبغي الدارة فصلاً وارتضى ... إغفالها الخطيب حتى يعرضا
وكرهوا فصل مضاف اسم الله ... منه بسطر إن يناف ما تلاه
واكتب ثناء الله والتسليما ... مع الصلاة للنبي تعظيما
وإن يكن أسقط في الأصل وقد ... خولف في سقط الصلاة أحمد
وعله قيد بالرواية ... مع نقطه كما رووا حكاية
والعنبري وابن المديني بيضا ... لها لإعجال وعادا عوضا
واجتنب الرمز لها والحذفا ... منها صلاة أو سلاماً تكفى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.(27/2)
أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي: "كتابة الحديث وضبطه" يعني تدوين الحديث.
العرب كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب))، "أمة أمية"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمي، لا يقرأ، ولا يكتب، لا يقرأ المكتوب، لكن معولهم على الحفظ، وهذا هو الأصل في الرواية، كما تقدم في الطريق الأول من طرق التحمل، الذي هو السماع من لفظ الشيخ، هذا هو الأصل، ودرج على ذلك العرب في جاهليتهم، وفي أول الإسلام، وتميزوا بالحفظ، فكانوا يحفظون الكلام الطويل الذي يشتمل على غريب الألفاظ من مرة، أو مرتين، أو ثلاث بالكثير، كثير منهم يحفظ من مرة، وحفظ ابن عباس قصيدة عمر بن أبي ربيعة خمسة وسبعين بيت من مرة، والعرب كان اعتمادهم على الحفظ، وهكذا، من يعتمد على شيء يضبطه، ويتقنه، وكان الناس إلى وقت قريب معولهم على الحفظ، كثير من العامة يضبط أموره، ويتذكرها في أمور تجارته، وزراعته، وغيرهما من الأعمال دون كتابه، ولا يفوته شيء، ولا يفوتهم شيء، والذي يعتمد على الحفظ تجد حتى من العامة يحفظ الأرقام، ويحفظ الأسماء، ويحفظ ما يتعلق بأمور دنياه، لكن لما اعتمد الناس على الكتابة ضعف الحفظ، ومن أجل ذلك جاء النهي عن الكتابة في أول الأمر، كما في حديث أبي سعيد عند مسلم، وغيره، من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه)) كل هذا محافظة على هذه الغريزة، غريزة الحفظ، والصفة الثابتة التي تسمى ملكة، أن يفرق بين الصفات والملكات، بأن الملكة هي الصفة الثابتة الراسخة، هذه ملكة، ملكة الحفظ، والناس متفاوتون فيها، تجد زيداً أحفظ من عمرو، والعكس أحياناً.(27/3)
الناس يتفاوتون في هذه الحافظة، والإنسان في مراحل عمره تتفاوت عنده هذه الحافظة، قد تزداد، وقد تنقص؛ لأنها ملكة أصلها غريزي ثابت، وتقبل التنمية، والزيادة بالمعاناة، فقد يكون الإنسان في أول أمره ضعيف في الملكة الغريزية الأصلية، ثم يعاني الحفظ، ويكثر منه فتزاد عنده، وتنشط عنده هذه الملكة، كما أن الصفات كذلك، العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، وغيرها، يعني منها ما هو غريزي، ومنها ما هو مكتسب، تنمو هذه الملكة بالتنمية، والمعاناة، وقد تضعف بالإهمال، تضعف بالإهمال، وهذا واقع، في مراحل العمر لا شك أن الصغر مع فراغ البال عن المشاغل في الغالب أقوى في الحفظ، ولذا يقولون: التعلم في الصغر كالنقش في الحجر في الغالب؛ لأن الفهم وهو مرحلة تلي هذه المرحلة يعين على الحفظ، فالمرحلة الأولى اللي هي مرحلة الصبا والطفولة ينبغي أن تستغل بالحفظ، ولو لم يفهم، يفهم فيما بعد، وهذا مر بنا، ومر بغيرنا، يعني في المرحلة الابتدائية حفظنا أشياء ما ندري ويش معناها؟ لكن عرفناها فيما بعد، وكذلك في المرحلة المتوسطة، كنا ندرس المتون كالألغاز، ومع ذلك في النهاية صارت موجودة، وفهمناها فيما بعد، هذا لا يضر، يعني الدعوات التي تدعو إلى أن الطفل لا يعلم إلا ما يفهم، هذه ليست بصحيحة، هذا تضييع لعمره من غير فائدة؛ لأن الفهم عنده ضعيف، فانتظار الفهم بالحفظ هذا تضييع للوقت، ونسمع الآن، ورأينا فلتات يعني يأتي صبي في الخامسة في السادسة يحفظ، يعني صبية في الرابعة سمعنا منها سلم الوصول للشيخ حافظ الحكمي، حفظ، لا تقرأ، ولا تكتب، ما تعرف الحروف، لكن لقنت فتلقنت، فمثل هذا السن ينبغي أن يستغل بالحفظ، إذا تقدمت به السن لا شك أن الفهم يقوى عنده، فإذا قلَّت مشاغله، واستغل الحفظ مع الفهم اجتمع عنده أركان التحصيل، مع النية الصالحة، ثم بعد ذلك تأتي العوارض، والعوائق، يتزوج، تناط به أعمال، ويكلف من قبل أهله، ومجتمعه بتكاليف لا شك أنها تعوقه، تضعف عنده الحفظ لوجود المعارض، أولاً: العلم وجد قلباً خاوياً، فتمكن، لكنه الآن وجد محلاً مشغولاً بأمور أخرى، وحينئذٍ يضعف، يضعف في هذا السن لوجود المعارض، وأما الضعف الملاحظ فيكون في المراحل الأخيرة(27/4)
من العمر، إذا بدأت القوى كلها تضعف.
الماوردي يرى أن الحفظ لا يزيد ولا ينقص، الشخص حافظته واحدة سواءً كان صبياً، أو شاباً، أو كهلاً، أو شيخاً، ما .. ، على وتيرة واحدة، وهذا الكلام الواقع يردُّه، أشار إلى هذا في أدب الدنيا والدين، لكن الواقع يرده، هو يقول: إن الضعف ليس بسبب ضعف الحافظة، وإنما هو لوجود المعارض، نعم وجود المعارض مؤثر، والحافظة كغيرها، الحافظة كغيرها، السمع يضعف، البصر يضعف، القوى كلها تضعف، العقل يضعف، يعني إذا تعدى مرحلة الكهولة إلى الشيخوخة، وبدأ يرد إلى أرذل العمر إلى أن يفقد كل شيء، لا، الماوردي يقول: لا، هو على وتيرة واحدة إلى آخر عمره، إلا من أصيب بآفة أذهبت عقله، هذا ليس الحديث عنه، وهذا لا يمكن أن يخالف فيه لا ماوردي، ولا غيره.
على كل حال على الإنسان أن يحرص على الحفظ، فالحفظ هو العلم في الحقيقة، يعني:
ليس العلم ما حوى القمطرُ ... بل العلم ما حواه الصدر(27/5)
القمطر الدواليب التي تحفظ فيها الكتب، يعني الاعتماد على الكتب، هذا ليس بعلم، نعم هو علم بالقوة القريبة من الفعل لا بالفعل، بمعنى أن الإنسان لو ابتعد عن كتبه صار إذا سئل ما أجاب، وإذا أراد أن يحدث ما استطاع، إذا كان عمدته، ومعوله على الكتب، فعلى الإنسان أن يكون معوله على الحفظ، الاعتماد على الكتابة لا شك أنها أضعف الحفظ، وقلنا: إن النهي في أول الأمر بسبب هذا، وأيضاً كما قال أهل العلم: إن النهي خشية أن يلتبس الحديث بالقرآن، خشية أن تضعف الحافظة للاعتماد على الكتابة، أو خشية أن يلتبس الحديث بالقرآن، ثم بعد ذلك نسخ هذا النهي، واستقر الإجماع على جواز الكتابة، وبعد أن كان الناس معولهم على الحفظ، والحافظة عندهم تسعفهم؛ لاعتمادهم عليها، اعتمد كثير منهم على الكتابة، فالنتيجة أن الحافظة ضعفت، يعني الإنسان الذي يعتمد في حفظ الأرقام على ذاكرته يستحضر هذه الأرقام متى شاء، لكن من دون الرقم في مذكرته، لو قيل له بعد دقيقة: أعد الرقم، ما استطاع، ما يستطيع؛ لأن القصد إلى الحفظ مهم في الحفظ، القصد إليه، ولذلك تجد كثير من الناس يسمع دعاء القنوت يردد مراراً في رمضان، وفي النهاية إذا قيل له: أعد، ما أعاد، تسمع المصلي مثلاً في صلاة الجمعة يسمع من الخطيب كلمات تكرر في كل خطبة، لكنه لم يقصد حفظها، ما قصد الحفظ، لكن لو قصد الحفظ لا شك أنه يهتم به، فيثبت عنده، وبعد ذلك استقر الإجماع على جواز الكتابة، والنتيجة ما سمعتم، يعني كان الصدر الأول يتميزون بالحفظ، وفيهم الأئمة الحفاظ الكبار، ثم بعد ذلك تتابع الناس على الكتابة، وأجمعوا عليها، فضعفت الحافظة، والكتاب أحد نوعي الضبط، وهو معتمد عند أهل العلم، والرواية منه صحيحة، لكن الإنسان الذي يعتمد على كتابه إن ابتعد عنه ما استطاع أن يستحضر، إن تلف كتابه، أو احترق اختلط، إن حرف كتابه، أو تعدى عليه أحد بتغيير، أو شيء ضعف في روايته بسبب هذا التغيير.(27/6)
استمر الناس على الكتابة إلى القرن الثاني عشر، أوأواخر الحادي عشر، جاءت الطباعة، يعني في القرن الحادي عشر جاءت الطباعة، فماذا حصل؟ تخوف المشفقون من أهل العلم على العلم بسبب الطباعة، فأفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، قالوا: اطبعوا تاريخ، أدب، لغة، أما الكتب الشرعية لا تجوز طباعتها، هذا شفقة على العلم، لماذا؟ لأنه إذا كانت الكتابة، والعالم، أو طالب العلم يتولى كتابه بنفسه مضعفة للعلم، ومضعفة للحفظ، فماذا عن الطباعة ويتولاها غيرك، يعني أنت احتجت إلى كتاب، قبل الطباعة ماذا تصنع؟ إما أن تستعير الكتاب، وتديم النظر فيه، إلى أن تحفظ ما تحاج منه، أو تنسخ الكتاب تكتبه، وإذا كتبته على أن الكتابة أضعف من الحفظ الكتابة ترسخ الحفظ، يعني معين على التحصيل، نعم ليست بدرجة الحفظ لكنها دونه، وهي مع ذلك أفضل بكثير من أن تشتري الكتاب جاهزاً، آحاد الطلاب الآن يملك مكتبة كبيرة، يعني عموم طلاب العلم عندهم مكتبات، لما تيسرت الطباعة، وبذلت الكتب، تجد طالب العلم عنده عشرين دالوب، مائة دالوب فيه ألوف المجلدات، لكن لو تقول له: عدد أسماء هذه الكتب ما استطاع، فضلاً عن كونه يعرف محتوى هذه الكتب، ولو على سبيل الإجمال، يعني بعض الناس عنده حرص، إذا اشترى الكتاب تصفح الكتاب، وأخذ تصور تام عن الكتاب، هذا طيب، لكن بعض الناس يشتري تركات، ويرص بها الدواليب، وهذا آخر عهده بالكتاب، تصوروا طالب علم اشترى فتح الباري، وجلس عنده ثلاثين سنة، أربعين سنة ما فتح الكتاب، لكن لو ما وجدت الطباعة، واحتاج إلى كلام الحافظ على هذا الحديث ماذا يصنع؟ إما أن يستعير الكتاب، وينظر، ويقرأ، وإذا قرأ في شيء لا يمكث عنده؛ لأن بقاء الكتاب لا شك أنه يطيل الأمل في قراءته، الكتاب موجود، إذا ما حرص عليه الآن بكرة -إن شاء الله-، غداً، إذا جاء الغد؛ قال: اليوم أنا مشغول بعده، لكن إذا كان الكتاب ما هو لك، مستعيره لمدة خمسة أيام، لا بد أن تنظر فيه هذه المدة، صاحب الكتاب لن يصبر أكثر من ذلك، فهذا هو السبب في ضعف التحصيل عند طلاب العلم.(27/7)
تيسير الحصول على الكتب، تيسر الحصول على الكتب لا شك أنه صار على حساب التحصيل، استمر الناس في معاناة الكتب المطبوعة، وهم يتفاوتون، منهم الحريص، ومنهم المفرط، إلى أن جاءت هذه الآلات، هذه الآلات .. ، الكتب إذا احتجت مسألة رجعت إلى الكتاب، رجعت إلى الكتاب، وتجد قبل الوقوف على هذه المسألة مسائل تستفيد منها، لكن ماذا عن هذه الآلات التي لا يعترضك أي مسألة غير المسألة التي تريدها بضغطة زر تطلع على ما تريد، ثم خلاص، تغلق الآلة، استفدت هذه المسألة، لكن الذي يحصل بمثل هذا اليسر، وهذه السهولة لا شك أنه عرضة للنسيان؛ لأن الشيء الذي يؤخذ بسرعة بسهولة يفقد بسرعة، هذه سنة إلهية لكن الشيء الذي يؤخذ بمعاناة وتعب لا شك أنه يثبت، مثال ذلك: احتجت كتاباً فذهبت إلى المكتبة وجدته في أول دالوب، وأخذته، ومشيت، بعد كم سنة يقال لك: كيف حصلت على هذا الكتاب؟ ما تدري، لكن لو أن هذا الكتاب ذهبت إلى المكتبات، ودرت مكتبات البلد كلها ما وجدته، ثم راسلت، ثم كذا، ثم وقفت عليه في غير مظنته، تجد أن هذه المعاناة ثابتة في ذهنك، يعني قد لا يحتاج إليها مثل الأمور، لكنها مثال للمسائل العلمية، المسائل العلمية إذا لم تتعب عليها فإنك تفقدها بسرعة، والذي يعول، ويعتمد على هذه الآلات لا سيما إذا لم يكن في تحصيله متانة فلا شك أنه عرضة للزوال، علمه عرضة للزوال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وقت الكلام، وقت الحديث لا شك أنه موجود، يعني، لا يكتبون، ولا يقرءون، وعلى رأسهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى الخلاف في المراد بمعنى الأمية، فإن كان المراد به عدم القراءة والكتابة كما هو الشائع؛ فهو وصف ارتفع في الغالب، في الغالب ارتفع، وإن كان المراد به الانتساب إلى النبي الأمي -عليه الصلاة والسلام-؛ فالوصف لازم.
"واختلف الصِّحاب" بكسر الصاد "والأتباع" الصِّحاب جمع صاحب، والأتباع يعني من تبعهم، اختلف الصحابة والتابعون، والصِّحاب بكسر الصاد أفصح من فتحها، كما أنه إذا التحقت به التاء الفتح أفصح من الكسر، الصَّحابة "والأتباع في كتبة الحديث" يعني في كتابته:
. . . . . . . . . ... في كتبة الحديث والإجماع(27/8)
على الجواز بعدهم بالجزم ... . . . . . . . . .
يعني استقر الإجماع على جواز الكتابة، وحديث أبي سعيد الذي ذكرناه نُسخ بقوله -عليه الصلاة والسلام- عام الفتح: ((اكتبوا لأبي شاه)) رجل من أهل اليمن سمع الخطبة النبوية، فقال: اكتبوا لي، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اكتبوا لأبي شاه)) "وكتب السهمي" عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، كان يكتب، قال أبو هريرة: "ليس أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني حديثاً من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب، ولا أكتب"، واستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الكتابة فأذن له، فهذا دليل على أن حديث أبي سعيد منسوخ، وبعضهم يقول: إن حديث أبي سعيد معلول، رفعه معلول، والمرجح وقفه بدليل أن البخاري لم يخرجه، ولو كان رفعه ثابتاً لخرجه! لا، هذا الكلام ليس بشيء، هذا الكلام ضعيف، حديث تخريج مسلم له يكفي، التصحيح، وليس كل الأحاديث الصحيحة خرجها البخاري، وترك من الصحاح أكثر كما قال، كتب بعض الصحابة، وكثير من التابعين، ثم جاء التدوين الرسمي الذي تبناه عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد حيث أمر ابن شهاب الزهري أن يكتب السنة؛ لئلا تضيع، وأما القرآن فقد كتب في عهد الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-، وأمن من التباس القرآن بغيره، فأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب أن يكتب السنة، ووزعت –أيضاً- على الأقطار، مع أنها محفوظة في الصدور؛ لأن العصر الأول القرن الأول جيل حفظ.
"وكتب السهمي"
وينبغي إعجام ما يستعجم ... وشكْل ما يُشكِل لا ما يفهم
وقيل: كله لذي ابتداء ... وأكدوا ملتبس الأسماء
ينبغي إعجام ما يستعجم، الإعجام هو النقط، وكانت الحروف غير منقوطة في العصر الأول، وكيف يفرق بين الجيم، والحاء، والخاء؟ يفرق بالسياق، وإلا كانت كلها مهملة، ويقال: إن أول من نقط المصاحف الحجاج، وله عناية بالقرآن، مع ما عنده من ظلم -نسأل الله العافية-، لكن له عناية بالقرآن، ومن ذلك أمره، أو فعله، أو أمره بإعجام القرآن، نقط الحروف المعجمة.
وينبغي إعجام ما يستعجم ... . . . . . . . . .(27/9)
الإعجام هو النقط، ولذلك يفرقون في الضبط يقولون: بالسين المهملة، أو بالشين المعجمة، فدل على أن مرادهم بالإعجام النقط.
كلام الناظم -رحمه الله-: "ينبغي إعجام ما يستعجم" أن هناك حروف يجوز إهمالها، هل هذا مفهوم كلامه، وإلا لا؟ ينبغي إعجام ما يستعجم، المفهوم الأول: أن هناك حروف معجمة لا تعجم، إنما يعجم ما يستعجم، يعني ما يكون بالنسبة للقارئ كالكلام الأعجمي بحيث لا يفهم بغير إعجام، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ هذا فهم.
أو نقول: إن المراد بقوله:
وينبغي إعجام ما يستعجم ... . . . . . . . . .
أن ما يستعجم هي الحروف المعجمة، لكن إذا قلنا بهذا الفهم، ويش معنى ينبغي؟ يعني يُستحسن، لا يلزم، يعني ليس بلازم، إذا قلنا: ينبغي، فما معنى قوله: ينبغي، يستحسن إعجام ما يستعجم؟ يعني النقط ليس بلازم؟ لازم، وإلا ما هو بلازم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النقط؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يجوز أن تترك الجيم بدون نقطة؟
طالب: كتابة لا نطقاً.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن يجوز أن نكتب الجيم بلا نقطة، يعني حاء مهملة؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن معنى ما ينبغي؛ لأن ينبغي معناها يستحسن، نعم.
طالب: يقال ما المقصود بينبغي هنا.(27/10)
والإشكال هنا أنه لو قال: يجب، الوجوب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى دليل شرعي، والدليل انقطع قبل الإعجام؛ لأن الإعجام حصل في عهد الحجاج، الدليل انقطع من الكتاب والسنة انتهى، ما في دليل على الوجوب، إلا أن الاستدلال بالقواعد الشرعية على الوجوب ظاهرة، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني كيف تقرأ النصوص بغير إعجام، يعني ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني من يلزمه التعلم؛ لأن التعلم فرض كفاية، ولا يتم هذا التعلم إلا بالإعجام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكأنه تحرى في هذه اللفظة خشية من أن يكون قد قال على الله بغير علم، لكن ظاهر يعني مسألة الإعجام، وإن كانت متأخرة الصدر الأول ليسوا بحاجة إلى الإعجام، يعني يقرؤون الكلام عادي، سواءً نقط، أو ما نقط، والسياق يدل، يعني لما قرأ القارئ، والنحل باسقات، قالت امرأة: لاسعات؛ لأنه هو المناسب للنحل، فهم يفهمون من خلال السياق، ما يحتاجون إلى نقط، بعد ذلك احتاجوا إلى الإعجام، والحاجة ماسة، يعني الآن ما يمكن يقرأ كتاب بالحروف المهملة، إذا كانت حروف مهملة، ويراد بها المعجمة، ما يمكن يقرأ، افترض أن الألفية ما فيها نقط، كيف تقرأ اختلف؟ بعض الكلمات واضحة من خلال السياق، لكن كثير منها ما يتضح، كيف يقرأ الكتاب، الحرف المعجم كيف يقرأ وهو مهمل؟ لا سيما وأن صور الحروف متشابهة، دعنا ممن عمد إلى كتاب، فألفه بالحروف المهملة، يعني يوجد تفسير كله بالحروف المهملة، هذا لو أعجم فسد معناه؛ لأن المؤلف قصد أن يكون التأليف كله .. ، الكتاب من أوله إلى آخره بالحروف المهملة، لو أعجم هذا الكتاب فسد، لكن المقصود كتاب فيه حروف مختلفة، منها المعجم، ومنها المهمل، فيلزم إعجام المعجم.
. . . . . . . . . ... وشكل ما يُشكِل لا ما يفهم(27/11)
يعني الكلمة المشكلة تَشْكَل، أما الكلمة غير المشكلة لا تشكل، يعني هل هناك من داع لضبط "قال"، و"قام" بفتح القاف، وسكون اللام، وفتح القاف، وسكون الألف، وفتح اللام في قال؟ نحتاج إلى مثل هذا؟ هل نحتاج إلى ضبطه؟ يمكن أن تنطق هذه الكلمة بغير هذا اللفظ؟ ما يمكن، فلا نحتاج إلى ضبطها، لكن بعض الألفاظ نحتاج إليها، لا سيما الأسماء؛ لأن المتون قد يستدل على ضبط الكلمة بما قبلها، وما بعدها، لكن الأعلام، والنسب سُلَمي، سَلَمي، لا يعرف المراد إلا بالضبط، بمعرفة ما قبلها، وما بعدها، إلا أنه –أيضاً- قد يوجد ما يشكل في المتون، فنحتاج إلى ضبطه.
. . . . . . . . . ... وشكل ما يُشكِل لا ما يفهم
يعني من غير شكل "وقيل: كله" يعني يشكل الجميع، يعني لا بد من شكل كله، لماذا؟ لأن قوله: لا ما يفهم، الفهم نسبي، يعني هناك قارئ قد يقرأ كتاباً كاملاً ما شُكل على الجادة، ما يحتاج إلى شكل أي كلمة، قارئ دونه في المنزلة يحتاج إلى ضبط ما نسبته عشرة بالمائة من الكتاب، وثالث يحتاج إلى ما نسبته عشرين، إلى أن تصل إلى حد قارئ مبتدئ يحتاج إلى أن يشكل له كل شيء "وقيل: كلُه" يعني يشكل كلُه "لذي ابتداء" يعني لطالب علم مبتدئ.
وقيل: كله لذي ابتداء ... . . . . . . . . .
وعلى هذا لو طبعنا كتاباً من كتب المبتدئين، أو من كتب المتوسطين، أو من كتب المتقدمين، كتاب المبتدئين الأجرومية مثلاً، اضبطها كلها بالشكل؛ لأنه ألف لذي ابتداء، المنصوص عليه هنا، لكن القطر يحتاج إلى أن تضبطه كله، وقد تقدم أن هذا الطالب الذي يقرأ في القطر قرأ كتاباً آخراً يعينه على الضبط، ما يحتاج إلا أن تضبط المواضع التي تشكل على طالب هذا المستوى، الألفية، النظم نعم يحتاج إلى مزيد عناية ما هو مثل النثر، النثر سلس، بينما النظم يحتاج إلى مزيد عناية، لكن لو فرضنا أننا طبعنا كتاباً فوق القطر مثلاً، المفصل، أو الكافي، أو شيئاً من هذا، لا نحتاج في الضبط مثل ما نحتاجه في الأجرومية، ولذا قال:
وقيل: كله لذي ابتداء ... . . . . . . . . .(27/12)
لكن ما نعمد إلى مثل علل الدارقطني، أو درء تعارض العقل والنقل، أو نقض التأسيس، ونشكله كله، نقول: يمكن يقرأ مبتدئ، المبتدئ لا هو بفاهم سواءً شكلت، وإلا ما شكلت، وشكل الكتاب كله لا شك أنه متعب، وتعب ليس وراءه هرب؛ لأن المفترض أن هذا الكتاب إنما يقرؤه من يحسن الضبط، وليس بحاجة إلى أن يضبط له.
وقيل: كله لذي ابتداء ... وأكدوا ملتبس الأسماء
الأسماء التي تلتبس: المؤتلف والمختلف، متفق ومفترق، وغيرها، كلها أسماء يلتبس بعضها ببعض، فتحتاج إلى ضبط، تحتاج إلى ضبط، إما بالشكل بالحركات، أو بالحروف، وهذا مستعمل في كتب أهل العلم، يقول لك: بفتح المهملة، وسكون المعجمة إلى آخره، وقد يضبطون الكلمة بالمقابل.
حرام بن عثمان، يحتاج أن يقولون: حرام بفتح الحاء والراء المهملتين؛ لئلا يشتبه بالخاء، والزاي، أو بالحاء والزاي، حزام، أو خزام، كلها مستعملة، لكن أخصر من ذلك قولهم، وأدرج، وأسلس: بلفظ ضد الحلال، حرام بلفظ ضد الحلال؛ لأنه بالفعل حرام مهمل يمكن أن يقرأ حزام، أو خزام؛ لأن تأثر الكتاب، لا شك أنه وارد، يعني سواء من حشرة، وقعت عليه، أو رطوبة، أو شيء من هذا فتأثر الورق.
المقصود أن مثل هذه الأمور الضبط لا بد منه.
. . . . . . . . . ... وأكدوا ملتبس الأسماء
"وليك في الأصل" يعني في صلب الكتاب، الضبط في صلب الكتاب "وليك في الأصل" اللام هذه ليك، تعليل، وإلا أمر؟ أمر بدليل أنها جزمت الفعل "وليك في الأصل" يعني في صلب الكتاب، وفي الهامش يعني تضبط الكلمة في صلب الكتاب لا سيما الملتبسة، في صلب الكتاب تضبطها "وفي الهامش" في الحاشية "مع تقطيعه الحروف فهو أنفع"
وليك في الأصل وفي الهامش مع ... تقطيعه الحروف فهو أنفع(27/13)
يعني في فتح المغيث للسخاوي كلمة -يعني مر ذكر- الهجيمي، هذا في المخطوطات، الهجيمي مر في كلام السخاوي، فضبطوه بضم الهاء، وفتح الجيم، ضبطوا الكلمة في الصلب، وفي الحاشية كتبوه بالحروف المقطعة، هاء وجيم إلى آخره، وضبطوا هذه الحروف، لماذا نحتاج إلى التقطيع، مع تقطيعه الحروف؟ فهو أنفع، يعني مزيد في الضبط والإتقان؛ لأن الحرف قد يلتبس بغيره إذا كان مقروناً مع غيره من الحروف، لكن إذا كان منفرداً ما التبس بغيره:
وليك في الأصل وفي الهامش مع ... تقطيعه الحروف فهو أنفع
ويكره الخط الدقيق إلا ... لضيق رق أو لرحال فلا
"الخط الدقيق" يعني تصغير الحرف مكروه عند أهل العلم، لماذا؟ لأنه قد يحتاج شخص نظره ضعيف لقراءة هذا الكتاب، وقد يحتاجه الكاتب نفسه بعد أمد، فلا يستطيع قراءته، قد يقول قائل: إن النظارات تحل الإشكال، لكن عندهم نظارات يوم قلنا هذا الكلام؟ ما عندهم نظارات، والإمام أحمد -رحمه الله- رأى بل قال لابن عم حنبل بن إسحاق، نهاه عن الكتابة بالخط الدقيق، فقال: أحوج ما تكون إليه يخونك، يعني حنا زاولنا الكتابة، وعانينا الكتابة في أول الأمر أيام الطلب الآن ما نستطيع نقرأ، كتابتنا ما نقدر نقرأها، لا عاد يسر الله النظارات، وصرنا نقرأ، وإلا لولا النظارات كان ما استفدنا منها، فيخونه، ولذلك صرحوا بالكراهة:
ويكره الخط الدقيق إلا ... لضيق رق. . . . . . . . .(27/14)
أنت محتاج تنسخ الألفية، الألفية ألف بيت، فبدلاً من أن تجعل في السطر بيت واحد، إذا قلنا: ألف بيت، وكل صفحة تكتب فيها ثلاثين، تحتاج إلى ثلاثين صفحة، أكثر من ثلاثين صفحة، أنت ما عندك إلا عشر ورقات، حسب ما توازن أمورك، أو تقول: أكتب اللي يكفي، والباقي ما لي به حاجة "لضيق رق" يعني لضيق الورق، وبعضهم يقول: لضيق الورَق والورِق، ما يكون عنده، يعني عشر ورقات تحتاج إلى مبلغ، والعشرين تحتاج إلى مبلغ أكثر، فإذا اجتمع ضيق الورَق مع ضيق الورِق القيمة .. ، تسومح في مثل هذا، عاود بحث عن ورق ما وجد إلا هذا العدد، يكتب على أي حال، أحسن من لا شيء، أحسن من الترك "أو لرحال فلا" يحتاج إلى أن يكتب مثلاً تفسير ابن كثير، أو صحيح البخاري، وهو رحال، لو كتب صحيح البخاري مثلاً، واحتاج إلى خمسة مجلدات، وتفسير ابن كثير في خمسة، وصحيح مسلم مثل، وتفسير كذا، ربما احتاج إلى حمول تمشي معه، لكن إذا كتب بالخط الدقيق، صحيح البخاري بمجلد، ابن كثير في مجلد، وهكذا، ووجد يعني عند الوراقين يوجد مثل هذا، يعني وجد جامع الأصول في مجلد، ووجدت الكتب الستة في مجلد واحد، الكتب الستة في مجلد، بخط الشيخ محمد عابد السندي، وجدها الشيخ أحمد شاكر باليمن، نسخة فيها الكتب الستة مجلد واحد، وجد تهذيب اللغة للأزهري في مجلد، وجدت تهذيب الكمال اللي هو خمسة وثلاثين مجلد في مجلد، وصور عاد هذا المجلد وانتشر، يعني صور، واحتيج إلى توزيعه في مجلدات؛ لأنه حجمه كبير والورق الصفحة الواحدة فيها ستين سطر.(27/15)
"أو لرحال فلا" الآن وجد نظير الضغط هذا الكتب في مجلد، أو الكتاب الكبير في مجلد، الآن انتشر، الكتب المضغوطة، يعني فتح الباري في ثلاث مجلدات بدلاً من الأسفار الكثار الكثيرة الكبار، ووجد المغني في مجلدين، البداية والنهاية في مجلدين، كتب السنة كلها على مجلد واحد، المسند في مجلد واحد، يعني هذه تنفع متى؟ في الأسفار، يعني في الأسفار كرتون واحد تأخذ كل ما تحتاجه، بينما لو كانت كتبك المعتادة تحتاج إلى سيارة، يعني هذا الكرتون يحتاج بدله عشرين كرتون، وهذه الكتب المضغوطة يعني في الغالب أن العناية فيها أقل من الكتب التي أخذت على السعة، ولذلك تكثر فيها الأخطاء، يعني تصلح لرحال، أما في حال السعة فلا يستغنى عن الكتب المعتنى بها.
"وشره التعليق والمشق" يعني شر الخط التعليق والمشق، يعني الكتابة السريعة التي تتداخل فيها الحروف، ويترك فيها الأسنان مما يحتاج، وتبعثر الحروف، يعني بعض الناس من العجلة، الكتَّاب عموماً يكتبون أحياناً في حال سعة من الوقت نوعاً من الكتابة، يتقنون، ويضبطون، وأحياناً يحتاجون إلى سرعة في الكتابة لضيق الوقت مثلاً، فيشبكون بعض الحروف إلى بعض، وهذا موجود بكثرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني لما يكتب فتوى من مائتي صفحة، وزيادة، وصاحبها مستوفز يريدها، هل يتأنق، ويجيب الألوان، والتسطير، والبدايات، والنهايات، لا، أبداً، شيخ الإسلام ما يرفع القلم كما هو معروف، وقد في قراءة كثير من الكلمات عسر عند كثير من طلاب العلم.
الحافظ ابن حجر –أيضاً- خطه .. ، السخاوي خطه أكثره تعليق، فخط التعليق ليس المراد به ما يكتب في الحواشي، لكنه أكثر ما يستعمل في الحواشي خط التعليق الذي تتداخل فيه الحروف، ولا تبين البيان المطلوب.
وشره التعليق والمشق كما ... شر القراءة إذا ما هذرما(27/16)
يعني إذا أسرع في القراءة، يعني الوضوح في الكتابة نظيره الوضوح في القراءة، والسرعة في الكتابة، والتعليق، والمشق، نظيره الهذرمة في القراءة، وأكل بعض الحروف، يعني بعض الناس بطبعه يأكل حروفاً، يعني طبيعة هذه يأكل حروفاً، تجد كلمة مكونة من خمسة حروف يبين اثنين منها، والباقي يفهم من السياق، لكن بعض الناس إذا تأنى، وتريث وضَّح، وإذا أسرع أكل، وبعض الناس ما شاء الله عنده التمييز في الحالين، حتى ولو أسرع ما يخفى منه شيء، هذه مواهب من الله -جل وعلا-، فعلى كل حال:
. . . . . . . . . ... شر القراءة إذا ما هذرما
هذا شخص يقول: أنا تعودت على الهذرمة؛ لأن الأصل في الهذرمة إما ضيق وقت، أو حرارة طبع، الناس يبي ينتهي، لكنه إذا عود نفسه على هذا يصعب عليه أن يتريث، ويتأنى، يعني مثل اللي تعلم على السرعة في القيادة تجده دائماً مسرعاً، لو ما وراءه شغل، لو المشوار قصير، ما يستطيع، إذا تعود السرعة في القراءة لا يستطيع التريث، هذه مسألة نعاني منها، ويعاني منها كثير، ودنا والله نتريث لا سيما في قراءة القرآن، نرتل، ونتدبر، لكن تعودنا على السرعة، ويخشى الإنسان أنه إذا قال: أقلل القدر الذي أقرأه، بدل ما أقرأ خمسة أقرأ اثنين يكون على حساب القدر، وأما الكيفية تستمر، يبتل يهذرم بجزأين بدل خمسة؛ لأنه تعود على هذا، ومن عامة الناس من عرفناهم من سنين على هذه الطريقة، والله لا يحرم الجميع الأجر، لكن يبقى أن القراءة الفصيحة الواضحة على الوجه الشرعي هذا أفضل بكثير، وأما الهذرمة فإذا لم ينقص بسببها حرف، أو حروف فأجر الحروف ثابت -إن شاء الله-، لكن يبقى القدر الزائد، وهو أجر التدبر والترتيل، هذا عاد لا شك أنه أعظم بكثير من أجر الحروف.
. . . . . . . . . ... شر القراءة إذا ما هذرما
"وينقط المهمل" الأصل الذي ينقط المهمل، وإلا المعجم؟ المعجم، يقول:
وينقط المهمل إلا الحاء أسفلا ... . . . . . . . . .(27/17)
يعني نوع من أنواع الضبط، كتبت سين، سين مهملة، وإلا صاد، نظيرها المعجم، نظير السين الشين ثلاث نقاط فوقها، ونظير الصاد الضاد نقطة واحدة فوقها، يقول: ضع النقط تحت الحرف في السين ثلاث نقط كما هي فوق الشين، كالأثافي ثلاث، لكن بدلاً من الواحدة فوق، واثنتين تحت اعكس في السين، فاجعل الاثنتين فوق، والثالثة تحت، ومنهم من يرى أنها تكتب في سطر واحد النقط الثلاث؛ لئلا تنزل النقطة الثالثة فتضيق على السطر الذي يليه، تشوش، فيظنها القارئ نقطة للحرف الذي تحته، فاكتبها في سطر واحد، الصاد اكتب تحتها نقطة، لكن إذا جئنا إلى الفاء مثلاً، الفاء فوقها نقطة، وقد لا تلتبس بالقاف عند المشارقة، لا تلتبس بالقاف عند المشارقة؛ لأن القاف نقطتين، وصورة القاف تختلف عن صورة الفاء؛ لأن الفاء ممدودة، والقاف نازلة مثل النون، لكن عند المغاربة الفاء والقاف ويش الفرق بينهم؟ الفاء نقطة تحت، والقاف نقطة فوق، وهذا لا شك أنه موقع في لبس عند صغار المتعلمين، أو عوام الناس الذين يقرءون القرآن، إذا وقع في أيديهم مصحف على طريقة المغاربة، كيف تقرأ قسوة إذا كتبت بطريقة المغاربة، عند المشارقة مشكلة، وحصل أن قرِأت على اللفظ الشنيع.
هنا يقول:
وينقط المهمل إلا الحاء أسفلا ... . . . . . . . . .
ليش ما ننقط الحاء؟ لنميز بينها وبين الخاء، تصير جيم، ما لك مفر، وينقط المهمل إلا الحاء أسفل، أو كتب، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لئلا يتطرق الوهم بأي حال من الأحوال أن تكون شين؛ لأن الشين لو كتبتها سين مثلاً، ولا وضعت تحتها نقط، قلنا: إن المغيرات والمؤثرات موجودة، افترض أن الذباب وقع على هذه السين، أو مثلاً الصفحة الثانية مع شدة الرطوبة، أو الحرارة التصقت، الحبر في السابق ما هو مثل حبر الآن، الحبر في السابق له جرم، وتحسه بيدك، فإذا ضغط الكتاب في جو حار انتقل الحبر إلى الصفحة الثانية، فالسين قد تقرأ شين، لكن إذا وضعت النقط تحتها ما في احتمال.
. . . . . . . . . ... أو كتب ذاك الحرف تحت مثلاً(27/18)
يعني يوجد في الكتابات حتى عند المتأخرين تجد الحرف يكتبونه تحته، ويجمع بين تعيين الحرف المطلوب، وأيضاً كونه حلية وزينة، تجدهم يكتبون الحاء رأس الحاء، تحت الحاء المهملة، ويكتبون صاد كذا، رأسها تحت الصاد المهملة في الخط، فيكتبون يقول:
. . . . . . . . . ... أو كتب ذاك الحرف تحت مثلاً
قد لا يكتب الحرف كاملاً "أو فوقه قلامة" يعني كقلامة، يعني يوضع فوق الحرف المهمل مثل القُلامة، قلامة الظفر ما يشبه الهلال، يوضع فوق الحرف المهمل، وهي إلى السبعة أقرب منها إلى قلامة الظفر، إلى السبعة.
أو فوقه قلامةً أقوال ... . . . . . . . . .
يعني كقلامة، ومنصوب على نزع الخافض "أقوالُ" يعني كل ما تقدم خلاف.
. . . . . . . . . ... والبعض نقط السين صفاً قالوا
يعني بدل ما تجعل الثلاث النقط كالأثافي، نقطتان وتحتهما نقطة تحت السين "صفاً" على صف واحد نعم.
. . . . . . . . . ... والبعض نقط السين صفاً قالوا
وبعضهم يخط فوق المهمل ... . . . . . . . . .
يعني يضع خطاً يشبه الفتحة، ولذا لما كتبوا رضوان، اسم ملك من الملائكة، وإلا إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم بكسر الراء، هو بكسر الراء، لكن الراء مهملة، وطبقوا هذه القاعدة فصار رضوان، ونطقها مغلطة على هذا؛ لأنه وجدها فوق هذه الفتحة، ومثل هذا لا شك أنه يوقع في لبس:
وبعضهم يخط فوق المهمل ... وبعضهم كالهمز تحت يجعل
كالهمز، هذه يسمونها نبرة، كالهمز يجعل تحت المهمل مثل الهمزة.
. . . . . . . . . ... وبعضهم كالهمز تحت يجعل
وإن أتى برمز راو ميزا ... مراده واختير أن لا يرمزا(27/19)
لأن الرمز يحتاج إلى معاناة وحفظ هذه الرموز، يعني نفترض مثلاً على سبيل المثال: تقريب التهذيب، كم فيه من رمز؟ نعم فيه رموز كثيرة للكتب الستة، وجميع كتب أصحاب الكتب الستة، رموز كثيرة، فتجد كثير من طلاب العلم يراجع التقريب يومياً، ولا يكلف نفسه يرجع إلى المقدمة، هذا والكتاب في مجلد واحد، فكيف لو سقطت المقدمة، متعب، ولذلك قال: "واختير أن لا يرمزا" لا شك أن الرمز ما هو مثل كتابة الاسم كاملاً، يعني إذا كان الراوي خرَّج له أصحاب الكتب، خرج له أصحاب الكتب الستة، فبدلاً من عين، يحتاج إلى أن يكتب البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بدلاً من عين، الرمز لا شك أنه يختصر كثيراً، لكن لو سقطت الورقة الأولى، أو كان الكتاب في مجلدات؛ ووقع لك مجلد واحد، الرمز وجوده مثل عدمه، ولذلكم الرموز التي استعملها اليونيني لرواة الصحيح مطبوعة على وجه كل مجلد، كل جزء من صحيح البخاري بالطبعة السلطانية مطبوعة هذه الرموز، لكن تجدون في آخرها رموزاً مختلف في المراد بها، مختلف في المراد بها، كل هذا من أجل أن الرمز قد يوقع في إشكال.
وإن أتى برمز راو ميزا ... . . . . . . . . .
يميزه بدقة، عن ابن ماجه، أحياناً يرمز له بـ"هاء"، وأحياناً يرمز له بالجيم مع الهاء.
وإن أتى برمز راو ميزا ... . . . . . . . . .
يعني يميز، ويوضح في المقدمة أن مراده بهذا الرمز كذا، لا بد من التمييز،
. . . . . . . . . ميزا ... مراده واختير أن لا يرمزا(27/20)
لأن الرمز مهما كان ما هو مثل التصريح، وإن احتاج التصريح إلى مساحة في الورق، وفي الجهد، والوقت، ولكنه ييسر على القارئ الرجوع إلى المقدمات، أو الوقوع في الحرج إذا سقطت المقدمة، أحياناً الرمز إذا تقارب الحرف من آخر يجعل هذه الرموز لا قيمة لها، فمثلاً الجامع الصغير، يرمز السيوطي للصحيح بصاد، وللضعيف بضاد، تجد بعض النساخ يخطئ، ثم يأتي من يقول: صححه السيوطي، وهم يضعفوه، فلا شك أن الرموز توقع في حرج، توقع في حرج؛ لأن النساخ ليسوا على مستوى واحد من الضبط، والإتقان، والأمانة؛ لأنه قد يكون أجير ما يهمه إنه صاد، وإلا ضاد أياً كان، بس يبي ينتهي من الكتاب، فالقارئ بيقول: صححه السيوطي، وهو ضعيف، أو العكس، ولذا قال:.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . واختير أن لا يرمزا
وتنبغي الدارة فصلاً وارتضى ... إغفالها الخطيب حتى يعرضا
"تنبغي الدارة" يعني بين حديثين تضع دائرة، يعني كما هو الشأن بين الآيتين، بين حديثين تضع دائرة، فارغة ما فيها شيء، لماذا؟ من أجل أن نفصل بين حديث وحديث، لا سيما في المتون المجردة، بدون أسانيد، وبدون مخرجين؛ لأن بعض الكتب وضعت على هذا، لتفصل بين حديثين، أو في المتون المشروحة، يعني يوضع المتن بين قوسين، المتقدمين ما يضعون قوسين يضع دائرة، وتفصل بين المتنين، وتستفيد –أيضاً- كما قال الخطيب هنا:
. . . . . . . . . وارتضى ... إغفالها الخطيب حتى يعرضا(27/21)
ويش معنى يعرض؟ يقابل، يقابل هذه النسخة على نسخة أصلية، نسخة الشيخ مثلاً، نسخة مضبوطة متقنة نسخ منها نسخة، ضع دارة، أو دائرة بين المتنين، فإذا قابلت للمرة الأولى ضع نقطة في هذه الدائرة، إذا قابلت ثانية ضع نقطة ثانية، إذا قابلت ثالثة ضع نقطة ثالثة، وبهذا تتميز أهمية النسخة، يعني إذا نظر إليها العالم، أو طالب العلم الذي يريد شرائها، ووجد فيها هذه الدائرة، وفيها مجموعة من النقط، عرفنا أنه بعدد هذه النقط تمت مقابلة الكتاب، وهذه ميزة، يعني الكتاب إذا لم يقابل على ما سيأتي من مقابلة، نسخ فلم يقابل، ثم نسخ فلم يقابل خرج أعجمي؛ لأن الأول أخطأ في كلمات، والناسخ الثاني أخطأ في كلمات، ثم بعد ذلك يتتابع الخطأ من هذه النسخ إلى أن يكون ممسوخاً.
"وتنبغي الدارة فصلاً" يعني بين المتنين،
. . . . . . . . . وارتضى ... إغفالها الخطيب حتى يعرضا
يعني حتى يقابل يعرض نسخته على نسخة أخرى، ثم يضع فيها نقطة، فإذا عارض ثانية وضع نقطة ثانية، وهكذا.
وكرهوا فصل مضاف اسم الله ... منه بسطر إن يناف ما تلاه
لفظ الجلالة مضاف إليه، وأضيف إليه اسم، فمثلا ًعبد الله، تكتب عبد في آخر السطر، ولفظ الجلالة في أول السطر، ثم تقول: ابن فلان، فالقارئ يقرأ (الله) ابن فلان، هذا كرهوه.
وكرهوا فصل مضاف اسم الله ... منه بسطر إن يناف ما تلاه
من المنافاة يعني، إذا قلت: ابن، هذا ينافي، نعم، لكن إذا لم يناف فلا مانع، مثل إيش؟ إذا قلت: سبحان الله وبحمده، ثم قلت: سبحان في السطر الأول، في الذي يليه الله العظيم ما ينافي هذا، سبحان الله وبحمده، سبحان في السطر الذي الله العظيم هذا ما ينافيه، هذا ما فيه إشكال، لكن عبد في آخر السطر، و (الله) ابن فلان في أول السطر الثاني هذا ينافي،
وكرهوا فصل مضاف اسم الله ... منه بسطر إن يناف ما تلاه(27/22)
أيضاً: لو لم يتعلق –أيضاً- باسم الله، المضاف إذا فصل بين المتضايفين، والمتعلق إما للمضاف، أو المضاف إليه، وأوقع ذلك في لبس لا يجوز الفصل بينهما، إذا قلت: ساب رسول الله كافر، تضع ساب في آخر السطر، وفي أوله المضاف إليه (رسول الله) كافر، ما يجوز، هذا لا يجوز؛ لأن القارئ قد يقرأ هذا السطر ويترك ما عداه، وأسوأ من هذا أن يكون ساب في آخر الصفحة، ورسول الله إلى آخره في الصفحة الثانية، أو يكون في الصفحة اليمنى ساب، والكتاب ما جلد منتثر أوراق وتضيع ها الورقة ذي، ورسول الله إلى آخره.
قاتل ابن صفية في النار، تكتب قاتل في آخر السطر، وابن صفية في النار في أوله هذا ما يصح، هذا قلب للمعنى.
وكرهوا فصل مضاف اسم الله ... منه بسطر إن يناف ما تلاه
اللي معه فتح المغيث الطبعة الجديدة في هذا الموضع في خطأ، يعني يصلح مثال لما صرحوا بكراهته، وأما طبعة تدريب الراوي تحقيق أحمد عمر هاشم هذه جميع المكروهات التي نص عليها أهل العلم تطبيقها في هذه الطبعة، أما فتح المغيث الطبعة الجديدة طبعة المنهاج فيها موضع واحد وقفت عليه اليوم مما منعوه، فينبغي أن يتلافى مثل هذا.
نقف على كتابة الثناء والتسليم.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(27/23)
شرح ألفية الحافظ العراقي (29)
(تابع كتابة الحديث وضبطه - المقابلة)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أشرنا في الدرس الماضي بالأمس أن ما يتعلق بالمصطلح الخاص المقصود في هذا الفن الذي يترتب عليه التصحيح والتضعيف إنه انتهى في النصف الأول من هذه الألفية، وما بقي إلا ما يتعلق بملح هذا الفن مما له صلة –أيضاً- بالعلوم الأخرى.
واستشكل بعض الإخوان من هذا الكلام أننا نقلل من قيمة، وأهمية ما بقي، وليس الأمر كذلك، ولم أقصد بهذا التقليل من شأن النصف الثاني، بل ما كتب في علوم الحديث لا سيما في الألفية، وشروحها هو أفضل ما دون بالنسبة للتعامل مع الكتب المخطوطة القديمة، وتصحيحها، والتعليق عليها، من أجل نشرها، في قواعد البحث العلمي، منه ما يتعلق بإنشاء الموضوعات، وكتابة الموضوعات الذي هو التأليف، ومنها ما يتعلق بتحقيق المخطوطات، وخير ما يقرأ في هذا الجانب ما دون في كتب علوم الحديث، يعني كتابة الحديث وضبطه، والتعامل مع كتب الحديث، وأجزاء الحديث، ونسخ الحديث، والأصول، والفروع، والمقابلة، والتصحيح، والتضبيب، واللحق، والتعليق، هذا كله يحتاج إليه طالب العلم لكي يتعامل مع الكتب الخطية، لا يمكن أن يستغني بالكتب المطبوعة عن المخطوطات، بل لا بد أن يحتاج في يوم من الأيام إلى مراجعة المخطوطات، وإذا لم يكن على دراية ومعرفة بما كتبه علماء الحديث في هذا الباب، كل العلوم يرجعون إلى ما كتبه المحدثون في هذا الباب.(28/1)
ليس معنى هذا أن ما كتب عبث، لا، أو تسلية، لا، لكن ما يتعلق بتصحيح الحديث، وتضعيفه هذا تقدم، هذا تقدم بقي ما يتعلق به وبغيره، لكن أهل الحديث لهم السبق في هذا، وكتبوا ما يغنيهم، ويغني غيرهم في هذا الباب، يعني الكتب المخطوطة، مقابلة فروعها على أصولها هذا يستوي فيه الكتاب، سواءً كان كتاب حديث، أو تفسير، أو فقه، أو عقيدة، أو غيرها من الفنون، وكيف تصحح؟ كيف تقابل فروعها على أصولها؟ كيف تصحح؟ كيف يكتب اللحق الساقط؟ كيف يمحى بعض الكلمات دون بعض؟ يعني إذا تكررت الكلمة ما الذي تمحى منهما؟ يعني هل هذا خاص بكتب الحديث؟ إذا تكررت الكلمة، وأنت تكتب، آداب الكتابة، آداب المقابلة، آداب .. ، أمور كثيرة موجودة دونت في غاية الأهمية لطالب العلم لا يمكن أن يستغني عنها، والذي يستغني عنها لا شك أن عمله سوف يكون مشلولاً، نعم هناك أمور تطورت، وتغيرت، يعني كتابة اللحق الذي بيدرس في درس اليوم -إن شاء الله تعالى-، استغنى عنه المعاصرون بالأرقام، يضع رقم على الكلمة أو على ما يريد شرحه، وبيانه، أو إلحاقه من ساقط ونحوه، وبالأقواس، وما أشبه ذلك، لكن يبقى أن المرجع، والمآل إلى ما كتبه أهل العلم في هذه الأبواب.
بقي من الباب السابق قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
واكتب ثناء الله والتسليما ... مع الصلاة للنبي تعظيماً(28/2)
ما يتعلق بالثناء على الله -جل وعلا- من قول: سبحانه وتعالى، أو قول: عز وجل، وما يتعلق بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو الترضي على الصحابة، أو الترحم على من بعدهم، هذا يقول أهل العلم: إنه ليس من باب الرواية، وإنما هو من باب الدعاء والثناء، وعلى كل حال إذا وجدت ذكر لله -جل وعلا-، وقلت: سبحانه وتعالى، أو عز وجل، وهو لا يوجد في الأصل؛ ما يقال أن هذا يخالف الأمانة العلمية؛ لأنك زدت في الكتاب ما ليس منه؛ لأن هذا لا يقرأ على أساس الرواية، ومثله لو وجدت اسم النبي -عليه الصلاة والسلام- مجرداً، وقلت: صلى الله عليه وسلم، ما يقال: إن هذا ينافي الأمانة العلمية، بل هو دعاء للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، أو غيرهم من الصحابة، تقول: رضي الله عنه، ومن بعدهم تترحم عليه، ومثل هذا لا يحتاج إلى أن يوجد في الأصل، وإن كان بعضهم من أهل التشديد يرى أنك لا تزيد على ما في الكتاب، ولا تنقص منه، وإذا أردت أن تصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ يقول: ارفع رأسك عن الكتاب، لا تنظر في الكتاب، ليعرف أنك تقرأ من تلقاء نفسك لا من النظر في الكتاب، هذا زيادة تحري، وإلا ما يترتب عليه شيء.
يقول:
واكتب ثناء الله والتسليما ... . . . . . . . . .
ثناء الله: يعني أثني على الله -جل وعلا-، فإذا مر ذكره فقل: عز وجل، سبحانه وتعالى،
. . . . . . . . . والتسليما ... مع الصلاة للنبي تعظيماً(28/3)
إذا مر ذكره -عليه الصلاة والسلام- تقول: صلى الله عليه وسلم، بالجمع بين الصلاة والتسليم، ولا تقتصر على الصلاة فقط، ولا على السلام فقط، فتجمع بين الصلاة والسلام امتثالاً للأمر، في آية الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، ولا يتم الامتثال إلا بالجمع بين الصلاة والتسليم، والاقتصار على أحدهما أطلق النووي الكراهة فيه، يقول: يكره أن تقتصر على السلام، كما أنه يكره أن تقتصر على الصلاة دون السلام، وانتقد الإمام مسلم في صنيعه بمقدمة صحيحه حيث اقتصر على الصلاة، انتقده، قال: إن الامتثال ما تم، حتى يقول: وسلم، وأطلق الكراهة، لكن جمع من أهل العلم كابن حجر، وغيره يرون أن الكراهة إنما تتجه في حق من كان ديدنه ذلك، يعني باستمرار يصلي ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي، أما من كان يصلي أحياناً، ويسلم أحياناً، ويجمع بينهما أحياناً، هذا الكراهة لا تتجه في حقه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وبركاته.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(28/4)
يعني الصيغة، المقصود أنك تصلي وتسلم، سواءً قلت: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، ما يختلف، أما زيادة البركة التي جاءت في الصلاة الإبراهيمية: اللهم بارك على محمد، فهذه كالصلاة على الآل، يعني قدر زائد على امتثال الأمر، نعم في الصلاة بعد التشهد لا بد أن تأتي بما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- بحروفه بحيث لا يجوز أن تغير؛ لأنه لفظ متعبد به، لا تزيد ولا تنقص؛ لأنه لفظ متعبد به، أما خارج الصلاة فإذا جمعت بين الصلاة والتسليم كفى، وتم امتثال قوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، وإذا أردت أن تزيد، وتعطف على النبي -عليه الصلاة والسلام- غيره من الآل، والأصحاب، ومن تبعهم بإحسان ما فيه إشكال، بعضهم يقول: اللهم صلي وسلم على النبي المختار، وعلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، يكفي، وإلا ما يكفي؟ هل عم الصحابة بقوله: من المهاجرين والأنصار؛ لأنه وجدت في، وجدت مكتوبة، ووجدت –أيضاً- مسموعة وبكثرة، من أجل السجع، يعني بعد فتح مكة من أسلم بعد الفتح هل يلزمه الهجرة؟ لا هجرة بعد الفتح، وهل يسمى مهاجراً، أو أنصاري مثل هذا؟ ليس بمهاجر، ولا أنصاري، وحينئذ لا تشمله الصلاة المعطوفة على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ففي مثل هذا الأسلوب نقص، نقص يخرج بعض الصحابة.
يقول:
واكتب ثناء الله والتسليما ... مع الصلاة للنبي تعظيماً
وإن يكن أسقط في الأصل. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(28/5)
يعني ولو لم تجده في الأصل، وإن كان هذا مسقط في الأصل، فليس عليك، ولا يلزمك أن تتقيد بما في الأصل؛ لأن هذا كما قال أهل العلم: ليس من باب الرواية، وإنما هو من باب الثناء والدعاء "وقد خولف" في الصلاة "في سقط الصلاة أحمد" الإمام أحمد -رحمه الله- إذا لم تكن الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأصل ما يذكرها، ما يقولها، وهذا لا شك أنه، وإن كان من مذاهب أهل التشديد إلا أنه بالنسبة لأحمد –عموماً- يعني إذا ترك اتباعاً لحرفية الكتاب هو من جهة تحري من حيث الزيادة على الكتاب المزبور، ومن جهة أخرى فيه تفريط لما رتب من الأجر على الصلاة والسلام عليه، لكن أهل العلم قالوا: بالنسبة للإمام أحمد إنه يصلي لفظاً، يعني إذا نسخ كتاب الإمام أحمد، أو نسخ أحاديث، وليس فيها الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذكره ما يكتبها، لكنه يصلي عليه لفظاً، يصلي عليه لفظاً، وهذا هو المظنون به -رحمه الله-، وقد خولف في هذا، فعامة أهل العلم على أنهم يكتبونها، ولو لم تكن موجودة في الأصل، يكتبونها في الفرع، وينطقون بها التماساً للأجر، ولذا قال:،
. . . . . . . . . وقد ... خولف في سقط الصلاة أحمد
وعله قيد بالرواية ... مع نطقه كما رووا حكاية
يعني إنما ينطق بها نطقاً، ولا يكتبها، ولا يرويها من أراد الرواية عنه، تبعاً للأصل.
والعنبري وابن المديني بيضا ... لها لإعجال وعادا عوضا
يكتبون من لفظ الشيخ، الشيخ إما في مجلس إملاء، أو في مجلس تحديث، وهم يكتبون عنه، فبدلاً من أن يكتب -صلى الله عليه وسلم-، أربع كلمات تحتاج إلى وقت مع كثرة المكتوب، ومع كثرة تكرار هاتين الجملتين يتركون بياضاً، فإذا انتقلوا من مجلس التحديث كتبوها في مواضع هذا البياض؛ اغتناماً للوقت، وليس على جهة الإسقاط، إنما هو اغتنام للوقت.
والعنبري وابن المديني بيضا ... لها لإعجال وعادا عوضا
يعني سدد هذا البياض.
واجتنب الرمز لها والحذفا ... منها صلاة أو سلاماً تُكفى(28/6)
"اجتنب" الرمز يعني لا تقتصر على حرف، أو على حرفين، أو على أربعة حروف، كما فعل بعضهم، بعضهم يكتب: (ص) رمزاً لها، وهذا كثير في كتابات المتأخرين، وبعضهم يكتب: (صم)، وبعضهم يكتب: (صلم)، وبعضهم يكتب: (صلعم)، ويذكر أهل الحديث في هذا الباب، في هذا المجال أن أول من رمز لها قطعت يده، قطعت يده، ولا شك أن الأجر المرتب على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً، لا يناله من اقتصر على الرمز، بل لا بد أن تكتب كاملة، ومما ينبغي أن يتنبه له أن بعض الناس -مثل ما أشرنا في درس الأمس- يأكل بعض الحروف، فإذا أراد أن يقول: صلى الله عليه وسلم، ما يتبين ولا نصف المطلوب، هذا نسمعه حتى من بعض من ينتسب إلى العلم، إذا أراد أن يقول: صلى الله عليه وسلم؛ أكل بعض الحروف، وهذا موجود، هذا –أيضاً- الأجر ناقص، بقدر ما خفي من الحروف، هذا ما يصح أنه صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما نيته يؤجر عليها، وما برز من الحروف يؤجر عليها، والباقي لا يناله نصيب من الأجر، فينتبه لمثل هذا، تحقق الحروف من أجل ترتب الأجر والثواب عليها، وهذا في القرآن أمره أشد، الذي يزعم أنه يقرأ القرآن، ويختم القرآن مع العجلة، والسرعة، ويظن أنه حاز على الأجر الكامل، وقد أخفى بعض الحروف، أو ما نطق ببعض الحروف هذا أجره ناقص بقدر ما يخفيه من هذه الحروف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لا شك أن الأجر مرتب على النطق بالجملة، لكن هناك أجوراً مرتبة على الكتابة باعتبار أنه نبه القارئ، صار سبباً في الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل من يقرأ هذا الكلام فله مثل أجورهم، وجاء حديث لكنه متفق على ضعفه أن من كتب -صلى الله عليه وسلم- في كتاب لم يزل ما أدري كم، أجور عظيمة رتبوا على هذا، المقصود أنه لا حاجة لنا به؛ لأنه متفق على ضعفه، ولذلك تجد بعض الناس يمر على المصاحف في المساجد، وفي الحرمين على وجه الخصوص، ويكتب -صلى الله عليه وسلم-.
طالب:. . . . . . . . .(28/7)
على كل حال ما يتعلق بعلي -رضي الله عنه- فخصه كثير من الكتاب بـ "كرم الله وجهه"، وسئل بعضهم وقال: لأنه لم يسجد لصنم، وبعض الجهات التي يكثر فيها من ينتصر له يقولون: عليه السلام، كثير هذا، وإن كانوا محسوبين على السنة، وعلماء السنة لكن البيئة فرضت مثل هذا، يعني تجد كتب الصنعاني، وكتب الشوكاني كلها -عليه السلام- يكتبون، لكن هذا لا شك أنه من التأثر بالبيئة، وإلا فليس بأفضل من أبي بكر، وعمر، وعثمان -رضي الله عن الجميع-.
طالب:. . . . . . . . .
ما في إشكال؛ لأنه لا يخشى أن تختلط بشيء، لا يظن أنها مقول القول، لن يظن أحد أنها مقول القول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تظنها مقول القول، لا شك أن علامات الترقيم مما يزيد الكلام إيضاحاً، ووضوحاً، ووضعها في غير موضعها يوقع في حرج عظيم، يوقع في حرج، يعني لو تقول: قال رسول الله -وتضع نقطتين-: صلى الله عليه وسلم، ظن القارئ أنها هي مقول القول، لكن مع بعده ينبغي أن يجتنب مثل هذا، لكن أحياناً تقلب المعنى، إذا وضعت علامة الترقيم في غير موضعها انقلب المعنى: ((من اقتنى كلباً .. )) نعم غير المستثنى (( .. نقص من أجره في كل يوم قيراط)) متفق عليه، ولمسلم كذا، رواية أخرى، وفي رواية "وضع نقطتين": له قيراطان، شوف لما وضع النقطتين قبل له، انقلب المعنى، وفي رواية له، يعني لمسلم، وينقص قيراطان، فالذي يعتني بعلامات الترقيم لا شك أنها تزيد الكلام في الوضوح، لكنها توقع في إشكال كبير إذا وضعت في غير موضعها.
واجتنب الرمز لها والحذفا ... منها صلاة أو سلاماً تكفى
اجتنب الحذف لأحد الجملتين، بل اجمع بينهما تكفى، يعني تكفى أمر دينك، وأمر دنياك، وجاء في الحديث عند أحمد، والترمذي: "أرأيت إن جعلت لك ربع صلاتي، ثلث صلاتي، نصف صلاتي، أجعل لك صلاتي كلها"؟ قال: ((إذن تكفى))، والمقصود أنه يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام- مع صلاته، سواءً كانت الشرعية، أو اللغوية إذا دعا، فتختم الصلاة الشرعية بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم الدعاء، والأدعية –أيضاً- خارج الصلاة تختم بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
سم.
أحسن الله إليك.(28/8)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المقابلة
ثم عليه العرض بالأصل ولو ... إجازة أو أصل أصل الشيخ أو
فرع مقابل وخير العرض مع ... أستاذه بنفسه إذ يسمع
وقيل: بل مع نفسه واشترطا ... بعضهم هذا وفيه غلطا
ولينظر السامع حين يطلب ... في نسخة وقال يحيى: يجب
وجوز الأستاذ أن يروي من ... غير مقابل وللخطيب إن
بين والنسخ من اصل وليُزَد ... صحة نقل ناسخ فالشيخ قد
شرطه ثم اعتبر ما ذكرا ... في أصل الأصل لا تكن مهورا(28/9)
لما انتهى الناظم -رحمه الله تعالى- مما يتعلق بكتابة الحديث، وضبطه، بقي بعد ذلك المقابلة، المقابلة على الأصل، هذا المكتوب الفرع لا بد أن يقابل على الأصل بحيث يؤمن الغلط؛ لأن الكاتب مهما بلغ من الحذق والنباهة لا بد أن يسقَط، لا بد أن يكرر، والناس يتفاوتون، منهم من يسقط الشيء الكثير، ومنهم من سقطه قليل، ومنهم من تكراره كثير، ومنهم من تكراره قليل، وتؤمن الزيادة والنقص بالمقابلة على الأصل، الذي نسخ منه الكتاب، المقابلة يحتاجها من يعاني التحقيق، تحقيق المخطوطات، أمر لا بد منه، ولذا نسخ، أو نشر كتاب ليس له إلا نسخة واحدة، وليس على هذه النسخة ما يدل على اهتمام ناسخها بها لا شك أنه تحقيق ناقص، كم استغلق من كتاب بسبب عدم المقابلة، يعني بدءاً من .. ، سمه أسوأ ما طبع، أو من أسوأ ما طبع، عارضة الأحوذي لابن العربي في مطبعة الصاوي والتازي، قبل سبعين، أو ثمانين سنة، في ثلاثة عشر جزءاً، هذا الكتاب مثال لسوء الطباعة، والعناية، لا تكاد تستقيم لك جملة واحدة، أو سطر واحد، والكتاب في جملته كأنه أعجمي، لماذا؟ لأنه ما في عناية، ما جمعت نسخه، ولا قوبلت هذه النسخ، فخرج بهذه الكيفية، يعني يحتاج إلى مثله للتصويب، حتى أن الطابع أدخل تعليقات بعض المعاصرين في الكتاب، فأذهب قيمة الكتاب، الكتاب مازال بحاجة إلى إخراج مناسب لقيمته، هذا سببه إيش؟ عدم المقابلة، فسواءً كانت في نسخ الكتب، أو في طبعها، كلها تحتاج إلى مقابلة، يعني ماذا يظن بكتاب أخطئ في عنوانه؟ إيش يظن في مضمونه؟ "جزء القراءة خلف الصلاة" عنوان الكتاب، "جزء القراءة خلف الصلاة" هل يستطيع طالب علم أن يثق بهذه الطبعة، والعنوان غلط، وهو: "جزء القراءة خلف الإمام" للإمام البخاري، والسبب في ذلك هو الاستعجال؛ لأن النيات كما دلت القرائن على ذلك، وإلا ما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، لكن القرائن دلت على هذا، هذه الأخطاء تدل على أن المقصد تجاري، ولذا تجدون في النساخ في القديم والحديث منهم صاحب العناية، ومنهم المرتزق، المقصود أن المطابع الآن حلت محل الوراقين، وتجد البون الشاسع بين مطبعة، ومطبعة، وهذا المستعجل صارت سمعته رديئة، ودخله ضعيف، ولو كثرت(28/10)
مطبوعاته، بينما الذي عرف بالتحري، والتحقيق، والتدقيق أقبل الناس على منشوراته، يعني يبالغ في بعض الكتب المخطوطة بحيث تباع بأضعاف مضاعفة عن نسخ أخرى، كلها بسبب العناية، والمقابلة، يعني لو وجدنا –مثلاً- نسخة من البخاري، يعني موجودة في تركيا، نسخة كتبت في القرن السادس، وتداولها الأئمة قرأها مجموعة من أهل العلم قرأها المزي، وقرأها ابن سيد الناس، وقرأها الحافظ العراقي، وكلهم لهم لمسات واضحة على الكتاب، هذه ما قيمتها؟ يعني شيء ما يخطر على البال، يعني لو عرضت كان ما تقدر بثمن، بينما النسخ الخطية تباع الآن كاملة بخمسة آلاف، ستة آلاف وكأنها .. ، ومع أنه بيع من المطبوع بخمسة آلاف، لأنها ما لها قيمة، ما لها ميزة إلا أنها خطية، وقل مثل هذا في المطبوعات، المطابع التي عرفت بالتحري، والعناية كتبها أقيامها مرتفعة جداً، بينما المطابع التي همهم التجارة، ولا يعتنون لا بمقابلة، ولا شيء، يعني في كتاب طبع في مجلدين مكتوب على الصفحة الأولى: تحقيق وتعليق فلان، وعندك كتاب محرف، مع أنه قال: تحقيق، وتعليق ما فيه إلا ترقيم الآيات فقط، وقال: تحقيق، ما في أي أثر لمقابلة، ولا تعليقة واحدة إلا ترقيم الآيات، وجاء في جدول الخطأ والصواب، وكتب صفحة العنوان، يعني بدل ما يكتب رقم واحد صفحة العنوان صحيح، تعليق هذا خطأ، صواب شرح، يعني كيف يوثق بمثل هؤلاء؟(28/11)
أيضاً في الكتب المطبوعة لا بد من العناية بها، دعونا من كون الكتاب يقابل، ويتعب عليه، ثم بعد ذلك يعثر على أخطاء يسيرة، هذا لا بد منها، لا بد أن يوجد خطأ، وما في كتاب يسلم إلا كتاب الله -جل وعلا-، يعني الطبعة السلطانية توافر على تصحيحها سبعة عشر من أعلم أهل زمانهم في هذا الفن، سبعة عشر، وبالفعل ضبطوها، وأتقنوها، ثم بعد ذلك لما روجعت وجد في كل جزء خمسة، ستة، إلى عشرة أخطاء، تلوفيت هذه الأخطاء في الطبعة الثانية، ومع ذلك الطبعة الثانية إذا روجعت بدقة لا بد أن يوجد فيها، يعني في طبعة المصحف في المجمع، يعني قبل أن تظهر الطبعة الأولى، يقول القائمون عليه إنه في المراجعة مائة وواحد وأربعين شوف كيف المراجعة، وهذا من حفظ كتاب الله -جل وعلا-، من حفظ الله لكتابه أن هيأ مثل هذه المؤسسات التي تعتني بالقرآن بدقة، يعني المراجعة مائة وأربعين مرة، وجد لا في حرف خطأ، ولا في نقط، ولا في شكل، إلا في شكل اعتادوا أن يقدموا مثلاً فتحتين أحياناً تصير الأولى متجهة إلى اليمين والثانية تحتها متجهة إلى اليسار في بعض السور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود نعم، قالوا: إنه ما طبق هذا في موضع واحد، هذه الدقة، واحنا زرناهم، وشرحوا لنا قالوا: لو وجد نقطة، أي نقطة بأي لون كان، ولو كانت في حاشية المصحف يعني نقطة صغيرة جداً إما سوداء، وإلا حمراء فوراً تتلف، وهذا من حفظ الله لكتابه، أما الكتب الأخرى ما يصل إلى هذا الحد، لا يلزم أن يصل إلى مثل هذا الحد، لكن –أيضاً- يجب أن تخرج كتب العلم بصورة مناسبة ينتفع بها طلاب العلم، وأما ما يوجد في الأسواق فكثير منه غثاء، غثاء "جزء القراءة خلف الصلاة" هذا العنوان؟! عجب!.
يقول: "المقابلة" وهي العرض، يعني عرض النسخة الثانية على النسخة الأولى.(28/12)
صحيح البخاري فيه نسخة يقال لها: اليونينية، اليونيني جمع روايات الصحيح كلها، جمع روايات الصحيح، وقابل هذه الروايات بعضها على بعض، وأثبت الفروق برموز، هذه يقال لها اليونينية، ثم نسخ منها فرع، وقوبل هذا الفرع على أصله ست عشرة مرة، بحيث صار لا فرق البتة بين الفرع والأصل، ولذا القُسْطلَّاني لما أراد شرح البخاري اعتمد على الفرع؛ لأنه ما وجد الأصل، اعتمد على الفرع، فرع اليونينية، ثم بعد ذلك يقول: وجدت المجلد الثاني من الأصل يباع فاشتريته، وقابلت عليه، فإذا لا فرق بين الأصل والفرع، ثم وجد المجلد الأول بعد حين كذلك، ولذلك تجدونه يقول: كذا في فرع اليونينية كهي، ما قال: كذا في اليونينية، وهذه دقة؛ لأنه الأصل مقابلة الكتاب على الفرع، فما تجاوز الفرع؛ لأنه وجد الأصل، وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم، فإذا سلم طالب العلم من العجلة، العجلة هذه هي اللي تخليه يتجاوز، ولا يستطيع أن يراجع؛ لأن بعض الناس يكتب الخطاب صفحة واحدة، وما عنده استعداد يعيد النظر فيه، ثم يلاحظ عليه ما يلاحظ، وبعض الناس يأخذ الورقة مكتوبة موجهة لغيره، ومن العجلة ينظر فيها، ويشرح عليها يظنها له، هذا ما يصلح، ما يمشي في العلم أبداً، ورأينا من دقة بعض المسئولين أنه إذا حرر الخطاب، وأعطاه الناسخ، ثم أعطاه، رده إليه ليراجعه وجد فيه نقطة ناقصة، حاء، والمفترض تكون خاء، أو جيم، استدعى الناسخ، وقال: راجع، وصحح، الآن النسخ بحبر أسود، ومعه قلم أسود بإمكانه أن يضع هذه النقطة، لكن من أجل إيش؟ يرد على الناسخ، ويقول له: صحح، وآت به مرة ثانية، واستخرج الخطأ أنت، من أجل أن ينتبه مرة ثانية؛ لأنه لو صحح له ما اهتم المرة الثانية، يعني العلم لا بد من العناية به، ولا بد من الاهتمام به، هناك ألفاظ، ألفاظ يعني تروى في الكتب، وتتابع الناس عليها، ثم مع التحقيق، ومع التحري، ومراجعة الأصول يوجد أن فيها خلل، ولذا يعقد أهل العلم مثل هذه الترجمة، المقابلة.
ثم يقول:
ثم عليه العرض بالأصل ولو ... إجازة أو أصل أصل الشيخ أو(28/13)
"فرع مقابل" عليه العرض بالأصل، يعني الفرع إذا لم يقابل، نسخ الكتاب، ولم يقابل، ثم جاء ناسخ، ونسخ من هذا الفرع الذي لم يقابل، ثم جاء ثالث، وأوجد فرع الفرع، وهكذا، يعني إذا نسخ الكتاب، ولم يقابل، ثم نسخ ولم يقابل، كما يقول أهل العلم: خرج أعجمياً، لماذا؟ لأن الناسخ الأول وجد عنده أخطاء، الناسخ الثاني يوجد عنده أخطاء زائدة على ما عند الناسخ الأول، وهكذا، ثم بعد ذلك يخرج أعجمي؛ لكثرة الأخطاء، ولا يستقيم إلا بالمقابلة.
"ثم عليه العرض" وهو المقابلة، عرض الفرع على الأصل،
ثم عليه العرض بالأصل ولو ... إجازة. . . . . . . . .(28/14)
يعني ولو كان يروي الكتاب بالإجازة، ينسخ كتاب الشيخ الذي أجيز به بنفس الرواية التي يروي بها الشيخ، يعني لو افترضنا أن شيخاً مسنداً، يروي صحيح البخاري بالسند المتصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو إلى البخاري، ثم بإسناد البخاري إلى آخره أجيز به فلان، ما يكفي أن يذهب إلى المكتبات، ويشتري أي نسخة، ويحدث يقول: عن فلان عن فلان عن شيخه الذي أجازه، لا، لا بد أن تعرف نسخة شيخك، ولو كنت تروي عنه بالإجازة، لاحتمال أن تكون رواية شيخك تختلف عن الروايات الموجودة في الأسواق، ينتبه لمثل هذا؛ لأن بعض الإخوان يحرص على الإجازات، ثم بعد ذلك يروي من صحيح البخاري أي طبعة كانت، أو أي نسخة وجدت، يمكن شيخك يروي على رواية أبي ذر، وأنت وجدت رواية النسفي مثلاً، أو رواية غيرهما من الرواة، ما يصلح، ولذلك تجدون الفروق في الكلمات كثير، في الحروف كثير، في الزيادة والنقص من الأحاديث –أيضاً- موجود، قالوا: رواية حماد بن شاكر تنقص عن رواية غيره ثلاثمائة حديث، طيب إذا كان شيخ يروي عن طريق حماد بن شاكر، وأنت وقفت على نسخة برواية غيره، وفي زيادة ثلاثمائة حديث عن مرويات شيخك، هل يسوغ هل يجوز لك أن تروي عن شيخك هذه الأحاديث؟ لا يجوز، ولذلك قال: "ولو إجازة أو أصل أصل الشيخ" قلت لشيخك: أنا أريد نسختك لأنسخ منها، أو أقابل عليها، عندي نسخة أقابلها على نسختي، والله نسختي استعارها واحد، وسافر، وما ندري متى يجي، ابحث عن نسخة شيخ شيخك، أو أصل أصل الشيخ، يعني النسخة التي نسخ منها الشيخ، لماذا لا نبحث عن نسخة شيخ الشيخ، أصل الأصل مباشرة إذا كانت موجودة، لماذا؟ يعني نفترض أن زيد يروي عن عمرو، وعمرو يروي عن بكر، زيد أراد نسخة عمرو، قال: أنا والله أعرتها، ولم أدري متى تجي، أو تلفت، احترقت، ضاعت، ابحث عن نسخة بكر، لماذا لا يبحث زيد عن نسخة بكر من غير مرور بعمرو؛ لأنها هي الأصل؟ أصل الأصل؟
طالب: ليروي عن عمرو.(28/15)
هو في احتمال أن يكون هناك فروق يسيرة بين الأصل وأصله، ولذلك كونك تلتزم بنسخة من تروي عنه لا شك أن هذا أضمن، وأضبط "أو أصل أصل الشيخ أو فرع مقابل" قال لك الشيخ: والله ضاعت نسختي، تلفت، ولك زملاء نسخوا، أو قابلوا نسخهم على نسخة الشيخ هذا فرع مقابل، مثل ما قلنا في فرع اليونينية.
أو فرع مقابل وخير العرض مع ... أستاذه بنفسه إذ يسمع
"وقيل: بل مع نفسه"،
. . . . . . . . . خير العرض مع ... أستاذه بنفسه إذ يسمع
يعني أنت عندك نسخة، والشيخ الذي تروي عنه عنده نسخته، المقابلة على نسخة شيخه كما هو المفترض تقابل مع شيخك، شيخك يكون معه نسخته، وأنت معك نسختك، وتقابل هذه النسخة على هذه النسخة، وإذا كان هناك فروق تثبت، هناك أخطاء تصحح، أسقاط تلحق، وهكذا.
"مع أستاذه بنفسه" ما يوكل أحد، هذا الأصل أن الإنسان لا يثق بغيره "إذ يسمع وقيل: بل مع نفسه" يستعير نسخة الشيخ، وينظر في النسختين، الآن في مقابلة الأصول الخطية، يعني هذا مر على كثير من الناس، الرسائل الجامعية، أو غيرها، تجد الناس طرفان ووسط، من الناس من يستأجر من يقابل الأصل والفرع مع غيره، كلاهما مع غيره، يدفع أجره لزيد وعمرو، ويقول: قابل وبس، انتهينا، والأجير في الغالب ما هو مثل صاحب الحاجة، تجدهم يتساهلون، وأيضاً يتفاوتون، ولا في أحرص من الإنسان على عمله هو، ما يوجد، هذا تفريط، وبعضهم يقول: لا، أنا أقابل النسختين بنفسي، يكون عندي الأصل هنا، والفرع هنا، وأنظر في هذا كلمة كلمة، وهذا تشديد أيضاً، وقد يفوت شيئاً؛ لأن النظر قد لا يستوعب النظر في الأمرين معاً، منهم من يقول: أنا أسجل الأصل على شريط، ما أعتمد على أحد، وهذا فعله بعض الزملاء، سجل الأصل على شريط، وأسمعه من الشريط، وصحح الفرع، أوعلق على الفرع من الأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(28/16)
هذا، لا لا، الخطأ يعني قليل بالنسبة لهذا، لكنه تشديد على النفس، يعني إذا وجد من يقابل معه، هو لا بد أن يكون موجوداً، أما الاعتماد على الغير هذا تفريط، لابد أن يكون موجوداً، ومعه ثقة، يكون معه ثقة؛ لأن بعض الناس، ما هو أجير، خلي الأمور تمشي بس، ما يكلف نفسه أنه يرد كل كلمة، وبدل ما تكون الجلسة ثلاث ساعات خلها بساعة، ويش يصير؟ يعني ما هو بمهتم والعمل لن يخرج باسمه، هو ليس بأمين، ولا ثقة في هذه الحالة، لكن إذا وجد ثقة لا يستجيز مثل هذا الإمرار يمكن أن يعتمد عليه.
وقيل: بل مع نفسه واشترطا ... بعضهم هذا. . . . . . . . .
"اشترط بعضهم هذا" أنه لا يعتمد على أحد، جعله شرط لصحة الرواية من هذا الفرع، لا بد أن يقابل بنفسه الأصل والفرع كلاهما بين يديه:
. . . . . . . . . واشترطا ... بعضهم هذا وفيه غلطا
لأن هذا لا شك أنه تعنت، بل إذا وجد الأصل أو الفرع بيد ثقة، والنسخة الأولى بيد صاحب العمل يكفي:
ولينظر السامع حين يطلب ... في نسخة وقال يحيى: يجب
يقول: إذا حضر الطلاب مجلس التحديث الشيخ يحدث، لا بد أن يكون بيد الطالب نسخة ينظر فيها، ما يجي هكذا: "يسعى إلى الهيجاء بغير سلاح"، ما يصلح طالب علم يأتي بغير كتاب، ولذا قال:
ولينظر السامع حين يطلب ... في نسخة وقال يحيى: يجب
يجب أن يكون معه نسخة ينظر فيها، يحيى ابن معين قال: يجب أن يكون معه نسخة ينظر فيها، أما الشخص الذي يأتي إلى الدروس بغير كتاب هذا قليل ما يفلح، هذا لا يفلح إلا نادراً.
قال: ومثله الذي يجعل الكتاب مثلاً في محل الدرس، ويخرج بدونه، أو لا ينظر في الكتاب إلا في وقت الدرس، هذا يقولون: قل أن يفلح، فكيف إذا كان يحضر يدرس من غير كتب، ولذا قال يحيى بن معين: يجب النظر، نظر السامع حين يطلب العلم في نسخة، ولا يكتفي بمجرد السماع، بعضهم يقول: لا يجب، لكنه عند الرواية إذا أراد أن يروِّي لغيره لا بد أن يعتمد على أصل مقابل على أصل الشيخ.
اللهم صلي وسلم على محمد.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ولينظر السامع حين يطلب ... في نسخة وقال يحيى: يجب(28/17)
يحيى بن معين يرى أنه لا بد أن توجد معه نسخة ينظر فيها أثناء السماع، وأشار الإمام يحيى مع إيجابه لهذا الأمر أن رواية كثير من الشيوخ على خلاف ما أوجبه، أنهم يحضرون بدون نسخ، والنسخة إنما تشترط عند الأداء، يعني كما هو الشأن في شروط التحمل، وشروط الأداء، يعني يصح تحمل الصبي، يصح تحمل الكافر، يصح تحمل الفاسق، يعني ما يشترطون للتحمل شروطاً، لكن عند الأداء لا بد من استيفاء الشروط التي ذكروها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والعبرة في وقت الأداء، فإذا أدى ما سمعه مع توافر الشروط: ضبط، وإتقان، وأدى الشيخ كما سمع هذا ما يحد يرده، هذا الأصل، يعني رواية أبي بكر وعمر على هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الأصل في الرواية، لكن لما اعتمد الناس على الكتابة، وضعف الحفظ لا بد من أن يوجد أقل شيء الكتاب.
وجوز الأستاذ أن يروي من ... غير مقابَل. . . . . . . . .
الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني، ومر من أمثاله عدد: الرازي، والغزالي، والآمدي، وغيرهم من أهل النظر، وذكرنا أن بعض طلاب العلم ينتقد إيراد أقوال أمثال هؤلاء في هذا العلم، ويقول: إنهم لا مدخل لهم في هذا العلم، وصرحوا أن بضاعتهم في الحديث مزجاة، فكيف تذكر أقوالهم في علوم الحديث؟ كيف ننقل رأي الغزالي، ومر بنا مراراً أقوال الغزالي في الألفية موجودة، أقوال الرازي، أقوال الآمدي، وهنا الآن الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني ليسوا من أهل هذا الشأن.
وأجبنا فيما سبق أن من متعلقات هذا الفن ما معوله على الرواية المحضة، وهذا لا مدخل لهم فيه، ولا ناقة لهم فيه ولا جمل؛ لأنهم ليسوا من أهل الرواية.(28/18)
ومن متعلقات هذا الفن ما يدرك بالرأي، ما يدرك بالرأي فمثل هذا ينظر في أقوالهم، ولو قلنا: أنهم لا ينظر في أقوالهم لانسد الباب على كثير ممن يعاني هذا العلم، تجده يعلم، يعلم علوم الحديث، ويدرس الحديث لكن ليس من الحفاظ، يعني لو سألته كم عندك من محفوظ؟ ما حفظ شيئاً، إنما هو شيء يرددونه من قبل النظر؛ لأن هناك رواية، وهناك دراية، فكثير ممن يعلم مصطلح الحديث لو فتشت عن محفوظه من الحديث ما وجدت شيئاً، وجدته مثل الغزالي، ومثل الرازي يتأمل، وينظر في أقوال الآخرين، ويرجح، ولو سددنا هذا الباب، وقلنا: لا مدخل فيه إلا لأهل هذا الشأن، قلنا: ما يدرس مصطلح الحديث إلا الحفاظ، وبعد ذلك ما نجد أحداً يدرس.
وضربنا مثال فيما سبق لأنه إشكال مطروح وبقوة، كيف يقول الغزالي عن نفسه: بضاعتي في الحديث مزجاة، ونجد في كتب علوم الحديث في كل باب يذكر الغزالي؟ لأن مبحث السنة في المستصفى يعني مبحث كبير، ويعول عليه أهل العلم في هذا الباب.(28/19)
نقول: إن هذا العلم من شقين، شق رواية محضة لا مدخل لهؤلاء فيها، وشق يمكن أن يدرك بالنظر فأقوالهم تنظر كأقوال غيرهم، ضربنا مثال فيما سبق قلنا: إن ابن الصلاح نسب للإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة أن "عن" محمولة على الاتصال، و"أن" محمولة على الانقطاع، لماذا؟ قال ابن الصلاح: حديث عن محمد بن الحنفية عن عمار: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به"، قالوا: متصل؛ لأنه قال: محمد بن الحنفية عن عمار، فهو متصل، وعن محمد بن الحنفية: "أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-" قالوا: منقطع؛ لأنه بصيغة "أن" ففرق بين الصيغتين، والحافظ العراقي يقول: كذا له ولم يصوب صوبه، ما هو السبب باختلاف الصيغة، السبب أنه في الصيغة الأولى يروي القصة عن صاحبها، يروي القصة عن صاحبها فهي متصلة، وفي السياق الثاني يروي قصة لم يشهدها، ولم يدركها فهي منقطعة، لكن لو قال: عن محمد بن الحنفية: أن عماراً قال له"، انتهى الإشكال، ما صار أثر للصيغة؛ لأنه حينئذٍ .. ، مثل هذه الأمور يعني يمكن يدركها الإنسان بالتأمل، ما تحتاج إلى أن تكون رواية تلقاها عن فلان، أو عن فلان، وقل: لعل الحامل لبعض الإخوان الذين يكررون مثل هذا الكلام أن أمثال هؤلاء ما يسلمون من شوب بدعة، فكيف يدخلون في علوم السنة؟ مع تصريحهم بأنهم لا عناية لهم بهذا الفن؟ يعني الرازي في تفسير سورة العصر ذكر قصة، قصة امرأة شربت في رمضان، وزنت، وقتلت الولد، وجاءت في المدينة تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة طويلة ذكرها الرازي في تفسيره، ويقول الألوسي لما ساق القصة نقلاً عن الرازي قال: تفرد بذكرها الإمام، ومصطلح عليه عندهم أنه الإمام، الرازي في أصول الفقه، وكتب الشافعية –عموماً- يقولون: الإمام، يقول: تفرد بها الإمام، ولعمري إنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، يعني ما يعرفه أهل الحديث، يعني هذا مدح وإلا ذم؟ ذم بلا شك، فكيف تدخل أقوال مثل هذا في هذا العلم نقول: إن هذا العلم له شقان: شق رواية محضة لا مدخل لهؤلاء فيها، ولا مدخل لكثير ممن يعلم هذا العلم، ولو ادعى التخصص في هذا العلم؛ لأنه ليس من أهل الرواية، ما يحفظ شيئاً من السنة، ما في جوفه شيء من السنة،(28/20)
وإن علم هذا العلم، هذا مثل الرازي، ومثل غيره، وإن سلم من البدعة التي تلبسوا بها، وهناك ما يدرك بالنظر فينظر في أقوال هؤلاء كغيرهم، وهم من أهل النظر.
وجوز الأستاذ أن يروي من ... غير مقابَل. . . . . . . . .
يعني يأتي بأصل، أو بفرع غير مقابل، ويروي منه، يعني أنت تروي البخاري عن شيخك فلان، ثم تقول: أذهب إلى المكتبة، وأشتري نسخة، وأروي منها، وأقول: هذه رواية عن فلان، وأنا ما قابلت على أصله، ولا شيء، هذا قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني، يقول: يجوز أن تروي من غير أصل مقابل، أو من فرع غير مقابل على أصله.
"وللخطيب إن بيَّن" يجوز أن تروي من فرع غير مقابل بأصله مع البيان، تبين تقول: والله أنا هذه النسخة ما قابلتها على أصل الشيخ، لكن لي رواية في البخاري عن الشيخ فلان، لكني ما قابلت هذه النسخة على الأصل، يبون السامع على بينة مما يسمع، "وللخطيب إن بين والنسخ من أصل" من أصل ليس من فرع، هذا الفرع اللي معك منسوخ من أصل، لكنه ما عورض به، ولا قوبل، هذا الشرط الثاني "وليزد صحة نقل ناسخ" يكون الناسخ معروفاً بالضبط، والإتقان، ولو لم يقابل؛ لأنه في هذا الحالة يكون الخطأ عنده يسير.
. . . . . . . . . وليزد ... صحة نقل ناسخ فالشيخ قد
الشيخ من هو؟
طالب: ابن الصلاح.
ابن الصلاح.
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
"فالشيخ قد شرطه" يعني ما تروي من فرع غير مقابل بأصله إلا إذا كان الناسخ محل ثقة، وعناية، وضبط، وإتقان، ولو لم يقابل على الأصل "ثم اعتبر ما ذكرا" ثم اعتبر ما ذكرا في كل ما تقدم "في أصل الأصل" يكون الفرع مقابلاً على الأصل، والأصل مقابل على أصله، وهكذا، ما يتخلل هذه النسخ المتوارثة ناسخ عن ناسخ، أن يتخللها أصل غير مقابل بأصله، وإن سميَ أصلاً، فهو في الحقيقة ليس بأصل ما عري عن المقابلة.
. . . . . . . . . ثم اعتبر ما ذكرا ... في أصل الأصل لا تكن مهورا(28/21)
لا تكن متساهلاً، لا تكن مفرطاً في الرواية، خليك حازماً ضابطاً، صاحب عناية بحيث يوثق بعلمك، وفي نقلك، وفي نسخك، ومقابلتك، الناس لا سيما القراء بل حتى من عامة الناس عندهم تمييز، يميزون بين الشيخ الذي له اهتمام، وعناية بما يقول، وبما يكتب، وبما يلقي، وبما يفتي، الناس يميزون، الذي له عناية يجد القبول، والذي لا عناية له يجد الإعراض عنه، كثيراً ما يأتي من عامة الناس من يسأل بعض المشايخ يقول: سمعنا لكن ما نثق، حتى عامة يميزون بين الشخص المتساهل، والشخص المعتدل، وشخص عنده شيء من التحري، والإتقان، حتى من خلال ألفاظه يميزون، يعرفون أن هذا من خلال كلامه أنه ليس من أهل العناية، والتحري، ولذلك قال: لا تكن مهوراً، غير مكترث، ولا مهتم، لا بد من العناية مادام تصدى لهذا العلم لا بد من الاهتمام، لا بد من بذل الجهد للضبط، والإتقان، والتحري.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(28/22)
شرح ألفية الحافظ العراقي (30)
(تخريج الساقط - التصحيح والتمريض وهو التضبيب - الكشط والمحو والضرب)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله-:
تخريج الساقط
ويكتب الساقط وهو اللحق ... حاشية إلى اليمين يلحق
ما لم يكن آخر سطر وليكن ... لفوق والسطور أعلى فحسُن
وخرجنَّ للسقط من حيث سقط ... منعطفاً له وقيل: صل بخط
وبعده اكتب صح أو زد رجعا ... أو كرر الكلمة لم تسقط معا
وفيه لبس ولغير الأصل ... خرج بوسط كلمة المحل
ولعياض: لا تخرِّج ضبب ... أو صححن لخوف لبس وأُبي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- آداب الكتابة، كتابة الحديث، وضبط الحديث ذكر –أيضاً- المقابلة بعد الكتابة، وفي أثناء هذه المقابلة يتضح أمور للناسخ إما نقص كلمات، أو أسطر، أو زيادة، فالنقص يسمى سقط، وكتابته تسمى لحق.
يقول: كيف يخرج الساقط؟
كتاب لما كتب قوبل، وعورض على أصله وجد فيه أسقاط لكلمات، أو جمل، أو أسطر، قال -رحمه الله تعالى-:
ويكتب الساقط وهو اللحق ... حاشية إلى اليمين يلحق
يعني تخرج لهذا الساقط كلمة سقطت، أو جملة سقطت، أو سطر سقط، أو أسطر سقطت تخرج لها، بمعنى أن تجعل في موضعها من السطر بين الكلمتين التي هذا السَّقَط يوجد بينهما، سواءً كان مثلما قلنا: كلمة، أو جملة، أو سطر، أو أسطر، تخرج لها بأن تنشئ خطاً من أسفل بين الكلمتين يرتفع إلى أعلى ثم ينعطف يميناً لتكتب هذا الساقط في الجهة اليمنى من الصفحة، يقول:
ويكتب الساقط وهو اللحق ... حاشية إلى اليمين يلحق(29/1)
يعني تبدأ باليمين ما تبدأ بالشمال؛ لأن الصفحة فيها بياض، وفراغ من جهة اليمني، وفراغ من جهة اليسار، تكتب إلى اليمين لماذا؟ لاحتمال أن يوجد سقط آخر، فتضطر إلى كتابته في جهة اليسار، لماذا لا يكون اللحق الأول -السقط الأول- يكتب في جهة اليسار، ثم بعد ذلك إن تبين سقط آخر يكتب إلى جهة اليمين؟ يعني لو كان هذا السقط في السطر في موضعين الأصل أن تكتب إلى جهة اليمين سواءٌ سقط ثاني، أو لم يسقط، لماذا؟ لأن اليسار عرضة، عرضة للتجليد مثلاً، فيضيع بين الأوراق، الأمر الثاني أنه إذا وجد سقط ثانٍ فإن كتبت الأول في اليمين، والثاني في الشمال ما في إشكال، يعني لن تلتقي هذه التخريجات لكن إن كتبت الأول في الشمال خرجت له، والمنعطف إلى جهة الشمال، ثم الثاني إلى جهة اليمين، فإذا كانا متقاربين التقت رؤوسهما، فيظن أنه تضبيب على هاتين الكلمتين، تضبيب على ما سيأتي في التصحيح والتمريض إلى آخره، على حسب اختلاف المقاصد منه، على كل حال هذا هو الأصل أن تكتب الحاشية في الجهة اليمين سواءً وجدت الثانية، أو لم توجد، إن وجدت حاشية ثانية لسقط، تخريج ثاني لسقط آخر يكتب إلى جهة اليسار.
يقول:
. . . . . . . . . ... حاشية إلى اليمين يلحق
ما لم يكن آخر سطر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
إذا كان هذا السقط في آخر السطر أمنا أن يكون فيه سقط آخر، وكل ما قرب كتابة اللحق والسقط من موضعه فهو أولى، إذا كان آخر السطر، وخرجنا له إلى جهة اليسار صار قريباً منه، بينما لو خرجنا له إلى جهة اليمين صار بعيداً عنه.
ما لم يكن آخر سطر وليكن ... لفوق. . . . . . . . .(29/2)
تكون الكتابة لفوق، أنت الآن خرَّجت أتيت بخط بين الكلمتين موضع السقط، ارتفعت به إلى جهة العلو بحيث يتجاوز الحرف الأخير من الكلمة ثم تعطفه إلى جهة اليمين، أو إلى جهة الشمال على حسب ما يراد كتابته إما يميناً، وإما شمالاً "وليكن لفوق" قد يكون السقط سطراً كاملاً، والحاشية أصبعاً، أو أصبعين، فإن كتبته إلى أسفل وصل إلى آخر الصفحة، احتمال أن يورد في السطر الذي يليه، أو الذي يليه سقطاً آخراً، فأين تكتبه إذا كنت استوعبت حاشية الصفحة اليمنى؟ فاكتب إلى فوق صاعداً، وإذا وجد سقط آخر فاكتبه نازلاً بحيث لا تلتقي الأسقاط، وتجدون الأمثلة على هذا كثيرة في كتب أهل العلم المخطوطة، يعني عندهم تفنن في الكتابات، والعجم حينما يطبعون الكتب يطبعونها على طرق، يعني غاية في التفنن لكنها متعبة في القراءة، متعبة في القراءة جداً، فالمقصود الوضوح بحيث لا يلتبس على القارئ، وإذا وجد مع الوضوح شيء مما يشجع القارئ على قراءة هذا المكتوب من جودة خط، أو جودة تنظيم وترتيب هذا طيب، ولذا تجدون الكتب المطبوعة بالمطابع التي تعتني بالتنظيم، والترتيب، وعلامات الترقيم، وجودة الورق، وحسن الحروف تجدونها تقرأ أكثر من الكتب التي لا عناية لها بذلك، يعني مثل طبعة بولاق هي أصح المطابع على الإطلاق، لكن ما طبع فيها، يعني القراء من طلاب العلم المعاصرين قد لا يطيقون القراءة فيها؛ لأنها مرصوصة رصاً، بحيث لا تجعل فرصة لطالب العلم، بل بعضهم لا يستطيع أن يقرأ بها إلا ومعه مسطرة؛ لأنه إذا رفع رأسه ضاع المقروء ما يدري وين وقف عليه، يأخذ مسطرة ويقرأ، بينما الكتب التي طبعت في مطبعة دار الكتب المصرية، أو مطبعة منير، أو مطبعة المنار، أو غيرها من المطابع التي لها عناية في جودة الحرف، والترتيب، والتنظيم، والتلوين، يعني يسهل على طالب العلم أن يقرأ في تفسير القرطبي، لكن يصعب عليه أن يقرأ في تفسير الطبري، أو تفسير ابن كثير، دعونا من الطبعات الجديدة، لكن الكلام على الطبعات المعتمدة الأصلية، الطبري طبع في بولاق، لكن طبعة يعني متعبة لطلاب العلم المعاصرين؛ لأنهم ما عانوا ما هو أشد منها، لكن طلاب العلم قبل نصف قرن، أو قبل ستين، أو سبعين، أو ثمانين(29/3)
سنة الآن صار فتح عندهم مطبعة بولاق؛ لأنها بالنسبة للمخطوطات ممتازة، لكن لما زوقت الكتابة والطباعة، ونظمت، ورتبت صار طلاب العلم ما يطيقون القراءة في الكتب من الطبعات القديمة سواءً كانت بولاق، أو الميمنية، أو الكستلية، أوغيرها من المطابع القديمة.
هنا يقول: "لفوق" تجد بعض الطباعات عليها حواشي، يعني يصعب تخريص بعضها من بعض، يعني لو رجعت إلى شرح فتح ابن القدير لابن الهمام وجدت عليه أربعة كتب، أو خمسة، يعني يصعب على طالب العلم اللي ما له عناية بالطبعات القديمة أن يتخلص، ويعرف هذا الكتاب من هذا الكتاب، أما الكتب المطبوعة عند العجم قبل مائة سنة، أو أكثر، أو ما قرب منها تجدون الشيء العجب في التفنن تجد سطر كأنه حية، وسطر كأنه نخلة، وسطر كأنه، هذه موجودة يعني، ولو واحد يجيب لنا كتاباً من الموجود عندنا، شيء، قراءة صعبة، أسطر متداخلة، وطالعة من اليمين واليسار، صحيح أنه تفنن هذا، لكن يبقى أن مثل هذا يشتت ذهن القارئ، يعني بقدر ما يجذبه من حيث هذا التفنن لكنه يشتت الذهن.
هنا يقول: "وليكن لفوق"، السقط الأول يكتب لفوق، لماذا؟ لأنه قد تحتاج الحاشية مرة ثانية فتكتب إلى أسفل، لكن لو كتبت من أول الأمر إلى أسفل، واحتجت مرة ثانية؛ وين تضع الحاشية؟
. . . . . . . . . وليكن ... لفوق والسطور أعلى فحسن
وخرجن للسقط من حيث سقط ... . . . . . . . . .
يعني في موضعه، ضع التخريج في موضعه، وقلنا أن التخريج أن تنشئ خطاً إلى جهة الأعلى بين الكلمتين الذي هو موضع السقط، ثم بعد ذلك ينعطف قليلاً إما يميناً إن كانت الكتابة في جهة اليمين، وإما شمالاً إن كانت الكتابة في جهة الشمال "من حيث سقط منعطفاً له" مجرد انعطافة يسيرة، يعني مثل ما تشوفون في إشارات المرور إذا كان الخط يبي ينعطف يمين تشوفون الإشارة .. ، وما كانوا يستعملون سهماً، بس، مجرد انعطاف.
. . . . . . . . . ... منعطفاً له وقيل: صل بخط(29/4)
وقيل: صل بخط، يعني من موضع السقط أوجد هذا الخط الصاعد ثم بعد ذلك مل به إلى جهة اليمين إن أردت الكتابة في جهة اليمين لا مجرد انعطاف، إنما استمر في هذا الخط إلى موضع السقط، يعني خُط خطاً طويلاً إلى أن تصل إلى موضع الكتابة، وعلى هذا لو امتلأت الحواشي اليمين والشمال، وأردت أن تكتب فوق السطر في الصفحة، فوق في أعلى الصفحة تأتي بالخط المنعطف هكذا، وتستمر به إلى أن تصل "وقيل: صل بخط" لكن مثل هذا لا شك أنه يشوه بالكتب، وإذا كثرت الأسقاط تشوه الكتاب، وتشتت القارئ، إنما يكفي بالانعطاف، والآن استبدل بهذا كله الأرقام "وقيل: صل بخط، وبعده اكتب صح" يعني إذا انتهيت من كتابة السقط اكتب كلمة صح، ولا تكتبها كاملة "صح" حاء كاملة، لماذا؟ لأنه يخشى أن تقرأ مع الكلام، وقد تكون في موضعها مناسبة، يعني لها معنى في هذا الموضع كلمة صح، فلا يدرى هل هي تصحيح، أو تتميم للكلام، وعلى هذا لا تكمل الحاء، اكتب صح (صحـ) واقطع الحاء،
وبعده الكتب صح أو زد رجعا ... . . . . . . . . .
يعني مع صح رجع؛ لأن هذا تصحيح ناشئ عن مراجعة، ناشئ عن مراجعة، فهو تصحيح ومراجعة في الوقت نفسه.
. . . . . . . . . أو زد رجعا ... أو كرر الكلمة لم تسقط معا
أنت افترض في السطر الذي معنا: رقم خمسمائة وسبع وثمانين (587)،
وبعده اكتب صح أو زد رجعا ... . . . . . . . . .
سقط من هذا البيت صح، أو اكتب، سقطت هذه الكلمة، خرج لها، وقل: اكتب "صح"، وإن كتبت رجع معها فهو أكمل "أو كرر الكلمة" يعني كما سقط عندنا اكتب، يقول: اكتب، في الحاشية إذا خرجت كرر الكلمة التي لم تسقط، وبعده اكتب، خرج لها بعده، وقبل صح لتكتب في الحاشية السقط اكتب، وتكتب معها الكلمة التي لم تسقط "وبعده اكتب" تكتبه معاً، التي قبلها إيه "وبعده اكتب" تكتب الكلمتين،
. . . . . . . . . ... أو كرر الكلمة لم تسقط معا(29/5)
يعني كرر الكلمة التي لم تسقط "وفيه لبس" لماذا؟ نعم لأن بعض الكلمات يقصد تكرارها، وقد تكرر الكلمة مرتين كما جاء في بعض النصوص، بعض الأحاديث، وبعض الكلمات مكررة مرتين، فإذا كررتها، وهي في كتاب حديث ظننته من النص أنها مكررة ثلاثاً، أو مكتوبة مرة واحدة ظننتها مكررة مرتين، لا شك أن هذا فيه لبس:
وفيه لبس ولغير الأصل ... خرِّج بوسط كلمة المحل
الآن السقط ساقط من الأصل، والإلحاق له يكون بين الكلمتين، الإشارة تبدأ بين الكلمتين، لكن أنت أردت أن تفسر كلمة، هل تخرج لها بعدها، أو قبلها؟ يقول:
. . . . . . . . . ولغير الأصل ... خرج بوسط كلمة المحل
أنت تريد أن تفسر "ضبِّب":
ولعياض: لا تخرج ضبِّب ... . . . . . . . . .
هنا الكلمة التي في البيت تسعة وثمانين وخمسمائة، تريد أن تشرح كلمة ضبب، هل تخرج لها قبلها بينها وبين "لا تخرج ضبب" أو تخرج لها بعدها؟ من وسطها، من الباء الأولى، تخرج لها، التخريج عرفناه، أنه إنشاء خط صاعد يميل إلى جهة اليمين، أو لجهة الشمال اللي هو موضع اللحق، في وسطها خرج، لا تخرج قبلها؛ لئلا يظن أن المكتوب ساقط، ولا تخرج بعدها كذلك، إنما خرج من وسطها:
. . . . . . . . . ... خرج بوسط كلمة المحل
هذا إذا كان تعليقاً على هذه الكلمة، أو لبيان فرق نسخ مثلاً، تبي تكتب نسخة ثانية اللفظة كذا بدل هذا؛ لأنك لو خرجت قبلها ظن أن هذا سقط،، وكذلك لو خرجت بعدها، لكن إذا خرجت من وسطها عرفنا أنك تريد أن تعلق على هذه الكلمة.
ولعياض: لا تخرج ضبب ... أو صححن لخوف لبس وأُبِي
هذه الكلمة تريد أن تشرحها لا تخرِّج منها؛ لئلا يظن أن هناك سقط، يلتبس بتخريج السقط، ضبب عليها، والضبة إنما هي عبارة عن رأس صاد، رأس صاد، هذه ضبة يشبهونها بالضبة التي تكون على، في القدح إذا انكسر, أو على القدم, أو اليد إذا انكسرت تضبب يعني تجبر، هذه ضبة، رأس صاد، ضع عليها ضبة، واكتب قبالتها ما تريد،
. . . . . . . . . ... أو صححن لخوف لبس وأُبِي(29/6)
هذه الكلمة أنت الآن شككت فيها، هل هي صحيحة، أو ليست بصحيحة؟ ضع عليها ضبة، أو خرج من أثنائها، واكتب كذا، يعني هكذا الموجود، واكتب ما يبدو لك، هذا الأصل، لكن إذا غلب على ظنك أن هذه الكلمة خطأ، يقول: صححن لخوف لبس يقول: الآن هذه الكلمة التي غلب على ظنك أنها خطأ صححها في صلب المتن "وأُبي" يعني رفض مثل هذا، قاله بعض أهل العلم، كيف تصحح؟ وهجم بعضهم على التصحيح، لا سيما من عنده حذق بالأساليب، ومعرفة العربية تجده يصحح، يهجم على الكلمة يظنها خطأ فيصححها، وهي في حقيقة الأمر ليست بخطأ.
وكم من إنسان هجم، وصحح، ثم بعد ذلك ظهر أن الكلام صحيح مستقيم، وهذه عجلة منه، ولذلك قال: "وأبي" يعني رفض مثل هذا التصرف تُبقي الكلمة على ما هي عليه، وتعلق عليها بما تراه، وسيأتي في كيفية الرواية أنك إذا وجدت خطأً في الرواية، خطأ مجزوم بكونه خطأ، أما بالنسبة لما يقع خطأ في القرآن، لا بد من تصحيحه، هذا ما يروى على الخطأ، ما يروى على الخطأ، أما في غيره من الكلام، فقالوا: ترويه على الخطأ، وتبين الصواب، ومنهم من يقول: إذا كان الخطأ مجزوماً به يصحح، ويشار في حاشية الكتاب أن الصواب كذا، كذا في الأصل، أو يقال: التصويب، الصواب ما أثبتناه، وفي الأصل كذا، مع أن العجلة في مثل هذه الأمور أوقعت كثيراً من المحققين في أوهام كثيرة، لذلك تجدون في الكتب المحققة بعد مقابلتها على النسخ يقول لك: كذا في الأصل، والصواب كذا، ثم يتبين أن الذي في الأصل هو الصواب، وأحياناً يصحح ويقول: أثبتنا الصواب، والذي في الأصل كذا، ثم بعد ذلك يتبين أن الذي في الحاشية وهو الصواب، وهذا كثير سببه العجلة، والإقدام على التصرف في الكتب، نعم.
التصحيح والتمريض وهو التضبيب
وكتبوا صح على المعرض ... للشك إن نقلاً ومعنًى ارتضي
ومرضوا فضببوا صاداً تمد ... فوق الذي صح وروداً وفسد
وضببوا في القطع والإرسال ... وبعضهم في الأعصر الخوالي
يَكْتبُ صاداً عند عطف الأسما ... توهم تضبيباً كذاك إذ ما
يختصر التصحيح بعض يوهم ... وإنما يميزه من يفهم(29/7)
يقول -رحمه الله تعالى- في مسألة التصحيح، عند تصحيح الخطأ: والتمريض كذلك، وهو التضبيب، التصحيح إذا وجد خطأ يصحح، على خلاف بينهم على ما سيأتي، هل يصحح في الأصل، ويشار إلى الخطأ في الحاشية، أو العكس، والأصل أنَّ الأمانة تقتضي أن يبقى ما في الأصل على ما هو عليه، كما هو، ثم بعد ذلك يشار في الحاشية إلى التصويب، لكن قد يكون النسخ كلها تتفق على هذا الخطأ، بما فيها النسخة التي بخط المؤلف، أو نسخة مقابلة على نسخة المؤلف، في نقل حديث ما، ثم بعد ذلك في الأصول كلها التي خرج منها هذا الحديث وجد أن هذا الحديث المنقول فيه خطأ، فمثلاً تقرأ أنت في المغني، ونسخ المغني حتى الذي بخط ابن قدامة، وبخط من نسخ من خطه حديث معزو إلى الصحيحين، والسنن، فتبحث عن هذا الحديث في الصحيحين، والسنن في المصادر التي عزي إليها فتجد فيه كلمة خطأً، وهي بخط المؤلف، هل نقول: إن هذا خطأ من النساخ؟ ما يمكن، هذا خطأ من المؤلف، فهل يصحح الخطأ اعتماداً على المصادر التي نقل منها الحديث؟ أو يبقى الخطأ كما هو ويشار بالحاشية أنه كذا في الأصول بما فيها أصل المؤلف، والصواب كذا كما في المصادر التي أحال إليها المؤلف؟ يُبقى الخطأ كما هو، المؤلف أراده هكذا، وينبه عليه بالحاشية، وقل مثل هذا في الأوهام، يعني الصحابي، وهم في رواية هذا الحديث، هل نصحح وهم الصحابي في الكتب؟ نصحح، وإلا ما نصحح؟ ما نصحح، نبقيها كما هي، يعني هل نصحح وهم ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب؟ لا يجوز، أو نصحح وهم ابن عباس في أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو محرم؟ لا نستطيع، مع أننا نجزم أن الصواب خلافه، نبقيه كما هو ونشير إلى أن الصواب كذا، وأن عائشة استدركت على ابن عمر، وأن ميمونة وأبا رافع استدركوا على ابن عباس.
طالب: هل هذا يا شيخ وهم في النقل والكتابة؟
لا.
طالب: النقل والكتابة سليمة.(29/8)
إيه، لكن كذلك الكتابة إذا كانت بخط المصنف، استثنوا من ذلك القرآن، هو الذي لا يحتمل، أنت الآن رجعت إلى البخاري الذي بين يديك، ووجدت الكلمة ليست صحيحة، ورجعت إلى مسلم، وجدت الكلمة غير صحيحة، رجعت إلى السنن الأربع وجدت الكلمة غير صحيحة، وما يدريك أنه في رواية في البخاري غير التي بيدك صحيح: "كانت الكلاب تغدو، وتروح، وتبول في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-"، جيت أنت ورجعت إلى النسخة اللي بيدك ما فيها تبول، وأيضاً استروحت إلى أنه من حيث الحكم ما يمكن تترك الكلاب تبول، ثم جئت بالقلم ومسحته؛ لأنه لا يوجد في البخاري عندك، وهو موجود في كثير من الأصول، فلعلك تهجم على ما تجزم بقطعه، ثم بعد ذلك تبين أن الصواب خلافه، في مثل هذا لا تستعجل، كم من شخص هجم على كلمة وندم؟! يعني أنت لو تأملتها في وقت آخر غير الوقت الذي انقدح في ذهنك هذا تبين لك وجهه، أحياناً يكون تجزم بأنها خطأ؛ لأنك قرأتها خطأ؛ لأنك قرأتها خطأ.
وكتبوا "صح" على المعرض ... للشك. . . . . . . . .
يعني أنت نقلت من كتاب أصل، وقابلته عليه مرة ثانية، لكن شككت فيه، أو ظننت أن أحداً من قراء الكتاب يشك في هذه الكلمة، اكتب عليها صح؛ لتبين أنك واثق من هذه الكلمة، وأنها كذلك في الأصل.
"إن نقلاً ومعنًى ارتضي" يعني من حيث النقل من الأصل من المقابلة، ومعناها أيضاً مرتضى، يعني محتمل، "ومرضوا فضببوا" مرضوا يعني ضعفوا هذه الكلمة "فضببوا صاداً تمد" تمد على الكلمة،
. . . . . . . . . ... فوق الذي صح وروداً وفسد(29/9)
يعني الآن هذه الكلمة ثابتة في الأصل الذي نسخ منه الكتاب، وقوبل عليه، وأيضاً ثابتة في الأصول التي نقل منها هذا النص، الذي نقل المؤلف منه هذا النص، هذا من حيث الورود صحيح، ما فيها أدنى إشكال، لكن من حيث المعنى فاسد، ألا يمكن أن يوجد مثل هذا؟ الآن في صحيح البخاري كلمات من حيث العربية مشكلة، لكنها ثابتة من حيث الرواية، ثابتة من حيث الرواية، لكنها من حيث العربية مشكلة، يعني أشكلت على العلماء من أهل الحديث وغيرهم، لذلك اليونيني لما جمع روايات الصحيح، ووفق بينها، وذكر الفروق وجد هناك ألفاظاً لا يمكن أن تمشي على قواعد العربية من وجهة نظره هو، قرأ الكتاب على ابن مالك صاحب الألفية، وخرَّج له هذه الألفاظ إما على لغات أخرى، يعني على لغة تميم، على لغة قريش، يعني على سبيل المثال في كتاب الأدب: باب: "إذا لم تستح .. "، كسرة، حاء مكسورة، "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، المتن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي .. )) بالياء، ((فاصنع ما شئت)) القارئ اللي ما عنده معرفة بلغات العرب يبي يقول: لم هذه تجزم، ولماذا ما جزمت تستحي؟ جزم البخاري في الترجمة، لكن في المتن ما جزم ليش؟ أنت لا بد أن تصحح، يا هذه يا هذه، ما يمكن تمشي على الأمرين، فالترجمة على لغة تميم، فيستحي عنده بياء واحدة عندهم، والحديث جاء على لغة قريش، "يستحيي" أصلها بياءين فحذفت "لم" إحدى الياءين، وأبقت واحدة، أنت الآن إذا لم يكن عندك معرفة بهذه الأمور لا بد أن تهجم على هذا فتصحح، إما الترجمة، وإما الحديث؛ هذا ما يمكن تأتي بـ"لم" مرة تعمل، ومرة ما تعمل، ما هو بصحيح، فابن مالك حل إشكالات كثيرة في كتاب أسماه "شواهد التصحيح والتوضيح على مشكلات الجامع الصحيح" وهو مطبوع، موجود، ويحتاجه كل طالب علم؛ لأن فيه ألفاظ بالفعل من حيث العربية تشكل، يعني على ما درج عليه عموم الناس، ألفاظ مشكلة لكن مع ذلك ابن مالك خرجها.
طالب: من نفسه يا شيخ هو اللي ابتدأ التأليف، وإلا اللي عرض عليه اليونيني؟
هو عرض عليه اليونيني، وصار يدوِّن، "شواهد التصحيح والتوضيح" ويأتي لكل كلمة بشاهد من العربية.(29/10)
ومرضوا فضببوا صاداً تمد ... فوق الذي صح. . . . . . . . .
من حيث الرواية "صح وروداً وفسد" من حيث المعنى، تجي أحياناً كلمات تجزم بأنها ليست بصحيحة، ثم مع البحث والتحري تجدها لها معنى.
وضببوا في القطع والإرسال ... . . . . . . . . .
يعني تقرأ السند، السند فيه سقط، إما بانقطاع في أثنائه، أو بإسقاط الصحابي، والاقتصار على التابعي، فيكون مرسلاً، يضعون في موضع الإسقاط -سواءً كان قطع أو إرسال- يضعون ضبة، عرفنا الضبة رأس صاد، وقد يحتاج إلى تطويلها إذا كان ما يضبب عليه أكثر من كلمة، أو جملة "ضببوا في القطع والإرسال" لينتبه القارئ إلى أن في هذا الموضع خلل فيبحث عنه، ليعرف أن في هذا الكلام خلل، ما هذا الخلل، هل هو ناتج من الناسخ، أو من أصل الرواية من أجل أن يتأكد يعني، ويبحث عن هذا السقط.
وضببوا في القطع والإرسال ... وبعضهم في الأعصر الخوالي
يعني في الزمان المتقدم، وعند المتقدمين.
يكتب صاداً عند عطف الأسما ... توهم تضبيباً كذاك إذ ما
"عند عطف الأسماء" إذا قال: حدثنا فلان وفلان، وفلان وفلان، ثلاثة، أربعة، كما هي عادة مسلم، وغيره، يكتب ثلاثة من الشيوخ، وقد يكتبه في أثناء الإسناد، هؤلاء الثلاثة يكتب عليهم صاداً، لماذا؟ ليعرف القارئ أن الكاتب متيقن من عطف الثلاثة بعضهم على بعض؛ لأن بعض الناس درج لسانه: حدثنا فلان عن فلان عن فلان، فيقول لك: إذن هذه الواو أصلها عن، فيصحح، فإذا كتب عليها صاد عرف أنها صحيحة، وهذا هو الموجود صحيح.
يكتب صاداً عند عطف الأسما ... توهم تضبيباً. . . . . . . . .
القارئ قد يظنها ضبَّة، فيظنها خلل في الكلام، فتعود على الكلام بنقيض قصد الذي وضعها، هو وضعها كأنها تصحيح، الأصل أن يكتب "صح"، إذا خشي أن يصحح كتب "صح"، لكنه كتب صاد، فيظنها القارئ تضبيباً، فيبحث عن هذا الخلل ليصححه، على كل حال إذا بحث سيصل إلى الحقيقة لا سيما إذا كانت لديه الأهلية، ولن يغير من الواقع شيئاً "كذاك إذ ما"
يختصر التصحيح بعض يوهم ... وإنما يميزه من يفهم(29/11)
التصحيح كتابة "صح"، وبعضهم يختصره، ويقتصر على صاد، وهذه الصاد توهم أنه تضبيب، ما هو بتصحيح، تضبيب؛ لأن الضبَّة عبارة عن رأس صاد "كذاك إذ ما"
يختصر التصحيح بعض يوهم ... . . . . . . . . .
بعض الناس يختصر التصحيح فيوقع في إيهام، هل هو تصحيح أو تضبيب؟ التضبيب في الغالب يكون في محل خلل، والتصحيح عكسه، فيقع الوهم،
. . . . . . . . . ... وإنما يميزه من يفهم
"يميزه من يفهم" الذي يفهم هو الإشكال من الشخص الذي لا يفهم، أما الذي يفهم فلا يمشي عليه مثل هذا، الصحيح صحيح، وما يحتاج إلى تصحيح واضح عنده، لكن الإشكال فيمن لا يفهم، بحيث يلتبس عليه التصحيح بالتضبيب، وأما الذي يفهم ما يلتبس عليه مثل هذا، سم.
الكشط والمحو والضرب
وما يزيد في الكتاب يُبعد ... كشطاً ومحواً وبضربٍ أجود
وصله بالحروف خطاً أو لا ... مع عطفه أو كتب لا ثم إلى
أو نصف دارة وإلا صفراً ... في كل جانب وعلم سطراً
سطراً إذا ما كثرت سطوره ... أو لا وإن حرف أتى تكريره
فأبق ما أول سطر ثم ما ... آخر سطر ثم ما تقدما
أو استَجِد قولان ما لم يضف ... أو يوصف أو نحوهما فألف
نعم يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: الكشط الساقط نقص يجده الناسخ بعد المقابلة، الساقط، السَّقط، هذا نقص، والكشط والمحو والضرب للزائد من الكلام؛ لأنه إذا نسخ الكتاب ثم قابله على أصله يجد –أحياناً- نقص كلمات، أو جمل، أو أسطر، وأحياناً يجد كلمات مكررة زائدة، الساقط يخرج له على ما تقدم، والزائد يكشط، أو يمحى، ويضرب عليه، فالكشط الحك إما بالظفر، أو بسكين، أو ما أشبه ذلك، والمحو والضرب بالقلم.
يقول:
ما يزيد في الكتاب يُبعد ... . . . . . . . . .
يعني إذا وجدت زيادة بعد المقابلة .. ، أحياناً يكرر سطراً كاملاً، يكتب مرتين، وأحياناً تكرر كلمة، تكتب مرتين، وأحياناً يكرر جملة، وهذا موجود يعني، حتى في المطبوعات يوجد، تجد سقط، وتجد زيادة.
وما يزيد في الكتاب يبعد ... . . . . . . . . .
لأنه ليس منه، ما يزيد، يعني يزيد الناسخ في الكتاب الذي ينسخه إذا تبين بعد المقابلة زيادته يُبعد، بالمسح، بالمحو، تمسحه بالقلم، أو يكشط بظفر، أو بسكين، أو ما أشبه ذلك.(29/12)
. . . يُبعد ... كشطاً ومحواً وبضرب أجود
الكشط عرفنا أنه هو الحك، والحك يكرهه كثير من أهل العلم؛ لأنه يورث تهمة، يعني كأنها كلمة ليست في صالحه، أو لا تخدم مذهبه، أو ما أشبه ذلك فيتخلص منها، وهذا يوجد كثيراً في الكتب المسروقة، تجد كتاباً عليه ختم رسمي، يكشط يحك هذا الختم، ويباع في الأسواق، وهذا يورث تهمة، يعني إذا وجدت كتاباً يعرض في السوق مكشوطاً اتهم البائع، فإما أن يكون مسروقاً من مكتبة عامة، وهذا كثير، ويوجد في الكتاب المستعمل هذا بكثرة، أو يكون وقفاً، والوقف لا يجوز بيعه، فيأتي من يريد بيعه فيكشط، يزيل الختم، وهذا هو التبديل الذي يبوء بإثمه المبدِّل، هذا في عموم الكتاب، يعني الكتاب مسروق يكشط الختم، كثيراً ما يعثر على كتب مكشوطة مثلاً في صفحة العنوان، أو التي تليها، ثم تجد ختماً في أثناء الكتاب، ما فطن له هذا، ما موقف طالب العلم إذا وجد كتاباً، وهو بأمس الحاجة إليه، يباع في الأسواق، وهو مكشوط، وإرجاعه إلى مكانه مستحيل، يعني كتاب جيء به من مكتبة عامة بالهند، أو من مصر، أو من المغرب يشتري؟ وإلا ما يشتري؟ محتاج لهذا الكتاب، وإرجاعه إلى محله مستحيل، إن ما شريته أنت شراه غيرك، تشتري؟ وإلا ما تشتري؟
طالب: ذمته يا شيخ اللي سرقه، واللي باعه، وأنا يا شيخ ممن أوقف الكتاب لأجلهم، لكن؟
لا، الكتاب وقفه على مكان معين.
طالب: من أجل يستفاد منه، ويقرأ، ويبحث فيه، وينشر.(29/13)
وقف على مكتبة بمصر، أو على مسجد بمصر، أو بالهند، يعني سهل عند سماسرة الكتب، ولهم –أيضاً- مندوبين يعني إذا وجد كتاب كامل، وناقص مجلد، قال: سهل نجيبه لك، ويروح يأخذ من المكتبة، ويكشط الختم، ويبيعه، أما شراؤه في موضعه لا شك أن هذا حرام، وتعاون على انتشار مثل هذه الجريمة، إذاً انتقل بعيداً من يرجع هذا الكتاب إلى الهند؟! وصاحبه لن يرجعه قطعاً، يعني لو ترك بدون بيع، لو يحرق ما رُجع إلى مكانه، ويوجد شبهة الآن تجعل طالب العلم قد يستروح يميل إلى أنه يشتريه، ويستفيد منه، ويوجد شبهة، وهي مسألة التحديث في المكتبات، مكتبة التحديث، مكتبة –مثلاً- في مصر قديمة موقوفة من مائة سنة، وينتابها طلاب، وشباب، وعوام، ويراجعون، ويطالعون، كتب ما تناسبهم، طبعات قديمة، ويتلفونها مع الاستعمال، فيجتمع المجلس مثلاً مجلس البلد، ويقررون بيعها، واستبدالها بكتب جديدة، ومناسبة لشباب العصر، وهذا موجود يعني رسمي هذا ما هو بسرقة.
طالب: مثله يا شيخ أو قريب منه يا شيخ الآن توقف على المكتبات العامة طبعات نادرة يا شيخ وبقيمة مرتفعة، ثم يباع يرى إمام المسجد، أو الواقف الناظر أنه يباع هذا بالقيمة التي يستحقها الكتاب، ويشترى بدله يا شيخ.
هو مادام صالح للاستعمال لا يجوز تأخذه؛ لأنه وقف، والوقف لا يجوز بيعه إلا إذا تعطلت منافعه.
طالب: الآن ما يقرأ.
إذا تعطلت منافعه شيء، إذا تعطلت منافعه لا إشكال أنه يباع.
على كل حال مسألة التحديث هذه اللي تحدثنا عنها موجودة في الأقطار، وقد توجد شبهة لمن أراد أن يشتري، لكن الغالب أنها كتب مسروقة.
طالب: ويشتري.
هاه؟
طالب: لو جد مثل هذا يشتري؟(29/14)
هو أحياناً تشتري مجموعة، وتركة، وتجد في هذه التركة بعض هذه الكتب من غير قصد، وجودها من غير قصد هذا سهل، الإشكال أنه كتاب واحد مثلاً موقوف على جهة معينة، قد يكون الوقف باطل، وقف على قبر، كتاب موقوف على قبر على ضريح، هاه؟ مشكلة هذه، أيضاً كتاب موقوف على الزاوية كذا التيجانية في بلد كذا، تشتري، وإلا ما تشتري؟ هل نقول إن الوقف باطل؛ لأنه لا يحقق الهدف الشرعي كما قرر شيخ الإسلام من الوقف، أو نقول: يصرف إلى اقرب مصرف له؟ يعني وقف على ضريح نقفه على مسجد، ننقله للمسجد، وقف على زاوية تيجانية، نقفه على محل فيه سنة يستفيدون منه، لا سيما وأن الكتاب مثل البخاري مثلاً، نسخ كثيرة موقوفة على أضرحة، وعلى زوايا، وتكايا صوفية ما يستفيدون منها، هل نقول إن الوقف من أصله باطل، فيمسح هذا، ولا أثر له، أو نقول: إنه ينقل إلى مكان يُنتفع به، وهذا أقرب مصرف له؟ ولا شك أن الورع مثل هذا، لكن الوقف من أصله فيه خلل.
اللهم صلي وسلم.
طالب: يا شيخ لو أحد الناس أوقف له كتاباً، أو أي أمر من أمور الوقف، ثم تعطلت منفعته، أنا اللي كنت أتولى مثلاً تصريف الوقف، لي الحق أني الآن أنا صاحب الكتاب، تعطلت منفعته في المسجد هذا، أنقله إلى مكتبة عامة، أو مسجد آخر، أو طالب علم.
العلماء نصوا على أن الوقف إذا تعطلت منافعه ينقل، ينقل بحيث ينتفع منه.
طالب: ما يستأذن؟
خلاص انتهى الحكم، شرعي هذا منتهي، مفروغ منه، لكن تقدير هذا الأمر قد يختلف فيه، تعطلت منافعه؛ لأنك ما تفتح الباب، ما تفتحه للناس، مغلقين المسجد ما يدخله أحد، هذا ما هو بصحيح، هذا لا ينقل من أجل هذا، وييسر الوصول إليه، لكن إذا طرأ شيء خارج عن إرادتك، يعني جاء أمر من ولي الأمر أن المساجد تغلق، ولا تفتح، ولا يمكن طلاب العلم من دخولها إلا في أوقات الصلاة، حينئذٍ ينقل إلى مكان تتاح فيه القراءة.(29/15)
"وما يزيد .. "، "محواً وبضرب أجود" أيضاً يكون الضرب ليس بطمس كامل للكلمة، وإنما بحيث تمكن قراءتها، يضرب عليها بخط، أو خطين؛ ليعرف أنها زائدة، والقارئ يعرف أنها زائدة بنفسه، يعني ما يكتفي باجتهادك أنك أيها الناسخ؛ لأنه قد يشك، قد يقول لك: هي ليست زائدة، فإذا عرفها، ورآها، واستطاع قراءتها عرف أنها زائدة، وأنَّ هذا الضرب لزيادتها.
وصله بالحروف خطاً أو لا ... مع عطفه. . . . . . . . .
يعني إما أن تكشط، تمحو، أو تضرب، نعم "وصله بالحرف خطاً" يعني من أوله إلى آخره، انفذ فيه حرف خط، "أو لا مع عطفه" يعني إما أن تجعل الخط من أول الزائد إلى آخره، أو تجعل عليه شبه قوسين أن هذا زائد "أو اكتب لا ثم إلى" يعني عندك وجدت في السطر هذا الذي نقرأه "وصله أو لا" الأصل وصله أو لا، و"بالحرف خطاً" هذا زائد، اكتب فوق الباء "لا"، وفوق الألف "إلى"، "لا" يعني لا يوجد بالأصل، يعني أنه زائد، و"إلى" هذا الموضع انتهى الزائد، وبعضهم يكتب بدل "لا" "من"، يعني من هذا إلى هذا، من هذه البداية إلى تلك الغاية كله لا يوجد في الأصل، أحياناً الكاتب يقدم جملة على جملة، جملة مقدمة، وجملة مؤخرة جرت عادتهم على أن يكتبوا مقدم ومؤخر، أو يكتفون بالميم، ميم فوق الجملة الأولى، وميم فوق الجملة الثانية، يعني أن هذه مقدمة، وهذه مؤخرة، يعني إذا كتبت في أول .. ، لو الإخوان يحضرون الصحيح، صحيح البخاري اللي عليه الفروق، طبعة السلطانية، وغيرها، صورت الآن، وانتشرت فيها أمثلة كثيرة لمثل هذا، فيها أمثلة للسقَط، فيها أمثلة للحق، فيها أمثلة للزائد، وفيها أمثلة كثيرة، يكتبون، ولذلك تجد هذه الترجمة يكتب عليها "لا"، وفي آخرها "إلى"، وبينهما رموز، يعني هذه الترجمة لا توجد عند أصحاب هذه الرموز، ثم إلى، يعني في النهاية تكتب إلى، يعني إلى هذا الموضع انتهى الزائد.(29/16)
"أو نصف دارة" يعني قوس "وإلا صفراً" الصفر صورته "وإلا صفراً" يعني تكتب في أول الجملة الزائدة صفراً، وفي آخرها صفراً، إيش معنى صفر؟ هل هو النقطة؟ الدائرة، الصفر هو الدائرة، لماذا قالوا صفر؟ لأنها خالية، ليس في جوفها شيء، خالية، هذا هو الصفر الأصلي، وأما الصفر الذي نستعمله، وهو النقطة والحروف التي نستعملها على هذه الكيفية هذه هي الأرقام الهندية، هذه هي الأرقام الهندية، ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية كتب أرقام هي عبارة عن أعمار، شوف البداية والنهاية جيب لي المجلد الأول.
كتب على هذه الهيئة اللي موجودة عندنا، والمستعملة قال: كتبت الأرقام الهندية للدلالة على أعمار هؤلاء من الأنبياء وغيرهم، يقول: كتبتها بالأرقام الهندية، إيش الأرقام الهندية؟ هي المستعملة عندنا. هاه.
قال –هو- في قصة إبراهيم خليل الرحمن -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- قال: هو إبراهيم بن تارخ، يعني في القرآن: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} [(74) سورة الأنعام]، آزر، كتب مائتين وخمسين بالأرقام التي نستعملها، بأرقامنا، ابن ناحور 148، ابن ساروغ 230، بن راغو 239، ابن فالغ 439، ابن عابر 464، ابن شالخ 433، ابن أرفخشذ 438، ابن سام 600، ابن نوح -عليه السلام-، يقول: هذا نص أهل الكتاب في كتابهم، وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي.
فهذه الحروف، أو هذه الأرقام بالهندي، هي التي تستعملوها الآن هندية، ليست هي العربية، والصفر اللي يساوي الخمسة بالهندي هو الصفر الحقيقي العربي، والمغاربة يقولون: إن الحروف المستعملة عندهم اللي نسميها حروف أرقام إنجليزية هي العربية في الأصل، ومازال المغاربة يستعملونها، والمشارقة يستعملون الأرقام الهندية، وهنا قال ابن كثير: "وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي" يعني بالأرقام الهندية وهي التي نستعملها الآن.
طالب: نكتب يا شيخ أجل.
ويش تكتب؟
طالب: الأرقام بالإنجليزية.
العلماء يقولون: إن الخطأ المشهور خير من الصحيح المغمور.
أو نصف دارة وإلا صفراً ... . . . . . . . . .
يعني تضع في أول الكلام صفراً، وفي آخره صفراً "في كل جانب" يعني من البداية والنهاية "وعلِّم سطراً"(29/17)
سطراً إذا ما كثرت سطوره ... أو لا. . . . . . . . .
يعني افترض أن الساقط عشرة أسطر، ليس بكلمة، ولا كلمتين، ولا سطر، الساقط الزائد عشرة أسطر، افترض أن الزائد عشرة أسطر، هل تكون هذه العلامات "من"، "إلى"، أو نصف دائرة، ونصف دائرة، أو صفر وصفر، في أول الكلام، وفي آخره، في أول السطر الأول من الزائد، وفي آخره، أو في أول السطر، وآخره، أما لو كتبت في أول الكلام، وفي آخره، وكلام كثير قد تنسى، قد ينسى القارئ أن هذا زائد، لكن إذا علمت على كل سطر سطر، ذكرته.
قال: "وعلم سطراً"
سطراً إذا ما كثرت سطوره ... أو لا. . . . . . . . .
يعني علم على أول الكلام، وعلى آخره.
طالب: أو ضع يا شيخ إشارة.
ويش هو؟
طالب: أنه إذا وجد عند كل سطر صح فما بين النقطتين خطأ.
هذا اصطلاح خاص إذا بينه انتهى من عهدته.
"وإن حرف أتى تكريره فأبق ما أول سطر" كرر كلمة واحدة فكتبها مرتين، المصحح بعد المقابلة يحتاج إلى أن يمسح واحدة من الكلمتين، ويبقي واحدة، فما الذي يمسح، وما الذي يبقى؟
طالب: الأولى.
هو إن كانت الأولى في آخر سطر، والثانية في أول سطر امسح الأولى، لماذا؟ لأن المحافظة على نظافة أوائل الأسطر أولى من المحافظة على نظافة نهاية الأسطر، إذا كانت الثانية في نهاية السطر، والأولى قبلها امسح الأولى؛ لأن البدايات والنهايات يطلب نظافتها، عندهم، عند الكتاب.
"وإن حرف أتى تكريره"
فأبق ما أول سطر ثم ما ... آخر سطر. . . . . . . . .
يعني حافظ على أول السطر، إن كانتا في آخر السطر فامسح الأولى ليكون آخر السطر نظيف، نعم "ثم ما"
. . . . . . . . . ... آخر سطر ثم ما تقدما
توجد الكلمتان متجاورتان في أثناء السطر "ثم ما"
. . . . . . . . . ... آخر سطر ثم ما تقدما
"ثم ما تقدما" يعني لأنه يقول: فأبق، أبق "ما أول سطر" محافظة على أوائل الأسطر "ثم ما آخر سطر" محافظة على أواخرها "ثم ما تقدما" أبق ما تقدم، لماذا؟ لأنه صحيح، يعني في مكانها الطبيعي، يعني الخطأ الأولى، وإلا الثانية؟ الخطأ الثانية فتمسح، أو تمحو، أو تكشط الثانية.(29/18)
"ثم ما تقدما أو استجد" أيش معنى استجد؟ يعني أبق الجيد منهما؛ لأن الكاتب قد يكتب هذه الكلمة يتأنق في كتابتها، والثانية لا يهتم لها، فتبقي أجودهما في الصورة، والوضوح للقارئ تختار منهما الأجود.
أو استجد قولان ما لم يضف ... . . . . . . . . .
"ما لم يضفِ" يعني وجدت متضايفين، مثلاً: غلام زيد، غلام مضاف، وزيد مضاف إليه، وكررت زيد مرتين تمسح الأولى لتفصل بين المضاف والمضاف إليه؟ ما يصلح، ولو كررت "غلام"، غلام غلام زيد، فتمسح واحدة من غلام مكرر، تمسح الثانية، تفصيل بين المتضايفين؟ امسح الأولى ليبقى المتضايفان متلاصقين.
"قولان ما لم يضف أو يوصف" يعني تبقى الموصوف تليه مباشرةً صفته، يعني ما لم يقصد في الكلام الفصل بين المتضايفين، كما في قول الشاعر:
. . . . . . . . . ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
بعض الناس لو كُرر مثل هذا، هذا مقصود أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه.
"أو يوصف" فتجعل الصفة ملاصقة للموصوف، ولو اقتضى الأمر مسح الكلمة الأولى التي هي الأصل "أو نحوهما فألف" يعني اجمع بين المتضايفين، واجمع بين الموصوف مع صفته، وكل ما له علقة بالكلمة الأخرى لا تفرق بينهما، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه إذا، مثل ما قلنا في التصحيح، يعني غلب على ظنه أنه خطأ من غير مراجعة أصل، يكتب عليها كما قالوا كذا، يعني كذا في الأصل، كذا، ووجدت هذه الكلمة في الكتب يعني يقرأها عالم بارع، ويغلب على ظنه أن هذه الكلمة زائدة، أو ليس لها معنى، أو في غير موضعها يكتب عليها كذا، يعني كذا في الأصل، وإن وضع عليها علامة، أو رقم، وعلق عليها تعليقاً بما يراه أيضاً مخرج.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يضرب على زيادة، ولا شيء يقول كذا، والذي يظهر أن الثانية زائدة.
طالب:. . . . . . . . .(29/19)
إلا بإذنهم، إلا بإذنهم، لا يتعرض له بشيء، لا يجوز أن يتصرف في كتب الناس إلا إذا عرف أن صاحبه يفرح بمثل هذا، يعني شيخ استعار كتابك، وأنت تتمنى أن يوجد خط هذا الشيخ في كتابك؛ لأن بعض الخطوط تزيد الكتب قيمة، يعني الآن في أسواق الكتب لو وجد مثلاً خط الشيخ أحمد شاكر على كتاب، ولو كلمة واحدة، تضاعفت قيمة الكتاب، أو وجد خط الألباني، أو ما أشبه ذلك، أو واحد من المعروفين المشهورين، لا شك أنها هذا نور للكتاب عند الوراقين، يزيده قيمة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا أكتبه في ورقة، وإما أن يلصق على كتاب، أو يسلم للمسئولين؛ لأنه لو ترك مثل هذا المجال؛ لهجم على الكتب الأهل، وغير الأهل، فسد الباب بالكلية هذا هو الأصل.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(29/20)
شرح ألفية الحافظ العراقي (31)
(العمل في اختلاف الروايات - الإشارة بالرمز - كتابة التسميع)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
العمل في اختلاف الروايات
وليبن أولاً على رواية ... كتابه ويَحسِن العناية
بغيرها بكتب راو سميا ... أو رمزاً أو يكتبها معتنيا
بحمرة وحيث زاد الأصل ... حوقه بحمرة ويجلو
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-، الناظم الحافظ العراقي يقول: "العمل في اختلاف الروايات" يعني الروايات تطلق ويراد بها اختلاف الرواة بالحديث الواحد، وتطلق ويراد بها روايات الكتب لا روايات الأحاديث، والمقصود هنا رواية الكتب، فالكتب المشهورة مروية من طرق إلى أصحابها، وصحيح البخاري -على سبيل المثال- رواه عنه ما يقرب من تسعين ألفاً من الرواة، هؤلاء الرواة أكثرهم سمع الكتاب، أو أجيز بالكتاب لكنه لم يعتن بالكتاب على الوجه المطلوب، ودون ورايته، وأثبتها، ونسخها، وقابلها على أصلها، لا، الذين كتبوا الصحيح عن صاحبه، وعارضوه بأصله، وقرءوه على مؤلفيه، وسمعوا منه ما سمعوا هؤلاء قلة، ورواياتهم مشهورة، ومضبوطة، ومتداولة، أثبتها العلماء في أثبات خاصة، وفي مقدمات شروحهم، وجمعها الحافظ اليونيني -رحمة الله عليه-، وقارن بينها، وأثبت الفروق بين هذه الروايات، ورَمَز لكل رواية، والشرَّاح اعتمد كل واحد منهم على رواية، وشرح هذه الرواية وأشار إلى ما عداها، وأكثر الشراح اهتماماً بهذه الروايات، وعناية بها، وإثبات فروقها بدقة، ولو لم يترتب عليها فائدة بالحرف القسطلاني صاحب "إرشاد الساري"، أما الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فقد نص في أوائل الشرح أنه اعتمد رواية أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، يعني فيما يحتاج إليه من الاختلاف.(30/1)
هناك رواية أبي ذر، رواية الكشميهني، رواية كريمة، رواية الأصيلي، رواية النسفي، رواية السرَخْسي، رواية ابن عساكر، رواية حماد بن شاكر، وغيرها من الروايات الكثيرة التي ضبطها الحافظ اليونيني، وأثبتها، وأثبت الفروق بينها، ورمز لها، وطبعت عنها النسخة، أو الطبعة السلطانية، الطبعة السلطانية، السلطان كلف بضعة عشر عالماً من علماء الأزهر في العناية بهذه النسخة مع التحري، والدقة في الحروف، والرموز، والخلاف في صيغ الأداء، وتحروا بالفعل فصارت الطبعة متقنة، سنة ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، روجعت هذه الطبعة بعد ذلك، ووجد فيها ما يقرب من مائة خطأ، يعني التسعة الأجزاء في كل جزء عشرة فأقل، يعني أقل من مائة من الأخطاء، ثم صوبت بعد ذلك في الطبعة الثانية ببولاق سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة عشر وأربعة عشر، فجاءت الطبعة الثانية أفضل من سابقتها السلطانية، حرف واحد ما يختلف، لكن الثانية تمتاز بالتصحيح لهذه الأحرف اليسيرة التي حصل فيها الخطأ.
ثم بعد ذلك صورت السلطانية تصويراً بديعاً بالألوان، وبالرموز وبالإحالات، وبذكر الأطراف مع تصحيح هذه الأخطاء، فجاءت غاية في بابها، يعني هذه الطبعة الموجودة معنا، هات أشوف، هذا جزء منها، الأول والثاني، ذكرنا في دروس مضت أن اليونيني لما جمع بين الروايات، ووجد في بعضها إشكال من حيث الإعراب قرأ الكتاب على ابن مالك صاحب الألفية، ووجه له كثير من هذه الإشكالات، ودونها في كتاب له أسماه: "شواهد التصحيح والتوضيح على الجامع الصحيح".
طالب: هذه تعتبر يا شيخ أميز من .. ؟(30/2)
إيه، هذا أفضل شيء، هذه صورة على بولاق، هذه على السلطانية، صورة عليها، السلطانية على ورق قديم، الآن قد اسود من طول الوقت، وما رأيت الطبعة السلطانية على ورق كتان، كله على ورق عادي، وأكثره مسود، أما الطبعة الثانية وجد، يعني طبعت على ورق كتان، اللي هي الآن أفضل من الجديد، أبيض من هذا، وكأنها ما فتحت؛ لأن ورق الكتان يصبر، ما هو بمثل الورق العادي، المقدمة فيها عناية، وفيها بعض الروايات، قالوا: رواية الفربري، ورواية النسفي، يتكلمون عنها، ورواية حماد بن شاكر، والبزدوي، مرقمة، ومضبوطة، مرقمة، وفيها إحالات، وتخريج أطراف الأحاديث السابق واللاحق، وأيضاً يحيلون على "تحفة الأشراف"، و"تغليق التعليق"، وأمور من أبدع ما يكون، يخرجون، ويرقمون.
طالب: من اللي خرجه؟
هاه؟
طالب: من اللي خرجه؟
اللي اعتنى بتصويرها، هذا يقول: تشرف بخدمته، والعناية به محمد زهير بن ناصر الناصر، المشرف على أعمال الباحثين بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية في المدينة المنورة.
نتكلم على نسخة اليونيني التي يسمونها الأصل، كما يقول القسطلاني: وعنها فرع لا يختلف عنها ولا بحرف، ولا بنقطة، يعني متقن، مثل ذلك الرموز، الرموز للروايات جعلوها في صفحة العنوان، صفحة العنوان من كل جزء، هنا كتبوها في كل جزء في الصفحة الأولى صفحة العنوان، يقول: قد وجدنا في النسخ الصحيحة المعتمدة التي صححنا عليها هذا المطبوع رموزاً لأسماء الرواة، منها: هاء لأبي ذر الهروي، وصاد للأصيلي، وسين لابن عساكر، وطاء لأبي الوقت، وهاء للكشميهني، وحاء للحمَّوي، وسين للمستملي، وكاف لكريمة، إلى آخر الرموز، هناك رموز ما عرفوا أصحابها، هناك رموز ما عرفوا أصحابها، ولذلك سيأتي في مسألة الرموز أنه لا بد من العناية بها، ولا بد من بيانها، يعني من اتخذ لنفسه رموزاً لا بد أن يعتني بها، وأن يبين هذه الرموز، والمراد بها، ولا يعتمد على حفظه؛ لأنه إذا اعتمد على حفظه نسي لمن هذا الرمز بعد مدة طويلة، أو يقع الكتاب بيد غيره فيحتار.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: الرموز المرموز بها.
اليونيني، اليونيني.(30/3)
يقولون: القسطلاني كتبها في فرخة، يعني في ورقة مستقلة، وموجودة يعني الملزمة التي فيها هذه الرموز والكلام على الروايات لليونيني موجودة.
طالب:. . . . . . . . .
لها نسخ.
طالب: أنا أقصد أول واضع للرموز.
الرموز هذه الموجودة لليونيني، رموز اليونيني.
طالب:. . . . . . . . .
وكل يضع، كل يضع لنفسه رموزاً؛ لأن الرمز مستعمل عند أهل الحديث، لكن الرموز التي على هذه النسخة هي رموز اليونيني.
طالب: على الرموز، ربما يغير بعضهم رمزاً عن بعض.
إيه لماذا؟ هو إذا بين ما في شيء، هذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، أنت الآن في كتب التاريخ تجد لابن ماجه أحياناً هاء، وأحياناً قاف، قزويني، وأحياناً جه، جيم هاء، كل يستعمل لنفسه رموزاً، لكنه لا بد من بيانها، لا يوقع القارئ في حرج، بحيث ينسب هذا المزبور إلى غير صاحبه.
طالب: الرموز اللي ما عرف أصحابها؟
الخلل في بيانها، يعني ما بينت، وأحياناً يعتري المكتوب ما يعتريه، يتأثر الورق بماء يتأثر بأرضة، يتأثر بقص مجلد أحياناً، لما يذهب بعض الكلام يوقع في حيرة، هذا موجود إلى الآن، والجناة من المجلدين يصنعون أكثر من هذا، يعني لو واحد من شيوخنا له نسخة من "تاج العروس" قرأها، وناقشها بالتعليقات، فاحتاجت إلى تجليد، فجاء واحد من الشباب محتسب -جزاه الله خيراً-، وقال: نخدم الشيخ نأخذ الكتاب ونجلده، فأخذ الكتاب، وأعطاه مجلد، قصه من أربع الجهات، هذه جريمة في الكتاب، وراحت جل التعاليق، يعني التعاليق الباقية أنصاف كلمات، يعني هبطت النسخة إلى لا شيء صارت، بعد أن كانت محررة، ومتقنة، ومضبوطة، ومراجع عليها المراجع، وخط أفضل من المطبوع أنا أعرف الشيخ، والله المستعان، كله من بعض الاجتهادات من الذين لا يعرفون قيمة الكتب.
طالب: يا شيخ يكون القص في المطبعة هل تكون عندها لجنة من المراجعة، ولا تطبع الكتاب إلا بعد أن تراجعه ال ل جنة؟(30/4)
المقصود أن تكون المطابع .. ، وهذا إذا كانت النية لنشر العلم، أن توجد لجان علمية تعرف كيف تتعامل مع هذه الكتب، بولاق فيها لجنة من كبار أهل العلم، من كبار أهل العلم، لما كان الآن الغرض التجارة في كثير من الأحوال، في كثير من المطابع، تجد وصل الحد إلى أن يوجد من يطبع المصحف، وكتب السنة من غير المسلمين، ويراجعها غيرهم، ويطبعون على آلات بدون شاشات، ما يشوفون الحروف، كل هذا سببه السرعة، والاسترخاص يبحثون عن عمال بأرخص قيمة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يجوز، ما يجوز بحال، هذه خيانة للعلم.
طالب:. . . . . . . . .
هذا خيانة للعلم ما يجوز أبداً.
طالب: المال؟
ما يجوز سحت.
عرفنا المقصود بهذا الباب، وهو أن الروايات التي تروى بها هذه الكتب تختلف من رواية إلى رواية، والخلاف في الحروف كثير، وقد يكون خلاف في كلمات، وقد يكون الخلاف في الزيادة والنقص من الأحاديث، حتى قالوا عن رواية حماد بن شاكر: إنها تنقص عن غيرها بثلاثمائة حديث، ثلاثمائة حديث، البخاري اعتنى به أهل العلم باعتباره أهم هذه الكتب، ثم بعد ذلك مسلم له أكثر من رواية إلا أن الاختلاف بين روايات مسلم أقل بكثير منها في رواية صحيح مسلم؛ لأنه لم ينتشر انتشار البخاري، يعني أقل من الاختلاف بين روايات البخاري، هناك روايات المشارقة، روايات المغاربة، ومعروفة يعني الفرق بينها يسير يعني ليس بكبير.
سنن أبي داود له روايات ابن داسة، واللؤلؤي، وابن العبد.
طالب: الفاسي.
لا، لا، ابن داسة، واللؤلؤي، وابن العبد، ومن بعد؟
طالب: عشرة هم.
لا، لا أقل، أقل. هناك –أيضاً- روايات لجامع الترمذي، وروايات ...(30/5)
من الطرائف أنه في قسم علمي يعني يحضره الأساتذة من المتخصصين في هذا العلم، أبدى واحد ملاحظة وقال: ألا نتفق على أن أكثر الصحابة رواية للحديث أبا هريرة -رضي الله عنه-؟ قالوا: هذا بلا نزاع، يعني بلا خلاف بين أهل العلم، قال: أنا ألاحظ في فتح الباري يذكر رواية أبي ذر في كل حديث، لماذا لا يكون أبو ذر أكثر من أبي هريرة في هذا؟ يعني هذا متخصص، هذا دكتور في السنة يعني، وهذا ما جعلنا نطرح مشروع في القسم، وهو النظر في روايات الكتب، وجمع هذه الروايات، وإثبات الفروق بينها، والحمد لله مشروع مشى، كله بسبب هذه، هذا الكلام الذي صاحبه لا يدري ما يقول.
يقول: العمل في اختلاف الروايات، يقول -رحمه الله تعالى-:
وليبن أولاً على رواية ... . . . . . . . . .
يعني كما أنه في القرآن يعتمد رواية، يحفظ عليها، ويقرأ بها، ويصلي بها، على قراءة، ثم بعد ذلك ينظر في القراءات الأخرى، ولا يلفق بين هذه القراءات، يقرأ بقراءة واحدة من أول القرآن إلى آخره، أيضاً في الصحيح يمشي على رواية واحدة، يمشي على رواية واحدة، ومع ذلك ينظر في الروايات الأخرى، فيضم الزائد إلى هذه الرواية، وكم وقع من خلل حينما تختلف الرواية، أو القراءة التي اعتمدها الشارح، أو المفسر عمن أدخل القرآن، أو أدخل البخاري في الشرح، أو في التفسير، فمثلاً القرطبي الأصل أنه مجرد من الآيات ما فيه آيات، مجرد ما فيه آيات، يذكر مقطع من الآية، ويفسره، وعلى قراءة قالون.
الذين طبعوا التفسير في مطبعة دار الكتب المصرية أدخلوا فيه قراءة عاصم، ولذا تجد الفرق كبير حينما يقرر، أو يشرح المفسر كلمة من الكلمات التي يختلف فيها القراء، وهذا يوقع في حرج، يعني ليت الذي تصرف في الكتاب، وأدخل فيه ما ليس منه، وإلا فالأصل أن الكتاب مجرد عن الآيات، اعتنى بالقراءة التي اعتمدها المؤلف.(30/6)
الحافظ ابن حجر اعتمد على رواية أبي ذر، وجرد الكتاب من الصحيح، يعني يشرح بدون متن، قوله .. قوله، إلى آخره إلى أن ينتهي، تصرف الطابعون، وأدخلوا المتن، وعلى رواية ملفقة تختلف عما اعتمده الحافظ ابن حجر في الشرح، ولذا تجدون "قوله" لابن حجر، ما يوجد في المتن المطبوع معه، أو يوجد كلمة تختلف عما شرحه الحافظ، وعلى كل حال الذي يريد أن .. ، أولاً: الأصل عدم التصرف، الكتاب يبقى كما أراده مؤلفه، ثم إذا قُدِّر أن الإنسان اجتهد، ورأى أن المصلحة طباعة المتن مع الشرح، أو طباعة القرآن لتسهل مراجعته على قراءة، مع قراءة التفسير، أن يعتني بالقراءة، أو بالرواية التي توافق الكتاب، ولا تكون ممزوجة مع الكتاب، يعني تكون مفصولة بخط، يكتب الآيات فوق، يكتب خطاً، ويذكر التفسير بعد، وكذلك البخاري، وغير البخاري من الكتب التي شرحت مجردة عن متونها.
قال:
وليبن أولاً على رواية ... كتابه ويحسن العناية
"بغيرها" يعني يرجع إلى الروايات الأخرى؛ لأنها لا تخلو من فائدة، لا تخلوا من فائدة، جمع هذه الروايات نظير من يحضر الدروس مثلاًً، عند شيخ يشرح البخاري، وطالب ملازم الدرس من بدايته إلى نهايته، وكذلك معه ثلة من طلاب العلم قد يغيب هذا يوم، وهذا يحضر يوم، وهذا إلى آخره، لكن لو أخرج شخص تعليقاته بمفردها على الكتاب باعتبار أنه شرح فلان، يطلع الشرح ناقص، وإلا كامل؟ ناقص؛ لأن كل طالب إنما يدوِّن، ما يدون كل ما يقوله الشيخ، يعني ما هو مسجل، يبي يسجل، ويفرغ هذا ما في إشكال، إذا سجل وفرغ هذا ما فيه أدنى إشكال، لكن الإشكال فيما إذا دون بقلمه يفوته أشياء، قد يقتصر على أشياء يرى أن غيرها ليس بمهم، إنما يدون من وجهة نظره، فإذا أخرج هذه التعليقات التي دونها عن هذا الشيخ، لا شك أنه شرح ناقص لا يمكن أن ينسب إلى الشيخ بهذه الكيفية، إنما تجمع النسخ، ويعتمد نسخته هي الأصل، ويشير إلى ما عداها من نسخ الأخوة الآخرين، علق فلان على كتابه كذا، وعلق كذا، ويجعل لهم رموزاً، ويذكر زياداتهم، ويطلع الشرح متكاملاً.
"ويحسن العناية"
بغيرها بكتب راو سميا ... . . . . . . . . .(30/7)
يكتب الراوي اسمه كاملاً، يكتب اسم الراوي كاملاً، أو رمزاً أخصر، يكتبه رمزاً، يرمز له، ويبين أن فلاناً رمزه كذا، فلان رمزه كذا،
. . . . . . . . . ... أو رمزاً أو يكتبها معتنياً
"بحمرة" هذه الرموز، أو هذه الفروق يعني يعتني بالألوان، الحمرة مستعملة من القديم، وإن قلل بعضهم قالوا: تلميذ صاحب الهداية، قال: إن الحمرة أصلها من فعل غير المسلمين، إما المجوس، أو غيرهم، قالوا: ليست من فعل المسلمين، لكن ويش المانع أن يكتب بالحمرة مهما كانت؟ حتى السواد كان يكتب به غير المسلمين، يعني ما نكتب بالسواد؛ لأن غير المسلمين كان يكتب به؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه لا يتعبد بها، لا يتعبد بها، ولم يختص بها فئة معينة دون غيرهم، يعني كانت الأمة بكاملها تكتب بلون، ثم وجد لون عند غيرهم، لا يوجد عندهم، ولا عند طوائف أخرى، هذا مما اتفق عليه الناس، الألوان موجودة عند جميع الشعوب، فلا مانع من أن يكتب هذه الرموز أو يكتب هذه الزوائد بالألوان، وذكرنا في محاضرة اسمها "المنهجية في قراءة الكتب" إن طالب العلم وهو يجرد الكتب المطولة يجعل معه أقلام ملونة، أقلام ملونة، فكل لون لنوع من الفوائد، يعني العناوين يتخذ لها لون، يعني لا بد من العناوين، كتابة العناوين، رؤوس المسائل في طرة الكتاب يدونها ليرجع إليها متى احتاج، ثم بعد ذلك هناك مسائل في غاية الأهمية يريد حفظها، ومقاطع يريد حفظها، يكتب عليها بالقلم الأحمر مثلاً: قف، وهذا موجود في كتب أهل العلم؛ ليعود إلى هذا المقطع ليحفظه، هناك مقاطع كون الكتاب مطول لا يتيح له أن يردد هذا المقطع ليفهمه، وقد يردده، ولا يفهمه، يكتب عليه باللون الأخضر مثلاً: "قف" ليراجعه، ويسأل عنه، يراجع عليه المراد؛ لأنه قد يكون معه الكتاب، وليس في بلده، وليس عند كتبه، فيجعل هذا القلم مثلاً الأخضر، أو الأزرق لهذا النوع المشكل الذي يراجع عليه الكتب، أو يسأل عنه الشيوخ.(30/8)
اللون الأزرق –أيضاً- لنوع، لما يريد أن ينقله في مذكرة عنده، واللون –أيضاً- الأصفر، وغيرها من الألوان لألوان وضروب من أنواع الكلام الذي يحتاج إليه، لكن هذه المقاطع مختلفة، يعني يمر عليه بالكتاب بالمجلد عشرة مواضع باللون الأحمر تحتاج إلى حفظ، ما يحتاج إلى أن يقرأ الكتاب مرة ثانية، يرجع إلى هذه المواضع، ويحفظها، عشرة مواضع مما يحتاج إلى، فيها إشكالات تحتاج إلى مراجعة، يرجع إلى اللون الأخضر وكذلك، ما يحتاج أن يجرد الكتاب مرة ثانية، هناك مواضع عنده كناش، أو دشت كما يقولون، فيه فوائده، وفيه –أيضاً- ما يحتاج إليه من المسائل، وغرائب العلم، ينقلها بلون معين، ما يحتاج إلى أن يقرأ الكتاب مرة ثانية، وكم ندم بعض القراء على عدم التدوين، يعرف أنه مر عليه فائدة في فتح الباري مثلاً، أو في البداية والنهاية، أو كذا، وهو ما دون موضعها، يندم، لا بد أن يتصفح الكتاب من جديد، نعم وجدت الآلات التي تسهل، لكن قد لا يستطيع أن يعنون لهذه المسألة التي يريدها، ويعرف أن هذه الكلمة، أو هذه الجملة، أو هذه الفائدة مرت به لكن لا يستطيع أن يعنون لها بدقة فيستخرجها من الآلات "أو يكتبها معتنياً"
بحمرة وحيث زاد الأصل ... حوَّقه بحمرة ويجلو
إذا زاد الأصل جملة، أو مقطع يحوِّقه، يعني يضع عليه نصف دائرة في الأول، وفي الأخير مثل ما تقدم في الكلام الزائد، ويكتب "من إلى"، أو "لا" يعني لا يوجد، وفي آخره "إلى" كما تقدم، نعم.
الإشارة بالرمز
واختصروا في كتبهم "حدثنا" ... على "ثنا" أو "نا" وقيل: "دثنا"
واختصروا "أخبرنا" على "أنا" ... أو "أرنا" والبيهقي "أبنا"
قلت: ورمز "قال" إسناداً يرد ... قافاً وقال الشيخ: حذفها عهد
خطاً ولابد من النطق كذا ... قيل له وينبغي النطق بذا
وكتبوا عند انتقالٍ من سند ... لغيره "ح" وانطقن بها وقد
رأى الرهاوي بأن لا تقرا ... وأنها من حائل وقد رأى
بعض أولي الغرب بأن يقولا ... مكانها: الحديث قط وقيلا
بل حاء تحويل وقال قد كتب ... مكانها: صح فحا منها انتخب(30/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الإشارة بالرمز" الرمز لصيغ الأداء، يعني في الأسانيد ترد صيغ للأداء متفاوتة، صيغ على ما تقدم في طرق التحمل "سمعت"، و"حدثني"، و"حدثنا"، و"أخبرني"، و"أخبرنا"، و"أنبأنا"، و"قال لنا"، و"عن فلان"، و"أن فلاناً"، هذه صيغ الأداء المعروفة المتداولة، اختصاراً للورق، وللجهد بدلاً من أن يكتبوا "حدثنا" يقتصرون على "ثنا"، قال:
واختصروا في كتبهم حدثنا ... على ثنا أو نا. . . . . . . . .
فيحذفون الحاء والدال، ويختصرون على بقية الحروف الثلاثة: الثاء، والنون، والألف، وقد يقتصرون على ضمير الجمع "نا"، نا فلان، هذا في الكتابة، وأما عند النطق، فيقال: حدثنا، ما يقال: نا فلان، ما يصلح أبداً.
"وقيل: دثنا"، شوف هذا اللي يكتب أربعة حروف، ويحذف واحداً، ما يسوى الحذف هذا، لكنه وجد يعني، وجد في كتابته "دثنا"، وهذا يذكرنا بالكفراوي، وهو يشرح الآجرومية، ابن آجروم، ذكر أمثلة، ذكر أمثلة في بعض الأبواب، بعضة عشر مثالاً، أعربها الكفراوي كلها، بقي اثنين قال: والباقي كما مضى! يعني أعرب خمسة عشر، والباقي كما مضى! يعني يعرب واحداً، ويقول: الباقي كما مضى، معقولة اثنين، ثلاثة، لكن ما يبقى إلا واحد، أو اثنين، هذا مثل دثنا هذه، حذف الحاء يعني ما هو بكبير أثره، ليس بكبير، يعني لو كتب الحاء كان أفضل، وقيل: دثنا، على كل حال هو موجود، ما هو بيتكلموا من فراغ، لا، يعني اصطلاح موجود، ومطروق، لكن الأكثر "ثنا"، "ثنا" أكثر، و"نا" –أيضاً- موجودة بكثرة لكنها قد -لاشتراك حدثنا وأخبرنا في هذين الحرفين- قد تلتبس على من لا خبرة له.
واختصروا أخبرنا على أنا ... . . . . . . . . .
في حدثنا يأخذون حروفاً متوالية، وفي أخبرنا يحذفون الأصل في الكلمة، ويبقون الزوائد، الأصل في الكلمة: الخاء، والباء، والراء، ويبقون الزوائد التي هي: الهمزة، والنون، والألف:
واختصروا أخبرنا على أنا ... أو أرنا. . . . . . . . .(30/10)
يعني حذفوا الخاء والباء، وأبقوا الراء مع بقية الحروف "والبيهقي أبنا" هذا يقول: "أرنا"، حذف الخاء والباء، والبيهقي يقول: أبنا حذف الخاء والراء، لكن أبنا هذه قد توقع في لبس، يعني إن كان الكاتب دقيق بحيث يضع النقط على حروفها بدقة ممكن التمييز، وإلا قد تلتبس بـ"أنبأ"؛ لأنه أحياناً يكون الكاتب ليس بدقيق في وضع الحروف، فتجد البخاري، والنجاري ما بينهم فرق عنده، في فرق؟ كتابتهن واحدة، لا سيما وأن الباء تكتب فوق الخاء، فوق الخاء، وموضع النقطتين واحدة فوق، ووحده تحت، يعني لا فرق بين البخاري والنجاري، لكن ينبغي الاعتناء بالفرق بدقة بينهما، في البخاري تقدم الباء، وتؤخر نقطة الخاء، والعكس في النجاري، فإذا كتب أبنا لا بد أن تكون نقطة الباء في أول الباء، والنون في آخرها عند الألف، ملاصقة للألف من أجل أن لا تلتبس بـ"أنبأ".
قلت: ورمز "قال" إسناداً يرد ... . . . . . . . . .
يعني إذا قال البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، هم يقولون: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، هذا المكتوب، أو أخبرنا سفيان، في أول حديث في الصحيح حدثنا الحميدي، عبد الله بن الزبير، شوف الرموز الآن، يقول: لا، حدثنا الحميدي ما عليها رموز، هذه تتفق عليها جميع النسخ، عبد الله بن الزبير لا يوجد تسمية الحميدي في كثير من النسخ، ولذا كتب فوق العين لا، والراء من الزبير إلى، هذا لا يوجد عند من؟ عند أصحاب الرموز، عند أبي ذر؛ لأنه كتب هاء، وعند الأصيلي، وعند المستملي، إلى آخره، لا توجد التسمية تسمية الحميدي عند هؤلاء، قال: حدثنا سفيان، شوف كتب رقم أربعة هنا، حدثنا؛ لأن رقم أربعة يقول: عن، يعني بدل حدثنا، مكتوب صح، يعني الرموز التي وردت في الكتاب كلها موجودة في هذه النسخة، فيحسن التطبيق عليها.
حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان، قال" هذه تحذف كثيراً عند أهل العلم، تحذف كثيراً، الأصل الكثير، الجادة عند أهل العلم: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا يحيى بن سعيد، والقارئ لا بد أن يقول: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم.(30/11)
نشوف حديث غير الأول مثلاً؛ لأن أوائل الأحاديث قد يعتنون بها، على كل حال هي موجودة بكثرة، يعني حذفها هو الجادة عند أهل العلم، حذف قال في الخط هو الجادة، لكنه لا بد من ذكرها في القراءة، لا بد من ذكرها في القراءة، للتمييز بين القائلين، على خلاف بينهم في حكم الذكر هل هو على سبيل الاستحباب، أو على سبيل الوجوب بحيث لا يثبت السماع إلا بذكرها، ولا تثبت الرواية إلا بها؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، لكن المحقق عندهم أنه يتأكد ذكرها، والسماع بدونها صحيح.
قلت: ورمز "قال" إسناداً يرد ... قافاً. . . . . . . . .
يكتبون قاف بدل "قال"، يكتبون قاف بدل "قال"، "وقال الشيخ: حذفها عهد" حذفها من الكتابة، حتى القاف ما تكتب،
خطاً ولا بد من النطق كذا ... قيل له وينبغي النطق بذا
"وقال الشيخ: حذفها عهد" في الخط "ولا بد من النطق كذا قيل له" قيل له، عندك حدثنا فلان، حدثنا فلان، يعني قال: حدثنا فلان، الذين قالوا بأنه لا على سبيل الإلزام، ولا يلزم أن تذكر "قال" المحذوفة هذه، قالوا: إن حذف القول كثير في النصوص، في نصوص القرآن، والسنة الحذف كثير "قال": {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران]، يعني يقال لهم: أكفرتم، ونظائره في القرآن كثير هذا، وعلى هذا يجوز حذفها، ولذلك هنا يقول: "حذفها عهد"، "ولا بد من النطق" مع أن جمع من أهل العلم يختارون أن الرواية صحيحة بدونها "كذا قيل له" يعني إذا قرأ كتاباً على شيخ له به رواية "حدثك فلان"، وتقدم هل يشترط أن يقول: نعم، أو لا، أو عن فلان قيل له: حدثك فلان، وهذه موضع "قيل له"، وينبغي النطق بذا، "وينبغي النطق بذا"
وكتبوا عند انتقال من سند ... . . . . . . . . .(30/12)
انتهينا مما يتعلق بالرموز، واختلافها، و"قال"، و"قيل"، هناك حاء مفردة، توجد بين الأسانيد، في الكتب الستة وغيرها، توجد حاء مفردة، وهي كثيرة جداً في صحيح مسلم، ونادرة في صحيح البخاري، توجد –أيضاً- عند النسائي –أيضاً- بكثرة، توجد عند أبي داود، توجد عند الترمذي، توجد عند ابن ماجه –أيضاً-، وفي غيرها من الكتب توجد بكثرة فما المراد بها؟ يؤتى بها بين الأسانيد، فاصل بين الأسانيد، يعني للانتقال من سند إلى آخر، فيقال لها: حاء التحويل، أو من الحائل الذي يحول بين إسنادين؛ لأنه لو لم تكتب جاء من لا خبرة له، ولا معرفة فظن أن السند من أوله إلى آخره يروي بعضهم عن بعض، مع أنه قد يكون الآخر المذكورين في الطريق الأول من شيخ شيوخ من يليه بعد الحاء؛ لأن الذي بعد الحاء شيخ للمؤلف، حاء وحدثنا فلان، يعني شيخنا فلان، فهو بهذه الحاء، أو هذه الحاء تكون حائلاً بين الإسنادين؛ لئلا يختلط أحدهما بالآخر، ومنهم من يقول: إنها حاء تحويل من إسناد إلى آخر، ومنهم من يقول: إنها اختصار لكلمة الحديث، يعني اقرأ الحديث، وهذا معروف عند أهل المغرب، وبعضهم يكتبها كاملة "الحديث"، وتنطق هكذا، يعني إذا قيل: الحديث، بمعنى أنه ذكر السند، وقيل بعده الحديث، أو ذكر بعض الحديث، ثم قيل بعده: الحديث، فالمراد اقرأ الحديث، أو أكمل الحديث، فأكثرهم ينصبها، لهذا المعنى.
وكتبوا عند انتقال من سند ... لغيره "ح" وانطقن بها. . . . . . . . .
يعني انطق بها حاء، مجردة حاء، ويمر على ما يذكر في كتب المصطلح، "وانطقن بها وقد"
رأى الرُّهاوي بأن لا تقرا ... . . . . . . . . .
يقول: اتركه، هم جعلوها فاصلة، مثل الواو المقلوبة فاصلة، يعني يلزم أن تقرأ الواو المقلوبة الفاصلة هذه، أو الشرطة، أو غيرها مما يفصل بين كلامين، تقرأ، وإلا ما تقرأ؟ يقول: هذه مثله، هذه حائل بين إسنادين عبارة فاصل.
رأى الرُّهاوي بأن لا تقرا ... وأنها من حائل. . . . . . . . .(30/13)
يعني مما يحول بين الإسنادين "وقد رأى بعض أولي الغرب" يعني بعض أهل الغرب، بعض المغاربة "بأن يقولا مكانها: الحديث قط" يعني فقط، يأتي بكلمة الحديث؛ لأنها رمز للحديث، كما أن القاف رمز لقال، يعني يحسن أن يقول: قا حدثنا، أو يقول: قال، يقرأها كاملاً، ومادامت رمزاً للحديث يُقرأ الحديث، يقول: الحديث.
"وقيل: بل حاء تحويل" يعني هذا الأخير "بل حاء تحويل"، هذا هو المعتمد عند كثير من أهل العلم أنها للتحويل من إسناد إلى آخر، والفائدة منها اختصار الأسانيد، ووضعها في نقطة الالتقاء التي تلتقي بها هذه الأسانيد، هذا ما حرره كثير من أهل العلم، واختاره، لكن إذا كان القصد منها اختصار الأحاديث فما الذي تفيده في مواضع من صحيح البخاري؟ يأتي بها حينما يذكر الإسناد كاملاً، ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ح" و"حدثنا"، ويش الفائدة منها؟ هذه الحاء التي لا تفيد اختصاراً، يذكر الإسناد كاملاً، رباعياً، خماسياً، سداسياً، يذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: "ح" وحدثنا فلان، هذه ما تفيد اختصار الأسانيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، في مثل هذه الصورة يعني لو قيل: إن قول المغاربة متجه صار له وجه، يعني الحديث، اقرأ الحديث الآتي بهذا الإسناد، وبعضهم يقول: إنها ليست حاء، وإنما هي خاء، وأن الإسناد رجع إلى المؤلف الذي هو البخاري هذا رمزه.
وقيل: بل حاء تحويل وقال قد كتب ... مكانها صح. . . . . . . . .
يكتب حاء، يكتب سنداً، حدثنا فلان عن فلان "ح"، وحدثنا فلان عن فلان عن فلان إلى آخر الإسناد، بعضهم كتب بدل هذه الحاء صح، لماذا؟ لئلا يأتي من يقول أن الصيغة صيغة الأداء سقطت هنا، حدثنا فلان عن فلان "ح"، ما في حاء، أو "ح" مختصرة من "صح"، لئلا يهجم على السند من يقول: في صيغة أداء سقطت هنا، إما "عن"، وإلا "حدثنا"، وإلا غيرهما من الصيغ.
. . . . . . . . . ... مكانها صح فحا منها انتخب
يعني اقتصر منها على الحاء، وإلا فالأصل أنها كلمة صح، وهذه تكتب في مواضع تقدمت الإشارة إليها.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(30/14)
لا، الفرق بين حائل أنها تحول بين إسنادين، وبين كونها تحويل من إسناد إلى آخر؛ لأن بعضهم قال: إنها حائل، وهو القول الأول، أنها حائل:
وكتبوا عند انتقال من سند ... لغيره "ح" وانطقن بها وقد
"رأى .. " إلى آخره "وأنها من حائل" يعني مجرد فاصلة، مثل الواو المقلوبة، ما لها فائدة أكثر من هذا أنها تفصل بين السندين، هذا القول الأول.
سم.
كتابة التسميع
ويكتب اسم الشيخ بعد البسملة ... والسامعين قبلها مكملة
مؤرخاً أو جنبها بالطرة ... أو آخر الجزء وإلا ظهره
بخط موثوق بخط عرفا ... ولو بخطه لنفسه كفى
إن حضر الكل وإلا استملى ... من ثقة صحح شيخ أم لا
وليعر المُسْمَى به إن يستعر ... وإن يكن بخط مالك سطر
فقد رأى حفص وإسماعيل ... كذا الزبيري فرضها إذ سيلوا
إذ خطه على الرضا به دل ... كما على الشاهد ما تحمل
وليحذر المعار تطويلا وأن ... يثبت قبل عرضه ما لم يبن
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتابة التسميع" الذي يسمونه الطباق، إذا انتهى الطلاب من قراءة كتاب على شيخ، وأرادوا روايته عنه يكتب التسميع، يعني يثبت أسماء الحضور في الكتاب، والشيخ يصحح ذلك، يقول: صحيح ذلك وكتبه فلان.
يقول: حضرنا قراءة هذا الكتاب بقراءة فلان ابن فلان، ويوضح كل شيء، ونحن فلان، وفلان وفلان، بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وما يتميزن به من نسب، هذه كتابة التسميع، لكن أين تكتب؟ الشيخ يقول:
ويكتب اسم الشيخ بعد البسملة ... . . . . . . . . .
يعني قرأنا على فلان ابن فلان ابن فلان بعد البسملة.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم قرأنا على فلان.
نعم، هذا موجود إلى الآن، موجود الكتب الخطية كثير، يعني في البخاري تجد السند الذي قرئ عليه، الشخص الذي قرئ عليه الكتاب مباشرة بعد البسملة، وغيره من الكتب، وأما كتابة أسماء القارئين فإما أن تكون في آخر الكتاب وهذا كثير –أيضاً-، ويصحح عليه الشيخ، شوف في آخر الألفية صفحة مائة وخمسة وخمسين: .. الذين اصطفى أما بعد فقد عرض علي جميع "التبصرة والتذكرة في علوم الحديث" نظم شيخنا الإمام العلامة حافظ العصر العراقي إلى أن قال .. ، يقول.
طالب:. . . . . . . . .
هو عندك؟
طالب:. . . . . . . . .(30/15)
قبله، قبله، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
هو قال: قد عرض علي جميع "التبصرة والتذكرة".
طالب: غاب عرضاً من حفظه أجاد فيه؟
عرضاً من حفظه في مجلس؛ لأنهم يبينون هل هو في مجلس، أو في مجالس، جميع "التبصرة والتذكرة".
طالب: إذا غاب يا شيخ عرضاً من حفظه أجاد فيه؟
عرضاً من حفظه في مجلس؛ لأنهم يبينون هل هو في مجلس، أو في مجالس، يعني أحياناً الحافظ ابن حجر البخاري في أربعة مجالس، جَلَد، أربعة مجالس يعرض البخاري، ومازال هذا الجلد موجود، يعني نسمع من يجلس، ويقرأ عليه ست عشرة ساعة في اليوم، قرئ المسند –مثلاً- في أقل من شهر، يعني في أيام معدودة، سمعنا من عرض عليه الكتب الستة في شهر واحد، لا شك أن هذا صبر وتحمل، لكن الفائدة أقل من فائدة التصدي لشرح الكتب، وبيان مشكلاتها، يعني أنا عندي الآن الكتاب .. ، هؤلاء الذين قرءوا المسند في شهر، يعني هذه طريقة مسلوكة عند أهل العلم، ومعروفة عندهم، لكن لو كان هذا الشهر في قراءة مائة حديث، وبيان ما فيها من أحكام، وما فيها من إشكالات، وتوضح هذه الأحاديث كانت أجدى؛ لأن مسألة الرواية انتهت، انقضت، يعني العرض هذا من أجل الرواية فقط، لا من أجل الإفادة، فلما انقضى عصر الرواية على طلاب العلم مع شيوخهم أن ينتبهوا إلى الدراية، ويهتموا بالاستنباط من هذه الأحاديث الذي هو الغاية العظمى من التدوين، والقراءة، والتعلم، والتعليم، المقصود أن الطباق يكتب:
ويكتب اسم الشيخ بعد البسملة ... . . . . . . . . .
قرأنا على فلان بن فلان بن فلان كاملاً مع الثناء عليه، والدعاء له، ثم بعد ذلك يُكتب أسماء السامعين، يعني بيان يُكتب، يبون أسماء السامعين قبل البسملة، وهذا موجود، وأحياناً يكتب أسماء السامعين في آخر الكتاب، إذا انتهى الكتاب قيل: سمع فلان وفلان، وفلان هذا الكتاب ثم الشيخ يصحح:
. . . . . . . . . ... والسامعين قبلها مكملة
بعضهم يقول: لا تكتب فوق البسملة؛ لأنه ليس من الأدب، البسملة يبدأ بها، تكتب على يمين البسملة، لا تكتب مع اسم الشيخ بعد البسملة، إنما تكتب عن يمين البسملة.
يقول:
. . . . . . . . . ... والسامعين قبلها مكملة(30/16)
"مؤرخاً" يعني في تاريخ كذا "أو جنبها بالطُّرة" جنب البسملة "أو آخر الجزء" وهذا كثير، هذا الأكثر، أنها تكتب الأسماء في آخر الجزء "وإلا ظهره" يعني إما أن تكتب في آخر الجزء، وإلا في الوقاية، الكتاب يوضع له وقاية في أوله، وفي آخره فتكتب الأسماء إما في وجهه، أو في آخره في الورقة التي هي وقاية للكتاب "وإلا ظهره بخط موثوق" بخط موثوق يعني لا بد أن يكون الكاتب ثقة، لماذا؟ لئلا يزيد في الأسماء، وينقص منها، يزيد في الأسماء فيثبت رواية من لا رواية له، أو يحذف من هذه الأسماء فيعرِّض بعض السامعين لضياع مرويه بسبب تفريطه، أو قصده السيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا يطيل الكلام، ويعوق عن الكتاب، عن البدء بالكتاب؛ لأنه ليس من أصل الكتاب هذا.
بخط موثوق بخط عرفا ... . . . . . . . . .
لا بد أن يكون الخط معروفاً، ما هو بخط شخص مجهول ما يُدرى من هو؟
. . . . . . . . . ... ولو بخطه لنفسه كفى
يعني إذا أثبت نفسه من ضمن السامعين في هذا الطباق؛ يثبت له رواية الكتاب، ولو كان هو الذي أثبت نفسه.
إن حضر الكل وإلا استملى ... . . . . . . . . .
إن حضر الكل قراءة جميع الكتاب، إن حضر قراءة جميع الكتاب "وإلا استملى" من هؤلاء الرواة الذين حضروا قراءة الكتاب، أنت فاتك شيء، فإذا ذكر اسمك قال: بفوت يسير من كذا إلى كذا، أنت فاتك شيء؟ تقول: والله ما فاتني شيء، يترك اسمك خلاص؛ لأنك سمعت الكتاب كاملاً، أنت فاتك شيء؟ تقول: والله فاتني درسين، درس كذا، ودرس كذا، يثبتها بفوت مقداره درسان، أو ثلاثة، إلى آخره.
إن حضر الكل وإلا استملى ... من ثقة. . . . . . . . .
اللي غابوا، ويضبط هذه الأمور، أو يثبت منهم أنفسهم "صحح شيخ أم لا" يعني هل يلزم أن يقول الشيخ: صحيح ذلك، كما هو موجود في كثير من الكتب؟ صحيح ذلك، وكتبه فلان، هذا موجود لكنه لا يلزم، يعني إن وجد هذه زيادة توثقة، وإن لم يوجد فلا يضر "صحح شيخ أم لا".
"وليعر المسمى به" يعني المسمى الموجود اسمه، من بين السامعين إذا طلب إعارة هذا الكتاب الذي سطر فيه اسمه تلزم إعارته؛ لأن اللام لام الأمر هنا:
وليعر المسمى به إن يستعر ... . . . . . . . . .(30/17)
يعني يطلب الإعارة، اسمه موجود في هذا الكتاب، يحتاج إلى نسخ هذا الكتاب، ويحتاج إلى أن يقول: إني نسخته من أصل ذكر فيه اسمي:
. . . . . . . . . إن يستعر ... وإن يكن بخط مالك سطر
فقد رأى حفص وإسماعيل ... كذا الزبيري فرضها إذ سيلوا
يعني سئلوا عن حكم إعارة من ذكر اسمه في الطباق في التسميع قالوا: إن كان الذي كتب الطباق هو صاحب النسخة، كتبها بطوعه، واختياره يلزمهم أن يعيره، يجب عليه أن يعيرهم، يعني من الذي ألزمه أن يكتب؟ وإذا لم يعرهم معناه ضاع سماهم، من يثبت السماع؟ لا بد أن يعيرهم.
"فقد رأى حفص" هذا حفص بن غياث القاضي، من كبار الحنفية، وذكر عن نفسه أنه ما قبل القضاء حتى حلت له الميتة، إسماعيل القاضي –أيضاً- من أئمة المالكية، والزبيري رءوا فرضها؛ لأن حصل قضيتان واحدة عند حفص، والثانية عند إسماعيل، وكلهم ألزموا بالإعارة، واستحسن الزبير هذا الحكم، يقول: ما في حكم أحسن من هذا، فصار مثلهم في الإيجاب واللزوم "إذ سيلوا" يعني سئلوا الهمزة تحذف، وقد تبدل بياء، وإلا الأصل سئلوا، وقد تحذف الهمزة، فيقال لا سيما في الأمر: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [(211) سورة البقرة]، نعم وتبدل ياءً كما هنا.
إذ خطُّه على الرضا به دل ... . . . . . . . . .
يعني من أكرهه، ومن ألزمه أن يكتب اسمك في الطباق؟ ما في أحد ألزمه، ورضاك يدل على أنك أثبت هذا الاسم فإذا لم تعره الكتاب ليأخذ، أو لينسخه، أو يستنسخه يعطيه أحد ينسخه، ويقابله بعد المقابلة، خلاص يثبت الطباق، وأنه ممن سمع، معناه ضاع سماعه، وأنت أثبته كمن تحمل الشهادة، يعني من يلزم الشاهد بالحضور إلى المحكمة؛ لأنه قد يقول هذا: هذه نسختي أنا حر لن أعيره، من يلزمني، من يوجب علي أن أعيره نسختي؟ أنت بطوعك، واختيارك كتبت اسمه، إذن يلزمك أن تعيره.
وقالوا: نظير هذا يعني من سمع، أو تحمل شهادة، يلزمه أن يؤدي هذه الشهادة، ولو ترتب عليها ما ترتب، لو ترتب عليها ... للمسلمين بعضهم لبعض.
إذ خطه على الرضا به دل ... كما على الشاهد ما تحمل
وليحذر المعار تطويلاً وأن ... . . . . . . . . .(30/18)
"وليحذر المعار تطويلاً" لأن بعض الناس إذا استعار خلاص نسي، هذه إساءة، وليست من مقابلة الإحسان بالإحسان، يعني لو قيل: إن بعض الكتب يعار، ويجلس ثلاثين سنة، وفي النهاية ينسى المستعير أنه عارية، ينسى، ولا يرده، وقد يتصور أن الكتاب له، مع طول الوقت ينسى، وحصل هذا كثير لنا، ولغيرنا، أعرنا بعض الكتب، وفي النهاية لا يرد الكتاب، ويزعم أنه ملكه، وواحد أعار من طلاب العلم أعار شخصاً، وطالت مدة الإعارة حتى نسي، قال: ما عندي لك شيء، قال: إلا الكتاب الفلاني، المجلد الفلاني، ليتك تأخذ الكتاب كاملاً، مجلد من كتاب كذا، الموافقات، قال: لا يا أخي ما أخذت منك شيئاً، تبي قيمته خذه، يعني مع طول المدة يحصل مثل هذا، يحصل:
وليحذر المعار تطويلاً وأن ... يثبت قبل عرضه ما لم يبن
لا بد أن .. ، إذا استعار الأصل الذي أثبت فيها اسمه، ونسخه، أو استنسخه لا بد من عرضه على الأصل على ما تقدم.
"ما لم يبن" يعني فلا تجوز الرواية منه إلا بعد عرضه، وذكرنا سابقاً، أو ذكر الناظم -رحمه الله- أن الخطيب قال: تجوز الرواية من الكتاب غير المعارض إذا بين في حال الرواية أن الكتاب لم يعارض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كل له طريقته، كل له طريقته، وبعضهم يقول: كبر كبر، يذكر الكبير فالكبير، وبعضهم يذكر الأشهر فالأشهر، بعضهم .. ، الترتيب أمره سهل.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لو كتب اسمه قبل غيره، هو محق.
طالب:. . . . . . . . .
على حكم القاضيين، ومن أيديهم يأثم.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(30/19)
شرح ألفية الحافظ العراقي (32)
(صفة رواية الحديث وأدائه - الرواية من الأصل - الرواية بالمعنى - الاقتصار على بعض الحديث)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
صفة رواية الحديث وأدائه:
وَلْيَرْوِ مِنْ كِتَابِهِ وَإِْن عَرِي ... مِنْ حِفْظِهِ فَجَائِزٌ لِلأَكْثَرِ
وَعَنْ أبي حَنِيْفَةَ الْمَنْعُ كَذَا ... عَنْ مَالِكٍ وَالصَّيْدَلاَنِيْ وَإِذَا
رَأَى سَمَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَعَنْ ... نُعْمَانٍ الْمَنْعُ وَقالَ ابْنُ الْحَسَنْ
مَعْ أبي يُوْسُفَ ثُمَّ الشَّافِعِيْ ... وَالأَكْثَرِيْنَ بِالْجَوَازِ الْوَاسِعِ
وَإِنْ يَغِبْ وَغَلَبَتْ سَلاَمَتُهْ ... جَازَتْ لَدَى جُمْهُوْرِهِم رِوَايَتُهْ
كَذَلِكَ الضَّرِيْرُ وَالأُمِّيُّ ... لاَ يَحْفَظَانِ يَضْبُطُ الْمَرْضِيُّ
مَا سَمِعَا وَالْخُلْفُ فِي الضَّرِيْرِ ... أَقْوَى وَأَوْلَى مِنْهُ فِي الْبَصِيْرِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"صفة رواية الحديث وأدائه"
الرواية لها طرفان: طرف تحمل، وطرف أداء، والتحمل: هو تلقي الحديث من الشيخ، والأداء: هو تبليغ الحديث لطالبه، في حال التحمل التي تقدمت طرقه السماع من لفظ الشيخ، وهذه طرق التحمل، والقراءة على الشيخ، والإجازة، والمناولة، والكتابة، والإعلام، والوصية، والوجادة، هذه تقدم الحديث فيها، تحملوا بها الخبر، منها ما هو جائزة بالاتفاق، ومنها ما هو مختلف فيه، والصحيح جوازه، ومنها ما هو مختلف فيه، والصحيح عدمه.(31/1)
الأداء كيف يؤدي؟ الرواية لها شروط، الراوي اشترطوا فيه شروط تقدم تفصيلها، وهذه الشروط يطلبونها حال الأداء، أما حال التحمل لا يشترطون الشروط، بل صححوا تحمل الكافر، وتحمل الفاسق، وتحمل الصبي، في حال الأداء، حال التحمل، وأما بالنسبة للأداء فلا بد من توافر الشروط التي يجمعها العدالة والضبط، كيف يؤدي من تحمل الحديث؟ الأصل في الرواية السماع والحفظ، لكن بعد أن أجمع على جواز الكتابة صارت الرواية من الكتاب جائزة عند جمهور أهل العلم، والمنع من الرواية من الكتاب رواية أهل التشديد، كما قال ابن الصلاح وغيره، ولذا جعلوا الضبط نوعين: ضبط صدر وهو الأصل، وضبط كتاب، إذا لم يحفظ فإنه يؤدي من كتابه، وروايته صحيحة إلا ما نُقل عن أبي حنيفة ومالك على ما سيأتي، لا شك أن الحفظ هو الأصل، والذي لا يحفظ تقدم الكلام عن الحفظ والاعتماد على الكتب، لكن إذا خشي من حفظه أن يخونه في وقت الحاجة فلا بد من الكتاب.
علي بن المديني -رحمه الله- وهو من أئمة هذا الشأن لما قدم سامراء وضعوه على منبر، وهو من الأئمة الحفاظ الكبار، كما هو معروف من أئمة العلل، لما وضعوه على المنبر قال: لا يليق بمن يوضع في هذا المقام أن يحدث من كتاب، فحدث من حفظه فغلط في أول حديث، لذا نجد من يعيب على بعض الشيوخ أنه يعتمد على الكتاب أثناء الشرح لا وجه له، نعم إذا وجد حفظ متين لا يتزلزل ولا يتأثر بالصوارف هذا هو الأصل، لكن إذا خشي؛ لأن بعض الناس لو بيحرك الباب ضاع حفظه، صحيح، بعض الناس لو يسمع أدنى شيء يؤثر عليه، ومن الرواة من ذكر في ترجمته نهق حمار فاختلط، خلاص صار لا يميز، اختلط ما هو اختلط فيما بين يديه، اختلط انتهى، يعني الضبط كله ارتفع، وبعضهم سرق له مبلغ من المال فاختلط، وهذا مما يؤكد العناية بالكتاب، مع أن الحفظ هو الأصل، وإذا كانت الحافظة تسعف ولا تتأثر بالمؤثرات فلا يحسن لمثل هذا أن يعتمد على كتاب.
قال:
وليروِ من كتابه وإن عري ... من حفظه. . . . . . . . .
إن عري من الحفظ يعني ما يحفظ شيء، إلا ما دونه في هذا الكتاب يروي من كتابه؛ لأن ضبط الكتاب أحد نوعي الضبط.
. . . . . . . . . وإن عري ... من حفظه فجائز للأكثرِ(31/2)
لأن منهم من يقول: لا يروي من كتابه إلا إذا كان يحفظ، يحفظ ويكتب يروي من الكتاب لا بأس، أما الرواية من الكتاب دون شيء من الحفظ فمثل هذا يمنع "فجائز للأكثر" يعني الاعتماد على الكتاب فقط، بل بعضهم جعل الرواية من الكتاب أضبط وأتقن من الحفظ، ما في شك أن الكتاب لا يتغير إلا إذا طرأ عليه التغيير، يعني إذا كُتب وقوبل على الأصل انتهى، إن طرأ عليه ما يغيره حينئذٍ يتطرق إليه الخلل كالحفظ، وأما الحفظ فقد يخون في أشد الحاجة إليه، أو في أحلك ما يحتاج إليه؛ لأن الإنسان عرضة، والإنسان محل للنسيان.
قال: "وعن أبي حنيفة المنع ... " يعني يذكر عن أبي حنيفة المنع، وأنها لا تجوز الرواية من الكتاب.
. . . . . . . . . كذا ... عن مالك والصيدلاني وإذا
يعني مالك نجم السنن، ومن أئمة هذا الشأن، ومن حفاظ الحديث، يعني لو منع الرواية من الكتاب مع أنه لا يمكن أن يحدث بنفسه، وإنما يُقرأ عليه، هذا المعروف عن الإمام مالك، لا يمكن أن يقرأ على أحد أو يحدث أحد، وإنما يُقرأ عليه بطريق العرض، لكن مثل أبي حنيفة يمنع الرواية من الكتاب، وكلام أهل العلم في حفظه ... ، هذا مسألة ... نعم؟
طالب: مالك ما كان يعرض عليه عن ظهر قلب؟
المقصود أنه ما يقرأ على أحد، ولا يحدث أحد هو، وما في إشكال أن يشترط مثل هذا مالك؛ لأنه عُرف بالتحري والتشديد، أبو حنيفة قد يشترط هذا يعني على أهل الحديث، المسألة مسألة حكم شرعي، هل نقول مثل ما قيل في الأصوليين من الغزالي والرازي والآمدي والإسفرائيني وغيرهم أنهم لا مدخل لهم في هذا الفن؟ .... ما ذُكر رأي أبي حنيفة يعني ذُكر أبو حنيفة -رحمه الله- بسوء الحفظ، هل نقول: إنه كيف يمنع من الرواية من الكتاب وهذا وضعه؟ نقول: له أن يمنع؛ لأن المسألة مسألة حكم شرعي وهو من أهله، الإمام الأعظم يسمونه، يعني على مر التاريخ وأتباعه أكثر من أتباع غيره من الأئمة، المسألة مسألة حكم شرعي له أن يبدي رأيه في هذا الحكم، "وعن أبي حنيفة المنع كذا ... عن مالك والصيدلاني -أبو بكر الصيدلاني- وإذا"
رأى سماعه ولم يذكر فعن ... نعمانٍ المنع وقال ابن الحسن
مع أبي يوسف ثم الشافعي ... والأكثرين بالجواز الواسعِ(31/3)
إذا رأى سماعه في كتاب، كتابة التسميع التي سبقت، اطلع على كتاب لزميله فوجد اسمه مذكور في الطباق، أنه حضر قراءة هذا الكتاب على الشيخ، ودون اسمه ضمن الحاضرين، فتح الكتاب وجد اسمه من ضمن السامعين، رأى سماعه لكنه لم يذكر، نسي أنه حاضر شرح هذا الكتاب أو رواية هذا الكتاب، له أثر في الرواية وإلا ما له أثر؟ أو نقول: ما دام أثبت في من سمع هذا الكتاب على الشيخ يروي، قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وإذا
رأى سماعه ولم يذكر فعن ... نعمان المنع. . . . . . . . .
نعمان أبو حنيفة، إذا كان يمنع الرواية من الكتاب المجزوم بروايته له فلئن يمنع مثل هذا من باب أولى.
"وقال ابن الحسن –صاحبه، محمد بن الحسن الشيباني- مع أبي يوسف -الصاحب الثاني لأبي حنيفة- ثم الشافعي ... والأكثرين بالجواز ... " يعني وهذا مما يختلف فيه أبو حنيفة مع صاحبيه محمد بن الحسن، وأبو يوسف والشافعي كلهم من طبقة واحدة، "والأكثرين" من أهل العلم "بالجواز الواسع" ما دام أثبت اسمه في الطباق فهو ممن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ الذي قرئ عليه الكتاب، أو قرأ الكتاب.
"بالجواز الواسع" يعني هل للإنسان أن يروي شيئاً لا يذكر منه شيئاً، يعني هذا كتاب كامل ما يدري هل هو رواه وإلا سمع وإلا حضر ما يذكر منه شيئاً، لكنه وجد اسمه من الحاضرين في القراءة، وممن سمع ... هاه؟
طالب: خصوصاً إذا كان المسموع في أول الطلب، وتقدمت به العمر، ثم أراد تحديث الكتاب قد ينسى يا شيخ من سمع عليه من الشيوخ، لكن إذا كان يا شيخ ...
هذا ما حدث إلى الآن، هذا ما بعد حدث.
طالب: يضبط الحفظ لكنه ينسى أنه سمعه على فلان أو فلان من الناس، أو درسه على العالم الفلاني والعالم الفلاني.
يعني كما لو كان ضبطه في كتاب، قد ينسخ الكتاب بنفسه يقابل بنفسه ثم ينساه مع طول الوقت، فإذا أجيزت الرواية من الكتاب كما هو قول الجمهور تجوز مثل هذه الصورة؛ لأن الإنسان إذا كتب الكتاب الذي سمعه على هذا الشيخ، وقابله بالأصل ضمن الرواية، فإن حفظ فنور على نور، إن لم يحفظ الآن ضبط الكتاب موجود.
. . . . . . . . . ... والأكثرين بالجواز الواسعِ(31/4)
وإن يغب وغلبت سلامته ... جازت لدى جمهورهم روايته
وإن يغب الكتاب عن صاحبه بإعارة أو سرقة، سرق منه، أو ضيعه، ولا يدري وين ضيعه؟ يقرأ فيه في المسجد ونسيه، رفعه على رف في المسجد ونسيه مدة طويلة ثم وجده.
وإن يغب وغلبت سلامته ... . . . . . . . . .
يعني غلب على الظن أنه ما أدخل فيه شيء أو نقص أو حذف منه شيء، يعني ما زور في الكتاب؛ لأن بعض الرواة ابتلي بمن يدس في كتابه ما ليس منه، فإن ميز هذا يستمر على ضبطه وروايته مقبولة، فإن لم يميز الأصل من المدسوس من المزور من المزيد هذا يطعن فيه، هذا إذا غاب كتابه أعاره شخص وجلس عنده مدة طويلة أو ضيعه، وضعه في مكان ونسيه، بحيث تمتد إليه يد غيره، أما إذا ضيعه في مكان محفوظ ما يمكن يتطرق إليه خلل هذا ما فيه إشكال، لكن وضعه في مكان عام، يعني ينتظر في مكان عام ومعه الكتاب يطالع فيه فنسيه، ثم بحث عنه ما وجده إلا بعد مدة يتصفحه، فإن غالب على ظنه سلامته من الزيادة فإنه تجوز الرواية منه عند جمهور العلماء.
طالب: في حال عدم وجوده؟
وين؟
طالب: الكتاب ما رجع أو ... ؟
ما رجع وهو ما يحفظ؟
طالب: أو يحفظ شيء منه يجوز له الرواية؟
ضاع المروي، من يعتمد على الكتاب فضاع الكتاب واحترق الكتاب خلاص انتهى، من يعتمد على الكتابة انتهى ضبطه، لا ضبط حفظ ولا ضبط كتاب ويش يبقى؟ ما يبقى شيء.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الذي قال.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وإذا
رأى سماعه ولم يذكر فعن ... نعمانٍ المنع وقال ابن الحسن
مع أبي يوسف ثم الشافعي ... والأكثرين بالجواز الواسعِ
حتى من يعتمد على الكتاب، ويحرر الكتاب بقلمه، ويذكر أنه يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ، وقابل النسخة بالأصل، قد لا يحفظ ولا حديث، قد لا يذكر معه ولا حديث.
طالب: فإن قال يا شيخ: إنه يروي عامة ما في هذا الكتاب إلا ما استثني منه فصل فيه ...(31/5)
هو إذا ميز انتهى الإشكال، يعني إذا كانت الزيادة بقلم مغاير للقلم الأصلي، أو بخط مغاير للخط الأصلي وأمكن التمييز بدقة هذا لا إشكال، لكن بعض الناس يحاول جاهداً أن يقلد الكتاب، يقلد الخط، يقلد الحبر، يقلد كذا، فيزيد فيه ويمسح ويطمس، بعض الناس مغرم بمثل هذا، بالتزوير، وجاء في كتب الأدب أن شخصاً على شاطئ نهر في ليلة باردة، ويكتب فقيل له: ما الذي دعاك إلى أن تكتب في هذا المكان؟ يعني ما في مكان أدفأ من هذا المكان؟ فتبين أنه يزور خط مرتعش، يعني شخص مرتعش يريد يكتب مثله، بعض الناس فيما يعشقون مذاهب، يعني يتفننون، حتى أن بعضهم يحتال على بعض الأمور بحيلة قال ابن القيم عنها: إن إبليس ما كان يعرفها حتى سمعها أو رآها من هذا الشخص، ومع ذلك من الناس من يكتب بقلمه ما ينفعه، ومنهم من يكتب ما يضره.
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
"وإن يغب" كما قلنا: بإعارة أو إجارة أو ضياع أو سرقة ثم يعود بعد ذلك وغلبة السلامة، يعني تصفحه ما في شيء، على وضعه السابق.
. . . . . . . . . ... جازت لدى جمهورهم روايته
كذلك الضرير والأمي ... لا يحفظان يضبط المرضي
يعني الذي يروي من الكتاب، ينسخ الكتاب، يقابل الكتاب على الأصل هذا ما فيه إشكال، يعني تولاه بنفسه، فعنده ضبط الكتاب، لكن ماذا عن الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومعه كتاب مكتوب بقلم غيره؟ وكذلك الضرير ما يحفظ لكن عنده كتاب، قال:
كذلك الضرير والأمي ... لا يحفظان يضبط المرضي
يعني إذا كان الكاتب معروف وثقة، ومع ذلك صاحب الكتاب حفظه من أن يعتدي عليه أحد أو يتعرض لتحريف أو تغيير.
"يضبط المرضي ... ما سمعا" يعني الكاتب المرضي يضبط ما سمعه من هذا الشيخ، تجوز روايته.(31/6)
يقول: "والخلف في الضرير" الضرير: الأعمى، وإن كان الأصل أنه فعيل بمعنى مفعول، كل من به ضر يقال له: ضرير، لكن العرف خصه عندهم بالأعمى، وعندنا في العرف العوام أن الضرير القاصر، يعني ليس بتام العقل، "والخلف -يعني الاختلاف- في الضرير أقوى" أقوى من الأمي المبصر؛ لأن الضرير ولا يحفظ يعني لو جاب له أي كتاب قال: هذا كتابك ما يميزه عن غيره، لا يقرأ ولا يرى، لكن الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب لكنه يبصر إذا رأى الكتاب في أول الأمر خلاص يميزه عن غيره.
يقول:
. . . . . . . . . والخلف في الضريرِ ... أقوى وأولى منه في البصيرِ
يعني الخلاف في الضرير أقوى، يعني بالنسبة لعدم الجواز، وأولى منه في البصير يعني القول بالعدم.
سم.
الرواية من الأصل:
وَلْيَرْوِ مِنْ أَصْلٍ أَوِ الْمُقَابَلِ ... بِهِ وَلاَ يَجُوْزُ بِالتَّسَاهُلِ
مِمَّا بِهِ اسْمُ شَيْخِهِ أَوْ أُخِذَا ... عَنْهُ لَدَى الْجُمْهُوْرِ وَأَجَازَ ذَا
أَيُّوْبُ وَالبُرْسَانِ قَدْ أَجَازَهْ ... وَرَخَّصَ الشَّيْخُ مَعَ الإِجَازَهْ
وَإِنْ يُخَالِفْ حِفْظُهُ كِتَابَهْ ... وَلَيْسَ مِنْهُ فَرَأَوْا صَوَابَهْ:
الْحِفْظَ مَعْ تَيَقُّنٍ وَالأَحْسَنُ ... الجَمْعُ كَالْخِلاَفِ مِمَّنْ يُتْقِنُ
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"الرواية من الأصل"
عرفنا أن الراوي ينسخ الكتاب ويقابله بالأصل، فيكون بالنسبة له هذا أصل، وبالنسبة لكتاب شيخه فرع، "وليروِ من أصل" أو المقابل به، يعني الأصل الذي هو كتاب الشيخ، أو من الفرع المقابل به، وعرفنا ما قاله القسطلاني عن الأصل اليونينية ثم الفرع أنه أولاً قابل على الفرع، ثم وجد الأصل بعد مدة طويلة.
وعرفنا أن الكتاب إذا قوبل بيد حاذق نبيه فإنه يكون له حكم الأصل.
وليروِ من أصل أو المقابلِ ... به ولا يجوز بالتساهلِ(31/7)
لا يجوز الرواية بالتساهل، يعني في عصرنا ما ينبغي لطالب علم -هم يعبرون بعدم الجواز- لا يجوز التساهل؛ لأن حمل هذا العلم أمانة، فإذا روى لا من أصل ولا من فرع مقابل عليه، وقل مثل هذا في عصرنا بالنسبة للمطابع، إذا روى من كتاب مطبوع بمطبعة لا يوثق بها، أو ما عرفت بالإتقان والعناية هذا تساهل، لكن عليه أن يروي من نسخة موثقة سواءً كان المخطوطة أو المطبوعة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولا يجوز بالتساهلِ
مما به اسم شيخه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
الذي يروي عنه، يكون اسم الشيخ موجود في هذه النسخة.
مما به اسمه شيخه أو أُخذا ... عنه. . . . . . . . .
يعني نسخ منه وقوبل عليه
. . . . . . . . . ... عنه لدى الجمهور وأجاز ذا
أيوب والبرسان قد أجازه** ورخص الشيخ مع الإجازه(31/8)
يعني هذا التساهل الذي لا يجوز في حال الرواية لا من أصل، أو فرع مقابل على الأصل، وإنما الرواية من نفس الكتاب لكنه ليس بأصل ولا فرع مقابل على الأصل، يعني عندك إجازة في صحيح البخاري، يعني تنظر في سند شيخك ومن ينتهي إليه من رواة الصحيح، فتذهب للبحث عن نسخة رويت بهذه الرواية سواءً كانت مخطوطة أو مطبوعة، لكن كونك تتساهل وتأخذ أي نسخة ذهبت إلى المكتبة وقلت: أنا والله أروي البخاري أريد نسخة من البخاري، عرضوا عليك عشر طبعات، تصفحت هذه الطبعات، قلت: لا والله هذه أوضح حروف، يعني بغض النظر عن كونها موافقة لرواية شيخك أو غير موافقة، هذا تساهل، هذا التساهل بالنسبة لاختلاف الروايات كم تشكل نسبته؟ يعني تقول: واحد بالمائة، هذا تساهل، إما بزيادة حرف أو كلمة أو نقص حديث أو ما أشبه ذلك، إذا لم توافق الرواية، الرواية لا من الأصل ولا من الفرع المقابل عليه هذا تساهل، لكن يبقى أن نسبة هذا التساهل يعني يمكن واحد بالمائة، يعني لو قابلت رواية المستملي مع رواية السرخسي وجدت الفرق ما هو كبير، أو رواية ابن العبد مع ابن داسه بالنسبة لأبي داود وجدت الفرق يعني الخلاف فيه واحد بالمائة، يقولون: مثل هذا الخلل يجبر بالإجازة، يعني تروي من الشيخ فتجبره بالإجازة، يجبر هذا الخلل بالإجازة، لكن يبقى أنه هل تتناول رواية الشيخ هذا الخلل أو لا تتناوله؟ فإذا كانت لا تتناوله، هذا في شيخ متصور أنه يروي البخاري بجميع رواياته، وأنت رويت عنه رواية أبي ذر، فذهبت وأخذت لك نسخة من السوق تباع وجدته وإذا هي برواية غير أبي ذر، إذا كان الشيخ يروي بجميع الروايات، أو كان من رواياته هذه الرواية التي وجدتها في السوق لكنك لا ترويها عن الشيخ يجبر مثل هذا بالإجازة، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وأجاز ذا
أيوب والبرسان قد أجازه ... ورخص الشيخ مع الإجازه
الشيخ من؟ ابن الصلاح، مع الإجازة؛ لأن الإجازة تجبر الخلل، لذلك في الرواية في حال التساهل في الأخذ من الشيوخ، إذا كان يكتب أو ينعس، أو الشيخ ضعيف الصوت فيفوت بعض الكلمات على بعض الرواة الأصل الرواية بالسماع، ثم ما يفوت من هذا الشيء اليسير يجبر بالإجازة.(31/9)
وإن يخالف حفظه كتابه ... وليس منه فرأوا صوابه
الحفظ مع تيقن. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني أنت تروي عن الشيخ، كتبت نسخة فرعية عن نسخة الشيخ، وقابلتها بنسخة الشيخ، ثم حفظت الكتاب، يعني بعدما نسخته وحفظته، ثم اختلف الحفظ الذي في صدرك عما يوجد في الكتاب، فالعبرة بالحفظ أو بالكتاب؟ إن كان حفظه من الكتاب نفسه من نفس النسخة فالعبرة بالكتاب، وإن كان حفظه من نسخة أخرى فالمعول على الحفظ؛ لأنه هو الأصل.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أو كذلك، تكون الكتابة سابقة للحفظ.
على كل حال السابق منهما هو الأصل.
وإن يُخالف حفظه كتابه ... وليس منه فرأوا صوابه
الحفظ مع تيقن. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
ما هو مع شك أو تردد.
. . . . . . . . . والأحسن ... الجمع كالخلاف ممن يُتقنُ
الأحسن أن يقول عند روايته للحديث: "الذي في حفظي كذا، والذي في كتابي كذا" وقل مثل هذا لو اختلف مع بعض أهل الحفظ والإتقان، روى الحديث من حفظه، ثم قال بعض الرواة الحفاظ المتقنين: "الصواب كذا"، فيقول: "الذي في حفظي كذا، والذي عند فلان كذا"، يبين، "والأحسن الجمع" يعني بين ما في حفظه وما في كتابه، وبين ما في حفظه ومع ما يخالفه من الرواة الثقات الضابطين المتقنين.
سم.
الرواية بالمعنى:
وَلْيَرْوِ بِالأَلْفَاظِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ ... مَدْلُوْلَهَا وَغَيْرُهُ فَالْمُعْظَمُ
أَجَازَ بِالْمَعْنَى وَقِيْلَ: لاَ الْخَبَرْ ... وَالشَّيْخُ فِي التَّصْنِيْفِ قَطْعَاً قَدْ حَظَرْ
وَلْيَقُلِ الرَّاوِي: بِمَعْنَىً أَوْ كَمَا ... قالَ وَنَحْوُهُ كَشَكٍّ أُبْهِمَا
الرواية بالمعنى مسألة من المسائل الكبار عند أهل العلم، والخلاف فيها قديم ومتشعب، وبلغت الأقوال فيها إلى عشرة أو تزيد، فالذي مشى عليه الناظم تبعاً لابن الصلاح والجمهور أن الرواية بالمعنى لها شروط، فإذا توافرت هذه الشروط جازت عند الجمهور، وإذا اختل شرط منها فإنها لا تجوز، ومنهم من منع مطلقاً.
قال:
وليروِ بالألفاظ من لا يعلمُ ... مدلولها. . . . . . . . .(31/10)
هذا الذي لا يعرف مدلولات الألفاظ، وما يحيل المعاني، مثل هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى قولاً واحداً، هذا عليه أن يروي باللفظ؛ لأنه قد يغير اللفظ بلفظ آخر يتغير به المعنى، والمسألة مفترضة في الرواية بالمعنى، يعني مع اتحاد المعنى لا مع اختلافه، أما إذا اختلف المعنى فإنه حينئذٍ لا تجوز قولاً واحداً، فإذا كان الراوي المتصدي لأداء الخبر بغير لفظه لا يعرف مدلولات الألفاظ، ولا يعرف ما يحيل المعاني، فإن هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى، قولاًً واحداً.
وليروِ بالألفاظ من لا يعلمُ ... مدلولها وغيره. . . . . . . . .
غير هذا القسم غير الذي لا يعلم من هو؟ الذي يعلم، "وغيره فالمعظم" يعني الذي يعرف مدلولات الألفاظ، وما يحيل المعاني "فالمعظم أجاز بالمعنى" يعني عامة أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى بهذا الشرط: أن يكون الراوي عارف بمدلولات الألفاظ وما يغير ويحيل المعاني، "فالمعظم أجاز بالمعنى" والدليل على ذلك أن القصة الواحدة يرويها الصحابة اثنان، ثلاثة، عشرة، كل منهم بلفظ يختلف عن لفظ الآخر، ويخرجها أهل الحديث مع اختلاف هذه الألفاظ بما في ذلك البخاري ومسلم، تجد الحديث واحد يخرج في البخاري في موضع في لفظ، وموضع بلفظ آخر، وقد يروى عن هذا الصحابي بلفظ، وعن ذاك الصحابي بلفظ آخر وهي قصة واحدة.(31/11)
يعني الواقع يشهد بجواز الرواية بالمعنى؛ ولأنه لو كلف الناس الرواية باللفظ لتعطل كثير من السنن؛ لأن هذا قد يستحيل في حق كثير من الرواة، وإذا كان القرآن المضبوط المتقن المحفوظ تجوز قراءته على أحرف، سبعة أحرف في أول الأمر فلئن يروى الحديث بالمعنى من باب أولى، لكن لا يحرف المعنى، لا يحرف اللفظ؛ لأن بعض الناس يفهم من المعنى شيء ثم يعبر عنه على حسب فهمه، هذه رواية بالمعنى؟! هذا تحريف هذا، يعني قول القائل: "صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى شاة" هذا راوي بالمعنى على حد زعمه؛ لأنه فهم أن العنزة العنز، يعني واحدة الغنم، "صلى إلى عنزة" رواه بالمعنى إلى شاة، ومنهم من فهمه فهماً آخر: أنه أراد بعنزة القبيلة، وقال: "نحن قوم لنا شرف، صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني مثل هذا تسوغ له الرواية بالمعنى؟ لا يمكن، هذا لا يجوز بالإجماع.
أجاز بالمعنى وقيل: لا الخبر ... . . . . . . . . .
يعني هذا قول ثالث، "لا الخبر" يجوز أن تروي بالمعنى كلام الناس العادي، ولا يجوز أن تروي بالمعنى الخبر المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه وحي، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، يعني بمثابة القرآن، فلا يجوز أن يروى بالمعنى، ويجوز رواية ما عداه، ومنهم من عكس، قال: الخبر –الحديث- تجوز روايته بالمعنى، وغيره لا يجوز، لماذا؟ لشدة حاجة الناس إلى رواية الأحاديث، أما رواية كلام الناس إن ما ضبطته اتركه، وما يترتب عليه شيء، أما بالنسبة للحديث الذي الأمة بأمس الحاجة إلى روايته، ولو قلنا: بأنه لا يجوز إلا باللفظ تعطل كثير من السنن، إذن تجوز رواية الحديث بالمعنى، ويعود إلى القول السابق.
طالب:. . . . . . . . .
سيأتي كلام ابن الصلاح في المصنفات.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم هذا مما استدل به الجمهور على جواز الرواية بالمعنى، وأنه إذا جازت روايته بلغة أخرى جازت روايته بنفس اللغة مع اختلاف في اللفظ، هذا من الأدلة.
طالب:. . . . . . . . .(31/12)
إيه قالوا: هذا متعبد بلفظها، الأذكار قالوا: متعبد بلفظها، ومنهم من يقول: ليس كل الأذكار متعبد بلفظها، لكنه في هذا الموضع له دلالته، يعني دلالة النبي غير دلالة الرسول، ودلالة الرسول أخذت من "أرسلت"، فقولنا: "ورسولك الذي أرسلت" يفوت علينا الدلالة الزائدة المأخوذة من النبي، ولذلك رد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث البراء.
"والشيخ في التصنيف -الشيخ ابن الصلاح- قطعاً قد حظر" الآن الرواية بالمعنى إنما أجيزت للحاجة، إجازتها إنما هي لأي شيء؟ للحاجة، يعني مع عدم الحاجة شخص يحفظ ويضبط الحديث بلفظه يقول: سأرويه بالمعنى! نقول: ما يجوز يا أخي، هذا خلاف الأصل، إنما جوازها لمن لا يستطيع الأداء بالحرف؛ لأن المغير مهما بلغ من الدقة لن يأتي بمثل اللفظ النبوي، مهما بلغ من البلاغة الفصاحة لن يأتي بمثله.
والمنع وحسم الباب بالكلية كما يقول ابن سيرين هذا لا شك أنه يقطع باب الرواية؛ لأن جل الناس لا يستطيع أن يستحضر اللفظ، "في التصنيف" هل هناك داعي لأن يروى الحديث بالمعنى؟ يعني في المؤلفات؟
ابن الصلاح "والشيخ في التصنيف قطعاً قد حظر" الآن حديث مروي مدون بحروفه في صحيح البخاري، في صحيح مسلم، في السنن، في المسند في غيرها، وأردنا أن ننقله، ننقله في مصنفاتنا أو نستدل به بالمعنى؟ ابن الصلاح يقول: لا، ما دام مصنف ومضبوط وموجود بين يديك في أي وقت تريده لا يجوز لك أن ترويه بالمعنى؛ لأن العلة ارتفعت، العلة مرتفعة.(31/13)
ابن دقيق العيد يقول: فرق بين أن تنقل هذا المصنف أو تنقل منه، يقول: كونك تروي البخاري بالسند إلى مؤلفه لا يجوز أن تغير؛ لأن هذا مصنف، ولو غيرت أنت، ثم غير الراوي عنك، ثم غير الراوي عنه انمسخ الكتاب، وكونك أيضاً تنسخ الكتاب يجب عليك أن تنسخه حرفياً، لا يجوز أن تغير لا بالمعنى ولا بغيره، ما تبدل لفظة، تقول: لا والله هذه أفضل منها، يعني في رواية الكتاب أو في النقل منه لا يجوز، لكن إذا أردت أن تستدل بحديث بالبخاري والصحيح ليس بين يديك -هذا كلام ابن دقيق العيد- احتجت إلى حديث في صحيح البخاري وأنت لا تحفظه بحروفه، نقول: انتظر لا تحدث حتى تقرأ الحديث بحروفه؟ أو يكون حكمه حكم الصدر الأول قبل التصنيف، بس لا بد أن يكون الشرط قد توافر فيه، عارف بمدلولات الألفاظ، عارف بما يحيل المعاني، يعني ضابط اللفظ، لو مثلاً حدث ... ، مر علينا في الموطأ حديث معاوية في مسألة القصة -الكبة من الشعر- والمراد بها الوصل، فقام شخص واعظ وتكلم وقال: ابتلي الناس بهذه القصات، وهذا كذا، وهذا حديث معاوية يقول: "إنما أهلكت بنو إسرائيل حينما اتخذت نسائهم القصة" الآن هو أدى الحديث بلفظه، لكنه حرف معناه، لكن لو رجع إلى الأصل لوجد البخاري يترجم على الحديث: باب ما جاء في وصل الشعر، واستدل به المتحدث هذا على خلاف ما سيق من أجله، وما عرف من معناه.
النقل من الكتب سواءً كان في الحديث أو في غيره ابن الصلاح حسم الخلاف في هذا، وقال: إذا كان في المصنفات ما يجوز تغييره، وابن دقيق العيد وافقه في صورتين: إذا أراد أن يروي الكتاب بكماله، أو ينسخه، هذا لا يجوز التغيير فيه، أما إذا أراد أن يروي منه ما يحتاج إليه في الاستدلال، أو في العمل وفي الاحتجاج فحكمه حكم الرواية من غير كتاب.(31/14)
إذا نقلنا عن كتاب، يعني لو مثلاً ونحن نشرح قلت: قال السخاوي كذا في معنى البيت، هل يلزم من هذا أن أنقل قول السخاوي بحروفه؟ أو نقول: إذا جازت الرواية بالمعنى في الحديث فلئن تجوز في كلام الناس من باب أولى، يعني إذا كان كلام السخاوي بين يدي وأريد أن أنقل كلامه في الدرس أو في مصنف آخر واللفظ متيسر لا يجوز أن أغير، لكن أنت افترض أنك في غير بلدك وبعيد عن كتبك وأردت أن تشرح متن من المتون وأنت تستحضر أقوال أهل العلم فيها، تقول مثلاً: قال ابن حجر في فتح الباري كذا، فإذا طبقنا ما نقلت إلى ما في الأصل يختلف، لكن المعنى واحد، الفكرة واحدة، وأنت عبرت عنها، هذا صنيع جمهور أهل العلم، يعني لو طبقنا النقول التي في فتح الباري على ما في الأصول المعزو إليها وجدت هناك فرق كبير من حيث الألفاظ، لكن المعنى واحد، الفكرة واحدة، الإشكال في التعبير عنه، وهذا في كلام أهل العلم بكثرة، يعني كونهم لا يتقيدون بالألفاظ، الآن الباحثون يتصرفون، لكن يذكرون أن هذا من الكتاب الفلاني بتصرف.
طالب: ما عهد عند أئمة السلف أنهم يقولون: بتصرف؟
ما يقولون شيئاً، ولا يقولون مثل هنا الذي عندنا إلا نادراً؛ لأنه قال:
وليقل الراوي: بمعنىً أو كما ... قال. . . . . . . . .
يعني إذا نقلت بالمعنى، رويت بالمعنى تقول: بالمعنى، أو "كما قال"، في سنن أبي داود كثيراً ما يقول: "حدثنا فلان ابن فلان المعنى"، أو "حدثنا فلان وفلان المعنى"، تقديره: المعنى واحد، هنا قال الناظم -رحمه الله تعالى-: "وليقل الراوي -يعني الذي يروي بالمعنى- بمعنىً" على شأن يخرج من العهدة، "أو كما قال" يعني إذا روى حديثاً يشك في لفظه هل هو مما ضبطه وأتقنه، أو زاد فيه ونقص شيئاً لا يؤثر بالمعنى يقول: "أو كما قال"، وهذه درج عليها كثير من أهل العلم، لكن وجودها في كلام السلف نادر، لكن الحاجة داعية إليها في رواية الخلف أكثر منها في رواية السلف؛ لأن رواية الخلف الضبط عندهم قل، والتصرف كثر، يعني ما تجد إنسان يستحضر النصوص، نادر هذا، ولذلك تجده مثل ما يقول العوام: "تخمط الجيلاني" مرة يقرب، ومرة يبعد، ومرة، فيحتاج إلى مثل هذا لينبه السامع إلى أن هذا ليس هو اللفظ الأصلي.(31/15)
"ونحوه كشك أبهما" يعني مع إبهام بعض الحروف وبعض الألفاظ من الشيخ، يعني الشيخ قد يسرع، أو يكون الطالب في سمعه ثقل، فسمع كلمة لا يدري هل هي على هذا الوجه أو على هذا الوجه؟ لكن سياقها يرجح هذا اللفظ، فيقول: "أو كما قال".
طالب: لكنه قليل في. . . . . . . . .
ذكرنا أن هذا قليل في السلف.
طالب:. . . . . . . . .
والله الآية ما فيها خلاف أنه يجب تلاوتها بلفظها، وأنه لا يجوز تغيير ولا حرف فيها، يعني لو ذكر ما يدل عليها في الجملة من غير لفظها قد .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الأقوال لو رجعت إليها في كتب أهل العلم بلغت عشرة، لكن مردها إلى الأقوال الثلاثة التي ذكرناها، نعم.
أحسن الله إليك.
الاقتصار على بعض الحديث:
وَحَذْفَ بَعْضِ الْمَتْنِ فَامْنعَ أو أَجِزْ ... أَوْ إِنْ أُتِمَّ أَوْ لِعَالِمٍ وَمِزْ
ذَا بِالصَّحِيْحِ إِنْ يَكُنْ مَا اخْتَصَرَهْ ... مُنْفَصِلاً عَنِ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهْ
وَمَا لِذِي تُهْمَةٍ أَنْ يَفْعَلَهْ ... فَإِنْ أَبَى فَجَازَ أَنْ لاَ يُكْمِلَهْ
أَمَّا إِذَا قُطِّعَ فِي الأبوابِ ... فَهْوَ إلى الْجَوَازِ ذُو اقْتِرَابِ
الحديث قد يكون طويلاً، ومن يرويه أو يستدل به لا يحتاج إلى الحديث بكماله، فيريد أن يقتصر على موضع الشاهد الذي يتحدث فيه، منهم من منع، قال: يسوق الحديث بكماله؛ لأنه قد يحذف شيئاً المذكور بأمس الحاجة إليه، ولا يتبين معناه إلا به، لكن المحرر عند أهل العلم، والمتقرر عندهم أنه إذا كان المذكور لا يحتاج إلى محذوف، كما لو كان المحذوف استثناء، لا يجوز حذفه، وصف مؤثر، حال، كل هذه لا يجوز حذفها؛ لأن المذكور المبقى يتأثر بالمحذوف.
وحذفَ بعض المتن فامنع أو أجز ... أو إن أتم أو لعالم ومز(31/16)
أربعة أقوال، فامنع يعني مطلقاً، اذكر الحديث بكماله ولا تختصر منه شيئاً، أو أجز، أو إن أٌتم يعني مرة رواه تاماً ومرة رواه ناقصاً؛ لأن روايته للحديث لا سيما إذا كان الحديث لا يوجد عند غيره يتعين عليه أداءه كاملاً، فإذا رواه كاملاً ثم أراد أن يرويه ناقصاً جاز، بالشرط المذكور عندهم، أو لعالم، يعني لا يجوز هذا إلا لعالم؛ لأنه هو الذي يعرف بما يتأثر وبما لا يتأثر.
القرآن قد تأتي الآية طويلة، وأنت بحاجة إلى أن تستدل بها، هل تسوق الآية كاملة أو تسوق موضع الشاهد؟ إذا أنت تتحدث عن الأمانة وقلت: قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] هل يلزم أن تكمل الآية؟ وإذا تحدثت عن الحكم وعن العدل {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] هل يلزمك أن تتحدث تأتي بأول الآية أو آخره؟ لا يلزم، والحديث في هذا من باب أولى، ولذا تجد الحديث مطول في كتاب، وتجده مختصر في كتاب آخر، تجده مطول في كتاب وتجده مختصراً في موضع آخر من الكتاب نفسه، وصحيفة همام بن منبه في مسند الإمام أحمد مشتملة على مائة وثلاثين جملة، قطعها البخاري، قطع ما يحتاج منها في مواضع كثيرة من صحيحة، وكذلك مسلم، ما التزموا أن يذكروا الصحيفة كاملة، وهذا كثير عند أهل العلم، وسيأتي في قوله في الباب الأخير:
أما إذا قطع في الأبوابِ ... . . . . . . . . .
"وحذف بعض المتن فامنع"، لكن "أو أجز" يعني منهم من منع مطلقاً هذا القول الأول، والثاني: منهم من أجاز، لكن ما يتصور أن منهم من يجيز مطلقاً، بل لا بد أن يكون المحذوف لا يؤثر في المذكور، يعني إذا كان استثناء؟ يؤثر، إذا كان وصف له تأثيره بحيث يخرج ما عداه، فإن هذا لا يجوز البتة.
"فامنع أو أجز ... أو إن أُتم" يعني مرة رواه تاماً وبرئت عهدته منه، ثم رواه ناقصاً، اقتصر على بعضه وحذف البعض، لا سيما إذا رواه عند من سمعه منه تاماً، "أو لعالم"، يعني العالم الذي يميز ما يحذف وما لا يحذف يجوز له هذا، وهو القول الرابع.(31/17)
"ومز ذا بالصحيح" مز يعني ميز هذا القول الأخير، وسمه بالقول الصحيح، "مز ذا" يعني القول الأخير أنه لعالم "بالصحيح" يعني لا يصح إلا إذا كان الذي اختصر الحديث واقتصر على بعضه عالماً.
. . . . . . . . . إن يكن ما اختصره ... منفصلاً عن الذي قد ذكره
تقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) وتسكت، ما يلزم أن تقول: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لأن المعنى تم، مدلول الجملة الأولى كافي في الدلالة على المقصود، كما أن الجملة الثانية أيضاً لها دلالة، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) غير دلالة الجملة الأولى.
. . . . . . . . . إن يكن ما اختصره ... منفصلاً عن الذي قد ذكره
وما لذي تهمة أن يفعله ... . . . . . . . . .
ليس لمن لم ترتفع منزلته عن التهمة أن يفعله، لماذا؟ ولو رواه مرة تاماً ومرة ناقصاً؟ لأن الرجل متهم، إن رواه كاملاً قيل: زاد في الحديث ما ليس منه، وإن رواه ناقصاً قيل: نسي بعض الحديث، وقُدح به بسبب هذا النسيان، قال:
وما لذي تهمة أن يفعله ... فإن أبى فجاز أن لا يكمله
يعني إن أبى إلا رواية الحديث يجوز له أن لا يكمله؛ لأن القدر الذي يذكره متيقن منه، لكن بالشرط السابق.
أما إذا قطع في الأبوابِ ... فهو إلى الجواز ذو اقترابِ
الإمام البخاري عادته أن يقطع الحديث الواحد في الأبواب حسب ما تدل عليه كل جملة من جمله يترجم لها، ثم يسوق هذه الجملة للاستدلال على الحكم الذي ترجم به في هذا الموضع، وفي الموضع الثاني على الجملة الثانية، وفي الموضع الثالث إلى أن يصل إلى عشرين موضعاً أحياناً، الحديث الواحد يقطعه في عشرين موضع.
أما إذا قُطع في الأبوابِ ... فهو إلى الجواز. . . . . . . . .
يعني هذا ما فيه إشكال فعله الأئمة.
. . . . . . . . . ... فهو إلى الجواز ذو اقترابِ
لأن الإنسان ليس بمطالب أن يذكر الحديث كاملاً، والقصة كاملة في جميع المواضع الذي يريد سياقه فيها، يعني لو أن البخاري ساق صحيفة همام في الموضع الأول، ثم ساقها في الموضع الثاني كاملة، ثم ساقها في الموضع الثالث، ثم في العاشر، العشرين، ويش يصير طول الكتاب؟ وقس على هذا كل الأحاديث التي في الصحيح، يعني يحتاج إلى أضعاف أضعاف ما هو عليه من مجلدات.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ...(31/18)
شرح ألفية الحافظ العراقي (33)
(التسميع بقراءة اللحان والمصحف - إصلاح اللحن والخطأ- اختلاف ألفاظ الشيوخ)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
التَّسْمِيْعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّاْنِ وَالْمُصَحِّفِ
وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا ... عَلَى حَدِيْثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا
فَيَدْخُلاَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كَذَبَا ... فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا
وَالأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لاَ الْكُتُبِ ... أَدْفَعُ لِلتَّصْحِيْفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ
إِصْلاَحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ
وَإِنْ أَتَى فِي الأَصْلِ لَحْنٌ أَوْ خَطَا ... فَقِيْلَ: يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطَا
وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِيْنَ يُصْلَحُ ... وَيُقْرَأُ الصَّوَابُ وَهْوَ الأَرْجَحُ
فِي اللَّحْنِ لاَ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ ... وَصَوَّبُوْا الإِبْقَاءَ مَعْ تَضْبِيْبِهِ
وَيُذْكَرُ الصَّوَابُ جَانِباً كَذَا ... عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوْخِ نَقْلاً أُخِذَا
وَالْبَدْءُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى وَأَسَدْ ... وَأَصْلَحُ الإِصْلاَحِ مِنْ مَتْنٍ وَرَدْ
وَلْيَأْتِ فِي الأَصْلِ بِمَا لاَ يَكْثُرُ ... كَابْنٍ وَحَرْفٍ حَيْثُ لاَ يُغَيِّرُ
وَالسَّقْطُ يُدْرَى أَنَّ مِنْ فَوْقٍ أَتَى ... بِهِ يُزَادُ بَعْدَ يَعْنِي مُثْبَتَا
وَصَحَّحُوْا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ في ... كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ
صِحَّتَهُ مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ سَنَدْ ... كَمَا إذَا ثَبَّتَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ
وَحَسَّنُوا الْبَيَانَ كَالْمُسْتَشْكِلِ ... كَلِمَةً فِي أَصْلِهِ فَلْيَسْأَلِ
اخْتِلاَفُ أَلْفَاْظِ الشُّيُوْخِ
وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ سَمِعْ ... مَتْناً بِمَعْنَى لاَ بِلَفْظٍ فَقَنِعْ
بِلَفْظِ وَاحِدٍ وَسَمَّى الْكُلَّ: صَحّْ ... عِنْدَ مُجِيْزِي النَّقْلِ مَعْنىً وَرَجَحْ(32/1)
بَيَانُهُ مَعْ قالَ أَوْ مَعْ قالاَ ... وَمَا بِبَعْضِ ذَا وَذَا وَقالاَ:
اقْتَرَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يَقُلِ ... صَحَّ لَهُمْ وَالْكُتْبُ إِنْ تُقَابَلِ
بِأَصْلِ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِهِ فَهَلْ ... يُسْمِي الجَمِيْعُ مَعْ بَيَانِهِ؟ احْتَمَلْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"التسميع بقراءة اللحان والمصحف" اللحن: هو مخالفة قواعد العربية في النطق، وينقسم إلى: لحين يحيل المعنى، ولحن لا يحيل المعنى، والمصحف التصحيف والتحريف قريبان من حيث الغاية وهو التغيير، ويشمل التحريف تغيير اللفظ والمعنى، والتصحيف يختص باللفظ، ومنهم من يفرق بينهما بأن التصحيف في تغيير الحروف، والتحريف في تغيير الشكل، وعلى كل حال يجمعهما التغيير، فإذا غيرت صورة الكلمة أو غير شكلها، أو غير نقطها وإعجامها هذا كله تصحيف، وألف فيه مؤلفات، والتحريف لا شك أنه واقع بقصد أو بغير قصد، فما كان منه بقصد هو مشابه لفعل أهل الكتاب، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وما كان منه بغير قصد فإن هذا معفوُ عنه إلا مؤثر في الحكم على الراوي إذا وقع التحريف منه أو التصحيف ولو كان بغير قصد فإنه مؤثر في الحكم عليه، بدلاً من أن يكون ثقة إذا كثره منه هذا ينزل، هذا خلل في ضبطه، قال -رحمه الله-:
وليحذر اللحان والمصحفا ... على حديثه بأن يحرفا(32/2)
يحذر الشيخُ الطالبَ اللحان والمصحف الذي يقرأ ويخطئ في قراءته فيرفع المفعول وينصب الفاعل، أو غير ذلك مما تقتضيه قواعد اللغة العربية، هذا يحذر كل الحذر؛ لأن المعاني تتبع الإعراب، فعلى الشيخ أن يتخذ قارئاً يقرأ قراءة سليمة من جهة العربية، ولا يصحف ولا يحرف؛ لأنه يوجد في القراء وهو يقرأ من كتاب فضلاً عن كونه من حفظه، تجده يقرأ الكلمة مكسرة، لا يحسن إعرابها ولا يحسن النطق بها على وجهها، مثل هذا الطالب يُحذر، وإذا وجد طالب من هذا النوع فإن هذا لا يمكن من الراوية ولا من القراءة، الآن المتداول عند الشيوخ القراءة عليه، تجد الشيخ لا يهتم بمن يقرأ، والخطأ وإن كان مصدره الطالب إلا أنه قد ينسب إلى الشيخ، لا سيما إذا لم يرد عليه، بعض الشيوخ يمشي لا سيما إذا كثر ما يستطيع أن يرد كل كلمة، لكن إذا قل ممكن أن يرد، وقد لا تكون الأهلية عند الشيخ أن يرد كل شيء لا سيما ما خفي إعرابه، وقد يكون الطالب بمنزلة يهاب الشيخ أن يرد عليه كل شيء، يعني بمنزلة من العلم والفضل وخير وصلاح يهاب الشيخ يرد عليه كل شيء، قد ينبه إلى بعض الأشياء، ويترك بعض الأشياء، لكن السامع ما يعذر، السامع لا سيما بعد وجود الآلات التي تحفظ مثل هذه الأمور، التسجيل لو سُمع الطالب يقرأ ويقره الشيخ السامع ما يعرف وضع هذا الطالب إنما يعرف الشيخ، فعلى الشيخ أن يهتم بالطالب.(32/3)
ومما قيل في ترجيح العرض على السماع فيما تقدم في طرق التحمل قالوا: إنه في حال السماع لو أخطأ الشيخ ما وجد من يرد عليه، إما جهل من الطلاب أو هيبة الشيخ، وفي حال العرض إذا أخطأ الطالب الذي يقرأ فإن الشيخ لن يتردد في الرد عليه، وهذا هو الأصل، لكن بعض الناس يكون بمنزلة، الناس ليسوا سواء، قد يكون أفضل من الشيخ يعني بدون مبالغة بعض الطلاب، والشيخ يعرف أن الطالب هذا أخطأ، لكن يصعب عليه أن يرد عليه كل شيء، فالذي يكثر منه اللحن هذا يُحذر، لا يقرأ، ولا يروي؛ لأنه يفسد أكثر مما يصلح، هذا يصلح كثيراً فيما إذا غاب القارئ المعتمد عند الشيخ، ثم قيل: من يقرأ؟ فقام واحد من الطالب مجتهد -جزاه الله خيراً- لكن كثير التصحيف والتحريف ما تعود يقرأ، لأن القراءة تحتاج إلى دربة، تحتاج إلى عادة، ولذا العربية الذي يأتي التنبيه عليها:
. . . . . . . . . ... فحق النحو على من طلبا
يعني قد يهتم الطالب بالعربية، ويتدرج فيها على الجادة، يقرأ كتب المبتدئين على الشيوخ ويتقنها ويضبطها ثم يقرأ ما دون للمتوسطين وللمتقدمين يضبط القواعد عن ظهر قلب،(32/4)
وإذا سأل أعرب صحيح، وإذا قرأ في كتاب وأراد أن يعرب يعرب صحيح لكن أذا نطق لكونه لم يتعود يخطئ، وهذا موجود حتى في مهرة العربية الذين يقتصرون على العلم النظري؛ لأن الاهتمام بالعربية يفيد الطالب من جهتين: جهة النطق السليم، ومعرفة موقع الكلمة من الإعراب، الذي يترتب عليه فهم المعنى، أما الفائدة الأولى وهو النطق الصحيح إنما تأتي بالمران، وكثرة القراءة على العلماء المجودين الضابطين المتقنين، الذين لا يفوتون شيئاً، ومعرفة موقع الكلمة من الإعراب، وما يترتب على هذا الموقع من فهم للمعنى هذا أيضاً يستفيده من يعنى بالعربية، قد يستفيد الطالب الفائدة الثانية وتفوته الأولى، أما إذا أدرك الأولى ونطق بالكلمة نطقاً صحيحاً فإن الثانية في الغالب مضمونة لأن لن ينطق إلا بعد معرفة، لكنه قد يعرف موقع الكلمة لكنه ينطقها خطأ، هذا عادة من لم يتعود، الذي لم يتعود القراءة ينطق الكلمة خطأ، إما ملحونة أو مصحفة أو شيء من هذا، ولذا على طالب العلم أن يحرص على القراءة على الشيوخ المتقنين الذين لديهم عناية بتربية طلابهم.
وليحذر اللحان والمصحفا ... على حديثه بأن يحرفا
لأنه إذا نقل عنك لن ينقل على الصواب، ما دام من عادته اللحن والتصحيف، وبعض الناس مبتلى بسبق اللسان تجده يريد شيء فينطق بغيره، كثير هذا في الناس، الناس يتفاوتون في هذا تفاوت بيّن وواضح، مثل هذا إذا نقل فتوى ما يعتمد على نقله، فيسئ إلى الشيخ أكثر مما يحسن، فلا بد أن يكون النقل دقيق، قد يكون رأي الشيخ في كثير من المسائل ليس بصريح، وإنما هو إيماء كما هو في كلام أحمد كثير، وكثير من طلاب العلم ممن يحضر عندنا يقول: إن الشيخ ما يرجح، لكن بطريق الإيماء يفهم الحاذق من الطلاب الراجح من المرجوح؛ لأنني آتي بالقول الراجح وأكد عليه، وأشير إلى ما عداه لقوته، هذا في الكلام العادي، أما في تقرير مذاهب أهل العلم فهو معروف المسألة، طالب العلم الذي لا يفهم يبي يسوق الكلام على عواهنه ويسمع كلمة قد تكون في قول مرجوح وغفل عما عداها وقال: إن الشيخ يقول كذا.
. . . . . . . . . ... وما آفة الأخبار إلا رواتها(32/5)
فمثل هذا لا يؤمن في النقل ولا يصلح للقراءة ولا للرواية، بل لا بد أن يكون الناقل حاذق يفهم ما ينقل، ويتقن ما يقرأ.
وليحذر اللحان والمصحفا ... فيدخلا في قوله: (من كذبا)
على حديثه بأن يحرفا ... . . . . . . . . .
يدخل اللحان والمصحف في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا قاله كثير من أهل العلم، يعني مروي عن أهل العلم أن اللحان يدخل في حديث: من كذب، يعني إذا قلت: إنما الأعمالَ بالنيات كذبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما قال هذا، أو صحفتَ أو حرفتَ كذلك.
. . . . . . . . . ... فحقٌ النحو على من طلبا
يجب تعلم النحو لماذا؟ لأنه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني لا يتم فهم الكتاب والسنة .. ومعلوم أن من العلم ما هو واجب على كل أحد، ومنه ما هو واجب على الكفاية، فمن وجب عليه يجب عليه أن يتعلم ما لا يُفهم إلا به، يعني ما يُعين على فهم الكتاب والسنة يجب على طالب العلم أن يتعلمه، قد يقول قائل: والله النحو ما وُجد في عصر الصحابة، فما له داعي أن يُتعلم علم حادث طارئ، الصحابة ليسوا بحاجة، يعين لو بحثت عن كلمة لحن في القواميس القديمة ما تجدها أبداً؛ لأنه ما يعرفون اللحن أصلاً، ليسوا بحاجة إلى تعريفه وهو ما هو بمجود عندهم، إذاً لا نتعرض لكلمة لحان؟ يعني اللحان والتلحين والحن يعني لها مدلولات عرفية، ولها مدلولات اصطلاحية، فقراءة القرءان باللحن بعض الناس يتعاظم الأمر وهو يقع فيه، أعوذ بالله من يدخل التلحين واللحن والغناء في القرآن، وإذا قرأ تجده يلحن، يرفع المفعول، وينصب الفاعل، لماذا؟ لأنه أخذ الكلمة على معناها العرفي.
أقول: نص بعض أهل العلم إلى أن الذي يلحن في بعض قراءته للأحاديث أو يصحف أو يحرف أنه يدخل في حديث: من كذب؛ لأنه قال على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل.
. . . . . . . . . ... فحقٌ النحو على من طلبا(32/6)
يعني يجب عليه أن يتعلم النحو ماذا يتعلم من النحو؟ يتعلم ما يفيده، ما ذكرناه من إصلاح لسانه عن الخطأ، وفهم الكلام بمعرفة موقع الكلمة الإعرابي، ويتدرج فيه؛ لأن كثير من طلاب العلم يعني يتصعبون النحو، ويقولون: درسنا الأجرومية والقطر والألفية وغيرها ما استفدنا كثيراً، هو قطعاً هذا الذي يقوله لأنه قرأ هذا الكتب، وقرأ على بعض أهل العلم فصار يكسر يرد عليه، أو خطب خطبة نبهه أكثر من واحد على الخطأ، فقال: ما استفدنا، أنت استفدت يعني إن فاتتك الفائدة الأولى لن تفوتك الفائدة الثانية، فالتعلم كله خير، لكن لا يعني أن معنى قوله:
. . . . . . . . . فحقٌ النحو على من طلبا
أن يفني عمره في تعلم النحو بحيث يعوقه عن تحصيل ما طُلب النحو له، وخير ما يطبق عليه النحو القرآن، وهناك كتب اسمها: كتب إعراب القرآن، يعني تعلمت الأجرومية، قرأت الأجرومية على شيخ، وحضرت الشرح، وراجعت الشروح، وأتقنتها اعرب الفاتحة، ثم اعرض إعرابك على كتب إعراب القرآن، ثم بعد ذلك أعطه من يقومه لك، وهكذا تستفيد فهم القرآن بهذه الطريقة، وإعراب القرآن في آن واحد، وتكتسب الدربة في هذا الفن الذي تصعبه كثير من طلاب العلم، يعني كأنهم يرون أن الفائدة منه ليست قريبة، يعني مثل أحاديث الأحكام مع أحاديث أبواب الدين الأخرى، يعني تجد طالب العلم مهتم ببلوغ المرام، لكن لو تقول له: ويش عندك بالرقائق؟ ويش عندك بكتاب الاعتصام؟ كتاب التعبير مثلاً؟ أو كتاب المغازي؟ ما عنده شيء، يهتم بأحاديث الأحكام لأنها عملية يحتاجها ويزاولها، مع أن الفقه في الدين لا يتم إلا بمعرفة جميع أبوابه، فإذا كانت الفائدة بعيدة يعني تصعب طالب العلم أن يصرف لها وقتاً.
. . . . . . . . . ... فحقٌ النحو على من طلبا(32/7)
يعني طالب العلم يقرأ على الطريقة المعروفة عند أهل العلم، يقرأ الأجرومية أولاً، وينظر في شرح الكفراوي وفيه إتقان للإعراب؛ لأنه لا يمر به مثال إلا ويُعربه، ويقرأ أيضاً حاشية العشماوي فيها ضوابط وقواعد قد لا توجد في المطولات، ثم يقرأ القطر، وما شرح به، وإعراب شواهده، يستفيد فائدة كبيرة، ثم بعد ذلك إن أراد أن ينظر في الألفية وشروحها وإن اقتصر عن هذين الكتابين كفاه؛ لأن العلماء قالوا: إن النحو بالنسبة للكلام كالملح في الطعام، يعني لو أن طالباً أنبرأ لشرح المفصل، شرح المفصل لابن يعيش مطبوع في عشرة أجزاء، والصفحة الواحدة يعني لو طبعت مفرودة صارت مثل الأجرومية، الصفحة الواحدة من شرح المفصل تعادل الأجرومية؛ لأنه مرصوص، فمثل هذا لا شك أنه يعوق عن تحصيل غيره من العلوم، وإن كان فيه فائدة، وتعرض لكثير من الإشكالات في النصوص مفيد جداً، لكن مع ذلك تحصيله فيه وعورة، لكن ذكرنا مراراً أن من أفضل وسائل التحصيل اختصار الكتب، لو أنت مسافر في نزهة مثلاً، رائح إلى أبها وإلا رائح يمين وإلا شمال، المقصود أنك مسافر، تقول: والله أنا بعيد عن كتبي، ولا أستطيع أن أراجع، خذ كتاب واحد، إما في أصول الفقه تأخذ لك شرح مختصر التحرير، أو شرح مختصر الروضة، أو في العربية تأخذ مثل شرح المفصل وأنت عجل، وتدوّن منه فوائد على الأصل، بحيث بدل ما هو بعشرة يطلع في مجلد، أنت تفهم وتستفيد من هذا الكتاب، وأنت ما بين يديك كتب تقول: والله ضيعت، في نزهة، افترض أنك خرجت لك لمدة أسبوع في رحلة برية وإلا شيء ومعك كتاب تستفيد، فاختصار الكتب مهم جداً لتثبت العلم لدى طالب العلم، يعني بإمكانك مثلاً في هذا الفن أن تأخذ حاشية الصبان على شرح الأشموني على الألفية يعني تستطيع أن تخلص هذا الكتاب، بدل ما هو في أربعة مجلدات في مجلد تأخذ منه الضروري، في هذه الكتب وفي هذه الحواشي فوائد كثيرة، لكن أهل العلم ينظرون إلى الفائدتين التي أشرت إليهما في مطلع الكلام فيقتصرون على الكتب المختصرة وإلا فالكتب المطولة فيها فوائد عظيمة، ودرر، وحل إشكالات في النصوص، ومع ذلك تحصيلها في وقت الطالب بين كتبه وبين يديه ما يتعلق بالكتاب والسنة لا شك أنه يعوقه(32/8)
عن تحصيل ما هو أهم منه.
. . . . . . . . . ... فحقٌ النحو على من طلبا
يقبح بطالب العلم لا سيما إذا كان يتصدى لنفع الناس أن يلحن لحناً جلياً وإلا الخفي قد لا يسلم منه أحد، يقبح بخطيب أن يخطب والناس تمج الكلام المحلون يخطب ويكسر الكلام، يرفع وينصب بدون قواعد ولا ضوابط، فعليه أن يعنى بهذا، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... فحقٌ النحو على من طلبا
يذكر في كتب الأدب أن الوليد بن عبد الملك وهو يخطب قال: "يا ليتُها كانت القاضية" قال أحدهم –ما أدري والله سموه نسيت الآن، من إخوانه- قال: "يا ليتها تقوم القيامة ولا يقوم واحد يلي أمر المسلمين يلحن مثل هذا اللحن في القرآن، أسهل يعني عنده، يعني متى يؤمن جانب اللحن والتصحيف والتحريف؟
قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
والأخذ من أفواههم لا الكتبِ ... أدْفعُ للتصحيف فاسمع وادأبِ
يعني أن تتلقى العلم من أفواه الشيوخ، والشيوخ تلقوه عن شيوخهم، هذا يقيك شر التصحيف والتحريف؛ لأنك أخذت من أفواه الشيوخ أمنت، يعني أنا سمعت شخصاً يقرأ على الشيخ ابن باز -واحد من الكبار-، ما يحتاج نسميه، يقول: "سلمة بن كهبل" هل هذا أخذ من أفواه الشيوخ؟! يعني هل هذا يليق بطويلب فضلاً عن طالب له عناية بالحديث؟ سلمة بن كهبل سبحان الله، يعني تسمعون في "أيوب" كثير من طلاب العلم والمشايخ حتى بعض الكبار يقول: السِختياني وهو بفتح السين، لكن متى نأخذ هذا الضبط؟ إذا تلقيناه من الشيوخ، كثير يقول: شهر ذو القِعدة وهو القَعدة لماذا؟ لأنه لم يتلقَ من الشيوخ، فالأخطاء كثيرة بالنسبة لمن يأخذ من الصحف؛ لأن الصحف لا تضبط كل شيء.
والأخذ من أفواههم لا الكتبِ ... أدْفعُ للتصحيف فاسمع وادأبِ
يعني خليك دؤوب، حريص دائم مستمر، مثابر على الأخذ من الشيوخ، وقديماً قالوا: "من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه".
بعد هذا إصلاح اللحن والخطأ، أنت وجدت خطأ ولحن في كتاب، أما إذا كان يقرأ سهل ترد عليه، لكن وجدته مكتوب هكذا خطأ، تعدل وإلا ما تعدل؟ تصحح وإلا ما تصحح؟
وإن أتى في الأصل لحن أو خطا ... فقيل: يُروى كيف جاء غلطا(32/9)
يعني مثل ما جاء يُروى، قال به بعض أهل التحري والتشديد قال: تروي ما في الكتاب ولو كان خطأً، وكأن هذا القائل يريد حسم مادة الهجوم على الكتب والتصرف فيها، يقول: لو كان خطأ اقرأ على الخطأ، واروِ على الخطأ، لكن مع ذلك بين الصواب لا تصحح في الكتاب، اروه كما هو، قل كذا في الكتاب والصواب كذا، وبعضهم يعكس يقول: اروِ على الصواب وبين أن في الأصل كذا، لكن كم وقفنا في الكتب التي يزعم تحقيقها أنه قال: كذا في الأصل وهو خطأ والصواب كذا، والواقع ضد ما يقول، كثير من التحقيقات يجعلون الكلمة المرجوحة في الأسفل والصواب على حد زعمهم في الأعلى، والمفترض العكس؛ لأنه أصوب، فحسماً لهذا الهجوم على الكتب والتصحيح قال:
وإن أتى في الأصل لحن أو خطا ... فقيل: يُروى كيف جاء غلطا(32/10)
يُروى كما جاء، فتح المغيث الذي بأيدكم أول ما طُبع طبع بالهند في مجلد كبير سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة، باللغة العربية بالخط الفارسي، الخط الفارسي الذي ما تعامل معه بكثرة يصعب عليه قراءة بعض الحروف، وتعب كثير من طلاب العلم في قراءة هذه الطبعة مع أنها مفقودة من عقود، لكن احتسب من احتسب وطبع الكتاب، المكتبة السلفية في المدينة طبعوا الكتاب، وتولى تحقيقه شخص اسمه: عبد الرحمن محمد عثمان، ضبط وتحقيق، وليتنا سلمنا من هذه الطبعة، يأتي إلى الحرف الذي لم يستطع قراءته بالفارسي ويرسمه كما هو، ويترجمه بين قوسين، يترجمه خطأ؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن، ما له علاقة بالحديث وعلوم الحديث، لكن له ارتباط بصاحب المكتبة وفعل هذا، وطبع كتب كثيرة على هذا الشكل، المقصود أن الكتاب طبع في لبنان أيضاً بعد ذلك، معتمدين على هذه الطبعة، فشالوا الكلمة المترجمة، وشالوا الأقواس وأبقوا الاجتهاد، فجاء الكتاب ممسوخاً، مسخ وتحريف، بدل ضبط وتحقيق، فمن أهل العلم من أهل التحري مثل ابن سيرين وعبد الله بن صخبرة وبعض العلماء يقول: لا تحرك شيئاً خله كما هو؛ لأنه قد يكون خطأ في نظرك، ويلوح صوابه عند غيرك، يعني مثلما ذكرنا من الأمثلة: "بابٌ: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" هذا الترجمة بالكسرة والياء محذوفة، وفي الحديث: ((إذا لم تستحي)) تحت الترجمة بياء، فيجئ طالب العلم فيقول: أحدهما خطأ أكيد، ولم معروف أنها تجزم، فإما أن تكون الترجمة خطأ فيضع ياء، أو يكون لفظ الحديث خطأ فيحذف الياء، وهو لا يدري أن الترجمة على لغة تميم، والحديث على لغة قريش؛ ولأن (يستحي) بياء واحدة عند تميم، وبياءين عند قريش، فإذا صحصح أخطأ، قال:
ومذهب المحصلين يُصلحُ ... . . . . . . . . .
إذا كان خطأ يُصلح.
ومذهب المحصلين يُصلحُ ... ويُقرأ الصواب وهو الأرجحُ
ومذهب المحصلين يعني أهل العلم "يُصلحُ ... ويقرأ الصواب وهو الأرجحُ" لكن هذا في الخطأ الذي لا يحتمل، قالوا: هذا في الخطأ الذي لا يحتمل.
في اللحن لا يختلف المعنى به ... وصوبوا الإبقاء ما تضبيبه
ويُذكر الصواب جانباً كذا ... . . . . . . . . .(32/11)
إذا كان خطأ لا يحتمل يُصلح، ويُشار في الحاشية أنه أصلح؛ لأنه قد يظنه خطأ لا يحتمل الصواب وهو في الحقيقة صواب أو له وجه على الأقل، وإن كان مرجوحاً.
في اللحن لا يختلف المعنى به ... وصوبوا الإبقاء ما تضبيبه
اللحن الذي لا يختلف به المعنى، يعني إذا قلت: "إنما الأعمالَ بالنيات" المعنى يختلف وإلا ما يختلف؟ هذا لحن "إنما الأعمالَ بالنيات" وليس له وجه، مثل هذا يبقى، لكن يضبب عليه، "ويذكر الصواب جانباً" يعني في الحاشية.
ويُذكر الصواب جانباً كذا ... عن أكثر الشيوخ نقلاً أُخذا
والبدء بالصواب أولى وأسد ... وأصلحُ الإصلاح من متنٍ ورد
"والبدء بالصواب أولى وأسد" يعني أنت تقرأ الكتاب أو تروي الحديث للطلاب، القلب فارغ من الحديث بالنسبة لكثير من الطلاب، فالذي يثبت فيه أول ما يُسمع "صادف قلباً خالياً فتمكنا" يقول: ابدأ بالصواب أولى وأسد، ثم بعد ذلك أشر إلى الخطأ.
. . . . . . . . . ... وأصلحُ الإصلاح من متنٍ ورد
يعني أصلح الإصلاح أفضل ما تصحح به الكتب ما جاء للحديث، أو للكلام من رواية أخرى، تصححه من حديث آخر، تصححه من رواية أخرى لهذا الحديث، يعني كما قالوا: أفضل طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، يفسر القرآن بالسنة، الحديث يفسر بحديث، وهنا يُصلح الحديث من كتب الحديث.
. . . . . . . . . ... وأصلحُ الإصلاح من متنٍ ورد
وليأتِ في الأصل بما لا يكثرُ ... كابن وحرْف حيث لا يغيرُ
"وليأتِ في الأصل بما لا يكثرُ" أنت وجدت كتاباً فيه: عن هريرة مثلاً -رضي الله عنه- تتركه هكذا أو تكتب عن أبي هريرة؟ مثل هذا يحتمل؟ يعني في صحابي اسمه هريرة؟ لو وجدت عن هريرة، أو عن جريج معروف أنه ابن جريج، ولذا قال:
وليأتِ في الأصل بما لا يكثرُ ... كابن. . . . . . . . .
إذا قال: عن جريج وابن جريج تكتب ابن جريج "وحرفٍ"، كابن ومثله كأبي مثلاً كأبي هريرة تذكر أبي هريرة.
. . . . . . . . . . ... كابن وحرْف حيث لا يغيرُ
ما يغير المعنى لو زدته.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . حيث لا يغيرُ
والسقط يُدرى أن من فوقٍ أتى ... به. . . . . . . . .(32/12)
الشيخ قال: عن أبي هريرة، لكن الناسخ أسقط أبا هريرة، الشيخ قال: عن ابن جريج والناسخ أسقط ابن.
والسقط يُدرى أن من فوقٍ أتى ... به يُزاد بعد يعني مثبتا
يعني لو أن الشيخ روى الحديث على وجهه: عن عمرة عن عائشة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج رأسه فأرجله وأنا حائض وهو معتكف، أُسقطت عائشة، يعني هل كان الرسول، احتمال أن كان الرسول يخرج رأسه إلى عمرة؟ ما في احتمال، فإذا قلت: عن عمرة قل: يعني عن عائشة، ولذلك قال:
والسقط يُدرى أن من فوقٍ أتى ... به يُزاد بعد يعني مثبتا
هم يزيدون يعني ليبينوا أن الزيادة متأخرة، يعني لو كثيراً ما توجد في الأسانيد يُذكر شيخ الشيخ بدون نسبة على ما سيأتي الزيادة في نسب الشيخ -الدرس القادم إن شاء الله-، يزيدون يعني، قال: حدثنا محمد يعني ابن بشار، أو هو ابن بشار، أو محمد يعني ابن جعفر، فيزيدونها لأن الشيخ رواه إياه بدون نسبة، فيزيدون نسبته بعد يعني وهو.
وصححوا استدراك ما درس في ... كتابه من غيره إن يَعرفِ
استدراك ما درس، تعرون الكتب تتأثر مع الوقت، إما بأرضة تأكل أطراف الأوراق ويضيع منها بعض الحروف، أو ماء رطوبة، أو سوس، أو مجلد، أو غير ذلك مما تتعرض له الكتب، جاءت على طرف الكتاب وأكلت منه، نار احترق بعض الكتاب، وذهب من كل سطر كلمة، يقول:
وصححوا استدراك ما درس في ... كتابه من غيره إن يَعرفِ
صحته من بعض متن أو سند ... كما إذا ثبته من يعتمد(32/13)
تأتي إلى زميلك وتكمل نسختك من نسخته، لكن قد تكون هذا النسخة فريدة لا نظير لها، وجاءت أرضة وأكلت منها، ولا بد من الإفادة منها يلصق عليها ورق، ويستظهر الناقص، يقال: لعله كذا، إذا كان المستظهر هذا أهل لذلك؛ لأن منهم من قد بلغ إلى حد يستظهر الأسطر، تجد خرم في كتاب سطرين ثلاثة، ويقول: دعه لي حتى أتمله وأستظهر، ثم إذا جئته إذا به قد عبء الأسطر الثلاثة، ثم إذا وقفت على نسخة بعد ذلك تجد الكلام صحيح على أقل الأحول، يعني في مكانه، وقد يكون مطابقاً بالحرف، على حسب خبرة هذا الشخص، ويعني مما يُذكر في هذا كان عندي الطبعة الأولى من تفسير القرطبي، ومر عليّ كلام مشكل فيه خفاء، وعلقت عليه بسطرين، ثم وقفت على الطبعة الثانية فإذا بالتعليق بحروفه، أنا والله ما وقفت على الطبعة الثانية، وهم ما وقفوا على نسختي، أحياناً يقع الحافر على الحافر، قد يوفق الإنسان إلى أن يقول ما يوضح الكلام بدقة، فمثل هذا الذي بلغت به المعرفة يعني يستظهر، أما يبقى الكلام محذوف من كل سطر كلمة أو حرف كيف يُقرأ؟! يعني معناه ارمِ الكتاب، لا بد يُستفاد منه، لكن لا بد أن يكون التصحيح من نسخة أخرى إن وجدت، وهذا أولى، وإن ما وجدت فالاستظهار وله أهله.
صحته من بعض متن أو سند ... كما إذا ثبته من يعتمد
يعني بعضهم قد يروي الحديث ويشك في كلمة، يتردد فيها لطول العهد، هل هي كذا أو كذا، يسأل من يثبته فيها، يقول: لا الأمر كذا، ويتسامحون في رواية مثل هذا، وفي مواضع كثيرة من صحيح البخاري: وثبتني فلان بكذا، وبعضهم يستدل له بشهادة المرأتين {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [(282) سورة البقرة] إذ ذكرت أحداهما الأخرى وقبلت شاهدتهما مع هذا التذكير، فالنسيان للكلمة أو شيء من هذا ويثبته الثقة مقبول، ونص على هذا أحمد وغيره.
صحته من بعض متن أو سند ... كما إذا ثبته من يعتمد
وحسنوا البيان كالمستشكلِ ... كلمة في أصله فليسألِ(32/14)
هذا التثبيت، حسنوا البيان يعني ما يأخذ الكلمة من فلان ويرويه على أنه لا إشكال فيها، لا، يقول: أنا والله شككت هل هذه الكلمة أو تلك، وثبتني فلان سألت فلاناً فثبتني وقال: إن الصواب كذا، يعني المراد بهذه الكلمة كذا، "في أصله فليسأل" يسأل من أهل الخبرة والضبط والإتقان ممن شاركوه في الرواية فيثبتونه فيها، وهذا موجود بكثرة في كتب السنة، وهذا من دقتهم حيث لم يروا دون بيان، يعني الضرورة قائمة لرواية هذا الحديث، الحاجة قائمة لرواية هذا الحديث قد لا يكون إلا عند هذا الشخص، ثم بعد ذلك عليه أن يرويه فإذا شك في كلمة منه، أو في اسم راوٍ فإنه يتثبت فيه من غيره من أهل الحفظ والضبط والإتقان، يعني لو وجد في أصله كلمة كُتبت وكان يقرأها قديماًَ ولا عنده إشكال؛ لأن نظره قوي، فجاء بشخص فقال له: اقرأ لي هذه الكلمة، أو صورتها محتملة؛ لأن بعض الكلمات وبعض الكتاب يكتبون بعض الكلمات على أوجه محتملة، تقرأ هكذا وهكذا، فيثبت بها، يعني عندك رواية في كتاب لشيخ الإسلام مثلاً، ترويه بالسند المتصل إلى شيخ الإسلام، فوقفت على النسخة الأصلية بخط شيخ الإسلام فعجزت تقرأها، كثير من الكلمات عجزت عنها، فجئت بخبير من الخبراء الذين لهم عناية ودربة في خط شيخ الإسلام وقلت له: اقرأ عليّ هذه الكلمة وإلا هذه الجملة وإلا هذا السطر ما في إشكال -إن شاء الله-، على أن يكون ثقة، يعني كالذي يتجرم من لغة إلى لغة؛ لأنه قد يقرأ لك هذا الكلام خطأ.
بعد هذا يقول المؤلف (الناظم) -رحمه الله تعالى-:
اختلاف ألفاظ الشيوخ(32/15)
معلوم أن الحديث مصدره واحد وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يقال الحديث في مناسبة واحدة ولا يتعدد، وقد يتعدد بتعدد مناسباته، المقصود أن المصدر واحد، وتجد الحديث الواحد الذي مخرجه واحد يُروى بألفاظ مختلفة، فمثلاً حديث النعمان بن بشير: ((الحلال بين والحرام بين)) مروي بألفاظ كثيرة في الصحيحين وغيرهم ((مشبهات))، ((مشتبهات))، ((متشابهات)) وغير ذلك، يعني في ألفاظ كلها مروية، هذا من اختلاف ألفاظ الشيوخ، فتجد المؤلف يروي الحديث عن اثنين أو ثلاثة أو أربعة، الأول له لفظ، والثاني له لفظ، والثالث له لفظ يختلف مع الأول، قد يختلف مع الثاني، يتفق مع الأول في شيء، يتفق مع الثاني في شيء، لكنها كلها في المعنى الواحد، وهذا جارٍ على مذهب الجمهور الذين يجيزون الرواية بالمعنى.
المؤلف يذكر جميع الألفاظ وإلا يذكر لفظ واحد؟ لفظ واحد، يجمع الشيوخ أو يفرقهم؟ يجمعهم، يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، وفي النهاية يسوق متن واحد، وقد يكون في لفظ فلان ما يختلف من حيث اللفظ مع لفظ فلان، من أهل العلم من يبين صاحب الفظ بدقة بالحرف، وهذه طريقة الإمام أحمد ومسلم صاحب الصحيح، حدثنا فلان وفلان وفلان واللفظ لفلان، حتى جزم كثير من أهل العلم أن مسلماً إذا لم يبين صاحب اللفظ فإن الحديث يكون متفقاً عليه باللفظ بين من نسب إليه روايته.(32/16)
الإمام البخاري ما يبين، غالباً ما يبين، يعني بين في مواضع يسيرة، لكن الغالب أنه لا يبين، لكن الحافظ ابن حجر يقول: "ظهر لنا بالاستقراء أن البخاري إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما" هو صاحب اللفظ، يعني هذا بالاستقراء وإلا البخاري ما يبين، على أنه وقع لنا أحاديث رواها عن طريق اثنين ولم يبين ثم بعد التحري والتقصي تبين أن اللفظ للأول، فهذه قاعدة أغلبية ليست كلية، يعني الغالب أن اللفظ للثاني، بعضهم يفضل مسلماً على البخاري من هذه الحيثية من أجل البيان، ويقول: ينبغي لطالب العلم أن يحفظ أول ما يحفظ مسلم، يعني مختصر مسلم ما هم بيحفضون الأصول، ثم يزيد عليه زوائد البخاري، هل هذا العمل جيد أو العكس أفضل؟ يحفظ لفظ البخاري ويزيد عليه زوائد مسلم؟ نعم هذا أفضل بكثير، إذاً كيف نقول: هذا أفضل مع أن مسلماً يعتني بصاحب اللفظ والبخاري لا يعتني بصاحب اللفظ؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لا يجزم بأن اللفظ الذي بينه مسلم هو لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن البخاري أكثر تحري وأكثر دقة، وأنظف أسانيد ومتون، ومع ذلك بيان مسلم هو الحديث رواه عن شيخين قال: هذا لفظ فلان، حتى لفظ فلان الذي بين فيه أنه لفظه لا يلزم أن يكون هو اللفظ النبوي، قد يكون اللفظ الذي أضرب عنه، لفظ الشيخ الثاني الذي ما ذكره هو الموافق للفظ النبوي، والله أعلم، وكون البخاري ما يبين المسألة مفترضة في رواة ثقات، روايتهم مقبولة وصحيحة، فليكن المعول على صحيح البخاري.
يقول:
وحيث من أكثر من شيخ سمع ... متناً بمعنىً لا بلفظ فقنع
بلفظِ واحدٍ وسمى الكل صح ... عند مجيزي النقل معنىً ورجح
بيانه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يقول: إذا روى الحديث عن اثنين وبينهما بعض الاختلاف في الألفاظ مع اتحاد المعنى ولم يبين هذا ماشي على جواز الرواية بالمعنى، ولا يضر إطلاقاً؛ لأنه لا يختلف المعنى، قال:
وحيث من أكثر من شيخ سمع ... متناً بمعنىً لا بلفظ فقنع
بلفظِ واحدٍ وسمى الكل صح ... . . . . . . . . .
حدثنا فلان وفلان وفلان ولم يبين صاحب اللفظ إنما المعنى واحد يجوز على قول الجماهير في صحة الرواية بالمعنى.(32/17)
. . . ... عند مجيزي النقل معنىً ورجح
بيانه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
المرجح بيانه؛ لأن هذا من التحري والدقة، والخروج من العهدة، إذا بين خرج من العهدة، أحياناً يرد في السند عند أبي داود: حدثنا فلان وفلان المعنى، وقد يقول: المعنى واحد، فإذا اقتصر على المعنى فمراده واحد، يعني ما يختلف بين المعنى فيما رواه فلان عن معنى ما رواه فلان، وإن اختلفوا في اللفظ.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ورجح
بيانه مع قال أو مع قالا ... وما ببعض ذا وذا وقالا
أحياناً مسلم -هذا موجود عنده- يقول: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحي بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لفلان وفلان قالا، أو اللفظ لفلان قال، يبين إن كان واحد صاحب اللفظ قال: قال، واللفظ لقتيبة قال، واللفظ لقتيبة ويحيى قالا، وأحياناً يقول: حدثنا الثلاثة: قتيبة بن سعيد، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة قال أبو بكر: حدثنا، لماذا يقول هذا؟ بعض أهل العلم يقول: إنه أعاد لفظ أبي بكر لأنه هو صاحب اللفظ، يعني حدثنا قتيبة ويحيى وأبو بكر بن أبي شيبة قال أبو بكر: حدثنا فلان عن فلان .. إلى آخره، فلماذا يعيد أبا بكر دون قتيبة ويحيى إلا لأنه له مزية عليهما؟ له مزية عليهما بأي شيء؟ بلفظه.
"مع قال أو مع قالا" يعني إذا كان صاحب اللفظ واحد قال، وإذا كان صحب اللفظ اثنين قال: قالا، وإذا كانوا ثلاثة قال: قالوا.
. . . . . . . . . ... وما ببعض ذا وذا وقالا
اقتربا في اللفظ أو لم يقلِ ... صح لهم. . . . . . . . .
يعني قد يروى الحديث عن اثنين ويقول: واللفظ مقارب أو متقارب أو تقارب في اللفظ، تقاربا في اللفظ، ولذا وقال:
اقتربا في اللفظ أو لم يقلِ ... صح لهم. . . . . . . . .
وكل هذا لتصحيح الرواية بالمعنى، أو لم يقل تقارب في اللفظ، ما يحتاج أن يقول: تقاربا في اللفظ.
. . . . . . . . . ... صح لهم والكتب إن تقابلِ
بأصل شيخ من شيوخه فهل ... يسمي الجميع مع بيانه احتمل(32/18)
يروي صحيح البخاري من طريق ثلاثة من الشيوخ، وعرفنا أنه عليه أن ينسخ صحيح البخاري، ويقابل هذا المنسوخ بالأصل، فإذا أراد أن يروي عن الثلاثة ماذا يصنع؟ إذا كانوا يلتقون برواية واحدة عن شيخ واحد الثلاثة يكتفي بنسخة واحدة يقابل عليها أصول الشيوخ الثلاثة، لكن إن اقتصر على مقابلته على أصل واحد يروي عن الثلاثة أو يروي عن صاحب الأصل؟ الآن يروي البخاري عن ثلاثة من الشيوخ وقلنا: إنه لا بد أن ينسخ الكتاب، ويقابل الكتاب على أصله، ما تقدم هذا؟ فإذا روى عن ثلاثة إما أن ينسخ عن النسخ الثلاثة، ويقابلها بأصولها أو يقتصر على نسخة واحدة يقابلها بالأصول الثلاثة، هذا نسخ نسخة واحدة وقابلها بأصل واحد من هذه الأصول، هل يروي عن الثلاثة أو يروي عن واحد الذي قابل نسخته بأصله؟ نعم؟
طلب:. . . . . . . . .
كيف؟
طلب:. . . . . . . . .
نحن انتهينا من الرواية باللفظ، الأدب الشفوي هذا انتهينا منه، الآن يؤدي تحريري من كتاب، الآن يؤدي تحريري عندنا قلنا: لا بد أن ينسخ الأصل، ولا بد أن يقابل على الأصل كما تقدم في أبواب مضت، يروي البخاري عن ثلاثة، وقابل على أصل واحد منهم، وترك أصلين يقول: يكفيني واحد أنا، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هؤلاء الثلاثة كل واحد يختلف عن الثاني، أيضاً بزيادة ونقصان كما هو معلوم، يعني أبو ذر يروي البخاري من طريق ثلاثة، وقد يختلف مع بعضهم، يعني رواية أبي ذر في بعض طرقه عن الكشمهني مع أنه تجد فروقاً بينه وبين الكشمهني، فعلى كل حال إذا كان يروي الحديث عن ثلاثة وافترض أنهم لا يلتقون، كل واحد له طريقه، فقابل نسخته التي انتسخها من الكتاب على أصل واحد منهم، هل يسوغ له أن يروي على الثلاثة أو يقتصر على من قابل نسخته بأصله؟
طالب: يقتصر.
يقتصر؟ يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والكتب إن تقابلِ
بأصل شيخ من شيوخه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(32/19)
يعني دون البقية بأصل واحد فهل يسمي الجميع مع بيانه احتمل، مع البيان، يعني إذا أراد أن يحدث يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، الثلاثة، مع مقابلته بأصل فلان، يعني يروي من كتاب فلان وفلان وهو لم يقابل كالرواية من الأصل غير المقابل، مو بأجازها الخطيب ومن معه على أن يبين أنه ما قابل؟ هذا منه، فإذا بين وقال: مع مقابلة الأصل بكتاب فلان دون فلان وفلان، إذا بين خرج من العهدة، فهل يسمي الجميع مع بيانه احتمل، هذا مثل ما تقدم من الرواية في الأصل غير المقابل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(32/20)
شرح ألفية الحافظ العراقي (34)
(الزيادة في نسب الشيخ - الرواية من النسخ التي إسنادها واحد - تقديم المتن على السند - إذا قال الشيخ: مثله أو نحوه)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الزِّيَاْدَةُ فِيْ نَسَبِ الشَّيْخِ
وَالشَّيْخُ إِنْ يَأْتِ بِبَعْضِ نَسَبِ ... مَنْ فَوْقَهُ فَلاَ تَزِدْ وَاجْتَنِبِ
إِلاَّ بِفَصْلٍ نَحْوُ هُوْ أَوْ يَعْنِي ... أَوْجِئْ بِأَنَّ وَانْسُبَنَّ الْمَعْنِي
أَمَّا إذا الشَّيْخُ أَتَمَّ النَّسَبَا ... فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ فَقَطْ فَذَهَبَا
الأَكْثَرُوْنَ لِجَوَازِ أَنْ يُتَمْ ... مَا بَعْدَهُ وَالْفَصْلُ أَوْلَى وَأَتَمْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
الزيادة في نسب الشيخ(33/1)
إذا كان الشيخ ذكر الإسناد باسم مهمل، فهل لمن روى عن هذا الشيخ أن يقول: حدثنا فلان قال: حدثنا قتيبة بن سعيد؟ الشيخ ما نسب شيخه فهل لمن روى عنه أن يزيد في نسبه؟ هو ما خالف الواقع هو قتيبة بن سعيد، إذا فعل ذلك فقد زاد على ما رُوي، وإن كانت هذه الزيادة صحيحة ولا تضر، لكن أحياناً يختلف في هذا المهمل، وكثير ما يقول الإمام البخاري: "حدثنا محمد" فأنت لا تستطيع أن تحدد حتى من له عناية بتمييز المهمل يختلفون في المراد بمحمد، اختلافهم هذا لا يؤثر في الخبر، صحيح بلا إشكال؛ لأن جميع شيوخ البخاري ممن اسمه محمد كلهم ثقات، الذين يُتردد في كونه أحدهم، هذا لا أثر له في صحة الخبر، لكن في التعيين، يتردد في كونه أحدهم، فهذا لا أثر له في صحة الخبر، لكن في التعيين لو قال: حدثنا محمد هل لك أن تقول: هو ابن بشار، أو محمد بن يوسف، أو محمد بن يحيى، يعني الذهلي؟ لا أثر له، فكثير ما يأتون قال: حدثنا قتيبة هو ابن سعيد، أو يعني ابن سعيد، أو أن قتيبة بن سعيد حدثه فيريد أن ينسبه بكلام من تلقاء نفسه، ولا يزيد على ما قاله الشيخ، ولا شك أن هذا من دقتهم وتحريهم، يعني شخص قتيبة ما يُختلف فيه، هل هو قتيبة بن سعيد أو غيره؟ ما يلتبس بغيره، أما من يلتبس هذا ما في أشكال أنه ليس لك أن تزيد، إلا إذا جئت بشيء محتمل، إذا قلت: أظنه فلاناً، أظنه ابن فلان.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
والشيخ إن يأتِ ببعض نسبِ ... من فوقه فلا تزد واجتنبِ
يعني لو أن الشيخ قال: حدثنا قتيبة بن سعيد هل لك أن تقول: قال: حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف أو ليس لك ذلك؟ لا، لا يزيد على ما رُوي، وإذا زاد يأتي بما يشعر إنه من عنده، زاده من تلقاء نفسه، من عنده ليوضح.
والشيخ إن يأتِ ببعض نسبِ ... من فوقه فلا تزد واجتنبِ
إلا بفصلٍ نحو هو. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
هو ابن فلان.
طالب:. . . . . . . . .(33/2)
كيف؟ أنت تعرف الآن أنه ما دام قال .. ، هو الشيخ ما بقالٍ هو، يعني لو قال مثلاً مسلم: حدثنا قتيبة هو ابن سعيد ما يمكن يقول: هو ابن سيعد، لماذا؟ لأنه شيخه هو الذي يعبر عنه، وهو الذي ينسبه، لكن من يروي عن مسلم لو أن مسلماً قال: حدثنا قتيبة، فمن يأتي بعده يقول: قال الإمام مسلم: حدثنا قتيبة وهو ابن سعيد، أو يعني ابن سيعد، وهذا صنيع الأئمة.
"أو جئ بأن" أن قتيبة بن سعيد حدثه، فيكون من تعبيرك أنت، أنت تحكي ما قاله الشيخ بأسلوبك وتعبيرك أنت، فلك أن تزيد ما شئت.
. . . . . . . . . ... أو جئ بأن وانسبنّ المعني
المقصود انسبه، ما دام بأسلوبك، يعني هل يقال: إن مسلماً قال: إن قتيبة بن سعيد حدثه؟ لا، هذا من تعبير من بعد مسلم، أن قتيبة بن سعيد حدثه، فيكون من تعبيرك أنت، أنت تحكي ما قاله الشيخ بأسلوبك وتعبيرك أنت، فلك أن تزيد ما شئت،. . . . . . . . . الحديث تجده في أول الكتاب ينسب، يطيل في نسب الراوي، تجده في نسب قتيبة يأتي به سداسي مثلاً، ثم بعد ذلك يقلص شيئاً فشيئاً إلى أن يقتصر على قتيبة، مع أنه لا يلزم أن يكون هذا في الموضع الأول؛ لأنه من خلال الاستقراء لصنيع أهل الحديث لا يلزم أن يكون البيان التام في الموضع الأول مع أن المنهجية التي يسلكونها الآن، ويطنطنون حولها أن يكون البيان في الموضع الأول، ثم يُحال عليه، نظير ذلك وأنت تحقق كتاب من خطتك أن تترجم للأعلام المذكورين في الكتاب، متى تترجم لهذا العلم؟ في أول موضع يمر بك، يعني ما تتركه في أول موضع بدون ترجمة ثم تترجم له في الموضع الثاني أو العاشر أو العشرين، هذه منهجية مسلوكة عند الباحثين، لكن أهل الحديث يقولون: ما دام حصل البيان سواء كان في الموضع الأول أو الموضع الثاني أمره سهل، ولذلك نجده أحياناً يقول في الموضع الأول: حدثنا قتيبة، وفي الموضع العاشر يذكره خماسي مثلاً، وهذا لا يضير، المقصود أنه بين في موضع من المواضع، ولذا يقول:
أما إذا الشيخ أتم النسبا ... في أول الجزء. . . . . . . . .(33/3)
يعني في أو الجزء قال: حدثنا قتيبة بن فلان بن فلان أو غيره من الرواة، فذهب الأكثرون لجواز أن يتم، لأنه قال: في موضع، نسب شيخه في موضع، فأنت تحكي هذه النسبة، وتستصحب هذه النسبة التي سمعتها من شيخك، فإذا اقتصر وأبهم أو أهمل فأنت ما زدت عليه، هو نسبه في موضع، ولا يلزم أن ينسبه في جميع المواضع، وهذا مثال الجزء، يعني في أول الجزء قال: حدثنا قتيبة بن فلان بن فلان بن فلان أو غيره من الرواة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فذهبا
الأكثرون لجواز أن يتم ... . . . . . . . . .
. . . . . . . . . لا تزيد في النسب، ولا بيعني، ولا هو، إنما تأتي بذلك على سبيل التردد، لعله يريد فلان، إلا إذا وقفت عليه مبيناً في طريق أخرى، كما هنا يقول:
أما إذا الشيخ أتم النسبا ... في أول الجزء فذهبا
الأكثرون لجواز أن يتم ... . . . . . . . . .
لأنه سمعه في موضع ما يحتاج أن يكرره في جميع المواضع.
. . . . . . . . . أن يُتم ... ما بعده والفصل أولى وأتم
يعني حتى في هذا الموضع تأتي بالفصل بـ (هو) أو يعني، وإن سمعته من لفظ الشيخ في موضع آخر، يعني بيّنه في أول الجزء قال لك: إن ما جاء من طريق فلان فأنا أرويه عن فلان بن فلان بن فلان نسبه كاملاً، ثم بعد ذلك درج في أثناء الكتاب على ذكر اسمه مجرداً، قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والفصل أولى وأتم
حتى في هذه الصورة التي سمعها السامع أو المتلقي أو الآخذ عن الشيخ النسب كاملاً، وهذا لا شك أنه يصور لنا دقة أهل الحديث.
طالب:. . . . . . . . .(33/4)
سفيان وحماد وغرهم، يعني لا يمكن تمييز بعضهم عن بعض في بعض المواطن التي لم يجئ تمييزها في موضع آخر، الحافظ الذهبي -رحمه الله- في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء ذكر قاعدة يتميز بها سفيان، ويتميز بها حماد، الثوري مِن ابن عيينة، وابن زيد مِن ابن سلمة، فيرجع إليها، وعلى كل حال هي قاعدة أغلبية ليست كلية، ومع ذلك يستفاد منها فائدة كبيرة، يستفيد منها طالب العلم، في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء، لهم طرق في تمييز المهمل، على كل حال حتى لو لم نستطع التمييز بين سفيان وسفيان، أو حماد وحماد كلاهما ثقة ما يضر، مثل هذا لا يضر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا أشكل تجتنب. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
لا أنا أقول: القاعدة الأغلبية مثل التي ذكر الذهبي في تمييز سفيان عن سفيان، يعني ما هي بقاعدة كلية، القاعدة الذي ذكرها ما هي بكلية؛ لأنه حينما يقول مثلاً: إذا كان بين سفيان وأصحاب الكتب الستة أو أحدهم بينهم راويان فالغالب أنه الثوري؛ لأنه أقدم من ابن عيينة، وإذا كان واحد فالغالب أنه ابن عيينة؛ لأنه متأخر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، أما إذا كان فيه احتمال لا يجوز إطلاقاً، يبقيه كما هو، إلا إذا جاء بحرف الترجي، لعله يقصد فلان أو أظنه فلان أو كذا، أما يقول: هو فلان أو يعني فلان هذا لا يجوز بحال، هذا مع الجزم بأنه قتيبة بن سعيد، هذا من دقتهم لئلا يذكر عن الشيخ ما لم يقله، الشيخ ما قال: قتيبة بن سعيد، وهو يقول: حدثنا فلان قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، هو ما قال: حدثنا قتيبة بن سعيد.
طالب: هنا جاء الإشكال إذا كان. . . . . . . . .
لا إذا قلت: يعني عرف القارئ أن الشيخ ما قال: قتيبة بن سعيد.
طالب:. . . . . . . . .(33/5)
أنت الآن تحكي كتب مؤلفة ومنسوخة ومضبوطة ومقابلة بأصولها، لا يجوز أن تدخل فيها شيئاً، لكن أنت في معرض الرواية، الشيخ قال لك: حدثنا قتيبة، أنت تقول: قال الشيخ فلان: قتيبة يعني ابن سعيد، تفسيرك أنت، ما في حد يمنعك من التفسير أبداً، اللهم إلا إذا كان في الكتب المصنفة فلا تدخل يعني ولا "هو" ولا تزيد ولا تنقص، تنسخ كما هي، شفت الفرق؟ فيلاحظون مثل هذا، اقرأ الباب الذي يليه.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هي بمشكلة ترى؟ ليست معضلة، يعني الوصول إليها ما هو بصعب، نعم.
الرِّوَاْيَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إسْنَاْدُهَا وَاحِدٌ
وَالنُّسَخُ الَّتِي بِإِسْنَادٍ قَطُ ... تَجْدِيْدُهُ فِي كُلِّ مَتْنٍ أَحْوَطُ
وَالأَغْلَبُ الْبَدْءُ بِهِ وَيُذْكَرُ ... مَا بَعْدَهُ مَعْ وَبِهِ وَالأَكْثَرُ
جَوَّزَ أَنْ يُفْرِدَ بَعْضاً بِالسَّنَدْ ... لآِخِذٍ كَذَا وَالإِفْصَاحُ أَسَدْ
وَمَنْ يُعِيْدُ سَنَدَ الْكِتَابِ مَعْ ... آخِرِهِ احْتَاطَ وَخُلْفَاً مَا رَفَعْ
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:(33/6)
"الرواية من النسخ التي إسنادها واحد" هناك نسخ يتداولها المحدثون تشتمل على جمل، هذه الجمل يمكن استقلال كل جملة عن التي قبلها والتي بعدها لعدم الارتباط، تُروى بإسناد واحد يذكر في أول الأمر، فمثلاًَ صحيفة همام بن منبه، أو صحفية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، وغير ذلك من الصحف التي تروى بإسناد واحد، يأتي بها الإمام أحمد -رحمه الله- في موضع واحد، يسوق إسناداً ثم يسرد الجمل كلها، مائة وثلاثين جملة يسردها سرداً نسقياً، يعني على نسق واحد، بينما أصحاب الكتب المؤلفة على الأبواب ما يسوقونها كاملة؛ لأنه لو أراد أن يكررها في كل موضوع يحتاج إلى جملة منها صار الكتاب أضعاف أضعاف ما هو عليه، فهو يحتاج إلى جملة منها في كتاب الطهارة، في جملة في كتاب الزكاة، في جملة في كتاب البيوع، جملة في كتاب الجهاد .. إلى أخره، فهو يأخذ من جملها لا يأخذها كاملة، يعني الإمام أحمد -رحمه الله- ما عنده مشكلة أنه يسوقها كاملة ليش؟ لأنه يترجم بالراوي الصحابي، ولن يكررها مرة ثانية؛ لأن مسنده مبني على المسانيد، فذكر في مسند أبي هريرة وانتهى منه، لكن غيره يذكرها في مسند من؟ ما يمكن يذكرها في مسند أحد، إنما يذكرها في الأبواب المناسبة لها، صحيفة همام بن منبه معروف أنها مروية في المسند، وفي الكتب الستة وغيرها، لكن سردها في المسند يختلف عن تقطيعها في الكتب الأخرى، وكل له طريقته في كيفية الاقتباس من هذه النسخة، يعني مسلم غالباً ما يقول: عن همام عن أبي هريرة، وذكر أحاديث منها قوله: كذا وكذا وكذا، عن همام عن أبي هريرة وذكر أحاديث، ثم يذكر منها الجملة التي يحتاجها.(33/7)
البخاري في مواضع كثيرة، يقول: عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) يذكر صدر الصحيفة، صدر النسخة، ثم بعد ذلك يقتطع منها ما شاء، هذا أسمه التفريق، هناك ما يقابل هذا ما اسمه الجمع، يعني الأئمة في التفريق عملوا به، هذه الصحف، وهذه النسخ التي تروى بإسناد واحد فرقوها ويذكرون الإسناد كامل في كل موضع، لكن ماذا عن الجمع؟ يعني مثلاً حديث أبي هريرة: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) في موضع آخر: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) في موضع ثالث: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) والإسناد واحد، هل لي أو لمن أراد أن يحدث أن يذكر الإسناد مرة واحدة وينسق الجميع؟ يعطف بعضها بعض؟ ومن قام ومن صام ... ، هذه مسألة تفريق، الذي معنا العكس، الرواية من النسخ التي إسنادها واحد، وليعلم أنه أحياناً يقع إشكال عند بعض طلاب الحديث، وهو جعل الحديثين واحد أو العكس، فتجد مثلاً في فتح الباري. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
واحتمال قائم أنه قاله دفعة واحدة، وقُطعت مثل الصحف، وبعضهم جمعها، ترى من أهل العلم من جمع الجمل الثلاث.
نأتي إلى الرواية من النسخ التي إسنادها واحد، يقول:
والنسخ التي بإسناد قطُ ... . . . . . . . . .
يعني فقط، إسناد واحد.
. . . . . . . . . ... تجديده في كل متن أحوطُ
"في كل متن" يعني في كل جملة مستقلة، تريدها في هذه الترجمة، إذا أردت الاقتصار عليها تجدد الإسناد تذكره مرة ثانية، يعني ما تجد البخاري أو مسلم ذكر إسناد صحيفة همام في الموضع الأول ثم تركه، لا، يكررانه في كل موضع يراد الاقتباس من هذه الصحيفة.
والنسخ التي بإسناد قطُ ... تجديده في كل متن أحوطُ
طالب: هذه يمثلها بها يا شيخ مثل صحيفة همام؟
إيه.
طالب: طيب يا شيخ لو صار يروها جملة واحدة؟
وين؟
طالب: الصحيفة.
هي الآن على وضعها في مسند أحمد جملة واحدة، لكن البخاري ما يستطيع أن يسوق مائة وثلاثين جملة كل جملة مستقلة استقلالاً تاماً عن غيرها.(33/8)
طالب: لكن فهمت يا شيخ من كلامك أنه في حين قطع بعض الجمل أو اختيار بعض الجمل يلزم ذكر السند مرة أخرى.
هذا ذكره الشيخ، تجديده، وتجديد السند.
طالب: لكن ما يختلط الكلام بعضه ببعض حديث بحديث أو كتاب بكتاب.
إلا ذكر قطعة في كتاب الوضوء، وذكر قطعة في كتاب البيوع.
طالب: هذا صنيع البخاري؟
إيه من تريد؟
طالب: لكن لو سرد خلال مثلاً درس؟
سرد، لا، مثل صنيع الإمام أحمد، يعني سرد الجملة المائة والثلاثين؟ ما يحتاج يكرر هذا، التكرار حينما نحتاج إلى تقطيع هذه الصحيفة والاقتباس منها نكرر السند، أما إذا سقناها مساقاً واحداً فبإسناد واحد، مثلما صنع الإمام أحمد.
طالب: لو اتخذت تبويبات، جزأتها تبويبات؟
تبويبات غير منفصلة؟ يعني هذه الصحيفة أخذتها ووضعت لها عناوين تراجم، ما يحتاج، لكن يقولون: من الأدق أن تقول: "وبه"، يعني بالإسناد السابق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إيه؛ لأنها جمعت؛ لأنها وجدت مجموعة، وتناولها الرواة على أنها مجموعة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه أيه هذا هو الأصل، يعني صحيفة همام مجموعة، صحيفة عمرو بن شعيب مجموعة.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، يعني مقطعة كما عند الإمام البخاري ومسلم وجمعها أحمد؟ لا، لا، عُرف أنها صحيفة، كتب عنها يروي من كتاب، يروي من صحيفة، معروف هذا عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، أحمد ما في إشكال ذكر الإسناد مرة واحدة، وسرد جميع الجمل من احتاج. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
إلا إذا استحضر الطالب صار كله من الطالب، والشيخ يعرف أن هذه القطعة من تلك الصحيفة، نعم يقول: "وبه" يعني بالإسناد الذي تقدم ما في إشكال، لكن إذا أودع كتاب، وسيأتي من سيأتي من لا يعرف أن هذه القطعة من تلك الصحيفة ما في شك أن تجديد السند أحوط.
"والأغلب البدء به" البدء بإيش؟
طالب: بالسند.
بالسند.
. . . . . . . . . ويُذكرُ ... ما بعده معْ وبه والأكثرُ
يعني إذا لم يطل الفصل، وعرف الطالب أن هذه الجملة من تلك الصحيفة ما يلزم تكرر السند كاملاً، إنما تقول: "وبه".(33/9)
الآن الشراح -وهذا واضح جداً القسطلاني يروي صحيح البخاري بإسناد ذكره في المقدمة، ذكر الإسناد كله كاملاً في حديث: بدأ الوحي، في حديث عمر، ثم الذي يليه ذكر الإسناد كامل إلى البخاري؟ قال: لا، وبه، يعني بالسند المتقدم، الحديث الذي يليه "وبه" يعني بالسند المتقدم، الثالث، الألف، الألفين، السبعة الآلاف كلها يقول: "وبه" يعني بالسند المتقدم، هذا إذا كانت الأحاديث متوالية، أما إذا كانت متبيانة ومتباعدة لا بد من إعادة السند.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وبه والأكثرُ
جوز أن يفرد بعضاً بالسند ... لآخذٍ كذا والإفصاحُ أسد
يعني يجوز أن تأخذ جملة من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة، وما تشعر القارئ أنها جملة من صحيفة، لماذا؟ كما أنك يجوز لك أن تستدل ببعض آية من غير أن تقول: الآية، أو تضع نقط قبل ما تريد أن تحتج به، لأن الآن في البحوث إذا قلت: في قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] ما تضع نقط، في البحوث المتأخرة، يقول: تضع نقط للدلالة على أن أول النص محذوف، ونقط في آخره للدلالة على أن آخره محذوف، ما يلزم، يعني أنت محتاج إلى جملة من آية أو من حديث على ما تقدم من الخلاف في جواز تقطيع الحديث، وإذا جاز ذلك في القرآن فلئن يجوز في السنة من باب أولى، وهو صنيع الأئمة، يقول: آية. . . . . . . . . متعاطفة تروى بإسناد واحد، هذه طريقة مسلم، طريقة البخاري في الغالب مع أنه قد يسلك الطريقة الأخرى يأتي بالجملة الأولى من هذه الصحيفة ويعطف عليها ما يريد من جمل هذه الصحيفة، فيقول: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) ثم يأتي بما يريد، ولذلك بعضهم ما عرف العلة والسبب الذي من أجله ساق البخاري هذه الجملة -الجملة الأولى-، فتكلف لإيجاد مناسبة لهذه الجملة للترجمة، ترجمة في كتاب الوضوء مثلاً، كتاب الطهارة، أو في كتاب الصلاة. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والإفصاح أسد
ومن يعيد سند الكتاب مع ... آخره احتاط وخلفاً ما رفع(33/10)
من يعيد سند الكتاب يقول: أنت قطعت هذه الصحيفة، وذكرت الإسناد في أول موضع، الثاني قلت: "وبه" بحيث لا يلتبس الضمير بإسناد آخر غير السند المقصود، قلت: "وبه" والمتلقي يعرف أن الضمير يعود إلى الإسناد الذي مع الجملة الأولى من هذا الخبر، يقول: إذا انتهيت أعد هذا الإسناد في آخر الكلام لئلا يكون المتلقي نسي الإسناد الأول، الآن بعض العلماء الذين يروون الأحاديث بالأسانيد إذا ألفوا مختصرات مجردة عن الأسانيد تجده أحياناً يحلي يذكر الإسناد في أول الكتاب، وبعد كذا حديث يذكر الإسناد، ويستمر بدون إسناد ثم يذكر الإسناد، وكذلك إذا ساق أسانيد في شرح له على أي كتاب تجده أحياناً يذكره بإسناده إلى الأئمة، وأحياناً يجرده وينسبه إلى المخرج ويكتفي به، فهم يذكرون بالأسانيد؛ لأن مع طول العهد تنسى فما تعرف أن الحافظ العراقي يروي مثلاً هذا الحديث عن الإمام البخاري بواسطة عشرة مثلاً، أو بواسطة ثمانية، يذكر لك في موضع، ثم يتجاوز له عشرين ثلاثين موضع ثم يذكره أحياناً، وفي النهاية يذكره ليذكرك به، ولذا قال:
ومن يعيد سند الكتاب مع ... آخره احتاط وخلفاً ما رفع
إيش "خلفاً ما رفع"؟ يعني الذي يشترط أن يكرر الإسناد في كل موضع، الذي يذكره في الآخر فقط ما رفع الخلاف، يعني مع كونه احتاط، لكن مع ذلك ما رفع الخلاف، خلاف من تشدد في هذه المسألة، ورأى أنه لا بد من ذكر السند في كل جملة.
سم.
تَقْدِيْمُ المَتْنِ عَلى السَّنَدِ
وَسَبْقُ مَتْنٍ لَوْ بِبَعْضِ سَنَدِ ... لاَ يَمْنَعُ الْوَصْلَ وَلاَ أَنْ يَبْتَدِي
رَاوٍ كَذَا بِسَنَدٍ فَمُتَّجِهْ ... وَقالَ: خُلْفُ النَّقْلِ مَعْنَى يَتَّجِهْ
في ذَا كَبَعْضِ الْمَتْنِ قَدَّمْتَ عَلَى ... بَعْضٍ فَفِيْهِ ذَا الْخِلاَفُ نُقِلاَ(33/11)
تقديم المتن على السند: الأصل والجادة عند أهل العلم أن المقدم السند؛ لأنه وسيلة يتوصل بها إلى ثبوت المتن، والوسيلة مقدمة على الغاية، هذا أمر معروف، الضوء قبل الصلاة فهو وسيلة إليها، وكذلك السند وسيلة إلى الغاية التي هي المتن، والجادة أن السند يذكر قبل، لكن لو ذكر المتن قبل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما كل امرئ ما نوى)) قال البخاري: حدثنا به الحميدي قال: حدثنا سفيان .. إلى آخره، إذا قدمنا المتن على السند، يتغير شيء من الواقع؟ سواء قدمنا أو أخرنا الجمهور ما في أدنى إشكال عندهم؛ لأن الصورة ما تغيرت، ولا يقال مثلاً: إن الشيخ رواه السند قبل المتن، كونه قدم أو أخر يعني ما له أثر –هذا- في الوقع إلا عند ابن خزيمة، وينتبه لهذا، ابن خزيمة -رحمه الله- إذا قدم المتن على السند فلعلة في السند، يعني عند غيره، أنت تريد أن تستدل بحديث من صحيح البخاري فتذكره بإسناده، يعني ما يختلف سواء قدمت الإسناد أو أخرته عند مسلم وعند غيره، ابن خزيمة إذا قدم المتن ليس لك أن تقدم السند والعكس، لماذا؟ لأنه لا يقدم المتن على السند إلا لعلة في السند، فأنت إذا قدمت السند على المتن الذي آخره أو قدمه على سنده أنت أوقعت نفسك وأوقعت غيرك في إشكال رفع هذه العلة والعكس، إذا قدمت المتن وهو مقدم والسند مقدم عليه في صحيح ابن خزيمة أنت جعلت القارئ يظن في هذا الحديث أو في سنده علة، قال:
وسبق متن لو ببعض سند ... لا يمنع الوصل ولا أن يبتدي
راوٍ كذا بسند فمتجه ... . . . . . . . . .
"سبق متن" المتن يسبق السند كامل، وهذا موجود عند البخاري، يسبق السند كاملاً، وقد يذكر بعض السند قبل المتن، وبعضه بعد المتن، يعني لو تقول: عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) قال البخاري: حدثنا به الحميدي عن سفيان عن يحيى بن سعيد خلاص يكفي، سواء قدمت المتن على السند كاملاًَ، أو قدمت بعض السند وأخرت بعضه، هذا ما في إشكال.
وسبق متن لو ببعض سند ... . . . . . . . . .
(لو) هذه هل نقول: إنها للخلاف القوي كما هي عند الفقهاء؟(33/12)
طالب: إنما هي للتقليل. . . . . . . . .
ما هي بـ (أو) لا (لو) هذه، يعني المسائل الاصطلاحية هل تستصحب من فن إلى آخر؟
طالب: الغالب.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هل نستصحب اصطلاح الشافعية ونطبقه على كتب الحنابلة أو على الحنفية؟ أو اصطلاح الفقهاء نطبقه على المحدثين؟ لا ما يمكن، ولذلك ما نقول: إن (لو) هذه للخلاف القوي كما هي عند الحنابلة.
وسبق متن لو ببعض سند ... لا يمنع الوصل. . . . . . . . .
يعني متصل ما نقول: إن هذا منقطع؛ لأنه ما ذكر أول السند، يعني حذفنا الحميدي وسفيان ويحيى بن سعيد، واقتصرنا على علقمة وعمر، ما نقول: إن هذا معلق، لماذا؟ لأن الثلاثة سوف يذكرون بعد ذكر المتن.
. . . . . . . . . ... لا يمنع الوصل ولا أن يبتدي
راوٍ كذا بسند فمتجه ... . . . . . . . . .
يعني من أراد رواية الحديث .. ، وجدت في كتاب المتن مقدم، وتريد أن تروي هذا الحديث من هذا الكتاب لا يمنع أن تقدم السند على الجادة، وجدت بعض السند مقدم على المتن وبعضه مؤخر لا يمنع أن تروي السند كاملاً قبل المتن على الجادة.
. . . . . . . . . فمتجه ... وقال: خُلف النقل معنى يتجه
في ذا كبعض المتن قدمت على ... . . . . . . . . .
يعني الخلاف في النقل يقول: "معنى يتجه" إيش معناه؟ "وقال" من القائل؟
طالب: ابن الصلاح.
ابن الصلاح كما هو معروف "خلف النقل معنىً يتجه" يعني الذي يخالف في الرواية في المعنى يخلف في مثل هذا.
في ذا كبعض المتن قدمت على ... بعضٍ. . . . . . . . .
يعني قدمت بعض المتن على بعض، يعني هل لك أن تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما لكل امرئ ما نوى، وإنما الأعمال بالنيات))؟ يعني الجمل التي لا يرتبط بعضها ببعض قدمت أو أخرت ما في إشكال، لكن إذا كانت الجمل مرتبط بعضها ببعض بمعنى أن الثانية ما تفهم إلا بعد سياق الأولى هذا ما يجوز فيها تقديم ولا تأخير.
في ذا كبعض المتن قدمت على ... بعضٍ ففيه ذا الخلاف نُقلا(33/13)
يعني كأن الخلاف في مثل هذا، السند كامل مع المتن كامل تقدمه أو تأخره ما في أشكال، لكن بعض المتن تقدمه على بعض هذا محل إشكال؛ لأنه قد يكون ترتيبه فيه أمر معنوي خفي لم تطلع عليه أنت، ولا تدرك أنت، فيكون الترتيب أحياناً له معنى، فيخفى عليك، فوجد مثل هذا الخلاف في عدمه، وإلا إذا وجدت الجمل المنفكة لا يرتبط بعضها على بعض، ولا فهمها، وجوزنا تقطيعها فلئن نجوز تقديم بعضها على بعض من باب أولى.
سم.
إذَا قَالَ الشَّيْخُ: مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ
وَقَوْلُهُ مَعْ حَذْفِ مَتْنٍ مِثْلَهُ ... أَوْ نَحْوَهُ يُرِيْدُ مَتْنَاً قَبْلَهُ
فَالأَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ أنْ يُكَمِّلَهْ ... بِسَنَدِ الثَّاني وَقِيْلَ: بَلْ لَهْ
إِنْ عَرَفَ الرَّاوِيَّ بِالتَّحَفُّظِ ... وَالضَّبْطِ وَالتَّمْيِيْزِ لِلتَّلَفُّظِ
وَالْمَنْعُ فِي نَحْوِ فَقَطْ قَدْ حُكِيَا ... وَذَا عَلَى النَّقْلِ بَمِعْنَى بُنِيَا
وَاخْتِيْرَ أَنْ يَقُوْلَ: مِثْلَ مَتْنِ ... قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا وَيَبْنِى
وَقَوْلُهُ: إِذْ بَعْضُ مَتْنٍ لِمْ يُسَقْ ... وَذَكَرَ الْحَدِيْثَ فَالْمَنْعُ أَحَقّْ
وَقِيْلَ: إِنْ يَعْرِفْ كِلاَهُمَا الْخَبَرْ ... يُرْجَى الْجَوَازُ وَالْبَيَانُ الْمُعْتَبَرْ
وَقالَ: إِنْ يُجِزْ فَبِالإِجَازَهْ ... لِمَا طَوَى وَاغْتَفَرُوْا إِفْرَازَهْ
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:(33/14)
"إذا قال الشيخ: مثله أو نحوه" وهذه الصيغ تكثر في صحيح مسلم الذي يجمع الروايات في موضع واحد، فيسوق الإسناد والمتن في الموضع الأول والثاني، ثم يقول بعد ذلك -بعد أن يسوق إسناداً ثالثاً ورابعاً-: "مثله"، وقد يقول: "نحوه"، الحاكم نقل عن شيوخه وهو الذي استقر عليه الاصطلاح أن الراوي إذا قال: "مثله" أنه بحروفه، وإذا قال: "نحوه" أنه بمعناه، مع أنه طبق على صحيح مسلم في بعض المواضع مع دقة الإمام مسلم أنه إذا ساق الحديث من طريق راوٍ، ساق المتن ثم ساق السند من طريق راوٍ آخر وقال: "مثله" أنك إذا تتبعته في الكتب الأخرى من طريق هذا الراوي قد تجد بعض الاختلاف، أما إذا قال: "نحوه" هذا ما في إشكال، يعني بمعناه، فهل لك أن تركب السند الثاني الذي لم يذكر متنه على المتن السابق، إذا قال: "مثله"؟ يعني الذي عهدت عليه شيوخنا وأئمتنا -يقوله الحاكم- أن مثله يعني بلفظه، فهل معنى هذا أنه إذا قال مسلم: "مثله" أو "بمثله" أو وذكر مثله، أن لنا أن نأخذ المتن السابق بحروفه، ونركب عليه السند اللاحق، قد يقول قائل: لماذا لا تسوق المتن بسنده الذي ذكره معه؟ نقول: يا أخي ما دام بمثله، وهذا السند الثاني أعلى مثلاً أقل رواة، أو أنظف مثلاً، أو فيه تصريح بمساع بخلاف الذي قبله، فأنا أحتاج إلى هذا السند لنظافته، وأحتاج للمتن السابق لأنه قال: "مثله"، هل لي أن أفعل ذلك أو لا؟ منهم من يقول: لك أن تفعل ذلك بمثله دون نحوه، ومنهم من يقول: لك أن تفعل ذلك في الأمرين معاً، بناءً على جواز الرواية بالمعنى، إذا قال: "نحوه" إذاً بالمعنى، فركب السند الثاني على المتن، والقول الثالث .. ، في قول بالمنع مطلقاً، والتفريق بين "بمثله" و"نحوه"، وفي أيضاً القول بالبيان بيان الواقع بدقة، يسوق الإسناد الثاني فيقول بعد ذلك: بمثل حديثٍ قبله لفظه كذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(33/15)
لا، ما هو مسلم قال: "بمثله" لكن أنت محتاج لهذا المتن ولا تريد ذلك الإسناد، مسلم طول الإسناد إسناد نازل جداً، الذي بعده أعلى منه، فهل تسوق المتن بالإسناد الثاني؟ لأنه قال: "بمثله" والأصل أن "بمثله" بحروفه، وعرفنا أن منهم من قال: "بمثله" ما دام بحروفه لك أن تفعل ذلك من غير بيان، دون نحوه، ومنهم من قال: لك أن تفعل في الأمرين لجواز الرواية بالمعنى؛ لأن "نحوه" بمعناه، ويجوز أن تروي بالمعنى، ومنهم من قال: لا تفعل شيئاً، ضع الأمر كما وضعه عليه مؤلفه، تريد أن تأخذ هذا الحديث بإسناده من مسلم، اروه بالسند الذي ذكره معه مسلم، ومنهم من يقول: لا لك أن تذكر بالسند الثاني المتن السابق لكن مع البيان، فتقول: "بمثل حديثٍ قبله لفظه كذا" هذا واضح، بيان ذا، قال:
وقوله: مع حذف متن مثله ... أو نحوه يريد متناً قبله
يعني الصورة واضحة، يعني وجودها في صحيح مسلم بكثرة، يعني في كل باب من أبوابه إلا ما ندر، يقول:
فالأظهر المنع من أن يكمله ... بسند الثاني. . . . . . . . .
المنع، يعني لماذا؟ وهذا فيه شيء من التضييق والاحتياط، تضييق على من أراد أن يستدل ويلفق سند على متن، يركب سند على متن، أولاً مسألة تركيب الأسانيد قد تجد حديثاً موضوعاً مروياً من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا ليس بصحيح، السند مركب، ملفق لهذا المتن، هذا يسمونه إيش؟ سرقة الأحاديث، وعُرف بها بعض الرواة، يجيب لك حديثٍ يبي يمشيه ويركب له سند، ما هو هذا الذي أتكلم عنه أنا، الخلاف ما هو هنا، الخلاف كله في صحيح مسلم، يعني متن حديث لا مطعن لأحد فيه، وسند نظيف إلا أن المتن سيق لإسناد قبله نازل مثلاً، أو فيه عنعنة ونحن نحتاج إلى تصريح بالسماع، فنريد أن نركب السند الثاني على المتن الذي قبله، قال:
فالأظهر المنع من أن يكمله ... . . . . . . . . .
ولا شك أن هذا أحوط، لكن ما تدري الآن قال: "بمثله" يمكن في اختلاف، وقد وجد الاختلاف لكنه يسير، يعني بالتتبع تجد مثلاً روى مسلم هذا الحديث وساق إسناده وقال: "بمثله" ولم يذكر اللفظ، فتتبعته من المصادر وجدت فيه بعض الاختلاف.
فالأظهر المنع من أن يكمله ... بسند الثاني وقيل بل له(33/16)
إن عُرف الراوي بالتحفظِ ... . . . . . . . . .
يعني من الذي قال: مثله؟ إذا عرف هذا الذي قال: مثله بالتحفظ والتيقظ، وأنه لا يطلق الكلام على عواهنه، كما يفعل بعض من لا عناية له، إذا عُرف أن ما يقول الكلمة إلا وزنها مضبوطة، مثل هذا لا مانع من أن يعتمد عليه.
إن عُرف الراوي بالتحفظِ ... والضبط والتمييز للتلفظِ
لأنه قد يقول: "مثله" وفيه خلاف قال: أظنه يسير ما يؤثر في كونه بلفظه.
والمنع في نحو فقط قد حكيا ... . . . . . . . . .
نحو لأنها ليست باللفظ وإنما هي بالمعنى.
والمنع في نحو فقط قد حكيا ... وذا على النقل بمعنى بنيا
هذا مبني على جواز الرواية بالمعنى، فمن يجوز الرواية بالمعنى يجيز حتى في حالة ما إذا قال الراوي: "نحوه" لأنه إذا قال: "نحوه" فبمعناه، والرواية بالمعنى جائزة، إذاً نركب هذا على هذا، ويش المانع ما دامت الرواية بالمعنى جائزة عند الجمهور؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن لما قال: "مثله" هو ما فرق بين مثله ونحوه؟ أنت تجيز إذا قال: "نحوه"؟
طالب: أنا أتكلم على. . . . . . . . .
لا إذا قال: "نحوه" تجيز وإلا ما تجيز؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما نحتاج إلى ضبط لفظ الآن، نحتاج إلى ضبط معنى.
طالب:. . . . . . . . .
والرواية بالمعنى جائزة عند الجمهور، لكن أنت لما تركب إسناد على متن، أنت لو قارنت بين صحيح مسلم وصحيح أبي عوانة، هل لك أن تروي لفظ أبي عوانة بإسناد مسلم أو العكس؟ لأن المستخرجات توافق الأصول في المعنى، شوف الفرق الكبير لما يقولون: معنى لا يعني أن المعنى مطابق مائة بالمائة، حتى في "مثله" وجدوا خلاف بين الأصل والفرع، يعني تجد مثله في مسلم تجد الحديث مروي من طريق نفس الراوي عند أبي داود وفيه شيء من الاختلاف، فما دام وجد مثل هذا لا شك أن التحري والتثبت يقتضي المنع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إيه، بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .(33/17)
أنت ما تعتمد الآن على مسلم، اعتمادك على من أحالك مسلم عليه، هذا لفظ فلان ما قال: لفظي أنا، الآن مسلم أحالك على الراوي في الموضع الثاني، أنت ما أنت بتتعامل مع مسلم الآن، ما هو مسلم صاحب اللفظ، صاحب اللفظ من رواة هذا الإسناد الذي ذكره مسلم، عرفت؟ كلنا نعرف أن مسلم من أهل التحري والثقة والدقة يبين بالحرف، لكن مع ذلك هو يحيلك على شيوخه الذين يروي عنهم، قال:
واختير أن يقول: مثل متنِ ... قبل. . . . . . . . .
الذي قبله، يعني الدقة في التعبير، يعني لما قال: "مثله أو نحوه" فتقول: مثل متنٍ قبله، ولفظه كذا، الآن تخرج وتبرأ من العهدة من كل وجه، يعني أنت لو ركبت السند الثاني من دون بيان، ثم جاء من يتعقبك له أن يتعقب؛ لأن مثل هذه القضايا المتخلف فيها ما يلزم بها قارئ من القراء، يعني إذا أردت أن تحتكم أنت وخصمك على شيء تحتكم إلى شيء تتفق فيه مع خصمك، فأنت إذا كنت ترى هذا الرأي وسقته من غير بيان خصمك ما يسلم لك، لكن إذا قلت: مثل حديث قبله لفظه كذا، ما في أحد يتعقبك، وجائز على كل قول هذا، قال:
واختير أن يقول: مثل متنِ ... قبل ومتنه كذا ويبني
وقوله إذ بعض متن لم يسق ... وذَكَرَ الحديث فالمنع أحق
أحياناً يسوق الراوي بعض الحديث مثلاً بالسند -سند البخاري- عن النعمان بن بشير قال: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين)) .. الحديث، والحديث هذه منصوبة يعني: اقرأ الحديث، أو أكمل الحديث، هل لك أن تكمل الحديث؟ يعني أنت ما دام معزو للبخاري ترجع لصحيح البخاري، لكن أنت افترض أنه ما ذكر، البخاري ما ذكر الحديث كاملاً، فقال: الحديث، هل لك أن ترجع إلى الكتب الأخرى، والمصادر -مصادر السنة- الأخرى وتكمل الحديث بغير بيان؛ لأن البخاري أحالك على الكتب الأخرى التي ذكر فيها المتن كاملاً، فقال: الحديث، اقرأ الحديث، أو أكمل الحديث، فهل لك أن تذكر المتن كاملاً بهذا الإسناد، وذكر حديث: ((إن الحلال بين)) لأن في بعض ألفاظه اختلاف كبير بين الرواة، وحتى في المواضع من الصحيح اختلاف كبير، فلو افترضنا أنه اقتصر على جزئه الأول في موضع هل لك أن تكمله من موضع آخر مع وجود هذه الاختلافات، وإن كانت اختلافات غير مؤثرة، ولذا يقول:(33/18)
وقوله إذ بعض متن لم يسق ... وذَكَرَ الحديث فالمنع أحق
. . . . . . . . . لكن لو ساق المتن كامل قبل، وأحال إليه فيما بعد هذا الذي فيه الخلاف السابق، لكنه ذكر بعض المتن ولم يذكر باقيه، فأنت تريد أن تخرجه من المصادر الأخرى وتكمله، لا، لو قلت: روى البخاري قال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن النعمان بن بشير قال: ((إن الحلال بين، وإن الحرام بين)) قال: الحديث وتمامه كما في صحيح مسلم، في سنن أبي داود، تبرأ من العهدة، إذاً هذا ظاهر، قال:
وقوله إذ بعض متن لم يسق ... وذَكَرَ الحديث فالمنع أحق
وقيل: إن يعرف كلاهما الخبر ... يرجى الجواز والبيان المعتبر
الآن في مجالس المذاكرة ما يُذكر الحديث كاملاً، يذكر طرف الحديث، ويعرف الشيخ الذي ذكر الحديث والمتلقي عنه، الشيخ يعرف ماذا طوى؟ والمتلقي عنه يعرف أن الشيخ يقصد بقية الحديث المروي عند فلان، إلا أنه في حال المذاكرة ما يحتاج إلى أننا نذكر الحديث بكماله، وكتب الأطراف تقتصر على طرف الحديث، يعني مثلاً تحفة الأشراف حينما يذكر في ترجمة من التراجم يذكر أحاديث هذه الترجمة فيذكر الجزء الأول منه، الآن أنت تعرف ما دام أحالك على كتاب معين تعرف أنه يريد ذلك اللفظ الذي عند ذلك الشيخ، تكمل ما في إشكال، في مجالس المذاكرة وأنت تعرف أن الشيخ الذي قال هذا الحديث يقصد هذا الحديث المذكور عند البخاري مثلاً، قال:
وقيل: إن يعرف كلاهما الخبر ... . . . . . . . . .
كلاهما يعرف الخبر، يعني كلاهما مثلاً الشيخ حفظ هذا الحديث من كتاب معين، يعني الحديث حفظه من الأربعين من أوائل الطلب، وأراد أن يستدل لك وأنت في مجلس مذاكرة بطرف حديث، وأنت تعرف أنه حفظه من الأربعين مثلاً، تستطيع تكمل؛ لأن هذا معروف عند الشيخ وعند الطالب، قال:
وقيل: إن يعرف كلاهما الخبر ... يرجى الجواز والبيان المعتبر
يعني حتى البيان في مثل هذا أوضح وأولى.
وقال: إن يُجز بالإجازه ... لما طوى واغتفروا إفرازه(33/19)
ويش لون؟ يعني لما قال لك: الحديث، والحديث عرفنا أنها بالنصب، كأنه قال لك: أكمل الحديث، يعني أجازك بإكمال الحديث، فلما قال لك: الحديث وأكملت الحديث، ورويته عنه باعتبار أنه قال لك: الحديث كأنها إجازة، بل قالوا: من أقوى أساليب الإجازة، كيف من أقوى أساليب الإجازة؟ لأنه إجازة بمعين بحديث فرد معين، أيضاً لشخص معين، الأمر الثالث: أنه ذكر لك طرف الحديث، يعني فيه نوع تخصيص، فهذا من أقوى أنواع الإجازة.
وقال: إن يُجز بالإجازه ... . . . . . . . . .
يعني ما تروي الحديث كاملاً باعتبار أنه ذكر لك طرف الحديث، وإن كنت تعرف ما يريد إلا عن طريق الإجازة "لما طوى" يعني لما لم يذكر، "واغتفروا إفرازه" اغتفروا أن تفرز وتبرز هذه القطعة المذكورة عن القطعة المطوية، يعني ما يلزم أن تقول: واقتصر على هذا، وقال الحديث وأكملته من كتاب كذا.
اللهم صل على محمد.
سم.
طالب: عند التخريج. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، تقول: اللفظ لمسلم، وهو عند البخاري مختصر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
تقول: وأصله في البخاري، أو سنده في البخاري، ما في شيء.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا حذفت الباء قل: "مثله" و"بمثله" بالباء، المعنى وحد.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله ...(33/20)
شرح ألفية الحافظ العراقي (35)
(إبدال الرسول بالنبي وعكسه - السماع على نوع من الوهن أو عن رجلين - آداب المحدث)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-:
إِبْدَاْلُ الرَّسُوْلِ بِالنَّبِيِّ وَعَكْسُهُ
وَإِنْ رَسُوْلٌ بِنَبِيٍّ أُبْدِلاَ ... فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ كَعَكْسٍ فُعِلاَ
وَقَدْ رَجَا جَوَازَهُ ابْنُ حَنْبَلِ ... والنووي صَوَّبَهُ وَهْوَ جَلِيْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"إبدال الرسول بالنبي وعكسه"
يعني إبدال الرسول بالنبي وإبدال النبي بالرسول، يعني أنك إذا رويت حديثاً قال فيه شيخك: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل لك أن تقول: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- أو العكس، وكذلك إذا وجد لفظ الرسول أو لفظ النبي في متن حديث هل يجوز لك أن تبدله بالآخر؟ هذا محل هذين البيتين.
قال -رحمه الله-:
وإن رسول بنبي أبدلا ... . . . . . . . . .
يعني قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قلت: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، أو جاء في متن حديث يتحدث الصحابي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن فعله، بأحد اللفظين، فهل لأحد أن يغير؟ أما بالنسبة للقول والفعل المنسوب المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمقصود الإضافة إلى ذاته وشخصه -عليه الصلاة والسلام- فالتعبير بالنبي أو بالرسول سيان؛ لأن المقصود الذات، والذات يصح وصفها بالنبوة، ويصح وصفها بالرسالة، ولا شك أن الرسالة أكمل من النبوة عند الجمهور، فمنهم من يقول: إذا أبدل الأدنى بالأعلى لا بأس دون العكس، وعلى كل حال المعنى لا يتغير؛ لأن المتحدث عنه ذات واحدة سواء وصفت بالنبوة أو الرسالة.
طالب: يا شيخ أحسن الله إليك: إذا أبدل الأدنى بالأعلى أم العكس؟
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(34/1)
إذا أبدل الأعلى بالأدنى إيه؛ لأن الباء تدخل على المتروك، على كل حال إذا كان اللفظ: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، أو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلى قول أنه يجوز لك أن تقول: قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الرسالة أكمل، مثل ما صوب النووي وغيره، وجوزه الإمام أحمد أنه يجوز الإبدال ما دام المتحدث عنه شخص واحد، يعني كما تقول في غيره -عليه الصلاة والسلام- بدلاً من أن تقول: هذا اختيار أو هذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولو قلت: مذهب أبي عبد الله صح، ولو قلت: مذهب ابن حنبل، ولو قلت: مذهب أبي عبد الله بن حنبل، المتحدث عنه شخص واحد، أو تقول: مذهب أبي حنفية، أو مذهب النعمان، أو تقول: مذهب الشافعي، أو تقول: مذهب محمد بن إدريس، ما يختلف المتحدث عنه ذات واحدة، ولا يتأثر الكلام بالإبدال، لكن ينبغي المحافظة على ألفاظ الشيوخ، وأن تروي كما سمعت، هذا الأصل، لكن إذا ند عنك اللفظ الذي رُويته فلا مانع من أن تبدله في مثل هذا الموضع، وأحياناً الكاتب وهو يكتب -ينسخ كتاباً- فيبدل، فبدلاً من أن يسود الورق بالطمس يقول: ما في فرق، هل نقول له: اطمس كلمة (قال النبي -عليه الصلاة والسلام-) واكتب مكانها (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)؟ وأنت تنسخ كتاب من كتب غيرك، وعرفنا فيما تقدم أن الرواية بالمعنى لا تدخل المصنفات المكتوبة المضبوطة المحررة، ما تدخلها الرواية بالمعنى، وعلى هذا إذا كتب -سبق قلمه- (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) والذي في الأصل (قال النبي -عليه الصلاة والسلام-) يعني ولو جوز في مثل هذا في الرواية فإنه حينئذٍ تغيير المصنفات عند ابن الصلاح وغيره لا يجوز، وأحياناً تقديم وتأخير لا يتأثر فيه الكلام، فسبق قلمك وكتبت أو لسانك ونطقت بالمقدم مؤخر والعكس مما يجوز فيه التقديم والتأخير، ولا يتأثر الكلام به، هو من هذا النوع، يقول:
وإن رسول بنبي أبدلا ... فالظاهر المنع كعكس فعلا(34/2)
يعني إبدال النبي بالرسول، ولا شك أن هذا مذهب تحري واحتياط؛ لئلا يتطرق الإبدال إلى المواضع المتعبد بها، كما جاء في حديث البراء، يعني صيغ الأداء معروف أنه لا يغير أخبرني بسمعتُ أو العكس؛ لأن لكل واحدة منهما معنىً يخصها، وإن كان كل منهما يستعمل في السماع من لفظ الشيخ، لكن كل واحدة لها خصيصتها، يرفعه، يعني هل له بدلاً من أن يقول: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: عن أبي هريرة يرفعه، أو يبلغه، أو ينميه، أو رواية، أو رفعه، هذه ليس له أن يتصرف لا سيما في المكتوب، لكن إذا أراد أن يستدل ويقول: في الحديث المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات)) هذا لا بأس به، يقول:
وقد رجا جوازه ابن حنبلِ ... . . . . . . . . .(34/3)
سئل الإمام أحمد عن مثل هذا التغيير فقال: أرجو أنه لا بأس به، أو أرجو أنه جائز، وهذا من تحريه، مع أنه جاء عنه في رواية: المنع، وهنا رجا جوازه، "والنووي صوبه" صوب الجواز "وهو جلي" يعني ظاهر لأنه لا يتغير به المعنى، في حديث ذكر النوم المخرج في الصحيح من حديث البراء ((آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت)) فلما أراد أن يستذكره ويتحفظه على النبي -عليه الصلاة والسلام- أعاده عليه قائلاً: "ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، ونبيك الذي أرسلت))، من أهل العلم من يقول: إن الأذكار توقيفية، لا يجوز التغيير فيها، تقال كما هي، لا يزاد فيها ولا ينقص، ولا يبدل حرف بحرف، ومن قائل يقول: إن قول "ونبيك الذي أرسلت" يشتمل من المعنى غير ما يشتمل عليه قوله: "ورسولك الذي أرسلت" يعني يشتمل من المعنى أكثر، أكثر مما يتضمنه "ورسولك الذي أرسلت" لأن الرسالة دل عليها قوله: "أرسلت" والنبوة لا يوجد ما يدل عليها، إذا قلنا: إن اللفظين متباينان، وأن النبوة لها مزية على الرسالة من وجه والعكس، وأما على القول -قول الجمهور- أن الرسالة أفضل مطلقاً فلا يتجه مثل هذا الكلام، مع أن النبوة بعضهم يقول: إنها من النبوة والارتفاع، فتدل على رفعة شأنه -عليه الصلاة والسلام-، مما لا يدل عليه الرسالة، والنبوة أيضاً خاصة بالبشر، والرسالة عامة بالبشر والملائكة، إلى غير ذلك من الفروق التي يذكرها أهل العلم، وما دام الرد جاء منه -عليه الصلاة والسلام- فليس لأحد أن يختار في مثل هذا اللفظ يقول: أبداً المعنى واحد ولا يتأثر، لا، هذا الكلام ليس بصحيح، لكن في قولنا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال النبي -عليه الصلاة والسلام- هنا هو محل هذا البحث، نعم.
السَّمَاْعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الوَهْنِ أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ
ثُمَّ عَلَى السَّامِعِ بِالْمُذَاكَرَهْ ... بَيَانُهُ كَنَوْعِ وَهْنٍ خَامَرَهْ
وَالْمَتْنُ عَنْ شَخْصَيْنِ وَاحِدٌ جُرِحْ ... لاَ يَحْسُنُ الْحَذْفُ لَهُ لَكِنْ يَصِحْ
وَمُسْلِمٌ عَنْهُ كَنَى فَلَمْ يُوَفْ ... وَالْحَذْفُ حَيْثُ وُثِقَا فَهْوَ أَخَفْ(34/4)
وَإِنْ يَكُنْ عَنْ كُلِّ رَاوٍ قِطْعَهْ ... أَجِزْ بِلاَ مَيْزٍ بِخَلْطِ جَمْعَهْ
مَعَ الْبَيَانِ كَحَدِيْثِ الإِْفْكِ ... وَجَرْحُ بَعْضٍ مُقْتَضٍ لِلتَّرْكِ
وَحَذْفَ وَاحِدٍ مِنَ الإِسْنَادِ ... فِي الصُّوْرَتَيْنِ امْنَعْ لِلاِزْدِيَادِ
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي:
"السماع على نوع من الوهن" يعني على نوع من الضعف "أو عن رجلين" السماع على نوع من الوهن، يعني تسمع من الشيخ على ضعف في تحملك أو في أدائك، تسمع من الشيخ والاستماع فيه قصور؛ لأن العبرة بالاستماع لا بالسماع، تسمع من الشيخ وأنت تنظر في كتاب آخر، أو تكتب في موضوع لا يتعلق بالدرس ...
طالب:. . . . . . . . .
تعليقات عن الشيخ في الدرس، لا، لكن تنظر في موضوع آخر، أو تكتب، أو تنعس، أو تكلم جارك كما يحصل من كثير من الطلبة، وترد على الجوال مثلاً في ظروفنا وفي حالنا، أحياناً يرن الجوال يقوم طالب ويرد، هذا ضعف، سماعه ضعيف، ومثل هذا لو يجلس في بيته ويقرأ أفضل له، مثلما كنا نقول للطلاب يعني عند قول أهل العلم: "الإجازة الصحيحة خير من السماع الرديء"، يقول أهل العلم هذا "الإجازة على وجهه خير من السماع الرديء"، ونقول لبعض الطلاب: الانتساب لبعض الطلاب أفضل من الانتظام؛ لأنه يجيء يشغل نفسه ويشغل غيره، ينتسب ويهتم بدروسه أفضل له، لا يتعب ولا يتعب، ومثل هذا الذي ينظر في كتاب آخر، أو ينعس أو يتحدث مع زميله أو ينسخ كتاب، أو يرد على جوال وما أشبه ذلك هذا سماعه رديء.
وكذلك الشيخ أحياناً تحديثه رديء لا سيما إذا خلط بعض الأمور ببعض، وأمر ونهى وصرف ودبر وعبر وهو يحدث، هذا يحصل الخلل عند السامع بسبب تساهل هذا الشيخ، قل مثل هذا إذا كان الشيخ يحدث أو الطالب يسمع منه في حال المذاكرة.
ثم على السامع بالمذاكره ... بيانه كنوعِ وهم خامره(34/5)
يعني إذا كان يسمع لكن على نوع من الضعف والوهن يبين، يقول: أنا والله كنت أسمع، لكن الاستماع عندي ضعيف؛ لأني متعب، مجهد، مريض، لا يتسنى لي الاستماع الكامل، كنت منشغل، بالي مشغول في مسألة أو في قضية، ولذا على طالب العلم أن يتفرغ تفرغاً تاماً لما هو بصدده تكتمل لديه الأهلية أهلية التحمل، فإذا كان سماعه على نوع من الهون والضعف، أو كان تحديثه على شيء من ذلك، لا بد من البيان؛ لأنه المسألة مفترضة في راوٍ ثقة، بيقبل كل ما ينقل، فإذا كان على ضعف أو على وهن في ظرف معين، أو في وقت معين، أو في درس معين ولم يبين لا شك أن من دونه في الحفظ أفضل منه، يعني إذا وجد سماع شخص في طبقة عليا من الثقة والضبط والإتقان ويشاركه في الدرس من دونه في الطبقة التي تليها، هذا المشهود له بأنه من الطبقة العليا في هذا الوقت يعني عنده ظرف وإلا عنده شيء يفضل عليه الثاني، والبيان من أجل المفاضلة، فإذا قال: سماعي في هذا الدرس فيه ضعف، فضلنا عليه عند المعارضة من هو دونه، يعني في بعض الظروف تجعل الإنسان يتصرف تصرفات لا تليق به أحياناً يصير دهمه أمر، اجتاحه شيء، عرضت له مصيبة، يعني بعض طلاب العلم المعروفين بالتحري واحد منهم قيل له: أعد صلاتك، لماذا؟ لأنه يعيش في ظرف وهو يصلي ما عقل منها شيئاً، وقد يتصرف تصرفات ما يليق به، فمثل هذا إذا كان في حال السماع على هذه الحال عليه أن يبين، المسألة مفترضة في هذا الراوي الضابط الثقة مباشرة نرجح حديثه لو لم يبين على حديث غيره أليس كذلك؟ الأصل أن نرجح حديثه على حديث غيره؛ لأنه أضبط منه، فإذا كان الظرف الذي سمع به هذا الحديث فيه ضعف وفيه وهن رجحنا من هو دونه عليه، ولذا يقولون في التفضيل -التفضيل الإجمالي- لا يقتضي التفضيل الجزئي، يعني مثلما نقول: سالم أجل من نافع، يعني هل كل ما يرويه سالم راجح على ما يرويه نافع؟ لا، وإذا قلنا: البخاري أرجح من صحيح مسلم لا يعني هذا أن كل حديث في صحيح البخاري أرجح من كل حديث في صحيح مسلم؛ لما يعتري الأفراد من مثل هذا، وإذا قلنا: إن الرجال أفضل من النساء لا يعني أن كل رجل من الرجال أفضل من كل امرأة من النساء، فالتفضيل الإجمالي لا يعني التفضيل(34/6)
الجزئي.
ثم على السامع بالمذاكره ... . . . . . . . . .
المذاكرة يجلس الشيخ مع طلابه أو مع أقرانه فيقولون: ماذا يذكر في باب كذا؟ ما الذي تذكره في مسألة كذا؟ ثم يذكر طرف حديث، أو يذكر حديث بمعناه، بجملة تدل عليه، يذكره بجملة تدل عليه، كما يفعل أصحاب الأطراف، إذا تذاكروا شيئاً قال: في الباب حديث الجساسة مثلاً، يعني هل هذا ممكن أن يستدرك لفظه أو يروي الطالب عن هذا الشيخ حديث الجساسة بتفصيله من خلال قول الشيخ حديث الجساسة أو حديث السقيفة أو حديث كذا وكذا؟ لا، ما يمكن أن يروى؛ لأن الرواية يعني حال المذاكرة ليس فيها من التهيئ والاحتياط والتحري للتحديث مثل ما في حال التحديث، يعني مثل ما يقال على ألسنة الفقهاء: هذه فتوى وهذا تقرير، هذه فتوى يعني مقصود بها الحكم، وهذا تقرير يعني مر في معرض كلام، أو علق فيه على كلام، يعني ما حرر فيه الكلام بدقة، يقول:
ثم على السامع بالمذاكره ... بيانه. . . . . . . . .
على السامع يعني الأسلوب يدل على ... ، يعني من صيغ الوجوب (على).
. . . . . . . . . ... بيانه كنوع وهم خامره(34/7)
يعني خالطه نوع وهم، يعني إذا كان الطالب يتأثر من هذه المؤثرات، لكن إذا كان لا يتأثر كما عرف عن الحافظ الدارقطني -رحمه الله- أنه كان ينسخ، يأتي بأجزاء معه وينسخها والشيخ يحدث، وقال له واحد من الطلاب: أنت الآن ضيقت علينا ولا لك حاجة بالدرس ما دام تنسخ، قال: كم أملى الشيخ من حديث؟ يسأل المنتقد، قال: هاه والله ما أدري، قال: أملى الشيخ إلى الآن ثمانية عشر حديثاً أسانيدها كذا وألفاظها كذا، وحفظي ليس مثل حفظك، والله -جل وعلا- يقول: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب] يعني الذهن ينبغي أن يتهجه إلى ما هو بصدده، وبعض القراء مثل علم الدين السخاوي وغيره يقرأ عليه العدد، عشرة مثلاً في آن واحد، كل واحد في سورة، ويرد على هذا، ويرد على هذا، ويرد على هذا، ويرجع إلى هذا، يعني بالدربة والخبرة لا سيما القرآن، القرآن ضبطه متيسر ولله والحمد، لكن إذا كان واحد معه البخاري، واحد معه مسلم، واحد من السنن، واحد من المسانيد، ويقرؤون في آن واحد، ما يمكن إطلاقاً أن يستحضر الشيخ الرد على جميع هؤلاء، وإذا فعل ذلك فإسماعه فيه وهن شديد.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يسمع شريط له علاقة بالكتاب؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل ما قلنا، مثل من ينسخ سماعه فيه وهن، الآن بعض الناس يبخل في الوقت على أهم المهمات، تجده وهو يقرأ القرآن يجيب المؤذن، ويرد على المُسَلم، ويرد على كذا، وقد يتساهل أكثر من ذلك فيسمع مثلما تفضلت شريط وإلا شيء، وأما بالنسبة للأذكار فهذا التساهل فيها أكثر، فتجد مثلاً الأخبار بقدر التهليل مائة، ويضن بالوقت من أجل أن يكسب القوت يقول: أسمع الأخبار وأهلل والحمد لله، يعني لا يلزم إحضار القلب عند جمع من أهل العلم، فيستغل وقته، ما أدري ويش وقته الباقي وين بيضيع عاد؟ الله المستعان، فيفعلها بعضهم.
طالب:. . . . . . . . .(34/8)
إيه هذا -الله المستعان- الضعف في أذكاره ظاهر، لكن هل هي باطلة أو لا تؤدي الغرض؟ النصوص مرتبة على القول كما قال ابن حجر، النصوص مرتبة على القول يعني ما دام نطق بها نطقاً صحيحاً يكفي، والأجر مرتب عليها ثابت، لكن قدر زائد على ذلك مما ينفع القلب، لا ما له نصيب منه.
طالب:. . . . . . . . .
إيش قالوا؟
طالب: يقول مثلاً: سبحان الله وبحمده. . . . . . . . .
لا لا، هذا الذي أذكر في نيته أن يذكر، يعني الذكر عند المبدأ، لكن الكلام على تدبر ما يذكر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا لا هذا يختلف.
. . . . . . . . . ... بيانه كنوع وهم خامره
يعني خالطه.
والمتن عن شخصين واحد جُرح ... لا يحسن الحذف لكن يصح(34/9)
المتن عن شخصين واحد جرح هذه المسألة مفترضة فيما إذا روى الراوي عن شخصين -عن راويين- أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فإن كان الحديث بكماله عند الثقة وعند الضعيف أيضاً فالعبرة بالثقة، له أن يحذف الضعيف، الإمام البخاري روى في مواضع عن مالك وابن لهيعة وحذف ابن لهيعة، ومسلم قال: عن فلان وآخر، يكني به عن هذا الضعيف ابن لهيعة أو غيره، هذا إذا كان المتن كامل عند الثقة، هذا ما في إشكال، ولا يلزم ذكره؛ لأن ثبوته بالثقة كافي، ولا يلتبس هذا بتدليس التسوية، تدليس التسوية يكون الحديث عن راويين ثقتين بينهما ضعيف، وهذان الراويان الثقتان لقي أحدهما الآخر، يعني لو راجعت كتب الرجال أسقط الضعيف ووجدت أن الراوي روى عن شيخ شيخه، يعني موجود روى عنه أحاديث، فإذا أسقطت هذا الضعيف بين هذين الثقتين صُحح الخبر، فهذا شر أنواع التدليس، ولا يدخل في مسألتنا، يعني فيما إذا روى عن الاثنين في طبقة واحدة، وحذف أحدهما وأبقى الآخر، كما لو كان عنده حديث من رواية ثقتين، وحذف أحدهما ما في مشكلة، شريطة أن يكون الحديث عندهما كاملاً، الحديث إذا كان عند أحدهما كامل والثاني ناقص هنا يأتي الإشكال، أو عند أحدهما ناقص وتكملته عند فلان، وكان أحدهما ثقة والآخر ضعيف، لا يجوز حينئذٍ؛ لأنه قد يكون هذا اللفظ استقل به هذا الضعيف ولا متابع له، فيصحح بسبب هذا الثقة وهو في الحقيقة ضعيف، أو العكس لو حذف الثقة وأبقى الضعيف حُكم على الحديث بالضعف بسبب هذا الضعيف وحرم الناس منه، وكلا طرفي المسألة ذميم ومنقوض، لا يثبت غير الثابت، ولا يضعف الثابت، يعني كما قيل عند الكلام على المستدرك والكلام على موضوعات ابن الجوزي.
وأكثر الجامع فيه إذ خرج ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرج
هذا تقدمت المسألة، وقلنا: إن الضرر حاصل بسبب موضوعات ابن الجوزي مثل الضرر الحاصل بمستدرك الحاكم؛ لأن الحاكم صحح أحاديث ضعيفة، بل موضوعة، فجعل الناس يعلمون بهذا الموضوع، وابن الجوزي حكم على أحاديث حسنة بل صحيحة بالوضع فحرم الناس منها، قال:
والمتن عن شخصين واحد جُرح ... لا يحسن الحذف لكن يصح
وقلنا: إن هذا إذا كان الحديث كاملاً عند الثقة.
طالب:. . . . . . . . .(34/10)
إذا بيّن انتهى الإشكال.
ومسلم عنه كنى فلم يوف ... . . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الضعيف يعني ليس مطرح بالكلية، يعني حديث مروي عن ثقة وضعيف أفضل من حديث مروي عن ثقة فقط، يعني تعدد الطرق له شأن عند أهل العلم، فعند الترجيح يرجح هذا.
طالب:. . . . . . . . .
هو على هذا، لكن يبقى أن ذكر تعدد الطرق له شأن عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
هو له فوائد كثيرة، لكن من أهمها بيان المؤلف أن الحديث له طرق، أنه يروى من غير طريق، فلو عارضه حديث بمنزلته بدون الضعيف توقف، لكن إذا وجدنا بما يشهد له ولو من ضعيف نعم يرجح به، والضعيف الذي لا يحتج به مطلقاً عند ابن القيم -رحمه الله- كما في تحفة المودود يرجح به، ذكره، وهو لا يحتج بالضعيف مطلقاً لكن عند الترجيح يرجحون بأدنى شيء.
ومسلم عنه كنى فلم يوف ... . . . . . . . . .
يعني قال: وآخر.
. . . . . . . . . ... والحذف حيث وثقا فهو أخف
إذا وثق الراويان كلاهما ثقة، وقد يكون بعض الحديث عن واحد، والبعض الثاني عن الآخر، أو يكون الحديث بكماله عند أحدهما، والثاني أيضاً هو عند الثاني بكماله، لكن هذا ما في أدنى إشكال إذا كان بكماله، لكن إذا كان بعضه عن هذا الثقة وبعضه عن هذا الثقة وحذف واحد، يقول:
. . . . . . . . . ... والحذف حيث وثقا فهو أخف
لو حذفت واحد أخف، لماذا؟ لأن الحديث ثابت، سواء جاء من هذا الطريق أو من ذاك الطريق.
وإن يكن عن كل راوٍ قطعه ... أجِزْ بلا ميز بخلط جمعه
يعني كما فعل الإمام البخاري في قصة الإفك، يرويه الزهري عن فلان وفلان وفلان، كلٌ حدثني بعضه، وأنا لحديث بعضهم أحفظ، المهم كلهم ثقات، لكنهم لا يجتمعون على روايته كاملاً.
وإن يكن عن كل راوٍ قطعه ... أجِزْ بلا ميز. . . . . . . . .
يعني ما يلزم أن تمييز أن هذه القطعة عند فلان وهذه القطعة عند فلان، ما يلزم؛ لأن كلهم ثقات.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . بخلط جمعه
مع البيان. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
تبين أنك ترويه من طريق هؤلاء، وبعضهم له بعض الحديث، والآخر له البعض الآخر، والثالث له قطعة منه وهكذا.(34/11)
مع البيان كحديث الإفكِ ... وجرح بعض مقتضٍ للتركِ
يعني لو مثلاً قصة الإفك هذه التي رويت من طريق جمع من الرواة جمعهم الزهري، وقال: إن كل واحد يختص بقطعة منه، لو افترضنا أن واحد من بين هؤلاء ضعيف، ولا ندري أي قطعة روى، هذا يقتضي ترك الخبر؛ لأنه التبس فيه الضعيف بالصحيح، وإذا لم يحصل تمييز الصحيح من الضعيف فإنه حينئذٍ يترك، "وجرح بعضٍ" هذا تنوين عوض، يعني بعض الرواة أو بعضهم "مقتضٍ للتركِ".
"وحذف واحد" مفعول مقدم لـ (امنع) أو منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور.
وحذف واحد من الإسنادِ ... في الصورتين امنع للازديادِ
مع أنه يسلط عليه الفعل ولو تأخر، ويقدم المفعول، وهنا أرجح إعرابه مفعول مقدم، لكن لو قيل: امنعه لرجحنا أنه منصوب بفعل مقدر؛ لأن الفعل الثاني اشتغل بالضمير.
وحذف واحد من الإسنادِ ... في الصورتين امنع للازديادِ
يعني في حديث الإفك الذي جُمع من رواة متعددين، ولم يميز نصيب كل واحد منهم، لو حذف واحد صار نصيبه يروى بسند منقطع، صار نصيب هذا المحذوف من المتن يروى بسند منقطع في هذه الصورة، وفي الصورة التي قبلها، ومقتضاها فيما إذا كان أحدهما ضعيفاً.
نعم، آداب المحدث.
آدَاْبُ الْمُحَدِّثِ
وَصَحِّحِ النِّيَّةَ فيِ التَّحْدِيْثِ ... وَاحْرِصْ عَلَى نَشْرِكَ لِلْحَدِيْثِ
ثُمَّ تَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ وَاسْتَعْمِلِ ... طِيْباً وَتَسْرِيْحاً وَزَبْرَ الْمُعْتَلِي
صَوْتاً عَلى الْحَدِيْثِ وَاجْلِسْ بِأَدَبْ ... وَهَيْبَةٍ بِصَدْرِ مَجْلِسٍ وَهَبْ
لَمْ يُخْلِصِ النِّيَّةَ طَالِبُ فَعُمْ ... وَلاَ تُحَدِّثْ عَجِلاً أَوْ إِنْ تَقُمْ
أَوْ فِي الطَّرِيْقِ ثُمَّ حَيْثُ احْتِيْجَ لَكْ ... فِي شَيْءٍ ارْوِهِ وَابْنُ خَلاَّدٍ سَلَكْ
بِأَنَّهُ يَحْسُنُ لِلْخَمْسِيْنَا ... عَاماً وَلاَ بَأْسَ لأَِرْبَعِيْنَا
وَرُدَّ والشَّيْخُ بِغَيْرِ الْبَارِعِ ... خَصَّصَ لاَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيْ
وَيَنْبَغِي الإِْمْسَاكُ إِذْ يُخْشَى الْهَرَمْ ... وَبالْثَمَانِيْنَ ابْنُ خَلاَّدٍ جَزَمْ
فَإِنْ يَكُنْ ثَابِتَ عَقْلٍ لَمْ يُبَلْ ... كَأَنَسِ وَمَالِكٍ وَمَنْ فَعَلْ(34/12)
وَالْبَغَوِيُّ وَالْهُجَيْمِيْ وَفِئَهْ ... كَالطَّبَرِيِ حَدَّثُوْا بَعْدَ الْمِائَهْ
وَينْبغي إمْسَاكُ الأعْمَى إنْ يَخَفْ ... وَإِنَّ مَنْ سِيْلَ بِجُزْءٍ قَدْ عَرَفْ
رُجْحَانَ رَاوٍ فِيْهِ دَلَّ فَهْوَ حَقّْ ... وَتَرْكُ تَحْدِيْثٍ بِحَضْرَةِ الأَحَقّْ
وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ الأَخْذَ عَنْهُ ... بِبَلَدٍ وَفِيْهِ أَوْلَى مِنْهُ
وَلاَ تَقُمْ لأَحَدٍ وَأَقْبِلِ ... عَلَيْهِمُ وَلِلْحَدِيْثِ رَتِّلِ
وَاحْمَدْ وَصَلِّ مَعْ سَلاَمٍ وَدُعَا ... فِي بَدْءِ مَجْلِسٍ وَخَتْمِهِ مَعَا
وَاعْقِدْ لِلاِمْلاَ مَجْلِساً فَذَاكَ مِنْ ... أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالاَخْذِ ثُمَّ إِنْ
تَكْثُرْ جُمُوْعٌ فَاتَّخِذْ مُسْتَمْلِيَا ... مُحَصِّلاً ذَا يَقْظَةٍ مُسْتَوِيَا
بِعَالٍ أوْ فَقَائِماً يَتْبَعُ ما ... يَسْمَعُهُ مُبَلِّغاً أَوْ مُفْهِمَا
واسْتَحْسَنُوْا الْبَدْءَ بِقَارئ تَلاَ ... وَبَعْدَهُ اسْتَنْصَتَ ثُمَّ بَسْمَلاَ
فَالْحَمْدُ فَالصَّلاَةُ ثُمَّ أَقْبَلْ ... يَقُوْلُ: مَنْ أَوْ مَا ذَكَرْتُ وَابَتهَلْ
لَهُ وَصَلَّى وَتَرَضَّى رَافِعاً ... وَالشَّيْخُ تَرْجَمَ الشُّيُوْخَ وَدَعَا
وَذِكْرُ مَعْرُوْفٍ بِشَيءٍ مِنْ لَقَبْ ... كَغُنْدَرٍ أَوْ وَصْفِ نَقْصٍ أَوْ نَسَبْ
لأُمِّهِ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ ... يَكْرَهُهُ كَابْنِ عُلَيَّةٍ فَصُنْ
وَارْوِ فِي الاِمْلاَ عَنْ شُيُوْخِ قَدِّمِ ... أَوْلاَهُمُ وَانْتَقِهِ وَأَفْهِمِ
مَا فِيْهِ مِنْ فَائِدَةٍ وَلاَ تَزِدْ ... عَنْ كُلِّ شَيْخٍ فَوْقَ مَتْنٍ وَاعْتَمِدْ
عَالِيَ إِسْنَادٍ قَصِيْرَ مَتْنِ ... وَاجْتَنِبِ الْمُشْكِلَ خَوْفَ الْفَتْنِ
وَاسْتُحْسِنَ الإِنْشَادُ فِي الأَوَاخِرِ ... بَعْدَ الْحِكَايَاتِ مَعَ النَّوَادِرِ
وَإِنْ يُخَرِّجْ لِلرُّوَاةِ مُتْقِنُ ... مَجَالِسَ الإِمْلاَءِ فَهْوَ حَسَنُ
وَلَيْسَ بِالإِْمْلاءِ حِيْنَ يَكْمُلُ ... غِنًى عَنِ الْعَرْضِ لِزَيْغٍ يَحْصُلُ
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:(34/13)
"آداب المحدث" ويليه آداب طالب الحديث، المحدث الذي هو الشيخ، وبُدئ به مع أن الأصل أن يبدأ بطالب الحديث؛ لأن الشيخ كان طالباً، فالطلب متقدم على التشيخ، وهنا يقدمون المحدث؛ لأنه في الغالب هو الأكبر، وهو الأقدم في الطلب، ولكل وجه، والخطب سهل، يعني الخطب يسير في مثل هذا.(34/14)
والآداب: جمع أدب، والمراد به أدب النفس الموافق للشرع، وليس المراد به الأدب العرفي الاصطلاحي الذي يحمل اسم الفن الذي تُكلم فيه، وكُتب فيه وعنه الشيء الكثير؛ لأن الأدب صار الآن فن يطلق على نوع فيه كثير مما يخالف الأدب، الذي يسمونه أدب الدرس، لا أدب النفس، وألفت فيه المصنفات الكثيرة والكبيرة التي تجمع ما هب ودب، تجمع الجد مع الهزل، وتجمع الصدق إلى الكذب، تضم الخير إلى الشر، وغير ذلك مما تتصف به هذه الكتب، ويغلب عليها طابع السفه والمجون، ومع ذلك هي موجودة يتداولها الناس كابر عن كابر، ولا تخلو من فائدة، يستفاد منها، استفاد منها أهل العلم، لكن مع ذلك على طالب العلم أن يتحرى في قراءة العفيف النزيه منها، وهي متفاوتة على درجات، يعني من أسوأها كتاب: الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومن أسوأها إن لم يكن أسوأها محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء، للراغب الأصفهاني صاحب المفردات، مفردات القرآن، وابن الوردي عالم فقيه قاضي مفتي ألف في الفقه والتاريخ وألف في الأدب فأسف وبلغ الغاية في الإسفاف، وانتقد بذلك وبين في مقدمة كتابه، وقال: ما يدري هذا المنتقد أن العلم الشرعي شيء والأدب شيء آخر، لكن هل مثل هذا الكلام يقبل؟ ما يقبل، طالب العلم يقول: أنا والله يعني إذا أكثرت من النظر في الكتب الشرعية دب إليّ الملل والسآمة، ولا بد أن أراوح وأروح القلب واستجم، نقول: لا مانع من النظر في كتب التواريخ التي فيها العبرة والاستجمام أيضاً، وكتب الأدب لكن ينتقي منها الأنظف، يعني زهر الآداب للحصري من أنظفها وأحسنها، مع أنه ما سلم، الذي حققه قال: إن المؤلف أغفل جانب مهم من جوانب الأدب الذي هو المجون، أغفل جانب مهم من جوانب الأدب، يعني -سبحان الله- تكلم عن الشيء على نقيض حقيقته، هو خلاف الأدب ليس الأدب، الأدب أن يتأدب الإنسان بما جاء عن الله وعن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، بحيث ينظر في الكلمة يعني ما هي بالجملة أو المقطع أو الكلام في الكلمة الواحدة، فيتحاشى الفحش من القول والمجون فحش، ويقول: إنه أغفل جانباً كبيراً من جوانب الأدب، وهو المجون، ثم بعد ذلك يقول كلام يعني يقول: إن الحياة تفقد حيويتها إذا كانت(34/15)
هدى خالص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا كلام شنيع، لكن هو لائق به، هو من الأدب الذي مناسب له، يعني قد يزاول بعض هذا الفحش الذي يتحدث عنه، بعض هذا المجون قد يقع فيه، على كل حال المقصود بالأدب هنا أدب النفس الذي جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وفيه كتب نافعة في الباب، الآداب الشرعية لابن مفلح كتاب جميل، منظومة الآداب وشروحها لابن عبد القوي، أيضاً نفيس، غذاء الألباب للسفاريني مع أن فيه بعض الملاحظات من الطلاسم وغيرها يستفاد منه، هناك كتب في الباب يعني كتاب ابن عبد البر -رحمه الله- يعني ماتع ونافع وعفيف (بهجة المجالس وأنس المجالس) والمؤلفات -ولله الحمد- موجودة في هذا الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هو ابن القيم ما ألف، أخبار النساء لابن الجوزي، كُتب باسم ابن القيم وليس له، إنما هو لابن الجوزي، ابن حزم وغيره كلهم يعني كثير منهم ألف، ذكرت مثال ابن الوردي، وله قصيدة في الأدب، الأدب المحمود.
اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكرَ لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل(34/16)
يعني يكتبون في هذا، ويكتبون في هذا، لكن على المسلم أن يكون على سمت واحد، ملتزم بما ألزم به شرعاً، وأن يحسب حساب لكل كلمة؛ لأنه لن ينطق كلمة إلا .. {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] ولما قال معاذ للنبي -عليه الصلاة والسلام- يعني: "هل نحن محاسبون على ما نتكلم به؟ نحن مآخذون؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال-: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) فعلى الإنسان أن يهتم بهذا، مع أن أهل العلم يقتنون كتب الأدب، وينظرون فيها، وذكرنا مراراً أن مسألة لفظ من ألفاظ التجريح ما عرفه أهل العلم إلا بواسطة كتب الأدب، ومر بنا عند المؤلف عند الناظم -رحمه الله- في ألفاظ التجريح: "بين يدي عدل" يقول الحافظ العراقي: "كنت أظنها لفظ تعديل" وكان يقرأها بين يدي عدلٌ، ابن حجر يقول: ما يمكن تكون لفظ تعديل من أبي حاتم المتشدد في جبارة بن المغلس، وأهل العلم كلهم على تضعيفه، ما يمكن تجئ، فهذه أوجدت عنده يعني أمسك بطرف الخيط فتبعه، إلى أن وقف على حقيقة الأمر قال: وقفت في أدب الكاتب لابن قتيبة وهو من أصول كتب الأدب؛ لأنهم يعتبرون أن الأصول أربعة، أصول كتب الآداب أربعة: اللي هو أدب الكاتب، والبيان والتبيين وإيش؟
ط الب:. . . . . . . . .
إيه معروف، والأمالي لأبي علي القالي، والرابع إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أي نعم الكامل، الكامل للمبرد، هي أربعة أصول الأدب، يقول: وقفت في أدب الكاتب على العدل، وأنه شخص اسمه: العدل بن جزء بن سعد العشيرة، وكان على شرطة تبع، كان صاحب شرطة تبع، ثم وجد عاد المسألة مبسوطة في الأغاني، الآن هو مسك طرف الخيط في الأغاني في قصص، وقال: إنه كان صاحب الشرطة، وإذا دُفع إليه شخص معناه أنه حكم عليه بالإعدام، فقالوا: بين يدي عدل، خلاص معناه هلك، فقوله: بين يدي عدل يعني هالك، يعني في أسوأ ألفاظ التجريح، وذكر قصص في هذا المعنى.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وصحح النية في التحديثِ ... . . . . . . . . .(34/17)
صحح النية في التحديث، وهذا مما يشترك فيه المحدث والطالب؛ لأنه سيأتي قوله: "وأخلص النية في طلبك" هنا يقول: صحح النية في التحديث، والنية عليها مدار قبول العمل، فإذا جلست للتحديث ناقش نفسك لماذا جلست؟ إما أن تكون داخل في الدعوات النبوية، وإما أن تكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، ناقش نفسك والنية شرود قد تستحضرها في أول الأمر، ثم يطرأ عليك ما يطرأ، وتشرد النية وأنت لا تشعر، فاحرص على متابعة وتحسس هذه النية في كل لحظة، صحح النية بأن تعلم مخلصاً لله -جل وعلا-، ممتثلاً ما أمرت به من التبليغ ((بلغوا عني ولو آية)) مستحضراً ما جاء من الحث على تأدية ما ترويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سمعته، فإذا استحضرت ذلك صحت نيتك، معرضاً عما يكتنف ذلك من حب لشرف أو سيادة أو رئاسة أو طمع أو دفع ضر أو ما أشبه ذلك؛ لأن الإخلاص لا يجتمع مع حب الثناء والمدح، لا يجتمعا، ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فعمد إلى حب المدح والثناء فذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-" ولذا لما جاء الأعرابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أعطني يا محمد، إن مدحي زين، وذمي شين، قال: ((ذاك الله)) لكن من يستوي عنده المدح والثناء؟! إذا سمع الإنسان كلمة مدح لا سيما إذا صدرت ممن له شأن أثرت به، وبلغت به من الأثر مبلغاً عظيماً، مع أنه لا المادح ولا الممدوح كلهم في تصرف الله وفي قبضته، وذكرنا مرراً أن الإنسان لو قيل له: إن الأمير الفلاني أو الكبير الفلاني أو الوزير الفلاني مدحك البارحة يمكن ما يجيه النوم الليلة من الفرح، ولا يتذكر حديث: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) هذا لا يلقي له بال، مع أن الشيخ السعدي -رحمه الله- في أواخر سورة آل عمران {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [(188) سورة آل عمران] قال: إذا أحب أن يمدح بما فعل لا يدخل في حيز الذم، الإشكال أن يحب أن يمدح بما لم يفعله، وهذا اجتهاد من الشيخ -رحمه الله-، وفهمه للآية صحيح، لكن بمثل هذا الباب تجد هدي سلف الأمة على خلاف(34/18)
هذا، يعني هناك أمور قد تجري على القواعد، لكن السلف لا يجرونها على القواعد لأمر أهم وأعظم، يعني كما في حديث ابن مسعود: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يعني جاء في بعض الأحاديث: ((ليعمل بعمل أهل الجنة ... وبعمل أهل النار فيما يبدو للناس)) يعني الأصل والقاعدة حمل المطلق على المقيد، لكن لا تجد السلف يحملون المطلق على المقيد في مثل هذا، لماذا؟ لأن الإطلاق أكثر تأثير في النفس، تجعل الإنسان على خوف وعلى وجل من العاقبة وسوئها، لكن بعض الناس خلاص يضمن ما دام فيما يبدو للناس يزكي نفسه يضيف إلى ذلك سوء فيزكي نفسه، ويقول: أنا في حقيقة الأمر ما .. ، ظاهري مثل باطني، يعني ما يحقر نفسه أن يقول: ولو كان مخلصاً أخشى أن يكون عملي فيما يبدو للناس، فمثل هذا يهتم له طالب العلم، ولا شك أن المدح ضار، والتجربة والواقع يشهد بأن من مدح بما فيه وأقر وسكت لا بد أن يسمع من الذم بما فيه، جزاء وفاقاً، أما إذا مدح بما ليس فيه وسكت لا بد أن يسمع من الذم ما ليس فيه، هذا مجرب.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- فيما ذكره عنه ابن القيم في أواخر المجلد الأول من مدارج السالكين، يقول: "أنا لست بشيء، ولا لي شيء، ولا عندي شيء، ولا مني شيء، أنا المكدي، وابن المكدي، وكذا كان أبي وجدي" وهو شيخ الإسلام الذي ملء الدنيا علماً بقال الله وقال رسوله، ما هو بدعاوى، ثم قال ابن القيم: "وكان إذا مدح في وجهه قال: "أنا في كل وقت أجدد إسلامي" العامل العالم العابد الزاهد الإمام المجاهد الرباني يقول هذا الكلام؟! إن طالب العلم لا يكاد يطأ الأرض من تذكر حاله، وأنه اليوم طالب العلم وغداً هو عالم الأمة، على كل حال على الإنسان أن يحرص ويتحرى ويتحسس في هذا الباب، ويكون على ذكر دائم منه؛ لأنه الشيطان حريص يستغل الفرص في إضلال الناس وإغوائهم.
وصحح النية في التحديثِ ... واحرص على نشرك للحديثِ(34/19)
احرص على نشرك للحديث، لا تطلب العلم تخزن العلم ثم بعد ذلك تقول وتتذرع بأدنى علل واهية عن تعليم الناس الخير، الملائكة يصلون على معلم الناس الخير، لا تقل: والله أنا الآن ما بلغت النصاب كما يقول بعض العلماء، قال بعضهم .. ، قيل له: لما لا تعلم؟ قال: حتى تحضر النية، من أين تحضر؟ من أين تجئ؟ أنت الذي تحضر النية بتوفيق الله -جل وعلا-، وصدقك مع الله، حتى تحضر النية؟! واحد من كبار المشايخ يقول: ما بلغت النصاب، ما علي زكاة، ولهذا ومن أجل تخاذل الأكفاء تصدى غيرهم وتصدروا، وبعض البلدان قفر ما فيها أحد يعلم، ومع الأسف أنك تجد فيها قاضٍ، وتجد طالب علم، وتجد داعية، والناس في حاجة إلى أدنى شيء، يعني بعض القرى ما تحتاج إلى أكثر من هذا القاضي الجديد اللي تو متعين، يقول: ما عندي علم، أو معلم معهد إن كان عنده معهد علمي وإلا شيء، يكفيهم، ما يحتاجون إلى كبار المسائل، ويكبر المعلم مع الطالب، إذا مشوا على الجادة، وبعضهم يتذرع بعدم وجود الطلاب، يقول: جلسنا أول ما عُينا في هذا البلد ما حضر إلا عشرة من الطلاب، ثم جاء رمضان وتوقف الدرس فلما استأنفنا ما حضر إلا خمسة، ثم استمروا إلى الحج، وبعد الحج ما صبر إلا اثنين، قلنا: يا أخي يكفيك واحد، يكفيك أن يقرأ عليك ولو بأجرة، المسألة مسألة ثبات، والله -جل وعلا- يبتلي ويمتحن ليعرف مدى ثبات هذا الشخص، يعني عندنا الآن من الشيوخ من يحضر لهم أربعمائة، خمسمائة، وأحياناً ألف، وأدركناهم وما عندهم إلا واحد، ثبتوا، صبروا، وأقبل الله عليهم بوجوه الناس، وليس الهدف أن تكثر الجموع أبداً، يعني إن كان هذا هدف المعلم فنيته مدخولة، نعم لكن الآجر بقدر ما تنشر من العلم، بقدر ما يستفاد من عملك، إضافة إلى أجر بذل السبب، ولو لم يترتب عليه شيء، يعني لو أنك جلست للتعليم خمسين سنة مثلاً، أنت بذلت السبب وكونه خرج من طلابك علماء أو ما خرج ما هي بمسؤوليتك، النتائج بيد الله، لكن مع ذلك لا ينظر المعلم إلى العدد، ولا يستعجل الثمرة والنتيجة لو لم يكن عنده إلا واحد يجلس لهذا الواحد، يعني ما يخفى عليكم وضع الشيخ مثلاً ابن عثيمين -رحمه الله- يعني في أول الأمر، في أوائل الأربعمائة ما عنده(34/20)
طلاب، الشيخ ابن جبرين سنة أربعمائة وأربعمائة وواحد، سنة تسعة وتسعين أدركناه ما عنده أحد، والآن شوف الجموع، ذكر في ترجمة الشيخ ابن عثيمين أن بعض طلابه قال: إنه جاء يوم إلى الدرس ما وجد ولا طالب، دخل المسجد ما وجد ولا طالب، في كتاب بالحلقة، قال: أجلس أقرأ القرآن ريثما يأتي صاحب هذا الكتاب، جلس في صدر المسجد يقرأ القرآن، الطالب جاء قال: أنا ما أنا بمشغول الشيخ وهو يقرأ، أخذ كتابه ومشى، يعني هل انثنى الشيخ من التعليم بسبب هذه المواقف؟ أبداً، يعني هذه لا أثر لها في تبليغ العلم، المسألة مثلما ذكرنا مراراً أنها مرحلة امتحان لينظر مدى الصبر والثبات، ثم بعد ذلك الثبات يبشر.
أولاً: ما يذكر عن السلف كله من باب المبالغة في استحضار النية وهضم النفس، مبالغة في تحصيل النية واستحضارها وهضم النفس، وإلا مالك على ما سيأتي جلس للتدريس قبل العشرين، ما قال: والله الناس ما قالوا: تزبزب قبل أن يتحصرم، مع أنه سيأتي هذا.
. . . . . . . . . ... واحرص على نشرك للحديثِ
يقول:
ثم توضأ واغتسل واستعملِ ... طيباً وتسريحاً وزبر المعتلي
ثم توضأ إذا أردت أن تحدث توضأ، لكنه لا على سبيل الوجوب، وإنما هو من أجل تعظيم حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، "واغتسل" كما كان يفعل الإمام مالك، واستعمل الطيب، وسرح شعرك، لا تخرج شعث، وكان الإمام مالك إذا طرق عليه الباب قال للخادم: انظر من في الباب؟ وماذا يريد؟ تريدون مسائل وإلا حديث؟ إن قالوا: مسائل خرج إليهم وأجابهم، وإن قالوا: حديث دخل المغتسل واغتسل وتنظف وتطيب، وسرح شعره، ولبس أحسن ثيابه، ولبس العمامة، ونصب له كرسي، وجلس يحدث؛ الآن لا الشيخ ولا الطالب يصبر على هذه الأمور، الطالب الذي يبي يتأخر عنه خمس دقائق مشى وخلاه، والله المستعان.
ثم توضأ واغتسل واستعملِ ... طيباً وتسريحاً وزبر المعتلي
الزبر: هو الزجر، المعتلي بصوته على الحديث، المعتلي صوتاً على الحديث، إذا كان طالب يرفع صوته أكثر من صوت الشيخ الذي يلقي الحديث، كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا يزبر، يعني يزجر وينهر.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وزبر المعتلي(34/21)
صوتاً على الحديث. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
لأنه جاء النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصوته حديثه، كلامه.
"واجلس بأدب" لأن بعض الطلاب يسترخي في الدرس، فتجد الفرق يسير بين رأسه ورجليه، وقد لا يوجد من بعض الطلاب في بعض الأقطار يعني ما عندهم شيء من الاكتراث والاهتمام، تجده جالس في مجلس الحديث وظهره إلى الشيخ يطبق السنة، يضطجع على جنبه الأيمن وظهره إلى الشيخ، هذا جلوس بأدب؟ لا أبداً؛ لأنك لست تتعامل مع الشيخ لذاته، إنما تتعامل مع ما يحمله من علم، وما يلقيه من حديث من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-.
. . . . . . . . . واجلس بأدب ... وهيبة بصدر مجلسٍ وهب
احرص على صدر المجلس، يعني تقدم إلى الشيخ، وتقدمك إلى الصف الأول أو صدر المجلس هذا يدل على اهتمامك، وعلى أنك جئت مبكراً ومبادراً، أما إذا جلست في أقصى مكان من المجلس، لا سيما مع عدم المكبرات كما هو في السابق، هذا يدل على أنك إن بلغك شيء وإلا ما خسرت شيء على كلامهم، لا هذا ليس بخلق طالب علم، لا بد أن يتقدم إلى الشيخ، قد يقول قائل: إننا الآن في ظل الوسائل الحديثة والمكبرات أنه كل ما بعدت عن الشيخ صار الصوت أصفى، نقول: لا، يلزم علي هذا أن كل الطلاب بيبتعدون عن الشيخ ويجلس الشيخ بمفرده، لا، الشيخ يتلقى منه العلم والعمل، يتلقى منه الهدي والسمت، وإلا يكفيك شريط لماذا تحضر؟ يقول:
. . . . . . . . . ... وهيبة بصدر مجلس وهب
لم يخلص النية طالب فعُم ... . . . . . . . . .
وجد طالب ما أخلص النية، ظهرت عليه علامات أنه ما طلب العلم لله -جل وعلا-، هل تقول له: يا أخي قم أنا والله ما أحدث إلا المخلصين؟
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وهب
لم يخلص النية طالب فعُم ... . . . . . . . . .
يعني حدث الجميع على حد سواء؛ لأن هذا الذي لم يخلص النية الآن ما يدريك عن مستقبله، قد ينتفع أكثر من غيره؛ لأن القلوب بيد الله -جل وعلا-، بين أصبعين من أصابع الله، يقلبها كيف يشاء.
لم يخلص النية طالب فعُم ... . . . . . . . . .
عم الجميع.
. . . . . . . . . ... ولا تحدث عجلاً. . . . . . . . .(34/22)
يعني قد يحتاج إلى العجلة إذا ضاق الوقت، الطلاب بحاجة إلى آخر حديث كحاجتهم إلى أول حديث، الأمور تقدر بقدرها، وإلا ففي حال السعة لا تعجل، والعلم إنما يدرك بالتأني، العجلة لا شك أنها تحرم الثمرة.
. . . . . . . . . ... ولا تحدث عجلاً أو إن تقم
يعني تحدث قائماً "أو في الطريق" يعني أنت بصدد تبليغ كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لا تحدث عاجلاً، يعني رتل حديثك، وبين مخارجه من أجل أن يفهم على وجهه، ويحفظ على وجهه، وحدث وأنت جالس جلسة مناسبة لما تلقي، يعني كما أن الطالب مطالب بأن يجلس جلسة مناسبة كذلك الشيخ مطالب، يعني بعض الشيوخ يعني في بعض الأقطار ما يكترثون، يعني بعضهم .. ، يعني يحدثنا بعض من جاء من بعض الأقطار يقول: يحدثنا الشيخ وهو مولينا ظهره وهو مضطجع ويأمرهم بحك ظهره، هذا امتهان للحديث.
. . . . . . . . . ... ولا تحدث عجلاً أو إن تقم
يعني ولا قائماً "أو في الطريق" وأنت ماشي، لكن في آخر سورة آل عمران {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] قد يحتاج إلى شيء من الذكر أو من التلاوة، قد يقرأ القرآن وهو يمشي، وهو قائم، وهو أفضل الأذكار، وقد يحتاجه وهو مضطجع، إذا أوى إلى فراشه، وفي أذكار النوم من القرآن شيء، ومن السنة شيء وهو مضطجع، ففي مثل هذه الأمور يقصد منها ألا يمتهن الحديث، وإن لم تطبق بحرفيتها، لكن إذا فهم من حال الطالب أو من حال الشيخ من بعض تصرفاته من هذه التصرفات أنه لا يلقي بالاً للحديث فمثل هذا ينهى ويزجر، ثم بعد ذلك متى يجلس للتحديث؟ ومتى يستحب له الوقت الذي يحدث فيه؟ ومتى يكف عن التحديث؟ في الدروس اللاحقة -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(34/23)
شرح ألفية الحافظ العراقي (36)
(تابع: إبدال الرسول بالنبي وعكسه - السماع على نوع من الوهن أو عن رجلين - آداب المحدث)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أقول: ما نحتاج إلى قراءة.
طالب: اليوم.
إيه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"آداب المحدث" وشرعنا في شرح النظم إلى قوله:
. . . . . . . . . ثم حيث احتيج لك ... في شيءٍ اروه وابن خلاد سلك
متى يجلس المحدث للتحديث؟ متى يبدأ التحديث؟ لأن الأمر ينتابه طرفان ووسط، كغيره من الأمور، إما أن يبادر قبل التأهل مع عدم الحاجة إليه، وهذا موجود، وفي النهاية يفتضح ولا يستمر، إن انقطع وإلا انقطع عنه، هذا إذا بادر قبل التأهل مع عدم الحاجة إليه فإنه لا يلبث أن ينقطع بنفسه؛ لأنه يُكتشف، العلم لا يمكن أن يمشي بالتمشية والضحك على الناس، يعني لو مشى يوم ما مشى اليوم الثاني، ولو تلبس بما لم يعطَ في يوم أو يومين فلا بد أن ينكشف بعد ذلك، فلا يلبث أن ينقطع؛ لأنه يفتضح ويعرف الناس حقيقة أمره، ثم إن لم ينقطع بنفسه قطع عنه، والناس لا سيما طلاب العلم وإن كانوا صغاراً يميزون بين من يفيدهم ومن لا يفيدهم، هذا إذا جلس قبل التأهل وقبل الاحتياج إليه قد يتأهل، ولكن لا يحتاج إليه، في البلد، ما يغني عنه ينصرف إلى أمرٍ يكون أهم هذا نوع، في الطرف الثاني إذا تأهل واحتيج إليه، ولم يجلس للطلاب مثل هذا لا شك أنه إذا تعيّن عليه الأمر فإنه يأثم، وإذا كان في دائرة الوجوب الكفائي بمعنى أنه يوجد في البلد غيره، ولم يقم بذلك أحد فإنه يأثم كغيره ممن تأهل لذلك، يعني إذا تأهل واحتيج إليه فلم يجلس فإنه يأثم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
البلد المعروف المأهول، المسكون، القرية فما فوق، المقصود أن الحاجة داعية حتى لو قُدر أن حاجة البلد الواحد لا يكفيها شخص واحد، تعين على أكثر من واحد، لا بد أن يقوم بالأمر من يكفي؛ لأن التعليم واجب على الكفاية.
الطالب:. . . . . . . . .
يجلس في قريته لا يكلف أن يسافر، يجلس في قريته.(35/1)
الطالب:. . . . . . . . .
لا لا الكلام في قريته هو، كما أنه لا يكلف أن يسافر لا يكلف الطالب أن يسافر، ما دام هو في بلده وهو متأهل والحاجة داعية إليه يأثم إذا تأخر، ولا شك أن الإقدام والإحجام كلاهما مذموم، يعني إقدام قبل التأهل أو أحجام بعد التأهل والحاجة، ولا شك أنه حرمان، والواقع يشهد بهذا الحرمان، كم من شخص تأهل ونبغ ونبل سواء كان في دراسته النظامية الرسمية، وصار الأول على دفعته أو الثاني أو الثالث، ثم تخرج فلم يزاول التعليم، يعني المسألة خمس سنوات، ست سنوات، ثم يعود عامياً، لا يحسن ولا يتقن إلا ما بين يديه من عمل، سواء كان إداري أو غيره، من الأعمال تجده يتقن الموضوعات التي تتكرر عليه في عمله، لكن غيرها ما في، لو تخرج الأول على دفعته وتعين في محكمة الضمان والأنكحة ما تتردد عليه إلا مسائل النكاح والطلاق، ونسي الأبواب الأخرى، قاضٍ في المحكمة مخصص للمعاملات ما يعرف إلا أحكام المعاملات، ولا يلبث أن يكون في غيرها من الأبواب شبه عامي وهكذا، فالتعليم والجلوس للناس لا سيما مع النية الصالحة هو الذي يضمن الاستمرار في العلم، وهو الذي يزيد في العلم، يعني مع الاستمرار الزيادة من خير، أو من أعظم وسائل التحصيل البذل، وذكروا عن واحد من أهل الحديث أنه رأى نفسه في الرؤيا مع أربعة من أقرانه في روضة خضراء، وفيها خمسة كراسي، فالأربعة كلهم يحدثون، هو لا يحدث، فجلسوا على أربعة كراسي فجاء ليجلس على الخامس فمُنع، قيل له: ماذا قدمت لتجلس؟ فمن الأهمية بمكان أن يبذل ما عنده من العلم وهذه زكاته، والعلم كما يقرر أهل العلم، ويشهد له الواقع أنه يزيد بالإنفاق منه، والواقع يشهد بهذا، يعني لو افترضنا أن شخص يعلم الناس ولا يطالع الكتب، يعني هو تأهل للتعليم ثم صار يسمع من الطلاب هذه الكتب التي يقرؤونها عليه على طريقة المتقدمين يعني كل واحد بيده كتاب، فُيقرأ في الدرس الواحد عشرين ثلاثين كتاب، هذا يستفيد مما يسمع، وهذا يغنيه عن قراءته لنفسه، وإن كانت القراءة مهمة، لكن هذا أقل المطلوب، وتجده يستفيد من هذا، ويرد على هذا، بما استفاده منه هذا، وهذا من هذا إلى أن ينهض.(35/2)
وأما التعليم لا بد له في أوائل الأمر من التحضير، يعني ما يجلس للطلاب اعتماداً على ما حصله في دراسته لا، لا بد من أن يحضر، شيوخنا الكبار إلى آخر درس وهم يحضرون، ما يمكن أن يستغنى عن التحضير، لكن على كل حال التعليم أفضل من عدمه على أي حال، يعني المعلم يستفيد مما يُقرأ عليه، وقبل ذلك يستفيد مما حضره في بيته، ثم يستفيد بما يتجاذبه مع الطلاب، ويتحرر له أشياء كثيرة ما تحررت له بمجرد القراءة، من هنا تأتي أهمية التعليم، إضافة إلى أنه نفعٌ متعدٍ، وله أجر هؤلاء الذين تعلموا على يديه، وأجر من تعلموا على أيديهم، وكل هذا مشروط بالنية الخالصة الصالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك لا بد من هذا، ولا نغتر بوجود بعض المعلمين، ولو كان كلامهم مؤثر، وفيه شيء من الانتقاء من كلام السلف ما تدري عن دخيلته، كل واحد يتحدث عن نفسه؛ لأننا نشوف نجيب كلام يعني ننقله عن السلف كلام طيب، فيظن بالمتحدث أنه يطبق هذا الكلام، والواقع بخلاف ذلك، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يصحح لنا ولكم النيات، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجه.
سم.
الطالب:. . . . . . . . .
التأهل نسبي، فالذي يُعلم صغار العلم لا يلزم أن يكون من الكبار، يعني طلاب العلم في المتقدمين، وهم طلاب علم ما زالوا في الطلب يعلمون الصغار، لا مانع، يعني أنت الآن في مرحلة المتقدمين تأهلت لدارسة التدمرية على المشايخ، وإذا شرحوا فهمت مثلاً، ما الذي يمنع أن تشرح الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات والكتب السهلة التي مرت بك مراراً؟ هذا وما زال العلماء يتعلمون ويعلمون في الوقت نفسه، والأمثلة حتى من الوقت الحاضر، يعني كان يحضر دروس الشيخ ابن باز -رحمه الله- من الكبار يعني، ويعلمون في أوقات أخرى، ما أحد يلومهم، بل يلامون لو لم يعلموا، فالتأهل نسبي، فأنت تتأهل لمن تُعلم، وقد يوجد في المتعلمين من يحسن تعليم الصغار أحسن من الكبار، أفضل من الكبار يعلم الصغار ويحسن التعامل معهم أكثر من الكبار، ولذا يوجه إلى نفعهم، والعمل جارٍ على هذا، إذا احتيج للعالم يجلس، إذا تأهل واحتيج إليه يقول:(35/3)
. . . ثم حيث احتيج لك ... في شيء اروه. . . . . . . . .
يعني من غير تحديد بسن معين، بهذا الضابط: تتأهل ويحتاج إليك.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابن خلاد سلك
بأنه يحسن للخمسينا ... . . . . . . . . .
يعني ما تبدأ التعليم إلا بعد خمسين سنة، طيب إن مت قبل؟! عمر بن عبد العزيز مات لم يكمل الأربعين، الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- في الثلاثينات، سعيد بن جبير في الخمسين، النووي زاد على الخمسين قليلاً، المقصود أن مثل هذا التحديد بالخمسين لا أصل له، وهذا فيه تثبيط، مالك بن أنس جلس قبل العشرين.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابن خلاد سلك
بأنه يحسن للخمسينا ... عاماً. . . . . . . . .
يعني إذا وصل إلى الخمسين ماذا بقي من قوته؟ يعني الآن هو بحاجة إلى أن ينمو علمه، لا يكفي أن يطالع مثلما ذكرنا، لا بد من مناقشة ومحاورة في العلم، يناقش فيها الطلاب ويحاورونه ويحررون له المسائل، وهذا معروف في القديم والحديث.
بأنه يحسن للخمسينا ... عاماً ولا بأس لأربعينا(35/4)
اكتمال الأشد الأربعين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوحي إليه بعد اكتمال الأربعين، لكن لا يلزم من هذا أن ينتظر الإنسان إلى أن يبلغ الأربعين، الضابط التأهل، لا يتصدى لتعليم الناس، أو لتأليف الكتب، أو الحكم بين الناس قبل التأهل، فيفسد أكثر مما يصلح، قد يقول قائل: إنه إذا اشترطنا هذا وجاء شخص وجلس للتعليم -وهذه من الغموض بمكان- هل نقول: إنه شهد لنفسه بالتأهل؟ أو لا بد أن يشهد له بالأهلية؟ يعني مثل الفتوى جاء فيها ما جاء من التشديد، وتجد أهل العلم يذكرون هذا ويشددون، ويوردون النصوص، ويوردون ما تشيب له الولدان، هل نقول: إنه تجاوز هذه المرحلة وتأهل؛ لأنه لا تخفى عليه هذا النصوص، هذه من المضايق حقيقة يعني، هل نقول: إنه شهد على نفسه أنه بلغ هذه المرتبة؟ أو لا بد أن يشهد له غيره؟ وهل يكفي في ذلك الشهادات الرسمية أو لا بد من شهادات أهل العلم الذين هم يعرفون أحوال الطلاب –طلابهم- ويشهدون لبعضهم دون بعض؟ بينما الشهادات الرسمية تشهد للجميع، كل من تخرج فهو مشهود له بأنه تأهل، وفيهم في الحقيقة من لم يتأهل، أقول: العالم حينما يورد ما جاء في التحذير من الفتوى بغير علم، أو التحذير من القضاء قبل التأهل ثم يجلس للقضاء، أو يجلس للفتوى، أو يجلس للتعليم كأنه شهد لنفسه أنه تأهل، لكن هذه أمور حقيقة ما هي من الوضوح للناس كلهم، أو حتى للعالم نفسه مثل بزوغ الشمس، يعني اليوم ما تأهل، غداً تأهل، هذا ما هو بصحيح، ما يمكن يأتي، إنما نموه مثل نمو النبات شيئاً فشيئاً، والتأهل مثلما قلنا: نسبي ينظر في أحواله وأقرانه وبلده وظرفه وزمنه، كما هو حاصل الآن، تجد في يوم من الأيام فجأة يُعلن عن درس لفلان، هل نقول: إن أمس ما تأهل واليوم تأهل؟ يختبر إن مشى وازداد في تحصيله وكذا، ولا بد أن يقع، ليس بمعصوم حتى لو تأهل، ولو كان من أكبر أهل العلم، لا بد أن يقع في أقواله ما يقبل وما يرد.
فعلى طالب العلم أن يتهم بنفسه من أجل أن يؤهلها لتحصل له هذه الأجور العظيمة، ولا تقييد بخمسين ولا أربعين، قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابن خلاد سلك
ابن خلاد الرامهرمزي، صاحب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي.(35/5)
بأنه يحسن للخمسينا ... عاماً ولا بأس لأربعينا
ورُد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
نعم رد لأنه قد يبلغ الخمسين، وقد يبلغ الستين ولا يتأهل، وقد يبلغ العشرين أو لا يصل إلى العشرين وقد تأهل.
ورُد والشيخ بغير البارعِ ... . . . . . . . . .
الشيخ ابن الصلاح.
. . . . . . . . . بغير البارعِ ... خَصّصَ. . . . . . . . .
يعني طالب علم من سائر طلاب العلم أكثر من ملازمة الشيوخ والتردد عليهم، ووصل إلى خمسين سنة، وجلس لتعليم من يمكن أن يستفيد منه لا بأس إلى أن يجلس مجلس يعني يجد نفسه أنه ليس بأهل لهذه المهمة فيترك، لكن في الغالب أنه إذا أكثر التردد على علماء، وحفظ المتون المقررة لطلاب العلم، ونظر في الشروح أنه يستطيع أن يمشي صغار الطلاب.
. . . . . . . . . والشيخ بغير البارعِ ... خَصّصَ. . . . . . . . .
يعني كلام ابن خلاد "لا كمالكٍ والشافعي" يعني هؤلاء برعوا قبل الثلاثين، بل قبل العشرين، لا سيما مالك أفتى لسبعة عشرة، الشافعي قبل الخمسة والعشرين جلس للتحديث والتعليم وغيره، الأمثلة كثيرة في هذا، "لا كمالكٍ والشافعي" يعني هناك نوعيات جلسوا في أوقات أو مع توافر شيوخهم، الإمام مالك جلس في المسجد النبوي، وكثر الجموع عليه وشيخه ربيعة في المسجد، ربيعة الرأي، ربيعة بن أبي عبد الرحمن، موجود في المسجد، وتجد بعض طلاب العلم يبرع في هذا ويحضره الناس، وتجد بعض شيوخه في المسجد يصلي معه، وتجد بعض الشيوخ يحضر أحياناً، وفي هذا منقبة للطرفين، للشيخ والطالب، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(35/6)
السبب يعني النظر إلى أن الخمسين النضج كامل، خلاص ما عاد يمكن ينضج أكثر من هذا، والأربعين مكتمل الأشد، كما قيدوا بداية الطلب بالخمس، ومنهم قال: العشر، ومنهم قال: العشرين، ومنهم قال: الثلاثين، بداية طلب العلم قالوا: ثلاثين أهل البصرة، هذا معقول هذا؟! تجلس في بيتك إلى أن تبلغ ثلاثين؟! هذا ضياع، إهدار للعمر، ومثل هذا يجلس إلى الخمسين يتردد على الشيوخ، نعم وجد من أهل العلم من هو أهل للتعليم وطلب العلم إلى أن بلغ الستين، ومع ذلك يدرس في أوقات أخرى، ملازمة لعالم من العلماء يستفيد منه في كل درس فائدة جديدة، لكن يعني من خلال الواقع أيهما أفضل أن يستمر مثل هذا في حضور الدروس أو يكثر من التدريس؟ بلا شك الثاني؛ لأن أكثر ما يقوله الشيخ من خلال حضور ثلاثين أربعين سنة معروف لديه، يعني في أول الأمر قد يستفيد بنسبة خمسين بالمائة مما يقوله الشيخ، ثم بعد سنتين أو ثلاث قد لا يستفيد إلا بنسبة ثلاثين بالمائة، ثم يتضاءل الأمر إلى أن يستفيد بنسبة واحد بالمائة، أما الباقي معروف عنده، تكرر عليه مراراً، يعني أنتم سمعتم منا كلاماً قد لو أقوله الآن مليتوه، قيل يعني يمكن عشرين أو ثلاثين مرة، والأذن تمل من كثرة السماع، فأقول: مثل هؤلاء الذين لزموا الشيوخ ثلاثين، أربعين، خمسين سنة يكفي لمعرفة منهج الشيخ خمس سنوات، تعرف منهج الشيخ، فإذا سمعت بفتوى تخالف ما تصورته عن الشيخ بادرت إلى إنكارها، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا بلغ الثلاثين خلاص ينقطع عن الدروس، لكن يكثر من العطاء في هذه السن، قبل أن يحول دونه وبين العطاء ما يحول من مرض وإعاقة وشيء من هذا فيندم على أن يكون أعطى وقدم، يعني تجد من الكبار يشار لهم بالبنان إذا رحت إلى التسجيلات ما وجدت لهم دروس أو مؤلفات في المكتبات، ما وجدت شيء، كل هذا سببه التراخي، بعدين بعدين، ما كمل النصاب، ما تأهلنا، ويتذرعون، ويتواضعون -جزآهم الله خيراً- لكن يبقى أن النفع العام مقدم على مثل هذه الأعذار.
وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم ... وبالثمانين ابن خلاد جزم(35/7)
متى يمسك؟ الآن عندنا فيما أخذناه قبل متى يبدأ بطلب العلم؟ انتهينا منه، والخلاف فيه الطويل الذي تقدم في دروس مضت، ومتى يبدأ التدريس والتعليم؟ هذا موضوع اليوم، ومتى يكف عن التعليم؟ لأنه هل يقال للمتأهل: أجلس للناس إلى يوم الوفاة؟! أو هناك حد -سن- يقف عنده؟ السيوطي لما بلغ الخمسين قطع الدروس والإفتاء، وقطع أي ارتباط بالناس واتجه إلى التأليف، حتى مات عن ستمائة مصنف، يعني هذا ما ضاع وقته، كونه انتقل من شيء إلى شيء كلاهما محمود مطلوب، لكن إذا اجتمع الأمران ألف وعلم وأفتى هذا من نعم الله على الإنسان، شريطة أن يكون حريصاً على خلاص نفسه، قبل خلاص غيره، يعني يتحرى لنفسه أكثر من غيره، ما هو معنى هذا أنه يفتح الباب على مصراعيه، وكل ما طلب منه شيء تأهل له وإلا ما تأهل، الله يحيك، وإذا سئل عن مسألة ما تردد فيها، لا يعني هذا، يعني ينفتح للناس لكن بقدر استطاعته.
"وينبغي الإمساك -يعني عن التعليم- إذ يخشى الهرم" إذا ظهرت عليه أمارات التخليط، وكثر النقد الموجه إليه، وكثر سبق لسانه، وسبق فهمه إلى غير الصواب، هنا يقال له: لو اقتصرت على العبادة أفضل لك.
وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم ... وبالثمانين ابن خلاد جزم
يقول: لو وصل ثمانين خلاص يوقف، ولو كان من أحسن الناس فهماً، وأثبتهم عقلاً ورأياً؛ لأنه في الغالب أن الثمانين يخرف فيها الإنسان، يحصل فيها الخرف، لكن كل إنسان بحسبه مثلما قلنا في التمييز في بداية الطلب.
. . . . . . . . . ... وبالثمانين ابن خلاد جزم
مع أن أهل العلم ينصون على أن من بلغ الثمانين اتجاهه إلى العبادة والذكر والتلاوة أولى به، لكن النماذج في المتقدمين والمتأخرين ممن استمر في التعليم إلى أن وصل المائة أو جاوز المائة هذا موجود.
فإن يكن ثابت عقلٍ لم يبل ... كأنسٍ ومالكٍ ومن فعل
يعني جاوزوا الثمانين، واستمروا على التعليم، أنس جاوز المائة، مات عن مائة وثلاث سنين، لكنه في أواخر عمره يقول: سلوا الحسن، فإنه حفظ ونسينا، وهذا مما يرد كلام ابن خلاد الرامهرمزي، وأنه إذا بلغ الثمانين يقف عن التعليم.
إن الثمانين -وبغلتها- ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان(35/8)
أحوجت السمع، وأحوجت البصر، وأحوجت القوى كلها، تحوج الثمانين في الغالب، لكن مع ذلك قد يتجاوز الثمانين، بل التسعين، بل المائة، وهو ثابت العقل، واختبر بعضهم ورد رداً دقيقاً فرح به الطلاب.
فإن يكون ثابت عقلٍ لم يبل ... كأنسٍ ومالكٍ ومن فعل
كأنس بن مالك الصحابي خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومالك أمام دار الهجرة، نجم السنن، مالك بن أنس "ومن فعل" يعني من فعل فعلهم بعد تجاوز التسعين بل المائة.
والبغوي والهجيمي وفئه ... كالطبري حدثوا بعد المائه
البغوي حدث بعد المائة، عُمّر طويلاً، وكذلك الهجيمي كذلك حدث بعد المائة، "وفئه" يعني جمع من أهل العلم كالطبري أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري "حدثوا بعد المائه" يعني بعد أن جاوزوا المائة، الطبري حفظ له موقف قفز من حفرة بعد أن جاوز المائة، ولاموه كيف تقفز وأنت بهذا السن؟! يعني يمكن يحصل لك كسور وإلا شيء تندم على ذلك، فقال المقالة المشهورة: "جوارح حفظنها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر" إمام أنا رأيته في شارع عثمان بن عفان داخل البلد، كان يسمى شارع الغنم، لا لا شارع الفريان؛ لأن الشارعان متجاوران، في شارع الفريان يناهز المائة، قبل ثلاثين سنة، خرج من المسجد فإذا الحفريات القديمة العميقة، الحفريات الخرافي، يعني ما يُرى أسفلها، خرج من المسجد فسقط فيها، كفيف وأعمى ويناهز المائة، فجزم الناس أن الشيخ خلاص انتهى، مات، وهو إمام مسجد، فأخرجوه، نفض البشت والثياب واستمر يمشي، العصا انكسر يعني، الرجل مات منذ أمد، لكن هذا الحاصل، يعني الجوارح إذا حفظت في الصغر يحفظها الله في الكبر، والله المستعان.
والبغوي والهجيمي وفئه ... كالطبري حدثوا بعد المائه(35/9)
شيخنا الشيخ ابن باز -رحمه الله- في ليلة الوفاة مع التسعين؛ لأنه ولد سنة ثلاثين، ومات سنة عشرين، تسعين سنة، ليلة الوفاة إلى منتصف الليل وهو يفتي، إلى الساعة الثانية عشرة وهو يفتي، والشيخ ابن عثيمين في آخر ليلة يدرس، يعني شالوه أخر ليلة من المسجد الحرام إلى المستشفى، المقصود أن العلماء يتلذذون بمثل هذا؛ لما يعرفون من حسن العاقبة، كون الإنسان يختم له وهو على خير، لكن نستحضر دائماً إخلاص العمل لله -جل وعلا- في هذا الأمر؛ لأن المسألة مزلة قدم، كيف بك إذا بدأ لك من الله ما لم تحتسب، أو ما لا تحتسب، يعني الثلاثة أول من تسعر بهم النار شخص عمره كله أفناه بالتعلم والتعليم، لكنه تعلم وعلم ليقال: عالم، وقد قيل.
وعدي بن حاتم وأخته لما جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، واستقبلهم، ورحب بهم، وذكروا من أوصاف أبيهم ما ذكروا، يعني ذكروا من كرمه وجوده ما هو مسطر في الكتب إلى الآن، لما انتهى عدي قال: ((أراد أبوك شيئاً فحصل له)) أراد أبوك يعني قصد شيئاً فحصل له، ماذا قصد؟ ليقال: جواد، وسوف يقال: جواد إلى قيام الساعة، لكن ماذا له في الآخرة؟! فالذي يخشى ممن يزاول هذه المهن لا سيما ما هو من أمور الآخرة المحضة أن يبدو له من الله ما لا يحتسب، فيكون بدلاً من أن يتوقع أنه مع الصديقين يكون من أول من تسعر بهم النار، نسأل الله السلامة والعافية.
وينبغي إمساك الأعمى إن يخف ... . . . . . . . . .
الأعمى سواء كان من أول أمره أعمى يعني أكمه، أو طرأ عليه العمى، والغالب أن الذي يُمسك من طرأ عليه العمى، أما من عاش وهو أعمى وحصل من العلم ما حصل هذا يستمر، لكن كلامهم فيما إذا كان علمه في كتاب.
وينبغي إمساك الأعمى إن يخف ... . . . . . . . . .(35/10)
يعني من تخليطه بسبب العمى، أو ضياع الكتاب، أو تعدي أحد على الكتاب، وإدخال ما ليس منه فيه، فإن مثل هذا إذا كان لا يحفظ ما في كتابه مظنة، وكم من راوٍ ابتلي بمن يدخل في كتابه ما ليس منه، فالأعمى يمسك، وهذه ينتبه لها مثلنا، الذي يشرح من كتب، يعني لو حصل له ما حصل، وفقد البصر لا شك أنه يتأثر التدريس، يتأثر تعليمه، وهو بيده الكتاب ما عنده مشكلة، أما الذي يحفظ المتون ويشرحها من حفظه هذا ما عنده مشكلة، ولذلك ونصيحتي لطلاب العلم أن يهتموا بحفظ المتون، وأن يديموا النظر فيها ومراجعتها، يعني واحد من الشيوخ الذين حفظوا في الصغر حضر في مسجد من المساجد فإذا بإمام المسجد يقرأ في كتاب، يقول: أنا أعرف هذا الكتاب، لكن ما أدري ويش اسمه؟ الكلام هذا مارٍ عليّ لكن في أي كتاب؟ على طالب العلم أن يهتم بمحفوظاته بحيث إذا احتاج إلى تعليمها وقد طرأ عليه ما طرأ، إذا كان يبصر والمتن بيده سهل، لكن إذا عمى كيف يشرح؟ اللهم إلا إذا كان يريد أن يوقف القارئ جملة جملة، وهذه طريقة يعني الشرح الممزوج موجود عند أهل العلم، شرح كلمة كلمة، لكن مثل هذه الطريقة قد لا يستطرد معها إلا إذا استوعب المسألة، واستيعاب المسألة تحتاج إلى حفظٍ لها قبل ذلك، أو إمساك بالكتاب كما نفعله ويفعله كثير من الشيوخ، ما في عيب أبداً، الإمام أحمد يحدث من كتابه، ويحفظ سبعمائة ألف حديث، هذا ما في إشكال، لكن الإشكال فيما لو طرأ عليه مثلما يذكر المؤلف عمى وإلا شيء يجعله يختل طريقه.
وإن من سيل بجزء قد عَرَف ... . . . . . . . . .
شخص يطلب أو مجموعة من طلاب العلم يطلبون أن أشرح لهم التدمرية، أنا أعرف أن الشيخ عبد الرحمن البراك أفضل ألف مرة يشرح التدمرية، أقول: روحوا إلى الشيخ، يجون يطلبون كتاب من كتب الأصول، إحنا عندنا مبادئ في العلوم كلها ونستطيع -يعني ولله الحمد- وجَربنا وجُربنا، لكن المسألة التي يشير إليها المؤلف ما هو يعني أن. . . . . . . . .
والذي يليه يقول:
وترك تحديثٍ بحضرة الأحق ... . . . . . . . . .(35/11)
يعني لو جاءوا إلى الشيخ الكبير يتكلم كما هو الحاصل يعني شيوخنا كلهم يتكلمون في المناسبات، بدءً من الشيخ ابن باز فما دونه، ثم ينتقل الأمر إلى من بعده، يعني لو أن من بعده قال: لا أتحدث بحضرة شيخي فهو محق، وقد يلومه من يلومه، لكنه محق.
وترك تحديثٍ بحضرة الأحق ... . . . . . . . . .
هذا من الأدب والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، وسيأتيه يوم من الأيام أن يُترك الأمر له، أقول: الأيام دول.
وبعضهم كره الأخذ عنه ... ببلد وفيه أولى منه
يعني ما تأتي إلى شخص مفضول وتأخذ عنه علم ويوجد من هو أفضل منه، إلا لعارض مثلاً، أنت في حي وفي شخص متأهل يُعلم، وفيه في حي آخر من أولى منه وأفضل، لكن أنت ما عندك وسيلة نقل، أو ما عندك وقت يسعفك إلى أن تروح إلى الشيخ البراك أو ابن جبرين أو ابن فوزان أو غيرهم من أهل العلم أو الغديان من شيوخنا، تقول: والله هذا أيسر لي جنب البيت، وشو عاد ... ، وإذا أشكل عليّ شيئاً فالشيوخ بالهاتف نصلهم، إذا عرض مثل هذا معك حق، وإذا لم يعرض فترك الأولى لا شك أنه حرمان.
طالب:. . . . . . . . .
لا بعضهم يحدث بحضرة الأولى ويعتذر بأنه قصداً يحدث بحضرة شيخه ليسدده، إذا حصل منه شيء والشيخ موجود يسدده، بهذا الاعتذار، وبعضهم من باب الكسل ما وده يتكلم ويعتذر بأنه يترك المجال لشيخه، والأمور بمقاصدها، وهذا موجود وهذا موجود، والله المستعان، ولا يعلم بالنيات والخفايا إلا الله -جل وعلا-.
وبعضهم كره الأخذ عنه ... ببلد وفيه أولى منه
الأولى إما بالسن مثلاً، أو بالتحصيل يعني يتعرف لمن هو أفضل منه، كما قلنا في مسألة الدلالة على من هو أولى منه وأعلم وأفضل،. . . . . . . . . وبعض الناس قد يحضر عنده وإن لم تكن الفائدة بقدر ما يبذل من جهد، لكن هناك أمور تحتف. . . . . . . . .
ولا تقم لأحد وأقبل ... . . . . . . . . .(35/12)
. . . فدخل من دخل أي كان، لا تقم لأحد أي كان، سواء كان من الولاة، من العلماء، ممن له حق عليك أبيك أو عمك أو ما أشبه ذلك، لا تقم لأحد؛ لأن قطع الحديث أنت الآن تتكلم بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقطعه من أجل فلان من الناس لا شك أنه إيثار لفلان على الحديث، لذلك لا تقم لاستقبال هذا القادم أي كان، مع أنه يدخل في مسألة المفاضلة بين القرب، المفاضلة بين القرب يقرر أهل العلم أن القرب مرتبة في الشرع، لكن يقد يحتف بالمفضول منها ما يجعله فاضل، لو أن الرجل مع أبيه وصل إلى باب المسجد معاً، ولا شك أن الدخول إلى المسجد أولاً أفضل، لكن كون الابن يؤثر أباه في مثل هذا أو حتى في الصف الأول، أو في القرب من الإمام يترتب عليه مصلحة أعظم من المصلحة المرتبة على القرب من الإمام، لو أن شخصاً أو من أهل العلم دخل المسجد وأنت تعلم وبينك وبينه سوء تفاهم مثلاً، نُقل إليك عنه أو نقل إليه عنك، فأردت أن تقطع الحديث وتستقبله وتنزيله منزلته ليزول ما في النفس، هذا لا شك أنه راجح، إذا كان الشخص بحيث نُزّل عن منزلته وقيل فيه ما قيل مما لا أصل له، وصار الطلاب يتناولونه، وأردت أن ترفع من شأنه ليرجع إلى منزلته؛ لأن ما قيل فيه ليس بحق، هذا أيضاً من الترجيح بأمر خارج، فلك أن تفعل، قال:
ولا تقم لأحد وأقبلِ ... عليهم. . . . . . . . .
أقبل على الطلاب بالسوية، يعني لا تخاطب واحد كل الدرس والبقية كأنهم غير موجودين، انظر إلى الطلاب على حد سواء، وعلى كل حال يقول: "وأقبل عليهم" جمعياً يعني لا تخص بعضاً دون بعض، ولا جهة دون جهة، لكن في الغالب الذين على سمت الجلسة هم الذين يحظون بالأكثر، نعم هم الذين يحظون بالأكثر؛ لأنه هو الأريح مثلاً للشيخ، فلا يعني هذا أنه أهمل من بجانبه من يمين أو شمال من أجل اختصاص من بين يديه دون غيره، لا، لهذا السبب، ولذا تجدون أكثر ما يوجه الكلام للذي أمامه، والذي يريد أن يحظا بمثل هذا يأتي، ولا أحد يمنعه، وعلى كل حال ينبغي أن يعدل الشيخ بين طلابه "وللحديث رتلِ".
اللهم صل وسلم على نبينا محمد ...
يقول -رحمه الله-:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وللحديث رتلِ(35/13)
يعني لا تسرع في قراءة الحديث، بل تأنى في قراءته بكلام مسموع مفهوم، بحيث لا يكون هذرمة ولا هينمة بحيث تخفى بعض الحروف، أو بعض الكلمات، ولا يسرد، ولا يهذ كهذ الشعر، بل يبين ويوضح؛ لأن المقصود من التحديث التبليغ، استجابة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((بلغوا عني)) ((وليبلغ الشاهد منكم الغائب)) فلا يحصل ولا يتم التبليغ إلا بالتأني والوضوح والإيضاح بحيث يُبين كل حرف من مخرجه، وليس معنى هذا الترتيل أن تطبق عليه أحكام التجويد مثلاً، لا، ليس معنى هذا أن تطبق عليه الأحكام، إنما يقرأ بصوت واضح بيّن لا يخفى منه شيء، وأهل كل بلد لهم طريقة في تأدية ما يريدون قراءته، القرآن يشترك فيه جميع المسلمين؛ لأن لقراءته قوانين محددة مضبوطة لا تتفاوت، يقرأه العربي، ويقرأه الأعجمي، ويقرأه كل أحد، لكن قراءة نجد مثلاً للحديث تختلف عن قراءة الحجاز، والحجاز تختلف قراءتهم عن .. يعني نبرة الصوت، أذكر لما شرحنا كتاب الفتن من صحيح البخاري، في دورة علمية، وكان الشيخ عبد الله هو الذي يقرأ بصوته المعروف الجميل، ومن خلال الانترنت جاءت الأسئلة هل تجوز مثل هذه القراءة؟ وما الدليل على جوازها؟ إحنا قلنا: ما الدليل على منعها؟ لأن الكلام وتأديته مما لم يرد فيه نص متروك لعادات الناس وأعرافهم، القبائل تختلف في نطقها، هل أحد يقول: إن المغربي ينطق الكلام مثلما ينطقه المشرقي؟ أبداً، أو اليمني ينطق مثلما ينطق الشامي؟ ما يقول أحد هذا لا في القديم ولا في الحديث، فالمقصود تأديته بطريقة غير متكلفة وتصل إلى. . . . . . . . .
واحمد وصلِ مع سلام ودعا ... . . . . . . . . .
. . . . . . . . . له صيغة مما لم يرد فيه دليل بخصوصه، وأولى ما يقال في مثل هذا خطبة الحاجة؛ لأنها ثابتة بالنص، وعلى أي أسلوب ابتدأ الحمد، وصلى وسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- كفى "ودعاء" يدعو بين يدي الدرس بأدعية جامعة من جوامع الأدعية، سواء كانت من الكتاب أو السنة، هذه طريقة متبعة عند أهل العلم لا سيما أهل الحديث في بداية دروسهم.
واحمد وصلِ مع سلام ودعا ... . . . . . . . . .(35/14)
يستدلون على هذا بما يقال في أوائل الكتب من حديث: ((كل أمرٍ ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله)) ((ولا يُبدأ فيه بحمد الله)) وفي رواية: ((بالصلاة عليّ)) وعرفنا أن جمعاً من العلم حكموا على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، وليس معنى هذا أنه إذا كان طرقه كلها ضعيفة أننا نبدأ بأي كلام كان، لا، بل نسمي ونحمد ونصلي علي النبي -عليه الصلاة والسلام- ونتشهد ولو ضعف الخبر؛ لأن القرآن مبدوء بالبسملة والحمدلة، الخطب النبوية كذلك مبدوءة بالحمدلة، الرسائل النبوية مبدوءة بالبسملة، يعني بعض الناس يسمع شيئاً وليس فيه أدنى مسكة من فقه النفس، يسمع أن فلاناً ضعف هذا الحديث معناه أن وجوده كعدمه. . . . . . . . .
صلاة العجائز الإشراق -سبحان الله- يعني ما يستوعب مثل هذا، هذا سمع بربع عين، وألغى كل الدنيا، تعجلها كلها سوداء في عينه، هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا ضعف هذا الدليل فهناك أدلة أخرى قولية وعملية متضافرة على شرعية مثل هذا الكلام، لكن الإشكال في أنصاف المتعلمين، إذا وجد مثل هؤلاء صاروا يتصرفون .. ، في الحج قبل الماضي ونحن ذاهبون على رمي الجمرة في يوم العيد، فإذا شباب يعني لا أبالغ إذا قلت: إنهم في الثانوي، في أوله، اثنين يحدث واحد منهم الثاني يقول: الحمد لله ما رأيت البارحة أحد من المبتدعة، يعني في مزدلفة، ما شفت -الحمد لله- ولا واحد يوتر؛ لأن بعضهم قال أخذاً من قوله: "نام حتى أصبح" أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أوتر تلك الليلة، فجعله مبتدع الذي يوتر، شباب صغار ما عندهم شيء، فسمع هذه الكلمة، وما رأى أحد من المبتدعة، سبحان الله، يعني انتظر كم من كلام قيل ثم ندم عليه، والله المستعان.
واحمد وصلِ مع سلام ودعا ... في بدء مجلسٍ وختمه معا
يعني يبدأ المجلس بهذا ويختم به، بعد هذا: مجالس الإملاء، وما يليها تحتاج إلى شيء من التفصيل، فيترك للدرس القادم -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(35/15)
شرح ألفية الحافظ العراقي (37)
(تابع: باب: آداب المحدث)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في باب: آداب المحدث
يقول -رحمه الله تعالى-:
وَاعْقِدْ لِلاِمْلاَ مَجْلِساً فَذَاكَ مِنْ ... أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالاَخْذِ ثُمَّ إِنْ
تَكْثُرْ جُمُوْعٌ فَاتَّخِذْ مُسْتَمْلِيَا ... مُحَصِّلاً ذَا يَقْظَةٍ مُسْتَوِيَا
إحنا وقفنا على هذا.
يقول -رحمه الله تعالى-: "واعقد للإملا" الإملاء: ضرب ونوع وقسم من أقسام التحمل، بل فرع من فروع القسم الأول، من أقسام التحمل الثمانية، القسم الأول: السماع من لفظ الشيخ، وتقدم شرحها مفصلاً أعني الأقسام الثمانية، فالأول منها: السماع من لفظ الشيخ، وقلنا في وقتها كما قال أهل العلم: إنه أرفع أنواع التحمل، وأرفعه الإملاء، أرفع أنواع هذا القسم الإملاء، لما يلزم فيه من تحرز الشيخ والطالب، الشيخ يملي والطالب يكتب، كلاهما متحرز، الشيخ منتبه لما يقول، والطالب منتبه لما يكتب.
واعقد للإملا مجلساً فذاك من ... أرفع الاسماع. . . . . . . . .
يعني أرفع أنواع السماع من لفظ الشيخ، وإذا كان السماع من لفظ الشيخ أرفع طرق التحمل فيكون الإملاء إملاء الشيخ على الطلاب، والطلاب يكتبون أرفع الأنواع مطلقاً، إذ هو أرفع الأرفع، الإملاء سنة متبعة عند أهل الحديث لا يقصد بها السنة الشرعية؛ لأن العلم كله سنة، نعم لكن سنة وطريقة متبعة عند أهل الحديث، يعقدون مجالس للإملاء ينتقون فيها بعض الأحاديث يهتمون بها، ويعتنون بها، مما لها صفة تميزها، ينتقي من أحاديث شيوخه التي يرويها بأسانيده العوالي مثلاً، أو القصار من الأحاديث، أو ذات الموضوع الواحد من أحاديث شيوخه، أو لها صبغة معينة، أو وصف يشملها، وتكون من نوادر حديثه.(36/1)
الإملاء كان معروفاً عند المتقدمين، ثم انقطع فترة من الزمن، فأعيد، أعاده الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، والولي ابن الحافظ العراقي، والسخاوي والسيوطي، كلهم أملوا بعد انقطاعه، إلى منتصف القرن أو إلى أواخر القرن الثامن، الإملاء مثلما ذكرنا ينتقي من أحاديثه من مروياته عن شيوخه من الأحاديث التي يرويها بأسانيده أحاديث لها صفة تميزها، يعني غير مجالس التحديث، يعني يوم في الأسبوع مثلاً يقول: عندكم يوم الاثنين بعد صلاة العصر، أو يوم الثلاثاء أو يوم الجمعة مجلس إملاء، غير الدروس العامة التي يلقيها على طلابه، أو يُقرأ عليه فيها.
واعقد للإملا مجلساً فذاك من ... أرفع الاسماع والأخذ. . . . . . . . .
يعني أرفع طرق التحمل والأداء الإملاء، وذكرنا السبب في ذلك أنه يلزم عليه تحرز كل من الشيخ والطالب؛ لأنه ما يمكن يملي الشيخ وهو غافل، ولا يمكن أن يكتب الطالب وهو غافل، إلا إذا كانت الغفلة ملازمة له، أما إذا كان من أهل اليقظة والتحفظ هذا لا يمكن أن يملي أو يكتب وهو غافل.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم إن
تكثر جموعٌ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(36/2)
يعني يكثر الطلاب، الطلاب إذا كانوا في حدود ما يسمع من لفظ الشيخ يُكتفى بهذا، لفظ الشيخ يبلغهم ويصل إلى أقصاهم وأدناهم، وينفذهم صوته، لكن إذا كثرت الجموع، يعني ذكروا جموعاً هائلة عند بعض المحدثين، الألوف المؤلفة وبدون ألآت مكبرة مثل هذه التي نستعملها ماذا يصنعون؟ يعني تسمعون في الصلاة إذا كثرت الجموع في الصلاة اتخذ الإمام الذي يبلغ عنه التكبير لتتم المتابعة، وإلا إذا كثر الجموع من غير مبلغ فيحصل الخلل في صلاة المأمومين، كثيراً ما ينقطع التيار الكهربائي في صلاة الجمعة مثلاً، والمسجد طوابق مثلاً، الإمام على مستوى الأرض، وناس في أسفل وناس في أعلى، فإذا انقطع التيار الكهربائي تجد الإمام يقول: الله أكبر رافعاً من السجود، والذين فوق أو تحت يقولون: آمين، هذا حصل، هذا خلل في الصلاة، فلا بد من اتخاذ من يبلغ صوت الإمام، وهنا إذا كثرت الجموع فصار الطلاب لا يسمعون صوت الشيخ المملي؛ لأنهم ذكروا أرقاماً تصل أحياناً إلى مائة ألف، أربعين ألف، خمسين ألف، جموع غفيرة ما ينفذهم الصوت، فمثل هذا يأخذ مستملي، إيش معنى المستملي؟ المستملي الذي يبلغ صوت الشيخ، يسمع من الشيخ فيبلغه، ثم يسمعه المستملي الثاني فيبلغه إلى من .. ، قد يحتاج عدة من المستمليين، ينتشرون بين الطلاب، يعني بعض الأمراء قبل وجود هذه الآلات -آلات الاتصال- يعني في القديم، تجده في محل عمله في العمارة، كيف يطلب من في الأسفل؟ يعني على سبيل المثال القهوة كيف يؤتى بها ويطلبها من المطبخ؟ تجد الأمير يصوت: قهوة مثلاً على طريقة الأمراء العرب هنا، فتجد اللي في الدرج، في أعلى الدرج يقول: قهوة مثلاً يسمعه من أسفل يقول كذلك، ثم يسمعه من في المطبخ، ويحضرون القهوة وهكذا، هذه معروفة عند الناس قبل وسائل الاتصال، وافرض أنه يطلب غير القهوة مثلاً، المعاملة الفلانية، الكتاب الفلاني، أي شيء، فإذا كثر الجموع بحيث لا يصلهم ولا ينفذهم صوت الشيخ على هذا الشيخ أن يتخذ المستملين الذين يبلغون صوته.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم إن
تكثر جموع فاتخذ مستملياً ... محصلاً. . . . . . . . .(36/3)
يعني ما تأتي بعامي لا يعرف شيئاً، لا يقرأ ولا يكتب تجعله مستملي من هذا، هذا أولاً لا يفهم الكلام على وجهه ولا يبلغه على وجهه، لا بد أن يكون لديه أهلية، يعني ما يلزم أن يكون عالم، لكن يميز أقل الأحوال، "ذا يقظة" يعني نبيه، ما تمر الكلمات بحيث تفوته بعض الكلمات، أو يؤولها ويأتي بمعناها، لا، بل لا بد بأن يكون محصلاً يعني لديه أهلية لفهم ما يقال، وتبليغه على وجه، ثم بعد ذلك يكون يقظاً، ما يكون مغفلاً، يعني ذكروا من المستملين طرائف، قال الشيخ: "حدثنا عدة" وسكت، قال المستملي: "حدثنا عدة" لما سكت الشيخ قال المستملي: عدة ابن من؟ قال: "عدة ابن فقدتك" يعني غباء هذا، ذكروا من هذا النوع من الضرب طرائف، يعني يمكن أن يتندر بها في المجالس، ولا يستبعد أن يقع مثل هذه الأشياء؛ لأن الناس يتفاوتون في إفهامهم.
. . . . . . . . . ... محصلاً ذا يقظة مستويا
بعالٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
لأنه يبلغ البعيد، فيكون في موضع مرتفع أو يقف؛ لأن هذا التبليغ والأصل في هذا العلو هو علو المؤذن الذي يبلغ أنحاء البلد، وهذا يبلغ عموم الطلاب، فلا شك أنه إذا كان في محل مرتفع فإنه يبلغ أكثر، يكون تبلغه أكثر، أما الجالس بين الناس فتبليغه ضعيف.
بعالٍ أو فقائماً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني إذا لم يكن يوجد مكان مرتفع فيبلغ قائماً، ولذا القيام في الخطبة واجب؛ لأنه لو جلس بين الناس وصار يخطب ما سمع الناس، حتى القريب منه قد لا يسمع؛ لأن رؤية المتكلم تعين على فهم كلامه.
بعالٍ أو فقائماً يتبع ما ... يسمعه. . . . . . . . .
من الشيخ، مبلغاً عنه أو مفهماً له؛ لأنه قد يبلغ ما يسمع بحروفه، وقد يحتاج إلى أن يفهم من لا يفهم، "أو مفهماً".(36/4)
كانت الدروس قبل وجود هذه الآلات متعبة جداً، الشيخ يحتاج إلى أن يرفع صوته ويتكلف في هذا، ولما تيسرت هذه الألآت، وإن كانت في أول الأمر أول ما وجدت أنكرها جمع من أهل العلم؛ لأنها أمور محدثة، وتستعمل في عبادة في صلاة، في علم شرعي، في تدريس القرآن، في تدريس السنة، فقالوا: محدثة، ومنهم من مات ولم يستعملها وهي موجودة، ومنهم من تلقاها بصدر رحب، واستفاد منها، وتتابع الناس عليها، فالآن قد لا يوجد من ينكرها إلا نادراً، وهي نعمة من نعم الله لا سيما إذا احتيج إليها، لكن مع الأسف أننا نجدها في أماكن لا يحتاج إليها، قد يوجد من الطلاب خمسة ستة ويتخذ مكبر، أو الإمام ما عنده ولا نصف صف ويتخذ مكبر، ويرفع عليه، ومؤثرات، ويزعج، بل يصدع المأمومين وأهل الحي والجيران، وهو ليس بحاجة إليها، نعم هي محدثة، لكن مثل هذه المحدثات احتيج إليها فتكون بقدر الحاجة.
طالب:. . . . . . . . .
تتخذ لكن بدون إزعاج.
طالب:. . . . . . . . .
في الصلاة، وفي القراءة، وفي الإقامة، وفي الأذان، كلها تتخذ، ما في إشكال، هذه مما يعين الناس، لكن أنا أقول: رفع الصوت أكثر من اللازم ليست سمة محمودة، ونبه عليها أهل العلم عند تفسير قوله -جل وعلا- {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [(19) سورة لقمان] قالوا: إن ارتفاع الصوت ليس بمحمدة، يعني من عرف بجهور الصوت هذا ليس بمحمدة، وإن ذكروا عن العباس بن عبد المطلب أنه يبلغ صوته الفراسخ، نعم الناس بحاجة إلى من ينبههم في الأذان، وفي الإقامة أيضاً؛ لأنه في الحديث الصحيح: ((إذا سمعتم الإقامة)) دل على أن الإقامة تُسمع، وابن عمر كان يسمع الإقامة وهو يأكل، وفلان وفلان، المقصود أن سماع الإقامة معروف في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، والحديث دل عليه: ((إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون)) وكم من إنسان يعني بعض المشايخ اجتهد -رحمه الله- وقال: إن الإقامة بالمكبر تحمل على الكسل، ناس كسلانين، الكسلان كسلان، لكن كونه يخرج مع الإقامة ويدرك شيئاً من الصلاة أفضل من كونه إذا خرج يقابلونه في الطريق.
طالب:. . . . . . . . .(36/5)
هذا من التعاون على البر والتقوى، أما كوننا نقول: نعينهم على الكسل هو الكسلان كسلان، يعني ما فيش حيلة، وحديث: ((إذا سمعتم الإقامة)) نص في الموضوع، ما يحتاج إلى إغراب في الفهم، أو استنباط بعيد.
طالب:. . . . . . . . .
هي للحاضرين والغائب يعان على ذلك؛ لأن كلمة "إذا سمعتم الإقامة" و"كان ابن عمر يسمع الإقامة" دل على أنها تسمع من بُعد، وبلال كان يقيم في مكان الأذان، بدليل قوله: ((لا تسبقوني بآمين)).
واستحسنوا البدء بقارئ تلا ... . . . . . . . . .
يتلو شيئاً من القرآن، ولو قرأ سورة كاملة كان أولى، لا سيما من القصار، ويستحسن أن يكون نفس الشيخ المحدث المملي أو المستملي، أو من حضر من أرباب الأصوات المؤثرة.
"واستحسنوا البدء -بدء الإملاء- بقارئ تلا" وهذا مأثور عن الصحابة ومن بعدهم أنهم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ عليهم، بعضهم يستحب أن تكون القراءة -قراءة سورة الأعلى- سبح اسم ربك الأعلى، لا يوجد لها دليل شرعي، نعم ليس له دليل، وإنما هو مجرد استحسان واسترواح {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} [(6) سورة الأعلى] يعني مالوا إلى هذا، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [(19) سورة الأعلى] وأنكم تكتبون بأيدكم صحف، وما أشبه ذلك، لكن لا أصل له، هذا الاستحسان لا أصل له.
طالب: القراءة يا شيخ من الصحابة بلا مخالف. . . . . . . . .؟
على كل حال هو أثر أنهم إذا اجتمعوا أمروا قارئاً أن يقرأ القرآن.
طالب: لكن لو فعلت الآن يا شيخ باستمرار؟
وين؟
طالب: المدرس الآن يدرس طلابه في الفصل، في المدرسة، في الكلية وقال لأحد طلابه: اقرأ واتخذها عادة ....
أما اتخاذ عادة دون أصل مرفوع شرعاً هذا لا ينبغي، الأصل عدمه، لكن أيضاً بعد الاقتداء بمن سلف، إذا كانت سنة من سلف لا تنكر.
طالب:. . . . . . . . . القراءة يا شيخ لأنهم كانوا يتدارسون الآيات ويقرؤون ما سيتدارسونه وما يدرسونه؟
لا لا في جلسة عادية، لو جلسوا جلسة عادية قالوا: يا فلان اقرأ، وهذا متداول إلى يومنا هذا، أهل العلم إذا جلسوا أي مجلس قالوا: سم، اقرأ.
طالب:. . . . . . . . .(36/6)
هذا الموجود إلى الآن، واللي ما يسويها يعتبرونه تقصير منه، يعني إذا وجد من أهل العلم في مجلس وما في أي فائدة، يعني أقل الأحوال يقرأ له آيات ثم يفسرها، هذه طريقة من سلف، وعهدنا شيوخنا على هذا، لكن لما غلب الهزل، وصار بعض الناس يتذرع بأدنى شيء، فإذا كان في مناسبة أي مناسبة من المناسبات قال: أنا لا أعرف لمثل هذا أصل، الله أعلم بما في قبله، لكن في الغالب أنه يتنصل من المسؤولية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، والله المتسعان.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إسماع الناس القرآن أمر شرعي ومطلوب، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يغشى الناس ويسمعهم القرآن.
طالب:. . . . . . . . .
على حسب الحكم، يعني ما الذي تهرب منه هل هو واجب عليه في الأصل أو ليس بواجب؟ أقل أحواله الحرمان، أنه محروم.
. . . . . . . . . ... وبعده استنصت ثم بسملا
استنصت يعني السين والتاء للطلب، يعني طلب الإنصات، وجاء في الحديث الصحيح في حجة الوداع: ((استنصت الناس)) يعني أمرهم أن ينصتوا، أن يسكتوا ليسمعوا.
. . . . . . . . . ... وبعده استنصت ثم بسملا
فالحمد فالصلاة. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
كل هذا عملاً بالأحاديث الواردة في هذا، الفعلية، وإلا القولية فيها ضعف، على أن الجمهور يحتجون بها في مثل هذا الموضع؛ لأنه من الفضائل، ((كل عمل ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله)) ((كل عمل ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله ثم الصلاة عليه)) كثير من أهل العلم حكموا على الحديث بجميع ألفاظه وطرقه أنه ضعيف، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصدر كتبه ومراسلاته بالبسملة، والقرآن مفتتح بالحمدلة، والخطب تفتتح بالحمد، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مأمور بها، كل هذه تجعل كلام أهل العلم يستقيم في مثل هذا، وأنه يبدأ بالبسملة ثم الحمدلة، ثم الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فالحمد فالصلاة ثم أقبل ... بقول من. . . . . . . . .
هذا المستملي، المستملي يستنصت الناس، الشيخ يبسمل ويحمد ويصلي، وكذلك المستملي.
. . . . . . . . . ثم أقبل ... بقول من أو ما ذكرت وابتهل
له. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(36/7)
إذا قال الشيخ: حدثنا، يقبل المستملي على الشيخ ويقول: من حدثك؟ أو ما الذي ذكرته؟ هذا قبل أن يبدأ الشيخ أو بعد المستملي؟ الأصل أن الشيخ يبدأ قبل، ثم المستملي يبلغ ما يسمع، لكن المستملي إذا استنصت الناس بقوله: ما ذكرتَ؟ أو من ذكرتَ؟ كأنه يبلغ الشيخ أنهم سكتوا، الآن الطلاب على أتم استعداد للتلقي، فيقول: من ذكرت؟ أو ما ذكرت؟ أو من حدثك؟ فيقول: حدثني فلان عن فلان ثم يبلغ، "وابتهل ... له" يقول: أنت ذكرت -رحمك الله- يدعو له، والشيخ حاجته إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، الشيخ يحتاج إلى دعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، "وابتهل" يعني دعا له "وصلى وترضى رافعاً" صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويثني على الله -جل وعلا- إذا مر ذكره، ويصلي عن النبي، ويترضى عن الصحابة، رفعاً صوته بذلك، ويترحم على من بعد الصحابة، يعني العرف عند أهل العلم الذي جروا عليه أن الرب -جل وعلا- يقال فيه: عز وجل، وجل وعلا، وتبارك وتعالى، ولا يقال لمحمد -عليه الصلاة والسلام-: "عز وجل" وإن كان عزيزاً جليلاً؛ لأن العرف عند أهل العلم المتفق عليه بينهم أن هذا لا يقال إلا في حق الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك الصلاة، وهي خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على سبيل الاستقلال، والأنبياء ومن عطف عليه -عليه الصلاة والسلام- من آله وأصحابه.
. . . . . . . . . وصلى وترضى رافعاً ... والشيخ ترجم الشيوخ ودعا
الشيخ ترجم الشيوخ، يعني إذا نقل عن شيخه يذكر اسمه كاملاً، حدثنا فلان ابن فلان ابن فلان، أبو محمد الفلاني، يعني يذكر الاسم كامل.
. . . . . . . . . ... والشيخ ترجم الشيوخ ودعا(36/8)
يعني دعاء لهم، الشيوخ أيضاً هم بحاجة أن يُدعى لهم كما يُدعى له، وقد يحتاج إلى شيء من الثناء عليهم لا سيما فيما يميز منازلهم؛ لأن هذا محل رواية، وإذا أثنى على الشيوخ قبلت رواياتهم، وهذا طريق مسلوك متبع، يعني بدءً من الصحابة حينما يقول: "حدثني الصادق المصدوق" "أوصاني خليلي"، والتابعي يثني على الصحابي ومن بعده، "حدثني أصدق من رأيت من البشر"، "حدثني فلان وهو ثقة"، لا سيما إذا كان في اسمه ما يدل على عدمها، يعني في البخاري: حدثني حجاج الشاعر وكان ثقة؛ لأن السامع يقول: شاعر هذا ويش جابه للحديث؟ نعم، والشعراء يقولون ما لا يفعلون، ويتبعهم الغاوون، ثم بعد ذلك قد يتطاول عليه أحد، فرفعاً لمثل هذا أردفه بقوله: "وكان ثقة".
وذكر معروفٍ بشيء من لقب ... . . . . . . . . .
اللقب الذي يشعر بمدحٍ أو ذم، يعني قول الرب -جل وعلا- {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [(45) سورة آل عمران].
طالب:. . . . . . . . .
نعم، {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [(45) سورة آل عمران] الاسم هل هو المسيح أو عيسى؟ أو هما اسمان؟ أو المسيح وصف نعت لقب واسمه العلم عيسى؟ يعني من حيث تطبيق التعاريف فالمسيح لقب، والعلم عيسى، لكن الله -جل وعلا- قال: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [(45) سورة آل عمران] أو نقول: له اسمان؟ لا شك أنه لما يقال: المسيح لأنه يمسح الأكمه والأبرص والأعمى والمريض ويشفى سمي المسيح بهذا يكون لقب ما يكون علم، أو لأنه ممسوح أخمص القدمين، وأمور كثيرة يعني ذكروها في سبب تسميته بالمسيح، وأعني بذلك مسيح الهداية عيسى بن مريم، بخلاف مسيح الغواية الدجال، هل هذا لقب وإلا اسم؟ يعني لو لم يرد قول الله -جل وعلا-: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [(45) سورة آل عمران] ما ترددنا في كونه لقب، ما يُتردد في كونه لقب؛ لأن هذا مدلول اللقب، وهذا الذي ينطبق عليه حده.
طالب: يا شيخ في حالة النداء ناداه الله -جل وعلا- في عدة آيات غير الآية هذه "يا عيسى بن مريم" "يا عيسى" فبدأ باسمه ....(36/9)
وأسند إليه الفعل، وأسند إليه الخبر بعيسى، لكن قوله -جل وعلا-: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [(45) سورة آل عمران] لا يستطيع أحد أن يخالف ما جاء في كلام الله -جل وعلا-، اللهم إلا أن يقال كما قيل في غيره من أن هذه حقيقة شرعية والحقيقة العرفية كذا؛ لأنه قد تختلف الحقائق الشرعية مع العرفية.
وذكر معروفٍ بشيء من لقب ... كغندر. . . . . . . . .
لقب لمحمد بن جعفر، وممن يروي عنه غندار، غندار محمد بن بشار، وهناك ألقاباً كثيرة، وألف في الألقاب كتب، الحافظ ابن حجر اسمه كتابه إيش؟ (نزهة الألباب في ذكر المعروفين بالألقاب) مطبوع في مجلدين، هناك كتب كثيرة في الألقاب، مثل: (صاعقة) محمد بن عبد الرحيم، ومثل: (دحيم) ومثل: (مُطيّن) ألقاب كثيرة عند أهل الحديث، هذه الألقاب منها ما يشعر بذم، ومنها ما يشعر بمدح، ومنها ما هو لا هذا ولا هذا، يعني بيان واقع، ما في ذم ولا مدح.
وذكر معروفٍ بشيء من لقب ... كغندر أو وصف نقصٍ أو نسب
لأمه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
ابن علية، عبد الله بن بحينة، سهيل بن بيضاء، ابن البرصاء، ابن كذا، ابن كذا، ابن أم مكتوم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كذلك، المقصود أنه من نسب إلى أمه كثير في الصحابة والتابعين ومن بعدهم، هذا إذا لم يقصد بذلك العيب والشين للراوي، ولا يُعرف بغيره ولو أشعر بنقص أو ذم كالأعمش والأعرج والأعمى والضرير والأحدب والأحول هذه موجودة في ألقاب المحدثين، وتذكر في كتب السنة.
طالب:. . . . . . . . .
عن عبد الله بن بحينة، أمه أشهر من أبيه.
"وهو حامل أمامة بنت زينب" هذا في الصحيح.
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هناك قول ضعيف عند أهل العلم أن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، فلان ابن فلانة، فلان ابن فلانة كلهم يدعون على هكذا، وعللوا ذلك بأن قالوا؟
طالب:. . . . . . . . .(36/10)
لا، قالوا: تشريفاً لعيسى بن مريم، وستراً على أولاد الزنا، واستدلالاً بقوله: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] جمع أم، ولكنه كما جاء في الحديث: ((يُدعى –لا سيما أهل الجنة- بأحب الأسماء إليهم)) هنا في الألقاب.
وذكر معروفٍ بشيء من لقب ... كغندر أو وصف نقصٍ. . . . . . . . .
وصف نقص: الأعمى والأعرج والأحول والأحدب.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو نسب
لأمه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
كابن بحينة على ما ذكرنا، وعبد الله بن مالك اسمه، ابن القشب، أمه بحينة، ابن أم مكتوم، والأصل في التلقيب ما جاء في حديث: ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) النبي –عليه الصلاة والسلام- ذكره بلقبه لأمه، إلا إذا كان لا يرضى بذلك كابن علية مثلاً، فإن الإمام أحمد بن حنبل أنكر على يحيى بن معين نسبته لأمه؛ لأنه يكره الانتساب إليها، والشافعي يقول: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الذي يقال له: ابن علية؛ لأنه مشهور بأمه.
لأمه فجائزٌ ما لم يكن ... يكرهه كابن عليةٍ فصن
يعني صن لسانك عن النطق بما يكره الإنسان؛ لأن هذه حقوق العباد، وإذا كان الاختلاف في الضبط منه ما هو مكروه عند صاحبه، ومنه ما هو محبوب كابن المسيِب والمسيَب فيحرص الإنسان على أن يأتي بما يرضي صاحبه، كثير ما يردد أهل العلم: "خطأ مشهور خير من صحيح مغمور" الآن صاحب المستصفى والإحياء اشتهر على ألسنة الناس التخفيف: (الغزالي) والأصل فيه التشديد (الغزّالي)، وأيضاً (الباقِلاني) يعني العكس، الناس ينطقونه بالتشديد وهو بالتخفيف حقيقتها، (الباقلاني) بدالاً من (الباقلّاني) فيرون أن هذه الأمور التي درج عليها الناس ولو كانت خلاف الأصل، ولا تغير المعنى، ولا توقع في لبس؛ لأنها تتحدث عن ذات واحدة سواء شددت أو خففت، يتسامحون في مثل هذا.
. . . . . . . . . فجائزٌ ما لم يكن ... يكرهه كابن عليةٍ فصن
وارو في الإملا عن شيوخ قدمِ ... أولاهم وانتقه وأفهمِ(36/11)
"وارو في الإملا عن شيوخ قدمِ ... أولاهم" يعني ابدأ بالأقدم فالأقدم من شيوخك، ما تأتي إلى شيخ أخذت عنه حديثاً، أو صغير السن قد أخذت قبله عمن هو أكبر منه، ومن هو أفضل منه وأحفظ، على أي وصف كان يقتضي التقديم يقدم الشخص.
وارو في الإملا عن شيوخ قدمِ ... أولاهم. . . . . . . . .
أولاهم بالتقديم، سواء كانت هذه الأولية بسبب كبر السن، أو قدم السماع، أو كونه أضبط وأحفظ، وأتقن من غيره.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وانتقه وأفهمِ
يعني انتقِ من أحاديث الشيوخ وأفهم، يعني لا تركز على حديث واحد من الشيوخ وتترك الباقي؛ لأن الإملاء يختلف عن التحديث، يعني أنت في دروس التحديث بصدد أن تملي جميع ما عندك، أو تحدث بجميع ما عندك، لكن دروس الإملاء التي يتخللها ما يتخللها من طرائف وأشعار ونوادر وحكايات، هذه ما يلزم فيها الاستيعاب، وعلى هذا ينتقي من كل شيخ حديث، يعني في تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي -رحمه الله- ينتقي من مروياته عن طريق هذا المترجم حديث واحد، ففي الإملاء ينتقى من أحاديث كل شيخ من الشيوخ حديث واحد، لا سيما إذا كان مكثر من الشيوخ، أما شخص ما له إلا شيخ واحد فمثل هذا ينتقي من أحاديث شيوخ شيوخه، وكذلك من بعده، يترقى فيها، يعني يأتي يوم بحديث من أحاديث شعبة، وحديث من أحاديث الزهري، وحديث من أحاديث ابن كيسان، وحديث من أحاديث الثوري، من حديث ابن عيينة، ينتقي من أحاديث الشيوخ.
. . . . . . . . . ... أولاهم وانتقه وأفهمِ
"أفهم" يعني لا تهذرم ولا تسرع في الإملاء، ومما يوقع الطالب في الحرج لعدم فهمه ما يملأ، فتجده يكتب خطأ، ولذا تجدون في الدروس -في الدراسة النظامية- المدرس يشرح والطلاب يكتبون، وأفهامهم متفاوتة، الشيخ لا يملي إملاء بمعنى أنه يبسط كتابه ويملي عليهم إملاءً، هذا سهل، يعني الطالب قد يكتب كتابة صحيحة، لكن إذا كان يملي والطالب يكتب، فإذا قابلت كتابات بعض الطلاب على بعض وجدت بينهم بوناً شاسعاً، وجدت بوناً شاسعاً، فرق كبير، كل ذلك بسبب عدم تأني الشيخ وإفهامه.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وأفهمِ
ما فيه من فائدة ولا تزد ... عن كل شيخ فوق متن واعتمد(36/12)
وأفهم ما فيه من فائدة، يعني أنت مر عليك هذا الحديث، وقرأته وأمليته على الطلاب بصوت واضح وكتبوه، وهذا الحديث فيه فائدة، يعني لا تشرح الحديث شرح بإسهاب وإطناب بحيث لا يكفي الدرس الواحد حديث واحد؛ لأن المسألة مسألة إملاء وانتقاء من أحاديث الشيوخ ما فيه فائدة لهم، وبعضهم كما قال الخطيب وغيره في مثل: "أفهم ما فيه من فائدة" يعني الذي يستفيد منه جميع الناس أحاديث الأحكام، فجميع الناس بحاجة إليها، أحاديث الأحكام ينتقى منها، لكن أبواب الدين كلها مطلوبة لطالب العلم وللشيخ، أحاديث الترغيب، أحاديث الفضائل، أحاديث الفتن، أحاديث كثيرة، أحاديث الإيمان، أحاديث العقائد في غاية الأهمية، المغازي والسير أيضاً مهمة، "وأفهم ... ما فيه من فائدة" يعني استنبط لهم فائدة من هذا الخبر، سواء كانت في متنه أو في إسناده، أو في مناسبة حصلت لها عُلقة بهذا الخبر، أو حكاية تحكى عن هذا الشيخ الذي يروى من طريقه، أو عن شيخ في أثناء إسناده.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وأفهمِ
ما فيه من فائدة ولا تزد ... عن كل شيخ فوق متن واعتمد
لأنك لو أكثرت من أحاديث الشيخ الواحد فإنك لن تستوعب جميع أحاديث الشيوخ، فأنت تجمع شيوخك وتلقي على الطلاب عن كل شيخ حديث واحد، وتذكر ما يتعلق بهذا الحديث من استنباط، أو فائدة، أو طرفة، أو شعر، أو ما أشبه ذلك، أو حكاية تتعلق بهذا الخبر، أو براوٍ من رواته.
. . . . . . . . . ولا تزد ... عن كل شيخ فوق متن واعتمد
عاليَ إسناد قصير متن ... . . . . . . . . .
"عالي إسناد" يعني تقل الوسائط فيه بينك وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- "قصير متن" يعني ما تملي عليهم الأخبار الطويلة بحيث ينتهي مجلس الإملاء بحديث واحد، إنما تأتي بالأحاديث العوالي قصيرة الإسناد، قصيرة المتن.
عالي إسناد قصير متن ... واجتنب المشكل خوف الفتن(36/13)
يعني ما لا تحتمل عقول الطلاب الحاضرين، قد تأتي بشيء لا تبلغه عقولهم فتكون فيه فتنة لهم، والشراح كلهم في مثل هذا يركزون على أحاديث الصفات، ويجعلونها من المتشابه الذي لا يلقى على العامة، أو على أنصاف المتعلمين الذين قد يفهمون منها التشبيه، تشيبه الخالق بالمخلوق، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، فأحاديث الصفات من المحكم، وما يقال مما قد يفهمه بعض الناس يرد بما قد يفهمونه من الآيات، فهل يحجب عنهم القرآن أيضاً؟ لا يمكن حجب القرآن ولا عن العامة، وفيه من آيات الصفات ما فيه، فلو حجبنا أحاديث الصفات للزم أن نحجب أيضاً آيات الصفات.
. . . . . . . . . ... واجتنب المشكل خوف الفتن
لئلا يفتنن به من لا يحتمله علقه، "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟! " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، لو رجعت إلى الشراح الشيخ سليمان بن علي في فتح المجيد ذكر ما يذكر عن مالك أن أحاديث الصفات من المتشابه ولا تلقى على العوام، ورد عليها رداً قوياً، وإن كان لا يثبت عن مالك، لكن مع ذلك القول مردود، ذكره في الشروح كلها، حتى في فتح المجيد وغيره، لكن الأصل تيسير العزيز الحميد.
هذا يقول: لماذا أسهب الشيخ في ذكر آداب مجلس الإملاء مع أنه حالة خاصة؟
يعني مجالس التحديث العامة غير مجالس الإملاء يخدمها كثير من الأبواب السابقة، يخدمها جميع الأبواب السابقة تخدم التحديث، تحملاً وأداءً، لكن الإملاء ما مر ما يخدمه إلا في هذا الباب، مع أنه سنة قد تكون مهجورة، والآن يختلف الوضع عن السابق، الإشكال لو اتخذ مجلس للإملاء كان يكتفي الناس بآلات التسجيل، يعني الشيخ يحرر ما يريد أن يمليه، ويأتي إلى الطلاب ويملي عليهم إملاء من غير زيادة ولا نقصان، ويقول لهم: المسجل يكفي، أو يكتب واحد وراء الشيخ ويصور للبقية، قبل ما في مثل هذا، في السابق ما في مثل هذا، ولذا ما أدري ما مصير الطلاب؟ وما مصير وضعهم لو عقد مجالس للإملاء من هذا النوع؟ هل يثبتون؟ شوف في الجامعة اللي يملي على الطلاب يملونه، يعني مجرد إملاء من أن يدخل إلى أن يخرج وهو يملي يملونه، ولو كان علماً نافعاً، يكتفي بواحد يكتب والبقية يصورون.(36/14)
طالب: لكن يا شيخ الإملاء الذي يُذكر عن أهل العلم إملاء المرويات، وليس إملاء كلام يُنشأ ثم يُلقى على هيئة الإملاء.
إلا إلا إملاء، إملاء سواء كان من حفظه أو من كتابته، ويزينه بالحكايات والطرائف والقصص، ويستطرد فيه، وأشعار.
طالب: لا أقصد الأغلب فيما يذكر عن الإملاء أنه المرويات.
إيه في المرويات، لكن المرويات مع الإجازة إذا كتب واحد وأجيز الجميع به انتهوا يروح يصوره وخلاص.
طالب: السبب أنت ذكرت يا شيخ -الله يحفظك- الآن من النادر أن يوجد الآن من يملي بسبب حفظ المرويات.
لا لا ما هي مسألة حفظ، سواء كان من حفظه أو من كتابه، أنا أقول: ما أدري هل عند الطلاب استعداد أن يكتبوا مع الشيخ مجلس إملاء؟ يعني لو أنا حررت على هذه الطريقة وخصصت يوم في الأسبوع، وقلت: تعالوا -يا الله- احضروا كل واحد يجيب قلم وأوراق يكتبون كلهم؟! ما أظنهم يكتبون، ما أظن يكتب إلا واحد أو اثنين، والبقية يصورون، حتى سماع الإملاء ما هو مقبول، ما هو مثل الإلقاء اللي ينتابه ما ينتابه، ويتغير فيه الوضع، والكلام نبرته تتغير، وتدخل فائدة، وتأخذ من كتاب، لا، لذلك التعليم بالإملاء هذا لا شك أنه ممل، لكنها سنة معروفة عند أهل العلم حفظ بها كثير من المصنفات، يقول:
واستحسن الإنشاد في الأواخرِ ... بعد الحكايات مع النوادرِ
استحسن الإنشاد مع حكايات ونوادر؛ لأن هذه تنشط طالب العلم، لا شك أن الدرس إذا كان جاد تمله الأسماع، تمجه الأسماع، فيحتاجون إلى ما يستجمون به من حكايات وأشعار ونوادر وطرائف، يعني يستجمون بها، ويروحون ويريحون العقل من العلم الجاد المتين، يحتاجون إلى شيء من ملح العلم وطرائفه لينشطوا، ولذا نوصي طلاب العلم باستمرار أن ينظروا في كتب التواريخ؛ لأن فيها شيء من هذا، وكتب الأدب أيضاً فيها شيء من الاستجمام يعني ينوع طالب العلم، أما إذا كان جاداً فإن العقول تكل وتمل، قد تحمله على الترك.
واستحسن الإنشاد في الأواخرِ ... بعد الحكايات مع النوادرِ(36/15)
تجدون بعض أهل العلم وهذه موجودة، وبعضهم يشكو منها، وبعضهم يشكو من عدمها، بعض المشايخ تجده بصدد ما بين يديه من علم، لا يخرج لا يمين ولا شمال، لا يتعدى هذه الأسطر التي يشرحها، في أي كتاب، وفي أي فن، تجد بعض الطلاب يطالبونه بشيء مما يريح عقولهم من الاستطرادات التي تفيدهم من جهة وتشدهم لاستماع الدرس؛ لأن ما يخدم الكتاب موجود في الشروح، يعني لو افترضنا أن شيخ يشرح زاد المستقنع مثلاً بقدر ما بين يديه، لا يخرج لا يمين ولا يستطرد ولا ... ، يقولون: الشروح عندنا كافية، ما نحتاج إلى مثل هذا الشرح، لو وجد أخر مثلاً يشرح هذا الكتاب بما في الشروح وبما في الكتب الأخرى، مما يخدم هذا المتن بالاستطرادات، بالنكت، بالطرائف التي تنشط طالب العلم هذه يرغبها كثير من الطلاب، لكن الإشكال أن بعض الطلاب يذكر أنها تعقوهم عن تكميل الكتاب، ولذا المطالبة كثيرة ومتضادة ومتقاربة يعني، بعضهم يقول: نريد استطرادات مما لا نجده في الشروح، وبعضهم يقول: لا نريد هذه الاستطرادات التي تعوقنا عن تحصيل أو تكميل الكتاب.(36/16)
وعلى كل حال كل له منهجه وطريقته، إذا لم تعجبك طريقة هذا الشيخ الذي يلزم هذا الكتاب ولا يتعداه، يعني وجد بعض الشيوخ يشرح زاد المستقنع إذا انتهى الشرح أو انتهى الكتاب قارنته في الشروح ما وجدت فرق، اللهم إلا مجرد اختصار لبعض الشروح الموجودة هذا ما يفيد كثيراً، لكن لو كان هناك استطرادات ويربط العلوم بعضها ببعض، ويفرع، ويربط الفروع بأصولها وبقواعدها، وإذا مر به فائدة في كتاب ليس بمظنة أفاد بها الطلاب، هذا يستمسك به، لكن صحيح أنه. . . . . . . . . كامل، الكتاب يحتاج إلى مدة متطاولة، فإذا ما أعجبتك طريقة هذا الشيخ انتقل إلى شيخ آخر لعلها تعجبك طريقته، مسألة تكميل الكتاب هذه إذا كان النظر إليها على أي وجه كان هذه مشكلة، بعض الناس يستعجل ختم الكتب هذا ما يدرك في الغالب، ختم الكتب عندك شروح، عندك حواشي، وعندك شيوخ أيضاً يشرحون على هذه الطريقة التي تريدها، فلا تكلف غيرهم مثلما يصنعونه، ولا تكلفهم أيضاً أن يسلكوا ما يسلك غيرهم؛ لأنه إذا بغى يستطرد يمكن ما يقدر؛ لأنه تحتاج إلى سعة اطلاع وتفنن، وتحتاج إلى تفنن، بعض الناس تخصص في هذا الفن ما يعرف غيره، ويش لون يطلع؟ ومن أنفع الأمور لطالب العلم ربط الفروع بالأصول، والتفريع على القواعد، هذا مهم جداً بالنسبة لطالب العلم؛ لأنه بدلاً من أن يفهم مسألة واحدة يفهم القاعدة التي تنضوي تحتها، أو الأصل الذي تحته فروع كثيرة جداً.
واستحسن الإنشاد في الأواخرِ ... بعد الحكايات مع النوادرِ
لا شك أن الدرس مثلما ذكرنا أنه إذا كان علم محض متين خالص، هذا كثير من الناس يمله، الناس مجبولة على الملل، مجبولة على هذا، وإذا ملت كلت، قد تترك، قد يؤدي ذلك إلى الترك.
وإن يخرج للرواة متقنُ ... مجالسَ الإملاء فهو حسنُ
الشيخ قد يكون عنده طيلة أيام الأسبوع دروس، وله ارتباطات والتزامات، وله أعمال أخرى، فمجلس الإملاء تمر فيه أثار، تمر في أحاديث مرفوعة وأثار وأخبار وأشعار، وكل هذه تحتاج إلى تخريج وعزو إلى مصادرها، قد لا يتيسر للشيخ لضيق الوقت عليه أن يخرجها بنفسه، فلا مانع أن يسند هذا التخريج إلى شخص متقن.
وإن يخرج للرواة متقنُ ... مجالسَ الإملاء فهو حسنُ(36/17)
يعني يعان على هذا؛ لأن وقته لا يستوعب، والواقع من حال أهل العلم قديماً وحديثاً أنهم يستفيدون من طلابهم، يعني كان الحافظ ابن حجر يكلف طلابه ببحث المسائل التي يحررها، ويعيد النظر فيها ويصوغها ويثبتها في فتح الباري، وأكثر فتح الباري إملاء، أكثره إملاء، وأشار إلى هذا الحافظ، قال: "كنت أمليت في كتاب الوضوء كذا" ... قال: "وقصة الإفك قبل نزول الحجاب" هذا في كتاب الوضوء، ثم في قصة الإفك في حديث في الأخير يعني في حديث السيرة قال: "وكنت أمليت أن قصة الإفك قبل نزول الحجاب، والصواب أنها بعد نزول الحجاب" وهذا صريح كلام عائشة "كان يعرفني قبل أن ينزل الحجاب" فدل على أنه قد نزل الحجاب "كنت أمليت" فدل على أن الكتاب إملاء، ولا شك أن الحافظ ابن حجر يستفيد من الطلاب ويكلفهم، لكن الطلاب النبلاء منهم الطلاب المتقنين ما يسند لأي طالب يقوم بهذا العمل.
وإن يخرج للرواة متقنُ ... مجالسَ الإملاء فهو حسنُ
يعني يستفيد من طلابه، يستفيد من أقرانه، يستفيد ممن يخرج له، هذا إذا كان العمل حسبة لله -جل وعلا-، أما إذا كان في مثل الرسائل العلمية يريد أن يستفيد من غيره، أو يستأجر من يخرج له هذا لا يجوز بحال؛ لأنها ورقة امتحان، ينظر فيها قدرته، لا يجوز أن يكلف أحد أن يخرج عنه أبداً.
وليس بالإملاء حين يكملُ ... غنى عن العرض لزيغ يحصلُ
"وليس بالإملاء حين يكملُ" أكمل الشيخ ما يريد إملاءه، يعني الشيخ يريد إملاء مثلاً تخريج أحاديث تفسير الجلالين مثلاً، أملاها على الطلاب وانتهى، هذا ما دونه الطلاب عن شيخهم في حال الإملاء قد يهم الطالب في كتابته فلا يستغني حينئذٍ عن عرض ما كتبه على الشيخ.
وليس بالإملاء حين يكملُ ... غنى عن العرض لزيغ يحصلُ(36/18)
تعطيه الشيخ يراجع ويطالع وإذا كان فيه خلل وإلا شيء يصحح ويقوم، ولا بد من وجود الخلل، لا بد؛ لأن ما دام الكتابة عن الأصل، وهو بين يديك تنظر فيه وتكتب منه حرفاً حرفاً لا بد من مقابلته على الأصل؛ لأن العين قد تزيغ عن الموضع المطلوب فتكتب غيره، ويحصل نقص، يحصل زيادة، وهذا كثير في النسخ -نسخ الكتب-، فلا بد من مقابلتها على أصله، فلا تجوز الرواية من الكتاب غير المقابل، إلا على رأي الخطيب ومن يقول بقوله ممن يقول: لا مانع من الرواية من كتاب غير مقابل إذا كان الناسخ متقن، وبيّن حال الرواية أنه غير مقابل، إذا كان هذا في النسخ من الأصل فكيف بالنسخ أو النسخ في حال الإملاء؟ النسخ في حال الإملاء لا شك أنه عرضة لمثل هذا النقص، ولهذا الخلل، ولهذا الزيف من النقل من الكتاب، وعلى هذا لا بد أن يعرض على الشيخ، ولا تجوز الرواية منه إلا بعد عرضه، وإذا كان الناسخ متقن وماهر فلعل البيان حال الرواية يعني: "لم أعرضه على الشيخ" يكون مثل البيان حال الرواية من الكتاب المنسوخ من الأصل، ولا يقابل عليه.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
سم.
طالب: تخصيص يوم الثلاثاء. . . . . . . . .
ما له علة إلا أنهم يقلد بعضهم بعضاً، يقلد بعضهم بعضاً في هذا، وجاء في حديث يرفعونه ضعيف أو موضوع، لكن منهم من يقول: إنه بعد صلاة الجمعة أفضل وأوفر؛ لوجود الناس في المسجد، ويستفيد منه أكبر قدر ممكن، وكان شيخ الإسلام -رحمه الله- يفسر القرآن بعد صلاة الجمعة ...(36/19)
شرح ألفية الحافظ العراقي (38)
(أدب طالب الحديث)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا عن الوليد بن عبد الله بن صياد الذي مر ذكره بالأمس، يقول: قال في (تعجيل المنفعة) هو ثقة أخو عمارة بن عبد الله بن صياد، وقال في سيرة عمارة: هو ابن عبد الله بن صياد الذي قيل فيه إنه هو الدجال، هذا استشكلناه بالأمس، والاحتمال يعني السن يحتمل.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
أدب طالب الحديث:
وَأَخْلِصِ الّنِيَّةَ فِي طَلَبِكَا ... وَجِدَّ وَابْدَأْ بِعَوَاِلي مِصْرِكَا
وَمَا يُهِمُّ ثُمَّ شُدَّ الرَّحْلاَ ... لِغَيْرِهِ وَلاَ تَسَاهَلْ حَمْلاَ
وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ ... وَالشَّيْخَ بَجِّلْهُ وَلاَ تَثَاقَلِ
عَلَيْه تَطْويْلاَ بِحَيْثُ يَضْجُرُ ... وَلاَ تَكُنْ يَمْنَعُكَ التَّكَبُّرُ
أَو الْحَيَا عَنْ طَلَبٍ وَاجْتَنِبِ ... كَتْمَ السَّمَاعِ فَهْوَ لُؤْمٌ وَاكْتُبِ
مَا تَسْتَفيْدُ عَالِياً وَنَاِزلاَ ... لاَ كَثْرَةَ الشُّيُوْخِ صِيْتاً عَاطلاَ
وَمَنْ يَقُلْ إذا كَتَبْتَ قَمِّشِ ... ثُمَّ إذا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ
فَلَيْسَ مِنْ ذَا وَالْكتَابَ تَمِّمِ ... سَمَاَعَهُ لاَ تَنْتَخِبه تَنْدَمِ
وَإِنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابهِ ... لِعَارِفٍ أَجَادَ فِي انْتِخَابهِ
أَوْ قَصَّرَ اسْتَعَانَ ذَا حِفْظٍ فَقَدْ ... كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ مَنْ لَهُ يُعدْ
وَعَلَّمُوْا فِي الأَصْلِ إِمَّا خَطَّا ... أَوْ هَمْزَتَيْنِ أَوْ بِصَادٍ أَوْ طَا
وَلاَ تَكُنْ مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا ... وَكَتْبَهُ مِنْ دُوْن فَهْم نَفَعَا
وَاقْرَأْ كِتَاباً فِي عُلُوْمِ الأَثَرِ ... كَابْنِ الصَّلاَحِ أَوْ كَذَا الْمُخْتَصَرِ
وَبِالصَّحِيْحَيْنِ ابْدَأَنْ ثُمَّ السُّنَنْ ... وَالْبَيْهَقِيْ ضَبْطَاً وَفَهْمَاً ثُمَّ ثَنْ
بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ مُسْنَدِ ... أَحْمَدَ وَالْمُوَطَّأِ الْمُمَهَّدِ(37/1)
وَعِلَلٍ وَخَيْرُهَا لأَِحْمَدَا ... وَالدَّارَقُطْنِي وَالتَّوَارِيْخُ غَدَا
مِنْ خَيْرِهَا الْكَبِيْرُ لِلْجُعْفِيِّ ... وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ لِلرَّازِيِّ
وَكُتُبِ الْمُؤْتَلِفِ الْمَشْهُوْرِ ... وَالأَكْمَلُ الإِْكْمَالُ لِلأَمِيْرِ
وَاحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ ثُمَّ ذَاكِرِ ... بِهِ وَالاتْقَانَ اصْحَبَنْ وَبَادِرِ
إذا تَأَهَّلْتَ إلى التَّأْلِيْفِ ... تَمْهَرْ وَتُذْكَرْ وَهْوَ في التَّصْنِيْفِ
طَرِيْقَتَانِ جَمْعُهُ أبوابَا ... أَوْ مُسْنَدَاً تُفْرِدُهُ صِحَابَا
وَجَمْعُهُ مُعَلَّلاً كَمَا فَعَلْ ... يَعْقُوْبُ أَعْلَى رُتْبَةً وَمَا كَمَلْ
وَجَمَعُوْا أبواباً أو شُيُوخَاً أو ... تَرَاجُمَاً أَوْ طُرُقَاً وَقَدْ رَأَوْا
كَراهَةَ الْجَمْعِ لِذِي تَقْصِيْرِ ... كَذَاكَ الاخْرَاجُ بِلاَ تَحْرِيْرِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
أدب طالب الحديث.
لما انتهى من ذكر الآداب المتعلقة بالمحدث ثنى بذكر آداب طالب الحديث، قدم آداب المحدث لما ذكرناه سابقاً من أن المحدث أقدم في الوجود من الطالب، ولولا المحدث لما وجد الطالب، وإن كان المحدث من جهة أخرى كان طالباً، ثم صار محدثاً، فتقديم هذا له وجه، وتقديم ذاك له وجه، لكن البداءة بالكبير أولى، حديث: ((كبر كبر)) والغالب أن المحدث أكبر من طالب الحديث، فيذكر ما يتعلق به، وهناك أمور مشتركة بين المحدث وطالب الحديث.
مضى ما يتعلق بالمحدث، والآن نقرأ ما نظمه الشيخ -رحمه الله تعالى- في هذا الباب، فقال:
وأخلص النية في طلبكا ... وجدّ. . . . . . . . .(37/2)
أخلص النية، الإخلاص مضى في آداب المحدث، وهذا قاسم مشترك لجميع من يتعبد لله -جل وعلا- بأي عبادة يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-؛ لأنه شرط القبول، الإخلاص، يعني مع المتابعة لا بد منه، أي عمل لا إخلاص فيه لا قيمة له، ((إنما الأعمال بالنيات)) والذي يطلب الحديث لغير الله -كما يقول أهل العلم-: "من طلب الحديث لغير الله مُكر به" لا بد أن يطلبه مخلصاً لله -جل وعلا-؛ لأن الحديث وسائر العلوم الشرعية المتعلقة بالوحيين من أمور الآخرة المحضة -كما يقول أهل العلم- التي لا تقبل التشريك، فلا بد فيها من الإخلاص الذي هو شرط القبول، وهذا مما يشترك فيه طالب الحديث مع المحدث.
"وجد" لا بد من الجد؛ لأن العلم متين، ولا يكمل له إلا الفحول من الرجال الذكور، والإناث قد يوجد فيهن من تُكمل لهذا، بل وُجد على مر التاريخ محدثات، لكن الغالب أنه لا يكمل له إلا الفحول من الرجال الذين هم أهل الجد والعزم وعدم التراخي والتفريط.(37/3)
ومع الأسف أننا نجد من ينتسب لهذا العلم وتجده يأخذه على التراخي، على التيسير، يعني لا يجد فيه؛ لأن الحديث هذا بحر محيط لا ساحل له، يعني من اليسير جداً أن يتخصص الإنسان في أي علم من العلوم، ويحيط بأطرافه، ويدرك جملة صالحة منه تعينه على تحصيل بقيته، أما هذا العلم فدون تحصيله خرط القتاد؛ لأنه يحتاج إلى عمر مديد، يحتاج إلى جد واجتهاد وإخلاص، وصدق لجأ إلى الله -جل وعلا- مع المتابعة، مع ما ركب في الإنسان من حفظ وفهم، الآن لو الإنسان يفني عمره في صحيح البخاري فقط، انتهى عمره ما انتهى من صحيح البخاري، يعني إذا أراد أن يدرس صحيح البخاري على الوجه الذي يرجى أن يتقنه إتقاناً تاماً، ويكون مرجع فيه ما يمكن، على صحيح البخاري ما يقرب من مائة شرح، كيف يحيط الإنسان بهذه الشروح؟ يعني شرح واحد قراءة سرد يحتاج إلى سنتين، سرد دون وقوف عند مسائله، يحتاج إلى سنتين، يعني إذا كان فتح الباري بهذه المثابة، والكرماني يحتاج إلى نصف سنة مثلاً، وعمدة القارئ تحتاج إلى مثل فتح الباري إلى سنتين، وإرشاد الساري يحتاج إلى سنة وهكذا كم؟ العمر لا شك أنه قصير بالنسبة لهذا العلم، هذا كتاب واحد، ثم إذا انتقل إلى مسلم، وعليه من الشروح ما عليه، وفيها إعواز كبير يحتاج إلى مراجعات، إلى كتب تعينه على فهم صحيح مسلم، فماذا عن بقية السنن؟ وماذا عن المسند، البحر المحيط الذي فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث؟ ماذا عن سنن البيهقي؟ لو أن الإنسان تفرغ لسنن البيهقي ما أنجزه، تحتاج إلى وقت طويل وهكذا.(37/4)
ولذا يركز أهل العلم على الجد، العلوم الأخرى يمكن أن تؤخذ لبعض الوقت، لكن هذا العلم لا يمكن أن يؤخذ إلا بجميع الوقت، كل الوقت لا بد أن يستغرق فيه، وما يعين على فهمه وحفظه، كان الناس يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، أحمد بن حنبل سبعمائة ألف حديث، أبو داود استخرج السنن من خمسمائة ألف حديث، وفلان وفلان، جمع غفير من أهل العلم بهذه المثابة، لماذا؟ لأنهم أخذوه بالتراخي؟ أخذوه بالتساهل؟ أبداً، جدوا في طلبه، وأخبارهم شاهدة على ذلك، والبخاري يحفظ من الصحيح مائة ألف حديث، ومن غيره مائتي ألف حديث، يعني الآن الآلات الحاسبة التي أدخل فيها جميع ما وجد من الأحاديث أكبر برنامج فيه خمسمائة ألف بالتكرار، يعني الإمام أحمد أكثر منه يحفظ، فهذا العلم يحتاج إلى جد، يعني إذا كان القرآن يمكن حفظه في سنة لطالب العلم المتوسط الحافظة يمكن حفظه في سنة، وإلا وجد من يحفظه في ثلاثة أشهر، بل وجد من حفظه ... ، الزهري في شهر حفظ القرآن، فالسنة متى تحفظ؟ وكان الحفظ للسنة ميئوساً منه، حتى كان العلماء من قرون وهم يتوارثون كتب مختصرة مجردة، يتدرجون فيها، يقفون فيها إلى حد، ولا يتطاولون إلى الكتب الأصلية المسندة إلى حفظها، والآن بدأت بوارق الأمل في عودة الحفظ للسنة، ووجد من يحفظ، يعني وجد، هم يقولون: حفظ الصحيحين المقصود بذلك من غير تكرار ولا أسانيد، يبدءون بأحدهما ويضيفون إليه زوائد الآخر، ثم السنن تباعاً، ثم المسند، ثم نسمع من يحفظ الآن زوائد البيهقي، وهذه بشارة عظمى، ومن سنها لا يحرم أجرها وأجر من عمل بها، نرجو له ذلك -إن شاء الله تعالى-، ومع ذلك يوصى طالب العلم بالجد والاجتهاد، يعني لو إنسان أمسك بجامع الأصول وحفظه يحتاج إلى عمر مديد، مع أن جامع الأصول فيه شيء من الخلل، فلا بد من حفظ الأصول من الأصول على ما سيأتي:(37/5)
"وبالصحيحين ابدأن" إن شاء الله نشرح هذا غداً بإذن الله، ويحتاج إلى مزيد من العناية، مثل هذا الموضوع؛ لأن كثير من طلاب العلم يتخبط في الحفظ؛ لأن الآن -ولله الحمد- فُتح الباب، وسلكت الجادة، وكان طلاب العلم يحفظون الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ، كثير منهم يقف إلى هذا الحد، يعني يندر من يتطاول على المنتقى، وأما بقية كتب الأحكام فلا تُعرف إلا في عصور متأخرة، الإلمام والمحرر وغيرهما، تقريب الأسانيد وغيره هذا ما يعرف عند كثير من طلاب العلم إلى وقت قريب، الآن -ولله الحمد- والبوادر ظهرت والنتائج ملموسة الآن، وليست على مستوى بلد معين، إنما هذا عم في جميع بلدان المسلمين، وهذه بادرة خير -ولله الحمد- كون طالب العلم لديه رصيد من النصوص فلا شك أنها يفزع إليها عند الاختلاف، عند الاختلاف إنما يرد إلى الله ورسوله، فإذا كان طالب العلم ليس عنده شيء مما يفزع إليه من النصوص كيف يصل إلى الأقوال الراجحة، ويعرف المرجوح من الراجح، ما يستطيع، لكن هذا يحتاج إلى جد، كما قال الناظم -رحمه الله-:
. . . . . . . . . . ... وجد وابدأ بعوالي مصركا
"وابدأ بعوالي مصركا" يعني ابدأ بعلماء بلدك، واحرص على الأسانيد العالية عندهم، وخذ من كل عالم ما لا يوجد عند غيره، يعني تبدأ بالأكبر، بالأعلم، ثم تأخذ عنه العلم، ثم تزيد عليه على ما أخذت عنده مما عند غيره من أهل العلم إلى أن تأتي على جميع علماء بلدك، ثم بعد ذلك تبدأ بالرحلة.
يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابدأ بعوالي مصركا
لأنه من تضييع الوقت أن ترحل لطلب العلم، وفي بلدك من يقوم بهذه المهمة؛ لأن الرحلة لذاتها ليست مطلوبة، الرحلة سفر، والسفر مشقة، والمشقة لذاتها لا تطلب شرعاً أبداً، إلا أن تأتي لتحقيق غاية، لتحقيق عبادة ما تأتي إلا بمشقة، الحج يلزم منه مشقة، المشقة ((أجركِ على قدر نصبكِ)) لكن لو أراد الإنسان المشقة التي لا تحقق غاية هذا لا يؤجر عليها.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابدأ بعوالي مصركا(37/6)
يعني بلدك، "وما يهم" يعني الأهم فالأهم، "بالمهم المهم ابدأ لتدركه" كما في المنظومة الميمية: "وبالمهم المهم ابدأ لتدركه"، وهذا هو طالب العلم الموفق الذي يرجى له الفلاح في هذا العلم، يبدأ بالمهم فالمهم، يبدأ بالأهم، ولذلك قال:
"وبالصحيحين ابدأن" على ما سيأتي، ومع الأسف أنه يوجد طلاب علم نهمتهم في الغرائب، تجده يخفى عليه ما في الصحيحين، ما في البخاري، وتجده في زاوية يحفظ جزء بيبي، أو جزء الألف دينار، أو زوائد مسند الفردوس، وهو ما يعرف الصحيحين، هذا خذلان هذا، وهذا لن يفلح في الغالب.(37/7)
"ثم شُد الرحلا" الرحلة سنة من سنن أهل هذا العلم، الحديث، رحلوا، رحل منهم من رحل مدة شهر يقطع الفيافي والقفار من أجل حديث واحد، جابر بن عبد الله رحل إلى عبد الله بن أنيس من أجل حديث، وغيره وغيره، وفي ذلك مصنف للخطيب البغدادي اسمه: (الرحلة في طلب الحديث) من سنن أهل هذا الفن يرحلون إلى العصور المتأخرين، إذا أخذ ما عند علماء بلده انتقل إلى غيره، ويحرص على العلماء الذين هم أهل تحقيق وتدقيق؛ لأن منهم من يرحل من أجل قدم السماع أو علو الإسناد، وإن كان هذا المرحول إليه عامي لا يفقه شيئاً، إنما عنده إجازات اختصرت له بعض الرواة، فصارت لديه أسانيد عالية، نعم أهل العلم يقصدون مثل هذا، لكن الأهم من هذا معرفة محتوى الأحاديث ومضمونها، وما تدل عليه؛ لأنه فرق بين شيخ عنده أسانيد، يعني وجد في القرن الثامن والتاسع والسابع أيضاً شيوخ عوام، لا يقرءون ولا يكتبون، ولا يعلقون بكلمة إنما تيسرت لهم حضروا دروس ومجالس حديثية في أوائل أعمارهم في الخامسة في السادسة من العمر، وأجيزوا بهذا الكتاب، ثم لما تقدم بهم السن ومات أقرانهم احتاج الناس إلى ما عندهم، تكون أسانيدهم عالية، لكن ما الفائدة أن تقرأ الكتاب، أو يُقرأ الكتاب وأنت تسمع، أو تجاز بهذا الكتاب عن شخص لا يعلق بكلمة، يعني الآن موجود من أهل العلم وعنده القدرة والأهلية للشرح والتعليق ومع ذلك يقتصر على سماع الكتب، مسند أحمد يُقرأ في عشرين يوم مثلاً، سنن أبي داود في عشرة أيام، سنن كذا في .. ، إلى أن وجد من يُقرئ الكتب الستة في شهر، كل هذا إحياء لسنة سابقة، هذا موجود في السابق، لكن أهم من ذلك العلم لما يطلب؟ إنما يطلب للعمل، ومجرد الإكثار من الإجازات والرواية صار هدفاً ومقصداً، يعني وهذا موجود في السابق، يعني موجود في القرن السابع والثامن والتاسع إلى يومنا هذا، لكن همة أهل العلم الراسخين في العلم غير هذا؛ لأن العلم إنما يطلب للعمل، ولا يتم العمل بمثل هذه القراءات، عندي بدلاً من أن يُقرأ المسند في شهر نفقه مائة حديث بدل ثلاثين ألف حديث، ونعرف ما فيها من أحكام، وكيف نتعامل معها إذا عارضت أو عورضت أفضل من قراءة المسند كامل؛ لأن هذه الثمرة من قراءة(37/8)
الحديث.
"ثم شُد الرحلا" لغيره، يعني لغير بلدك، "ولا تساهل حملاً" لأن بعض الناس إذا شد الرحل ولحقته المشقة ووصل إلى بلد حصل له فيه شدة ومشقة، وكل شيء يشكل عليه، النوم فيه إشكال، والأكل فيه إعواز، احتاج أن يرجع إلى بلده في أقرب فرصة، ثم يترتب على ذلك أن يتساهل في الحمل، قد يحمل العلم أو يسمع ما يقرئ وهو نائم -وهو ناعس-، لماذا؟ ما الذي اضطره إلى ذلك؟ الاستعجال؛ لأن ظرف البلد الذي يعيش فيه لا يناسبه "ولا تساهل حملاً" لأنه إذا تساهل في الحمل قدح فيه، وتركت الرواية عنه، فصار سبب في تعطيل العمل بهذا الحديث.
واعمل بما تسمع في الفضائلِ ... . . . . . . . . .
نعم هذه هي الثمرة من العلم، الثمرة من العلم العمل، وإلا ما الفائدة من علم بلا عمل؟ ما الفائدة أن تزرع زرعاً لا ينتج؟ قد يستعمل الزرع من أجل الظل، ومن أجل استمتاع بمرآه، لكن علم بلا عمل هذا وبال على صاحبه، لا يخرج منه الإنسان كفافاً.
واعمل بما تسمع في الفضائلِ ... . . . . . . . . .
من أهل العلم من يقول: أدوا زكاة العلم بالعمل، حتى قال بعضهم بالنسبة للفضائل: أن تعمل من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث، هذا بالنسبة للفضائل والمتسحبات لا بأس، لك ذلك، أما الفرائض التي أوجب الله عليك العمل بها هذه لا يجوز أن تفرط بحديث واحد، بل كل ما سمعت مما فيه إيجاب أو تحريم عليك أن تفعل الواجب، وتترك المحرم، ولا تنتقِ تقول: والله أهل الحديث يقولون: الزكاة، لا، الزكاة من القدر الزائد على الواجب والمحرم.
واعمل بما تسمع في الفضائلِ ... . . . . . . . . .
ولا شك أن العمل من أقوى وسائل تثبيت العلم، الذي يسمع العلم ولا يعمل به ينساه، لكن إذا عمل به خلاص يثبت عنده هذا العلم؛ لأنه ملازم له.
. . . . . . . . . ... والشيخ بجله ولا تثاقلِ(37/9)
"والشيخ بجله" يعني عظمه، واحترمه ووقره يعني بحدود ما يطلب له شرعاً؛ لفضله عليك في تعليمك، ولسنه يحترم ويقدر ويعظم بقدر ما تبيحه الشريعة، وما زاد على ذلك من غلو أو إطراء أو رفع له فوق منزلته فضلاً عن صرف شيء من حقوق الرب -جل وعلا- له أو لمثله، هذا كله لا يجوز، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الإطراء، قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) ونرى جمع من المسلمين في مصنفاتهم وفي أفعالهم وأقوالهم يوجد الغلو، والإطراء والمدح الذي لا يجوز شرعاً، لمن يحسنون به الظن، بل يصرف له شيء من حقوق الرب -جل وعلا-، يستغاث به وينادى من دون الله، ويدعى من دونه، وفي المقابل إذا كان غير موافق له تجده -نسأل الله السلامة والعافية- يغمطه حقه، ويذمه، ويسبه بغير حق، على المسلم أن يكون معتدلاً منصفاً مع الموافق والمخالف، عليه أن ينصف.
. . . . . . . . . ... والشيخ بجله ولا تثاقلِ
عليه تطويلاً بحيث يضجرُ ... . . . . . . . . .(37/10)
نعم على طالب العلم أن لا يضجر الشيخ، كما أن على الشيخ أن يبذل، تعلم ليعمل ويعلم، وإلا ما الفائدة ممن يتعلم ولا يعمل، أو يتعلم ولا يعلم، عليه أن يبذل، وإذا سئل عليه أن يجيب، لكن يبقى أنه بشر، يبقى أنه بشر، ينتابه ما ينتاب غيره من البشر، فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا بشر أغضب كما تغضبون)) فكيف بمن دونه؟ الذي خلقه القرآن يقول هذا الكلام فكيف بمن دونه؟ تجد طالب العلم –بعضهم- مصر إلا أن تجاب كل أسئلته، يا أخي خلِّ سؤالك بالتوقيت، اليوم سؤال وبكرة سؤال، وبعد ذلك يصر، وأحياناً الشيخ يحتاج ما يحتاجه غيره، تجده جالس في الدرس، ثم بعد الدرس يحتاج إلى أسئلة، نعم عليه أن يصبر، وعليه أن يبذل ويعلم، ويجيب على الأسئلة، لكن أيضاً المقابل كل إنسان له ما يخصه من خطاب الشرع، المعلم له ما يخصه، عليه أن يبذل، وأيضاً عليه أن يجيب، و ((من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار)) لكن يبقى أن أيضاً الطرف الآخر مخاطب بنصوص أخرى؛ لأن الإضجار يدعو الشيخ إلى الملل، وأحياناً إلى الترك، ويفرح إذا حان وقت تعطيل الدروس، أو إذا طرأ له سفر، يعني ما يأتي إلى الدروس وهو منشرح الصدر، ويعطي الطلاب ما عنده براحة، أحياناً تجده يُغضب إما قبل الدرس وإلا بعده ثم بعد ذلك يحرم الطلاب مما عنده من علم، فلا بد من احترام المدرس، وملاحظة شعوره، أحياناً يحتاج إلى دورة، ويمسك عند الباب، أو يكون الجو حار وبعد صلاة الظهر ويمسك بالشمس، هذا ليس مناسب إطلاقاً.
الآن لو أن الإنسان ذهب إلى طبيب يريد أن يعالج شيئاً في بدنه هل يستطيع أن يغضبه؟ أو يتلمس رضاه بكل أسلوب يستطيعه؟
طالب: يتلمس.(37/11)
هذا الحاصل نعم، تجده يخاطبه برفق ويلين، يضفي عليه من الألقاب والمدائح كله من أجل هذا الداء عله أن يشفى على يديه، فكيف بأدواء القلوب، وتعليم العلم الموصل إلى رضا الرب -جل وعلا-، وعلى كل حال مثلما قلنا: كل إنسان له ما يخصه من خطاب الشرع، فالمعلم عليه أن يعلم، وعليه أن يجيب على الأسئلة، لكن بحيث لا يتضرر، ولا يتضرر من يمونه، بعض الناس يحرج الشيخ ويأخذ أوقاته، ويأخذ شيء من وقت أهله، وأهله لهم عليه حق، نعم يوجد نماذج في القديم والحديث ممن جعل وقته لله -جل وعلا-، ويصرفه كله لطلاب العلم ونفعهم، هذا لا شك أنه أجره عند الله -جل وعلا- عظيم، لكن يبقى أنه ما هو الناس على منزلة واحدة، يعني بعض الناس، أو بعض أهل العلم وصل إلى مرحلة يتلذذ فيها بالنشر والتعليم، بالفتوى، ورأينا منهم من هو في المستشفى ومع ذلك يجيب، وبيده كتاب يحرره ويراجعه، وفتاوى يجيب عليها، وعنده أحد يقرأ عليه، هذا وصل إلى مرحلة يتلذذ فيها بالعلم.
وشاركنا بعض المشايخ في الدورات يعني الفرق كبير، نسأل الله العفو والمسامحة، يعني ما عندنا إحنا إلا الدرس الذي هو ساعة لا تزيد ولا تنقص، ما عندنا غيره، تجده درس بعد الفجر، ثم بعد ذلك يستلمونه الإخوان يودونه دائرة إما عسكرية وإلا مدنية يلقي عليهم محاضرة، وتجده يمسكونه في محل فيه تليفون يجيب على أسئلة السائلين بعد أن يعلن عن هذا الهاتف وأن الشيخ عليه .. ، ثم بعد ذلك الظهر ينتقل إلى مسجد آخر، ثم دعوة يجيب فيها على أسئلة طلاب العلم وهكذا نهاره، يعني موجود الآن، وممن مضى يعني، الأمثلة موجودة، لكن كيف يُحمل الناس كلهم على هذا المستوى؟ هذا ليس بصحيح، من وصل إلى مرحلة التلذذ هذا نعمة من الله -جل وعلا-، ومنحة إلهية أن يمضي أنفاسه كلها في العلم والتعلم، لكن من لا يزال في مرحلة المجاهدة كيف تكلفه ما لا يطيق؟! ولذلك قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولا تثاقلِ
عليه تطويلاً بحيث يضجرُ ... . . . . . . . . .(37/12)
وذكر عن بعض المحدثين أنه من أحسن الناس خلقاً، فما زال به الطلاب حتى صار من أسوأ الناس خلقاً، صحيح بشر، تجد الشيخ جالس في المسجد يقرأ القرآن، يقرأ نصيبه أو حزبه من القرآن ثم يجئ الطالب يبي يسأل، انتظر يا أخي إلى أن ينتهي من القراءة، إذا كنت تعرف عادة الشيخ أنه يطول ويفوت عليك شيء وأنت وراءك دوام وهو جالس ما عنده دوام، شوف لك وقت آخر، وبعضهم يتندر بالمجالس يقول لي الشيخ: مشغول وهو يقرأ، يعني ما في برنامجهم قراءة القرآن شغل! يعني هذا موجود وسمعناه، يعني ما هو بافتراض، الشيخ يقول: مشغول وهو جالس يقرأ، والله المستعان.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولا تثاقلِ
عليه تطويلاً بحيث يضجرُ ... ولا تكن يمنعك التكبرُ
أو الحيا عن طلبٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
لا يمنعك التكبر ولا الحياء عن طلب العلم، بعض طلاب العلم يريد أن يسأل عنده إشكال، يريد أن يسأل عنه، بس يخشى أنه إذا سأل إما أن يراه الشيخ أو أحد من الحضور يقول: هذا السؤال يعني ما ... ، قد يظن به أن مستواه أرفع من هذا السؤال فيترك، يتكبر ويترك هذا السؤال، أو يستحي من الشيخ، أو من الحاضرين "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر" كما في البخاري عن مجاهد، يحرم؛ لأنه لن يسأل ما دام متكبر أو مستحي، ومفتاح العلم السؤال.
أو الحيا عن طلب واجتنبِ ... كتم السماع فهو لؤم واكتبِ(37/13)
يعني بعض الطلاب إذا تيسرت له فرصة أن يقرأ على شيخ، أو كتاب مثلاً من الكتب التي تعني جميع طلاب العلم قد يكتمها، إذا قيل له: هل تعرف شيخ يقرئ الكتاب الفلاني؟ وهو يقرأ عليه في الكتاب الفلاني، قال: لا، لا ما في أحد، نعم ما في أحد، على شان إيش؟ يتفرد به، ثم بعد مدة يقول: أنا عندي شيء لا يوجد عند غيره، وهو القراءة على فلان، يكتم السماع، ويبخل بالكتب، لا يعيرها لمحتاج إليها، ولا يطلع عليها أحد، بعض الناس الكتب عزيزة على قلبه، وعنده نوعيات من الكتب تتأثر بالاستعمال، إما مخطوطات، أو كتب قديمة أو شيء من هذا، وبذل فيها ما بذل من مال وجهد، ثم يأتي طالب علم لا يعرف يتعامل مع الكتب، وحصل هذا يعني أعرنا بعض الطلاب كتب ما خلصناه إلا بالفؤوس، لصق بعضها على بعض، يتعشى ويتغدى وهي بين يديه، صحيح، يعني مثل هذا لو جُحد عنه كتاب، جاء شخص عنده كتاب مخطوط وفيه خرم مقدار ثلاثة أسطر، وذهب إلى شيخ قال: أنا أريد نسختك من أجل أن أسدد هذا الخرم، قال: ما عندي الكتاب لكن اترك كتابك لعلي أستظهر هذه الأسطر الثلاثة، ترك الكتاب لما جاء من الغد إذا بالثلاثة مكتوبة بقلم الشيخ، يعني من نسخته، لكن الشيخ يبخل بكتبه، وبعض الكتب يعني له مبرر كون الإنسان يبخل بها، لا سيما من بعض من لا يحسن التعامل معها، يعني تعطيه كتاب، تعيره كتاب، وهذا حصل يعني من نفائس الكتب من سنن البيهقي أو تهذيب التهذيب أو غيره من الطبعات الهندية التي ما تحمل الاستعمال، ثم يجيك وهو ثاني الورقة هكذا تشيلها تطيح بيدك، هذا يعار هذا؟! أو الكتب التي طبعت قديماً بمصر حيث لو بغيت تقرأ لا بد تطفي المروحة؛ لأنه لو فتحت الورقة انقطعت، قد يقول قائل: ما الذي يدعو إلى اقتناء مثل هذه الكتب التي تحصل مداراتها أكثر من مداراة العين والوالدين، صحيح؛ لأنه بدل من أن تقتني سنن البيهقي وتتعامل معه معاملة وأنت وجل، شوف لك نسخة مصورة واستعملها على كيفيك، وخطط وقوس على ما تريد، وألوان وأرقام، هذا صحيح، لكن المسألة تحتاج إلى نظر بروية وعقل، بعض المصورات تفاجئ أن هذه الصفحة بيضاء، تفاجئ أن هذه الملزمة غير موجودة أصلاً، وإلا ما في فرق بين المطبوع والمصور، نعم هناك من(37/14)
له عناية بهذا الأمر، وصارت المسألة مسألة هواية، وليت الإنسان يخرج منها سالماً لا له ولا عليه، لكن مع ذلك قد يوجد المبرر عن جحد بعض الكتب عن بعض الطلاب الذين لا يحسنون التعامل معها.
. . . . . . . . . واجتنبِ ... كتم السماع فهو لؤم واكتبِ
ما تستفيد عالياً ونازلاً ... . . . . . . . . .
اكتب كل شيء، "واكتب ... ما تستفيد عالياً ونازلاً" ما تقول: والله أنا ما أنا بكاتب إلا العالي، النازل ما يسوى من يكتبه، لا، قد تحتاج إلى هذا النازل فلا تجده في مروياتك، اكتب كل شيء، والبخاري وهو مضرب المثل في كتب السنة، فيه العوالي الثلاثيات وفيه النازل، فيه تساعي، مما يتساوى فيه البخاري مع الحافظ العراقي، وبينهم كم قرن؟ يعني مائتين وستة وخمسين، وهذا ثمانمائة وستة، خمسة قرون ونصف، بينهم خمسمائة وخمسين سنة في الوفاة، هل يقال: إن البخاري كتب هذا عبث؟ لا.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . واكتبِ
ما تستفيد عالياً ونازلاً ... لا كثرة الشيوخ صيتاً عاطلاً
يعني أنت تهتم بالمروي؛ لأنك بصدد طلب علم الحديث، ولست بصدد طلب كثرة الشيوخ، لا يكون همك كثرة الشيوخ؛ لأنه وجد من طلاب العلم من يهتم بكثرة الشيوخ ليقال: روى عن مائة شيخ، مائتي شيخ، ثلاثمائة شيخ، أربعمائة، ألف شيخ، حتى وجد من ذكر أنه قرأ على ثلاثة آلاف وخمسمائة شيخ، هذا لو جلس عند كل شيخ يوم احتاج إلى عشر سنين، بمعنى كل شيخ يوم واحد يحتاج إلى عشر سنين، ما الذي دعاه إلى هذا؟ إنما هو مجرد الكثرة لذات الكثرة.
"لا كثرة الشيوخ صيتاً" يعني تبغي وترجو من وراء ذلك "صيتاً عاطلاً" خالياً عن الفائدة المرجوة، العلماء لهم فهارس، ولهم أثبات، فهارس للشيوخ موجودة، وبعضهم يروي عن مائة، وبعضهم مائتين، إلى أن وجد من يروي عن ألف، نعم إذا دعت الحاجة إلى ذلك، واستوعبت أحاديث شيوخ بلدك، ثم المهم فالمهم على ما تقدم، ودعتك الحاجة، أو وجد أحاديث لا توجد إلا عند فلان، لا مانع.
ومن يقل إذا كتبت قمشِ ... ثم إذا رويته ففتشِ
فليس من ذا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(37/15)
لما قال: ما تستفيد عالياً يعني اكتب كل شيء؟ يقول: "ومن يقل" يعني أبا حاتم الرازي يقول: "إذا كتبت فقمش، وإذا رويت ففتش" أو إذا حدثت ففتش، وما شرح المراد من هذا، واختلف في المراد -بين أهل العلم- اختلافاً كبيراً، لكن السياق يدل على أنه عند الكتابة اكتب كل شيء، وإذا أردت أن تحدث أو تروي ففتش عن الصحيح والضعيف، فحدث بما يستحق التحديث، واترك ما يشغل مما لا يفيد؛ لأن الأحاديث فيها الصحيح وفيها الضعيف، وفيها الأصل في الباب، وفي المكرر، وفيها إذا كتبت قمش، اكتب كل شيء، وإن كان يعني لفظة: (قمش) يمكن قد يفهم منها غير ذلك، لكن هذا السياق، يعني مثل الرواية، اكتب كل ما تستفيد عالياً ونازلاً، هذا في التحمل، في الأداء فتش، وهذا يظهر جلياً من الشروط في الراوي؛ لأنهم في حال التحمل لا يشترطون شيء، يعني تأخذ عن كل أحد في التحمل، لكن إذا أردت أن تحدث فلا بد أن تتوافر الشروط، وصححوا تحمل الكافر كما تقدم، صححوا تحمل الفاسق، صححوا تحمل الصبي، لكن عند الأداء يبحث عن الشروط، تطبق الشروط فلا تصح الرواية عن كافر ولا فاسق ولا صبي، ولا متساهل في الحمل، ولا ... ، شروط كثيرة، ولا مغفل، الشروط كثيرة في هذا.
ومن يقل إذا كتبت قمشِ ... ثم إذا رويته ففتشِ
فليس من ذا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
"فليس من ذا" يعني ليس من هذا الذي يذكره المؤلف.
فليس من ذا والكتاب تممِ ... سماعه لا تنتخبه تندمِ
يقول: معك كتاب من مرويات فلان، لا تنتخب لا تقول: أقرأ من كل باب حديث، لا، اقرأ الكتاب من أوله إلى آخره؛ لأنك إذا انتخبت ثم احتجت إلى حديث مما تركت وليست لك به رواية عن هذا الشيخ ندمت على ذلك، ومثل هذا من يختصر الكتب، الذي يختصر الكتب قد يترك شيء وهو بأمس الحاجة إليه، قد يكون المتروك أهم مما ذُكر، ولذا يوصى طلاب العلم أن يعنوا بالأصول لا بالمختصرات، الأصول التي وضعها مؤلفوها على ما أرادوا يهتم بها طالب العلم، وكمن طالب علم اقتصر على المختصرات فجهل في الكتاب الأصلي ما هو أهم مما ذكره المختصِر؛ لان المختصِر من وجهة نظره، يبقي المهم من وجهة نظره، قد يوافق على هذه الوجهة وقد لا يوافق.(37/16)
تقول: إذا كان الاختصار بحذف الأسانيد فقط؟ الأسانيد من أهم المهمات، وأولى ما يعنى به طالب العلم، في غاية الأهمية لطالب العلم، نعم قد لا تهم طالب علم غير شرعي، طبيب وإلا مهندس وإلا لا عناية له بالعلم الشرعي، نقول: ما في داعي يقول: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، هذا يحتاج إلى حذف هذه الأسانيد والتكرار لأنها لا تعنيه، لكن لها أهمية كبرى بالنسبة لطالب العلم، الأسانيد والتكرار أيضاً، كم حصل من الخلل في مسند أحمد لما رتبه الساعاتي وحذف التكرار وحذف الأسانيد، صارت فائدته ضعيفة جداً، لكن لو أبقاه كما هو ورتبه وأبقاه، كما فعل ابن عروة في الكواكب الدراري نفع الله به نفعاً عظيماً؛ لأنك تحتاج إلى شاهد لهذا الحديث حذفه، تحتاج إلى متابع لهذا الراوي حذفه، كيف تصل إلى حقيقة الأمر؟ طالب العلم الشرعي لا بد له من الأسانيد، ولا بد له من التكرار، وكم فرع العالم وطالب العلم بزيادة لفظة في متن حذف في المختصرات، يمر علينا أشياء في مختصر البخاري، حقيقةً المختصرات ضيعت كثير من العلم على طلاب العلم، والعناية بها لا شك أنه خلل في التحصيل.(37/17)
يبقى أنه مثلما أشرنا مراراً، وهذا لا يظن أنه تعارض، أنا أقول: من أعظم وسائل العلم اختصار الكتب، هو يختصر بنفسه، بدل من أن تقتصر على اختصار الزبيدي (التجريد الصريح)، أو اختصار الألباني -رحم الله الجميع- أو غيرهم، اختصر أنت، امسك البخاري واختصر، لن تحذف شيء إلا بعد أن استقر في نفسك أنه يمكن الاستغناء عنه، وأنت في هذا النظر وهذا التأمل هل يمكن الاستغناء عنه أو لا يمكن؟ حفظته، فإذا اختصرته أنت صار علمك بما حذفت كعلمك بما أثبت، أما إذا اختصره غيرك ويش الفائدة؟ خلاص ما تدري عن شيء أنت، ما تدري يمكن حذف أهم المواضع حذفه، وترك الأقل، يعني مثال واحد، حديث الرقاق في صحيح البخاري مائتي حديث في مائة وخمسين ترجمة، تراجم فقه البخاري، استنباطات البخاري يدعمها بالأحاديث المعلقة، يدعمها بأقوال الصحابة والتابعين التي قد لا توجد عند غيره، يترجم على هذا الحديث ويكرره في مواضع، ثم جاء المختصر واقتصر على عشرة أحاديث، هل تخرج بتصور تام من خلال عشرة أحاديث عن الباب كامل؟ ما يمكن، مستحيل، مشلول العمل، لكن عذره أن هذه الأحاديث تقدمت في أبواب أخرى، وما يدريك أن هذا الحديث الذي أنت بأمس الحاجة إليه في كتاب الرقاق تقدم في كتاب العلم أو في كتاب الوضوء، ما يصلح هذا أبداً.
وأقول: من أعظم وسائل التحصيل لطالب العلم أن يختصر الكتب بنفسه؛ لأنها تثبت بالمعاناة، يعني تفسير ابن كثير يمله كثير من طلاب العلم، حدثنا قال: حدثنا، ثم بعد ذلك سياق آخر، ثم طريق آخر، وبعدين؟ فرحوا بالمختصرات وضاع عليهم شيء كثير، شوف الآن يبي يجينا: "وبالصحيحين ابدأن" لكن ترى بداية الدرس إن صيفت ما لحقت على شيء، بداية الدرس القادم "بالصحيحين ابدأن" نشرح ذلك -إن شاء الله-، لكن إن تأخرت ترى يفوتك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه جزاك الله خيراً.
يقول:
. . . . . . . . . والكتاب تممِ ... سماعه لا تنتخبه تندمِ(37/18)
ترى الشيوخ أحياناً يؤدبون الطلاب، وهم ما يدرون عن ظروفهم، ما يدرون ما لهم إلا الظاهر، في طالب تزوج -ملازم لشيخ من المشايخ- تزوج، في صبيحة ليلة الزواج الدرس بعد صلاة الفجر، تأخر حتى غلب على ظنه أنه وصل إلى باقي واحد أو اثنين من الطلاب الذين يقرءون؛ لأن الطريقة يحضر أكثر من ثلاثين طالب، ثم يقرأ هذا، ثم هذا، ثم هذا .. إلى آخره، يعني بعد ساعتين يصلك الدور، جاء قبل نهاية الطلاب وجلس بالأخير، يوم جاء دوره قال الشيخ: اقرأ، قرأ، من الغد تصور الزواج البارحة ترى ما هي ... ، من الغد كذلك خلاه يقرأ، يوم وصله الدور في اليوم الثالث قام وخلاه؛ لأنه تأخر، الشيخ ما يدري عن ظرفه، أو يدري، لكن قد يكون في نفس طالب العلم شيء من هذا، لكنه بعد ذلك ما تأخر صار يصلي في نفس المسجد، نعم، فليس هدف الشيخ حينما يتكلم على طالب من الطلاب، أو يوجه طالب أنه يريد أن يحط من قدره بقدر ما هو حثه على التبكير والتحصيل لا يفوته شيء، بعض الناس يقصد بعض الشيوخ يقول: لعلي أسمع الكلمة التي فيها نجاتي، وما يدريك، والله المستعان.
"لا تنتخبه تندم" تقدم في كتابة الحديث أن تصغير الحرف العلماء حذروا ونهوا عن تدقيق الحروف وتصغيرها، قالوا: اكتب بحرف واضح وجلي يُرى، إلا في حالات يعني لأن تدقيق الحرف يخونك إذا ضعف البصر، لكن استثنوا من ذلك بعض الحالات: ضيق الورق مثلاً، وضيق ذات اليد، يعني الورق غير موجود، أو للحمل في الأسفار، بدل من أن تكتب الكتاب في مجلدات تكتبه في مجلد واحد، هذه أعذار مقبولة، وهنا الانتخاب
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . لا تنتخبه تندمِ
وإن يضق حال عن استيعابه ... . . . . . . . . .
أنت ما عندك ورق يستوعب الكتاب كامل، تريد أن تأخذ الأهم من هذا الكتاب، مثل هذا له وجه.
وإن يضق حال عن استيعابه ... لعارف أجاد في انتخابه(37/19)
لا بد أن يكون المنتخب عارف، يعني يحسن الانتخاب، ولا يتسنى هذا لكل أحد؛ لأنه بعضهم يسلك طريقة ويأخذ أول حديث في الباب، ويسمي هذا اختصار، قد يكون الحديث الثاني من ... أحاديث الباب، "أو قصر" يعني عن هذه المرتبة، أراد أن ينتخب وقصر ما يعرف، ما يحسن الانتخاب، "استعان ذا حفظ فقد" فقد استعان يعني بذي حفظ، استعان ذا حفظ، استعان به يعني منصوب على نزع الخافض.
. . . . . . . . . استعان ذا حفظ فقد ... كان من الحفاظ من له يُعد
من الحفاظ من له يُعد الانتخاب، يُنتخب له وهو من الحفاظ، إما لضيق وقته، أو لكون المنتخب أمهر منه في كيفية الانتخاب.
وعلّموا في الأصل إما خطا ... أو همزتين أو بصاد أو طا
يعني كيف يذكر العلامة؟ ما يلزم أن ينسخ إلى كتاب آخر، يختصر ويُبقي، الآن عندك تفسير ابن كثير طويل تحتاج في قراءته إلى مدة طويلة، وأردت أن تنتخب منه فكيف تصنع؟ وأنت تشق عليك الكتابة، تقول: والله ما أنا بناسخ الكتاب يمكن يطلع في مجلد كبير، الآن تنتخب منه بالتقويس، الآن المتأخرون يستعملون الأقواس، أو بالتحويق، أو بنصف دائرة، على ما مضى في كتابة الحديث وضبطه، واترك الكتاب كاملاً، عندك الأصلي موجود وعندك المختصر، وقد يُستعمل لا سيما في الكتب المطبوعة الحديثة التي تكثر في الأسواق، ويسهل التعامل معها بالألوان، المقطع الذي تريده لونه بلون لا يخفي الحروف، ويكون أيضاً بارز شوي، هذه طريقة في الانتخاب والاختصار مع بقاء الأصل، وهنا إذا بقي الأصل "وعلموا في الأصل" يعني إذا كنت ما أنت بناسخ المنتخب، تبقي الأصل عندك وتنتخب منه ما تحتاج إليه فيما بعد، يعني عند المراجعة، يعني مثل ما ذكرنا في استعمال الألوان في جرد المطولات، أنتم تذكرون هذا، استعمال الألوان في جرد المطولات، هؤلاء العلماء علموا في الأصل إما خطاً، يعني تضع عليه خط، تضع على ما تريد خط، وهذا الأصل في الخط أنه فوق الكلام لا تحته، يعني طريقة أهل العلم من المتقدمين يضعون الخط فوق الكلام الذي يراد انتخابه، والمخطوطات كلها شاهدة على هذا، أما وضع الخط تحت الكلمة أو الكلام المطلوب هذا صنيع المستشرقين، وشفنا مطبوعاتهم، نعم هذا موجود.(37/20)
وعلّموا في الأصل إما خطا ... أو همزتين. . . . . . . . .
يضعون على أول ما تريد همزة، وفي آخره همزة، "أو بصادٍ" صاد مثل الضبة، تذكر طرف الصاد وتمدها على ما تريد انتخابه، أو بدل الصاد طاء، تضع عليها شولة "أو بصادٍ أو طا".
ولا تكن مقتصراً أن تسمعا ... وكتبه من دون فهم نفعا
"ولا تكن مقتصراً أن تسمعا" يعني لا يكن حظك وهمك من رواية الحديث مجرد السماع، يعني مثلما أشرنا سابقاً أن منهم من يقرأ الكتاب أو يسمع الكتاب أو يحضر درس في كتاب، وهو مجرد سرد، وذكرنا مراراً أنه وضع دورات لقراءة الكتب الستة في شهر، هذه مجرد سماع، لا يحصل فيها تعليق ولا بكلمة واحدة، ما يمكن الوقت ما يستوعب لا تعليق ولا تصحيح ولا بيان خطأ ولا شيء.
ولا تكن مقتصراً أن تسمعا ... وكتبه من دون فهم نفعا
"من دون فهم نفعا" يعني من دون فهم نافع ينفعك، مجرد كتابة تنسخ كتب تصير وراق، يعني مجرد زيادة نسخة في البلد، أو مجرد سماع بدون فهم هذا لا ينفع، إنما المقصود الفهم؛ لأنك إذا لم تفهم لا تستطيع أن تعمل بما لا تفهم، العمل بالعلم لا بد من فهمه قبل العمل به، فلا بد من الفهم، ولا يقتصر على السماع المجرد ولا على الكتابة دون فهم؛ لأن العمل لا يتسنى إلا بعد الفهم.
واقرأ كتاباً في علوم الأثرِ ... كابن الصلاح أو كذا المختصرِ
في علوم الأثر يعني في مصطلح الحديث، يسمونه علم الأثر، أو مصطلح الحديث أو أصول الحديث، أو علوم الحديث.
واقرأ كتاباً في علوم الأثرِ ... كابن الصلاح. . . . . . . . .
يعني كمقدمة ابن الصلاح، كعلوم الحديث لابن الصلاح، "أو كذا المختصر" المختصر هذه الألفية، حيث يقول:
لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه ... وزدتها علماً تراه موضعه
فهي مختصر لابن الصلاح، وكلامه يشمل المختصرات المنظومة والمنثورة، يعني المختصر من ابن الصلاح، وهو في الغالب، وقد بين ذلك في شرحه أنه يريد ألفيته؛ لأنها ملخصة من ابن الصلاح، يعني كما قال في مقدمتها:
لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه ... وزدتها علماً تراه موضعه(37/21)
فهو يغري بقراءة كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، أو هذه الألفية؛ لأن بعض الناس من يرجح النظم، وبعضهم يرجح النثر، من يرجح النظم يُعنى بهذه الألفية، من يرجح النثر يُعنى بابن الصلاح، والتدرج في قراءة هذا العلم ودراسته تجدونه في المقدمة، مقدمة الألفية التي وضعتها، شوفوا من صفحة كم؟
هذه، في الورقتين من صفحة خمسة إلى ثمانية، هذا فيه التدرج في دراسة هذا العلم.
قلت: وكنت أنصح الطلاب المبتدئين بالبداءة بكتاب (نخبة الفكر) للحافظ ابن حجر؛ لأنه متن متين، وشامل مختصر، حاوٍ لكثير مما يحتاجه الطالب في هذه المرحلة، على أن يقرأه على أحد الشيوخ المتقنين الذين يحسنون التعامل مع الطلاب في هذه السن، ويقرأ ما كُتب عليها من شروح وحواشي، ويسمع ما سجل عليها من دروس، ويكثر في هذه المرحلة مع ذلك من حفظ المتون المجردة كالأربعين والعمدة والبلوغ وغيرها، ولا مانع أن يتمرن فيبدأ بتخريج بعض الأحاديث تخريجاً مختصراً تحت نظر وإشراف أستاذ متمكن يوجهه ويسدده، ثم بعد ذلك يرتقي إلى ما يناسب الطبقة الثانية، والكتاب المرشح عندي هو كتاب: (اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير، ويصنع فيه نظير ما صنع في النخبة بقراءة الشروح والحواشي، وسماع الأشرطة والسؤال عما يشكل، وفي هذه المرحلة يبدأ بحفظ المتون بأسانيدها، ويحرص على حفظ السلاسل المشهورة التي يروى بواسطتها كثير من الأحاديث، ومع ذلك يستمر في التخريج، ويكثر منه، وينظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال المختصرة كالتقريب والكاشف والخلاصة ونحوها، ويعرض عمله على شيخ معروف من شيوخ الفن، ويكون عمله من تخريج ودراسة للتمرين لا للنشر كما يفعله بعض الطلاب الذين تعجلوا النتائج ثم ندموا على ذلك.
ثم يرتقي الطالب إلى المرحلة التي تليها والكتاب المرشح لهذه الطبقة هو: (ألفية العراقي) الشهيرة التي نظم فيها الحافظ العراقي علوم الحديث ابن الصلاح، وزاد عليه ما يحتاجه طالب العلم مما أغفله ابن الصلاح، وهذه الألفية كتب لها القبول ... إلى آخره.
الكلام مفصل هناك، والسيوطي في ألفيته قال:
واقرأ كتاباً تدري منه الاصطلاح ... كهذه. . . . . . . . .(37/22)
يعني ألفيته "أو أصلها" يعني ألفية العراقي لأنها أصل ألفية السيوطي.
. . . . . . . . . ... كهذه أو أصلها وابن الصلاح
فألفية العراقي هي الأصل لألفية السيوطي.
يقول:
واقرأ كتاباً تدري منه الاصطلاح ... كهذه أو أصلها وابن الصلاح
ولذلك تجد الشطر الكامل -شطر البيت كاملاً- في مواضع كثيرة مأخوذ من ألفية العراقي بحروفه، ثم يكمله السيوطي، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(37/23)
شرح ألفية الحافظ العراقي (39)
(آداب طالب الحديث)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في آداب طالب الحديث:
وَاقْرَأْ كِتَاباً فِي عُلُوْمِ الأَثَرِ ... كَابْنِ الصَّلاَحِ أَوْ كَذَا الْمُخْتَصَرِ
اقرأ كتاباً في علو الأثر من أجل أن تعرف صحيح الحديث من ضعيفه؛ لأن علوم الأثر، علوم الحديث، مصطلح الحديث، أصول الحديث هي القواعد المُعرّفة بحال الراوي والمروي عنه من حيث القبول والرد، فلا يمكن أن يعرف طالب العلم الصحيح من الضعيف، المقبول من المردود إلا بعد معرفة قواعد هذا العلم، وأشار الناظم إلى أن كتاب ابن الصلاح يفيد في هذا الباب فائدة عظيمة، وقد تعب عليه مؤلفه، وجمعه من متفرقات كتب هذا الفن كمؤلفات الخطيب وغيره ممن سبقه.
"أو كذا المختصر" يعني منظومته كما نص على ذلك في شرحه، وهي مختصر لابن الصلاح، كما قال في مقدمتها:
لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه ... وزدتها علماً تراه موضعه
وأيضاً من مختصرات ابن الصلاح النافعة مختصر النووي الإرشاد، وكذا مختصره الثاني التقريب، ومختصر الحافظ ابن كثير، واختصار علوم الحديث وما كُتب عليه، كل هذه يستفيد منها طالب العلم فائدة كبيرة، إضافة إلى ما كتب قبل ذلك من المحدث الفاصل والجامع للخطيب، والإلماع، وغيرها من الكتب، وكذا ما كتبه من تأخر عنهم، كالسيوطي في التدريب، والصنعاني في توضيح الأفكار، وما كتبه المعاصرون في هذا العلم أيضاً مفيد فائدة كبيرة، وفيها أمثلة غير ما تقدم في كتب من سبق، فيُعنى طالب العلم بجميع ما كتب في هذا الفن، سواءً كان للمتقدمين أو المتأخرين، حتى يتمرن على القواعد التي سطرها أهل العلم، مقروناً ذلك بالتخريج، والنظر في الأسانيد على ما سبق أن بيناه في مناسبات كثيرة.
وبالصحيحين ابدأن ثم السنن ... . . . . . . . . .(38/1)
الصحيحين لا سيما صحيح البخاري الذي ينبغي أن يكون هو ديدن طالب العلم بعد أن يحفظ المختصرات التي ألفت للمبتدئين والمتوسطين كالأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم المحرر، والمنتقى وغيرها مما كتبه أهل العلم في أحاديث الأحكام، وكذلك ينظر أيضاً في الأبواب الأخرى من أبواب الدين كالترغيب والترهيب وغيرها، ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب المسندة التي هي رأس المال بالنسبة لهذا العلم، وعلى رأسها صحيح البخاري، وبعضهم يرى أن يقدم بين يدي ذلك ما كتبه من تقدم عن البخاري ومسلم كالموطأ مثلاً، ويجعل ذلك في التوطئة والتمهيد لهذا العلم.(38/2)
على كل حال طالب العلم عليه أن يعنى بصحيح البخاري، ويجعله محور عمله، بحيث ينظر في أحاديثه أولاً فأول، فيبدأ بالحديث الأول وينظر فيه، وينظر في مواضع تخريجه في ثنايا الكتاب، فنجد الحديث الأول خرجه الإمام البخاري في سبعة مواضع، ينظر في هذه المواضع كلها السبعة، ويقارن بينها في الأسانيد، وطرق وصيغ الأداء، وفي المتون، وما يزيد وما ينقص، يأخذ تصور كامل لهذا الحديث في مواضعه السبعة من صحيح البخاري، ولماذا زاد هنا، ولماذا نقص هناك، وينظر في تراجم الإمام البخاري على هذه المواضع السبعة، فهي فقهه وهي استنباطه من هذا الحديث، وهذا فقه السنة لمن أراد العمل بالسنة، وينظر أيضاً ما يذكره البخاري في ثنايا أو بعد هذه التراجم من المعلقات والموقوفات والآثار يكون لديه تصور كامل بالكتاب على هذه الطريقة، ثم ينظر من وافق المؤلف على تخريج هذا الحديث، فينظر في الكتب الستة دفعة واحدة، وهذه طريقة مجربة ونافعة، يعني يأخذ الحديث الأول وينظر في مواضع تخريجه من البخاري، في المواضع السبعة، وينظر في مسلم بعد ذلك بطرقه وأسانيده، ثم ينظر فيمن وافق البخاري ومسلم على تخريج هذا الحديث، وهو في كل ذلك إذا رجع إلى الموضع الثاني هو الآن يجعل الأصل الموضع الأول، ثم الموضع الثاني إذا نظر فيه وقارن بينه وبين الموضع الأول في الأمور الثلاثة التي ذكرناها أو الأربعة في الترجمة في الإسناد في صيغ الأداء، وهذه في غاية الأهمية، في متن الحديث من حيث الزيادة والنقصان يشير على الموضع الثاني أنه دُرس في الحديث الأول، ثم بعد ذلك الموضع الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السابع إلى آخره، وإذا نظر في الحديث في صحيح مسلم أشر عليه، يضع عليه إشارة أن هذا الحديث درس مع الحديث الأول في صحيح البخاري، ثم يأتي إلى هذا الحديث في سنن أبي داود وينظر فيه كالنظر السابق بين مواضع البخاري وصحيح مسلم، ويضع عليه علامة أن هذا الحديث من سنن أبي داود سبقت دراسته مع الحديث الأول في صحيح البخاري، ثم ينظر في سنن الترمذي ويصنع فيه كما صنع في سنن أبي داود، وينظر في الزيادات، وينظر كيف ترجم عليه أبو داود؟ بما ترجم عليه الترمذي؟ ثم النسائي، ثم ابن ماجه وهكذا.(38/3)
إذا انتهى من أحاديث البخاري بهذه الطريقة يبقى عنده زوائد مسلم التي ليست عليها إشارة أنها درست مع أحاديث البخاري، هذه أحاديث تبقى يسيرة، فإذا انتهى من مسلم ونظر فيه مثل نظره في البخاري انتهى الآن من صحيح البخاري ينظر في زوائد مسلم ويجردها ويقارنها بمن وافق مسلماً على تخريجها على الطريقة السابقة، فيقارن بين مسلم وأبي داود من الأوجه التي ذكرناها سابقاً، ثم بعد ذلك يضع إشارة في سنن أبي داود أن هذا الحديث دُرس مع الحديث رقم ... في صحيح مسلم، ثم الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، فإذا انتهى من زوائد مسلم نظر في زوائد أبي داود التي ليست عليها إشارات، هذه زوائد أبي داود على الصحيحين، فإذا انتهى من زوائد أبي داود على الطريقة السابقة نظر في زوائد الترمذي التي ليست عليها إشارات، دُرست مع البخاري، ولا درست مع مسلم، ولا درست مع أبي داود، هذه زوائد الترمذي، ثم بعد ذلك ينظر في زوائد النسائي وابن ماجه، وهذه طريقة حقيقة تحتاج إلى وقت، تحتاج إلى جهد، يعني طالب العلم ما يصلح أن يخصص لها ساعة في اليوم، ما يكفي، ولا ساعتين، تحتاج إلى خمس ساعات؛ لينتهي من الكتب الستة في غضون سنة أو سنتين على الكثير، وليس بكثير أن ينفق هذه المدة على الكتب الستة؛ لأنها دواوين الإسلام، إذا انتهى منها ينظر في الكتب الأخرى على ما سيأتي ذكره سنن البيهقي ومسند أحمد .. إلى غيرها من الكتب.
قال:
وبالصحيحين ابدأن ثم السنن ... . . . . . . . . .
وذكرنا أنه يجعل المحور -محور العمل- كله على صحيح البخاري، ثم ينظر في زوائد مسلم التي لم يخرجها البخاري، ثم زوائد السنن.(38/4)
"ثم السنن" لأنها هي التي تلي الصحيحين، وينظر أيضاً مع السنن ما اشترط فيه الصحة، ولو لم يفِ مؤلفه بما اشترط والتزم، أو تساهل في تطبيق شرطه، أو تساهل في شرطه كصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم السنن والبيهقي، والبيهقي له شأن عظيم عند أهل العلم؛ لأن زوائده على الكتب كثيرة جداً، يدخل في السنن التي أشار إليها السنن الأربعة: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، سنن الدارمي وسنن سعيد بن منصور وغيرها من السنن، ويدخل فيها أيضاً المصنفات فهي بمعنى السنن، إلا أنها تكثر فيها الآثار، السنن فيها آثار لكنها قليلة جداً بالنسبة للمرفوعات، وأما بالنسبة للمصنفات فالآثار فيها كثيرة.
. . . . . . . . . ثم السنن ... والبيهقي ضبطاً وفهماً. . . . . . . . .
ضبط للألفاظ، وفهم للمعاني، بالطريقة التي شرحناها يحصل له ذلك، يعني إذا أشكل عليه لفظ عند البخاري أو لفظ عند مسلم، أو حيره معنىً من معاني هذه الأحاديث يرجع فيها إلى الشروح، ويعلق عليها بتعليق مختصر؛ لأن التطويل يعوق عن تحصيل ما هو بصدده من حفظ للمتون، واستقرار في ذهنه لهذه المتون.
"ضبطاً وفهماً" لأنه إذا نظر في الألفاظ، ألفاظ الأحاديث لا شك أن بعضها يوضح بعضاً، قد يكون الحديث مختصر في موضع، يبسط في موضع آخر من البخاري أو عند مسلم أو عند غيرهما؛ لأنه إذا حفظ على الخطأ استمر عليه، ولو ضبط فيما بعد ما يثبت في الذهن؛ لأن الذي يثبت في الذهن أول ما يسمع الخبر، فإذا راجع عليه، راجع على الأسانيد كتب الرجال، كتب المشتبه، كتب المؤتلف والمختلف يستفيد فائدة عظيمة، ثم بعد ذلك ينظر في ألفاظ المتون من كتب الغريب، ولو احتاج أن يراجع بعض كتب اللغة لبعض الألفاظ التي لم يكتشف له معناها في كتب الغريب فحسن.
"ضبطاً وفهماً" يعني ما يكفي أن يحفظ أو يسرد ويجرد من دون الضبط والفهم؛ لأن العمل لا يتأتى إلا بعد الضبط والفهم.(38/5)
"ثم ثن" يعني بعد ذلك البداءة بالصحيحين والسنن والبيهقي، يعني عطف البيهقي على السنن يجعل مراد الناظم من السنن السنن الأربعة، أو أن يجعل المراد بالسنن الجنس،. . . . . . . . . الحاجة يعني من الزائد، يعني ما يزيد في مسند أحمد الحاجة داعية إليه، لكن لا يلزم النظر في جميع مسند الإمام أحمد؛ لأن كثيراً من متونه مرت في الكتب الستة والبيهقي، لكن زوائد أحمد على هذه الكتب تدعو إليها الحاجة، وكذلك زوائد الموطأ الممهد.
النظر في مسند الإمام أحمد باعتباره مرتب على المسانيد، واستخراج زوائده مع أثناء النظر في الكتب الستة فيه وعورة، وفيه صعوبة؛ لأنك تحتاج النظر إلى من روى الحديث من الصحابة ثم ترجع إليه، وقد تحتاج إلى شاهد يشهد لما جمعته من الكتب الستة فلا تستطيع الوقوف عليه؛ لأن المتن غير مرتب على ضابط يضبطه، إنما النظر إلى أسماء الصحابة، نعم رُتب المسند على صحيح البخاري، وله أكثر من ترتيب، الكواكب الدراري لابن عروة المشرقي هذا ترتيب لمسند الإمام أحمد على أبواب البخاري، وهذا في غاية النفاسة والأهمية لطالب العلم، يعني يأتي بالترجمة للبخاري، ترجمة البخاري، وفقه البخاري، وآثار البخاري ثم يورد الأحاديث من مسند أحمد، فأحياناً نحتاج إلى تصريح من راوٍ من الرواة الذين وصفوا بالتدليس في صحيح البخاري، وإن كنا لا نحتاج إليها من حيث الثبوت، لكن نحتاج إلى أن ندفع عن البخاري بمثل هذا من استدراكات الدارقطني وغيره، ننظر في ما رواه أحمد فنجد التصريح بالسماع، وهذا كثير عند أحمد، وهذا يفيدنا فائدة عظيمة، قد يقول قائل: ما نحتاج إلى هذا الحديث في مسند أحمد وهو مخرج في البخاري، أيضاً مسألة الزوائد تنظر في هذا الباب تجد فيه أحاديث في مسند أحمد تحت هذه الترجمة لا توجد عند البخاري، هذه زوائد، أو لا توجد عند الكتب الستة كلها، هذه زوائد يحتاجها طالب العلم.
على كل حال مضى في مبحث الحسن، قال:
قال: ومن مظنة للحسنِ ... جَمْعُ (أبي داود) أي في السننِ
ثم بعد ذلك تكلم عن السنن كلها، ثم قال:
وبعدها في رتبة ما جُعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا(38/6)
يعني المسانيد بعد السنن، والسبب في ذلك أن السنن ترجمت بأحكام شرعية، باب حكم كذا، أو باب وجوب كذا، أو باب استحباب كذا، أو باب كراهية كذا، أو باب تحريم كذا، فالمؤلف يستدل بما يورده من أحاديث على هذا الحكم الشرعي، فينتقي أقوى ما عنده من الأحاديث بينما إذا ترجم بصحابي لا يلزمه أن يأتي بأقوى ما عنده، يأتي بجميع ما يذكر عن هذا الصحابي من غير انتقاء كما هو واقع المسانيد، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن شرط الإمام أحمد إن لم يكن أعلى من شرط أبي داود فهو مثله، لكن عموم المسانيد أقل رتبة من منزلة السنن.
. . . . . . . . . من مسندِ ... أحمدَ والموطأ الممهدِ
الموطأ هو الممهد؛ لأن الإمام وطأه توطئة، يعني مهده كما طلب منه المنصور أبو جعفر أن يوطئه ويمهده ويسهله للقراء، ومنهم من يقول: إن سبب التسمية مأخوذة من المواطأة وهي الموافقة؛ لأنه عرضه على أئمة عصره فوافقوه عليه.
"والموطأ الممهدِ ... وعللٍ" يعني ينظر بعد ذلك في كتب العلل إذا استوعب الكتب الستة ومسند أحمد والموطأ والبيهقي والدارمي وغيرها من مهمات هذا الفن ينظر في كتب العلل، والعلل كما تقدم في بحث المعل من أهم بل جمع من أهل العلم يطلقون على أنها أهم علوم الحديث، وأدق أنواع علوم الحديث، وأغمض أنواع علوم الحديث، ولا يكمل لهذا النوع إلا الكَمَلَة من المحدثين، الأئمة الحفاظ الكبار، لذا يصعب فهم بعض العلل، والحفظ سهل، الجمع سهل، لكن النظر في العلل، والنظر في العلل له شأن عند أئمة هذا الشأن، له شأن عظيم، وبعضهم يقول: لأن أعرف علة حديث خير من أن أحفظ مائة حديث.
وعلى كل حال في وقتنا مثلاً هل يقول طالب العلم: أتجه إلى العلل وأنظر في هذه العلل الخفية الغامضة وأديم النظر في كتب العلل أو الحمد لله الآن الأحاديث حكم عليها وانتهت وعرف الصحيح من الضعيف من الحسن، وأتفرغ للنظر في المتون، والتفقه ودراية هذه الأحاديث، على كل حال كله خير، لكن إذا جمع بين النوعين كمل ونبل.
وعللٌ وخيرها لأحمدا ... . . . . . . . . .(38/7)
لأنه قد يقول قائل: أنا والله وقتي ما يسمح أن أنظر في المتون والأسانيد وأصحح وأضعف وأعلل وأنظر في كتب العلل، وأنظر في مختلف أنواع الحديث يعني العمر ما يستوعب هذا، وأنا مطالب بعلوم أخرى تتعلق بالقرآن، وتتعلق بالعقيدة، وتتعلق بالفقه وغيره، قد يقول: أنا يكفيني المتون المحكوم عليها بالصحة وأتفقه عليها، وهذه طريقة مسلوكة عند جمع من أهل العلم يعني يعتنون بما صح من السنة وما يمكن أن يستدل به من حسن ويكتفي بذلك عن النظر في الأسانيد والعلل وغيرها، وبعضهم يقول: لا، معرفة العلل أهم من الفقه في متون الأحاديث، وعلى كل حال الفقه هو الغاية، نعم تجدون بعض الناس همته في الأسانيد أكثر، بعض الناس همته في الرواية أكثر، وبعض العلماء همته في الدراية أكثر، وبعضهم يوفق للجمع بين الأمرين، يعني لو ضربنا ثلاثة أمثلة مثلاً: الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين، الثلاثة كل واحد يختلف عن الثاني، وإن كان القاسم المشترك كلهم يتفقهون في السنة ومن علماء السنة، لكن لو نظرنا إلى الألباني رأينا عنايته بالأسانيد والتصحيح والتضعيف أكثر، وفقهه في هذا المجال أقل بكثير من عنايته بالثبوت من عدمه، والشيخ ابن باز -رحمه الله- وفق للجمع بين الأمرين على السواء، يعني له عناية كبيرة بالسنة، بالصحيح والضعيف وحفظ الأسانيد، وحفظ المتون، ومع ذلك له يد وله باع في الاستنباط والفقه.
الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يلاحظ عليه أن عنايته بالتفقه أكثر من عنايته بالثبوت من عدمه، لكنه لا يعتمد حديثاً ضعيفاً إنما يقلد في هذا، فإذا وضعت الشيخ ابن عثيمين في كفة والألباني في كفة وجدنا أن الشيخ ابن باز في القلب، يعني هذا واقع الشيوخ الثلاثة، كلهم على خير يعني، هم متكاملون، ما يقال: إن هذا مثلاً أهمل جانب مهم، وذاك أهمل، لا، هم متكاملون، وهذا واقع الشيوخ الثلاثة.(38/8)
. . . مشكلة أن ما دام تذم التقليد، والتقليد لا محالة أنت واقع فيه واقع، الوقوع في التقليد أمر فطري لمن لا يسعفه تركيبه على النظر في جميع، أو لا يسعفه وقته مثلاً في النظر في جميع ما يحتاج إليه من أحكام، فإما أن يقلد في الوسيلة، وإما أن يقلد في الغاية، لا بد، يعني إن اتجه إلى المتون تصحيح وتضعيف ما تمكن من استنباط جميع ما يمكن استنباطه من هذه المتون، فيضيق عليه الوقت فيحتاج إلى أن يقلد في بعض الأحكام، والعكس يعني إن تفرغ للمتون لا بد أن يقلد في الأحكام على الأحاديث ولا محالة، وإن لم يقلد في الأحكام لا بد أن يقلد في أحكام العلماء على الرجال، يعني الاجتهاد المطلق بمعناه على الإطلاق لا شك أنه دونه خرط القتاد كما يقول أهل العلم، يعني لا بد أن تجتهد في الرجال، وتخرج. . . . . . . . .، ثم بعد ذلك النظر في الأسانيد والتصحيح والتضعيف، ثم بعد ذلك الاستنباط بما يختص بك من فهم لهذا المتن، هذا لا شك أن السنة يعني فيها طول، وفي ضبطها عسر، لا سيما مع ظروف الناس التي يعيشونها الآن، إلا إنسان وفق وتفرغ بكليته للسنة هذا يمكن أن يجمع، ويبقى أنه لا. . . . . . . . .
وعللٌ وخيرها لأحمدا ... . . . . . . . . .
العلل للإمام أحمد هي مروية عنه من كثير ممن يروي عنه من أصحابه، "وخيرها لأحمدا" الإمام أحمد له باع في هذا الفن ومشهود له فيه، ومن الراسخين فيه.
والدارقطني، فيه أيضاً علل ابن أبي حاتم، وهو مطبوع قديماً في مجلدين ثم بعد ذلك كثر تحقيقه وبُسط وحقق في رسائل، وهو نافع في الجملة، يعني صحيح أن الأحكام إشارات بكلمات يسيرة، لكن من استطاع أن يربط بين هذه الكلمات ويعرف السبب الذي من أجله أطلقت هذه الكلمات وهذه الإشارات على هذه الأخبار، لا شك أنه يتمكن في هذا العلم، ويستطيع أن يمشي فيه.
الدارقطني، علل الدارقطني، وقبله يعقوب بن شيبة، المسند المعلل ليعقوب بن شيبة من أعظم ما صنف في هذا الباب إلا أنه لم يكمل، على ما سيأتي في كلام الناظم -رحمه الله-.(38/9)
علل الدارقطني أشاد به الحافظ ابن كثير إشادة يعني ما رأيته أطلقها على أي كتاب كان، والكتاب يستحق من هذا وأكثر، وطبع منه قسم كبير يمكن ستة عشر مجلد، وعلى طالب العلم المتمكن أن يعنى به، وإلا طالب العلم المتوسط لو أفنى عمره في قراءة هذا الكتاب قد لا يستفيد، وقد يترك النظر في هذا العلم بالكلية؛ لأنه قد لا يستفيد منه، يعني مع الأسف أن بعض طلاب العلم يسمع إشادة ابن كثير فيذهب مباشرة إلى علل الدارقطني ويترك البخاري ومسلم والسنن وغيرها، ثم بعد ذلك النتيجة؟ أنه يترك؛ لأنه لا يستطيع أن يتخلص من هذا الكتاب، يعني نظير من يسمع إشادة ابن القيم في العقل والنقل لشيخ الإسلام، أو نقض التأسيس ثم بعد ذلك يترك كتب شيخ الإسلام كلها؛ لأنها صعبة بالنسبة له، لكن لو أخذ العلم بالتدريج على ما سيأتي لاستطاع أن يفهم؛ لأن العلوم كلها مرتب بعضها على بعض، العلوم درجات مثل درج السلم، من صعد إلى أعلى السلم قبل أسفله هذا يسقط، ولا يستطيع أن يصل، لكن من أخذ السلم من بدايته إلى نهايته هذا يصل، ولذلك يقول بعد ذلك: "واحفظه بالتدريج".
وعلل وخيرها لأحمدا ... والدارقطني والتواريخ غدا
بعضهم يقول: إن الدارقطني أخذ هذه العلل من المسند المعلل ليعقوب بن شيبة، بعضهم يقول: إنه أخذه من مسند يعقوب بن شيبة، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل منزلة الدارقطني تكمل لمثل هذا العمل بلا شك.
وعلل وخيرها لأحمدا ... والدارقطني والتواريخ غدا
من خيرها الكبير للجعفي ... . . . . . . . . .
التاريخ الكبير، يعني تواريخ الرجال ما هي تواريخ الأحداث والأخبار.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، هذا الأصل أنه يكتب.
طالب: كيف يصل إلى موضع الحديث؟
لا مخدوم هذا، مخدوم.
طالب:. . . . . . . . .
بدون حاسب عندك الأطراف.
طالب:. . . . . . . . .
لا، عند الأطراف مكتوبة مع الصحيح، صحيح البخاري مكتوب أطرافه ومواضعه.
طالب:. . . . . . . . .
عند الحاجة، إذا دعت إلى ذلك الحاجة وإلا في هذه المرحلة يكتفي بالجمع.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا نظر في مواضعه كلها وفي الكتب كلها لا شك أنه بيرسخ في ذهنه، إن كانت الحافظة تسعفه.
طالب:. . . . . . . . .(38/10)
حديث آخر، إذا اختلف الصحابي حديث آخر، إذا كان الصحابي واحد صار تكرار.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يصير طريق آخر لنفس الحديث.
طالب: بنفس اللفظ يا شيخ؟
ولو كان بنفس اللفظ، كما مضى في المتابعات والشواهد، مثل ما ذُكر في المتابعات والشواهد.
يقول: "والتواريخ غدا" يعني تواريخ الرجال -رجال الأحاديث-.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . غدا
من خيرها الكبير للجعفي ... . . . . . . . . .
التاريخ الكبير للإمام البخاري هذا من خير ما يقتنيه طالب علم، نعم طالب العلم المبتدئ قد لا يستفيد منه الفائدة المرجوة التي يرجوها، يعني يبتدئ بالتدريج مثل ما قلنا في متون سائر العلوم، يعني يبدأ بالتقريب والكاشف والخلاصة؛ لأن فائدتها قريبة، لكن التاريخ الكبير قد لا يقف على فائدتها إلا طالب علم متمكن.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . . .
لا، لا تواريخ البخاري كبيرها وأوسطها وصغيرها كلها طريقتها واحدة، إلا أن هذا أكثر يعني فيه حدود ألوف مؤلفة يعني كم قالوا؟ بعضهم قال: أربعين ألف راوٍ، لكن العدد كبير يعني على الكتاب.
. . . . . . . . . للجعفي ... والجرح والتعديل للرازي
يعني الراوي الذي لا تجده في التاريخ الكبير، ولا في الجرح والتعديل، ولا في الثقات، ولا في الكامل لابن عدي هذا يكون شبه ميئوس منه؛ لأن طلاب العلم يشكل عليهم بعض الرواة، يعني رواة الكتب الستة ما فيهم إشكال، مخدومة الكتب الستة، وألف فيها الكتب الكثيرة بدءاً من الكمال للحافظ عبد الغني في رجال الكتب الستة، ثم تهذيبه للحافظ المزي، ثم تذهيبه وتهذيبه للذهبي وابن حجر إلى آخر السلسلة، هذه مخدومة، لكن الإشكال فيما إذا روى حديثاً خارج الكتب الستة، هذا قد يعوزه إعوازاً كبيراً أن يجد الترجمة، فيلجأ إلى تاريخ البخاري، والجرح والتعديل، وثقات ابن حبان، والمجروحين والكامل لابن عدي، وقد لا يجده إلا في التواريخ، تاريخ بغداد، تاريخ نيسابور، تاريخ دمشق، تاريخ أصبهان، يجد فيها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(38/11)
قد يكون متأخراً يجده في السير للذهبي، ويجده في ... ، يبحث عنه إلى أن يجده، وقد لا يجد، يعني في شيوخ الطبري من لم يوجد له ترجمة.
من خيرها الكبير للجعفي ... والجرح والتعديل للرازي
يعني في تشابه كبير بين التاريخ الكبير للبخاري والجرح والتعديل، الجرح والتعديل من أهل العلم من يقول: إن ابن أبي حاتم أخذ التاريخ الكبير وسأل عن رجاله واحداً بعد الآخر يسأل أباه وأبا زرعة، يعني معوله وعمدته على التاريخ الكبير، وفي كل راوٍ يسأل عنه أباه وأبا زرعة فيعطيه الجواب، سألت أبي فقال كذا، يعني من الطرائف أن البخاري له كتاب اسمه: (الضعفاء الصغير) فيه ما يقرب من أربعين راوٍ ضعفهم البخاري، وفي الجرح والتعديل سأل ابن أبي حاتم أباه فقال: ذكره في الضعفاء، وقال أبي: ينبغي أن يحول، في حدود أربعين راوٍ، في بعضهم يعني اثنين أو ثلاثة قال: أتحتج به؟ قال: لا، يعني كيف يحول؟ وين يحول؟ وين يودى؟ لمن هو صار ... ؟ يبي يحول عن الضعفاء ولا يحتج به، هذه من اللطائف التي ينبغي أن يعنى بها طالب العلم بأن هناك إشكالات في كتب الرجال، يعني مع المران تنحل، لكن قد تواجه طالب العلم في أول الأمر يقف أمامها، لا يستطيع أن يتصرف.(38/12)
على كل حال الجرح والتعديل من أنفس ما ألف في هذا الباب، وإن قال بعضهم: إن أبا حاتم وأبا زرعة لما اطلعا على التاريخ الكبير قالا: لا ينبغي أن يكون إلا لنا وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا يليق بالإمامين فجعل ابن أبي حاتم يسألهم عن الرجال، وذكر آرائهما فيهم، حتى قال بعضهم: إن البلاء قديم، يعني إذا وجد هذا عند هؤلاء الأئمة لا شك أن البلاء قديم، لكن يُربأ بإمامة هذين الإمامين العظيمين عن مثل هذا، نعم هناك توافق كبير بين الكتابين، لكن هناك أيضاً أحكام أبي حاتم وأبي زرعة على الرجال في الجرح والتعديل لا يوجد مثلها في التاريخ الكبير، التاريخ الكبير يشير إلى بعض ما يتعلق بالراوي ويشير إلى بعض مروياته، ويشير إلى السماع، يشير إلى العلل، كتاب عظيم، يعني لا يستغني عنه طالب العلم، لكن أيضاً كتاب الجرح والتعديل في غاية الأهمية، وهناك أوهام للإمام البخاري في تاريخه استدركها عليه ابن أبي حاتم، بيان خطأ البخاري في تاريخه، وكلٌ مجتهد، وكل مأجور -إن شاء الله تعالى-، ولا يعني أن يقول أحد: إن ابن أبي حاتم أعلم من البخاري أو شيء من هذا، يعني كما صنف الخطيب البغدادي (الموضح لأوهام الجمع والتفريق) وأكثره يتعلق بالبخاري، يجعل الاثنين واحد أو الواحد اثنين، لكن قدم له بمقدمة يعني تدل على إمامته، الخطيب -رحمه الله-، وعلى طالب كل علم أن يطلع على هذه المقدمة؛ لأنه ونحن ننظر أن هذا الكتاب انتقادات للأئمة، البخاري ومن في مقام البخاري، نقول: إن الخطيب يقدح في البخاري أو يقدح في هؤلاء الأئمة، أو يرى أنه أعلم منهم، أبداً، قال: ما عشنا إلا على فتاتهم، وما نحن بالنسبة لهم إلا كالبقل الصغير بالنسبة إلى النخل الطوال، يقول: من أين جاءنا العلم إلا منهم؟ يعني كون الإنسان ينتقد لا يعني أنه أعلم من المنتَقد.
وكتب المؤتلف المشهورِ ... . . . . . . . . .(38/13)
المؤتلف والمختلف وهذا النوع سيأتي -إن شاء الله تعالى- بسطه ومعناه، "والأكمل" يعني الأكمل في هذا الباب -كتب المؤتلف والمختلف- للدارقطني كتاب مطبوع في مجلدات، المؤتلف والمختلف، لكن الناظم تبعاً لابن الصلاح يرى أن أكمل كتب هذا الباب الإكمال للأمير ابن ماكولا أبو نصر، كتاب عظيم، لا يستغني عنه طالب علم، وهناك إكمال إكماله، وكتب كتبت حوله.(38/14)
"واحفظه" يعني احفظ هذا العلم سواءً ما يتعلق بمتونه أو بأسانيده "بالتدريج" تقول: والله أنا الآن أنا بصدد حفظ الرجال فتأتي إلى تاريخ البخاري كل يوم تريد أن تحفظ مائة راوٍ، لا، ما يصلح هذا أبداً، وحفظ الرجال يأتي تبعاً لحفظ الأحاديث، يعني في الطريقة التي ذكرناه في الجمع بين كتب السنة يمكن تحفظ الرجال، وتراجع عليهم كتب الرجال، وإن كنت ممن يراجع الشروح فأيضاً الشروح لها عناية بتراجم الرواة، يعني ما تنتهي منها إلا ولديك رصيد نافع تعتمد عليه مستقبلاً إذا فرغت من كتاب شرح من الشروح ممن يعنى بالتراجم، وأيضاً مع مراجعة كتب الرجال بالتدريج، يعني بالإمكان أن يفعل طالب العلم بكتب الرجال مثل ما قلنا في كتب الحديث، يجعل محور البحث عنده التقريب، التقريب لا يُسلّم للحافظ جميع النتائج التي توصل إليها، وهذه ليست المرحلة الأولى لطالب العلم، يعني طالب علم مبتدئ ما يُكمل لمثل هذا، ينظر في التقريب وماذا قال فيه الحافظ، ثم ينظر في الأصول: الكمال، وتهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وتذهيب ... ، ينظر ما قيل في هذا الراوي، ويقارن بين هذه الأقوال فقد يوافق ابن حجر على النتيجة وقد يخالفه إذا كان أهل للنظر، والدراسات الحديثة فيها نماذج من مثل هذا مثل تحرير التقريب، يعني خالفوا الحفظ ابن حجر في كثير من النتائج، لكن لا يلزم أن يكونوا أصابوا، ولا يلزم أن يكون الحافظ هو المصيب، هذه مسائل اجتهادية، والنظر في الرجال بعد عصور الرواية ما فيه إلا من خلال كلام أهل العلم، يعني معرفة قواعد الجرح والتعديل لا بد منها لطالب العلم للنظر في أقوال العلماء في الرجال والموازنة بينها، فأنت تجعل التقريب بين يديك وتنظر في هذا الراوي وتراجع عليه الأصول، وهل كلام الأصول متجه مع نتيجة ابن حجر أو فيه بعد أو قرب يعني ينظر طالب العلم بالطريقة التي درسها في علوم الحديث من قواعد الجرح والتعديل.
طالب:. . . . . . . . .
تحرير التقريب، ما هو بتحرير التقريب اسمه؟ تحرير التقريب، هو وشعيب.
طالب:. . . . . . . . .(38/15)
بس هنا ما يلزم أن يوافقوا على النتيجة لا يلزم أن يوافقوا على النتيجة، لكن أنا أقول: طالب العلم لا يقلد لا هذا ولا هذا، يعني طالب العلم لا أقول المبتدئ، المبتدئ ليس له مجال في هذا الباب، صعب، من الصعوبة بمكان أن ينظر في أقوال يعني عشرين قول في راوٍ، ولذلك تجدون أحكام الإمام الواحد قد تختلف، ابن معين يكون له أكثر من قول في الرجل، أحمد كذلك، وغيرهم من الأئمة يكون لهم أكثر من قول في الراوي، الحافظ ابن حجر وهو من المتأخرين المطلع على أقوال الأئمة يختلف قوله من موضع إلى موضع، يعني في تقريب التهذيب له نتائج قد تختلف عن أحكامه على الراوي في فتح الباري مثلاً أو في التلخيص.
يعني عبيد الله بن الأخنس قال في فتح الباري: ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وفي التقريب ماذا قال؟ قال: صدوق يخطئ، وهو من رواة البخاري، يعني فتجد مثل هذا الاختلاف قد يكون لتغير اجتهاد، وقد يكون لغفلة وبعد عما كتبه سابقاً، قد تكون الحال تختلف، هو يكتب في التقريب ينظر في مروياته إجمالاً في البخاري وغيره، وقد يحفظ عليه أخطاء في غير الصحيح، لكن لما تكلم عليه في فتح الباري مقروناً بالحديث المخرج في أصح الكتب، فلا شك أن الحال لها أثر في الحكم.
ابن لهيعة حكم عليه ابن حجر في مواضع كثيرة بالضعف، وفي مواضع أخرى بأنه صدوق، ولا يعني هذا أن الإنسان يطعن في هذه الكتب، هذه كتب بشر نتائجها خاضعة لاجتهاداتهم، والاجتهاد يقبل الصواب ويقبل الخطأ، والأجر ثابت -إن شاء الله تعالى- على الحالين.
واحفظه بالتدريج ثم ذاكرِ ... به والاتقان اصحبن وبادرِ(38/16)
احفظ الحديث، احفظ الرجال، احفظ العلل بالتدريج، يعني بالإمكان أن يجعل طالب العلم وقته مقسم، ففي أول النهار يحفظ خمس آيات، عشر آيات، ويراجع عليها التفاسير، ولا يكثر بعد، يتخذ له تفسيرين ثلاثة أربعة من التفاسير التي كل واحد منها يخدم جانب من الجوانب، يحفظها وينظر في هذه التفاسير، ثم بعد ذلك ينظر في الأحاديث على ما شرحنا، ثم بعد ذلك ينظر في الرواة على ما ذكرنا، كل يوم راويين، ثلاثة، خمسة، إذا كان الكلام فيهم مختصر، ومن الأحاديث واحد اثنين ثلاثة، حسب طولها وقصرها، بهذا، بالتدريج، هو إن حفظ بعد من النظم مثلاً لأي علم من العلوم بيتين ثلاثة خمسة، نظر في كتب اللغة، نظر في مفرداتها، حفظ له مفردة مفردتين، ثلاث، خمس، بالتدريج، يعني لا يأتي ... ، مثل بعض الناس يجئ متحمس يقول: خلاص أنا باحفظ القرآن بشهر، الزهري حفظ بشهر ولا أنا بأردئ من الزهري، فيجلس على جزء اليوم كاملاً، ثم إذا جاء من الغد تفلت عليه ما استطاع أن يراجعه، فضلاً عن كونه يحفظ نصيب جديد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يختبر نفسه، إن كانت حافظته تسعفه لحفظ عشر آيات فليفعل، إن كانت لا تسعفه يزن هذه الحافظة، ولا يرهق نفسه أكثر؛ لأن من أراد العلم جملة فاته جملة، ولذلك قال:
واحفظه بالتدريج ثم ذاكرِ ... . . . . . . . . .
أنت الآن حفظت، والحفظ معرض للنسيان تنتقي لك من زملائك منهم على مستواك في الحفظ والفهم، ثم تذاكر معهم ما حفظت، فالمذاكرة هي التي تثبت المحفوظ، إن لم تجد ذاكر نفسك، ردد على نفسك، والآن المسجل آلة التسجيل بمنزلة الزميل، سجل المادة واسمعها ورددها ثانية وهكذا، وإن كتبتها بعد وعرضتها على الكتاب هذا أيضاً جيد.
. . . . . . . . . ثم ذاكرِ ... به والإتقان اصحبن. . . . . . . . .
الإتقان لا بد منه؛ لأن بعض الناس يحفظ على أي وجه، ونسمع من يحفظ القرآن كامل، لكنه يلحن لحون جلية ويغير ألفاظ، ما هي بمسألة لحن وإلا إخلال بأحكام تجويد وإلا غيره، لا، يغير كلمة بكلمة، وحفظ يقرأ، لماذا؟ لأنه حفظ على الخطأ، فلا بد من الإتقان قبل الحفظ وأثناء الحفظ، وبعد الحفظ أيضاً يثبت هذا الإتقان.(38/17)
. . . ... . . . . . . . . . والإتقان اصحبن وبادرِ
إذا تأهلت إلى التأليفِ ... . . . . . . . . .
ويش معنى التدرج؟ احفظ، ذاكر، أتقن، ألف، هذه وصايا لطالب العلم يعظ عليها بالنواجذ، "وبادرِ ... إذا تأهلت" بهذا الشرط؛ لأن بعض الناس تعجل النتيجة وصار أضحوكة للقراء، لا بد أن يتأهل، ولا مانع من أن يتمرن قبل التأهل، ويعرض أعماله لمن يسدده، ويصحح له، ويقوم الخطأ، لكن لنفسه لا لغيره، أما إذا أراد التأليف لغيره لا بد من التأهل، ولا يستعجل في النشر، كم من شخص بادر بالتأليف، ثم بادر بالنشر فندم ولات ساعة مندم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وبادرِ
إذا تأهلت إلى التأليفِ ... تمهر. . . . . . . . .
يعني قلّ أن يمهر من يحفظ العلم، ويعنى بالعلم إذا لم يعلم ويؤلف، ولذلك قال: "تمهر وتذكر" وليس المراد بالذكر أن يكون هدف لأن يكون له ذكر وشرف وشأن عند الناس، لا، إنما يذكر بخير، ويدعى له بسبب هذا التأليف، هذا هو المقصود فيما ينفعه في الآخرة، وأما في الدنيا يعني كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعدي بن حاتم: ((إن أباك أراد شيئاً فحصله)) أراد أن يقال: جواد وانتهى، ليس له في الآخرة نصيب، لكن الذكر هنا المراد به ما ينفع في الآخرة.
وهذا أيضاً الواقع يشهد به، يعني من شيوخنا الكبار ما ألف، نُسي، خلاص، ومن طلاب طلابهم من يُذكر على كل لسان، تدخل المكتبات، تدخل المعارض من باب وتخرج من باب ما تسمع ذكر لهذا الإمام إطلاقاً؛ لأنه ما ألف، من يعرف ابن راوه؟ معروف عند طلاب العلم؟ أو ابن أرومه؟ هؤلاء أئمة حفاظ كبار يضاهون البخاري ومسلم وأحمد وأبي حاتم، لكن ما تركوا مؤلفات، نسوا، خلاص، إلا ما يذكر في كتب التراجم، يُشاد بهم إشادة بالغة ويثنى عليهم ثم بعد ذلك النتيجة؟ ما انتفع بهم أحد، إلا من تعلم على أيديهم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وتذكر وهو في التصنيفِ
طريقتان. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
يعني بعد أن حث المؤلف على التأليف بعد التأهل ذكر الطرق والمناهج التي سلكها أهل العلم في التصنيف،(38/18)
"وهو في التصنيفِ ... طريقتان" يعني منهم من يصنف على طريقة، ومنهم من يؤلف على طريقة أخرى.
. . . . . . . . . جمعه أبواباً ... أو مسنداً تفرده صحاباً
إما على الأبواب، وإما على المسانيد، على الأبواب إما على طريقة الجوامع التي تجمع بين أبواب الدين كلها كالبخاري ومسلم والترمذي أو تجمع أبواب معينة كالسنن تجمع أحاديث الأحكام، مصنفات الموطئات فيها أحاديث الأحكام، هذه هي الغالب، وأما بالنسبة للجوامع فتجمع جميع أبواب الدين، وقد يفرد باب مثلاً من هذه الأبواب، وقد يفرد جزء من هذا الباب، وقد تفرد مسألة كجزء رفع اليدين، والقراءة خلف الإمام، جزء البسملة، أجزاء حديثية عند أهل العلم يجمعون فيها ما ورد في هذه المسألة بعينها، هي داخلة في الأبواب، يعني وإن كانت باب واحد لكن الأصل أن السنن التي عليها الكلام الأصول، أصول الإسلام جمعت أبواب تشمل أبواب كثيرة منها ما يشمل جميع أبواب الدين، ومنها ما يقتصر على أحاديث الأحكام.
طريقتان جمعه أبواباً ... أو مسنداً. . . . . . . . .
يعني على أسماء الصحابة "تفرده صحاباً" يعني على أسماء الصحابة.
فالجمع على الأبواب من الكتب الستة، والبيهقي والدارمي والموطأ والمنصف وغيره على الأبواب، وأما المسندات على أسماء الصحابة فتقدم ذكرها في باب الحسن.
كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا
فهو عد مسند الدارمي من ضمن المسانيد المرتبة على الصحابة وواقع كتاب الدارمي على الأبواب، الدارمي المعروف المتداول سنن وليس بمسند، لكن ذكر الخطيب في ترجمته أن له السنن، أو له الجامع والمسند، فإن كان غير الموجود بين أيدينا فكلامه صحيح، مسند أبي يعلى، ومنهم من يرتب المسانيد هذه أسماء الصحابة على الحروف، كما فعل الطبراني في معجمه الكبير، ومنهم من يفرده على القبائل، ومنهم من يفرده على السابقة في الإسلام، فيقدم العشرة كما صنع الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.
وجمعه معللاً كما فعلْ ... يعقوب أعلى رتبة وما كملْ(38/19)
وجمعه معللاً أعلى رتبة، يعني جمع الحديث معلل سواءً كان على الأبواب أو على المسانيد أعلى، يعني مع ذكر العلل التي في هذه الأحاديث، كما فعل يعقوب بن شيبة في مسنده المعلل، لا شك أنه أعلى رتبة ممن يذكر الأحاديث بأسانيدها ولا يذكر عللها، "أعلى رتبة وما كمل" يعني يعقوب بن شيبة ما كمل المسند، حتى قال بعض العلماء: إنه لا يوجد كتاب في العلل كامل، كيف؟ إذا نظرنا في علل ابن أبي حاتم وجدناه شمل أبواب كثيرة جداً إلى آخر الأبواب، لكن مع ذلك إن كمل في الأبواب ما كمل في أحاديث الأبواب، وإن كمل في أحاديث الأبواب ما كمل في الأبواب، وما ذلكم إلا لصعوبة هذا النوع، وصعوبة الإحاطة به من كل وجه.
وجمعوا أبواباً أو شيوخا أو ... تراجماً أو طرقاً وقد رأوا
"وجمعوا أبواباً" أبواب من أبواب الدين خاصة، يعني مثل ما ذكرنا في مسألة رفع اليدين، أو جزء القراءة خلف الإمام، أو جزء البسملة أو ما أشبه ذلك.
"أو شيوخاً" يعني أحاديث الشيوخ، يعني رتبوا على شيوخهم، يعني كما فعل الطبراني في الصغير.
"أو شيوخاً أو تراجماً" تراجم يعني كما في كتب الأطراف، التراجم يعني سلاسل، فلان عن فلان، أحاديث مالك عن نافع عن ابن عمر، وقد يترجم بالصحابي كما فعل المزي، كما فعل الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة يترجمون بالصحابي، ثم بعد ذلك يذكرون أحاديثه نظير ما يفعله أصحاب المسانيد، لكنهم يقتصرون على طرف الحديث، وهذه كالفهارس، ثم بعد ذلك يرتبون أسماء الصحابة على الحروف فيقدمون: آب اللحم، وأبيض بن حمال، ويؤخرون أبا هريرة في الكنى، ويقدمون الرجال على النساء وهكذا.(38/20)
"أو تراجماً" يعني على التراجم، مما ألف على التراجم تقريب الأسانيد للحافظ العراقي، يعني هذا ألف على التراجم، تراجم ست عشرة ترجمة قيل فيها: إنها أصح الأسانيد، هذه التراجم إذا طالت كما فعل المزي وابن حجر وغيرهم، إذا طالت أحاديث الصحابي الواحد رتب الرواة عنهم على الحروف، يرتبون التابعين على الحروف، فإذا كثر الرواة عن التابعي رُتبوا أيضاً على الحروف ليسهل الوقوف عليهم، وإلا إذا أردت أن تراجع حديثاً من مرويات أبي هريرة في تحفة الأشراف وتصورنا أن الكتاب غير مرتب، يعني الرواة عنه غير مرتبين ما يمكن تصل إليه.
"تراجماً أو طرقاً" طرقاً أو طرفاً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش قال الشارح؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم طرق الحديث الواحد، يعني طرق حديث: ((من كذب عليّ)) طرق حديث: أم زرع، طرق حديث: ذي اليدين، هذه جمع فيها أهل العلم طرق الأحاديث في أجزاء، وقد تكون في مجلدات، وقد يصنف على الأطراف، أطراف الأحاديث، لكن هذا لا يوجد عند المتقدمين، يوجد عند المتأخرين، يقتصرون على طرف الحديث، على أول الحديث وترتب هذه الأطراف على الحروف، وهذه بمثابة الفهارس؛ لأنها تحيلك إلى المصادر الأصلية، وفيها نفع عظيم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وقد رأوا
كراهة الجمع لذي تقصيرِ ... . . . . . . . . .
كراهة الجمع يعني التأليف والتصنيف لمن لم يكمل، ولم يتأهل له، رأوا كراهة ذلك.
كراهة الجمٍع لذي تقصيرِ ... كذاك الإخراج بلا تحريرِ
يعني كون الطالب أو حتى المتأهل، الطالب لديه تقصير لا بد أن ينتظر حتى يتأهل، المتأهل لا بد أن يحرر، فلا يستعجل بالنشر قبل التحرير، لا بد أن يحرر ولا يخرج المؤلف إلا متقن مضبوط؛ لئلا يكون هدفاً للنقد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(38/21)
شرح ألفية الحافظ العراقي (40)
(العالي والنازل)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
الْعَالِي وَالنَّازِلُ
وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ وَقَدْ ... فَضَّلَ بَعْضٌ النُّزُوْلَ وَهْوَ رَدّْ
وَقَسَّمُوْهُ خَمْسَةً فَالأَوَّلُ ... قُرْبٌ مِنَ الرَّسُوْلِ وَهْوَ الأَفْضَلُ
إِنْ صَحَّ الاسْنَادُ وَقِسْمُ القُرْبِ ... إلى إِمَامٍ وَعُلُوٍّ النِسْبِي
ابعد (أل).
طالب: سم يا شيخ.
وعلو نسبي.
طالب: إي نعم.
بدون (أل).
طالب: سم يا شيخ.
بدون (أل) "وقسم القرب ... إلى إمام وعلو نسبي".
طالب: مشدد يا شيخ.
ويش عندكم يا الإخوان؟
طالب: النسبي.
أنا أعرف الطبعة هذه كلها بـ (أل)، كلها واحدة، الطبعات الأخرى؟
طالب: علو نسبي.
بدون (أل) هذا أولى.
على كل حال هو لا يختلف من حيث الوزن، ما يختلف من حيث الوزن؛ لأن تشديد الواو يقوم مقام (أل) نعم في الوزن يقوم مقامه، "علو نسبي"، والنطق لا يختلف سواءً كان "علو نسبي" بدون (أل) لأن (أل) هذه الشمسية لا ينطق بها.
وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ وَقَدْ ... فَضَّلَ بَعْضٌ النُّزُوْلَ وَهْوَ رَدّْ
وَقَسَّمُوْهُ خَمْسَةً فَالأَوَّلُ ... قُرْبٌ مِنَ الرَّسُوْلِ وَهْوَ الأَفْضَلُ
إِنْ صَحَّ الاسْنَادُ وَقِسْمُ القُرْبِ ... إلى إِمَامٍ وَعُلُوٍّ نِسْبِي
بِنِسْبَةٍ لِلْكُتُبِ السِّتَّةِ إِذْ ... يَنْزِلُ مَتْنٌ مِنْ طَرِيْقِهَا أُخِذْ
فَإِنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ قَدْ وَافَقَهْ ... مَعَ عُلُوٍّ فَهُوَ الْمُوَافَقَهْ
أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ فَالْبَدَلْ ... وَإِنْ يَكُنْ سَاوَاهُ عَدّاً قَدْ حَصَلْ
فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ وَحَيْثُ رَاجَحَهْ ... الأَصْلُ باِلْوَاحِدِ فَالْمُصَاَفَحَهْ
ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ ... أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الثقاتِ
لا مع التفات.
طالب: أحسن الله إليك.(39/1)
ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ ... أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الْتِفَاتِ
لآخَرٍ فَقِيْلَ لِلْخَمْسِيْنَاِ ... أَو الثَّلاَثِيْنَ مَضَتْ سِنِيْنَا
ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ السَّمَاعِِ ... وَضِدَّه النُّزُوْلُ كَالأَنْوَاعِ
وَحَيْثُ ذُمَّ فَهْوَ مَا لَمْ يُجْبَرِِ ... وَالصِّحَّةُ الْعُلُوُّ عِنْدَ النَّظَرِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"العالي والنازل" والمراد بذلك من الأسانيد، الأسانيد العالية والأسانيد النازلة، وتقدم الحديث عن الأسانيد، وأنها من خصائص هذه الأمة، وأن عليها المعول في التصحيح والتضعيف، وأن الأمم السابقة لا يوجد لها ارتباط بأنبيائها، ارتباطها بأنبيائها بوجودهم فقط، أما إذا فقدوا فلا يربطهم بهم رابط، ولذلك حصل في كتبهم من التغيير والتبديل ما يؤمن مع وجود الأسانيد؛ لأنه لو وجدت أسانيد عندهم ما حصل عندهم تحريف ولا تبديل، وديننا قد تكفل الله بحفظه، وهيأ له هؤلاء الأئمة الجهابذة الذين درسوا هذه الأسانيد، وصححوا وضعفوا من خلالها، فطلب الإسناد عند أهل العلم له شأن عظيم، والمقاطيع لا قيمة لها عندهم، حتى قال قائلهم: بيننا وبين القوم القوائم، يعني الأسانيد، شبهت الأسانيد بالقوائم؛ لأن الإنسان وغير الإنسان من حيوان وغيره لا يستطيع أن يمشي بدون قوائم، وكذلك الأخبار لا تمشي، لا يمكن أن تمشي على الأئمة بدون هذه الأسانيد.
وطلب العلو سنة عند أهل الحديث، والمراد به القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقلة الوسائط، هذا العلو المطلق، القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقلة الوسائط، وهناك علو نسبي يأتي بيانه -إن شاء الله تعالى-، والنازل ما كان بضده، وهو البعد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرة الوسائط.(39/2)
طلب العلو سنة عند أهل الحديث متبعة؛ لأنه بقلة الوسائط يؤمن الخلل، أو دخول الخلل في الأسانيد، كلما قلت الوسائط كان احتمال دخول الخلل أضعف، وكلما كثرت الوسائط كان احتمال دخول الخلل إلى الأسانيد أقوى؛ لأنه ما من راوٍ من الرواة الذين بواسطتهم تروى الأخبار إلا ويحتمل أن يدخل الخلل بسببه، فإذا كان الحديث عالياً، ثلاثي أو رباعي في الكتب الستة، هذا عالي، فمنافذ الخلل إلى هذا الإسناد أربعة فقط، لكن إذا كان نازل ثُماني أو تُساعي فإن منافذ الخلل من خلال هؤلاء التسعة كلهم، فإذا أمن من الأول والثاني والثالث لا يؤمن من الرابع، وقد لا يؤمن من السادس وهكذا، فكلما قلت الوسائط قل احتمال الخطأ والوهم، وكلما كثرت الوسائط كثر احتمال هذا الخلل وهذا السهو والخطأ.
العلو موجود في كتب السنة، وكذلك النزول، وتفضيل العلو لا على إطلاقه، إنما يفضل النازل إذا كان رواته ثقات بسند متصل، وأما إذا فُقد شرط قبول الرواة أو ضعف، أو الاتصال فإن النازل يكون حينئذٍ بسند أنظف، ورواة أضبط وأتقن يكون أفضل من العالي، الكتب الستة الموطأ كما هو معروف لقدم مؤلفه فيه الثنائيات، مالك عن نافع عن ابن عمر، الواسطة بين المؤلف بين مالك والنبي -عليه الصلاة والسلام- نافع وابن عمر، ومثل هذا كثير في الموطأ ثنائيات، هذا بالنسبة للموطأ، ومسند أحمد فيه ما يزيد على ثلاثمائة حديث ثلاثي، وهذه عوالي بالنسبة لغيرها، وهذه فيها مؤلف، مجموعة في مؤلف، وكذلك هي مشروحة من قبل السفاريني، شرح ثلاثيات المسند (نفثات الصدر المكمد في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد) في مجلدين، وفيه فوائد كثيرة جداً هذا الشرح، فيه فوائد، هذا بالنسبة ... هاه؟
طالب: أغلبها صحاح؟
إيه غالبها الصحة، نعم.(39/3)
بالنسبة للكتب الستة البخاري فيه اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، غالبها سبعة عشر جاءت من طريق المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، سبعة عشر، وخمسة من طريق غيره، فالبخاري فيه اثنان وعشرون حديثاً، مسلم ما فيه ولا حديث ثلاثي، أعلى ما فيه الرباعيات، مع أن فيه أربعة أحاديث في مسلم هي أعلى من صحيح البخاري، يعني يرويها مسلم عن راوٍ مباشرة، هذه الأحاديث يرويها البخاري عن ذلك الراوي بواسطة، فهي في صحيح مسلم أعلى منها في صحيح البخاري، وليس فيها ولا حديث ثلاثي.
سنن أبي داود حديث واحد في الحوض ...
في سنن أبي داود؟ ولا عون المعبود الكبير ولا شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
سنن أبي داود فيه حديث أبي برزة في الحوض يرويه أبو داود بواسطة ثلاثة، والثلاثي من هذا الحديث هو الموقوف على أبي برزة، وأما بالنسبة للمرفوع فليس بثلاثي؛ لأن فيه واسطة رجل مبهم، في أواخر سنن أبي داود حديث الحوض.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأول، هذا الأول.
على كل حال سنن أبي داود ليس فيه حديث مرفوع ثلاثي، الموقوف نعم حديث أبي برزة، وأما المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه بواسطة رجل مبهم، فهو في الحقيقة رباعي وليس بثلاثي، إذن الخلاف في كون سنن أبي داود فيه حديث ثلاثي أو ليس فيه حديث ثلاثي مرده إلى هذا، وأبو داود يروي الخبر عن طريق ثلاثة، لكن الثلاثي هو الموقوف، يعني بينه وبين أبي برزة رجلان، ثم بعد ذلك لما دخل أبو برزة على الأمير الذي حدث بالحديث عن أبي برزة رجل مجهول، مبهم، فقال رجل: جرى كذا وكذا بين أبي برزة والأمير في حديث الحوض، فالمرفوع إنما هو ثلاثي، فالذي اثبت نظر إلى أصل القصة، والذي نفى نظر إلى أن المقصود هو إيش؟ المرفوع، والمرفوع فيه واسطة، فهو رباعي.(39/4)
عرفنا أن صحيح البخاري فيه اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، مسلم ليس فيه حديث ثلاثي وإن كان في أحاديث أربعة أحاديث هي أعلى منها في صحيح البخاري، أبو داود حديث واحد -حديث الحوض- هو الذي يختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ الترمذي فيه حديث أو حديثان ثلاثيان لكنهما ضعيفان، سنن ابن ماجه فيه أيضاً خمسة أحاديث ثلاثية ضعاف، أما سنن النسائي فلتأخر وفاته ما في مطمع أن يوجد فيه ثلاثي، ليس فيه مطمع، أما بالنسبة للنوازل في الكتب الستة، الأحاديث النازلة في الكتب الستة ففيه حديث: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا في صحيح البخاري، هذا أنزل أحديث فيه وهو حديث تساعي، نازل جداً، وفي سنن النسائي أنزل حديث أو أطول إسناد كما قال النسائي في الدنيا حديث يروى في فضل سورة الإخلاص، وفي إسناده ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، يعني في طبقة واحدة ستة، تتوقع هذا عالي وإلا نازل؟ في غاية النزول، وهذا أنزل ما يوجد في الكتب الستة، قال:
وطلب العلو سنة. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني طريقة متبعة عند أهل هذا الشأن، عند أهل الحديث، ولذلك كثرت فيهم الرحلة، يعني الرحلة عند أهل الحديث أكثر منها عند غيرهم، يعني الرحلة عند الفقهاء نادرة؛ لأنهم لا يطلبون علو، الرحلة عند غيرهم من أهل الفنون أقل من الرحلة عند أهل الحديث؛ لأنهم يختصرون بهذه الرحلة رواة، قد يحدثه في بلده شيخ عن شيخ في بلد آخر، فيرحل إليه فيسقط راوٍ من السند، فيعلو هذا الإسناد، طلب العلو سنة، والرحلة صُنف فيها، صنف فيها الخطيب، الرحلة عند أهل الحديث صنف فيها الخطيب مصنف جمع فيها ما وقع له ممن رحل بسبب حديث أو حديثين أو أكثر من ذلك، بدءاً من الصحابة إلى نهاية عصر الرواية، والرحلة معروفة عند أهل الحديث، وفي تراجم الأئمة في السير وتذكرة الحفاظ وغيرهما يندر أن يوجد عالم ما رحل، كل هذا من أجل العلو ولقاء الشيوخ، والاستغناء عن الوسائط الذين بسببهم يدخل الخلل إلى بعض الأسانيد.
. . . . . . . . . سنة وقد ... فضل بعض النزول. . . . . . . . .(39/5)
بعضهم فضل النزول، لكنه ليس من أهل هذا الشأن، ما في أحد من المحدثين فضل النزول إلا بمرجح آخر، إما لذات النزول يعني الرواة في السند العالي بمنزلة الرواة في السند النازل ما في أحد من أهل الحديث يفضل النازل على العالي، وقيل للإمام علي بن المديني في مرض موته ماذا تشتهي؟ قال: "بيت خالي وإسناد عالي".
والناس في عصرنا هذا حتى من طلاب العلم لا يطيق البقاء في مكان خالٍ، لا بد أن يبحث عن من يؤنسه، وذلكم سببه كون كثير من الناس لا إلف له بالأنس بالله -جل وعلا-، ولا اعتاد الذكر مع الخلوة، والله المستعان، بيت خالي وإسناد عالي، قال: "وقد ... فضل بعض النزول" الذين فضلوا النزول هم من أهل النظر، يعني بعض الفقهاء وبعض المتكلمين قالوا: إن النزول أفضل، والسبب أن النزول عند دراسته يحتاج من المشقة والتعب والعناء أكثر من العلو، يعني إذا كان الإسناد ثلاثي يمكن أن تدرس الإسناد بنصف ساعة، وإذا كان تساعي تحتاج إلى ثلاثة أضعاف هذا الوقت، والأجر على قدر النصب، الأجر على قدر التعب، فهو أفضل هذه حجة من يفضل النزول.
يقول الحافظ العراقي وغيره من أهل العلم: أن المشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، ونظير ما ذكر هنا يقول: نظير من يذهب إلى المسجد مع الطريق الأبعد تحصيلاً لكثرة الخطا ولو فاتته الجماعة، ولو فاتته الجماعة، واضح التنظير؟ نعم.
يقول: الآن العلو مفضل عند أهل العلم، عند أهل الحديث، والنزول مفضل عند من لا صلة له بعلم الحديث، وما تلذذوا بتحصيل العوالي ولا رحلوا من أجلها، أقول: لا، تدرس إسناد عالي بمدة تحتاج إلى ضعفها أو أكثر في الإسناد النازل، يقول الحافظ العراقي: نظير هذا من يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة مع الطريق الأبعد لتحصيل أجر الخطا أكثر، ولو ترتب على ذلك فوات الجماعة، أيهم أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك، لا إشكال ولا مقارنة، ولو قيل: إنه إذا ذهب مع الطريق الأبعد لا أجر له، قدر زائد على الطريق الأدنى؛ لأن هذه المشقة وهذه الخطا لم تطلب لذاتها وليست غاية، إنما طلبت تحصيلاً للهدف والغاية التي هي الصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(39/6)
نعم، هو يفترض المسألة في شخص خرج مع الأذان إلى المسجد مع الطريق الأبعد بحيث وصل بعد ربع ساعة مع الإقامة أو ثلث ساعة، والثاني تأخر ربع ساعة ومشى مع الطريق الأقرب ووصلا جميعاً أيهم أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بأبعد هو نفسه، البيت خمسين خطوة، بس بدلاً من أن يأتي رأساً إلى المسجد هذا راح يدور الحارة، له أجر على دوران الحارة؟ المقصود أن مثل هذا تنظيرهم، كما أن دراسة الإسناد مع أنه يمكن أن يستغنى عنه بدون ذلك ليس من مقاصد الشرع، يعني التعب في مثل هذا ليس وراءه أرب.
. . . . . . . . . وقد ... فضل بعض النزول وهو رد
يعني مردود على قائله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب: يعني أنا. . . . . . . . . يكثر فيه راوي الحديث يعني يمكن يصل تسعة.
تسعة نعم.
طالب: مثلاً يروي الحديث تسعة. . . . . . . . .
ما هم يشهد بعضهم لبعض يروي بعضهم عن بعض.
طالب: لكن تحملوا. . . . . . . . .
لا، لا لو كانوا يشهد بعضهم لبعض يعني يأتي من تسعة طرق أفضل بلا شك، لكن من طريق واحد، أنت الآن تقول: إن فلان قدم مثلاً، عالم من علماء مصر قدم إلى الرياض، كونك أنت مباشرة رأيته أفضل من كونه ينقله لك آخر، بواسطة واحد، واحد ينقله لك أفضل من كونه ينقل بواسطة اثنين، وكونه تنقله بواسطة اثنين، أفضل من كونك تنقله بواسطة ثلاثة، كل واحد من هؤلاء يحتمل أن يتطرق الخلل إلى الخبر من قبله.
طالب: هذه وجهة نظر نعم، لكن هناك وجهة نظر .... القصة بحد ذاتها قد يطمئن لها القلب.
ما يطمئن مع كثرة الوسائط، يطمئن مع قلة الوسائط.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(39/7)
لا، لا ما هي المسألة مفترضة بضعفاء كلهم ثقات، لكن ما من واحد إلا ويحتمل أنه أخطأ من هؤلاء الثقات، احتمال الخلل وارد، هذا النوع من أنواع علوم الحديث لا شك أنه مطلب عند أهل الحديث، وسنة متبعة، ويرحلون من أجله، لكن إذا عارضه ما هو أولى منه وأقوى وأدخل في الصحة من كون رواة الإسناد النازل أوثق من رواة الإسناد العالي فلا قيمة له، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يعني في مقابل اهتمام المحدثين بهذا النوع، قال: ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله، وقد قال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة، وهذا لا يقابل ما ذكرناه والله أعلم.
هذا في تعليقاته.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يمكن أن يوجه كلام الأخ فيما إذا كان النازل يتداوله الأئمة، يعني سند يتداوله الأئمة، ولو كونهم أكثر، لا شك أن طمأنينة النفس إليه أكثر، لماذا؟ لأنه إن احتمل أن يخطئ الذي قبله نعم فلن يمر الخطأ على الذي يليه، ما داموا أئمة حفاظ، ولذا قالوا: إن من القرائن التي تجعل خبر الواحد يفيد العلم كونه يتداوله الأئمة، كالذي يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، لماذا؟ وهو خبر واحد في الأصل لا يفيد في أصله إلا الظن، قالوا: مثل هذا تدل القرينة على أنه يفيد العلم مقطوع به، لماذا؟ لأنه لو احتمل أن يخطئ ابن عمر استدرك نافع، ولو احتمل أن يخطئ نافع استدرك مالك، ولو أخطأ مالك لن يمر هذا الخطأ على الشافعي، ولو أخطأ الشافعي لن يمر أيضاً على الإمام أحمد، لعلك تقصد مثل هذا، فإن كان هذا فيما إذا تداوله الأئمة على العين والرأس.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو في مسند الإمام أحمد أربع جمل مجموعة في حديث واحد، ما فيه إلا هو، في مسند الإمام أحمد يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
طالب: أقول يا شيخ كثرة رواة السند، حديث واحد يا شيخ؟
هي أربع جمل مفرقة في البخاري وغيره لكنها مجموعة عند أحمد.
طالب: كثرة طرقه.(39/8)
لا، إذا كثرت الطرق لا شك أنه أفضل من الإسناد الواحد، "وقسموه خمسةً" يعني قسموا العالي إلى خمسة أقسام: الأول: الذي هو العلو المطلق.
. . . . . . . . . ... قربٌ من الرسول وهو الأفضلُ
إن صح الإسناد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
بهذا الشرط.
القسم الأول: العلو المطلق، وهو القرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأفضل؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الإسناد هو الغاية، هو الغاية، وهو العلو المطلق، فكلما قرب منه -عليه الصلاة والسلام- بقلة الوسائط والرواة فهو أفضل، وهو أعلى، هذا العلو الذي ينبغي أن يسمى علو بخلاف العلو النسبي؛ لأنه قد يعتريه نزول على ما سيأتي، أما هذا لا يعتريه نزول بحال من الأحوال.(39/9)
"وهو الأفضلُ ... إن صح الإسناد" بهذا الشرط، لا بد أن يصح الإسناد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان بإسناد ضعيف فلا يفرح بمثل هذا العلو، يعني بعض المحدثين يعني ممن لا عناية لهم بالتصحيح والتضعيف والتعليل فرحوا بأسانيد لا قيمة لها؛ لأنها عالية على حد زعمهم، وفيها من فيها من الضعفاء والمتروكين والكذابين، حتى أن بعضهم أثبت الرواية عمن ادعى الصحبة من المتأخرين، يقول: علو، وكذاب دجال، يقول: هذا علو، يعني بيني وبين الرسول ثلاثة، وهو في القرن السابع مثلاً؛ لأنه روى عمن ادعى الصحبة ممن جاء متأخراً، كرتن الهندي أو ما أشبه ذلك، يعني بعد الستمائة يقول: صحابي! وتبعه أناس وصدقه آخرون، لكن ما يمكن أن يمشي مثل هذا الكلام على عاقل، مع أنه وجد في العصور المتأخرة ممن يروي الحديث ممن هو عامي، لا يميز، وتجد الطلاب عليه يتزاحمون، لماذا؟ لأنه أُحضر في درس قد يكون قبل التمييز، وأجيز به وطال عمره، عاش مائة سنة، وحضر قبل مائة سنة عن شخص مات من تسعين سنة، هذا علو، لكن ما يفرح بمثل هذا؛ لأن العبرة بالدراية، الرواية تثبت بها الأخبار، وينتهي دورها عند هذا الحد، لكن الغاية العظمى النظر في المتون، تقرأ على عامي لا يستطيع أن يصحح لك كلمة، وتترك إمام من أئمة المسلمين من أهل العلم والنظر والدراية والخبرة، العلم والعمل، كل هذا لأنه أنزل بدرجة أو درجتين، هذا وجد في العصور المتأخرة، ولا شك أن هذا إفراط في طلب العلو، وهذا غير مقبول إطلاقاً.
. . . . . . . . . ... قربٌ من الرسول وهو الأفضلُ
إن صح الإسناد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني بهذا القيد.
"وقسم القرب ... إلى إمام" قد يكون الواسطة بينك وبين إمام من أئمة الحديث كالزهري مثلاً، أو شعبة، أو الثوري، أو مالك يكون الإسناد بينك وبين هذا الإمام أقل من إسناد ترويه عن غيره، هذا علو، لماذا؟ لأنك إذا وصلت إلى هذا الإمام فإن هذا الإمام من أهل النقد يضمن لك ما بعده، فإذا قربت من هذا الإمام فكأنك قربت من الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هؤلاء أئمة نقاد، فإذا كانت الوسائط بينك وبينه أقل هذا علو.(39/10)
وقسم القرب إلى إمام، وقد يكون -وسيأتي الكلام فيه- ولو جُعل معه لكان أولى، يعني القرب من أصحاب الكتب المصنفة، يعني أنت تروي صحيح البخاري بإسناد بينك وبين الأمام البخاري خمسة عشر، وغيرك يروي صحيح البخاري بواسطة عشرين، أو ثمانية عشر، فأنت أعلى منهم بلا شك، لماذا؟ لأنه من لازمه أن يكون بينك وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا العدد، ولا شك أن هذا داخل في النسبي كما أن الذي قبله أيضاً داخل في النسبي، قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وعلو نسبي
بنسبة للكتب الستة إذ ... . . . . . . . . .
بالنسبة إلى الكتب الستة.
. . . . . . . . . ... ينزل متن من طريقها أخذ
الآن أنت إذا رويت صحيح البخاري أو صحيح مسلم بوسائط أقل هذا علو، قد يقول قائل: لماذا لا يكون هذا علو مطلق، كيف علو مطلق؟ لأنك إذا رويت البخاري من طرق خمسة عشر وغيرك يرويه من طريقة ستة عشر أو سبعة عشر صرت أقرب إلى الرسول منه، نعم، واضح؟ يعني صار بينك وبين الرسول في الثلاثيات ثمانية عشر، والثاني صار بينه وبين الرسول عشرين، فهذا قرب مطلق، علو مطلق، لكن من يروي عن صحيح البخاري بواسطة ثمانية عشر، وأنت ترويه بأقل بستة عشر بخمسة عشر يكون الحديث النازل في البخاري التساعي أعلى من الثلاثي عنده، يعني يرويه من طريق ثمانية عشر، أضف إليه البخاري والثلاثة الذي بينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- يكون المجموع اثنين وعشرين، وأنت تروي البخاري من طريق خمسة عشر عالي، هذا التساعي مثلاً يكون بينك وبين الرسول أربعة وعشرين، أكثر، ومع ذلك أنت أعلى منه، لماذا؟ لقربك من هذا الإمام، هذا علو نسبي، وهو القرب بالنسبة للكتب الستة.
. . . . . . . . . إذ ... ينزل متن من طريقها أخذ(39/11)
يعني أنت لو أخذت حديثاً من صحيح البخاري مثلاً، حتى لو .. ، خلنا نجمع الكتب كلها، يعني أخذت التساعي من طريق البخاري لن تصل إلا بأربعة وعشرين، نعم لكن لو أخذت هذا الحديث من غير طريق البخاري الذي يوجد عنده عالياً كأحمد مثلاً، ولا تقول: إن أخذ الحديث من أحمد أو من الموطأ أعلى مطلقاً مما في البخاري، أنت احسب من يروي عن أحمد ممن يساوي البخاري؛ لأن أحمد من شيوخ البخاري، ومالك من شيوخ شيوخه، فاحسب هذا العدد، لا تقول: والله أنا أروي ثنائيات مالك أعلى مما أروي ثلاثيات البخاري، لا، احسب هذه المدة التي بين الإمام مالك وبين الإمام البخاري.
. . . . . . . . . ... ينزل متن من طريقها أخذ
أنت أخذت من طريق عبد الرزاق بواسطة عشرين راوٍ، وبإمكانك أن تروي عن طريق عبد الرزاق بواسطة الطبراني عن الدبري يكون بينك وبينه أقل براويين أو ثلاثة، هذا العلو النسبي بالنسبة لمصنف عبد الرزاق، رويت حديث: (الأعمال بالنيات) من غير طريق البخاري، ممن يوجد عنده الحديث أعلى، أو ((ويل للعرب)) قد يوجد عند الأئمة بسند أعلى من سند البخاري، فأنت من غير طريق البخاري رويت هذا الحديث صار بالنسبة لك أعلى ممن يرويه بواسطة صحيح البخاري.
فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقه(39/12)
هذه الأمور بالنسبة لمن تأخر دونها خرط القتاد، ولذلك يقول الشيخ أحمد هنا -أحمد شاكر- في مسألة المساواة والمصافحة يقول: "هذان النوعان المساواة والمصافحة لا يمكنان في زماننا هذا -سنة 1355هـ- ولا فيما قاربه من العصور الماضية لبعد الإسناد بالنسبة إلينا" وهو واضح، لا يمكن أن تساوي البخاري بحال من الأحوال وأنت متأخر، لا يمكن، ما يمكن أن تصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة تسعة، الحافظ العراقي يمكن، عنده تساعيات، فهو مساوٍ للبخاري في هذا الحديث، هذه مساواة، لكن بالنسبة للعصور المتأخرة مستحيل، يعني يمكن أن تساوي -وإن كان فيه بعد شديد لكن الاحتمال قائم- أن تساوي البيهقي مثلاً؛ لأنه إذا وجد تساعي عند البخاري فعند البيهقي يمكن بضعة عشر، بعض الأحاديث عنده، فأنت يمكن أن تساوي البيهقي، وقس على هذا كلما تأخر المؤلف يمكن أن تساويه؛ لأن عنده الوسائط كثيرة، وبإمكانك أن تحرص على الأسانيد العالية فتحصل على بعض الأحاديث بما يساوي ما عند البيهقي، وهذا كله تنظير، مجرد تنظير
فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقه
عندنا من الآن؟ الحافظ العراقي عنده تساعيات وعشاريات، في التساعيات يساوي البخاري، في العشاريات يساوي النسائي.
فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقه
يعني إذا كان وافقه في شيخه، يعني من غير طريقه، هل يمكن أن تصل إلى حديث مساوٍ لسند البخاري عن طريق شيخ البخاري؟ مستحيل، لماذا؟ لأنه يلزم عليه أن يكون شيخ البخاري عمّر قرون؛ لتروي عنه مثل ما روى عنه البخاري المتوفى في منتصف القرن الثالث.
أو شيخ شيخه كذاك فالبدل ... . . . . . . . . .
فإن يكن في شيخه قد وافقه ... . . . . . . . . .
يعني هذا المتأخر وافق البخاري في شيخه مباشرة، هذه موافقة، يعني كأنك وافقته إن كانت في شيخ شيخه فهو البدل.
. . . . . . . . . ... وإن يكن ساواه عداً قد حصل
فهو المساواة. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني بالنظر إلى عدد الرواة.
. . . . . . . . . وحيث راجحه ... الأصل بالواحد فالمصافحه(39/13)
يعني أنت تروي أو نفترض الحافظ العراقي يروي الحديث من طريق عشرة: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا بالنسبة له عالي، بالنسبة للبخاري نازل، إذا كان يرويه تساعي فهي المساواة، وإن كان يرويه عشاري -لأن الحافظ العراقي عنده عشاريات- إن كان يرويه عشاري فالمصافحة، كيف قالوا: مصافحة؟ قالوا: لأن التلميذ .. ؛ لأنه بمنزلة تلميذ البخاري، الذي يروي الحديث عن البخاري -إذا كان البخاري عنده تساعي- فالذي يرويه عنه عشاري، وعند الحافظ العراقي عشاري كأن العراقي من طلاب البخاري، والعادة أن الطالب إذا رأى شيخه صافحه، هذه المصافحة، هذا مجرد اصطلاح في التسمية، وإلا الشيخ إذا رأى تلميذه صافحة، والزميل إذا رأى زميله أو قرينه صافحه، لكن هذا مجرد الاصطلاح، وفيه أيضاً بيان ما كانوا عليه من أن الطالب هو الذي يبادر.
ثم علو قدم الوفاةِ ... . . . . . . . . .
تروي عن شيخ حديث لكن هذا الشيخ مات من خمسين سنة، وأنت تروي عنه هذا الحديث، وغيرك يروي هذا الحديث عن شخص تأخرت وفاته عن الأول بأربعين سنة، وإن كان العدد واحد بينك وبينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، تروي صحيح البخاري عن شخص مات قبل خمسين سنة، وشخص يرويه عن قرين لذلك الشيخ اللي مات قبل خمسين سنة تأخرت وفاته بعد زميله أربعين سنة، من تقدمت وفاته السماع منه علو بالنسبة لمن تأخرت وفاته، وهذا العلو سببه أن الرواية عن ذلك الشيخ في حال قرب روايته عن شيخه، افترض أن زيد وعمرو رويا صحيح البخاري عن بكر، زيد مات بعد الرواية بسنة، أنت رويت عنه قبل أن يموت ثم عمرو تأخر بعده خمسين سنة، ما الذي يلزم عليه؟ أن روايتك عن هذا اللي تأخرت وفاته بعد مدة طويلة، احتمال أن يكون حصل في حفظه شيء من خلال هذه المدة، الإنسان ينسى، بمعنى أنك لو رويت عنه بنفس المدة يعني أنت رويت من هذا ورويت من هذا في وقت واحد بعد روايتهما عن شيخهما بسنة، فتأخر الوفاة ما له أثر، إنما تأخر الوفاة مظنة لتأخر الرواية، ولذلك سوف يأتي قدم السماع وضده تأخر السماع.
ثم علو قدم الوفاةِ ... أما العلو لا مع التفاتِ
لآخر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(39/14)
هذا العلو إذا نظرت إليه كيف عرفت أنه علو؟ كيف عرفت أن هذا علو؟ بالنظر لآخر روى عنك متأخراً عن ذلك الشيخ، أو روى عن شيخ تأخرت وفاته عن ذلك الشيخ، فأنت علو بالنسبة لرواية آخر عن هذا الشيخ، لكن لا تنظر إلى آخر، ما في واحد شاركك في الرواية عن ذلك الشيخ ولا عن زميله، أنت رويت الحديث عن زيد الذي مات قبل خمسين سنة، ورويت الحديث عن عمرو الذي تأخر خمسين سنة، بغض النظر عن رواية غيرك، كيف نعرف أن هذا علو وهذا نزول؟ نعم؟ كيف نضبط أن هذا تقدم وهذا يعني يكفي عشر سنين؟ يكفي عشرين سنة؟ يكفي أربعين سنة على شان نسميه علو؟ لأنه الآن ما عندك شيء تقارن به، والعلو إنما يعرف بالنزول، والنزول يعرف بضده، الآن ما عندك شيء تقارن به، قال:
. . . . . . . . . ... أما العلو لا مع التفاتِ
لآخر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني تستطيع أن تقارن به، يعني كيف عرفنا أن التساعيات عند الحافظ العراقي أو العشاريات عوالي؟ كيف عرفنا؟ إذا قارناه بالأئمة، قلنا: عوالي، ولو قارناه بمن جاء بعده واختصر بعض الرواة نعم قلنا: نازل، فالعلو إنما هو بالنظر لآخر، لكن أنت تريد علو لا بالنظر لآخر، كيف أعرف أن روايتي ... ؟ أنت مثلاً روايتك عن الشيخ ابن باز أو الألباني -رحمهما الله- وقد توفيا قبل ثمان سنوات أو ما يقرب من تسع سنوات، ثمان سنوات وزيادة؟ نعم؟ يعني فرق بين من روى عن الشيخ ابن باز سنة أربعمائة وعشرين، وبين من روى عنه سنة تسعين، نعم، فمثلاً لو قدر أني رويت عنه أنا من سنة تسعين وسنة عشرين بغض النظر عن غيري، أيهما أعلى؟ سنة تسعين، لكن وش المدة التي يمكن أن نحدد فيها أن هذا عالي وهذا نازل؟ قال:
. . . . . . . . . فقيل: للخمسينا ... . . . . . . . . .
يعني خمسين سنة.
. . . . . . . . . فقيل: للخمسينا ... أو الثلاثين. . . . . . . . .
المسألة كلها اجتهاد، اعتبارية يعني ما لها ... ، باعتبار أن أثرها في التصحيح والتضعيف إنما هو .. ، ولو قيل: إنها من ملح هذا العلم.
. . . . . . . . . فقيل: للخمسينا ... أو الثلاثين مضت سنينا(39/15)
يعني فرق بين ألف وأربعمائة وعشرين وبين ألف وثلاثمائة وتسعين، قد يقول قائل: إذا كان المنظور إليه في تقدم الوفاة أو تأخر السماع هو اجتماع رأي الشيخ، وعدم تطرق الخلل إليه مع طول المدة، قد يكون هذا الشيخ حفظ في أول الأمر حفظه فيه خلل، يعني ما ثبّت حفظه، ثم بعد مدة طويلة درس هذا الكتاب وعلمه، وتردد عليه، يكون الرواية عنه في آخر الأمر أفضل بلا شك، لكن في الجملة أن حفظ الشباب أقوى من حفظ الشيوخ، قال -رحمه الله-:
ثم علو قدم الوفاةِ ... أما العلو لا مع التفاتِ
لآخر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني على الصرف، الأصل أنه ممنوع من الصرف، لكنه صرف للضرورة.
. . . . . . . . . فقيل: للخمسينا ... أو الثلاثين مضت سنينا
ثم علو قدم السماعِ ... . . . . . . . . .
يعني فرق بين أن تروي عن شيخ مات قديماً في أول أيام طلبك، وبين شيخ عمّر فشاركك في الرواية منه تلاميذك وتلاميذهم، وأيضاً فرق بين أن تروي عن شيخ واحد في أول أمره ومجتمع واكتمال قواه، وبين أن تروي عنه بعد أن اعتراه ما اعتراه مع طول الوقت.
ثم علو قدم السماعِ ... وضده النزول كالأنواعِ
يعني إذا كانت أقسام العلو خمسة فأقسام النزول خمسة.
. . . . . . . . . ... وضده النزول كالأنواعِ
وحيث ذُم فهو ما لم يجبرِ ... والصحة العلو عند النظرِ
حيث ذم النزول، متى يذم النزول؟ إذا تطرق الخلل إليه، وكذلك يذم العلو إذا كان في الطريق من يدخل الخلل إلى الحديث من قبله.
. . . . . . . . . فهو ما لم يجبرِ ... والصحة العلو عند النظرِ
يعني المرد في ذلك كله والحَكَم هو الصحة، بنظافة الأسانيد، بثقة الرواة، واتصال الأسانيد، المعول على هذا أولاً وأخراً، لكن إذا استوت هذه الأسانيد من حيث ثقة الرواة، وضبطهم وإتقانهم، واتصال الأسانيد فلا شك أن القول بتفضيل العلو هو المتجه.(39/16)
في كلام للحافظ ابن كثير -رحمه الله- قال: "أشرف أنواع العلو ما كان قريباً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما العلو بقربه إلى إمام حافظ، أو مصنف، أو بتقدم السماع فتلك أمور نسبية، وقد تكلم الشيخ أبو عمرو هاهنا على الموافقة، وهي انتهاء الإسناد إلى شيخ مسلم مثلاً، والبدل: وهو انتهاؤه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه، والمساواة: وهي أن تساوي في إسنادك الحديث لمصنف، والمصافحة: وهي عبارة عن نزولك عنه بدرجة حتى كأنه صافحك به وسمعته منه، وهذه الفنون توجد كثيراً في كلام الخطيب ومن نحا نحوه، وقد صنف الحافظ ابن عساكر في ذلك مجلدات، وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون".
هنا يقول الشيخ أحمد شاكر: "القسم الرابع من أقسام العلو: تقدم وفاة الشيخ الذي تروي عنه عن وفاة شيخ آخر، وإن تساويا في عدد الإسناد قال النووي في التقريب: فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم؛ لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف، وقد يكون العلو بتقدم وفاة شيخ الراوي مطلقاً لا بالنسبة إلى إسناد آخر ولا إلى شيخ آخر، وهذا القسم جعل بعضهم حد التقدم فيه مضي خمسين سنة على وفاة الشيخ وجعله بعضهم ثلاثين -اللي أشار إليه المؤلف هنا –الناظم- الخامس: العلو بتقدم السماع فمن سمع من الشيخ قديماً كان أعلى ممن سمع منه أخيراً، كأن يسمع شخصان من شيخ واحد أحدهما سمع منه منذ ستين سنة مثلاً، والآخر منذ أربعين، فالأول أعلى من الثاني.
قال في التدريب: "ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف" يعني أن سماع من سمع قديماً أرجح وأصح من سماع الآخر، أو الآخِر، يعني المتأخر.
ثم إن النزول يقابل العلو، وكل إسناد عال فالإسناد المقابل له إسناد نازل، وبذلك يكون النزول خمسة أقسام أيضاً كما هو ظاهر.(39/17)
يقول: "وقد تغالى كثير من طلاب الحديث وعلمائه في طلب علو الإسناد، وجعلوه مقصداً من أهم المقاصد لديهم حتى كاد ينسيهم الحرص على الأصل المطلوب في الأحاديث، وهو صحة نسبتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... يقول: وتأمل في كلمتي ابن المبارك والسلفي اللتين نقلنا آنفاً، واجعلهما دستوراً لك في طلب السنة، والتوفيق من الله -سبحانه وتعالى- ... قال: وقال ابن المبارك: ليس جودة الحديث قرب الإسناد، بل جودة الحديث صحة الرجال، وقال السلفي: الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة، على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذٍ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق.
اللهم صل وسلم ....
في اهتمام من قبل طلاب العلم على مر العصور إلى وقتنا هذا بتحصيل الأسانيد والإجازات، وتجد طالب العلم الحريص على هذه الأمور يضيع من المهمات ما هو أضعاف ما يحصله من هذه الأجايز التي في أسانيدها ما يعتريها من ضعف، ثم تجده يسافر الأيام والليالي ويقضي الأوقات ويضيع المهمات كله من أجل أن يقول: حصلت على كذا إجازة، وعندي إجازة من فلان أو علان، ولو اقتصر على واحدة أو اثنتين ممن يرتضيهم من أهل العلم، ممن يرتضي علمه وعمله كان أولى من هذا الجمع الذي أكثره لا قيمة له إلا مجرد قول إن عنده إجازات.
يعني كون الإنسان يحتفظ بإجازة أو إجازتين أو ثلاث من شيوخ يعتز بالانتساب إليهم أفضل بكثير من أن يجمع عشرات، بل مئات الإجازات من شيوخ لا قيمة لهم، ولا اعتبار بهم، ويضيع بسبب ذلك ما هو أهم من النظر في المتون والاستنباط والعمل، إضافة إلى تحصيل العلوم الأخرى المعينة على تحصيل نصوص الوحيين، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(39/18)
شرح ألفية الحافظ العراقي (41)
(الغريب والعزيز والمشهور)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى- في ألفيته:
الغَرِيْبُ وَالْعَزِيْزُ وَالْمَشْهُوْرُ
وَمَا بِهِ مُطْلَقاً الرَّاوِي انْفَرَدْ ... فَهْوَ الْغَرِيْبُ وَابْنُ مَنْدَةَ فَحَدْ
بِالإِْنْفِرَادِ عَنْ إِمَامٍ يُجْمَعُ ... حَدِيْثُهُ فَإِنّ عَلَيْهِ يُتْبَعُ
فإنْ.
بِالإِْنْفِرَادِ عَنْ إِمَامٍ يُجْمَعُ ... حَدِيْثُهُ فَإِنْ عَلَيْهِ يُتْبَعُ
مِنْ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ فَالْعَزِيْزُ أَوْ ... فَوْقُ فَمَشْهُوْرٌ وَكُلٌّ قَدْ رَأَوْا
مِنْهُ الصَّحِيْحَ وَالضَّعِيْفَ ثُمَّ قَدْ ... يَغْرُبُ مُطْلَقاً أَوِ اسْنَاداً فَقَدْ
كَذَلِكَ الْمَشْهُوْرُ أَيْضاً قَسَّمُوْا ... لِشُهْرِةٍ مُطْلَقَةٍ كَـ ((الْمُسْلِمُ
مَنْ سَلِمَ)) الْحَدِيْثَ وَالْمَقْصُوْرِ ... عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْ مَشْهُوْرِ
(قُنُوتُهُ بَعْدَ الرُّكُوْعِ شَهْرَا) ... وَمِنْهُ ذُوْ تَوَاتُرٍ مُستَقِرّا
مستقْرا.
(قُنُوتُهُ بَعْدَ الرُّكُوْعِ شَهْرَا) ... وَمِنْهُ ذُوْ تَوَاتُرٍ مُسْتَقْرَا
فِي طَبَقَاتِهِ كَمَتْنِ ((مَنْ كَذَبْ)) ... فَفَوْقَ سِتِّيْنَ رَوَوْهُ وَالْعَجَبْ
بِأَنَّ مِنْ رُوَاتُهِ لِلْعَشَرَهْ ... وَخُصَّ بِالأَمْرَيْنِ فِيْمَا ذَكَرَهْ
مِن رواتِه لَلعَشرة، لَلعشرة.
بِأَنَّ مِنْ رُوَاتِهِ لَلْعَشَرَهْ ... وَخُصَّ بِالأَمْرَيْنِ فِيْمَا ذَكَرَهْ
الشَّيْخُ عَنْ بَعْضِهِمْ، قُلْتُ: بَلَى ... (مَسْحُ الخِفَافِ) وَابْنُ مَنْدَةٍ إلَى
عَشْرَتِهِمْ (رَفْعَ اليَدَيْنِ) نَسَبَا ... وَنَيَّفُوْا عَنْ مِائَةٍ (مَنْ كَذَبَا)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الغريب والعزيز والمشهور".(40/1)
هذه من أقسام الأخبار التي تقدم بعضها، ولو ضمت هذه الأقسام إلى ما تقدم من الكلام على الأفراد للتداخل بين الغرائب والأفراد، وإذا تكلم على الأفراد يناسب أن يتكلم على العزيز والمشهور والمتواتر؛ لأنها هي أقسام الأخبار، الأخبار الصحيحة والحسنة والضعيفة التي تقدم الحديث عنها بشروطها وحدودها وأمثلتها، إما أن تروى من طرق متعددة أو من طريق واحد، إن كان من طريق واحد فهي الأفراد التي تقدم الكلام فيها، لا سيما إذا كان التفرد في أصل السند، وإن كان في أثنائه فالغرائب، وسبقت الإشارة إليها مع الأفراد، هذا إذا كانت الطرق غير متعددة، ولو في طبقة واحدة من طبقات الإسناد، لا يلزم في الأفراد ولا في الغرائب أن يكون التفرد في جميع طبقات السند؛ لأنه إذا وجد التفرد في طبقة واحدة صح أن يقال: أفراد، ويقال: غرائب؛ لأن العدد الأقل يقضي على الأكثر، وهذا تقدم الكلام فيه، والفرق بين الغريب والفرد هو ما حرره الحافظ ابن حجر وغيره قالوا: إنهما متقاربان، والمعنى -معنى الغريب- هو معنى الفرد؛ لأن المعنى اللغوي لا فرق بين ما كان غريباً أو فرداً هكذا قال ابن حجر -رحمه الله-، وكذا الاصطلاح.(40/2)
التفرد: هو الانفراد بأن يكون الواحد لا ثاني له مما يتابعه، هذه حقيقة التفرد، وأما بالنسبة للغرابة والغربة فقد يكون الغريب فرداً، وهذا هو الغالب إذا انتقل من بلده وأهله وعشيرته إلى ... ، وأبعد عن وطنه، فإنه يكون فرداً في هذا البلد الذي لا يَعرف ولا يُعرف فيه، وقد يتغرب أكثر من واحد، فينفك التلازم عن الفردية، وأما الغربة والاغتراب فهي البعد عن الوطن، هناك التفرد الانفراد، والغربة البعد عن الوطن، هذا من حيث المعنى الأصلي اللغوي، من حيث المعنى الاصطلاحي الذي قال ابن حجر: إنهما بمعنىً واحد، هو نفسه فرق بينهما، فيما إذا كان التفرد في أصل السند -في الصحابي- هذا فرد مطلق، وإذا كان التفرد في أثنائه قالوا: هذا غريب، هذا من حيث استعمال الاسم فيهما، إذا قيل: فرد وقيل: غريب، أما استعمال الفعل حينما يقولون: تفرد به فلان، وأغربه فلان، فإنه لا فرق بينهما حينئذٍ، والمسألة مجرد اصطلاح، ولا مشاحة فيه، هذا إذا كان الخبر إنما يروى من طريق واحد، ذكرنا أنه ولو كان في طبقة واحدة من طبقات الإسناد، تفرد به راوٍ من الرواة، ثم يرويه عن جمع أو يروي هو الحديث عن جمع فإن وصف الغرابة لازم له، كما قالوا: إن العدد الأقل يقضي على الأكثر، إذا كانت له طرق متعددة أكثر من طريق، فإن كان الخبر يروى من طريقين فهو العزيز، وإن كان أكثر من طريقين فهو المشهور، ثلاثة فأكثر، هذا ما مشى عليه ابن حجر، والذي مشى عليه المؤلف تبعاً لابن الصلاح وابن مندة جعلوا مروي الاثنين والثلاثة غريب، ومروي ما فوق الثلاثة مشهور.(40/3)
هذا إذا كانت الطرق محصورة، أما إذا كانت الطرق غير محصورة بأن يروى من طرق متعددة متباينة يُصدّق الخبر بمجرد سماعه الذي جاء من طريق هؤلاء الرواة هذا يسمونه المتواتر، وما قبله داخل في حيز الآحاد، الغريب والعزيز والمشهور يجعلونها آحاد، وإن تعددت الطرق، يعني ليس المراد بالآحاد مروي الراوي الواحد كالغريب والفرد، لا، الآحاد عندهم ما لم يصل إلى حد المتواتر، يعني ولو رواه ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرة، على خلاف بينهم هل للتواتر حد من حيث العدد أو لا حد له؟ والمرجح أنه لا حد له، يعني ما يلتزم فيه بحد معين، متى نعرف أن هذا العدد بلغ حد التواتر؟ إذا رأينا أنفسنا ملزمة بتصديق هذا الخبر، ولم نستطع دفعه عن أنفسنا.
هذا التقسيم إلى متواتر وآحاد لا يوجد عند من تقدم من الأئمة، حتى قال بعضهم: إنه ليس من مباحث علوم الحديث، وإنما هو من شأن المتكلمين والأصوليين والفقهاء، أما أهل الحديث فإنهم لا يقسمون الأخبار هذه الأقسام، وكونهم لا يقسمونها لا يعني أنها في الواقع غير موجودة، وإن كانت التسمية حادثة، والأخبار لا شك أنها متفاوتة والذي يأتي من طريق شخص واحد ليس كالذي يأتي من طريقين، والذي يأتي من طريقين ليس كالذي يأتي من ثلاثة، وهكذا، والذي يروى من طريق عشرة أقوى مما يروى بطريق الخمسة مثلاً، وإذا كثر العدد وجدت نفسك ملزمة بقبول الخبر، يعني قد تتردد حينما يخبرك زيد من الناس بخبر ما، ولو كان في أعلى درجات الثقة والضبط، وقد تتردد فيه لما يعتريه ويطرأ عليه من غفلة وسهو ونسيان، وإذا جاءك من طريقين اطمأنت النفس قليلاً، وإذا جاء من طريق ثلاثة زادت الطمأنينة إلى أن يصل إلى حد لا تستطيع رد الخبر، لا يمكن أن تستطيع رد الخبر.(40/4)
إذا وصل إلى هذا الحد قالوا: بلغ التواتر، بعض الغيورين على السنة -السنة هنا بمعنى العقيدة- يرون أن هذا التقسيم دسيس ودخيل على علوم الحديث، وأنه يجب أن ينكر ويستنكر، وينفى ويبعد عن علوم الحديث، وأن علوم الرواية لا تشاب بمثل هذه الاصطلاحات التي منشأها ومبتدأها من أهل بدع، لا سيما أن لها لوازم، قالوا: الآحاد عندهم لا يفيد إلا الظن، والمتواتر يفيد القطع، وتقدم مبحث هذا في باب خاص ما يفيد الخبر، هذا تقدم، ورتبوا على ذلك أن العقائد لا تثبت بالآحاد؛ لأنه لا يفيد إلا الظن، إنما تثبت بالمتواتر، وأنكروا بعض مسائل الاعتقاد لا سيما ما يتعلق بالله -جل وعلا- من الأسماء والصفات؛ لأنها إنما ثبتت بأخبار آحاد ولو كانت في البخاري أو في مسلم والآحاد لا تفيد إلا الظن، والظن لا مدخل له في هذا العلم في العقائد، لكن إذا قلنا: إن الشرع واحد، وجاء من رب واحد، عن طريق رسول واحد، فهو متساوي الأقدام، يتساوي في ذلك العقائد والأحكام وغيرها من أبواب الدين، وقلنا: إنها كلها تثبت بما صح وثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، سواءً بلغت حد التواتر أو لم تبلغ انتفى المحظور، فلا نلتزم باللازم الذي التزمه المبتدعة، علماً بأن هذا التقسيم -تقسيم الأخبار- موجود عند أهل الحديث، الحاكم، البيهقي، شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن القيم، ابن عبد البر، وجمع غفير من أهل العلم يثبتون التقسيم هذا، يمثل أهل العلم للمتواتر في اللفظ والمعنى بحديث: ((من كذب)) على ما سيأتي، لفظه ومعناه متواتر، ويمثلون للتواتر المعنوي بالأحاديث الكثيرة التي تدل على قضية واحدة، وإن اختلفت مخارجها، كالمسح على الخفين مثلاً، وحديث الحوض، وعذاب القبر، وأبواب كثيرة حكم أهل العلم بأنها متواترة في قضايا متعددة، حديث رفع اليدين، قضايا متعددة تدل على موضوع واحد، لفظها غير متواتر، لكن معانيها متواترة، وشيخ الإسلام يمثل للمتواتر لفظاً بحديث: ((من كذب)) وللمتواتر معنىً فضائل أبي بكر وعمر مثلاً، وفي كل كتاب يذكر مثالاً يناسب الكتاب، يعني كرر في منهاج السنة أن فضائل أبي بكر وعمر متواترة تواتراً معنوياً، وإذا لم نلتزم باللازم فلا ضير حينئذٍ أن يثبت هذا(40/5)
التقسيم؛ لأنه مجرد اصطلاح، وإذا أردنا أو طردنا هذا بأن الاصطلاحات الحادثة ينبغي أن تنفى عن العلوم الشرعية ما بقي شيء من الاصطلاحات؛ لأنك لو طالعت كتب المتقدمين ما وجدت فيها شيء من هذا مما يتعلق بجميع العلوم حتى فيما يتعلق بلغة العرب، هل تجد المتقدمين يسمون الفاعل فاعل، والمفعول مفعول، والتمييز، وغيرها؟ ما يسمونها، هذه الاصطلاحات حادثة عند الحاجة إليها، فهذه التقسيمات في العلوم لا شك أنها اصطلاحات طارئة، وفي بعضها ما يخالف نص، نعم الذي يخالف نص ينفى، لكن الاصطلاح الذي لا يخالف نصاً ووضع لمجرد التيسير والتقسيم والتوضيح لطلاب العلم هذا درج عليه أهل العلم من قرون، أعني من القرن الرابع فما دون، سنة ثلاثمائة وما بعدها، بل قبل ذلك، توجد بعض هذه الاصطلاحات، تقدمت، فإذا لم نلتزم باللازم الذي التزم به المبتدعة ما فيه ضير ولا إشكال، أيضاً ابن القيم يقسم هذه الأخبار، يعني أئمة أهل السنة يقسمون، ولم يلحظوا هذا الملحظ، لكنهم لا يلتزمون باللازم الذي التزم به أهل البدع، قد يقول قائل: نظير هذا -وهو مشكل بالنسبة لبحث مثل هذه القضايا- القول بالمجاز ونفي المجاز، المعروف عند أهل التحقيق من أهل السنة أنهم ينفون المجاز، يعني شيخ الإسلام وابن القيم ومن يقول بقولهم ومن قبلهم من أهل العلم من ينفي المجاز، لماذا؟ لأن من لازم القول به نفي ما يثبت لله -جل وعلا-؛ لأن المجاز يصح نفيه، فهل لقائل أن يقول: أنا أثبت المجاز، ولا ألتزم باللازم الذي نشأ عنه من قبل أهل البدع؟ يعني كما قلنا في المتواتر والآحاد، يعني هل له أن يقول هذا أو يقول: إن المجاز من لازمه ... ، الآحاد ليس من لازمه أن ينفى ما ثبت لله من جهة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ليس من لازمه، قال: يفيد الظن يفيد الظن نعم ما في إشكال، وتثبت الأحكام بما يفيد الظن، والعقائد تثبت بما يفيد الظن ما في إشكال، ما دام صحت أسانيدها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
هو صحيح بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لكن يقولون: يفيد الظن.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
مالك عن نافع عن ابن عمر ...(40/6)
طالب:. . . . . . . . .
تحلف عليه؟ حديث ثبت عن مالك عن نافع عن ابن عمر تحلف عليه؟ ما أخطأ مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
خلاص.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بظنك، لكن ما تحلف عليه.
طالب:. . . . . . . . .
إيش معنى كونه يفيد الظن؟ احتمال النقيض ولو واحد بالمائة، كم تعطي من مالك من نسبة إصابة؟ تعطيه مائة بالمائة؟ ما تعطيه، هذا الذي يجعله حجة، لا شك أنها في الوضوح مثل الشمس، لكن مع ذلك نحن لسنا ملزمين بما يطابق الواقع، إحنا عندنا قواعد مقدمات شرعية نتائجها شرعية، يعني مثلما يقضي القاضي بالشهود حكمه صحيح مائة بالمائة، وإن لم يطابق الواقع، إذا كان الشهود ثقات، ما عندنا إشكال نحن، عندنا مقدمات شرعية، النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو المؤيد بالوحي يقول: ((إنما أنا بشر أحكم على نحو ما أسمع)) وهو مؤيد بالوحي، عندك أوثق الناس، وأعدل الناس جاء يشهد في قضية ما يمكن أن يخطئ؟ يمكن، الخطأ والنسيان ما يعرو عنه أحد، لكن مع ذلك يجب العمل بخبره، يعني ما في تلازم بين هذا وهذا، إذا صح وجب العمل به، إذا ثبت ولو صار حسن أقل من الصحيح يجب العمل به.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الواقع يشهد بهذا، ثمرة التقسيم الترجيح، يعني تعارض خبر غريب مع عزيز نقدم العزيز؛ لأنه معه ما يشهد له، تعارض خبر عزيز مع مشهور، نرجح المشهور؛ لأن طرقه أكثر فهي أقوى.
طالب:. . . . . . . . .
لا عاد على خلاف بينهم، شيخ الإسلام مطلقاً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه مطلقاً، الشنقيطي -رحمه الله- له كلام قوي في المجاز.
على كل حال المسألة يعني وإن كان البحث يعني جاري بين أهل العلم ونناقش بعض من يثبت المجاز يعني من الراسخين في علوم العربية قلت له: إن ابن القيم في الصواعق قال: الطاغوت الخامس المجاز، قال: هذا مجاز، كلامه مجاز إيش طاغوت؟ يعني إطلاق الطاغوت على المجاز مجاز، يعني استعمله شعر أو لم يشعر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(40/7)
لا، لا، أنا قلت: تنظير، يعني هذا عليه لازم، وذاك عليه لازم، ذاك اللازم لازم لا يمكن نفيه، لكن هذا يمكن نفيه، إذا ثبت الخبر صح الخبر، أو وصل إلى درجة القبول ما لأحد خيار، ليس لأحد خيار في العمل به.
طالب: الشنقيطي حتى في اللغة ينفيه؟
كل شيء.
طالب: يعني لو قلنا يا شيخ: إنه يفيد الظن الآن لو واحد من الناس يقول: أنا لا أعمل به لاحتمال. . . . . . . . .
نقول: أنت مبتدع ضال.
طالب: نريد أن نؤصل القاعدة قلنا: هو يفيد الظن لم؟ لاحتمال الخطأ، فالرجل أخذ بهذه القاعدة وقال: أنا لا أعمل به لاحتمال. . . . . . . . .
أنت تدعي أن مالك معصوم ما يخطئ؟ الاحتمال موجود، وما دام الاحتمال موجود القطع غير موجود.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يرفع، ما يرفع وجوب العمل به، يعني السنة مليئة، كتب السنة طافحة بالأخبار التي تروى من طريق واحد من الأئمة أو من الثقات ويجب العمل بها عند عدم المعارض، ومع ذلك ما أحد يحلف أن هذا بالفعل يعني ثابت.
طالب: صحيح. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك، افترض أنه مالك عن نافع عن ابن عمر ومعارض بما هو أقوى منه، تقول: يفيد القطع؟ أو بعض مرويات مالك تفيد القطع وبعضها ما تفيد القطع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا شوف واقع الأمر، واقع، أنت الآن تروي حديث سالم عن نافع عن ابن عمر ومالك عن نافع عن ابن عمر أيهما أرجح؟ عندك راجح ومرجوح، إيه، كلهم ثقات، كلهم في حيز القبول.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا تستطيع دفعها عن نفسك هذه.
طالب: حول الخبر، إذا كان آحاد وصح الخبر، صح يعني انتفت عنه درجة الضعف. . . . . . . . . من قدح في الرواة أو علة أو شذوذ، خبر هو آحاد لكنه ثبت. . . . . . . . .
المقصود أن الاحتمال موجود، وما دام الاحتمال موجود ينتفي القطع، الاحتمال موجود ينتفي القطع ولو واحد بالمائة، أما وجوب العمل هذا لا يختلف فيه من يقول بقول أهل السنة، ما في ولا واحد من أهل السنة يخالف في العمل بخبر الآحاد، في وجوب العمل به؛ لأن الجهة منفكة.
طالب:. . . . . . . . .(40/8)
لكن الواقع، الواقع يشهد بهذا شئنا أم أبينا، يعني أنت لما يخبر مالك عن نافع هل تقطع بأن مالك ما أخطأ في الخبر؟ ما دام الاحتمال موجود فهذا يفرض نفسه شئنا أم أبينا، لكن مع ذلك يجب العمل به ولا يخالفه إلا مبتدع.
طالب:. . . . . . . . .
هو يحتاج إلى قوة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا احتاج إلى تقوية. . . . . . . . .
طالب: يدخله الضعف.
ما في شك، ما دام الاحتمال موجود، ومن يعرى من الخطأ والنسيان، وحُفظ على مالك أخطأ وهو نجم السنن، ما دام حفظ عليه أخطاء لا نستطيع أن نقول: خبر مالك مائة بالمائة، إلا إذا اختلفنا في معنى القطع والظن، يعني الذي يشكل مثلاً {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(36) سورة يونس] يشكل على هذا الكلام، يشكل عليه أيضاً أن الظن ... ((إياكم الظن فإن الظن أكذب الحديث)) {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] نقول: نعم هذه تشكل ليش؟ لأن الظن متفاوت، من كونه أكذب الحديث، ولا يغني من الحق شيئاً، وبعض الظن إثم إلى كونه عقيدة {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] هذا ما هو بقطعي ذا؟ انتهينا ما دام متفاوت فنحن لا نركب هذا هذا، كل شيء له معناه وله حقيقته، وترى هذه بحثناها مراراً ومرت يعني حتى في الألفية يعني، لكن الإشارة لا بد منها هنا؛ لأن بعض الناس يصير عنده ردت فعل من القول، أو لأنه قال به فلان أو فلان خلاص ما يمكن نوافقه، لا، ليش ما المانع؟ ويش المانع؟ يعني لما قالوا مثلاً إيش؟ نعم قالوا في مسألة اشتراط اللقاء مثلاً، لما قالوا: إن البخاري ما يمكن يقول باشتراط اللقاء، لماذا؟ لأن مسلم رد بقوة على من اشترط اللقاء ونسبه إلى المبتدعة، فكيف يقول: هذا قول مبتدع مخترع وشيخه يقول به؟ كيف يرد عليه بهذه القوة وهو شيخه أو يرد على علي بن المديني؟ هذه بيناها في العنعنة.(40/9)
نقول: الإمام مسلم يرد على مبتدع ما يرد لا على بخاري ولا علي بن المديني، كيف؟ علي بن المديني والبخاري يقولان بهذا؟ نعم يقولان بهذا، إذن من يرد عليه مسلم؟ يرد على مبتدع يوجه كلام البخاري وعلي بن المديني من أجل رد السنة، يريد أن يوجه قول البخاري وقول علي بن المديني لرد السنة، يعني مثلما قلنا في رد عمر -رضي الله عنه- لخبر أبي موسى في الاستئذان، حتى شهد له أبو سعيد، شهد له أبو سعيد، وإذا رددنا على المعتزلة أبي الحسين البصري والجبائي وغيرهم الذين يقولون: لا بد من التعدد، ما نرد على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي يحتاط للسنة مثل البخاري ومثل علي بن المديني، نحن نرد على من يريد أن يوجه كلام عمر بن الخطاب لرد السنة، ونرد على المبتدع الذي يستفيد ويجير كلام البخاري أو علي بن المديني لرد السنة.
العزيز في الترجمة عرفنا أن الغريب ما يتفرد به راوٍ في طبقة من طبقاته، والعزيز: ما يتابع عليه من قبل واحد أو اثنين، فيكون مروي الاثنين أو الثلاثة هو العزيز على ما مشى عليه ابن منده وابن الصلاح والناظم -رحمه الله-، والذي حرره ابن حجر أنه رواية اثنين فقط، والمشهور ما يرويه ثلاثة فأكثر، أو أكثر من ثلاثة على هذا الاصطلاح، المسألة خلافية بين أهل العلم، قال:
وما به مطلقاً الراوي انفرد ... فهو الغريب. . . . . . . . .(40/10)
انفرد به الراوي ولو في طبقة من طبقاته فهو الغريب، "وابن مندة فحد" الأصل أن منده وماجه وداسه أسماء أعجمية بالهاء وليست بالتاء، في الوقف والدرج هي بالهاء، منده، وداسه، وماجه، هذه كلها بالهاء، وليست بالتاء، لكن هنا صرفت هل نقول: وابن منده فحد؟ هي صرفت للضرورة، ضرورة الشعر، لكن هل نقول: إنها بالهاء وإلا بالتاء؟ نعم، أصلها الهاء، لكن النطق بها، يعني ما دام نقلناها عن أصلها والأصل في نظائرها في العربية أنها بالتاء، وما دام صرفناها وجعلناها متمكنة بعد أن كانت غير متمكنة، غير متمكنة أمكن، وإن كانت متمكنة بالجملة، جعلناها على وزان العربية، جعلناها تاء، ولو قلنا: وابن مندهٍ، كما قالوا في عبد الله بن سياهٍ، عبد الله بن سياه من رواة البخاري، قالوا: سياه أعجمي، كيف صُرف؟ سياه لفظة أعجمية، ولماذا صرف؟ ما هو في شعر ولا غيره، قال: حدثنا عبد الله بن سياهٍ، لماذا صرف وهو أعجمي؟ قالوا: استعماله في الأعجمية وصف لم يستعمل علم، والذي يمنع من الصرف إذا استعمل علم.
. . . . . . . . . ... وابن مندة فحد
بالانفراد عن إمام يجمعُ. . . . . . . . . ... حديثه. . . . . . . . .
التفرد المطلق إذا كان الراوي هذا لا يشاركه في روايته أحد مطلقاً، لكن قد يشاركه في روايته أحد ويسمى غريب، لكن عن غير من يرويه عنه الذي حكم بتفرده، وهذه غرابة نسبية، بالنسبة لشيخ من الشيوخ، يعني تفرد برواية الخبر عن شعبة فلان، لكن يروى عن غير طريق شعبة من طرق متعددة، هذه غرابة نسبية.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابن مندة فحد
بالانفراد عن إمام يجمعُ ... حديثه. . . . . . . . .
مثل شعبة والزهري وسفيان وغيرهم، يتفرد به واحد عنهم يسمى غريب.
"فإن عليه يتبعُ" يعني على هذا الذي يروي عن هذا الإمام.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فإن عليه يتبعُ
من واحد واثنين فالعزيزُ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(40/11)
فالعزيز: ما يرويه اثنان أو ثلاثة "فالعزيز أو ... فوق فمشهور" يعني فوق الثلاثة مشهور، اثنين وثلاثة عزيز، فوق الثلاثة مشهور، عرفنا الغريب وانتهينا منه، العزيز إذا رواه اثنان أو ثلاثة، ولا يشترط لصحة الخبر أن يكون عزيزاً، وتقدم الكلام في هذا، في الأفراد، لا يشترط لصحة الخبر، بل تقدم في حد الصحيح، لا يشترط في صحة الخبر أن يرد من طريقين فأكثر، لا عند البخاري ولا مطلقاً، بل يصح ولو كان غريباً أو فرداً، وحديث الأعمال بالنيات فرد مطلق، تفرد به عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عمر، وعن عمر علقمة، وعن علقمة محمد بن إبراهيم، وعن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد، يعني تفرد في أربع طبقات، ومع ذلكم صحيح مجمع عليه، ولم يقل أحد بالخدش فيه؛ لأنه متفرد بروايته، لكن بعضهم ما أدري كيف مشى على مثل الحاكم، ومثل البيهقي، ومثل بعض شراح البخاري، قال: إنه من شرط الصحيح أن يكون عزيزاً أن يروى من غير طريق، يعني يفهم من كلام الحاكم ليس بنص، البيهقي أيضاً له إشارات تدل عليه، الكرماني الشارح نص في مواضع من شرحه أن هذا شرح البخاري، هذا شرط البخاري في صحيحه ما يمكن أن يروي حديث ليس له إلا راوٍ واحد، مع أن أول حديث يرد عليه، وآخر حديث يرد عليه، ولذا يقول ناظم النخبة:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ
هذه في نسخة، النسخة الأخرى:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رمي من قال بالتوهمِ
فالحديث إذا تفرد به الثقة فهو مقبول على كل حال.
"أو ... فوق فمشهور" إذا رواه أكثر من ثلاثة على رأي ابن منده وابن الصلاح والناظم، وأما على ما حرره ابن حجر وجمع من أهل العلم أن مروي الثلاثة مشهور، اشتهر وانتشر بين الناس؛ لأنه تعددت طرقه، وقد يسمى المستفيض، وإن غاير بعضهم بين المشهور والمستفيض بأن المستفيض ما يستوي فيه عدد الرواة من أول الإسناد إلى آخره، والمشهور يتفاوتون، لكن لا يقلون عن ثلاثة على قول أو أربعة على قول آخر.(40/12)
"وكل قد رأوا" كل يعني من الثلاثة قد رأوا، الغريب والعزيز والمشهور كل واحد منها قد رأوا منه الصحيح والضعيف، يعني الأحكام الثلاثة صحيح وحسن وضعيف يمكن أن تطلق على حديث غريب، وهذا كثير في الغرائب، ويمكن أن تطلق على حديث عزيز، ويمكن أن تطلق على حديث مشهور.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وكل قد رأوا
منه الصحيح والضعيف ثم قد ... يغرب مطلقاً أو إسناداً فقد
قد يكون غريب مطلق، أو إسناده غريب فقط، يعني قد يكون مطلقاً يعني سنداً ومتناً، وقد يكون متنه مشهور وإسناده غريب، وقد يكون بالعكس إسناده مشهور ومتنه غريب، وقد يجمع الغرابة بين السند والمتن
. . . . . . . . . ثم قد ... يغرب مطلقاً أو إسناداً فقد
فقد يعني فقط، فقد هنا المقصود بها فقط.
كذلك المشهور أيضاً قسموا ... . . . . . . . . .
يعني المشهور قُسم عند أهل العلم إلى ما هو مشهور شهرة اصطلاحية، يعني عند أهل الحديث الذي تقدم تعريفه، ومنه ما هو مشهور على الألسنة لا عند أهل الحديث، يعني في أحاديث كثيرة مشتهرة على الألسنة، لكن إذا بحثت قد لا تجد لها إسناد البتة، وقد تجد لها إسناد لكنه ضعيف، فالمشهور على الألسنة لا يلزم منه أن يكون له أصل، ولا أن يكون مروي من طرق، إنما هو تداولته الألسنة، ولاكته الألسنة، وفيه مؤلفات منها: (المقاصد الحسنة) للسخاوي، (وكشف الخفاء ومزيل الإلباس) للعجلوني، وغيرها من المؤلفات، أحاديث مشهورة يتداولها الناس في مجالسهم، ويذكرها العامة والخاصة يتداولونها، ثم إذا بحثت قد لا تجد الإسناد أصلاً، يعني لا أصل للخبر، وقد تجد طريق واحد مما يدخل في حيز الغريب، وقد تجد له طريقين فيدخل في حيز العزيز، وهو مشهور على الألسنة، يعني مشهور غير اصطلاحي، لكن إذا وجد له ثلاث طرق فأكثر فهو المشهور الاصطلاحي، ويجتمع فيه الشهرتان الاصطلاحية وغير الاصطلاحية.
كذلك المشهور أيضاً قسموا ... لشهرة مطلقة كـ (المسلمُ
من سلم) الحديث. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(40/13)
((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) هذا مشهور، لكن هل روي من طرق متعددة؟ ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً)) هذا مشهور، لكن هل له طرق ثلاثة فأكثر أو أكثر من ثلاثة على قول؟ هذه ... ، يقول:
من سلم) الحديث والمقصورِ ... على المحدثين من مشهورِ
قنوته بعد الركوع شهراً ... . . . . . . . . .
يعني حديث أنس: "قنت النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الصبح شهراً يدعو على قبائل من العرب، على رعل وذكوان" يدعو عليهم، هذا مشهور، مشهور اصطلاحي، له طرق متعددة.
. . . . . . . . . ... على المحدثين من مشهورِ
قنوته بعد الركوع شهراً ... ومنه ذو تواتر مستقْرا
منه ذو تواتر، هذه الأقسام الثلاثة التي تقدمت اصطلح على تسميتها بالآحاد، وهي مجرد تسمية اصطلاحية، وإن تعددت طرقها كالمشهور أو العزيز لا تخرجها عن حيز الآحاد.
. . . . . . . . . ... ومنه ذو تواتر مستقْرا
ذو تواتر يروى من طرق متعددة من غير حصر، ويستوي طرفاه ووسطه في هذا العدد، أو يزيدون، ويسندوه إلى أمر محسوس، يعني ما يكون عقلي أو استنباط، أو يبنى على إشاعات، لا بد أن يسند في النهاية إلى أمر محسوس، إما سماع، وإما رؤية وإما شيء، المقصود أنه لا بد أن تسند إلى أمر محسوس.(40/14)
يقول ابن حجر في فتح الباري: "الأخبار التي تشاع وإن كثر ناقلوها فإنها لا تفيد العلم ما لم يكن مستندها الحس" قال هذا في إشاعة دخلت بيوت المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، لما اعتزل، آلى من نسائه شهراً واعتزل في المشربة، هذه جعلت لهذه الإشاعة قبول، جعلت للإشاعة قبول وأرضية تجعل الإنسان يعني ما دام اعتزل وترك نساءه، وأشيع في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه وجدت قبول، فصار كل البيوت تتحدث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، لكن هذا يفيد العلم؟ عمر -رضي الله عنه- لما دخل ووجد الناس حول المنبر، وكل من سأله هل طلق النبي -عليه الصلاة والسلام- نساءه؟ قال: نعم، فذهب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في مشربته واستأذن مرتين، وأذن له في الثالثة، فدخل وتبين له أنه ما طلق نساءه، إنما آلى من نسائه شهراً، لذا مثل هذه العلوم وهذه الأمور وهذه الأخبار التي تشاع ولو دخلت جميع البيوت، يعني هل سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يتلفظ بالطلاق؟ ما سمع، وليس مستنده الحس، إنما مستنده إشاعات مبنية على قرائن لا تقوى إلى ثبوت مثل هذا الخبر.
. . . . . . . . . ... ومنه ذو تواتر مستقْرا
الاستقراء: التتبع، ومنه التام لجميع جزئيات المسألة، ومنه الاستقراء الناقص، والمفيد منه التام، "مستقرا ... في طبقاته" يعني في جميع طبقات الإسناد يتوافر هذا الشرط "كمتن (من كذب) " يعني قالوا: من علامة بلوغ الخبر، أو بلوغ العدد، هم ما يشترطون عدد معين، إذن متى يبلغ الخبر التواتر؟ قالوا: الخبر ينمو في النفوس كنمو النبات، وبلوغ الحلم، يعني ما في فرق بين اليوم وأمس، اليوم مكلف وأمس ما أنت مكلف، يعني يمشي ويجري إليه بهدوء إلى أن يصل إلى الحد الذي تجد نفسك ملزمة بهذا الخبر، وإلا ما في عدد، قالوا: إن الخبر لا يكون متواتراً حتى يبلغ ذلك العدد، ولا يبلغ ذلك العدد المطلوب للتواتر إلا إذا أفاد العلم، قالوا: هذا يلزم عليه الدور.(40/15)
أنا ما أعرف أن العدد ... ، ما في عدد محدد، فمتى أعرف أن هذا العدد بلغ حد التواتر؟ قالوا: إذا أفادك العلم، طيب متى يفيدك العلم؟ إذا تم العدد، قبل تمام العدد ما يفيد علم، قالوا: إن هذا يلزم عليه الدور، المتواتر من شروطه العدد المطلوب له كثرة العدد بحيث يبلغ العدد كثرة يستحيل معها في العادة التواطؤ على الكذب، ويستوي هذا العدد في جميع طبقاته، ويسند إلى شيء محسوس، يعني الواحد نصف الاثنين ما يمكن يقول أحد هذا متواتر، وإن كان جميع من وطأ الأرض يقول به، ما في أحد إلا يقول: الواحد نصف الاثنين، لكنه لا يسند، إنما هو استنتاج عقلي مطابق للواقع صحيح، لكنه لم يسند إلى أمر محسوس، يعني أول من قال به ما عندنا أحد أو عدد ينقله لأول ما ... ، نعم هو اصطلاح مثلاً لو كانت القسمة على غير هذا لبلغنا غيرها، لكن ما عندنا من يثبت أول من قال بهذا؛ ليكون خبراً عنه، ونسبته إليه للتواتر، فالأمور العقلية لا تدخل في هذا الباب، لا مدخل لها في هذا الباب، ولذا كثيراً ما يقول ابن حجر -رحمه الله-: الاحتمالات العقلية التي لا تستند إلى دليل لا مدخل لها في هذا الفن، الاحتمالات العقلية التي لا تستند إلى دليل لا مدخل لها في هذا الفن.(40/16)
من شروطه: أن يفيد العلم، هذه نتيجة، لكن متى نعرف أن العدد وصل إلى العدد المطلوب للتواتر؟ يعني مثلما قدمنا أنه لا بد أن يفيدنا العلم، نجد أنفسنا مضطرين لتصديقه، لا يمكن أن يتطرق الاحتمال الثاني، وهو الخطأ والكذب، أبداً، ولذا يقولون ويقرر أهل العلم: أن المتواتر لا يحتاج إلى نظر في رواته، يعني ما تحتاج أن تنظر في رواته، ولو كان فيهم ضعيف، ولو كان فيهم كذاب؛ لأننا لا نعتمد على هذا، ولذا قرر جمع من أهل العلم أنه ليس من مباحث هذا الفن، لماذا؟ لأن مباحث هذا الفن مبناها على معرفة الراوي والمروي من حيث القبول والرد، وهذا ليس فيه مجال للرد، فليس من مباحث هذا الفن، مثلما ذكرنا الإشكال أننا لا نعرف العدد المطلوب للتواتر حتى نستفيد منه العلم، ولن نستفيد العلم حتى يبلغ العدد المطلوب، قالوا: يلزم على ذلك الدور، السفاريني وشارح الكوكب المنير مختصر التحرير يقول: إن العلم لم يحصل به إنما حصل عنده لا به، العلم لم يحصل به، على شان ما يلزم عليه الدور، إنما حصل العلم عنده لا به، وهذا فيه شيء من التأثر بمذهب الأشعرية، الذين يقولون: إن الأسباب لا تقوى بذاتها على التأثير، وإنما يحصل الأثر عندها لا بها، فالري يحصل عند الشرب لا به، والشبع يحصل عند الأكل لا به، هذا تأثر، ومر بنا في درس الموطأ في كلام ابن القيم في مفتاح دار السعادة، إن كان الإخوان يذكرون، نعم أن الشؤم حصل عند الزوجة لا بها، وعند الدار لا بها، وعند الفرس لا بها، هذا فيه تأثر بمذهب الأشاعرة، قررنا هذا في درس الموطأ، لكن كأن ابن القيم ينقله عن غيره، يعني هذا قول مما قيل، وإلا ابن القيم معروف رأيه في الأسباب، لكن إذا نظرنا بدقيق النظر، وتأملنا في المسألة نعم لو كانت هذه الأمور أسباب لقلنا: حصل بها لا عندها، يعني الشؤم في ثلاث، يعني يختلف عن مسألة الشرب والأكل، الأكل والشرب سبب حصل الشبع به، والري حصل به، والمسبب هو الله -جل وعلا-، يعني التأثير حاصل بالسبب بجعل الله -جل وعلا- له التأثير، يعني ما يقال مثل قول المعتزلة أن السبب مؤثر بذاته، ولا يقال مثل قول الأشاعرة أن السبب لا قيمة له، حتى قالوا: إن أعمى الصين يمكن أن يرى بقة الأندلس؛(40/17)
لأن الأسباب ما لها قيمة وجودها مثل عدمها.
إذا نظرنا في حديث: ((الشؤم في ثلاثة)) ونظرنا في كلام ابن القيم هل نقول: إن وقوع الضرر مع هذه الزوجة، أو هذه الدار، أو هذه الفرس مع أن الشؤم منتفي، دلت الأدلة على أنه ((لا عدوى ولا طيرة)) ولا ... ، نعم هل هي سبب في وجود هذا الأثر؟ نعم؟ إذن يتجه قولنا: إن التأذي والضرر حصل عندها يعني بمجاورتها، بسكناها، لا أنها هي السبب، يعني فلان قدر عليه أنه ينكب نكبات هذا مكتوب عليه في اللوح المحفوظ، ثم تزوج هذه الزوجة وحصلت هذه النكبات في مدة زواجه، هل نقول: إن لهذه الزوجة أثر في هذه النكبات، أو أن هذا مقدر عليه سواءً أخذها الزوجة أو أخذ غيرها؟ نعم؟ هو مقدر عليه، فلذا لا نقول: إن الأثر حصل بها.
طالب:. . . . . . . . .
الأقوال، ما أنت حاضر الموطأ؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ حضر؟
طالب:. . . . . . . . .
ويوم نقرأ كلام ابن القيم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، كلام ابن القيم مفصل وواضح وجميل، والمسألة يعني دقيقة جداً تحتاج إلى تأمل، ولذلك قررنا في وقتها لمشابهة القول أن هذا تأثر بقول الأشعرية، ولعل ابن القيم ينقل عن غيره، لكن عند التأمل في فرق بين الأكل والشرب وبين سكنى الدار، وركوب الدابة .... ، في فرق.
طالب:. . . . . . . . .
إحنا ردنا عليه في هذا المجلس، لكن عند التأمل هناك فرق بين الأكل والشرب وبين سكنى الدار والزواج بالمرأة، وبين ... ، في فرق؛ لأنه افترض أنه اشترى سيارة ثانية ومكتوب عليه باللوح المحفوظ أنه يصدم أو يدهس، أو ينكسر بسبب هذه السيارة، ما دام مكتوب عليه لا بد أن يحصل بهذه السيارة أو بغيرها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا عند الاستثناء ((إن كان)) لكن بعض الروايات: ((الشؤم في ثلاثة)) وكأن هذا حكاية لواقع الناس، لا تقرير حكم شرعي، الناس يتشاءمون بهذه الثلاث إذا حصل لهم شيء.(40/18)
إذن ماذا نقول في إفادة المتواتر العلم مع أننا لا نجزم بأنه أفادنا العلم حتى يبلغ العدد المطلوب؟ والعدد المطلوب لا يمكن توافره إلا مع إفادة العلم، قالوا: إن مثل هذه الأمور يمكن أن يرتب بعضها على بعض، يعني تنامي العدد إلى أن يفيدنا العلم تنامي هذا العدد مثل نمو النبات، يعني أنت لو قيل لك: هذه خمسة أكواب اشربها من هذا النوع، تقول: أنا لا أطيق، كيف تحكم أنك لا تطيق وأنت ما بعد شربت؟ لأنها جرت العادة أنك لا تطيق مثل هذا، يعني أنت لا تدري أنك لا تطيق حتى تشرب، صح وإلا لا؟ يعني يجاب لك صحن لعشرة أنفار ويقال لك: كل، تقول: لا أطيق، أنت أخبرت عن شيء ما بعد صار، لكن مثل هذه الأمور ومنها إفادة المتواتر العلم إنما جرت بها العادة من غير نظر إلى عدد معين، ومثل هذا لو قيل لك: اشرب خمسة كيسان، أو خمس علب من المشروبات، قلت: أنا والله لا أطيق، طيب جرب، ليش تحكم على شيء ما بعد صار؟ هذه أمور يدركها الإنسان بالعادة والتجربة.
. . . . . . . . . كمتن (من كذب) ... ففوق ستين رووه. . . . . . . . .
أكثر من ستين صحابي رووا هذا الخبر، كما ذكر ذلك ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات، "والعجب" يعني مما يتعجب منه.
بأن من رواته للعشره ... . . . . . . . . .
العشرة المبشرين بالجنة رووا اتفقوا أو اجتمعوا على رواية هذا الحديث، وهذا متواتر كما يقول أهل العلم لفظاً ومعنىً ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هذا متواتر يسمونه تواتر لفظي، وهناك التواتر المعنوي الذي سبقت الإشارة إليه، وهو أن توارد أحاديث كثيرة في مناسبات عديدة على موضوع واحد، كأحاديث رفع اليدين في الدعاء، أحاديث الحوض، أحاديث المهدي عند بعضهم أوصلها إلى حد التواتر، أحاديث المسح على الخفين، أحاديث كثيرة تواترها معنوي، فضائل أبي بكر وعمر، فضائل الصحابة عموماً كلها متواترة.
بأن من رواته للعشره ... وخص بالأمرين فيما ذكره
الشيخ عن بعضهم. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
الشيخ من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
نعم الشيخ يقول: المراد به ابن الصلاح.(40/19)
. . . ... وخص بالأمرين فيما ذكره
الشيخ عن بعضهم. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
خُص بأن رواته بلغوا هذا العدد، وخص بأن منهم العشرة.
. . . . . . . . . قلت: بلى ... (مسح الخفاف) وابن مندة إلى
يقول: مسح الخفين ثبت من طريق أربعين، وقيل: سبعين من الصحابة، وفيهم العشرة، يعني هذا لا يختص بحديث من كذب.
. . . . . . . . . قلت: بلى ... (مسح الخفاف) وابن مندة إلى
عشرتهم (رفع اليدين) نسبا ... . . . . . . . . .
حديث رفع اليدين في الدعاء من التواتر المعنوي، ابن منده قال: إنه ممن رواه رفع اليدين بالدعاء، ممن رواه العشرة المبشرين بالجنة، لكن هل المراد به رفع اليدين في الدعاء أو في الصلاة؟ إيش قال عندكم الشارح؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم خطبة، لكنه رفع اليدين في الدعاء عموماً، أو في الصلاة اللي هي رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ويش قال الشارح؟
طالب:. . . . . . . . .
رفع اليدين، يعني رفع اليدين في الدعاء فيه أحاديث كثيرة جمعت في أجزاء.
طالب: قال هنا: وذكره البخاري.
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، رفع اليدين في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
فاهم هذا، أنت تقول هذا وأنا أقول هذا، وأنا أبديت الاحتمالين.
طالب:. . . . . . . . .
إيه خلاص ما دام ما جزم. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
هذا من الدعاء، هذا فرد من أفراد الدعاء، لكن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام عند الركوع وعند الرفع منه يحتمل.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وابن مندة إلى
عشرتهم (رفع اليدين) نسبا ... . . . . . . . . .
السيوطي له رسالة اسمها: (فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء).
. . . . . . . . . نسبا ... جونيفوا عن مائة من كذبا
يعني ابن الجوزي قال: اثنين وستين صحابي، وبعضهم قال: إنه زاد على المائة ممن رواه من الصحابة وعدوهم، بل قالوا: مائة واثنين، بدل اثنين وستين.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .(40/20)
إيه لكن أنت لو تتبعت طرق حديث وبلغت هذه العدة، نعم، أنت لو تتبعت طرق هذا الحديث كما تتبعوا وبلغت هذه العدة والتتبع سهل الآن يعني بالآلات يمكن أن.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا بلغت عدتهم إلى هذا الذي حكموا عليه أنه متواتر إيش المانع؟ لأن حتى السيوطي ما له سلف في بعض الأحاديث، في نظم المتناثر حكم على حديث وما له سلف.
طالب: لكن لو لم نجعل عدم المتواتر وأبقينا على الأصل. . . . . . . . .
إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ممكن، ممكن، حديث المهدي متنازع في كونه متواتر؛ لأن بلوغ العدد أمور نسبية، يعني أنت تصديقك لخبر وتصديقي أنا لنفس الخبر يتفاوت تبعاً لما ينقدح في ذهنك عن هؤلاء الرواة، ولذا يختلفون هل بلغ الصحة أو دونها، أو قصر عنها، يعني هذه أمور معروفة عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
منهم من قال: أربعة ترى، بعضهم قال: أربعة، وبعضهم قال: خمسة، وبعضهم قال: عشرة، وكلها ما تستند إلى دليل، أربعة لأن شهود الزنا أربعة، وخمسة؛ لأن أركان الإسلام خمسة، وسبعين؛ لأن أصحاب طالوت سبعين، كلها ما لها ارتباط بما نحن فيه، يعني المستندات التي ذكروها ما لها ارتباط بما نحن فيه إطلاقاً.
طالب:. . . . . . . . .
شوف تفسير سورة النور من أضواء البيان، ما في أحد تكلم على هذا الحديث مثل الشيخ الشنقيطي -رحمه الله-، بالتفصيل، بالأدلة، بالقواعد، بالإيرادات، بالإجابة عن هذه الإيرادات، يعني ما في أحد تكلم على الحديث مثله.
سبحانك اللهم. . . . . . . . .(40/21)
شرح ألفية الحافظ العراقي (42)
(غريب أَلفاظ الأَحاديث)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
غَرْيِبُ أَلْفَاْظِ الأَحَاْدِيْثِ
وَالنَّضْرُ أَوْ مَعْمَرُ خُلْفٌ أَوَّلُ ... مَنْ صنَّفَ الْغَرِيْبَ فِيْمَا نَقَلُوْا
ثُمَّ تَلَى أبو عُبَيْدٍ وَاقْتَفَى ... القُتَبِيُّ ثُمَّ حَمْدٌ صنَّفَا
فَاعْنِ بِهِ وَلاَ تَخُضْ بالظَّنِّ ... وَلاَ تُقَلِّدْ غَيْرَ أَهْلِ الْفَنِّ
وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ بِالْوَارِدِ ... كَالدُّخِّ بِالدُّخَانِ لاِبْنِ صَائِدِ
كَذَاكَ عِنْدَ التِّرْمِذِيْ، وَالْحَاكِمُ ... فَسَّرَهُ الْجِمَاعَ وَهْوَ وَاهِمُ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف الناظم -رحمه الله تعالى-: "غريب ألفاظ الحديث".
وهو يختلف عن الغريب الذي سبق الحديث عنه، فالغرابة هناك تعني التفرد والانفراد بالرواية، وهنا غريب الألفاظ، غريب المتون، الألفاظ الغريبة التي يشق فهمها من أول وهلة، بل تحتاج إلى مراجعة كتب تشرحها، هذا غريب ألفاظ المتون، وهناك يعني التفرد بالرواية، ففرق بين هذا وذاك، قد يكون الحديث الغريب الفرد من أوضح الأحاديث متناً يفهمه كل من يسمعه، وهنا قد تكون الألفاظ تحتاج إلى مراجعة ولو استفاضت أسانيدها وتباينت طرقها فلا تلازم بين هذا وهذا.(41/1)
غريب ألفاظ الحديث المراد به الألفاظ الغامضة في متون الأحاديث التي تحتاج إلى مراجعة، إما للكتب أو لأهل العلم الضابطين المتقنين، وهذا النوع من أنواع علوم الحديث كما يقول أهل العلم: جدير بالعناية، جدير بالتحري، حري بالتوقي، لماذا؟ لأن الإنسان إذا قال برأيه في هذا الباب، وقال: المراد من الحديث كذا، فقد يكون قد قال على الرسول -عليه الصلاة والسلام- بغير علم، فهو على خطر ولو أصاب؛ يعني مثل هذا لا بد فيه من التحري؛ لأنك تخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن مراده بهذه اللفظة، وكان السلف من الأئمة يتوقون هذا النوع، وما جاء في القول على الله بغير علم يتناول مثل هذا؛ لأن القول على رسوله -عليه الصلاة والسلام- كالقول عليه؛ لأنه مبلغ عنه، وأحاديثه وكلامه -عليه الصلاة والسلام- وحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وجاء الوعيد الشديد في حق من قال في القرآن برأيه، وإذا كان الأثر المترتب على القول بالقرآن بالرأي نظيره القول بالرأي بالنسبة لما يختص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأئمة يتوقون ويتحرون في مثل هذا، الإمام أحمد على سعة الرواية عنده حيث كان يحفظ سبعمائة ألف حديث، والذي يحفظ هذا المقدار يندر أن يوجد من ألفاظ الحديث ما يشق عليه فهمه؛ لأنه إذا أجمل في موضع فصل في موضع آخر، وإذا كان اللفظ غريباً في متن، جاء واضحاً في متن آخر، والإمام أحمد يقول: أنا لا أفسر كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعني برأيه، وكذلك الأصمعي الذي يحفظ من دواوين العرب ما يحفظ، ويتصور اللغة بمفرداتها كما نتصور الأمور البدهية، يقول لما سئل عن حديث: ((الجار أحق بصقبه)) قال: أنا لا أفسر حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولكن العرب تزعم أن الصقب اللزيق، يعني الجار الملاصق.(41/2)
والصحابة -رضوان الله عليهم- لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال بعضهم: لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا، ولا شك أن مثل هذا لا يحتاج إلى توقيف، إذا جيء بحرف الترجي لا يحتاج إلى توقيف؛ لأن الإنسان لم يجزم بأن هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما هو على سبيل البحث بين الأقران، وعلى هذا لو طرحت آية أو حديث في مجلس بين طلاب علم، وقيل: المعنى لعله كذا وقال آخر: لا، لعل المراد كذا، إذا جيء بحرف الترجي فالمرجو أنه لا بأس به -إن شاء الله تعالى- من غير جزم بأن هذا هو المراد، الجزم يحتاج إلى رجوع ...(41/3)
قد يقول قائل: إننا نجد في كتب الشروح -شروح الحديث- وقبلها في التفاسير بعض المفسرين يهجم على اللفظ ويفسره بما لم يسبق إليه، وبعض الشراح كذلك، هل نقول: إن هذا قال برأيه؟ وبعض أهل العلم يسأل عن الآية ويجيب بأن معناها كذا، ويسأل عن الحديث ويقول: معناه كذا، هل يدخل في هذا الوعيد؟ نقول: فرق بين شخص له عناية بهذا العلم سواءً كان بالتفسير أو بالحديث، وله سعة اطلاع على أقوال المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، ومن له سعة اطلاع في الشروح -شروح الأحاديث- المتنوعة المختلفة المشارب ثم بعد ذلك تكونت لديه الأهلية، تكونت لديه ملكة يفهم بها كلام الله -جل وعلا-، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا لا يلام، مع أنه إذا تورع أولى، لكن الإشكال إذا هجم على النصوص من ليس في العير ولا في النفير، ليس له أدنى ارتباط بالنصوص، ويقول: القرآن عربي، ونحن عرب، الرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي، ونحن عرب، نفهم كلامه، نقول: ما تفهم كلامه، وكم من شخص انبرى لهذه الأمور وافتضح، وبعضهم سئل عن معنى آية فأجاب بقولٍ والآية مختلف فيها على ثمانية أقوال أو على عشرة أقوال بين المفسرين ولا أصاب ولا واحد منها، وكذلك الحديث يعني إذا سئل هو خالي الذهن لا ارتباط له بالحديث، ولذلك يقولون: بالنسبة لغريب الحديث لا يتصدى له إلا من جمع بين الخبرة والمعرفة بلغة العرب والحديث، ما يكفي لغوي يفسر الحديث، ويشرح الحديث أبداً، ما يكفي، ولا يكفي محدث يشرح الغريب دون معرفة وإلمام باللغة، ولذا أصحاب الغريب كلهم من أهل اللغة، لكن لهم عناية بالحديث، لماذا؟ لأن اللفظ في الحديث يأتي وله في اللغة معاني كثيرة، له في اللغة معاني كثيرة، لكن من يطبق المعنى المراد على الحديث؟ قد يكون إذا راجعت لسان العرب أو غيره من كتب اللغة تجد لهذه اللفظة عشرة معاني، لكن من الذي يختار القول المناسب من هذه الأقوال أو المعنى المناسب من هذه المعاني لهذا المتن؟ من الذي يختار؟ الذي يختار من له خبرة باللغة صحيح شخص لا معرفة له باللغة ويأتي يفسر ولو كان محدثاً، ولو جمع من الحديث ما جمع، لكن لا بد أن يكون جامعاً بين الأمرين، فإذا كان للفظ الواحد عشرة معاني ما(41/4)
الذي ينزل المعنى المناسب على هذا اللفظ الوارد في هذا الحديث؟ نعم إذا كان له خبرة بمعرفة الحديث يستطيع أن ينزل المعنى المناسب؛ لأنه قد يأتي اللفظ في حديث ويأتي نفس اللفظ في حديث آخر، والمعنى مختلف؛ لأن السياق الذي هو من اختصاص أهل الحديث له دور كبير في تحديد المراد، وكذلك الاطلاع على أقوال اللغويين له دور أيضاً في فهم المراد، فلذا لا يتصدى لهذا النوع إلا من جمع بين الفنين.
طالب:. . . . . . . . .
يختلف إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه يوجد.
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
من جمع بين الأمرين، نقدم من جمع بين الأمرين.
طالب:. . . . . . . . .
شوف يا أخي عندك المحدثون الأصل فيهم الرواية، يتفرغون لها، الأصل في أهل الحديث الرواية، حينما يقولون مثلاً: الناسخ والمنسوخ ليس من مباحث هذا الفن، إنما هو من مباحث الأصول، لماذا يقولون مثل هذا؟ لأنهم يفترضون في المحدث أنه لا علاقة له بالمتن يروي فقط، ولذلك يسمونه الصيدلي، والاستنباط شأن الفقيه، هكذا يفترضون، لكن شخص جمع الله له بين العلوم كلها، وصار من التفنن بحيث يستطيع أن يفهم النصوص، ويتعامل مع النصوص على أكثر من وجه، هذا هو المقدم في كل فن.
طالب:. . . . . . . . . بالجمع بين الأمرين. . . . . . . . .
يعني أبو عبيد مثلاً، يعني هو مقدم على أبو عبيدة وعلى الأصمعي وعلى فلان وعلان، لماذا؟ لأنه محدث مع علمه باللغة، وهذا مثال.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من المتأخرين الذين تأثروا بالمذاهب الأصلية والفرعية، ترى التأثير فيهم واضح، مذاهبهم أثرت فيهم، ولذلك نقول في مناسبات كثيرة: إن حتى كتب اللغة التي يرجع إليها ينبغي أن تكون همة طالب العلم إلى المتقدمين الذين لم تؤثر فيهم المذاهب.
طالب:. . . . . . . . .
يجئ الكلام عليهم، الآن ما بعد دخلنا في الكتب، ما دخلنا في الكتب.
غريب ألفاظ الحديث
"والنضر" بن شميل "أو معمر" معمر بن المثنى أبو عبيدة، "خلفٌ أولُ"، يعني أول من صنف في غريب الحديث هل هو النضر بن شميل أو معمر بن المثنى أبو عبيدة؟(41/5)
. . . خلفٌ أولُ ... من صنف الغريب فيما نقلوا
لأنهما وجدا في زمن واحد، فلا يدرى أيهما السابق بالتأليف؟ ثم تلا أبو عبيد نعم أبو عبيد القاسم بن سلام بعدهم، بعد النضر وبعد أبي عبيدة، ثم أبو عبيد النضر ومعمر والأصمعي وغيرهم من المتقدمين على أبي عبيدة هؤلاء مؤلفاتهم صغيرة، يجمعون بعض المتون المشكلة ألفاظها والغامضة ألفاظها فيفسرونها، كتب صغيرة يعني وهذا شأن بداية التأليف، يعني الذي يؤلف في الفن أول من يؤلف لا شك أنه يبدأ الأمر عنده يسير، ثم بعد ذلك يبني عليه من يأتي بعده، ويفتح له المجال، ويفتح له آفاق قد تكبر الكتب عند الثاني والثالث بالنسبة للأول بسبب الأول، إما زيادة نظائر على ما ذكر مع الموافقة، أو من أجل أن يرد عليه عند المخالفة، فتزداد حجم الكتب، ولذلك تجدون كلما تأخر الزمان زادت الكتب، لماذا؟ لأن الكتب القديمة تودع في هذه الكتب المتأخرة، ثم بعد ذلك يضاف إليها من الأمثلة والنظائر وغيرها بما يزيد به الحجم، مما هو مطلوب في الفن، أو يزيد الحجم بالتصدي للمؤلف المتقدم عند المخالفة.
"ثم تلى أبو عبيد" وأبو عبيد محل ثقة عند الجميع؛ لأنه إضافة إلى كونه من أئمة اللغة سليم الاعتقاد، وهو في الوقت نفسه محدث نظير الأئمة المتقدمين من أهل الحديث، فينبغي أن يعتنى بكتابه، وصار كتابه محل عناية من المتأخرين، صار من جاء يؤلف في غريب الحديث إنما يدور في فلكه، وكتابه مطبوع ومتداول، لكن ترتيبه يحتاج إلى فهرسة، فالوصول إلى اللفظة التي تريدها تحتاج إلى عناية وكثرة تردد على الكتاب، هذا الذي يجعل مثل هذا الكتاب لا يتداوله طلاب العلم بكثرة، يلجئون إلى النهاية؛ لأن ترتيبها سهل، أبو عبيد إضافة على كونه إمام في اللغة إمام في الحديث، سليم الاعتقاد، ولذلك محل ارتياح من أهل العلم، ولهم عناية في كتابه.(41/6)
"واقتفى ... القتبي" يعني جاء ابن قتيبة عبد الله بن مسلم بن قتيبة، وألف في غريب الحديث، واستفاد من أبي عبيد فائدة كبرى، ثم جاء من بعده الخطابي وصنف في غريب الحديث، ونقل ممن تقدم، وتعقب ورد، فزاد حجم كتابه، وكتابه مطبوع أيضاً، وغريب الحديث لابن قتيبة مطبوع، وأبو عبيد مطبوع، كلها مطبوعة، هذه المؤلفات .. ، والمؤلفات في غريب الحديث كثيرة جداً لا تكاد تحصى من كثرتها، فعلى طالب العلم أن ينتقي منها؛ لأن الرجوع إليها كلها فيه شيء من الوعورة والعسر، فيعتني بغريب الحديث لأبي عبيد، وما زيد عليه من قبل ابن قتيبة، والخطابي، وابن الجوزي، وعبد الغافر الفارسي، والزمخشري في الفائق، هذه كتب نافعة في باب الغريب، ثم بعد ذلك النهاية التي جمعت أكثر أو كثير من كتب الغريب؛ لتأخر مؤلفها؛ لأن ابن الأثير جمع غريب الحديث من كتب الغريب ومن كتب اللغة، وذكر مصادره ومراجعه في مقدمة الكتاب، فكتابه جامع، يعني من أراد أن يقتصر على كتاب واحد في الغريب فعليه بالنهاية، لكن من أراد أن يؤصل العلم، يؤصل هذا الفن، ويبني على أساس متين يبدأ بأبي عبيد، ثم من تلاه؛ لأن التدرج في التأليف ينفع طالب العلم، يفيده كثيراً بخلاف ما إذا كان يتخبط، مرة يأخذ من متأخر، ومرة من متقدم، ومرة من كذا، ومرة من كذا؛ لأن التدرج في الفن الواحد يفيد طالب العلم، ويجعله ينسب القول لقائله ومنشئه بدقة؛ لأنه قد تنقل من النهاية وأنت ما تدري الكلام لمن، يمكنه لأبي عبيد، ثم تقول: قال في النهاية، وإن كان محل نقد انتقدت ابن الأثير، وهو في الأصل لابن قتيبة وعليه ملاحظات غريب الحديث لابن قتيبة، هناك أيضاً غريب الحديث لإبراهيم الحربي، وطبع منه القسم الخامس ومن أنفع كتب الغريب عرفنا الذي ذكرنا أبو عبيد والزمخشري والنهاية إضافة إلى ابن قتيبة والخطابي وابن الجوزي، الدلائل من أنفع كتب الغريب الدلائل لقاسم بن ثابت السرقسطي، لكنه مات لم يكمله، فأكمله أبوه ثابت، يعني على خلاف العادة، العادة أن الولد هو الذي يكمل كتاب الأب، لكن الأب تأخرت وفاته عن ابنه فأكمل كتاب ابنه، واسمه الدلائل، وطبع قسم منه، أظن في ثلاثة مجلدات.(41/7)
هذه من أهم كتب الغريب، وطالب العلم الذي يريد أن يعتمد على نفسه في هذا العلم يجمع بين هذه الكتب، لماذا؟ لأنه قد يقع إذا كان اعتمد على كتاب واحد فيه خطأ ولا يتنبه له، لكن لو كان عنده أكثر من كتاب نعم إذا تتابعوا على نقل معنىً واتفقوا عليه هذا ما فيه إشكال، لكن إذا ذكره واحد ثم انتقده الثاني يفتح لك أبواب مثل هذا، وأيضاً يضاف إلى كتب الغريب كتب اللغة، ومن أهمها الصحاح للجوهري ومتقدم، والتهذيب للأزهري والمحكم لابن سيده، ولسان العرب وتاج العروس والقاموس وغيرها من كتب المتأخرين؛ لأنها جمعت أكثر الكتب، لكن ينقل منها بحذر، لماذا؟ لأنها تأثرت بالمذاهب، أعني كتب المتأخرين.
"فاعن به" يعني اهتم به، اهتم به ذا النوع من أنواع علوم الحديث، لماذا؟ لأنك إذا لم تفهم اللفظ كيف تستطيع أن تستنبط منه؟ واللفظ إذا لم تفهمه سهل أن يتصحف عندك، وسهل أن تقلد مصحف؛ لأنك ما فهمت اللفظة، فأنت إذا لم تفهم معناها يعني إذا سمعتها من شخص تثق به قلدته في لفظها، لكن ما تدري ويش معناها؟ لكن إذا عرفت معناها تحرر لك لفظها.
فاعن به ولا تخض بالظنِ ... . . . . . . . . .
يعني أنت إذا غلب على ظنك أن هذا المعنى المراد من هذا اللفظ من الحديث النبوي أو من القرآن الكريم فأنت تجرؤ على كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الظن، فلا بد من المراجعة، لا بد من مراجعة في الكتب، ومراجعة أهل المعرفة والاختصاص، الذين عرفوا بالدقة والتثبت والتحري.
فاعن به ولا تخض بالظنِ ... ولا تقلد غير أهل الفنِ
لأنك تسأل فقيه مثلاً عن راوٍ من الرواة، أو عن لفظ غريب، أو تسأل شخص لا يد له في هذا الفن قد يفتيك بما لا يدل عليه دليل، وبما لا أصل له، يعني بعض الناس لو تسأله ولو كان من طلاب العلم، {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [(18) سورة طه] يعني مجرد ما يسمع يقول: نبي نهش عليها على شان يمشون، ويطردهم يمين وإلا يسار، وهذا الكلام ليس بصحيح، ما قال: أهش بها غنمي، ولا قال بهذا أحد من أهل العلم، وإنما المراد أنه يهش بها يعني يضرب بها الشجر ليتساقط ما فيها لتأكله الغنم.(41/8)
يعني نقول: إن بعض الألفاظ التي تتبادر إلى الذهن ليست هي المرادة، كثير هذا في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، يعني بعض الناس يرى ترجيح التأخر في الحج؛ لقوله -جل وعلا-: {لِمَنِ اتَّقَى}، {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] ظن أن التقوى للتأخر، مع أن التقوى للجميع، والآية لا يؤخذ منها ترجيح التأخر على التقدم، إنما يؤخذ من فعله -عليه الصلاة والسلام-، والتقوى مطلوبة للجميع لرفع الإثم عمن تقدم وعمن تأخر، فيكون معنى الآية هو معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) فمثل هذا يحتاج إلى تأني، العجلة ما تفيد في مثل هذا.
. . . . . . . . . ... ولا تقلد غير أهل الفنِ
وخير ما فسرته بالواردِ ... . . . . . . . . .(41/9)
لأنه قد يأتي اللفظ مستغلق في حديث، لكنه يأتي واضح مفسر في حديث آخر، كما أن أولى ما يفسر به القرآن القرآن، وكذلك أولى ما تفسر به السنة السنة، وخير ما فسرته بالوارد؛ لأنك إذا فسرته بقول قائله برئت من عهدته، والمتكلم أعرف الناس بكلامه، ولذا كثيراً ما يقولون: "رب الدار أعرف بما في الدار"، "وأهل مكة أدرى بشعابها" دائماً يقولون مثل هذا، وإذا كان للماتن شرح على هذا المتن فإنه يكون أولى ما يعتنى به، لا سيما المتون المعصورة أو النظم، هذا إذا كان للمؤلف شرح فهو أولى ما يعتنى به، وبعض الشراح الآخرين قد ينازعون صاحب المتن إذا شرح، قد ينازعونه في فهم كلامه، يعني تقدم لنا في أصح الأسانيد: "وابن شهاب عنه به" نعم قال الحافظ العراقي: "به" يعني بالحديث، قال السخاوي: لا، به يعني بالسند، نعم، "وابن شهاب عنه به" الناظم يقول .. ، قال الحافظ العراقي: به يعني بالحديث، قال السخاوي: لا، به يعني بالسند، نعم، "وابن شهاب عنه به" الناظم يقول: بالحديث، والسخاوي يقول: لا، بالإسناد، طيب هذا كلامي، أنت تبي توضح لي كلامي؟ يعني قد ينتقد السخاوي في مثل هذه الجرأة، لكن علة السخاوي أن البحث هنا ليس في الأحاديث إنما هو في أصح الأسانيد، "به" يعني بالإسناد، ليس بالحديث، يعني هل يوافق على مثل هذا؟ أو نقول: رب الدار أدرى بما فيها؟ وحينئذٍ إذا سئلت وقيل لك: أيها أفضل شروح الألفية؟ هل تقول: شرح المصنف أو شرح السخاوي؟
وخير ما فسرته بالواردِ ... . . . . . . . . .(41/10)
يعني لأنه كلام المتكلم نفسه، قد يتكلم الإنسان بكلام قد تخونه العبارة، أو قد تقصر عبارته عن بيان معناه، ثم يأتي من يوضحه لغيره ممن تسعفه العبارة، هذا موجود هذا، لكن الأصل أن المتكلم أعرف، وكما يقولون: يكررون: أهل مكة أدرى بشعابها، يعني مثلما قال النووي في ضبط الكرماني قال: بفتح الكاف (الكرماني)، وأصر ويقال: بكسرها والفتح أفصح وأكثر وأشهر، ثم جاء الكرماني قال في نسبة راوٍ من الرواة منسوب إلى هذه البلدة قال: كرمان بكسر الكاف وإن قال النووي بفتحها وأهل مكة أدرى بشعابها، يعني حصل من بعض المتعجلين وهذه من الطرائف مشاهد يعني أنا حضرتها، كل واحد يعرف بنفسه، قال واحد منهم: أنا فلان ابن فلان وذكر اسمه، ورد عليه واحد من الحاضرين، لكن الخلاف في الضبط ما هو بفي .. ، يعني لو سبق لسانه إلى كلمة غير صحيحة، لكن الكلام يعني .. ، كيف ترد على صاحب الاسم وأنت .. ، يعني هذه طرائف تحصل في مثل هذا، ومثل ما قلنا: إنه خير ما فسرته بالواردِ، وهذا مطرد، إلا أنه قد تقصر عبارة .. ، لا نقول هذا في الكتاب والسنة، يعني في كلام البشر، يعني لو أن خليل صاحب المختصر شرح مختصره بدلاً من مائة صفحة يشرحه بخمسمائة صفحة، لكن جاء شخص شرحه بألف صفحة، بكلام أوضح وأسهل، هل نقول: إن شرح خليل أفضل من شرح هذا المتأخر، يعني مثل ما قلنا بالنسبة لشرح المؤلف وشرح السخاوي بالنسبة للألفية، شرح السخاوي أفضل بكثير، لا سيما وأن شرح المؤلف يكاد يكون مستوعب في شرح السخاوي، وليس هذا من باب أن السخاوي أفهم وأعرف وأدرى بما يقوله الناظم نفسه، هذه أمور تقدر بقدرها.
وخير ما فسرته بالواردِ ... كالدخ بالدخان لابن صائدِ(41/11)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((خبأت لك خبئاً)) فقال: الدخ، يعني جاء بيانه في روايات أخرى، وأن المراد به الدخان، أن المراد به الدخان، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)) يعني قدر الكهان الذين يخطفون من الكلمة بعضها، الكاهن قد يختطف بعض الكلمة ما يكمل الكلمة خشية أن يدركه شهاب فصار هذا ديدن لهم، يخطفون بعض الكلمة ويقرونها في أذن وليهم قر الدجاج، كما جاء في الخبر، فقال: الدخ، بالدخان، جاء في متن آخر أن مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- الدخان لا سيما وقد تلا: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} [(10) سورة الدخان] وقال بعضهم: أن عيسى -عليه السلام- يقتل الدجال على جبل يقال له: جبل الدخان.
كذاك عند الترمذي. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني جاء تفسير الدخ بالدخان عند الترمذي، لكن ماذا عن الحاكم أبي عبد الله؟
. . . . . . . . . والحاكمُ ... فسره الجماع وهو واهمُ
قال: الدخ، يقال: بضم الدال وفتحها الدَخ هو الجماع، لماذا؟ لأنه سأل عنه من لا عناية له باللغة، ولا بالحديث، فقال: الدخ والزخ هو الجماع، وذكروا بيت علي -رضي الله عنه-:
طوبى لمن كانت له مزخة ... يزخها ثم ينام الفخة
شوف لما سأل شخص ما له عناية بالعلم، لا عناية له بلغة العرب؛ لأنه لا يوجد في لغة العرب أن الدخ بمعنى الجماع، والحديث جاء تفسيره في حديث آخر بالدخان، ولذا قال:
. . . . . . . . . والحاكمُ ... فسره الجماع وهو واهمُ
مما يفيد في شرح وبيان غريب ألفاظ الحديث الشروح، شروح كتب السنة، يعني كما أن التفاسير تفيد في فهم كلام الله -جل وعلا-، شروح الحديث تفيد في فهم كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا حاجة ولا داعي إلى أن نذكر هذه الشروح، وأهم هذه الشروح، ومزايا كل شرح؛ لأن هذا فيه أشرطة كفتنا، يعني ألقيناها قبل سنين، قبل عشر سنوات، وصار الناس يتداولونها، ويذكرون أنهم استفادوا منها، فمن أراد هذه الشروح ومزايا كل شرح يرجع إليها، سميت (مناهج شروح الكتب الستة) نعم؟ أو مقارنة بين شروح الكتب الستة، على كل حال هذا رد على ... ، لكن التسمية ليست من عندي، هذه التسمية ليست من عندي.(41/12)
طالب:. . . . . . . . .
من حفظ حجة على من لم يحفظ.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
جزاك الله خير، لا، لا كلام طيب؛ لأنه بيروح يسأل عن مناهج كتب .. ، يمكن ما يلقى، يسأل التسجيلات مع أنها اشتهرت بهذا يعني، اشتهرت بهذا، والأصل في الدورة أظنها عنوانها مقارنة بين شروح الكتب الستة، فسميت بهذا الاسم، وإلا فالأصل هي مناهج يعني، يعني باختصار حسب ما أسعف به الوقت؛ لأن المدة أسبوع.
طالب:. . . . . . . . .
والسخاوي بالسند.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الحديث يقصد به المتن، ما فيه إلا أنهم جعلوا الحديث يدور على اختلاف صحابيه، فيجعلون هذا حديث؛ لأنه مروي من طريق أبي هريرة، وهذا حديث باعتبار أنه مروي من طريق ابن عمر مثلاً.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
بالمعنى العام بمعنى ما يتحدث به، يشمل الترجمة أيضاً عليه، إذا قلنا: إن المعنى ما يتحدث به توسعنا، نعم.
الْمُسَلْسَلُ
مُسَلْسَلُ الْحَدِيْثِ مَا تَوَارَدَا ... فِيْهِ الرُّوَاةُ وَاحِداً فَوَاحِدَا **
حَالاً لَهُمْ أوْ وَصْفاً أوْ وَصْفَ سَنَدْ ... كَقَوْلِ كُلِّهِمْ: سَمِعْتُ فَاتَّحَدْ
وَقَسْمُهُ إلى ثَمَانٍ مُثُلُ ... وَقَلَّمَا يَسْلَمُ ضَعْفاً يَحْصُلُ
وَمِنْهُ ذُوْ نَقْصٍ بِقَطْعِ السِّلْسِلَهْ ... كَأوَّلِيَّةٍ وَبَعْضٌ وَصَلَهْ
نعم يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"المسلسل"
المسلسل: مأخوذ من التسلسل وهو التتابع والاتفاق على وصف أو حال أو هيئة قولية أو فعلية، إذا تسلسل السند أو أضيف على شيء من المتن بعض الأحوال إما هيئة محدِث أو مكان أو زمان تسلسلوا عليه، أو صفة محدِث فهذا يسمونه مسلسل.(41/13)
يفيد في مسألة اتصال الإسناد، يفيد أيضاً في الضبط، إذا حُفظ ما يحتف بالخبر مما يتعلق بإسناده أو متنه دل على أن هذا الخبر محفوظ، وهذا الأصل من التسلسل في البداية، لكنه مع الأسف لما طال الزمان، وحرص الناس على التسلسل صار على حساب الصحة، ولذا كثير من المسلسلات لا تثبت، ولو رجعت إلى المناهل، السلسلة في الأحاديث المسلسلة وجدت أن أكثر ما فيه أحاديث واهية لا تثبت، كل هذا من أجل الحفاظ على هذا التسلسل، وهذا الحفاظ على هذا التسلسل عاقهم عن تحصيل هذه الأحاديث بأسانيد أصح وأنظف، فتجدهم يحرصون على الرواية عن هذا الراوي؛ لأنه اتصف بهذا الوصف؛ لأن اسمه محمد مثلاً، والسند كله من المحمدين، أو لأنه فقيه، والسند كله فقهاء، أو لأنه فعل هذا الفعل الذي تتابع الرواة عليه، وإن لم يكن ممن يثبت خبره.
م سلسل الحديث ما تواردا ... . . . . . . . . .
يعني تتابع.
. . . . . . . . . ... فيه الرواة واحداً فوحدا
يعني واحد تلو الآخر، يعني بدءاً من الأصل الذي هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثم الصحابي ثم التابعي إلى آخر من يرويه، يتسلسلون وقل أن يوجد، ندر أن يوجد إسناد يتتابع فيه هذا التسلسل من أوله إلى آخره، يعني حديث معاذ: ((إني أحبك)) يعني تسلسل هذا؛ لأن الكلمة قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- وتتابعوا عليها، لكن أشهر حديث في المسلسلات حديث المسلسل بالأولية: ((الراحمون يرحمهم الرحمن)) هذا أشهر الأحاديث المسلسلة، لكن الصحيح أن التسلسل في الأخير ماشي إلى يومنا هذا وهو يقول: أول حديث سمعته منه، لكن هذا التسلسل ينقطع عند سفيان، يعني في طبقتين أو ثلاث ما في تسلسل إلا بطرق لا تثبت، ليست صحيحة.
حالاً لهم أو وصف متن أو سند ... . . . . . . . . .
يوصف المتن أو يوصف السند.
. . . . . . . . . ... كقول كلهم: سمعت فاتحد
يعني سواءً كان بأسماء الرواة أو بأوصافهم أو بصيغ الأداء كلهم يقول: قال فلان سمعت فلان، قال: سمعت فلاناً، قال: سمعت، إلى آخره، أو حدثنا فلان قال: حدثنا فلان، إلى آخره، أو مسلسل بالعنعنة عن فلان عن فلان عن فلان.
. . . . . . . . . ... كقول كلهم: سمعت فاتحد
يعني الإسناد من أوله إلى آخره مسلسل.(41/14)
في صحيح مسلم في آخره حديث فيه صيغة أداء نادرة ومتسلسلة ولا تجد الشراح يشيرون إليها، إلا أنها قد انقطعت في الآخر ...
طالب:. . . . . . . . .
حدثنا فلان رده إلى فلان، قال: حدثنا فلان، رده إلى فلان وهكذا، هذا في صحيح مسلم، هي من صيغ الأداء النادرة.
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر عاد بيتعبنا بحثه، خلوه، هو على كل حال هو مثاله موجود في صحيح مسلم، حدثنا فلان قال: رده إلى فلان ... ، أظنه في الفتن.
. . . . . . . . . ... كقول كلهم: سمعت فاتحد
وقسمه إلى ثمان مثلُ ... . . . . . . . . .
ذكر الحاكم أنواع وأمثلة ثمانية كثيراً ما يسمي الأمثلة أنواع، فظن ابن الصلاح أن القسمة حاصرة، وهي في الحقيقة أمثال، أمثلة للمسلسل، وليست حاصرة بمعنى أنه لا يمكن الزيادة عليها.
وقسمه إلى ثمان، يعني ثمانية أقسام كما زعم ابن الصلاح فهماً من كلام الحاكم إنما هي مثل، يعني أمثلة.
. . . . . . . . . ... وقل ما يسلم ضعفاً يحصلُ
يعني إذا بحثت عن حديث مسلسل من أوله إلى آخره يندر أن تجد من هذا النوع حديث سالم من الضعف، والكتب المؤلفة في هذا شاهدة.
. . . . . . . . . ... وقل ما يسلم ضعفاً يحصلُ
ومنه ذو نقص بقطع السلسله ... . . . . . . . . .
يعني ما تسلسل من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا، نعم إلى يومنا موجود، لكنه ....
وجدته؟
لكنه ينقطع عند سفيان، يعني أول من قال: وهو أول حديث سمعته سفيان، وما بعده ما في أول حديث سمعته، فهل يمكن أن يقال: هذا مسلسل؟ ما يمكن أن يقال: مسلسل إلا إلى سفيان، يعني بالتقييد.
ومنه ذو نقص بقطع السلسله ... كأوليةٍ وبعض وصله
بعض وصله لكنه لا يثبت هذا الوصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يثبت، يعني من الأحوال الفعلية يعني قبض اللحية مثلاً، حدثني وقبض لحيته، حدثني قائماً، فلما حدثني تبسم، هذه موجودة في الأحاديث المسلسلة، والله إني لأحبك، كلهم قالوا هذا، وقبض لحيته وقال: ((آمنت بالقدر خيره وشره)) بالأحوال الفعلية والقولية.(41/15)
على كل حال مثل هذه الأمور إنما هي من ملح هذا العلم، ومع الأسف أنها بدلاً من أن تكون دلالة على ضبط الرواة للخبر صارت سبباً للتساهل في نقل الخبر، بحيث ينقل عن طريق من لا يثبت الخبر به.
اقرأ الناسخ والمنسوخ.
ما لقيته؟
طالب:. . . . . . . . .
هات أشوف.
سم.
اقرأ الناسخ والمنسوخ، إن شاء الله نحضره الدرس القادم -إن شاء الله-.
أحسن الله إليك.
النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوْخُ
وَاَلنَّسْخُ رَفْعُ الشَّارِعِ السَّابقَ مِنْ ... أَحْكَامِهِ بِلاَحِقٍ وَهْوَ قَمِنْ
أَنْ يُعْتَنَى بِهِ وَكَانَ الشَّافِعِي ... ذَا عِلْمِهِ ثُمَّ بِنَصِّ الشَّارِعِ
أَوْ صَاحِبٍ أَوْ عُرِفَ التَّارِيْخُ أَوْ ... أُجْمِعَ تَرْكاً بَانَ نَسْخٌ وَرَأَوْا
دَلاَلَةَ الإِجْمَاعِ لاَ النَّسْخَ بِهِ ... كَالْقَتْلِ فِي رَابِعَةٍ بِشُرْبِهِ
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: في هذا النوع من أنواع علوم الحديث:
"الناسخ والمنسوخ" وأهل العلم يؤكدون على أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ سواءً كان في القرآن أو في السنة؛ لأن من أراد العمل بالنص قد يعمل به بمجرد سماعه، ولا يدري هل هو منسوخ أو محكم؟ قد يعمل بنص منسوخ، ولذا يقول الزهري: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من منسوخه، وقف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاص فقال له: "أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت" صحيح؛ لأنه قد يدل الناس على عمل منسوخ، والمثال الذي نذكره في اجتهاد بعض طلاب العلم قبل الأهلية أنه وجد من طلاب العلم الصغار من قرأ: باب الأمر بقتل الكلاب، ثم أخذ المسدس وليلة كاملة يبحث عن الكلاب ويقتل، لما جاء درس الغد: باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، يعني معرفة الناسخ والمنسوخ والمتقدم من المتأخر في غاية الأهمية للمتفقه، مهم جداً، لئلا تعمل بخبر رفع حكمه.(41/16)
الناسخ هو الرافع، والمنسوخ هو مرفوع الحكم، والنسخ هو رفع الحكم الثابت بخطاب آخر شرعي متراخ عنه، فالنسخ من خصائص النصوص، ولذا إذا قيل: هذا الحكم نسخ بالإجماع فمعناه أن الإجماع دل على وجود ناسخ، وإن لم نطلع عليه؛ لأن النسخ من خصائص النصوص، ولا أحد يستطيع أن يرفع حكم شرعي لا واحد ولا مجموعة ولا أمة ولا، الحكم الشرعي لا يرفعه إلا من شرعه.
طيب حينما يقول بعض الأصوليين: إن الإجماع مقدم على النص، نص الكتاب والسنة، يعللون هذا بأن الإجماع لا يحتمل نسخ ولا تأويل، بخلاف النص، يحتمل نسخ وتأويل، هناك أحاديث ذكر أهل العلم أنهم أجمعوا على ترك العمل بها، أجمعوا على ترك العمل بها، إيش معنى يتصرفون من أنفسهم أو أن إجماعهم دل على وجود ناسخ؟ فعلى هذا تقديم الإجماع ليس بتقديم له لذاته، وإنما تقديم للدليل الذي اعتمد عليه هذا الإجماع؛ لأن الإجماع لا بد أن يعتمد على نص، وحينما يقول الترمذي -رحمه الله- في علل الجامع: ليس في كتابي مما أجمع على ترك العمل به إلا حديث الجمع بالمدينة: من غير خوف ولا مطر وفي رواية: "ولا سفر" حديث ابن عباس، وأيضاً قتل الشارب وستأتي الإشارة إليه.
إذا أجمع .. ، الحافظ ابن رجب أضاف أحاديث قال بعض أهل العلم: إنه أجمع على ترك العمل بها، وغيره أيضاً أضاف أحاديث.
هذه المسائل التي فيها أحاديث ثبتت بنصوص صحيحة وأجمع على عدم العمل بها هذه العمل إنما حصل بدليل هذا الإجماع، الدليل الذي اعتمد عليه الإجماع، وتوسع بعضهم قال: أجمع على ترك العمل به كما سيأتي في قتل المدمن، والخلاف منقوض بوجود المخالف.
يقول -رحمه الله-:
والنسخ رفع الشارع. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني من خصائص النصوص ما يستطيع أحد أن يرفع حكم شرعي إلا الله -جل وعلا-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [(21) سورة الشورى] ما في إلا بإذن الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه مسائل نسبية قد يمشي على هذا جيل من الناس خلاص يسلمون، أُجمع، بحثنا فلم نجد، وقد يوفق شخص بكتاب ليس بمظنة ويجد الناسخ.
طالب: معناه أن المستند عليه. . . . . . . . .
لا، قد لا تقف عليه.(41/17)
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا قد لا تقف عليه.
طالب:. . . . . . . . .(41/18)
لا، في مسائل قالوا: أجمعوا عليها ودليلها فيه غموض، والسبب في هذا التساهل في نقل الإجماع، ولذا الإمام أحمد في رواية قوية عنه أنه لا إجماع بعد الصحابة، الناس تفرقوا ما يمكن ضبط أقوالهم، وتساهل كثير ممن ينقل الإجماع، ابن المنذر يعني لوحظ عليه على بعض إجماعاته، ابن عبد البر، ابن قدامة، ابن القطان وغيرهم ممن يعتني بنقل الإجماع، تجد بعض الإجماعات مخرومة، فضلاً عن النووي الذي ينقل الإجماع وقد ينقل الخلاف، نعم، قد ينقل الخلاف بعد أن نقل الإجماع، وقد ينقل الإجماع في مسألة ما والخلاف ظاهر في كتاب متداول بين الناس كلهم، وقد يكون الخلاف في كتاب قد يخفى على كثير من طلاب العلم، فمثلاً لما يقول: أجمع العلماء على أن صلاة الكسوف سنة، وأبو عوانة في صحيحه يقول: باب: وجوب صلاة الكسوف، وحينما يقول النووي: أجمع العلماء على أن عيادة المريض سنة، والبخاري يقول: باب: وجوب عيادة المريض، لكن لا شك أن هذه الدعاوى للإجماع وإن كانت غير ملزمة في الجملة إلا أنها تجعل طالب العلم يتوقف، ويهاب مثل هذا النقل، نعم حتى يجد مخالف، لكن الشوكاني -رحمه الله- صرح في نيل الأوطار في أكثر من موضع قال: دعاوى الإجماع التي ينقلها فلان وفلان وفلان تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع، نقول: لا بد من هيبة الإجماع حتى نجد مخالف، ومخالف ممن يعتد بقوله من أهل العلم، وذكرنا مراراً مسألة اتفاق الأئمة الأربعة على قول مع جميع أتباعهم، مع أن المخالف لهم ليس بمنزلتهم ولا بمنزلة بعض أتباعهم، هذا لا شك أنه يوجد لمثل هذا القول هيبة، ومخالفته تحتاج إلى نص صحيح صريح؛ لأنه في كثير من المسائل تجد الأئمة الأربعة وأتباعهم على القول باستحباب كذا أو بكراهية كذا مع أن الظاهرية ينصون على التحريم أو على الوجوب، يعني ما وجدنا صارف، ومع ذلك الأئمة كلهم على هذا وأتباعهم ما وجد رواية في مذهب أو شيء، يعني إذا وجد رواية في مذهب من المذاهب المعتبرة أمر سهل يعني، تخرج عن البقية، لكن ما وجد لهم ولا رواية ولا واحد من أتباعهم المعتبرين خالف لا شك أن لمثل هذا القول هيبة، ويبقى أن الحكم في المسألة هو النص، الحكم هو النص، لكن يبقى أن طالب العلم لا يتعجل في مثل(41/19)
هذه المسائل؛ لئلا تكثر الشذوذ في أقواله.
طالب:. . . . . . . . .
سبب مثل هذا القصور أو التقصير، النص لا بد أن يكون موجود، لكن بحثت فيما بين يديك من المراجع قلت: والله ما وجدت، وكلفت، وسألت وكذا ما وجدت، في م ظ انه ما وجدت شيئاً، نحن نقول: لا بد من وجود نص يعتمد عليه هذا الإجماع.
طالب: الإشكال يا شيخ قضية مخالفة وجود الإجماع، قد يوجد الإجماع لكن الإشكال في انضباط مخالفة الإجماع هل هو شذوذ؟ هل هو ثابت؟ هل هو صحيح؟
مسائل الإجماع ترى فيها إشكال كبير، يعني الإجماع بعد الخلاف، اشتراط انقراض العصر، هذا أيضاً مسألة خلافية بين أهل العلم تجعل في المسألة مجال للنظر، على كل حال مسائل الإجماع مبحوثة ومستوفاة في كتب الأصول، ولذا يقولون: إن مثل هذا المبحث أصولي، حتى الناسخ والمنسوخ يجعلونه أصولي، لا من مباحث علوم الحديث؛ لأن هذا من شأن الفقيه، المستنبط، لا من شأن المحدث الذي هو مجرد راوية، لكن لا شك أن حديث بلا فقه خلل ونقص؛ لأن الاستنباط هو الغاية، نعم، وفقه بدون حديث شلل، يعني إذا كان ذاك خلل فهذا شلل، يعني يوجد فقيه بدون حديث؟ هم يفصلون بين الأمرين، لكن هل يمكن أن نصف فقيه حقيقي داخل في حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ما عنده نصوص؟ يعني في تصرفات أهل العلم وانتقاداتهم لبعض الأمور يفصلون بين الفقه والحديث، فيجعلون هذا صيدلي وهذا طبيب، هذا يركب الأدوية وهذا يعالج، وهذا قد يوجد، لكن ينازع في كون هذا فقيه وهو ما عنده نصوص يعتمد عليها، وينازع في كون هذا محدث وهو لا يفهم الحديث، قال:
والنسخ رفع الشارع السابق من ... أحكامه بلاحق. . . . . . . . .
رفع ما هو بانتهاء مدة؛ لأن النص قد يكون له أمد {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء] في حديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً)) هل هذا نسخ وإلا بيان؟ لأن هذه مدة تنتهي عندها، طيب رفع الجزية ثابتة بالدليل القطعي، بالقرآن، ومع ذلك إذا جاء عيسى -عليه السلام- يضع الجزية، ما يقبل إلا الإسلام، هل نقول: هذا نسخ؟ لا، الحكم إلى أمد، وهذا ليس بنسخ، ولذا يقول:(41/20)
والنسخ رفع الشارع السابق من ... أحكامه بلاحق. . . . . . . . .
يعني متأخر متراخي، لا يأتي المنسوخ ثم الناسخ بعده مباشرة، إلا في مسألة النسخ قبل التمكن من الفعل، لكن لا يمكن أن يأتي نسخ قبل التمكن من الفعل أو أسبابه، أسباب الفعل، لا بد من بذل شيء يمكن نسخه، ينسخ ما وراءه، قد تبذل الأسباب ويباشر الفعل ثم ينسخ قبل التمكن منه، كما في قصة الذبيح.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . بلاحق وهو قمن
بكسر الميم، وقد تقال بفتحها قمَن، قمَن وقمِن، تقدم في بيت من الأبيات.
وكثر استعمال عن في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
قالوا: هنا الفتح أولى، من أجل إيش؟ يطابق الزمن, وهنا قمن أولى، لماذا؟ من أجل أن تطابق من، يعني جدير وخليق، قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وهو قمن
أن يعتنى به. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
ذكرنا أن هذا النوع من أنواع علوم الحديث، ومن أنواع أصول الفقه، يعني من أهم ما يعتنى به طالب العلم، وألفت فيه المؤلفات، هناك الناسخ من المنسوخ أكثر من مؤلف بالنسبة للقرآن، وكذلك بالنسبة للسنة، ومن أفضل ما ألف في الناسخ والمنسوخ في السنة الذي نحن بصدد الحديث عنه (الاعتبار) للحازمي، (الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار).
أن يعتنى به وكان الشافعي ... . . . . . . . . .
الإمام محمد بن إدريس الشافعي، "ذا علمه" يعني صاحب علم الناسخ والمنسوخ، يعني إليه المرجع وعليه المعول في هذا الفن، وكتبه شاهدة بذلك، يعني لو قرأت في الرسالة وجدت باب كبير في الناسخ والمنسوخ، أيضاً بحوث كثيرة ومسائل كثيرة في الأم، ولذلك قال:
. . . . . . . . . وكان الشافعي ... ذا علمه ثم بنص الشارعِ
يعني هل يقال: إن الحافظ العراقي شافعي وتعصب لإمامه؟ نقول: لا، الواقع يشهد بهذا، الإمام الشافعي له يد طولى، وكذلك سائر الأئمة، لكن الشافعي كلامه في النسخ مدون، لكن بالنسبة لغيره من الأئمة ما تجد الكلام مدون، لكن بالنسبة لغيره من الأئمة ما تجد الكلام مدون، إنما هو منثور في أسئلة يسأل عنها.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم بنص الشارعِ(41/21)
أو صاحب أو عرف التاريخ أو ... أجمع تركاً بان نسخٌ. . . . . . . . .
يعني ثم بان نسخ، يعني يعرف النسخ، يبين النسخ بنص الشارع، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها)) يعني نجزم بأن النهي عن زيارة القبور منسوخ بأي شيء؟ بنص الشارع، "أو صاحب" بأن يقول الصاحب: هذا الحكم منسوخ، وبعضهم ينازع في كون هذا مما يبين به النسخ؛ لأنه قد يقوله باجتهاده، يظن تعارض بين هذا النص وهذا النص ثم يستروح إلى أن هذا النص متأخر، فيقول: إنه منسوخ، أو صاحب .. ، لكن إذا قال الصحابي: كان آخر الأمرين من فعله -عليه الصلاة والسلام- ترك الوضوء مما مست النار، عرفنا أن المتقدم منسوخ بقول الصحابي، "أو صاحب أو ... عرف التاريخ" ومعرفة التاريخ معروفة عند أهل العلم، ولهم عناية بها، تواريخ المتون، ولذا عنوا بالمكي والمدني بالنسبة للقرآن؛ ليعرف المتقدم من المتأخر، وكذلك بالنسبة للسنة يعرف بالصحابي مثلاً وببعض الأحوال وبما يحتف بالقصة، وبمن بالبحث عن المبهم في الخبر، ليعرف المتقدم والمتأخر.
المقصود أن الوسائل لمعرفة التاريخ كثيرة جداً لأهل العلم، ولذلك أمثلة، عرف التاريخ: حديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) حديث شداد بن أوس، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، حديث ابن عباس، يقول الإمام الشافعي: حديث شداد في الفتح -فتح مكة- أو في عمرة القضية، مع أن حديث ابن عباس في حجة الوادع، فقال: إن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد بن أوس، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، عند من يقول: إن الحجامة لا تفطر.
. . . . . . . . . أو عرف التاريخ أو ... أجمع تركاً. . . . . . . . .
إذا أجمعوا على ترك العمل به عرفنا أنه منسوخ، وسبق الكلام في هذه المسألة، وأن الناسخ في الحقيقة هو ما اعتمد عليه الإجماع من نص.
. . . . . . . . . أو ... أجمع تركاً بان نسخ ورأوا
دلالة الإجماع لا النسخ به ... . . . . . . . . .(41/22)
يعني ما دل أو الدليل الذي اعتمد عليه الإجماع هو الناسخ لا النسخ، لماذا؟ لأن النسخ من خصائص النصوص، لا النسخ به، فالإجماع لا ينسخ ولا ينسخ، لا النسخ به، أولاً: لأن الإجماع لا يثبت إلا بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، وبوفاته تنقطع النصوص، والنسخ من شأنها.
. . . . . . . . . لا النسخ به ... كالقتل في رابعة بشربه
((من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الثالثة فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاقتلوه)) وفي بعض الروايات: الخامسة، وهو مروي من طريق أحد عشر صحابياً، فالحديث صحته لا إشكال فيها، لكن مفاده أن المدمن يقتل، وعلى خلاف بين أهل العلم في الرابعة عند من يقول به، في الرابعة أو الخامسة حسب الأدلة الدالة على ذلك.
يقول الترمذي: إن هذا مما أجمع العلماء على ترك العمل به، مع أنه يقول به ابن حزم، يقول: يقتل إذا شرب الرابعة، وأيده السيوطي في تعليقه على الترمذي، وللشيخ أحمد شاكر رسالة اسمها: (كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر) وتعليقه على المسند وافي في هذه المسألة، أطال في تقريرها، هذا على القول بأن هذا حد، حد يقتل في الرابعة، هذا القول على أنه حد، والجمهور على أنه منسوخ لا يعمل به، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم يرونه تعزيراً، يعني إذا كثر في الناس وفشا فيهم وما نفع فيهم الحد للإمام أن يقتل المدمن، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(41/23)
شرح ألفية الحافظ العراقي (43)
التَّصْحِيْفُ - مُخْتَلِفُ الْحَدِيْثِ - خَفِيُّ الإِرْسَالِ وَالْمَزِيْدُ فِي الإِسْنَادِ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرتم في درس سابق أو في دروس سابقة أن المرأة على النصف من الرجل في خمسة أمور منها: العتق، يقول: لم يتضح لي كيف تكون المرأة على النصف من الرجل في العتق؟
((من أعتق رجلاً كان فكاكه من النار، ومن أعتق امرأتين كانتا فكاكاه من النار)) يعني أجر العتق في الذكر مثل أجر الأنثيين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
التَّصْحِيْفُ
وَالْعَسْكَرِيْ وَالدَّارَقُطْنِيْ صَنَّفَا ... فِيْمَا لَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ صَحَّفَا
فِي الْمَتْنِ كَالصُّوْلِيِّ (سِتّاً) غَيَّرِ ... (شَيْئاً) أوِ الإِسْنَادِ كَابْنِ النُّدَّرِ
صَحَّفَ فِيْهِ الطَّبَرِيُّ قالاَ: ... (بُذَّرُ) بالبَاءِ وَنَقْطٍ ذَالاَ
وَأَطْلَقُوْا التَّصْحِيْفَ فِيْمَا ظَهَرَا ... كَقَوْلِهِ: (احْتَجَمَ) مَكَانَ (احْتَجَرا)
وَوَاصِلٌ بِعَاصِمٍ وَالأَحْدَبُ ... بِأَحْوَلٍ تَصْحِيْفَ سَمْعٍ لَقَّبُوا
وَصَحَّفَ الْمَعْنَى إِمَامُ عَنَزَهْ ... ظَنَّ الْقَبِيْلَ بحَدِيْثِ (الْعَنَزَهْ)
وَبَعْضُهُمْ ظَنَّ سُكُوْنَ نَوْنِهْ ... فَقالَ: شَاَةٌ خَابَ فِي ظُنُوْنِهْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:(42/1)
"التصحيف" التصحيف هو التغيير، وسببه هو الاعتماد على الصحف دون الأخذ عن الشيوخ، فإذا اعتمد الإنسان على الصحف يقرأ الشيء على حسب الحروف التي أمامه لكن قد يكون ضبطه لهذه الحروف موافق للصواب وقد يخطأ، أقول: وهذا النوع يقع في الأسماء أكثر؛ لأنها لا تفهم من السياق، ولا يستدل عليها بما قبلها وما بعدها بينما المتون قد تفهم من السياق، وتنطق إذا كانت اللفظة متداولة على الصواب، بناء على ما سبقها وما تأخر عنها، وإذا كانت اللفظة من الغريب التي يقل تداولها فيقع فيها التصحيف، وإذا كان صورتها تشتبه بغيرها وقع التصحيف.
يقول -رحمه الله تعالى-:
والعسكري والدارقطني صنفا ... . . . . . . . . .
التصحيف منهم من يجعله لمطلق التغيير، سواء كان التغيير في الحروف أو في الضبط والشكل، أو في المعنى، ومنهم من يقول: التصحيف في الحروف والتحريف في الشكل، ومنهم من يقول: التصحيف في الحروف والشكل، والتحريف للمعنى.
والعسكري والدارقطني صنفا ... فيما له بعض الرواة صحفا(42/2)
العسكري الحافظ أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، وهناك من اشتهر بهذه النسبة وهو أبو هلال العسكري، له مصنفات، منها: الأمثال، ومنها الفروق في اللغة وغيرهما من المؤلفات، لكن العسكري هذا صاحب المصنفات في التصحيف، وله أكثر من مؤلف في هذا الباب، له أكثر من مؤلف، شرح ما يقع فيه التصحيف (تصحيفات المحدثين وأخبار المصحفين) هذا أصغرها في أخبار المصحفين، وذكر فيه طرائف ونوادر، وذكر أشياء من تصحيفات القراء، لبعض ألفاظ القرآن الكريم، ونسب لعثمان بن أبي شيبة أشياء مثل هذا النوع في القرآن، ذكر بإسناده قال: قرأ عثمان بن أبي شيبة: "فجعل السقاية في رجل أخيه" فقيل له: في رحل أخيه، فقال: تحت الجيم واحدة، بعضهم صحف {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} [(171) سورة الأعراف] قال: "نتفنا الحبل" يعني في الصورة متقاربة، وذكرنا أنه في السابق الإعجام غير موجود، صورة الحرف يشتبه بغيره، وكان العرب على سليقتهم في الصدر الأول لا يحتاجون لا إلى نقط ولا إلى شكل، وذكرنا سابقاً قراءة بعضهم: "والنحل باسقات" قيل: النخل، قال: لا النحل؛ لأن ما فيها نقطة، لا نون ولا خاء، يعني احتمال تُقرأ: البخل بعد، لكن استدل من رد عليهم من حيث المعنى، يقول: إن كانت النحل ولا بد فقل: لاسعات، لا تقل: باسقات، فهم يستدلون بسياق الكلام ببعضه على بعض، والكتاب هذا مطول يعني باعتبار .. ، بالسند، يعني يذكر ثلاثة أسطر أربعة السند؛ لأنه متأخر، ثم يذكر التصحيف كلمة واحدة، قال: ((عم الرجل صنو أبيه)) هذا الحديث صحيح، قال المصحف: "عم الرجل ضيق أبيه" نعم وهذا قال: صحف بعضهم قوله: "لا يورث حميل إلا ببينة" قال: "لا يورث جميل إلا بثينة" ومن أشد ما وقع أثره في التصحيف قال: كتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن حزم أن احصِ من قبلك من المخنثين، فصحف كاتبه فقرأ: اخصِ، فدعاء بهم فخصاهم، لكن ما يتعلق بالقرآن حقيقة مشكل جداً يعني، حتى أنه صار مما يتندر به.
يقول: إنه كان في أول تعلمه -حمزة الزيات ينقلون عنه- أنه كان في أول تعلمه القرآن يتعلم من المصحف فقرأ: "ذلك الكتاب لا زيت فيه" مشكلة مثل هذه، "الخوارج مكلبين" وهي الجوارح، يأتي بعض الأمثلة في النظم، قال:(42/3)
والعسكري والدارقطني صنفا ... فيما له بعض الرواة صحفا
يعني صنفا في هذا النوع، وهو المصحف.
. . . . . . . . . ... فيما له بعض الرواة صحفا
في المتن كالصولي (ستاً) غيّرِ ... شيئاً. . . . . . . . .
((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)) أملاه الصولي فقال: شيئاً.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو الإسناد كابن الندرِ
ابن الندر هذا من الصحابة، عتبة بن الندر السلمي، صحفه ابن جرير الطبري.
صحف فيه الطبري قالا ... بذر. . . . . . . . .
نعم بذر بالباء والذال، بالباء "ونقط ذالا".
صحف فيه الطبري قالا ... بذر بالباء ونقط ذالا
يعني بدل الدال المهملة وبالنون، وبالباء بدل النون من التصحيف، ما جاء في حديث: "احتجر النبي -صلى الله عليه وسلم-" صحف: "احتجم".
وأطلقوا التصحيف فيما ظهر ... كقوله: "احتجم" مكان "احتجرا"
النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجر في المسجد، يعني اتخذ حجرة من سعف النخل، احتجر بها يعني في وقت الاعتكاف، فصحفت "احتجم في المسجد".
وواصل بعاصم والأحدبُ ... بأحول تصحيف سمع لقبوا
يعني هناك تصحيف بصر، تنظر إلى الكلمة فتقرأها على خلاف الصواب، وقد تنقلها إلى كتاب أخر كذلك على خلاف الصواب، وهناك ما يسمى بتصحيف السمع، تسمع الكلمة فيصحفها سمعك إلى كلمة توازيها في الميزان الصرفي، فمثلاً عاصم صار واصل، والأحول صار الأحدب.
وواصل بعاصم والأحدبُ ... بأحول تصحيف سمع لقبوا
لأنه بالنسبة للبصر في فرق بين واصل وعاصم، في فرق، وفرق بين الأحدب والأحول إلا إذا كان الخط على طريق المشق أو التعليق الذي لا تبين فيه الحروف كما ينبغي، ولا يفصل بعضها من بعض كما ينبغي، ولا تظهر أسنان الحرف، والنقط قد لا تكون في مواقعها، ومر هذان النوعان من أنوع الخطوط، وهي شر أنواع الخطوط.
وواصل بعاصم والأحدبُ ... بأحول تصحيف سمع لقبوا
يعني البصر ما يخطأ في مثل هذا، لكن تسمع وتصحف، وهذا كثير، تجد الإنسان يسمع الكلمة فلا يضبطها، يأتي بما يقاربها مما هو على زنتها.
وصحف المعنى إمام عنزه ... . . . . . . . . .
أبو موسى العنزي، محمد بن مثنى، وهو من شيوخ الأئمة الستة.
وصحف المعنى إمام عنزه ... ظن القبيل بحديث العنزه(42/4)
النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى تركز له العنزة، فظن العنزة القبيلة، لا سيما وأنه عنزي، ويذكر عنه أنه يقول: نحن قوم لنا شرف، صلى إلينا النبي -صلى الله عليه وسلم-،. . . . . . . . . إن مثل هذا يكون من باب التنكيت؛ لأنه عرف بهذا، أما إمام من شيوخ البخاري ومسلم وغيرهم يقول: صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ما يمشي هذا إطلاقاً، وأسوأ من هذا من سكن النون ثم رواه بالمعنى، وقال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة، وذكر بعضهم أنه قدم إلى بلد فوجدهم يصلون وقد ربطوا في المحراب شاة، ربطوها في المحراب يصلون إليها، يعني بعد أن سكن النون عنزة، ثم عاد روى بالمعنى ما يحتاج لفظ، هذه الرواية بالمعنى جائزة، فقال: صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى شاة، وطبقوا، ربطوا بالمحراب شاة، قال:
وبعضهم ظن سكون نونه ... فقال: شاة. . . . . . . . .
يعني إلى شاة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . خاب في ظنونه(42/5)
نعم الذي إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، يعني المسألة مفترضة في طالب علم يسمع الحديث، فإذا وصل الغباء به إلى هذا الحد فهذا خاب في ظنونه، ولن يفلح، إذا كانت هذه بدايته لن يفلح؛ لأنه لو اقتصر على اللفظ ورواه بلفظه، ما فعل أو ما صحف أكثر من مرة، الآن أبو موسى على اللفظ عنزة، وصحف المعنى من العصا الذي في طرفه الزنج الذي يوضع أمام المصلي، كان يحمل مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يستتر به، لفظه ولفظ القبيلة واحد، هذا تصحيف درجة واحدة، لكن تصحيف درجتين وثلاث أيضاً كما هو في تسكين النون عنْزة، ثم بعد ذلك التطبيق والرواية بالمعنى، والعنز والشاة حكمهما واحد، وإلا فالمعز غير الضأن، الشاة الأنثى من الضأن، والعنزة الأنثى من الماعز فصيلة أخرى، ومع ذلك جرى على ذلك التطبيق عنده، فربطوا في المحراب شاة، مثل من صحف: "بسكينة ووقار" "بسكينة وفأر" وصار كل واحد من جماعة المسجد ما يجئ إلى المسجد إلا ومعه سكين وفأر، فلا شك أن الذي يعتمد على الصحف ولا يسمع من العلماء المعروفين بالضبط والإتقان، ولا يراجع كتب الضبط، مثل هذا يقع في المضحكات، ولا بد أن يقع، مهما بلغ من المنزلة إلا أنه يتفاوت بعض الناس يكثر عنده مثل هذا، وبعضهم قد يقع منه ما يضحك منه، لا سيما إذا سخر ممن يقع منه هذا الأمر، لا بد أن يعاقب، ففي مجلس إمام من الأئمة من المشاهير قال: الإمام قرأ البارحة: "والوالدات يرضعن أزواجهن" ضحك هذا الإمام ضحكاً شديداً، وكأنه وقع في نفسه شيء من السخرية بهذا الرجل، فقرأها كما سمع، الإنسان يعاقب، الذي يعير أخاه بما وقع منه سواء كان عن عمد وتاب عنه أو كان عن سهو وغفلة وعدم قصد لا بد أن يقع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كثر نعم أيه يجرح به؛ لأنه دل على عدم الضبط، الضبط شرط، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(42/6)
هذه كتب الأنساب كفيلة بها، كتب الأنساب، وكتب المشتبه، وكتب المؤتلف، كثيرة مصنفات في هذا الباب، بعني من أجمعها كتاب الحافظ ابن حجر: (تبصير المنتبه)، وكتاب الذهبي: (المشتبه) كتب كثيرة في هذا الباب بالنسبة للرواة، وبالنسبة للألفاظ كتب الغريب تضبط، والشروح أيضاً تضبط، بالنسبة للأنساب العيني في ترجمة جرير بن عبد الله في موضعين قال: البُجلي، وفي موضع ثالث ضبطها على الصواب قال: البَجلي، ربعي بن حراش ضبطه بالمهملة، والمنذري في تهذيب السنن ضبطه بالخاء المعجمة، والأكثر على ضبط الربيع بن خيثم، وضبطه بعض من ترجم من المتأخرين "بخيثم" تجدونها في كثير من الكتب التي طبعت الربيع بن خيثم، لكن صوابها بالتصغير خثيم، وغير هذا كثير، كثير جداً يقع فيه التصحيف، وسببه الاعتماد على الصحف، ولذلك نسب إليه، ولذلك قيل: التصحيف، يعني الفعلة فعلة التصحيف ارتباطها بالتسمية بعيد، لكن بالنظر إلى أن السبب في التصحيف الأخذ من الصحف سمي تصيف، وأما المعنى المطابق فهو التحريف، وهو الانحراف باللفظة عن طريقها وسننها الصحيح، سواء كان ذلك باللفظ، بالحرف، بالشكل، بالمعنى، كله تحريف، أما تصحيف فمراعاة للسبب الموقع في التصحيف، وهو الأخذ من الصحف والاعتمال عليها، نعم.
مُخْتَلِفُ الْحَدِيْثِ
وَالْمَتْنُ إِنْ نَافَاهُ مَتْنٌ آخَرُ ... وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلاَ تَنَافُرُ
كَمَتْنِ (لاَ يُوْرِدُ) مَعْ (لاَ عَدْوَى) ... فَالنَّفْيُ لِلطَّبْعِ وَفِرَّ عَدْوَا
أَوْ لاَ فَإِنْ نَسْخٌ بَدَا فَاعْمَلْ بِهِ ... أَوْ لاَ فَرَجِّحْ وَاعْمَلَنْ بِالأَشْبَهِ
يقول الناظم –رحمة الله عليه-:(42/7)
"مختلف الحديث" وحقيقته أن يوجد حديثان متضادان في الظاهر، وأما في الباطن فلا يمكن أن يوجد حديث مضاد في المعنى لحديث آخر وكلاهما صحيح ثابت؛ لأن الأحاديث من مشكاة واحدة، وهي وحي من الله، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] ونفي الاختلاف عن الوحي {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] لكن الذي من عند الله ومن مشكاة واحدة لا يمكن أن يختلف، وقد يوجد بالنسبة للبشر كلام يصدر من شخص واحد ويحصل فيه اختلاف؛ لأنه ليس من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] يعني من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً، لكن الذي من عند الله -جل وعلا- لا يوجد فيه اختلاف، قد يقول قائل: وجدنا اختلاف كثير في الآيات وفي الأحاديث، نقول: هذا اختلاف في الظاهر، وأما في الحقيقة والباطن لا اختلاف، هذا الذي يبحثه أهل العلم في هذا الموضع الذي هو مختلف الحديث، وقد يقال له: المشكل، وألفت فيه المؤلفات من أولها وأولاها اختلاف الحديث للإمام الشافعي، على خلاف بينهم هل هو مؤلف مستقل لهذا النوع، أو هو باب من أبواب الأم، فبعض الشافعية يقول: ليس بمفرد، هذا من أبواب الأم، وهذا عليه الأكثر، وأفرد فمنهم من قال: إنه مفرد، من الأصل ألفه الإمام الشافعي كتاب مستقل كما ألف الرسالة، ألف اختلاف الحديث، ومنهم من يقول: إنه باب من أبواب الأم، والمسألة سهلة، المقصود أنه كتاب متكامل، سواء أضيف إلى كتاب وأدخل في كتاب الأم الكبير، أو أفرد عنه، ألف في مختلف الحديث أيضاً ابن قتيبة، ألف فيه ابن قتيبة (تأويل مختلف الحديث) وكتابه عليه استدراك، وضعف في الإجابة عن بعض الاختلاف في بعض المواطن، وممن عرف بالعناية بهذا النوع من أنواع علوم الحديث الإمام ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، يطلق عليه شيخ الإسلام وغيره: إمام الأئمة، ويقول: لا أعرف حديثين متضادين متعارضين، فمن كان عنده شيء من ذلك فليأتني لأولف بينهما، ولذلك تجدون في تراجم صحيحه كثيراً ما يوفق بين الأحاديث، وقد عرف بهذا،(42/8)
لكن لا يعني أنه أحاط بكل شيء، أو أنه لا يشكل عليه شيء، لا، يعني حكم على حديث حسنه أكثر أهل العلم ((لا يؤمنّ أحد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) قال: هذا الحديث موضوع هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه معارض بحديث: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) هذا خص نفسه، ابن خزيمة -رحمه الله- قال: الحديث الثاني موضوع، معارض بما في الصحيح، بما هو أصح منه، فدل على أنه لا يثبت، مع أنه محسن عند جمع من أهل العلم، والتوفيق ظاهر، سهل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: المحظور الدعاء الذي يؤمن عليه، يعني ما يمكن إمام يؤم الناس ويقول في القنوت: اللهم أهدني فيمن هديت، والناس يقولون: آمين، اللهم عافني فيمن عافيت ويقولون: آمين، هذا لا يجوز، بل قد يحمل هذا بعضهم على أن يدعو عليه، يمكن يدعى عليه إذا خص نفسه بدعوة دونهم، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.
السخاوي له جواب يقول: يمكن حمل الدعاء الممنوع في الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام مع المأموم، أما ما يشترك الإمام مع المأموم كدعاء الاستفتاح والدعاء بين السجدتين مثلاً هذا يجوز أن يخص نفسه، دعاء الاستفتاح الإمام يستفتح والمأموم يستفتح، وبين السجدتين الإمام يقول: ربي اغفر لي وارحمني، والمأموم كذلك، فلا يلزم أن يقول الإمام: ربنا اغفر لنا وارحمنا .. إلى آخره.
طالب:. . . . . . . . .
إيه جواب شيخ الإسلام أخص، إيه يعني مثلاً دعاء الإمام يدعو في سجوده بما لا يشترك معه المأموم على رأي شيخ الإسلام ما يخالف، يجوز؛ لأنه لا يؤمن عليه هذا، وعند السخاوي لا يجوز؛ لأن المأموم لا يقولها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يدعو لكن ما يدعو بمثل ما يدعو به الإمام.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، السخاوي ما فيه إلا الدعاء المشترك الذي جاءت به النصوص، مثل الاستفتاح، ومثل الدعاء بين السجدتين بالوارد، لكن لو زاد عن الوارد الإمام لا يجوز أن يفرد نفسه؛ لأن دعاء السجود فيه شيء منصوص؟ ما في شيء منصوص، إذاً لا يجوز أن يخص نفسه، لاحتمال أن المأمومين لا يدعون به، بهذا الدعاء الذي يدعو به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أي مشروع.
طالب:. . . . . . . . .(42/9)
لا لا، المشروع إذا كان مشروع للجميع، إذا كان مشروع للجميع يتفقون عليه ما يحتاج يجمع، إذا تصور انفراد الإمام بهذا الدعاء لا يجوز له أن يفرد.
طالب:. . . . . . . . .
ليس له كتاب مطبوع يخص هذا الفن، لكن في صحيحه كثير من هذا، وهذه تنقل عنه، يعني هذا الكلام ينقل عنه.
طالب:. . . . . . . . .
أي نعم هذا أشهر ما قيل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يتقي الإمام بقدر الإمكان أن يخص نفسه إلا فيما يغلب على الظن أن المأموم. . . . . . . . . على كل حال يرد بعد على كلام السخاوي أن المأموم قد يستفتح بغير الاستفتاح الذي استفتح به الإمام، قد يقول الإمام: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، والمأموم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، فكلام شيخ الإسلام منضبط أكثر، الطحاوي له كتاب كبير اسمه: (مشكل الحديث) كتاب كبير، وفيه ما يدل على براعته، وقوة فهمه، وإن كان عليه ما يلاحظ في بعضه، ما في أحد بيسلم، ابن فورك أيضاً له: (مشكل الحديث وبيانه) لكن مثل ابن فورك وقد عرف بالبدعة لا يؤمن على التوفيق بين الأحاديث التي تتعلق بالعقائد، فيه كتاب اسمه: (مشكلات الأحاديث) لعبد الله بن علي القصيمي الزائغ المنحرف الملحد، لكنه في أول أمره ألف مؤلفات نافعة.
على كل حال المؤلفات في مختلف الحديث كثيرة، والشراح من أهم وظائفهم التوفيق بين الأحاديث المختلفة، وعرفنا أن مثل هذا الاختلاف والتضاد إنما هو في الظاهر، وأما في الباطن فلا، وأيضاً الاختلاف نسبي قد يبدو اختلاف لشخص ويكون مما لا اختلاف فيه، بل هو محكم عند شخص أخر، وإذا كان النص الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح فلئن لا يعارض النقل الصحيح الثاني يعني من باب أولى، النقل الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح، يعني الباقي على فطرته، أما العقول التي اجتالتها الشياطين، ولعبت بها الأهواء فإن هذا لا عبرة بها، ولشيخ الإسلام كتاب في موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، الذي طبع باسم: درء تعارض العقل والنقل، كتاب من أعظم الكتب في هذا الباب.
قال -رحمه الله-:
والمتن إن نافاه متن آخرُ ... وأمكن الجمع فلا تنافرُ(42/10)
إذا أمكن الجمع تعين، وحينئذٍ لا اختلاف، وإذا أمكن الجمع لزم ووجب المصير إليه؛ لأنه عمل بجميع الأحاديث، بخلاف القول بالترجيح أو بالنسخ؛ لأنه إلغاء لبعض الأحاديث وعمل ببعضها، فإذا أمكن الجمع فلا تنافر.
كمتن (لا يورد) مع (لا عدوى) ... فالنفي للطبع وفر عدوا
في الحديث الصحيح المخرج عند البخاري وغيره: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد)) وصح عنه أيضاً -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا يورد ممرض على مصح)) يعني صاحب إبل مريضة على صاحب إبل صحيحة، ((لا عدوى)) مع أنه قال: ((فر من المجذوم)) اختلاف ظاهر، كيف يقول: ((لا عدوى)) ويأمر بالفرار؟ إذا كان لا عدوى لماذا نفر؟ ولماذا يمنع الممرض من إيراد إبله على المصح إذا كان لا عدوى؟ ما له داعي يؤمر بالفرار، وينهى عن الإيراد؟ على كل حال هذا تعارض في الظاهر، وللعلماء مسالك لرفع هذا التعارض.(42/11)
"فالنفي للطبع" ((لا عدوى)) يعني أن المرض لا يتعدى بطبعه، ولا يسري بذاته من المريض إلى السليم، فالنفي للطبع، يعني أن المرض لا ينتقل بطبعه، ولا يسري بذاته، والأمر بالفرار لأن الاختلاط سبب؛ لأن الاختلاط بالمريض سبب للعدوى، يعني العدوى المنفية كون المرض ينتقل من المريض إلى السليم بذاته، والعدوى المثبتة، الأمر بالفرار والنهي عن الإيراد؛ لأن الاختلاط -اختلاط المريض بالسليم- سبب لانتقال المرض، قد يوجد المسبب وقد لا يوجد، لكنه سبب، فيبقى الأمر بالفرار من أجل ألا ينتقل المرض بتقدير الله -جل وعلا- من المريض إلى السليم، لا لأن المرض ينتقل من المريض إلى السليم بطبعه، ويسري من غير تقدير الله -جل وعلا-، وهذا معروف أن الأطباء كلهم على هذا، يرون أن العدوى موجودة، لكنها بتقدير الله -جل وعلا-، وإن كان بعض اللي يسمونهم حكماء الأطباء القدماء يرون أنه يسري بذاته، لكن هذا قول جاءنا فيه: ((لا عدوى) وأهل الجاهلية على هذا، يثبتون العدوى، هذا المسلك الأول، وهو إثبات العدوى، لكن المنفي بقوله: ((لا عدوى)) انتقال المرض بطبعه وسريانه بنفسه، هناك أيضاً من أهل العلم من يقول: إنه لا عدوى البتة، يعني تخالط مريض مجذوم كما تخالط سليم، إبل سليمة مع إبل جرباء ما في فرق بينها وبين الإبل السليمة الأخرى، ((لا عدوى)) ويبقى النفي على عمومه، إذاً كيف يقول: ((فر من المجذوم)) و ((لا يورد ممرض))؟ قالوا: هذا من باب سد الذريعة، كيف سد الذريعة؟ يقول: قد يقدر على هذا الشخص الذي اختلط بالمريض أن يصاب بمثل مرضه بغض النظر عن كونه مريض أو غير مريض الثاني، يصاب بمثل هذا المرض ابتداءً من الله -جل وعلا- كما أصيب الأول، فيقع في نفسه ثبوت العدوى، وإذا أثبت في نفسه ثبوت العدوى وقع في حرج عظيم مع الحديث، كيف يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا عدوى)) والمرض انتقل من مريض إلى ... ؟ هذا هو الحرج الذي ينبغي ألا يتطرق إلى ذهن المخالط، وإلا فلا ينتقل المرض البتة، وجاء الجواب من النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قالوا: إننا نرى الإبل السلمية تخالط المريضة الجرباء فتجرب مثلها؟ قال: ((فمن أعدى الأول؟ )) دليل على أن الثاني أصيب بهذا المرض(42/12)
ابتداءً لا بسبب معاشرته ومخالطته للمريض، قوله: ((فمن أعدى الأول؟ )) دليل على أنه لا عدوى البتة، والأمر بالفرار والنهي عن الإيراد إنما هو من باب سد الذريعة، وحفظ هيبة النص؛ لأنه إذا وقع في نفسه أن المرض انتقل من المريض إليه مع أنه يعرف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا عدوى)) قد يقع في نفسه شيء من الخلل؛ لأن الحديث خالف الواقع عنده، فيقع في نفسه إنكار الحديث أو الشك فيه، مع أن الحديث مجمع على صحته، فالنهي عن الإيراد والأمر بالفرار من هذه الحيثية.
منهم من يقول: ((لا عدوى)) هذا عام في جميع الأمراض إلا في الجذام خاصة، فالجذام ينتقل؛ لأنه قال: ((لا عدوى)) يعني في جميع الأمراض، فر من المجذوم إلا في الجذام؛ لأنه ينتقل، وعلى كل حال الأطباء يثبتون هذه العدوى، لكنهم يقولون -المسلم منهم يقول-: إنها بتقدير الله -جل وعلا-، فجعل المخالطة سبب، والمقدر والمسبب هو الله -جل وعلا-، هذا يفهم من الأمر بالفرار، وأيضاً النهي عن الإيراد، وهذا عليه جل الأطباء الآن، جل الأطباء، تجدهم يحتاطون لأنفسهم ولغيرهم إذا أرادوا أن يباشروا مريضاً تجد الحوائل والأسباب تبذل، الكمامات والدساسات، يحتاطون لذلك، تجدهم يطهرون ويعقمون، ومع ذلك يصابون، يعني لا يظن أن الإنسان إذا بذل هذه الاحتياطات في منأىً عن الإصابة.(42/13)
والملاحظ أن الذي يخاف من العدوى تجده أشد الناس، أو أسرع الناس بالإصابة، تجد بعض الناس إذا كح عنده أحد أو عطس أو تثاءب أو شيء من هذا حصل عنده ما حصل، وبعض الناس عادي يشرب من الإناء الذي شرب منه زيد وعبيد مريض سليم ما عليه، وتجد هذا -بإذن الله- أقل الناس إصابة، سبحان الله العظيم؛ لأن الناس إذا اعتمدوا على احتياطاتهم وكلوا إليها، وشف الآن فرق الأجسام الآن بين قبل ثلاثين وأربعين وخمسين سنة، يعني كانت الهرة تأتي وتشرب من الإناء ويشرب بعدها، ويش المانع؟ فضلاً عن الآدمي، وتجد وسائل التنقية، وسائل التعقيم، وسائل .. ، لا توجد أصلاً، وإلى وقت قريب والماء يشرب من البراميل أصفر، أصفر يشرب، ولا تضرروا، ثم بعد ذلك صار الناس يعني تطوروا قليلاً، فمن أراد أن يشرب وضع الغترة هكذا تصير فلتر، ويبقى بها أشياء سوداء كثيرة يعني ما هي بـ ... ، ولو شرب بدونها -بإذن الله- ما تضرر؛ لأن ما تضرر غيره، فهذه الاحتياطات لا نقول: إنها ممنوعة، الاحتياطات النظافة مطلوبة والشرع جاء بها، لكن أيضاً الوسواس إلى حد يصل إلى شيء مضحك، يعني لو عطس إنسان قامت القيامة عنده، أو تثاءب أو كح، نعم على الإنسان أن يخمر وجهه إذا عطس أو حصل منه شيء، مأمور بهذا، لكن مع ذلك الطرف الآخر مقابل ذلك أيضاً ينبغي ألا يشدد في هذا الباب لئلا يوكل إلى احتياطاته، مثل العين الذي يخاف من العين، وتجده يتحسس من كل إنسان، وإذا قال: كذا، اذكر الله، قل: ما شاء الله، وما في موجب ولا شيء، تجده أسرع الناس بالإصابة بالعين هذا، وكان في شخص غير متميز بوجه من الوجه، يعني ليس متميز لا بعلم ولا بعمل ولا بجمال ولا بمال ولا أهل ولا ولد ولا تلد، ما عنده شيء، وكل من رآه قال: قل: ما شاء الله يكتب لك حسنة، ما قصده أنه من أجل الذكر، لا، يخشى أن يصيبه بالعين، وما أكثر الأمراض بالنسبة لذاك الرجل، سبحان الله، ليست هذه دعوى للتقليل من شأن الاحتياطات، أو كون الإنسان .. ، لكن الاعتماد على هذه الاحتياطات مشكل، الغلو فيها أيضاً مشكل، فعلى الإنسان أن يكون متوسطاً في جميع أموره لا إفراط ولا تفريط، يعني في كتب الصوفية يقولون: إن أويس القرني يأكل مع الكلاب في(42/14)
المزابل، يعني هل يأتي الشرع بمثل هذا؟ لا، لكنه جاء الشرع بأنه ((إذا سقطت اللقمة أو وقعت فليمط ما بها من أذى وليأكلها)) وجاء أيضاً: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه)) يعني لا إفراط ولا تفريط، وعندنا الآن الواقع الآن اللي هي نازلة، مسألة اللي يسمونه انفلونز الطيور، تجد الإنسان من الناس من يبالغ ما يمكن أن يشتري شيئاً من مشتقاتها، لا بيض ولا أي شيء يتعلق بالطيور، وبعضهم يقول: أبداً هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يوجد مرض بهذا الاسم، فهذا إفراط وهذا تفريط، قد يوجد، لكن ليس الأمر إلى هذا الحد، بأن يتخوف الناس وبعضهم يغلق النوافذ لا يجئ طائر، ولا يجيء كذا، يا أخي الحمد لله، فمن هذا الباب على الإنسان إن يتوسط في جميع أموره، لا تكن حياته شقاء وتعاسة، وقع طائر على الجدار، يعني معناها أن الناس ماتوا؟! كم من حالة وقع من الوفيات بالنسبة لبني آدم؟! أظن ما وصلوا إلى ثلاثين إلى الآن، من ستة مليارات، فعلى هذا على الإنسان أن يكون متوسط في أموره كلها، يعني لا يصير مثلما نسب في بعض كتب المتصوفة أن بعضهم يأكل .. ، حتى النجاسات أكلوها فيما زعموا، ذكروا عن بعض أوليائهم أنهم يأكلون النجاسات، وبعضهم يأكل السم، يأكل الحيات، يأكل العقارب، هل يأتي دين بمثل هذا؟! ما يمكن، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل الأطباء من مرجحاتهم أنهم رأوا أن هذا المرض يسري من فلان إلى فلان، أو رأوا أن الإصابة بالمخالطة أكثر من الإصابة بغيرها؟ ما يثبت شيء من هذا.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا الذي ذكرناه بالنسبة لمن يتخوف أكثر من اللازم، فهذا دليل على عدم التوكل، أو ضعف التوكل عنده.
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك أن التوكل يعطي الإنسان من القوة ما يجعله تندفع عنه هذه الأمور كالعين.
إذا أمكن الجمع تعين؛ لأن في الجمع العمل بجميع الأحاديث، إذا لم يمكن؛ لأنه قال: "أو لا" هنا قال: "فر عدواً" ((لا عدوى)) العدوى: انتقال المرض، وعدواً مصدر عدا يعدو عدواً، يعني مسرعاً، فر عنه مسرعاً، عدواً يعني مسرعاً، نعم، "أو لا" يعني لا يمكن الجمع بين النصوص.(42/15)
. . . فإن نسخ بدا فعمل به ... . . . . . . . . .
يعني عرف المتقدم من المتأخر فالمتقدم منسوخ، والمتأخر ناسخ، ولا إشكال حينئذٍ، هذا إذا عرف التاريخ.
. . . . . . . . . فإن نسخ بدا فعمل بهِ ... أو لا. . . . . . . . .
يعني لم يبدُ النسخ فرجح، يعني ما استطعت أن توفق، ولا عرفت المتقدم من المتأخر فعندك الترجيح، والمرجحات كثيرة جداً، ذكر منها الحازمي في مقدمة (الاعتبار لمعرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار) ذكر منها خمسين من المرجحات، وزاد بعضهم حتى أوصلها الناظم إلى مائة وعشرة من المرجحات، في تعليقه على مقدمة ابن الصلاح (التقييد والإيضاح).
. . . . . . . . . ... أو لا فرجح وعملن بالأشبهِ
يعني بالراجح من الحديثين، أو من الخبرين، طيب ما استطعنا أن نوفق ولا عرفنا تاريخ، ولا استطعنا أن نرجح، التوقف؛ لأنك إذا لم تستطع أن تتعامل مع النص بالمراحل المذكورة فإنك إن عملت بأحدهما فعملك به مجرد هواء، وقد جاء التحذير من اتخاذ الإنسان إلهه هواه، فيرجح بهواه، هذا ممنوع، هذا لا يجوز بحال، فلا بد من المرجح المعتبر، فإن لم يوجد فالتوقف، وبعضهم يستحسن ويستروح ويميل من غير مرجح، والاستحسان الكلام فيه لأهل العلم معروف، حتى قيل: من استحسن فقد شرع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نريد أن نكمل هذا الباب على شان يكون هذا آخر دروس الألفية.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا عُرف التاريخ يقدم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، النسخ عمل بالنص، النسخ؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب والترجيح إهمال، إهمال للمرجوح؛ لكنه إهمال بدليل شرعي، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} [(106) سورة البقرة] وذاك إهمال باسترواح، يعني بعض المرجحات التي يعتمدها أهل العلم يعني مما اختلف فيها اختلافاً كثيراً.
طالب:. . . . . . . . .
لا.
طالب:. . . . . . . . .
أنت سواء في الترجيح أو في النسخ تبي تهمل واحد وتعمل واحد.
طالب:. . . . . . . . .
هو كلي، كلي لأحد النصين، ترجيح إهمال كلي لأحد النصين.
طالب:. . . . . . . . .
ولذلك قدم النسخ أولى، القول بالنسخ أولى من القول بالترجيح، نعم اقرأ، نعم.(42/16)
خَفِيُّ الإِرْسَالِ وَالْمَزِيْدُ فِي الإِسْنَادِ
وَعَدَمُ السَّمَاعِ وَالِلِّقَاءِ ... يَبْدُو بِهِ الإِرْسَالُ ذُوْ الْخَفَاءِ
كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ فِي السَّنَدْ ... إِنْ كَانَ حَذْفُهُ بِعَنْ فِيْهِ وَرَدْ
وَإِنْ بِتَحْدِيْثٍ أَتَى فَالْحُكْمُ لَهْ ... مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ حمَلَهْ
عَنْ كُلٍّ إلاَّ حَيْثُ مَا زِيْدَ وَقَعْ ... وَهْماً وَفِي ذَيْنِ الْخَطِيْبُ قَدْ جَمَعْ
بالإضافة: زيادة اسمٍ، أو اسم راوٍ.
نعم يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"خفي الإرسال والمزيدُ في الإسناد"(42/17)
يعني في متصل الأسانيد، أما خفي الإرسال فالإرسال انقطاع في السند، ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم هو الإرسال الظاهر، وما يرويه من لم يدرك عصر من روى عنه في الإسناد هذا انقطاع ظاهر، وقد يطلق عليه الإرسال، حال الراوي مع من يروي عنه لا تزيد عن أربع حالات، وإذا عرفنا الأربع الحالات عرفنا أن نفرق بين أنواع الانقطاع؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون قد سمع منه، أو لقيه، أو عاصره، أو لم يعاصره، فإن كان ثبت سماعه منه لبعض الأحاديث ثم روى عنه ما لم يسمع منه هذا إيش؟ تدليس اتفاقاً هذا ما في خلاف أنه تدليس، إذا ثبت أنه لقيه ولم يوجد ما يدل على أنه سمع أو لم يسمع، ثم روى عنه بصيغة محتملة هذا أيضاً تدليس، إذا ثبت أنه عاصره ولم يثبت لا نفياً ولا إثباتاً مما يتعلق بالسماع أو اللقاء فهذا هو المرسل الخفي، وبعضهم يقول: تدليس، كابن الصلاح ومن يقول بقوله، لكن لو قلنا: إنه تدليس بمجرد المعاصرة قلنا: إن جميع المخضرمين إذا رووا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صاروا مدلسين، ولم يوصفوا بالتدليس نعم؛ لأنهم عاصروه ولم يلقوه ثبت عدم لقائهم له، وعاصروه، هذا ليس بتدليس، هذا هو الإرسال الخفي، وهذا هو الذي يفرق به بين التدليس والإرسال الخفي، هما نوعان، والوصف بالإرسال الخفي أسهل من الوصف بالتدليس؛ لأن التدليس عيب في الراوي، أما إذا كان الراوي لم يدرك ولم يعاصر من روى عنه فهذا انقطاع ظاهر، خلافاً لمن شذ، وقال: إنه تدليس، كما ذكر ذلك ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، فإن لم تثبت المعاصرة .. ، يعني عرفنا أن هذا ولد سنة مائة، وشيخه الذي روى عنه بصيغة موهمة مات سنة تسعين، هذا انقطاع ظاهر ما في إشكال، هذا لا يمكن أن يقال: إنه تدليس، ولا إرسال خفي، خلافاً لمن شذ ممن ذكره ابن عبد البر في مقدمة التمهيد قال: إنه إذا كان بصيغة موهمة يسمى تدليس، هذا كلام ليس بصحيح، إذا ثبتت المعاصرة ولم يثبت اللقاء ولا السماع يعني مع الاحتمال القائم وروى عنه بصيغة موهمة فهذا إرسال خفي، مجرد معاصرة إرسال خفي، إذا ثبت اللقاء، اللقاء ثبت، والسماع لم يثبت فيه شيء لا ينفي ولا يثبت، وروى بصيغة موهمة فإن هذا تدليس، إذا(42/18)
ثبت السماع وروى عنه ما لم يسمعه منه فهذا أيضاً تدليس، يقول:
وعدم السماع واللقاءِ ... يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
الآن الناظم يوافق ابن الصلاح وإلا يخالفه؟ الآن الناظم يقول:
وعدم السماع واللقاءِ ... يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
نعم؟ ابن الصلاح يرى أن ما يرويه المعاصر ....
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ينفي ما دونها، هو ما ينفي ما دونها، الآن عندنا نفرق بين رأي ابن الصلاح وبين ما حرره ابن حجر مما يقتضي الفرق بين التدليس والإرسال الخفي؛ لأن على كلام ابن الصلاح ما في فرق بين الإرسال الخفي والتدليس، ما في فرق.
وعدم السماع واللقاءِ ... يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
عدم السماع واللقاء لهذا المروي بخصوصه أو عدم السماع وللقاء مطلقاً؟ ونفي عدم السماع واللقاء لا ينفي المعاصرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المعاصرة ما فيها إشكال، لكن قوله:
وعدم السماع واللقاءِ ... . . . . . . . . .
هل المقصود به لهذا المروي أو عموماً بالنسبة لعلاقة الراوي بشيخه؟ يقول:
وعدم السماع واللقاءِ ... يبدو به الإرسال ذو الخفاءِ
يعني إذا أردنا أن نقول: إن الحافظ العراقي ينظم كلام ابن الصلاح هذا الأصل، ويوافقه عليه، نقول: إن المراد به عدم السماع واللقاء في هذا المروي، وإن ثبت السماع واللقاء في غيره، وحينئذٍ لا فرق عنده بين التدليس والإرسال الخفي، وإذا قلنا: عدم السماع واللقاء مطلقاً، وإثبات ما دون ذلك من المعاصرة، "يبدو به -يظهر به- الإرسال ذو الخفاء" الإرسال الخفي، انتهينا فيما يتعلق بخفي الإرسال.
كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ فِي السَّنَدْ ... إِنْ كَانَ حَذْفُهُ بِعَنْ فِيْهِ وَرَدْ
وَإِنْ بِتَحْدِيْثٍ أَتَى فَالْحُكْمُ لَهْ ... مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ حمَلَهْ
عَنْ كُلٍّ إلاَّ حَيْثُ مَا زِيْدَ وَقَعْ ... وَهْماً وَفِي ذَيْنِ الْخَطِيْبُ قَدْ جَمَعْ(42/19)
زيادة اسم راوٍ تجد إسناد لحديث وإسناد لنفس الحديث يروى الإسناد الأول من طريق خمسة، ويروى الإسناد الثاني من طريق هؤلاء الخمسة، وفي أثنائهم سادس، بدلاً ما كان الحديث خماسي يرويه مسلم مثلاً عن طريق خمسة، وروي عند غيره بنفس الإسناد إلا أنه بعد شيخ مسلم وشيخ شيخه زيد راوٍ، نفترض المسألة في حديث: (الأعمال بالنيات) حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، وجدناه في كتاب من الكتب عن الحميدي عن سفيان عن راوٍ ثالث عن يحيى بن سعيد ... إلى آخره، سند عالي وسند نازل، بين الرواة وجد راوٍ زائد، قال:
كذا زيادة اسم راوٍ في السند ... إن كان حذفه بعن فيه ورد
إذا كان الإسناد الناقص يروي فيه في مكان الزيادة بين الراوي ومن روى عنه صيغة (عن) "إن كان حذفه بـ (عن) " يعني الإسناد الناقص فيه (عن) وليس فيه تصريح بالتحديث "فيه ورد" يعني الآن بتحكم لأيهما؟ لأن (عن) ليست نصاً في الاتصال، فيكون احتمال فيه سقط هنا، ويكون الحكم للزائد؛ لأن الزائد، الإسناد الزائد فيه زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة عند أهل العلم، و (عن) ليست نصاً في الاتصال، إذاً الحكم للزائد، "وإن بتحدثٍ أتى" يعني السند الناقص الخماسي كله حدثنا فلان قال: سمعت فلاناً، يقول: حدثني فلان، كله تصريح بالتحديث والسماع.
وإن بتحديثٍ أتى فالحكم له ... . . . . . . . . .
للناقص.
. . . . . . . . . ... مع احتمال كونه قد حمله
الحكم للناقص، لماذا؟ لأن هذا الزائد مشكوك فيه، والناقص سيق بصيغة تدل على أن كل راوٍ رواه وتحمله مباشرة بصيغة صريحة ممن فوقه، والزائد مشكوك فيه، وأيضاً إذا أتى بالتحديث فيه زيادة علم، وهي أن هذا الراوي روى عن هذا يعني مثبت، أثبت سماع هذا من هذا، والذي جاء بالواسطة أثبت السماع وإلا أثبت عدم السماع؟ يعني نفى السماع، هذا أثبت السماع، وذاك نفى السماع، والمثبت مقدم على النافي.
وإن بتحديثٍ أتى فالحكم له ... . . . . . . . . .
لكن هل هذا مقطوع به؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، بالتفصيل، إن كان بالعنعنة حكمنا للزائد، وإن صرح بالتحديث حكمنا للناقص.
طالب:. . . . . . . . .
أي نعم.(42/20)
طالب:. . . . . . . . .
الآن يصور لك المسألة من أصلها، على جميع الاحتمالات؛ لأن (عن) ليست نصاً في الانقطاع، كما أنها ليست نصاً في الاتصال، ما هو بحَثنا في بحث العنعنة أنها محمولة على الاتصال بالشرطين، لكنها لا تعني أن الاتصال مقطوع به، كما أن الزائد لا يعني أن (عن) لا تعني الاتصال، فالمسألة ليست مقطوع بها في الجهتين، ولذلك بيجئ "مع احتمال" يعني الآن السند الناقص كله مصرح فيه بالسماع، هل نحكم بأن هذا خطأ مائة بالمائة؟ الزائد؟ لا نحكم بأنه خطأ مائة بالمائة، لماذا؟ لاحتمال أن يكون هذا الشيخ رواه عن ذلك الشيخ بواسطة ثم لقيه فرواه بغير واسطة.
وإن بتحديثٍ أتى فالحكم له ... مع احتمال. . . . . . . . .
يعني هذه كلها ليست مقطوع بها.
. . . . . . . . . ... مع احتمال كونه قد حمله
عن كلٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني كل واحد منهما يرويه عن شيخه بواسطة ثم يتيسر له أن يلتقي به، وهم يحرصون على العلو، فيسأله عنه ويحدث به بغير واسطة.
عن كلٍ إلا حيث ما زيد وقع ... وهماً. . . . . . . . .
يعني إذا نص إمام من أئمة الحديث أن زيادة هذا خطأ لا وجه لها، وأن الحديث لا يعرف من حديث فلان.
عن كلٍ إلا حيث ما زيد وقع ... وهماً. . . . . . . . .
لكن هل هذا لكل أحد؟ ليس لكل أحد، إنما هو للأئمة.
. . . . . . . . . إلا حيث ما زيد وقع ... وهماً وفي ذين الخطيب قد جمع
يعني ألف في هذين النوعين، ألف في خفي الإرسال وألف أيضاً في المزيد في متصل الأسانيد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(42/21)
شرح ألفية الحافظ العراقي (44)
مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤال يقول: قرأت فتوى للشيخ ابن باز -رحمه الله- في الجزء الخامس سنة ثلاثمائة واثنين وخمسين من فتاوى الشيخ بجواز شد الرحال للصلاة عند الإمام حسن الصوت فكيف يوفق بين ذلك والنهي الوارد؟
أنا ما أدري عن حقيقة هذه الفتوى، ما اطلعت عليها، لكن إن ثبتت عن الشيخ وصحت عنه فكأنه حمل النهي عن شد الرحال إلى البقاع، إلى البقعة، ما تشد الرحل من أجل المسجد الفلاني لكونه أفضل من غيره، وأما شد الرحل من أجل قراءة فلان التي تؤثر أكثر من غيرها، هذا إن ثبتت هذه الفتوى عن الشيخ فهذا مراده.
يقول: هل يزكى بدل التعيين علماً بأنه يصرف بعد سنة من التعيين؟
إذا كان بدل التعيين ثابتاً ومن حق الموظف المعين بمعنى أنه يستحقه من قرار التعيين، ولا يقبضه إلا بعد سنة فهذا يزكيه إذا قبضه.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ
رَائي النَّبِيِّ مُسْلِماً ذُو صُحْبَةِ ... وقِيْلَ: إنْ طَالَتْ وَلَمْ يُثَبِّتِ
وقِيلَ: مَنْ أقَامَ عاماً أو غَزَا ... مَعْهُ وذَا لابْنِ المُسَيِّبِ عَزَا
وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ باشْتِهَارٍ أو ... تَوَاتُرٍ أو قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَوْ
قَدِ ادَّعَاهَا وَهْوَ عَدْلٌ قُبِلاَ ... وَهُمْ عُدُولٌ قِيلَ: لا مَنْ دَخَلاَ
في فِتْنَةٍ والمُكْثِرُونَ سِتَّةُ ... أَنَسٌ وابنُ عُمَرَ والصِّدِّيقَةُ
البَحْرُ جَابِرٌ أَبُو هُرَيْرَةِ ... أَكْثَرُهُمْ وَالبَحْرُ في الحَقِيقَةِ
أَكْثَرُ فَتْوَى وَهْوَ وابنُ عُمَرا ... وَابْنُ الزُّبَيرِ وَابْنُ عَمْرٍو قَدْ جَرَى
عَلَيْهِمُ بِالشُّهْرَةِ العَبَادِلهْ ... لَيْسَ ابْنُ مَسْعُودٍ ولا مَنْ شَاكَلَهْ
وَهْوَ وزَيْدٌ وابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ ... في الفِقْهِ أَتْبَاعٌ يَرَوْنَ قَوْلَهُمْ(43/1)
وَقَالَ مَسْرُوقٌ: انْتَهَى العِلْمُ إلى ... سِتَّةِ أَصْحَابٍ كِبَارٍ نُبَلا
زَيْدٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَعْ أُبَيِّ ... عُمَرَ عَبْدِ اللهِ مَعْ عَليِّ
ثُمَّ انْتَهَى لِذَيْنِ والبَعْضُ جَعَلْ ... الأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَا بَدَلْ
يكفي يكفي، خلاص.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى ما يتعلق بالأسانيد والمتون من حيث ما يصحح الخبر أو يضعفه، وطرق التحمل والأداء وغيرها، بدأ بالحديث عما يتعلق برواة الأحاديث، وتمييزهم من حيث الطبقات والقوة والضعف والبلدان وغيرها، بادئاً بالصحابة -رضوان الله عليهم- الذين هم الطبقة الأولى والعليا بالنسبة للرواة، ثم بعد ذلك التابعين فمن تبعهم.
"معرفة الصحابة"
قال -رحمه الله- في تعريف الصحابة:
رائي النبي مسلماً ذو صحبة ... . . . . . . . . .(43/2)
يعني من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- حال كونه مسلماً هو الصحابي، كأنه قال: ذو الصحبة يعني صاحب الصحبة الذي هو الصحابي من رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- مسلماً، وزيد على ذلك من القيود: ومات على ذلك، رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- حال كونه مسلماً، رأى المراد بالرؤية هنا بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل، بحيث لا يخرج الأعمى، فالرؤية يقوم مقامها الخبر الصحيح، وكثير ما يعبر بالرؤية عن الأخبار، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]؟ ما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن بلغه بالخبر، فالرؤية أعم من أن تكون بالبصر، ولذا جاء في أحاديث ما يتطلب هذا التعميم مثل حديث: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) والسؤال من امرأة والحكم عام للرجال والنساء، فهل يقول قائل: إن الأعمى لا يلزمه الغسل؛ لأنه لا يرى الماء؟ يمكن أن يقول هذا أحد؟ أو إذا كان في ظلام لا يمكن أن يرى الماء، وإن أحس به، وإن مسه بيده، لا يلزمه الغسل؟ لا يقول بهذا أحد، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) الرؤية هذه أعم من أن تكون بالبصر، بالخبر الصادق، بالخبر الثقة، يلزمه التغيير حينئذٍ، فالرؤية هنا أعم لئلا يقال: إن مثل ابن أم مكتوم يخرج من هذا الحد، ومن هذا التعريف؛ لأنه لا يرى، وهو من جلة الصحابة، من خيارهم، فالرؤية أعم من أن تكون بالبصر، والحافظ العراقي الناظم يقول: التعبير بمن لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- أعم من مجرد الرؤية، وهو أولى في الحد، لكن لماذا ما قال: لاقي النبي مسلماً؟ يعني من لاقى النبي -عليه الصلاة والسلام- على كونه مسلماً، يقول: إنه تبع في نظمه الأصل وهو مقدمة ابن الصلاح، تبع ابن الصلاح في اللفظ، من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مسلماً مؤمناً مصدقاً به -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الإسلام يشمل الديانات الصحيحة كاليهودية والنصرانية قبل التحريف، فالدين عند الله الإسلام، لا يقول: إن اليهودي والنصراني المؤمن بموسى وعيسى -غير المحرف- بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام- يعد(43/3)
صحابي، يعني مؤمناً مسلماً به، مؤمناً به، مصدقاً به، وهذا يقتضي أن يكون بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام-، فمن رآه قبل بعثته يكون صحابي وإلا ما يكون صحابي؟ لا يكون صحابي، قبل بعثته؛ لأنه لا يصح أن يقال: إنه مؤمن به وهو لم يبعث بعد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(43/4)
إيه قبل رائي النبي باعتبار ما سيكون، هو رأى النبي، ولذلك يبحثون من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد موته وقبل دفنه، هذا صح أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن به، لكن هل يقال له: صحابي؟ لا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام-، وإن استمرت نبوته إلى قيام الساعة فقد انقطع نزول الوحي عليه، والصحبة انقطعت؛ لأن الصحبة إنما تكون من حي لحي، من حي لحي، قد يتجوز في إطلاق الصحبة، فيقال: صاحب المتاع، وصاحب الدار، لكن لا يقصد بذلك أنه صاحبها وألفها وألفته وجالسها وجالسته على سبيل الندية، بمعنى أنه يأخذ معها ويعطي لا، ما تسمى صحبة هذه إلا على سبيل التجوز، نعم الصحبة قد يتجوز فيها حتى تطلق لأدنى ملابسة، لما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينيب أبا بكر في الصلاة نيابة عنه في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت عائشة -رضي الله عنها- إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لا يسمعه الناس، حاولت ما استطاعت أن تغير رأي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فذهبت إلى حفصة وقالت لها: إن أبا بكر رجل أسيف، فلعله ينيب عمر -رضي الله عنه-، حفصة تود لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أناب أباها، فلما أكثرن عليه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لأنتن صواحب يوسف)) هل صحبن يوسف أو أدركن يوسف؟ لا، هذا على سبيل التوسع، توسع، والصحبة تطلق لأدنى ملابسة، يعني من التوسع الذي اتفق عليه أهل الحديث في حد الصحابي، رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مسلماً مؤمناً به، ومات على ذلك، يسمى صاحب، ومع ذلك لو قلت المدة، بمعنى من رآه ولو جزء يسير من الوقت، الإطلاق العرفي للصحبة ما يطلق إلا على من لزم مصاحبه مدة يصح لغة وعرفاً أنه صاحب، يعني من رأى عالم من العلماء وجلس معه في مجلس، أو رآه في مسجد، أو في درس، مجرد رؤية، أو جلس معه جلسة خفيفة يقال: صاحب فلان؟ إذا قيل: أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة هل يطلق على غيرهما من أصحاب أبي حنيفة ولو طالت المدة؟ نعم هم أصحاب أبي حنيفة باعتبار الإتباع، لكن ما لازموا مثل ملازمة أبي يوسف ومحمد، فضلاً عمن دونهم، يعني اختص الإطلاق العرفي للصحبة بمن طالت صحبته(43/5)
لمن نسب إليه، ولذا القول الثاني:
"وقيل: إن طالت" تحقيقاً للحقيقة العرفية واللغوية، أما الصحبة التي رتب عليه الشرف العظيم هي تكون بمجرد رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو بمجرد لقيه ولو شيئاً يسيراً، ما دام مؤمناً به -عليه الصلاة والسلام-، وهذا المحقق والمحرر عند أهل العلم، بعضهم قال: إن طالت الصحبة نعم وإلا فلا يسمى صاحب، لكن هذا يخرج جمع غفير من الصحابة الذين تُرجِموا في كتب الصحابة، ممن لم تطل مدة مقامهم معه -عليه الصلاة والسلام-، ممن أسلم في آخر حياته -عليه الصلاة والسلام-، أو ممن جاء إليه وأسلم على يديه، ثم رجع إلى قومه يخرجهم مع أن كتب الصحابة مملؤة من هذا النوع وهذا القسم، وقال:
. . . . . . . . . ... إن طالت ولم يثبتِ
"ولم يثبت" يعني لم يكن بالرأي الثابت لا من حيث النقل قيل به، وصح عمن نسب إليه، لكنه لم يكن ثابتاً، لم يكن القول به ثابتاً عند أهل العلم، عند أهل الحديث، الذين هم أهل الشأن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ورأوه كلهم صحابة.
طالب:. . . . . . . . .
المهم أنهم رأوه، تحقق أنهم رأوه، لقوه -عليه الصلاة والسلام-.
وقيل: من أقام عاماً أو غزا ... . . . . . . . . .
من أقام عاماً يعني طال المقام، ومن تمام القول: أو عامين، "أو غزا" يعني عزوة أو غزوتين معه، الأصل معه، (مع) محركة العين، لكن قد يحتاج إلى تخفيفها بالتسكين، كما قال:
فريشي منكم وهواي معْكم ... . . . . . . . . .
يجيزون هذا.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وذا لابن المسيب عزا
هذا القول من أقام عام أو عامين، أو غزا معه غزوة أو غزوتين، هذا القول معزو، عزاه ابن الصلاح لسعيد بن المسيب، ويقال: بالفتح مسيَب ومسيِب، ومقتضى ما ينقل عنه من الدعوة: "سيّب الله من سيّب أبي" التسييب هو الترك، ومنه السائبة المتروكة، مسيب، لكن هو المشهور، وهم يقررون: أن الخطأ المشهور خير من الصحيح المغمور، يعني ألسنة الناس قاطبة مسيَب, وإن كان مقتضى هذه الدعوة إن ثبتت عنه أن يقال: مسيِب.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وذا لابن المسيب عزا
عزاه ابن الصلاح.
وحيث جاء الفعل والضميرُ ... لواحد ٍ ومن له مستورُ
هاه؟(43/6)
طالب:. . . . . . . . .
كـ (قال) أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
لأن هنا جاء الفعل والضمير لواحد، وعزا يريد بذلك ابن الصلاح، طيب ما الفائدة من معرفة الصحابة؟ نستفيد الاتصال، وأن إذا عرفنا أن هذا صحابي عرفنا أن الخبر متصل وليس بمرسل، الأمر الثاني: إننا إذا عرفنا أن هذا الراوي صحابي أننا لا نحتاج إلى البحث عن عدالته على ما سيأتي، وكلهم عدول، وهذا الباب وهذا النوع من أنواع علوم الحديث فيه المؤلفات الكثيرة، تفوق الآحاد، تصل إلى العشرات، لكن خلاصتها في الاستيعاب لابن عبد البر، وأُسْد -أو أَسَد- الغابة لابن كثير، والإصابة لابن حجر، يعني خلاصة من ألف مجموع في هذه الكتب، في هذه الثلاثة الكتب، نعم ما ألف عند المتقدمين كابن منده وأبي نعيم وغيريهما تكون فيه مرويات عن هؤلاء الصحابة بالأسانيد، يستفيد منها طالب العلم، ويخرج منها أحاديث، لكن إذا أراد معرفة الصحابة في كتب تجمع له جميع من ذكر فيهم فهذه الثلاثة كافية؛ لأن الإحاطة بجميع الكتب فيها صعوبة.
بما تعرف الصحبة؟ المؤلفون في الصحابة علام عولوا في إدخال هذا الراوي وإخراج ذلك الراوي عن دائرة الصحابة؟ قال:
وتعرف الصحبة باشتهار. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(43/7)
إذا اشتهر أنه صحابي، باشتهارٍ يعني لا يصل إلى حد التواتر، يعني في حيز الآحاد لكنه مشتهر ومستفيض، ويكفي فيه خبر الواحد الثقة، "أو تواترٍ" يعني معرفة كون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة كون الجزم بأنهم من الصحابة معوله على التواتر، ما في أحد يشك أن أبا بكر صحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد نص القرآن على أنه معه في الهجرة، وجاءت في ذلك الأحاديث الصحيحة المتواترة، وكذلك عمر وعثمان وعلي وغيرهم من جلة الصحابة، لكن مثل: عكاشة بن محصن جاء في خبر السبعين الألف، لا يصل إلى حد التواتر، لكنه حديث مشتهر، فتثبت صحبته بهذه الشهرة، ضمام بن ثعلبة أيضاً مثل عكاشة جاء فيه الخبر الصحيح المشتهر المستفيض في كتب السنة وغيرهم كثير، جاء ذكر بعض الصحابة في أخبار هي أقل من أن تصل إلى حد الشهرة والاستفاضة وثبتت به الصحبة عند أهل العلم؛ لأن إثبات الصحبة ليس من باب الشهادة التي يُطلب فيها أكثر من واحد، وإنما هو من باب قبول خبر الثقة الواحد، ولو كان هو المدعي للصحبة إذا كان ثقةً، إذا قال: أنا صحابي وهو ثقة يقبل قوله؛ لأنه يقبل خبره، إذا روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمسألة مفترضة في ثقة، فقبول قوله في كونه صحابي متجه، وإن نازع بعضهم في ذلك، لماذا؟ لأنه يدعي لنفسه شرفاً قد لا يوافق عليه، ونظير هذا من ادعى أنه من أهل البيت يصدق أو لا يصدق؟ يصدق من وجه ولا يصدق من وجه، يصدق من وجه إذا كان لا ينتفع به، لا يعطى من الزكاة؛ لأن هذا إقرار منه على نفسه، لكن هل يستحق شيئاً من الخمس إلا ببينة.
وتعرف الصحبة باشتهار أو ... تواترٍ أو قول صاحب ولو(43/8)
صاحب، صحابي واحد يخبر أن فلاناً من الصحابة، وأننا لقينا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجلسنا معه، وهذا المدعى له الصحبة حال كون رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً، من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يسلم ثم أسلم، أو رأي النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل البعثة، كما قالوا في بحيرة الراهب، وفي رسول هرقل، بحيرة الراهب رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يبعث، هذا بالإجماع ليس بصحابي، ورسول هرقل رأي النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بعث، في تبوك، لكنه قبل أن يسلم ثم أسلم بعد ذلك، فهو من التابعين، وحديثه متصل، خرّج عنه الإمام أحمد حديثاً في المسند، فهو تابعي حديثه متصل، يعايا بها، تابعي حديثه متصل، كما قالوا في صحابي حديثه منقطع وهو من ليس له إلا مجرد الرؤية دون الرواية، من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته أو بعد بعثته مؤمناً بغيره، كزيد بن عمرو بن نفيل، أو صدقه لكنه قبل أن يأمر بالتبليغ مثل من؟ ورقة بن نوفل، هؤلاء يتنازع العلماء يختلفون في عدهم من الصحابة،، فذكرهم بعض من ألف، ونفاهم بعض من ألف.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولو
قد ادعاها. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني ادعى لنفسه أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "ولو" هذه يجرى عليها الخلاف المعروف أن لو للخلاف القوي، المعروف في كتب الفقه، لو للخلاف القوي، وحتى للخلاف المتوسط، وإن للخلاف الضعيف، يجرى عليها هنا نقول: فيها خلاف قوي؟ لو ادعاها لنفسه؛ لأنه يدعي شرف، شرف الصحبة الذي لا يناله أحد كائناً من كان ممن لم يلق النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يراه، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(43/9)
لا ادعى أثبت بمجرد قوله: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ادعى كثير هذا، لكن إذا نظرنا إليها أنها من باب الإخبار لا من باب قبول الشهادة، لكن لو ترتب على ذلك مال مفترض من بيت المال أو وصية مثلاًَ أو وقف ريعه للصحابة، هذا مفترض متصور في القرن الأول، بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- أوقف من أوقف ريعه لصحابة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء قال: أنا صحابي، يعني إذا روى حديثاً يتضمن كونه صحابي، ونحكم عليه بالوصل هذا شيء آخر، هذه ديانة، لكن إذا ادعى شيئاً يترتب عليه مال يقبل قوله وإلا ما يقبل؟ نعم؟ لا بد أن يشهد له غيره، هو المسألة مسألة مفترضة هنا، يعني كون الإنسان أوصى أو أوقف أو كذا هذا مجرد افتراض ليفرق بين ما هو مال أو ما يؤول إلى المال، وبين ما هو من باب الديانة، ولذلك يفرقون بين الشهادة وبين الرواية، الشهادة لا يقبل فيها الواحد، والديانة يقبل فيها الواحد، يعني فرق بين الرواية وبين الشهادة.
قد ادعاها وهو عدل قبلا ... . . . . . . . . .
هو عدل يعني تنطبق عليه شروط العدالة، فكما تقبل روايته يقبل قوله في كونه صحابياً.
قد ادعاها وهو عدل قبلا ... . . . . . . . . .
يعني حال كونه عدلاً، حال الدعوى هو عدل، لو قال قائل: إنه ما دام قبلنا دعواه في كونه صحابي، والصحابة كلهم عدول، واشترطنا في قبول دعواه أنه عدل يلزم عليه دور وإلا ما يلزم عليه؟ أو نشترط العدالة قبل ثم نقبل دعواه؟ هاه؟
طالب: نقبل دعواه أولاً. . . . . . . . .
تقبل دعواه في أنه صحابي ثم تبحث عن عدالته أو تنظر فيه من حيث العدالة وضدها ثم تقبل دعوه إذا كان عدلاً؟ إذاً ما في دور، يعني ما في ترتب كل واحد على الثاني، لا في ترتب القبول -قبول الدعوى- على كونه عدلاً ولا عكس.
طالب:. . . . . . . . .(43/10)
نعم من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- ورآه ولقيه مؤمناً به من الإنس هذا ما في أدنى إشكال، ولا في خلاف في كونه صحابي، لكن بالنسبة يبحثون في هذا الموطن الجن كما يبحثون الملائكة، ويبحثون أيضاً الأنبياء والرسل الذين لقيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- حال الإسراء، ومن رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام ((من رآني في المنام فقد رآني)) هل يعدون صحابة وإلا لا؟ لا يعدون، بالنسبة للأنبياء حياتهم معروفة أنها حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، لكن لا يُرتب عليها شيء من أحكام الدنيا، يبقى عيسى الذي ذكره بعضهم في الصحابة؛ لأنه رفع حياً حياة حقيقية، حياته حقيقية ولقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به، مصدقاً به، وينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ذكره بعضهم في الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا حصل الشرف الأعظم وهو النبوة والرسالة لا داعي لذكر ما دونه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو عرفنا أنه عدل قبل لنقبل دعواه، ثم بعد ذلك إذا تقرر أنه صحابي خلاص انتهى، ما يبحث في عدالته، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
قبل أن يدعي ما ندري هو صحابي وإلا لا؟ يعني قبول الدعوة مرتب على العدالة، ثم بعد ذلك إذا قبل كونه صحابي لأنه عدل خلاص ما عاد يبحث فيه.
طالب:. . . . . . . . .(43/11)
لا لأننا عدلناه لكونه صحابياً، إحنا ما ندري هو صحابي وإلا لا؟ لكن ادعى الصحبة ننظر في حاله إذا كان فاسق وادعى الصحبة يقبل؟ ما يقبل، طيب إذا كانت الدعوى مقرونة بما يكذبها، رتن الهندي بعد ستمائة سنة ادعى أنه صحابي، وصدقه جموع غفيرة من الناس، جاء في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما: ((أريتكم ليلتكم هذه لا يأتي مائة عام ونفس منفوسة)) وفي الرواية الأخرى: ((ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة عام -يعني من يومه الذي تكلم به في السنة العاشرة- وهو حي)) ولذا كان أخر الصحابة موتاً أبو الطفيل عامر بن واثلة، الذي توفي سنة عشر ومائة، على رأس مائة سنة، جاء شخص بعد مائة وعشرين ويدعي الصحبة نقول: لا ليس بصحيح؛ لأن عندنا الخبر الصحيح يكذب دعواك، فكيف بمن جاء بعد الستمائة؟ لكن كل دعوى تجد من يصدقها، مجانين ادعوا أشياء وصدقوا، وأتباع كل ناعق يصدقون مثل هذه الدعاوى، والشواهد في الحال موجودة، يعني في زماننا هذا كثيرة، الأخبار التي تشاع تجد من يصدقها، لا سيما إذا كانت من غوغاء الناس، أو بسبب من يندس بينهم، من المغرضين تجده يستوشي هذه الأخبار المغرضة، ثم بعد ذلك تُصدق، كما حصل في قصة الإفك، وجد من يستوشيها ويشيعها ويروج لها فوجدت من يصدقها.
على كل حال إذا ادعى أحد النبوة ولو كان ظاهره العدالة، وبهذا نجزم أنه ليس بعدل؛ لأن هذه الدعوى مقرونة بما يكذبها، ادعاها في وقت لا يمكن تصديقها فيه، الملائكة، جبريل، وميكائيل رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإسرافيل رأوه وغيرهم من الملائكة، رضوان خازن الجنة وغيرهم، رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- حال كونهم مصدقين به، هل يقال: إنهم صحابة؟ لأن من شرط الإيمان به -عليه الصلاة والسلام- العمل بشريعته، فهل هم مطالبون بالعمل بشريعته؟ لا، إذاً ليسوا بصحابة.
وأما الجن باعتباره مبعوثاً إليهم -عليه الصلاة والسلام- فهم من رآه منهم صحابي، وهذا لا إشكال فيه، وأدخل بعضهم ممن ألف في الصحابة من عرف منهم من الجن، ولو على سبيل الإبهام، أدخلوا منهم في كتب الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .(43/12)
نعم السن الذي تقبل فيه، أو تصح فيه الرؤية أو اللقي الذي أشاروا إليه في الحد، يعني من جيء بهم في آخر عهده -عليه الصلاة والسلام- ليحنكهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- رآهم وهم رأوه، لكن هل هي رؤية معتبرة؟ الطفل الوليد هل يرى أو لا يرى ليدخل في رائي النبي؟ رؤية أو ليست رؤية؟
طالب: لكن ليست معتبرة.
منهم من يشترط التمييز، من أهل العلم من يشترط التمييز فيخرج هؤلاء كلهم، محمد بن أبي بكر الذي ولد في حجة الوداع قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بثلاثة أشهر، منهم من أدرجه في الصحابة، ومنهم من قال: هذه الرؤية لا تنفع، وليست مستقرة، والصغير لا يرى، والذي لا يميز بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين غيره مثل هذا رؤيته مثل عدمها فلا تنفع، فلا يثبت أسمه في الصحابة، لا سيما وأنه وجد من بعضهم المخالفات الكبيرة التي تناقض مقتضى الصحبة، وتنافي ما تقتضيه، وتتتطلبه الصحبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من الصحابة نعم، منهم من اشترط البلوغ، رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- قد بلغ الحلم، مؤمناً به، وهذا القول لا شك أنه شاذ؛ لأنه يخرج مثل ابن عباس، ابن عباس لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- يناهز الاحتلام، فهل يستطيع أحد أن يقول: إن ابن عباس أو ابن الزبير ليسوا صحابة؟ والحسن والحسين الصغار -صغار الصحابة- يستطيع أن ينفي صحبتهم؟ مثل ابن عباس مثلاً، الزبير أو السبطين أو غيرهم؟ فاشترط البلوغ شذوذ.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيهم؟
طالب:. . . . . . . . .(43/13)
نعم من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ويش المانع؟ وقد بعث إليهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث إلى الجن، إلى الثقلين الإنس والجن، ومقتضى الحد أنهم صحابة، فمن عرف منهم بعينة يذكر بعينه، ومن لم يعرف يذكر على سبيل الإبهام، إذا ورد في طريق خبر، لكن بالنسبة لرواية الإنس عنهم يعني فيها عسر؛ لأنهم فيهم خفاء، ويرونا ولا نراهم، ولا نعرف الثقة منهم من غيره، ولذا قبول أخبارهم لا شك أنه يدخل في شيء من الإشكالات، يعني يخبرون عن أشياء حتى أن بعض الناس يزعم أنه يستفيد منهم ومن أخبارهم، وهم قوم مجهولون لا نعرف عدالتهم، ولا نستطيع الوقوف عليها فأخبارهم بالنسبة للإنس لكن فيما بينهم، إذا أخبر بعضهم بعضاً بأنه سمع النبي أو سمع من النبي، أو سمع من يقرأ القرآن، أو يقرأ الحديث وأخبر بعضهم بعضاً، ويعرف بعضهم بعضاً، مثلما يعرف الإنس بعضهم بعضاً، هذا فيما بينهم، وفيهم الثقات، وفيهم الفساق، فيهم المجاهيل مثلما في الإنس، لكن الوصول إلى حقيقتهم بالنسبة للإنس فيها خفاء، ولذا لا تجدون من الإنس من يروي عن جني، أو يروي عن كذا إلا نادراً، ولا يذكر على سبيل الاحتجاج.
طالب:. . . . . . . . .
هذا يُرد عليه، هذا ليس بصحيح، ومن يثبت له أن هذا من التابعين؟ ومن يثبت له صحة عمره؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما يمكن، هذه الدعاوى لا تقبل، يعني بضعهم يقول: إنه صحابي لأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في اليقظة، هذا موجود، من يدعي بعض غلاة الصوفية يدعون أنهم يجتمعون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليقظة.
طالب:. . . . . . . . .(43/14)
إيه عندهم أشياء، ويسألونه عن مسائل، ويسألونه عن أحاديث، لا شك أنه ثبت في الحديث الصحيح أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي)) -عليه الصلاة والسلام-، بلا إشكال، ومقتضى هذا عندهم أنه ما دام هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وخاطبه، دعونا ممن يقول: إنه رآه في اليقظة هذه خرافة، -عليه الصلاة والسلام- بالإجماع قد مات، بالنص القطعي، وباتفاق من .. ، كل من يعقل أنه مدفون في القبر، في البقعة التي تضم الجسد الطاهر -عليه الصلاة والسلام-، لكن من يقول: أنا رأيته في المنام وسألته عن أحاديث، السيوطي كثيراً ما يصحح الأحاديث بأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسأله عن أحاديث، فهل نقول: إنه يمكن أن يُسأل عن حكم شرعي فيجيب أو عن حديث فيجيب بأنه ثابت أو غير ثابت؟ الشيطان لا يتمثل به -عليه الصلاة والسلام-، لكن الخلل من أين يأتي؟ يأتي من قبل الرائي، فالرائي الأصل فيه أنه نائم وليس بيقظان، وإذا رُد حديث المغفل فلئن يرد حديث النائم من باب أولى، ولذا تجد الرؤيا مطولة، إذا استيقظ نسي نصفها، نسي شطرها، نسي ثلثها، نسي كثير .. ، ولذلك ما يضبط الرؤيا على وجهها، فالإشكال في الرائي، فمن شروط قبول الراوي أن يكون متيقظاً يقظاً، والنوم منافي لليقظة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يقبل أنه رأى، الشيطان لا يتلبس به، لكن ما يقبل حينما يسأله ويجيب، ما يضبط.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ينقل ما تذكره، لكن قد فاته أشياء؛ لأنه نائم، والمفترض في الراوي أن يكون متيقظاً، وحال النائم وإدراك النائم لا شك أن فيه خلل كبير، ما هو مثل المتيقظ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(43/15)
قد يدخل، قد يُنهى الصحابي عن نهي الصحابي ويدخل في الخبر، كمن قال: من ضرب أحد أولادي فسأعاقبه، ثم ضربه أخوه يدخل في هذا التهديد وإلا ما يدخل؟ يدخل في هذا التهديد، فلا يسب الصحابة لا من قبل الصحابة ولا من قبل غيرهم، فلا يمنع، في قصة خالد بن الوليد حينما حصل منه ما حصل مع أبي عبيدة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تسبوا أصحابي)) هذا لا يخرج خالد بن الوليد من الصحبة.(43/16)
"وهم عدول" الصحابة كلهم عدول بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم؛ لأن الله -جل وعلا- قد عدلهم في القرآن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- شهد لهم بالخيرية، والنصوص من الكتاب والسنة متضافرة متوافرة، {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} [(29) سورة الفتح] الذين معه من هم؟ الصحابة، {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [(29) سورة الفتح] {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} [(29) سورة الفتح] فالذي يغيظه الصحابة وما نالوه من خير وإيمان ويقين وعلم وعمل، الذي يغيظه هذا على خطر عظيم، حتى أن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- أخذ من الآية كفر من يسب الصحابة؛ لأن الصحابة لا يغيضون إلا الكفار، لا يغيضون مؤمن، طوائف البدع وغيرهم ممن يدعي التشيع لعلي -رضي الله عنه- يسبون الصحابة، ويكفرون الصحابة، ويلعنون الصحابة، ووجدت خطوطهم على مصاحف، نسأل الله العافية، يلعنون الصحابة، هؤلاء -نسأل الله السلامة والعافية- كما قال أبو زرعة وغيره، يعني من وقع في الصحابة ليس غرضه وهدفه ذات الصحابي، وإنما غرضه ما يحمله الصحابي من دين، هؤلاء يريدون قطع الواسطة بيننا وبين نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا قدح في الصحابي ناقل الدين فالمنقول تبع للناقل، المروي تبع للراوي، كيف نعرف ثبوت المروي إلا إذا عرفنا حال الراوي؟ فإذا نقل لنا الصحابة هذا الدين وقدحنا في الناقل لا بد أن نقدح في المنقول؛ لأن المنقول تابع للناقل إثباتاً ورداً، صحة وضعفاً، فهذا مؤداه، ومنهم من يقول: إنه لا يحكم بكفره إلا إذا التزم باللازم؛ لأن الإنسان قد يقول كلاماً يغفل عما يترتب عليه من اللازم، فإذا قيل له: أنت تسب أبا هريرة ونصف الدين ما جاءنا إلا من طريقه، تكفر أبا هريرة، إذاً أنت تنكر نصف الدين، فإذا أنكر من الدين شيئاً قد ثبت فإنه حينئذٍ يكفر، والإشكال أنه مما يُبين صحة هذا الكلام أن مثل هؤلاء الطوائف سواء كانت ممن تنتسب إلى الإسلام، أو من غيرهم كالمستشرقين، حينما يطعنون في أبي هريرة واضح جداً وجلي أن المقصود الطعن في الدين، لماذا؟ لأنهم إذا طعنوا في أبي هريرة ارتاحوا من نصف السنة، ولذا لا تجد من هذه الطوائف سواء كانت تنتسب إلى(43/17)
الإسلام أو لا تنتسب إليه من يطعن في المقلين أبيض بن حمال، أو آبي اللحم من الصحابة، ما تجد من يطعن فيهم؛ لأنه بدلاً من أبي هريرة يحتاج إلى أن يطعن في خمسة آلاف صحابي من المقلين، فيرتاح دفعة واحدة يطعن في واحد على شان يرتاح من نصف الدين، فهذا الهدف منه واضح وبين، أنهم يطعنون فيما يحمله هؤلاء الصحابة من الدين، فالطعن موجه إلى الدين لا إلى الصحابي ذاته.
"وهم عدول" سواء سمي الواحد منهم أو لم يسم، ولو أبهم، إذا قال: حدثني من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو رجل سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يحتاج في البحث عن عدالته؛ لأنهم كلهم عدول، واستثناء بعضهم من دخل في الفتنة.(43/18)
"قيل: لا من دخلا" وقيل هذه تمريض، في فتنة يعني من الصحابة، من شارك في بعض الفتن التي حصلت بعد مقتل عثمان؛ لأنه ما الذي ترتب عن مقتل عثمان؟ ترتب المطالبة بدمه، وما حصل بين علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع- مما هم فيه إما مجتهد مصيب، أو مجتهد مخطأ، وكلهم مأجورون، دخل بعضهم في الفتنة وانضم إلى علي فقاتل معاوية، وبعضهم دخل مع معاوية وقاتل علياً وأصحابه، وبعضهم اعتزل، فمن اعتزل هذا مفروغ منه، هذا ما دخل في الفتنة، ومن دخل لنصرة علي باعتبار أن الحق معه، بما يُفهم من كثير من النصوص، ((عمار تقتله الفئة الباغية)) وغيره من النصوص، دخل مع علي، هذا الكفة فيه راجحة، وأنه يغلب على الظن إصابته، من دخل مع معاوية باعتبار أنه مجتهد، وإن كان مآله إلى الخطأ باعتبار أن الإصابة مع علي -رضي الله عن الجميع-، هذا مجتهد ومعذور، دخل معهم أيضاً فئام ممن يستغل بعض الظروف من منافقٍ وشبهه من مغرض، ما زال المنافقون يستغلون مثل هذه الظروف، يعني يحصل فتن إلى وقتنا هذا فتجد شخص يعني أصل الفتنة من يطالب بها يطالب باسم الدين مثلاً، من يطالب من يخرج عن الإمام فيها باسم الدين، لكن تجد فساق معهم، هل هؤلاء دعواهم مثل دعوى من تبنى هذه الفتنة؟ وقد صرح بعضهم لما سئل قال: مسألة استغلال تيار، يعني هم متضايقين من الوضع، غير معجبهم الوضع، وهم مع كل مخالف، فيوجد من هذا النوع في القديم والحديث، يعني المسألة ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء لا يدخلون في مثل هذا، الكلام في الصحابة، لا يقال: والله أن كل من قاتل مع معاوية مأجور؛ لأنه مجتهد مخطأ، لا قاتل مع معاوية انضم إليه من انضم، وقاتل مع علي انضم إليه من انضم، وأمر علي بتحريق بعض من ادعى نصرته؛ لأنه غلا فيه، ورفعه إلى مقام الإلهية، فكلا الطرفين ... ، الكلام في الصحابة ممن اشترك في هذه الفتنة، وأما من شارك من غيرهم فالأمور بمقاصدها، لكل امرئ ما نوى.(43/19)
"لا من دخلا** في فتنة" قد يقول قائل: لو وجد فتنة بين طائفتين مسلمتين كما حصل في السابق، هل الأفضل أن أعتزل أو أنصر ما أراه من هو محق دون غيره؟ مع أنه في المقابل يوجد من ينصر الطرف الثاني ويراه محقاً، بمعنى أنه لو كان هناك إمام ثبتت بيعته ولا يجوز الخروج عليه، فخرج عليه طائفة يطالبون بأمور ينقمونها على الإمام، وهي مخالفات عند الإمام، مُسلّم أنها مخالفات، فيخرجون، لكنها لا تجيز الخروج، ليست مما يجيز الخروج، إما كفر بواح، أو ترك صلاة هذا غير، هذا شيء آخر مع القدرة على التغيير، هذا أمر بالنص، لكن ينقمون عليه أشياء مخالفة، حينئذٍ يتعين الوقوف مع الإمام، ولا يجوز الاعتزال في مثل هذا {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] لا يجوز الاعتزال، يقول: والله اعتزل سعد بن أبي وقاص، واعتزل فلان أنا يسعني الاعتزال، حين يحصل اللبس ما تدري أي الكفتين أرجح؟ ومع أيهما الحق؟ نعم حينئذٍ تعتزل؛ لأنك كونك تعتزل ولا يسفك دم بسببك هذا هو طريق السلامة، ومن أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة نسأل الله العافية، فالاعتزال إنما يصوغ حينما يخفى الترجيح، أما إذا تبين الراجح وتبين صاحب الحق والفئة الثانية ليس لهم وجه، وإن كان لهم تأويل سائغ، وينقمون أشياء هي في الحقيقة حق، لكن ليست بمبرر للخروج، ليست بكفر بواح، وليست بترك للصلاة بالكلية، المقصود أن مثل هذا الباب يذكر في قتال أهل البغي، ومن الموافقات العجيبة أن الدرس في السبل عن قتال أهل البغي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المخرج أنك إذا خشيت أن تقع في دم حرام تكون عبد الله المقتول ولا تكون القاتل، يعني إن ألزموك وإلا قتلوك إما أن تَقتُل وإلا تُقتَل، ما في أحد من أهل العلم يقول: إن الإكراه يقع في القتل؛ لأن حفظ دمك ليس أولى بحفظ دم أخيك، فالإكراه لا يكون في القتل.
"لا من دخلا** في فتنة" بعضهم يستثني من شارك في الفتنة، لكن عموم أهل السنة على أن الصحابة كلهم عدول حتى من شارك في الفتنة.(43/20)
"والمكثرون ستة" المكثرون في رواية الحديث ستة، يعني من زادت أحاديثهم على الألف: أنس بن مالك، وابن عمر، والصديقة عائشة، والبحر ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، ولهم سابع هو أبو سعيد الخدري، هؤلاء رووا أكثر من ألف، يعني أبو هريرة وهو أكثرهم على الإطلاق، أبو هريرة أكثرهم يعني على الإطلاق، يعني وليس فيهم من يقاربه أو يدانيه، بل الذي يليه يروي نصف ما يروي أبو هريرة، له في مسند بقي بن مخلد خمسة آلاف وأربعمائة واثنين وسبعين حديثاً، يعني جمع غفير من الأحاديث، كم من الأحاديث سببه الدعوة النبوية، كما جاء في الحديث الصحيح أنه ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- النسيان فقال له: ((ابسط رداءك)) فحدث النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((ضم رداءك)) وانتهى، فما نسي شيئاً قط.(43/21)
أبو هريرة أكثرهم، والبحر في الحقيقة عبد الله بن عباس، وسماه البحر جمع من الصحابة، ومما جاء في الصحيح من كلام أبي الشعثاء: أبى ذلك البحر، يعني رفض هذا الكلام البحر، ويريد به ابن عباس، "والبحر في الحقيقة ... أكثر فتوى" لا شك أن ابن عباس بسبب دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه التأويل، ويفقه في الدين حصل له من الفقه إضافة إلى ما اتصف به من حفظ وفهم، وامتدت حياته وطالت به الحياة حتى احتاج الناس إلى علمه، وتفرغ لهذا الشأن، ابن عمر طالت به الحياة، وصحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولزمه، وهو أكبر من ابن عباس، وحدث بالكثير من الأحاديث، لكن ابن عباس أكثر منه تفرغاً للفتوى، ابن عمر اشتغل بشيء من العبادة عن الفتوى، ولذا لما جاء السائل من العراق يسأل عن مسألة في المناسك سأل ابن عمر فقال: اسأل ابن عباس، طريقتهم في تدافع الفتوى، وقد يكون ابن عمر مراده بذلك أن يتفرغ لشيء من العبادة، يعني يأتي طالب علم يسأل والشيخ يقرأ في القرآن تجد الشيخ أحياناً يتضايق، وهو سؤال علم ومأجور عليه، لكنه بصدد عبادة، أو يريد أن يصلي نوافل، وما أشبه ذلك، وبعضهم يعوقه العلم والفتوى والتعليم، بعض العبادات كالصيام مثلاً، فبعضهم يرجح البذل على العبادات الخاصة، وبعضهم يرجح العبادات الخاصة على كثرة البذل، ابن عباس من النوع الذي يرجح البذل، فتجده يفتي ويعلم ويروي بكثرة، هذا السائل الذي جاء من العراق وسأل ابن عمر فقال له: اذهب إلى ابن عباس، قال: ذاك رجل مالت به الدنيا ومال بها، عموم الناس ثقتهم بالعباد من العلماء أكثر من ثقتهم بمن هو أكثر علماً، لكنه في مجال العبادة أقل، هذه نظرة عوام الناس، وما زالت إلى الآن يثقون بمن عنده شيء من العمل، وكل ما كثر العالم في العبادة كانت ثقة الناس به أكثر؛ لأن العامة ما يدركون حقيقة الأمر في النفع القاصر والمتعدي وكذا، ويزنون الناس بالموازين الشرعية، قالوا: هذا عابد أكيد أنه أقرب إلى الله -جل وعلا-، وأكثر إخلاص وأكثر .. ، بينما الثاني يعني هو يعمل الواجبات هذا لا يمكن يفرط بواجباته، وهو عالم محسوب من أهل العلم، لكن لا تجد عنده مزيد من صيام أو مزيد صلاة أو تلاوة وما أشبه(43/22)
ذلك، تجد الناس يميلون إلى هذا العابد أكثر مما يميلون إلى ذلك العالم الذي بذل نفسه للناس، مقتضى البذل للناس واستقبال الناس أن يتوسع في أمر من أمور الدنيا؛ لأن هذا يقتضي كثرة الكلام، كثرة الاستقبال، تجده يحتاج إلى مكان أوسع، تجده يحتاج إلى شيء يعينه على استقبال الناس، يعني عيشة بعض أهل العلم وهم من الزهاد في الحقيقة، تجد مثلاً إذا نظرت في الظاهر إلى عيشة أمراء، يعني من أزهد الناس ممن أدركناه الشيخ ابن باز مثلاً، لكن إذا جئت المجلس وجدت ... مظاهر واضح أنه يجتنبها كثير من أهل الزهد، الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- من الزهاد، لكن مع ذلك إذا دخلت المجلس فيسح وكبير، وإذا فيه الأمور المريحة من تكييف وألوان وأصباغ، ما تجده عند شخص زاهد لا يستقبل الناس ولا يعتني بهم، فحاجة الناس أو الذي يستقبل الناس لا شك أنه يحتاج إلى شيء من التوسع، فالناس ينظرون إليه من هذه الزاوية أنه شخص متوسع، تجد السيارة الفارة، تجد المكان الواسع الفسيح مما يقتضيه الحاجة إلى استقبال الناس تدعو إلى هذا، فهذا الذي نظر إلى ابن عباس بأنه رجل مالت به الدنيا ومال بها، ابن عباس يحتاج إلى مثل هذا؛ لأنه يستقبل عموم الناس، ابن عمر أكثر وقته في العبادة، والعبادة أي مكان يكفيه، وهذا الشيء ملاحظ، تجدون من يحتاج إلى استقبال الناس وإلى نفع الناس إلى شيء من التوسع، بينما الذي هو بخويصة نفسه وإن كان ينفع الناس في طريقه من البيت إلى المسجد أو كذا، لكن ما يستقبلهم ولا يفتح لهم بابه، ولا يستوعب الأعداد، وأيهما أفضل حينئذٍ؟ هل نقول: إن النفع المتعدي أفضل من القاصر؟ ونقول: إذا كان صيامك يعوقك عن استقبال أكبر عدد من ناس تنفعهم فالأفضل في حقك عدم الصيام؟ وعلى هذا يخرج عدم صيام النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من .. ، ما صام صيام داود -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة أنه ما صام العشر -عشر ذي الحجة-، نقول: إنه يحتاج .. ، واستقبال الناس ومعاناة الناس تحتاج إلى شيء من التعب البدني والكلفة، فيؤثر النفع المتعدي على القاصر.(43/23)
ابن عباس بحر، والعلم ينمي بعضه بعضاً، والبذل يزيد في العلم، والعلم يزيد بالإنفاق، ولذا استحق أن يقال له: البحر، ويقال له أيضاً: الحبر، حبر الأمة، وترجمان القرآن.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والبحر في الحقيقةِ
أكثر فتوى وهو وابن عمرا ... . . . . . . . . .
يعني من المكثرين في الفتوى، ابن عمر كثير في الفتوى، لكنه مع ذلك أقل من ابن عباس.
. . . . . . . . . وهو وابن عمرا ... وابن الزبير وابن عمرو قد جرى
ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو الأربعة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . قد جرى
عليهم بالشهرة العبادله ... . . . . . . . . .
فإذا اختار الأربعة قولاً قيل: هو قول العبادلة، ابن عباس، ابن عمر، ابن الزبير، ابن عمرو، بعضهم أخرج عبد الله بن عمرو وجعلهم ثلاثة، وبعضهم أخرج ابن الزبير وجعلهم ثلاثة، وبعضهم أدخل ابن مسعود فجعلهم أربعة، المقصود أن المسألة .. ، الأكثر على أن العبادلة الأربعة هم هؤلاء.
وبعضهم غلط فأدخل .. ، لكن المنصوص عليه من قبل الإمام أحمد وغيره أن ابن مسعود ليس منهم، يعني هل هم أفضل من ابن مسعود؟ لا ليسوا بأفضل من ابن مسعود أبداً، لكن ابن مسعود تقدمت حياته وهو موجود في عصر من هو أكبر منه، ولا اضطر الناس إلى علمه، لكن من تأخرت وفاتهم وطالت بهم الحياة، وانتهى الكبار احتاج الناس إلى علمهم.
. . . . . . . . . ... ليس ابن مسعودٍ ولا من شاكله
يعني ممن تقدمت وفاته ممن سمي بعبد الله من الصحابة، وأوصلهم بعضهم إلى ثلاثمائة شخص، كلهم اسمهم عبد الله.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولا من شاكله
وهو وزيد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وهو الضمير يعود إلى أقرب مذكور وهو من؟ ابن مسعود.
"وهو وزيد" زيد بن ثابت.
. . . . . . . . . وابن عباس لهم ... في الفقه أتباع يرون قولهم
يعني لهم أصحاب، أصحاب عبد الله بن مسعود معروفين بالكوفة، أصحاب ابن عباس بمكة والطائف، وزيد وهؤلاء لهم أتباع يحملون عنهم الفقه، "لهم ... في الفقه أتباع يرون قولهم" يعني يتبعونهم ويقلدونهم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . يرون قولهم(43/24)
وقال مسروق: انتهى العلم إلى ... . . . . . . . . .
قال مسروق بن الأجدع من جلة التابعين:
. . . . . . . . . انتهى العلم إلى ... ستة أصحاب كبار نبلا
ابن القيم وابن حزم، ابن القيم في أعلام الموقعين، وابن حزم في أحكامه، ذكروا المفتين من الصحابة، وجعلوهم على طبقات، منهم من تبلغ فتاواه أسفار، ومنهم من تبلغ المجلد، ومنهم من تبلغ الجزء الصغير، وذكروا في جمع منهم أنهم لو جمعت فتاواهم مجتمعة ما جاءت في جزء، المقصود أن المفتين من الصحابة عددهم مرصود في أعلام الموقعين لابن القيم، وأحكام ابن حزم.
. . . . . . . . . انتهى العلم إلى ... ستة أصحاب كبار نبلا
زيد وأبي الدرداء مع أُبي ... عمر عبد الله مع علي
هذا الترتيب زيد، أبي الدرداء، أبي، وعمر، وعبد الله مع علي، هذا ترتيب على حسب كثرة الفتاوى أو على حسب الأفضلية أو اقتضاه النظم؟ يعني زيد أكثر من أبي الدرداء في الفتوى؟ وزيد أكثر من أبي وأكثر من عمر وأكثر من عبد الله بن مسعود وأكثر من علي؟ لا، إنما هذا ترتيب كيفما اتفق، اقتضاه النظم، هذا هو الذي تيسر للناظم وإلا معروف أن منزلة عمر -رضي الله عنه- في الفتوى، وعلي -رضي الله عنه- وكذلك عبد الله بن مسعود هم أكثر فتاوى ممن ذكر قبلهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنس، لا اقتضاه النظم نعم، وإلا أبو هريرة نص أكثرهم، وهو جعله الأخير.
طالب:. . . . . . . . .
على سبيل التدلي وإلا الترقي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على سبيل الترقي لا على سبيل التدلي.
طالب:. . . . . . . . .
لا في الرواية ليس جابر أكثر من عائشة في الرواية، ولا من ابن عمر ولا من أنس.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو ترتيب كيفما اتفق، مثل هذا.
زيد وأبي الدرداء مع أُبي ... عمر عبد الله مع علي
ثم انتهى لذين. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(43/25)
"ثم انتهى لذين" من هما؟ يعني آخر من ذكر، عبد الله بن مسعود وعلي -رضي الله عن الجميع-، "ثم انتهى لذين" يعني علم هؤلاء الستة أو العلم عموماً انتهى لذين؟ علم هؤلاء الستة، لكن في هؤلاء الستة من كانت وفاته متأخرة عن ذين، كيف ينتهي علمه إليه وقد تأخرت وفاته عنه؟ أبي الدرداء وفاته بعد عبد الله بن مسعود، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قد يكون أخذ العلم عنه. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: انتهى علم الصحابة إلى ابن عباس، كلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ لأنه تأخرت وفاته عنهم، لكن هل نقول: إنه انتهى علم أنس بن مالك إلى ابن عباس وقد تأخر عنه أنس؟ يعني لو قدر في الأقاليم في الأمصار علماء ثم جاء شخص فدار هذه الأمصار وأخذ ما عند كل واحد منهم، ثم بعد ذلك قدر أنه يموت قبلهم، هل نقول: انتهى علمهم إليه؟ ممكن من هذه الحيثية، متصور أن نقول هذا من هذه الحيثية؛ لأنه يوجد حفاظ يمكن أن يجلس مع هذا العالم مدة سنة، ومع الثاني سنة، خلال عشر سنين يأخذ علم عشرة من أهل العلم، ثم يقدر عليه أن يموت قبلهم، يمكن أنه جمع علمهم، ولذا لما سئل الشيخ محمد رشيد رضا -وهذا بعيد عما نحن فيه لكنه مناسب- عن شيخ الإسلام ابن تيمية هل هو أعلم من الأئمة الأربعة أم هم أعلم منه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(43/26)
نعم من ناحيتين ينظر إليه، باعتبار شيخ الإسلام تخرج على كتبهم وكتب أصحابهم فهم أعلم منه وأفضل، ولهم الفضل عليه من هذه الحيثية، وباعتباره جمع ما عندهم وما عند أصحابهم، يعني إحاطة شيخ الإسلام بالمذاهب وفقه الأئمة وأتباعهم هو أعلم منهم من هذه الحيثية، فهل نقول: إن علم زيد وأبي الدرداء انتهى إلى عبد الله وعلي بن أبي طالب؛ لأنهم أخذوا العلم منهم، أو بغض النظر أنه في عصرهما يعني هم الخلاصة، خلاصة الخلاصة هذين، نعم هم الخلاصة، يعني العلم منتشر، يعني مثلما يقال: عندك مائة عالم يرشح منهم عشرة للفتوى، يعني إذا رشحنا وانتهينا وصار الاختيار وقع على أفضلهم قلنا: هؤلاء خلاصتهم، وإن كان لا يمكن أن يتصور أن العلم يجمع في شخص، أو يمكن أن يصب في قالب في شخص معين، فيكون عند زيد ما ليس عند علي، وما عند علي ليس عند ابن مسعود وهكذا، لكن في الجملة يعني علي وابن مسعود حازوا جل العلم الموجود عند الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما في إشكال، لكن في الجملة، هذا كلام إجمالي، ما هو بكلام يعني كلي، مُخرِج ومُدخِل، لا، يعني كلام أغلبي، يعني لما نقول مثلاً: علم الشيخ محمد بن إبراهيم آل في النهاية إلى الشيخين ابن حميد وابن باز، هل يعني أن غيرهم ما استفاد شيئاً؟ يعني من طلاب الشيخ في وقت الشيخ من هو قريب منهم، لكن تقدمت به الوفاة وما طال به العمر، ولا أحتاج الناس إلى علمه، المسائل تقريبية ما هي .. ، وعند الشيخ هذا ما ليس عند هذا، وعند غيرهم ما ليس عندهم، يعني الكلام كله يعني تقريبي، ورفع شأن بعضهم دون بعض؛ لأن العلم يميز صاحبه.
ثم انتهى لذين والبعض جعل ... الأشعري. . . . . . . . .
يعني أبا موسى.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . عن أبي الدرداء بدل
هؤلاء الستة: زيد، أبي الدرداء يكون مكانه أبي موسى، مع أبي بن كعب ومع عمر إضافة إلى عبد الله وعلي نقف عند: "والعد لا يحصرهم" ...(43/27)
شرح ألفية الحافظ العراقي (45)
تابع: باب معرفة الصحابة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: الترتيل هل هو خاص بالقرآن أم أنه يجوز ترتيل غيره كالأذان وتكبيرات الانتقال في الصلاة والأذكار وقراءة الكتب؟
الترتيل الذي يكون على مقتضى قواعد التجويد وقوانينه من أحكام الإظهار والإدغام والمدود وغيرها، الترقيق والتفخيم هذا خاص بكتاب الله -جل وعلا-، وأما قراءة الكتب أو الأذكار أو الأدعية أو صيغ الأذان، جمل الأذان أو غيرها هذه لا مانع من أن تؤدى بصوت مؤثر، لا تعتمد فيه قوانين التجويد الخاصة بالقرآن، ولكن إذا أديت بألفاظ مؤثرة في السامع لا يخرجها عن حد الاعتدال، بمعنى أنه لا يولد حروف زائدة، لكن إذا دعا بدعاء وأداه بلفظ يؤثر في السامع، لا مانع من ذلك، إذا قرأ في كتاب وقرأ بقراءة تغنى فيها تغنياً لا يجعله مماثلاً لقراءة القرآن على قوانين التجويد ولكنه يؤثر في السامع، ويجذب السامع، وكذلك التكبيرات، كل هذا مما تُرك التفصيل فيها، يعني ما جاء نقلها بدقة، وإنما تركت حسب ما تيسر للناس، ولكل أهل بلدٍ، ولكل أهل أقليم طريقة في أداء الحروف، وأداء الجمل، يعني طريقة المغاربة في أداء الحروف تختلف اختلافاً كبيراً عن طريقة المشارقة، ولو جاء في هذا نص يلزم الناس جميعاً لشق عليهم، ونظير ذلك ما جاء في أول الأمر من قراءة القرآن على سبعة أحرف، يعني لو ألزمت هذيل بالقراءة على طريقة قريش أو على طريقة تميم وما أشبه ذلك لشق عليها، فترك الأمر، ثم بعد ذلك لما طاعت ألسنة الناس، وذلت بالقرآن جُمع على حرف واحد كما فعل عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-، وأجمع على ذلك الصحابة، لكن بالنسبة لغيره يجوز أن يؤدى بالطريقة التي لا تخرجه عن سمته، وعما طلب فيه بحيث لا يجعل من الحرف حرفين أو أكثر كما يفعله بعض من يتغنى بجمل الآذان أو بغيرها؛ لأن بعضهم يخرجه، بعضهم يؤذن بالتطريب، وبعضهم يقرأ بالألحان، كل هذا لا يجوز، لكن مع ذلك إذا أدى ما يراد أداءه بصوت مؤثر في السامع لا يخرجه عن حده فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.(44/1)
المسألة السابقة وهي التفضيل بين الصحابة عرفنا قول الجمهور، بل قول أهل السنة قاطبة في تفضيل أبو بكر وعمر، ثم الخلاف في تفضيل عثمان على علي أو العكس، قول الأكثر عثمان، ومن أهل السنة من يرى تفضيل علي، هذه مسألة انتهينا منها، لكن هناك قول غريب لابن حزم نسيته بالأمس، وذكرناه في مناسبات كثيرة، ابن حزم يرى أن أمهات المؤمنين أفضل من العشرة، أفضل من أبي بكر وعمر، أمهات المؤمنين يقول: هن أفضل من أبي بكر وعمر، ومن بقية العشر من باب أولى، لماذا؟ لأن أمهات المؤمنين معه في منزلته -عليه الصلاة والسلام-، ودونه في المنزلة أبو بكر وعمر، فمن كان معه في المنزلة لا شك أنه أفضل ممن هو دونه في المنزلة، يعني زوجات الرجل ألسن معه في منزلته؟ إذا لم يكن ثم مانع؟ {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [(21) سورة الطور] ذرتهم معهم، وأزواجهم معهم، إذا لم يكن ثم مانع، يعني ما يكون هناك شيء مخل، وخلل كبير يمنعه من اللحاق بهم، كالشرك مثلاً، يعني إذا كان هناك تقصير يسير على كل حال هم معه في المنزلة، وزوجات الرجل معه، وأمهات المؤمنين معه في منزلته، هذا ما جعل ابن حزم يفضل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وغيرهما من خيار الصحابة.(44/2)
لكن هذا القول هل هو مرضي وإلا غير مرضي؟ النصوص كلها تدل على فضل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، نصوص قطعية في الباب، مما لا يلحقه في هذا التفضيل أحد لا من الرجال ولا من النساء، وكون الإنسان ينال منزلة تبعاً لغيره لا يعني أنه يستحق هذه المنزلة بنفسه، وذكرنا في مناسبات كثرة أن بعض الخدم والسواقين وغيرهم في بعض البيوت يعيشون عيشة أفضل من كثير من أوساط الناس، هل نقول: إنهم أفضل منهم؟ لأنهم تبع لهم، يعني على مستوى -هذا مثال توضيحي ينفع لطلاب العلم يعني يوضح لهم المسألة- يعني بعض الكتب يطبع على هامش كتاب، تفسير النيسابوري –القمي- مأخوذ من تفسري الرازي، يعني هو مأخوذ من تفسير الرازي، وأين تكون منزلة تفسير الرازي وما أخذ منه من منزلة تفسير الطبري؟ لا شيء، يعني إذا وضعت تفسير الطبري في الدالوب الأول تضع الرازي في العشرين أو بعد العشرين، يعني اللي مكتبته كبيرة، فضلاً عن مختصراته، لكن طبع مختصر الرازي هذا -تفسير النيسابوري- على هامش الطبري، لازم تضعه في الدالوب الأول مع الطبري؛ لأنه تبع له وضع، نعم؟ هل هذا يعني أن تفسير النيسابوري أفضل من البغوي حيث قدمته عليه، أنت قدمته تبعاً لأصله الذي طبع معه، فكون الإنسان يوضع في منزلة لا يعني أنه يستحقها إذا كان تبعاً لغيره، لا يعني أنه يستحقها إذا استقل، ولذلك إذا طبع تفسير النيسابوري -وقد طبع- يوضع في مؤخرة التفاسير لا يوضع في مقدمتها إذا فصل، وهذا مثال توضيحي يعني يفهمه طلاب العلم، وقد لا يفهمه غيرهم، نعم.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى- في باب معرفة الصحابة:
وَمَاتَ آخِراً بِغَيْرِ مِرْيةِ ... أبُو الطُّفَيْلِ مَاتَ عَامَ مِائَةِ
وقَبْلَهُ السَّائِبُ بالمَدِينَةِ ِ ... أَوْ سَهْلٌ أوْ جَابِرٌ أوْ بِمَكَّةِ
وقِيلَ: الآخِرُ بِهَا ابنُ عُمَرَاِ ... إنْ لا أبُو الطُّفَيْلِ فِيهَا قُبِرَا
وأَنَسُ بنُ مالِكٍ بالبَصْرَةِِ ... وابنُ أبي أوْفَى قَضَى بالكُوْفَةِ(44/3)
والشَّأمِ فَابْنُ بُسْرٍ أوْ ذُو باهِلَهِْ ... خُلْفٌ وقِيلَ: بِدِمَشْقٍ وَاثِلَهْ
وَأنَّ في حِمْصٍ ابنُ بُسْرٍ قُبِضَاِ ... وأنَّ بالجزيرةِ العُرْسَ قَضَى
وبِفَلَسْطِينَ أبُو أُبَيِِّ ... ومِصْرَ فابنُ الحارِثِ بنِ جُزَيِّ
وقُبِضَ الهِرْمَاسُ باليَمَامَةِِ ... وقَبْلَهُ رُوَيْفِعٌ ببَرْقةِ
وقِيلَ: إفْرِيقِيَّةٍ وسَلَمَهِْ ... بادِياً أوْ بِطِيبَةَ المُكَرَّمَهْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما ذكر في باب الصحابة: تعريف الصحابي، وفضل الصحابة، ومنازلهم وأفضلهم، وترتيبهم وطبقاتهم، ذكر آخر من مات منهم، إما على سبيل الإطلاق، يعني أخر من مات من الصحابة مطلقاً، أو بالنسبة لجهة من الجهات، أخر من مات في مكة، آخر من مات في المدينة، آخر من مات في الشام .. إلى آخره، فالآخرية كالأولية، إما أن تطلق ويراد بها الإطلاق، وتطلق ويراد بها النسبية، بالنسبة لجهة من الجهات.
قال -رحمه الله-:
ومن مات آخراً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني متأخراً عن غيره، آخر من مات من الصحابة من هو؟ "بغير مرية ... أبو الطفيل" عامر بن واثلة، "مات عام مائة" مات عام مائة من الهجرة، وقيل: مات سنة مائة واثنتين، والذي رجحه الذهبي وغيره أنه مات سنة عشر ومائة، على رأس مائة عام من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أريتم ليلتكم هذه، لا يأتي على أحدٍ ممن هو على ظهر الأرض مائة عام وهو حي)) ((وما من منفوسة -كما في الحديث الآخر- يأتي عليها مائة عام ممن هو على ظهرها وهو حي)) المقصود أن هذا الكلام قيل سنة عشر من الهجرة، ومقتضى إضافة المائة إليها أن يكون آخر من يموت سنة عشر ومائة، بمعنى أنه لا يوجد .. ، لا يمكن أن يوجد من الصحابة سنة أحد عشر ومائة أحد، بدلالة هذا الحديث، لا يمكن أن يوجد بعد سنة عشر ومائة أحد من الصحابة؛ لأنه يقضي أن الجيل ينقرض على رأس مائة عام من تلك المقولة، وقد قيل سنة عشر من الهجرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(44/4)
بعد حجة الوداع، نعم، المقصود أنه سنة عشر من الهجرة قيل هذا، وهو دليل قطعي بأنه لن يوجد من الصحابة من يعيش بعد سنة عشر ومائة، وكل ما يدعى من ذلك فهو باطل، يكذبه الحديث الصحيح الصريح، واستدل به على موت الخضر؛ لأنهم يقولون: إنه حي، وأنهم يزعمون أنهم لقوه في المائة الأول والثانية والثالثة والخامسة والعاشرة، لن يخرج عن هذا الحديث أحد، ولو قالوا: إنه على البحر لا على وجه الأرض، لكنه جواب لا يكفي، والمحققون من أهل العلم على أنه مات قبل البعثة، ولو وجد بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام- للزمه أن يأتي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويؤمن به، ولذا يذكرون من النواقض أنه من زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى -عليه السلام-، فهذا كفر؛ لأن شريعة محمد ورسالة محمد عامة شاملة لكل أحد، ((والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار)) فلا يسع أحداً الخروج عن شريعة محمد، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، فلو كان الخضر حياً وقت البعثة فضلاً عن أن يكون حياً بعدها بأزمان متطاولة كما يزعمه كثير ممن يتعلق ويتشبث بمثل هذه الأخبار، وهذه المنامات، وهذه الرؤى، ويبني عليها أحكاماً، ويخالف بها النصوص، هذا دليل على أنه غير موجود وقت البعثة فضلاً عن أن يوجد بعدها، فضلاً عن أن يوجد بعد سنة مائة وعشرة، ومائتين وبعد ذلك، وهذا ما قرره المحققون من أهل العلم بالأدلة الكثيرة المتضافرة، وأنه لو كان موجوداً بعد البعثة للزمه الإتيان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والإيمان به، والانضواء تحت لوائه، والمجاهدة والمقاتلة معه، لنصر الدين .. إلى غير ذلك.
نقل النووي عن الجهور أنه حي، ومعولهم في ذلك كله على رؤى، وبعضهم قد يخيل إليه إنه رأى شخصاً إنه ادعى الخضر، وأنه رآه بعرفة، أو رآه في المكان الفلاني، هذه كلها دعاوى، ولا تثبت أمام النصوص.
طالب:. . . . . . . . .(44/5)
الدجال لو كان موجوداً في ذلك الوقت، يعني على القول بأنه ابن صياد، على أن ابن صياد جاء ما يدل على أنه أسلم، أجابوا عنه بأنه في البحر وليس في البر، لكن كل هذه أجوبة لا تثبت حقيقة أمام التمحيص، فالمحقق أن الدجال ليس هو ابن صياد، وأنه لا يوجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث الجساسة نعم، حديث الجساسة، ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لكن ابن صياد غير الدجال قطعاً، يبقى حديث الجساسة، وحديث الجساسة في صحيح مسلم ولا إشكال فيه، ولكنه في البحر وليس في البر.
طالب: يأجوج ومأجوج.
يأجوج ومأجوج.
طالب:. . . . . . . . .
يعني استثنوا من النص؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ممن هو موجود يعني عام لهذه الأمة ولغيرها، لكن ما خرج بنص صحيح لا يعترض به على النص العام، يعني ما خرج بنص صحيح كما جاء في حديث الجساسة، أو يأجوج ومأجوج لا يمنع من استثنائه من باب التخصيص.
ومن مات آخراً بغير مريةِ ... أبو الطفيل مات عام مائةِ
سنة مائة من الهجرة، وهذا ما رجحه كثير من أهل العلم، لكن الحافظ الذهبي وغيره رجحوا .. ، حتى الحافظ ابن حجر في بعض مواضع من كتبه رجح أنه مات سنة عشر ومائة.
"وقبله السائب" وقبله يعني قبل الطفيل مات السائب بن يزيد بالمدينة، أو سهل بن سعد أو جابر؟ يعني الخلاف في آخر من مات بالمدينة هل هو السائب أو سهل بن سعد الساعدي أو جابر بن عبد الله؟ خلاف بين أهل العلم، وتذكر أقوال قد تبلغ الخمسة أو الستة في وفاة الواحد منهم، كما أنه يذكر الخلاف في مكان الوفاة، لأنه قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو جابر أو بمكة
يعني هل مات جابر بالمدينة أو بمكة؟ وعلى هذا يخرج من الخلاف في آخر من مات بالمدينة.
وقيل: الآخر بها ابن عمرا ... . . . . . . . . .
"بها" يعود على إيش؟ يعني آخر مذكور مكة.
. . . . . . . . . ... أو بمكة. . . . . . . . .
وقيل: الآخر بها ابن عمرا ... . . . . . . . . .
عبد الله بن عمر تأخرت وفاته إلى ما بعد السبعين.
. . . . . . . . . ... إن لا أبو الطفيل فيها قبرا(44/6)
يعني الخلاف في أبي الطفيل هل مات بمكة أو بغيرها؟ على كل حال أبو الطفيل هو آخر من مات من الصحابة على الإطلاق، سواء كان بمكة أو بغيرها، فإن كان بمكة حسم الخلاف فيمن مات بها أخراً هل هو ابن عمر أو جابر؟ يكون آخر من مات بها أبو الطفيل، وجاء ما يدل في صحيح مسلم وغيره أنه مات بمكة، أعني أبا الطفيل.
وأنس بن مالك بالبصرة ... . . . . . . . . .
أنس بن مالك آخر من مات من الصحابة بالبصرة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاثة وتسعين عن مائة وثلاث سنين؛ لأننا إذا أضفنا العشر التي قبل الهجرة، لما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت أم أنس بن مالك به ليخدمه وعمره آنذاك عشر سنين، فإذا أضيفت إلى الثلاثة والتسعين بعد الهجرة صار الناتج مائة وثلاث سنين، تصحف الرقم في بعض كتب التراجم، وفي سبل السلام لما ترجم لأنس قال: عن مائة وثلاث وستين، صوابها: عن مائة وثلاث سنين، ليست مائة وثلاثة وستين؛ لأن لو قلنا: مائة وثلاثة وستين كم يكون عمره لما جئ به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ثلاثة وسبعين، اخصم ثلاثة وتسعين من مائة وثلاثة وستين، ثلاثة وسبعين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم سبعين سنة، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
صغير يعني عمره عشر سنين لا تزيد، قيل: أقل من ذلك، لكن الأكثر على أن عمره عشر سنين، فيكون مجموع العمر مائة وثلاث سنين، وسهل التصحيف بين سنين وستين متقاربة.
"وأبن أبي أوفى -عبد الله بن أبي أوفى- قضى بالكوفة" يعني آخر من مات من الصحابة بالكوفة، "والشأمِ" يعني وفي الشام عبد الله بن بسر آخر من مات بالشام، والشأم يطلق بالتسهيل والهمز، شأم وشام، وكلاهما صحيح، "والشأمِ" يعني عطفاً على الكوفة المجرورة.(44/7)
"والشأم فابن بسر" يعني فآخر من مات فيها عبد الله بن بسر "أو ذو باهله" أبو أمامة الباهلي، صدي بن عجلان، يعني اختلف في الآخر من مات بالشام عبد الله بن بسر أو صدي بن عجلان؟ أبي أمامة الباهلي المعروف المشهور "خُلفاً" يعني خلاف بين أهل العلم، "وقيل: بدمشق واثله" واثلة بن الأسقع آخر من مات بدمشق، يعني لما يقال: بالشام أو بدمشق يعني ألا يدخل مع الخلاف السابق فيكون آخر من مات بالشام؟ الشام هو القطر الأعم، من أعماله، يعني من نواحيه ومدنه دمشق، فإذا قيل: آخر من مات بالشام أو آخر مات بدمشق يعني هل نقول: إن المراد مات بالشام القطر الأعم بعض النظر عن التفصيلات والأفراد، ودمشق يكون البلد الأخص، لكن ألا يمكن أن يدخل مع الخلاف عبد الله بن بسر أو أمامة الباهلي أو واثلة آخر من مات بالشام؟ لكن مع ذلك:
وإن في حمص ابن بسر قبضا ... . . . . . . . . .
يعني الآن الشام أولاً جاء بالقطر الأعم ثم خصص بدمشق، ثم حمص وكلاهما من الشام، دمشق مدينة بالشام يعني في سوريا، يعني القطر عموم، العموم الشام، يدخل تحته سوريا، يعني قطر داخل القطر الأعم، ثم بعد ذلك خاص الخاص دمشق وحمص، لكن فيه التعبير هنا إشكال وإلا ما فيه؟ طيب الباهلي وين مات؟ أبو أمامة الباهلي؟ بالشام، كلهم ماتوا بالشام، حتى واثلة مات بالشام؛ لأنه بدمشق ودمشق من الشام، هل نقول: إن دمشق لا تدخل في الشام على اعتبار الاصطلاح القديم؟ كما يقال: مصر والقاهرة مثلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب يعني هذا بدمشق، يعني واثلة بدمشق، وابن بسر في حمص، وصدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي يعني في الشام في القطر الأعم يعني لا بد أن يوجد له مكان أخص من الشام، يعني إذا قيل: مات بالشام الكلام صحيح؛ لأن هذا الخاص داخل في الشام، لكن إيش معنى أنه يخصص واثلة بدمشق وابن بسر بحمص؟
طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك- يمكن ما ضبط مكان وفاة فتركه في القطر الأعم.
يعني ما ضبط مكان وفاته إذاً ليش ما دام بالشام وكلهم في الشام يترك الخلاف بين الثلاثة؟
طالب:. . . . . . . . .
طالب: أيضاً حمص.
ابن بسر هو ابن بسر، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(44/8)
ثلاثة هم، الخلاف بين ثلاثة، يعني الآن عرف في الاصطلاح القديم أن مصر غير القاهرة تطلق على الفسطاط وما والاها، ولذلك يقولون في الكتب مثلاً: (النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة) وكثير جاء مثلاً: (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) قد يعطف الخاص على العام من باب العناية بشأن الخاص، لكن ليس معنى هذا أننا لو مات شخص مثلاً قيل: مات بالحجاز، وفلان آخر من مات بجدة، والثاني بمكة، والثالث بالطائف، والرابع مات بالحجاز، ترى هذه الصورة نفسها، آخر من مات بالحجاز، وآخر من مات بجدة، وآخر من مات بالطائف، وآخر من مات بمكة، يصلح أن ينصب الخلاف بين هؤلاء وهم كلهم ماتوا بالحجاز؟ والصورة التي معنا نظير ما ذكرنا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب: لكنه غير مشكوك في موته قبل. . . . . . . . .
واللي مات بدمشق؟
طالب: مثل الذي مات بدمشق. . . . . . . . .
طيب أبو أمامة الباهلي وين مات؟
طالب: اللي يظهر أنه لجهالة المكان تركوه في القطر الأعم.
إيه، لكن ما نصبوا الخلاف بين الثلاثة كلهم في الشام، ثم فصلوا، يعني لو قالوا: والشأم فابن بسر أو ذو باهلة وواثلة مثلاً، أو واثلة مثلاً، ثم خصصوا هذا بدمشق، وهذا بحمص، وهذا بكذا، ممكن، اللهم إلا إذا كان الشام يطلق على ناحية محددة من القطر الأعم، مثلما يطلق مصر، يعني لما يقال مثلاً: مات بالكويت مثلاً، أو بتونس، آخر من مات بالكويت طيب هل مات بالعاصمة الكويت وإلا بالقطر العام؟ يعني هل ننصب الخلاف بين من مات بالكويت وبين من مات بالأحمدي أو غيرها من مدن الكويت؟ ونقول: إن المراد بالكويت القطر الأعم أو الأخص؟ لا بد أن نحمله على القطر الأخص، فهنا في الشام لا بد أن يكون قطراً خاصاً، يعني جهة معينة يطلق عليها الشام، والعراق يطلق عليه العراق بالقطر الأعم، والعراق بالقطر الأخص، بحيث يدخل العراقين عراق العرب وعراق العجم، هذا معروف في الجغرافيا، لا سيما القديم منها.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ الشام الآن عند عموم الناس هناك تطلق على دمشق. . . . . . . . .(44/9)
هذا معروف، الآن في عرفهم الخاص الآن، وين بيروح الشام؟ يعني دمشق، إيه، لكن هل المراد دمشق هنا في السياق؟ لا، بدليل أنه قال: "وقيل بدمشق واثلة" عده قول ثاني، ما عده نفس القول الأول.
طالب: هو قديماً كانت تطلق الشام على القطر العام.
بلا شك حتى يدخل فيها الأردن وفلسطين ولبنان، كل الجهة ذيك يقال لها: شام.
"وإن في حمص" حمص ممنوع من الصرف، لماذا؟ دمشق معروف علمية وتأنيث، وحمص؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا يقتضي صرفه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، العلمية والتأنيث والعجمة، ثلاث علل، ولو كان منعه لعلتين لصرف؛ لأنه ثلاثي ساكن الوسط، كما صرفوا هند مثلاً "ليت هنداً" علمية وتأنيث ومع ذلك صرفت، لماذا؟ لأنه ثلاثي ساكن الوسط، فهذا يقتضي صرفه، وهنا ممنوع لثلاث علل، وكونه ثلاثي ساكن الوسط يكون في مقابل علة واحدة أو ثلاث علل؟ إيه إذا منعناه من الصرف قلنا: إن كونه ثلاثي ساكن الوسط يقوم مقام علة واحدة، نعم ويبقى ممنوع من الصرف لعلتين، وإذا قلنا: إن كونه ثلاثي ساكن الوسط يصرفه مطلقاً يكون في مقابل العلل كلها، وهذه مسألة خلافية وعراك طويل بين العيني وابن حجر في فتح الباري وعمدة القاري، في حديث هرقل ورد ذكر حمص، وبعضهم صرفها، وبعض الروايات تكون مصروفة، وبعضها غير مصروفة، نعم والسبب في ذلك ما ذكرنا، أنه ممنوع في الأصل من الصرف لثلاث علل قام هذا السبب الذي كونه ثلاثي ساكن الوسط في مقابل علة أو العلل كلها، إذا كان مقتضي للصرف مطلقاً قلنا: إنه يقاوم جميع العلل فيصرف، وإذا قلنا: إنه يقاوم علة واحدة فيبقى علتان، يبقى الاسم ممنوع من الصرف.
وإن في حمص ابن بسر قبضا ... . . . . . . . . .
يعني مات هناك في حمص.
. . . . . . . . . ... وإن بالجزيرة العرس قضى
الجزيرة، أي جزيرة هذه؟ بدون مراجعة شروح، هاه؟
طالب: العراق.
العراق نعم، بين إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا كونها جزيرة؟
طالب:. . . . . . . . .
بين النهرين، بين دجلة والفرات يقال لها: الجزيرة، ويحصل خلط من بعض الناس الذي لا يعرف هذه المصطلحات قد يظنها جزيرة العرب؛ لأنه إذا أطلقت الجزيرة أنصرف إليها.(44/10)
"وإن بالجزيرة العرس" ابن عَميرة بفتح العين على ما قالوا.
طالب:. . . . . . . . .
الكندي نعم.
. . . . . . . . . ... وإن بالجزيرة العرس قضى
يعني مات، وقد يقولون: درج، يعني تقفون على ذلك في كتب التراجم، وفي الشروح يقال: درج، وقد يقولون: مضى، وقد يقولون: قضى، يعني قضى نحبه فمات هناك.
"وبفلسطين" قالوا: بكسر الفاء وفتح اللام فلسطين "أبو أبي" ... قبل ذلك البصرة.
وأنس بن مالك بالبصرةِ ... . . . . . . . . .
قالوا: مثلث الباء، والفتح هو الأشهر، كما قرر ذلك النووي وغيره.
وبفلسطين أبو أبي ... . . . . . . . . .
أبو أبي هذا مولى اشتهر بكنيته قالوا: اسمه ... ، ما اسمه؟ اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً ويش قالوا عندك؟ أبو أبي ... ؟
طالب: زكريا بن منده.
لا هذا الذي تكلم عنه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أبو أبي بن أم حرام، هذا يكون أمه أم حرام خالة أنس، وهو ابن زوجة من؟ طلحة وإلا إيش؟
طالب: عبادة.
عبادة بن الصامت نعم، ابن زوجة عبادة بن الصامت.
وبفلسطين أبو أبي ... ومصر فابن الحارث بن جزي
أصله ابن جزء، نعم ابن الحارث بن جزء، وابن الحارث أو الحارث؟
طالب:. . . . . . . . .
في النظم ابن الحارث بن جزء، واسمه؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن جزء، نعم بالهمز، لكن الناظم لضرورة النظم ماذا صنع فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني سهلها، سهل الهمز ابن جز، في الحارث بن جزء بن سعد العشيرة، هو منه وإلا لا؟ مترجم .. ، مذكور اسمه كامل؟
طالب:. . . . . . . . .
عبد الله بن الحارث بن جزء، كمّل.
طالب: جزء الزبيدي.
الزُبيدي، ويش قال بالضم وإلا ... ؟
طالب: بإبدال الهمزة ياء للضرورة؛ لأن جزء هو الزُبيدي بضم الزاء. . . . . . . . . نسبة لزبيد، واسمه عبدالله.
لا إذا قال: نسبة لزبيد قلنا: الزَبيدي؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو زُبيدي.
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم إيه.
طالب: واسمه عبد الله وكون موته بمصر. . . . . . . . . قاله ابن عيينة وابن المديني وأبو زكريا بن منده. . . . . . . . .
أنتم أعرف بها، سمنود هذه معروفة، لكن هذه صفط القدور موجودة أو مندثرة؟
طالب:. . . . . . . . .(44/11)
أبي تراب، وكان الصفط القدور ...
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال أنتم أعرف بدياركم، ومع ذلك يوجد مطبوع في خمسة مجلدات، كان مطبوع ببولاق قديماً في مجلد كبير، المدن والقرى والعزب، مطبوع يعني في مجلد كبير يمكن حوالي ثمانمائة صفحة أو أكثر، مقسوم إلى قسمين المندثرة والقائمة الحالية، ثم بعد ذلك طبع في مطبعة دار الكتب المصرية في خمسة مجلدات المندثرة في مجلد مصر فقط، إيه ذكروا العزب التي ما فيها إلا أفراد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
نسيت، أظن رسمي، الحكومة، ما هو بتأليف فرد، مصر بالنسبة للصرف ثلاث ساكن الوسط مصروف وإلا غير مصروف؟ هاه؟
طالب: مصروف.
لا الآن غير مصروف بلا شك، {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ} [(21) سورة يوسف] {اهْبِطُواْ مِصْراً} [(61) سورة البقرة] ليس المراد به البلد المعروف.
طالب:. . . . . . . . .
إذا صرف يكون للتنكير، أي مصر كان، يكون للتنكير، أما إذا منع من الصرف فالمراد به العلم المعروف.
وقبض الهرماس باليمامةِ ... وقبله رويفع ببرقةِ
هذا رويفع الذي قال فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لعل الحياة تطول بك يارويفع)) فقبض ببرقة هناك وبرقة من بلدان تونس، هي من بلدان تونس؟
طالب: ليبيا.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي أعرف أنها تونس.
طالب:. . . . . . . . .
كله مغرب، هين، يسمون المغاربة الآن، ولذلك قال:
"وقيل: أفريقية" أفريقية هي التي تطلق على تونس، أفريقا، إذاً نعم عطف أفريقا على برقة يدل على أنها غيرها، فلا تكون في تونس على هذا، تكون بليبيا، نبدي احتمالات في أمور مجزوم ومقطوع بها يعني هاه؟ "وقبله رويفع" يعني الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لعل الحياة تطول بك)) وطالت به الحياة، لكنه لم يصل إلى حد ما عاشه أبو الطفيل أو أنس بن مالك، مات قبلهم، لكنه الآخرية التي تذكر بالنسبة له آخرية نسبية يعني بهذه الجهة، آخر من مات بهذه الجهة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .(44/12)
المدن المتقاربة أو تكون هذه القرية فرع أو ضاحية لهذه المدينة، لا ينصب خلاف بينها، يعني كون البخاري مات في بخارى أو بخرتنك قريبة؛ لأنها قريبة منها، من أعمالها ومن ضواحيها، فيطلق اللفظ ويراد به الأعم، وقد يطلق ويراد به الأخص، يعني ما في فرق أن تقول: مات فلان في السعودية أو مات بالرياض، في فرق؟ ما في فرق، للمجاورة.
وقيل: إفريقية وسلمه ... . . . . . . . . .
سلمة بن الأكوع.
"بادياً" يعني مات بالبادية، انتقل إلى البادية ومات بها "أو بطيبة المكرمه" يعني الخلاف هل مات بالبادية أو مات بالمدينة؟ مع أنه تأخرت وفاته، حتى روى عنه هاه؟ يزيد بن أبي عبيد، وعن يزيد المكي بن إبراهيم كلهم تأخرت وفياتهم حتى أدركهم البخاري -رحمه الله تعالى-، وهذا أعلى ما عند البخاري من الأسانيد، يعني مقتضى العلو وقلة الرواة في الإسناد أن تتأخر الوفيات، يعني إذا تأخرت وفاة الصحابي حتى أدركه صغار التابعين، ثم تأخرت وفاة هذا التابعي الصغير حتى أدركه تبع أو أتباع تبع الأتباع، يعني صار الإسناد عالياً لقلة الرواة فيه، وهذا هو الحاصل بالنسبة لسلمة لما تأخرت وفاته، وروى عنه من تأخر فتأخرت وفاته ثم الأمر كذلك في الطبقة الثالثة، ثم روى عنهم البخاري، يعني أكثر ثلاثيات البخاري عن طريق المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، سبعة عشر حديثاً ثلاثياً بهذا الطريق، وخمسة أحاديث ثلاثية من غير هذا الطريق، مع أن البخاري له نوازل، له أسانيد نازلة عنده تساعي، يعني يرويه من طريق تسعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثلاثة أضعاف الثلاثي، فهذا سببه تأخر وفاة سلمة بن الأكوع الذي مات بالبادية أو بطيبة، بحث التابعين لا بد أن يأخذ متواصلاً، وفيه طول، لعلنا نتوقف للغد، نعم؟
طالب: مكة المكرمة. . . . . . . . .(44/13)
هم يطلقون مثلاً بالنسبة لمكة المكرمة أو المشرفة, والمدينة المنورة، هذا إطلاقات ما وردت بها نصوص، لكن بالنسبة للواقع، وما جاء في النصوص من تعظيمها، وأنها معظمة ومكرمة ومشرفة، قد أورد بعضهم أن تسمية المدينة بالمنورة باعتبار أن فيها أنوار تشع من قبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما يقوله بعض المتصوفة، على كل حال مثل هذه التسميات يعني بالنسبة مكرمة مشرفة معظمة هذا ما في إشكال، لكن منورة يحتاج إلى تحري في سبب هذا النور، يعني إن كان هذا النور معنوي هذا لا إشكال فيه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب أنار، وفي ولادته -عليه الصلاة والسلام- أنار كل شيء، لكن على كل حال إذا كان المراد بالنور النور المعنوي الذي نشأ عن نزول الوحي فيها، وانتشار الدين، وأهل الدين هذا ما في إشكال -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
النابغة الجعدي ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
من الأواخر، صحابي، تأخر جداً، وذكر من آخر من مات من الصحابة في بعض الجهات، بريدة بن الحصيب آخر من مات في خرسان وهكذا، هم ذكروا أشياء كثيرة من هذا النوع، لكن يستفاد من معرفة هذا النوع الاتصال والانقطاع؛ لأنه قد يروي تابعي صغير عن صحابي إذا عرفنا أن هذا الصحابي متأخر الوفاة عرفنا أن الاحتمال قائم في كونه أدركه، وإذا عرفنا أنه من المتقدمين والراوي عنه تابعي صغير على ما سيأتي بحث التابعين، فالذي يغلب على الظن أن بينهما واسطة، هذه هي الفائدة من معرفة المتقدمين في الوفيات والمتأخرين.
استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله ...(44/14)
شرح ألفية الحافظ العراقي (46)
مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: يبين الفقهاء في الرضاع أنه لا بد من اليقين في عدد الرضعات، ولا عبرة بالشك، فماذا عن غلبة الظن هل تلحق باليقين أم لا تحلق؟
الأصل العدم، وهذا الأصل لا يرتفع بمجرد الشك مستوى الطرفين، ولا بد فيه من اليقين، أو ما يقوم مقامه من الظن الغالب؛ لأن جل الأحكام مبنية على غلبة الظن.
يقول: ما رأيكم في فتح الغفار للرباعي تلميذ الشوكاني؟ وهل صحيح أنه من أجمع كتب الأحكام؟
هذا طُبع قديماً في مطبعة الحلبي في مجلدين، ثم طبع أخيراً محققاً في أربعة مجلدات أو خمسة، وهو بالفعل يعني من حيث عدد الأحاديث من أجمع كتب الأحكام.
يقول: وهل القائل بوقوع الطلاق بلفظ الثلاث واحدة يعتبر مخالفاً لإجماع الصحابة أو متبع للنص؟ وكيف يوفق بينهما؟
.... الحديث الصحيح الذي عول عليه شيخ الإسلام ومن يقول بقوله أنهم كانوا يعدون الثلاث واحدة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي بكر، وصدر من خلافة عمر، ثم إنه أمضاه عليهم لما رأى تلاعبهم بالأحكام، أمضاه عليهم من باب التعزير لهم، وبقوله الذي اتفق عليه الصحابة ووافقوه عليه، وإن كان نقل أو التثبت من صحة الاتفاق بالإجماع وعدم وجود المخالف هذا يعني دونه خرط القتاد، يعني يحتاج إلى استقراء تام ليقال: إجماع أو غير إجماع في مثل هذه الحالة، وعلى كل حال الجمهور على أنه يقع، على أنه يقع ويؤاخذ بما تلفظ به.
قال: هل القائل بوقوع الطلاق بلفظ الثلاث يعتبر مخالفاً للإجماع؟(45/1)
يعني كون الأئمة الأربعة يرون أنه يقع ثلاثاً لا يعني أن هذا إجماع، بل وجد من يقول بمقتضى الدليل من سلف هذه الأمة، وإن كان الأئمة الأربعة اتفقوا على أنه يقع، فنقل الإجماع في هذه إما إثباتاً أو نفياً يحتاج إلى استقراء تام، والاستقراء التام لا سيما بعد عصر الصحابة فيه وعورة وفيه صعوبة، ولا شك أنه من يقول به متبع للنص، النص صحيح وصريح في أنهم كانوا يعدون الثلاثة واحدة، في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر، وأول خلافة عمر، ثم إن عمر أمضاه عليهم، ولا شك أن عمر -رضي الله عنه- خلفية أمرنا بإتباع سنته، والاهتداء بهديه، ومعلوم أن مثل هذا فيما لا يخالف النص المرفوع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن اجتهاده وموافقته للنصوص معروف، والمسألة على كل حال قول الجمهور معروف، والاجتهاد الذي ذهب إليه شيخ الإسلام وهو الموافق للدليل معروف.
يقول: ما نصيحتكم للمسلمين بشأن صلاة الاستسقاء؟(45/2)
صلاة الاستسقاء سنة ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه خرج وصلى بهم ركعتين، كما يصلي في العيد، قال: ولم يخطب خطبتكم هذه، يعني الموجودة بعد عصر النبوة، بدؤوا يطيلون الخطب، ويجعلونها خطبة مثل خطبة يوم الجمعة، لم يخطب خطبتكم هذه، ولا مثل خطبة العيد، المقصود أن فيها الدعاء، وفي الثناء والتمجيد، والتعرض لكرم الله ورحمته وعطفه، من أجل أن يغيثهم، ولا شك أنه لا بد من توافر الأسباب؛ لأن الاستسقاء نوع من الدعاء، بل هو دعاء تقدم بين يديه الدعاء ويتوسل بها، لكن لا بد من توافر الأسباب لقبول الدعاء، وانتفاء الموانع، ولا يعني هذا أن السنن تعطل لغلبة الظن أن الموانع موجدة والأسباب غير متوافرة، تصلى الصلاة ويسعى .. ، ويبذل الجهد في بذل الأسباب وانتفاء الموانع، كثير من الناس يقول: أنا لا أصلي صلاة الاستقاء، وإن صليت صلاة الاستسقاء أكون كالمستهزئ، نقول: يا أخي هذه سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، أنت تبذل ما في يدك، وما في وسعك، ابذل الأسباب وسعى جاهداً في انتفاء موانع قبول الدعاء، ولا عليك من غيرك؛ لأنه إذا نظر إلى الوضع العام وجد المخالفات ظاهرة التي قد يردد دعاء مع وجودها، وإذا نظر إلي الواقع، وأن المسلمين في مجامعهم وفي محافلهم وفي أوقات الإجابة يتعرضون لنفحات الله ومع ذلك لا يجابون يصيبه شيء من اليأس والقنوط، مع أن القنوط من رحمة الله لا يجوز، يجاب لأحدكم ما لم يستحسر، ما لم يعجل، ما لم يقل: دعوت دعوت فلم آره يستجب لي، فعليه أن يبذل، والدعاء سبب من الأسباب، لا بد أن تتوفر معه أسباب أخرى، وتنتفي موانع من قبوله، والسبب يبذل من ضمن الأسباب التي تبذل، ولا يعطل، تعطل هذه الشعيرة وهذه السنة لما يوجد في مجامع المسلمين ومحافلهم، وعلى مستوى العامة والخاصة، وجود المخالفات على كل حال موجدة في كل زمان، وإن كانت في زماننا أكثر وأظهر.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ
والتَّابعِيُّ اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا ... وَلِلْخَطِيبِ حَدُّهُ: أنْ يَصْحَبَا(45/3)
وَهُمْ طِبَاقٌ قِيلَ: خَمْسَ عَشَرَهْ ... . . . . . . . . .
عَشِرة، عَشِرة؛ لأنها كهذا وجدت بخط المؤلف، جرياً على لغة تميم، لتكون مخالفة لما في الشطر الثاني، نعم.
وَهُمْ طِبَاقٌ قِيلَ: خَمْسَ عَشِرَهْ ... أَوَّلُهُمْ: رُوَاةُ كلِّ العَشَرَهْ
لكن هل المطلوب في تمام المطابقة للشطرين موافقة اللفظ الأول للفظ الثاني في الحركات أو المطلوب المخالفة؟ لأنه ضبطها بيده عشِرة تبعاً للغة تميم من أجل مغايرة ما في الشطر الثاني، من أجل المغايرة، وهناك في العنعنة قال:
وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
ضبطها بفتح الميم يعني الأكثر قمِن، يعني حري وجدير وخليق أن تكون .. يعني كما جاء في الحديث ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمِن أن يستجاب لكم)) وضبطها قمَن وتجوز بالضبطين، كلاهما صحيح، لكنه من أجل موافقة الزمن ضبطها قمَن، وهنا قال: عشِرة من أجل أن تغاير العشرة، يعني هل في مخالفة لما تقدم؟ هناك قال: قمَن من أجل أن توافق؟ وهنا قال: عشِرة من أجل أن تغاير؟ فهل الأولى أن توافق أو تغاير؟ ما عرفنا المطلوب؟ المطلوب واضح؟ لأنه هنا ضبطها بقلمه: عشِرة على لغة تميم، من أجل أن تغاير العشرة، "رواة كل العشرة" من أجل أن تغاير، وهناك قال: قمَن من أجل أن توافق الزمن في الضبط، وإلا لو قال: إجازة وهي بوصل ما قمِن، غايرت، وصار نظير ما عندنا ولا إشكال، أيهما أولى الموافقة وإلا المغايرة؟ يعني حتى في السجع يطلبون فيه الموافقة، ولذلك تجدون بعض العناوين -عناوين الكتب- المسجوعة إذا لم تكن موافقة ما صارت يعني .. ، يعني صار النطق بها ما هو .. ، يعني فيه شيء من القلق، وإيش الجواب؟ يعني الآن قصد هنا أن تغاير.
طالب: ضرورة.
لا ما في ضرورة، ما في ...
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: تطابق المعنى. . . . . . . . .
لا هو المطلوب في الخمسة عشرة هذه الطبقات، والعشرة المطلوب فيهم العشرة المبشرين بالجنة غيرهم، لكن لماذا قصد أن يضبطها على لغة تميم؟ وبقلمه وجدت ما هي يعني بالنقل، بقلم الناظم، ومن أجل أن تغاير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(45/4)
يعني لا شك أنه في مثل هذا التصرفات مزيد فائدة لطالب العلم، يعني لو لم يضبطه بهذا الضبط، ما عرفنا أن لغة تميم عشِرة، أو ما عرف كثير من طلاب العلم أن لغة تميم عشِرة، وقمَن هناك لو لم يضبطها بفتح الميم لكانت الجادة والناس كلهم ماشين على قمِن؛ لأنهم يعرفون الحديث: ((فقمِن أن يستجاب لكم)) كل طلاب العلم يحفظون هذا الحديث، لكن ما يعرفون أن فيه ضبط ثاني، فهل من فائدة في مثل هذه التصرفات أن يطلع طلاب العلم على هذه اللغات؟ ولماذا لا يوجد في غيرها من الكلمات؟ يعني هل هذا مقصود أن نعرف أن لغة قريش أو لغة تميم كذا؟ يعني في صحيح البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الأدب قال: "باب إذا لم تستحِ" بكسرة، حاء بدون ياء، بكسرة "فاصنع ما شئت"، "باب إذا لم تستحِ" بكسرة بدون ياء "فاصنع ما شئت" ثم ساق الحديث المرفوع: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي)) بالياء ((فاصنع ما شئت)) هل هذا مقصود أن نعرف أن الترجمة مقصود على لغة تميم والحديث على لغة قريش؟ لأن استحى يستحي بياء واحدة هذه لغة تميم، واستحيا يستحيي بياءين على لغة قريش، يعني هل من مقاصد الأئمة والعلماء في مثل هذه التصرفات أن يطلع طلاب العلم على هذه اللغات؟ ولماذا لم يترجم البخاري -رحمه الله تعالى- بلفظ الحديث؟ البخاري له نظرات بعيدة جداً، يعني يفيد بها القارئ من بُعد، يعني قد يهجم طالب ويصحح الحديث ويقول: (لم) هذه تجزم، حرف العلة لا بد أن يزال مع الجزم، طيب {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] بياءين، فإذا جزم ارتفعت ياء وبقت ياء، طيب الترجمة "إذا لم تستحِ" ليش حذفت الياء؟ نقول: هذه لغة وهذه لغة، أقول: فهل من مقاصد العلماء في مثل هذه التصرفات أن يطلع طلاب العلم على هذه اللغات؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما يبعد مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .(45/5)
لا نص الحديث هذا لغة قريش، وأما بالنسبة للترجمة تبع فيها لغة تميم ليعرف الطالب القارئ أن في اللفظة أكثر من لغة، ((الحرب خَدعة)) بفتح الخاء، قال أبو داود: لغة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن هات أي واحد من طلاب العلم أو من المثقفين، أو من أهل العلم الذين ما اطلعوا على مثل هذا الكلام ويش بيقول؟
طالب:. . . . . . . . .
عادي بيضبطها كيف ما اتفق، فمثل هذه الأمور ينتبه لها طالب العلم، فكون الناظم -رحمه الله- يعدل من لغة إلى لغة، لعل من مقاصده أو من أهدافه أن يطلع طلاب العلم على هذه اللغات، نعم.
والتَّابعِيُّ اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا ... وَلِلْخَطِيبِ حَدُّهُ: أنْ يَصْحَبَا
وَهُمْ طِبَاقٌ قِيلَ: خَمْسَ عَشِرَهْ ... أَوَّلُهُمْ: رُوَاةُ كلِّ العَشَرَهْ
وَقَيْسٌ الفَرْدُ بِهَذا الوَصْفِ ... وَقِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَوْفِ
وَقَوْلُ مَنْ عدَّ سَعِيداً فَغَلَطْ ... بَلْ قِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ سِوَى سَعْدٍ فَقَطْ
لَكِنَّهُ الأَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَا ... وعَنْهُ قَيْسٌ وَسِوَاهُ وَرَدَا
وَفَضَّلَ الحَسَنَ أَهْلُ البَصْرَةِ ... والقَرَنِيْ أُوَيْساً أهْلُ الكُوفَةِ
وفي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الأَبَدَا ... . . . . . . . . .
الأبْدا، الأبْدا.
وفي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الأَبْدَا ... حَفْصَةُ مَعْ عَمْرَةَ أُمِّ الدَّرْدَا
وَفِي الكِبَارِ الفُقَهَاءِ السَّبْعَهْ ... خَارِجَةُ القَاسِمُ ثُمَّ عُرْوَهْ
ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللهِ ... سَعِيدُ والسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ
إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ أَوْ سَالِمُ ... أَوْ فَأَبو بَكْرٍ خِلاَفٌ قَائِمُ
والمُدْرِكُونَ جَاهِلِيَّةً فَسَمْ ... مُخَضْرَمِينَ كَسُوَيْدٍ في أُمَمْ
وَقَدْ يُعَدُّ في الطِّبَاقِ التَّابِعُ ... في تابِعِيهِمْ إذْ يَكُونُ الشَّائِعُ
الحَمْلَ عَنْهُمْ كأَبِي الزِّنَادِ ... والعَكْسُ جَاءَ وَهْوَ ذُوْ فَسَادِ
وَقَدْ يُعَدُّ تَابِعِيّاً صَاحِبُ ... كَابْنَي مُقَرِّنٍ ومَنْ يُقَارِبُ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:(45/6)
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على الصحابة وما يتعلق بهم، ذكر بعدهم الطبقة التي تليهم وهم التابعون، فقال: معرفة التابعين، وعرف التابعي بأنه من لقي الصحابي.
والتابعُ اللاقي لمن قد صحبا ... . . . . . . . . .
هناك: "رائي النبي" وهنا اللاقي.
رائي النبي مسلماً ذو صحبة ... . . . . . . . . .
اكتفى بمجرد الرؤية، وهنا:
والتابعُ اللاقي لمن قد صحبا ... . . . . . . . . .
أيهما أخص؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أخص اللقاء، يعني الرؤية أعم، اللقاء والملاقاة تكون من الطرفين، والرؤية قد تكون من طرف واحد.
والتابعُ اللاقي لمن قد صحبا ... . . . . . . . . .
والتابع اللاقي لمن قد صحبا مع أنهم منهم من رجح أن الصحابي من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني على ما تقدم، نعم؟
طالب: ألا يقال يا شيخ: كل رائي لاقي، وليس كل لاقي رائي.
لا لا، عرفنا أن الرؤية أعم من أن تكون بالبصر، فإما أن تكون بالفعل بالبصر أو بالقوة القريبة من البصر، كما يحصل للأعمى نعم، هذا تقدم في تعريف الصحابي.
والتابعُ اللاقي لمن قد صحبا ... وللخطيب حده أن يصحبا
يعني مثل ما قيل في تعريف الصحابي أنه لا يسمى تابعي حتى يصحب الصحابي، على الخلاف الذي تقدم في الصحابي، وأنه هل يكفي مجرد الرؤية ولو لحظة، أو لا بد أن يصحبه صحبة يمكن أن يطلق عليها الصحبة لغة وعرفاً، أو أن هذا اصطلاح ولو صحبه أو رآه لحظة من اللحظات لشرف الاتصال به -عليه الصلاة والسلام-؟ ولذا التفريق بين رائي وبين لاقي من هذه الحيثية، يعني رؤية الصحابي ليس فيها من التشريف مثلما في رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك هناك اكتفوا بالرؤية، وهنا قالوا: لا بد من اللقاء، مع أن منهم من قال: إن من رأى الصحابي -كما تقدم- تابعي، مع أن مسألة التبع أوسع من مسألة الصحبة، كم تابع لأبي حنفية؟ وكم صاحب لأبي حنفية؟
طالب: الأتباع كُثُر.
هاه؟
الأتباع أهل المشرق كلهم تبع لأبي حنفية على مر العصور، نعم كم؟ وإذا أطلق الصاحب انصرف إلى اثنين فقط، إلى أبي يوسف ومحمد، فالصحبة أخص، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... وللخطيب حده أن يصحبا(45/7)
ليكون حد التابعي مثل حد الصحابي، إلا أن هذا بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، وذاك بالنسبة للصحابي.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا عاد يبقى مسألة هل يزاد في الحد يعني: تبع بإحسان، أو مجرد لقاء الرجل للصحابي يصح أن يطلق عليه تابعي، أو لا بد أن يقيد بأن يكون ممن تبع بإحسان؟ هذه مسألة خلافية، لكن مجرد التسمية لا سميا وأن لفظ أو الوصف بكون فلان تابعي لا يعني التوثيق، لو كان يعني التوثيق احتجنا إلى هذا الوصف، مع أنه قال به بعضهم، من تبعهم بإحسان، نعم؟ لكن لما كان وصف التابعي ما هو مثل وصف الصحابي وصف الصحابي يعني ثقة، إذا قيل: صحابي يعني ثقة عدل ما يحتاج إلى أن يبحث فيه، لكن إذا قيل: فلان تابعي هل يعني هذا توثيقه، إذاً لا نحتاج إلى هذا القيد، وهو قول الأكثر، قد يوجد تابعي هو مبتدع، وقد وجد، كثير من التابعين فيهم شيء من الابتداع، وجد، لكن ما يؤثر في الحد؛ لأنه ليس الوصف بالتابعي مثل الوصف بالصحابي مقتضٍ للتعديل.
"وهم طباق" يعني طبقات يعني مثلما قيل في الصحابة قيل في التابعين، ومثل ما صنفوا في الطبقات الشاملة للصحابة والتابعين صنفوا في طبقات الصحابة، وصنفوا في طبقات التابعين، واختلفوا في عدد هذه الطبقات، وعرفنا أن التقسيم يختلف من شخص إلى شخص، وهي مجرد اصطلاح، وحينئذٍ يقال: لا مشاحة في الاصطلاح، فمنهم من يقول: هم خمس طبقات، ومنهم من يقول: هم خمسة عشرة، ومنهم من جعلهم ثلاث طبقات، كبار، وأوساط التابعين، وصغار التابعين.
وهم طباق قيل: خمسة عشرة ... . . . . . . . . .
خمسة عشرة طبقة "أولهم" يعني الطبقة الأولى منهم "رواة كل العشرة" يعني من روى عن العشرة المبشرين بالجنة، بدءً من أبي بكر إلى آخرهم على ما تقدم ذكرهم في باب الصحابة "أولهم" يعني في الطبقة الأولى، الطبقة الأولى من التابعين من روى عن العشرة المبشرين بالجنة، لكن هل يوجد تابعي روى عن العشرة المبشرين كلهم بالجنة؟ ادعي لقيس بن أبي حازم، وادعي لسعيد بن المسيب وغيرهم قال:
وقيسٌ الفردُ بهذا الوصفِ ... . . . . . . . . .(45/8)
يعني ما في غيره أنه روى عن العشرة، في التابعين من هو أكبر من قيس لقي أبا بكر وسمع منه، لكن قد لا يكون سمع من غيره، سمع من عمر لكن لا يكون سمع من أبي بكر، وهكذا، ولذا:
وقيسٌ الفردُ بهذا الوصفِ ... . . . . . . . . .
يعني سمع من العشرة.
. . . . . . . . . ... وقيل: لم يسمع من ابن عوفِ
يعني سمع من أبي بكر وسمع من عمر، لكن لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف، فانخرم اتصافه بهذا الوصف.
وقول من عدّ سعيداً فغلط ... . . . . . . . . .
سعيد بن المسيب، سيد من سادات التابعين، وهو أفضلهم عند الإمام أحمد وجمع من أهل العلم، لكن القول بأنه روى عن العشرة غلط، لماذا؟ لأنه ولد في خلافة عمر فكيف يسمع من أبي بكر؟ بل لو نوزع في سماعه من عمر لاتجه لكنه سمع منه، أما أبو بكر فقطعاً لم يسمع منه.
وقول من عدّ سعيداً فغلط
ج بل قيل: لم يسمع سوى سعد فقط
ج
سعد بن أبي وقاص الذي طالت به الحياة، وأما من عداه لم يسمع منه، مع أن السن يؤهل أن يكون روى عن عثمان، أن يكون روى عن علي -رضي الله عنه-، أقول: السن يؤهل أن يسمع، لكن:
. . . . . . . . . ... بل قيل: لم يسمع سوى سعد فقط
فالقول بأنه روى عن العشرة قول كما قال الناظم -رحمه الله تعالى- غلط.
لكنه الأفضل عند أحمدا ... . . . . . . . . .
يعني الخلاف في أفضل التابعين.
لكنه الأفضل عند أحمدا ... . . . . . . . . .(45/9)
يعني أما بالنسبة للعلم والرواية هذا لا ينازع فيه، وكذلك العمل، فقد ثبت أنه -رحمه الله تعالى- بقي أربعين سنة لم يؤذن أو لم ينادى للصلاة إلا وهو في المسجد، لم ينادى للصلاة إلا وهو في المسجد، وهذا أمر ميسور عند الصدر الأول، حتى قال قائلهم: إن الذي لا يأتي للصلاة إلا إذا دعي هذا رجل سوء، يعني ما يجئ إلا إذا أذن هذا رجل سوء، هذا أربعين سنة ما أذن للصلاة إلا وهو في المسجد، ما يحتاج إلى .. ، العيش مع الصلاة بصدق ويقين بموعود الله -جل وعلا-، وعلى لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- هذا يجعل الإنسان يتقدم لما يدعى إليه، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [(84) سورة طه] يعني مثلما ذكر عن .. ، يعني قال بعض شيوخنا في صلاة التهجد في رمضان في العشر الأواخر، يعني كان التوقيت الغروبي قال في ليالي الشتاء طويلة، قال: القيام -إن شاء الله- في الساعة السادسة، الساعة ست، يعني تعادل عندنا حدود إحدى عشر ذلحين، فجاء الساعة خمس، وفي ناس موجودين في المسجد ما طلعوا، قالوا: بكرت يا أبا عبد الله، فتلا الآية وبكى {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [(84) سورة طه] هؤلاء يعيشون هَم، ينتظر هذه الصلاة، يرتاح بالصلاة، أما الذي طول العام يحسب ألف حساب لصلاة التهجد في العشر الأواخر! هو عنده الرغبة في أن يقوم رمضان ليغفر له ما تقدم من ذنبه وعله أن يوافق ليلة القدر، لكن في مشقة وصعوبة عليه، فهو يحسب لها حساب، ويحمل لها هم، لكن أمثال هؤلاء .. ، هؤلاء راحتهم، ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) والناس الآن عودوا على التخفيف، تخفيف الصلاة بحيث لو صلى بعضهم مع شخص يطيل ولو بزيادة آية تضايق؛ لأنه ما تعود، لكن الله المستعان، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل سئل مراراً، يعني ما هي بمرة ولا مرتين، وليست من إمام أو اثنين أو ثلاثة عن آية الدين ضاقوا بها ذرعاً؛ لأنهم عودوا الناس على نصف وجه، ثلث وجه، إذا جاءتهم آية الدين إيش يسوون؟
طالب: يمكن يا شيخ يرجعون إلى أن. . . . . . . . .(45/10)
هو ما في شك يعني أنت لو نظرت إلى أعداد الناس وقت الإطالة، إطالة الصلاة تجد العدد قليل، والصلاة من قبل الشباب قليلة، يعني شيئاً أدركناه، لكن لما وجد التخفيف هذا، ووجدت الأصوات الجملية وكذا نشط الناس وصاروا يصلون يعني بكثرة حتى الشباب، وهذا شيء يعني يَسُر، لكن يبقى أن المسألة تخفيف الصلاة إلى حد بحيث لا يتلذذ الإنسان بها، وإذا انتبه لنفسه في السجود إذ بالإمام يرفع من سجوده، يعني بعض الناس تجده لا يلتفت إلى صلاته من أول الأمر، يجلس يسبح مرة مرتين ثلاث، ثم إذا تهيأ للدعاء أو أحضر قلبه رفع الإمام، كله خشية أن يشق على الناس، ونجد المساجد التي تخفف تزدحم بالمصلين، ويوجد -ولله الحمد- أخيار، ويوجد عباد، لكن الغالب أن الناس يخففون، يعني ورقة واحدة من المصحف يصلي بها في ركعة في التهجد، هذا ما صارت ... ، يعني أدركنا الناس يقرؤون جزء في الركعة، ثم صاروا يقرؤون نصف جزء، يقرؤون خمسة بالليلة، ثم ما زال التخفيف إلى أن صاروا يقرؤون ما يكملون الجزء في الخمس التسليمات الآن، في صلاة التهجد دعنا من التراويح، التراويح من الأصل خفيفة، في صلاة التهجد الآن يعني كثير من الأئمة ما يكمل الجزء، نعم وجد أئمة يرتلون ويتدبرون ويرددون وهذا خير -إن شاء الله-، ولا شك أن هذا على حساب الكثرة، لكن يبقى أنه لا بد من التسديد والمقاربة، النبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعة افتتح البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وقام حتى تفطرت قدماه، ثم بعد ذلك يعود الناس على أن يصف الإمام في صلاة التهجد في الثانية وينتهي ثلاثة إلا أو ثلاث هذه ما هي بتهجد هذه، هذه مثل التراويح صارت، فالإنسان ما يجد لذة العبادة في مثل هذه التصرفات، وتجده يمضي من الوقت أكثر ما يمضى سابقاً، تجده يقصد هذا المسجد في ذهابه إليه ساعة وفي رجوعه ساعة من أجل أن يصلي ساعة، وما في مانع أنه يبقى في السيارة ساعتين، لكن هل يبقى في المسجد ساعتين؟ هذا شاق على النفس، والله المستعان.(45/11)
"لكنه" يعني سعيد بن المسيب "الأفضل عند أحمدا" يعني عند الإمام أحمد، والإمام أحمد لا يعدل به أحداً، لما اتصف به من علمٍ وعمل "وعنه قيسٌ" قيس بن أبي حازم "وسواه وردا"، قيس ومعه أبو عثمان النهدي، وأظن النخعي ثالثهم.
وفضل الحسنَ أهل البصرة ... . . . . . . . . .
يعني التفضيل على الإطلاق عند الإمام أحمد لسعيد بن المسيب، وتفضيله لسعيد لما اتصف به من علم وعمل، ولم يخفَ عليه -رحمه الله- ما جاء في فضل أويس القرني كما قال بعضهم أنه فضل سعيد لعله لم يبلغه ما ثبت في حق أويس القرني، كيف لم يبلغه وقد خرجه بسند صحيح في مسنده من طريق الثقات؟ نقول: لم يبلغه؟ قيل: إنه لم يبلغه لكن ما هو بصحيح الكلام، لكن النظر من حيث العموم والشمول، يعني صحيح في الزهد في البر في كذا، أويس مفضل بالنص، لكن لا يعني أنه أفضل من جميع الوجوه، وقلنا مراراً: إن التفضيل بمنقبة أو بصفة لا يعني التفضيل المطلق، يعني مثلما قلنا: إن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أول من يكسى يوم القيامة قبل محمد -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل يعني هذا أنه أفضل منه؟ لا، ومع ذلك مع وجود النص الصحيح في صحيح مسلم في حق أويس نقول: إن أويس أفضل من سعيد، لكن هذا توجيه كلام أحمد رحم الله الجميع.
. . . . . . . . . ... وعنه قيس وسواه وردا
وفضل الحسنَ أهل البصرة ... . . . . . . . . .
هذا تعصب للحسن؟ أهل البصرة فضلوه على غيره تعصب له؟
طالب: عايشوه.
نعم اطلعوا من أحواله ما لم يطلع عليه غيرهم، مما اقتضى تفضيله عندهم، وقد خفي عليهم من أحوال غيره ممن ليس من بلدهم ما اطلع عليه غيرهم، فكل أهل بلد لهم شخص مفضل؛ لأنهم عرفوه من قرب.
وفضل الحسنَ أهل البصرة ... والقرني أويس أهل الكوفة
ولا شك أن أويس ثبت فيه الحديث الصحيح، وإن نازع بعض المعاصرين، وتكلم في الخبر الذي في صحيح مسلم في قصة أويس، وزعم أن فيه ما فيه، لكن ليس لأحد كلام مع وجود الحديث في الصحيح، يعني أُلف فيه رسالة، نقول: ليس لأحد كلام مع أن الحديث مخرج في الصحيح، وإذا تطاولنا على الصحيحين فتحنا باباً واسعاً لأهل البدع في رد السنة بجملتها، إذا تطاولنا على الصحيح ما بقي لنا شيء، هذا بالنسبة للذكور.(45/12)
وفي نساء التابعين. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
نبدأ، يعني أول من يُبدأ به من النساء التابعيات حفصة بنت سيرين، أخت محمد بن سيرين، حتى فضلها بعضهم على أخيها محمد، وهو إمام من أئمة التابعين، وسيد من سادات الأمة، ومع ذلك فضلها عليه "حفصة مع عمرة" بنت عبد الرحمن "أم الدرداء" مع عمرة أم الدرداء، يعني هذا عطف مع حذف حرف العطف، مع عمرة أم الدرداء، عمرة بنت عبد الرحمن معروفة، وأم الدرداء الصغرى واسمها: هجيمة أو جهيمة، وهي فقيهة، وأما أم الدرداء الكبرى فاسمها خيرة أو خيّرة بالتخفيف والتشديد، على كل حال أم الدرداء الصغرى هذه فقيهة عالمة عابدة، وفي صحيح البخاري وكانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جلسة الرجل، وكانت فقيهة.
"وفي الكبار" يعني من التابعين.
. . . . . . . . . الفقهاء السبعه ... خارجة القاسم ثم عروه
ثم سليمان عبيد الله ... سعيد والسابع ذو اشتباه
يعني اختلف في السابع.
وفي الكبار الفقهاء السبعه ... . . . . . . . . .
يعني مثلما مضى في الصحابة العبادلة، إذا اجتمعوا على قول قيل: هذا قول العبادلة، وإذا اجتمع هؤلاء الفقهاء قيل: هذا قول الفقهاء السبعة، ذكر الذهبي عنهم أنهم كانوا يجتمعون، وتحال عليهم المسائل، يعني وكأنهم لجنة علمية لدارسة المسائل، وأحيل عليهم القضاة ويخبرونهم بالحكم، وأسنانهم متقاربة، وغالبهم ماتوا في سنة واحدة، سنة أربعة وتسعين، التي يقال لها: سنة الفقهاء، يعني مثلما عندنا ما حصل في سنة عشرين حصل سنة أربعة وتسعين.
طالب:. . . . . . . . .
يعني في الأفضل من الصحابة، نعم هو ما ذكر هناك، والأولى أن يذكر، مع أن الخلاف معروف في خديجة وعائشة وفاطمة، الخلاف بين الأئمة في الثلاث، نعم.
وفي الكبار الفقهاء السبعه ... خارجة القاسم ثم عروه(45/13)
خارجة بن زيد، والقاسم بن محمد، ثم عروة بن الزبير، ثم سليمان بن يسار، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة سعيد بن المسيب، "والسابع ذو اشتباه" يعني اختلفوا في السابع هؤلاء ستة واختلفوا في السابع، على ثلاثة أقوال، إما أبو سلمة بن عبد الرحمن، أو سالم بن عبد الله بن عمر، أو فأبو بكر بن الحارث بن هشام "خلاف قائم" الخلاف موجود وقائم، بمعنى أنه موجود ومذكور ومشهور بين أهل العلم في السابع من الفقهاء السبعة، ومنهم من ذكر الفقهاء من التابعين فأوصلهم إلى اثني عشر بهؤلاء وغيرهم، ولكن السبعة يجمعهم هذه الأبيات الثلاثة مع أنه جاء نظمهم:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سيعد أبو بكر سلميان خارجة
طالب: والأكثر على أبو بكر يا شيخ؟
الأكثر على هذا، لكن الأقوال الثانية معتبرة يعني من أئمة.
ألا من لا يقتدي بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الدين خارجة
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سلميان خارجة
والمدركون جاهلية فسم ... . . . . . . . . .(45/14)
يعني سم الذين أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام ولم يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو آمنوا به .. ، لم يؤمنوا به حتى توفي، أو أمنوا به ولم يروه ولم يلقوه حتى مات هؤلاء مخضرمين، "فسم ... مخضرمين" فالمخضرم من أدرك الجاهلية والإسلام، لكنه لم يرَ النبي -عليه الصلاة والسلام-، بهذا القيد عند بعض أهل العلم، ومنهم من أدرج حتى من الصحابة من هو مخضرم، يعني من عاش في الجاهلية وعاش في الإسلام مخضرم؛ لأنه جمع بين وصفين، ومنهم من قال: بشرط ألا يدخل في حد الصحابي، لا يسمى مخضرم، وطردوا هذا في العصور اللاحقة، يعني إسلامي يعني بعد الجاهلية، ثم بعد ذلك إن كان في عصر الخلفاء ثم في عصر بني أمية قالوا: مخضرم، وإن كان شطر عمره في عصر بني أمية والشطر الثاني في عصر بني العباس قالوا: مخضرم، بهذا الضبط مخضرم اسم مفعول، ومنهم من يقول: بكسر الراء أسم فاعل، مخضرِم وجاء في وفيات الأعيان لابن خلكان، محضرم بالحاء، نعم؟ والميزة التي يمكن تستفاد من هذا الكتاب يعني من وفيات الأعيان الضبط، يعني في نهاية كل ترجمة يضبط ما في هذه الترجمة من أسماء تحتاج إلى ضبط يضبطها بالقلم، جردها بعضهم باسم تقييدات أو مقيدات ابن خلكان، وابن خلكان معروف أن عنايته وحفاوته بالأدباء من الكتاب والشعراء، ولو كان عندهم خلل في الديانة أو في الاعتقاد هذا كأن الأمر لا يعنيه، كأن الأمر لا يعنيه، مثلما نص على ذلك الحافظ ابن كثير؛ لأنه ترجم لبعض من نسب إلى الزندقة، وأشاد به، وترجم لأئمة علماء عباد وكأن الأمر لا يعنيه، كما قال ابن كثير: "وكأن الكلب ما أكل له عجيناً" وما أدري عاد كلب وإلا غير كلب، لكن بعيد العهد أنا، يعني يمر على بعض العلماء الكبار من أئمة الإسلام ترجمة مختصرة، ثم يأتي أديب كاتب وإلا شاعر ثم يستطرد في ترجمته، وهذا نبه عليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية.
والمدركون جاهلية فسم ... مخضرمين كسويد. . . . . . . . .(45/15)
سويد بن غفلة "في أمم" يعني كثيرون، الذين أسلموا كبار في السن أدركوا الجاهلية ثم أسلموا وقدموا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فوجدوه قد توفي، منهم من قدم والناس ينفضون أيديهم من دفنه -عليه الصلاة والسلام-، هؤلاء المخضرمون عدهم مسلم فأوصلهم إلى العشرين، وزادوا في العدة عند بعضهم على المائة.
وقد يعد في الطباق التابعُ ... في تابعيهم إذ يكون الشائعُ
الحمل عنهم كأبي الزنادِ ... . . . . . . . . .
يعني قد يكون تابعي لقي أو رأى بعض الصحابة، لكن روايته عن التابعين رأى عن الصحابة، لكن روايته كلها عن التابعين، قد يذكر هذا في طبقة أتباع التابعين، ولا يذكر في طبقة التابعين، قال:
وقد يعد في الطباق التابعُ ... في تابعيهم إذ يكون الشائعُ
الحمل عنهم. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني الشائع في مروياته حمله عن التابعين، ولذلك من انتبه لمثل هذه الأمور يجد في كلام أهل العلم على الأسانيد يعني من لطائفها أن هذا الإسناد رباعي وهو في حكم الثلاثي، وش معنى رباعي وهو في حكم الثلاثي؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فيمن طالت به الحياة بحيث يمكنه أن يروي من طبقة فوق الطبقة التي روى عنها.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . إذ يكون الشائعُ
الحمل عنهم كأبي الزنادِ ... . . . . . . . . .
أبو الزناد اسمه؟ عبد الله بن ذكوان، نعم.
. . . . . . . . . كأبي الزنادِ ... والعكس جاء وهو ذو فسادِ
العكس تابع التابع يوضع مع طبقة التابعين، "وهو ذو فسادِ" الضمير يعود على الصنيعين أو على الأخير منهما؟ الأول فيه فساد؟ يعني كون التابعي يوضع في طبقة تابع التابعين؟ الثاني لا إشكال في كونه فساد، تابع تابعي يوضع في طبقة التابعين لو سقط واحد بينه وبين الصحابي ثم تبحث عنه تجده تابعي تقول: السند متصل، لكن هو تابع تابعي ما رأى أحد من الصحابة، فإذا روى عن الصحابة جزمنا بأن فيه انقطاعاً، فإذا وضع في طبقة التابعين خفي علينا هذا الانقطاع، هذا وجه الفساد، لكن العكس لو تابعي وضع في طبقة أتباع التابعين؟
طالب:. . . . . . . . .(45/16)
يعني قد يكون السند متصل، يرويه عن صحابي رآه، وما سميناه تابعي إلا لأنه رأى الصحابي، ولقي الصحابي، ألا نقول: إن فيه انقطاع؟ لأن هذا تابع تابعي وليس بتابعي، يعني الفساد في الصورتين أو في الصورة الأخيرة فقط؟
طالب: في الصورتين يا شيخ.
يعني الصور الأخيرة ما فيها إشكال؛ لأن عندنا تابع تابعي جعلناه تابعياً، فإذا روى عن صحابي قلنا: السند متصل، وهو في الحقيقة منقطع، طيب تابعي وضعناه في طبقة تبع الأتباع، تبع التابعين، أتباع التابعين، نعم، فروى عن صحابي نجزم بأنه منقطع، الضرر الحاصل بالصورة الثانية -وإن كان ينصون على أن المراد الصورة الثانية- يحصل نظيره في الصورة الأولى، يعني يوضح ذلك ما قالوا: والضرر الحاصل في صنيع ابن الجوزي في موضوعاته نظير الضرر الحاصل في صنيع الحاكم في مستدركه.
طالب: هذا زاد في الضعف وهذا ....
واضح وإلا مو بواضح؟ التنظير مطابق وإلا لا؟ ويش قالوا؟ قالوا: ابن الجوزي حكم على أحاديث صحيحة بأنها موضوعة، والحاكم حكم على أحاديث موضوعة بأنها صحيحة، الضرر الحاصل بصنيع هذا نفس الضرر الحاصل بصنيع هذا، لماذا؟ لأن ابن الجوزي يجعلك تترك أحاديث صحيحة، تترك العمل بها، والحاكم يجعلك تعمل بأحاديث موضوعة.
طالب: يحتمل الثانية ... الثانية مؤكدة.
لا الثانية ما فيها إشكال نعم الضرر حاصل، لكن الصورة الأولى حينما يكون الإسناد متصل وتحكم عليه بالانقطاع هذا يترتب عليه ترك العمل بحديث صحيح، مثل صنيع ابن الجوزي، والثانية يترتب عليها العمل بحديث ضعيف مثل صنيع الحاكم، اتضح وإلا ما اتضح يا الإخوان؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم لأنهم يركزون في الشروح وهو عود الضمير على الصورة الثانية.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
وقد يعد في الطباق التابعُ ... في تابعيهم إذ يكون الشائعُ
يعني الغالب، ما هو بكل المرويات، "إذ يكون الشائعُ" يعني الغالب في مروياته.
الحمل عنه كأبي الزنادِ ... . . . . . . . . .
هذا الغالب.
طالب:. . . . . . . . .
لا بس يحتاج الجزم من إمام مطلع أنه ما روى عن الصحابة بس، لكن إذا كان روايته غالبها عن التابعين وقد روى عن الصحابة ....
طالب:. . . . . . . . .(45/17)
لا لا، أجل هذا ضرر محض هذا، إذا كان في احتمال أنه روى عن الصحابة هذا ضرر.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، هذا الأصل إذا لم يعارض، أو يكون ثم إنكار وإلا شيء.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، هذا الأصل إيه، نعم هذا الأصل، إذا لم يعارض هذا الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
إذا عورض هذا شيء ثاني، إذا عورض بأوثق منه رددناه.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن الأصل أننا نقبله، وما دام حكمنا عليه بأنه تابعي، ولم يوصف بتدليس، وروى عن صحابي الأصل أننا نقبله.
طالب:. . . . . . . . .
لوجود المخالفة.
طالب:. . . . . . . . .
هذا هو الأصل، يكون هو الأصل، وما عداه يكون خلاف الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا إلا يضر يضر إيش معنى. . . . . . . . . تابع التابعين؟ لا لا، بخلاف الثاني هذاك ما نبحث فيه الثاني، ما نبحث فيه.
قال:
وقد يعد تابعياً صاحبُ ... . . . . . . . . .
رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويصنف مع التابعين، كما قال الحاكم عن ابني مقرن النعمان بن مقرن وأخوه اسمه إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، "كابن مقرن" النعمان بن مقرن وأخوه إيش اسمه؟
طالب:. . . . . . . . .
سويد؟ طيب، "ومن يقاربُ" يعني يقارب التابعين في السن والشيوخ، يعني في طبقاتهم يعد تابعياً لأنه يخفى علي هذا العالم الذي عده من التابعين يخفى عليه رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(45/18)
شرح ألفية الحافظ العراقي (47)
رِوَايةُ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ - رِوَايَةُ الأَقْرَانِ - الأُخْوَةُ والأَخَوَاتُ - رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: رجل أوصى بمنزله يؤجر -أوصى يعني بعد وفاته- يؤجر وريع الأجرة يجعل في أضحية وبرادة في المسجد؟
هذا ما في إشكال.
والباقي للمحتاج من الذرية، السؤال هل تعتبر هذه وصية لوارث؟
لا؛ لأن الوصية بالوصف غير الوصية للشخص، وهو ما قصد واحد من ورثته، إنما قصد المحتاج، والمحتاج يدخل في الوارث وغير الوارث، والوارث أولى من يصرف عليه من هذه الوصية، إذا كان محتاج بهذا الوصف، لا لشخصه باعتباره وارثاً.
يقول: وإذا كان جميع الذرية بحاجة فكيف تقسم عليهم؟
تقسم بينهم بالسوية.
وهل تدخل الزوجة في القسمة؟
لا، لا تدخل لأنها ليست من الذرية.
طالب:. . . . . . . . .
على قدر الحاجة؛ لأن ما هو بميراث هذا، ليست ميراث، قد تكون حاجة الأنثى أكثر من حاجة الذكر، على قدر الحاجة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بالسوية، هذا الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
يدخل دخولاً أولياً وهو أولى من غيره إذا كان محتاجاً.
يقول: ما حكم السؤال داخل المسجد؟
السؤال يعني إذا ترتب عليه إشغال الذاكرين فلا شك أنه ينبغي منعه، وإذا كان أيضاً بصريح السؤال فإذا منع من مسألة ماله إذا ضاع في المسجد فلئن يمنع عن مسالة ما للناس من باب أولى، لكن لا مانع أن يعرف مكانه، أن يعرف الناس هيئته ويجلس في مكان من غير تصريح بالسؤال، لكن إذا سأل لا يجوز نهره؛ لأن كل إنسان له ما يخصه من نصوص الشرع، هذا له ما يخصه وأيضاً لا يجوز نهره من الطرف الآخر؛ لأنه يقول:
وهل ما يقوم به الأئمة صحيح؟
لا، ليس بصحيح.
طالب: ويش يقال له؟ يقال له: أجلس؟
يعني يشار إليه إشارة خفيفة لو يشار إلى الباب أو اجلس أو شيء من هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إذا نصحه برفق، برفق ما في إشكال.(46/1)
يقول: من العادات التي دخلت هذه البلاد عادة الإمتخاط أثناء الصلاة والدروس وأثناء الخطب مع ما يحصل فيه من أذية للسامع، ومع ما فيه من النهي عن إيذاء المسلم لأخيه المسلم، وعدم التأدب في الصلاة بين يدي ملك الملوك، فهل من نصيحة توجه لأصحاب هذه العادة.
كيف يقول: دخلت هذه البلاد؟ هذه يشترك فيها أهل الشرق والغرب، لكن الناس يتفاوتون، يعني بعض الناس .. ، وهذه يحتاجها جميع الناس، لكن الناس يتفاوتون بعضهم لا يفرق بين كونه في حمام أو في المسجد، وبين كونه بين أبويه، أو بين طلاب علم، أو بين حظيرة حيوانات، ما يفرق، هنا يأتي العيب وإلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولم يندفع إلا بهذا فإلى الله المشتكى، هذه حاجة أصلية يحتاجها الناس كلهم، لكن على الإنسان أن يخفف بقدر الإمكان، بقدر استطاعته.
يقول: ما المراد بقولهم: طبع طباعة حجرية؟ وهل يصح أن الأفراد للدارقطني موجود بأجزائه المائة في إحدى الخزائن المكتبية الخاصة بالرياض؟
ما أدري والله، لا أدري، أما الطباعة الحجرية، فأشبه ما تكون بالذي بين أيديكم الألفية، يكتب المطلوب طباعته يكتب على الحجر، هذا الأصل حجر أملس، وهذه قبل وجود الحروف، تنضيد الحروف اللي من رصاص، وتكبس على الورق، هذه تكتب كتابة، ثم بعد ذلك تسحب على ورق، وأكثر ما يستعملها الهنود الطباعة الحجرية أكثر ما توجد عند الهنود، وجدت في مصر لكنها قليلة بالنسبة لتنضيد الحروف، الرصاص، بعضهم يظن أن الحجرية هذه مخطوطات، يقول: هذا مخطوط كتابة يد، وهو صحيح الأصل كتابة يد، لكن نقله إلى الورق هذه طباعة، الآن المكتوبة هذه الألفية مكتوبة بقلم اليد، مكتوبة باليد، ثم بعد ذلك نقلت إلى الورقة.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
من المصحف نعم، إيه كلها كتابة يد، لكنها ما عاد صارت تنسب إلى الحجر، ما عاد أحد يكتب على حجر الآن، يكتب على ورق ويصور هذا الورق.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين، يا ذا الجلال والإكرام، قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ(46/2)
وَقَدْ رَوَى الكَبِيرُ عَنْ ذِي الصُّغْرِ ... طَبَقَةً وَسِنّاً أوْ في القَدْرِ
أَوْ فيهِمَا وَمِنْهُ أَخْذُ الصَّحْبِ ... عنْ تابعٍ كَعِدَّةِ عَنْ كَعْبِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"الأكابر عن الأصاغر" يعني رواية الأكابر عن الأصاغر، بأن يكون التلميذ الآخذ أكبر من الشيخ المأخوذ عنه، إما سناً أو قدراً ومنزلة، أو هما معاً، الأكابر عن الأصاغر، الأصل في هذا الباب رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو في صحيح مسلم، رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري، وهذا أشرف ما في الباب؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أكبر منه سناً، وأعظم قدراً منه ومن غيره -عليه الصلاة والسلام-.(46/3)
روى الصحابة عن بعض التابعين، وهذا موجود، ولذلك مثل قال: "ومنه أخذ الصحبِ" منهم العبادلة، وأبو هريرة، حتى ذكروا عمر أيضاً ممن أخذ عن التابعي ككعب الأحبار، أصله يهودي، جاء من اليمن أسلم في خلافة أبي بكر، ثم وفد في خلافة عمر -رضي الله عنه-، الصحابي لا شك أنه أعظم قدراً من كعب، وإن قُدر أن بعضهم أصغر منه سناً ممن أخذ عنه من الصحابة، فهذا النوع من أنواع علوم الحديث موجود في كتب السنة، أخذ صالح بن كيسان عن الزهري وهو أكبر منه سناً، ويعد من كبار الآخذين عن الزهري، صالح بن كيسان تأخر في الطلب، حتى ذكر بعضهم أنه في بداية طلبه لعلم الحديث أنه قد بلغ التسعين من العمر، تسعين، فلا يأس حينئذٍ بعض الناس إذا وصل الثلاثين قال: ما بقي من العمر كُثر ما مضى، ما يمدينا خلاص، فات القطار، لا ما فات لو بقي يوم واحد يطلب العلم، هذا صالح بن كيسان يعني أقل ما قيل في عمره في بداية الطلب الخمسين أو الستين، يعني بعضهم قال: خمسين، وبعضهم قال: ستين، وواصل إلى التسعين، تسعين سنة وهو يطلب العلم، نعم أدركنا كبار في السن في السبعين والثمانين يجلسون مع الشباب الصغار دون العشرين بين يدي الشيوخ، ومع ذلك يحصل لهم من الثواب والأجر ما يحصل، وإن حصلوا مع ذلك علم، فهذا هو المطلوب وإلا هذا لا يضيره؛ لأن على الإنسان أن يبذل السبب، كونه يكون عالم، أو لا يحصل شيء من العلم كبعض الكبار، وبعض الصغار أيضاً، يلازم الشيوخ عقود، ثم بعد ذلك في النهاية يحصل له أجر سلوك الطريق، يلتمس فيه العلم، ويحصل له -إن شاء الله تعالى- ما وعد به من تسهيل طريق الجنة، وأما العلم فلا يلزم، حضر معنا عند بعض الشيوخ أيام كنا في المتوسط في الثانوي يعني شخص يكبر الشيخ بسنين كثيرة، يعني في ذلك الوقت يزيد عن السبعين عمره، ويُسأل بعد الدرس أو في بعض المناسبات فيذكر أنه ليس له من ذلك إلا أجر الحضور، وإلا فمثله مثل الزنبيل يوضع في الماء -هو يقول عن نفسه- ما دام في الماء فهو مليان، لكن إذا رفع عن الماء يقول: إذا وصلت عند الشيخ أعرف كل شيء، ثم بعد ذلك إذا رفع عن الماء ما بقي شيء، هذا تمثيله لنفسه، ومنهم من أدرك طلب العلم وهو كبير وأدرك خيراً كثيراً،(46/4)
يعني عندنا في هذا المسجد ممن لازم الدروس وهو كبير في السن لما جاء يعني زاول جميع المهن والأعمال، وما وفق في أمور الدنيا فلازم هنا في هذا المسجد، والآن -ما شاء الله- يشارك في كثير من العلوم، يعني يوم يأتي وهو شبه عامي يعني أظن درس في ثالث أو رابع ابتدائي وترك الدراسة، لكن لازم بجد وحرص وعنده مقومات، عنده يعني شيء من الإدراك وشيء من الفهم والحفظ، ما ييأس الإنسان يقول: والله أنا الآن بلغت الثلاثين أو الأربعين وأنا ما بعد سويت شيء ما يمدينا، شخص ماتت امرأته في سنة الرحمة، سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وثلاثين، وعمره في ذلك الوقت يمكن ما وصل الأربعين فقيل له: لماذا لا تتزوج؟ قال: ما بقي من العمر كثر ما مضى، وأنا أعرفه، مات سنة ألف وثلاثمائة وسبعة عشر، بعد ثمانين سنة من وفاة زوجته، وهو يقول: ما بقي من العمر كثر ما مضى، ما تزوج، فلا ييأس الإنسان، ولا يعني .. ، طول الأمل مذموم، لكن مع ذلك بالنسبة للعلم وطلب العلم والخير لا يقنط، ولا ينظر إلى نفسه بأنه ما بقي له من المدة شيء يذكر، لا، ما تدري هذا غيب، فإذا كان صالح بن كيسان بهذه السن، وصار يعني يعد من الطبقة الأولى، من كبار الآخذين عن الإمام الزهري، وهو أكبر منه سناً، فهذا ممن يمثل به لرواية الأكابر عن الأصاغر.(46/5)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وقد روى الكبير" وقلنا: إن الكبر قد يكون في السن وهذا هو الكثير الغالب، وقد يكون في القدر، وقد يكون فيهما معاً، سُئل العباس -رضي الله عنه- قال: أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ فقال: هو أكبر مني، يعني قدراً، وأنا أسن منه، يعني في السن، يعني ولدت قبله، وبعض الروايات يقول: وقد ولدت قبله، نعم، فالكبر يطلق على السن كما يطلق على القدر، وهل يجمع بينهما في خبر واحد؟ بأن تقول: جاء الكبير الصغير؟ الكبير في القدر، الصغير في السن، وقد يكون العكس، لكن هل يجمع بينهما في خبر واحد؟ هذا يقولون: إنه من التنافر اللفظي، الذي يخل بالفصاحة، ويخل بالبلاغة، تنافر لفظي، كما منعوا إطلاق المتصل على المقطوع، ما تقول: هذا متصل مقطوع، تقول: هذا متصل مرفوع، يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقول: هذا متصل موقوف يعني على الصحابي، لكن ما تقول: هذا متصل مقطوع، وإن كان الواقع كذلك، بمعنى أنه ليس في الإسناد خلل إلى هذا التابعي، الذي أضيف إليه، وتسميته مقطوع باعتبار أنه مضاف إلى التابعي، هذا تنافر قالوا، ما يدخل المقطوع في المتصل لهذا وإلا ما في ما يمنع يعني إذا وجدنا كلاماً لسعيد بن المسيب، أو الحسن البصري بسند متصل وباعتبار إضافته إلى التابعي يقال: مقطوع، لكن لاتصال إسناده يقال: المتصل، وهذا كله بناء على انفكاك الجهة، فإذا فهم السامع ما في مانع، لكن قد لا يفهم السامع، {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [(4) سورة الحج] هل هذا من هذا النوع؟ لا أبداً؛ لأن السامع يفهم، وأيضاً يهديه إلى ... نعم؟ عذاب السعير، وإلا لو قطعنا فإنه يضله ويهديه قلنا: فيه شيء من التنافر، لكن يضله عن الصراط المستقيم، ويهديه إلى عذاب السعير، فإذا عرف المستمع وما صار عنده إشكال فلا مانع من أن يقال: جاء الكبير الصغير، لا سيما إذا كان حاله لا تخفى على السامع، يعني يراه صغيراً في سنه وقدره كبير، كما يقال: جاء الطويل القصير، قد يكون طويل في قامته، قصير في عمره أو العكس، فمثل هذا إذا كان لا يخفى على السامع، ولا يوقع في لبس فلا إشكال فيه.
وقد روى الكبير عن ذي الصغرِ ... . . . . . . . . .(46/6)
يعني صاحب السن الأقل، أو القدر الأقل، الأصغر، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يخالف، ما يضر.
وقد روى الكبير عن ذي الصغرِ ... طبقةً. . . . . . . . .
يعني في التلقي عن الشيوخ في الطبقة يكون الكبير من الطبقة الخامسة مثلاً، يروي عن صغير في الطبقة السابعة، ما في ما يمنع، لا سيما وأن الفرق بين الطبقتين يقارب العشرين سنة، فيمكن أن يروي شخص عمن هو دونه في السن بأربعين، أو حتى ستين سنة، يعني دونه بثلاث طبقات، هذا متصور، فكم من شخص روى عن ابنه، ولذلك أمثلة في السنة "طبقةً وسناً" يعني في التلقي عن الشيوخ، وفي السن أيضاً "أو في القدرِ" روى العباس عن ابنه الفضل، والأمثلة على ذلك كثيرة، يعني كتب السنة طافحة بالأمثلة لهذا النوع، أو فيهما يعني في السن والقدر، مثلما ذكرنا في رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم، ورواية أبي بكر، ورواية غير أبي بكر عمر والعبادلة وغيرهم عن كعب كما مثل به المؤلف، فهم أكبر منه، بعضهم أكبر منه سناً، وجميعهم أعظم منه قدراً.
أو فيهما ومنه أخذ الصحبِ ... . . . . . . . . .
يعني الصحابة، الصحب جمع صاحب كركب جمع راكب، يعني الصحابة صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين مضى الكلام فيهم "عن تابعٍ" يعني ممن أدرك الصحابة، ولم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يره "عن تابعٍ كعدة" من الصحابة ذكروا منهم عمر وأبو هريرة والعبادلة الأربعة كلهم رووا عن كعب، كعدة من الصحب عن كعب، يعني كعب الأحبار، نعم.
أحسن الله إليك.
رِوَايَةُ الأَقْرَانِ
والقُرَنَا مَنِ اسْتَوَوْا في السَّنَدِ ... والسِّنِّ غَالِباً وقِسْمَينِ اعْدُدِ
مُدَبَّجاً وَهْوَ إِذَا كُلٌ أخَذْ ... عَنْ آخَرٍ وغيرَهُ انْفِرادُ فَذْ(46/7)
بعد هذا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- رواية الأقران، قال: "رواية الأقران" لما ذكر رواية الأكابر عن الأصاغر يعني لم يذكر رواية الأصاغر عن الأكابر نعم، هذا هو الأصل، فلا يحتاج إلى ذكرها، ولو أراد أن يعدد لاحتاج إن يذكر جميع الرواة إلا ما ندر، الأصل أن الشيخ هو الكبير، المحدث هو الكبير، وتلميذه الصغير، فيذكر ما يخرج عن هذا الأصل، فيذكر رواية الكبير عن الصغير، ولا شك أن في هذا النوع والذي يليه رواية الأقران شيء من التحلي بما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم من عدم الترفع في الأخذ والتحمل عن الصغير إذا احتاج إليه، والقرين إذا احتاج للرواية عنه، العلو مطلوب، لكن قد لا يتيسر فهل يترك؟ لا لا يطلب العلم مستحي ولا مستكبر، ولا ينبل الرجل حتى يأخذ عمن فوقه ومثله ودونه، يعني الحاجة هي التي تحدد، لو قدر أن شيخاً كبيراً، جليل القدر أفاده واحد من طلابه بفائدة يقول: أنا لا أتنزل لطالب! يفيدوني الطلاب؟! يعني هذه سمعت من بعض حملة الشهادات، يقول: معقول أستاذ يستفيد من طالب؟ قلنا: نعم والله كم من فائدة استفدناها من الطلاب، نصف العبء على الطلاب في التدريس، قال: لا أبداً ليس بمعقول أن أستاذ دكتور يستفيد من طالب، قلنا: لا هذا الوقع أبشرك، الواقع أن الشيخ يستفيد من الطالب ويش المانع؟ كما أنه استفاد قبل ذلك من شيوخه واستفاد من أقرانه، والأصل أن طالب العلم إذا استفاد من الشيخ ومعه مجموعة من أقرانه وزملائه أنهم يتذاكرون بعد الدرس لتثبيت العلم، وفي أثناء المذاكرة يستفيد بعضهم من بعض، فلا شك أن الترفع عن أخذ العلم عمن هو دونه أو بمثل سنه هذا كبر، وفي الغالب أن مثل هذا لا يوفق، وأعظم من ذلك حينما يستفيد ويجحد الفائدة، يعني شيوخ كبار أجلة من أهل العلم يعترفون بأنهم استفادوا من فلان وفلان، يعني من طبقة صغار طلابهم هذا موجود، لكن تجد من هم أقل منهم سناً، وأقل قدراً يستفيد بالفعل أكثر مما استفاده غيره وتجده يسمع الشروح ويفرغ؛ لأن الآن تيسر الأخذ خفية، يمكن يستفيد علم هذا الرجل بكامله ولا ينسبه إليه، يعني يشتري هذه الأشرطة من الشروح، ويفرغها على المتون، ثم بعد ذلك لا يذكر هذا الشيخ لا بقليل ولا كثير، هذا في(46/8)
الغالب لا يوفق، كما أنهم ذكروا في أدب الطلب على ما تقدم أن الطالب ينبغي أن يشيع الفائدة، ولا يجحد عن قرنائه وزملائه ما يستفيده من هذا الشيخ، أو من غيره، فإذا ظفر بفائدة أو جزء غير مسموع له ولزملائه أن يخبرهم عنه، وهذا من النصيحة، الأقران هم الذين يشتركون في الطبقة والتلقي عن الشيوخ، يعني نظيرهم في الدراسات النظامية الآن الدفعة يعني الذي يتخرجون في سنة واحدة، هؤلاء أقران، هؤلاء الأقران إذا روى القرين عن قرينه، الزميل عن زميله فقط واحد روى عن الثاني، هذه رواية أقران، لكن إن روى الثاني عنه صار مدبجاً، يعني كل واحد يروي عن الثاني، يقول: "والقرنا" بالقصر، وإلا الأصل القرناء، لكن الضرورة دعت إلى قصرها.
والقرنا من استووا في السندِ ... والسن غالباً. . . . . . . . .
يعني في السند في الأخذ عن الشيوخ، شيوخهم من طبقة واحدة، وهم أيضاً مع زملائهم من طبقة.
والقرنا من استووا في السندِ ... والسن غالباً. . . . . . . . .
لأنه قد يوجد في طبقة هذا الراوي من هو أكبر منه بكثير، وقد يوجد من هو دونه وأصغر منه بكثير؛ لأن هذا تأخر في الطلب مثلما تقدم عن صالح بن كيسان، وهو من الطبقة الأولى، من طبقة الآخذين عن الزهري، لكن لو نظرنا إلى سنه لقلنا: إنه من شيوخ الزهري، أكبر من الزهري، لكن بالنسبة للأخذ عن الشيوخ، وإن ارتفعت سنه إلا أنه بالنسبة للسند والأخذ والتلقي عن الشيوخ أنزل عن سنه، ولذا قال: "والسن غالباً" ليخرج من طلب العلم وهو كبير، وجد يعني قبل تحديد السن للقبول وجد الأب يدرس مع ابنه في سنة واحدة، ثم يتخرجان في سنة واحدة، هذا يعمل في وظيفة سنتين أو ثلاث أو خمس ثم يتقاعد، والابن يعمل بعده عشرين ثلاثين سنة، الآن يندر وجود مثل هذا، يندر جداً وجود مثل هذا، لكن كان موجود.
. . . . . . . . . ... والسن غالباً وقسمين اعددِ(46/9)
يعني رواية الأقران قسمان "مدبجاً" هذا القسم الأول، المدبج القسم الأول، قالوا: إنه مأخوذ من ديباجة الوجه، وهما صفحتاه اليمنى واليسرى؛ لتساويهما، فهذا الطالب أو هذا المتلقي عن زميله مشبه له، فإذا روى عنه زميله صار مدبجاً، هذا القسم الأول، "وهو إذا كلٌ أخذ" يعني روت عائشة عن أبي هريرة، وروى أبو هريرة عن عائشة، هذا يسمى مدبج "وهو إذا كلٌ أخذ" يعني كل واحد أخذ عن الثاني، "عن آخرٍ" أو عن أخر؟ هي آخر، أصلها أأخر يعني أفعل، والأفعل ممنوع من الصرف، وهو هنا صرف للضرورة "عن آخر وغيره" مدبجاً وغيره، معطوف على مدبجاً ومدبج منصوب؛ لأنه مفعول فعل الأمر (اعدد) مدبجاً وغيره، هذا القسم الثاني، "انفراد فذ" انفراد يعني لا توجد الرواية بالتبادل بين القرينين، وإنما توجد من أحدهما عن الآخر، ولا عكس، طيب ماذا نستفيد من رواية الأكابر عن الأصاغر ورواية الأقران؟ رواية الأكابر عن الأصاغر لئلا يظن أن في الإسناد قلب، فمثلاً في شخص ترجم للشيخ محمد بن إبراهيم -رحمة الله عليه- فوجد في شيوخه، ذكر في شيوخ الشيخ محمد بن إبراهيم صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، قال: هذا ما هو بصحيح، فنقله إلى التلاميذ، مو معقول إطلاقاً يعني متوفى الشيخ محمد وسن صالح الموجود عشر سنوات، ما هو معقول يصير شيخاً للشيخ، لكن قاضي الرياض قبل الشيخ محمد بن إبراهيم بسنين صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وهو ممن قرأ عليه الشيخ ابن باز، والشيخ ابن حميد، والشيخ محمد بن إبراهيم، وجمع من أهل العلم، فكوننا ما نعرف الكبير من الصغير نقع في مثل هذا، نبي نقلب نقول: خلاص هذا غلط، رواية الأقران إذا روى القرين عن قرينه، وهما قد اشتركا في الرواية عن الشيخ، الذي ذكر في السند، نبي نقول: هذا القرين زايد في السند، ما له داعي، زايد ما نحتاجه، أو نظن أن (عن) واو، يعني روى فلان وفلان عن فلان، لكن روى عنه هذا القرين ولم يتيسر رواية القرين الثاني عن هذا الشيخ، فإذا لم نعرف أن هذا النوع من أنواع علوم الحديث وقعنا في شيء من الارتياب في السند، وقد جرّأ وهجم بعض من يزاول تحقيق الكتب على مثل هذا بالتصويب والتصحيح على حد زعمه، وقد ارتكب الخطأ بعينه، نعم؟(46/10)
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
رواية المعاصر، المرسل الخفي رواية المعاصر عمن لم يلقه، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو أسقط؟ لو أسقط صار تدليس، لو أسقطه صار تدليس، نعم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه، لا كلٌ، كلٌ، لا لا خطأ "وهو إذا كلٌ" يعني كل واحد منهما، التنوين هذا يسمونه تنوين العوض {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [(84) سورة الإسراء] كل أحد، وهنا كل واحد من القرينين أخذ عن الآخر، نعم.
أحسن الله إليك.
الإخْوَةُ والأَخَوَاتُ
وَأَفْرَدُوا الإخْوَةَ بالتَّصْنِيفِ ... فَذُوْ ثَلاَثَةٍ بَنُو حُنَيْفِ
أَرْبَعَةٌ أَبُوهُمْ السَّمَّانُ ِ ... وخَمْسَةٌ أَجَلُّهُمْ سُفْيَانُ
وسِتَّةٌ نَحْوُ بَنِي سِيْرِيْنَا ِ ... واجْتَمَعُوا ثَلاَثَةً يَرْوُونا
وَسَبْعَةٌ بَنُو مُقَرِّنٍ وَهُمِْ ... مُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِيهِمْ عَدُّهُمْ
وَالأَخَوَانِ جُمْلَةٌ كَعُتْبَةِِ ... أَخِي ابْنِ مَسْعُودٍ هُما ذُوْ صُحْبَةِ
الإخوة والأخوات معرفة هذا النوع من أجل الإدخال والإخراج، ثلاثة يقال لهم: ابن اشكاب، وكل واحد لا يمت إلى الثاني بصلة، فالذي لا يعرف هذا النوع وأهل العلم ينبهون على هذا في الشروح، في كتب علوم الحديث ينبهون على هذا، الذي لا يعرف هذا النوع يظنهم إخوة، وكل واحد مثلما ذكرنا لا يمت إلى الثاني بصلة، لكن من الإخوة من الرواة ممن ذكرهم أهل العلم ما ذكرهم المؤلف هنا، والشروح زادت أعداداً كبيرة على ما ذكره الناظم -رحمه الله تعالى-:
وأفردوا الإخوة بالتصنيفِ ... . . . . . . . . .
أبو داود السجستاني وغيره لهم تصنيف في الإخوة والأخوات.
وأفردوا الإخوة بالتصنيفِ ... فذو ثلاثة بنو حنيفِ
سهل بن حنيف مع أخويه، هما؟ إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .(46/11)
إيه صحابة، لكن ثلاثة هم، عمرو وشعيب نعم، وهذا كثير، يعني كون ثلاثة إخوة كثير هذا، أربعة إخوة كثير، خمسة إخوة كثير، لكن العبرة بالرواية، هل جميع هؤلاء الإخوة لهم رواية في الحديث؟ يعني نعرف الآن في واقعنا من له عشرة من الولد، من له عشرين من الولد، من له ثلاثين، ستين، بعضهم يصل إلى المائة من الولد، لكن ما الذي يحتاج إليه؟ إذا كان لهم رواية، أما مجرد العدد ما له قيمة؛ لأنه قد يقول: إيش معنى إخوة وأخوات؟ ثلاثة إخوة كل الناس عندهم ثلاثة إخوة، جل الناس عندهم ثلاثة، عندهم .. ، أحياناً كثير من الناس عنده خمسة، ستة، ثم ماذا؟ لا، العبرة بالرواية، ولذلك أكثر ما ذكروا سبعة، بنو مقرن، يعني يوجد الآن سبعة من صلب رجل واحد كلهم شيوخ أجلة، لكن هذا قليل نادر أن يحصل مثل هذا، قد يحصل اثنين وخمسة ما طلبوا علم، أو طلبوا علمٍ ليس بشرعي يعني وجوده مثل عدمه، لا يعدون من أهل العلم، يعني الناس كلهم الآن درسوا كثيرٌ منهم حصل، وتجد في البيت الواحد خمسة من الدكاترة مثلاً، لكن هذا في الطب وهذا في الهندسة، وهذا في الفقه، وهذا في الحديث، تقول: ها الاثنين هؤلاء طلاب علم إخوة، لكن الباقي؟ كأنهم عوام، ما يذكرون في مثل هذا، يندر أن تجد مثلاً ثلاثة أربع خمسة ستة سبعة من بيت واحد كلهم من أهل العلم، هذا قليل نادر، قال:
وأفردوا الإخوة بالتصنيفِ ... فذو ثلاثة بنو حنيفِ
أربعةٍ أو أربعةٌ إما على الاستئناف أو على العطف على ثلاثة مع حذف العاطف؛ لأنه قد يعطف مع حذف العاطف، مع حذف حرف العطف، تصدق رجلٌ من ديناره من درهمه من صاع بره من كذا من كذا، يعني مع حذف حرف العطف، "أربعةٌ -أو أربعةٍ- أبوهم السمان" أبوهم أبو صالح، إخوة لسهيل بن أبي صالح، أربعةٌ من الإخوة "وخمسةٌ -أو خمسةٍ- أجلهم سفيانُ" كلهم بنو عيينة، سفيان بن عيينة هذا أجل إخوته، لكنهم خمسة كلهم يروون الحديث، وأجلهم سفيان بن عيينة "وستة ٌ -أو ستةٍ- نحو بني سيرينا" محمد بن سيرين وإخوته، وأخواته ستة.
وستة نحو بني سيرينا ... واجتمعوا ثلاثةً يروونا(46/12)
كيف نقول: العبرة بالرواية وهؤلاء ستة واجتمع ثلاثة يروون؟ يعني والبقية الثلاثة الثانيين ما يروون؟ نعم؟ المقصود أنهم اجتمعوا في سند حديث واحد الثلاثة، وإلا كلهم يروون وإلا ويش الفائدة من ذكرهم؟ يعني غيرهم كثير ممن له ستة إخوة، سبعة إخوة، لكن كلهم يروون الحديث لكن اجتمع الثلاثة في سند حديث واحد، يرويه بعضهم عن بعض.
"وسبعةٌ -أو سبعةٍٍ- بنو مقرنٍ" النعمان بن مقرن وإخوته.
. . . . . . . . . وهم ... مهاجرون ليس فيهم عدهم
يعني لا يوجد لهم نظير، هؤلاء السبعة.
. . . . . . . . . ... مهاجرون ليس فيهم عدهم
يعني ليس في الصحابة مثلهم بهذا العدد ينتسبون إلى رجل واحد، قد يوجد إخوة بهذا العدد لكنهم لا ينتسبون لرجل واحد، ينتسبون لأم واحدة، أولاد عفراء كم عددهم؟ لكنهم لا ينتسبون إلى أب واحد، يشتركون في الأم، "والأخوان جملة" ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يُذكر ويُنص على أنه يعني روايته ليست بشيء، لكن ما يمنع أن يذكر وينبه عليه.
والأخوان جملة كعتبةِ ... . . . . . . . . .
يقول: بنو مقرن هم النعمان ومعقل وسويد وسنان وعقيل وعبد الرحمن وعبد الله، وهؤلاء السبعة جمعوا مكرمة الهجرة مع شرف الصحبة.
والأخوان جملة كعتبةِ ... . . . . . . . . .
الأخوان ذكرنا أن الثلاثة كثير، والاثنين أكثر.
والأخوان جملة كعتبةِ ... . . . . . . . . .
يعني ابن مسعود "أخي ابن مسعود" عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، ابن أم عبد، الصحابي الجليل، وعتبة مات قبله، "هما ذو صحبة" يعني من الصحابة، والأمثلة على هذا كثيرة، والشروح ذكرت ما يكفي من الأمثلة، نعم.
أحسن الله إليك.
رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ
وَصَنَّفُوا فِيمَا عَنِ ابْنٍ أَخَذَا ... أبٌ كَعَبَّاسٍ عَنِ الفَضْلِ كَذَا
وائِلُ عَنْ َكْرِ ابْنِهِ والتَّيْميْ ... عَنِ ابْنِهِ مُعْتَمِرٍ في قَوْمِ
أَمَّا أَبُو بَكْرٍ عَنِ الحَمْرَاءِ ... عَائِشَةٍ في الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ
فإنَّهُ لابْنِ أبي عَتِيقِ ... وغُلِّطَ الوَاصِفُ بالصِّدِّيقِ
وَعَكْسُهُ صَنَّفَ فِيهِ الوَائِلي ... وهوَ مَعَالٍ لِلْحَفِيدِ النَّاقِلِ(46/13)
وَمِنْ أَهَمِّهِ إذا مَا أُبْهِمَا ... الأبُ أَوْ جَدٌّ وَذَاكَ قُسِمَا
قِسْمَينِ عَنْ أَبٍ فَقَطْ نَحْوَ أَبِي ... العُشَرَا عَنْ أَبِهِ عَنِ النَّبِيِّ
واسْمُهُما على الشَّهيرِ فاعْلَمِ ... أُسَامَةُ بنُ مَالِكِ بنِ قِهْطَمِ
وَالثَّانِ أنْ يَزِيدَ فيهِ بَعْدَهُ ... كَبَهْزٍ أوْ عَمْرٍو أباً أَوْ جَدَّهُ
والأَكْثَرُ احْتَجُّوا بعمرٍو حَمْلاَ ... لَهُ على الجَدِّ الكَبِيرِ الأَعْلَى
وَسَلْسَلَ الآبَا التَّمِيمِي فَعَدّْ ... عَنْ تِسْعَةٍ قُلْتُ: وَفَوْقَ ذَا وَرَدْ
يقول -رحمه الله تعالى-:
"رواية الآباء عن الأنباء" وهي فرع عن رواية الأكابر عن الأصاغر، وإفرادهم بالترجمة من أجل ما عطف عليهم، العكس رواية الأبناء على الآباء، بينما رواية الأصاغر عن الأكابر ما أفردوا وما ذكورا؛ لأنهم هم الأصل كما ذكرنا، فإفراد الآباء مع الأبناء مع أمكان إدخالهم في الأكابر عن الأصاغر من أجل ما عطف عليه وهو العكس، رواية الأبناء على الآباء.
قال -رحمه الله-:
وصنفوا فيما عن ابن أخذا ... أبٌ. . . . . . . . .
رواية الآباء عن الأبناء فيها مصنفات لأهل العلم "كعباس" العباس بن عبد المطلب عن الفضل، عن ابنه الفضل بن العباس كذا يليه بل مثله "وائل عن بكر ابنه" كذا وائل عن بكر ابنه؛ لأن المثال الأول في الصحابة، والذي يليه فيمن بعدهم "كذا وائل" ممنوع من الصرف وإلا غير ممنوع؟ وبكر كذلك، عن بكر ابنه، والأصل أنه مصروف، منون، لكن النظم اقتضى حذف التنوين.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . كذا
وائل عن بكر ابنه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
بكر هذا مصروف وإلا غير مصروف؟ مصروف، لكن عندنا في النظم؟
طالب: ما صرف.
هاه؟ غير مصروف؟ شون جُر بالكسرة وهو غير مصروف؟
طالب: غير مصروف.
هاه؟
يعني الآن:
وجر بالفتحة ما لا ينصرف ... . . . . . . . . .
الأصل أنه يجر بالفتحة، لكن الآن هو مصروف وإلا غير مصروف؟ هو الأصل مصروف يعني لو في النثر قلت: عن بكرٍ ما في إشكال، إيش معنى الصرف وعدمه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(46/14)
هذا البناء، ما هو بالصرف والمنع، هذا البناء، بكر ووائل مصروفان، اللي حصل أنه لم ينون لا بكر ولا وائل فهل نقول: إنه منعهما من الصرف؛ لأن الصرف التنوين عند بعضهم؟ الصرف هو التنوين، نعم، لا هم يجعلونه في مقابله، ولذلك إذ قلت .. ، إذا احتجت إلى صرف أحمد مثلاً، الآن هو ممنوع من الصرف ويجر بالفتحة، احتجت إلى تنوينه هل تنونه مفتوحاً أو مجروراً؟ ترى هذه المسألة من الدقائق، ننتبه لها، الآن إذا احتجت إلى تنوين أحمد في نظم، فهل تنونه مفتوحاً بناء على أن الممنوع من الصرف يجر بالفتحة؟ وأنت احتجت إلى تنوين الممنوع من الصرف تجره بالفتحة وتنونه بفتحتين، أو تقول: ما دام قبل التنوين يصرف فتقول: عن أحمدٍ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا بس يكسرونه، يكسرونه، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يكسرونه، خلاص الأصل في المنع رفع التنوين، وما دام وجد التنوين خلاص انتهى الإشكال، دعت الحاجة إلى التنوين ما له داعي أنك تقول: [عن أحمداً] ما هو بمعقول إطلاقاً، ولا يرونه مثل هذا، ما دام نونت وهو ممنوع من الصرف ترده إلى الأصل تصرفه؛ لأن الصرف هو التنوين.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بممنوع، لا لا ما هو ممنوع، هو ما منعه من الصرف إلا أنه سلبه ما يستحقه من تنوين، حتى أن ربيعة لا ينونون، عن أنسِ يقولون: عن أنسٍ، رأيت محمدَ ابن فلان، ما يقولون: محمداً، هذه يسمونها اللغة الربعية، نسبة إلى ربيعة فهو سلبه التنوين، ومع ذلك يبقى مصروف، ولذلك جره بالكسرة، عن ابنه بكر بن وائل حديثه معروف في السنن، "والتيمي" سليمان التيمي، سليمان بن طرخان يروي عن ابنه معتمر بن سلميان، "في قومِ" يعني في أمثلة كثيرة لهذا النوع.
. . . . . . . . . ... عن ابنه معتمر في قومِ
يعني في أمثلة كثيرة من نظائره.
أما أبو بكر عن الحمراءِ ... . . . . . . . . .
أبو بكر الوارد في روايته عن عائشة -رضي الله عنها- في حديث الحبة السوداء.
أما أبو بكر عن الحمراءِ ... عائشة في الحبة السوداءِ
فإنه لابن أبي عتيقِ ... وغُلّط الواصفُ بالصديقِ
هو أبو بكر يروي عن عائشة حديث الحبة السوداء.(46/15)
أولاً: الحمراء جاء في بعض النصوص بصيغة التصغير الحميراء، يطلق عليها لبياضها -رضي الله عنها وأرضاها- أم المؤمنين، على أنه من أهل العلم من ضعف جميع ما ورد بهذا اللفظ، والزركشي في (الإجابة في ما استدركته عائشة على الصحابة) ذكر بعض الألفاظ التي حسنها بعضهم.
أما أبو بكر عن الحمراءِ ... . . . . . . . . .
ذكروه مثال للآباء عن الأبناء، لكنه ليس بصحيح، فأبو بكر هذا ليس هو الصديق أبوها، وإنما هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، تكون عائشة عمة أبيه.
أما أبو بكر عن الحمراءِ ... عائشة في الحبة السوداءِ
هنا صرفت عائشة، في الحبة السوداء، وأنها شفاء.
فإنه لابن أبي عتيقِ ... . . . . . . . . .
عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر.
. . . . . . . . . ... وغُلّط الواصفُ بالصديقِ
لما قال عن أبي بكر الصديق عن عائشة -رضي الله عنها-، والواصف له بالصديق قالوا: إنه إسحاق بن إبراهيم الوراق، المعروف بالمنجنيقي، "وعكسه" رواية الأبناء عن الآباء "صنف فيه الوائلي" أبو نصر السجزي الوائلي.
وعكسه صنف فيه الوائلي ... وهو معال للحفيد الناقلِ
يعني من معال الأمور أن يعنى الإنسان بحديث ذويه وأقاربه، لا سيما الوالد والجد، فإذا روى الابن عن أبيه عن جده وضبط أحاديث أهله صارت هذه مما يمدح به هذا الشخص، حتى ذكر بعضهم في تفسير {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] هو قول الرجل: حدثني أبي عن جدي، ويأتي لهذا أمثله كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(46/16)
شرح ألفية الحافظ العراقي (48)
السَّابِقُ واللاَّحِقُ - مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلاَّ رَاوٍ وَاحِدٌ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف الناظم الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في باب رواية الآباء عن الأبناء وعكسه، قال: "ومن أهمه" من أهم ما في هذا الباب رواية الابن عن أبيه، إذا ذُكر الأب مبهماً، يعني قال: فلان عن أبيه، أو قال: فلان عن أبيه عن جده، فهما قسمان.
قسم يذكر فيه الأب على سبيل الإبهام، وقسم يذكر فيه الأب والجد وهما مبهمان، قال: "ومن أهمه" يعني أهم ما يذكر في هذا الباب.
. . . . . . . . . . إذا ما أبهما ... الأب أو جدٌ وذاك قسما
قسمين. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
بعضهم يعدى قُسم بـ (إلى)، والأصل أنه يتعدى بنفسه، ينقسم كذا إلى قسمين، ينقسم قسمين، ما نحتاج إلى حرف، وأكثر الاستعمال على أنه يعدى ... ، يعدونه من حيث الاستعمال بـ (إلى) ينقسم إلى كذا وكذا، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
قُسما؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
وذاك قُسما قسمين؟ هذا مضعف، وكذلك المخفف كلاهما.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وذاك قسما
قسمين عن أبٍ فقط. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
فلان عن أبيه، عن "أبي العشرا عن أبه" من دون ذكر الجد، والقسم الثاني فيما يذكر فيه الجد.
قسمين عن أبٍ فقط نحو أبي ... العشرا عن أبه عن النبي
عليه الصلاة والسلام، وهذا كثير، كثير من الرواة يروي عن أبيه، وأقل منه ما يُروى عن الأب عن الجد، "عن أبه" هذه لغة من اللغات الجائزة في الأسماء الخمسة، وهي الأعراب بالحروف، وهذا هو الأشهر، ثم القصر، ثم النقص، وهذا هو النقص.
بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم
"عن أبه عن النبي" -عليه الصلاة والسلام-.
واسمهما على الشهير فاعلمِ ... . . . . . . . . .
اسمهما: اسم أبي العشراء، المكنى بأبي العشراء اسمه: أسامة، وأبوه مالك.
واسمهما على الشهير فاعلمِ ... أسامة بن مالك بن قهطمِ(47/1)
ابن قهطم، وقد يأتي بإبدال الهاء حاء، وقد يضبط بفتح أوله وثالثه، الآن هو مضبوط بكسر أوله وثالثه قِهطٍم، قد يضبط بفتحهما قَهطَم، وقد يضبط بفتح أوله وكسر ثالثه، وقد يضبط بالعكس، فيجوز فيه الأربعة الأوجه، ضُبط بها، لكن الأكثر على أنه بكسر أوله وثالثه كما هنا، قِهطِم كجِهبِذ يقال للخبير النقاد جِهبِذ، وهذا قِهطِم نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما في إلا هذا، ما في إلا هذا.
"والثانِ" الأصل والثاني بالياء.
والثان أن يزيد فيه بعده ... . . . . . . . . .
يعني القسم الثاني من قسمي الإبهام أن يزيد فيه بعده.
. . . . . . . . . ... كبهز أو عَمْرٍ أباً أو جده
الآن القسم الأول ما هو بيزيد الأب؟ كيف صار أجل من النوع الثاني هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: لأنه في جده يا شيخ. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: الزيادة في الجد.
القسم الأول أبي العشراء عن أبه، الثاني: أن يزيد فيه بعده، بعد من؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد الأب.
. . . . . . . . . ... كبهز أو عَمْرٍ أباً أو جده
نعم إما أن يزاد بعد الأب أبوه، أو يزاد جده، وزيادة الأب في بهز، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، الآن بهز بن حكيم عن أبيه أبوه حكيم عن جده معاوية، فمعاوية أبو الأب بينما في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المراد بالجد جد الأب، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده عبد الله بن عمرو، لماذا لم نقل في بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مثلما قلنا في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن لماذا ما نقول: الخلاف في الضمير في جده مثل الخلاف بالنسبة لبهز مثل الخلاف في عمرو؟ يعني لم يختلفوا في بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وإن اختلفوا في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في مرجع الضمير في جده، هل هو جد عمرو أو جد شعيب؟ جد من؟ جد اللي هو حكيم، معاوية، معاوية صحابي بلا إشكال، وحيدة؟
طالب:. . . . . . . . .(47/2)
لكن ليست له رواية، هذا هو الحاسم الآن، ما دام ليست له رواية فلا يمكن أن يرد في الخلاف هنا، جده، جد أبيه، لكن يمكن أن يرد لأنه ليست له رواية، بينما جد شعيب مكثر، من المكثرين من الصحابة، عبد الله بن عمرو بن العاص، لكن ألا يمكن أن يقال: إن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يعني جد الأب اللي هو؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ألا يحتمل أن يكون عمرو بن العاص الجد؟ جد الجد؟ عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن عمرو بن شعيب هذا عمرو عن أبيه عن جده، الاحتمال الأول أن الجد محمد، فيكون عود الضمير إلى عمرو، وعلى هذا يضعف من جهة أن محمداً ليس بصحابي، فيكون الخبر مرسلاً، الاحتمال الثاني: أن يكون الجد الضمير فيه يعود إلى الأب الذي هو شعيب، وحينئذٍ يكون الجد عبد الله بن عمرو، هل هناك احتمال ثالث أن يكون الجد عمرو بن العاص، وهو صحابي؟ في احتمال؟
طالب: أبي شعيب؟
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده إما جد عمرو وإلا جد شعيب، ما في احتمال ثالث.
طالب: عن جده الذي هو جد شعيب.
إذن عمرو ما له رواية إذاً، عمرو بن شعيب هذا ما له رواية، ما له ذكر الآن صار.
طالب: عمرو بن شعيب عن أبيه. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يجئ، شوف العنعنة صارت بين من؟ بين الراوي ومن روى عنه وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا وين؟ بينهم مفاوز ها الحين، الخلاف في كون شعيب روى عن جده عبد الله بن عمرو أو لم يروِ؟ هذه المسألة خلافية بين أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا لا، ما يمكن أن نقول: إن الضمير يعود إلى جد شعيب، حتى لو قلنا: جد شعيب صار عبد الله بن عمرو، ما يمكن أن نقول: يعود الضمير في جده إلى الجد ليكون الجد جد الجد عمرو بن العاص، يعني لو كُتبت تبين عود الضمائر، شوف الآن عن أبيه عندنا أكثر من ضمير عن جده عمرو بن شعيب بن محمد، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، طيب عمرو بن شعيب مفروغ منه هنا، هذا الحد معروف مكشوف ما في إبهام، عمرو بن شعيب في الطريقين، عن أبيه الهاء إذا قلنا: تعود إلى شعيب ...
طالب:. . . . . . . . .(47/3)
صار الجد حينئذٍ محمد، وإذا قلنا: تعود إلى أقرب مذكور وهو شعيب، صار الجد جد شعيب من؟ عبد الله بن عمرو، كيف نقول: عن جده، جد من؟
طالب: عن جده جد شعيب. . . . . . . . .
لا الاحتمال قائم، أنه جد عمرو وجد شعيب، هذا احتمالان قائمان، وبكل منهما قال جمع من أهل العلم، لكن هل في احتمال أن نقول: عن جده عن جد الأب؟ جد الأب نعم ممكن، إيه، ما في احتمال ثالث، عمرو بن العاص ما يرد إطلاقاً، في هذه السلسلة ما يرد من حيث الضمائر المذكورة عندنا، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن محمد ليس هو الأب المذكور بكنيته هنا عن أبيه، فكون الاحتمال عمرو بن العاص غير وارد.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن عندنا أسماء ظاهرة، وعليها ضمائر كنايات تعود إليها، فالهاء هنا ما يمكن أن تعود إلى أبيه الذي هو محمد هنا، على الاحتمال الثاني مو قلنا: احتمال في أبيه أن يعود على عمرو؟ هاه؟ مشكلة، الكتابة لا بد منها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . . الضمير في أبيه عائد على شعيب. . . . . . . . .
لا يصير ما له رواية، ما هو موجود في الرواية.
طالب: ويقال: عن شعيب. . . . . . . . .
نعم إذا قلنا هذا صار عمرو وجوده مثل عدمه، إذا أعدنا الضمير إلى شعيب في الجد، إذا ألغينا عمرو في الرواية فذكره لاغي.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما في، لا، لكن ما دام أبدوا احتمالات، نعم ما دام الخلاف سببه احتمال فيمكن أن يوجد احتمال ثالث.
طالب:. . . . . . . . .(47/4)
لا ما قال به أحد، لكن ما دام منشأ الخلاف احتمال الضمائر، والضمائر تحتمل، وجد الجد صحابي، لماذا لا يقوم هذا الاحتمال؟ وصحابي له رواية، يعني لو كان بهز بن حكيم هاه؟ عندك بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ما اختلفوا في الضمائر، لماذا؟ لأن هذا قيل بصحبته حيدة، لكن ليست له رواية فلا يدخل في الباب أصلاً، فتكون الضمائر واضحة، ما في أكثر من احتمال واحد، بينما عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، العاص خارج من الرواية؛ لأنه ليس بمسلم، جيد، يبقى عندنا عمرو وشعيب ومحمد وعبد الله وعمرو بن العاص، خمسة، وكلهم لهم رواية، وعندنا عن أبيه عن جده، أقول: ما دام منشأ الاختلاف احتمال الضمائر لا بد أن تفك هذه الضمائر، وإن كان لم يقل بأن المراد بالجد عمرو بن العاص، لماذا لم يقل أحد: إن الضمير لا يمكن أن يكون يعود إلى عمرو بن العاص؟
طالب: لأنه يصير ذكر عمرو لاغي ما له قيمة.
أيه لأنه إذا قلنا: عن جده والمراد به عمرو بن العاص تجاوزنا عمرو الأول بن شعيب، في كلامك الأول يا أحمد في كلامك الأول نعم أنت تقول: احتمال يكون عمرو بن العاص كيف يكون احتمال؟ صحابي له رواية ويش المانع أن يكون الضمير يعود إليه؟ مع أن أهل العلم أجمعوا على أنه لا يعود إليه؛ لأن عندنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عمرو واضح ظاهر في الرواية أنه أول السند عن أبيه عمرو بن شعيب عن أبيه الضمير يعود في أبيه إلى عمرو وإلا إلى شعيب؟
طالب:. . . . . . . . .(47/5)
. . . هو صاحب الرواية؛ لأن لو قلنا: يعود إلى شعيب ألغينا رواية عمرو أصلاً فصارت العنعنة ليست من عمرو فما موقعه في الإسناد؟ نعم؟ يصير ما له موقع في الإسناد، إذا كانت العنعنة ليست منه فلا دخل له في الإسناد، وجوده لغو، إذا أثبتنا وجوده في الإسناد وأثره في الإسناد، وأنه جزء في الإسناد، بل هو أول الإسناد، قلنا: عن أبيه يعني أب عمرو والمراد به شعيب، وهذا ما في إشكال، الخلاف كله في جده هل يعود إلى الأب الذي شعيب فيكون الجد عبد الله بن عمرو أو توحد الضمائر فتعود إلى شخص واحد وهو عمرو فيكون الأب شعيب والجد محمد، فإذا قلنا: عود الضمير في جده إلى أقرب مذكور وهو الأب فيكون الجد عبد الله بن عمرو، وإذا وحدنا الضمائر في أبيه وجده وقد قيل به فيكون الضميران يعودان إلى عمرو والجد يكون حينئذٍ محمد، ومحمد تابعي ليس بصحابي، فتكون الرواية مرسلة، وضعفها بعض أهل العلم بالإرسال.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب: الهاء تعود على شعيب.
عن أبيه؟
طالب: عمرو بن شعيب عن أبيه.
شعيب.
طالب: لا عن أبيه عمرو بن شعيب وكأنها عمرو بن شعيب عن أبي شعيب .... يعني أبي شعيب ....
إيه لو قلنا بهذا صار فيه انقطاع بين شعيب وجده.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال سواء قلنا هذا أو ذاك هي معلة بالانقطاع.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما قيل بهذا، لم يقل أحد بهذا.
طالب: الآن إحنا عندنا أحد الاحتمالات، إحنا نريد إن نحتمل احتمال نصل إلى عمرو بن العاص. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
عن أبيه شعيب طيب.
طالب: لا لا عمرو.
عن أبي شعيب.
طالب: اللي هو محمد.
طيب.
طالب: عن جده يعني جد محمد، فجد محمد هو عمرو بن العاص. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
لا لا لو قلنا بهذا ما قال: عن أبيه لقال: عمرو بن شعيب عن جده؛ لأن الحديث عن عمرو وأنت تريد أن ترجعه إلى ....
طالب: نرجعه إلى أقرب مذكور أبيه أبي شعيب، فأبي شعيب هو محمد، محمد جده، جد محمد. . . . . . . . .
لكن الراوي من هو؟
طالب: عمرو.
خلاص انتهينا.
طالب:. . . . . . . . .(47/6)
لا لا لو أرادوا هذا لقالوا: عمرو بن شعيب عن جده مباشرة.
طالب:. . . . . . . . .
لقالوا: عن جده، ما قالوا: عن أبيه؛ لأن العنعنة هذه متجهة إلى عمرو ما اتجهت إلى شعيب.
طالب: ما في مانع أن يقول: عمرو بن شعيب عن أبيه ويكون المقصود أبي شعيب ما في مانع؟
لا لا إلا في مانع، من الراوي ها الحين؟
طالب: عمرو هو الراوي. . . . . . . . .
خلاص عن أبيه أبي من؟ أبي الراوي اللي هو عمرو، لا لا ما يمكن يجيء، لا لا ما يمكن إطلاقاً.
والثان أن يزيد فيه بعده ... كبهز أو عَمْرٍو أباً أو جده
بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص هذان الإسنادان، وهاتان السلسلتان اختلف فيهما أهل العلم اختلافاً كثيراً، والسبب في الخلاف بهز بن حكيم؛ لأن بهزاً فيه كلام عند أهل العلم، ليس الخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثل الخلاف في بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، فالخلاف في بهز بن حكيم السلسلة الأولى للكلام في بهز، فيه كلام لأهل العلم، والكلام سببه في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الخلاف في عود الضمير، ومما سبب على أحد الاحتمالات إما إرسال أو انقطاع؛ لأن بعضهم يقول: إن شعيباً لم يلق جده عبد الله، مع أن أباه والد شعيب الذي هو محمد مات في حياة أبيه عبد الله بن عمرو وشعيب تربى عند جده عبد الله بن عمرو، وروى عنه وصرح به في مواضع، صرح به في أحاديث، لكن يبقى أنه وإن صرح به في أحاديث إلا أنه في كثير مما ينسبه إلى جده، لم يروه عنه مباشرة، وإنما وجده وجادة، صحيفة، كتاب، والخلاف في الوجادة، وهل هي محمولة عل الاتصال أو الانقطاع؟ على كل حال هي منقطعة عند أهل العلم، وفيها شوب اتصال، ليست مكاتبة، فرق بين المكاتبة والكتاب، اللي هو الوجادة، فرق بينهما، الكتاب متصلة وموجودة في الصحيحين وغيرهما من كتابة الصحابي للتابعي ومن كتابة التابعي لمن بعده، يكتب التابعي للصحابي ويجيبه، وهذا متصل بلا إشكال، لكن إذا وجد حديثاً بخط شيخه أو جده كما هنا الذي لا يشك فيه هل له أن يرويه فيقول: عن جده من غير أن يبين عبد الله بن أحمد كثيراً ما يقول: وجدت بخط أبي.(47/7)
على كل حال الخلاصة من كلام أهل العلم أن الخلاف على ثلاثة أقوال: منهم من قبل مطلقاً، وجعلها من قبيل الصحيح، ومنهم من رد مطلقاً وجعلها من قبيل الضعيف، ومنهم من توسط، فقال: إذا صح السند إلى بهز، أو صح السند إلى عمرو فالسلسلتان ما يروى فيهما يكون من قبيل الحسن، وهذا القول المتوسط هو الذي اعتمده جل أهل العلم، وذكر عن كبار الأئمة، طيب إذا أردنا الموازنة بين السلسلتين أيهما أقوى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بما عرف أيضاً من خلاف في الاحتجاج ببهز أو الأقوى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مع ما عرف من الاختلاف في الضمائر مما سبب القول بضعف هذه السلسلة عند بعض أهل العلم؟ منهم من رجح بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، لماذا؟ لأن البخاري خرج لبهز لا في الأصول، خرج عنه معلقاً، خرج عنه معلقاً لا في الأصول.(47/8)
ومنهم من يقول: إن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أقوى من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؛ لأن البخاري صحح رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيما نقله عنه الترمذي في جامعه، الترمذي في جامعه نقل أن البخاري قال في حديث رواه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أصح ما في الباب، ومعلوم أن أفعل التفضيل لا تقتضي التصحيح، لكن قالوا: إنه صحح في حديث ذكره البخاري في صحيحه معلقاً مع حذف إسناده، وهو من حديث عبد الله بن عمرو، وحذف عمرو بن شعيب عن أبيه علقه عن عبد الله بن عمرو قال العلماء: ومداره على عمرو بن شعيب، هناك صرح ببهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهنا قال: ويذكر عن عبد الله بن عمرو كذا، ومدار هذا الحديث على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فكأنه ذكره ما دام المدار عليه فكأنه ذكره، كما ذكر بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، لكن كونه صرح ببهز لا شك أنه أقوى من مجرد أن يطوي الاسم مع أنهم قالوا: من جهة أخرى أنه ينظر فيمن أبرز من السند، وما يحذفه المعلق الإمام البخاري يكون قد ضمنه، لكن هذا في حالة ما إذا ساق الخبر بصيغة الجزم، أما إذا ساقه بصيغة التمريض فتبقى على الاحتمال؛ لأن من الأحاديث التي علقها البخاري صيغة التمريض منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، يبقى على الاحتمال، على كل حال التوسط في مثل هذا مثلما قال أهل العلم، وهو المعتمد عند المتأخرين قاطبة، أن الإسناد من قبيل الحسن، يستوي في ذلك بهز وعمرو إلا أن الأكثر على أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أقوى من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
والأكثر احتجوا بعَمْرٍو حملا ... . . . . . . . . .
والأكثر يعني من أهل العلم.
. . . . . . . . . احتجوا بعمرٍو حملا ... له على الجد الكبير الأعلى(47/9)
اللي هو؟ ما دام الاحتمال والتردد بين محمد الجد الأدنى والجد الأعلى اللي هو عبد الله بن عمرو يكون المراد عبد الله بن عمرو، وقد صرح به في بعض الأحاديث في المسند والسنن عن جده عبد الله بن عمرو، ومنهم من يقول: إنما يحتج بما صرح به دون ما لم يصرح به، فإذا قال: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قبلناه، وإذا لم يصرح بالجد قوي الاحتمال الثاني فلا يحتج به.
وسلسل الآبا التميمي فعد ... عن تسعة قلت: وفوق ذا ورد
التميمي من فقهاء الحنابلة المعروفين، يروي عن أبيه عن جده إلى آخره عن تسعة كل واحد منهم يروي الخبر عن أبيه، والخبر مذكور في الشروح والأسماء موجودة، لكن هذه سلسلة مدارها على بعض الأجداد ممن رمي .. ، اتهم بالكذب، فهل نستفيد من تسلسل تسعة آباء أو عشرة آباء أو اثني عشر أب وفيهم من لا يعول عليه؟ قال:
وسلسل الآبا التميمي فعد ... عن تسعة قلت: وفوق ذا ورد
يعني إلى اثني عشر جد، كل واحد يروي عن أبيه، والعبرة بما وجد في الكتب التي هي دواوين الإسلام، أما ما وجد بعد ذلك، يعني لو وجدنا عندنا الآن في عصرنا من يسلسل الرواية منه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بطريق آبائه، ماذا نستفيد؟ ما نستفيد شيئاً، العبرة بالأسانيد الموجودة في الدواوين المعتبرة، وما عدا ذلك مثل أسانيد التميمي هذا يمكن يثبت به خبر وإلا ما يثبت؟ لا ما يمكن، هذا ما يمكن لا سميا وأنها مشتملة على بعض من اتهم بالكذب، "وفوق ذا ورد" يعني ورد إلى اثني عشر أب، وهي مذكورة في الشروح قال: التميمي هو أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث من فقهاء الحنابلة معروف، لكنه في الرواية ليس على مستواه في الفقه، لا سيما على مذهب الإمام أحمد.
سم.
أحسن الله إليك
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
السَّابِقُ واللاَّحِقُ
وَصَنَّفُوا في سَابِقٍ ولاَحِقِ ... وَهْوَ اشْتِرَاكُ رَاوِيَيْنِ سَابِقِ
مَوْتاً كَزُهْرِيٍّ وَذِي تَدَارُكِ ... كَابْنِ دُوَيْدٍ رَوَيَا عَنْ مَالِكِ
سَبْعَ ثَلاَثُونَ وَقَرْنٍ وافِي ... أُخِّرَ كالجعفي والخَفَّافِ(47/10)
يقول المؤلف الناظم -رحمة الله عليه-: "السابق واللاحق" السابق متقدم الوفاة، واللاحق متأخر الوفاة، قد يكون بين شخصين كما هو مضمون هذا الباب رويا عن شخص واحد بينهما في الوفاة أكثر من مائة سنة، بمعنى أن الشيخ تطول به الحياة، يعمر الشيخ فيروي عنه في بداية تحديثه شخص يموت في أول الأمر، ثم بعد أن يعمر بعد موت التلميذ هذا الأول ثمانين سنة يأتي راوٍ صغير فيروي عنه في أخر عمره ثم يعمّر، نفترض شخص عمّر مائة سنة جلس للتحديث وعمره ثلاثون، خله ثلاثون، يعني هذا كثير ممن يجلس للتحديث عمره ثلاثين، روى عنه في بداية جلوسه للتحديث شخص، نفترض أن الشيخ اسمه زيد، جاء عمرو وعمر الشيخ خمسة وعشرين أو ثلاثين فروى عنه ثم مات ثم عمّر الشيخ إلى مائة ومائة وعشرة، فجاء بكر في آخر عمره بعد موت الأول بكم؟ سبعين سنة، أو خمسة وسبعين سنة، وعمر بكر خمسة عشر عاماً، مات الشيخ ثم عمّر بعده سبعين أو ثمانين سنة، أجمع الثمانين مع الثمانين أو الخمسة السبعين مع الخمسة والسبعين يطلع لك قرن ونصف؛ لأن الإنسان يقول: كيف زملاء يكون بينهم مائة وسبعة وثلاثين، يعني بعض الناس ما يستوعب مثل هذا إلا بالمثال، قال:
وصنفوا في سابق ولاحقِ ... . . . . . . . . .
كالخطيب البغدادي وكتابه مطبوع.
. . . . . . . . . ... وهو اشتراك راويين سابقِ
موتاً كزهري. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(47/11)
يعني مات الزهري سنة مائة وأربعة وعشرين "وذي تداركِ" يعني من جاء بعده وأدرك الشيخ بعد عقود من موت الزهري، يعني أدرك مالك بعد موت .. ، مالك متى مات؟ سنة مائة وتسعة وسبعين؟ تسعة وسبعين؛ لأن مائة وخمسين أبو حنيفة، والشافعي مائتين وأربعة، أحمد مائتين وواحد وأربعين، أدرك مالك، أدركه سنة مائة وتسعة وسبعين، أو مائة وثمانية وسبعين، ثم عمّر بعده، يعني بعد موت الزهري بكم؟ بخمس وخمسين سنة، روى عن مالك، ثم بعد ذلك عمر بعد مالك بثمانين أو اثنين وثمانين سنة، اثنين وثمانين سنة عمر بعده، ابن دويد، فكان بين موت ابن دويد وموت الزهري مائة وسبعة وثلاثين سنة، يعني متصور هذا، مو متصور واحد من الطلاب في بداية جلوس الشيخ للتعليم يموت؟ متصور، يموت في البداية، ويعمر الشيخ بعده سبعين سنة مثلاً أو ثمانين سنة، يأتي طالب صغير فيأخذ عن الشيخ في أخر عمره ثم يعمر بعده ثمانين سنة، يعني تصورها سهل، والمثال الذي ذكره:
. . . . . . . . . كزهري وذي تداركِ ... سبعٌ. . . . . . . . .
كابن دويد رويا عن مالكِ ... . . . . . . . . .
سبع سنين بعد الثلاثين والقرن الوافي، مائة وسبعة وثلاثين سنة، إذا قلنا: مات الزهري سنة مائة وأربعة وعشرين، تصير المسألة حسابية، نعم؟ مات الزهري سنة مائة وأربعة وعشرين، ومات مالك مائة وتسعة وسبعين، متى يكون موت ابن دويد؟ مائة وسبعة وثلاثين، مائتين وواحد وستين، مع أنهم قالوا: إن ابن دويد ذكره لا يليق؛ لأنه متهم، الخبر الآن بعد هذا العمر الطويل من الذي أخبر أنه روى عن مالك؟ من الذي يخبر أن ابن دويد روى عن مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن يقبل وهو متهم؟ في شخص أخر نسيت أسمه روى عن مالك وتوفي سنة مائة وتسعة وخمسين، قبل ابن دويد بسنتين، فيكون بينه وبين الزهري مائة وخمسة وثلاثين، وقد شهد له من شهد أنه حضر وروى عن الإمام مالك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم أحمد بن إسماعيل السهمي عمّر بعد مالك كم؟
طالب:. . . . . . . . .(47/12)
لا عمر ثمانين سنة، يكون عمر بعد مالك ثمانين سنة، نعم فيكون بينه وبين الزهري كم؟ مائة وخمسة وثلاثين، وهذا يحصل المثال به ويكون مثال صحيحاً، أما ابن دويد ما شهد له أحد من أهل العلم إلا باعتبار أنه ادعى أنه روى عن مالك، وهو متهم فلا تقبل دعواه، فلا يصلح أن يكون مثالاً.
. . . . . . . . . وقرنٍ وافي ... أُخّر كالجعفي والخفافِ
الجعفي المراد به الإمام البخاري، والخفاف اسمه؟ أحمد بن محمد الخفاف، طيب اشتركا في الرواية عن السراج صاحب المسند المعروف، روى عنه البخاري وروى عنه الخفاف، البخاري مات سنة مائتين وستة وخمسين، والخفاف عمّر إلى كم؟ ثلاثمائة كم؟ وثلاثة وتسعين، ثلاثمائة وثلاثة وتسعين، كم يكون بيه وبين البخاري؟ كم؟ مائة وسبعة وثلاثين سنة، مثل هذا، ويش الفائدة من معرفة السابق واللاحق؟ ما الفائدة من معرفة السابق واللاحق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني اللي ما يتصور هذا يرد رواية الخفاف عن السراج باعتبار أن البخاري روى عنه، كيف يدركه السراج وبينه وبين البخاري مائة وسبعة وثلاثين سنة، فيكون مستحيل أنه يروي عن شخص روى عنه البخاري ثم لا يموت إلا بعده بقرن أو أكثر من قرن وثلث، فإذا عرف هذا الباب وتصوره سهل عليه أن يقبل رواية الخفاف عن السراج، وإن روى عنه البخاري، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا يدل على أن الشيخ لم يتغير، ما حصل له تغير، نعم، لكن قد يروون عنه بعد التغير، في حال الاختلاط يروى عنه، وهذا كتب المختلطين هذه فائدتها بيان من وروى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعد الاختلاط، نعم.
أحسن الله إليك.
مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلاَّ رَاوٍ وَاحِدٌ
وَمُسْلِمٌ صَنَّفَ فِي الوُحْدَانِ ... مَنْ عَنْهُ رَاوٍ وَاحِدٌ لاَ ثانِ
كَعَامِرِ بْنِ شَهْرٍ أو كَوَهْبِ ... هُوَ ابْنُ خَنْبَشٍ وَعَنْهُ الشَّعْبِي
وَغُلِّطَ الحَاكِمُ حَيْثُ زَعَمَا ... بأنَّ هَذَا النَّوْعَ لَيْسَ فِيْهِمَا
فَفِي الصَّحِيحِ أخْرَجَا للمُسَيِّبَا ... وأخْرَجَ الجُعْفِيُّ لابْنِ تَغْلِبَا
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "من لم يرو عنه إلا واحد".
طالب:. . . . . . . . .(47/13)
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش عندك؟ ذي الطبعة الثانية؟ سواء أثبتت أو حذفت يعني واضح، المقصود فيه واضح، الطبعة الثانية، نعم؟ هاه؟ إيه من لم يرو عنه إلا واحد، يقول: راوٍ في الأصل أدخلها بخط دقيق، وهي في (ح)، وقد سقطت من (س). . . . . . . . .
على كل حال سواء ذكرت أو حذفت معروف أن من لم يرو عنه. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه الشروح وضعها غير المتون، قد تكون من الشارح، على كل حال وجودها وعدمها ما في فرق كبير، من لم يروِ عنه إلا واحد، إيش معنى واحد؟ يعني راوٍ واحد سواء ذكر أو لم يذكر، في بحث المجهول وذكر أقسام المجهول أن من الرواة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد، ويسمى مجهول العين، من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد هو مجهول العين، إذا روى عنه أكثر من راوٍ ولم يوثق صار مجهول الحال لم يبين حاله من قبل أهل العلم، وفي بحث الغريب هناك الغريب والأفراد، والغريب أو الفرد ما تفرد به راوٍ واحد، هنا تفرد عنه راوٍ واحد، وهناك ما تفرد به راوٍ واحد، ويش الفرق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
صح ذا حديث وذا راوٍ لكن من حيث مآل الحكم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذاك الغرابة المطلقة والنسبية، والتفريق بينهما معروف، لكن ما الفرق أن يتفرد راوٍ برواية حديث؟ وبين أن يتفرد راوٍ بالرواية عن راوٍ؟
طالب: الفرق الأول أن الإنسان يوفق. . . . . . . . .
لأن المسألتين بينهما فرق، وجُعل الخلاف واحد، وكلام الحاكم يعني عُمم على النوعين.
طالب:. . . . . . . . .
مجهول العين.
طالب:. . . . . . . . .(47/14)
وقد يكون روى عنه مائة، لكن هذا الحديث ما رواه عنه إلا واحد، هناك في الغريب لما عرفوا الغريب، وأنه ما تفرد بروايته واحد، وأن العزيز: ما رواه اثنين فأكثر، أو اثنين في كل طبقة، ولو في طبقة من طبقات إسناده، تعرضوا لقول الحاكم، وهنا في المنفردات والوحدان تعرضوا لقول الحاكم، هناك في التفرد تفرد الراوي برواية الحديث قالوا: إن الحاكم يشترط لصحة الحديث مطلقاً، ويراه شرطاً للبخاري، ألا يكون مما تفرد به راويه، ولو كان هذا الراوي ثقة، هنا من تفرد عنه بالرواية عنه واحد في حيز المجهول، جعلوا الحاكم يقول: إن البخاري لا يروي عن هذا النوع، فهل البخاري يقول به في البابين أو يقول به في أحدهما؟ الآن الفرق بين البابين واضح وإلا غير واضح؟
طالب:. . . . . . . . .
الحافظ في النخبة قرر أن الحاكم يقول: إن البخاري لا يخرج ما تفرد به راويه، والصنعاني لما نظم النخبة وذكر العزيز قال:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ
شرط للصحيح مطلقاً، يعني ما تفرد به راويه لا يقبل، وتبعه على ذلك البيهقي، والكرماني شارح البخاري قرر هذا في مواضع من شرحه، لكن إذا نظرنا إلى واقع الكتاب واقع الصحيح وجدنا أن البخاري خرج أول حديث وآخر حديث في الكتاب مما تفرد به راويه، ولا براوٍ واحد في أربع طبقات تفرد به الراوي، حديث: الأعمال بالنيات تفرد به عمر، وعن عمر علقمة، وعن علقمة فقط محمد إبراهيم التيمي، وعن محمد بن إبراهيم تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري، في أربع طبقات حصل التفرد، وخرجه البخاري أول حديث، وآخر حديث حديث: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) ... إلى آخره تفرد به أبو هريرة، وعنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، وعنه عمارة بن القعقاع، وتفرد به عنه محمد بن فضيل في أربع طبقات مثل حديث: الأعمال بالنيات، فكيف يقول الحاكم والبيهقي أئمة كبار ما يخفى عليهم مثل هذا؟
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ
نسخة أخرى يقول:
. . . . . . . . . ... وقد رمي من قال بالتوهمِ
يعني نسب إلى الحاكم بأنه يقول: إن البخاري والصحيح عموماً الحديث الصحيح لا يمكن أن يكون صحيحاً وقد تفرد به راويه.(47/15)
طالب: لكن ألا يراد به الرواية لا الحديث عموماً؟
إيش لون؟
طالب: كونه الراوي هذا ما روى عنه إلا. . . . . . . . .
نأتي إلى بابنا اللي نحن فيه، يعني نرجع إلى الباب هذا.
طالب: هذا الذي يتبادر إلى الذهن.
نقول: هل الحاكم يفهم من كلامه أنه يمنع قبول الرواية في البابين، ولا يقول: إن البخاري ما يمكن أن يروي عن شخص ما له إلا راوٍ واحد، مثل هنا المنفردات والوحدان، ولا يخرج حديث تفرد به راويه، وهل من لازم تفرد الراوي برواية الحديث أن يكون مما تفرد به الراوي عنه، ليس بلازم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يحصل العكس، لكن مثل ما قلنا لا يمكن أن .. ، ما يلزم إطلاقاً، الآن أنا أريد أن أفرق بين البابين، حديث تفرد بروايته راوٍ واحد لا يُعرف إلا عن طريقه حديث: الأعمال بالنيات، وآخر حديث في البخاري، وغرائب الصحيح موجودة مما تفرد به الرواة، كيف نقول: إن هذا شرط البخاري، وأول حديث وأخر حديث يرد هذه المقالة، قالوا: لا لعل الحاكم يقصد أن البخاري لا يخرج لراوٍ تفرد بالرواية عنه واحد مما هو في حيز مجهول العين، اللي هو بابنا هذا، طيب خرجوا قصة أبي طالب لما حضرته الوفاة من رواية المسيب بن حزن والد سعيد، وما روى عنه إلا ابنه سعيد وغيرهم كثير ممن ذكر، قالوا: إذا كان هذا النوع في طبقة الصحابة ما يضر؛ لأن كلهم عدول، ولو تفرد بالرواية عنه واحد، ووجد أيضاً ممن دونهم من طبقة التابعين ممن تفرد بالرواية عنه واحد، وخرج لهم في الصحيح، فعلى كل حال القول في البابين غير مقبول، في البابين غير مقبول، وواقع كتب السنة يرده، قال ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟(47/16)
طالب:. . . . . . . . . يريد أو يقصد أن البخاري -رحمه الله- لم يأتِ على حديث تفرد به راوٍ من كل وجه، بمعنى أنه ربما يكون الزهري على سبيل المثال نقل عن مالك، وتفرد عن مالك بهذه الرواية، وهذا التفرد هو الصحيح لكن هناك من الرواة الضعاف من تابعوا الزهري. . . . . . . . . فيقصد الحاكم أنه لم يأتِ البخاري على الزهري لما تفرد عن مالك من كل وجه ليس هناك من متابع للزهري حتى لو كان ضعيفاً. . . . . . . . . إنما قد يكون تفرد الزهري عن مالك وهو صحيح عن مالك، وهناك من تابع الزهري من الضعفاء. . . . . . . . .
يعني أنت تريد أن تقرر ما قيل في حديث: الأعمال بالنيات أنه روي من غير طريق عمر بأسانيد ضعيفة، الأسانيد الضعيفة هذه لا عبرة بها، وأهل العلم كلهم أطبقوا على أن الحديث فرد مطلق، سواء كان الحديث الأول أو الحديث الثاني.
طالب: لكن يقولون. . . . . . . . .
ولذلك لما قالوا: إن هذا الحديث لم يرد إطلاقاً عن غير عمر، قال الحافظ: بقيدين، الأول: شرط الصحة، يعني ورد لكن ليس بصحيح، الأمر الثاني: اللفظ، جاء في النية أحاديث عن غير عمر -رضي الله عنه-، لكن بهذا اللفظ: ((إنما الأعمال بالنيات)) لا يعرف إلا عن عمر.
طالب:. . . . . . . . . لكن هم دائماً عمل المحدثين أنهم دائماً يقبلون ويردون بالتفرد، حتى ولو كانت المتابعة من ضعيف، يعني عندما يأتي واحد ويقول: إنه تفرد بهذا الحديث الفلاني يقول: لا ليس هذا الكلام؛ لأن هناك من رواه ولو كان ضعيفاً. . . . . . . . .
لا لا فرق، فرق بين متابعات، فرق بين ما يقبل وما يرد، فرق بين ما وجوده كعدمه، وبين ما وجوده معتبر.
طالب: لا أنا قصدت في قول الحاكم أن هناك من يتابع المنفرد وهو ضعيف. . . . . . . . .(47/17)
لا لا كلامه فيه لبس من الأصل، يعني كلامه في علوم الحديث وفي المستدرك، يعني في مواضع من المستدرك فيه لبس، وكلام البيهقي أوضح، والنقد إليه أوجه، يعني تعجب أن يوجد مثل هذا الكلام من هؤلاء الأئمة بالفعل يعني، يعني غرائب الصحيح في أول حديث وأخر حديث وكأن البخاري يقول: تخريجي لهذين الحديثين رد لمن يزعم هذه المقالة، وكأنه يقصد الرد على المعتزلة الذين لا يقبلون حديثاً تفرد به راويه ولا بد من العدد في الرواية، يعني رد عملي عليهم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم كأنه قال: وما بينهما يوجد فيه ذلك أيضاً.
طالب:. . . . . . . . . بعض المحدثين يعتبر التفرد بحد ذاته علة يعل بها الحديث فلعل الحاكم قصد هذه المسألة، يعني فريق من أهل العلم يرون أن التفرد بذاته علة. . . . . . . . .
هذا مضى في الشاذ، هو قول لأهل العلم، قول معروف، مضى في الشاهد هذا، مضى أيضاً في المنكر، منهم من يرى أن مجرد التفرد شذوذ، لكن ما. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . . ضعيف يتابع. . . . . . . . . إذا ما تابع الضعيف الثقة المتفرد أزيلت علة التفرد. . . . . . . . .
لكن إذا كان وجوده مثل عدمه؟
طالب:. . . . . . . . . إذا كان متهم إذا كان كذاب. . . . . . . . .
إذا كان ضعيف ضعفه منجبر هذا مفروغ منه، ما يحتاج إلى كلام هذا، مقرر عند أهل العلم، ومضى له نظائر، ومضى بحثه، لكن الكلام فيما إذا كان ضعيف لا يعتبر به، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا وجوده مثل عدمه، فما يسمى متابع أصلاً؛ لأن وجوده مثل عدمه، مثلما قيل في ابن دويد ما عرف أنه روى عن مالك إلا من طريقه فكيف نقبل قوله؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب: أربعمائة وواحد ....
هذا معنى الآن، قال:
ومسلم صنف في الوحدانِ ... . . . . . . . . .
المنفردات والوحدان صنف فيها الإمام مسلم في كتاب طبع مراراً في الهند وغيرها.
. . . . . . . . . ... من عنه راوٍ واحد لا ثانِ
وعرفنا أن من تفرد بالرواية عنه واحد أنه يسمى عند أهل العلم مجهول العين.
كعامر بن شهر أو كوهبِ ... هو ابن خنبشٍ وعنه الشعبي
عنه، نعم؟
طالب: باقي واو.
وعنه الشعبي.(47/18)
كعامر بن شهر أو كوهبِ ... هو ابن خنبشٍ وعنه الشعبي
يعني تفرد بالرواية عنه الشعبي، عامر بن شراحيل الثقة المعروف.
"وغُلط الحاكم -أبو عبد الله- حيث زعما"
. . . . . . . . . ... بأن هذا النوع ليس فيهما
يعني لا يوجد في الصحيحين، يعني لا يوجد في الصحيحين الرواية عن راوٍ تفرد عنه واحد، يعني ليس له راوٍ غير واحد، وهو ما عرف عند أهل العلم بالمنفردات والوحدان، يقول: لكن غُلط الحاكم، لماذا؟
ففي الصحيح أخرجا للمسيبا ... . . . . . . . . .
يعني أخرج للمسيب بن حزن والد سعيد.
. . . . . . . . . ... وأخرج الجعفي لابن تغلبا
عمرو بن تغلب ليس له إلا راوٍ واحد، وكذلك المسيب والد سعيد، وقلنا: إن حديث وفاة أبي طالب موجود في الصحيحين من راوية المسيب بن حزن وليس له راوٍ إلا ابنه سعيد، وأخرج الجعفي الذي هو الإمام البخاري لعمرو بن تغلب، والمسيب صحابي، وعمرو بن تغلب أيضاً صحابي فلا يضر مثل هذا النقد الذي يسببه تفرد الراوي عنه، لكن هل يمكن أن نقول: إن عمرو بن تغلب هذا الصحابي نقول: مجهول؛ لأنه لم يروِ عنه غير الحسن البصري؟ لو أبهم صار مجهول ذات ما هو بمجهول عين، لو قيل: عن رجل صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى الإشكال؛ لأن الصحابة كلهم عدول على ما تقدم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا وجد أمثلة في التابعين، وجد أمثلة في التابعين مما يرد على ...
طالب: يعني في الصحيح أن تابعي يروي عنه واحد فقط؟
نعم هذا تقدم في البحث في الأفراد والغرائب، وفي بحث المجهول أيضاً.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله ...(47/19)
شرح ألفية الحافظ العراقي (49)
مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدةٍ - أَفْرَادُ العَلَمِ - الأَسْمَاءُ والكُنَى
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدةٍ
وَاعْنِ بِأَنْ تَعْرِفَ مَا يَلْتَبِسُ ... مِنْ خَلَّةٍ يُعْنَى بِهَا المُدَلِّسُ
مِنْ نَعْتِ رَاوٍ بِنُعُوتٍ نَحْوَ مَا ... فُعِلَ في الكَلْبِيِّ حَتَّى أُبْهِمَا
مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ العَلاَّمَهْ ... سَمَّاهُ حَمَّاداً أبُو أُسَامَهْ
وبِأبِي النَّضْرِ بنِ إسْحَقَ ذَكَرْ ... وبِأبي سَعِيدٍ العَوْفِيْ شَهَرْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "من ذكر بنعوت متعددة" بنعوت أو بكنى أو بأنساب، المقصود أنه يذكر على أكثر من وجه، وهذا أكثر ما يصنعه المدلسون تدليس الشيوخ، بأن يسمي شيخه مرة وينسبه إلى جده، وينسبه أحياناً إلى قبيلته، أو يذكره بكنية لم يعرف بها، بولد من أولاده لم يشتهر به، أو ينسبه إلى مهنته، أو إلى محلة غامضة لم يعرف بها، المقصود أنه يخفيه على السامع والقارئ، وهذا ما تقدم شرحه في تدليس الشيوخ؛ لأن التدليس منه تدليس إسقاط، وهذا له أقسام كثيرة، لكن من التدليس ما لا إسقاط فيه، لكنه يجعل الوصول إلى الشيخ في غاية الصعوبة والوعورة.
وقد يفعله تدليساً وتلبيساً على المطلع عليه، لا سيما إذا كان ضعيفاً، وقد يفعله في ثقة تفنن في العبارة؛ لأنه إذا ساقه مرة واحدة في جميع الحالات على هيئة واحدة هذا يمله السامع، ويمله القارئ، ويمله إذا ساق اسم الشيخ عشرات المرات بل مئات على صيغة واحدة يمل فتجده يتفنن في العبارة لينشط.(48/1)
وقد يفعله لأن الشيخ أصغر منه سناً وإن كان ثقة فيأنف أن يذكره باسمه الواضح الصريح فتجده يكنيه وينسبه أو يذكره باسم لم يعرف به، والخطيب البغدادي يفعل هذا كثيراً في شيوخه، لا يريد بذلك تمشية الضعيف بغير اسمه، وإنما يفعل ذلك من باب التفنن في العبارة؛ لئلا يمل السامع، وبعضهم يفعل ذلك إيهاماً لكثرة الشيوخ، وأن الواحد يذكره على وجوه متعددة فيظن عدد شيوخه بعدد هذه الوجوه، ومن هنا وقع الأوهام في الجمع والتفريق، فبعض الرواة يُظن أنهم أكثر من واحد وهم في الحقيقة واحد؛ لأن من يطلع عليه يجده مرة مكنى، ومرة مسمى، ومرة منسوب إلى أبيه ومرة منسوب إلى جده، ومرة إلى قبيلته ومرة إلى مهنته، فيظنه القارئ خمسة، وهو في الحقيقة واحد، وفي هذا كتاب من أعظم ما صنف في الباب واسمه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) كتاب عظيم خُصص قسمه الأول فيما وقع فيه إمام الصنعة البخاري من هذا النوع، قد يكون الصواب مع البخاري، وقد يكون الصواب مع الخطيب، لكنه قدم بمقدمة يتعين على كل طالب علم أن يقرأها في كتاب الموضح؛ لأنه قد يقول قائل: كيف يجرأ الخطيب على أن يتناول البخاري في توهيمه في جعل هذا الراوي اثنين، وفي جعل الاثنين واحد؟ هذا تطاول على إمام الأئمة في الصنعة، الذي هو البخاري فقدم بمقدمة يتعين على كل طالب علم أن يطلع على هذه المقدمة، وأن يتأدب بنفس الأدب الذي تأدب به الخطيب على إمامته وجلالته.
قال -رحمه الله تعالى-: "واعنِ بأن تعرف" يعني اعتنِ واهتم واجعل عنايتك منصبة إلى معرفة "ما يلتبس" ويختلط فيه الأمر "من خلة" من صفة "يُعنى بها المدلسُ".
واعنِ بأن تعرف ما يلتبسُ ... من خلة يعنى بها المدلسُ
هذه الصفة التي يعنى بها المدلس اهتم بها أنت لا لتفعل، وإنما لتقف على حقيقة الحال، ولا تغتر كما اغتر غيرك بسبب صنيع هذا المدلس.
من نعت راوٍ بنعوت. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(48/2)
يصف هذا الراوي بما لم يشتهر به من نعوت كثيرة، يقلبه على جهات متعددة، وما من إنسان إذا أردت مثل هذا الفعل إلا أن تجد، تجد شخص عنده عشرة من الولد، فإذا قلت في المرة الأولى: أبو محمد أنت صادق محمد واحد من أولاده، وإذا قلت: حدثني أبو هشام هو واحد من أولاده، أنت ما كذبت، وهكذا إلى أن تأتي إلى العشرة، وتجده منسوب إلى قطر أعم تقول: العراقي مثلاً، قد تقول مرة: البغدادي، ومرة تنسبه إلى محلة في بغداد، ومرة تنسبه إلى مهنة امتهنها، ومرة تنسبه إلى قوم جلس عندهم، فإذا نوعت أوقعت في اللبس، لكن أنت عليك أن تهتم بمثل هذا، لا سيما ما وقع من المدلسين، والأمثلة التي تذكر في تدليس الشيوخ، وتذكر هنا على طالب العلم أن يعنى بها، ويهتم بها.
من نعت راوٍ بنعوت نحو ما ... . . . . . . . . .
ينعت الراوي بأوصاف؛ لأن له أوصاف متعددة، وبعدد هذه الأوصاف يمكن أن يؤتى به بعدد من الوجوه التي تكون تبعاً لهذه الأوصاف.
. . . . . . . . . نحو ما ... فعل في الكلبي. . . . . . . . .(48/3)
محمد بن السائب الكلبي "حتى أبهما" يعني وقع في إشكال وإبهام لا يمكن أن يوصل إلى حقيقته، إذا سُمي حماد مثلاً واسمه محمد كيف تعرف أنه الكلبي هذا محمد بن السائب؟ ومرة يكنى بغير كنيته، ومرة يؤتى به على وجوه متعددة، في مرار متعددة، المقصود أن مثل هذا تدليس وإن لم يكن مثل تدليس الإسقاط إلا أنه إذا وصل إلى حد يستغلق على الواقف الوقوف على حقيقته فإنه لا سيما إذا كان الراوي ضعيفاً فإنه في حكم تدليس الإسقاط، فإذا قال لك: حدثني أبو صالح الشيباني يقصد بذلك؟ الإمام أحمد، وهو معروف بأبي عبد الله، نعم صالح أكبر من عبد الله وتكنى بأبي عبد الله، وقد يكون له ابن اسمه عبد الله قبل صالح توفي صغير أو شيء من هذا، أو لأنه لا يرتضي منهج صالح لدخوله في القضاء، فتكنى بأبي عبد الله، فتكنيته بغير ما لم يشتهر به هذا تدليس، قد يقول قائل: إن هذا النوع من التدليس وقع فيه الإمام البخاري، وذلك حينما روى محمد بن يحيى بن خالد الذهلي، أو ابن خالد بن يحيى نسيت الآن، الذهلي شيخه، إمام من أئمة المسلمين، لكنه ولا في موضع واحد سماه باسمه الصريح، قد يقول: حدثني محمد، وقد ينسبه إلى جده، وقد يكنيه المقصود أنه ما نسبه باسمه الكامل صراحة ولا وفي موضع من مواضع الصحيح، ولذا قال صاحب الخلاصة لما ترجم للذهلي قال: أخرج له البخاري ويدلسه، مع أن الإمام البخاري من أبعد خلق الله على التدليس، بل صرح ابن القيم بأنه أبعد خلق الله عن التدليس، مع أن مثل هذا الإطلاق لا ينبغي، لكن لو قال: من أبعد خلق الله أصاب، المقصود أن البخاري حمله على ذلك لا للإغراب ولا لتعميته ولا لشيء من ذلك، ولا لأي مقصد من مقاصد المدلسين، وإنما كان بينه وبين الذهلي خلاف في مسألة اللفظ بالقرآن هل اللفظ بالقرآن مخلوق وإلا غير مخلوق؟ هذه مسألة اختلف فيها البخاري مع الذهلي، وتحامل الناس على البخاري بسبب قناعتهم بالذهلي واقتدائهم به، الذهلي إمام ما أحد يشك في إمامته، فصار أن البخاري -رحمة الله عليه- خالفه في هذه المسالة، ولإمامة الذهبي ما ترك البخاري الرواية عنه؛ لأنه إمام، ولمخالفته له في مسألة اللفظ ما صرح به لئلا يظن أنه يوافقه، هذا هو السبب، وهنا يقول:(48/4)
من نعت راوٍ بنعوت نحو ما ... فعل في الكلبي حتى أبهما
يعني حتى صار مبهماً أو أبهما، نعم هي الأصول كلها بهذا الضبط، أبهم يعني أبهمه من أبهمه، أو أُبهم باعتبار أنه صار في حكم المبهم الذي لا يمكن الوقوف عليه.
"محمد بن السائب" هذا هو الكلبي.
محمد بن السائب العلامه ... . . . . . . . . .
علامة في الأنساب، لكنه متفق على ضعفه، بل ضعفه شديد، حتى أتهم.
محمد بن السائب العلامه ... . . . . . . . . .
يعني يمكن أن يوصف الإنسان في باب من الأبواب بأنه علامة، لكن في أبواب أخرى يضعف، ما في ما يمنع؛ لأنه اهتم في هذا الباب حتى بلغ فيه الغاية فاستحق الوصف بالمبالغة، لكن لا يمنع أن يكون في أبواب أخرى مضعف، وهنا أئمة يقتدى بهم ومع ذلك ضعفوا في بعض الأبواب، محمد بن إسحاق إمام في المغازي، ومضعف في الرواية على خلاف بين أهل العلم في ذلك، أبو حنفية إمام في الفقه والاستنباط والرأي ومع ذلك في حفظه شيء، عاصم بن أبي النجود القارئ المعروف إمام في القراءة، ومع ذلك في حفظه شيء بالنسبة للسنة، أما بالنسبة للقرآن فلا كلام؛ لأن الإنسان ينصب جهده وعنايته بفرع من فروع العلم يستطيع أن يتقنه، وإذا غفل عن علم أو عن علوم وقع في الخلل، ولذا قال:
محمد بن السائب العلامه ... سماه حماداً أبو أسامه
حماد بن أسامة سمى الكلبي محمد بن السائب سماه: حماد بن السائب، قال: حدثنا حماد بن السائب، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني من صيغة المبالغة محمد وحماد يعني؛ لأن محمد هل هو من كثرة حمده لله فهو حماد، وإن كان لأنه محمود الشمائل .. ، المقصود أن لهم تأويلات.
وبأبي النضر بن إسحاق ذكر ... . . . . . . . . .
كناه بأبي النضر، وهو لا يعرف بهذه الكنية.
. . . . . . . . . ... وبأبي سعيد العوفي شهر
عطية العوفي كناه بأبي سعيد؛ لأنه كان يروي عن ابن عباس التفسير، ويروي عن أبي سعيد لما مات أبو سعيد قال لابن السائب هذا محمد بن السائب الكلبي قال: ترى أنا بكنيك بأبي سعيد، على شان تصير الأسانيد واحدة، فيظن من سمع أنه يرويه عن أبي سعيد الخدري، وهذه هفوة عظيمة، ولذلك عطية العوفي مضعف عند جمهور أهل العلم.(48/5)
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ ليش؟ لأبي سعيد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بكنيته، ما يعرف بأبي سعيد.
. . . . . . . . . ... وبأبي سعيد العوفي شهر
يعني شهره بين الناس في روايته عنه بأنه أبو سعيد، نعم.
أَفْرَادُ العَلَمِ
وَاعْنِ بالأَفْرَادِ سُماً أو لَقَبَا ... أوْ كُنْيَةً نَحْوَ لُبَيِّ بْنِ لَبَا
أوْ مِنْدَلٍ عَمْرٌو وَكَسْراً نَصُّوا ... في المِيمِ أوْ أَبِي مُعَيْدٍ حَفْصُ
أفراد العلم هذه الأعلام وهذه الأسماء وهذا الكنى وهذا الألقاب لم يسم بها إلا شخص واحد، أو لم يلقب به إلا شخص واحد، أو لم يكنَ به إلا شخص واحد، يعني ما تجد ثاني اسمه لبي بن لبا، لبي واحد في الدنيا كلها، واحد، من عاد يبي يجرأ يسمي ولده لبي على شان يخرم القاعدة، أو لبا، اللبا ويش هو؟ تعرفون اللبا؟ ويش هو؟
طالب: الذي يخرج من ضرع الشاة ....
نعم أول اللبن بعد الولادة، يسمى لبا، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
العوام يقولون: لِبا، لكن هل هذه حقيقته؟ "واعنِ بالأفراد" التي لم يسم بها إلا شخص واحد، ولم يكنَ بالكنى إلا شخص واحد، ولم يلقب إلا شخص واحد مع أنه يدخل الخلل في هذا الباب، يعني كم مرة حكم الأئمة بأنه لم يسم بهذا الاسم إلا شخص ثم يستدرك عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأن النفي فيه وعورة، فيه صعوبة، يعني ينفي على حد علمه لا أعلم أحداً سمي بهذا إلا فلان ماشي، لكن الجزم بأنه لم يسم به هذا دونه خرط القتاد، إلا من إمام مطلع، يعني والمقصود من ذلك الرواة، يعني حينما يدخل العلماء في هذه البحوث يقصدون بذلك من تروى عنه الأحاديث، أما الذي لا رواية له فلا يتعرضون له، يعني لو وافقه شخص ما له رواية ما يعنينا الأمر.
واعنِ بالأفراد سُما. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
سمى يعني اسماً، لغة في الاسم.
والله أسماك سما مباركا ... . . . . . . . . .
"أو لقباً" الاسم هو الذي يعين المسمى، واللقب هو ما دل على مدح أو ذم، والكنية ما صُدر بأب أو أم.
. . . . . . . . . ... أو كنيةً نحو لبي بن لبا(48/6)
هذا صحابي لبي بن لبا "أو مِندل" هكذا نصوا على أنه بالكسر، مع أن الحافظ ابن ناصر الدين وهو من أهل الشأن قاله بالفتح مَندل "أو مندل عمرو" يعني لقبه مندل، واسمه: عمرو "وكسراً نصوا" يعني كسر الميم نصوا على ذلك، أنه بكسر الميم مِندل.
. . . . . . . . . نصوا ... في الميم أو أبي معيدٍ حفصُ
لو لم تعرف أن هذه الكنية بهذا اللفظ فتقع لك في سند أو في كتاب مباشرة تأخذ القلم وتصحح مُعيد لعل الصواب أبو معبد؟ لكن قالوا لك: انتبه لهذه الأمور من أجل ألا تهجم على الكتب، لكن لما تسمع أجمد بن عجيان، أجمد بالجيم، يعني ضاقت إلا هذا الاسم؟!
طالب:. . . . . . . . .
لا أجمد كذا بالجيم.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما هو بتصحيف، لا نصوا على أنه أجمد بالجيم، جانا واحد من مالي قبل أيام اسمه: نوخ بالخاء، يعني مباشرة تأتي تأخذ القلم وتصحح إذا ما كنت تعرف هذه الأمور، فإذا عرفت هذه الأمور يصير عندك شيء من التوأدة والتريث حتى في ما لم ينص عليه تقول: احتمال، الذي سمى أجمد ما يبعد أن يسمي أخمد، نعم، فإذا وجدته معجماً من تحت أو من فوق لا تجزم ولا تجرؤ عليه حتى ترجع إلى كتب الضبط، ويقول أهل العلم: إن أولى ما يعنى به طالب العلم ضبط الأسماء التي لا تدرك من السياق، فلا يستدل عليها بما قبلها وما بعدها، إنما تأخذ من أفواه الحفاظ المتقنين، أو الكتب التي تعنى بضبط الرواة.
أو مندلٍ عمرٌو وكسر نصوا ... . . . . . . . . .
عرفنا أن ابن ناصر الدين نص على أنه بفتح الميم، وهو إمام يرجع إليه في هذا، بل هو قالوا: أضبط المتأخرين في ضبط أسماء الرجال.
. . . . . . . . . ... في الميم أو أبي معيدٍ حفصُ(48/7)
يعني عندك لبي بن لبا في الاسم، ومندل في اللقب، وأبي معيد هذا في الكنية، واقتصر على هذه الأمثلة؛ لأنها تستوعب الأقسام الثلاثة، وإلا فالأسماء من هذا النوع والألقاب والكنى فيها كثرة وفيها المصنفات، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل يذكر هذه الأفراد في كل حرف من الحروف، انتهى من حرف الألف يذكر الأفراد من حرف الألف .... التي لم يسم بها إلا شخص واحد، من حرف الباء وهكذا، فابن أبي حاتم أفردها إفراد جزئي ما هو بإفراد كلي، وهناك من أفردها إفراداً كلياً، الأفراد مثل ابن شاهين، أبو حفص بن شاهين أفرد الأفراد في كتاب له، ومنهم من أفردها في كتبه، في الكتب الشامل لجميع أنواع الرواة، لكنه أفردها عن التراجم الأصلية، يعني يكتب في حرف الألف إذا انتهى قال: الأفراد يعني من حرف الألف، وإذا انتهى من الباء قال: الأفراد وهكذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(48/8)
فيه الإكمال لابن ماكولا، الأمير بن ما كولا، وفيه المشتبه للذهبي، وفيه تبصير المنتبه، وفيه .. ، كتب كثيرة يعني تُعنى بهذا، ولا شك أن قراءة الشروح يفيد كثيراً في هذا الباب، يفيد كثيراً، يعني لما تقرأ مثلاً في شرح الكرماني مثلاً وهو يترجم للرواة ويضبطهم، ويذكر بعض الغرائب التي ذكرت عنهم، وأنت ما قصدت الترجمة بالذات، لكن مع ذلك تأتيك تبعاً، ما يقتصر على الضبط، يذكر بعض الغرائب التي حصلت لهذا، مما يرسخ اسمه في ذهنك، أيضاً القسطلاني يُعنى بالضبط ويكرر، يعني كلما تكرر اسم هذا الراوي يكرر ضبطه في الشرح من أوله إلى آخره، فأنت إذا انتهت من هذا الكتاب تكون ضبطت رواة البخاري؛ لأنه فرق بين أن تأتي إلى كتاب مجموع فيه فنون كثيرة، يأتيك مثلاً في الجلسة كم علم، وبين أن تأتي إلى كتب الرجال وكتب الضبط نعم فتقصد إليها، هذه إذا أتيت إلى كتب الرجال تحتاج إلى حفظ؛ لأنها أشبه ما تكون بالمتون، يعني أنت لما إنك مسكت التقريب مثلاً أو أي كتاب من كتب المشتبه أنت تحتاج إلى أن تكرر، ما تضبطها بمرة، لكن في الشروح تضبط بمرة؛ لأنها من ضمن الفوائد التي تمر عليك، والكتاب ما خصص لها، فأنت تضبط هذا الاسم بالتجربة يعني الإنسان ما ينتهي من شرح وإلا وقد ضبط أسماء الرواة على طريقة أهل العلم، قد يقع في الكتاب وهم قد يستدرك عليه لكن في الجملة من أنفع ما يضبط أسماء الرواة قراءة الشروح، يعني لما تقصد كتاب مختصر محرر لعلم من العلوم ما تضبط ما يذكره هذا الشخص إلا بالتكرار؛ لأن هذا الكتاب ألف للحفظ، لكن المطولات تستطيع أن تلم بمجمل ما في هذا الكتاب من غير تكرار؛ لأنه لم يتكلم مثلاً صاحب التقريب أو صاحب الإكمال على هذا الراوي بسطر واحد، ويتكلم عنه الكرماني مثلاً بنصف صفحة، يضبط اسمه، ويسلسل نسبه، ويصفه، ويلقبه، ويكنيه، ويذكر ما في اسمه من خلاف، ويذكر له طرائف وغرائب ومتى مات؟ والخلاف في وفاته، بمجموع هذه الأشياء يصفي عندك من العلم بمرة واحد أكثر مما في التقريب؛ لأن المتون صيغت بأساليب معصورة، يصعب استيعابها من غير تكرار، والشروح صيغت بأساليب مبسوطة تستوعب من غير تكرار، هذا هو الفرق، وهذا مدرك هذا، واضح وإلا مو بواضح؟(48/9)
بعض الناس يقول: ليش اقرأ شرح الكرماني يعني خمسة وعشرين جزء، وأنا أستطيع أضبط رجال الكتب الستة في مجلد واحد، نقول: يا الله اقرأ شرح الكرماني بثلاثة أشهر، وتبي تضبط رواة البخاري، لكن تعاني التقريب ثلاثة أشهر ما تحفظ عشر صفحات؛ لأن الكتب المختصرات التي ألفت للحفظ معتصرة، يعني أيهما أسهل تقرأ زاد المستقنع في جزء صغير وإلا تقرأ الكافي في ثلاثة مجلدات؟ أيهما أسهل؟ الكافي أسهل بكثير، وأسرع؛ لأن هذا يحتاج إلى معاناة، وتفكيك رموز وضماير، وتعصر ذهنك ويا الله تمشي بثلاثة أسطر، لكن الكافي تمشي ثلاث صفحات وأنت مرتاح، وتضبط من الكافي أكثر مما ضبطت من الزاد، لكن هذا ألف لطبقة وهذا ألف لطبقة، هذا ألف لهيئة للتحصيل، وذلك ألف لهيئة أخرى، يعني هذا ألف ليحفظ، وهذا ألف ليفهم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن البخاري كل من فيه ثقات، فإذا أهمل مثلاً سفيان هل يلزم أن يبين سفيان الثوري أو ابن عيينة؟ الإشكال إذا أهمل أو صعب الوصول إليه في كتاب لم يلتزم الصحة، فلا ندري هل ثقة أم ضعيف؟ لكن إذا عرفنا أن جميع الرواة ثقات. . . . . . . . . عرفناه وإلا ما عرفناه سيان.
طالب:. . . . . . . . .
ما يمنع، أحياناً حدثني محمد كل الشراح يعجزون يحددون المهمل، يصعب عليهم تمييز المهمل، لكن أينما دار فهو على ثقة، كل المحمدين في صحيح البخاري ثقات، نعم؟
طالب: الظاهر هو اسمه. . . . . . . . . محمد بن يحيى بن خالد؟
محمد بن يحيى بن خالد، إيه الذهلي.
سم.
الأَسْمَاءُ والكُنَى
وَاعْنِ بالاسْما والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ ... الشَّيْخُ ذَا لِتِسْعٍ أوْ عَشْرٍ قَسَمْ
مَنِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا ... نَحْوُ أُبِي بِلاَلٍ أوْ قَدْ زَادَا
نَحْوَ أبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ قَدْ كُنِي ... أبَا مُحَمَّدٍ بِخُلْفٍ فَافْطُنِ
وَالثَّانِ مَنْ يُكْنَى ولا اسْماً نَدْرِي ... نَحْوُ أبي شَيْبَةَ وَهْوَ الخُدْرِي
ثُمَّ كُنَى الأَلْقَابِ وَالتَّعَدُّدِ ... نَحْوَ أبي الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدِ
وابْنُ جُريْجٍ بأبي الوَلِيدِ ... وَخَالِدٌ كُنِّيَ للتَّعْدِيدِ(48/10)
ثُمَّ ذَوو الخُلْفِ كُنًى وعُلِمَا ... أسْمَاؤُهُمْ وَعَكْسُهُ وَفِيْهِمَا
وَعَكْسُهُ وَذُو اشْتِهَارٍ بِسُمِ ... وعَكْسُهُ أبو الضُّحَى لِمُسْلِمِ
يقول الناظم -رحمة الله عليه: "الأسماء والكنى" وفيها مؤلفات كثيرة لأهل العلم في الأسماء وفي الكنى، والأسماء منها ما أفرد للثقات، ومنها ما أفرد للضعفاء، ومنها ما جمع في الثقات والضعفاء، ومنها ما خصص لرجال كتاب معين، أو كتب معينة، ومنها ما ألف للمجموع، والكتب المشتملة على الأسماء والكنى والألقاب مجموعة في كتاب واحد هذا موجود، لكن الإفراد للكنى أيضاً أفردت الكنى في كتب كثيرة لأهل العلم، ومن أجمعها كتاب الدولابي، وكتاب الحافظ ابن عبد البر، والحاكم أبي أحمد وغيرهم من أهل العلم صنفوا في الكنى، والكنية كما تقدم هي ما صُدر بأب أو أم، وقد يسمى بما صدر بأب أو أم، وقد يسمى بنعت بوصف بلقب والعكس، المقصود أنه قد يسمى بالكنية وقد يسمى باللقب، ومعرفة هذا النوع في غاية الأهمية لطالب العلم؛ لأنه قد يلتبس على هذا الشخص إذا اشتهر هذا الرجل بكنيته قد لا يصل إلى اسمه، وقد يختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، وهذا هو الغالب الكثير فيمن شهر بالكنية في القديم والحديث، من اشتهر بكنيته في الغالب أنه يضيع اسمه، ومن اشتهر بالاسم دون الكنية في الغالب أن الكنية أيضاً تضيع، مثلاً أبو هريرة اختلف في اسمه واسم أبيه على؟ قيل: عشرين عند بعضهم، أوصلهم ابن عبد البر إلى عشرين، والنووي إلى ثلاثين، وأوصله بعضهم إلى أربعة وأربعين قول في اسمه واسم أبيه، لماذا؟ لأنه لم يشتهر باسمه عند الناس ولم ينادَ به، ولم يعرف به، إنما عرف بأبي هريرة، طيب قتادة اشتهر عند الناس قاطبة باسمه، فما كنيته؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو أبو قتادة، ما يجئ.
طالب:. . . . . . . . .(48/11)
أبو قتادة الحارث بن ربعي صحابي معروف، لكن قتادة بن دعامة السدوسي كنيته أبو الخطاب، والسبب في كون هذه الكنية لا تعرف أنه اشتهر بالاسم، خلاف من اشتهر بالكنية، الآن عندنا أناس كتاب معروفين اشتهروا بالكنية ما في أحد يعرف اسمهم، والعكس إذا اشتهر باسمه ما حد يعرف كنيته، يعني كثير من المشايخ ما تعرف كناهم، المشاهير، لأنهم اشتهروا بالأسماء، لا تعرف كناهم، وهكذا في الرواة يعني من تداوله الرواة باسمه خفيت كنيته، ومن تداوله الرواة بكنيته ضاع اسمه، حتى قيل في كثير منهم: إن اسمه كنيته، قد يسمى باللقب مثلاً، {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [(45) سورة آل عمران] هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم اسمه المسيح، هل المسيح لقب وإلا اسم؟ هو في الأصل لقب، لكن ما تقدر تقول: لقب وفي القرآن اسمه، قد يسمى بالكنية وحينئذٍ تلزم حالة واحدة في الإعراب، إذا سمي به مثل أبو ظبي مثلاً، تقول: هذه كنية وإلا اسم؟ اسم، ما تقول: ذهبت إلى أبي ظبي ما تجئ؛ لأنه سمي به، المقصود أن مثل هذا الباب على طالب العلم أن يعنى به، وهنا مجرد إشارات وإلا فالكتب مملؤة من الأمثلة لهذا النوع.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذا الكلام ما هو بصحيح، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما هو بصحيح، وابن دريد ليس بثقة، نعم، هذا التماس يعني كونه يختلف فيه إلى هذا الحد، قد يقول قائل مثل هذا الكلام كل بلد ينزل اسمه عمرو، ينزل الثاني عبد الله، ينزل الثالث يقول: اسمي عبد الرحمن وهكذا، هذا من حيث التصور متصور، لكن من حيث الواقع ليس بواقع.(48/12)
قال -رحمه الله-: "واعنِ بالأسماء" يعني اعتنِ واهتم بها، واجعل اهتمامك منصباً إليها، ومعرفة الأسماء والألقاب والكنى بالنسبة لطالب العلم في غاية الأهمية، يعني يقبح بطالب علم أن يسأل عن راوٍ من رواة الصحيح فلا يعرفه، مثلاً فضلاً عن .. ، هناك من يعرف قدر كبير من الرواة، وبالتدريج يعني ما يقال في دفعة في يوم واحد أو في أسبوع احفظ رواة الكتب، لا، هي تأتي بالتدريج، وإذا كان هناك خلاف في لفظه وراجعت عليه الكتب التي تعنى بالضبط، خلاص وأودعته سويداء قلبك ما تنساه، إذا كان هناك تعب، ولا يثبت مثل هذا العلم إلا بمعانات الإنسان بنفسه، ما يكل هذا الأمر إلى غيره، ما يقول: شوف لي يا فلان ضبط هذا، أو طلع لي هذا الاسم من الكمبيوتر، ما تجي، ما يضبط العلم بهذه الطريقة، ارجع أنت إلى كتب الضبط، وارجع إلى أكثر من كتاب لتعرف الخلاف فيما قيل فيه، ثم بعد ذلك إذا انتهت من البحث خلاص أضمن.
واعنِ بالأسماء والكنى وقد قسم ... الشيخ. . . . . . . . .
من الشيخ؟ ابن الصلاح، كما قال في المقدمة.
كـ (قال) أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
"ذا لتسعٍ أو عشر قسم" أو هنا للشك أو للتنويع أو للإضراب أو إيش؟ نعم؟
طالب: للشك.
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
خيّر أبح قسّم بـ (أو) وأبهمِ.
تقسيم تسع أو عشر؟ تجي تقسمها هكذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: إذا بين بعدد ما صح التقسيم ....
لا ما هو بتقسيم، ولا للشك؛ لأنها مذكورة، العشرة مذكورة، {إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [(147) سورة الصافات].
طالب:. . . . . . . . .
كأنها للإضراب؛ لأنه ذكر عشرة، والسبب في كونه يذكر تسع أن العاشر مفرد عنده، مفرد عنده عن التسع، يعني ابن الصلاح ذكر تسعة في باب مستقل، والعاشر في باب مستقل، والحافظ العراقي ضمها فبين أن التسعة قسم والعاشر قسم، فإذا جمعت صارت عشرة، وإذا نظرنا إليها من حيث التفصيل فهي تسعة، تحت عنوان واحد والعاشر تحت عنوان.(48/13)
"من اسمه كنيته" انفراداً، اسمه كنيته، أبو بلال اسمه كنيته، أبو سلمة بن عبد الرحمن نعم، قالوا: اسمه كنيته على خلافٍ هل له اسم أو. . . . . . . . . قد يذكر له عشرة أسماء، أبو بكر بن الحارث أحد الفقهاء وأبو سلمة أحد الفقهاء اشتهروا بكنيتهم فضاعت أسماؤهم، حتى قيل: إن أسماءهم كناهم، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود قالوا: اسمه كنيته، وذكر له خلاف في اسمه، المقصود أن من الرواة من أسمه كنيته انفراداً "نحو أبي بلال" إيش معنى انفراداً؟ لأنه يقابله "أو قد زادا" يعني ما ذكر له إلا كنية واحدة الإنفراد، والذي زاد ذكر له أكثر من كنية.
. . . . . . . . . ... نحو أبي بلال أو قد زادا
نحو أبي بكر بن حزمٍ قد كني ... أبا محمدٍ. . . . . . . . .
يعني ذكر له أكثر من كنية، الإنفراد ما ذكر له إلا كنية واحدة، وقد يزاد في الكنى فتتعدد، فيذكر له كنيتان أو أكثر.
نحو أبي بكر بن حزمٍ قد كني ... أبا محمدٍ بخلفٍ فافطنِ
يعني إذا قيل لك: حدثنا، أو مر بك حدثنا أبو محمد بن حزم هل يبي يدور ببالك وبخاطرك أنه محمد بن حزم؟ وأبو محمد بن حزم ما عُرف إلا علي الظاهري، نعم قال: أبو محمد، قال: أبو محمد، هذا المعروف، أبو محمد بن حزم معروف الظاهري، لكن هل يتبادر إلى ذهنك أن أبا محمد بن حزم هو أبو بكر بن حزم؟ ما يدور ببالك إلا إذا كنت على ذكر من هذا الكلام، ولذلك قال:
واعنِ بالأسماء والكنى. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
لا لا أبو بكر، كنيته أبو بكر.
طالب:. . . . . . . . .
أيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن حزم هذا الذي معنا وإلا الظاهري؟ اللي معنا أبو بكر "نحو أبي بكر بن حزم". . . . . . . . . يعني تبنى أبا بكر بن حزم، الناظم تبعاً لابن الصلاح تبنى أنه أبو بكر بن حزم "قد كني" يعني مما ذكر فيه أنه أبو محمد، إضافة إلى الكنية الأصلية التي هي أبو بكر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: كيف قال: نحو أبي وقد سمي به؟ يعني إذا سميت مدرسة سميتها بأبي بكر الصديق ويش تقول: مدرسة أبو بكر الصديق أو مدرسة أبي بكر؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟(48/14)
طالب:. . . . . . . . .
قالوا: إذا سمي خلاص لزم حالة واحدة، يصير اسم ولا يعرب بالحروف.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مثلما في القرآن مثلاً سورة المؤمنون، هذه حكاية اللفظ، وسميت بها السورة فلا تغير، وهنا أبو بكر بن حزم اسمه كنيته كيف قال: نحو أبي؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هو مضاف إليه على كل حال، أبي مضاف إليه، لكن هل نقول: إنه بدل لما صار اسمه كنيته يلزم حالة واحدة؟ مثلما قلنا في أبو ظبي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذه القاعدة وهذا الأصل باعتبار الحال، ومنهم من يلمح الأصل وهو أن الأصل فيها أنها كنية، فمن يلمح الأصل يعربها باعتبار أن أصلها معرب بالحروف، ومن ينظر إلى التسمية في الحال يلزمه حالة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
يجوز الوجهان.
طالب:. . . . . . . . .
مثلما قلت الآن، الآن في آخر كلامي قلت: من يلمح الأصل وأن الأصل فيه أن هذا مركب كنية يعربه بالحروف، ومن ينظر إليه في الحال وأنه اسم يلزمه حالة واحدة، على أن كون اسمه كنيته محل خلاف بين أهل العلم.
نحو أبي بكر بن حزمٍ قد كني ... أبا محمدٍ. . . . . . . . .
الآن أبو محمد كنية، والاسم أبو بكر هذا الذي مشى عليه هنا "بخلفٍ فافطنِ" يعني اختلف في اسمه هل له اسم غير الكنية أو ليس له ذلك؟ لكن الذي مشى عليه أن اسمه كنيته.
"والثانِ" -يعني القسم الثاني.
والثانِ من يكنى ولا اسماً ندري ... نحو أبي شيبة وهو الخدري
أبو شيبة الخدري أخو أبي سعيد الخدري، أبو سعيد عرفنا اسمه: سعد بن مالك بن سنان الخدري، لكن أخوه أبو شيبة هو مكنى بأبي شيبة لكن اسمه؟ ما اسمه؟ قال: "ولا اسماً ندري" ما ندري عن اسمه، ما وصلنا به طريق صحيح أن اسمه كذا.
والثانِ من يكنى ولا اسماً ندري ... نحو أبي شيبة وهو الخدري
أخوه سعيد نقل إلينا اسمه؛ لأنه مشهور بين الصحابة، صحابي صغير، لكنه مشهور، فعرف اسمه، وعرف الاسم؛ لأن شهرته بأبي سعيد وإن كانت مستفيضة إلا أنها لم تغطِ على اسمه، كما غطت كنية أبي هريرة على اسمه، "وهو الخدري" يعني خدرة أو خدارة بطنان من الأنصار كما هو معروف.
ثم كنى الألقاب والتعددِ ... . . . . . . . . .(48/15)
كنى الألقاب يعني الأصل فيه لقب ثم يضاف إليها أب أو أم، فإذا قال: أبو الشيخ صورتها الكنية؛ لأنها مصدرة بأب، لكن الشيخ لقب، لو مثلاً قال: فلان أبو الشماغ مثلاً، أبو الحذاء، أبو الخفاف، هل هذه كنية؟
طالب: صورتها كنية.
صورتها كنية نعم، لكن في الحقيقة الأبوة متحققة أو غير متحققة؟ غير متحققة، فهذا مرادهم.
ثم كنى الألقاب والتعددِ ... نحو أبي الشيخ أبي محمدِ
كنيته أبو الشيخ وإلا أبو محمد؟ الأول صورته صورة كنية وحقيقته لقب، والكنية الحقيقية أبو محمد.
وابن جريج بأبي الوليدِ ... وخالد كني للتعديدِ
ابن جريج كني بأبي الوليد، وكني بأبي خالد للتعديد، يعني له عدد من الكنى، فتجد من له أولاد يكنى بكل واحد منهم، وتجد بعض الناس حتى من المعاصرين تجد زملائه القدماء الذي قبل أن يتزوج يكنونه بأبيه، ويستمرون يأتيه أولاد عشرة عشرين ويستمر على كنيته القديمة، فإذا تزوج وولد له ولد أكبر اسمه غير اسم أبيه الذين عاصروه في هذه الحقبة فيما بعد الزواج يعرفون كنيته على الحقيقة، وزملائه القدماء يكنونه على ما عهدوا، نعم، وقد يكون من بين أولاده من يلازمه أكثر من ملازمة الأكبر، فيشتهر عند قوم فيكنى به، فيكون له أكثر من كنية، وهذا سبب التعدد في الكنى، تجد فئة من الناس يكنونه بأبيه، وهذا شيء سائغ ومعروف لا سيما عندنا في بلادنا قبل أن يتزوج أبو فلان بدون تردد أنه على أبيه، يعني على طول تشوف فلان ابن فلان أبو فلان، على طول ما يحتاج إلى أن تتردد، ثم إذا ولد له ولد قد يستمر يسمي الابن على الوالد هذا ما في إشكال ما يحصل فيه اضطراب، لكن إذا سمى غير ما كان يكنى به، وعُرف بذلك صار يدعى به، ثم يلازمه واحد من أولاده دون البقية فتجد أكثر الناس ما يعرف إلا هذا الولد فيكنيه به.
وابن جريج بأبي الوليدِ ... وخالد كني للتعديدِ
ثم ذوو الخلف كنى وعُلما ... أسماؤهم. . . . . . . . .
يعني أسماؤهم معلومة، لكن تجد كنيته فيها خلاف، قد يذكر من الخلاف إلى عشرة، كما أن من اشتهر بالكنية قد يذكر في اسمه عشرة أقوال.
ثم ذوو الخلف كنى وعُلما ... أسماؤهم وعكسه. . . . . . . . .(48/16)
يعني من عرفت كنيته لم يعرف اسمه أو العكس من عرف اسمه ولم تعرف كنيته، تجد الخلاف كبير قد يصل في بعض الرواة إلى العشرة الأقوال، أما قولين ثلاثة أربعة هذا كثير في الرواة؛ لأن الناس إذا طرقت على أسماعهم وتردد على أسماعهم شيء ألفوه ما بحثوا عن غيره، طيب أبو تراب الظاهري ويش اسمه؟ ويش اسمه؟ في أحد يعرف اسم أبو تراب؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، إحنا عندنا أسماء اشتهرت بالكنى لا كبير ولا صغير يعرف الاسم إلا خواصه، وبعض الناس اشتهر بالاسم وبين الناس تبحث عن كنيته ما تعرف، شيوخنا المشاهير لو يسأل عن واحد إيش كنيته؟ طلاب العلم ما يدرون؛ لأن الناس ألفوا الاسم فما صاروا يبحثون عن الكنية، وأحياناً تُؤلف الكنية فلا يبحث عن الاسم، وهذا هو السبب.
ثم ذوو الخلف كنى وعُلما ... أسماؤهم وعكسه وفيهما. . . . . . . . .
وفيهما يعني الخلاف في الأمرين في الكنية والاسم، يعني يشتهر بلقبه مثلاً، يشتهر بلقبه ثم تبحث عن اسمه ما تجد قولاً واحداً، يختلف في اسمه اختلاف كبير، تبحث عن كنية ما تجد إلا أقوال متعددة في كتب أهل العلم، هذا فيمن اشتهر بلقبه يكون الخلاف الكبير في الاسم والكنية، طيب لماذا لم يقولوا الخلاف في الثلاثة مثلاً؟ في الثلاثة يجعلوها على حد سواء، اشتهر بكنيته لماذا نبحث عن لقبه؟ اشتهر باسمه نبحث عن كنيته، اشتهر بكنيته نبحث عن اسمه، لكن اشتهر باسمه هل نبحث عن لقبه؟ أو اشتهر بكنيته هل نبحث عن لقبه كما نبحث عن أسمه؟ لا؛ لأن اللقب الأصل عدمه؛ لأنه يشعر بمدح أو ذم ما تدري هل هو ممدوح أو مذموم؟ الأمر الثاني: أننا نهينا عن التنابز بالألقاب فلا نبحث عنها، لكن إن مرت بنا وصارت مدونة وفي الألقاب أيضاً كتب، الذي يمر بنا على طريقنا من غير أن نقصده، ومن غير أن نذكره للتنقص بهذا اللقب، يعني إذا اشتهر بالأعمش، بالأعرج بكذا بكذا، الضعيف، الضال.
طالب:. . . . . . . . .(48/17)
نعم غندر وغيره، المقصود أننا لا نبحث عن اللقب، لكن إذا وجد نعرف أن هذا اللقب لفلان، ولذلك لم يجعلها على حد سواء، ذكر الخلاف في الكنى والأسماء، لكن لم يذكر الخلاف في الألقاب، لماذا؟ لأننا لا نبحث عن الألقاب، وجدت الألقاب، صنف في الألقاب نقرأ في هذا الكتب المصنفة، ونقرأ أيضاً نعم .. ، لكنها على خلاف الأصل؛ لأن فيه ما اشتمل على ذم، وذكر هذا اللقب على سبيل التنقص لا يجوز، وقد نهينا عنه، لكن إذا كان لمجرد التعريف ما عرف إلا بهذا، ولم يكون على سبيل التنقص لا مانع.
"وفيهما وعكسه" عكس إيش؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، وعكسه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الخلاف في اللقب؟ وفيهما في الاسم والكنية يختلف فيه اختلاف كبير مثل سفينة مولى النبي -عليه الصلاة والسلام- إيش اسمه؟ كنية بلال كثير من الأسماء لقبه لم يذكر، مثل ما ذكرنا، فيختلف، إذا عرف باسمه يختلف بكنيته، إذا عرف بكنيته اختلف في اسمه، لكن لا يذكرون الخلاف في اللقب، مثلما ذكرنا في أنه خلاف الأصل، لكن عكسه؟
طالب: ما في خلاف لا في اسمه ولا في كنيته. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
ويش يبقى؟
طالب: اللفظ.
إذا كان متفق عليه؟ لماذا يذكر في هذا الباب؟ وعكسه؟
طالب: يختلف في واحد. . . . . . . . .
لا يعني المفترض أنه فيه ما أختلف في اسمه وكنيته واتفق على لقبه، وعكسه اختلف في لقبه، نعم اتفق في اسمه، لكن الشرح ويش يقول؟ شرح زكريا إن كان معكم فهو أقرب، أسهل.
طالب: يقول: وعكسه وهو في الثاني فإن لم يختلف في واحد من اسمه أو كنيته كالأئمة الأربعة ....
إيه لكن مثل هذا يحتاج إلى ذكر؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(48/18)
إي نعم من باب تميم القسمة، كما يقال: القسمة رباعية مثلاً فتذكر الأقسام الأربعة وإن كان بعضها لا نحتاج إليه، نعم ومن باب تميم القسمة لم يختلف في شيء من حاله لا اسم ولا لقب ولا كنية، قالوا: كالأئمة الأربعة من الطرائف أن واحد يتكلم على الأئمة الأربعة ويقول: من غرائب الاتفاق أن الأئمة الأربعة كلهم كنيتهم أبو عبد الله، طيب ماذا عن أبي حنفية؟ نعم؟ الأئمة الثلاثة كلهم أبو عبد الله ورابعهم سفيان أبو عبد الله، نعم، لكن يبقى أبو حنفية أبو حنفية، وأبو يوسف أبو يوسف، ولم يختلف في أسمائهم ولا في كناهم، يعني هل السبب في عدم الاختلاف فيهم كونهم أئمة متبوعين، ضبط أسماءهم وكناهم وألقابهم أتباعهم؟
طالب: ما يلزم يا شيخ.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ودونت، دونت حياتهم في تراجم مفردة ومطولة، وتناقلها أتباعهم.
وعكسه وذو اشتهارٍ بِسُمِ ... . . . . . . . . .
هناك سما:
واعنِ بالأفراد سُما. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وهذا لفظ فيه غير السابق.
وعكسه وذو اشتهارٍ بِسُمِ ... وعكسه أبو الضحى لمسلمِ
"وعكسه وذو اشتهارٍ بسم" يعني من اشتهر باسمه، "وعكسه أبو الضحى" مسلم بن ... بالضم وإلا بالفتح؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش قال في الشرح؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم بخلاف الربيع بن صَبيح، ويش فائدة إفراد الأخير ذو اشتهارٍ بسمِ؟ هاه؟ يعني ما يغني عنه ما تقدم؟ يعني ما الفائدة من:
. . . . . . . . . وذو اشتهارٍ بِسُمِ ... وعكسه أبو الضحى لمسلمِ
طالب: بس هناك يا شيخ فيما تقدم فيه جمع بين الأسماء والكنى وهنا انفرد بالاسم. . . . . . . . .
طيب، وذو اشتهارٍ بسمِ.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . . وهذا اشتهر. . . . . . . . .
طالب آخر: اسم دون الكنية. . . . . . . . .(48/19)
يعني ما تقدم، من اشتهر باسمه واختلف في كنيته، وعكسه: من اشتهر بالكنية وضاع اسمه واختلف فيه، هنا اشتُهر أو اشتهر بين الرواة بالاثنين معاً، يعني ما ضاع اسمه اشتهر بالكنية لكن ما ضاع اسمه معروف، أو العكس اشتهر بالاسم وكنيته معروفة، وهذا فيه ترجيح لأحد الجانبين، اشتهر بالاسم والكنية معروفة، اشتهر بالكنية والاسم معروف، لكن ألا يوجد من اشتهر بهما على حد سواء؟ هاه؟
طالب: إيه يا شيخ يوجد. . . . . . . . .
اشتهر بهما على حد سواء.
طالب: أبو مسلم يا شيخ.
على حد سواء، كلٌ يعرف أنه عبد الله بن قيس، ما اختلف في اسمه، ويذكر في الأسانيد: حدثني عبد الله بن قيس، ويذكر بأبي موسى، أبو سعيد الخدري نفس الشيء، هل يمكن أن يذكر هنا أو لا يحتاج إلى ذكر؟
طالب: نعم.
إذا اشتهر بهما على حد سواء، الآن "وذو اشتهارٍ بسُمِ" يعني اسمه أشهر من كنيته، وعكسه العكس كنيته أشهر من اسمه، لكن إذا اشتهر بهما على حد سواء، يحتاج إلى ذكر وإلا ما يحتاج؟
طالب: ما يحتاج.
ما يحتاج؛ لأنه ما يشكل على المتعلم، لا يشكل على المتعلم فلا يحتاج إلى تنصيص، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(48/20)
شرح ألفية الحافظ العراقي (50)
الألقاب - الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
الألقاب:
وَاعْنِ بِالالْقَابِ فَرُبَّمَا جُعِلْ ... الوَاحِدُ اثْنَيْنِ الذِيْ مِنْهَا عُطِلْ
نَحْوُ الضَّعِيفِ أيْ بِجِسْمِهِ وَمَنْ ... ضَلَّ الطَّرِيْقَ بِاسْمِ فَاعِلٍ وَلَنْ
يَجُوزَ مَا يَكْرَهُهُ المُلَقَّبُ ... وَرُبَّمَا كَانَ لِبَعْضٍ سَبَبُ
كَغُنْدَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ ... وصَالِحٍ جَزَرَةَ المُشْتَهرِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
لما انتهى الناظم -رحمه الله تعالى- من الأسماء والكنى أتبع ذلك بثالث القسمة وهو الألقاب، والأصل أن تكون في ترجمة واحدة: الأسماء والكنى والألقاب، أو تفرد الأسماء وتفرد الكنى؛ لأنها مفردة في مصنفات، ومجموعة في مصنفات أخرى، فإما أن تفرد كل واحد منها بترجمة، الأسماء بترجمة، والكنى بترجمة، والألقاب بترجمة، أو تجمع الثلاثة جميعاً باعتبار أن من المصنفات ما يجمع الأقسام الثلاثة، على كل حال هذا صنيع المؤلف -رحمه الله- قال: "الألقاب" ثم بعد ذلك قال:
"واعنِ بالألقاب" كما قال: "واعنِ بالأسماء" "واعن بالأفراد" يعني اجعل عنايتك واهتمامك منصب ومتجه إلى الألقاب.
واعن بالألقاب فربما جعل ... الواحد اثنين الذي منها عطل(49/1)
يعني الذي خلى منها من معرفتها الذي صار عطلاً خالياً من معرفة الألقاب قد يجعل الواحد اثنين؛ لأن الراوي أحياناً يذكر .. ، وقد يجعله ثلاثة، أحياناً يذكره باسمه، وأحياناً يذكر بلقبه، وأحياناً يذكر بكنيته، فالذي لا يعرف الأسماء والكنى والألقاب قد يجعل الراوي ثلاثة، وكثير من الرواة جعلهم أئمة .. ، هو واحد يجعله اثنين والعكس، وذكرنا في درس مضى أن هذا الموضوع فيه كتاب للخطيب البغدادي اسمه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) وفيه أيضاً لابن أبي حاتم (بيان خطأ البخاري في تأريخه) فيه أوهام من هذا النوع للإمام -رحمة الله عليه- لأنه ليس بالمعصوم، وغيره وقع في هذا، المقصود أن الذي لا يعرف الألقاب، ولا يقال: إن البخاري لا يعرف الألقاب، لكن هناك لبس حصل في بعض الأسانيد، فجعل البخاري يستروح إلى جعل هذا الواحد اثنين أو العكس، مع أن الصواب كثير ما يكون بجانبه، ولو ظن بعض العلماء أن البخاري أخطأ في هذا، فالمسألة تكون مسألة خلاف بين البخاري وبين غيره، هل هما اثنين أو واحد؟ فقد يكون الصواب مع البخاري، وقد يكون مع غيره، يعني لا يجزم بأن كل ما ذكره الخطيب أو ابن أبي حاتم هو الصواب وما عليه البخاري هو الخطأ، لا يجزم بهذا، بل قد يكون صنيع الإمام البخاري -رحمه الله- هو الصواب، لكن آحاد الطلاب -طلاب العلم- ومن دون أولئك الأئمة في المنزلة قد يقع منه كثيراً مثل هذا إذا كان ممن ليس لديه عناية بالأسماء والكنى والألقاب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا قبل مَن ذكر بنعوت متعددة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كنى الألقاب؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه كنى الألقاب أبو الشيخ مثلاً، كنية بلقب، هذا مزدوج، نعم؟
طالب: هذا مفرد.
هذه مفرد نعم، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(49/2)
إيه تكسر وتفتح، من باب فهم، عطل يعطل، ومن باب ضرب، ثم ذكر أمثلة للألقاب التي ظاهرها خلاف باطنها، قال: "نحو الضعيف" إذا قيل: الضعيف يظن أنه ضعيف في روايته، إما في عدالته أو في حفظه وضبطه، هذا الذي يتبادر للذهن، ومثله الضال، الضال في رأيه، ضال عن الصراط المستقيم، هذا الذي يتبادر من هذه الألقاب، لكنها على خلاف الظاهر.
نحو الضعيف أي بجسمه ومن ... ضل الطريق باسم فاعل. . . . . . . . .
الضال معاوية بن عبد الكريم الضال، قيل له: ضال؛ لأنه ضل في طريق مكة، تاه، ضاع، فقيل له: الضال، يقول عبد الغني بن سعيد الأزدي: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضال، إنما ضل في طريق مكة، وعبد الله بن محمد الضعيف، وإنما كان ضعيف في جسمه لا في حديثه، وجاء في سنن النسائي أنه إنما قيل له: الضعيف لكثرة عبادته، من كثرة الصيام والقيام، الذي أثر على جسمه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الوصف، لكن مع ذلك يرجع إلى الأول، يعني ما هو بكلام جديد هو ضعيف في جسمه وقيل له: الضعيف، لكن سبب الضعف إما أن يكون كثرة العبادة كما جاء في سنن النسائي، أو يكون لأمرٍ. . . . . . . . . قال: وكان كثير العبادة، ولا شك أن من اتجهت همته وانصرفت إلى العبادة من صيام وقيام هذا لا شك أنه يحتاج إلى تخفيف الأكل؛ ليعان على ما هو بصدده، وما اتجهت همته إليه، ويترتب على ذلك أن يكون ضعيفاً في بدنه.
طالب:. . . . . . . . .
نعرف هذا لأنه لو جاءنا فلان وفلان عبد الله بن محمد الضعيف طالب علم مبتدئ ما يعرف هذه الألقاب على طول يقول: الحديث ضعيف لوجود عبد الله بن محمد الضعيف،. . . . . . . . . قال أهل العلم: ضعيف، وأشد من الضعف الضلال -نسأل الله العافية-، إذا قيل: ضال لعله متلبس ببدعة كبرى، قد تكون مخرجة من الملة، ضال -نسأل الله السلامة-، لا، هو ضل في طريق مكة فقيل له: الضال.
. . . . . . . . . ومن ... ضل الطريق باسم فاعل. . . . . . . . .(49/3)
ضال أصلها ضالِل، يعني اللام مشددة، عبارة عن حرفين، أصله ضالل، مثل: يضار {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} [(233) سورة البقرة] أصلها: تضارِر، أو تضارَر، يعني لا الأم تضارر الأب بولدها، ولا الأب يضارر الأم بولده، فإذا فككنا الإدغام تبين لنا هل هو اسم فاعل أو اسم مفعول؟ لكن هنا باسم الفاعل ضال يعني ضالِل، ضائع تائه عن الطريق.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولن
يجوز ما يكرهه الملقبُ ... . . . . . . . . .
إذا كان يكره اللقب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا إذا فككناه انتهى، لكن ما دام في وقت التشديد إذا شددناه صار أولهما ساكن؛ لأن الحرف المشدد عبارة عن حرفين أولهما ساكن، لكن إذا فككنا يصير ما تقدر أن تنطق به إذا صار ساكن، إذا فككت الإدغام ما تستطيع أن تنطق بالساكن؛ لأن الذي قبله ساكن.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولن
يجوز ما يكرهه الملقبُ ... . . . . . . . . .
أولاً: جاء النهي عن التنابز بالألقاب فلا يجوز إلا عند الحاجة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وعرف أنه لا يكره، فإن كان يكره فلن يجوز، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولن
يجوز ما يكرهه الملقبُ ... . . . . . . . . .
الأعمش سليمان بن مهران من ثقات المحدثين يكره أن يقال له: الأعمش، وزوجته ... هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(49/4)
لا لا ما هو بلقب ذا، ضبط، المقصود أن الأعمش اشتكته زوجته على شخص تتذمر من الأعمش، ولا شك أن حياة العلماء العاملين الجادين متعبة لبعض الناس، لبعض الزوجات التي ما تحمل نفس الهم تتعب معه أهله، اشتكته زوجته فقال لها هذا الشخص: لا يغرنك من الشيخ عمش عينيه، ولا حمش ساقيه، ولا ما أدري إيش؟ عدد يمكن عشرين علة ما تعرفهن هي، هي ما تعرف إلا ها العمش اللي بعينه، فهذا مجتهد يقول: لا يغرنك هذا إمام، واصبري عليه، سهل مسألة عمش عينيه، وحمش ساقيه، وما أدري إيش؟ لا يغرنك منه هذا، انظري إلى حقيقة الأمر، يريد أن يرفع من شأن هذا الشيخ الجليل، ففتح لها أبواب كانت ليست على بالها، فكان يكره -رحمه الله- أن يقال له: الأعمش، على كل حال استفاض عند الأئمة وتداولوه وغيره من أهل العلم، فلان الأحول، فلان الأعور، فلان الكذا، هذه أوصاف وألقاب مكروهة بلا شك، لكن مع ذلك إذا دعت الحجة إليها بحيث لا يتميز إلا بها، ولم يقصد بذلك الشين والعيب فإنه لا مانع منها؛ لأن العلماء تداولوا ذلك، والمصلحة المترتبة على ذكرها أولى وأعظم من المصلحة المترتبة على عدم الذكر، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أن أول من لقبه بذلك هو الذي يبوء بالإثم، لكن من تداوله متنقصاً له يأثم أيضاً.
طالب: بس مناط المنع السخرية؛ لأن الله نهى عن ذلك من أجل السخرية والمنابزة، وهذه ما قصدت.
هذا هو القيد الذي يخرج الإنسان من الإثم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولن
يجوز ما يكرهه الملقبُ ... . . . . . . . . .
الذي لا يكرهه الملقب؛ لأن بعض الناس يتداول لقبه على ألسنة الخاص والعام وهو يسمع ويرضى بذلك ولا ينكر، مثل هذا لا بأس به، مع أن الأصل أن يلجأ إلى الاسم أو الكنية وهي أفضل، التنادي بالكنى أفضل من التنادي بالأسماء، وإذا كان اللقب مشعر بمدح أيضاً كان أدعى وأولى ما لم يصل إلى حد الغلو والإطراء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولن يجوز ... هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا على شان ومن قال: ولن، يعني في البيت الأول قال: ومن، قال في الأخير: ولن يجوز.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولن(49/5)
يجوز ما يكرهه الملقبُ ... وربما كان لبعض سببُ
كان لبعض الألقاب سبب، بعضها له سبب، وبعضها لا سبب له، ومما لا سبب له ما له سبب في حقيقة الأمر لكن لم يطلع عليه، يعني في الغالب أن هذه الألقاب يكون لها سبب، هذا الأصل فيها، ما يمكن يؤتى إلى شخص ويرمى بلقب ما له علاقة ولا له داعي ولا شيء، يعني افترض أن زيد من الناس جاء واحد ولقبه بحجر، نبحث عن السبب ما وجدنا لماذا لقب بحجر؟ أكيد أن هذا الذي لقبه بحجر لمح منه وصفاً فيه شيء من الصلابة، وفيه شيء كالحجارة مثلاً، كونه لم ينقل لا يعني أنه ليس له سبب، له سبب لكن لم نطلع عليه.
. . . . . . . . . ... وربما كان لبعض سببُ
كغندر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني الأسباب التي نقلت هي من هذا النوع، والتي لم تنقل يقال: لا سبب له، يعني لم نطلع له على سبب، ولا يعني أنه لا سبب له في الحقيقة.
. . . . . . . . . ... وربما كان لبعض سببُ
كغندر محمد بن جعفرِ ... . . . . . . . . .
محمد بن جعفر لما جاءهم ابن جريج وحدثهم شاغب غندر وكثرت حركته ومشاغبته، وهذا يوجد بين الطلاب من هذا النوع، نعم يوجد، يعني اللي يدرس لا سيما الدراسات ... ، يعني عندنا -ولله الحمد- قد لا نجد في المساجد وكذا، لكن في المدارس وغيرها تجد بعضهم يشاغب، وإن كان يعني من الطلاب المحصلين اللي .. ، لكن طبعه هذا، وإلا غندر من ثقات الرواة، يشاغب، تجد هذا الطالب جيد في دراسته بارز متميز، لكنه مع ذلك جبل على شيء من المشاغبة والمرادة مع الأستاذ، أو مع زملائه، فقيل له: اسكت يا غندار، يراد به المشاغب، من قبل ابن جريج.
كغندر محمد بن جعفرِ ... وصالحٍ جزرة المشتهرِ(49/6)
صالح جزرة من كبار المحدثين، ومن النقاد الذين لهم كلام كثير في الرواة، ولهم كلام أيضاً في الحديث صالح بن محمد لقب جزرة، والسبب في ذلك أن صحّف الخرزة إلى جزرة فعرف بها، من الألقاب التي شاعت يعني في الصدر الأول الألقاب قليلة، يعني وجدت ألقاب مطابقة كالصديق مثلاً، والفاروق، وذي النورين، وهكذا، ألفاظ مطابقة للواقع، بعد عصر الصحابة جاء نوع أخر من الألقاب ثم بعد ذلك بعد انقراض القرون المفضلة جاءت ألقاب فيها تزكية للملقب، وقد يضاف إلى الدولة يمين الدولة، ركن الدولة وهكذا، ثم أضيف على الدين، بدر الدين، ناصر الدين، نصير الدين، شمس الدين، محي الدين، أضيف إلى الدين، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم قالوا: أضيف إلى الدين وإلى الحق وإلى كذا، وفيها تزكية لا تنبغي، وقد تكون لشخص يلقب بنصير الدين وهو ممن يهدم الدين، نسأل الله السلامة والعافية، ركن الدين، ألقاب في طياتها التزكية والإطراء الممنوع، ومع ذلك قد تطلق على شخص يتصف بنقيض ما لقب به، سموا أيضاً ببعض الألقاب مثلاً شيخ الإسلام أطلقت على عدد من أهل العلم، يعني كأنه في وقته هو المتفرد بالمشيخة من بين سائر العلماء، يعني لسعة علمه وإحاطته، كأن من وجد معه لم يكونوا، وأطلقت على من أطلقت عليه بحق وبغير حق، وكل طائفة من الطوائف عندها مَن تعظمه وتبجله وتطلق عليه الألفاظ، ثم بعد ذلك استرسل الناس بالألقاب التي تتضمن المدح ويتداولونها من غير نكير، ومن أطلقت عليه يسمع ولا ينكر، مع أنه جاء ذم المدح في الوجه إذا كان بحق، فكيف إذا كان بغير حق؟! نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيش معناه؟، يعني الشيخ المتفرد في هذه الملة، يعني ما في غيره.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ ولقد سمعت شيخنا شيخ الإسلام، إيه، لكن بحق هذا، لعلمه وسعة علمه وإحاطته بنصوص الوحيين وأحاطته بقواعد الشرع وكذا، يعني تفرد في عصره.
طالب:. . . . . . . . .(49/7)
عاد هم يختلفون، النبي -عليه الصلاة والسلام- مدح أناس في وجوههم، ومدح في وجهه بحضرته -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: إذا كان هذا الإنسان لا يتأثر بالمدح توسعوا فيه، إذا كان لا يتأثر، وإذا كان يتأثر بالمدح حملوا المنع على هذا، ويبقى أن على الإنسان أن يتواضع لله -جل وعلا-، وألا يرى لنفسه حق.
ذكرنا في أول درس في البخاري نقلاً عن ابن القيم أن شيخ الإسلام ... ، ابن القيم في أواخر مدارج السالكين شيخ الإسلام إذا أثنى عليه في وجهه قال: أنا لست بشيء، ولا لي شيء، ولا مني شيء، ولا عندي شيء، أنا المكدي وابن المكدي وكذا كان أبي وجدي وهو شيخ الإسلام، ثم قال كلاماً قال: وإنني أجدد إسلامي في كل وقت، وأنا إلى الآن ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
لا العبارة. . . . . . . . . إلى آخر كلامه، المقصود أن شيخ الإسلام وهو الإمام المعروف الذي إذا مدح فهو بحق يقول مثل هذا الكلام، ويتداول الآن بين طلاب علم إذا محصوا وفحصوا على الحقيقة وجدوا لا شيء، ومع ذلك يسمعون الكيل والمدح ولا يتحرك منهم ساكن، وقد يتأثرون إذا لم يمدحوا؛ لأن الناس صاروا يتداولون هذا المدح من غير نكير، والإنسان إذا حاز منهم شهادة أقرب ما تكون بشاهدة زور؛ لأنه إنما جمع فيها أوراق من كتب الناس وأعطي عليها هذه الشهادة، ولو تسأله عن غير ... ، بل بعضهم لو سأل عن ما في هذه الشهادة قد لا يحسن التعبير عنه أو توضيحه للناس؛ لأنه نقله على أي حال، هذا إذا كان نقله بنفسه، المقصود أن هذه الشهادات زادت بعض طلاب العلم غروراً، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يكره لأن فيه مدح، فيه تزكية، لكن فرق بين أن يرضى بهذا اللقب وبين أن يلقب من غير رضا، نعم.
الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ
وَاعْنِ بِمَا صُورَتُهُ مُؤْتَلِفُ ... خَطّاً وَلَكِنْ لَفْظُهُ مُخْتَلِفُ
نَحْوُ سَلاَمٍ كلُّهُ فَثَقِّلِ ... لاَ ابْنُ سَلاَمِ الحِبْرُ والمُعْتَزِلي
أَبَا عَلِيٍّ فَهْوَ خِفُّ الجَدِّ ... وَهْوَ الأَصَحُّ في أبِي البِيكَنْدِي
وابْنُ أَبِي الْحُقَيقِ وابْنُ مِشْكَمِ ... والأَشْهَرُ التَّشْدِيدُ فِيهِ فَاعْلَمِ(49/8)